Professional Documents
Culture Documents
(*)
القانون الدستوري ( أركان الدولة )
الفصل الثاني
أركان الدولة
رغم تباين االتجاهات الدستورية بشأن تعريف الدولة ،فإن اإلجماع يوشك أن ينعقد على
إنه يلزم لكي توجد الدولة أن يكون هناك مجموعة من األفراد تعيش مستقرة في إقليم محدد
وبذلك يقتضي قيام الدولة توافر أركان ثالث :الشعب ،واإلقليم ،والسلطة السياسية .
وتبعًا لذلك سوف نقسم هذا الفصل إلى مباحث ثالثة :
المبحث األول
الشعب
يعد وجود الشعب ،ركن أساسي البد منه لقيام الدولة ( .) 1ويقصد به مجموعة األفراد
الذين تتكون منه الدولة ،وهم الذين يقيمون على أرضها ويحملون جنسيتها ( .) 2
و ال يشترط عدد معين كحد أدنى من األفراد لقيام الدولة .فقد يقل العدد عن بضعة آالف
( كإمارة موناكو ،وأندورا ،وبعض الدول العربية ) .وقد يزيد العدد فيتجاوز عدة مئات من
( * ) -أ.د.رافع خضر صالح شبر ،القانون الدستوري ( نظرية الدولة و نظرية الدستور ) ،كتاب قيد االنجاز . 2011 ،
( – ) 1د .محمد رفعت عبد الوهاب ،األنظمة السياسية ،منشورات الحلبي الحقوقية ،بيروت ، 2007 ،ص. 25
()2
–د .محمود عاطف ألبنا ،الوسيط في النظم السياسية ،الطبعة األولى ،دار الفكر العربي ،القاهرة ، 1988 ،ص. 14
الماليين ( كالهند والصين ) ،وإ ن كان يالحظ أن كثرة عدد أفراد الشعب ،تكون عامًال في زيادة
قوة الدول ونماء إنتاجها وثروتها وبسط سلطانها ،كما إن الجماعة السياسية في العصر الحديث
إن قل عدد سكانها إلى حد كبير فإنها ال تمثل الثقل السياسي الذي تمثله الدولة ،رغم توافر
والغالب أن يسود بين أفراد الشعب ،االنسجام المعنوي القائم على الجنس واللغة والدين
أو غيرها من العوامل ،ولكن هذا ليس شرطًا أساسيًا ،ألن الدولة يمكن أن تحتوي على عناصر
ال تنسجم مع سائر المجموعة في األصل أو اللغة أو الدين أو التقاليد ،األمر الذي يثير اآلن
وعلى كل حال ،سواء وجدت الرابطة المعنوية أم لم توجد ،فسائر أفراد الشعب
يرتبطون برابطة سياسية وقانونية ،وهي الجنسية أو الرعوية ،وهي العالقة التي تربط الرعايا
بدولتهم .
ويعني ( مفهوم الشعب االجتماعي ) :كافة األفراد الذين يقيمون على إقليم الدولة ،
وينتمون إليها ،ويتمتعون بجنسيتها ( ،) 2ويطلق على هؤالء رعايا الدولة الوطنيين .
أما ( مفهوم الشعب السياسي ) فيقصد بـه :األفراد الذين يتمتعون بحق ممارسة الحقوق
السياسية ،وعلى األخص حق االنتخاب ،أي الذين تدرج أسماؤهم في جداول االنتخابات ،
)(3
–Marcel Pr'elot : Institutions Politiques et Constitutionel, Dalloz,6ee'd ,1957.P.9.
