Professional Documents
Culture Documents
منذ أن خلق اهلل البريئة كانت حاجة اإلنسان والمجتمعات لألمن حاجة حيوّي ة ألجل استمرار الحياة
واس تقرارها وعم ران األرض ،وغي اب األمن ي ترّتب عن ه الخ وف وانع دام الطمأنين ة مّم ا ي ؤّثر في حي اة
المجتمع ات .وي دّل األمن االجتم اعي على ع ّد ة مظ اهر وج وانب مثل س المة األش خاص والجماع ات من
األخطار الداخلية والخارجية المه ّد دة لسالمتهم الجسدية وممتلكاتهم الخاّص ة ومن خطر الجريمة والمجرمين.
وال يتحق ق األمن االجتم اعي إال بت وافر جمل ة من العملي ات والمع ايير المجتمعي ة ذات الط ابع االقتصادي
واالجتم اعي والسياس ي والثق افي ،يس عى المجتم ع وأف راده لتجس يدها ،وتق وم س لطة الدول ة بفرض ها بواس طة
القانون والتنظيم كما ُيساهم فيها المجتمع المدني.
تق وم مؤسس ات الدول ة ك ل في مج ال اختصاصها بف رض النظ ام وس يادة الق انون بواس طة أجهزته ا
اإلدارية والقضائية من جهة ،والتوعية االجتماعية ومسؤولية المجتمع المدني في الحفاظ على األمن االجتماعي
من جه ة أخرى .ومن مؤسس ات الدول ة الهاّم ة التي يقع على عاتقه ا عبء توف ير األمن :إدارة الش رطة التي
تض طلع بمهّم ة ح ّق الدول ة في ف رض قي ود تح ّد به ا من حرّي ات األف راد بقصد حماي ة النظ ام الع ام في مختل ف
مظاهره ( األمن العاّم والسكينة العاّم ة والصّح ة العاّم ة ) .وفي سبيل ذلك تؤّد ي الشرطة عّد ة وظائف تض بطها
القوانين أهّم ها الوظيفة اإلدارية والقضائية واالجتماعية ُ ،م ّتبعة في ذلك وسائل ردعية ووقائية ،مثل أعمال
الضبط القضائي الهادفة لتتّب ع المجرمين والكشف عنهم وإ لقاء القبض عليهم لتقديمهم للعدالة التي تقتّص منهم
لغاي ة توف ير األمن للمواط نين ،أو الض بط اإلداري ال ذي ُينّظم ش ؤون الن اس اليومي ة ويرس م ح دود ك ل ف رد
وواجبات ه وذل ك بواس طة ( مثال ) ش رطة الم رور ،والبن اء ،وحف ظ األمن الع اّم ،إلى ج انب الوظيف ة
االجتماعي ة التي قوامه ا توعّي ة المواطن بأهمّي ة وض رورة الحفاظ على أمن ه الخاص وأمن الجماع ة بالتع اون
الوثي ق م ع الش رطة ،وتق ديم ي د المس اعدة للمواط نين والتق ّر ب من بعض مش اكلهم االجتماعي ة بالخصوص .
ويرى علماء االجتماع أن غياب وتراجع مع ّد الت الجريمة بمختلف أشكالها يعّب ر عن حالة األمن االجتماعي ،
والعكس ف إن تفش ي اإلج رام يع ني حال ة غي اب األمن االجتم اعي ،فمعي ار األمن من وط بق درة المؤسس ات
الحكومية واالجتماعية في الحّد من الجريمة والتصّد ي لها ،وأن حماية األفراد والجماعة من مسؤولية الدولة –
من خالل ف رض النظ ام وبس ط س يادة الق انون بواس طة األجه زة األمني ة والقض ائية ،واس تخدام الق ّو ة إذا تطلب
الم ر ذل ك ليتحق ق األمن والش عور بالعدال ة ال تي تع زز االنتم اء للدول ة بصفتها الح امي األمين لحي اة الن اس
1
وممتلكاتهم وتوفير العيش الكريم لهم .
نظير محمد أمين – المتغيرات الدولية واإلقليمية و أثرها على األمن االجتماعي .ص 5 1
ال شّك أن لجهاز الشرطة عمال كبيرا وأساسيا في تحقيق األمن االجتماعي ،أوال بأدائه الدور الكامل
في خدمة األمن العاّم بالتعاون مع مؤسسات الدولة األخرى ،وثانيا تقّر به من المواطن وتعاونه معه لتجسيد هذا
األمن.
سنعالج موضوع هذا البحث من هذه المنطلقات باستعراض نقاط :مفهوم األمن االجتماعي ومقّو ماته،
ودعائم ه ،والترك يز على دور جه از الش رطة في تحقي ق األمن االجتم اعي ب التطرق ألهّم وظ ائف الش رطة
التقليدية والحديثة ( االجتماعية ) مقّد مين مقترحات تثري هذا الموضوع الهاّم .
األمن االجتم اعي بمفهوم ه البس يط يع ني س المة األف راد والجماع ات من األخط ار ال تي الداخلي ة
والخارجي ة ال تي يتعّر ض ون له ا س واء ذات الطبيع ة العس كرية ال تي ي ترّتب عنه ا القت ل واالعت داء على األف راد
والممتلكات ،أو في مجال تزايد معّد الت الجريمة وتفّش ي اإلجرام الذي يؤّد ي إلى المساس باألمن االجتماعي،
فتسعى الدولة إلى إقامة قواعد لعبة يجب احترامها في العالقات االجتماعية ،ألن السلطة السياسية من أولويات
مهاّم ه ا العم ل على توف ير األمن وس يادة النظ ام ،وه ذا يع ني أنه ا تنش غل ب األمن الب دني للمواط نين وه و الخ ير
األثمن ال ذي بدون ه ُيبقي التمّت ع ب الخيرات األخ رى ب دون ج دوى .ووج ود الش رطة يجّس د مادّي ا حماي ة األف راد
األكثر تعّر ضا للخطر والتهديد ( باألساس ).2
كما يمكن أن يكون األمن االجتماعي مسؤولية اجتماعية بوصفه ينبع من مسؤولية الفرد تجاه نفسه
وأسرته ،وبهذا نشأت أعراف العشيرة وتقاليدها لتصبح جزءا من القانون السائد ،وذلك قبل أن يّتخذ مفهوم
قبل التطّر ق لمفهوم األمن االجتماعي يجدر الحديث عن التطّو ر االجتماعي الذي يخّص تطّو ر عالقات
األف راد بعض هم البعض ،بحيث يك ون الج انب االجتم اعي والنظ رة إلى رعاي ة الف رد للف رد ال تق ّل عن رعاي ة
الفرد لنفسه .والتطّو ر االجتماعي يعكس نمّو عالقات األفراد في دائرة المشاركة الوجدانية والتعاون في سبيل
العم ل المثم ر والخ ير الع اّم للمجتم ع ب دال من اس تمرار "الفردّي ة" وتحّك م األناني ة ال تي ت وحي به ا طفول ة الف رد
وطفول ة المجتم ع . 4ومن ذ الق دم أدرك أف راد األس رة فعال عالق ات بعض هم ببعض ،وارتبط وا فيم ا بينهم على
أساس من التعاون والرعاية المتبادلة عند األزمات التي تج ّد بينهم أو تطرأ عليهم من غريب عنهم ،وعرفوا
ح دود م ا يجب أن ُيفع ل وم ا يجب أن ُي ترك في س بيل ه ذا التع اون وس بيل تل ك الرعاي ة ،ووقف وا أن لهم جميع ا
هدفا واحدا هو أن تبقى أسرتهم قوّية عزيزة في مواجهة غيرها من األسر .هناك يكون الوعي االجتماعي قد
تيّقظ بين أفراد هذه األسرة وأخذ طريقه نحو غايته لينتقل م ــن مرحلة إلى مرحلة أقوى منها ،حتى يصل األمر
بينهم إلى تكّتل أو وح دة ، 5ومن هن ا نش أت ب وادر البن اء االجتم اعي األّو ل ال ذي س عى في ه األف راد إلى تعمي ق
عالقاتهم وتقوّي ة روابطهم اإلنسانية المشتركة التي كان أساسها التعاون المثمر لتحقيق حاجيات الجماعة التي
من أولوياتها أمنهم االجتماعي للتّم كن بالخصوص من العيش في طمأنينة وسالم .
د .محمد عمارة -اإلسالم واألمن االجتماعي .ص ، 5دار الشروق – القاهرة ،مصر .1998 3
د .محمد البهّي – الدين والحضارة اإلنسانية .ص ، 27دار الفكر – بيروت ،القاهرة ( لبنان ،مصر ) .1974 4
5
د .محمد البهّي – المرجع السابق ص .29
2
تعّد دت اآلراء حول مفهوم األمن االجتماعي في واقعنا المعاصر ،وذلك تبعا لمجاالت الحياة المرتبط
بها هذا المفهوم ،وتبعا الختالف اهتمامات المفكرين والعلماء ،وحسب اختالف المتغّيرات والعوامل التي تحيط
بهم واختالف أه داف الدراس ات ال تي يقوم ون به ا .ويمكن إيج از مف اهيم األمن االجتم اعي من وجه ة نظ ر
الباحثين في الجوانب التالية :
-الجانب التنظيمي ،الذي غايته عناية الدولة ومؤسساتها بالبعد الجنائي وحماية األفراد والمجتمع من
أي اعتداء يحتمل وقوعه عليهم ( وهذا موضوع بحثنا ) .
-الجانب السياسي أو االقتصادي أو االجتماعي ،الذي تترجمه درجة اإلدراك التي تصلها أجهزة
الدولة المختّص ة وتطّبقها في شكل استراتيجيات تقوم على أساس الحفاظ على المظاهر االقتصادية واالجتماعي ة
والسياسية وتطويرها في المجتمع. 6
ـ الجانب العسكري ،وهو الحفاظ على أمن اإلقليم وتوفيرا لحماية العسكرية .
