You are on page 1of 132

‫‪1‬‬ ‫أميرة ضيف للاه ه‬

‫الحياة لمن يستحق‬


‫الحياة ملن يستحق‬ ‫‪2‬‬

‫مممممممممم ح‬ ‫مممممممممم‬ ‫ا حيمممممممممم‬ ‫اسممممممممممم ا ممممممممممم‬


‫تن يمممممممممممممممممممممم م اتيمممممممممممممممممممممم م‬ ‫مممممممممممم‬ ‫ا‬ ‫نمممممممممممم‬
‫ال‬ ‫مممممممممممممممممممي‬ ‫أميممممممممممممممممممم‬ ‫ا ممأ يمممممممممممممممممممممممممممم‬
‫م سمم اس اد م سمم اس‬ ‫د ممم ا‬ ‫سم‬ ‫م اج م م إخم م ان ‪:‬نم م‬
‫‪2021/ 28231‬‬ ‫رقمممممممممم م ا ممممممممممممما‬
‫‪978-977-835-274-0‬‬ ‫ا رتقمممممممممي ا مممممممممم‬
‫لنش ا ز ع‬ ‫دار زح ُك َّ‬ ‫ا ن شمممممممممممممممممممممممممممممممم‬
‫النم – مص ا جم م – مص‬ ‫ق–م لا‬ ‫‪ 15‬ش ا‬

‫‪Facebook‬‬ ‫دار زحمة كتاب للنشر‬


‫‪Email‬‬ ‫‪za7ma-kotab@gmail.com‬‬
‫‪Tel‬‬ ‫‪002 01205100596‬‬
‫‪002 01100662595‬‬
‫مجيع حقوق الطبع والنرش حمفوظة ©‬
‫لدار زمحة كتاب للنرش‬

‫ال يحق ألي جهة طبع أو نسخ أو بيع هذه المادة بأي شكل‬
‫من األشكال ومن يفعل ذلك يعرض نفسه للمساءلة القانونية‬
‫‪3‬‬ ‫أميرة ضيف للاه ه‬

‫كُتبُيفُاحلجرُالصحي ُ‬

‫كتاب ل‬
‫الحياة ملن يستحق‬ ‫‪4‬‬

‫لك َ‬
‫ُمَكن‪ُ،‬احل َياةُ ْموجودَةُُ ييفُ‬ ‫احل َياةُيهُالْحياةُيفُ ِّ‬
‫عاملُاخلاريج‪ُ .‬‬
‫ّ‬ ‫سُيفُالْ‬
‫دَاخلناُوليْ ي‬

‫"دوس تويفسيك" ُ‬
‫‪5‬‬ ‫أميرة ضيف للاه ه‬

‫اإلهداء‬

‫أمتىنُيلُ ُولمكُحياةُحقيقيّةُتنبعُمنُالروحُُ ُوتنبثقُ‬


‫تيمتُمنُقوةُ‬
‫ّ‬ ‫للخارج‪ُ،‬تقبلونُعلهياُبلكُماُأو‬
‫ُوحبُُ ُوأمل‪ُ .ُ.‬‬
‫ُ‬
‫ُالُيكفُأنُنعيش‪ُ ،‬‬
‫ُبلُُالُبدُأنُنس تحقُهذهُاحلياة ُ‪ُ ،‬‬
‫ُُالهديّةُالرابنيةُاليتُوهبناُإايهاُاخلالقُالعظميُ‪ُ .‬‬
‫ُ‬
‫معُح ّّب‪ُ،‬أمريةُضيفُهللا ُ‬
‫الحياة ملن يستحق‬ ‫‪6‬‬
‫‪7‬‬ ‫أميرة ضيف للاه ه‬

‫تقديم الصحفي والكاتب التونسي‪.‬‬

‫حممد علي خليفة‬


‫ُ‬ ‫ّ‬
‫هذه النصوص كتبت يف زمن مخصوص وضمن سياق‬
‫ى‬
‫فالتق فيها‬ ‫استثنائ ال لكاتبتها فحسب بل لإلنسانية جمعاء‪،‬‬
‫ي‬
‫ُ‬
‫بالموضوع وانسكبت عصارة تجارب عاشتها الكاتبة أو‬ ‫ى‬
‫الذائ‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫استلهمتها من وقائع عاشتها شخصيات ذات عالقة بها من قريب‬
‫أو من بعيد‪.‬‬
‫ه نصوص فيها روح من شخصية الكاتبة ومنهجها وأسلوب ها‬ ‫ي‬
‫الت‬ ‫ف الكتابة وف الحياة‪ ،‬نصوص قائمة عىل جملة من الثنائيات ى‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫بها تستقيم الحياة ويكتمل معناها‪ ،‬بي االنتصار واالنكسار‪،‬‬
‫التفاؤل والتشاؤم‪ ،‬الفرح والحزن‪ ،‬العطاء واالمتناع‪ ،‬االمتنان‬
‫ّ‬
‫وف إدارة األزمات‪ ،‬خاصة أنها‬ ‫ه دروس يف الحياة ي‬ ‫ُوالجحود‪ ...‬ي‬
‫كتبت يف زمن دفع فيه فيوس "كورونا" الناس إىل إعادة النظر يف‬
‫كثي من المفاهيم والسلوكيات وإىل مراجعة كثي من القيم والنعم‬
‫الت ال يستشعرها المرء إال بفقدها‪.‬‬ ‫ى‬
‫ي‬
‫ف هذه الورقات يجد القارئ ر‬
‫كثيا من اإليجابية المبثوثة هنا‬ ‫ي‬
‫الت‬ ‫ى‬ ‫ى‬ ‫ر‬
‫وهناك‪ ،‬وكثيا من الفوائد المستخلصة حت من تلك األشياء ي‬
‫تبدو للوهلة األوىل مغرقة يف السلبية‪ ،‬فيها يجد المرء ضالته‪ ،‬كيف‬
‫الحياة ملن يستحق‬ ‫‪8‬‬

‫ى‬
‫الت تطبع حياته بال‬
‫يحقق توازنه ويتعاىط مع هذه المتناقضات ّ ي‬
‫يحول الجراح إىل محفزات لالنطالق من‬‫إفراط وال تفريط‪ ،‬وكيف ّ‬
‫ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫قادرا عىل الحكم عىل األشياء‬ ‫جديد وكيف يكون إنسانا عميقا‬
‫ر‬
‫ه ال تخلو من دعوات للحب‪،‬‬ ‫ي‬ ‫بعيدا عن السطحية المقيتة‪ ،‬بل‬
‫ألن ّ‬‫ّ‬ ‫ّ‬
‫حب الذات رشط‬ ‫حب الذات أوال بكل تفاصيلها ومتناقضاتها‬
‫ّ‬
‫لحب اآلخرين ومحفز لتصدير هذا الحب نحو المحيط الذي‬
‫نعيش فيه‪.‬‬
‫هو كتاب يدفعك إىل البحث عن طريق السعادة وسلوك‬
‫ه يف غاية البساطة‪،‬‬ ‫ى‬
‫الت ال تبدو وعرة وال عسية بل ي‬ ‫مسالكه ي‬
‫كلحظة انتصار بعد ظلم أو لحظة لقاء بعد فراق‪ ،‬أو لحظة العودة‬
‫إىل الحياة بعد يأس او اشتداد أزمة‪ ،‬ولحظة تحقيق أمنية طال‬
‫جدا تخلق تلك السعادة‪.‬‬‫ًّ‬
‫انتظارها‪ ...‬تفاصيل بسيطة‬
‫حب وأمل تلقيها أمية ضيف‬‫هذه النصوص ف مجملها بذرات ّ‬
‫ي‬
‫هللا يف حقول قاحلة ودعوات لألمل تلقيها يف قلوب يائسة ونفوس‬
‫أنهكتها الحياة‪.‬‬

‫أ‪ .‬محمد ي‬
‫عىل خليفة‬
‫التونس‬
‫ي‬ ‫الصحق والكاتب‬
‫ي‬
‫مدير ورئيس تحرير جريدة ر‬
‫الشوق التونسية‪ ،‬فرع سوسة‬
‫*****‬
‫‪9‬‬ ‫أميرة ضيف للاه ه‬

‫( ‪)1‬‬

‫البعض يراها النهاية‪،‬‬

‫لكنها البداية‬

‫مارس ‪٢٠٢٠‬‬
‫الحياة ملن يستحق‬ ‫‪10‬‬

‫ليسُلكُسقوطُهناية‪ُ ُ،‬‬
‫فسقوطُاملطرُأمجلُُبداي ُة‬
‫غاندي‬
‫‪11‬‬ ‫أميرة ضيف للاه ه‬

‫شء‬ ‫ر‬
‫حولك‪ ،‬كل ي‬ ‫ُ‬
‫يحدث أحيانا أن تحس أن العالم يسقط من‬
‫ينهار فجأة دون سابق إنذار‪ ،‬قطرة واحدة قادرة أن تفيض الكأس‪،‬‬
‫ه‬ ‫كأس مملوءة بتجارب سابقة خلت أنك نسيتها لكن يف الواقع ي‬
‫المشوشة‪ ،‬ولم تمح بعد‪ ..‬كأس نصفها جروح‬ ‫ّ‬ ‫هنا‪ ،‬يف ذاكرتك‬
‫ّ‬ ‫ونصفها اآلخر خيبات وحشة‪ ..‬و ّ‬
‫يخيل إليك حينها أن حياتك فخ‬
‫وقعت فيه و ُح ِسم األمر وبقدر ما تنفر من ذلك الفخ وتنقم عليه‪،‬‬
‫تخس الموت‬ ‫ر‬ ‫تخس الفرار منه‪ ..‬أي أنك‬ ‫ر‬ ‫بقدر ما تكتشف أنك‬
‫قبل أن تكتشف "الحياة"‪.‬‬
‫كلنا راحلون‪ ،‬حادث طريق‪ ،‬سكتة قلبية‪ ،‬مرض ُمزمن‪ ،‬أو‬
‫ّ‬
‫فيوس‪ ..‬النهاية واحدة وكلنا نجهل كيف ستكون‪ ،‬ال أحد يعرف‬
‫الت نملكها‬ ‫ى‬ ‫ى‬
‫تنته حياته‪ ،‬لكن الحقيقة الوحيدة ي‬ ‫ي‬ ‫مت وكيف وأين‬
‫الت تتساقط فيها جثث‬ ‫ى‬
‫اآلن و يف هذه اللحظة الراهنة‪ ،‬اللحظة ي‬
‫الت يسكن‬ ‫ى‬
‫من كل مكان يف العالم بسبب فيوس لعي‪ ،‬اللحظة ي‬
‫تامة‪،‬‬‫الصغار والكبار بسهولة ّ‬ ‫فيها الموت غرف الماليي ويخطف ّ‬
‫سابقا‪ ،‬تختلف ر‬ ‫ر‬ ‫ى‬
‫كثيا عن الحياة‬ ‫الت نخاف فقدانها‬ ‫ه أن الحياة ي‬ ‫ي‬
‫نخس فقدانها اآلن‪.‬‬ ‫الت ر‬ ‫ى‬
‫ي‬
‫ُ‬
‫بأحبتنا وعائالتنا‪ .‬صور‬ ‫ّ‬
‫هذا الخوف ال يرتبط بنا بقدر ما يرتبط ِ‬
‫مخيلتنا‪ ،‬نرى ُجثث أحبابنا تتساقط الواحدة تلو‬ ‫ّ‬ ‫تمر يف‬ ‫ّ‬
‫مأساوية ّ‬
‫نتخيل أننا مرض ونقلنا العدوى ألمهاتنا أو آبائنا‬ ‫ّ‬ ‫األخرى‪،‬‬
‫ّ‬
‫وفقدناهم لألبد‪ .‬نخاف أن نفقدهم مبكرا‪ ،‬نحن الذين اعتقدنا أننا‬
‫نعي لهم عن ّ‬ ‫سعا من الوقت ك ّ‬ ‫مت ر‬ ‫ّ‬
‫محبتنا وشكرنا‪ ،‬يك‬ ‫ي ّ‬ ‫ما زلنا نملك‬
‫ُ‬
‫مما قدموه لنا‪ ،‬ك نرعاهم ونساعدهم ونح ّبهم ر‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫نرد القليل ّ‬
‫أكي‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ي‬
‫الحياة ملن يستحق‬ ‫‪12‬‬

‫جي ردا أننا كلنا راحلون‪ ،‬لكن من الصعب علينا أن ّ‬


‫نتقبل‬ ‫نعلم ّ‬
‫أننا راحلون بهذه الطريقة العنيفة والصادمة‪.‬‬
‫قلم وأخط هذه الكلمات‪ ،‬كنت‬ ‫ي‬ ‫لحظات قبل أن أمسك‬
‫أتحدث مع صديق يىل أو باألحرى كنت أحاول طمأنته والرفع من‬
‫معنوياته‪ ..‬بعد أسبوع فقط من إعالن حظر التجول والدخول يف‬
‫صح شامل‪ ،‬انتابته شكوك كثية حول المستقبل وصار‬ ‫حجر ّ‬
‫ّ‬ ‫ي‬
‫سجي التفكي المفرط‪ .‬اختلط القلق بالخوف‪ ،‬والهلع بالتوتر‪ ،‬و يف‬
‫الواقع وصل لمرحلة متقدمة من اليأس واإلحباط بسبب ما يحدث‬
‫لنا بالرغم من أن أغلب سكان األرض يعيشون نفس الوضع‬
‫سينته يف األشهر القليلة‬‫ي‬ ‫والحالة‪ .‬هو عىل قناعة تامة أن العالم‬
‫ّ‬
‫يقض عىل الجميع وأنه لن ىييوج‬ ‫القادمة‪ ،‬وأن فيوس كورونا س‬
‫ي‬
‫سيفلس بعد كل‬ ‫ولن ينجب ولن يسافر وقبل كل رشء‪ ،‬يعتقد أنه ُ‬
‫ي‬
‫مشوعه الخاص‪ .‬الغريب يف األمر‪ ،‬أن‬ ‫ما بذله من ُجهد لبعث ر‬
‫ديسمي ‪ ٢٠١٩‬كان يعتقد أن هللا أرسل الفيوس‬ ‫صديق هذا‪ ،‬يف‬ ‫ى‬
‫ّ‬ ‫ي‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫للصي ليعاقب ُسكانها عىل كفرهم وغرورهم‪ .‬ها هو اليوم ُيواجه‬
‫ُ‬
‫األزمة نفسها وربما بمشاعر أسوأ وأثقل‪ :‬دول العالم الثالث ال‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫إمكانيات كافية لمجابهة الفيوس مقارنة بالدول المتقدمة‪،‬‬ ‫تملك‬
‫ى‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫تحم مواطنيها‪ ،‬وكأنها حرب ضد‬ ‫ضح بالكثي حت ّ ي‬ ‫ويحتمل أن ت ي‬
‫إضاف‬
‫ي‬ ‫عدو رشس وخسارتها جائزة‪ ،‬إال إذا رحمنا هللا‪ .‬هذا سبب‬
‫صديق عىل الحال الذي صار عليه‪.‬‬ ‫ى‬ ‫يجعل‬
‫ي‬
‫ّ‬
‫كلما تكلمنا عن الكورونا‪ ،‬إال وانطلق يف سباق المقارنات‪ :‬قبل‪،‬‬
‫ر ّ ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫سوءا كلما اطلع‬ ‫نفسية رثة تزداد‬ ‫سوداوية وحالة‬ ‫اآلن وبعد‪ ..‬نظرة‬
‫‪13‬‬ ‫أميرة ضيف للاه ه‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الوفيات وعدد المستشفيات ال ى يت أصبحت غي قادرة‬ ‫عىل أرقام‬
‫ّ‬
‫عىل استيعاب المرض‪ ،‬والعدد الهائل للمعوزين الذين وجدوا‬
‫خي يف ظل األزمة‬
‫حت رغيف ّ‬ ‫أنفسهم ف الشارع فجأة ال يملكون ى‬
‫ي‬
‫االقتصادية‪.‬‬
‫تجعلت بعد كل مكالمة‪،‬‬
‫ي‬ ‫حاىل والسابق‪،‬‬
‫الوضع ال ي‬ ‫المقارنة بي‬
‫ً‬ ‫ًّ‬
‫نفس‪" :‬هل حقا عالم "ما قبل الكورونا" كان جميل؟"‪.‬‬
‫ي‬ ‫أسأل‬
‫أظن أن الحشة عىل ما مض والحني للتفاصيل اليومية‬
‫العادية‪ ،‬ه السبب الرئيس لالتفاق عىل الرغبة ف العودة ّ‬
‫أليام ما‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫قبل الكورونا يف إطار أن "من كان يف نعمة ولم يشكر‪ ،‬خرج منها‬
‫ولم يشعر"‪ ..‬ولكن‪ِ ،‬لنتكلم بحيادية وعقالنية وموضوعية‪ ،‬عالمنا‬
‫القديم‪ ،‬كان يعجبك؟ تقبلته كما هو؟ حاولت الحفاظ عىل ثرواته‬
‫ى ر‬ ‫وخياته؟ ّ‬
‫معيفا باألساس‬ ‫طيب‪ ،‬ماذا قدمت له؟ هذا‪ ،‬إن كنت‬
‫قدمت إليك الكثي ونكرت الجميل‪..‬‬‫ّ‬
‫بأنه‬

‫ّ‬
‫أفكر فيه يوميا ف ى‬
‫الصح‪ ،‬يف الوقت‬
‫ي‬ ‫الحجر‬ ‫ة‬‫في‬ ‫ي‬ ‫هذا ما كنت‬
‫يتذمر فيه الجميع من الحد من حريته ويتساءل الكثيون‬ ‫ّ‬ ‫الذي‬
‫يعائ من الخوف‬ ‫بحية مخيفة عن مستقبلهم المجهول والكل‬ ‫ر‬
‫ي‬
‫والقلق من الموت بفيوس أو من نقل العدوى لعائالتهم‪ .‬لكن‬
‫كيف أن كل هؤالء لم يفطنوا لحقيقة واحدة بسيطة‪ :‬رغم بشاعة‬
‫ّ‬
‫هذه األيام ونقمة الجميع عليها‪ ،‬إال أن العالم أجمع بعد سنوات‬
‫قطيعة وحروب ورصاع من أجل البقاء‪ ،‬أصبح "واحدا"‪.‬‬
‫الحياة ملن يستحق‬ ‫‪14‬‬

‫نعم! كورونا منحتنا الشعور بالعدل‪ ،‬العدل يف تقاسم نفس‬


‫المشاعر ونفس الخوف ونفس الوجع ونفس المرض‪ ..‬للمرة‬
‫ّ‬
‫األوىل‪ ،‬ال نتحدث عن جنس‪ ،‬طائفة‪ ،‬شعب أو دولة‪ ،‬بل نتحدث‬
‫ّ‬
‫الوفيات والعجز والنجاة‪.‬‬ ‫عن عدد المصابي وعدد‬
‫ال فرق بيننا‪ ،‬دول فقية ودول غنية‪ ،‬بلدان العالم الثالث‬
‫ّ‬
‫والدول المتقدمة‪ ..‬كلنا سواسية‪ :‬بتطورنا‪ ،‬بتخلفنا‪ ،‬بجهلنا‬
‫وبمعرفتنا‪ ،‬بثقافاتنا وعاداتنا‪ ،‬بقوتنا وبضعفنا‪ ..‬رؤساء ومشاهي‬
‫وفناني وشيوخ وأطفال‪ ،‬كلنا معزولون عن الخارج‪ ،‬قابعون يف‬
‫ُ‬ ‫كلنا‪ ،‬نأمل أن يتنفس ّ‬ ‫ّ‬
‫الغ ّمة‪.‬‬ ‫الصبح وتياح‬ ‫بيوتنا‪ ،‬ننتظر الفرج ‪..‬‬
‫ُّ‬
‫نعائ من األلم ذاته‪ ،‬وكأن هللا‬ ‫ُ ي‬ ‫و‬ ‫الضعف‬ ‫نفس‬ ‫نتشارك‬ ‫نا‬ ‫ل‬ ‫ك‬
‫ُ‬
‫يعيدنا ألصل الخلق‪ :‬ال فرق بيننا‪ ،‬خ ِلقنا من نطفة‪ ،‬جئنا من رحم‬
‫أمهاتنا عىل اختالفاتنا لنتعايش مع بعض يف هذه األرض الواسعة‪..‬‬
‫ّ‬
‫سخر هللا لنا كل ما نحتاجه لتعمي أرضه‪ ،‬لتحسي العالم‪ ،‬لالرتقاء‬
‫لنش الحب والسالم‪.‬‬ ‫بالعقول‪ ،‬لطلب العلم‪ ،‬ر‬
‫ُ‬
‫خلق هللا لغات وجنسيات وألوان‪ .‬خلق الجبال والبحار‬
‫تحمله من كنوز‪.‬‬ ‫الطبيعة وما ر‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫واألنهار ووهبنا الطبيعة‪ ،‬وما أدراك ما‬
‫ّ‬
‫ولكن‪ ،‬ماذا فعل اإلنسان؟ ماذا قدم للكون وكيف كانت حياته‬
‫قبل الكورونا؟‬
‫حت‬‫التلوث واألوساخ ى‬ ‫ّ‬ ‫عىل مدار سنوات عانت األرض من‬
‫ُ‬
‫ِاختنقت‪ .‬ماليي األشخاص يف كل أنحاء العالم‪ ،‬يلقون نفاياتهم يف‬
‫اض والجبال ويعبثون باألشجار‪.‬‬ ‫األنهار والبحار‪ .‬يحرقون األر ي‬
‫‪15‬‬ ‫أميرة ضيف للاه ه‬