()1
–د .عبد الغني بسيوني عبد اهلل ،النظم السياسية ،أسس التنظيم السياسي ،دار المعارف ،اإلسكندرية ، 1990 ،ص . 19
()2
–د .سعيد السيد علي ،المصدر السابق ،ص . 25
وعلى هذا يبقى الشعب بمعناه االجتماعي ،أوسع نطاقا من الشعب بمعناه السياسي ،
الذي يستبعد فئات متعددة من أفراد الشعب ،بحكم مركزهم القانوني ،سواء تعلق األمر بالناحية
الذاتية كفاقدي األهلية ،أو الناحية الجنائية كمرتكبي بعض الجرائم .إّال أن أهم عامل يقرب أو
فحيث يأخذ النظام الدستوري بنظام االقتراع العام ،يقرب الشعب بمفهومة السياسي من
الشعب بمفهومه االجتماعي ،ألنه ال يشترط في مواطني الدولة إال بعض الشروط التنظيمية ،
أما عندما يأخذ النظام السياسي بنظام االقتراع المقيد فإنه يباعد الشعب بمفهومه السياسي
عن الشعب بمفهومه االجتماعي ،ألنه يشترط باإلضافة إلى الشروط التنظيمية السابقة ،شروطا
أخرى في الناخب ،كتوافر قسط محدد من المال ،أو درجة معينة من التعليم ،أو االنتماء إلى
إذا كان الشعب بمعناه العام ،يشير إلى مجموع األفراد الذين يستقرون على إقليم دولة
معينة ،وينتمون إليها بالجنسية ،وهم الذين يطلق عليهم اصطالح رعايا أو مواطنين .فإن لفظ
السكان يتسع ليشمل كل من يقيم عل إقليم الدولة ،سواء كان من شعب هذه الدولة ( بمعناه
االجتماعي والسياسي ) أو من األجانب الذين ال ينتسبون إلى جنسية الدولة ،والذين ال تربطهم
وهكذا يتضح اتساع مفهوم السكان عن مفهوم الشعب االجتماعي ،واتساع مفهوم الشعب
مكونا للعنصر البشري فيها .ولذا يرتبط بالدولة وجودا وعدما .فإذا مازالت الدولة ألي سبب
كان كاندماجها في غيرها ،فإن شعبها يصبح جزءا من شعب الدولة الجديدة .
واألمة جماعة بشرية تجمعها روابط كوحدة األصل واللغة والدين والتاريخ المشترك
وغيرها من الروابط التي تجعل منها وحدة لها كيانها الذي يميزها ويولد لدى أفرادها اإلحساس
وعلى ذلك ،فإن الفارق بين الشعب واألمة يتمثل في أن الرابطة التي تجمع بين أفراد
األمة رابطة طبيعية معنوية تستند إلى عوامل معينة هي األصل البشري ،واللغة ،والدين ،
والتاريخ المشترك … الخ ،ولكن ال يترتب عليها أي أثر قانوني ( .) 1
أما الرابطة بين أفراد شعب الدولة فهي رابطة سياسية قانونية تفرض عليهم الوالء للدولة
والخضوع لقانونها ،وتفرض على الدولة في المقابل حماية أرواحهم وأموالهم وكافة حقوقهم
التي يقرها القانون .وال يشترط في الشعب – كركن في الدولة – أن تتوافر له خصائص األمة
ومقوماتها ،إذ يوجد الشعب رغم اختالف األصل أو اللغة أو الدين وغيرها من العناصر التي
موزعة بين عدد من الدول من ناحية ،وقد يكون شعب الدولة خليطا من عدة قوميات من ناحية
أخرى ،وتتمثل الحالة األولى في األمة العربية الموزعة بين ( ) 22دولة ،أما الحالة الثانية
إال أن اختالف مفهوم الشعب عن األمة ال ينفي إمكان التطابق بينهما ،فقد يتكون شعب
الدولة من أمة واحدة وهذا هو الواقع في عدد من دول العالم وخاصة دول أوربا الغربية كفرنسا
األمة عبارة عن مجموعة من األفراد تستقر على إقليم معين بحيث تجمع بين هؤالء
أما الدولة فهي مجموعة متجانسة من األفراد تعيش على وجه الدوام في إقليم معين ،
وإ ذا كان يتضح من تعريف األمة والدولة اشتراكهما في عنصري األفراد واإلقليم ،
فاألمة هي حقيقة اجتماعية ونفسية قوامها التجانس واالرتباط القومي نتيجة لخصائص
ومقومات مشتركة .أما الدولة فهي حقيقة قانونية قوامها السلطة السياسية يخضع لها أفرادها .
وعلى ذلك ،تختلف األمة عن الدولة ،والذي يميز بينهما هو السلطة السياسية ،فالسلطة
السياسية شرط ضروري لوجود الدولة ،وليست كذلك بالنسبة لألمة ،ومن ثم ليس التالزم حتميا
()2
–د.ماجد راغب الحلو ،الدولة في ميزات الشريعة والنظم السياسية ،دار المطبوعات الجامعية ،اإلسكندرية ، 1966 ،ص 36
.