والحقيقة أن هذه الجوانب غير مستقّلة عن بعضها البعض بل تتكامل لتحّقق غاية واحدة أساسا ،وهي
إنجاز األمن بمفهومه الشامل ،وفي هذا الصدد يورد وزير الدفاع األميركي األسبق روبرت ماكنمارا في كتابه
( جوهر األمن ) تعريفا لألمن يرى بأنه ليس سوى التط ّو ر والتنمية سواء منها االقتصادية أو االجتماعية أو
السياسية في ظل حماية مضمونة ( أي توفير األمن العسكري لهذه التنمية وحمايتها من التهديدات ) .ولهذا
ف إن األمن الحقيقي للدول ة ينب ع من معرفته ا العميق ة للمصادر ال تي ته ّد د مختل ف مق ّد راتها ومواجهته ا إلعط اء
الفرصة لتنمي ة تل ك الق درات تنمي ة فعلّي ة في كاف ة المج االت س واء في الحاض ر أو المس تقبل ،فال ُيمكن حصر
األمن في الجانب الردعي والعسكري بدون توفير المقّو مات والسلوكيات التي تع ّد من أهّم ركائزه خاّص ة مع
تزايد التهديدات األمنية الراهنة .أّم ا هنري كيسنجر وزير الخارجية األميركي األسبق فيرى أن األمن يعني
أّي تصرفات يسعى المجتمع عن طريقها لحفظ حّق ه في البقاء .وهناك من ع ّر ف األمن االجتماعي بأنه قدرة
المجتمع والدول ة على مواجهة كاف ة التهديدات الداخلي ة والخارجي ة بما يؤّد ي إلى محافظته على كيانه وهوّيت ه
وإ قليمه وموارده وتماسكه وتطّو ره وحرّية إرادته. 7
6
سني محمد أمين – مفهوم األمن - 2008 .الموقع الكترونيsnimedamine.maktoobblog.com :
7
سني محمد أمين – مفهوم األمن - 2008 .المرجع السابق.
واألمن االجتماعي من وجهة النظر اإلسالمية يشمل كلمتين :األمن ،وهو في اصطالح اللغة العربية
وكما جاءت معانيه في القرآن الكريم هو ض ّد الخوف الذي هو الفزع ،وهو الطمأنينة واالطمئنان بعدم توقع
مك روه في ال زمن الحاض ر واآلتي ،واالجتم اعي معناه ا المواق ف ال تي فيه ا ت أثير متب ادل بين فرق اء ت ربطهم
رواب ط وعالق ات .8وه ذا األمن االجتم اعي ال يتحق ق إال في بوتق ة الض رورات الخمس ال تي ال قي ام لل دين وال
للدنيا بدون تحققها ،ألن غيابها ُيفضي إلى اختالل استقامة المصالح فتتهّد د الحياة في الدنيا
والنجاة والنعيم في اآلخرة ،وهي :الحفاظ على الدين وإ قامته – الحفاظ على اإلنسان -الحفاظ على العقل
اإلنساني – الحفاظ على العرض والنسب – الحفاظ على المال.9
ومن المنظور اإلسالمي( الحديث ) فاألمن االجتماعي يدّل على مطلق حالة االطمئنان التي يشعر بها
أفراد المجتمع والناتجة عن مساهمة مؤسسات التنمية االجتماعية في تفعيل جميع االستراتيجيات واإلمكانيات
والممارسات التي تحقق للفرد الشعور بعدم الخوف في حاضره ومستقبله ،وتسعى لحماية دينه ونفسه وعقله
وماله وعرضه ،وتؤّك د على االعتراف بوجوده ومكانته في المجتمع ،وتتيح له
المشاركة اإليجابية في مجتمعه .وهذه المرجعية عبر عليها قديما من قبل القاضي أبو يعلى في مجال ت أمين
األمن ال داخلي بقول ه " حماي ة البيض ة وال ذب عن الح وزة ليتصّر ف الن اس في المع ايش وينتش روا في األس فار
آمنين ".وعن الدفاع الخارجي ذكر " :تحصين الثغور بالعّد ة المانعة والقّو ة الدافعة حتى ال تظفر األعداء بغ ّر ة
ينتهكون بها محرما أو يسفكون فيها دما لمسلم أو ُم عاهد " .وعن منع الظلم وإ قامة العدل " :تنفيذ األحكام بين
المتشاجرين حتى تظهر النصفة فال يتعّد ى الظالم وال يضعف المظلوم .وإ قامة الحدود لتصان محارم اهلل تعالى
عن االنتهاك ،وتحفظ حقوق عباده من إتالف واستهالك ". 10
واستنتاجا من هذه المفاهيم المختلفة ،يمكن مالحظة أن األمن االجتماعي يواجه جبهتان أساسيتان:
-الجبهة األمنية ،التي تعني تحرير الفرد والمجتمع من الخوف وعدم االستقرار المعنوي والــمادي.
3
األحكام السلطانية للقاضي أبي يعلى الحنبلي ص – 11عن محمد المبارك :اإلسالم (الحكم والدولة ) ص87 10
يعتبر األمن االجتماعي المحور األساسي لبناء المجتمع وعامال حاسما في حماية منجزاته والسبيل إلى
االزده ار والتق ّد م ،ألن ه ي وفر البيئ ة المالئم ة وظ روف األمن للعم ل والبن اء ،ويبعث الطمأنين ة في النف وس ،
ويش كل ح افزا لإلب داع واالنطالق نح و أف ق المس تقبل ويتحق ق األمن باالنس جام االجتم اعي والتواف ق واإليم ان
بمقّو م ات األّم ة وال وطن ال تي تعم ل على توحي د النس يج االجتم اعي والثق افي والسياس ي في إط ار من الع دل
والمس اواة بين مختل ف الش رائح االجتماعي ة في ظ ل الحكم الراش د .ويس هم اس تتباب األمن في االنصهار
االجتم اعي وإ رس اء قواعد المس اواة االجتماعي ة بعي دا عن التط احن الع رقي والط ائفي والم ذهبي وال ديني ،م ع
العم ل على الحف اظ على الخصوصيات الثقافي ة – االجتماعي ة المجّس دة لمب دأ التن ّو ع في إط ار الوح دة وصون
الحرّية واحترام حقوق اإلنسان .وعلى ضوء هذا المفهوم الشامل لألمن ،فإن مقّو مات األمن االجتماعي تكمن
في العوامل التالية:
1ـ ـ الحكم الراشــد :يتّم تحدي د مفه وم الحكم الراش د باعتب اره تنس يقا للف اعلين في مجموع ات اجتماعي ة أو
مؤسسات داخل وخارج الحكومة للوصول لألهداف التي تّم ت مناقشتها وتحديدها جماعيا .والحكم الراشد مرّد ه
مجموعة المؤسسات والشبكات والتعليمات والتنظيمات والمعايير ذات االستخدام السياسي للفاعلين العموميين
والخ واص ،وال ذي يس اهم في اس تقرار المجتم ع والنظ ام السياس ي وفي توجيه ه والقـ ـــدرة على حكم ه ،وعلى
المقدرة لتزويده بالخدمات ،وض ــمان الشرعّية ،11وتتلخـّـص مظاهر الحكم الراشد في ما يلي:
المشاركة السياسية ،وتع ني أن يك ون للمواط نين رأي في صنع الق رار س واء بطريق ة مباش رة أو من خالل
مؤسسات الوساطة المشروعة.
11نعمان عباسي – الحكم الراشد وأولوية ترتيب المشهد النخبوي في الجزائر -مجلة الباحث االجتماعي عدد 10
الجزائر ،سبتمبر 2010ص .117
4
حكم القانون ،بحيث يكون القانون هو الس ّيد وال ُيعلى عليه ،وأن تحكم مؤسسات القانون بالعدل .وفي هذا
الصدد يؤكد المفكرون الغربيون أن الغاية النهائية لنظرية دولة القانون تتلخص في ضرورة إيجاد آليات تح ّد
من سلطان الدولة بكيفّية يحدث معها التوازن المرجو بين السلطة والحرّية في المجتمع.12
الشــفافية ،ومن مظ اهر س يادة الق انون الش فافية في إدارة وتس يير الش أن الع اّم ،بحيث يتمكن الم واطن من
االطالع على مجري ات الحي اة السياس ية واالقتصادية في بل ده ،ويك ون على دراي ة بالمعلوم ات ال تي تخّص ها ،
ويمكنه الوصول إليها بيسر في إطار ما يسمح به القانون والتنظيم ،أّم ا إخفاء الحقائق وتحويرها وجعلها حكرا
على دوائر معّينة ومنعها على المواطنين من شأن ذلك أن يثير ريبة وشكوك المواطن في نّي ة وكفاءة مسئوليه
في حسن إدارة شؤون الدولة .
تحقيق اإلجمـاع الوطـني ،والمقصود ب ه أن يحصل إجم اع من قب ل أف راد المجتم ع ح ول المصالح والمن افع
التي تخدم الجماعة من خالل السياسات واإلجراءات والتدابير التي تّتخذها السلطة الحاكمة .
-2المســاواة والعــدل :ال يس تقيم حكم الجماع ة وتحقي ق األمن االجتم اعي إال في ظ ّل المس اواة والع دل،
ومي ادين المس اواة ع ادة هي المس اواة السياس ية واالقتصادية والمس اواة المدنّي ة واالجتماعي ة ،ويج ري الح ديث
عنها في عالقات المواطنين الداخلية وبين األجناس والقوميات والشعوب وبين الدول .وتسعى الدولة الحديثة
لتحقيق المساواة في كل مظاهرها بين مختلف طبقات المجتمع وفئات ه ومكّو نات ه ،وهي السبيل األوحد لتحقيق
االنسجام االجتماعي والشعور بالتآخي واالنتماء للوطن مّم ا يق ّو ي األمن االجتماعي ويزيد من تماسك األّم ة .
وقد قام اإلسالم على مبادئ العدل والمساواة وطّبقها باعتبارها عنصرا من عناصر األخ ّو ة اإلنسانية ،وكانت
مب دأ غ ير مع روف في األمم ال تي س بقته .وأم ر الق رآن بالع دل ك أمر ع اّم دون تخصيص بن وع دون ن وع وال
بطائفة دون أخرى باعتبار أن العدل نظام اهلل وشرعه والناس عباده وخلقه يستوون أبيضهم وأسودهم ،ذكرهم
َّل
وأنثاهم ،مس لمهم وغ ير مس لمهم أم ام ع دل اهلل وُح كم ه ،ول ذلك ينبغي الحكم بالع دل والقس طاس ِ) :إَّن ال َه
13
د .محمد أرزقي نسيب -أصول القانون الدستوري والنظم السياسية -شركة دار األّم ة ،الجزائر 1998ص. 41 12
13جالل مظهر -حضارة اإلسالم وأثرها في الترّقي العالمي .ص 229 -228منشورات مكتبة الخانجي – القاهرة ،مصر
.1974
14سورة النساء – اآلية .58
ترتكز قيم العدل والمساواة في الدولة الحديثة على مجموعة من العمليات والمهاّم التي تقوم هيئات و
مؤسسات الدولة بالسعي لتوفيرها ،حتى ُتهّيئ منـاخ حياة اجتـ ــماعية مّتسـقة ومنسـجمة مــع تطـلعات
المواطنين ُتساهم في النهاية بفعالية في توطيد ركائز األمن االجتماعي ،وتتلّخ ص في:
-نزاهة جهاز القضاء وُح كمه بالعدل بين المواطنين بتطبيق القانون على الجميع بدون تمييز أو انحياز
وسيادة القانون الذي يخضع له جميع أفراد المجتمع.
