You are on page 1of 15

‫محاضرة رقم ( ‪) 3‬‬

‫(*)‬
‫القانون الدستوري ( أركان الدولة )‬

‫الفصل الثاني‬

‫أركان الدولة‬

‫رغم تباين االتجاهات الدستورية بشأن تعريف الدولة ‪ ،‬فإن اإلجماع يوشك أن ينعقد على‬

‫إنه يلزم لكي توجد الدولة أن يكون هناك مجموعة من األفراد تعيش مستقرة في إقليم محدد‬

‫وتخضع لسلطة سياسية معينة ‪.‬‬

‫وبذلك يقتضي قيام الدولة توافر أركان ثالث ‪ :‬الشعب ‪ ،‬واإلقليم ‪ ،‬والسلطة السياسية ‪.‬‬

‫وتبعًا لذلك سوف نقسم هذا الفصل إلى مباحث ثالثة ‪:‬‬

‫المبحث األول ‪ :‬الشعب‬

‫المبحث الثاني ‪ :‬اإلقليم‬

‫المبحث الثالث ‪ :‬السلطة السياسية‬

‫المبحث األول‬

‫الشعب‬

‫يعد وجود الشعب ‪ ،‬ركن أساسي البد منه لقيام الدولة ( ‪ .) 1‬ويقصد به مجموعة األفراد‬

‫الذين تتكون منه الدولة ‪ ،‬وهم الذين يقيمون على أرضها ويحملون جنسيتها ( ‪.) 2‬‬

‫و ال يشترط عدد معين كحد أدنى من األفراد لقيام الدولة ‪ .‬فقد يقل العدد عن بضعة آالف‬

‫( كإمارة موناكو ‪ ،‬وأندورا ‪ ،‬وبعض الدول العربية ) ‪ .‬وقد يزيد العدد فيتجاوز عدة مئات من‬

‫( * ) ‪ -‬أ‪.‬د‪.‬رافع خضر صالح شبر ‪ ،‬القانون الدستوري ( نظرية الدولة و نظرية الدستور ) ‪ ،‬كتاب قيد االنجاز ‪. 2011 ،‬‬
‫( ‪– ) 1‬د‪ .‬محمد رفعت عبد الوهاب ‪ ،‬األنظمة السياسية ‪ ،‬منشورات الحلبي الحقوقية ‪ ،‬بيروت ‪ ، 2007 ،‬ص‪. 25‬‬
‫(‪)2‬‬
‫–د‪ .‬محمود عاطف ألبنا ‪ ،‬الوسيط في النظم السياسية ‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،‬دار الفكر العربي ‪ ،‬القاهرة ‪ ، 1988 ،‬ص‪. 14‬‬
‫الماليين ( كالهند والصين ) ‪ ،‬وإ ن كان يالحظ أن كثرة عدد أفراد الشعب ‪ ،‬تكون عامًال في زيادة‬

‫قوة الدول ونماء إنتاجها وثروتها وبسط سلطانها ‪ ،‬كما إن الجماعة السياسية في العصر الحديث‬

‫إن قل عدد سكانها إلى حد كبير فإنها ال تمثل الثقل السياسي الذي تمثله الدولة ‪ ،‬رغم توافر‬

‫عناصرها القانونية ( ‪. ) 3‬‬

‫والغالب أن يسود بين أفراد الشعب ‪ ،‬االنسجام المعنوي القائم على الجنس واللغة والدين‬

‫أو غيرها من العوامل ‪ ،‬ولكن هذا ليس شرطًا أساسيًا ‪ ،‬ألن الدولة يمكن أن تحتوي على عناصر‬

‫ال تنسجم مع سائر المجموعة في األصل أو اللغة أو الدين أو التقاليد ‪ ،‬األمر الذي يثير اآلن‬

‫مشكلة األقليات ‪.‬‬

‫وعلى كل حال ‪ ،‬سواء وجدت الرابطة المعنوية أم لم توجد ‪ ،‬فسائر أفراد الشعب‬

‫يرتبطون برابطة سياسية وقانونية ‪ ،‬وهي الجنسية أو الرعوية ‪ ،‬وهي العالقة التي تربط الرعايا‬

‫بدولتهم ‪.‬‬

‫أوًال‪-‬مفهوم الشعب ‪:‬‬

‫للشعب مفهومان ‪ ،‬المفهوم االجتماعي والمفهوم السياسي ( ‪.) 1‬‬

‫ويعني ( مفهوم الشعب االجتماعي ) ‪ :‬كافة األفراد الذين يقيمون على إقليم الدولة ‪،‬‬

‫وينتمون إليها ‪ ،‬ويتمتعون بجنسيتها ( ‪ ،) 2‬ويطلق على هؤالء رعايا الدولة الوطنيين ‪.‬‬

‫أما ( مفهوم الشعب السياسي ) فيقصد بـه ‪ :‬األفراد الذين يتمتعون بحق ممارسة الحقوق‬

‫السياسية ‪ ،‬وعلى األخص حق االنتخاب ‪ ،‬أي الذين تدرج أسماؤهم في جداول االنتخابات ‪،‬‬