كما يظهر االختالف بين األمة والدولة ،في أن األمة قد تسبق وجود الدولة ( ،) 1وذلك
إذا انقسمت األمة الواحدة بين عدة دول ،بمعنى إنها قد توجد أمة واحدة تربط بين أفرادها وحدة
ومثال ذلك ،األمة العربية ،التي تكون منها الكثير من الدول ،فهي سابقة على الدول ،
وكذلك األمة األلمانية التي وزعت بين دولة ألمانيا ،ودولة النمسا ،وجزء من فرنسا هو اإللزاس
. ()2
واللورين ،وبالتالي فهي أمة سابقة على الدول سالفة الذكر
ومن ناحية أخرى قد تسبق الدولة وجود األمة ،وذلك إذا تكونت دولة من عناصر كانت
ومثال ذلك ،الدولة السويسرية التي تكونت من مجموعة أفراد ينتمون بعضهم إلى أصل
فرنسي ،والبعض إلى أصل ألماني ،والبعض اآلخر إلى أصل إيطالي .
المبحث الثاني
اإلقليم
ال يكفي وجود مجموعة مترابطة من األفراد لقيام دولة معينة ،إذ البد من وجود بقعة
محددة من األرض يستقرون عليها ويمارسون نشاطهم فوقها بشكل دائم حتى تتكون تلك الدولة ،
)(1
–Andre' Hauriou : Droit Constitutionel et Institution Politiques , 1966 , p.92 ets .
( – ) 2د .محمد كامل ليلة ،النظم السياسية ،دار الفكر العربي ،القاهرة ، 1963 ،ص 48وما بعدها .
-د .صالح الدين فوزي ،النظم السياسية ،مكتبة الجالء الجديدة ،المنصورة ، 1984-1983 ،ص . 45
و وجود اإلقليم شرط ضروري لقيام الدولة ( ،) 1فهو الذي يمثل النطاق األرضي ،
والحيز المالي ،والمجال الهوائي ،الذي تباشر عليه الدولة سيادتها ،وتفرض فوقه نظامها
ويمثل إقليم الدولة مصدر قوتها ومنعتها ،بما تنتجه أرضه من زراعة ،وما يستخرج
من باطنها من ثروات معدنية ومواد أولية ،وما يؤخذ من شواطئه وبحيراته وأنهاره من ثروات
وبذلك ،ال توجد دولة –كقاعدة عامة – بدون أن يكون لها إقليم محدد المعالم يستوطنه
ويتبع اعتبار اإلقليم ركن من أركان الدولة ،أنه ال يمكن أن تتمتع بهذا الوصف القبائل
الرحل التي تتنقل من مكان إلى آخر ،كما ال تعتبر في مرتبة الدول الجماعات القومية التي ليس
لها إقليم خاص بها تستقر عليه وتنفرد به على وجه الدوام .
وإلقليم كل دولة حدود تفصله عن أقاليم الدول األخرى المحيطة به ،وتعيين هذه الحدود
يكتسب أهميته ،نظرا ألنها تعين النطاق الذي تمارس الدولة سيادتها داخله ،والحد الذي تنتهي
-الحدود الطبيعية :هي التي توجدها الطبيعة ،كسلسلة جبال أو نهر أو بحر أو بحيرة .والشك
أن وجود فاصل طبيعي بين إقليمي دولتين له مزايا من نواحي مختلفة .ففيه أوال حسم لما ينشأ
عادة من منازعات بشأن تعيين الحدود ،وفيه ثانيا تيسير لمهمة الدفاع عن اإلقليم ضد أي اعتداء
خارجي .
( – ) 1د .زهير المظفر ،القانون الدستوري والمؤسسات السياسية ،المصدر السابق ،ص . 60
( – ) 2د .عبد الغني بسيوني عبد هللا ،النظم السياسية ،المصدر السابق ،ص . 23
-الحدود غير الطبيعية ( الصناعية ) :فهي التي تلجأ إليها الدول إذا لم يكن هناك حد طبيعي
يفصل أقاليمها المجاورة ،أو رغبة في تعديل هذا الحد ,وتثبت إما بوضع اليد غير المتنازع فيه
لمدة طويلة ،وإ ما بالنص عليها ضمن معاهدة أو اتفاق خاص .وقد تكون الحدود الصناعية
مرئية إذ تبين بعالمات خارجية ظاهرة كأعمدة أو أحجار مرموقة أو أبراج صغيرة أو ما شابه
ذلك .