-تحقي ق العدال ة االجتماعي ة بين مختل ف فئ ات المجتم ع ،وبين المن اطق والجه ات وبين الري ف والمدين ة،
والمساواة في توزيع ثروات البالد ،فال تعمل الدولة كمجّر د شرطّي للنظام االجتماعي وإ نما كسلطة حامية تمنح
اإلعانات من الخيرات المادية للبالد.
-المساواة بين األفراد في الوصول للمناصب السياسية واإلدارية حسب ُم ؤّهالتهم وطاقاتهم واستعداداتهم
ال غ ير ب دون تمي يز أو إقصاء ،والمس اواة في ف رص العم ل والتعليم والخ دمات االجتماعي ة ،والمس اواة
االقتصادية .
-مكافح ة مظ اهر الفس اد والرش وة والمحسوبية والمحاب اة ،وهي التي ُتش عر المواط نين أك ثر من غيرها
بالتمييز وعدم العدل وُتؤّد ي إلى التذّم ر وعدم الثقة في األجهزة الحكومية .
إّن اهتم ام وعم ل الدول ة ومؤّس س اتها على تحقي ق ق در من المس اواة بين أفراده ا وفئاته ا ومكّو ن ات
مجتمعه ا ومناطقه ا ُ ،يش عرهم ب الفخر واالع تزاز والتق دير واالح ترام لحك ّامهم ،ويبعث بينهم روح الت آخي
والوئ ام ومش اعر المحّب ة ،وتس ري روح الوطنّي ة وحّب ال وطن في أوصالهم ،مّم ا يزي د من تمّس كهم وتعّلقهم
بوطنهم ودولتهم ،وتتَقّو ى بالنتيجة وحدتهم الوطنية وأمنهم االجتماعي دون ريب .
-3المواطنـة :المواطن ة هي حال ة االنتم اء إلى مجتم ع واح د ،يض ُّم ه بش كل ع اّم راب ط اجتم اعي وسياس ي
وثق افي موّح د في دول ة معّين ة .وك وُن أّن للم واطن حقوق ا يجب أن يناله ا فه و في نفس ال وقت ُم ل زم بتحّم ل
واجبات اجتماعي ة ُيفرض علي ه تأدّيته ا .وي ترّتب على فكرة المواطن ة مصطلح المواطن اإليج ابي أو الفّع ال ،
5
وهو الذي ُيسهم في رفع مستوى مجتمعه ووطنه الحضاري عن طريق العمل الرسمّي الذي يؤّد يه أو من خالل
عمل ه التط ّو عي .15وتش مل مس ؤولية الف رد نح و المجتم ع ( المس ؤولية االجتماعي ة ) مثال التزام ه ب دفع حق وق
الضرائب ،واحترام القانون ،واحترام حرّي ة وخصوصية الغير ،وواجب أداء الخدمة العسكرية وأداء العمل
التض امني الموّج ه لفائ دة أف راد مجتمع ه .والمواَطن ة تع ني أيض ا ُع م ق االنتس اب إلى الدول ة وال وطن ،ال إلى
المنطقة أو الطائفة أو العشيرة والقبيلة أو لثقافة محلّي ة معّينة .وهي قبل ك ّل شيء قَيم وسلوك وأخالق وذوق
حضاري بحّب الوطن والتعّلق به وااللتزام المعنوي نحو المجتمع.
ولّم ا كانت المواطنة من الناحية الوجدانية هي شعوٌر وحّس قوّي بأهمية االنتماء للوطن -ينتج عنه
وعٌي بالتح ديات ال تي يواجهه ا ال وطن واس تعداد لل ذود عن حم اه ،ويعكس س لوكا وممارس ة تجع ل مصلحة
ال وطن ُم قّد م ة على المصلحة الخاصة – ف إن المواطن ة من الناحي ة الثقافي ة هي الح وار وإ نت اج الفك ر وتفاع ل
اآلراء وتبادل الرؤى واحترام توّج هات اآلخرين ونبذ التعّص ب والكراهية واالنفتاح المّت زن على جميع الثقافات
والحوار الواعي معها .ومن مظاهر المواطنة :
-المشاركة الطوعية واالختيارية في األنشطة االجتماعية المختلفة العائدة بالنفع على المجتمع .
-التحّض ر ،واكتساب الحّس المدني بواسطة احترام أفراد المجتمع وفئاته ،وقبول التعايش مع الغير،
-المحافظة على األمالك العامة والخاصة ،واحترام القوانين ،والوعي بأهمية األمن االجتماعي.
-استهجان واستنكار كل أمر يضّر الوطن والمجتمع والتبليغ عنه للجهات المختصة.
6
-اإلسهام في األعمال واألنشطة التي تنّظمها أجهزة الدولة والموّج هة لصالح المجتمع ،ومثال ذل ك حمالت
تحس يس الش باب ،وحمالت مكافح ة المخ درات بأنواعه ا ،وحمالت التوعي ة بنظاف ة المحي ط والمحافظ ة على
البيئة ،وحمالت التوعّية بحوادث المرور واحترام قواعد السير.
-خدمة الوطن دون انتظاَر مقابل ،عمًال بمُقولة " ال تنتظر من وطنك ماذا ُيقدّم لك ،بل انظر ما يمكن أن
تقّد م أنَت لوطنك " .
وال تتوّطد المواطنة إال من خالل وجهين ،وجه الواجبات ،التي ذكرنا أهّم ها فيما سبق ،ووجه الحقوق
التي يشعر المواطن أنه ينالها تلقائيا في مجتمعه ،وهي على العموم:
-عدم التمييز الطائفي والمذهبي والديني والفكري والثقافي ،بما ينسجم وحدود التوّج هات العامة للمجتمع
وتتزايد قَيم المواطنة وتتعّم ق بالحرص على التشّبث بالمبادئ التالية :
-المحافظة على مقّو مات الشخصّية الوطنية ( الدين واللغة والتاريخ والوطن )
-االعتزاز بالوطن واالستعداد للدفاع عنه وعن أمنه والتضحية من أجله .
-االعتقاد الراس خ ب أن األمن االجتم اعي حصن حصين للمجتم ع ،وال درع ال واقي من المخ اطر المحّد ق ة
بالوطن وأهله والتهديدات والتح ّد يات التي تواجهه ،ألن األمن االجتماعي في أّي بلد من ثوابت األّم ة التي ال
تتنازل عنها في كل الظروف ،والمساس بها مساٌس بأمن البالد واستقرارها ومستقبلها وسمعتها بين األمم .
-االنحــراف والتط ـّر ف :ويع ني الحي اد على الطري ق والس وّي وانته اك المع ايير االجتماعي ة ومجانب ة
الفط رة الس ليمة وإ تب اع س بيل الخط أ الُم نهى عن ه ش رعا وقانون ا ،والغل ّو في التفك ير ومع اداة المجتم ع وقواع د
سيره الطبيعّية .وغالبا مـا تترجم األفكار المتطرفة إلى أفعال عنيفة ضـّد النظام القائم والمجتمع ( اإلرهاب )
وتكفير الناس والحكام ،وبالنتيجة زعزعة وتقويض األمن االجتماعي .
-إهمــال األســرة وفســاد األخالق :بم ا أن األس رة هي الخلّي ة األولى ال تي يق ع على عاتقه ا تربي ة النشء
والس هر على إع داده نفس يا ومادي ا ليواج ه المجتم ع والحي اة ،فيجب إعطاؤه ا الق در الك افي من االهتم ام كونه ا
المدرسة األولى والمعّلم األّو ل والمسئولة على بوادر التربية الصحيحة والفعلية ،وهذا من أجل حماية األجيال
وصونها من فساد األخالق والتسّيب والالمباالة .
7
-المخ ـّد رات :وهي من اآلف ات الك برى ال تي ته ّد د المجتم ع وتعبث بكيان ه واس تقراره لم ا تترك ه من آثار
سلبية على صّح ة األبدان والنفوس ،وتشكل تبديدا للطاقات واألموال ،وتورث الخمول واالستهتار ،وقد تك ون
مطّية الرتكاب الجرائم المختلفة .
-الفس ــاد :تنعكس آثار الفس اد الم الي واالقتصادي والسياس ي واالجتم اعي على البني ة االقتصادية –
االجتماعي ة للبل د فيت أثر مجه ود التنمي ة وتحقي ق العدال ة االجتماعي ة والتوزي ع الع ادل لل دخل الوط ني ،وتتج ه
االس تثمارات للقطاع ات الهامش ية ،وتتوّس ع الفج وة بين الفق راء واألغني اء وي برز التف اوت الطبقي والجه وي
وتصبح ثروة البالد في يد عدد قليل من المستنفذين المستفيدين من هذا الواقع الَم رضي .كما ينتج عن الفساد
تكاليف مادية واجتماعية بعد أن تصبح هذه الجريمة نشاطا مربحا تتيح لفاعليها توسيع نشاطهم داخل دواليب
الدولة ،كما تكون سببا في فقر وبطالة فئة واسعة من المواطنين خاصة الشباب في ظل غياب فرص العمل
والتمايز االجتماعي مما يؤّد ي إلى عزوفهم عن العمل الذي ال يوفر الدخل المالي الكبير ،ويصير اهتم امهم في
تحّين ف رص ممارس ة األنش طة الطفيلي ة والهامش ية ورّبم ا الالمش روعة كأعم ال الغش واألنش طة التجاري ة
المحظورة . 16وفي النهاية تنتقل القوة االقتصادية والمالية من كّفة السوق والحكومة والمواطنين الشرفاء إلى
كّفة الفساد وأصحابه.
-الفقر والبطالة :يعتبر الفقر والبطالة مشكلة اجتماعية واقتصادية تؤّد ي إلى الحرمان والعوز ،وتشكل
بيئة الفقر والبطالة مناخا مناسبا للتذّم ر واالنحراف االجتماعي الذي بدوره يه ّد د قيم المجتمع وينشر الفوضى
والخوف .ويمّس هذا االختالل (خاصة) األطفال والشباب الذين ُيحرمون من مقّو مات الحياة الكريمة كالرعاية
والمأوى الالئق والتعليم مما ُيسّبب في جنوح هذه الفئة وُيعّر ضها للضياع ،معتبرة المجتمع عدّو ا فتسلك طريق
العن ف والجريم ة ض ّد ه .وله ذا ف إن السياس ات االقتصادية واالجتماعي ة الحكيم ة والناجع ة في مج ال التنمي ة
البشرية واالجتماعية واالقتصادية كفيلة بالحّد من ظاهرة الفقر والحرمان والبطالة.
إن كل ثغرة من ثغرات األمن االجتماعي تحتاج إلى جهود خاصة ومختّص ة لدراستها ووضع الخطط
واالس تراتيجيات لمعالجته ا واعتم اد ال برامج لمواجهته ا كمش اكل المخ درات والعن ف واالنح راف الالخالقي
والفك ري والفس اد ،وتحت اج إلس هام جه ود ش عبية ومدنّي ة للتكف ل به ا وملء فراغاته ا خاصة من ج انب ال دعاة
وعلماء الدين ،والصحافة بأنواعها والمدرسة وطبقة الميسورين في المجتمع ،وليس مجال هذا العمل فقط
أجه زة الدول ة أو إدارة الش رطة ،ب ل إن ه مهّم ة ك ل المجتم ع ،ال ذي سيس تفيد في النهاي ة ال محال ة من ه دوء
الجبهة االجتماعية ويجني ثمار األمن االجتماعي الغالية .
