حياة اإلنسان قائمة على الصراع بني احلق والباطل ..بني اخلير والشر ..بني األمن واجلرمية ..وفي خضمّ هذه الصراعات ترتفع أصوات املدافعني عن احلق، املناصري ��ن للخي ��ر ،ومن بني هؤالء ،العاملون في س ��لك احملام ��اة .فهل أصحاب هذه املهنة ملتزمون بكل ما تتطلبه املهنة من مبادئ وقيم؟. إن من العجيب والغريب أن كثير ًا من احملامني في كثير من الدول يس ��يئون املشاقي عرسان عبداللطيف ّ إل ��ى املهنة ،فيتخلون عن الضمائر ،ويلق ��ون بها في غياهب الهوان ،مقابل بعض املبالغ املالية ،التي يدفعها هذا املوكل أو ذاك !..فيصبح املجرم في بعض األحيان بريئ ًا (بحكم القانون) ويصبح البريء الضحية (ظاملاً) ومتهم ًا بحكم القانون نفس ��ه ...فتنقل ��ب املعادل ��ة ،وتتوه احلقيق ��ة ،وتتبعثر األوراق وس ��ط هذا الترهل األخالقي. احملاماة مهنة ليس من السهل إتقانها ،ومسؤولية ليس من البساطة حملها، إنه ��ا رس ��الة ،ال يق ��وى على تبليغها إ ّال م ��ن متثلت فيه النزاه ��ة والرزانة والقدرة عل ��ى مجابه ��ة اخلطر ...من يخوض غمار هذه املهنة ،يس ��عى جاهد ًا للبحث عن فهم ��ه إظهار احلق ،ودحض الباطل ..أي إن صاحب هذه املهنة ينتصر احلقيق ��ةُّ ، للخير ،ويسعى دائم ًا إلى دحض كل معالم الشر. . إن مهن ��ة احملام ��اة حافل ��ة باملعان ��اة ،ألنها تبح ��ث عن احلقيقة ،فهي س�ل�اح ذو حدين ،ش ��أنها ش ��أن الصحافة ،فمثلما أن الصحافة تس ��هم في بناء املجتمع بالكلم ��ة الصادق ��ة الهادفة املؤثرة ،فإنها في الوقت نفس ��ه قد تس ��هم بالكلمة في تقوي ��ض البني ��ان االجتماعي واألمن ��ي ،وكذلك احلال بالنس ��بة للمحاماة ،فمن ميتهنه ��ا قد يس ��هم في بناء إنس ��ان ،وقد يس ��هم في تدمير حيات ��ه ،خصوصاَ إذا تعمد صاحب هذه املهنة (تغييب) احلقيقة ،بقلب احلق باط ًال أو العكس. وهن ��ا تكمن خط ��ورة العمل والتعامل مع القوانني ،التي يتم تكييفها أحيان ًا وفق املصالح املادية بالدرجة األولى ...وهذا ال يعني بكل تأكيد التقليل من شأن احملام ��اة ،لكن ��ه تنبيه إلى خطورة ما ميارس ��ه الكثيرون من أصح ��اب هذه املهنة، فهن ��اك الكثي ��ر من احملامني احلريصني على إظه ��ار احلق ،ومكافحة اجلرمية، وهؤالء يس ��همون بالفعل ف ��ي تخليص املجتمع من األوبئ ��ة اإلجرامية املتعددة، التي ميارسها املنحرفون اخلارجون على سلطة القانون ...وثمة حقيقة ينبغي تأكيده ��ا ،ه ��ي أنه مهما بل ��غ املتعاملون مع القوانني من نزاه ��ة ،ورزانة ،وحرص عل ��ى العدالة ،وإظه ��ار احلق ،إ ّال أنها تظل مع ّرضة للجور ،والتش ��ويه واإلس ��اءة، وهذا يؤكد لنا أهمية القوانني التي تطبق وفق الشريعة اإلسالمية الغراء ،والتي تظهر احلق حق ًا والباطل باط ًال.
العدد ( )322ـ ربيع الأ ول 1430هـ الأ من واحلياة 98