You are on page 1of 24

‫سفةةة‬ ‫د‬

‫الديِنن والةفلَ ة‬

‫الدكتور محممد سعيد رمضان البوطي‬

‫بسم ال الرحمن الرحيِم‬


‫الحمد ل ولي كل توفيق‪.‬‬
‫والصلةا والسلما على عبده ونبيه المرسل رحمة للعالمين‪.‬‬
‫وبععد‪ ،‬فهعذه إعادةا مبسعطة وموسععة لحعوار وجهتعه ذات يعوما إلعى بعاحث مختعص فعي الفلسعفة‪ ،‬ورئيعس لقسما الفلسفة فعي إحعدى جامعات البلد‬
‫العربية في خليجنا العربي‪.‬‬
‫ول أعتقد ان ثمة أي مصلحة في التعريف به‪ ،‬أو التعريف بالجامعة التي هو فيها‪ .‬فالمأمول أن يكون قد هدي بفضعل الع وتعوفيقه إلعى معرفعة‬
‫الحق والنصياع له‪.‬‬
‫إنما المهما أن يسجل هذا الحوار الذي يجسد أما المثقفين مشكلة من المشاكل الفكرية والعلميعة‪ ،‬ويضعع الحعل العلمعي بجانبهعا‪ .‬والحعداث تمعر‬
‫عادةا وتنطوي بعد وقوعها‪ .‬ولكن يجب أن تبقى معانيها وآثارها مصدر عبرةا‪ .‬ومادةا ثقافة ومعرفة‪.‬‬
‫إوانما تتكون الثقافات من عصارةا الحداث‪.‬‬

‫المقعمدمة‬
‫ضيِاع الةذات‬
‫مصدر المشكلت كلَلةها‬
‫محنععة هععذه المععة واحععدةا‪ ،‬إوان ت ارئععت لهععا جعوانب قععد تبععدو منفصععلة ومسععتقلة بعضععها عععن بعععض‪ .‬وربمععا كععانت المحنععة الفلسععطينية أو محنععة مععا‬
‫يسمى بالتخلف عنها أبرز هذه الجوانب وأخطرها‪ .‬غير أنها ل تعدو أن تكون واحدةا من فروع كعثيرةا أخعرى‪ ،‬ينبثعق جميعهعا منعة جعذع واحعد ل‬
‫ثاني له‪.‬‬
‫ل‪.‬‬
‫وقد كدنا نضيع بين تلفيف هذه الفروع ولغصان المتشابكة‪ .‬بل لعل كثيرين مناقد ضاعوا فع ل‬
‫منذ سنوات طويلة‪ ،‬ونحن نحبس أنظارنا وتأملتنا عند رؤوس المشكلت والمصائب التي تطوف بنا دون أن نحرر أنفسنا يومعال معا مععن سعجن‬
‫هعذه الفعروع المتشععابكة‪ ،‬لنسعبر أغوارهععا‪ ،‬ونصعل إلعى جععذعها وجعذورها‪ .‬فكيععف نطمععع ان نحعل هععذه المشعكلت‪ ،‬ونحعن واقععون منهععا وسععط هعذا‬
‫التيه؟‬
‫من أين نبدأ‪ ،‬إوالى أين ننتهي؟ وأنى هي النقطة المحورية التي تحدد لنا كلل من طرفي البتداء والنتهاء؟‬
‫أنبدأ المعالجة من مشكلة التجزئ والفرقة‪ ،‬أما من مشكلة التخلف العلمعي والتقنعي‪ ،‬أما مععن مشععكلت الفقععر والتخلععف القتصعادي‪ ،‬أما معن مشعكلة‬
‫ضياع الوطن والرض‪ ،‬أما من مشكلة الضطراب الفكري وأزدواج الرأي والسلوك؟‬
‫كل هذه المشكلت مصائب)متواضعة( في جسما هذه المة‪ .‬ما في ذلك ريب‪ .‬ولكن السؤال المحير هععو‪ :‬عنعد أي واحعدةا معن هعذه المشععكلت‬
‫يكمن منبع سائر المصائب والمحن الخرى؟‬
‫والجواب أن هذه المصائب كلها فروع متساوية لمصيبة كعبيرةا هي فعي الحقيقعة أهعما وأخطعر منهعا جميععلا‪ .‬إل انهعا مصعيبة خفيعة ل تطفعو على‬
‫السطح‪ ،‬بل تختبئ في العماق‪ ،‬فل حيلة في السعي إلى إبرازها واضععحة للعيععن المجععردةا وأمعاما أصعحاب النظعرةا السعطحية للشعياء‪.‬ولعو بقيعت‬
‫هعذه المعة قرونعال متطاولعة‪ ،‬وهعي تقرع مصائبها السعطحية هعذه واحعدةا بعأخرى‪ ،‬وتعالعج كلل منهعا كمعا يعالعج الرجل شعقوق بنعاء أقيعما علعى غيعر‬
‫أساس‪ ،‬لما جاءت جهودها بأي طائل‪ ،‬ولظلعت تهعوي معن ضععف إلعى ضععف‪ ،‬ولبقعي الععدو المعتربص بهعا يعزداد تمكنعال منهعا واسعتلبال لعذخرها‬
‫ومقدراتها‪ ،‬حتى يحين منها التفاته جادةا إلى جذورها المعضلة واساس المحنة ‪ ،‬ثما تعكف بصدق على معالجة تلك الجععذور ‪ ،‬عندئععذ يمكععن أن‬
‫يقال‪ :‬إنها عثرت أخي الر على الشعلة الهادية وسط الظلما‪ ،‬وعلى الباب الذي يخرجها من سجن تلك الدائرةا المغلقة‪.‬‬
‫فما هو ذلك الجذع المستصلب الغليظ الذي تتوالد منه فروع هذه المحن كلها؟‬
‫إنه‪ ،‬وبكلمة بسيطة وموجزةا‪ :‬ضياع الذات‪.‬‬
‫نعما‪ ،‬ضياع الذات هو الجذع المستصلب الخطير الذي انتشرت منه في كل الجهات فروع وأغصان من المحن المتنوعة التي ل حصر لها‪.‬‬
‫إوانما اشدد على هذه الكلمة‪ ،‬وأأكد أنها ع على الرغما من بسعاطتها وسعهولة معا تعدل عليعه ع هي ينبعوع مصعائبنا كلهعا‪ ،‬لننعي أعلما أن كعثي الر ممعن‬
‫حبسوا عقولهما وسط رقعة من شطرنج السياسة‪ ،‬أو عودوا أفكارهما وأعصابهما على الدوران النظامي الربيب ضعمن العدوائر المغلقعة‪ ،‬ل يقيمعون‬
‫لهذه الكلمة ول لمدلولها أي وزن‪ .‬إنهما ل يزالون يتوهمون ع حتى بعد أن أنهكتهما التحركات السياسععية ودوختهعما المنعاورات الععتي تظعل تعراوح فعي‬
‫مكانها ع أن جذور هذه المحن كلها إنما تتمثل في إرادةا الدول العظمى والتحركات السياسية الكبرى‪ ،‬أو في الجمود عند الفكار العتيقة!‬
‫إوانما يغذي هعذا العوهما لعدى أصحابه‪ ،‬تقعادما انحباسعهما في قعاع تحركعاتهما الدائريعة المغلقعة العتي ل يسعتبين فيهعا بعدء معن ختعاما‪ ،‬ول يتضعح فيهعا‬
‫الفرق بين أثر ومؤثر أو نتيجة وسبب!‬
‫وربما غذاه لدى فئات أخرى من الناس أنهعما اسعتمرؤوا المحنعة وتفيعؤوا منهعا ظللل وارفعة أنعشت أهعواءهما وحققعت الكعثير معن رغعائبهما‪ .‬فهما ل‬
‫يتأففون منها إل بمقدار ما ينشطون في السعي ابتغاء نيل ثمارها واكتساب آثارها‪.‬‬
‫غيععر أن هععذا كلععه مععا ينبغععي أن يحجععب عنععا الحقيقععة الجاثمععة أمععاما أنظارنععا ومععا ينبغععي أن يجعلنععا نتغاضععى عععن مصععدر البلء وجرثومععة هععذه‬
‫الم عراض‪ .‬ل سععيما وقععد ت اركععما حصععاد هععذه المصععائب أمععاما أعيننععا‪ ،‬كععأخطر مععا يمكععن أن تبععدو عليععه مصععائب أمععة مععا‪ ،‬فععي أي عصععر مععن‬
‫العصور‪.‬‬
‫ألما تتفكك من بقايا القوى وتتحول إلى انكاث؟‬
‫ألما يتمزق ما بيننا من صلت القربى ورحما اللما والمال؟‬
‫ألما تتبعثر ثرواتنا القتصادية مواد وأدوات أولية في أسواق الصناعات الجنبية‪ ،‬لترتد إلينا إغللل تصفنا حتى العناق؟‬
‫ألما تتعاظما نواةا الحتلل الصهيوني تحت أسماعنا وابصارنا حتى ضربت لها جذو الر في عمق بلد الشاما‪ ،‬وأقامت على أرضنا المقدسة أوتادال‬
‫من القوةا‪ ،‬ل تبلغها قوى هذه المة جمعاء؟‬
‫ألما يتحول كيدنا لها وصمودنا ضدها الى الكيد لنفسنا والتربص ببعضنا‪ ،‬حتى استحر الموت منا بعشرات اللف؟‬
‫إذن فهل يجوز أن نبقى ع وهذه هي حالنا ع رهن الحتباس على رقعة شعطرنج تتلعععب بهععا ايعدي سياسعة تسععتطيل معن أجعل المحنعة فعي انتظعار‬
‫انمحاقنا‪ ،‬أو أن نبقى ضمن دائرةا مغلقة نطوف فيها حول محور الوهما‪ ،‬ونقطع في تطوافنا حوله آلف الميال؟‬
‫إن جزءال يسي الر من آلما هذه المصائب‪ ،‬من شأنه أن يوقظ النائما وينبه السادر‪ ،‬فكيف إوانعه ليعس بععذلك الجععزء اليسعير ولكنععه كعل هععذه المصعائب‬
‫واللما‪.‬‬
‫***‬
‫ل‪.‬‬
‫لبد أن نخرج من المأزق أو ل‬
‫إوانما الخطوةا الولى إلى ذلك أن نستيقن بملء عقولنا أن مرد المصائب التي حاقت بهذه المة‪ ،‬إنما يتمثل في كونهعا تعيعش اليعوما ضعالة ععن‬
‫ذاتها‪.‬‬
‫ويقيننا الذي لريب فيه أنها إن لما تهتد إلى ذاتها وهويتها ثما تعكف بجد على تحقيق مقومات هذه الذات‪ ،‬فإن إضعافال كثيرةا أخرى من الجهععود‬
‫العشوائية قد تبذل دون أي فائدةا تجنى‪.‬‬
‫وماذا نعني بالذات؟ إننعا‪ ،‬بحكعما البداهعة‪ ،‬ل نعنعي العذات البشعرية العتي تتكعون معن مقومعات النسعانية العامعة العتي يتسعاوى النعاس جميععال فيهعا‪.‬‬
‫إوانمعا نعنععي المقومعات الفكريعة والعتقاديععة‪ ،‬ومعن ثعما السعلوكية الععتي نسعجت ذاتيتنععا الحضعارية وأورثتنعا لععدى التمسععك بهععا كعل مععا كنعا نملكععه إلعى‬
‫المس القريب من الثروات الهائلة و القعوةا ال ارسعخة والحضارةا العتي ل نعزال نتبعاهى بأمجادهعا العدابرةا‪ ،‬ونكعرر العترنما بحكاياتهعا فعي رقعى وتمعائما‬
‫ونتمسح بها ونسميها التراث!‪..‬‬
‫فما هي هذه المقومات؟‬
‫إنها تتمثل في أصول اعتقادية شرحت لنا حقيقة الكون والنسعان والحيعاةا‪ ،‬وملت بعذلك ساحة فراغنعا الفكعري والنفسي‪ .‬وهعا هعو ذا سعجل هعذه‬
‫الصول العتقادية جاثما أمامنا‪ ،‬وأسمه‪ :‬القرآن‪.‬‬
‫ثما إن وحدةا العتقاد كان لبد لها أن تثمر وحدةا السعلوك المنسععجما مععع واقععع كعل مععن الكعون والنسععان والحيععاةا‪ .‬ثعما كععان لبعد لهعا أن تثمععر وحععدةا‬
‫المة‪ ،‬وأن تضفر جهودها وتجمع أمرها من شتات‪.‬‬
‫ثععما كععان لبععد لهععذه الوحععدةا أن تفجععر ينععابيع كنوزهععا وخيراتهععا‪ ،‬وأن تيسععر أسععباب نموهععا وسععبيل السععتفادةا منهععا‪ .‬وكععان لبععد ان تععوجه العقععول‬
‫والفكععار‪ ،‬فعي تناسععق دائععما‪ ،‬إلععى تعميععق المعععارف والعلعوما‪ ،‬وأن توسععع نطععاق الثقافععة بأنواعهععا‪ ..‬فكععان مععن ذلععك كلععه مععا نسععميه اليعوما‪ :‬الحضععارةا‬
‫السلمية‪.‬‬
‫لقععد تحقعق ذلعك كلعه‪ ،‬فعي اقعل معن ثلعث قععرن مععن الزمعن‪ ،‬فعي كلءةا دقيقعة معن اصععول العقيععدةا السععلمية العتي كععونت ذاتيععة هعذه المعة وأعطتهعا‬
‫سماتها وخصائصها الحضارية المتكاملة‪.‬‬
‫لول العقيدةا الصحيحة الراسخة في كيان هذه المة‪ ،‬لما تحققت لها وحدةا بعد طول ما عانته من فرقة وشتات؛ ولول هذه الوحدةا لما تكونت لهعا‬
‫ق عوةا تتحصععن فيهععان ولععول هععذه الق عوةا لمععا امتععدت لهععا مععن الرض أوطععان فسععيحة‪ ،‬ولمععا تععأتى لهععا أن تسععتثمر شععيئال مععن ذخرهععا وخيراتهععا‪ ،‬الععتي‬
‫اختصها ل بها من دون سائر الناس‪.‬‬
‫هكذا ينطق تاريخ هذه المة‪.‬‬
‫إوانه لمنطقي ويدركه كل ذي عقل متحرر من عصائب العصبية والهواء‪ ،‬بععل هعو ألعف بععاء واقعنععا التعاريخي‪ ،‬العذي ل يتماسععك عليععه أي لبعس‬
‫أو اضطراب‪.‬‬
‫ثععما إنععه المنطععق الععذي تععأمله فوعععاه أعععداؤنا الععذين كععانوا‪ ،‬ول ي ازلععون‪ ،‬يتربصععون بنععا الععدوائر‪ ..‬لععذا فقععد خططعوا للمكيععدةا ولععما يسععيروا إليهععا بشععكل‬
‫عشوائي‪ .‬لقد بدؤوا أولل بإفساد الجذور‪.‬‬
‫ودونك فاقراء تاريخ الستعمار البريطاني وتأمل فلسفة المواجهة الستعمارية للمة العربية والسلمية‪ ،‬فيمعا كتبعه رسعل السعتعمار البريطعاني‬
‫أنفسهما‪ .‬اق أر ما كتبه)لورنس( في كتعابه )اعمعدةا الحكمعة السعبعة( وتعأمله وهعو ينتشعي بعذكر مكائعد حكعومته وأحبيلهعا العتي لعبعت بهعا علعى هعذه‬
‫المة‪ ،‬من اقصى حدود العراق إلعى الشاما العى أطعراف الجزيعرةا العربيعة‪ .‬وأقع أر معا كتبعه اللعورد كرومعر في معذكراته‪ ،‬وهعو يتحعدث ععن مثعل هعذه‬
‫المكائععد واللعيععب ذاتهععا‪ ،‬وكيععف نفععذ بهععا إلععى عقععول العععرب والمسععلمين فععي ربععوع مصععر والسععودان‪ .‬ثععما أق ع أر إلععى جععانب ذلععك مععذكرات حععاييما‬
‫وايزمن‪ ،‬التي يذكر فيها كيف خطط لقامة الوطن اليهودي في ربوع فلسطين بالتعاون مع هذا التدبير الستعماري ذاته‪.‬‬
‫إقع أر وتأمععل‪.‬و لتعلععما كيععف ظععل العمععل منسععقال بيععن كععل مععن بريطانيععا والمنظمععات الصععهيونية‪ ،‬وكيععف كععان يسععير فععي نفععق خفععي ل يبععدو منععه فععي‬
‫الظاهر شيء طوال أحقاب من الزمن‪.‬‬
‫لقد كانت الجهود كلها متجهة إلى تفريغ ذهن الشخصية السلمية من المضععمون العتقعادي الحعي‪ ،‬ذلعك المضععمون العذي ظعل يشعكل العمعود‬
‫الفقري لوحدتها الراسخة وقوتها المتنامية‪.‬‬
‫ولك ععي تس ععير العملي ععة به ععدوء ونج ععاح‪ ،‬ول تس ععتيقظ الم ععة العربي ععة والس ععلمية علععى لواع ععج الفع عراغ الفك ععري ال ععذي س ععتفاجأ ب ععه‪ ،‬أخ ععذ الس ععتعمار‬
‫البريطاني‪ ،‬مستعينال بكل طابيره ورسل‪ ،‬يستل مقوماتها العتقادية بيد‪ ،‬ويضع في مكانها روابط القومية والعنصرية بيد اخععرى‪ .‬ليكععون لهععا مععن‬
‫اشععتغالها بهععذا المععر الثععاني مععا ينسععيها فقععدها لعععز مععا كععانت تتحصععن بععه وتلتقععي عليععه‪ ،‬ثععما ليكععون مععن هععذه النقلععة خيععر مقدمععة للسععير بهععا إلععى‬
‫العلمانية المقترحة‪[1]1‬فلما تما ما اراد )كما يزدهي بذلك اللورد كرومر في مذكراته( استحالت عقيدةا هذه المة عن الكون والنسان والحياةا‪ ،‬إلى‬
‫مزق من التقاليد والطقوس الميتة‪ ،‬وأقيمت على اطللها روابط العصبة والعصبية الجاهلية‪ ،‬وأخذ يتجه السععتعمار البريطععاني‪ ،‬ومععن وراءه مععن‬
‫المنظمععات الصععهيونية الناشععطة إلععى طععوق الوحععدةا العربيععة والسععلمية الععذي اصععبح قائمعال فععي الععراء‪ ،‬بعيععدال عععن كععل وقايععة وح ارسععة‪ ،‬فحطمهععا‬
‫بأيسر جهد‪ .‬وكانت أداته في ذلك قوتين اثنتين‪ :‬إحداهما القوةا الخارجية‪ ،‬وهي قوةا ثانوية في خطورتها وبعد ثأثيرها‪.‬‬