د .مختار حسين شبيلي – اإلجرام االقتصادي والمالي الدولي وسبل مكافحته ص 37 16
جامعة نايف العربية للعلوم األمنية – الرياض ،المملكة العربية السعودية 2007
8
المبحث الثاني :مهاّم ووظائف جهاز الشرطة
الشرطة ( كسلطة ) هي حّق الدولة في أن تفرض قيودا تّح د بها من حرية األفراد بقصد حماية النظام
العاّم .17والشرطة ( كوظيفة ) هي تنظيم وضبط النظام العاّم في المجتمع ،18وتقليديا تح ّد د أهداف النظام العام
في ثالثة مجاالت هي:
ـ األمن الع ــام :ويعني به كّل ما ُيطمئن الناس على حياتهم وأموالهم وممتلكاتهم .
ـ السكينة العامة :ويقصد بها المحافظة على حالة الهدوء والسكينة في الطرقات واألماكن العامة ،وكل ما
مــن شأنه أن يعّك ر صفو المواطن من ضوضاء وصخب حتى في مسكنـه .
ـ الصحة العامة :وهي جميع اإلجراءات التي تتّم من أجل الحفاظ على صحة المواطنين ،ووقايتهم من
أخطار مختلف األمراض واألوبئة .
تسعى الدولة الحديثة لتحقيق هذه األهداف الثالثة بواسطة الهيئات اإلدارية المختّص ة التي تقوم بوظيفة
الشرطة اإلدارية ،ومن هذه الهيئات مصالح الشرطـة اإلدارية التابعة إلدارة الشرطة (األمن العام).
تقوم إدارة الشرطة ـ في إطار تنفيذ مهاّم ها ـ بوظائف متع ّد دة ،تح ّد دها اللوائح والقوانين ،وفـي
الجزائ ر مثال يح ّد د المرس وم التنفي ذي 92ـ 72الم ؤرخ في 31ـ 10ـ ( 1992المتعل ق بمه اّم وتنظيم
المديرية العامـة لألمن الوطني ) المهاّم والوظائف األساسية إلدارة الشرطة. 19
وتنّص الم ادة الثاني ة من ه ذا المرس وم على أن المديري ة العام ة لألمن الوط ني ـ في إط ار
اختصاصاتها ـ ُتكّلّف بالمهام التالية :ـ السهر على فرض احترام القوانين واللوائح ـ ضمان حماية الممتلكات
واألشخاص ـ الوقاية ،وقمع كل أشكال اإلخالل بالنظام العام ـ المساهمة في حماية والدفاع عن المؤسسات
الوطنية ،ومكافحـة األنشطة الهّد امـة ،وقمع حاالت المساس باالقتصاد الوطني ـ ضمان مراقبة المرور عبر
الح دود ،و الس هر على ف رض اح ترام الق وانين والل وائح المتعلق ة بش روط دخ ول وإ قام ة األج انب ـ اإلخط ار
ال دوري للس لطات العمومي ة بالحال ة العام ة الس ائدة في البالد .وتبع ا له ذه المه اّم المتش عبة ،ف إن جه از
الشرطة ُيؤّد ي ثالث وظائف رئيسية هي :الوظيفة اإلدارية ـ الوظيفة االجتماعية ـ الوظيفة القضائية.
يقوم أفراد إدارة الشرطة بأداء مهاّم هم بصفتهم رجال السلطة التنفيذية وعمال الشرطة اإلدارية.
والشرطة اإلدارية ـ بما هو متعارف عليه ـ هي ح ّق اإلدارة في فرض قيود والتزامات على األفراد ،تح ّد
به ا من حرّي اتهم به دف تحقي ق األمن والنظ ام بصفة عام ة ،وتق وم اإلدارة بذلـك بواس طة مصالحها
اإلداري ة المختلف ة (المركزي ة والمحلي ة ) ،وتلج أ جه ات اإلدارة في ع دة دول إلى جه از الش رطة
لالس تعانة ب ه في تنفي ذ الل وائح والق وانين ،أم ا مه اّم صيانة النظ ام ب المفهوم الض ّيق مثل تنظيـم الم رور
والمحافظة على النظام إبان التظاهرات العامة فتؤديها الشرطة مباشرة.
وهكذا فهيئة الشرطة هي المؤسسة التي يقع على عاتقها عبء تحقيق معظم أهداف الشرطة اإلدارية ،
فضال عن كونها القوة التنفيذية التي تلجأ إليها المنظمات المنضوية تحت سلطة اإلدارة لتنفـيذ ما تصدره من
أوام ر وأحك ام ب القوة أو ح تى باس تعمال الس الح في ظ روف وبش روط مح دّد ة .والمقصود بالوظيف ة اإلداري ة
لجهاز الشرطة ،مجمل المهاّم واألهداف الموكلة للجهاز حين ممارسته لحق اإلدارة في فرض النظام العاّم
،وه ذه المه اّم ق د تتوّس ع في دول ة معّين ة ،كم ا ق د تخ ّف في أخـرى حس ب األوض اع السياس ية
واالقتصادية واالجتماعية لكل دولة ،وكذلك حسب الظروف ،حيث أن سلطـة الشرطة تمت ّد نحو االتساع
في ظروف معّينة كحالة الطوارئ وحالة الحصار .
وإ ذا س ّلمنا أن أهّم وظائف الشرطة اإلدارية تتمثل في حق إصدار اللوائح التنفيذية واألوامر
المقّي دة لحري ة األف راد ،وك ذلك األم ر باس تعمال الق وة كوس يلة لتنفي ذ مهاّم ه ا ( ،وهي كله ا من س لطات
واختصاصات اإلدارة ) إال أن لجه از الش رطة دور ه اّم في تنفي ذ ه ذه الل وائح و اإلش راف على إصدار
بعض ها ،مثل إصدار األوام ر الفردي ة وس لطة منح ال رخص أو منعه ا ،والت دّخ ل المباش ر في ح االت
اإلخالل بالنظام العـاّم واالضطرابات االجتماعية .
وهكذا نالحظ كيف ألقى المجتمع الحديث على عاتق الشرطة عبئا جديدا هو اإلسهام في حماية أخالق
الشعـب ورعاي ة س لوكه االجتم اعي ،إلى جانب عبء توفير األمن والطمأنين ة ،س عيا لتحقيق التناغم والتكامل
بين أدوات الضبط االجتماعي .فالشرطة ـ اليوم ـ ال تكافح الجريمة فقط بعد وقوعها ،بل تشارك
مشاركة فعال ة في البحث عن مسبّبات هذه الجريمة بوصفها مشكلة اجتماعي ة إليجاد الحلول لها ،
وهذا بتضافر جهودها مع جهود هيئات أخرى في الدولة مثل إدارة الشؤون االجتماعية والمؤسسات الدينية
والمؤسسات التربوية والتعليمية والرياضية وجمعيات المجتمع المدني ،ووسائل اإلعالم ،وحتى الجمعيات
السياسية ،وسبيل الشرطة في ذلك هو إثارة انتباه المجتمع للمشاكـل التي تواجهه ،والمساهمة الفعّالة
في التعاون مع هذا المجتمع للقضاء على مثل هذه المشاكل والمظاهر السلبية .
وفي هذا المسعى العاّم استحدثت عدّة إدارات شرطة في ا لعالم ما ُيسّم ى بالشرطة المجتمعية
أو الجواريـة وهي عبارة عن ديناميكية للتق ّر ب من المواطن ،خاصة في المناطق واألحياء التي تش ّك ل
بؤرا للتوتر واالختالل االجتماعي مثل التجّم عات السكنية الفقيرة والمعوزة التي غالبا ما تش ّك ل مرتعا
للجريمـــة والت ذّم ر واآلف ات واالنح راف ،وذل ك ب الوقوف إلى جانبه ا بغي ة إيج اد حل ول لمش اكلها
وإ خراجها مـن عزلتها وقلقها ،ومحاولة تحقيق احتياجاتها االجتماعية التي س ّببتها عوامل معيّن ة كالبطالة
والفــراغ وصعوبات المعيش ة وظ روف الحي اة الض نكة .ويتّم التقـّر ب منه ا بخل ق جس ور اتصال بين ه ذه
الفئات وبين مختلف
10
الهيئات في الدولة لتسهيل إيجاد حلول لمختلف مشاكلها كالتشغيل وتوفيــر االحتياجات المادية المختلفة
كالس كن الالئ ق ووسـ ـ ـ ـــائل النق ل وانج از الهياك ل ك الطرق والم دارس وفض اء الترفي ه ،باإلض افة لفتح
قنوات االتصال معها باالهتمام بمشاكلها وإ شراكها في األنشطة الجوارية المختلفة ،رياضية كانت أو ثقافية
أو فنّية.
مبدأ ف ّك عزلة المواطـن إن غاية تقريب الشرطة من المواطن تستمّد جذورها من غاية
النفسية ـ االجتماعية ،وربط أواصر الثقة والتفاهم بينه وبين الشرطة التي كان ال يرى فيها سوى
جهـة قمع وقهر وردع ،ال هيئة تساهم في حّل مشاكله المادية واالجتماعية ،وتعمل على نقل قضاياه
للجه ات اإلداري ة المعنّي ة .وتوعيت ه ب أن عملي ات مكافح ة الجريم ة ونش ر الطمأنين ة والس لم ـ في ح ّد ذاته ا ـ
تصّب في مصلحة المواطن قبل كل شيء .وترتكز فلسفة تحقيق األمن االجتماعي التي تنتهجها الشرطة اليوم
في تأمين المدن في إطار احترام حرية المواطن des villes Sures pour des citoyens libres ،كما
عّبر عنها وزير الداخلية الفرنسي األسبق جان بيار شوفانمان .
وتعت بر الش رطة الجواري ة الي وم ،إلى ج انب مراك ز المس اعدة االجتماعي ة (مراك ز مراقب ة
األحداث ،التي تسهم بفعالية في مكافحة جنوح األحداث ) وفرق حماية الطفولة التابعة للشرطة من أهّم
األنشطة التي ترتكز عليها الخدمة االجتماعية الوقائية إلدارة الشرطة .