‫ويطلق عليهم جمهور الناخبين ‪.‬‬

‫)‪(3‬‬
‫‪–Marcel Pr'elot : Institutions Politiques et Constitutionel, Dalloz,6ee'd ,1957.P.9.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫–د‪ .‬عبد الغني بسيوني عبد اهلل ‪ ،‬النظم السياسية ‪ ،‬أسس التنظيم السياسي ‪ ،‬دار المعارف ‪ ،‬اإلسكندرية ‪ ، 1990 ،‬ص ‪. 19‬‬
‫(‪)2‬‬
‫–د‪ .‬سعيد السيد علي ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 25‬‬
‫وعلى هذا يبقى الشعب بمعناه االجتماعي ‪ ،‬أوسع نطاقا من الشعب بمعناه السياسي ‪،‬‬

‫الذي يستبعد فئات متعددة من أفراد الشعب ‪ ،‬بحكم مركزهم القانوني ‪ ،‬سواء تعلق األمر بالناحية‬

‫الذاتية كفاقدي األهلية ‪ ،‬أو الناحية الجنائية كمرتكبي بعض الجرائم ‪.‬إّال أن أهم عامل يقرب أو‬

‫يبعد مفهومي الشعب من بعضهما البعض هو النظام الدستوري ‪.‬‬

‫فحيث يأخذ النظام الدستوري بنظام االقتراع العام ‪ ،‬يقرب الشعب بمفهومة السياسي من‬

‫الشعب بمفهومه االجتماعي ‪ ،‬ألنه ال يشترط في مواطني الدولة إال بعض الشروط التنظيمية ‪،‬‬

‫كالتي تتعلق بالجنسية ‪ ،‬أو السن ‪،‬أو األهلية ‪.‬‬

‫أما عندما يأخذ النظام السياسي بنظام االقتراع المقيد فإنه يباعد الشعب بمفهومه السياسي‬

‫عن الشعب بمفهومه االجتماعي ‪ ،‬ألنه يشترط باإلضافة إلى الشروط التنظيمية السابقة ‪ ،‬شروطا‬

‫أخرى في الناخب ‪ ،‬كتوافر قسط محدد من المال ‪ ،‬أو درجة معينة من التعليم ‪ ،‬أو االنتماء إلى‬

‫طبقة معينة من الطبقات ‪.‬‬

‫‪-‬الشعب والسكان ‪:‬‬

‫إذا كان الشعب بمعناه العام ‪ ،‬يشير إلى مجموع األفراد الذين يستقرون على إقليم دولة‬

‫معينة ‪ ،‬وينتمون إليها بالجنسية ‪ ،‬وهم الذين يطلق عليهم اصطالح رعايا أو مواطنين ‪ .‬فإن لفظ‬

‫السكان يتسع ليشمل كل من يقيم عل إقليم الدولة ‪ ،‬سواء كان من شعب هذه الدولة ( بمعناه‬

‫االجتماعي والسياسي ) أو من األجانب الذين ال ينتسبون إلى جنسية الدولة ‪ ،‬والذين ال تربطهم‬

‫بالدولة سوى رابطة اإلقامة على إقليمها ‪.‬‬

‫وهكذا يتضح اتساع مفهوم السكان عن مفهوم الشعب االجتماعي ‪ ،‬واتساع مفهوم الشعب‬

‫االجتماعي عن مفهوم الشعب السياسي ‪.‬‬

‫ثانيًا‪ -‬الشعب واألمة ‪:‬‬


‫الشعب هو مجموع األفراد الذين يكونون الدولة ‪ .‬أي إنه ركن من أركان الدولة باعتباره‬

‫مكونا للعنصر البشري فيها ‪ .‬ولذا يرتبط بالدولة وجودا وعدما ‪ .‬فإذا مازالت الدولة ألي سبب‬

‫كان كاندماجها في غيرها ‪ ،‬فإن شعبها يصبح جزءا من شعب الدولة الجديدة ‪.‬‬

‫واألمة جماعة بشرية تجمعها روابط كوحدة األصل واللغة والدين والتاريخ المشترك‬

‫وغيرها من الروابط التي تجعل منها وحدة لها كيانها الذي يميزها ويولد لدى أفرادها اإلحساس‬

‫بانتمائهم إلى هذه الوحدة االجتماعية ( ‪.) 1‬‬

‫وعلى ذلك ‪ ،‬فإن الفارق بين الشعب واألمة يتمثل في أن الرابطة التي تجمع بين أفراد‬

‫األمة رابطة طبيعية معنوية تستند إلى عوامل معينة هي األصل البشري ‪ ،‬واللغة ‪ ،‬والدين ‪،‬‬

‫والتاريخ المشترك … الخ ‪ ،‬ولكن ال يترتب عليها أي أثر قانوني ( ‪.) 1‬‬

‫أما الرابطة بين أفراد شعب الدولة فهي رابطة سياسية قانونية تفرض عليهم الوالء للدولة‬

‫والخضوع لقانونها ‪ ،‬وتفرض على الدولة في المقابل حماية أرواحهم وأموالهم وكافة حقوقهم‬

‫التي يقرها القانون ‪ .‬وال يشترط في الشعب – كركن في الدولة – أن تتوافر له خصائص األمة‬

‫ومقوماتها ‪ ،‬إذ يوجد الشعب رغم اختالف األصل أو اللغة أو الدين وغيرها من العناصر التي‬