‫يعذبون الحيوان‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬


‫يلوثون الهواء والفضاء‪ ،‬دخان السيارات‬
‫يأئ عىل األخض واليابس‪.‬‬ ‫ى‬
‫والمصانع يخنق الجميع و ي‬
‫كثيا‪ ..‬نركض وراء كل‬ ‫أما نحن فعانينا من غينا‪ ،‬وظلمنا أنفسنا ر‬
‫شء‪ ،‬نتسابق من سيصل األول‪ ،‬نصارع من أجل البقاء‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫ّ‬ ‫شء وال ي‬ ‫ي‬
‫الكية مفاهيم‬ ‫حت القلة أو ر‬ ‫نبحث عن الكثي وال نرض بالقليل و ى‬
‫بالبش‪ ،‬جنسيات مختلفة‬ ‫ر‬ ‫أصبحت نسبية نوعا رما‪ .‬العالم يعج‬
‫عدة وأعمار متفاوتة‪ .‬خلقنا هللا ك نتعايش و ّ‬ ‫ّ‬
‫نتقبل‬ ‫ي‬ ‫وديانات‬
‫ى‬ ‫ُ‬
‫اختالفاتنا لكن الخلق لم ييك للخالق بل نبذنا غينا ورفضناه‬
‫ّ‬
‫وهاجمناه‪ .‬الكون مسخر لنا بحكمة وبتنظيم دقيق من خالق‬
‫ُ ّ‬ ‫ّ‬ ‫قليل ما ّ‬‫ً‬
‫كمسلمات‬ ‫نتمعن يف جماله ونتعامل مع النعم‬ ‫عظيم لكننا‬
‫حت بتنا ال نراها بعي القلب وال نحمد هللا عليها بل‬ ‫وبديهيات ى‬
‫نمل منها أحيانا‪ :‬العائلة‪ ،‬البيت‪ ،‬الشغل‪ ،‬األكل‪ ،‬الماء‪ ،‬الطبيعة‪،‬‬ ‫ّ‬
‫الحرية وقبل كل هذا الصحة‪.‬‬
‫الت وجدنا فيها أنفسنا بي أربعة حيطان‬ ‫ى‬ ‫ى‬
‫اليوم‪ ،‬يف الفية ي‬
‫بفية‬‫ذنبا ما و ُحكمنا ى‬
‫اقيفنا ر‬ ‫و ُمنعنا من الخروج والدخول‪ ،‬ال ألننا ى‬
‫ِ‬
‫سجن بل ألننا إذا خرجنا واستنشقنا الهواء يف الخارج أو صافحنا‬
‫غينا‪ ،‬نموت‪.‬‬
‫فيوس ال تكاد تراه بالعي المجردة‪ ،‬ظهر يف الصي ّأوال وخلناه‬
‫ّ‬ ‫ى‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ر‬
‫الت نخاف فقدها اليوم لكنه‬ ‫بعيدا كل البعد عنا‪ ،‬أوقف الحياة ي‬
‫فقيا‪ ،‬ال يهم من‬‫غنيا أو ر‬ ‫وحد العالم أجمع‪ .‬اليوم‪ ،‬ال يهم أن تكون ّ‬ ‫ّ‬
‫ه‬
‫أين تأت وابن من تكون‪ ،‬ال يهم أي نوع جواز سفر تملك وما ي‬
‫وظيفتك أو كم من المال جمعت‪.‬‬
‫الحياة ملن يستحق‬ ‫‪16‬‬

‫وسائل اإلعالم تبث يف نفس المحتوى‪ :‬أعداد المرض‬


‫ى‬
‫الموئ‪.‬‬ ‫وحصيلة‬
‫ونحن؟‬
‫نخاف أن نموت ولم نعرف‬‫ُ‬ ‫خائفون من النهاية‪ .‬يف الحقيقة‪،‬‬
‫للحياة معت‪ .‬أجل‪ ،‬كانت لدينا حياة بال معت بال نكهة‪ ..‬نأكل وال‬
‫نمض رب ع ساعة يف التقاط صور للطبق من‬ ‫ي‬ ‫نتلذذ أكلة شهية بل‬
‫ر‬
‫زوايا مختلفة‪ .‬ال نتمعن يف تفاصيل وجوهنا يف المرآة صباحا بل‬
‫نشع يف الخروج مزعجي من بداية يوم ممل حكمنا مسبقا إنه‬
‫نتصل بأقرب أحبابنا ألننا ضمننا وجودهم‬ ‫كارثيا‪ .‬ال ّ‬
‫ًّ‬ ‫سيكون‬
‫ورضاهم عنا وألننا نعتقد أنه لدينا الكثي من الوقت يك نتدارك ما‬
‫ُ‬ ‫فاتنا‪ .‬ال نفعل ر‬
‫تتاىل األحداث تلهينا‬
‫ي‬ ‫خيا يف غريب ألن شعة‬
‫و ُتنسينا أننا عىل ر‬
‫قيد الحياة أو توهمنا بأننا لدينا ما يكفينا من‬
‫ى‬
‫الت تمنعنا من االلتفات إىل غينا‪.‬‬
‫الهموم ي‬
‫الخوف اليوم ليس من الموت فحسب‪ ،‬بل نخاف أن يباغتنا‬
‫ر‬ ‫ُ‬
‫الموت‪ ،‬فيجدنا جسدا بال روح‪ ،‬بل بقلب خال وعقل خاو‪ ..‬ال‬
‫ر‬
‫شيئا من الحياة‪.‬‬ ‫نحمل‬
‫مت شعرنا بالسعادة آخر مرة؟‬ ‫ى‬
‫فيم نمض ساعات يومنا؟‬
‫بماذا استمتعنا؟‬
‫ذكريات طفولتنا‪ ،‬مع من استحضناها؟‬
‫وساعات الوحدة‪ ،‬كيف أتممناها؟‬
‫‪17‬‬ ‫أميرة ضيف للاه ه‬
‫ّ‬
‫ماذا قدمنا ألجسادنا؟ وبما غذينا أرواحنا؟ وبما سق رينا عقولنا؟‬
‫يعي عىل رسالته‬‫ُجل األجوبة ستكون متشابهة‪ ،‬خاصة لمن لم ر‬
‫ِ‬
‫ر‬
‫مر عمره وبجعبته نشة أخبار‬ ‫مرت أعوامه رتيبة أمامه و ّ‬
‫ف الحياة‪ّ ،‬‬
‫ي‬
‫مشوشة من مناوشات مع‬ ‫ّ‬ ‫سياسية تشمي لها النفس وصور‬
‫أصدقاء‪ ،‬وشجارات يف البنك عىل تسديد أقساط قرض ونقاشات‬
‫ّ‬
‫مع رئيس يف العمل عىل الزيادة يف مرتب بالكاد يكفيه آلخر الشهر‪.‬‬

‫ُ‬
‫اليوم نحن خائفون من الموت مثلما كنا خائفي من الوقت‬
‫اليق‪ .‬نخاف أن ال‬ ‫خس الوقت الذي يمر بشعة ّ‬ ‫قبله‪ .‬جميعنا ي ر‬
‫يكق من المال وأن ال ىنيوج يف "الوقت المناسب"‪ ،‬ونضع‬ ‫ر‬
‫نجن ما ي‬
‫تخيل أننا لن‬‫بمجرد ّ‬‫ّ‬ ‫ّ‬
‫خاصة بنا ونحس بالقلق‬ ‫تواري خ يف روزنامة‬
‫يكس‬ ‫نمر للمخطط الالحق وأن تظهر التجاعيد عىل وجوهنا وأن‬ ‫َّ‬
‫ي‬
‫الشيب رؤوسنا‪ ..‬خائفون نحن اليوم‪ ،‬ألننا ال نواجه حقيقتنا وال‬
‫نتعامل مع الحياة عىل أنها رحلة وال نعرف سحر اللحظة الحالية‬
‫"اآلن" ولم نتعرف عىل أنفسنا بعد‪ .‬من لطف هللا سبحانه وتعاىل‬
‫وحكمته يف تسيي األمور‪ ،‬أنه أهدانا اليوم هذا الكم الهائل من‬
‫تعرينا أمام أنفسنا يف لحظات‬ ‫الت تخضنا و ّ‬ ‫المشاعر المختلطة ى‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ي‬
‫حت تعلمنا الدرس وما ال يتعلمه اإلنسان‬‫رصاحة وجرأة ال مثيل لها ى‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫باللطف‪ ،‬يتعلمه بالعنف‪.‬‬
‫هذه األيام الصعبة‪ ،‬كشفت عن وجه جديد للحياة وكأننا ُولدنا‬
‫ر‬ ‫ر‬ ‫ّ‬
‫أساسا إن‬ ‫للتو وكأن ما عشناه من قبل لم يكن حياة وال ندري‬
‫"ع رشنا" حقا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الحياة ملن يستحق‬ ‫‪18‬‬

‫ّ‬
‫لنتعرف عىل‬ ‫ُي رهدينا هللا حياة أخرى بطريقة تراها عنيفة ربما‪،‬‬
‫كثيا فيما مض لكننا لم‬ ‫الحياة من جديد‪ ،‬ألن هللا أراد تنبيهنا ر‬
‫ّ‬ ‫حت ف هذه ى‬ ‫ننتبه‪ .‬ى‬
‫الفية العصيبة‪ ،‬سخر لنا التكنولوجيا لنتواصل‬ ‫ي‬
‫ّ‬
‫مع أحبتنا و ِل ريبط عىل قلوبنا‪ ،‬سخر لنا بيوتا ولباسا وأكال و رشابا‬
‫البش عاشوا لسنوات‬ ‫ولم ننم جياعا بينما فيما مض‪ ،‬عدد كبي من ر‬
‫غطاء ويحلمون بسقف‪،‬‬ ‫ً‬ ‫مشدين يف الشوارع‪ ،‬يشتهون‬ ‫طويلة ر ّ‬
‫وآخرون محارصون وغيهم جائعون وغيهم الجئون‪ُ .‬حرمنا من‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫نتعرف عليها من جديد ونقبل عليها إقبال‬ ‫الحياة السابقة يك‬
‫المغيب بوطنه بعد‬ ‫ى‬ ‫الطفل عىل ّأمه بعد غياب ونالقيها بلقاء‬
‫الفراق‪ ،‬سياها بعي جديدة وكأننا نبض للمرة األوىل‪.‬‬
‫توحدنا نفس‬ ‫عىل اختالفنا اليوم‪ ،‬تجمعنا نفس المعاناة و ّ‬
‫ّ‬
‫الرغبات واألمنيات أولها الحرية! هل سبق واعتقدت من قبل أن‬
‫أمنيتك الوحيدة ستكون يوما ما "الحرية"؟!‬
‫حت إن كان ّ‬
‫ملوثا‪،‬‬ ‫أن تخرج طليقا تستنشق الهواء ف الشارع ى‬
‫ي‬
‫تحتس القهوة يف مكانك المفضل‪ ،‬أن‬ ‫ي‬ ‫أن تحضن من تحب‪ ،‬أن‬
‫تتمس عىل رمل البحر‪ ،‬أن تسارع يف‬ ‫ر‬ ‫ترافق أشتك لمكان ما‪ ،‬أن‬
‫تعط فرصة ثانية لمن‬ ‫ي‬ ‫الزواج بمن تحب مهما كلفك األمر‪ ،‬أن‬
‫يستحق‪ ،‬أن تصافح نفسك‪ ،‬أن تتحدث إليها بلطف‪ ،‬أن تمارس‬
‫الرياضة يف حديقة‪ ،‬أن تخرج القتناء بعض األشياء بمفردك‪ ،‬أن‬
‫تضيف ذكريات جديدة جميلة وأن تحرر ذاكرتك من كل ما علق‬
‫ر‬
‫بها من صور قبيحة‪ ،‬أن تعيش عوضا عن أن تموت وأنت عىل قيد‬
‫الحياة‪.‬‬
‫‪19‬‬ ‫أميرة ضيف للاه ه‬

‫تحولت‬‫كل هذه التفاصيل ّال ىت لم ُنعرها أي اهتمام من قبل ّ‬


‫ّ‬ ‫ي‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ألمنيات بي ليلة وضحاها‪ .‬نتمت ونرجو هللا أن يعيدها مهما كلفنا‬
‫ُ‬
‫األمر ون ِعد أنفسنا بأن نستقبل الحياة بعد الوباء بنسخ جديدة عن‬
‫نوف ُبوعودنا؟‬
‫أنفسنا‪ .‬هل س ي‬
‫األيام القادمة ستكشف ما سيحصل‬ ‫ال أستطيع اإلجابة حاليا‪ّ ،‬‬
‫لكنت أكاد أجزم أن كورونا ستعود بالنفع عىل الكثيين ى‬
‫حت وإن لم‬ ‫ي‬
‫يتب َّينوا إيجابياتها بعد‪.‬‬

‫جدا‪.‬‬ ‫ًّ‬ ‫ر‬ ‫فية الحجر ّ‬ ‫إعالن ى‬


‫مبهجا‬ ‫ح بالنسبة يىل كان‬ ‫ي‬ ‫الص‬
‫ّ‬ ‫أحسست أن هللا أهدائ ى‬
‫فية نقاهة‪ .‬تخلصت فجأة من صداع‬ ‫ي‬
‫ينتظرئ‬ ‫تنته والتفكي فيما‬ ‫الت ال‬ ‫ى‬ ‫ى‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫جبائ ي‬ ‫الشغل ّ والركض وراء وا ي‬ ‫ر‬
‫غدا‪ .‬قلت ضغوط الحياة اليومية فجأة‪ :‬ال مواعيد‪ ،‬ال لقاءات‬
‫ماسة‬ ‫مهنية‪ ،‬ال ضجيج طرقات‪ ..‬اكتشفت أنت كنت ف حاجة ّ‬ ‫ّ‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫شاغىل الوحيد‬ ‫اسياحة محارب‪ .‬أصبح‬ ‫للراحة وكان الحجر بمثابة ى‬
‫ً‬ ‫ي‬
‫ر‬ ‫لصالح؟"‪.‬‬
‫أقض وقتا طويل مع‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫"كيف سأستغل هذا الوقت‬
‫ًّ‬ ‫ّ‬ ‫ى‬
‫أصدقائ الذين لم أرهم ولم‬ ‫ي‬ ‫أصدقائ يوميا‪،‬‬ ‫ي‬ ‫عائلت ويتصل ّ يئ‬
‫ي‬
‫وقتا لفعل ذلك‪.‬‬ ‫ر‬ ‫أحادثهم منذ ى‬
‫فية طويلة ولم أجد‬
‫النفس‬ ‫هدوئ‬ ‫ى‬
‫سكينت و‬ ‫الصح‬ ‫استعدت بفضل الحجر‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫اإليجائ لما يحصل‪ ،‬ورصت أبحث يف‬ ‫اليكي عىل الجانب‬ ‫اخيت ى‬ ‫و ى‬
‫ّي‬
‫عما يقوم به الملهمون والناجحون يف‬ ‫منصات التواصل االجتماع ّ‬
‫ي‬
‫ّ‬
‫الفية‪ :‬طبخ‪ ،‬رياضة‪ ،‬يوغا‪ ،‬تأمل‪ ،‬غناء‪ ،‬كتابة‪..‬‬ ‫هذه ى‬
‫الحياة ملن يستحق‬ ‫‪20‬‬

‫عي الهاتف للحديث عن‬ ‫ى‬


‫دعوئ للعديد من اللقاءات ّ‬ ‫ي‬ ‫وقعت‬
‫متابعيت‬
‫فياير واكتشفت أن أغلب ّ ي‬ ‫كتائ الذي أصدرته يف شهر ّ‬ ‫ّي‬
‫عىل الفيسبوك لجؤوا للمطالعة يف أوقات الفراغ وهذا يف حد ذاته‬
‫إنجاز عظيم‪ .‬العودة إىل النسخة الورقية للكتاب بعد أن سيطرت‬
‫ر‬
‫التكنولوجيا عىل الجميع وابتلعت عددا ال بأس به من الشباب‪ .‬أنا‬
‫اسيجعت رغبة المطالعة من جديد وقرأت الكثي من‬ ‫نفس‪ ،‬ى‬
‫ي‬
‫الروايات والمقاالت وكتب علم النفس وتطوير الذات‪ .‬اكتشفت‬
‫كتبا يف مكتبة ميلنا لم أرها من قبل بالرغم من وجودها ومن‬ ‫ر‬
‫يوميا‪ .‬حينها فقط‪ ،‬حللت اللغز‪ ..‬نحن اليوم أمام‬ ‫ّ‬ ‫مروري أمامها‬
‫فرصة عظيمة للبحث عن أنفسنا بأنفسنا‪ .‬هللا يريد بنا الخي ر‬
‫دائما‬
‫الت‬ ‫ى‬ ‫ّ‬
‫المنح ي‬
‫الع ّي والكنوز و ِ‬
‫وما يحصل يحمل يف طياته الكثي من ِ‬
‫معن فيها و ّ‬ ‫ّ‬
‫الت ّ‬
‫نشها ومشاركتها‬ ‫قررت ر‬ ‫رشعت يف استقبالها و يف‬
‫معكم‪.‬‬
‫تسيجعون ذكريات‬ ‫أنتم! من تقرؤون هذا الكتاب حاليا‪ ،‬أو من ى‬
‫الصح‪ ،‬أو من تنشدون السالم والراحة أو من‬ ‫ي‬ ‫األيام األوىل للحجر‬
‫تبحثون عن معت لما يحصل معكم اليوم وتفسي لما حصل‬
‫معي لكن قادتكم ّ‬
‫القوة اإللهية‬ ‫باألمس‪ ،‬أو ربما ال تبحثون عن رشء ّ‬
‫ي‬ ‫ّ‬
‫لهذه األسطر علها تني بصيتكم‪.‬‬
‫*****‬
‫‪21‬‬ ‫أميرة ضيف للاه ه‬

‫( ‪)٢‬‬

‫سحر اللحظة‬
‫الحياة ملن يستحق‬ ‫‪22‬‬

‫ُ‬
‫اعتدانُعىلُالنعم‪ُ،‬حىتُإنناُإذاُسُئلناُعنُحالناُ‬
‫قلناُالُجديد‪ُ ُ.‬‬
‫فهلُاستشعرانُبقاءُالعافيةُودوامُالنعم؟! ُ‬
‫الش يخُمحمدُمتويلُالشعراوي‬
‫‪23‬‬ ‫أميرة ضيف للاه ه‬