‫‪ [1]1‬من العملوم أن كلل من العمروبة والسإلم‪ ،‬كانا وال يزالن متلزامي‪.‬ن فل يصلح واحد منهما بدون الخآر‪.‬ن وإنا كان عمل السإتعممار البيكطان متمثلل ف الفصل بينهما وماولة نسخ كل منهما بالخآر‪.‬ن‬
‫والثانية قوةا داخلية‪ ،‬وتتمثل في العواصف والشقاقات المذهبية التي اهتاجت داخل كيان المة‪ ،‬في أعقاب الفراغ الفكري الذي منيت به‪ .‬إوانما‬
‫كان ينفخ في نيران هذا الهياج طوابير معينة معروفة‪ ،‬تصطنع الوطنية ظاه لرا‪ ،‬وتنفذ المخططات العتي تععما اتخاذهععا فعي المععؤتمرات الصععهيونية‬
‫باطنلا‪.‬‬
‫بهذه المساعي الخفية استطاعت بريطانية ان تحقق وععدها العذي قطعتعه على نفسعها لليهوديعة والصعهيونية العالميعة‪ .‬وبهعذه المسعاعي تحعولت‬
‫وحدةا المة العربية والسلمية إلى شقاق ل ينتهي وتصدع ل يلتئما‪.‬‬
‫وبهذه المساعي بسطت الصهيونية سلطانها على فلسطين‪ ،‬ثما راحت تتخذ منها منطلقال وقاعدةا لصطياد أوطان أخرى لها‪ ،‬هنا وهناك‪.‬‬
‫وبهذه المساعي تحولت كنوز هذه المة وخيراتها إلى مغانما سخية استقرت في جيوب الناهبين‪.‬‬
‫وبهعذه المسعاعي تقععوض بنيعان الحضعارةا السعلمية‪ ،‬واسعتحالت إلععى انشعودةا ذكعرى‪ ،‬فعي أفعواه الحعالمين الكسعالى‪ ،‬وعععادت بلد المعة وأسعواقها‬
‫مجرد )فاترينات( لعرض منجزات الحضارةا الغربية في أحط أنواعها وأشكالها‪.‬‬
‫ومع ذلك فلنتساءل‪ ،‬أحقال أننا اليوما قد استيقظنا على آلما جراحنا‪ .‬وبتنا ننشد السبيل الصحيح لستعادةا الحق ولما الشعث‪ ،‬إواصلح الحال؟‬
‫إذن‪ ،‬فمن البديهي ان علينا أن نبدأ في السير إلى إصلح الحال من حيث تما السبيل إلى إفساده‪.‬‬
‫أي لبد من القضاء على الفراغ الفكري الذي منينا به على أيععدي أعععدائنا‪ .‬ول يتععما القضعاء علعى هعذا الفعراغ ال بإععادةا الصعورةا الصعحيحة إلعى‬
‫اذهان هعذه المعة ععن واقعع الكعون والنسعان والحيعاةا‪ .‬ول بعد أن تتععاون في سعبيل إععادةا ترسعيخها سعائر الجهعود التربويعة والعلميعة علعى كعل‬
‫المستويات‪ ،‬تمامال كما تما إفساد هذه الصورةا من قبل المساعي الستعمارية بسائر الجهود المتنوعة وعلى كل المستويات‪.‬‬
‫فإذا تما القضاء على الفراغ الفكري‪ ،‬وعادت العقيدةا السلمية تمل )حية نابضة( جعوانب السعاحة الذهبيعة لهعذه المعة‪ ،‬فيلسعوف تعععود فتتلقععى‬
‫الجوانب المتباعدةا لدائرةا وحدتنا العربية والسلمية من جديد بشكل ذاتي ومن أيسر طريق‪.‬‬
‫بقطع النظر عن الشكل أو السما الذي قد يتسما به الطار الذي تتجلى فيه هذه الوحدةا‪.‬‬
‫وفععي ظععل الوحععدةا تتضععافر القععوى‪ ،‬وتتلقععى الععثروات‪ ،‬وتتناسععق الجهععود وتزدهععر المعععارف والعلعوما‪ ،‬وتحععل المشععكلت وتتبععدد المحععن واحععدةا إثععر‬
‫أخرى‪.‬‬
‫والناس‪ ،‬كل الناس‪ ،‬يمجدون الوحدةا ويهتفون بها باللسن أو على الورق‪.‬‬
‫ولكن ما عجبت لشيء‪ ،‬كعجبي من حال من ينشد وحدةا المة ويدعو إليها‪ ،‬وهو يرى الفكار والمذاهب المتصارعة تهيععج وتمععوج داخععل كيععان‬
‫المة‪ ،‬وتحيلها إلى فرق متعادية‪ ،‬ثما ل يتحرك للقضاء على مصيبة هذا الفراغ الذي هيج في داخلها موجبات التفرق والشقاق قبل كل شيء‪.‬‬
‫وقديمال علمنا كتاب ربنا عز وجل أن وحدةا المة ل تلتقي إل على محعور جامع‪ ،‬ول يتمثعل المحعور إل فعي اليقيعن الفكعري الشامل العذي يتبنعى‬
‫صورةا متكاملة عن حقيقة الوجود كله‪ .‬أولما يقل لنا‪) :‬واعتصموا بحبل ال جميعال ول تفرقوا‪ ،‬واذكروا نعمة الع عليكععما إذ كنتععما أعععداء فعألف بيععن‬
‫قلوبكما‪ (..‬آل عمران ‪.103‬‬
‫فانظر كيف أمر بوضع المحور أولل وهو العتصاما بحبعل الع‪ ،‬المتمثعل فعي بنيعان العقيعدةا المتكاملعة والجتمعاع عليعه‪ ،‬ونهعاهما ععن الععراض‬
‫عنه‪ ،‬كي ل يزجهما ذلك في ضيعة وشتات‪ .‬ولو أنه أمرهما بالتحاد وعدما التفعرق‪ ،‬قبعل أن يضععع أمعامهما المحععور الجعامع‪ ،‬لكعان ذلععك عبثعال معن‬
‫القول‪ ،‬ولكانت محاولة الوحدةا أشبه بمن يريد أن يرسما دائرةا متكاملة دون أن ينطلق إلى تكويرها من نقطة محورية ثابتة‪.‬‬
‫وكععثيرون هععما الععذين يؤمنععون بهععذا الكلما علععى الصعععيد النظععري‪ ،‬وفععي ميعزان التحععاكما إلععى المنطععق وواقععع التجععارب المحسوسععة المنبثععة مععن كل‬
‫خطععي الطععرد والعكععس‪ .‬غيععر أن جععل هععؤلء المقتنعيععن‪ ،‬يعجععزون عععن تحويععل قناعععاتهما هععذه إلععى سععلوك وتطععبيق‪ ،‬س عواء بععالنظر إلععى الرغبععات‬
‫الفردية أو الجهود الجماعية‪.‬‬
‫وسبب هذا العجز أنهما يتصورون سبيل السعي إلعى تطععبيق قناععاتهما متمثلل فعي بععذل جهععود اجتماعيعة ومعانعاةا حضعارية‪ ،‬والصعطباغ بأفكعار‬
‫ثقافية والتجميل بمذاهب فلسفية! ومن المعلوما أن هذه المساعي ل تفيد في تحقيق هذا الهدف شيئلا‪ ،‬بل ل تزيد أصحاب هذه الجهود إل تفرقال‬
‫وضياعلا‪.‬‬
‫ول بد أولل من العثور على وحدةا الدارةا الفعالة‪ ،‬ول يتما العثور عليها إل من خلل استعادةا تحقيق الذات‪.‬‬
‫إن لنا هوية معينة من وراء كوننا بش الر يعرفها الفلسفة قديمال بالحيوان الناطق‪ .‬وما لما نعرف هويتنا هععذه ولععما نسعع إلعى رعايتهععا وحمايتهعا معن‬
‫الضععياع‪ ،‬فععإن الثقافععات المتنوعععة والمععذاهب الفكريععة والفلسععفية لععن تزجنععا إل فععي متاهععات وخصععومات ل نهايععة لهععا‪ .‬إوان بوسعععنا أن نعععثر علععى‬
‫هويتنعا الجامعععة لنعا والموحععدةا لفكارنععا وثقافاتنعا لععدى وقفعة يسععيرةا أمعا معرآةا العذات‪ .‬هعذه المعرآةا العتي تنطععق‪ ،‬بوضععوح مععا بععده وضععوح‪ ،‬اننععا عبيعد‬
‫مملوكون ل عز وجل‪ ،‬وأننا النخبة المكرمة من مخلوقاته التي سخر ال لها الكثير من مكوناته‪ ،‬وأقامها على مهمة متميزةا في مملكته‪.‬‬
‫إن كل ما يدخل تحت معنى المساعي والنشطة الحضارية‪ ،‬اقل من أن تخلص هذه المة من محنة الفراغ الفكري والنفسي‪ ،‬لتضفر بعد ذلععك‬
‫جهودها على طريق الوحدةا الحقيقية‪ .‬ولكن هذه المساعي والنشطة الثقافية والحضارية ستغدوا جندال مخلصعال وأمينعال لتحقيععق ذاتيتهععا واسععتعادةا‬
‫وحدتها‪ ،‬إن بدأت قبل كل شيء باستعادةا هويتها ثما النطلق منها إلى النشطة الثقافية والعلمية والحضارية المختلفة‪.‬‬
‫وآية هذا الذي نقول أن أمتنا العربية والسلمية‪ ،‬لما يتح لها أن تبني تاريخها الحضاري المجيد‪ ،‬من خلل مساع حضارية أو جهود علميععة أو‬
‫ثقافية‪ ،‬إوانما أتيح لها أن تنهض نهضتها التاريخية المجيدةا تلك من خلل عثورها علعى هويتهععا‪ ،‬ثعما إيمانهععا ال ارسععخ بتلعك الهويععة‪ .‬إوانمععا جعاءت‬
‫المساعي الخرى بعد ذلك‪.‬‬
‫وليس معنى هذا أنها لما تحتج إلى أن تغذي ذاتها وأفكارها بالمعارف والعلوما‪ ،‬إوانما المراد أن استمساكها بهويتها كعان الساس الصعلب لمعا قعد‬
‫أشادته فوق ذلك من صرح المعارف والثقافات والعلوما‪ ،‬فلول استمساكها بهويتها ولول اعتزازها بها‪ ،‬لما قاما شيء من ذلك الصرح‪ ،‬ولتهاوى أو‬
‫أنزلق كما ينزلق بناء أقمته على آكاما من الرمال‪ .‬وهو ذاته الذي يجري في حياتنا اليوما!‬
‫وأزيد هذا الكلما إيضاحال فأقول‪ :‬إن الصرح الحضاري الذي نهض ذات يوما شامخال ارسعخال لهعذه المعة‪ ،‬إنمعا تعما ترسعيخه معن خلل يقيعن دينعي‬
‫عززه علما يؤيده وسلوك يتفق معه‪ .‬ولقد كان هذا اليقين الديني من الصفاء والخلوص عن الشوائب‪ ،‬بحيث لما تكن آثارهععا الحضععارية مقصععودةا‬
‫أو ماثلة في نفوس اصحاب ذلك اليقين أي فما سخروا يومال ما قناعاتهما الدينية ويقينهما اليماني لخدمة اهداف حضععارية أو مطامععح سياسععية‪.‬‬
‫بل إن ال تعالى لما يكرمهما بتلك الثمار والنتائج الحضارية‪ ،‬إل جعزاء إخلصعهما لعدين لعوجهه‪ ،‬واهتمعامهما بعالمثول أمعاما معرآةا العذات تجاوبعال معع‬
‫هويععاتهما وانسععجامال مععع واقععع عبععوديتهما ل ع عععز وجععل‪ .‬فكععانوا فععي الحقيقععة والواقععع مظه ع الر أمين عال لقععول ال ع عععز وجععل‪):‬ومععا أمععروا إل ليعبععدوا ل ع‬
‫مخلصين له الدين( البينة ‪.5‬‬
‫ولععو ابتغعوا بععديونتهما لع عععز وجععل كسععبال حضععاريال أو تفوقع لا أقتصععاديال مث ل‬
‫ل‪ ،‬لععدخل بععذلك الزغععل فععي جععوهر الععدين ولتطععوى علععى خديعععة ومكععر‪،‬‬
‫ولكان ذلك سببال لمقت ال لهما‪ ،‬بدلل من أن يكون طريقال إلى انتصارهما‪.‬‬
‫إذن‪ ،‬فاستعادةا هذه المة لكينونتها الذاتية بالتفصيل الذي ذكرناه‪ ،‬رهن بإقامة قاعدةا صلبة من الدين الحعق نععبر معن خللهعا ععن عبوديتنعا لع‬
‫عععز وجععل يقينعال وسععلوكلا‪ ،‬بطواعيععة وصععدق‪ .‬فعلععى هععذه القاعععدةا الصععلبة‪ ،‬دون غيرهععا‪ ،‬ينهععض صععرحنا الحضععاري المنشععود‪ ،‬وانطلقعال مععن هععذه‬
‫القاعدةا نتخلص من مصيبة الفراغ الفكري‪ ،‬ونسترد وحدتنا المنشودةا‪ ،‬ومن ثما تتلحق متوالية بقية حلقات السلسلة الحضارية بطواعية ويسر‪.‬‬
‫والخلصة‪ ،‬أن السلما الحضاري الذي نفتتن به اليوما‪ ،‬ل ينهض إل على السلما التديني الذي نعرض عنه اليوما‪ .‬علما ذلععك مععن علعما وجهلععه‬
‫من جهل‪ .‬والتاريخ الغابر مع التجارب الحاضرةا خير شاهد على ذلك‪.‬‬
‫***‬
‫وبعد‪ ،‬فقد هذه المقدمعة كلهعا‪ ،‬ليعزود منهعا القارئ بمعا يكشعف ععن الحجما‪ ،‬أو العسعب الحقيقعي للمشعكلة الكامنعة فعي فكعر إنسانا قبعل يجععل معن‬
‫الفلسفة اليونانية‪ ،‬في مورثاتها القديمة‪ ،‬أو مآلتها الغربية الجديععدةا‪ ،‬حاكمعال علعى السععلما وحقعائقه‪ ،‬بعل حطامعال علعى المنطعق العقلعي مععن حيعث‬
‫هو‪.‬‬
‫إن المسألة قد تبدو على أنها مظهعر للتحعرر العقلعي معن النتمعاءات الدينيعة والمذهبيعة المقيعدةا‪ ،‬أو أنهعا تطلعع إلعى آفاق الفكعر المطلعق‪ ،‬والعلعما‬
‫المتحرر عن كل قيد‪ .‬وما أكثر ما فهمها أناس على هذا النحو‪.‬‬
‫ولكنها تنطوي في الحقيقة على نقيض ذلعك إوان المشعكلة الكامنعة فعي فكعر هعذا النسعان‪ ،‬أنعه ضعال وتعائه ععن هعويته‪ ،‬ومعن ثعما فهعو يععاني معن‬
‫فراغ نفسي‪ ،‬في مجال تحقيق العذات‪ .‬ومعن أهعما أسعباب الوقعوع في هعذا الضعلل أو العتيه‪ ،‬التربيعة الجانحعة العتي يتلقاهعا مثعل هعذا النسان منعذ‬
‫نعومة اظفاره‪ ،‬إذ ينشأ بعيدال عن معينة التاريخي والثقافي مفصولل عن أحاسيس فطرته ونداءاتها‪.‬‬
‫وكلنا يعلما أن الفلسفة اليونانية مرآةا للهوية اليونانية‪ ،‬قبل أن تكون ميزانال لسلمة الفكر النساني‪.‬‬
‫ولذلك فإنك ل تكاد ترى هذا النسان مقبلل إلى نفسه إوالى المتداد الثقافي والتاريخي في ذاته قط‪ ،‬إذ هو ل يحس بشيء من هذا التصعال أو‬
‫المتداد‪ .‬ومن ثما فهو يحرض على أن يستكمل ذاته بغيره وأن يستعض عن وجوده الفكري والثقافي بأفكار الخرين وثقافاتهما‪.‬‬
‫إنععه ل يتصععور أن يجععد فععي تاريععخ الفكععر النسععاني بععديلل عععن فكععر أرسعطو وأفلطععون وأمثالهمععا‪ ،‬ل يتصععور أن يجععد نسععيجال تحعاك منععه حضععارةا‬
‫إنسانية حديثة‪ ،‬سوى نسيج الفكر الغربي‪ ،‬ذلك ما ينطوي عليه ويجر إليه‪.‬‬
‫وهو لما ينته إلى هذا القرار بعد معاناةا في التعرف على جوهر السلما وحضارته ثما مقارنة بينهمعا وبيعن نسعيج الفكعر الغربعي سعواء فعي تعاريخه‬
‫الفلسفي القديما أو آثاره الحضارية الحديثة‪.‬‬
‫ل‪ ..‬ولكنععه إنمععا أنتهععى إلععى قع ارره هععذا مععن خلل جهلععه بععذاته‪ ،‬ومععن ثععما مععن خلل إع ارضععه عععن أي تبصععر بحقيقععة السععلما وتععاريخه ومقومععاته‬
‫وثقافته‪.‬‬
‫إنه محشو إعجابال بالخرين‪ ،‬لنه محشو جهالة بذاته وانتقاصال لها‪ .‬ومهما كان هذا الذي هو معجب به لدى الخرين‪ ،‬في حقيقته‪ ،‬سععجنال مععن‬
‫الذل يحيط به فإن توهمه بأنه أبن للعراء الذي قضي عليه أن يضيع ويتيه فيه ل يجعله يرى ذلك السجن المهين الذي يطوقه إلى قص الر باذخال‬
‫منيفلا‪ ..‬يرتع فيه!‬
‫وهكذا‪ ،‬فإن هؤلء في حقائق السلما‪ ،‬ل يصدر عن مجرد جهالة منهما بها‪ ،‬إوانما يصدر أيضال عن استكبار منهما عليها وعن تععأت للنصععياع‬
‫لها‪ .‬إوانما يثور استكبارهما هذا من جهلهما بعبوديتهما ل عز وجل‪ ،‬ومن ثما من جهلهما بربوبية ال تعالى ومالكيته المطلقة لهما‪.‬‬
‫وهذا ما نعنيه بضياع الذات‪ ،‬الذي هو أصل المشكلت ومصدرها‪.‬‬
‫فلو عرف هذا المجادل باسما العلما والفلسفة والمنطق‪ ،‬انه عبد مملوك للخالق الوحد عز وجل‪ ،‬لهدته معرفته هذه لنفسه إلى معرفة الوهيععة الع‬
‫عز وجل‪ ،‬ول بد عندئذ أن تمل هذه المعرفة قلبه بحكمة ال وعدالته ورحمته‪ .‬ول بد أن تمتص هذه الثقة كل شك وريبة تجاه بيان ال وق ار ارتععه‬
‫وأحكامه‪ ،‬كما ل بد لها بالمقابل ان توجه شوكه وريبه كلها إلى تلك الفلسفات والفكار التي كان يدين لها بل يقدسها ويقيعد عقلعه منهعا بعأغلل‬
‫وآصار‪.‬‬
‫***‬
‫اما البحث الذي يلي هذه المقدمة‪ ،‬فنقاش وجهته ذات يوما لواحد من هؤلء الذين حدثتك عنهما‪ ،‬لقد كان يومهععا رئيسعال لقسعما الفلسعفة فعي جامععة‬
‫ما من جامعات بلدنا العربية‪.‬‬
‫وكان الرجل يرى في الفلسفة الغريقية القديمة وما قد توالد عنها من الفكر الغربي الحديث‪ ،‬ما يغني عن كل دين‪..‬‬
‫وكان الرجل يأخذ على الدين ع أي السلما ع انه لما يتتلمذ على الفلسفة وأساتذتها‪ ،‬فضل السبيل إلى اهدافه التي ابتغاها‪ .‬ولو انه لما يقحما نفسه‬
‫فيمععا لشععأن لععه فيععه‪ ،‬مععن معالجععة أمععور فكريععة واجتماعيععة‪ ،‬تخععص الجهععد الفلسععفي دون غيع عره‪ ،‬إذن لحلععت مشععكلت كععثيرةا نعععاني منهععا فععي‬
‫مجتمعاتنا العربية والسلمية اليوما‪.‬‬
‫ل يهمني أن أكشف عن هوية هذا الرجل ‪ ،‬إذ ل مصلحة لنا في ذلك‪ ،‬بل لعل الرجل غير من رأيه‪ ،‬وعاد الى رشده‬
‫مهمععا يكععن‪ ،‬فععإن القصععد إنمععا هععو مناقشععة أفكععار وتصععورات تائهععة‪ ،‬يتوارثهععا محععترفو الغععزو الفكععري فععي بلدنععا‪ ،‬ثععما تنتشععر عععدواها فععي أوسععاطنا‬
‫الثقافية وتسري إلى كثير من الفكار النظيفة التي ل هما لها إل البحث عن زاد طهور من الثقافة والعلما‪.‬‬
‫فأنا ل اهدف‪ ،‬من خلل عملي هذا‪ ،‬إلعى أكعثر معن تحصعين افكار الجيعل)ومعظمهعا أفكار سعليمة ونظيفعة(ضعد هعذا الوبعاء العذي يهيجعه رسعل‬
‫الستعمار الفكري فيما بيننا‪ ،‬تحت شعارات وأسماء كثيرةا شتى‪.‬‬
‫أما بطل هذه المناقشة الذي أروي للقارئ حديثه وأفكاره‪ ،‬وأواجه بحواري معه ومناقشتي له‪ ،‬فلعله يعذرني في إععادةا روايتهععا‪ ،‬إذ هعي قعد نشعرت‬
‫من قبل على كل حال‪ ،‬هذا إن كان ل يزال يتبنى أفكاره تلك ويدافع عنها‪ .‬أما أن كعان قععد تحععول عنهعا إلعى الحعق الععذي لبععد أن يععود إليععه كععل‬
‫ذي فكر موضوعي باحث عن الحقيقة الصافية عن الشوائب‪ ،‬فلن يعدو حديثي الحواري هذا أن يكون في مضمونه دعوةا معه إلى هذا الحق‪.‬‬
‫إوانععه ليسعععدني أن نلتقععي مع عال ع ع ولععو بالمشععاعر والفكععار ع ع علععى طريععق الععذود عععن الحقيقععة والسعععي إلععى تحصععينها ضععد سععائر المعك عرات مععن‬
‫الغراض والهواء‪.‬‬
‫وال هو المستعان أن يجمعنا على الحق‪ ،‬ويجعلنا جندال لحمايته ورعايته‪.‬‬