وقد تكون الحدود الصناعية غير مرئية وتعين بخط ،كخط الطول أو خط العرض .
يشتمل إقليم الدولة على اإلقليم األرضي ،واإلقليم المائي ،و اإلقليم الجوي ( .) 1
هو مساحة معينة من األرض .بكل ما تتضمنه من معالم طبيعية كالسهول والوديان
والهضاب والجبال .كما يشمل باطن األرض ( إلى ماال نهاية في العمق ) وما تحويه من موارد
وقد يكون إقليم الدولة متصال في أجزائه ،كما هو الشأن في أغلب دول العالم ،وقد
يكون منفصل األجزاء ،كالدول التي تتكون من عدة جزر ،أو يدخل في مساحتها اإلقليمية بعض
و ال يشترط في إقليم الدولة أن يبلغ مساحة معينة .فقد يكون إقليما واسعا مترامي
األطراف ،كالصين والبرازيل .وقد يكون إقليما ضيقا محدود المساحة ،كدولة الفاتيكان ،
األرضية إلقليم الدولة سيؤدي يقينا إلى تضاؤل أهمية هذه الدولة وضعف مكانتها بين دول العالم
.وبالمقابل فأنه كلما كانت مساحة إقليم الدولة كبيرة كلما كان ذلك عونا على تزايد قوة الدولة ،
وعامال هاما على تقدمها ورقيها ،واحتاللها مكانة مرموقة بين دول العالم .
ويشمل المسطحات المائية الواقعة في نطاق أرض الدولة ،كاألنهار والبحيرات ،
باإلضافة إلى البحر اإلقليمي ،وهو الجزء الساحلي المالصق لشواطئ الدولة من البحار العامة .
وتقوم فكرة البحر اإلقليمي على أساس إن سواحل الدولة تمثل حدودها البحرية ،وإ ن من
حق كل دولة أن تتولى الدفاع عن هذه الحدود المفتوحة ،و ال يتأتى ذلك إال بسيطرتها على
وبالنسبة لتحديد مدى البحر اإلقليمي الذي يعد جزءا من إقليم الدولة ،فإنه كان مجاال
وكان األمر قد انتهى إلى تحديد نطاق البحر اإلقليمي بثالثة أميال فقط على أساس إن هذه
المسافة كانت تمثل الحد األقصى لمدى القذائف المدفعية في ذلك الحين .
ومع ذلك فإن تحديد مدى البحر اإلقليمي بثالثة أميال ال يمثل إال الحد األدنى ،أما فيما
يتعلق بالحد األقصى فقد ظل محل اختالف بين الدول وال توجد قاعدة ثابتة حتى اآلن .حيث
تحدد بعض الدول بحرها اإلقليمي بستة أميال كإيطاليا وأسبانيا ،ومنها ما تحدده بإثني عشر ميال
مثل مصر والعراق ،وبعضها يحدده بأكثر من ذلك ،في حين ظلت بعض الدول متمسكة بقاعدة
()1
– د .علي صادق أبو هيف ،القانون الدولي العام ،الطبعة السابعة ،منشأة المعارف ،اإلسكندرية ، 1965 ،ص . 381
ج -اإلقليم الجوي :
ويتمثل في الفضاء الذي يعلو كال اإلقليمين األرضي والمائي للدولة ،دون التقييد –في
ولكل دولة سيادة على إقليمها الجوي ،وهذه السيادة ال يقيدها إال حق المرور البريء
للطائرات المدنية في إطار أحكام االتفاقيات الدولية الثنائية ،وكذلك االتفاقيات متعددة األطراف (
على إن جانبا من الفقه ،يالحظ إن مبدأ السيادة الكاملة واالنفرادية للدولة على طبقات
الهواء والقضاء التي تعلو إقليمها إلى ماال نهاية في االرتفاع ،هو مبدأ نظري بحت .خاصة وإ نه
مبدأ لم يعد يتوائم مع األوضاع التي كشف عنها التقدم العلمي الحديث وال يتفق مع ما يجري عليه
العمل اآلن في نطاق العالقات الدولية .فقد توصل اإلنسان إلى ارتياد الفضاء وأطلقت بعض
الصواريخ واألقمار الصناعية ومركبات الفضاء ،لتخترق طبقات الهواء والفضاء التابعة لكل
دول العالم ،دون الحصول على موافقتها ،ودون احتجاج منها .لذلك رأى هذا الجانب من الفقه
وجوب أن يحدد اإلقليم الجوي بارتفاع معين على أساس ما يثبت للدولة من قدرة على السيطرة
في نطاقه ،أما ما يعلوه فيبقى حرا طليقا ،وإ ن ُع رف التعامل بين الدول سوف يقرر مدى هذا
االرتفاع .