‫ّ‬
‫نسبية ال‬ ‫ال أحد يملك الحقيقة المطلقة‪ ،‬والحقيقة نفسها‬
‫فية الحجر‬ ‫نراها من نفس الزاوية‪ ،‬لكن ما أجمعنا عليه ف ى‬
‫ي‬
‫الصح الشامل‪ ،‬هو أننا ال نملك غي اللحظة الحالية‪.‬‬
‫ي‬
‫ر‬
‫ال أحد يعرف ما سيجري بعد قليل‪ ،‬أو غدا‪ ،‬أو بعد شهر‪.‬‬
‫ستنته الكورونا؟‬ ‫مت‬ ‫ى‬
‫ي‬
‫ال أحد يعرف!‬
‫ما الذي يمكننا فعله؟‬
‫هل نستطيع التحكم يف القادم أو الرجوع إىل الوراء؟‬
‫طبعا‪ ،‬ال‪.‬‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫نعتقد أننا ال نملك شيئا مطلقا وأننا بائسون ومساكي‬
‫نبحث عن بصيص أمل يحملنا إىل مكان أحىل وزمان أفضل‬
‫ّ‬
‫وننس أننا نملك "اللحظة" والواقع الراهن‪.‬‬
‫كورونا كشفت عن أداة تدمي يستعمله اإلنسان ضد نفسه‬
‫ه الهروب من اللحظة‪.‬‬‫وع و ي‬
‫بال ي‬
‫وكأن هذا الفيوس ُوجد لتغيي وتحديث نظرتنا الذاتية‬
‫الماض أو يف المستقبل‪ ،‬بينما اآلن‪،‬‬
‫ي‬ ‫للوقت‪ .‬يعيش أغلبنا يف‬
‫نحن إما قلقون أو خائفون‪.‬‬
‫ال أنكر أن الفراغ عند حلوله‪ ،‬تعم بعض األفكار السوداوية‬
‫أو نفقد السيطرة عىل أفكارنا للحظات لكن يحدث أن نبحر يف‬
‫الحياة ملن يستحق‬ ‫‪24‬‬
‫ً‬
‫أوهام وتخاريف وكوابيس وتعم أعيننا فال تبض جمال وال‬
‫خيا‪ .‬تفقد األشياء قيمتها فجأة ونفقد معها تدريجيا أصولنا‬ ‫ر‬
‫وعمقنا وصدقنا‪.‬‬
‫نتمزق بي الحياة والوهم‪ ،‬بي الحضور والغياب‪ ،‬بي‬ ‫ّ‬
‫االستسالم والتسليم‪ ،‬بي البقاء و ّ‬
‫الرحيل‪.‬‬
‫حت نجد أنفسنا ف ّ‬
‫دوامة‬ ‫نبتعد رويدا رويدا عن الحارص ى‬
‫ي‬ ‫ّ‬
‫الت أجهضتها أفكار تبنيناها عىل‬ ‫اللعينة واألحالم ى‬ ‫الذكريات‬
‫ي‬
‫وجه الخطأ‪ .‬يف الحقيقة‪ ،‬لكل منا معاناته وأشاره وجانبه‬
‫المظلم الذي أخفاه عن غيه ولكل منا انتصاراته وإنجازاته‬
‫كذلك لكننا نميل إىل استحضار ما يخيفنا ويعيقنا كلما تعرضنا‬
‫نشه عىل اإل ىنينت‬
‫خارج‪ .‬لذلك ال أستغرب مما وقع ر‬
‫ّ ي‬ ‫لحادث‬
‫ّ‬
‫حول اآلثار الجانبية للوباء عىل الصحة النفسية لكن شخصيا‬
‫ّ‬
‫أعتقد أن حدة هذه اآلثار تتفاوت من شخص آلخر ألن الحل‬
‫جيدا فيما نملك وإذا أحسسنا‬ ‫تمعنا ّ‬‫دائما ما ينبع من داخلنا إذا ّ‬
‫ر‬
‫بقيمته‪.‬‬
‫ّ‬
‫يبك‪ ،‬جزء يتعب وجزء‬ ‫كلنا أجزاء‪ ..‬جزء يضحك وجزء ي‬
‫يقاوم‪ ..‬جزء يصمت وجزء يتكلم‪ ..‬جزء يستسلم وجزء‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ر‬
‫ه‬‫يحارب‪ ..‬جزء يحبط وجزء يطمي‪ ..‬وأجزاؤنا المتبقية بنا ي‬
‫حتما ليست األقوى بل األصدق‪ .‬هو الصدق الذي ينقذنا من‬
‫متاهاتنا ويخرجنا من دوامة الخيبات والتجارب القاسية‬
‫‪25‬‬ ‫أميرة ضيف للاه ه‬

‫ويعيدنا ألنفسنا وهلل من جديد‪.‬‬


‫ذاك الصدق الذي يجعلك تواجه نفسك وتحدق يف‬
‫عينيك يف المرآة طويال‪ ،‬تبحث عن دموع عالقة بي جفونك‪،‬‬
‫تسيجع بعض الذكريات‪.‬‬ ‫ى‬ ‫تبحر يف أعماق تلك النظرات‬
‫ذكريات قريبة وأخرى بعيدة لكنها‪ ،‬عىل قسوتها‪ ،‬ال تزال‬
‫جزءا منك تتعرف‬ ‫صادقة‪ ..‬أجل‪ ،‬صادقة لحد أنها أصبحت ر‬
‫عليه وتتجاذب معه أطراف الحديث أحيانا إذا توفرت الفرصة‪.‬‬
‫الت عجز لسانك عن نطقها يوما ما ال‬ ‫ى‬
‫أترى تلك الكلمات ي‬
‫تزال محفورة يف مكان ما بداخلك لكنك لم تبحث عنها‬
‫سيحل من تلقاء نفسها لكنها لم تفعل؟! لملمها‬ ‫واعتقدت أنها ى‬
‫ُ‬ ‫وال ر‬
‫تبعيها فإن لم تواجهها ستض عىل البقاء ولن ترحل إال‬
‫السء الوحيد الذي‬ ‫ر‬ ‫ّ‬
‫بعد أن تحرمك من متعة اللحظة ّالحالية‪ ،‬ي‬
‫يمكنك التأكد من وجوده‪ .‬ستنغص عليك متعة اآلن" وما‬
‫أدراك ما "اآلن"! اآلن‪ ،‬الوقت المناسب للشخص المناسب‪،‬‬
‫حت وإن خلت أن‬ ‫لالكتشاف المناسب‪ ،‬للتغيي المناسب‪ ..‬ىّ‬
‫ر‬
‫مناسبا‪.‬‬ ‫الوقت ليس‬
‫كثيا إجازتك السنوية‬ ‫أجلت ر‬ ‫كورونا نفسها‪ ،‬تؤكد كالم؛ ّ‬
‫ي‬
‫مناسبا للراحة أو لقضاء بعض‬ ‫ر‬ ‫العتقادك أن الوقت ليس‬
‫ّ‬
‫الوقت مع والديك ألن مستقبلك يحتم ذلك ى‬
‫حت فرض عليك‬
‫الوباء ذلك‪.‬‬
‫الحياة ملن يستحق‬ ‫‪26‬‬

‫مشوعك الذي طالما حلمت بإنشائه ألنك تعتقد‬ ‫أجلت ر‬ ‫ّ‬


‫شء أو الظروف االقتصادية للبلد‬ ‫ر‬
‫أنك ال تستطيع أو ينقصك ي‬
‫حت أغلقت البالد تماما وفقدت وظيفتك‬ ‫ال تسمح بذلك ى‬
‫حت تنجز ما‬ ‫ورصت تتمت لو تعود بك األيام قليال للوراء ى‬
‫حلمت به‪.‬‬
‫كثيا سفرك للعودة لوطنك أو زيارة أهلك ألسباب‬ ‫أجلت ر‬ ‫ّ‬
‫حت‬‫تافهة ألنك تعتقد أنه بإمكانك فعل ذلك ف أي وقت ى‬
‫ي‬
‫اليية والجوية وعلقت أينما أنت وأحسست‬ ‫أغلقت الحدود ّ ّ‬
‫حريتك فجأة‪.‬‬ ‫بالعجز عندما ُح ّدت ّ‬
‫ستغي مجرى أمورك‪ ،‬خلتها دائمة‬ ‫ّ‬ ‫الت‬ ‫ى‬
‫اللحظة الحاسمة ي‬
‫ه متاحة لك "اآلن"‬ ‫وممكنة يف أي وقت لكنك مخط! ي‬
‫وعليك استغاللها‪.‬‬
‫حينها ستدرك فيها كم كنت محظوظا بخوضك مغامرات‬
‫ُ‬ ‫ى‬
‫تخيها‪ ،‬وخيبات فرضت عليك بقسوة‪ ،‬وآالم سكنت‬ ‫لم‬
‫جسدك وعبثت به‪ ،‬وأحالم شقها بعض اللصوص وأوجاع‬
‫حت أضعت طريق الفرح‪ ،‬إىل أن أتت‬ ‫اختارت قلبك مسكنا ى‬
‫درسا عىل طبق من ذهب‪.‬‬ ‫اللحظة المناسبة‪ ،‬وأهدتك ر‬
‫عت ولم تؤمن بوجودي‬ ‫الت حدثوك‬ ‫" أنا تلك اللحظة ى‬
‫ًّ‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫أنت هنا‪ ،‬حذوك‪ ،‬قريبة منك جدا‪،‬‬ ‫ولم أظهر إال عندما آمنت ي‬
‫بل أنا منك‪ ،‬وليدة روحك الصادقة إذا حررتها من سجنها"‪.‬‬
‫‪27‬‬ ‫أميرة ضيف للاه ه‬

‫أعتقد أن أعمق درس ُمنح إلينا من خالل الكورونا‪ ،‬يتمثل‬


‫يف قوة أن تعيش واقعك كما هو وتدرك أنك ال تملك غي‬
‫اللحظة الحالية وهذا يف حد ذاته كي عظيم‪.‬‬
‫كم مرة ندمت عىل لحظات مرت كادت تكون األجمل عىل‬
‫اإلطالق لكنك لم تستغلها؟‬
‫كم مرة تمنيت لو عاد بك الزمن لمرحلة ما كنت تعتقد أنها‬
‫ر‬
‫سوءا منها؟‬ ‫األسوأ إىل أن عشت مراحل أشد‬
‫أن تعيش اللحظة‪ ،‬أي أن تبحث عن مواقع الجمال يف‬
‫الت خلتها بشعة‪ .‬وقوفك يف سيارتك طويال بسبب‬ ‫ى‬
‫الصورة ي‬
‫اكتظاظ الطريق يجعلك تتذمر من ذلك لكنك تنس أنك‬
‫ًّ‬
‫محظوظ جدا باكتسابك سيارة تنقذك من االنتظار طويال‬
‫جماع توصلك بيتك بعد‬
‫ي‬ ‫تحت الشمس أو المطر لوسيلة نقل‬
‫ّ‬
‫يوم مرهق وتنس أن ترى اليش فيما يحدث‪ :‬سخر هللا لك‬
‫الطرقات والتكنولوجيا والرفاهية والوسائل المتعددة يك تنتقل‬
‫من مكان لمكان آخر‪ ،‬ستعود لميلك وتجد سقفا يحميك‬
‫وفراش يدفئك وغذاء يشبعك‪ .‬لك شغل وهدف تستيقظ من‬
‫ّ‬
‫أجله كل صباح ويوفر لك رزقا‪ .‬أليس هذا بكفيل بتغيي‬
‫مزاجك؟‬
‫جلوسك يف البيت مع عائلتك الذي يشعرك أحيانا بالملل‬
‫هو حلم ماليي من األشخاص يف هذا العالم الغريب‪ ،‬حرموا‬
‫الحياة ملن يستحق‬ ‫‪28‬‬

‫شد يف الشوارع وضاع‪،‬‬ ‫من هذه اللحظات الثمينة‪ ،‬منهم من ر ّ‬


‫ومنهم من أنصفتهم الحياة بعد سنوات من الحرمان وتجدهم‬
‫أسعد السعداء‪ ،‬ومنهم من تحدى هذا النقص ويحارب من‬
‫الت حلم بها‪.‬‬‫ى‬ ‫ّ‬
‫أجل أن ينجح ويكون العائلة ي‬
‫مت كانت آخر مرة تمعنت‬ ‫ال يقتض األمر عىل هذا فقط‪ .‬ى‬
‫فيها يف جمال تفاصيل وجهك يف المرآة؟ يف معظم األيام تقفز‬
‫من الفراش مشعا ومفزوعا من التأخر عىل ما ينتظرك‪.‬‬
‫شه؟‬ ‫ّ‬
‫بتذوق طبق‬ ‫مت كانت آخر مرة استمتعت فيها‬ ‫ى‬
‫ي‬
‫تقتت ألذ األطباق لكنك‬
‫أعرف أنك تأكل يف أحسن المطاعم و ي‬
‫نشها عىل مواقع التواصل‬ ‫تنساق وراء التقاط الصور و ر‬
‫االجتماع ال أعرف لماذا لكنك تفعل هذا باستمرار‪ ،‬وتأكل‬
‫ي‬
‫أحيانا فقط ألنه يجب أن تأكل يك ال تجوع‪.‬‬
‫عما نعيشه يوميا والقائمة تطول ونظلم أنفسنا‬ ‫هذه أمثلة ّ‬
‫وع ومراقبة داخلية لما يدور يف أذهاننا‪ .‬ال نعيش‬‫أحيانا دون ي‬
‫ّ‬
‫ه‪ ،‬ألننا نفكر فيما سيحدث لنا غدا بتشاؤم‬ ‫اللحظة كما ي‬
‫وخوف ونقلق من المشكل قبل أن يظهر إىل أن يظهر فعال‪.‬‬
‫الت تدفعنا لالعتقاد أن غدا‬‫ى‬ ‫ى‬
‫ه ي‬ ‫الت تتكرر ي‬
‫األحداث السلبية ي‬
‫لنفيض أن ذلك صحيح وأنك عىل‬ ‫سيحمل معه نتائج أبشع‪ .‬ى‬
‫يقي من استيائك غدا‪ ،‬لم ال تستمتع اآلن فتضيع عليك متعة‬
‫اللحظة الحالية والقادمة؟‬
‫‪29‬‬ ‫أميرة ضيف للاه ه‬
‫ًّ‬
‫لماذا ال تستشعر حقا "الحمد هلل" بل تقولها أحيانا فقط‬
‫ألنك تعتقد أنه عليك أن تقولها‪ .‬حاول أن تستشعر معانيها‬
‫عند نطقها عىل األقل مرة ف اليوم عندما يهديك هللا ر‬
‫يوما‬ ‫ي‬ ‫ر‬
‫جديدا وتجد نفسك يف صحة جيدة ال تحتاج أن تذهب‬
‫للمستشق‪ ،‬وال تحتاج مرافقا لقضاء حاجتك ألن كل حواسك‬
‫وأعضائك عىل أحسن ما يرام‪ ،‬وال تستحق أن تتسول يف‬
‫الشوارع يك تكسب بعض المليمات ألنك تملك ما يكفيك يك‬
‫تعيش يف أمان‪.‬‬
‫حاول أن تحمد هللا يف أصعب اللحظات كذلك ألنه اختار‬
‫ّ‬ ‫اختبارك واختيار هللا ر‬
‫دائما موفق‪.‬‬
‫ّ‬
‫ستغي هذه العادة من يومك‪.‬‬ ‫سيى كيف‬‫حاول‪ ،‬ى‬
‫األمر بسيط للغاية‪ ،‬لن تستطيع تحقيق ما ترغب يف‬
‫ر‬
‫داخىل مع نفسك اليوم ولن‬
‫ي‬ ‫الحصول عليه غدا وأنت يف رصاع‬
‫تتحصل عىل المزيد إذا كنت أساسا ال ى‬
‫تعيف بوجود القليل‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يعىل من‬
‫تمعنك يف جمال ما تملك سيغي طريقة تفكيك و ي‬
‫ذبذباتك ويزيد من وعيك ويني روحك‪ .‬وإذا تغيت أفكارك‬
‫بالتاىل مستقبلك‪ .‬هذا ما يستحق تركيك‬ ‫ي‬ ‫سيتغي واقعك و‬
‫وطاقتك‪.‬‬
‫الت تنظر منها‬‫ى‬ ‫ر‬
‫ولديك دائما القدرة عىل اختيار الزاوية ي‬
‫أعت أن عي الرضا والمحبة ترى الجمال يف‬ ‫الخارج‪ .‬ي‬
‫ّ ي‬ ‫لعالمك‬
‫الحياة ملن يستحق‬ ‫‪30‬‬
‫ّ‬ ‫ر‬
‫شء وال تركز عىل العيوب وتتغاض رؤيتها‪.‬‬
‫كل ي‬
‫كل ما خلقه هللا جميل‪ ،‬وليس بجميل فقط بل رائع ودقيق‬
‫يعيضه طريقه‪،‬‬‫يتعود عىل رؤية الجمال فيما ى‬
‫ّ‬ ‫وجذاب‪ .‬من‬
‫حت يف األزمات والصعوبات والضغوطات‪.‬‬ ‫تستني بصيته ى‬
‫مع ذلك‪ ،‬ال أنكر أن بعض النقائص تعيقنا وتمنعنا من‬
‫االنطالق لكن ال تستهن بقدرتك عىل التغيي وال تنس أن هللا‬
‫شء قدير‪.‬‬ ‫ر‬
‫عىل كل ي‬
‫التفكي المفرط سيجعلك تفقد القدرة عىل التفكي السليم‬
‫السع المطلوب‪.‬‬
‫ي‬ ‫و‬
‫*****‬
‫‪31‬‬ ‫أميرة ضيف للاه ه‬

‫( ‪)3‬‬

‫اعرف قيمة نفسك‬


‫الحياة ملن يستحق‬ ‫‪32‬‬

‫ىلَُشءُإالُب َ َ‬
‫عدماَُتصلُعَليهُ‬ ‫ل َ ْن ََُتصلُعَ َ‬
‫ًُ‬
‫يداخكلُأوال‪.‬‬
‫ب‬
‫‪ُ-‬الشمسُالتربيزي‬
‫‪33‬‬ ‫أميرة ضيف للاه ه‬
‫ّ‬
‫نحتاج الكثي من الوقت ألنفسنا لكن قلة من يفهم المعت‬
‫الحقيق لهذه الجملة‪ .‬الدليل عىل ذلك‪ ،‬خوفنا أحيانا من‬‫ى‬
‫ي‬
‫المكوث مدة طويلة لوحدنا يف مكان ما‪ .‬نحس بالغربة القاتلة‬
‫وتجدنا نبحث عن أي ملجأ أو مفر‪.‬‬
‫‪ ،٢٠٢٠‬كانت فرصة لتجديد العالقة مع أنفسنا بحكم‬
‫الوقت الذي أمضاه ر‬
‫البش يف المكوث يف البيت‪.‬‬
‫ولي رومنا هذا‪ ،‬هناك من ينقم عىل تلك ى‬
‫الفية‪ ،‬يراها قاتمة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ِ‬
‫ّ‬
‫يهرب حت من مجرد تذكرها وترتبط عنده بالخصام‬ ‫ى‬
‫ّ‬
‫الحادة أو الوحدة والعزلة ّ‬
‫السامة‪.‬‬ ‫والنقاشات‬
‫بينما هناك من كان يحتاجها يك يعيد ترتيب أفكاره ويتعرف‬
‫أكي بعدما شقته ضغوطات الحياة وهناك من‬ ‫عىل نفسه ر‬
‫ّ‬
‫يعائ من مخلفات كل ما يحصل يف العالم وكأنه يحمله عىل‬ ‫ي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫كتفيه بكل ثقله ومره وكأنه المسؤول عىل الكوارث الطبيعية‬
‫ّ‬
‫االقتصادية‪.‬‬ ‫الص ّ‬
‫حية و‬ ‫و ّ‬

