You are on page 1of 2

‫تربيــــــة‬

‫الرتبية الأ منية‬


‫‬
‫د‪ .‬مرمي بنت عبدالرحمن الفالح‬

‫نعرف األمن بشكل عام بأنه جميع األنشطة التي تهدف إلى حتقيق‬ ‫األمن نعمة من نعم الله ـ عز وجل ـ التي من بها على عباده‪،‬‬
‫االستقرار والطمأنينية للمواطن والوطن في نفس الوقت‪.‬‬ ‫ق��ال تعالى‪{:‬فليعبدوا رب هذا البي��ت‪ ،‬الذي أطعمهم من جوع‬
‫ولألم��ن جوان��ب عدة منها األم��ن العقائدي (الدين��ي) ـ األمن‬ ‫وآمنهم من خوف} آية ‪ 3‬ـ ‪ 4‬س��ورة قريش‪ ،‬وقال األمني >‪:‬‬
‫اجلس��دي‪ ،‬األمن النفس��ي األمن االجتماعي األم��ن الفكري‪ ،‬األمن‬ ‫(من أصبح منكم آمنا في س��ربه‪ ،‬معافى في جس��ده‪ ،‬عند قوت‬
‫االقتصادي‪ ،‬األمن السياس��ي‪ ،‬وتوافر كل جوانب األمن هذه حتقق‬ ‫يومه‪ ،‬فكأمنا حيزت له الدنيا) فاألمن من أهم احلاجات األساسية‬
‫األمن الوطن��ي للمواطن والوطن ليعيش املواطن بس��عادة ورغد‬ ‫في حياة اإلنس��ان‪ ،‬فمن خالله يش��عر بالس��عادة واالستقرار‬
‫ويس��تمر الوطن برق��ى وتطور‪ ،‬وتكمن أهمية األمن بأنه أس��اس‬ ‫األمن��ي وهو ض��روري لتحقي��ق التنمي��ة الش��املة للمواطن‬
‫ازده��ار احلض��ارة وارتق��اء األمم‪ ،‬حيث لن يعم الرخاء ويس��ود‬ ‫والوط��ن‪ ،‬واألمن عكس اخلوف والقلق ‪ ،‬وكان األمن ـ وما يزال‬
‫التقدم إال في ظل االس��تقرار‪ ،‬وال اس��تقرار بغير أم��ن وأمان‪ ،‬لذا‬ ‫ـ هاجس األفراد واجلماعات واألمم‪ ،‬باعتباره العامل اجلوهري‬
‫فإن األمن هو مس��ؤولية اجلميع‪ ،‬فاألجهزة األمنية تقوم بوظائف‬ ‫الذي يحفظ الوجود اإلنساني ومينحه مكانه في احلياة بكرامة‪،‬‬
‫أساس��ية ملنع اجلرمية واحلف��اظ على األمن‪ ،‬وفي الوقت نفس��ه‬ ‫لذل��ك فقد كان حتقيق احلي��اة املطمئنة اآلمن��ة مطلب كل األمم‬
‫فإن املؤسس��ات التربوية واالجتماعية تق��ع عليها‪ ،‬باإلضافة إلى‬ ‫باختالف العصور‪ ،‬مبا يتفق مع الفطرة التي جبل عليها البش��ر‬
‫وظائفها األساسية‪ ،‬مسؤوليات أمنية‪.‬‬ ‫وهي غريزة البقاء‪ .‬وغريزة الدفاع عن احلياة وس�لامة اجلسد‬
‫ولكي نحقق األمن ال ب��د من إحداث تربية أمنية للمواطن حتى‬ ‫واحلرية‪ ،‬وتطورت أس��اليب الدفاع واحلفاظ على األمن بتطور‬
‫يتس��نى له معرفة ماعليه من واجبات وماله من حقوق‪ ،‬فالتربية‬ ‫وسائل التقنية التي توصل إليها اإلنسان من العصور البدائية‬
‫األمنية هي تعليم وتعلم املفاهيم األمنية واخلبرات الالزمة لرجال‬ ‫إلى تطور وسائل املواصالت إلى تقنية املعلومات‪.‬‬
‫األم��ن واملوطنني لتحقيق أم��ن املواطن والوط��ن وحماية املوارد‬ ‫ومما ال شك فيه أن لألمن مستويات متعددة تتمثل في أربعة‬