تباينت االتجاهات الفقهية الدستورية في تحديد حق الدولة على إقليمها ،وهي تتلخص
( – ) 2أخذت اتفاقية باريس لسنة 1919بالسيادة الكاملة للدولة على طبقات الهواء التي تعلوها ،مع ترتيب حقوق معينة لطائرات
الدول المتعاقدة المدنية ،وأكدت ذلك اتفاقية الطيران المدني الدولي بشيكاغو سنة . 1944
يذهب أنصار هذه النظرية أن طبيعة حق الدولة على إقليمها هو حق ملكية ،يتمثل في
تملك الدولة لإلقليم ذاته بكافة عناصره ،بحيث يكون للدولة حق التصرف في تلك العناصر ،
. ()1
بكافة أنواع التصرفات من بيع ورهن وتنازل وهبه … الخ
ويؤخذ على هذه النظرية إن اعتبار الدولة مالكة لإلقليم يؤدي إلى منع الملكية الفردية
ويرد جانب من الفقه على هذا االنتقاد ،بأنه ال يوجد تعارض بين الملكية العامة للدولة
وبين ملكية األفراد الخاصة ،إذ أن ملكية الدولة لإلقليم ،ملكية عليا ،تنشر ظلها على جميع
وهذا الدفاع ليس كافيا لتبرير النظرية .فحق الدولة على إقليمها وإ ن كان حق ملكية لكنه
يختلف عن حق الملكية المعروف في القانون الداخلي ،فهو حق ذا طبيعة سياسية ،يقصد به ما
للدولة من سلطة على اإلقليم ،وخضوعه لواليتها وحكمها وإ دارتاها وتشريعها وقضائها .
يرى أنصار هذه النظرية أن طبيعة حق الدولة على إقليمها هو حق سيادة ،و أن هذه
ويتمثل هذا التكييف األساس القانوني الذي يفسر سلطة الدولة في نزع ملكية العقارات
للمنفعة العامة ،واالستيالء المؤقت على العقارات ،وفي تحديد حد أقصى للملكية ( .) 1
وينتقد هذا التكييف ،بأن السيادة إنما ترد على األشخاص وليس على األشياء ،أي إن الدولة
تمارس سيادتها على األفراد الموجودين في اإلقليم ،وليس على اإلقليم ذاته .
مسلما ،فإن هذه السيادة يمكن أن تنسحب على اإلقليم وتفسر بما يتالءم مع طبيعة اإلقليم وإ نه
جماد ،فتأخذ معنى السيطرة والهيمنة واإلشراف عليه وحمايته .ومقتضى هذه السيادة والهيمنة
على اإلقليم ،تملك الدولة حقوق واختصاصات تمارس في مواجهة األفراد ،وتنصب في نفس
الوقت على اإلقليم ،كتقرير الملكية الخاصة ،وحمايتها ،وتحديدها ونزعها للمنفعة العامة ( .) 2
إزاء االنتقادات الموجهة إلى كل من نظرية الملكية ونظرية السيادة ،فقد اتجه الفقيه "
بيردو " إلى تكييف حق الدولة على إقليمها بأنه حق عيني ذو طبيعة نظامية .فهو حق عيني
ينصب على األرض أي على اإلقليم مباشرة ،وهو حق نظامي يتحدد مضمونه وفقا لما يقتضيه
وانتقد هذا الرأي بأنه يفتقر إلى الوضوح الكافي لتفسير طبيعة حق الدولة على إقليمها ،
المبحث الثالث
()1
السلطة السياسية
ال يكفي لوجود الدولة أن يتوافر شعب يستقر على إقليم معين ،إذ يتعين عالوة على ذلك
(
توافر ركن ثالث يتمثل في وجود هيئة حاكمة تمارس السلطة السياسية بحيث يخضع األفراد لها
.) 2
وتولي شؤون اإلقليم في مختلف نواحيه التنظيمية .األمر الذي يتعين معه خضوع األفراد لهذه
وال يشترط أن تتخذ هذه الهيئة الحاكمة شكال سياسيا معينا ،وإ نما يجب أن تبسط سلطانها
على اإلقليم الذي تحكمه بما ال يسمح بوجود سلطة أخرى منافسه لها .