‫خيط رفيع يفصل بي الوحدة والعزلة‪ ،‬وبي‬ ‫ف الواقع‪ ،‬ر‬


‫ي‬
‫ُ‬
‫الزحمة والفراغ‪ ،‬فمن فوض األفكار يخلق الفراغ أحيانا‪ .‬أجل‪،‬‬
‫ّ ّ‬ ‫ر ّ‬
‫أال تقوم ر‬
‫بسء عىل اإلطالق أو أال تخطط‬ ‫ي‬ ‫يعت دائما‬‫الفر ّاغ ال ي‬
‫تقض اليوم يف شيرك ماسكا هاتفك‬ ‫ي‬ ‫يعت أيضا أن‬ ‫أو تنفذ‪ .‬ال ّ ي‬
‫بتتاىل‬
‫ي‬ ‫الذك أو تحدق يف السقف ال تحس بمرور الوقت وال‬ ‫ي‬
‫األيام‪.‬‬
‫الحياة ملن يستحق‬ ‫‪34‬‬

‫أكي ى‬
‫الفيات صخبا‪ ،‬يف األيام‬ ‫س أحيانا بالفراغ ف ر‬‫بل ُن ِح ّ‬
‫ي‬
‫المكتظة باألحداث والمشاغل ألنها ببساطة ليست حقيقية!‬
‫ى‬ ‫ّ‬
‫وع أو لجأنا‬
‫ال تشبهنا‪ ،‬ال تمثلنا‪ ،‬فرضت علينا أو اخيناها دون ي‬
‫شء ما لم نقدر عىل مواجهته‪.‬‬ ‫ر‬ ‫ّ‬
‫إليها يك نفر من ي‬
‫نلجأ إىل الفوض لعدم قدرتنا عىل تحدي مخاوفنا‬
‫ُّ‬
‫يكبلنا والتعامل مع التحديات بحياد‪ ،‬فنقع يف‬ ‫والتعرف عىل ما‬
‫الفراغ‪.‬‬
‫الفراغ يف هذه الحالة هو أشبه بفقدان الشغف تجاه ما‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫شء‪ ،‬إرهاق‪ ،‬إنهاك‪ ،‬حالة‬‫شء ومن ال ي‬ ‫تقوم به‪ .‬تعب من كل ي‬
‫حت إنك تستغرب‪:‬‬ ‫من الال مباالة المستمرة تجتاحك ى‬
‫أال أهتم لما يحصل حوىل؟ ّ‬ ‫ّ‬
‫ألوح للراحلي من‬ ‫ي‬ ‫"كيف يىل‬
‫أنت لم أعش يوما‬‫يؤذ يئ وكما لو ي‬
‫لو أن رحيلهم لم ِ‬ ‫بعيد كما‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أتمن‬ ‫كأنت لم‬
‫أصد جميع أبواب العودة أمام الغائبي و ي‬ ‫معهم و‬
‫ر‬
‫حزئ وفجأة ال‬
‫ي‬ ‫عودتهم أبدا‪ .‬فجأة أحزن وفجأة أستغرب من‬
‫بسء‪.‬‬ ‫ر‬
‫أشعر ي‬
‫ّ‬
‫من المؤكد أن تختنق بهذه الكلمات لكنك ال تستطيع‬
‫طبيع‪.‬‬ ‫البوح بها ر‬
‫دائما لكن هذا األمر‬
‫ي‬
‫أصدقائ‬
‫ي‬ ‫صارحت بها أحد‬
‫ي‬ ‫نفس هذه الكلمات الصادقة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يف لحظات ملؤها الثقة واالرتياح‪ .‬وما يمي مكانة هذا الصديق‬
‫تألقه عىل جميع األصعدة وما ّ‬‫ّ‬ ‫عندي‪ ،‬هو ّ‬
‫يفش‬ ‫حبه للحياة و‬
‫‪35‬‬ ‫أميرة ضيف للاه ه‬

‫اختارئ يك يفضفض يىل بما يحس‪ ،‬هو عدم‬ ‫سعادئ لكونه‬ ‫ى‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫اعتقادي أنه سيكون كذلك يوما ما‪ .‬ربما ألنه كثي الحركة‬
‫والعمل ويؤثر إيجابيا يف متابعيه عىل منصات التواصل‬
‫أعي عن هذا من قبل‪ّ ،‬‬
‫يتغي‬ ‫االجتماع وشخصيا وإن كنت لم ّ‬
‫ّ‬ ‫ي‬
‫ى‬ ‫ّ‬ ‫ى‬ ‫ر‬
‫مجازي بمجرد مشاهدته أو قراءة ما ينش‪ .‬حت يف فية الحجر‬
‫الصح الشامل‪ ،‬كان كثي اإليجابية ودائم االبتسامة ولم‬ ‫ّ ي‬
‫ر‬
‫يتوقف عن نش الحب والدعوات للهدوء والسالم‪.‬‬
‫صديق هذا‪ ،‬أعرفه منذ سنوات وأعده مصدر طاقة‬ ‫ى‬
‫ي‬
‫إيجابية يىل ولكل المحيطي به‪ ،‬ذبذباته عالية ويبعث البهجة‬
‫يصارحت بما يشعر به‬ ‫كثيا قبل أن‬ ‫أينما حل‪ ،‬وأعتقد أنه تردد ر‬
‫ي‬
‫أئ) ألن المحيطي بصاحب‬ ‫رغم بساطة الموضوع (حسب ر ي ي‬
‫دائما صورة رائعة فيها وجه ضحوك‬ ‫الطاقة العالية يرسمون له ر‬
‫وعينان المعتان من شدة الفرح‪ ،‬ويضعونه يف إطار محدد‪:‬‬
‫ّ‬
‫الشخص الذي ال يحق له أن يحزن ويضعف وإال سيصبح‬
‫عاديا‪.‬‬
‫نفس يف موقف يستوجب‬ ‫تحرجت قليال عندما وجدت‬ ‫ّ‬
‫ي‬ ‫ّ‬
‫ى‬ ‫ى‬ ‫ّ‬
‫معرفت به من محبة ونصح وتحفي‬ ‫ي‬ ‫منذ‬ ‫صديق‬
‫ي‬ ‫ىل‬
‫ي‬ ‫مه‬ ‫قد‬ ‫ما‬ ‫رد‬
‫بكل حياد دون الخوض يف التفاصيل والخصوصيات ودون‬
‫اللجوء إىل إزعاجه بأسئلة ربما يعدها ال تجدي نفعا خاصة أنه‬
‫ال يجد تفسيا لما يحدث بداخله‪ ،‬بل هو يف غاية الحزن‬
‫الحياة ملن يستحق‬ ‫‪36‬‬

‫والتعاسة لكنه يريد أن يظهر أمام الجميع يف غاية الثبات‪..‬‬


‫ر‬ ‫ر‬
‫شء‬‫نخيه بكل ي‬‫ونحن كذلك أيضا‪ ،‬لكن كلنا نحتاج شخصا ما‪ّ ،‬‬
‫التيير‪.‬‬
‫دون الغوص يف بحر التفسي و ّ‬
‫كلمائ بحذر مع مراعاة أن هذا االنفجار‬ ‫ى‬ ‫حاولت انتقاء‬
‫ي‬
‫لسع المتواصل ومن مواجهة‬ ‫وراءه سنوات أو ربما أيام من ا ي‬
‫حقيقة أن "ال خيار له غي القوة يك يستمر يف النجاح"‪ .‬يتحمل‬
‫صديق ثقل الكتمان والخذالن‪ ،‬يدفع نفسه بنفسه‪ ،‬يوشك‬ ‫ى‬
‫ي‬
‫مثىل ومثلك‬‫عىل االنطالق لكنه يرجع فجأة لنقطة البداية‪ ،‬ي‬
‫ومثل أي شخص يحارب من أجل حياة كريمة ي ىيك فيها أثرا‬
‫دائما و ّ‬
‫يتوسل العون من هللا‪ ،‬من‬ ‫بعد مماته‪ ،‬يبحث عن نفسه ر‬
‫داخله‪ ،‬من خبايا روحه لكنه يسقط‪ّ ،‬‬
‫يمل الوقوف والمحاولة‪..‬‬
‫فيختنق مرارا عىل الرغم من رغبته يف الحديث خوفا من‬
‫الشح والتفسي‪.‬‬‫اإلخفاق ف ر‬
‫ي‬
‫حت اختيار‬ ‫ال يستطيع إظهار هشاشته وضعفه ألي كان‪ ،‬و ى‬
‫الشخص المناسب للفضفضة يصبح صعبا يف هذه اللحظات‬
‫اجتماع‬ ‫كثيا بالرغم من اعتقادي أنه شخص‬ ‫خاصة أنه ُخذل ر‬
‫ّ‬
‫ي‬
‫للغاية‪ .‬هو كذلك فعال‪ ،‬يلجأ له الجميع لكنه ال يعتمد عىل أحد‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫المزيفة والمتملقي واالنتهازيي‬ ‫وشديد الحذر من الصداقة‬
‫وهذا ما استنتجته من كالمه‪.‬‬
‫‪37‬‬ ‫أميرة ضيف للاه ه‬

‫يتحول حينها لشخص‬ ‫ّ‬ ‫ما عاشه وأخفاه عن الجميع‪ ،‬جعله‬


‫يزعم الالمباالة بينما يكون يف أشد الحاجة للتعبي عن مباالته‬
‫ّ‬
‫يباىل ويرتب كل‬ ‫الحقيقية باألمور ألنه يعتقد أنه ال بد له أن ي‬
‫كثيا أيضا!‬‫رشء عىل أحسن وجه ك يستمر ف الحياة‪ .‬هو يباىل ر‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫ّ‬
‫يف لحظات الوحدة أو بمجرد مكوثه يف البيت راودته أفكار‬
‫مخيفة من قبيل أنه سيفقد شهرته ولمعانه وعمله‪.‬‬
‫ّ‬
‫الحظ أن ال أحد يتصل به وكأنه ال يملك أصدقاء وال‬
‫كيتهم‪ .‬اكتشف أنه وحيد وال يملك غي‬ ‫معارف بالرغم من ر‬
‫افياضية من ماليي المتابعي تفصل بينهم شاشة‬ ‫عائلة ى‬
‫كثيا حول مستقبله ورصورة إيجاده لحل‬ ‫هادف ذك‪ .‬يتساءل ر‬
‫ً‬ ‫ي‬
‫يجت من خاللها أمواال طائلة بدل‬ ‫ي‬ ‫جذري كفرصة عمل مغرية‬
‫الحاىل الذي يمقته لكنه يتظاهر بحبه له وباتزانه‪.‬‬‫ي‬ ‫من عمله‬
‫مهت سام ومؤذ يسوده الحسد والكره والغية‪ .‬ومع‬ ‫ي‬ ‫محيط‬
‫يباىل إىل أن اكتشف أنه ميعج من هذه‬ ‫ذلك‪ ،‬يتظاهر أنه ال ي‬
‫ى‬
‫االعياف بذلك‪.‬‬ ‫األشياء لكنه ال يجرؤ عىل‬
‫هو ميعج أيضا من أشياء كثية رافقته منذ سنوات واعتقد‬
‫أنه تجاوزها إىل أن اكتشف عكس ذلك‪ .‬أظن أن يف الال مباالة‬
‫راحة ولكن أغلبنا يباىل ويباىل ر‬
‫كثيا أحيانا بينما األمر يف غاية‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫البساطة‪.‬‬
‫الحياة ملن يستحق‬ ‫‪38‬‬
‫ّ‬ ‫ى‬
‫نأئ إىل الحياة من رحم األلم وهذه سنة هللا يف خلقه‬
‫ي‬
‫وأهدانا هللا عقال وقلبا وروحا ك ّ‬
‫نتعرف من خاللهم عىل كنوز‬ ‫ي‬
‫الحياة‪.‬‬
‫وكنوز الحياة ليست كلها مادية أو ملموسة‪ ،‬تكون أحيانا‬
‫محسوسة تغنينا و رتيينا وتمنحنا دروسا وعطايا و ىتيك ندوبا‬
‫ّ‬
‫نضعها أوسمة رشف عىل صدورنا ما حيينا‪ ،‬تفكرنا كم صارعنا‬
‫وحاربنا وكافحنا وانتضنا‪.‬‬
‫يأئ دون حرب أو عىل األقل معركة صغية‬ ‫ى‬
‫أساسا‪ ،‬ال نض ي‬
‫شء نتمناه‪ ،‬ومحظوظ من لديه‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫شء نرفضه يف سبيل ي‬ ‫ضد ي‬
‫معركة يف هذا الحياة بينما يعيش الكثيون عبثا ال يستطيعون‬
‫بذل جهد من أجل التعرف عىل رسالتهم‪.‬‬
‫مت لتغيي وجهة‬ ‫ى‬
‫لصديق يف محاولة ي‬
‫ي‬ ‫هذا ما كنت أقوله‬
‫أخيك به كذلك‪ ،‬أنت قارئ هذه‬ ‫نظره حول ما يمر به‪ ،‬و ّ‬
‫الكلمات‪...‬‬

‫يف الحقيقة‪ ،‬كلنا نخوض معارك عدة يف الحياة‪ ،‬وكلنا‬


‫ّ‬ ‫كيت خساراتنا ر‬
‫بشط أال نخش أنفسنا وكل‬ ‫فائزون مهما ّ‬
‫تعوض إال خسارة نفسك وأن تكسب نفسك يا‬ ‫الخسارات ّ‬
‫تع أن ليس العيب يف أن تسقط بل يف أن تظل‬ ‫ى‬
‫صديق‪ ،‬أي أن‬
‫ّ‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫تع أن هللا وضعك يف هذه الشدة وحارصك‬ ‫أين سقطت‪ ..‬أن ي‬
‫‪39‬‬ ‫أميرة ضيف للاه ه‬

‫حت ترى نورك وتتأمل يف عظمة خالقك‪ ،‬تتعرف عىل‬ ‫بالعتمة ى‬


‫اعيضتك ومن يقف‬ ‫نفسك وترى من ابتعد عنك ف أول أزمة ى‬
‫ي‬
‫ّ‬
‫إىل جانبك يسندك ويقويك ويمنعك من السقوط‪ .‬أن ي‬
‫تع أن‬
‫اختفاء بعض األشخاص من حياتك بعد كل ما فعلته إلبقائهم‬
‫أنق وأصدق وأن‬ ‫ما هو إال دليل عىل أنك تستحق أشخاصا ى‬
‫ى‬
‫ستمي لذلك‪.‬‬ ‫مرورهم بطريقك كان ًّ‬
‫مهما للغاية وحينها‬
‫تع أن نفسك كانت سجينة "نفسك" القديمة‪ ،‬وكان ال‬ ‫أن ي‬
‫بد أن تمر بكل ما مررت به يك تعتقها وتمنحها حريتها‪.‬‬
‫الحرية‪ ،‬تكتسب عندما تتخىل عن كل ما يمنعك من الحياة‬
‫وما يوهمك بضورة االكتفاء ب "شبه حياة"‪.‬‬
‫يزيفها و ّ‬
‫طهر زوايا‬ ‫يشوهها‪ّ ،‬‬
‫حرر نفسك من كل ما يؤذيها‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫روحك لتمتىل حبا وأمال وحزنا وضعفا وقوة وانتصارا!‬
‫صافح نفسك وانطلق من جديد‬
‫ى‬
‫صديق اقتنع‬ ‫نفس كنت أشك أن‬ ‫بيت وبي‬ ‫ى‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫أنت ي‬ ‫أعيف ي‬
‫ألنت أعرف أنه لم يكن يف حالة استقبال‬ ‫بكالم وهذا عادي ي‬ ‫ي‬
‫لمثل هذه الكلمات‪ .‬األمر كله نابع من الداخل وهو ال يزال يفكر‬
‫ّ‬ ‫ى‬
‫الت تعم دماغه وتسود قلبه‪ .‬هو يفكر حاليا يف‬ ‫يف الفوض ي‬
‫ّ‬
‫عملية تخرجه مما هو عليه اآلن‪ .‬يبحث‬ ‫عجزه وفقدانه لحلول‬
‫عن المال وعن وظيفة جديدة تليق به وعن مبلغ يسدد به‬
‫المياكم عليه وهو فعال ليس يف موضع التفكي يف‬ ‫اإليجار ى‬
‫الحياة ملن يستحق‬ ‫‪40‬‬
‫ر‬
‫الرفاهيات والكماليات بل األساسيات الذي لم يعتقد أبدا أنه‬
‫سيفقدها‪ .‬ال أستطيع أن أساعده ماديا وإن كان األمر بيدي لما‬
‫ترددت إطالقا عىل فعل ذلك وأرى أن وراء كل هذا حكمة‬
‫كذلك‪.‬‬
‫نحن ال نجذب ما نريد بل نجذب ما نحن عليه‪ .‬والدليل‬
‫عىل ذلك أن هناك ر‬
‫أناسا سعداء وآخرين تعساء‪ ،‬وهناك أناس‬
‫ناجون وآخرون فاشلون بالرغم من أن كل هؤالء تجمعهم‬
‫الرغبة يف تحقيق الكثي عىل اختالف آمالهم‪.‬‬
‫ر‬
‫ال تتوقع أبدا أن تتحقق أمنياتك وأنت متشائم ويائس‪.‬‬
‫ال تتوقع أن تتحصل عىل ما تريد وأنت ال تؤمن بقدرة هللا‬
‫عىل تغيي األمور لألفضل وبأنك تستحق كل ما تريد و ر‬
‫أكي وبأن‬
‫كل هذا ممكن‪ .‬لذلك‪ ،‬حاول أن تتقبل وتعيش حالتك النفسية‬
‫حت ترحل بسالم ونظف ثم جدد طاقتك وانطلق‪ .‬و يك‬ ‫السيئة ى‬
‫تنطلق أنت يف حاجة ماسة لنفسك‪ .‬نعم‪ ،‬أدرك أنك بصدد‬
‫توجيه التهم لنفسك والتشكيك يف قيمتها ألنك تعتقد أنك‬
‫ً‬
‫فقدت الكثي‪ ،‬وظيفة‪ ،‬أموال‪ ،‬أصدقاء‪ ،‬مكانة اجتماعية‪..‬‬
‫لكنك مخط وتتحدث مع نفسك عن جهل‪.‬‬
‫خيات وترقيات تعد‬
‫ال شك يف أن ما تجمعه من شهادات و ّ‬
‫بشط أن تحسن توظيفها‬ ‫زادا مهما لك ولرحلتك ف الحياة ر‬
‫ي‬
‫وتنتفع منها وتنفع بها غيك وتذكرك بأنها قدمت إليك من‬
‫‪41‬‬ ‫أميرة ضيف للاه ه‬

‫أجلك فقط وليس من أجل أن تجعل لك شأنا عند غيك ألنك‬


‫يف األخي لست يف موضع نقاش أو تقييم‪.‬‬
‫الخية المهنية والقيمة المادية وكل ما‬
‫الشهادات العلمية و ّ‬
‫ر‬
‫تكق يك تصنع "إنسانا"‪.‬‬
‫هو فان‪ ،‬ال ي‬
‫ه فعال المعيار‬ ‫ُ‬
‫اإلنسان يصنع بالمواقف‪ ،‬والمواقف ي‬
‫ه زادك الذي تقتات منه عند الحاجة‪.‬‬ ‫األنسب للتقييم و ي‬
‫عندما تمر عليك أيام ثقال يحدث أن تنس قيمتك‬
‫الحقيقية وتنس من تكون‪ ..‬وتنس كم أنت محظوظ بكونك‬
‫"أنت" يف عالم يتشابه ويتسابق فيه الجميع‪.‬‬
‫صيت عىل الغياب والحرمان والفراق‪ ،‬أنت‬
‫أنت الذي ّ‬
‫ى‬
‫الذي قابلت الخذالن بالسماح والتجاوز‪ ،‬أنت الذي اخيت‬
‫الصمت عند الظلم وكظمت الغيظ وأدرت ظهرك للصدمات‬
‫المض‬
‫ي‬ ‫والمحن‪ ،‬أنت الذي تجاهل تضف البعض وفضلت‬
‫وارتقيت عما حصل‪ ،‬أنت الذي زرعت األمل رغم األلم‬
‫واليأس‪ ،‬أنت الذي قاومت رغم الظروف القاسية وتحملت ما‬
‫ال ُيحتمل‪ ،‬أنت الذي أنصفت المظلوم وضمدت الجروح رغم‬
‫جرحك المفتوح‪ ،‬أنت الذي نمت عىل ضيق وتستفيق بعدها‬
‫مقبال عىل الحياة بحب وشور‪ ،‬أنت الذي أخطأت يف حق‬
‫نفسك و يف حق غيك فاعتذرت وتقبلت وتعلمت‪ ،‬أنت الذي‬
‫لم تسمح للتجارب القاسية أن تجعل منك شخصا أسوأ بل‬
‫الحياة ملن يستحق‬ ‫‪42‬‬