‫الطبيعية ومقاومة الرذيلة واألمراض االجتماعية والتربية األمنية‬ ‫مس��تويات هي‪ :‬أمن الفرد ضد كل ما قد يهدد حياته وممتلكاته‬
‫تربية مزدوجة‪ ،‬وعملة ذات وجهني‪ .‬تربية أمنية للوطن واملواطن‬ ‫أو أسرته‪ ،‬وأمن الوطن ضد أي أخطار خارجية أو داخلية‪ ،‬وأمن‬
‫فالوطن مينح املواطن االستقرار والرقي واملواطن يحافظ على أمن‬ ‫إقليمي لدول تتشارك املصالح وتعمل على حماية كيانها‪ ،‬واألمن‬
‫وطنه‪ .‬وللتربية األمنية أهداف منها‪:‬‬ ‫الدولي الذي تتولى حمايته املنظمة الدولية لألمم املتحدة‪.‬‬
‫ـ حماية الوطن بوصفه جزءا من ثروة البلد البشرية التي ال تقدر‬ ‫ولإلسالم نظرته الشمولية لألمن الستيعابه كل شيء مادي‬
‫بثمن‪.‬‬ ‫ومعنوي‪ ،‬كما وأنه حق للجميع أفرادا ً وجماعات‪ ،‬مسلمني وغير‬
‫ـ تعميق مفهوم األمن الش��امل من خ�لال تأصيل االنتماء والوالء‬ ‫مسلمني‪ .‬ومفهوم األمن في القرآن الكرمي شمولي باحتوائه على‬
‫واملسؤولية‪.‬‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية اخلمسة وهي الدين والنفس والعقل‬
‫ـ تفعيل دور املؤسسات التعليمية واإلعالمية في التربية األمنية‪.‬‬ ‫وامل��ال والعرض ق��ال الله تعالى {وعد الل��ه الذين آمنوا منكم‬
‫ـ التبصير بأهمية الثقاف��ة القانونية حتى يعرف املواطن حقوقه‬ ‫وعملوا الصاحلات‪ ،‬ليستخلفنهم في األرض كما استخلف الذين‬
‫وواجباته‪.‬‬ ‫م��ن قبلهم‪ ،‬ليمكنن لهم دينهم ال��ذي ارتضى لهم‪ ،‬وليبدلنهم من‬
‫ـ احلث على احترام القانون والنظام العام‪.‬‬ ‫بعد خوفهم أمنا‪ ،‬يعبدونني ال يشركون بي شيئا ومن كفر بعد‬
‫ـ التعريف بخطر اجلرمي��ة وأنواعها وأثرها على الفرد واملجتمع‬ ‫ذلك فأولئك هم الفاسقون} سورة النور آية ‪.55‬‬
‫وأهمية مكافحة اجلرمية حتقيق األمن الوقائي ملواجهتها‪ ،‬والوقاية‬ ‫وقوله {وإذ قال إبراهي��م رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني‬
‫من االنحراف‪.‬‬ ‫وبني أن نعبد األصنام} س��ورة إبراهيم آية ‪ ،53‬ويش��تق من‬
‫ـ التوعي��ة بأس��اليب املنحرف�ين واملجرمني في ارت��كاب اجلرائم‬ ‫األمن معاني كثيرة أهمها‪ :‬األمانة واإلميان‪ ،‬وهي معان متقاربة‬
‫املختلف��ة‪ ،‬والتبصي��ر بأس��اليب مواجه��ة النش��اط والس��لوك‬ ‫أو متشابهة فاألمن يفيد االطمئنان‪ ،‬والسكنية ونقيضه اخلوف‪،‬‬
‫اإلجرامي‪.‬‬ ‫واألمانة تفي��د االطمئنان والثقة‪ ،‬ونقيضه��ا اخليانة‪ ،‬واإلميان‬
‫ـ دعم مفهوم «الش��رطة املجتمعية» وأن األمن مسؤولية اجلميع‪،‬‬ ‫يفيد التصديق واالس��تيقان‪ ،‬ونقيض��ه الكفر‪ ،‬ومن هنا ميكن أن‬