‫ةهلَ اليِمانن بال منهج؟‬


‫في مقال مطول كتبه رئيس قسما الفلسفة هذا‪ ،‬تحت عن وان‪):‬الفلسفة والدين في المجتمع العربي المعاصر( في إحدى المجلت اللبنانية‪،[2]2‬‬
‫قال‪):‬إن منهج التفكير الفلسفي نقدي ل يصمد إل لختيار المنطق العلمي الدقيق‪ ،‬في حين أن منهج التفكير الديني إيماني يعتمد على القععول‬
‫المعتقد تسليمال ودون أي نقاش(‪.‬‬
‫والرجل إنما يعني بالدين السلما‪ ،‬إذ هو المعني بالدين في مقاله الطويل هذا‪.‬‬
‫فكيف يمكن للمنطق الفلسفي أو العقلي العاما أن يوافق هذا الزعما العجيب القائل‪ :‬إن اليمان بال منهج؟‬
‫اليمان منهج؟! إذن فما هي الغاية التي تكمن في نهاية هذا المنهج؟!‬
‫إن المنهج سير اختياري في طريقة من البحث تتجه نحو مقصد وغاية‪ ،‬أما اليمان أو العتقاد فنتيجة انفعالية تتحقق فعي أعقعاب ذلععك السععير‬
‫الختياري‪ ،‬ل يملك النسان ع إذا وصل إليها ع أي تنكر لها أو صدود عنها‪.‬‬
‫دعنا من أصحاب المذهب الذرائعي الذين يروضون عقولهما على قبول المعتقعدات لمجعرد معا قعد يعترتب لهعما على ذلعك معن مصعالح وأغعراض‪.‬‬
‫فالسلما ل يقيعما للفكعر العذرائعي أي وزن‪ ،‬ول لما يسعميه أمثعال )وليعما جيمعس( إرادةا العتقعاد‪ ،‬ول لعذلك الشععار الخعرق القائعل )تععالوا نخلص‬
‫الدين من العقل(‪.‬‬
‫ل(‬
‫ف معا ليعس لعك بعه علما إن السعمع والبصر والفعؤاد كعمل أولئعك كعان عنعه مسعؤو ل‬
‫إوانما يقول السعلما معن خلل مصعدره الساسي الول‪):‬ول تق ف‬
‫السراء‪.36:‬‬
‫إن الواجب الذي يخاطب ال به الناس في هذه الية‪ ،‬هو أن يسلكوا إلى معرفة الحقيقعة‪ ،‬أيعال كعانت‪ ،‬منهجعال علميعال ل تشعوبه شعائبة مصعلحة أو‬
‫هوى‪ ،‬ثما أن يقفوا وقفة يقيعن إواذععان عنعد النهايعة العتي يقعودهما إليهعا هعذا المنهعج‪ .‬وهعذا الذععان هعو اليمعان‪ .‬ول شعك أن اليمعان العذي يتبنعاه‬
‫العاقل تقليدال لسرته أو بيئته‪ ،‬أي قف الز فوق منهج المحاكمة العقلية والتبصر بالدلة العلمية‪ ،‬إيمان مرفوض في موازين السلما وحكمه‪.‬‬
‫إن صاحب هعذا الشعكل معن اليمعان ع إوان عومعل فعي العدنيا علعى أنعه معؤمن حسعب ظاهر حاله ع غيعر معؤمن يعوما القيامعة‪ ،‬بقعرار رب الععالمين‬
‫الذي ينظر إلى سرائر عباده قبل أن يقوما ظواهرهما‪.‬‬
‫والتكليف اللهي الذي تعوجه إلعى النسان‪ ،‬إنمعا يتعلعق بعالبحث العلمعي المعتمععد علعى حركعة الفكعر والعذهن‪ ،‬ل بالنتيجعة النفعاليعة المتمثلعة في‬
‫اليقين اليماني‪ .‬ذلعك لن البحث العلمعي هعو العذي يعدخل في طعوق النسعان واختيعاره‪ ،‬أمعا النتائعج المتمثلعة في اليمعان وععدمه في انفععالت‬
‫قسرية ل اختيار لحد من الناس فيها‪.‬‬
‫ولعل من المفيد لرئيس قسما الفلسفة أن يعلما أن كلمة‪):‬حرية العتقاد( التي يرددها الغربيون‪ ،‬وفي مقدمتهما )ستوارت ميععل( فععي كتععابه الحريععة‪،‬‬
‫ل يوجد لها أي مضمون علمي في المنهج المرسوما إلى اليمان بال عععز وجعل‪ ،‬ذلععك المنهعج العذي تعاه عنعه فيلسعوفنا هععذا فلعما يقععع لعه علعى أي‬
‫اثر قط‪.‬مما جعله يتصور ان اليمان ذاته هو المنهج!‪..‬‬
‫ذلك لن العتقاد‪ ،‬فيما يقرره البحث العلمي‪ ،‬انفعال قسعري كمعا أسعلفنا‪ ،‬يهيمعن علعى العذهن بععد تجمعع أسعبابه ومقعدماته السليمة‪ ،‬فل يتصعور‬
‫إمكان ممارسة أي حرية في قبوله أو رده‪.‬‬
‫هل سمعت أن مفك الر ما تأمل في مسألة رياضية واهتعدى إلعى القعرار المقنعع الصحيح في حلها‪ ،‬وانفععل عقلعه بالذععان لعذلك القعرار‪ ،‬ثعما شععر‬
‫بأي حرية داخلية في أن يذعن له أو ل يذعن؟ إن العتقعاد اليمعاني‪ ،‬أي ال كعان مضعمونه‪ ،‬كعذلك‪ .‬معن أجل هعذا القعرآن أن عمليعة الكعراه علعى‬
‫اعتقاد ما‪ ،‬غير واردةا ول ممكنة‪.‬‬

‫‪ [2]2‬هي ملة )الستقبل العمرب(ي اللبنانية عدد حزيران عام ‪.1985‬ن‬


‫إن العتقاد في حقيقته إنما يتمثل في اليقيعن العداخلي الناتعج ععن البحث فعي أصعوله ومقعدماته‪ ،‬ل القسر أو الحريعة الذاتيعة ل سلطان لها معن‬
‫النسان إل على كيانه وهيكله الخارجي‪ .‬ودونك فتأمل هذه الحقيقة في قول ال عز وجل‪:‬‬
‫)ل إكراه في الدين‪ ،‬قد تبين الرشد من الغي(‬
‫صووفر إمكان غرس العقيععدةا اليمانيععة فعي الذهعان بععالكراه‪ ،‬ول‬
‫و)ل( ههنا نافية وليست ناهية كما وهما بعض المتسرعين أن معنى الية‪ :‬ل فيتا ا‬
‫يتأتى ذلك لحد‪ .‬ومن ثما‪ ،‬فإن التكليف اللهي الذي اتجه إلى الناس‪ ،‬إنما انصب ع كمعا قلنعا ع على عمعل أو سلوك اختيعاري يتمثعل في تعوجيه‬
‫العقل والفكر إلى البراهين والمقدمات والسباب التي من شأنها أن تبصر النسان بكل من الحق والباطل‪.‬‬
‫فئن أثيب المؤمن على هذا التعوجه الختيعاري يثعاب‪ ،‬ولئعن ععوقب الجاحعد علعى إع ارضعه الختيعاري يععاقب‪ .‬أمعا النتائعج ايعا كعانت‪ ،‬فانفععالت‬
‫قسرية كما أوضحنا‪ ،‬ل يتعلق التكليف بها بحال من الحوال‪ .‬لنها ل تدخل في وسع النسان وطاقته‪ ،‬وقعد قعال الع ععز وجل‪):‬ل يكلعف الع‬
‫نفسال إل وسعها(‪.‬‬
‫وحصععيلة هعذا الكلما أن الع تععالى إنمعا كلععف عبعاده بعالتزاما المنهعج العقلعي الموصععل إلععى معرفعة الحعق‪ ،‬وأن يععذعنوا بعععد ذلعك لليقيععن العذي يبثعه‬
‫اتباع ذلك المنهج في عقولهما‪ ،‬وأن ل يتكلفوا العراض عنه‪ ،‬ول يتظاهروا ع كاذبين أو متكبرين ع بعدما اقتناعهما به‪.‬‬
‫وبوسعك أن تفهما هذا من قول ال تعالى‪):‬فاعلما أنه ل إله إل ال***( أي فاسلك سبيل النظر في البراهين التي توصلك إلى العلما بان ل إلععه‬
‫إل ال‪.‬‬
‫غير أن فيلسوفنا هذا‪ ،‬يجهل أو يتجاهل كل هذا الذي هو واضعح لي مثقعف بعاحث قبعل أن نزيعده وضعوحلا‪ ،‬ويتصعور المعر على نقيعض هعذه‬
‫الحقيقععة الواضععحة‪ .‬إنععه يتصععور أن التكليععف اللهععي وارد علععى اليمععان والعتقععاد مباشععرةا‪ ،‬دون أي محاكمععة عقليععة أو منهععج منطقععي ودون أي‬
‫بحث أو نقاش‪ ،‬بل قف الز فوق ذلك كله‪ ،‬ولجوءال إلى التسليما المطلق!‬
‫ولعله لما يق أر في كتاب ال تعالى شيئال من هذه اليات‪:‬‬
‫)ادعف إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة‪ ،‬وجادلهما بالتي هي أحسن(‪.‬‬
‫)قد جاءكما من ال نور وكتاب مبين‪ ،‬يهدي به ال من اتبع رضوانه سبل السلما ويخرجهما مععن الظلمعات إلعى النعور بععإذنه ويهععديهما إلعى صعراط‬
‫مستقيما(‪.‬‬
‫)إن في خلق السماوات والرض واختلف الليععل والنهعار ليعات لولعي اللبععاب‪ ،‬العذين يععذكرون الع قيامعال وقعععودال وعلعى جنععوبهما ويتفكععرون فعي‬
‫خلق السماوات والرض‪ ،‬ربنا ما خلقت هذا باطلل سبحانك فقنا عذاب النار(‪.‬‬

‫المنهج العلَمي والةنصَ اللديِني‬


‫رئيس قسما الفلسفة هذا‪ ،‬يلح على تسمية الذعان لمضامين النص القرآني‪ :‬تسليمال ل عقلنيا! يقاوما منطق العقل والعلما‪..‬‬
‫ويلععح بالمقابععل علععى تسععمية الحيععرةا الععتي يتخبععط فيهععا الفلسععفة‪ ،‬فععي أصععل الكععون ومصععيره ومصععير النسععان بعععد المععوت‪ ،‬اعتصععامال بععالمنطق‬
‫العلمي والنقدي الدقيق!‬
‫لعل الدكتور الرئيس‪ ،‬بعيد العهعد ععن د ارسعة منهعج المعرفعة! ومعن ثعما‪ ،‬فلعلعه بحاجعة إلعى مراجععة جديعدةا لكعثير معن تفاصعيله ومكونعاته هعذا إن‬
‫أحسنا الظن‪ ،‬ولما يجنح إلى القول بأنه ربما يتجاهل ما يعرف‪ ،‬ليصل بالقارئ دون تنبه منه إلى ما يقصد‪.‬‬
‫ونحععن نسععأل‪ :‬هععل يمكععن لمنهععج المعرفععة‪ ،‬أي عال كععان الموضععوع المطلععوب معرفتععه‪ ،‬أن يتكععون مععن التأمععل الفكععري الصععافي‪ ،‬دون أسععتعانة بععأي‬
‫مضمون خبري مما يسمى بالنص؟‬
‫انه ليكاد يكون من المعلوما بالضرورةا لأن المعارف الغيبية العامة ل يمكن ان تكون وتترسخ إل من سدى التأمل الفكري ولحمة الخبر العلمععي‪،‬‬
‫أي الخبر الذي ثبت صدقه وصدق مصدره بالميزان العلمي‪ ..‬لعله لما يخلعق بععد عقعل مععن ذلععك النعوع الععذي يععدرك حقعائق الكعون والحيعاةا‪ ،‬دون‬
‫أي استعانة بما يقوله صانع هذا الكون‪ ،‬سبحانه‪ ،‬مخب الر ومعلمال لنا انباء تقديره وصنعه!‬
‫إن أي معرفة سليمة عن حقيقة الجهاز الصعغير العذي يقعع فعي يعدك‪ ،‬وععن طعرق اسعتعماله وكيفيعة صعيانته‪ ،‬متوقفعة إلعى جانب التأمعل الفكعري‬
‫الدقيق‪ ،‬على الرجوع إلى ذلك الكتيب )الكاتالوك( العذي يحعوي مضععمونات خبريعة صعادرةا عععن المصععنع العذي أنتعج ذلعك الجهعاز‪ ،‬والععذي يحعوي‬
‫بيانال بكيفية صنعه‪ ،‬وأصول استعماله والطريقة المفضلة لصيانته‪.‬‬
‫إوان أي عاقل يضع منهج المعرفة من حياته اليومية موضع التطبيق‪ ،‬ل يكاد يخعرج معن داره صعباحال قبعل أن يصعغي إلعى نعص النشعرةا الجويعة‬
‫إذ يخبر بها ذوو الدراية بالنواء والرصاد‪ ،‬مستسلمال لمضمونها متفاعلل مع مستلزماتها من إعداد العدةا للحر أو العبرد‪ ،‬طبقعال لما قعد أخعبر بعه‬
‫النص الذي أصغى إليه‪.‬‬
‫إوان أي عاقل من هؤلء ل يمكن أن يستدبر النصوص الخبار الصحيحة‪ ،‬عندما يحاول أن يعلما واقعة تاريخية ماضية‪ ،‬ثما أن يتجه بتأملته‬
‫الفكرية العزلء إلى ظلما ذلك الماضي يستطلع منه حوادثه وأنباءه‪.‬‬
‫إوان أيال من هؤلء العقلء ل يمكن أن يعرض عن نص خبري اذاعته الدولة حول عقوبعة أقرتهععا علعى ارتكععاب جريمعة معا‪ ،‬أعععت از الز منعه بالمنهععج‬
‫العقلنععي الصععافي عععن شع عوائب النصععوص‪ ،‬ثععما يتكععل علععى بصععيرته )العقلنيععة( تلععك‪ ،‬ويرتكععب تلععك الجريمععة آمنع عال مطمئنع علا‪ ،‬لن النصععوص‬
‫)اللعقلنية( ل تقاوما المنهج العلمي!‬
‫اليست هذه المثلة المتعلقة بأحداثنا اليومية التي تنقلب فيها‪ ،‬أجزاء داخلة‪ ،‬بل سارية‪ ،‬في صميما هذا البنيان الكوني كله؟‬
‫إذن فكيف يتصور ذو فكر سليما‪ ،‬بأن الخوض في مجاهل هذا الكون لمعرفة دقائقه ع مبدئه ومنتهاه‪ ،‬وصانعه ومععا ينتظعره النسعان بعععد معوته ع‬
‫إنما يكون بتسعليط حعوافز الفكعر صافيال ععن السعتعانة بعأي نعص إسعلمي أو تعوجيهي‪ ،‬يلقعي الضعوء على هعذه المجاهعل الخطيعرةا ويكشعف لنا‬
‫شيئال عن خفاياه وأنبائه؟‬
‫إن من البداهة بمكان أن الرجوع بمعرفة صحيحة لشيء من ذلك كله ل يمكن أن يتما إل اعتمادال على نسيج فكري يتكون‪ ،‬كما قلنا‪ ،‬من سدى‬
‫ولحمة‪.‬أما السدى فهو التأمل العقلي بالطريقة السليمة‪ ،‬وأما اللحمة فهي العتماد على الخبر والنص كلما احتاج المر إلى ذلك‪.‬‬
‫كععل مععا فععي المععر أن منهععج المعرفععة يشععترط للخععذ بععالنص أن تت عوافر فيععه مقومععات الصععحة‪ ،‬بععل اليقيععن فععي طريقععه‪ ،‬وأن تتحقععق الثقععة العلميععة‬
‫بمصدره‪ .‬فصحة الرواية التي ترتقي إلى درجة التواتر‪ +‬الثقة العلمية بمصدرها يساوي ضرورةا اليقين العلمي بمضمونه‪ .‬تلك حقيقععة علميععة ل‬
‫يمتري فيها عاقل أيال كانت نحلته ومذهبه‪ ،‬فضلل عن أن يجهلها ممارس للفلسفة‪ ،‬فضلل عن أن ينكرها رئيس لقسما الفلسفة!‬
‫إذن‪ ،‬فحيثما توافرت في النص الذي يرفد رحلة البحث عن الحقيقة‪ ،‬دلئل الصحة القطعية في طريقه والثقة العلمية بمصععدره‪ ،‬فل منععاص مععن‬
‫الذعان لمضمونه‪ ،‬وسما هذا الذعان)استسلملا( إن شعئت‪ ،‬فإنمعا هعو على كعل حعال استسعلما للمنطعق العقلي والمنهعج العلمعي الخعاليين ععن‬
‫أي من الشوائب‪ ،‬وليس استسلما هوى أو رغبة ذرائعية‪ ،‬متحكمة في النفس‪.‬‬
‫وعلعى هععذا‪ ،‬فعإذا ثبعت بالبرهععان العقلعي الصعافي ععن أي اسععبقية أو تععذرع أو هععوى‪ ،‬أن القعرآن منقععول نقلل صعحيحال متعوات الر عععن فعما سعيدنا محمعد‬
‫)ص(‪ ،‬إواذا علمنا بالبرهان المنطقي السليما أن هذا القرآن قد أوحي به إليه من عنععد الع بواسععطة جبريعل عليعه السععلما‪ ،‬أي فهععو)ص( لعما يتقعوله‬
‫على ربه تدجيلل وافترائلا‪ ،‬فإن معن ضعروريات المنهعج العلمعي ومعن أخعص أحكعاما المنطعق ومقتضعياته‪ ،‬التصعديق الجازما بكعل معا يتضعمنه هعذا‬
‫القرآن من إخبارات‪ ،‬والذعان بين أن يتبين العقل النساني براهين صدق هذه المضمونات‪ ،‬أو أن يقف منها موقف الحائر أو الجاهل‪.‬‬
‫ولكن هذا الباحث المتفلسف يعرض عن المنهج العلمي الدقيق الذي يثبت عن طريقه صحة النعص القرآنعي صعحة ل يخامرهععا الريععب‪ ،‬ثعما يلععح‬
‫على تسمية الذعان لمضمون هذا النص )تسليمال ل عقلنيلا( !‪.[3]3.‬‬
‫أن يعكف صاحب الجهعاز العذي ابتعاعه للتعو‪ ،‬علعى الكعتيب البيعاني الصعادر معن مصعنعه‪ ،‬يتلقى منعه أنبعاء م ازيعاه وكيفيعة اسعتعماله وصعيانته‪،‬‬
‫تسليما إيماني أعمى ل يقره المنطق العلمي‪ .‬أما أنسياقه وراء الخيال والتأمل الععزل ععن أي مسعتند أو مضعمون‪ ،‬في حعل ألغعاز ذلعك الجهاز‬
‫وكيفية الستفادةا منه‪ ،‬بعيدال عن الصغاء إلى نصعيحة مخترعععة‪ ،‬فهعو‪ ،‬ل غيعره‪ ،‬التامععل معع العقعل‪ ،‬والعتصعاما بعالمنطق العلمعي العدقيق! هععل‬
‫عاقل يصدق مع نفسه ثما يقول هذا الكلما؟‬