‫أنضج وأعمق وأح رن‪ ،‬أنت الذي حافظت عىل نقاء روحك‬
‫وصفاء قلبك وما زلت تحارب من أجل عالم أجمل‪.‬‬
‫الت جعلت‬‫ى‬
‫ال أحد غيك يعرف تلك التفاصيل الصغية ي‬
‫منك الشخص الذي أنت عليه اليوم‪ ،‬الشخص الذي ُيعجب‬
‫الجميع بنجاحه وتألقه لكنهم يختفون عند اإلخفاق أو‬
‫ى‬
‫الت سقطت فيها ونهضت‬ ‫السقوط‪ .‬ال أحد يعرف اللحظات ي‬
‫الت كادت تموت فيها روحك‬ ‫ى‬
‫من جديد‪ ،‬وال أحد يعرف المرات ي‬
‫حت كيف‪ .‬ال أحد يعرف ما عشت‬ ‫ولكنك أحييتها وال تعرف ى‬
‫من رصاعات وحروب وأنت لوحدك تقاتل وتحاول‪ .‬و يف‬
‫حت‬ ‫تبينه أنت لهم‪ ،‬و ى‬ ‫األخي‪ ،‬سيحكمون عىل ظاهرك وما ّ‬
‫اخيت أن يكون سطحيا خاليا من كل عمق‬ ‫الظاهر الذي ى‬
‫يحبذها أغلبهم‪ ،‬سيجد نصيبا من الفتوى‬ ‫الت ّ‬ ‫ى‬
‫ويشبه الصورة ي‬
‫والتحليل الزائف‪.‬‬
‫ّ‬
‫من أجل هذا السبب خاصة‪ ،‬ال بد أن تذكر نفسك بقيمتك‬
‫أنت أشجعك عىل الخمول أو ال أرى‬ ‫يعت ي‬‫الحقيقة‪ .‬هذا ال ي‬
‫نفس‬
‫ي‬ ‫مشكلة يف عجزك المادي‪ ،‬ال بالعكس تماما إذا كنت أنا‬
‫لكنت أريد‬
‫ي‬ ‫مررت بالكثي وما زلت أواجه الكثي من التحديات‬
‫توجيهك للطريق السليم‪.‬‬
‫جيدا‬ ‫مت وكيف‪ ،‬ال أدري! ما أعرفه ّ‬ ‫هذه المرحلة ستمر‪ ،‬ى‬
‫ّ‬
‫أنت يف حفظ هللا وعنايته وسيتوىل هللا أمرك ويدهشك‬
‫‪43‬‬ ‫أميرة ضيف للاه ه‬

‫بالسع‪.‬‬
‫ي‬ ‫بعطاياه لكنه أوصاك‬
‫اسع مطمي البال يف سبيل تحقيق ما أنت تريده وليس يف‬
‫سبيل تحقيق ما يريد غيك أن يراه فقط يك تثبت لهم أنك‬
‫موجود أو أنك ناجح يف نظره‪.‬‬
‫ى‬
‫الت تريحك فقط‪ .‬و يف األثناء‬
‫اسع لتجديد طاقتك بالطرق ي‬
‫ال ترض بالقليل ألنك تستحق الكثي‪ .‬ال ترض بنصف وظيفة‬
‫يك ال تعي ش الخصاصة بعد أن قطعت أمياال طويلة وتجاوزت‬
‫منتصف الطريق بكثي‪ .‬ال ترجع للصفر أو نقطة البداية ألن‬
‫ّ‬
‫تجاوزها كلفك الكثي من وقتك ومن جهدك‪ .‬اكتسبت الكثي‬
‫ّ‬
‫من المهارات يك تستغلها لفائدتك لتخرج من األزمة أقوى ال‬
‫ّ‬
‫تشتتها‪.‬‬ ‫لتهدرها و‬
‫تقبل ما يحدث لك إذا كنت لم ى‬
‫تخيه‬ ‫الرضا يكمن ف ّ‬
‫ي‬
‫ّ‬
‫بمحض إرادتك وإذا تجاوز قدرتك ثم تطور ما يدخل يف دائرة‬
‫حت وإن كان صعبا‪.‬‬ ‫مقدرتك وفيما تستطيع فعله بنفسك ىّ‬
‫السلبية وبي التسليم‬ ‫هناك فرق شاسع بي الرضا و ّ‬
‫واالستسالم‪.‬‬
‫تجاوزت الكثي لتصل لما حققته سابقا وبعض المراحل‬
‫تستوجب عدم العودة لنقطة البداية‪.‬‬
‫ال وجود ل "الصفر" اليوم‪ ،‬لقد تجاوزته بدرجات عديدة‪.‬‬
‫كي من حلمك واجعله شاسعا و ّ‬
‫جهز نفسك للتحليق بعيدا‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫الحياة ملن يستحق‬ ‫‪44‬‬
‫ّ‬
‫تعامل مع ما تمر به من مشكالت كتحديات جديدة تجعلك‬
‫ّ‬
‫تتحدى نفسك من جديد‪.‬‬
‫اجعل عالمك يدور حول نفسك و ر‬
‫اسع للحصول عىل ما‬
‫تحب وليس ما يجب الحصول عليه ألنك بهذه الطريقة‬
‫ستقلل من قدراتك وتحد من إمكانياتك الالمحدودة‪.‬‬
‫رض بأن تضيع حياته مقابل القليل لكنك لن تفعل‬
‫غيك ِ ّ ي‬
‫ر‬
‫حكيما‬ ‫هذا وستتعدى هذه المحنة وتدرك كم كنت ًّ‬
‫قويا و‬
‫باختيار ما يجب فعله وما يجب تركه‪.‬‬

‫*****‬
‫‪45‬‬ ‫أميرة ضيف للاه ه‬

‫( ‪)4‬‬
‫ّ‬
‫تقبل أحزانك‬
‫الحياة ملن يستحق‬ ‫‪46‬‬

‫ُ‬
‫ُ‬
‫الشخصيةُالُميكنُأنُتتطورُبسهوةلُوهبدوء‪ُ.‬‬
‫ميكنُفقطُمنُخاللُاألملُواملعاانةُأنُتقوىُ‬
‫الروحُويلهمُالطموح‪ُ،‬وحيققُالنجاح‪ُ ُ.‬‬
‫‪ُ-‬هيلنيُكيلر‬
‫‪47‬‬ ‫أميرة ضيف للاه ه‬

‫السلبية‪ ،‬اإليجابية‬ ‫اكتشفت مع الوقت أن األخطر من ّ‬


‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الزائفة‪ .‬وأغلب من يصدر هذه الكذبة‪ ،‬هم من يدعون أن‬
‫الحياة جنة وعالم السعادة المطلقة والرفاهية الدائمة‬
‫ويشعرونك بالغرابة إن لم تحس بذلك ولم ّ‬
‫تعي عنه‪.‬‬‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وردية كما يقال‬ ‫يف الواقع‪ ،‬الحياة ليست بالجنة‪ ،‬وليست‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫دائما سعيدا وإذا صادفك‬ ‫لك أحيانا وال يمكنك أن تكون‬
‫حقيق‪.‬‬ ‫ى‬ ‫ّ‬
‫ي‬ ‫غي‬ ‫و‬ ‫ع‬ ‫متصن‬ ‫شخص دائم السعادة فهو‬
‫عليك أن تقتنع بهذه القاعدة ألن الظالم والنور سي كونية‬
‫قوة وف يش وعش‪ .‬فال ّ‬
‫يغرك‬ ‫وخلقنا هللا ليجعلنا ف ضعف و ّ‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫عي منصات التعبي الخاصة وال‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الكالم الزائف الذي يسوق لك ّ‬
‫معينة تخدم مصلحته بينما‬ ‫ينشها أحدهم لغاية ّ‬ ‫الت ر‬
‫ى‬
‫الكلمات ي‬
‫ع وتقتن ع أنه عليك أن تكون عىل هذه‬ ‫تستهلكها أنت بال و ي‬
‫تزيف روحك فتصي‬ ‫حت ّ‬
‫حت تهرب مما يعيق حياتك و ى‬ ‫الحالة ى‬
‫السطحية ألنك ى‬ ‫ّ‬
‫التصنع و ّ‬
‫اخيت أن تهجر روحك وتتبت‬ ‫دائم‬
‫ّ‬
‫شبه أفكار ال تمثلك فقط ألنها أوهمتك بالسعادة الوقتية‪.‬‬
‫تعتقد أنك غريب وتحس بالذنب لكونك لست دائما‪ ،‬يف‬
‫قمة السعادة و ىتيدد ر‬
‫كثيا يف البوح بما يضيق به صدرك تجنبا‬
‫الت سيصدرها عنك غيك من قبيل أنك‬ ‫ى‬
‫لألحكام السطحية ي‬
‫ينبع أن تكون عىل هذه الحالة‪ ،‬إىل غي ذلك من‬
‫ي‬ ‫تشتك وال‬
‫ي‬
‫الكالم الذي يعكس سطحية صاحبه‪.‬‬
‫الحياة ملن يستحق‬ ‫‪48‬‬
‫ّ‬
‫لنتفق أوال عىل أن السعادة حالة وليست هدفا‪ ،‬وأن‬
‫االيجابية ال يعت أن تكون د ر‬
‫ائما يف أقض حاالت السعادة‪ ،‬بل‬ ‫ي‬
‫أن تكون واعيا وأن تتقبل ما تواجهه من تحديات وتدرك أنها‬
‫ستمر وأنها تحمل درسا كبيا لك بعثه هللا لك ك ّ‬
‫تطور من‬ ‫ي‬
‫نفسك وتني فكرك و ّ‬
‫تغي أفكارك ى‬
‫حت تتجدد وتنمو روحيا‪.‬‬
‫أساسا دوام الحال من المحال و يك تعيش سعيدا ال بد أن‬
‫تدرك أن الحزن جزء من سعادتك‪ :‬هذه معادلة كونية منطقية‬
‫ّ‬
‫تتبناها وليست ّ‬
‫مجرد فكرة عابرة‪.‬‬ ‫عليك أن تتقبلها و‬
‫العيش دون الحزن وشخصيا كنت أنفر منه‬ ‫ال نستطيع ر‬
‫وكنت أختار أحيانا الشخص الخطأ للفضفضة‪ ،‬الشخص الذي‬
‫يوجه له كالما‬‫بالسلبية و ّ‬
‫يحكم عىل الذبذبات المنخفضة لغيه ّ‬
‫مؤذيا يهدمه ويقنعه بأنه سيعيش تعيسا بهذه الطريقة وأنه ال‬
‫بد أن يتوقف عما يحس به حاال وكأن األمر بسيط ومرتبط بزر‬
‫"افتح" أو" أغلق"‪.‬‬
‫ّ‬
‫ال‪ ،‬األمر أعمق من هذا بكثي‪ .‬ال بد أن نتعلم الحياد يف‬
‫لسء‬ ‫ر‬ ‫ى‬
‫المشاعر وإعطاء كل شعور حقه ونتقبله حت يمر ال ي‬
‫فقط يك ال تكتسب شيئا من النشوة المؤقتة لبعض اللحظات‬
‫خارج‪ .‬عليك‬
‫ّ ي‬ ‫ثم تجد جرحك ُيفتح من جديد مع أي ظرف‬
‫الت تتعامل بها‬ ‫ى‬
‫النفس بنفس الطريقة ي‬
‫ي‬ ‫أن تتعامل مع جرحك‬
‫مع جرحك العضوي‪.‬‬
‫‪49‬‬ ‫أميرة ضيف للاه ه‬

‫الت تؤدي إىل حدوث شق يف جلدك‬ ‫ى‬


‫الجرح‪ ،‬تلك اإلصابة ي‬
‫وتحدث أحيانا بفعل تتسبب فيه بنفسك أو صدفة إذا‬
‫معي ‪ .‬أغلب الناس يفضلون ترك ذاك الجرح‬ ‫تعرضت لحادث ّ‬
‫حت يلتئم مع الوقت‪ ،‬لكن هذا األسلوب خاىط‪ ،‬وإن‬ ‫مفتوحا ى‬
‫حت يلتئم‪ ،‬إضافة اىل التعفن‬‫اتبعته‪ ،‬سيأخذ الجرح وقتا أطول ى‬
‫وظهور الندب بعدها وترك آثار عىل الجلد‪ ..‬تخيل لو فعلت‬
‫السء مع جرح يف قلبك أو يف نفسك‪ ،‬ترى نفسك تيف‬ ‫ر‬
‫نفس ي‬
‫تخي نفسك أن مع الوقت‬ ‫تدم‪ ،‬تتصنع القوة و ّ‬ ‫ي‬ ‫وروحك‬
‫شء عىل ما يرام‪ ..‬ومع الوقت‪ ،‬سيصبح الجرح‬ ‫ر‬
‫سيصبح كل ي‬
‫خارج‪..‬‬
‫ّ ي‬ ‫أكي بمجرد تعريضه ألي عامل‬ ‫أعمق‪ ،‬وسيصيبك ألم ّ‬
‫ما رأيك لو تحدق يف جرحك قليال؟‬
‫حت وإن تألمت كثيا‪،‬‬ ‫نظفه‪ ،‬عقمه‪ ،‬ضمده بنفسك ى‬
‫صدقت‪ ..‬ستحس بألم يف اليوم‬
‫ي‬ ‫العملية سهلة ال تحتاج تدخال‬
‫األول‪ ،‬ستتعود عليه بعدها مع مرور األيام‪ ،‬ستنس الجرح‪ ،‬إىل‬
‫أن تكتشف أنه اختق مع الوقت وتشكر نفسك ألنك تحملت‬
‫ّ‬
‫من البداية األلم الناتج عن المداواة المبكرة‪.‬‬
‫الوقت كفيل بشفاء جروحك‪ ،‬وكلما سارعت بتعقيمها‪،‬‬
‫تعافيت يف وقت أقض‪ ..‬الوقت سيداوي جرحك لكنه لن‬
‫ينسيك كيف جرحت وكم بذلت من جهد لمداواته وستتذكر‬
‫حت تتجنبه و ى‬
‫حت يقل أثر الصدمة يف المرة‬ ‫ر‬
‫دائما سبب الجرح ى‬
‫الحياة ملن يستحق‬ ‫‪50‬‬

‫ستتكون عندك مناعة نفسية تجعلك تتضف‬ ‫ّ‬ ‫القادمة و‬


‫بطريقة سليمة‪.‬‬
‫ينبع‪ ،‬لن تحتاج غي هللا‬ ‫ضمد جراحك بنفسك كما‬ ‫ّ‬
‫ي‬
‫والوقت‪.‬‬
‫شء يحدث‬ ‫ر‬
‫من حكمة هللا أن يجعل لكل حدث سببا وال ي‬
‫حت فيوس كورونا نفسه‪ ،‬مهما‬ ‫لك بالصدفة مهما كان شنيعا‪ .‬ىّ‬
‫ّ‬
‫اشتد الوضع الناتج عنه سوءا‪ ،‬ال بد أن تقتنع تماما أن وراءه‬
‫إله‬‫خي كبي يفوق توقعات خيالك البسيط وينبع من إتقان ي‬
‫عظيم‪ .‬وهذا مثال عن كل ما تمر به يف حياتك من محن تحكم‬
‫يأئ يف شكل هدية‬ ‫ى‬ ‫ّ ّ‬
‫عليها بسطحية تامة بينما تجد وراءها درسا ي‬
‫سياه‬‫حت وإن كنت ال ترى ذلك بوضوح اآلن لكنك ى‬ ‫ربانية لك ى‬
‫بعد أن تتجاوز المرحلة بسالم‪ .‬ستشكر هللا حينها عىل ما‬
‫لتتاىل‬
‫ي‬ ‫مض‪ .‬ستقف مذهوال أمام ترتيب محكم ودقيق‬
‫األسباب وتسلسل األحداث وتتمت لو يعود بك الزمن للوراء‬
‫أكي وتتعامل مع الواقع بلي وهدوء‬ ‫ع ّ‬ ‫تتضف بو‬ ‫ّ‬ ‫ى‬
‫حت‬
‫ّ‬ ‫ي‬
‫ر‬
‫خاضعا الختبار مهم يتطلب‬ ‫وتستشعر نعمة أن تكون مبتىل أو‬
‫حدا أدئ من الذكاء و ى‬ ‫ّ‬
‫اليكي‪.‬‬ ‫منك‬
‫الت سكنت قلبك‬ ‫ى‬
‫فيما بعد‪ ،‬ستكتشف أن كل األحزان ي‬
‫ووجدانك يف مرحلة ما من عمرك‪ُ ،‬وجدت يك تجعلك أقوى‬
‫التحمل‪ .‬ال تستطيع أال تحزن إذا فقدت‬‫ّ‬ ‫أنق وأقوى قدرة عىل‬ ‫و ى‬
‫‪51‬‬ ‫أميرة ضيف للاه ه‬

‫خي وفاة صديق أو خشت‬ ‫شخصا من عائلتك أو تلقيت ّ‬


‫أموالك أو عشت الخصاصة بعد الوفرة‪ .‬ال تستطيع أال تحزن‬
‫إ ذا خرجت من عالقة حب أو زواج فاشلة دافعت من أجل‬
‫استمرارها بكل ما امتلكت من قوة‪.‬‬
‫ّ‬
‫بالعكس‪ ،‬ال بد أن تحزن وأن تع ّ ّي عن خذا الحزن بوضوح‬
‫حت تستنفد مخزون األلم وما تبعه من مشاعر‬ ‫أو تعيشه لآلخر ى‬
‫منخفضة‪.‬‬
‫ّ‬
‫يصيبت سوء‬
‫ي‬ ‫ا‬ ‫عندم‬ ‫أو‬ ‫به‬ ‫مررت‬ ‫ما‬ ‫شيئا‬ ‫فجأة‬ ‫ر‬ ‫أتذك‬ ‫عندما‬
‫ّ‬
‫ابت مشاعر األلم لسبب ما‪ ،‬أتذكر كم مرة فيما مض من‬ ‫أو تنت ي‬
‫ألم الدافع األقوى للتغيي الذي أصبحت عليه‬ ‫حيائ كان‬ ‫ى‬
‫ىّ ّ‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫حت إن يت أحيانا‪ ،‬عندما‬ ‫يخيفت بتاتا‪.‬‬
‫ي‬ ‫اليوم وفعال صار الحزن ال‬
‫تخيالت مرعبة وموجعة لمصائب‬ ‫يخونت خياىل‪ ،‬أنساق وراء ّ‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫يعائ من مشكلة ما‬ ‫ي‬ ‫نفس مكان غيي الذي‬ ‫ي‬ ‫ستصيبت أو أضع‬
‫ي‬
‫الت يمكن أن تنجرّ‬ ‫وأحاول أن أعيش جزءا من الحالة النفسية ى‬
‫ي‬ ‫ّ‬
‫نفس أن‬
‫ي‬ ‫أخي‬
‫ّ‬ ‫‪.‬‬ ‫مشاعري‬ ‫و‬ ‫أفكاري‬ ‫ف‬‫ري‬ ‫م‬ ‫أتحك‬ ‫عن ذلك‪ ،‬فضت‬
‫الش أبدا‪ ،‬وأن الخوف من الحزن نفسه‬ ‫هللا ال يريد ئ ر‬
‫ّي‬
‫الصي أجرين‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ر‬
‫سيضاعفه وأن لنا عند البالء أجرا وعند‬ ‫ُ‬
‫إيجائ‬ ‫كذلك‪ ،‬المرور بوضعيات صعبة كثية‪ ،‬هو ر‬
‫مؤش‬
‫ّي‬
‫عىل تقليص فرص التعرض لألزمات‪ .‬تجد نفسك مع الوقت‬
‫عدة وم ّ‬ ‫ّ‬
‫تنوعة‪ ،‬فتكتشف‬ ‫قد نلت رشف الدخول يف حروب‬
‫الحياة ملن يستحق‬ ‫‪52‬‬