‫تسهم في وجود األمة ‪ ،‬فالتجانس ليس شرطا لوجود الشعب ‪.‬‬

‫( ‪ – ) 1‬يراجع في تعريف األمة ‪:‬‬


‫‪-Geores Burdeau : Droit Constitionel et institutions Politique , Paris , 20e'd , 1989. p.19 .‬‬
‫–د‪ .‬نوري لطيف ‪ ،‬القانون الدستوري ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 15‬‬
‫‪-‬د‪ .‬فؤاد العطار ‪ ،‬النظم السياسية والقانون الدستوري ‪ ،‬القاهرة ‪ ، 1966 ،‬ص‪. 24‬‬
‫–د‪ .‬سليمان محمد الطماوي ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 20-19‬‬
‫( ‪-) 1‬يرى الدكتور مصطفى أبو زيد فهمي ‪ :‬أن اللغة والتاريخ هما أقوى عاملين في تكوين األمة ‪ ،‬فتأريخ األمة هو صانع ضميرها ‪،‬‬
‫ولغة األمة هي صانعة فكرها ‪.‬‬
‫‪-‬د‪ .‬مصطفى أبو زيد فهمي ‪ ،‬النظام الدستوري للجمهورية العربية المتحدة ‪ ،‬دار المعارف ‪ ، 1965،‬ص ‪. 13-12‬‬
‫وهكذا ال تتطابق بين فكرة األمة وفكرة الشعب ( ‪ .) 2‬فقد يكون شعب الدولة جزء من أمة‬

‫موزعة بين عدد من الدول من ناحية ‪ ،‬وقد يكون شعب الدولة خليطا من عدة قوميات من ناحية‬

‫أخرى ‪ ،‬وتتمثل الحالة األولى في األمة العربية الموزعة بين ( ‪ ) 22‬دولة ‪ ،‬أما الحالة الثانية‬

‫فتتمثل في االتحاد السوفيتي السابق ‪.‬‬

‫إال أن اختالف مفهوم الشعب عن األمة ال ينفي إمكان التطابق بينهما ‪ ،‬فقد يتكون شعب‬

‫الدولة من أمة واحدة وهذا هو الواقع في عدد من دول العالم وخاصة دول أوربا الغربية كفرنسا‬

‫وإ يطاليا وألمانيا ‪.‬‬

‫ثالثًا‪-‬األمة والدولة ‪:‬‬

‫األمة عبارة عن مجموعة من األفراد تستقر على إقليم معين بحيث تجمع بين هؤالء‬

‫األفراد الرغبة في العيش معا نتيجة روابط وعوامل مشتركة ‪.‬‬

‫أما الدولة فهي مجموعة متجانسة من األفراد تعيش على وجه الدوام في إقليم معين ‪،‬‬

‫وتخضع في تنظيم شؤونها لسلطة سياسية ‪.‬‬

‫وإ ذا كان يتضح من تعريف األمة والدولة اشتراكهما في عنصري األفراد واإلقليم ‪،‬‬

‫فإنهما يختلفان في أمور عدة ‪:‬‬

‫فاألمة هي حقيقة اجتماعية ونفسية قوامها التجانس واالرتباط القومي نتيجة لخصائص‬

‫ومقومات مشتركة ‪ .‬أما الدولة فهي حقيقة قانونية قوامها السلطة السياسية يخضع لها أفرادها ‪.‬‬

‫وعلى ذلك ‪ ،‬تختلف األمة عن الدولة ‪ ،‬والذي يميز بينهما هو السلطة السياسية ‪ ،‬فالسلطة‬

‫السياسية شرط ضروري لوجود الدولة ‪ ،‬وليست كذلك بالنسبة لألمة ‪ ،‬ومن ثم ليس التالزم حتميا‬

‫بين األمة والدولة ‪.‬‬

‫(‪)2‬‬
‫–د‪.‬ماجد راغب الحلو ‪ ،‬الدولة في ميزات الشريعة والنظم السياسية ‪ ،‬دار المطبوعات الجامعية ‪ ،‬اإلسكندرية ‪ ، 1966 ،‬ص ‪36‬‬
‫‪.‬‬
‫كما يظهر االختالف بين األمة والدولة ‪ ،‬في أن األمة قد تسبق وجود الدولة ( ‪ ،) 1‬وذلك‬

‫إذا انقسمت األمة الواحدة بين عدة دول ‪ ،‬بمعنى إنها قد توجد أمة واحدة تربط بين أفرادها وحدة‬

‫روحية ‪ ،‬ولكن مع ذلك نجدها موزعة بين دول مختلفة ‪.‬‬

‫ومثال ذلك ‪ ،‬األمة العربية ‪ ،‬التي تكون منها الكثير من الدول ‪ ،‬فهي سابقة على الدول ‪،‬‬

‫وكذلك األمة األلمانية التي وزعت بين دولة ألمانيا ‪ ،‬ودولة النمسا ‪ ،‬وجزء من فرنسا هو اإللزاس‬

‫‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫واللورين ‪ ،‬وبالتالي فهي أمة سابقة على الدول سالفة الذكر‬

‫ومن ناحية أخرى قد تسبق الدولة وجود األمة ‪ ،‬وذلك إذا تكونت دولة من عناصر كانت‬

‫تابعة في األصل ألمم مختلفة ‪.‬‬

‫ومثال ذلك ‪ ،‬الدولة السويسرية التي تكونت من مجموعة أفراد ينتمون بعضهم إلى أصل‬

‫فرنسي ‪ ،‬والبعض إلى أصل ألماني ‪ ،‬والبعض اآلخر إلى أصل إيطالي ‪.‬‬

‫المبحث الثاني‬

‫اإلقليم‬

‫أوًال‪-‬ماهية اإلقليم ‪:‬‬

‫ال يكفي وجود مجموعة مترابطة من األفراد لقيام دولة معينة ‪ ،‬إذ البد من وجود بقعة‬