‫‪ [3]3‬كل ما يرد بي قوسإي فهو من كلم صاحب القال‪.‬ن‬


‫أما نحن الذين اخترنا سبيل الوصول الى معرفة الحعق‪ ،‬منهجعال علميعال صعافيال ععن شعوائب العذرائع والهعواء والسعبقيات‪ ،‬فإننعا لنعوقن‪ ،‬بمقتضعى‬
‫هععذا المنهععج وحكمععه‪ ،‬أن النصععياع لليقيععن بأخبععار النشععأةا الثانيععة بعععد المععوت‪ ،‬وبععأن ال ع جععل جللععه يعلععما كليععات المععور وجزئياتهععا‪ ،‬خضععوعال‬
‫إواذعانال للنص القرآني المخبر بذلك‪ ،‬أحق وأجدر بتسميته ق ار الر منطقيال متفقال مع العلما‪ ،‬من السير وراء حدس الفلسفة بأحداث ما بعععد المععوت‪،‬‬
‫وبأن ال عز وجل ل يعلما إل كليات المور‪ ،‬ويجهل ع والعياذ بال ع جزئياتها‪.‬‬
‫إن حدس الفلسفة‪ ،‬يستند إلى مجرد التخيلت والوهاما التي تساق إلى معا وراء مجالتهعا ويحعاول أن يحمعل العقعل أكعثر معن طعاقته‪ ،‬فل يعأتي‬
‫ل‪:‬‬
‫هذا الجهد وذاك إل بأفكار مضطربة وافتراضات وهمية مهزوزةا‪ .‬أما النص القرآني فكلما رب العالمين يتحدث عن ذاته قائ ل‬
‫)وعنده مفاتح الغيب ل يعلمهعا إل هعو‪ ،‬ويعلعما معا فعي العبر والبحعر‪ ،‬ومعا تسعقط معن ورقعة إل يعلمهعا‪ ،‬ول حبعة في ظلمعات الرض ول رطعب ول‬
‫يابس إل في كتاب مبين( النعاما‪.59:‬‬
‫ل‪:‬‬
‫ويخبر عن احداث ما بعد الموت قائ ل‬
‫)‪ ..‬ثما إنكما بعد ذلك لميتون‪ ،‬ثما إنكما يوما القيامة تبعثون( المؤمنون ‪15:‬و ‪.16‬‬
‫)افحسبتما أنما خلقناكما عبثال وأنكما إلينا ل ترجعون‪ ،‬فتعالى ال الملك الحق ل إله هو العرش الكريما( المؤمنون‪115:‬و ‪.116‬‬
‫إواننا لنوقن أيضلا‪ ،‬بمقتضى هذا المنهج وحكمه‪ ،‬بأن النص القرآني القاضي بعأن المكونعات الععتي ن ارهعا مععن حولنعا اليعوما مسعبوقة بالعععدما‪ ،‬أحععرى‬
‫بالتصديق والتباع من تصور أولئك الفلسفة بأن المكونات ربما كانت قديمة بالنوع‪..‬‬
‫ذلععك لن النععص القرآنععي كلما صععانع الكععون ذاتععه يخععبر كيععف بععدأ خلقععه وصععنعه فععي مثععل قععوله عععز وجععل‪):‬ولقععد خلقنععا السععماوات والرض ومععا‬
‫بينهما في ستة اياما وما مسنا من لغوب( ق ‪.38‬‬
‫وهو لما قرر في هذه الية أن ابتداء خلق السماوات والرض محصور في زمن مدد‪ ،‬شطب بذلك على وهما أنها ربمعا كعانت قديمعة بععالنوع قعدما‬
‫الخالق ذاته!‬
‫أما تصور الفلسفة فافتراض مجرد‪ ،‬ل يستند إل على خيال يجرونه في الطريق الذي يشاؤون‪ ،‬دون العتماد على أي مستند علمي‪.‬‬
‫غير أن مما لريب فيه أن كلمنا هذا‪ ،‬يغدو شيئال سابقال لوانه‪ ،‬عند من ل يؤمن بان القرآن كلما ال عز وجل‪ ،‬وبأن محمععدلا)ص( ناقععل أميععن‬
‫له عن ربه عز وجل‪ ،‬إذ الستناد إلى معا تقضي بعه نصوصعه ع فعي تصعور هعذا النسان ع ل يععدو أن يكعون مثعل اسعتناد البنعاء إلعى كعثيب معن‬
‫الرمال‪ ..‬فإن كان فيلسوفنا هذا واحدال من هؤلء الناس‪ ،‬فل ريب أن النصوص القرآنيععة‪ ،‬بمععا يتبعهعا مععن نصععوص السععنة ليسعت إل كثبعال أهيععل‪،‬‬
‫ل يجعوز أن يسعتند إليعه بشيء غيعر أن عليعه فعي هعذه الحال أن يكعون صعريحال وجريئعلا‪ ،‬وأن يعلعن لنا أنعه ل يصعدق النسعبة القائمعة بيعن القعرآن‬
‫ومنزله وهو ل عز وجل‪ ،‬وبأنه ل يصدق بأن محمدال كان صادقال في رواية هذا الكلما عن ربه عز وجل!‬
‫وعندئذ‪ ،‬لبد أن يتحول الحديث بيننععا وبينعه معن البحعث فعي قيمععة النصعوص ومععدى صعلحية الخعذ بهعا‪ ،‬إلععى ععرض الععدلئل العلميععة القاطعععة‬
‫على أن القرآن ل يمكن أن يكعون كلما بشعر معن النعاس‪ ،‬وبعأن محمعدال )ص( ل يعقعل‪ ،‬فيمعا ععرف معن سعيرته وتحليعل حيعاته ونفسعه‪ ،‬أن يكعون‬
‫دجالل على ال وعلى الناس‪.‬‬

‫اللرهبة المزعومة من سلَطان اللنصوصَ‬


‫ثععما إن هععذا الكععاتب يععدعي أن الستشععهاد بالنصععوص‪ ،‬لععدى أصععحاب النزعععة الدينيععة‪ ،‬يق عوما علععى سععلطان الرهععاب والتخويععف! أي )إن أحععدهما‬
‫يقول‪ :‬هذا ما يقضي به النص‪ ،‬فإما أن تخضع وتستسلما‪ ،‬إوال فإنك كافر(‪..‬‬
‫ويزعما الكاتب أن هذا الرهاب والتخويف‪ ،‬من شأنهما أن يلجئا صاحب النزعة العلمية والعقلية إلى التلعب بالنصوص باسما التأويل أو باسما‬
‫القراءةا المعاصرةا‪ ،‬بدلل من المصارحة بإنكارها وعدما التصديق بصحتها‪ ،‬حتى ل يتهما بأنه كافر!‬
‫إواننا لنقول‪ :‬أما أن يوجد بين من يتشدقون بكلمات العلما وأصطلحاته‪ ،‬من ليريدون أن يكتشف النعاس جحعودهما وكفرانهعما بعالحق‪ ،‬فيتسعترون‬
‫بدعوى اليمان ثما يجرون النصوص إلى حيث يريدون ع فنحن ل نشك أن في الناس كثي الر من هذا النوع‪.‬‬
‫وحسبك من الدوافع إلى ذلك‪ ،‬أن المجاهرةا بالكفر واللحاد‪ ،‬يجرد المجاهر عن شعارات العلما ومصطلحاته التي يععتربص بهععا ويختفععي وراءهععا‪.‬‬
‫ويعرضه للمواقف الحرجة في مجال البحث والنقاش‪.‬‬
‫وأما أن يكون منهج الخذ بالنصوص عند المؤمنين بها والمعتمدين عليها‪ ،‬هو سلطان الرهاب والتخويف‪ ،‬فهذا ما لما نععثر عليعه فعي أي معن‬
‫المصعادر العتي تتحعدث ععن المنهعج العلمعي في قبعول النصعوص‪ ،‬ثعما ععن المنهعج العلمعي في تفسعيرها‪ .‬وهعو شيء لما نسعمع بعه ولعما نجعده في‬
‫مناقشات العلماء إذ يتعاملون مع النصوص ويستشهدون بها‪.‬‬
‫وأي تخويف يكمن في القول بأن رفض النصوص القرآنية كفر بال عز وجل‪ ،‬عند من ل يقيما فعلل لهذه النصوص أي وزن؟‬
‫ل؟ فأي جديد في أن يهدد البط بالشط؟‬
‫أليس مثل هذا النسان كاذب بال وبنصوصه فع ل‬
‫أمععا المنهععج العلمععي فععي قبععول النععص مععن حيععث المبععدأ‪ ،‬فقععد أوضععحناه آنف علا‪ ،‬فل نعععود إليععه بععالتكرار‪ .‬وأمععا المنهععج العلمععي المتبععع فععي تفسععير‬
‫النصوص‪ ،‬فغريب وعجيب جدال أن ل يكون عند رئيس قسما الفلسفة أي علما به أو خبر عنه!‬
‫ألما تسمع يا هذا بعلما يسمى )قواعد تفسير النصوص(؟‬
‫لععو سععمعت بهععذا العلععما‪ ،‬إذن لعلمععت أنععه مجمععوع قواعععد علميععة حياديععة‪ ،‬ل تتععأثر بععأي سععلطان أو إيحععاء دينععي‪ ،‬إوانمععا تسععتمد مسععوغاتها وواقعهععا‬
‫العلمي من اللغة العربية التي هي اصطلح التخاطب بين أي متكلمين باللغة ذاتها‪ .‬فإن مما لريب فيه عند أي عاقعل أن سعبيل التفعاهما بهعذه‬
‫اللغة يكمن في خضوع المتحاورين لصطلحاتها المستقرةا الثابتة‪ ،‬إوال فل سبيل إلى التفاهما بينهما‪ ،‬مهما امتد بهما حبل المحادثة والكلما‪.‬‬
‫وقد كان من فروع المنهج العلمي للبحث عن الحقيقة‪ ،‬عند علماء المسلمين‪ ،‬الخذ بهذه القواعد العلمية الحيادية‪،‬الععتي ل مندوحععة عععن اللجععوء‬
‫إليها في فهما المراد بالنصوص العربية عموملا‪ ،‬وفهما النص القرآني والسنة النبوية خصوصا‪.‬‬
‫وهي مثل قولهما‪ :‬الصل في الكلما الحقيقة ول يصار إلعى المجاز إل عنعد تععذرها‪ ،‬وقعولهما‪ :‬المطلعق يجعري علعى إطلقعه‪ ،‬وقعولهما‪ :‬إذا اطلعق‬
‫اللفظ حمل على الفرد الكامل‪ .‬وقولهما‪ :‬العاما يجري على عمومه‪ ،‬وقولهما‪ :‬دللة اللفظ على المفهوما الموافق معتبرةا‪..‬إلخ‪.‬‬
‫فما كان من هعذه القواععد محل اتفاق عنعد علمعاء العربيعة‪ ،‬فإنه ل يعدع مجعالل لي اختلف فعي تفسعير النصعوص على ضعوئها‪ ،‬ومعن ثعما فعإن‬
‫العلماء الذين يعتعد بعلمهعما لعما يختلفعوا بشعأنها ول بتفسعير النصعوص علعى ضعوئها‪ .‬بعل ل يسععهما إل التفعاق معن حيث ل يسععهما إل الخضعوع‬
‫لسلطان هذه القواعد‪.‬‬
‫وما كان منها محل نظر وخلف عند علماء العربيعة والبيعان )كخلفهععما فعي دللعة العمعوما هععل يكسعب المعطعوف عمومعال مثلععه؟( فالجتهعاد فعي‬
‫تفسير النصوص على ضوء هذه القواعد الخلفية وارد ومشروع‪ ،‬ول مجال عند اختلف الراء ضمن الحععدود الجتهاديععة هععذه‪ ،‬لي تكفيععر أو‬
‫تسفيه أو نقد‪.‬‬
‫ولكن رئيس قسما الفلسفة ل يعلمعن على مايبعدو‪ ،‬أن للخعذ بالنصعوص شعروطال وآدابعال تقضي القواععد العربيعة بالتزامهعا‪ ،‬لعذا فهعو ل يعرى معبر الر‬
‫لضرورةا الخذ بها عند توفر شروط ذلك‪ ،‬إل القصد إلى الرهاب والتخويف!‬
‫كمععا أنععه ل يعلععما‪ ،‬أو ربمععا ليريععد أن يعلععما‪ ،‬أن لتفسععير النصععوص واسععتخراج المعععاني الم عرادةا منهععا منهج عال آخععر ذا دقععة علميععة متناهيععة ل ي عزال‬
‫علماء القوانين الوضعية عالة‪ ،‬في تفسير قوانينهما عليها‪ .‬ومن ثما فهي خاضععة بنظعره للععب بهعا والعبعث بعدللتها‪ ،‬سعواء لمصعلحة معن يقعدرها‬
‫ويأخذ بها أو لمصلحة من يضيق بها ول يعول عليها‪.‬‬
‫ولكععن تععرى مععا هععو المنهععج العلمععي الععذي ينطلععق الكععاتب الفيلسععوف مععن العتمععاد عليععه فععي تجععاوز النععص وعععدما التقيععد بععه فععي سععائر الظععروف‬
‫والحوال؟‬
‫ل أدرى‪ ،‬ولعل الرجل ذاته ل يدري‪ ،‬على الرغما من أنه فيلسعوف يتعامعل معع الفلسفة‪ ،‬وأععتز بعأنه ل يتخلعى في محكمعاته الفكريعة ععن المنهعج‬
‫المنطقي الدقيق‪.‬‬
‫علععى أن الرجععل مععا يلبععث أن يلفععت النظععر إلععى الحععل الجععذري الععذي يعراه مناسععبال لمشععكلة النععص الععديني وأحكععامه وقيععوده‪ .‬إنععه الحععل الععذي تبنتععه‬
‫الفلسفة الغربية في آماد معينة من عصر الحضارةا الغربية‪ .‬ال وهععو معاملعة النعص الععديني علعى أنعه ذو عمعر زمنععي محععدود‪ .‬ويسععوق فعي هععذا‬
‫الصدر تصور أمثال )أوجست كونت( للدين‪ .‬إنه يرى أن المرحلة الدينية بحد ذاتها مرحلة أولية من مراحل الفكر البشري‪ ،‬ومععن ثععما فلبععد مععن‬
‫تجاوزها فيما بعد‪.‬‬
‫وعلى الرغما من أنه يجري وراء هذا الحل الذي يراه رائعلا)لمشكلة( الدين عمومعلا‪ ،‬فعإنه معع لعك أن يعدري شعهوته أو رغبتعه هعذه‪ ،‬معن خلل قعوله‬
‫)يكفينا أن نشير إليها ع أي إلى هذه النظرية ع بوصفها ممكنات نظرية وحسب‪ ،‬بقطع النظر عن كونها مقبولة(‪.‬‬
‫غير أنه في حديث صحفي مع بعض الصحف‪ ،‬لما يستطع أن يخفي رغبته هذه‪ ،‬فصعرح بعأن أوربعا قعد وجعدت الحل المثعل لمشعكلة العدين فعي‬
‫حياتها‪ ،‬أما نحن فل نزال ننتظر من يتمتع بالجرأةا الكافية في تقديما حل لها‪.‬‬
‫ونحن نقول‪ :‬إن )أوجست كعونت( يمثعل الحجعة العلميعة على أن الديانعة في أوربعا ليسعت أكعثر معن ظعاهرةا اجتماعيعة نسجتها اليعدي البشعرية‪،‬‬
‫إوان كانت جذورها الخفية الصلية وحيال حقيقيال من عند ال‪ .‬فالموروثات الدينية في أوربا‪ ،‬فيما يعرفه جميع الباحثين ومؤرخععو الديععان‪ ،‬ليسععت‬
‫موروثات أولئك الحواريين العذين أخلصعوا لعيسعى بعن مريعما عليعه الصعلةا والسعلما‪ ،‬واتبععوا عقيعدته وساو ار على نهجعه‪ ،‬إوانمعا هي أفكعار بعولس‬
‫اليهودي وقسطنطين الروماني اللذين تتابعا على إنشاء نسيج فكري واعتقادي مختلف‪ ،‬ل عهد للمسيح ول لحد من حوارييه بها‪.‬‬
‫وأناجيل اليوما إنما هي‪ ،‬كما يقعرر )سعتوارت ميعل( فعي كتعابه )الحريعة( كتابعات ومعذكرات صاغها معن يسعمون بالرسعل العذين جاؤوا وتوالعوا معن‬
‫بعد‪ ،‬ودونوا فيها ما يعلمونه من حياةا المسيح وأخباره‪.‬‬
‫إذن‪ ،‬فمن حق )أوجست كونت( أن يضيق ذرعال بالخضوع لدين تتجلى عليه بصمات الصنع النساني‪ ،‬ويفيض بآراء التصورات البشرية‪.‬‬
‫ولكن هل من مستلزمات هذا الحق أن نضيق ذرعال بالقرآن أيضلا‪ ،‬وأن نسقط عليعه ذلعك التصععور ذاتععه‪ ،‬فنحكعما عليععه حكمعال غيبيعال ل يسعتند إلعى‬
‫أثارةا من علما‪ ،‬بأنه هو الخر ظاهرةا أجتماعية‪ ،‬وأنه مجموعة نصوص تعاقبت عليها اليدي البشرية تأليفال وصنعلا؟‬
‫إن هذا النسان‪ ،‬فيما يصف به ذاته‪ ،‬رجل علما!‬
‫فما هو الدليل العلمي عند رجل العلما هذا على ان القرآن الذي يتلى اليوما نصوص جمعت من أقوال المصلحين ورجال الدين؟ ومععا هععو الععدليل‬
‫العلمي عنده على أن العقائد الساسية التي بها يعد النسان مؤمنال ليست إل تصورات وأفتراضات بشرية كلتي جاء بها بولس وقسطنطين؟‬
‫كنععت أنتظععر مععن رجععل العلععما والفلسععفة هععذا أن يسععوق بيععن يععدي دععواه القياسععية هععذه برهععانه )المنطقععي الععدقيق( عليهععا‪ ،‬وأن يسععتعمل فععي عععرض‬
‫برهانه هذا سلطانه الفلسفي النقدي المنطقي العقلي الصافي عن الشوائب والخلط )اليمانية التسليمية(‪.‬‬
‫ولكنه ع وهو المعتز بالمنهج المنطقي النقدي العلمعي ع قعد تخلى ععن هعذا العذي يععتز بعه تخلي ال تامعلا‪ ،‬وطعرح دععواه القياسعية هعذه عاريعة ععن أي‬
‫برهان أو شائبة برهان‪ ،‬مستعي لرا‪ ،‬على ما يبدو‪ ،‬طريقة )اليمانيين التسليميين(‪.‬‬
‫ولعل القارئ يلحعظ ع إن صعدقت فعي حقنعا التهمعة ع ونحعن مؤمنعون وربعانيون ولع الحمعد ع أننعا قعد اسعتعرنا منعه برهعانه المنطقي العلمعي النقعدي‬
‫فاستعملناه بدلل عنه‪ ،‬فكان ميزانال مؤيدال لقائنا اليمانية التي أيقنا بها وألزمنا أنفسنا بهعا‪ ،‬ل سععيما بععد أن تخلعى هععو عنعه‪ ،‬وآثعر علعى التقيعد بععه‪،‬‬
‫في مخاصمته للدين‪ ،‬المغمرةا الرعناء‪ ،‬والفتراضات الغيبية التي ل يضبطها أي منطق أو علما‪.‬‬
‫وتتلخععص افت ارضععاته الغيبيععة هععذه فععي ‪ 0‬مسععلمتين ثععابتتين فععي نظ عره‪ :‬إحععداهما أن الععدين‪ ،‬مععن حيععث هععو‪ ،‬ظععاهرةا اجتماعيععة نسععجتها الفكععار‬
‫البشري‪ ..‬والثانية أن الفلسفة كالعلما‪ ،‬حقيقة راسخة ل تنهض أحكامها إل على ما يسميه‪) :‬المنطق النقدي الدقيق(‪.‬‬
‫وكلتا )المسلمتين( ليستا ملمتين إل في تصوره ووهمه‪.‬‬
‫فالسععلما الععذي هععو المعنععي بالععدين فععي حععديثه هععذا‪ ،‬ليععس ظععاهرةا اجتماعيععة نسععجتها الفكععار والنسععانية‪ ،‬بععل هععو حقيقععة موضععوعية ذات وجععود‬
‫مسععتقل عععن النسععان وفكعره‪ ،‬تتمثععل فععي الععوحي اللهععي الععذي ل قبععل للعقععل النسععاني بجلبععه أو رده‪ ،‬وليععس لععه تجععاهه أكععثر مععن دور التلقععي ثععما‬
‫الوعي والفهما‪ .‬والفلسفة ليست مجموعة حقائق قائمة على المنطق الدقيق كما يقول‪ ،‬بل هي ع في أكثر ما انتهت إليه أو حععامت حععوله ع معانععاةا‬
‫فكرية أنتجت أخيلة وتصورات تتعلق بمسائل غيبية ل يمكن لطبيعة العقل البشري أن تستقل بإلقاء أي حبال فكرية نحوهععا‪ ،‬أو بمععد أي جسععور‬
‫من الفهما الصحيح إليها‪.‬‬
‫ومهما أراد الكاتب‪ ،‬بوصف كونه مختصال بالفلسفة غيو الر عليها‪ ،‬أن يعيد ويكرر الحديث عن العلما وألفاظه‪ ،‬ليضعفي بعذلك علعى الفلسعفة مزيعدال‬
‫من رصانة العلما وقدسيته‪ ،‬فسيظل الفارق المعروف بينهما ماثلل للعيان لكل باحث مثقف‪ ،‬وستظل الفلسفة جملة محاولت للقتحعاما بعالحق ل‬
‫بشري إلى ما وراء الساحة المحعددةا لعه‪ ،‬حيث ظلما الغيعب الخفي المتعواري وراء عمعر الزمنعة والعدهور‪ ،‬أو خلعف تلفيعف المسعتقبل الغعامض‬
‫المجهول‪.‬‬
‫وتلك هي نقطة الضعف التي لبد أن تعاني منها الفلسفة دائمال ماداما أن الدارسين لهعا أو المتحععدثين باسعلوبها‪ ،‬ل يريععدون أن يحكمعوا فعي ذلعك‬
‫منهج المعرفة النسانية القائما على ركنيهعا الساسعيين‪ ،‬وهمعا أتبعاع معا يقضي بعه صعريح المعقعول ومعا يخعبر عنعه صحيح المنقعول؛ ومعا دامعوا‬
‫يلمحون على أصول المعرفة النسانية ان تسير بهما إلى ما يبتغون من الحقائق على عجلة جانبية واحدةا‪ ،‬هي المعقول وحده‪.‬‬
‫وقد عرفنا بحكما البداهة أنه لبد للعقل ان يتععثر‪ ،‬عنعدما يسعاق جع الر فعي تعاريعج هعذا المتعوعر المظلعما‪ ،‬ولعن تكعون الصعور العتي يععود بهعا ع وقعد‬
‫حملهععا كره عال ع ع إل صععو الر مهععزوزةا مضععطربة‪ ،‬كتلععك الشععباح المتداخلععة المضععطربة الععتي يحععاول التلفزيععون ان يحملهععا إليععك مععن وراء الحععدود‬
‫الخاضعة لطاقته إوامكاناته‪.‬‬
‫وأي قراءةا في افكار الفلسفة‪ ،‬في أي من موضوعاتهما الفلسفية‪ ،‬تبرز لك صورةا هذا الضطراب المتعثر في كل من الفهما والحكاما‪.‬‬
‫وأي تامل في حال أي ممن أسلموا عقولهما للفكار الفلسفية‪ ،‬يجسد لعك قعد الر كعبي الر معن القلعق العذي عانيعة والضعياع العذي يعتيه في بعابه‪ .‬وعلعى‬
‫الرغما من أن رئيس قسما الفلسفة هذا‪ ،‬يعترف ضمنيال نقطة الضعف هذه‪ ،‬وعلى الرغما من اعترافه بأن الباحث الفلسععفي ل يقععوى علععى الصععمود‬
‫طويلل في الحوار والمناقشة أما المنطق الديني القائما على أحتراما النص ع فعإنه يحيعل أسعباب هعذا الضععف إلعى خعوف يتلبعس البعاحث الفلسعفي‬
‫من أن يمضي في النقاش إلى المدى الخير! هكذا يقول‪.‬‬
‫ترى من أين جاء هذا الخوف‪ ،‬وما هو سببه؟‬
‫إن سببه في تصور هذا الرئيس‪ ،‬هو أن المتفلسف المناقش مغلول ع على حد تعبيره ع بألف قيد وقيد‪ .‬ووجود هذه القيود يفرض عليععه أحيانعال ان‬
‫يلجأ إلى التأويل واللتفاف حول أهدافه بطرق غير مباشرةا‪ ،‬بل قد يرغمه على اللجوء إلى الخداع‪.‬‬
‫الف قيد وقيد؟‬
‫ما هي هذه القيود؟ ومن أين جاءت؟‬
‫لوكنا نعيش في عصر الرهاب الفكري وسط مجاهل أوربا‪ ،‬وكان الفكر السلمي في حواره يمثعل طغيعان الكنيسعة وجورهعا ضعد حريعة البحعث‬
‫والرأي آنذاك‪ ،‬والفكر الفلسفي يمثل النزعة العلمية ع فيما يتصور ويقول ع لجاءت دعوى انحباس هذا الفيلسعوف المنعاقش بعألف قيعد وقيعد دععوى‬
‫عريضععة مبالغ عال فيهععا‪ .‬فكيععف إوان السععاحة الفكريععة والعلميععة فععي أكععثر البلد والصععقاع السععلمية‪ ،‬فض علل عععن غيرهععا‪ ،‬مفتوحععة لصععحاب‬
‫الهرطقعات الذهنيععة والنزعععات اللدينيعة‪ ،‬قبعل أن تكععون مفتوحعة للبعاحثين السعلميين‪ .‬هععذا مععا نعرفعه ونعراه يقينعلا‪ ،‬فمععن أيععن جعاءت مئعات القيعود‬
‫هذه‪ ،‬لتصد هذا الفيلسوف المسكين عن الصدع بكلمة الحق‪ ،‬ولتمل قلبه خوفال ورعبال من السنة المؤمنين؟‬
‫إن مصدر الخوف إنما يتمثعل فعي طبيععة ت ارجعع الباطل أمعاما منطعق الحق عنعدما يتواجهعان في سعاحة البحث والحعوار‪ ،‬ل سعيما عنعدما يكعون‬
‫الحوار على مل من الناس ومسمع منهما‪ ،‬وليس مصدره قيودال مادية أو أدبية ترهب المنطق والفكر‪ .‬فلسعنا نعيعش في عصعر الرهعاب الفكعري‬
‫الذي انحط لحساب المعتزلة على أحمد بن حنبل وأمثاله‪ ،‬ول الذي انحط على المنطق العلمي لحساب الكنيسة وأباطرتها‪.‬‬
‫ونعود فنقول‪ :‬إن مشكلة هعذا البعاحث أنعه يفهعما مسعمى كلمعة )العدين( معن خلل منظعور فكعري خاص بعه‪ ،‬ثعما يوقعع السعلما بعذلك تحت طائلعة‬
‫الجرائر التي تتحملها سائر الديان الوضعية التي نفض بها فكره‪.‬‬
‫بل هو يعتمد حمل نفسه على هذا الفهما والتخطيط له!‬
‫واعتمادال منه على هذا اللفق والرقع‪ ،‬يصوب سهاما هجومه إلى السلما‪ ،‬أي من خلل منظور ديني آخر وضعه نصب عينيه‪ ،‬دون أن يكععون‬
‫بينهما أي صلة او علقة‪.‬‬