تنحصر واجب ات الش رطة في المج ال القض ائي في البحث عن الج رائم و مرتكبيه ا ،وجم ع
كافـة األدل ة الالزم ة للتحقي ق وال دعوى ،وال يك ون له ا الح ق في مباش رة أي عم ل من أعم ال التحقــيق أو
االّتهام إال بما تمنحه إياها سلطات التحقيق وسلطة القضاء .وتساير هذه الوظيفة مختلف المراحل التي
تمّر بها الدعوى الجنائية بما يحدّد ه لها القانون سواء في طور جمع األدلة أو التحقيق أو حتى االتهام .وفي
مرحلة جمع االستدالالت تقوم مصالح الشرطـة بمهّم ة البحث عن الجرائم ومن ارتكبها أو ساهم فيها
و التح ّر ي فيه ا وتجمي ع األدل ة والمعلوم ات ال تي تهّم التحقي ق ،بم ا يقتض ي من ض باط الش رطة
القض ائية من واجب تلقي الش كاوى والبالغ ات بشــأن الج رائم المرتكب ة ،والحصول على جمي ع
اإليض احات الخاصة ح ول م ا يق ع من ج رائم ،وتحري ر مختل ف المعاين ات الض رورية لتس هيل إثب ات
الوق ائع ال تي وصلت إلى علمهم أو أم روا ب التحقيق فيه ا ،والعمـل بك ل الوس ائل للمحافظ ة على أدّل ة
الجرائم المرتكبة .أّم ا في مجال التحقيق في الجرائم فقد خ ّو لت القوانين لضباط الشرطة القضائية
نوعا من سلطة التصّر ف في ميادين محّد دة مثل إدارة مسرح الجريمة و توقيف المشتبه فيهم وسماع
أقوالهم وس ماع الش هود ،وتفتيش األش خاص والمس اكن ،والتحقيق في ح االت الجرائم المتلّبس به ا ،
وكذلك تنفيـذ اإلنابة القضائية وتعليمات النيابة ،وتحرير المحاضر المختلفة ،وكل هذا يتّم تحت سلطة
ورقــابـة النيابة .
كم ا أن للش رطة دورا و ل و ض ّيقا في مج ال (الحكم ) من حيث إصدار الغرام ات في
مخالفـات معّينة كمخالفات المرور أو مخالفات البناء أ والطريق العمومي وحماية البيئة والنظافة العامـة
والسكينة العامة ...الخ .وعند القيام بمهاّم هم يحرص ضباط الشرطة القضائية بشّد ة على:
ـ العم ل دائم ا تحت إم رة النياب ة وطبق ا ألوامره ا ،واح ترام التعليم ات بم ا يس توجبه الق انون ـ
ضرورة احترام حقوق األفراد والحريات العامة ،وعدم التعّس ف في استعمال السلطة ـ التقّي د بالعمل
في إطار القانون ،ال غير .
والمالحظ أن الوظيفة القضائية لهيئة الشرطة تختلف من بلد آلخر ،فقد تتوّس ع في بلد كما
تضيق في بلد آخر طبقا لما يحّد ده القانون ،إال أنها تتّم يز بطبيعة خاصة وهي:
ـ أن هذه الوظيفة عادة ما تبدأ إال بعد وقوع الجريمة وهي ذات طبيعة قمعية تهدف لضـبط
الجرائم تمهيدا إلنزال العقاب بمرتكبيها .
11
ـ أن ضباط الشرطة القضائية يتبعون للسلطة القضائية ويخضعون إلشرافها فيما يخّص اختصاصهـم.
ـ أن إلحاق صفة الضبط القضائي وسلطاته ال تكون إال بقانون ،لما في هذه السلطات من تع ّر ض للحريات
. الفردية
20
يعتبر الضـ ـ ـ ـ ـ ـــبط القضائي " س لطة " مكّلفة من جه ة بمعاين ة مخالفات قان ـ ـ ـــون العقوبات ،
ومن جه ة بتجمي ع األدل ة ح ول الج رائم المرتكب ة والبحث عن مرتكبيه ا ،وتنفي ذ اإلناب ات القض ائية
إن المهمة األساسية للضبط القضائي ـ كما سبق ورأينا ـ هي البحث والتّح ري عن الجرائــم
المق ّر رة في ق انون العقوب ات ،وجم ع األدل ة عنه ا والبحث عن مرتكبيه ا م ا دام لم ُيب دئ فيه ا بتحقيــق
قضائي .
يقوم ضباط الشرطة القضائية في إطار البحث والتحّر ي عن الجرائم وجمع األدلة والكشف
عـن الفاعلين بمهاّم تلّقي الشكاوي والبالغات وجمع االستدالالت وإ جراء التحقيقات االبتدائية ،وبناءا
عل ـــى رخصة من الن ائب الع ام المختّص إقليمي ا يج وز لهم نش ر اإلش عارات أو األوصاف أو الصور
ال تي تخّص أشخاصا ج اري البحث عنهم في إط ار مكافح ة اإلره اب والتخ ريب .كم ا أن لهم الحـق في
طـلب مساعدة القّو ة العمومية بمناسبة تنفيذ مّهامهم . 21
كما يقوم ضباط الشرطة القضائية بتحرير محاضر بأعمالهم ،وإ خطار وكيل الجمهورية عل ــى وجه
الس رعة بالجناي ات والجنح ال تي تصل إلى علمهم ،وموافات ه مباش رة بالمحاض ر المح ّر رة زيـادة على
المس تندات والوثائق المتعّلق ة به ا ،وك ذلك األش ياء المض بوطة .22وفي مج ال االختصاص المك اني
لض باط الشرطة القض ائية ف إن لهم س لطة مباش رة ه ذا االختصاص في الحدود التي يباش رون ض منها
وظائفهم المعتادة ،غير أنه يجوز لهم في حالة االستعجال مباشرة مهاّم هم في كاّف ة تراب الجمهورية
عن دما ،يطلب منهم ذل ك أح د رج ال القض اء المختّص ين قانـونا على أن يس اعدهم ض باط الش رطة
القض ائية " المحلّيين " الممارس ين لوظ ائفهم في المنطق ة المعنيـة بش رط اإلطالع المس بق لوكي ل
الجمهورية الذي باشروا العمل في دائرة اختصاصه .
21المادة 17من قانون اإلجراءات الجزائية الجزائري -وزارة العدل :نشر الديوان الوطني لألشغال التربوية
الجزائر. 1999
22المادة 18من قانون اإلجراءات الجزائية الجزائري.
يخضع ضباط الشرطة القضائية وأعوانها ـ عند أداء مهامهم ـ إلشراف وكيل الجمهورية فـي دائرة
االختصاص ،وإلش راف الن ائب الع ام في دائ رة اختصاص المجلس القض ائي ،ويقتصر اإلش راف ه ذا على
وظائف الضبط القضائي أما أعمال وظائفهم اإلدارية ( األصلية ) فيخضعون في أدائها لرؤسائهم اإلداريين. 23
وتباشر النيابة العامة رقابتها على الضبط القضائي من خالل مجموعة من اإلجراءات هـي
:ـ متابعة النيابة العامة لنشاط الضبطية القضائية وتوجيهه لفائدة المجتمع بواسطة الكشف عن الجرائم
ومعاقب ة مرتكبيه ا ،وفي ه ذا الس ـــياق ُتل زم ض باط الش رطة القض ائية ب واجب إخط ار وكــيل الجمهوري ة
بكل اإلجراءات والخطوات التي ُيقدمون عليها في إطار ممارسة مهامهم ،من ذلك إطالع النيابة بالجنح
والجنايات التي تصـل إلى علمهم ،واالنتقال إلى مسرح الجريمة وتوقيف األشـخاص والتحف ّظ على األدلة
و مباشرة عمليات التفتيش الضرورية ...إلى آخره من اإلجراءات .وكل خروج أو تجاوز أو تقاعس في
أداء ه ذه الواجبات ُيع ّر ض ك ل مخ الف للمس ائلة ورقاب ة غرف ة االتهام التي يحــق له ا توجي ه المالحظ ة
واللوم أو التوقيف عن مباشرة وظيفة الضبط القضائي بصورة مؤقتة أو إسقاط تلك الصفة نهائيا عن
ض باط الش رطة القض ائية دون اإلخالل ب الجزاءات التأديبي ة الصارمة ال تي قـد تلحقهم من قب ل رؤس ائهم
اإلداريين. 24
وفي مج ال رقاب ة ومتابع ة النياب ة العام ة لمه ام ونش اط الض بط القض ائي ،يق وم وكالء
الجمهورية بعملية اإلطالع الدوري على سجالت الحجز بمخافر الشرطة من أجل التأكد أن الحجز قد تّم
طبقـا للقانون وفي اآلجال المحدّد ة ،بمراعاة الحالة البدنية والنفسية للمحتجزين .كما يمـكنهم القيام بزيارة
مبرمجة أو فجائية ألماكن الحجز بمخافر الشرطة والدرك للوقوف على مدى احترام القانون عند احتجاز
األشخاص .ويقوم وكالء الجمهورية اليوم بالرقابة المهنية على نوعية أداء وظيفة الضبط القضائي من قبل
ضباط الشرطة القضائية عن طريق تقييم عملهم الميداني ـ مهنيا وقانونيا ـ بواسطة عمليات التنقيـ ـ ــط السنوية مما
يساهم في تحسين األداء ويشّج ع على المثابرة ،ومجازاة الموظفين المتمّيزين.
23أحمد شوقي الشلقاني -مبادئ اإلجراءات الجزائية في التشريع الجزائري ص .162ديوان المطبوعات الجامعية ــ
الجزائر .2008
12
24المادة 209من قانون اإلجراءات الجزائية الجزائري.
والحقيقة أن كل هذه التدابير الرقابية هدفها حماية حقوق األفراد وحرياّتهم وحياتهم الشخصية من
تعّس ف وتج اوز بعض رج ال الش رطة .وال يخفى على أح د م ا لمه اّم رج ال الش رطة من خط ورة وأهمّي ة في
سبيل تحقيق األمن االجتماعي في مظاهره الجلّية ( حماية أمن األفراد والمجتمع والممتلكات العاّم ة والخاّص ة )
وال يجب أن ُتنسي المواط نين بعض " مض ايقات " الش رطة أهمّيتهم وض رورة ُو ج ودهم الملّح ة للحفاظ على
األمن وحماية األفراد ومكافحة الجريمة والمجرمين .