‫محددة من األرض يستقرون عليها ويمارسون نشاطهم فوقها بشكل دائم حتى تتكون تلك الدولة ‪،‬‬

‫وهذا ما يطلق عليه إقليم الدولة ‪.‬‬

‫)‪(1‬‬
‫‪–Andre' Hauriou : Droit Constitutionel et Institution Politiques , 1966 , p.92 ets .‬‬
‫( ‪– ) 2‬د‪ .‬محمد كامل ليلة ‪ ،‬النظم السياسية ‪ ،‬دار الفكر العربي ‪ ،‬القاهرة ‪ ، 1963 ،‬ص ‪ 48‬وما بعدها ‪.‬‬
‫‪-‬د‪ .‬صالح الدين فوزي ‪ ،‬النظم السياسية ‪ ،‬مكتبة الجالء الجديدة ‪ ،‬المنصورة ‪ ، 1984-1983 ،‬ص ‪. 45‬‬
‫و وجود اإلقليم شرط ضروري لقيام الدولة ( ‪ ،) 1‬فهو الذي يمثل النطاق األرضي ‪،‬‬

‫والحيز المالي ‪ ،‬والمجال الهوائي ‪ ،‬الذي تباشر عليه الدولة سيادتها ‪ ،‬وتفرض فوقه نظامها‬

‫وتطبق عليه قوانينها ( ‪.) 2‬‬

‫ويمثل إقليم الدولة مصدر قوتها ومنعتها ‪ ،‬بما تنتجه أرضه من زراعة ‪ ،‬وما يستخرج‬

‫من باطنها من ثروات معدنية ومواد أولية ‪ ،‬وما يؤخذ من شواطئه وبحيراته وأنهاره من ثروات‬

‫بحرية ومائية ‪.‬‬

‫وبذلك ‪ ،‬ال توجد دولة –كقاعدة عامة – بدون أن يكون لها إقليم محدد المعالم يستوطنه‬

‫شعب هذه الدولة على سبيل الدوام ‪.‬‬

‫ويتبع اعتبار اإلقليم ركن من أركان الدولة ‪ ،‬أنه ال يمكن أن تتمتع بهذا الوصف القبائل‬

‫الرحل التي تتنقل من مكان إلى آخر ‪ ،‬كما ال تعتبر في مرتبة الدول الجماعات القومية التي ليس‬

‫لها إقليم خاص بها تستقر عليه وتنفرد به على وجه الدوام ‪.‬‬

‫وإلقليم كل دولة حدود تفصله عن أقاليم الدول األخرى المحيطة به ‪ ،‬وتعيين هذه الحدود‬

‫يكتسب أهميته ‪ ،‬نظرا ألنها تعين النطاق الذي تمارس الدولة سيادتها داخله ‪ ،‬والحد الذي تنتهي‬

‫عنده سلطة الدولة ‪ ،‬لتبدأ سلطة دولة أخرى ‪.‬‬

‫وهذه الحدود قد تكون طبيعية وقد تكون غير طبيعية ( صناعية )‬

‫‪-‬الحدود الطبيعية ‪ :‬هي التي توجدها الطبيعة ‪ ،‬كسلسلة جبال أو نهر أو بحر أو بحيرة ‪ .‬والشك‬

‫أن وجود فاصل طبيعي بين إقليمي دولتين له مزايا من نواحي مختلفة ‪ .‬ففيه أوال حسم لما ينشأ‬

‫عادة من منازعات بشأن تعيين الحدود ‪ ،‬وفيه ثانيا تيسير لمهمة الدفاع عن اإلقليم ضد أي اعتداء‬

‫خارجي ‪.‬‬

‫( ‪– ) 1‬د‪ .‬زهير المظفر ‪ ،‬القانون الدستوري والمؤسسات السياسية ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 60‬‬
‫( ‪– ) 2‬د‪ .‬عبد الغني بسيوني عبد هللا ‪ ،‬النظم السياسية ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 23‬‬
‫‪-‬الحدود غير الطبيعية ( الصناعية ) ‪ :‬فهي التي تلجأ إليها الدول إذا لم يكن هناك حد طبيعي‬

‫يفصل أقاليمها المجاورة ‪ ،‬أو رغبة في تعديل هذا الحد ‪ ,‬وتثبت إما بوضع اليد غير المتنازع فيه‬

‫لمدة طويلة ‪ ،‬وإ ما بالنص عليها ضمن معاهدة أو اتفاق خاص ‪ .‬وقد تكون الحدود الصناعية‬

‫مرئية إذ تبين بعالمات خارجية ظاهرة كأعمدة أو أحجار مرموقة أو أبراج صغيرة أو ما شابه‬

‫ذلك ‪.‬‬

‫وقد تكون الحدود الصناعية غير مرئية وتعين بخط ‪ ،‬كخط الطول أو خط العرض ‪.‬‬

‫ثانيًا‪-‬مشتمالت اإلقليم ‪:‬‬

‫يشتمل إقليم الدولة على اإلقليم األرضي ‪ ،‬واإلقليم المائي ‪ ،‬و اإلقليم الجوي ( ‪.) 1‬‬