‫العدد (‪ )311‬ـ ربيع آالخر ‪1429‬هـ‬ ‫أالمن واحلياة‬ ‫‪36‬‬


‫تلك التقنية‪.‬‬ ‫واحلث عل��ى اإلبالغ عن اجلرائم املختلفة‪ ،‬وتقدمي املعلومات التي‬
‫وللتقني��ة تأثيرات عدة س��واء صحية أو س��يكولوجية أو‬ ‫تساعد أجهزة األمن للوصول إلى مرتكبي اجلرمية التي تهدد أمن‬
‫أخالقي��ة أو جنس��ية أو ثقافية أو إجرامية‪ ،‬حيث تش��مل هذه‬ ‫الوطن واملواطن‪.‬‬
‫التقني��ات على مواق��ع عنف ومحرم��ات كاملخ��درات ومواقع‬ ‫ـ حمايةالطفولة من االستغالل اإلجرامي‬
‫عنصرية ومواقع ألش��ياء غير مش��روعة كصناع��ة املتفجرات‬ ‫ـ حماي��ة املرأة بوصفه��ا عنصرا ً فاعالً وأساس��ا ً لتحقيق التربية‬
‫وغيره‪ .‬ما يؤثر حتما ً على حتقيق األمن الوطني‪ ،‬حيث كش��فت‬ ‫األمنية للوطن من خالل تربية وتعليم األبناء‪.‬‬
‫بع��ض اإلحصائيات وجود ما يقارب ‪ 0005‬موقع إرهابي على‬ ‫ويت��م تفعيل دور التربية األمنية من خالل نوافذ متعددة‪ ،‬منها‬
‫اإلنترنت‪.‬‬ ‫مايتم بطريقة رس��مية في املؤسس��ات التعليمية وغير الرس��مية‬
‫وه��ذه التقنيات س�لاح ذو حدين فقد تدع��م مفهوم التربية‬ ‫من خ�لال الدورات واحلمالت املتنوعة‪ .‬ويتضمن محتوى التربية‬
‫األمنية وحتقق األمن الوطني أو قد تزعزع األمن الوطني وتكون‬ ‫األمنية مايلي‪:‬‬
‫س��ببا ً حلدوث اجلرمية واإلرهاب ملا متتاز به هذه التقنيات من‬ ‫ـ فلس��فة األمن ومفهوم��ه ونظرية األمن التي تش��مل األمن العام‬
‫س��هولة الوصول للغير بغض النظر عن البعد املكاني وتوافر‬ ‫واالقتصادي والسياس��ي واالجتماعي‪ ،‬وتش��مل الفرد واجلماعة‬
‫املعلومات املتنوعة اجلديدة منها والسيئة وبساطة استخدامها‬ ‫واملجتمع والدولة واإلقليم والعالم‪.‬‬
‫وانخداع املستخدم بها‪.‬‬ ‫ـ عناصراألمن التنظيمية واملعلوماتية واالجتماعية والسياسية‪.‬‬
‫فقد أشارت دراسات متعددة إلى وجود عصابات عاملية تعمل‬ ‫ـ وظائف األمن‪ :‬تأمني األفراد واجلماعات‪ ،‬ومنع اجلرمية والتطرف‬
‫على زعزعة األمن الوطني وانحراف ش��باب الوطن باعتبار هم‬ ‫واإلرهاب واجلرمية واملجرم‪ :‬وتطور وسائل ارتكاب اجلرمية‪.‬‬
‫القوة احلقيقة ألي تطور ومنو حيث تس��تخدم وسائل تناسب‬ ‫ـ دور أجهزة األمن في محاربة اجلرمية وإدارة األزمات والكوارث‪،‬‬
‫هؤالء الش��باب مث��ل اإلنترنت والقن��وات الفضائية والهواتف‬ ‫وحتقيقه للمواطنني في كل مجال حتى تتحقق التنمية الشاملة في‬
‫النقال��ة جلذبه��م والتأثي��ر ف��ي أفكارهم واس��تغالل طاقاتهم‬ ‫املجتمع‪.‬‬
‫ومعارفهم في العديد من األعمال املنافية للنظام والش��رع مثل‬ ‫ـ اخلدمات االجتماعي��ة املنوطة برجال األمن ملس��اعدة املواطنني‬
‫غس��ل األموال واملخدرات‪ ،‬وتتمثل أبرز مخاط��ر هذه التقنيات‬ ‫على مشكالتهم املختلفة‪.‬‬