ليس أمن المجتمع بالمفهوم الواسع مهّم ة جهاز الشرطة فحسب ،بل إن لألوضاع ذات الطابع السياسي
واالقتصادي واالجتماعي دور في استتباب األمن ،ولشرح ذلك نذكر أن التسهيالت االقتصادية تهتم بالفرص
المتاح ة لألف راد الس تغالل الم وارد االقتصادية ألغ راض االس تهالك والتب ادل واإلنت اج ،وتعتم د االس تحقاقات
االقتصادية للفرد على ما يملكه من موارد أو ما هو متاح منها الستخدامه وعلى ظروف التبادل مثل األسعار
النس بية وعم ل األس واق .وتتعل ق الف رص االجتماعي ة بالترتيب ات االجتماعي ة في المج االت ال تي ت ؤثر في
الحريات الحقيقية المتاحة لألفراد ليعيشوا حياة طيبة كالترتيبات المتعلقة بالصحة والتعليم ،وال تقتصر أهمية
مثل هذه الخدمات للحياة الخاصة لألفراد فحسب بل تمتد لتؤثر على تفعيل مشاركتهم في النشاطات االقتصادية
والسياسية .فتعريف التنمية البشرية يمتد ليشمل األمن اإلنساني (البشري) ،وهناك نقاط ثالث لها عالقة وصلة
وثيق ة ب األمن االقتصادي لألف راد وذات ارتب اط وثي ق بالحري ات وهي :توزي ع ال ثروة – صياغة السياس ات
التنموية – سياسات التشغيل .25كما ال يخفى أن اختالل التوازن بين القطاعين العام والخاص الناتج عن تحويل
مؤسسات القطاع العام إلى القطاع الخاص دون تعويضها بشيء سيوّلد تناقضا بين حجم القطاعين مما يترتب
عنه نتائج سياسية واقتصادية واجتماعية سلبية ،كما تسهم عملية خلق طبقة من المستنفذين الذين يجمعون بين
النف وذ الم الي واالجتم اعي ( والسياس ي ) ُيبقيهم بعي دين عن مباش رة العم ل اإلنت اجي أي أنهم يتحول ون إلى فئ ة
طفيلية معطلة .لهذا ال بد من وجود جهاز رقابة معقد يشرف على الفعاليات االقتصادية ويحول دون استغالل
الفئة المتحكمة اقتصاديا في المجتمع من أن تنقل نفوذها السلبي للمجتمع . 26وبالتالي ففي حاالت كثيرة تعتبر
25برنامج األمم المتحدة اإلنمائي لسنة – 2009تقرير التنمية اإلنسانية العربية :تحديات أمن اإلنسان في البلدان العربية –
نيويورك .2009
13
26األستاذ عزوز عبد الناصر -نموذج متبلور لتخطيط التنمية بالدول النامية Login.yahoo.comموقع الكتروني.
الجريمة نتاج لوضع اجتماعي واقتصادي مخت ّل .وفي هذا المبحث نتع ّر ض ألسباب الجريمة وفلسفة الجزاء،
والوقاية من الجريمة ،ودور الشرطة المجتمعية.
الجريمة بوجه عام هي كل عمل غير مشروع يقع على اإلنسان في نفسه أو ماله أو عرضه أو على
المجتمع ومؤسساته ونظمه السياسية واالقتصادية .ويرى علماء النفس أن الجريمة هي تعارض سلوك الفرد
مع سلوك الجماعة ،ومن ثّم يعتبر مجرما الشخص الذي ُيقدم على ارتكاب فعل مخالف للمبادئ السلوكية التي
تس ود في المجتم ع ال ذي ينتمي إلي ه ،وم ا يح ّو ل س لوك الش خص من فع ل مرف وض اجتماعي ا إلى جريم ة ه و
النّص القانوني الذي يحّد د عناصر الجريمة والعقوبة المق ّر رة لها بوصفها كل عمل أو امتناع عن عمل يعاقب
عليه القانون بعقوبة جزائية . 27ومهما تباينت أغراض العقوبة في المجتمعات القديمة والحديثة فإنها ترمي في
األساس إلى مكافحة الجريمة وتحقيق العدالة وإ ن ظهرت في صور ونماذج متنوعة تطورت بتط ّو ر المجتمع
البش ري ،فمن مرحل ة االنتق ام الف ردي إلى االنتق ام الجم اعي إلى ال ردع إلى فك رة اإلصالح والتأهي ل :كله ا
سلس لة مّتصلة الحلق ات ام تزجت فيه ا مجم ل ه ذه األه داف وف ق مقتض يات الظ روف والواق ع االجتم اعي. 28
وتهدف فلسفة الجزاء الجنائي لتحقيق الردع باألساس بنوعيه العام والخاص ،ألن الغاية من العقوبة هي ردع
الجاني على نحو ال يعود فيه إلى طريق اإلجرام مّر ة أخرى ويرتبط ذلك بالردع العاّم في معنى إنذار الكافة من
غ ير المج رم فال يح ذو ح ذوه . 29وال يخفى أن المجتم ع ه و ال ذي يه يئ أس باب الجريم ة والظ روف الدافع ة
الرتكابه ا ،وم ع أن األم راض النفس ية واالض طرابات العقلي ة تلعب دورا في دف ع الف رد إلى ارتك اب الجريم ة
غ ير أن ه ذه العوام ل الشخصية يمكن في نهاي ة األم ر رّد ه ا إلى طبيع ة الحي اة االجتماعي ة ونوعي ة الجماع ات
االجتماعية
التي يعيش الفرد بينها وفي ظلها ولها صلة قوّية به . 30كما أظهرت الدراسات واإلحصاءات من حيث
27د .أحسن بوسقيعة – الوجيز في القانون الجزائي العام ص - 27دار هومة للطباعة والنشر ،الجزائر 2003
28
28د .علي محمد جعفر -مكافحة الجريمة .ص 18المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع .بيروت .لبنان .1998
د .سليمان عبد المنعم – نظرية الجزاء الجنـائي ص 8المؤسسـة الجامعيـة للدراسـات والنشـر والتوزيـع .بـيروت .لبنـان 29
.1999
30د .أحمد الربايعة – أثر الثقافة والمجتمع في دفع الفرد إلى ارتكاب الجريمة ص142
المركز العربي للدراسات األمنية والتدريب – الرياض ،المملكة العربية السعودية .1984
المب دأ وم ع بعض االس تثناءات أن الظ روف الشخصية واالجتماعي ة ال تي س اهمت في تك وين الجريم ة ق د
ساعدت أيضا على تكرارها ،وهذا األمر يمكن تفسيره بعدم مالئمة أساليب اإلصالح التي اّتبعت مع
النزي ل في المؤسس ة العقابي ة ،وع دم إزال ة األس باب والعوام ل ال تي دفعت ه إلى الجريم ة .فوس ائل التع ذيب
والقسوة واإلكراه لم تح ّد بصورة حاسمة من موجة اإلجرام في المجتمع ،ولذلك فإتباع أساليب متخّص صة في
إصالح شأن المجرم وإ بعاد شبح اإلجرام عنه هي الكفيلة بالح ّد من اإلجرام . 31وثّم ة اهتمام واضح في الوقت
الحاضر بنظريات الضبط االجتماعي ،ومؤّد ى ظهور هذا االتجاه كرّد فعل لموقف علماء اإلجرام الذين لم
يتوّص لوا بع د لرؤي ة عملي ة متكامل ة لتفس ير الجريم ة واالنح راف ،وتؤك د تل ك النظري ات على أبع اد نظرّي ة
أساس ية في تفس ير الجريم ة واالنح راف عاّم ة وبوج ه خ اص على أس اس القيم المنحرف ة ،وذل ك م ا أوض حته
كتاب ات ك ل من " ه ورتن " و " ل يزلي " باالس تناد إلى ع دد من الدراس ات واألبح اث الحديثة ال تي خلصت ب أن
جناح معظم الجانحين بمثابة انفصال واع عــن معاييرهم األخــالقية . 32ومن خالل ما سبق سياقه يتضح جليا أن
أس باب الجريم ة ع ادة م ا تك ون إم ا شخصية أو نفس ية أو ألس باب اجتماعي ة واقتصادية ،وله ذا س عت األنظم ة
لمواجهتها بطرق ردعية بفرض مبدأ سيادة النظام الذي يمّثل أحد مبادئ الدولة الحديثة فتسري العقوبة على كل
من ارتكب جرما منصوصا علي ــه (طبقا لمبدأ الشرعية ) ، 33وأيضا بطرق وقائية حيث ال يختلف أح د على أن
وقاي ة المجتم ع ألبنائ ه من الوق وع في الجريم ة كمعت دي أو معت دى علي ه يس هم في عملي ة التنمي ة اجتماعي ا
واقتصاديا وعالئقي ا م ع بقي ة المجتمع ات ألن الجريم ة تعرق ل المس يرة التنموي ة وتعي ق االس تقرار األم ني
واالجتماعي ،كما أنها تشكل ضربة موجعة لعملية االنتماء وربط الفرد بالمجتمع ،علما أن آثار الجريمة ال
يقع عبئها على الفرد المجني عليه بل تتعداه إلى المجتمع ،وهذا ما دفع بالمؤسسات الحكومية واألهلية في أي
مجتمع إلى التضامن وإ لى المزيد من توحيد الجهود وترشيدها بغية رفع مستوى هذه الوقاية. 34
32د .عبد القادر الشيخلي – المبادئ العامة لألنظمة في المملكة العربية السعودية ص .74
مكتبة الملك فهد الوطنية – الرياض ،المملكة العربية السعودية . 2011
33د .علي شتا – علم االجتماع الجنائى .ص – 101مكتبة االشعاع الفنّية ،القاهرة .مصر .1997
34د .خليل وديع شكور -العنف والجريمة ص – 131الدار العربية للعلوم ،بيروت – لبنان .1997
يعّد األمن على النفس والمال مما قد يتلفهما من عوامل طبيعية وبشرية هو جماع النعم كلها ،فإذا زال
الخ وف حلت مع ه الس عادة واألمن والعافي ة .وأظه ُر العوام ل المه ّد دة للنفس والم ال والمنتج ة لب ذور الخ وف
والشقاء :الجريمة بكل أشكالها وأنواعها ،ومن أجل هذا كانت مكافحة الجريمة والوقاية منها جسر المرور
إلى رب وع نعم ة األمن . 35ويجب االع تراف أن مفه وم العقوب ة (وح ده) لم ينجح في تك ريس العقوب ة ك أداة
للقضاء على الجريمة في المجتمع ،مّم ا جعل االهتمام ينصرف ليس فقط للجريمة كرّد فعل ماّد ي وإ نما أيضا
للمج رم والظ روف ال تي أّد ت ب ه الرتك اب الجريم ة ،وك ان لتط ّو ر الفلس فة اإلنس انية تأثيره ا على ه ذا التح ّو ل
الذي بدأ يّتجه أكثر فأكثر لمصلحة المذنب في السياسة الجنائية المعاصرة . 36يمكن حصر األنماط النظرية في
مج ال الوقاي ة من الجريم ة في نمطين أساس يين :الوقاي ة االجتماعي ة ،ال تي ترك ز على العوام ل االقتصادية
واالجتماعية الُم فرزة للجريمة ومعالجتها عن طريق التعّلم والتثقيف وتوفير العمل والســكن وملء أوقات الفراغ
للشباب والبرامج االجتماعية الموّج ــهة .