‫حت إن حصل ما يخالف‬ ‫أنك لن تعيش أسوأ من ذلك‪ ،‬و ى‬


‫قواك‬ ‫توقعاتك‪ ،‬فإنك جاهز لذلك‪ .‬اكتسبت من الخية ما ّ‬
‫ّ‬
‫تكونت لديك مناعة نفسية تحميك مما يهددك‪.‬‬ ‫حت ّ‬ ‫وصقلك ىّ‬
‫ّ‬
‫نفس إذا ما حزنت أن يت مررت بالكثي‬ ‫ي‬ ‫أخي‬
‫شخصيا‪ّ ،‬‬
‫يخيفت القادم‪.‬‬ ‫ر‬
‫لألكي وال‬ ‫وأستعد كل يوم‬
‫ي‬
‫ّ‬ ‫هذا ليس تشاؤما بل بالعكس‪ّ .‬‬
‫تخيل أن شخصا ما يهددك‬
‫تعي له عن خوفك من تهديده وتنساق وراء‬ ‫بالخطر‪ ،‬عندما ّ‬
‫ّ‬
‫تلك المشاعر المنخفضة سينال منك وبينما عندما تواجهه‬
‫معيا عن عدم اهتمامك أو خوفك‪ .‬التقبل هو‬ ‫بكل شجاعة ّ‬
‫ّ‬
‫ه األهم‪.‬‬ ‫الحل والمواجهة ي‬
‫حت رصت‬ ‫إن أحزائ جزء مت‪ ،‬أعرفها مثلما أعرف نفس ى‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫عت يف‬ ‫ى‬
‫أتقبلها وأحضنها وأطبطب عليها أحيانا حت ترحل ي‬
‫توصلت لمكان أجمل‪.‬‬ ‫ي‬ ‫سالم بعد أن‬
‫ر‬
‫مت ومنك‪ .‬ولواله لما عرفنا للفرح طريقا‪.‬‬ ‫أجل‪ ،‬الحزن جزء ي‬
‫ه الحياة قائمة عىل الثنائيات والتناقضات‪ .‬وال بد أن‬ ‫هكذا ي‬
‫ينبع‪.‬‬ ‫حت تعيشها كما‬ ‫تراها عىل حقيقتها ى‬
‫ي‬
‫ربما لم تتعرف عليها بعد‪ ،‬لكن أرجوك أمهل نفسك بعض‬
‫حت ال ّ‬
‫تزيفها كما فعل اآلخرون‪.‬‬ ‫الوقت ى‬
‫‪53‬‬ ‫أميرة ضيف للاه ه‬

‫اخلق عالمك الخاص بك‪ ،‬حيث تخوض معاركك بنفسك‪،‬‬


‫تحاول بمفردك‪ ،‬وتقرر مصيك لوحدك‪.‬‬
‫ًّ‬
‫ال يهم حقا أن تكون يف عي أحدهم "فاشال" أو "ناجحا"‪،‬‬
‫"سعيدا" أو "تعيسا"‪ ،‬مهما أو تافها‪ ،‬بقدر أن تكون "أنت" كما‬
‫تحب أن تكون‪ ،‬يف عي نفسك ألنك يف الواقع لن تجد غي هللا‬
‫ونفسك يف أحلك اللحظات الصعبة‪ :‬لحظات البؤس واليأس‬
‫عندما تسقط وتقف من جديد لتلملم حطامك وآمالك‬
‫ورغباتك‪ ،‬وعند الفرح والنض والفخر كذلك‪ .‬لن تجد غي‬
‫مرة بكل ما مررت به لوحدك ى‬ ‫تذكرك كل ّ‬‫ّ‬
‫حت أصبحت‬ ‫نفسك‬
‫عىل ما أنت عليه اآلن‪.‬‬
‫نقيضا للحياة‪ ،‬بل ر‬ ‫ر‬
‫جزءا منها وجش عبور‬ ‫إن الحزن ليس‬
‫لمرحلة أفضل وهذا ش من أشار الكون سينقذك من المقاومة‬
‫لصحتك النفسية والجسدية إذا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫المض‬ ‫السلبية والرفض‬
‫ّ‬
‫اقتنعت به حقا‪ .‬ف المقابل‪ ،‬تذكر ّ‬
‫جيدا أن ليس كل ما تمر به‬ ‫ي‬
‫ّ‬ ‫ى‬
‫تنتق أحزانك وتصنفها‬‫ي‬ ‫يستحق فعال الحزن‪ ..‬األفضل أن‬
‫ألنت ال أستطيع‬ ‫ي‬ ‫حسب معايي تختارها أنت بنفسك‬
‫حق أن أحدد لك ما تحزن عليه‬ ‫ى‬
‫مساعدتك يف ذلك وليس من ي‬
‫وما تتجاهله‪ ،‬لكن هذا الكون قائم عىل أساس التوازن وال‬
‫يحتمل المغالطات والمبالغة واإلفراط‪ .‬لذلك‪ ،‬أدعوك‪ ،‬من‬
‫يقتض‬ ‫أجل نفسك‪ ،‬إلعادة ترتيب أولوياتك و ّ‬
‫التعرف عىل ما‬
‫ي‬
‫الحياة ملن يستحق‬ ‫‪54‬‬

‫الحزن وما ال يقتضيه وتحديد إن كان ما حزنت عليه ّ‬


‫مرة‬
‫ّ‬
‫يستحق أن تحزن عليه بنفس الشدة مرة ثانية‪ ،‬أدعوك بكل‬
‫ّ‬
‫لطف لطرح هذه التساؤالت عىل نفسك علها ترشدك لإلجابة‪.‬‬

‫*****‬
‫‪55‬‬ ‫أميرة ضيف للاه ه‬

‫( ‪)5‬‬

‫العالقات‬
‫الحياة ملن يستحق‬ ‫‪56‬‬

‫ُ‬
‫ُ‬
‫الثقافةُأنُتعرفُنفسك‪ُ،‬أنُتعرفُالناس‪ُ،‬أنُ‬
‫تعرفُاألش ياءُوالعالقات‪ُ،‬ونتيجةُذلكلُ‬
‫س تحسنُالترصفُفميُيملُبكُمنُأطوارُاحلياةُ‪.‬‬
‫جنيبُُحمفوظ‬
‫‪57‬‬ ‫أميرة ضيف للاه ه‬

‫مع الوقت نكتسب الكثي من طباع األشخاص الذين رافقونا‬


‫أحبونا‪ .‬هنالك أشخاص تعلمنا منهم الحب والرقة‬ ‫وأحببناهم و ّ‬
‫وفن التعامل مع الناس والحياة‪ ،‬فقط بمجرد تمعننا يف تفاصيلهم‬
‫ّ‬ ‫ى‬
‫الت قضيناها معهم‪ .‬تعلمنا‬ ‫واختالطنا بهم ّبغض النظر عن المدة ي‬
‫نعي بصدق‪ ،‬كيف نهتم بتفاصيل‬ ‫بعمق وكيف ّ‬ ‫منهم كيف نتحدث ُ‬
‫ّ‬
‫صغية تضيف الكثي وكيف نزرع األمل يف الحقول القاحلة‪.‬‬
‫الر ى يف يف‬ ‫هناك أشخاص يعلموننا بمجرد مرورهم بحياتنا‪ّ ،‬‬
‫الفكر والعيش‪ ،‬اللباقة يف الحديث واألناقة يف المعامالت‪ .‬يعلموننا‬
‫الت تحملها رحلة الحياة فنصبح أحىل‬ ‫ى‬
‫المعائ ي‬
‫الغوص يف أعماق ّ ي‬
‫أنق وألطف ويتجىل الجمال يف أبه صوره‪ .‬مع الوقت‪ ،‬نصبح‬ ‫و ى‬
‫ّ‬ ‫مثلهم‪ ،‬بنا رشء منهم‪ ،‬ونذكرهم ر‬
‫كثيا لشدة جمال األثر الذي تركوه‬ ‫ي‬
‫بنا‪.‬‬
‫حدق جيدا ف الصور ى‬ ‫ُ ّ‬
‫الت‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫وهناك أشخاص آخرون‪ ،‬عندما ن‬
‫شوهت الروح والعقل‪ ،‬اكتسبنا‬ ‫مشوشة‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫تركوها يف أذهاننا نجدها‬
‫ى‬
‫صفات مكروهة والكثي من العادات السيئة وحت من طريقة‬
‫لسء‪،‬‬ ‫ر‬
‫األمور كان من الممكن أن تكون أحسن‪ ،‬ال ي‬ ‫ُّ‬
‫تفكينا يف أبسط‬
‫وع وبعفوية باتت سطحية‬ ‫ألننا استهلكنا ما قدم إلينا دون ي‬
‫وسلبية فيما بعد‪.‬‬
‫اهتماما ر‬ ‫ر‬ ‫ًّ‬
‫كبيا‬ ‫لذلك‪ ،‬أؤمن أنه من المهم جدا أن تعي عالقاتك‬
‫وأن تنتبه الختياراتك‪ :‬مع من تتكلم ومن ترافق ومن تشارك‬
‫أحالمك‪ ..‬الجمال ُم رعد والحب ُمعد وما يخالفهما كذلك ُمعد‪.‬‬
‫الحياة ملن يستحق‬ ‫‪58‬‬
‫ّ‬
‫وإن كنت تعلمت درسا يف عام ‪ ،٢٠٢٠‬فهو تأثي األشخاص‬
‫المحيطة بنا عىل صحتنا النفسية‪ .‬تكتشف شدة هذا التأثي عليك‬
‫العيات الشخصية أو‬‫عندما تعم الفوض حياتك أو تعيش بعض ر‬
‫تتأثر سلبا من الظروف الخارجية مثلما حصل مع أغلب الناس يف‬
‫ظل جائحة كورونا‪.‬‬
‫أن يكون لديك أشخاص رائعون تعتمد عليهم وقت الشدة‬
‫ويبعثون لك طاقة الفرح والبهجة ويساعدونك يك تكون شخصا‬
‫أجمل فهذا إنجاز رائع‪ ،‬لكن إن كان األمر غي ممكن فتأكد عىل‬
‫محبطي‬ ‫ى‬
‫األقل أنك لم تيك مساحة يف حياتك ألشخاص سلبيي و ِ‬
‫أو تعساء ال يتقنون إال الشكوى والتذمر المفرط والقلق الدائم أو‬
‫أشخاص تسود الكراهية قلوب هم ويدمنون الحسد والحقد أو‬
‫مباشة‪ ،‬لكنك‬‫عادات أخرى مكروهة‪ .‬ربما لم تتضر منهم بصفة ر‬
‫مباش وخطي وال تنتبه إليه ر‬
‫دائما‪.‬‬ ‫تتعرض لضر نفس غي ر‬
‫ي‬
‫سينته بك األمر إما ألن تصبح مثلهم أو تتعرض إلساءة منهم‬
‫ي‬
‫أو تتشاجر معهم ألنك ستحاول لفت نظرهم لتغيي بعض العادات‬
‫عندهم ألنك تحبهم وترفض أن يكون أحبابك عىل هذا الحال‬
‫فس ُيقابلونك بالرفض والصد أو سيتغيون عليك أو يسيطر ّ‬
‫اليود‬
‫تنته‪.‬‬
‫ي‬ ‫عىل العالقة إىل أن‬
‫ّ‬
‫تتعود عىل التعامل بذكاء إذا أردت أن تكون‬ ‫لذلك‪ ،‬ال بد أن‬
‫صحية خاصة وأنها جزء من نجاحك أو فشلك يف‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫عالقاتك‬
‫ّ‬
‫الحفاظ عىل اتزانك‪.‬‬
‫‪59‬‬ ‫أميرة ضيف للاه ه‬
‫ّ ّ‬
‫لكل منا عيوبه لكن هناك عيوب أنت نفسك ال تقبلها يف غيك‬
‫ر‬
‫وتعرف جيد ا مدى خطورتها عىل العالقة وال تجد الجرأة عىل‬
‫تقبل غيك عىل طبيعته أو رغبة‬ ‫التعبي عن استيائك منها بتع ّلة ّ‬
‫ِِ‬
‫منطق لكن ال تكذب‬ ‫ى‬ ‫منك يف إعطاء فرصة للعالقة‪ .‬هذا التفكي‬
‫ي‬
‫عىل نفسك‪.‬‬
‫كثيا وأجدها عميقة‬ ‫"الصاحب ساحب" تعجبت هذه الجملة ر‬
‫ي‬ ‫ّ‬
‫ألن من تصاحبه سي رسحبك دائما إما للقمة أو للحضيض والقرار‬
‫ّ‬ ‫ر‬
‫سيعود إليك إذا كنت بلغت درجة دنيا من الوع‪ّ .‬اتبع قلبك و ى‬
‫اخي‬ ‫ي‬
‫من يشابه روحك ومن يملك ذبذبات عالية ترفعك وتدفعك‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫وتبهجك مع فك التعلق‪ .‬التعلق بفكرة الحفاظ عىل العالقات‬
‫"اجتماع" أو بمصلحة تجمعك بغيك‪..‬‬ ‫ي‬ ‫خوفا من الوحدة أو بلقب‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تجىل‪ .‬وال بد أن تتقبل فكرة أن يرحل عنك غيك أو‬ ‫ي‬ ‫‪،‬‬ ‫التخىل‬
‫ي‬ ‫يف‬
‫ببساطة تتقبل أن بعض األشخاص يف حياتنا هم فقط عابرون‪.‬‬
‫مرة‬‫سيئون! منهم أشخاص تقابلهم ّ‬ ‫وهؤالء العابرون ليسوا كلهم ّ‬
‫واحدة ويسهمون يف تغيي طريقة تفكيك لألبد‪ ،‬كاألشخاص الذين‬
‫تقابلهم صدفة يف رحلة أو يف طريق العودة إىل الميل أو يف الطائرة‪..‬‬
‫وأشخاص آخرون ال تربطك بهم أي عالقة حقيقية غي أنهم‬
‫االجتماع لكنهم‬ ‫اضيون جمعتكم منصات التواصل‬ ‫افي ّ‬ ‫أصدقاء ى‬
‫ي‬
‫يضيفون الكثي ليومك ويسعدونك بتعليقاتهم وتفاعالتهم‪ .‬منهم‬
‫يعيون لك فيها عن‬ ‫من يكتب لك تعليقات جميلة وصادقة ّ‬
‫ّ‬
‫إعجابهم بك وبما تحققه من إنجازات مهنية أو يشكرونك بكل‬
‫تنشه من موجات إيجابية أو كلمات مؤثرة‪ .‬ال مصلحة‬ ‫حب عىل ما ر‬
‫الحياة ملن يستحق‬ ‫‪60‬‬

‫وال حسابات تجمعك بهؤالء األشخاص وهذا ما جعل مرورهم‬


‫ر‬
‫ملحوظا ىّ‬ ‫ر‬
‫حت إ ن العالقة تتطور أحيانا لتصل إىل‬ ‫بحياتك أنيقا و‬
‫مرحلة الصداقة فتجد أحدهم يستأمنك عىل أشاره ويستشيك‬
‫ويستمع لنصائحك ويقلق لغيابك ويسع لمقابلتك‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تتكون مع الوقت بينكم مودة ورحمة‪ .‬تحزن إذا علمت أن‬
‫ّ‬
‫سوءا أصابهم وتواسيهم وتسأل عن أخبارهم إن غابوا وتهنئهم‬
‫بمناسبة نجاحاتهم وأفراحهم‪.‬‬
‫لسء مهم أال وهو‬ ‫ر‬ ‫ّ‬
‫هذا النوع من العالقات ممي ويلفت نظرك ي‬
‫ى‬
‫حقيق‪.‬‬ ‫اض عىل أساس أنه عالم‬ ‫ى‬
‫ي‬ ‫رصورة التعامل مع العالم االفي ي‬
‫ينشه أشخاص آخرون من خطابات تدعو‬ ‫فتجد نفسك تنفر مما ر‬
‫إىل العنف والفتنة وتشعر من خاللها بذبذبات الحسد والغية‬
‫المرضية وهذا ما يدفعك إىل مسحهم من قائمة األصدقاء‪ .‬وعندما‬
‫يتجاوز أحدهم حدوده‪ ،‬تلجأ إىل "البلوك"‪ .‬عملية بسيطة للغاية‬
‫تجعلك تحس باالرتياح بعد القيام بها وهكذا هو األمر يف العالم‬
‫تتعرف عىل ما يرسله لك‬‫الواقع‪ .‬ال بد أن تختار بوع محيطك و ّ‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫وعىل ما تستهلك ألن جزءا كبيا من طبعك وشخصيتك سينمو‬
‫تمتصه منهم من عادات ونمط عيش وطرق تواصل‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫عىل ما‬
‫االجتماع يف أحد‬ ‫ضتت صورة عىل أحد مواقع التواصل‬ ‫ى‬
‫ّي‬ ‫اعي ي‬
‫األيام وكانت ّليتقالة سليمة وضعت بجانب برتقالة متعفنة قليال‬
‫ج من الطبيعة‬ ‫اليتقالة السليمة‪ّ .‬هذا مثال ي‬
‫وبعد أيام‪ ،‬تعفنت ّ‬
‫ى‬
‫يعكس خطورة احتكاك الشخص المين بشخص مضطرب أو‬
‫‪61‬‬ ‫أميرة ضيف للاه ه‬

‫سينته بك‬ ‫واعيا بما يبعثه غيك لك‬ ‫سلت‪ .‬مهما كنت سليما و ر‬
‫ي‬ ‫ّي‬
‫ّ‬
‫األمر إىل التأثر به وستحاول امتصاص الطاقة السلبية منه لتحولها‬
‫وع إىل طاقة مشابهة لها تعود بالمضة عىل نفسك‬ ‫فيما بعد بال ي‬
‫أوال ثم عىل غيك‪ .‬تتساءل ما الحل إذن؟‬
‫ر‬
‫الحل هو أن تحاول جاهدا الحفاظ عىل مسافة األمان‪ .‬حاول‬
‫الذائ لنفسك ولتفكيك ولوعيك بعد‬ ‫ى‬ ‫أن تلعب دائ رما دور المراقب‬
‫ي‬
‫مخالطة شخص ما لوقت طويل خاصة إن كانت ظروفك الحياتية‬
‫تقتض وجودك معه‪ ،‬أي أن يكون الشخص السام مثال زميلك يف‬ ‫ي‬
‫األكي من‬ ‫ّ‬ ‫النصيب‬ ‫معه‬ ‫تقض‬
‫ي‬ ‫و‬ ‫المكتب‬ ‫نفس‬ ‫يقاسمك‬ ‫العمل‬
‫مقيما معك يف نفس‬ ‫ر‬ ‫العاطق أو أن يكون‬ ‫وقتك أو أن يكون رشيكك‬
‫ي‬
‫ّ‬ ‫ى‬ ‫ّ‬
‫تتكون‬ ‫الميل‪ .‬حاول قدر اإلمكان أن تتعرف عىل المشاعر ي‬
‫الت‬
‫عندك بعد الحديث لذاك الشخص أو االنصهار يف مشاعره‬
‫التمعن يف تضفاته‪.‬‬ ‫و ّ‬

‫ستتحول‬ ‫ّ‬ ‫ستتحول فيما بعد ألفكار‪ ،‬واألفكار‬ ‫ّ‬ ‫تلك المشاعر‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫فتأكد ّ‬ ‫ّ‬
‫جيدا من سالمة قراراتك وتضفاتك ومدى صحة‬ ‫لواقعك‬
‫الت تجول بخاطرك وتصل أحيانا إىل حد السيطرة عليك‬ ‫ى‬
‫األفكار ي‬
‫تنتم لشخص آخر لكنك‬ ‫ي‬ ‫تنتم إليك بل‬ ‫ي‬ ‫ه أساسا ال‬ ‫بينما ي‬
‫ى‬
‫سمحت لها باخياقك‪.‬‬
‫يدا أن العقل ر‬ ‫ر‬
‫البشي‪ ،‬ال يمكن أحيانا التحكم فيه‬ ‫أدرك ج‬
‫التعرف عىل الصواب والخطأ والتفريق‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بسهولة وال يخول لك‬
‫بينهما من الوهلة األوىل خاصة مع لهفة البدايات والشغف الذي‬
‫الحياة ملن يستحق‬ ‫‪62‬‬