‫أ‪ -‬اإلقليم األرضي ‪:‬‬

‫هو مساحة معينة من األرض ‪ .‬بكل ما تتضمنه من معالم طبيعية كالسهول والوديان‬

‫والهضاب والجبال ‪.‬كما يشمل باطن األرض ( إلى ماال نهاية في العمق ) وما تحويه من موارد‬

‫وثروات طبيعية ‪.‬‬

‫وقد يكون إقليم الدولة متصال في أجزائه ‪ ،‬كما هو الشأن في أغلب دول العالم ‪ ،‬وقد‬

‫يكون منفصل األجزاء ‪ ،‬كالدول التي تتكون من عدة جزر ‪ ،‬أو يدخل في مساحتها اإلقليمية بعض‬

‫الجزر مثل ‪ :‬بريطانيا ‪ ،‬و اندونيسيا ‪ ،‬و اليابان ‪.‬‬

‫و ال يشترط في إقليم الدولة أن يبلغ مساحة معينة ‪ .‬فقد يكون إقليما واسعا مترامي‬

‫األطراف ‪ ،‬كالصين والبرازيل ‪ .‬وقد يكون إقليما ضيقا محدود المساحة ‪ ،‬كدولة الفاتيكان ‪،‬‬

‫وجمهورية سان مارينو ‪.‬‬

‫( ‪– ) 1‬د‪ .‬محمد رفعت عبد الوهاب ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 27‬‬


‫وإ ذا كانت مساحة إقليم الدولة ال تؤثر على شخصيتها القانونية ‪ ،‬إال إن انكماش المساحة‬

‫األرضية إلقليم الدولة سيؤدي يقينا إلى تضاؤل أهمية هذه الدولة وضعف مكانتها بين دول العالم‬

‫‪ .‬وبالمقابل فأنه كلما كانت مساحة إقليم الدولة كبيرة كلما كان ذلك عونا على تزايد قوة الدولة ‪،‬‬

‫وعامال هاما على تقدمها ورقيها ‪ ،‬واحتاللها مكانة مرموقة بين دول العالم ‪.‬‬

‫ب‪ -‬اإلقليم المائي ‪:‬‬

‫ويشمل المسطحات المائية الواقعة في نطاق أرض الدولة ‪ ،‬كاألنهار والبحيرات ‪،‬‬

‫باإلضافة إلى البحر اإلقليمي ‪ ،‬وهو الجزء الساحلي المالصق لشواطئ الدولة من البحار العامة ‪.‬‬

‫وتقوم فكرة البحر اإلقليمي على أساس إن سواحل الدولة تمثل حدودها البحرية ‪ ،‬وإ ن من‬

‫حق كل دولة أن تتولى الدفاع عن هذه الحدود المفتوحة ‪ ،‬و ال يتأتى ذلك إال بسيطرتها على‬

‫مساحة معينة من المياه المتاخمة لسواحلها ‪.‬‬

‫وبالنسبة لتحديد مدى البحر اإلقليمي الذي يعد جزءا من إقليم الدولة ‪ ،‬فإنه كان مجاال‬

‫للخالف في الرأي بين دول العالم ( ‪.) 1‬‬

‫وكان األمر قد انتهى إلى تحديد نطاق البحر اإلقليمي بثالثة أميال فقط على أساس إن هذه‬

‫المسافة كانت تمثل الحد األقصى لمدى القذائف المدفعية في ذلك الحين ‪.‬‬

‫ومع ذلك فإن تحديد مدى البحر اإلقليمي بثالثة أميال ال يمثل إال الحد األدنى ‪ ،‬أما فيما‬

‫يتعلق بالحد األقصى فقد ظل محل اختالف بين الدول وال توجد قاعدة ثابتة حتى اآلن ‪ .‬حيث‬

‫تحدد بعض الدول بحرها اإلقليمي بستة أميال كإيطاليا وأسبانيا ‪ ،‬ومنها ما تحدده بإثني عشر ميال‬

‫مثل مصر والعراق ‪ ،‬وبعضها يحدده بأكثر من ذلك ‪ ،‬في حين ظلت بعض الدول متمسكة بقاعدة‬

‫الثالث أميال كحد أقصى كألمانيا واليابان ‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫– د‪ .‬علي صادق أبو هيف ‪ ،‬القانون الدولي العام ‪ ،‬الطبعة السابعة ‪ ،‬منشأة المعارف ‪ ،‬اإلسكندرية ‪ ، 1965 ،‬ص ‪. 381‬‬
‫ج‪ -‬اإلقليم الجوي ‪:‬‬

‫ويتمثل في الفضاء الذي يعلو كال اإلقليمين األرضي والمائي للدولة ‪ ،‬دون التقييد –في‬

‫األصل –بارتفاع معين ‪.‬‬

‫ولكل دولة سيادة على إقليمها الجوي ‪ ،‬وهذه السيادة ال يقيدها إال حق المرور البريء‬

‫للطائرات المدنية في إطار أحكام االتفاقيات الدولية الثنائية ‪ ،‬وكذلك االتفاقيات متعددة األطراف (‬