‫في‪:‬‬ ‫ـ «األم��ن مس��ؤولية اجلمي��ع» وحتمل كاف��ة قطاع��ات املجتمع‬
‫‪ 1‬ـ مهاجمة العقيدة واألخالق الفاضلة مبا تعرضه من مسلسالت‬ ‫مسؤولية األمن‪.‬‬
‫أو برامج تهدف إلى نشر الرذيلة واالنحالل اخللقي‪.‬‬ ‫وميك��ن أن نبدأ بالتربي��ة األمنية من الروض��ة فيتعلم الطفل‬
‫‪ 2‬ـ زرع القي��م والثقاف��ة االس��تهالكية وحتويل اإلنس��ان إلى‬ ‫أس��اليب حماية نفس��ه من الغاز والكهرباء والس��كني والس��موم‬
‫مستهلك الهم له إال االستهالك خاصة للسلع واملنتجات الغربية‬ ‫والغرق واحلرق وكل ما يؤذيه‪ .‬عن طريق التعلم باللعب‪ ،‬أما في‬
‫مستغلة في ذلك أساليب إعالن مؤثرة‪.‬‬ ‫املدرس��ة االبتدائية من سن ‪ 6‬ـ ‪ 21‬سنة والتي يكون فيها الطالب‬
‫‪ 3‬ـ نشر العنف عن طريق املسلسالت واألفالم التي تشجع على‬ ‫أكثر قدرة على اس��تيعاب دروس التربي��ة األمنية فيكلف الطالب‬
‫العن��ف وجتمده وتصوره الوس��يلة الوحي��دة حلل اخلالفات‬ ‫مث�لاً بحم�لات تنظيم املرور‪ ،‬وإطف��اء احلرائ��ق الوهمية‪ ...‬وفي‬
‫والنزاع��ات بني البش��ر وما يخلفه ذلك م��ن نزاعات وخالفات‬ ‫املرحلة املتوسطة والثانوية من سن ‪ 21‬ـ ‪ 81‬سنة نبدأ بالتدريس‬
‫وجرائم‪.‬‬ ‫األمن��ي الوقائي اجلاد‪ ،‬من خالل كتب مطبوعة مخصصة للتربية‬
‫‪ 4‬ـ إبادة امللكات الفكرية واإلبداعية لدى الطالب‪.‬‬ ‫األمنية مثل األمن الوقائي واألمن العالجي واألمن الوظيفي واألمن‬
‫ومن الالفت للنظر بروز نظرية التحول إلى (الفرد الرقمي)‬ ‫التطوعي واألمن االقتصادي والسياسي وغيره‪.‬‬
‫التي تفترض حتول اإلنسان من الصياغات العاطفية واإلنسانية‬ ‫وف��ي ثورة تقني��ة االتصاالت واملعلومات لعب��ت التقنية دورا ً‬
‫إلى ش��خص آلي مولع بـ (األزرة) واألرقام فلقد دلت دراسات‬ ‫قويا ً في احلفاظ على األمن الوطني أو زعزعته وأهم تلك التقنيات‬
‫على أن هذه التقنيات جتمع العائلة مكانيا ً وتفرقها عاطفيا ً‪.‬‬ ‫اإلنترن��ت والهوات��ف النقال��ة والقنوات الفضائي��ة‪ ،‬ولكي نحقق‬
‫وبعد وفي ضوء العدي��د من التوصيات التي تؤكد ضرورة‬ ‫التربي��ة األمني��ة في ظل تل��ك التقنيات ال بد م��ن حتقيق التربية‬
‫تدعيم األمن الوطني وتزويد الطالب بتلك املفاهيم األمنية بات‬ ‫التقني��ة‪ ،‬فالتربية التقنية عملية هادف��ة ومنظمة لتزويد املواطن‬
‫التفكير بالتربية األمنية كمنهج وممارس��ة مطلبا ً ضروريا ً في‬ ‫بالق��در الالزم م��ن اخلب��رات التقنية وخاصة القن��وات واجلوال‬
‫مؤسساتنا التعليمية‪.‬‬ ‫واإلنترن��ت س��واء كانت اخلبرات معرفية أو مهارية أو س��لوكية‬
‫ وكيلة قسم التربية وعلم النفس بجامعة الرياض للبنات‬ ‫وغيرها التي تعمل على تثقيفه تقنيا ً ومعرفة إيجابيات وسلبيات‬

‫‪37‬‬ ‫أالمن واحلياة‬ ‫العدد (‪ )311‬ـ ربيع آالخر ‪1429‬هـ‬

You might also like