‫يدفعنا نحو خوض مغامرات مع أشخاص نحسب أننا نعرفهم لكننا‬


‫ّ‬
‫معلم والفشل ّ‬ ‫نجهلهم ولكن ى‬
‫مرة يصبح فرصة‬ ‫تبق التجربة خي‬
‫للنجاح ف ّ‬
‫المرة التالية‪.‬‬ ‫ي‬
‫ال تضع وقتك يف لوم نفسك وال تشتت طاقتك أبدا يف البكاء‬
‫عىل ما ضاع منك من مشاعر استثمرتها مع الشخص الخطأ بل‬
‫حت وإن كان قد تأخر‬ ‫اشكر هللا ّأوال ثم نفسك عىل اكتشاف األمر ى‬
‫ولكن احرص ف ّ‬
‫المرة القادمة عىل أن تكتشف األمر باكرا أو عىل‬
‫ّ‬ ‫ي‬
‫ّ‬
‫أن تتفطن عىل األقل إىل المشكل يف أقرب وقت‪ .‬يف الواقع كلما‬
‫ُ‬
‫اكتشفت المرض بشعة‪ ،‬شفيت يف وقت أقل وكانت األرصار أقل‪.‬‬

‫العالقات عالم غريب وعجيب وما ال يعيه البعض أنه بإمكانك‬


‫ّ‬
‫التحكم ف عالقاتك أو التعامل معها بذكاء ى‬
‫حت تستطيع تصنيفها‬ ‫ي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وانتقائها والتعرف عىل نوعها منذ البداية لتقرر بنفسك أي‬
‫تبق عليها و ّأيها تستحق أن تنهيها‪.‬‬
‫ى‬
‫العالقات تستحق أن ي‬

‫*****‬
‫‪63‬‬ ‫أميرة ضيف للاه ه‬

‫( ‪)6‬‬

‫املظاهر‬
‫الحياة ملن يستحق‬ ‫‪64‬‬

‫ُ‬

‫جيبُأنُتصبحُالعالقاتُاإلنسانيةُأكرثُصدقًا‪ُ،‬‬
‫أكرثُبساطةُوهدوًُءا‪ُ،‬كنُفظُاُعندماُتغضب‪ُُ،‬‬
‫احضكُعندماُتقابلُشيئًاُمر ًحا‪ُ،‬جاوبُحنيُ‬
‫تسأل‪.ُ.‬‬

‫أنطونُتش يخوف‬
‫‪65‬‬ ‫أميرة ضيف للاه ه‬

‫معينة‬ ‫تتضف ر‬
‫دائما بطريقة ّ‬ ‫ّ‬ ‫ما تعيشه داخل نفسك يجعلك‬
‫الداخىل‪.‬‬
‫ي‬ ‫تعكس ما يدور يف عالمك‬
‫أعت بذلك أن الناس عادة ما تصدر عنهم بعض التضفات‬ ‫ي‬
‫ّ‬
‫المؤذية ألن شعورهم تجاه أنفسهم يكون سيئا وهذا يعود لسوء‬
‫تقديرهم لذاتهم والنعدامه أحيانا‪.‬‬
‫ّ‬
‫فرضيتي‪ّ :‬إما أن يصبح‬ ‫فيجد الشخص نفسه حينها أمام‬
‫ّ‬ ‫ًّ‬ ‫الشخص ّ‬
‫سيئا جدا وهو عىل دراية بذلك لكنه عاجز عن التغيي‬
‫سيئا‬‫أكي من أفعاله‪ ،‬و ّإما أن يصبح الشخص كذلك ّ‬ ‫ويستاء كل مرة ر‬
‫ّ‬
‫لكنه عىل اقتناع تام بأن ما يقوم به هو الصواب بعينه‪ ،‬بل يصل‬
‫به األمر أحيانا إىل تيير أفعاله عندما ّ‬
‫يقزم غيه وي هينه ويؤذيه أذى‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ر‬
‫أعت بذلك أن يصل به األمر مثال إىل قتل نفس بشية‬ ‫كبيا و ر‬
‫شنيعا‪.‬‬ ‫ر‬
‫ّ‬ ‫ي‬
‫أن ما ى‬
‫اقيفه من إثم‬ ‫الضحية تستحق ذلك و‬ ‫ّ‬ ‫ويكون عىل قناعة أن‬
‫ّ‬ ‫ر‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يف حقه‪ ،‬ما هو إل هدية للبشية جمعاء‪ ،‬إذ يعتقد أنه بقيامه بذلك‪،‬‬
‫"أشارا"‪.‬‬‫سوف يري ح العالم من بعض األشخاص الذي يعدهم هو ر‬
‫هذا ما حصل يف السلسلة األمريكية " يو‪:" YOU -‬‬
‫جووي‪ ،‬شاب يف مقتبل العمر يعمل يف إحدى المكتبات‬
‫يسميه يف المسلسل‪ .‬تظهر‬‫الكيى ف نيويورك أو متجر كتب كما ّ‬‫ّ‬
‫ي‬
‫ّ‬
‫عليه عالمات الوسامة والنضج والحكمة وبمجرد رؤيته تجد‬
‫نفسك معجبا بهدوئه ودماثة أخالقه وثقافته وخاصة طريقته يف‬
‫التعامل مع األشخاص سواء كانوا من الزبائن أو األصدقاء أو‬
‫الجيان‪.‬‬
‫الحياة ملن يستحق‬ ‫‪66‬‬

‫أنت يف الحلقات األوىل تأثرت بمشهد كان قد أثبت فيه‬‫أذكر ي‬


‫ر‬
‫جووي نقاء قلبه وشجاعته وشهامته كذلك‪ .‬حيث كان شاهدا عىل‬
‫تعنيف جارته من طرف صديقها أمام ابنها الصغي الذي كان متأثرا‬
‫عرض نفسه للعنف كذلك‬ ‫جدا‪ .‬حينها دافع جووي عن جارته و ّ‬
‫ّ‬
‫وتحدث بلطف للطفل الذي بانت عليه آثار الصدمة واإلرهاق‬
‫ًّ‬
‫النفس‪ .‬أحسست فجأة أن جووي نزيه للغاية وحساس جدا‬ ‫ي‬
‫ّ‬
‫وشبهته بالمالك الحارس للطفل الصغي الذي أبدى تعلقه به‪.‬‬
‫عما اعتقدته‪.‬‬ ‫بينما الحقيقة تختلف تماما ّ‬

‫ّ‬ ‫ّ‬
‫القصة ليس‬ ‫سأوفر عليكم التفاصيل فالهدف من شدي هذه‬
‫يقض‬
‫ي‬ ‫غت عن ذلك‪ ،‬جووي‪،‬‬ ‫القيام بدعاية للمسلسل فهو يف ي‬
‫حياته يف اصطياد الناس الذي عىل حسب اعتقاده يستحقون‬
‫يير فعله برغبته يف فعل الخي إلنقاذ شخص‬ ‫الموت‪ ..‬ويقتلهم‪ ،‬و ّ ّ‬
‫الرئيس لكل هذا‪ ،‬يعود‬
‫ي‬ ‫آخر يحبه‪ ،‬ولجعل حياته أحسن‪ .‬والسبب‬
‫لطفولته التعيسة حيث نشأ يف محيط يسوده العنف والتعذيب‬
‫حت بات كتلة من العقد‪.‬‬ ‫والتقزيم ى‬
‫ومن المؤكد أن هذه الحقيقة تتعارض تماما مع ما ّ‬
‫يبينه‬
‫حت األقرباء‪ .‬كل من يحيط بهذا الشاب يراه‬ ‫للناس‪ ،‬الغرباء منهم و ى‬
‫حت تبينت الحقيقة‬ ‫مينا وسيما مجتهدا ويسع إلسعاد الكل‪ ..‬ىّ‬ ‫ى‬
‫نت قضيت وقتا‬ ‫ىّ‬
‫الحقا‪ ،‬وشخصيا فهمت الدرس من ذلك‪ ،‬حت إ ي‬
‫الصح الشامل أبحث عن كاتب‬ ‫ي‬ ‫طويال خالل ف ىية الحجر‬
‫‪67‬‬ ‫أميرة ضيف للاه ه‬
‫ّ‬ ‫السيناريو؛ إن الفضول يدفعت ّ‬
‫بقوة إىل معرفة إن كان المؤلف قد‬ ‫ي‬
‫ّ‬
‫قابل شخصا يف الواقع يشبه جووي فألهمه لكتابة القصة‪ .‬وهنا‪،‬‬
‫تساءلت وكم من جووي موجود بيننا ونحن ال نرى حقيقته بتاتا؟‬
‫األمر يف حد ذاته مرعب ومقرف يف اآلن ذاته‪.‬‬
‫ّ‬ ‫"جووي" ّ‬
‫ترئ ونشأ عىل فكرة أنه كلما أخطأ إنسان ال بد أن‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫المعاقب أو الجالد هو المنقذ الذي‬
‫ِ‬ ‫تقع معاقبته من إنسان مثله‪ ،‬و‬
‫البشية من الشخص المخط أو الست يف نظره‪.‬‬ ‫سيي ح ر‬
‫اقيفه جووي من جرائم قتل بشعة أخفاها بهدوء‬ ‫بعد كل ما ى‬
‫ّ‬
‫طبيع‪ ،‬وجد نفسه يف نفس الموقف‬ ‫ي‬ ‫غي‬ ‫ان‬
‫ز‬ ‫بات‬‫تام وبثقة كبية و‬
‫الذي وضع فيه غيه ووجد نفسه يف نفس القفص الذي اعتاد أن‬
‫يسجن فيه ضحاياه‪ ،‬وهو نفس القفص الذي كان ُيسجن فيه يف‬
‫صغره من الرجل الذي ّرباه عندما تخلت عنه والدته‪.‬‬
‫بالمناسبة‪ ،‬القفص كان يحتوي عىل كتب كثية‪ ،‬والهدف منها‬
‫تثقيف جووي الصغي‪ .‬أجل صغي مثقف لكنه أصبح فيما بعد‬
‫كهال مضطربا‪ .‬والغريب يف األم‪ ،‬بل األفظع‪ ،‬أن "جووي" كان يقنع‬
‫نفسه بأن كل ما يفعله للضحايا هو األصلح لحالهم وأنه بذلك‬
‫ينه حياتهم ألنه عىل‬
‫يجعل حياتهم أجمل وأروع ويقرر أحيانا أن ي‬
‫يقي أن الموت سييحهم‪.‬‬
‫ى‬
‫الت‬ ‫ّ‬ ‫ى‬
‫الت أذكرها جيدا‪ ،‬أنه عندما سجن حبيبته ي‬ ‫من المشاهد ي‬
‫قتل من أجلها الكثيين فقط لحمايتها وإبقائها له وحده كما يعتقد‪،‬‬
‫يعيف‬‫أرغمها عىل الكتابة بحكم أنها كاتبة لكن محيطها ال ى‬
‫الحياة ملن يستحق‬ ‫‪68‬‬

‫الت كانت تأمل اتمامها‪ ،‬قتلها‬ ‫بموهبتها‪ .‬عندما أتمت روايتها ى‬


‫ً‬ ‫ي‬
‫حفل ر‬
‫كبيا يف المكان‬ ‫جووي ثم دفنها ثم فيما بعد ر‬
‫نش الرواية وأقام‬
‫الذي قتلها فيه‪ ،‬تكريما لروحها والفظيع يف األمر أنه شكر نفسه‬
‫عىل ذلك‪.‬‬
‫مجائ‬
‫ي‬ ‫أخيك بكل هذا؟ ال ليس بإشهار‬ ‫تتساءل ربما لماذا ّ‬
‫خيك أنه من المحتمل أن‬ ‫للمسلسل كما سبق وذكرت وإنما يك أ ّ‬
‫تقابل "جووي" يف محيطك أو يف أي مكان أو زمان يف العالم‬
‫ًّ‬ ‫ر‬
‫شء يخرج عن إرادتك وسيطرتك لكن ما تقدر حقا‬ ‫لألسف‪ ،‬وهذا ي‬
‫فعله هو عدم المساهمة يف جعل هذا النوع يتكاثر‪.‬‬
‫كيف ذلك؟‬
‫ر‬
‫أسيا لما تراه‬ ‫تغي بالمظاهر وال ىتيك نفسك‬
‫األمر بسيط‪ .‬ال ى‬
‫تضفه؛ التضف‬ ‫ّ‬ ‫عيناك من الخارج فتحكم عىل الشخص من‬
‫يعت‬ ‫ّ‬ ‫ر‬
‫يعت دائما أن صاحبه جيد‪ ،‬والتضف الست ال ي‬ ‫الحسن ال ي‬
‫ر ّ‬
‫أن صاحبه ست‪.‬‬ ‫دائما‬
‫التضف والطبع وبي الظاهر والباطن‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫هناك فرق كبي بي‬
‫والخيط الرفيع الفاصل بي الشيئي هو حتما "الحكم" الذي‬
‫يصدره الشخص عىل غيه‪.‬‬
‫هذه القصة‪ ،‬ربما تجد نفسك فيها كذلك‪ ..‬نمر نحن ر‬
‫البش‬
‫بمعارك عديدة يف الحياة‪ ،‬ونجد أنفسنا يف مواقف مؤلمة ويصعب‬
‫نسيانها‪ :‬الكالم المؤذي‪ ،‬االتهامات‪ ،‬الشتائم‪ ،‬هتك األعراض‪،‬‬
‫األحكام المسبقة‪ ،‬التنمر‪ ..‬كلها مواقف تعرضنا لها يف المدرسة‪ ،‬يف‬
‫‪69‬‬ ‫أميرة ضيف للاه ه‬

‫محيط العمل‪ ،‬يف حفلة عيد ميالد‪ ،‬يف مناسبة‪ ،‬يف يوم عادي أو‬
‫ّ‬ ‫خلناه عاديا ى‬
‫حت أصبح مشؤوما من حدة ما نشعر به بعد أن نتألم‬
‫مما نتعرض إليه من غينا‪ ،‬أو لنقل من المجتمع‪ .‬المجتمع الذي‬
‫نعيش فيه وال بد أن نعيش فيه ألننا خلقنا يك نتعايش وخلق هللا‬
‫معنا الخي و ر‬
‫الش‪.‬‬
‫يف الحقيقة‪ ،‬ال يمكنك أن تتخىل عن هذا المجتمع أو أن تهجره‬
‫لكن بإمكانك أن تتجاهل وترتق عن إساءته بكل حب وسالم‬
‫بوع تام أنك المسؤول عن اختياراتك‪ :‬إما أن تصبح‬ ‫ي‬ ‫وتتفهم‬
‫ًّ‬
‫شخصا جيدا جدا أو أن تصبح شخصا سيئا جدا‪..‬‬
‫ما الحل؟‬
‫الحل بيدك ومنك وفيك‪ ..‬أنت المتصل بنور هللا سبحانه‬
‫كرمك وفضلك تفضيال كبيا عن بقية مخلوقاته‬ ‫وتعاىل‪ ،‬الذي ّ‬
‫ميك بعقل وأحاسيس ومشاعر ونفخ فيك من روحه وأوصاك‬ ‫و ّ‬
‫بالسالم والمحبة والرحمة‪.‬‬
‫يسء إليك يف الواقع‪ ،‬هو ليس بشخص‬ ‫عليك أن تفهم أن من ي‬
‫سوي أو قوي بالعكس تماما‪ ،‬هو شخص مثي للشفقة سجي‬
‫األمارة بالسوء‪ ،‬ضحية بيئة متعفنة شحنته بالكراهية‬ ‫نفسه ّ‬
‫التشق وإيذاء الغي مجانا أو ربما كان ضحية‬
‫ي‬ ‫والحقد والرغبة يف‬
‫النفس‬
‫ي‬ ‫خذالن وهجر وفقد و ّأئ تحمل مسؤولية استقراره‬
‫ر‬
‫عوضا عن أن ى‬
‫يبق حيث رمته الظروف فاختار‬ ‫المض إىل األمام‬
‫ي‬ ‫و‬
‫طريق العنف واألذى واهما نفسه أنه بذلك سيكون يف موضع قوة‪.‬‬
‫الحياة ملن يستحق‬ ‫‪70‬‬

‫ال تغرك المظاهر‪ ،‬وال تعتقد أنه سعيد بما يفعل وخذها‬
‫ّ‬
‫أكي األدلة عىل أن الشخص يعيش يف حالة‬ ‫قاعدة‪ :‬الحقد والكره ّ‬
‫ر‬
‫النفس طريقا‪ .‬أما أنت‪،‬‬
‫ي‬ ‫رصاع دائم مع نفسه وال يعرف للسالم‬
‫الش من أنفسنا‪ .‬يجود كل شخص بما عنده‬ ‫تذكر أن الخي من هللا و ر‬
‫ليقدمه لك‪ ،‬فال تستغرب إذا اغتابك منافق أو اتهمك كاذب أو‬
‫تسبب يف جرحك مجروح‪ ..‬وال تيعج إن لم تعجب أحدهم أو‬
‫ى‬
‫انتقدك بعض الناس بطريقة مسيئة‪ :‬هم يدلون بآرائهم ي‬
‫الت‬
‫تخصهم هم فقط وال دعوى لك بها بتاتا ألنك تعرف نفسك حق‬
‫أكي ويعرف حقيقتك وكل ما يحمله‬ ‫المعرفة وألن هللا يعرفك ر‬
‫ّ‬
‫صيا عما يدعون‪ .‬اهجرهم يف سالم‬ ‫قلبك من ضيق مما يقولون و ّ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫إن لزم األمر وال تكلف نفسك بمهام لم تجعل لك‪.‬‬
‫ه المهام؟‬
‫تتساءل ما ي‬
‫ى‬
‫الت ال تخصك ولست معنيا‬ ‫من حقك أن تعرف ذلك‪ .‬المهام ي‬
‫ه‪ :‬معاقبة من أساء إليك والتفكي يف كيفية جعله‬ ‫بها أساسا ي‬
‫الت سببها لك‪ .‬أجل‪،‬‬ ‫ى‬ ‫ّ‬
‫يتذوق من نفس كأس المشاعر السلبية ي‬
‫عظيما‪ ،‬وعدك بالرضا ووعدك بنضة‬‫ر‬ ‫ليست مهمتك ألن لك ًّربا‬
‫الصي والتوكل عليه فقط ولن ينساك‬‫المظلوم‪ ،‬وأوصاك بالهدوء و ّ‬
‫أبدا‪ .‬يريدك فقط أن تركز عىل طريقك‪ ،‬وأن ال تضعه بالتفكي يف‬
‫أكي وتضع نفسك يف نفس‬ ‫االنتقام‪ ،‬وأال ترد اإلساءة بإساءة ّ‬
‫المستنقع الذي يعيش فيه الشخص الست‪.‬‬
‫‪71‬‬ ‫أميرة ضيف للاه ه‬