‫كاتفاقية شيكاغو لعام ‪.) 2 ( ) 19444‬‬

‫على إن جانبا من الفقه ‪ ،‬يالحظ إن مبدأ السيادة الكاملة واالنفرادية للدولة على طبقات‬

‫الهواء والقضاء التي تعلو إقليمها إلى ماال نهاية في االرتفاع ‪ ،‬هو مبدأ نظري بحت ‪ .‬خاصة وإ نه‬

‫مبدأ لم يعد يتوائم مع األوضاع التي كشف عنها التقدم العلمي الحديث وال يتفق مع ما يجري عليه‬

‫العمل اآلن في نطاق العالقات الدولية ‪ .‬فقد توصل اإلنسان إلى ارتياد الفضاء وأطلقت بعض‬

‫الصواريخ واألقمار الصناعية ومركبات الفضاء ‪ ،‬لتخترق طبقات الهواء والفضاء التابعة لكل‬

‫دول العالم ‪ ،‬دون الحصول على موافقتها ‪ ،‬ودون احتجاج منها ‪ .‬لذلك رأى هذا الجانب من الفقه‬

‫وجوب أن يحدد اإلقليم الجوي بارتفاع معين على أساس ما يثبت للدولة من قدرة على السيطرة‬

‫في نطاقه ‪ ،‬أما ما يعلوه فيبقى حرا طليقا ‪ ،‬وإ ن ُع رف التعامل بين الدول سوف يقرر مدى هذا‬

‫االرتفاع ‪.‬‬

‫ثالثًا‪-‬طبيعة حق الدولة على إقليمها ‪:‬‬

‫تباينت االتجاهات الفقهية الدستورية في تحديد حق الدولة على إقليمها ‪ ،‬وهي تتلخص‬

‫فيما يلي ‪:‬‬

‫‪-1‬حق ملكية ‪:‬‬

‫( ‪– ) 2‬أخذت اتفاقية باريس لسنة ‪ 1919‬بالسيادة الكاملة للدولة على طبقات الهواء التي تعلوها ‪ ،‬مع ترتيب حقوق معينة لطائرات‬
‫الدول المتعاقدة المدنية ‪ ،‬وأكدت ذلك اتفاقية الطيران المدني الدولي بشيكاغو سنة ‪. 1944‬‬
‫يذهب أنصار هذه النظرية أن طبيعة حق الدولة على إقليمها هو حق ملكية ‪ ،‬يتمثل في‬

‫تملك الدولة لإلقليم ذاته بكافة عناصره ‪ ،‬بحيث يكون للدولة حق التصرف في تلك العناصر ‪،‬‬

‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫بكافة أنواع التصرفات من بيع ورهن وتنازل وهبه … الخ‬

‫ويؤخذ على هذه النظرية إن اعتبار الدولة مالكة لإلقليم يؤدي إلى منع الملكية الفردية‬

‫للعقارات ‪ ،‬ويتعارض مع وجود أموال ال مالك لها ‪.‬‬

‫ويرد جانب من الفقه على هذا االنتقاد ‪ ،‬بأنه ال يوجد تعارض بين الملكية العامة للدولة‬

‫وبين ملكية األفراد الخاصة ‪ ،‬إذ أن ملكية الدولة لإلقليم ‪ ،‬ملكية عليا ‪ ،‬تنشر ظلها على جميع‬

‫الممتلكات الخاصة وتسمو عليها ( ‪.) 2‬‬

‫وهذا الدفاع ليس كافيا لتبرير النظرية ‪ .‬فحق الدولة على إقليمها وإ ن كان حق ملكية لكنه‬

‫يختلف عن حق الملكية المعروف في القانون الداخلي ‪ ،‬فهو حق ذا طبيعة سياسية ‪ ،‬يقصد به ما‬

‫للدولة من سلطة على اإلقليم ‪ ،‬وخضوعه لواليتها وحكمها وإ دارتاها وتشريعها وقضائها ‪.‬‬

‫‪-2‬حق سيادة ‪:‬‬

‫يرى أنصار هذه النظرية أن طبيعة حق الدولة على إقليمها هو حق سيادة ‪ ،‬و أن هذه‬

‫السيادة تتحد بنطاق اإلقليم ‪.‬‬

‫ويتمثل هذا التكييف األساس القانوني الذي يفسر سلطة الدولة في نزع ملكية العقارات‬

‫للمنفعة العامة ‪ ،‬واالستيالء المؤقت على العقارات ‪ ،‬وفي تحديد حد أقصى للملكية ( ‪.) 1‬‬

‫وينتقد هذا التكييف ‪ ،‬بأن السيادة إنما ترد على األشخاص وليس على األشياء ‪ ،‬أي إن الدولة‬

‫تمارس سيادتها على األفراد الموجودين في اإلقليم ‪ ،‬وليس على اإلقليم ذاته ‪.‬‬

‫( ‪– ) 1‬د‪ .‬سعيد السيد علي ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 54‬‬


‫( ‪– ) 2‬د‪ .‬علي صادق أبو هيف ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪.358‬‬
‫( ‪– ) 1‬د‪.‬محمود حافظ ‪ :‬الوجيز في النظم السياسية والقانون الدستوري ‪ ،‬القاهرة ‪ ، 1976 ،‬ص ‪. 21‬‬
‫ويرد جانب من الفقه على هذا االنتقاد ‪ ،‬بأنه إذا كانت سيادة الدولة على األشخاص أمرا‬