والوقاية الموقفّي ة ،التي توّج ه نحو فئات اجتماعية معّر ضة للوقوع في براثن الجريمة ،والتي تكثر
الجريمة في أوساطها ،أو التركيز على األنماط اإلجرامية المرتفعة في المجتمع . 37والحقيقة أن عملية الوقاي ة
من الجريمة تؤديها أجهزة ومؤسسات مختلفة في الدولة مثل المصالح االجتماعية وكذلك الشرطة.
-الدور الوقائي للشرطة :الشك أن للشرطة دورا هاما في منع الجرائم قبل أن تقع ،وهذا الدور من أهم
ش ؤون الض بطية اإلداري ة القّو ام ة على األمن الع اّم ،وأول واجب يق ع على ع اتق الش رطة في ه ذا المج ال ه و
اكتشاف
الخطورة اإلجرامية لألشخاص ومنعها في الوقت المناسب من اإلفضاء إلى جرائم فعلّي ة وذلك أن التجربة دّلت
على أن كل جريمة تحدث يغلب صدورها من شخص كان شائعا عنه في الوسط به أنه شرس وسيئ األخالق ،
ومن جه ة أخ رى ف إن ك ل جريم ة ال ب ّد أن تس بقها ف ترة من الت أهب واالس تعداد أو كثيرا م ا تظه ر خالله ا على
35د .منصور رحماني – علم اإلجرام والسياسة الجنائية .ص – 6دار العلوم للنشر .عنابه -الجزائر. 2006
36د .علي محمد جعفر المرجع السابق ص .199
37د .عبد هللا عبد العزيز اليوسف – األنساق االجتماعية ودورها في مقاومة اإلرهاب والتطّرف .ص63
جامعة نايف العربية للعلوم األمنية – الرياض ،المملكة العربية السعودية .2006
15
الش خص ذات ه إم ارات كاش فة عن س وء قصده ك أن يس وده القل ق أو تظه ر في طريق ة معيش ته دالئ ل الفوض ى
واالضطراب ،أو أن يّتخذ مواقف تهديدية أو أن يزّو د نفسه بما ُيستخدم في تنفيذ الجرائم ،ويغلب فوق ذلك أن
يك ون معه ودا في ه االنح راف أو التع ّو د .ومن واجب ات الش رطة التقّص ي والبحث ال دائم في ك ل حال ة خط يرة
ومنعه ا من أن ت ؤّد ي لجريم ة خط يرة . 38كم ا تس اهم الش رطة في عملي ة الرعاي ة الالحق ة بع د االف راج على
الس جين ف تراقب نش اطه .أّم ا الت دابير المق ّر رة لألح داث المنح رفين أو المعّر ض ين لالنح راف فإنه ا تك ون ذات
طابع تربوي تتناسب وإ جراءات التأهيل واإلصالح المجّر دة عن ألم العقوبة المفروضة على البالغين وتأتي في
مقّد متها تدابير الحماية التي تشتمل على تسليم الحدث إلى ولّي ه أو وصّيه الشرعي إذا توافرت فيهما الطمأنينة
األخالقي ة ،أو إلى مؤسس ة اجتماعي ة تعّينه ا محكم ة األح داث ،أو يخض ع للمراقب ة االجتماعي ة ليوّج ه الح دث
التوجي ه المناس ب والصحيح .وتح رص إدارة الش رطة الي وم أن يك ون ت دّخ لها في إط ار من اح ترام للحري ات
العامة وحقوق اإلنسان حتى ُتسّهل عملها وتنال ثقة وحّب المواطنين ألن أمن كل شخص ال يمكن أن يكون إال
في الثقة في نظام جماعي يقوم بفرض وحماية محيط ومناخ آمن ومطمئن. 39
من المعروف أن نظام الشرطة وقوانين بلد ما يكونون دائما نتاج تط ّو ر تاريخي معّين يخضع لتقاليد
ثقافي ة واجتماعي ة وقانوني ة مختلف ة ت ؤّد ي – ليس فق ط – إلى مف اهيم مختلف ة للش رطة ولكن ه أيض ا لتصرفات
مختلف ة من ط رف الجمه ور نحوه ا ،وبالنس بة لم وظفي الش رطة ف إنهم يحض ون بنظ رات مختلف ة من قب ل
المواط نين ح ول مك انتهم في المجتم ع وال دور المنتظ ر منهم أداؤه ،ومن غ ير الممكن أن تتوّح د نظ رة الن اس
للشرطة في أّي من البلدان فهناك من يراها بعين الرضا كما أن هناك من يراها بعين السخط ورغم تن ّو ع النظم
الشرطية – فيما يتعلق بحقوق اإلنسان – إال أنه توجد مبادئ وقوانين مطّبقة عالميا فيما يخّص هذا األمر وذلك
باالقتداء بالمبادئ الواردة في اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان. 40
تتعّز ز الوقاية من الجريمة بواسطة التربية األمنية التي تعني تعليم وتعلم المفاهيم األمنية والخبرات
الالزمة للمواطنين لتحقيق األمن الوطني وحماية الموارد الطبيعية ومقاومة الرذيلة واألمراض
38د.رمسيس بهنام – المجرم تكوينا وتقويما .ص – 285دار المعارف ،اإلسكندرية – مصر. 1983
les cahiers de la sécurité intérieure (I H ES I ) page 8 – Ed ; doc . française – France 1991 39
j. Alderson – les droits de l’homme et la police. ED. Conseil de l’Europe – STRASBOURG 40
16
االجتماعية ،والتربية األمنية تربية مزدوجة وعملة ذات وجهين :تربية أمنية للشرطة وللمواطن ،تجعل
الش رطي والم واطن رجال أمن يس هر كالهم ا من خالل موقع ه على األمن ،فلم تع د األجه زة األمني ة وح دها
المس ئولة على الحف اظ على أمن المجتم ع ومكتس باته ب ل يش اركها في ذل ك جمي ع مؤسس ات المجتم ع الم دني
لتحقيق األمن االجتماعي والوطني وتعزيزه .وللوصول ألهداف ملموس ة في المجال األمني يتطلب تحضير
برامج تدريبية ناجعة وكافية لرجل األمن ،فغاية برامج التدريب الموجهة لرجل األمن ترمي أساسا لتطوير
قدرات ه وتغي ير س لوكه على ثالثة مس تويات :التغي ير في المعرف ة والتغي ير في المه ارة والتغي ير في االتج اه ،
بتلقي معارف أولية وقواعد قانونية وتنظيمية تخّص ميدان العمل وتنفيذ المهاّم وتطبيق تقنيات الشرطة الخاصة
واكتس اب واس تيعاب الصفات النفس ية والشخصية المرتبط ة بمهن ة الش رطي .ومن أهم الصفات ال تي ينبغي
توافره ا في رج ل األمن :المعرف ة العلمي ة والصفات النفس ية – االس تعدادات والصفات الشخصّية – الخصال
والصفات األخالقية. 41
-الدفاع االجتماعي :تقوم حرك ة ال دفاع االجتم اعي الح ديث على أس اس بناء السياس ة الجنائي ة على أفك ار
إنس انية ،في محاول ة لتجدي د النظم العقابي ة به دف مواجه ة الجريم ة بط رق علمي ة وعقلي ة واالس تفادة من تق ّد م
ومكتشفات العلوم اإلنسانية . 42وحسب العالم اإليطالي "غراماتيكا " يقوم الدفاع االجتماعي على المبادئ التالية
:واجب الدولة القضاء على أسباب انحراف الفرد داخل المجتمع -ليس للدولة ( من أجل الحفاظ على النظام
المق ّر ر بواس طة الق انون )الح ّق في العق اب فحس ب ،ولكن يق ع على عاتقه ا واجب تأهي ل الف رد الج انح التأهي ل
االجتماعي ،بحيث أّال يتّم بواسطة العقوبات ولكن بتدابير الدفاع االجتماعي الوقائية أو التربوّي ة أو العالجية .
– تناسب تدابير الدفاع االجتماعي مع كل فرد وذلك بالنظر لشخصيته االجتماعية وليس بالنظر لمسئوليته عن
الضرر الناتج عن الجريمة – .تبدأ دعوى الدفاع االجتماعي بتقدير طبيعة ودرجة عدم اجتماعية الفرد ،كما
أنه ا تنتهي ب زوال الحاج ة إلى تط بيق الت دابير ،وهي تع ّد من البداي ة للنهاي ة محض قض ائية .ـ إن التأهي ل
االجتماعي للفرد يدخل ضمن إطار شديد السعة لفكرة الدفاع االجتماعي.43
41د .مختار حسين شبيلي – صفات المحقق الجنائي ص 27و – 28مجلة الشرطة ،العدد – 70ديسمبر 2003الجزائر.
42د .حسن صادق المرصفاوي – في المحقق الجنائي .ص – 21دار المعارف ،اإلسكندرية – مصر.1990
43د .أمين مصطفى محمد -علم الجزاء الجنائي .ص ،148 –147دار الجامعة الجديدة للنشر :القاهرة ،مصر1995
المجتمعي ،وتذليل الحاجز النفسي بين الشرطة والمواطن.
17
ديناميكية خاصة يؤّد يها أفراد الشرطة المجتمعية أو الشرطة الجواريةPolice de proximité
الشرطة العاديين من مصالح األمن العمومي بالخصوص ،موّج هة نحو الفئات الشعبية ،كما تش ّك ل وسيطا بين
هيئة الشرطة والمؤسسات األخرى في الدولة المعنية باألمن االجتماعي والمجتمع المدني ،مهّم تها التواصل
والتفاع ل اله ادف لتحقي ق أك بر ق در من المش اركة فيم ا بين الش رطة والمجتم ع في تحّم ل أعب اء المس ؤوليات
األمني ة وف ق مفه وم األمن اإلنس اني الش امل وخل ق أواصر تع اون وثي ق بين رج ال األمن وأف راد وهيئ ات
المجتمع بغية خلق أجواء ثقافية تدّع م األمن االجتماعي ،ومن أهداف هذه الديناميكية:
ــ تعزي ز ال وعي ب القيم اإلنس انية والوطني ة في الوح دة والتس امح ومحارب ة الس لوك اله ّد ام كالـعنف واآلف ات
االجتماعية ( المخدرات وفساد األخالق وجنوح األحداث ).
ـ تفعيل الدور الوقائي لعمل الشرطة ضمن المجتمع ،وإ شراك فئات المجتمع في مسؤوليات األمن
ـ توعية المواطن بأن الشرطة حليفه وتعمل لصالحه وفائدته وفي سبيل أمنه ،وليست جهة عدّو ة ومزعجة
له .
ــ محاول ة إيج اد حل ول موض وعية وعملي ة للمش كالت االجتماعي ة من خالل تش جيع الجمه ور للمش اركة في
تقويم السلوك والتصرفات الخاطئة .
ــ تط وير آلي ات العم ل التط وعي في المج ال األم ني ،وتق ديم ال دعم النفس ي واالجتم اعي لض حايا الجريم ة
والحوادث البليغة واإلرهاب .