‫الـماةديِة‪ ..‬والمثالليِة‪ ..‬واللديِن‬


‫يتخيل رئيس قسما الفلسفة ع ول أدري معا هعو مصعدر هعذا الخيعال أن أئمعة الفلسفة المثاليعة أقعرب إلعى رضا المسعلمين معن أئمعة الفلسفة الماديعة‪.‬‬
‫ولعله يتصور أن بين المسلمين والفلسفة المثاليين قاسمال مشتركال من الجنوح إلى الوهاما والخيلة العتي ينعأى عنهعا الفكعر المعادي‪ ،‬علعى حيعن‬
‫يختلف المسلمون عن أصحاب الفكر المادي باعتماد هؤلء على الموازين العلمية‪ ،‬وشرود المسلمين عنها!‬
‫يقول‪) :‬من المؤكد أن العوامل الدينيعة هعي العتي تفسر جانبعال كعبي الر معن المكانعة العتي احرزتهعا الفلسفة المثاليعة‪ ،‬والسعمعة السعيئة العتي اكتسعبتها‬
‫الفلسعفة الماديعة وكعذلك الوضععية لعدى كعثير معن مفكرينعا والمشعتغلين بالفلسفة فعي بلدنعا‪ ،‬ذلعك لن المثاليعة ترتبعط في أذهعان هعؤلء بعالجوانب‬
‫الروحية والمثل العليا‪ ،‬في حين أن المادية ترتبط بالسعي وراء الماديات(‪.‬‬
‫من قال هذا؟‬
‫من أين للكاتب هذا التصنيف لكل من الفلسفتين المثالية والمادية‪ ،‬في ميزان الرؤية السلمية؟‬
‫أما أنا فلما اطلع قط على شيء من هذا التصنيف‪.‬‬
‫إنني ع بكل تأكيد ع لما أعرف ولما أسمع أن أمثال )بركلي( و )كانت( و )هيغل( من الفلسفة المثاليين قد أحرزوا لنفسه في العتبار السععلمي‬
‫مكانة أرفع شأنال مما أحرزه لنفسهما في العتبار ذاته أمثال )ماركس( و)انجلز( و)بوكنز( و)لينين(‪.‬‬
‫إن مقياس البصيرةا السلمية يقرر أن اللحاد المادي ليس أكثر سوءال من اللحاد المثالي‪ ،‬بل إن هعذا يضعيف إلعى مسعاوئه اللحاديعة سعخافة‬
‫التخريف والجنوح عن بديهيات المعرفة وحقائقها الولى‪.‬‬
‫ولئن كان في تخيلت)هيغل( عن الوجعود المطلعق‪ ،‬وفعي أوهاما )سعير كيعر كجعورد( ععن وحعدةا الوجعود وععن آمعاله في التحعاد معع معا يسعميه‪:‬‬
‫الوجود البدي القدس‪ ،‬وفي سمادير )فخته( عن أسبقية الفكر على كل شيء وأن منه ينبثعق كععل معن المععادةا وصععورتها مععال ع نقعول‪ :‬لئعن كعان‬
‫في أوهاما هؤلء ما يجعلهما في مقياس الموازين الغربية مؤمنين بال عز وجل‪ ،‬فإنها في معيار الحقائق السلمية إيمان وهمي أخرق‪ .‬بععل إنععه‬
‫ليس في مآله إل لونال سخيفال من ألوان اللحاد‪ ،‬جاء يطفو على سحابة من الخيلة الخرافية المجنحة‪.‬‬
‫ولقد أوضحت في كتابي )أوهاما المادية الجدلية( أن الحق في كثير مععن الجزئيعات العتي أختلعف فيهععا المععاديون والمثعاليون‪ ،‬إنمععا هعو فعي جعانب‬
‫الماديين‪ ،‬وأن كانوا يجحدون بالخالق‪ .‬وليس في ذلك اليمان الخرق الذي ينادي به المثاليون ما يسوغ أي جنوح عن الحق أو أي تحيععز إلععى‬
‫الباطل‪.‬‬
‫تلك هي طريقة الذرائعيين الذين يسخرون سبل اليمان أو اللحاد‪ ،‬كلما اقتضت المصلحة‪ ،‬أداةا لعصبياتهما وخادماف لموروثاتهما أو خلفياتهما‪.‬‬
‫أما السلما فقد حارب النهج الذرائعي وحذر منعه‪ ،‬بمقعدار معا عانق العلميعة الصعافية وحاكما إلعى موازينهعا‪ ،‬وتسعامى علعى كعل صعداقة وععدوان‬
‫في سبيلها‪.‬‬
‫وكيف يرضى السلما أن يصفي المسلمون لنفسهما أصدقاء بهذا الدافع الذرائعي أو العصبي‪ ،‬إوان قرار السلما في كتاب ال تعالى يقول‪:‬‬
‫)ول يجرمنكما شنآن قوما على أن ل تعدلوا‪ ،‬أعدلوا هو أقرب للتقوى(‪.‬‬
‫ولكن أليس عجيبال أل يعلما بدهيات هذه الفوارق بين قانون الرؤية السلمية والعرؤى الدينيعة الخعرى عنعد الغربييعن‪ ،‬بعاحث فلسعفي يتبعوأ كرسعي‬
‫الفلسفة ويرأس قسمها في واحدةا من جامعاتنا العربية المعروفة؟!‬
‫بل أليس عجيبال ان تصنف موازين الرؤية السلمية لدى باحث يتمتع بقسط ما من الثقافة والدراية‪ ،‬في قائمة مذاهب الفكر المثالي؟‬
‫***‬
‫إن من المور التي بعاتت فعي حكما البعدهيات الواضحة‪ ،‬أن المبعادئ والعقائعد السعلمية جاءت ثمعرةا منهعج علمعي ارسعخ متماسعك‪ ،‬وهعو منهعج‬
‫مستقل بذاته ل ينتمي إلى أي رؤى فلسفية‪ ،‬ول يجنح إلى مذهب منها دون مذهب‪ ،‬ول يحابي واحدال منها على حساب غيره‪.‬‬
‫ونهجه الذي يسير عليه ل يعجب المثاليين كما ل يعجب الوضعيين كما ل يعجب الماديين‪ ،‬تمامعال بالقعدر العذي يسعبقه كعل معن هعذه المعذاهب‬
‫الثلثة بعضها البعض‪.‬‬
‫وليت أن رئيس قسما الفلسفة شغل وقته وجهدةا بالعمل على تحرير المذاهب الفلسفية من صراعاتها الفكرية‪ ،‬والسعي لطلق سراح أئمتها مععن‬
‫سجون الحيرةا التي كانت ول تزال تطوف برؤوسهما حتى حيال المور البدهية في هذا الكون‪.‬‬
‫إذ إن الفلسفة ل يرجى لها أن تحتل كرسي الستاذية والقيادةا للفكر النساني‪ ،‬وهعي لما تسعتطع بععد أن تقعود نفسعها علعى صعراط علمعي مسعتقر‬
‫بين الصول والمعالما‪ ،‬بعيدال عن الحيرةا والضطراب‪.‬‬
‫ولكن الكاتب الفيلسوف لما لما يستطع أن يتخذ سبيلل إلى ذلععك‪ ،‬نظع الر ان مععن شعأن طبيعععة الفكععر الفلسعفي التطعوح بيعن الحتمعالت والتفسعيرات‬
‫المختلفة المتناقضة‪ ،‬ومن ثما بعث قدر كبير من الحيرةا والضطراب فعي الفكعر ع بعل فعي النفعس أيض ال ع فقعد رأى ان يشعغل نفسعه بنقعد السعلما‪،‬‬
‫والتسامي ع ولو بالحلما والماني ع على الحل السلمي للغز الكون والوجود والنسان‪.‬‬