‫مسلما ‪ ،‬فإن هذه السيادة يمكن أن تنسحب على اإلقليم وتفسر بما يتالءم مع طبيعة اإلقليم وإ نه‬

‫جماد ‪ ،‬فتأخذ معنى السيطرة والهيمنة واإلشراف عليه وحمايته ‪ .‬ومقتضى هذه السيادة والهيمنة‬

‫على اإلقليم ‪ ،‬تملك الدولة حقوق واختصاصات تمارس في مواجهة األفراد ‪ ،‬وتنصب في نفس‬

‫الوقت على اإلقليم ‪ ،‬كتقرير الملكية الخاصة ‪ ،‬وحمايتها ‪ ،‬وتحديدها ونزعها للمنفعة العامة ( ‪.) 2‬‬

‫‪-3‬حق عيني نظامي ‪:‬‬

‫إزاء االنتقادات الموجهة إلى كل من نظرية الملكية ونظرية السيادة ‪ ،‬فقد اتجه الفقيه "‬

‫بيردو " إلى تكييف حق الدولة على إقليمها بأنه حق عيني ذو طبيعة نظامية ‪ .‬فهو حق عيني‬

‫ينصب على األرض أي على اإلقليم مباشرة ‪ ،‬وهو حق نظامي يتحدد مضمونه وفقا لما يقتضيه‬

‫العمل على تحقيق النظام في الدولة ( ‪.) 1‬‬

‫وانتقد هذا الرأي بأنه يفتقر إلى الوضوح الكافي لتفسير طبيعة حق الدولة على إقليمها ‪،‬‬

‫نظرا لصعوبة تحديد مضمون هذا الحق ذي الطبيعة الخاصة ‪.‬‬

‫المبحث الثالث‬

‫(‪)1‬‬
‫السلطة السياسية‬

‫ال يكفي لوجود الدولة أن يتوافر شعب يستقر على إقليم معين ‪ ،‬إذ يتعين عالوة على ذلك‬
‫(‬
‫توافر ركن ثالث يتمثل في وجود هيئة حاكمة تمارس السلطة السياسية بحيث يخضع األفراد لها‬

‫‪.) 2‬‬

‫( ‪– ) 2‬د‪ .‬محمد كامل ليلة ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 35‬‬


‫)‪(1‬‬
‫‪–Burdeau :Traite' de Science Politique , T.11e'me,ed.Paris,1967, p.83 .‬‬
‫( ‪– ) 1‬يعتبر هذا الركن أهم أركان الدولة ‪ ،‬والعنصر المميز لها ‪ ،‬فهو الذي يميزها عن األمة ‪ ،‬وهو الذي يميزها عن التجمعات‬
‫اإلنسانية األخرى ‪ ،‬كالقبيلة أو العشيرة أو األسرة ‪ ،‬وأيضا عن التقسيمات اإلدارية الموجودة داخل الدولة ‪ ،‬سواء كانت تقسيمات‬
‫مركزية أو ال مركزية ‪.‬‬
‫‪-‬د‪ .‬رمضان محمد بطيخ ‪ ،‬مبادئ األنظمة السياسية ونظم الحكم في العالم المعاصر ‪ ،‬دار النهضة العربية ‪ ، 2001 ،‬ص ‪. 51‬‬
‫( ‪– ) 2‬د‪ .‬محمود عاطف ألبنا ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪.41‬‬
‫‪-‬د‪ .‬ماجد راغب الحلو ‪ ،‬النظم السياسية والقانون الدستوري ‪ ،‬منشأة المعارف ‪ ،‬اإلسكندرية ‪ ، 2005 ،‬ص ‪. 51‬‬
‫ولما كانت الهيئة لها حق ممارسة السلطة السياسية فيكون لها حق تنظيم أمور الجماعة‬

‫وتولي شؤون اإلقليم في مختلف نواحيه التنظيمية ‪ .‬األمر الذي يتعين معه خضوع األفراد لهذه‬

‫الهيئة األولى فيما تصدره من قواعد و أحكام ‪.‬‬

‫وال يشترط أن تتخذ هذه الهيئة الحاكمة شكال سياسيا معينا ‪ ،‬وإ نما يجب أن تبسط سلطانها‬

‫على اإلقليم الذي تحكمه بما ال يسمح بوجود سلطة أخرى منافسه لها ‪.‬‬

‫وهنا يحق التساؤل ما إذا كان يشترط رضاء الطبقة المحكومة لقيم و وجود الهيئة‬

‫الحاكمة ؟ ‪.‬‬

‫يرى البعض من الفقه أنه ال يشترط رضاء وقبول الطبقة المحكومة ‪ ،‬فمتى كانت الهيئة‬

‫الحاكمة قادرة على إخضاع الطبقة األولى إلرادتها ولو بالقوة والقهر ‪ ،‬فإنها تكون صالحة‬

‫لممارسة السلطة ‪.‬‬

‫على إن البعض اآلخر قد اشترط لقيام الهيئة الحاكمة ضرورة الرضاء وقبول الطبقة‬

‫المحكومة ‪ ،‬إذ يستحيل بدون ذلك قيام الهيئة الحاكمة لممارسة السلطة ( ‪.) 3‬‬

‫وبالتالي فأي سلطة ال تستند إلى إرادة الجماعة التي تحكمها تكون سلطة فعلية ال تسمح –‬