وهنا يحق التساؤل ما إذا كان يشترط رضاء الطبقة المحكومة لقيم و وجود الهيئة
الحاكمة ؟ .
يرى البعض من الفقه أنه ال يشترط رضاء وقبول الطبقة المحكومة ،فمتى كانت الهيئة
الحاكمة قادرة على إخضاع الطبقة األولى إلرادتها ولو بالقوة والقهر ،فإنها تكون صالحة
على إن البعض اآلخر قد اشترط لقيام الهيئة الحاكمة ضرورة الرضاء وقبول الطبقة
المحكومة ،إذ يستحيل بدون ذلك قيام الهيئة الحاكمة لممارسة السلطة ( .) 3
وبالتالي فأي سلطة ال تستند إلى إرادة الجماعة التي تحكمها تكون سلطة فعلية ال تسمح –
كما يرى الفقه الدستوري – بقيام الدولة بالمعنى الحديث ،ومن ثم ،فقيام وتأسيس السلطة مرتبط
إال أن رضاء األفراد ال يعني أن سلطة الدولة يجب أن ال تستند إلى القوة ،ألن القوة
الزمة وضرورة البد منها لممارسة سلطانها ،وبالتالي فتخلف القوة يعني فناء الدولة ،ألنه
يعطي القوى المنافسة لها ،القدرة على الظهور وفرض وجودها على اإلقليم .
( – ) 3د.محسن خليل ،النظم السياسية والدستور اللبناني ،المصدر السابق ،ص . 60
( – ) 1في ذات المعنى ،د .ثروت بدوي ،النظم السياسية ،الكتاب األول ،تطور الفكر السياسي والنظرية العامة للنظم السياسية ،
الطبعة األولى ،دار النهضة العربية ، 1961 ،ص . 186-185
إذا توافرت األركان الثالثة السابقة ( الشعب -واإلقليم -والسلطة السياسية الحاكمة )
تنشأ الدولة ويتحقق لها الوجود القانوني .فإذا ما تم هذا الوجود يتعين أن تأخذ الدولة مكانها بين
ويتحقق ذلك باالعتراف بالدولة الجديدة ،أي التسليم من جانب الدول القائمة بوجود هذه
وهنا يحق التساؤل عما إذا كان االعتراف يعد من أركان تكوين الدولة ،بحيث ال يمكن
أن تنشأ هذه األخيرة إال إذا قامت باقي الدول باالعتراف بها ؟ .
إن االعتراف لفظًا يحمل في مدلوله سبق وجود الشيء المعترف به ،وال يمكن أن
ينصرف االعتراف إلى شيء غير موجود من قبل .وإ ذا طرحنا جانبا منطق األلفاظ ومدلولها ،
ونظرنا إلى المسألة من الناحية الموضوعية ،لما تغير الموقف ،ولوجدنا أن االعتراف ال يجدي
شيئًا ـ إذا لم تكن الدولة قد اكتملت أركانها و وجدت من قبل ،فإن لم تستكمل هذه الدولة هذه
األركان ،فال يمكن أن يجعل منها االعتراف شخصا دوليا ،ألنه ال يخرج عن كونه إجراء
لذا أصبح من المستقر عليه في الوقت الحاضر أن االعتراف إجراء مستقل عن نشأة
الدولة .وذلك أن الدولة تقوم وتنشأ ويتحقق لها الوجود القانوني بتوافر األركان الثالثة السابق
بيانها .أما االعتراف فهو إقرار من الدول باألمر الواقع ،أي بأمر وجود الدولة الذي تحقق ونشأ
من أركان الدولة .ومن ثم يكون لالعتراف صفة إقراريه ال صفة إنشائية .ويكون من أثره
ظهور الدولة في المحيط الخارجي حيث تأخذ مكانها مع باقي الدول األخرى .
وبناءًا على ذلك ،فإن االمتناع عن االعتراف بدولة جديدة من جانب الدول القائمة ،ال
يمنع من أن تتمتع هذه الدولة بشخصيتها القانونية الدولية وما ترتبه من حقوق .وكل ما ينتج عن
هذا االمتناع هو إعاقة مباشرتها لحقوقها ،نظرا لعدم قيام عالقات سياسية بينها وبين الدول