‫علَى الدديِن ان يِتخللَى عن العلَم!‬


‫نعما‪ ،‬هكذا يطلب الكاتب!‬
‫إنه يحتج على الدين‪ ،‬أي علعى السعلما‪ ،‬انعه قعد اشعتط بنظعره إلعى خعارج حعدوده‪ ،‬واقتحما السعبل إلعى معا ل يحيعه ول يعينعه‪ ،‬ال وهعو البحعث في‬
‫الطبيعيات وفي الكونيات‪ .‬وقد كان عليعه ان يهتعدي بهعدي الفلسفة وأهلهعا العذين اععترفوا بعجزهعما ععن الخعوض في تلعك الميعادين‪ ،‬فوقفعوا عنعد‬
‫حدود ما يعرفون!‬
‫ومن الواضح أن إصبع التهاما هنا إنما تتجه إلى القرآن‪.‬‬
‫وذلك عندما يشتط )بنظره وعلى حد تعبيره( فيدخل فيما ليععس معن شعأنه ول اختصاصععه‪ ،‬إذ يطلعق أحكعامه التقريريعة ععن الكونيعات كالسععماوات‬
‫والرض والفلك والبحار والرياح واللواقح والسحب والمطار وقانون اختزان الرض للمياه‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫لقد كان على فقهاء النصوص الدينية ع بنظر الكاتب ع أن يقطعوا صلة ما بين هذه النصوص ومعانيها الكونية‪ ،‬بأي وسيلة من وسعائل التأويععل‬
‫أو التحوير أو القراءةا الكونية‪ ،‬بأي وسيلة من وسائل التأويل أو التحوير أو القراءةا المعاصرةا‪ ،‬حتى يوقفوا الدين بذلك عند حدود‪ ،‬ويبعدوه عما‬
‫ل يدخل في أختصاصه‪.‬‬
‫وأنععا‪ ،‬فكععما كنععت أود أن يععبين لععي هععذا الكععاتب وأمثععاله‪ ،‬الجهععة أو الدولععة أو الشخصععية الععتي رسععمت للععدين حععدوده وعرفتععه علععى اختصاصععه‪..‬‬
‫وعندئذ يكون بوسعنا أن ننضما إليه‪ ،‬في تذكير الدين بهذه الحدود التي يجب ال يتجاوزها‪ ،‬واختصاصه الذي ينبغي أن ل يتعداه‪.‬‬
‫على الدين أن ل يتحدث عن شيء من الكونيات وان ل يدلي بأي حكما فعي حقهعا‪ .‬لن هعذا الحعديث يعدخل فعي نطاق العلعما‪ ،‬والعدين ل علقعة‬
‫له بالعلما!‬
‫إن هذا الكلما يعني أن الكاتب يعترف بالدين‪ ،‬وقر بأن له مهمة ووظيفة في الحياةا‪ ،‬غير أن هذه المهمة ل تتصل بالعلما من قريب أو بعيد‪.‬‬
‫ولكنا نسأل بدورنا‪ :‬ما هي هذه المهمة التي لصلة لها بالعلما؟ وما هي قيمتها في حياةا النسان بعد أن تنفصل عن العلما؟ ومن ذا الذي يملععك‬
‫أن يقود النسان المتميز بالوعي والعقل في طريق ل شأن ول صلة له بالعلما؟‬
‫ثما بأي حجة يضيق الكاتب من مدلول العلما ومعناه‪ ،‬حتى يحصعره فعي مسعائل الطبيعيععات والماديعات‪ ،‬ولعما نعلععما للعلععما يومعال مععا إل معنعى واحععدال‬
‫قعال بعه الفلسعفة والحكمععاء والعلمععاء قععديمال وحععديثلا‪ ،‬هععو‪ :‬إدراك الشعيء علعى معا هععو عليعه بعدليل‪ .‬أو هععو بتععبير آخعر‪ :‬موافقعة المفهعوما العذهني‬
‫الخارجي بدليل‪.‬‬
‫وهل فرض الدين وجوده يومال ما‪ ،‬منذ فجر وجوده‪،‬إل بسلطان العلما؟ وهل الدين في حقيقته إل الدينون لمن بيده مقاليد العلما؟‬
‫ونظ الر إلى هذا الكاتب ل يصارحنا برأيه الخاص في مصدر السلما والقاضي به والداعي إليعه‪ ،‬فل بعد أن نفعترض‪ ،‬معن قبعل حسعن الظعن بعه‪،‬‬
‫أنععه يععرى مععا يعراه ويعرفععه المسععلمون جميععلا‪ ،‬مععن أن الع عععز وجععل هععو مصععدر هععذا السععلما وهععو منزلععه وشععارعه والمععر للنععاس جميععال بععالتزامه‬
‫واتباعه‪ .‬ذلك لن ال عز وجل ل غيره هو القائل خطابال لسائر عباده في الرض‪:‬‬
‫)اليوما أكملت لكما دينكما وأتممت عليكما نعمتي ورضيت لكما السلما دينلا(‪.‬‬
‫إواذن‪ ،‬فل معنى لكلما هذا الكاتب المتفلسف إل انه يتجه بالنصح لفعاطر السعماوات والرض‪ ،‬مبعدع النعواميس الكونيععة‪ ،‬وخعالق القعوى والقععدر‪،‬‬
‫أن ل يخوض في خطابه لعباده‪ ،‬في شيء من مسائل الكععون والطبيعععة‪ ،‬لنهععا ليسعت مععن اختصاصعه‪ ،‬إوانمععا هعي معن اختصعاص عبعاده الععذين‬
‫خلقهما فسواهما وجعل لهما البصار والفئدةا وعلمهما ما لما يعلمون!‬
‫فهل في هذه الدنيا كلها من يؤمن بال عز وجل‪ ،‬ويوقن بأن القرآن كلمه‪ ،‬ثما ينطق بهذا اللغو العجيب؟‬
‫ولكن رئيعس قسما الفلسفة فعي جامععة معن أبعرز الجامععات الخليجيعة‪ ،‬كتعب هعذا الكلما‪ ،‬وابعدى أسفه الشعديد لن العدين السعلمي لعما يقف عنعد‬
‫الحدود المرسومة له‪ ،‬كما فعلت الفلسفة التي لما تتجاوز حدوده‪ ،‬بل أبى إل ان يخوض على غير بينة في مسائل الطبيعة والكونيات‪.‬‬
‫بل الرجل يزيد على هذا‪ ،‬فيعلن عن انتظاره لمصلحين جرآء يقدمون دون مخافععة ول وجعل‪ ،‬علعى إصعلح هعذا الفسعاد‪ ،‬وعلععى إبععاد الععدين عمعا‬
‫ليس من اختصاصه‪.‬‬
‫ولما يكن ليستوقفني هذا الكلما التافه‪ ،‬بأي تعجب أو استنكار‪ ،‬لو أن صاحبه الذي اقاما من نفسه حارس ال علعى العلعما ضعد غوائعل العدين‪ ،‬ضعبط‬
‫السععلما بععأي عمليععة سععطو أو عععدوان علععى حقيقععة مععن حقععائق العلععما‪ ،‬بععأن يرينععا نصعال فععي كتععاب الع تعععالى تضععمن مععا ينععاقض أيعال مععن الحقععائق‬
‫العلمية الثابتة‪.‬‬
‫ولكن الرجل‪ ،‬وهو يقدما نصيحته الممجوجة هذه للدين الذي هععو السعلما‪ ،‬ويظهعر الخشعية منعه علعى العلععما واهلعه‪ ،‬ويعلععما علعما اليقيعن )كمعا يعلعما‬
‫كل مثقف من الناس( ان العلما كان وليزال ساجدال لكل آية‪ ،‬بعل لكعل جملعة‪ ،‬في كتعاب الع ععز وجل‪ .‬ول شعأن لنا هنعا بالنظريعات والفرضعيات‬
‫التي تتطوح في عما التجارب والتصورات‪.‬‬
‫فهل وضعنا هذا المشفق على مصير العلما من غوائل الدين الذي )يتدخل فيما ليس من شأنه( أماما طائفة من تجنبات الدين على العلععما‪ ،‬ل ‪،‬‬
‫بل أماما موقف واحد تجنى فيه السلما على حقيقة علمية ثابتة؟!‪..‬‬
‫نقول كل هذا بناء على ما افترضناه ع من قبيل حسن الظعن بعه ع أنعه يفهما معا يفهمعه المسعلمون جميععال معن أن الع ععز وجل هعو رب هعذا العدين‬
‫ومنزله‪.‬اما إن افترضنا ان الكاتب عاقل من الناس‪ ،‬ومعن ثعما فل يعقعل أن يهعذي هعذا الهعذيان المنكعر‪ ،‬ويقعدما النصعح لقيعوما السعماوات والرض‬
‫ان ل يخوض بدينه في قضايا العلما‪ ،‬وأن يحيلها إلى المتخصصعين معن عبعاده‪ ،‬كمعا فععل الفلسفة العقلء معن قبلعه‪ ،‬فل منعاص إذن معن فهعما‬
‫المعنى الوحيد الذي ل ثاني له‪ ،‬لكلمه هذأ‪ ،‬أل وهو ان القرآن إنتاج عقل بشري ‪ ،‬سواء أكان عقل محمد عليه الصلةا والسعلما أو عقععل غيعره‬
‫من العرب وبعذلك يصعبح العدين السعلمي في مجمعوعه إبعداعال إنسانيال وت ارثعال عربيعال خاضععال لحتمعالت الوقعوع في الخطعأ والصعواب‪ ،‬بعل هعو‬
‫عندئععذ مععن تصععورات ومواضعععات انععاس لععما يكععن لهععما زاد مععن الثقافععة ول د اريععة بععالعلما والحضععارةا‪ ،‬بععل كععانوا مخلفيععن وراء دنيععا النشععطة العلميععة‬
‫والحضارية‪ .‬ومن ثما فقد كان عليهما ع وهما واضعو هذا الدين ع أن ليخوضوا به وراء حدود جزيرتهما وأن ل يدونوا في كتبه أكثر من احعداه هععذه‬
‫الجزيرةا وأنبائها‪.‬‬
‫على ان الرجل يرى مع ذلك ع متفضال ع أن ل حاجة في الوقت الحاضر إلى القياما بثورةا شاملة للقضاء على السعلما‪ ،‬بعل ل معانع معن أن يأخعذ‬
‫طريقة في المجتمع إلى جانب سائر الديان الخرى‪ ،‬ولكن على أن يتما إبعاده ععن العلعوما والقتصعاد والنشعطة الفكريعة والسياسعية‪ .‬وأن يمنعع‬
‫من الخوض فيما ليس من شأنه!‬
‫***‬
‫أي قاسما مشترك بقي بيننا وبين الكاتب لنناقشه على اساسه؟‬
‫مععن الواضععح أنععه لععما تبععق بيننععا وبينععه‪ ،‬فععي هععذه الحععال‪ ،‬أي أرض مشععتركة نقععف معععه عليهععا لنحععاوره انطلق عال منهععا‪ ،‬اللهععما إل شععيء واحععد هععو‬
‫)المنهج( و)المنطق الدقيق( اللذان يتباهى بهما‪ ،‬ويأسف في صدر مقاله‪ ،‬لفتقار الفكر الديني في رؤوس المسلمين إليهما‪.‬‬
‫إذن فلنقبض على كلمة )المنهج( هذه‪ ،‬ولنحاكما هذا )المنهجي( إليها‪.‬‬
‫أين هو المنهج في هذا الذي تكتبه وتقرره‪ ،‬وأين هو )المنطق الدقيق( في هذه المخاضة التي تخوضها عن السلما والعلما؟‬
‫أمععن المنهجيععة فععي شععيء أن تنععاقش المسععلمين فععي إسععلمهما‪ ،‬قبععل أن يكععون بينععك وبينهععما تلق واتفععاق علععى قاسععما مشععترك فععي معنععى السععلما‬
‫ومصدره؟‬
‫امن )المنطق الدقيق( ففي شيء أن تناقش خصمك في موضوع‪ ،‬لما تتفقعا علعى حقيقتععه ومفهععومه‪ ،‬وأن تتصعارع الحجعج بينكمععا علعى أكعثر مععن‬
‫مورد؟‬
‫كيعف تستسعيغ‪ ،‬وأنعت الفيلسععوف المثقععف‪ ،‬أن تناقشعني فعي السععلما العذي هعو فعي ذهنععك تعراث مععن وضععع الجزيععرةا العربيعة‪ ،‬بينمععا هعو فعي ذهنععي‬
‫وحععي منععزل مععن لع عععز وجععل‪ ،‬دون ان تكاشععفني بهععذه المفارقععة الخفيععة بينععي وبينععك‪ ،‬وتمضععي تععدلي بحججععك مععن منطلععق مععا تخفيععه عنععي فععي‬
‫ذهنك‪ ،‬بينما أقارعك الحجة من منطلق ما اصارحك به من إيماني الراسخ بال عز وجل وكتبه ورسله؟‬
‫ألما تسمع ع وأنت الباحث المنهجي ع بنقطة )تحرير محل النزاع( وأنها المحور الذي ل يصلح دوران النقاش إل عليه؟‬
‫أنت تتصور أن السلما ديانة وضعية صنعتها عقول بشرية‪ ،‬فهي تخضع لحتمالت الخطأ والصواب والمعرفة والجهل‪.‬‬
‫ونحن نجزما بأن السلما حقيقة موضوعية ذات وجود مستقل عن فكر النسان‪ ،‬تتمثل في الوحي اللهي المنزل على سيدنا محمد)ص(‪.‬‬
‫فب ععأي مس ععوغ منهج ععي تتجاه ععل ه ععذا الخلف بينن ععا ف ععي فه ععما المص ععدر والمنطل ععق‪ ،‬ث ععما تلقي ععه وراءك ظهريع علا‪ ،‬وتمض ععي ف ععي مناقش ععتنا فععي الف ععروع‬
‫والجزئيات‪ ،‬بعد ان تلونها بلون تصوراتك الخاصة بك والتي ل نشترك معك منها بشيء؟‬
‫ال تعلما‪ ،‬وأنت الذي تنعي علينا )المنهجية( أن الخطين المتوازيين ل يمكن ان يلتقيا مهما طال بينهما التنافس والسباق؟‬
‫إواذا كععان ممععا يهمععك حق عال أن نبلععغ معععك إلععى الحقيقععة العلميععة البعيععدةا عععن التخيلت والوهععاما‪ ،‬فلمععاذا ل تصععارحنا ول تلفععت انظارنععا إلععى اننععا‬
‫مخطئون في فهما مصدر الدين وأساسه‪ ،‬من حيث انبهت أنت إلى ما لما ننتبه إليه وتوقيت هذا الخطأ الذي انجرفنا فيه؟‬
‫لماذا ل تعود بنا إلى أصل المشكلة التي بيننا وبينك‪ ،‬فتقنعنا بما قد أوتيت من حجة وبرهان‪ ،‬بأن السععلما فعي مصععدرية‪ :‬القعرآن والسععنة‪ ،‬ليععس‬
‫وحيال إلهيال كما قد توهمناه إوانما هو مجموعة رؤى وأفكار بشرية اكل عليها الدهر وشرب‪ ،‬وعندئذ سيواجهك بالبرهان الذي وقفنا عليععه واهتععدينا‬
‫بععه فععي اليقيععن بععأن السععلما وحععي تنععزل مععن عنععد ال ع وليععس ت ارث عال بش عريال ظهععر فععي الرض‪ .‬ولععن تختفععي الحقيقععة لععدى تقابععل الدلععة والععبراهين‪،‬‬
‫ل‪ ،‬ولسعوف تجعد ان إسعلمنا هعذا ربانعا على أن ل‬
‫وسيمتاز الوهما والزيف عن الحق الذي ل مرية فيه‪ .‬ولسوف تجدنا ل نرضى عن الحق بعدي ل‬
‫ل‪:‬‬
‫نستبدل بميزان العلما الحقيقي شيئأ‪ ،‬حتى ولو كان تراثال أو دينلا‪ ،‬اجل فلقد ربانا على اتباع هذا النهج منذ أن خاطبنا قائ ل‬
‫ل( السراء‪.36:‬‬
‫)ولتقف ما ليس لك به علما آن السمع والبصر والفؤاد‪ ،‬كل أولئك كان عنه مسؤو ل‬
‫أمععا أن تكتععما عنععا خلفععك الععذري معنععا فععي فهععما المصععدر والسععاس‪ ،‬ثععما توجععع رؤوسععنا بالجععدل الععذي ل ينتهععي‪ ،‬دفاععال عععن النتائععج الععتي افرزهععا‬
‫انفرادك عنا بالرأي الذي انتهيت إليه وتكتمت عليه‪ ،‬فل ريب أنه عبث ما بعده عبث‪ ،‬وأشهد أنك تعلما بأنه تضييع للوقت من غير طائل‪.‬‬
‫إوان العمر لثمن من أن نضيعه معك في هذا الجدل العابث الذي ل نهاية له‪ ،‬ومن ثما فل معنى له‪.‬‬

‫ب يِكنلَم نفسه‪ ..‬ويِقترح علَى ذاته‬ ‫د‬


‫الكات ن‬
‫بعد هذا الذي قلناه لكاتبنا )المنهجي( صاحب )المنطق الدقيق( نعود فنضيف الكلما التالي‪:‬‬
‫إن أبى الكاتب الفيلسوف رجوعال إلى محور البحث ومصدر الخلف‪ ،‬وأصر على أن يعابثنا بنقده وتقديما اقتراحاته بهذه الطريقة‪ ،‬فل ريب أن‬
‫ل شأن لنا بشيء مما يقول‪ ،‬ولسنا نحن المعنيين بخطابه وحعواره وانتقعاداته‪ ،‬إذ لسعنا معن ذلعك السعلما العتراثي العذي يتصعوره في شعيء‪ .‬إوانمعا‬
‫هو إسلما ابتداعي خاص قائما في ذهنه هو‪ ،‬وربما في أذهان قلة من أمثاله‪.‬‬
‫إواذن‪ ،‬فهو إنما يكلما نفسه ويحاور ذاته‪ ،‬بوصفه صاحب ذلك التصور الذي يترتب عليه عرض ما يبديه من انتقادات واقتراحات‪.‬‬
‫بل إن من النصاف أن أقول‪ :‬إن الرجعل المنطقعي في افكعاره الفرعيعة هعذه العتي يبعديها ويتحمعس لهعا‪ ،‬إذ هي منسعجمة كعل النسعجاما معع ذلعك‬
‫السلما الخاص به والقائما في ذهنه‪.‬‬
‫إنه يقول لنا‪ ،‬وبكل بساطة‪ ،‬إن الفلسفة ترفعض اعتقعاد وجعود معصعوما ععن الخطأ أيعال كعان هعذا المعصعوما‪ ،‬شخصعال أو معذهبال أو كائنعال معا‪ .‬وهعو‬
‫يعتز بانتصاره لهذا الرفض‪ ،‬ويخطئ الدين في ذهابه إلى خلف ذلك!‬
‫إوانا لنرى أن هذا الرفض نتيجة طبيعية ومنطقية لتصوره بعأن السعلما ليعس إل نسعيج فكعر إنسعاني‪ ،‬وبعأن العدنيا ليست أكعثر معن حقعل للفكعار‬
‫البشرية التي تخطئ وتصيب‪ .‬ومن ثما فل عجب من أن يرى صاحب هذا التصععور ان القعرآن واحعدةا معن ثمعار هععذه الفكععار‪ ،‬وأن يقعف موقعف‬
‫المنكر‪ ،‬بل الساخر من قوله تعالى‪):‬ل يأتيه الباطل من بين يديه ول من خلفه تنزيل من حكيما حميد(‪.‬‬
‫وهو يقرر أيض لا‪ ،‬بكعل طمأنينعة ويقيعن‪ ،‬أن مبعدأ صعلحية العدين لكعل زمعان ومكعان مرفعوض ايضعلا‪ ،‬وأن القعرار الفلسعفي العذي يخالف ذلعك هعو‬
‫الحق الذي يجب المصير إليه!‬
‫ونقول‪ :‬إن الرفض نتيجة منطقية وطبيعية أيض ا لذلك التصور في فهما السلما‪ ،‬بل هو من مسلتزمات القول بعدما العصععمة‪ ،‬إذ مععن أيععن تععأتي‬
‫الصلحية لكل زمان ومكان إذا كان هذا الدين بحد ذاته ثمرةا فكر يحتعويه زمعن محعدد؟ ومعن المعلعوما أن المطلعق ل يمكعن ان يتولعد معن الواقعع‬
‫النسبي‪.‬‬
‫ويمضععي الرجععل فععي تجميععع النتائععج المنطقيععة لتصععوره الخععاص بععه للسععلما‪ ،‬فينكععر إعطععاء النععص الععديني أي حاكميععة أو سععلطة فععي شععيء مععن‬
‫ميادين الحوال الشخصية أو السياسية أو القتصاد أو العلوما أو الجتماع‪ .‬ويرى أن قبول هذه الحاكمية ع بأي صععيغة كععانت ع ينععاقض النزعععة‬
‫النسانية في التراث الفلسفي‪.‬‬
‫ولريب أن هذا النكار هو الخر ثمرةا طبيعيعة لتصعوره ان النعص العديني ليعس إل صعياغة بشعرية‪ ،‬فعي كعل معن الشعكل والمضعمون وأنعه ليعس‪،‬‬
‫كما يقولون وحيال منزلل من السماء‪.‬‬