ــ إب راز ال دور االجتم اعي الم دني للش رطة كق وة تق وم بخدم ة الش عب ،وفتح قن وات االتصال بين الش رطة
والمجتمع لتمتين عرى الثقة والتفاعل اإليجابي فيما بينهما .
ــ تفعي ل دور المجتم ع ومؤسس ات الض بط االجتم اعي في الدول ة للوقاي ة من مختل ف أش كال اإلج رام
واألمراض االجتماعية .
ــ رصد الظ واهر اإلجرامي ة ال تي تمّس المجتم ع مباش رة كال دعارة واالتج ار بالبش ر وتع اطي المخ درات،
والجرائم المالية واالقتصادية التي تنخر المال العام ،والفساد.
ــ ال دعوة للمس اهمة في حمالت التوعي ة ال تي تق وم به ا مصالح الش رطة لش رح ق انون الم رور والوقاي ة من
حوادث السير ،ومضاّر المخدرات وحماية الطفولة والعنف في المالعب الرياضية ..الخ .
ــ تق ريب الش باب (بالخصوص) من مصالح األمن ،والتواصل واالحتك اك بهم عن طري ق تنظيم األنش طة
الرياضية والثقافية الجوارية بمناسبة األعياد الوطنية والدينية وأعياد الشرطة .
يخضع اختيار أفراد وضباط الشرطة المجتمعية إلى مجموعة من المعايير والصفات التي تس ّهل لهم إتمام
مهمتهم على أكمل وجه ،وهي:
ـ الثقة بالنفس واإليمان في نجاح المهّم ة ،والقدرة على اإلقناع والتعامل الفّع ال والتواصل واالتصال السليم
مع مختلف شرائح المجتمع .
ـ المرونة في األداء ،واعتماد االبتكار في خلق الحلول المناسبة لمختلف الحاالت الطارئة .
ــ اح ترام المواط نين والت دخل اله ادئ وال رزين ،والمعامل ة بلباق ة ،وع دم التع ّر ض للخصوصيات الثقافي ة
واالجتماعية للمجتمع .
ـ الثقاف ة الواس عة ،واإللم ام بالمب ادئ األساس ية لعلم االجتم اع وعلم النفس ،واإلطالع الجّي د على الع ادات
والتقاليد المحلية لسكان المنطقة .
ــ توعّي ة الم واطن ب أن جه از األمن يتفّهم هموم ه وانش غاالته ومخاوف ه ،ويس عى لمس اعدته في ك ل األح وال
والظروف.
ـ العمل على تطوير صورة جديدة وإ يجابية للمؤسسة األمنية في أذهان المواطنين .
ــ االس تعانة باألس رة في مج ال الوقاي ة من الجريم ة ،وتنظيم دور المجتم ع في مي دان مكافح ة الجريم ة من
خالل نشاط الجمعيات المدنية.
ـ االرتقاء بالخدمة األمنية المقَد مة للجمهور ،وتحليل رغبات المواطنين وقياس آرائهم تجاه إدارة الشرطة.
18
الخاتمــــــــــــة
ال يختل ف اثن ان ب األمس و الي وم ح ول أهمي ة األمن في حي اة المجتمع ات ،وال يمكن أن ننك ر م ا
للشرطة من دور أساسي وحيوي في استتباب األمن في المجتمع الحديث وحماية الحقوق السياس ية واالجتماعي ة
لألفراد ،وأن التعاون بين الشرطة والمواطنين وتأصيل الفهم المشترك لدور كل منهما في الحفاظ على األمن
االجتماعي هو أساس نجاح هذه المهمة النبيلة ،وتكريس المهارات المهنية والتطبيق الصحيح للقانون من أجل
حماية األفراد وممتلكاتهم وحقوقهم ،والسهر الدائم على مكافحة الجريمة والوقوف إلى جانب ضحاياها تع ّد من
أساس يات عم ل رج ال األمن .كم ا يعت بر التع اون والتنس يق بين رج ال األمن ومنظم ات المجتم ع الم دني
والمواط نين لتحقي ق األمن االجتم اعي المنش ود وس يلة فعال ة في نش ر الطمأنين ة واألم ان ،وذل ك بتقوي ة وش ائج
التقارب واالتصال والثقة المتبادلة بينهم كمبدأ من مبادئ العمل األمني الناجح الذي يعّد غاية كل المجتمع .
ولكن يجب أن نعي أن مهمة األمن االجتماعي ال تقع فقط على عاتق األجهزة األمنية – وإ ن كان لها
الدور الكبير في ذلك – بل هي مسؤولية النظام السياسي واالجتماعي واالقتصادي ،الذي يعمل على احترام
مقّو م ات ه ذا األمن ،بالعم ل وف ق مب ادئ الع دل والمس اواة ورعاي ة الحق وق الفردي ة والعام ة والحكم الراش د .
والشرطة في النهاية ليست سوى أداة في يد السلطة الحاكمة تضبط بها شؤون المجتمع وتحميه من الفوضى
واألم راض االجتماعي ة وتس هر على تطبيق وفرض احترام ق وانين الدول ة ،وال ُيمكن للش رطة أن توّفر األمن
االجتماعي بالقّو ة والتسلط ،فمهمتها ليست محاربة المجتمع وتخويفه وإ نما حماية أفراده من مظاهر الخوف
والالأمن ،بالقيام بمحاربة كل من يه ّد د النظام والسكينة في المجتمع وكل من يتجاوز قواعد القانون ،وكل
من يحاول العبث بالمال العام أو ينشر الفساد والبغي ،وكل من ال يحترم حقوق اآلخرين أو ينتهك سالمتهم أو
م الهم وعرض هم ،وك ل من يتع ّر ض ألمن ال وطن :ه ذا ه و دور الش رطة في تحقي ق األمن االجتم اعي ،ال تي
عليه ا عبء أداء ه ذه المهّم ة المقّد س ة في ظ ل اح ترام الق انون والع دل في تطبيق ه ،واح ترام الحري ات العام ة
وحق وق اإلنس ان والم واطن .وه ذا ه و المفه وم الحقيقي ل دور الش رطة ال ذي تس عى ال دول الحديثة لتجس يده
وتكريسه ،ويصبو المواطن أن يراه مطبقا على أرض الواقع فتقوى ثقته وإ يمانه في رسالة األمن ،ال أن يرى
الشرطة سيفا مسلطا على رقبته يرعبه أكثر مما يؤّم نه .إن األمن نعمة ،والحفاظ عليها ورعايتها واجب ،
وخير من عّبر على قيمة وأولوية هذه النعمة ماورد في القرآ ن الكريم ":فليعبدوا رّب هذا البيت الذي أطعمهم
من جوع وآمنهم من خوف " ( سورة قريش – اآلية . ) 106وما جاء في حديث النبي صلى اهلل عليه وسلم :
من أصبح آمنا في سربه ،معافًا في بدنه ،عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها " .
19
المراجــــع
1الل واء محم ود الس باعي ـ إدارة الش رطة في الدول ة الحديثة -الش ركة العربي ة للطباع ة والنش ر
-القاهرة ،مصـر1963
د .محمد البهّي – الدين والحضارة اإلنسانية -دار الفكر :بيروت و القاهرة 1974 2
3جالل مظهر -حضارة اإلسالم وأثرها في الترّقي العالمي .منشورات مكتبة الخانجي – القاهرة ،
مصر 1974
محمد المبارك :اإلسالم (الحكم والدولة ) -األحكام السلطانية للقاضي أبي يعلى الحنبلي 4
د.رمسيس بهنام – المجرم تكوينا وتقويما – دار المعارف ،اإلسكندرية – مصر 1983 5
د .أحمد الربايعة – أثر الثقافة والمجتمع في دفع الفرد إلى ارتكاب الجريمة 6
المركز العربي للدراسات األمنية والتدريب – الرياض ،المملكة العربية السعودية 1984
د .حسن صادق المرصفاوي – في المحقق الجنائي – دار المعارف ،اإلسكندرية – مصر1990 7
د .أمين مصطفى محمد -علم الجزاء الجنائي ، .دار الجامعة الجديدة للنشر :القاهرة ،مصر1995 8
د .علي شتا – علم االجتماع الجنائى – مكتبة االشعاع الفنّية ،القاهرة .مصر 1997 9
10د .خليل وديع شكور -العنف والجريمة – الدار العربية للعلوم ،بيروت – لبنان 1997
دار الشروق – القاهرة ،مصر 1998 11د .محمد عمارة -اإلسالم واألمن االجتماعي
12د.محمد أرزقي نسيب -أصول القانون الدستوري والنظم السياسية -دار األمة ،الجزائر 1998
13فيليب برو -ترجمة محمد عرب صاصيال ـ علم االجتماع السياسي .
14د .علي محمد جعفر -مكافحة الجريمة المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع .بيروت.
لبنان 1998
15د .سليمان عبد المنعم – نظرية الجزاء الجنائي المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع.
بيروت .لبنان 1999
16د .أحسن بوسقيعة -الوجيز في القانون الجزائي العام -دار هومة للطباعة والنشر ،الجزائر 2003
17د .منصوررحماني -علم اإلجرام والسياسة الجنائية – دار العلوم للنشر .عنابه -الجزائر 2006
18د .عبد اهلل عبد العزيز اليوسف – األنساق االجتماعية ودورها في مقاومة اإلرهاب والتطّر ف
جامعة نايف العربية للعلوم األمنية – الرياض ،المملكة العربية السعودية 2006
19د .مختار حسين شبيلي – اإلجرام االقتصادي والمالي الدولي وسبل مكافحته
جامعة نايف العربية للعلوم األمنية – الرياض ،المملكة العربية السعودية 2007
21نظير محمد أمين – المتغيرات الدولية واإلقليمية و أثرها على األمن االجتماعي
20
التقارير والمقاالت
1برنامج األمم المتحدة اإلنمائي لسنة – 2009تقرير التنمية اإلنسانية العربية :تحديات أمن اإلنسان
في البلدان العربية – نيويورك 2009
2مختار شبيلي – صفات المحقق الجنائي – مجلة الشرطة ،العدد – 70ديسمبر . 2003الجزائر 3
سني محمد أمين -مفهوم األمن – 2008 .
4نعم ان عباس ي – الحكم الراش د وأولوي ة ت رتيب المش هد النخب وي في الجزائ ر -مجل ة الب احث
االجتماعي عدد 10الجزائر ،سبتمبر 2010
5األستاذ عزوز عبد الناصر -نموذج متبلور لتخطيط التنمية بالدول النامية
النصوص القانونية
ـ قانون االجراءات الجزائية الجزائري ــ وزارة العدل :نشر الديوان الوطني لألشغال التربوية ،الجزائر
1999
( غير منشور) ـ المرسوم التنفيذي 92ـ . 72بتاريخ 31ـ 1992 -10
الموسوعات
21
الفـــــــــــــــــــــهرس
19 الخاتمـــــــة
20 المــراجع
22