‫كما يرى الفقه الدستوري – بقيام الدولة بالمعنى الحديث ‪ ،‬ومن ثم ‪ ،‬فقيام وتأسيس السلطة مرتبط‬

‫برضاء األفراد ( ‪.) 1‬‬

‫إال أن رضاء األفراد ال يعني أن سلطة الدولة يجب أن ال تستند إلى القوة ‪ ،‬ألن القوة‬

‫الزمة وضرورة البد منها لممارسة سلطانها ‪ ،‬وبالتالي فتخلف القوة يعني فناء الدولة ‪ ،‬ألنه‬

‫يعطي القوى المنافسة لها ‪ ،‬القدرة على الظهور وفرض وجودها على اإلقليم ‪.‬‬

‫‪-‬االعتراف بالدولة ‪:‬‬

‫( ‪– ) 3‬د‪.‬محسن خليل ‪ ،‬النظم السياسية والدستور اللبناني ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 60‬‬
‫( ‪– ) 1‬في ذات المعنى ‪ ،‬د‪ .‬ثروت بدوي ‪ ،‬النظم السياسية ‪ ،‬الكتاب األول ‪ ،‬تطور الفكر السياسي والنظرية العامة للنظم السياسية ‪،‬‬
‫الطبعة األولى ‪ ،‬دار النهضة العربية ‪ ، 1961 ،‬ص ‪. 186-185‬‬
‫إذا توافرت األركان الثالثة السابقة ( الشعب ‪-‬واإلقليم ‪-‬والسلطة السياسية الحاكمة )‬

‫تنشأ الدولة ويتحقق لها الوجود القانوني ‪ .‬فإذا ما تم هذا الوجود يتعين أن تأخذ الدولة مكانها بين‬

‫الدول األخرى ( ‪.) 2‬‬

‫ويتحقق ذلك باالعتراف بالدولة الجديدة ‪ ،‬أي التسليم من جانب الدول القائمة بوجود هذه‬

‫الدولة وقبولها كعضو في الجماعة الدولية ( ‪.) 3‬‬

‫وهنا يحق التساؤل عما إذا كان االعتراف يعد من أركان تكوين الدولة ‪ ،‬بحيث ال يمكن‬

‫أن تنشأ هذه األخيرة إال إذا قامت باقي الدول باالعتراف بها ؟ ‪.‬‬

‫إن االعتراف لفظًا يحمل في مدلوله سبق وجود الشيء المعترف به ‪ ،‬وال يمكن أن‬

‫ينصرف االعتراف إلى شيء غير موجود من قبل ‪ .‬وإ ذا طرحنا جانبا منطق األلفاظ ومدلولها ‪،‬‬

‫ونظرنا إلى المسألة من الناحية الموضوعية ‪ ،‬لما تغير الموقف ‪ ،‬ولوجدنا أن االعتراف ال يجدي‬

‫شيئًا ـ إذا لم تكن الدولة قد اكتملت أركانها و وجدت من قبل ‪ ،‬فإن لم تستكمل هذه الدولة هذه‬

‫األركان ‪ ،‬فال يمكن أن يجعل منها االعتراف شخصا دوليا ‪ ،‬ألنه ال يخرج عن كونه إجراء‬

‫قانوني إلقرار مركز فعلي سابق وجوده عليه ‪.‬‬

‫لذا أصبح من المستقر عليه في الوقت الحاضر أن االعتراف إجراء مستقل عن نشأة‬

‫الدولة ‪ .‬وذلك أن الدولة تقوم وتنشأ ويتحقق لها الوجود القانوني بتوافر األركان الثالثة السابق‬

‫بيانها ‪ .‬أما االعتراف فهو إقرار من الدول باألمر الواقع ‪ ،‬أي بأمر وجود الدولة الذي تحقق ونشأ‬

‫قبل هذا االعتراف ( ‪.) 1‬‬

‫( ‪– ) 2‬د‪.‬محمد رفعت عبد الوهاب ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪.29‬‬


‫( ‪– ) 3‬د‪ .‬علي صادق أبو هيف ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪ 180‬وما بعدها ‪.‬‬
‫( ‪– ) 1‬د‪.‬محمد رفعت عبد الوهاب ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪.30‬‬
‫ولما كان االعتراف عبارة عن إقرار لحالة واقعية سابقة عليه ‪ ،‬فهو ال يعتبر والحالة هذه‬

‫من أركان الدولة ‪ .‬ومن ثم يكون لالعتراف صفة إقراريه ال صفة إنشائية ‪ .‬ويكون من أثره‬

‫ظهور الدولة في المحيط الخارجي حيث تأخذ مكانها مع باقي الدول األخرى ‪.‬‬

‫وبناءًا على ذلك ‪ ،‬فإن االمتناع عن االعتراف بدولة جديدة من جانب الدول القائمة ‪ ،‬ال‬

‫يمنع من أن تتمتع هذه الدولة بشخصيتها القانونية الدولية وما ترتبه من حقوق ‪ .‬وكل ما ينتج عن‬

‫هذا االمتناع هو إعاقة مباشرتها لحقوقها ‪ ،‬نظرا لعدم قيام عالقات سياسية بينها وبين الدول‬

‫الممتنعة عن االعتراف ( ‪.) 2‬‬

‫( ‪– ) 2‬د‪.‬عبد الغني بسيوني عبد هللا ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪.35‬‬

You might also like