‫إذن فما المر العجيِب الذي نستنكره؟‬


‫إن المععر العجيععب الععذي تشععمئز منععه موضععوعية الفكععر والنقععاش‪ ،‬هععو أن يخفععي الرجععل عنععا نظريتععه الشخصععية هععذه إلععى السععلما‪ ،‬ثععما يمضععي‬
‫يناقشنا في النتائج المنبثقة عن نظرته هذه‪ ،‬وهو يعلما أننا ل نلتقي معه على أصعول واحعدةا لهعا‪ .‬بعل يلعح علينعا ع علعى الرغعما معن هعذا ع أن نفهما‬
‫هذه الفروع كما يفهما‪ ،‬وأن ننفذ اقتراحاته كما يريد!‬
‫فكيف يمكن أن نسلما له أنه ذو )منطق دقيق(؟ وما هو سلطان هذا المنطق وأين هو أثره في هذه المجادلة الخداعية المكشوفة كما رأينا؟‬
‫وليععت أن الرجععل يتركنععا ننتبععه إلععى مععذهبه الشخصععي فيفهععما السععلما وتصععوره ومصععدره‪ ،‬مععن خلل مسععتلزمات كلمععه ومقتضععيات افكععاره كمععا‬
‫لحظنا‪.‬‬
‫ولكنه ل يتركنا لندرك ذلعك‪ ،‬بعل يصر علعى أن يلبعس علينعا المعر‪ ،‬ويزيععد علعى هعذا فيجععل معن نفسعه واحعدال معن أولئعك المتفلسعفين العذين دافعع‬
‫عنهما وأشفق عليهما‪ ،‬إذ تضطرهما المخاوف إلى مراوغة النصوص والتلعب بالحجج والبراهين‪.‬‬
‫فهو عندما يرفض )سلطة النصوص الدينية( يوهمنا انه ل يريد بعذلك ان ينكععر العوحي اللهعي‪ ،‬ويحععذرنا معن أن نتهمعه بععذلك بعل العذي يريعد أن‬
‫يفهمنا إياه ان الوحي ل يمكن أن يتنزل إل على بشر من الناس‪ .‬إواذا انسكب الوحي في الذات النسانية‪ ،‬فعإنه يفقعد بعذلك ذاتيتعه‪ ،‬ويندمعج في‬
‫الكيان النساني‪ ،‬بكل ما يتصف به من قصور وضعف وأهواء‪ ،‬فيفقد الوحي بذلك عصمته وصلحيته المطلقة‪ ،‬ول بد أن يفقد عندئذ هيمنتععه‬
‫وحاكميته‪.‬‬
‫اجل‪ ..‬هذا ما يقوله بالضبط فيلسوفنا الكبير!‬
‫هعل فعي النعاس كلهعما مععن ل يعلعما أن هععذا الكلما العجيععب صعورةا تطبيقيعة لمعن قعال عنهععما مععن قبععل‪ ،‬مشعفقال ومعدافعلا‪:‬إن المخعاوف تضعطرهما إلععى‬
‫المناورةا والمراوغة من حول الدلة والنصوص؟‬
‫ولكن من هو هذا الساذج يمكن أن يخدعه هذا الكلما‪ ،‬على الرغما من كل ما فيه من مراوغة وخداع؟‬
‫أي مععن هععو السععاذج الععذي يصععدق بععأن الكععاتب مععوقن بععأن ال ع موجععود وبععأن الق عرآن وحععي آت مععن لععدنه فعلل إلععى رسععوله محمععد عليععه الصععلةا‬
‫والسلما‪ ،‬ولكنها محاولة فاشلة من ال عز وجل‪ ،‬إذ فاته ع أي فات الع ععز وجعل ع أن العوحي إذا انسعكب في الذاتيعة النسانية فقعد بعذلك ذاتيتعه‬
‫واندمج في الكيان النساني بكل ما يتصف به من قصور وضعف فيفقد الوحي بذلك عصمته وصلحيته!‬
‫وهكذا فإن رئيس قسما الفلسفة يكون قد تنبه إلعى هعذه الحقيقعة العتي لما)يتنبعه( إليهعا الع ععز وجل‪ ،‬عنعدما أنعزل تععاليمه المعوحى بهعا إلعى الرسعل‬
‫والنبيععاء!‪ .[4]4‬أصععحيح أن الكععاتب مععوقن بععأن منععزل هععذا الععوحي هععو العع‪ ،‬وأنععه عععز وجععل لععما يعلععما هععذا الععذي علمععه عبععاده أصععحاب )الضعععف‬

‫‪ [4]4‬نستغفر ال من هذا اللغو الذي اضطرنا إليه تصوير التهافت العمجيب الذي يتمرغ فيه صاحب هذا الكلم من حيث يوهنا أنه اسإتاذ ف النهجية و ‪ 0‬النطق الدقيق(ي‪.‬ن‬
‫والقصععور والهعواء( علععى حععد تعععبيره‪ ،‬فسععلك بععوحيه إليهععما سععبيلل لعما يصععل إليهععما إل وهععو مندمععج فععي الكيععان النسعاني ممععزوج بمظععاهر قصععوره‬
‫وأخطائه؟‬
‫ال يعلما هذا الكاتب ع وهو رئيس قسما الفلسفة ع أن ال عز وجل إن كان قد بلغ به العجز إلى حيث ل يستطيع أن يبلغنا وحيه بمععا يتضععمنه مععن‬
‫تعليمععات إل ممزوج عال بش عوائب البش عرية مسععتهلكال وسععط كععدورات الضعععف والعجععز النسععاني‪ ،‬فمععن المحععال أن يكععون إله عال بععل مععن المحععال أن‬
‫يتسامى بأي درجة على عباده الذين تنبهوا من حيث لما يتنبه‪ ،‬وعلموا من حيث لما يعلما‪.‬‬
‫اصحيح بعد هذا كله أن يكون هذا الكاتب موقنال بوحي‪ ..‬وبآله؟‬
‫أليس هذا كمن يخادعنا فيقول‪ :‬من خلق ال؟‬
‫يسميه‪ :‬ال‪ ،‬شأن من يؤمن بعه ويعوقن بوجعوده‪ ،‬ثعما يسعأل السعؤال المنعاقض ليمعانه هعذا فيقولعك معن خلقعه! وقعد علما كعل عاقعل حعتى معن سعذج‬
‫الناس وبسطائهما أن ال عز وجل هو إلعه الكعون‪ ،‬خعالق غيعر مخلعوق‪ ،‬صانع غيعر مصعنوع‪ ،‬وأن وجعوده لبعد أن يكعون معن ذاتعه ل فيض ال معن‬
‫غيره‪.‬‬
‫اجل‪ ،‬إنه لون مكشوف وممجوج من الخداع‪.‬‬
‫والعاقعل العذي يتصعور أن الع معن العجز بحيعث ل يسعتطيع أن يبلعغ أخبعاره وتععاليمه لعبعاده صافية ععن العدخيل والشعوائب‪ ،‬لبعد أن يعدرك في‬
‫الوقت ذاته ان هذا الكائن الذي يعاني من هذا العجز ليس بإله‪.‬‬
‫إواذا كان هذا ما لبد أن يدركه كل عاقل‪ ،‬فهو ما لبد أن يدركه ع من باب أولى ع رئيس قسما الفلسفة‪.‬‬
‫ولكن رئيس قسما الفلسفة يصر‪ ،‬على الرغما من هذا‪ ،‬بأنه معؤمن بعالوحي‪ ،‬ومعن ثعما معوقن بعال ععز وجعل‪ ،‬ويحعذرنا معن أن نتهمعه بخلف ذلعك‪،‬‬
‫إنه يصر على هذا كله كي يتسنى له اتهاما ال عز وجل بالجهل والعجز‪ ،‬ثما كي يتسنى له البرهان على أن وحيه هذا غير معصوما وأنععه غيععر‬
‫صالح لكل زمان ومكان‪.‬‬
‫وكأن الرجل ل يشفى غليله أن يزعما بأن ال ل وجود له‪ ،‬ومن ثما فل وجود لما يسمى بالوحي اللهي‪ ،‬إوانما الذي يشفي غلته أن يقول لنا‪ ،‬بععل‬
‫أن يعلمنععا‪ ،‬أن لع وجععود وان لععه وحيعال خععاطب بععه البشععر‪ ،‬ولكنععه إلععه عععاجز مغلععوب علععى أمعره‪ ،‬لععما يسععتطعه أن يوصععل وحيععه إلينععا إل مسععتهلكال‬
‫متبددال في بشرية الرسل والنبياء المطوية على الضعف والعجز‪ .‬فهل سمعت بتلبيس وتدليس ومراوغة عن الحق اوضح من هذا واعجب‪.‬‬
‫ومععع ذلععك فععإن بطععل هععذه المراوغععة ينعععى علينععا عععدما النضععباط بالمنهجيععة و)المنطععق الععدقيق( ويعلمنععا كيفيععة اللععتزاما بهمععا‪ ،‬مععن خلل هععذه‬
‫المراوغة!‬

‫ةهدلَ الةوحي القرآني ممزوج بشوائب البشرليِة؟‬


‫بقطع النظر عن كل ما قلناه‪ ،‬دعنا نتساءل‪ :‬هل المر في حقيقته كما يدعي رئيس قسما الفلسفة؟ أي هل القرآن المععوحى بععه إلععى سععيدنا محمععد‬
‫عليه الصلةا والسلما‪،‬ممزوج ومستهلك في شوائب البشرية؟‬
‫هذا هو القعرآن ذا بيعن أيعدينا‪ ،‬موضعوع تحعت مجهعر النظعر والتعدبر معن عقولنعا‪ ،‬إنعه وحي صعاف خعالص ععن الشعوائب‪ ،‬فعي كعل معن صعياغته‬
‫اللفظية ودللته الموضوعية‪ .‬لما يتزيد محمد)ص( على بنيانه التعبيري حرفال واحدلا‪ ،‬ولما يضعف معن عنعده إلعى مععانيه أي معنعى‪.‬وصعدق اللعه‬
‫الذي قال عنه رسوله‪ ،‬تأكيدال لهذه الحقيقة‪:‬‬
‫)ولو تقول علينا بعض القاويل‪ ،‬لخذنا منه باليمين‪ ،‬ثما لقطعنا منه الوتين فما منكما من أحد عنه حاجزين( الحاقة ع ‪.47‬‬
‫ول نعلما إلى اليوما أن مفك الر في تاريخ الفكر العربي أو السعلمي أو اديبعا فعي تاريعخ الدب العربعي‪ ،‬أو فيلسعوفال في تاريعخ الفلسعفة العربيعة زععما‬
‫أن القرآن لما يتنزل على محمعد)ص( حعتى امعتزجت حقعائقه الربانيعة في بشعريته‪ ،‬وتعكعر صفاؤه فعي كعدورات ضععفه وعجعزه النسعاني‪ ،‬فتحعول‬
‫ذلك الوحي الصافي إلى أفكار وصياغات بشرية غير منزهة عن الخطأ والنحراف‪.‬‬
‫ولو كان في المر شيء من ذلك‪ ،‬لكان أولى الناس بالشعور به والعلن عنه والتنبيه إليه سيدنا محمد)ص( ذاته‪.‬‬
‫ومع ذلك فليكن هذا الرجل هو أول من علما ذلك فأعلن عنه‪ ،‬ل مانع‪ ..‬ولن يمنعنا شيء من الصغاء إلعى هععذا العذي امتعاز ععن سعائر النععاس‬
‫بمعرفته والطلع عليه‪ ،‬من هذا المر‪.‬‬
‫ولكعن فمعا لععه ل يبععدأ قبعل كععل شعيء فيحععدثنا عععن نظرتعه الشعمولية هعذه إلععى الععوحي وحقيقتععه ومععا قعد تسعرب إليعه‪ ،‬مشعفوعة بالدلعة العلميععة الععتي‬
‫وضع يده عليها؟ وهذا يقتضي أن يضعنا أماما الملف الكامل للنتائعج العتي انتهععى إليهعا معن خلل د ارسععته العلميعة والتحليليعة للقعرآن الععذي يمثععل‬
‫الوحي المتلو المنزل على رسول ال)ص(‪.‬‬
‫اجل‪ ..‬ماله ل يحدثنا قبل كل شعيء‪ ،‬ععن هعذه المشعكلة الكليعة العتي وضعع يعده عليهعا‪ ،‬على أن ل يقتصر حعديثه فعي ذلعك علعى دععوى عاريعة‬
‫يطرحها‪ ،‬وعلى أن ل يجعل دليله عليها مجرد أوهاما وتخيلت‪.‬‬
‫اعتقد ان كلل من ‪ 0‬المنهجية( و)المنطق العدقيق( اللعذين يععتز الكعاتب بهمعا‪ ،‬ويأسعف لععد التزامنعا بهمعا‪ ،‬يسعتوجب البعدء بهعذه المشعكلة الكليعة‬
‫قبل الخوض في المسائل والقضايا الجزئية‪.‬‬
‫***‬
‫وعلى الرغما من أنني واحد من )اليمعانيين( العذين يقعول الكعاتب الفيلسعوف عنهعما‪ :‬إنهعما يعتمعدون على القعول المعتقعد تسعليمال ودون أي نقاش‪،‬‬
‫اجدني منساقال بدافع افتراض أجاري به دعوى هذا الكاتب‪ ،‬إلى النظر معن جديعد في القعرآن العذي معا معر على يعوما إل ازددت يقينعال بعأنه الكلما‬
‫الرباني المنزه ععن شعوائب البشعرية ومظعاهر الضععف النساني‪ ،‬واضععال يقينعي هعذا فعي زاويعة نائيعة معن فكعري‪ ،‬مبتعدئال رحلعة جديعدةا علعى درب‬
‫التبصر العلمي بحقيقة القرآن ودلئل صدقه إواعجازه‪.‬‬
‫فما اجد في رحلتي هذه؟‬
‫إننعي أحعاول أن أععثر في شعيء معن آيعة أو بحعوثه وموضعوعاته علعى أي سعمة إنسعانية أو على أي بصعمة معن بصعمات الفكعر النساني‪ ،‬فل‬
‫أجدني من ذلك إل أماما مظهر جلل الربوبية يتبدى واضحال خلل كلماته وجمله وآياته‪.‬‬
‫وهذا هو المعنى الول‪ ،‬أو المظهر الول‪ ،‬لعجعاز القعرآن العذي اذععن لعه‪ ،‬كمعا يقعول المععري‪ ،‬كعل جاحعد ومهتعدي وكعل متنكعب ععن المحجعة‬
‫ومقتدي‪.[5]5‬‬
‫ولعل معن الخسعر أن نحلل هعذا المظهعر العجعازي )مظهعر جلل الربوبيعة في القعرآن( بشعيء معن الدقعة والتفصعيل‪ ،‬حعتى يتعبين للكعاتب العذي‬
‫يجهل الحقائق أو يتجاهلها أننا لما نكن يومال ما لنعانق القول المعتقد تسليمال ودون أي نقاش‪.‬‬
‫اجعل‪ ،‬سأمضعي في تحليعل هعذا المظهعر العجعازي‪ ،‬العذي يوضعح معدى المسعافة الفكريعة العتي سعلكناها تعدب الر ونقاش ال على طريعق وصعولنا إلعى‬
‫يقيننا العتقادي الذي نركن إليه اليوما بكل طمأنينة إواذعان‪ .‬وهي ذاتها المسافة الفكرية التي قفعز فوقهععا الكعاتب المتفلسعف دون أي مععرور بهعا‬
‫أو وقععوف عنععدها‪ ،‬لينتهععي إلععى تصععوراته العتقاديععة عععن الععوحي اللهععي تسععليملا‪ ،‬ودون الععتزاما أي منهععج‪ ،‬أو التبصععر بععأي نقععاش‪ ،‬فععأعجب لمععن‬
‫يتلبس بالداء ثما يتهما به الصحاء والبرياء!‬
‫إن خلصة برهاننا العلمي الذي وعيناه وناقشناه وقلبناه على وجهه‪ ،‬إلى أن أسلمنا بالنهج المنطقي إلى الحقيقة الناطقععة بعأن القعرآن يشععع‪ ،‬مععن‬
‫أوله إلى آخره‪ ،‬بمظهر جلل الربوبية الصافي عن الشوائب‪ ،‬ومن ثما فل يمكن أن يكون كلما بشر من الناس‪ ،‬تتمثل فيما يلي‪:‬‬
‫من المعلوما أن الكلما مرآةا دقيقة لطبيعة المتكلما‪ ،‬فما تتجلعى الطبعائع والغعوار النفسعية لشعخص على شعيء‪ ،‬كمعا تتجلعى على معا قعد يكتبعه أو‬
‫يقوله‪.‬وكما تبسط النسان في الحديث وجوانب القول ازدادت خصائصه النفسية جلء ووضوحلا‪.‬‬
‫ل‪ ..‬ول‬
‫لععذا‪ ،‬لععما يكععن مععن اليسععير أن يقلععد كععاتب كاتب عال آخععر فععي اسععلوبه إذا كتععب‪ ،‬فل يسععتطيع الرجععل أن يتقمععص فععي كتععابته نفسععية الم عرأةا مث ل‬
‫يسععتطيع كععاتب معاصععر ع مهمععا بلععغ مععن السععيطرةا علععى اسععلوبه البيععاني ع أن يقلععد كاتبعال ععاش قبععل هععذا العصعر‪ ..‬ولقععد حعاول كععثيرون ان يقلععدوا‬
‫ل‪..‬‬
‫ل‪ ،‬فما استطاعوا إلى ذلك سبي ل‬
‫أسلوب الجاحظ مث ل‬

‫‪ [5]5‬انظر رسإالة الغفران للمعمري‪.479 :‬ن‬


‫ذلك لن السلوب ليس مجرد طريقة معينة فعي صعوغ العبعارةا ووصعف الكلما‪ ،‬بعل هعو قبعل ذلعك معرآةا دقيقعة لنفسعية الكعاتب صعاحب السلوب‪.‬‬
‫فلئن استطاع هذا الكاتب أن يقلد الخر في صوغ العبارات‪ ،‬فهيهات أن يستطيع تقليده في إبراز نفسية كنفسيته‪ .‬فمن هنا يأتي العجز عن أن‬
‫يتقمص أي كاتب أسلوب غيره‪.‬‬
‫وليعزداد المععر وضعوحال لععك‪ ،‬إفععرض أن العقعاد رحمعه العع‪ ،‬أحعب أن يقلعد ع وهعو الكعاتب القععدير ع أسعلوب المعازني رحمعه الع فعي مرحعه ودعععابته‪،‬‬
‫أفيستطيع ذلك بنجعاح؟ معن البداهعة بمكعان أن أيعال منهمعا ل يملعك تقليعد الخعر‪ ،‬لن معا طبعع عليعه كعل منهمعا معن الطبعائع النفسعية الخاصعة بعه‬
‫يحول دون إمكان التجعرد معن طبععه ليمثعل طبعع الخعر‪ .‬إن معن الواضعح لنعا جميععال أن أيعال منعا ل يسعتطيع أن يتجعرد ععن طبععه ويرتععدي طبععال‬
‫آخر لما يفطر عليه‪ ،‬ولو على سبيل التقليد والتمثيل‪ ،‬وهذا على الرغما من اشتراكنا جميعال في قاسما مشترك من الطبيعة النسانية العامة‪.‬‬
‫فإذا اتضحت لنا هذه الحقيقة‪ ،‬فأحرى ع في باب البداهة والوضوح ع أن ل يستطيع إنسان معن النعاس أي ال كعان‪ ،‬أن يتجعرد ععن بشعريته وطعبيعته‪،‬‬
‫ثما يجعل من نفسه إلهال يتصعف بكعل معا لبعد أن يتصعف بعه اللعه الحقيقعي معن الصفات الربانيعة المضعادةا للطبيععة البشعرية ومظعاهر الضععف‬
‫النساني‪ ،‬فينطق بكلما تبرز فيه هذه الربوبية بكل ما فيها من صفات وخصائص مجردال عن سائر الصفات والطبائع البشرية العامة‪.‬‬
‫ول أظن أن في الناس‪ ،‬على اختلف نحلهما ومذاهبهما‪ ،‬من يجهل هذه الحقيقة العلمية التي ل تخضع لي ريب أو نقاش‪.‬‬
‫والن‪ ،‬فلنفععترض أن الق عرآن كلما بشععر مععن النععاس أو أنععه ع كمععا يععرى الكععاتب الفيلسععوف ع وحععي إلهععي تبععدد واسععتهلك فععي الطبيعععة البش عرية الععتي‬
‫عجزت عن أن تكون وعاء أمينال له‪ .‬إذن يجب أن نرى القرآن فياضال بسائر مظاهر الضعف النساني والصفات البشرية‪ .‬ولو كان القرآن فعي‬
‫واقعه كذلك‪ ،‬لما ترددنا في صحة كلما رئيعس قسعما الفلسعفة‪ ،‬بعل لعذهبنا إلعى أبععد معن ذلعك‪ ،‬ولجزمنعا بعأن هعذا الكتعاب ليعس إل تعأليف بشر معن‬
‫الناس ليس بينه وبين الوحي اللهي أي نسب أو امتزاج‪.‬‬
‫ولكنا تأملنا في هذا الكتاب‪ ،‬ووقفنا أما آياته التي تخاطبنا بالمر والنهي آنال وبالخبار والعلما آنال آخر‪ ،‬واعدنا فيها التأمل والتدبر أكععثر مععن‬
‫مععرةا‪ ،‬فععإذا هععي تشععع بجلل الربوبيععة ومظععاهر اللوهيععة‪ ،‬دون أن نجععد فيهععا أي بصععمة مععن البصععمات البشعرية أو أي معلمععة مععن معععالما الطبيعععة‬
‫النسانية‪.‬‬
‫ترى من هو هذا النسان الذي اخترق نواميس العلما التي ل مجال لنكرانها‪ ،‬مما أوضحناه الن‪ ،‬فاستطاع ع من حيععن عجععز النسعان عععن تقليععد‬
‫طبع أخيه النسان ع أن يصوغ من عنده كلمال بعيدال عن شوائب بشريته‪ ،‬يفيض بمعاني الربوبيعة‪ ،‬وينشعر‪ ،‬بعل يتقععد بجععبروت اللوهيععة‪ ،‬ليجععل‬
‫بذلك من نفسه ربال للعالمين‪ ،‬ينطق باسمه ويتجلى بمظهره‪ ،‬ويتسما ع من خلل كلمه هذا ع بكل صفاته؟‬
‫إن هذا الفتراض مستحيل بل شك‪ ..‬وأوغعل منعه فعي السعتحالة أن نتصعور أن العوحي أو الكلما اللهعي اصطدما بالسعمات البشعرية والضععف‬
‫النساني‪ ،‬فتصارع الطرفان‪ ،‬فتغلبت الطبيعة البشرية بكل ما فيها من ضععف وعجعز‪ ،‬وتمكنعت معن احتعواء العوحي اللهعي والهيمنعة عليعه فإذا‬
‫هو مستهلك ومتبدد في غمار الطبع النساني‪ .‬إواذا بهذا الطبع هو المتجلى في وحي ال وكلمه‪.‬‬
‫ول شك أن هذا الكلما ينبثق من سمادير غيبية وهمية ل تلمس شيئال من أرض الواقع وحقيقته‪.‬‬
‫فها هو ذا القرآن أمامنا وبين أيعدينا أيعن تجعد فيعه مظهع الر معن مظعاهر الطبيععة البشعرية‪ ،‬وأيعن فيهعا اليعة العتي ل تتعألق بمظهعر أمخعاذ معن جلل‬
‫الربوبية‪.‬‬
‫وعلى الرغما من أن القرآن كله مصداق متكامل لهذا الواقع المشاهد الذي أذكر به وأبه إليه‪ ،‬فل اضععع القعارئ أمعاما أمثلعة ونمعاذج لهعذه الحقيقععة‬
‫الساطعة التي تقف من سمادير هذا الكتاب وأحلمه الغيبية موقف الشرق من الغرب‪ ،‬بل موقف النقيض من النقيض‪.‬‬
‫تأمل في هذه النصوص القرآنية‪ ،‬وتلمس فيها أي مظهر أو رائحة للطبع النساني والهوية البشرةا‪ ،‬ثما قل لي هل تجد فيها شيئال من ذلك‪.‬‬
‫ع)إنني أنا الع ل إلعه إل أنعا فاعبعدني وأقعما الصعلةا لعذكري‪ ،‬إن الساعة آتيعة اكاد أخفيهعا لتجعزى كعل نفس بمعا تسععى‪ ،‬فل يصعدنك عنهعا معن ل‬
‫يؤمن واتبع هواه فتردى( طه‪14 :‬ع ‪.16‬‬
‫ع )ويقععول النسععان أ إذا مععا مععت لسععوف افخععرج حيععا‪ ،‬أول يععذكر النسععان أنععا خلقنععاه مععن قبععل ولععما يععك شععيئلان فوربععك لنحش عرنهما والشععياطين ثععما‬
‫لنحضرنهما حول جهنما جثيا‪ ،‬ثما لننزعن معن كعل شعيعة أيهعما اشعد علعى الرحمعان عتيعلا‪ ،‬ثعما لنحعن اعلما بالعذين هما أولعى بهعا صليلا‪ ،‬إوان منكعما إل‬
‫واردها كل على ربك حتمال مقضيلا‪ ،‬ثما ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا( مريما ‪66‬ع ‪72‬‬
‫ل‪ ،‬إذال لذقنعاك‬
‫ل‪ ،‬ولعول أن ثبتنععاك لقععد كععدت تركععن إليهععما شععيئال قلي ل‬
‫)وان كادوا ليفتنونك عععن الععذي أوحينعا إليععك لتفعتري غيعره‪ ،‬إواذال لتخععذوك خلي ل‬
‫ع إ‬
‫ضعف الحياةا وضعف الممات ثما ل تجد لك علينا نصي لرا‪ ،‬إوان كادوا ليستفزونك من الرض ليخرجوك منها‪ ،‬إواذال ل يلبثون خلفععك إل قليلل ‪،‬‬
‫ل( السراء ‪71:‬ع ‪.77‬‬
‫سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا‪ ،‬ول تجد لسنتنا تحوي ل‬
‫ع )نحن خلقناكما فلول تصدقون‪ ،‬أفرأيتما ما تمنون‪ ،‬أأنتما تخلقونه اما نحن الخالقون‪ ،‬نحن قدرنا بينكععما المععوت ومععا نحعن بمسععبوقين‪ ،‬علعى أن نبععدل‬
‫امثالكما وننشأكما فيما ل تعلمون‪ ،‬ولقد علمتما النشأةا الولى فلول تذكرون‪ ،‬أفرايتما ما تحرثون‪ ،‬أأنتما تزرعونه أما نحن الزارعون‪ ،‬لو نشععاء لجعلنععاه‬
‫حطامعال فظلتععما تفكهععون‪ ،‬إنعا لمغرمععون‪ ،‬بععل نحععن محرومععون‪ ،‬افرأيتععما المععاء الععذي تشعربون‪ ،‬أأنتععما انزلتمععوه مععن المععزن أما نحععن المنزلععون‪ ،‬لعو نشععاء‬
‫جعلناه أجاجال فلول تشكرون( الواقعة‪57:‬ع ‪.70‬‬
‫***‬
‫فتامل في هذه المقاطع من كتاب ال تعالى‪ ،‬ثما قل لي أفتجد ان مثل هذا الكلما مما يمكن لبشر من الناس أن يصطنعه اصطناعال وأن ينطععق‬
‫به تمثيلل أو أن يتحلى به تزوي لرا؟‬
‫أما إن الطبعع لغلب كمعا قلنعا! وليقعما أي فرععون معن الفراعنعة المتعألهين أو المتجعبرين‪ ،‬ثعما ليجعرب أن ينطعق بشعيء معن هعذا الكلما العذي يشعع‬
‫بمعاني الربوبية ويغمعر النفعس بالرهبعة والجلل‪ ،‬فإن لسانه سعيدور في فمعه على غيعر هعدى‪ ،‬وسعيأتي بكلما يكشعف بعضعه زيعف بععض‪ ،‬فيعه‬
‫محاولة التمثيل وليست فيه صنعته‪ ،‬إذ بين الطبيعة البشرية وصفات الربوبية تناقضال بينال يستعصي على أي تصنع أو تمثيل‪.‬‬
‫اجل‪ ،‬إن بشرية النسان وضعفه يمنعانه من أن يقول‪:‬‬
‫)نععبئ عبععادي أنععي أنععا الغفععور الرحيععما وان عععذابي هععو العععذاب الليععما(‪ ،‬أو ان يقععول‪) :‬كععل نفععس ذائقععة المععوت ونبلععوكما بالشععر والخيععر فتنععة إوالينععا‬
‫ترجعون( ‪ ،‬أو أن يقول‪ ):‬إوان من شيء إل عندنا خزائنه وما ننزله إل بقدر معلوما(‬
‫ومهما حاول أي معن الجبابرةا البشعر أن يقعول شعيئال معن هعذا الكلما‪ ،‬فسعيلتوي عليعه لسعانه ويتععثر بضععفه ومخلعوقيته‪ ،‬ثعما لعن ينجعح فعي النطعق‬
‫بمثل هذا الكلما‪.‬‬
‫ومع ذلك فإن رئيس قسما الفلسفة‪ ،‬يقول‪ ،‬في غيبوبية عجيبة عن هذه الحقيقعة الماثلعة للعيعان‪ :‬إن العوحي اللهعي إذا انسعكب في كيعان النسعان‬
‫فقد بذلك ذاتيته واستهلكته الطبيعة البشرية‪.‬‬
‫إنني على يقين أن الرجل في ذهنه هذا التصور ويقول هذا الكلما‪ ،‬دون أن تكون له أي معرفعة مباشعرةا بعالقرآن‪ ،‬ودون أن يبحعث ععن مصعداق‬
‫تصوره هذا بالنظر في شيء من آياته‪ .‬إوانما يتبنى هذا القرار افتراضلا‪ .‬ويستسلما له استسلمال غيبيال عن أدلة المنطق والعلما‪.‬‬
‫إذ إنه لو ععرف القعرآن معن خلل قراءتعه أو قعراءةا بععض معن آيعاته لوقعف علعى مثعل هعذه المقعاطع العتي عرضعناها‪ ،‬إذن لوقعف على نقيعض معا‬
‫يتصوره ويحكما به من خلل قرار غيبي مجرد‪.‬‬
‫كيف يتصور أن بشرية محمد عليه الصلةا والسلما استهلكت ذاتية الوحي الرباني‪ ،‬من يقف بشعيء معن التععدبر علعى قعول الع ععز وجعل‪):‬ولععو‬
‫تقول علينا بععض القاويعل لخعذنا منعه بعاليمين‪ ،‬ثعما لقطعنعا منعه العوتين‪ ،‬فمعا منكعما معن أحعد عنعه حاجزين( الحاقعة ‪44‬ع ‪ 47‬أو علعى قعوله ععز‬
‫وجل‪) :‬إنا نحن نحي ونميت إوالينا المصير ‪ ،‬يوما تشعقق الرض غيععر الرض عنهععما سعراعال ذلعك حشعر علينععا يسعير ‪ ،‬نحعن أعلعما بمععا يقولعون‪،‬‬
‫وما أنت عليهما بجبار‪ ،‬فذكر بالقرآن من يخاف وعيد( ق ‪43‬ع ‪.45‬‬
‫ومع ذلك كله‪ ،‬فليس العجيب هذا‪.‬‬
‫إنما العجيب حقال أن يتهمنا هذا الرجل باليمعان التسعليمي العذي يقفز فعوق النظعر والمناقشعة‪ ،‬وهعاهو ذا غارق إلعى حعد الختنعاق في تصعوراته‬
‫الوهمية الغيبية التسليمية‪ ،‬دون الوقوف لحظة واحدةا على أرض الواقع‪.‬‬
‫العجيب حقال ان يتهمنا بعدما النضباط بالمنهج و)المنطق الدقيق( وها هو ذا يعانق أحلمال غيبية مجنحة‪ ،‬ثما يتخذ منها قع ار الر إيمانيعال يععدين بععه‬
‫ويجادل عنه‪ ،‬دون أن يضبط نفسه بشيء من ميزان المنطق الدقيق الذي دفنه حتى الموت تحت قدميه‪.‬‬

‫ةأخيِ ارد‬
‫سبيِدلَ الةحقيِقة؟‬
‫سةفة في ة‬
‫صةنةعت الةفلَ ة‬
‫ةماةذا ة‬
‫يختتما أستاذ الفلسفة ورئيس قسمها افكاره الضبابية هذه‪ ،‬بعرض ما يتصوره تناقضال بين‬
‫)شكليات( الحكاما الدينية وجزئياتهعا معن جانب‪ ،‬والنظعرةا الشعمولية العتي يجب النطلق منهعا والعتركيز عليهعا بالنسعبة إلعى المجتمعع النسعاني‬
‫من جانب آخر‪.‬‬
‫فالسلما )في احكامه التي يتحمس لها الجيل المتدين اليوما‪ ،‬شكليات من الممارسات الميتة والقيود الجزئية التي ل تستطيع أن تقاوما شيئال من‬
‫تحديات العصر ومشاكله السياسية والجتماعية والقتصادية(‪ .[6]6‬ما الحل إذن؟‬
‫الحل )ان يخضع الدين ع من حيث هو ع للتنظير الفلسفي وأن يسير في ركاب الفلسفة وطبق ما تخطه له وترشده إليه(!‬
‫أكذلك أيها الرجل؟!‬
‫أو تتمتع الفلسفة بكل هذه الخصائص التوجيهية والصلحية ونحن ل ندري؟!‬
‫إذن فما لها ل تقف في وجه التحديات العصرية؟‬
‫وما لها ل تقضي بمنهجيتها الرشيدةا على ما نعانيه من مشكلت سياسية واجتماعية واقتصادية؟ وما لها ل تأخذ بأيدي قادةا هذه الم ارفععق إلععى‬
‫حيث الفوز والتقدما والمان؟‬
‫بعل مالهعا لعما تؤلععف ع قبعل هععذا كلععه ع بيعن قلععوب أهلهععا وعلمائهعا‪ ،‬ولعما تجمععع عقععولهما بمنهجيتهعا و)منطقهعا العدقيق( علعى صعراط فكعري وسعلوكي‬
‫واحد‪ ،‬وليكن هذا الصراط عريضال بالقدر الذي يشاؤه السائرون عليه والمجتمعون من حوله‪.‬‬
‫ما هي الفلسفة؟ وما هي حصيلتها الفكرية والواقعية‪ ،‬على صعيد المجتمعات النسانية قديمها وحديثها؟‬
‫إننا لما نرها في أي من العصور أكثر من طريقة متميعزةا في المحاكما والفكريعة وتبنعى المواقعف والتصعورات العتي يفضعلها أصعحابها‪ ،‬أيا كعانت‪،‬‬
‫كل يتخذ منها ع أي الفلسفة ع مطية ذلولل لبلوغ الرأي الذي يتبناه ويدعيه‪.‬‬
‫الوجوديون‪ ،‬يسمون أنفسعهما فلسفة‪ ،‬ويحملعون لنفسعهما وللنعاس تصعورات عجيبعة ل يؤيعدهما فيهعا أحعد معن غيرهعما‪ ،‬ويحصعنون تصعوراتهما هعذه‬
‫باللفاظ والمصطلحات الفلسفية ذاتها‪.‬‬
‫والمثاليون‪ ،‬يسمون أنفسهما أيضال فلسفة‪ .‬ويسعتعملون فعي التععبير ععن معذهبه معن بعل معذهبهما‪ ،‬العتي ينكرهعا عليهعما رئيعس قسما الفلسفة‪ ،‬اللغعة‬
‫والعبارات الفلسفية ذاتها‪.‬‬
‫والماديون الجدليون‪ ،‬يعدونهما أيضال أنفسهما فلسفة‪ ،‬ويستعملون لنشر أفكارهما والدعوةا إليها الطر والتعابير الفلسفية ذاتها‪.‬‬
‫والسفسعطائيون‪ ،‬والدريععون‪ ،‬هعما الخععرون معن العائلععة الفلسعفية‪ ،‬ول يععترجمون هرطقتهععما‪ ،‬ول يعععبرون ععن أخيلتهعما وأوهعامهما إل باللغعة الفلسعفية‬
‫ذاتها‪.‬‬
‫فاين هو ع في غمار هذه التناقضات المتماوجة ع ذلك المنهج المنطقعي العظيعما العذي تتمتعع بعه الفلسعفة؟ وهل اسععتعانت أو اسعتعان تلمععذتها بععه‬
‫في جمع هذه المذاهب المتدابرةا بل المتناحرةا على قاسما مشترك إن لما يمكن جمعها على صراط كلي واحد؟‬
‫على الفلسفة‪ ،‬قبل كل شيء‪ ،‬أن تلما شعث افكارها وأن تجمع أشتات رعاياها وعائلتهععا مععن أوديتهععما السععحيقة المتخاصععمة المتقاطعععة‪ .‬فععإن هععي‬
‫فرغت من ذلك‪ ،‬وأفحت في إخضاع اهلها للحقيقة العلمية الراسخة طبق منهجها المنطقي الدقيق‪ ،‬آن لها عندئذ أن تلتفت إلى الععدين‪ ،‬أي إلععى‬
‫السلما‪ ،‬لتتولى القياما بتوجيهه إوارشاده‪ ،‬ولتهديه إلى سواء الصراط المستقيما‪.‬‬
‫إننا ما عرفنا الفلسفة‪ ،‬إلى هذا اليوما‪ ،‬إل معاناةا فكرية مخفقة على طريق البحث عن كنه الوجود وأس ارره‪.‬‬
‫ويقيننععا أن هععذه المعانععاةا سععتظل مخفقععة‪ ،‬وسععتظل تععورث أهلهععا شععيئال واحععدلا‪ ،‬هععو الحيععرةا والضععطراب والضععياع‪ ،‬مععادامت تحععاول اسععتخراج تلععك‬
‫السرار الكونية بأداةا واحدةا‪ ،‬هي هذا الفكر الذي يتمتع به النسان‪ ،‬على مععا فيعه معن ضععف فعي الععذات ومحدوديععة فعي السعاحة العتي يملععك ان‬
‫يتحرك فيها‪.‬‬

‫‪ [6]6‬من نص صاحب القال‪.‬ن‬


‫فععإذا هععديت الفلسععفة ع ع بهدايععة أهلهععا طبع عال ع ع إلععى أن اس عرار الوجععود ل يمكععن أن تسععتجلي علععى حقيقتهععا إل بتعععاون ص عريح المعقععول العلمععي مععع‬
‫صععحيح المنقععول الخععبري‪ ،‬فإنهععا تسععتطيع عندئععذ أن تنتهععي مععن سعععيها ومعاناتهععا إلععى غايععة مفيععدةا‪ ،‬وأن تصععل إلععى الكععثير المسعععد مععن حقععائق‬
‫الوجود وأس ارره‪.‬‬
‫وليععس صععحيح المنقععول‪ ،‬هنععا‪ ،‬إل مععا ورد مععن صععانع الكععون ذاتععه‪ ،‬سععبحانه وتعععالى‪ ،‬طبععق منهععج علمععي معععروف ومععدروس‪ .‬علععما ذلععك مععن علععما‬
‫وجهله من جهله من جهل وستكشف الغواشي كلها عما قريب‪.‬‬
‫إوال‪ ،‬فمععا اطععول ضععللة مععن يععتيه داخععل نفععق مظلععما‪ ،‬مسععتغنيال عععن النععور المتكععافئ الععذي لبععد أن يععدعما نععور عينيععه‪ ،‬مكتفيعال بتحععديق عينيععه فععي‬
‫الظلمات المحيطة به‪ ،‬مدعيال أنه يملك من حدةا البصر ما يغنيه عن ضياء الشمس المشرقة أو المصباح المنير‪..‬‬
‫***‬
‫ل‪ :‬لعك ان تتخعذ معن الفلسعفة‪ ،‬والفلسعفة وحعدها‪ ،‬رفيعق رحلتعك هعذه العتي تقطعهعا في فجاج‬
‫بقي ان أهمس في اذن اخعي رئيعس قسعما الفلسعفة قائ ل‬
‫الحياةا‪ .‬ولكن ل تنس أن عليك أن تطمئن وتتأكد أن الفلسفة من جانبها وفية معك في هذه الرحلة‪ ،‬وأنها لن تتخلى عنك في سعاعة معن أخطعر‬
‫الساعات التي أنت على موعد معها‪.‬‬
‫إنك لتعلما أن من شروط المرافقة الوفاء والثبات‪.‬‬
‫ل‪.‬‬
‫وما أظن إل أن فلسفتك هذه متخلية عنك عما قريب‪ ،‬إن لما تكن قد تخلت عنك الن فع ل‬
‫ولعلك تكون قد صحوت الن إلى الحقيقة‪ ،‬وتعرفت على الرفيق الذي لن يتخلى عنك حتى في أحلك الظروف التي قد تمر بك‪.‬‬
‫ولك مني عندئذ التهنئة القلبية الخالصة‪.‬‬
‫والحمد ل الذي بنعمته تتما الصالحات‪.‬‬

You might also like