‫ى‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬


‫الت تنتظرك!‬
‫وكل األمر كله هلل ووجه طاقتك لألهم‪ :‬حياتك ي‬
‫انسحب بسالم من المحيط الذي ال تحس فيه بالراحة و ى‬
‫االحيام‬
‫ألنك ببقائك ستست لنفسك‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ستنقلب الموازين و ّ‬
‫تتغي األحداث وتوزع األدوار من جديد‬
‫سق‪ .‬ال بد أن تكون عىل يقي من هذا ألن‬ ‫سق بما ى‬ ‫وكل ساق ُ‬
‫سي ى‬
‫هذا اليقي هو الذي سيكون مصدر الطمأنينة لك وألنك ال‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تستطيع تغيي ر‬
‫البش وال التحكم فيهم ولكنك تستطيع أن تتوكل‬
‫ً‬
‫عىل هللا وتستطيع أن تؤمن إيمانا كامل أن ما يبعثه الشخص‬
‫حت وإن قيل لك عكس ذلك‪:‬‬ ‫للكون‪ ،‬يعود إليه ولو بعد حي ى‬
‫مقولة " خيا تعمل‪ ،‬رشا ى‬
‫تلق " مثال‪ .‬ال أؤمن بها بتاتا ومن السذاجة‬
‫تصديقها أو العمل بها‪ .‬الخي الذي تزرعه اليوم ستحصده غدا‪،‬‬
‫حت مع نكران جميل البعض‪ ،‬ستجد أضعاف ذاك الخي يرد إليك‬ ‫ى‬
‫خيا‪ ،‬ستجد الخي يف نفسك‪ ،‬يف‬ ‫عي طرق مختلفة‪ .‬عندما تعمل ر‬ ‫ّ‬
‫رزقك‪ ،‬يف صحتك‪ ،‬يف جسدك‪ ،‬يف عملك‪ ،‬يف أوالدك‪ ،‬يف والديك‪،‬‬
‫يف حارصك‪ ،‬يف مستقبلك‪ ،‬يف عالقتك باهلل و يف عالقات أخرى‪.‬‬
‫ر‬
‫تؤذ أحدا وألنك عملت‬ ‫ستنام مرتاح البال‪ ،‬سليم القلب ألنك لم ِ‬
‫يخيك به بعض‬ ‫كثيا بما ّ‬ ‫خيا وألن نيتك كانت ّ‬
‫طيبة‪ .‬لذلك ال تتأثر ر‬
‫كثيا إن تسبب أحدهم يف‬ ‫الناس عن عكس ذلك وخاصة ال تحزن ر‬
‫يجي خاطرك و ّ‬ ‫ّ‬
‫يرمم ما كش يف‬ ‫إيذائك وألمك‪ .‬سيعوضك هللا و ّ‬
‫سيى من سبب ألمك يف نفس وضعك عاجال أو آجال‪.‬‬ ‫قلبك و ى‬

‫فحاول قدر المستطاع أن تحافظ عىل معدنك وأال تلجأ‬


‫ّ‬ ‫ر‬
‫جاهدا للحفاظ عىل ّ‬
‫التضف مع‬ ‫رقيك يف‬ ‫ألسلوب غيك‪ ،‬واسع‬
‫الحياة ملن يستحق‬ ‫‪72‬‬

‫اآلخر‪.‬‬
‫أن تكون راقيا يف المعامالت‪ ،‬أي أن ال تيل إىل المستوى‬
‫المتدئ لغيك ىّ‬ ‫ّ‬
‫بالتدئ هنا‪،‬‬
‫ي‬ ‫حت يف أسوأ الوضعيات‪ .‬وأقصد‬ ‫ي‬
‫الشتائم وهتك األعراض واللجوء الستعمال الحياة الشخصية ضد‬
‫صاحبها إىل غي هذا من األساليب المنبوذة‪.‬‬
‫القوة تكمن يف المحافظة عىل الهدوء عند محاولة غيك‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫استفزازك يك يدفعك إىل استعمال أسلوبه الذي ال يمثلك‪ .‬كظمك‬
‫ّ‬
‫للغيظ يمكنك من السيطرة عىل اإليجو ‪ ،THE EGO‬الذات‬
‫الت توهمك بأنك إذا رددت الفعل بنفس الطريقة ستثبت‬ ‫ى‬ ‫ّ‬
‫المزيفة‪ ،‬ي‬
‫حت وإن لم تكن أساسا معركة‪،‬‬‫أنك األقوى وأنك الفائز ف المعركة ى‬
‫ي‬
‫مجرد سوء تفاهم أو اختالف‪.‬‬ ‫ربما ّ‬
‫اإليجو ‪ ،THE EGO‬يوهمك كذلك بأنك إذا رشعت يف الضاخ‬
‫مير‪ ،‬سيخافك الناس وسيعتقدون أنهم‬ ‫والشتم بسبب أو دون أي ّ ّ‬
‫شك أو غضبك‪.‬‬ ‫فيحيمونك ويخشون ر ّ‬‫ى‬ ‫ال يقدرون عليك‬
‫اإليجو ‪ ،THE EGO‬يوهمك بأنك إذا هاجمت غيك مجانا‬
‫ّ‬
‫ه الدفاع‪ ،‬سيتجنب أن‬‫فاعتقادا منك أن أنجح وسيلة للهجوم ي‬
‫يؤذيك أو أن ّ ّ‬
‫يير موقفه ى‬
‫حت وإن كنت مذنبا‪.‬‬
‫اإليجو ‪ ،THE EGO‬يوهمك بأنك إذا لزمت الصمت عند‬
‫سلت ولن تفرض وجودك يف محيطك ولن‬
‫الشجار فإنك ضعيف و ّ ي‬
‫تثبت ذاتك‪..‬‬
‫‪73‬‬ ‫أميرة ضيف للاه ه‬

‫كل هذه االعتقادات ال أساس لها من الصحة وتجعل منك‬


‫ًّ‬
‫عدوا لنفسك‪.‬‬
‫هذه المعتقدات تتضارب مع الروح وتتعارض مع اتصالك باهلل‬
‫ألن اإليجو ‪ ،THE EGO‬عدو ّ‬
‫الروح‪.‬‬
‫ّ‬
‫دعت أسألك! هل تفضل أن تثبت أنك قوي حسب المعيار‬ ‫ي‬
‫ً‬
‫الذي اتبعه بعض األشخاص عن جهل أو أن تكون متصل باهلل؟‬
‫أنت تعرف اإلجابة جيدا لكن ربما لم تعش الموقف الذي‬
‫تطبق الفكرة وتتحدى اإليجو ‪ ،THE EGO‬الذي يعد أحد‬ ‫يجعلك ّ‬
‫ى‬
‫الذائ‪.‬‬ ‫أسباب التدمي‬
‫ي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الك ّي وهذا عادي وكلنا نأمل الحفاظ عىل‬ ‫كلنا نملك شيئا من ِ‬
‫االحيام حيثما ذهبنا‪ .‬لكن‬ ‫كرامتنا وشموخنا وإيجاد التقدير و ى‬
‫ًّ‬
‫حقا ّ‬
‫األكي يكمن يف‬
‫ّ‬ ‫عدوك األول والمشكل‬ ‫اإليجو ‪ ،THE EGO‬هو‬
‫ّ‬
‫كونك تغذيه باستمرار بنفسك دون دراية بذلك خاصة إذا استفزك‬
‫غيك أو إ ذا كنت غريبا عن نفسك بسبب ظروف زعزعت ثقتك‬
‫بنفسك أو أبعدتك عن هللا أو عن روحك فضت تتأثر بما يفعله‬
‫ويقوله غيك عنك أو تصبح شي ع االنفعال بسبب ضغوطات‬
‫الحياة‪ .‬لذلك‪ ،‬حاول أن تحارب اإليجو ‪ ،THE EGO‬ر‬
‫دائما وقدر‬
‫الت يبعثها يف‬ ‫المستطاع‪ .‬حاول أن ُتسكت صوته وتخمد الفوض ى‬
‫ي‬
‫داخلك وتطق النار المشتعلة فيك‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تأكد أن الصمت‪ ،‬الهدوء والتجاهل‪ ،‬كلها أدوات سخرها هللا‬
‫حت تنعم بالسعادة وراحة البال والطمأنينة ألنه‬ ‫ك تستعملها ىّ‬
‫ي‬
‫الحياة ملن يستحق‬ ‫‪74‬‬

‫دائما عىل حق‪.‬‬ ‫ببساطة أن تكون سعيدا أهم بكثي من أن تكون ر‬


‫ّ‬
‫وهنا أدعوك بكل حب ولطف‪ ،‬إىل التمعن يف هذه الفكرة‪ .‬حينها‪،‬‬
‫ستجد نفسك تتجاوز النقاشات العقيمة‪ ،‬وتتجاهل الكثيين‬
‫و ى‬
‫ترتق عن المناوشات المشتتة للطاقة‪ .‬ستجد نفسك ال ّ ّ‬
‫تير شيئا‬
‫ر‬ ‫ي‬
‫وال ر‬
‫تكي من التفسي وال تسع أبدا إلثبات أنك موجود ألنك يف غت‬
‫عن ذلك‪.‬‬
‫ر‬
‫أنت األدرى بقيمتك وال تستحق أحدا لتدعيم ذلك‪ .‬أنت‬
‫محب لنفسك ولنفسك عليك حق فال تتسبب يف تعاستك‬
‫وغضبك بإرادتك‪ .‬فقط‪ ،‬راقب وسيطر وحافظ عىل الهدوء‪.‬‬
‫عندما أنصحك بالتجاهل‪ ،‬أقصد أن تتجاهل من أجل نفسك‬
‫ولكن ال تفرط يف ذلك ألن التوازن هو األساس وألن بعض المواقف‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تتطلب أن تباىل بما تشعر به ى‬
‫حت تحكم التضف يف المرة المقبلة‬ ‫ّي‬
‫تعي عن موقفك‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ى‬ ‫و ى‬
‫يقتض ذاك وحت ّ‬
‫ي‬ ‫حت تضع حدا لألمر إذا كان‬
‫بوضوح تام‪.‬‬

‫الت ال بد أن ىتيكها وتدرك أنها ليست‬


‫ى‬ ‫ّ‬
‫أما عن المهمة الثانية‪ ،‬ي‬
‫فه "الحكم"‪.‬‬‫لك أساسا ي‬
‫أدعوك بكل ُحب إىل مراجعة نفسك قبل أن تصدر أحكاما‬
‫ّ‬
‫وع أحيانا وهذا يعود عليك بالض‬‫عىل غيك ألنك تفعل ذلك بال ي‬
‫ولو بعد حي‪ .‬تجد نفسك تحكم ر‬
‫كثيا وباستمرار أحيانا لكن عن‬
‫جهل‪ ،‬عىل شكل غيك‪ ،‬لونه‪ ،‬طريقة لباسه‪ ،‬قراراته الشخصية‪،‬‬
‫‪75‬‬ ‫أميرة ضيف للاه ه‬

‫أذواقه الفنية‪ ،‬حياته الخاصة الخ‪ ..‬لم تفعل هذا وال تدع الخلق‬
‫للخالق؟ لم تهدر طاقتك باالنتقاد واألحكام المسبقة؟‬
‫ّ‬ ‫تنصب نفسك ر‬ ‫لم ّ‬
‫إلها يف األرض بينما أنت نفسك خطاء وكائن‬
‫ى ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الت اتبعها‬
‫متطور بطبعه بإمكانك أن تغي حياتك بنفس الطريقة ي‬
‫غيك؟‬
‫اسمح يىل بأن ألفت انتباهك ألمر آخر كذلك‪.‬‬
‫ُيعجب الكثيون بحياة غيه ويقارنها بحياته ويعتقد أنه‬
‫يتمت أن يحصل عىل ما يملكه غيه ويصل‬ ‫محظوظ وأفضل منه و ّ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫بسيارة غيك وأموال صديقك‬ ‫األمر إىل الحسد أحيانا‪ .‬تعجب‬
‫الت يملكها زميلك ويجذبك نجاح غيك يف عمله‬ ‫ى‬
‫واألشياء الباهظة ي‬
‫وما حققه من إنجازات مهنية الخ‪ ..‬كلها وقائع تجعلك تحكم أن‬
‫غيك أفضل وأسعد منك‪ .‬وهم يصدر عن خيالك ال أساس له من‬
‫الصحة‪.‬‬
‫تحكم عىل غيك بالسعادة المتالكه أشياء ّ‬
‫قيمة بينما ال تعرف‬
‫صحته ويضف ّ‬
‫جل ما يملك عىل العالج‪.‬‬ ‫أنه فقد ّ‬

‫تحسد غيك عىل نجاحه بينما تجهل أنه عاش الخصاصة‬


‫والفقر واليتم‪.‬‬
‫يقض‬
‫ي‬ ‫تحسد غيك عىل ابتسامته الدائمة بينما ال تعرف أنه‬
‫الليلة باكيا ومهموما ألسباب عديدة‪.‬‬
‫ر‬
‫هللا عادل وال يظلم عبده أحدا‪ .‬هللا كريم وواسع الرحمة‬
‫ّ‬
‫والعطاء‪ ،‬يوزع النعم بعدل وحكمة ولم يخلق شخصا أفضل من‬
‫الحياة ملن يستحق‬ ‫‪76‬‬

‫اخيت أن تحكم عىل‬ ‫غيه وال ظلمك مقارنة بغيك‪ .‬أنت فقط‪ ،‬ى‬
‫ى‬
‫الذائ‪.‬‬ ‫تامة وهذا نوع من أنواع التدمي‬ ‫بسطحية ّ‬
‫ّ‬ ‫األمور‬
‫ي‬
‫تمعنت ف حياة شخص ترى أنه ر‬ ‫صدقت وإن ّ‬ ‫ّ‬
‫أكي حظا منك‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫ستكتشف أنك تملك أشياء كثية ال يملكها هو‪.‬‬
‫ّ‬
‫القاعدة نفسها تنطبق عىل األشخاص المصنفون "ناجحي"‬
‫ّ‬
‫وتتجىل الوفرة يف حياتهم بسهولة؛ هؤالء األشخاص لم ينجحوا‬
‫وهم قابعون يف بيوتهم‪ ،‬جزء كبي من مسيتهم اختاروا أن يخفوها‬
‫ه النجاح‪ .‬حاول أن تقرأ قصص‬ ‫وأظهروا منها فقط النتيجة أال و ي‬
‫نجاح العظماء ستجدهم قضوا سنوات طويلة من الحرمان‬
‫ّ‬ ‫والتعب والمشقة‪ .‬ستجدهم ّ‬
‫مروا بصعوبات كثية تطلبت منهم‬
‫ّ‬ ‫الكثي من الصي و ّ‬
‫القوة‪ .‬لكنهم تحلوا باإلرادة وآمنوا بقدراتهم‬ ‫ّ‬
‫ى‬
‫وبأنفسهم وثابروا ولو يستسلموا حت حققوا أحالمهم وتحدثوا‬
‫فيما بعد عن نجاحهم وألهموا العالم بذلك‪ .‬ال أحد ينجح بسهولة‬
‫قصته وتاريخه‬ ‫وببساطة مهما اعتقدت أن األمر بسيط ولكل منا ّ‬
‫ومعاناته وكذلك إنجازاته‪.‬‬
‫الخالصة‪ ،‬إصدار األحكام عن جهل سواء كانت إيجابية أو‬
‫يدمرك عىل المدى البعيد وعىل المدى‬‫سلبية‪ ،‬يهدر طاقتك و ّ‬
‫ّ‬
‫حت ّ‬
‫تتغي أقدارك‪،‬‬ ‫القريب فحاول قدر المستطاع مراقبة أفكارك ى‬
‫ّ‬
‫ستتحول إىل واقع ملموس والواقع سيحدد‬ ‫ألن الفكرة مع الوقت‬
‫حارصك والحارص سيؤثر عىل مستقبلك‪.‬‬
‫*****‬
‫‪77‬‬ ‫أميرة ضيف للاه ه‬

‫( ‪)7‬‬

‫العابرون‬
‫الحياة ملن يستحق‬ ‫‪78‬‬

‫ُ‬
‫ُ‬
‫الُتبالغواُابحلب‪ُ،‬والُتبالغواُابالهامتمُأوُ‬
‫ّ‬
‫شتياق‪ُ،‬خفلفُلكُمبالغة‪ُ،‬صفعةُخذالنُ‪.‬‬ ‫الا‬
‫‪ُ-‬جربانُخليلُجربان‬
‫‪79‬‬ ‫أميرة ضيف للاه ه‬
‫ّ‬
‫مهما كنت متصال باللحظة الحالية "اآلن"‪ ،‬فإنه يحدث لك‬
‫الت عشتها منذ زمن بعيد أو‬ ‫تسيجع بعض المشاهد المؤلمة ى‬ ‫أن ى‬
‫ّ‬ ‫ي‬
‫قريب‪ .‬هذه المشاهد ترتبط أساسا بمواقف أثرت فينا وترتبط‬
‫دائما بأطراف أخرى‪ .‬أغلب ما يؤلمنا يرتبط حتما بشخص آخر‬ ‫ر‬
‫جمعتنا به عالقة سابقة سواء كانت صداقة أو زمالة أو قرابة أو أي‬
‫ى‬
‫الت قدمتها‬
‫االجتماعية ي‬
‫ّ‬
‫امح‬‫نوع من العالقات االجتماعية‪ .‬يف بر ّ ي‬
‫دائما أطرح مواضيع متعلقة بالعالقات أو‬ ‫ر‬ ‫عي اإلذاعة‪ ،‬كنت‬ ‫ّ‬
‫العادات أو التقاليد أو المواضيع المسكوت عنها‪ .‬الحظت أن عدد‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫المتفاعلي والمتصلي يرتفع عندما يتعلق األمر بالخيانة‪ ،‬الغدر‪،‬‬
‫ر‬ ‫ّ‬
‫المباش عن‬ ‫الصدمات‪ ،‬االكتئاب‪ ..‬كلها مواضيع يصدر فيها الضر‬
‫طرف آخر‪.‬‬

‫ف الواقع‪ ،‬كلنا نمر بلحظات ى‬


‫نسيجع فيها ذكريات جمعتنا‬
‫ّ‬ ‫ي‬
‫كنا انفصلنا عنه‪:‬‬ ‫ى‬
‫بغينا حت وإن‬
‫لحظات شك وخوف وقلق تتحول لحني ثم لندم وأحيانا‬
‫لخجل‪.‬‬
‫نخجل من أنفسنا‬
‫"كيف سمحنا لفالن أو فالنة أن يفعل بنا ما فعل؟‬
‫السخافة و ّ‬‫كنا عىل ذاك القدر من ّ‬‫ّ‬
‫السذاجة؟‬ ‫كيف‬
‫وكيف أضعنا كل ذلك الوقت يف شبه عالقات إذا كان أصل‬
‫شء جديد جميل لحياتنا؟‬‫ر‬
‫ه إضافة ي‬
‫وجود أي عالقة ي‬
‫الحياة ملن يستحق‬ ‫‪80‬‬

‫كيف؟‬
‫نستغرب لماذا لم نبتعد منذ البداية؟‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫لماذا كلفنا األمر كل تلك المشقة؟‬
‫لماذا حاولنا ر‬
‫كثيا بينما كان بإمكاننا االقتصار عىل محاولة‬
‫واحدة أو محاولتي؟‬
‫ّ‬
‫لماذا فضلنا غينا عىل راحتنا وسعادتنا؟‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫كلنا نمر بتلك اللحظات ونتساءل األسئلة نفسها‪ .‬تجد لها‬
‫تبت بها نسخة جديدة عن‬ ‫أحيانا أجوبة تواجه بها حقيقتك و ّ ي‬
‫نفسك وتهرب منها أحيانا أخرى‪ ،‬تصدها وتبتعد عنها وتخاف منها‬
‫كذلك‪ .‬تحس بالفشل واإلحباط وكثي من الوجع‪.‬‬
‫دعت أطمئنك أوال أن كل األشخاص الذين تحسدهم عىل‬ ‫ي‬
‫سعادتهم أو تتساءل كيف بإمكانهم الحفاظ عىل الهدوء والسكينة‬
‫ّ‬
‫يف خضم كل ما يحصل يف العالم‪ ،‬هم أشخاص اختاروا أن يقللوا‬
‫جربوا وأخطؤوا‬‫حت وإن كانوا اجتماعيي‪ .‬أجل‪ ،‬لقد ّ‬ ‫عالقاتهم‪ ،‬ىّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫أئ أدفعك‬ ‫ي ي‬‫يعت‬ ‫ال‬ ‫هذا‬ ‫‪.‬‬ ‫درس‬ ‫ال‬ ‫موا‬ ‫تعل‬ ‫لكنهم‬ ‫بهم‬ ‫در‬ ‫غ‬ ‫و‬ ‫لوا‬ ‫ذ‬
‫ِ‬ ‫خ‬ ‫و‬
‫ّ‬
‫البش‪ ،‬طبعا ال‪ ،‬لكن تقليص دائرة المقربي‬ ‫لالنعزال واالبتعاد عن ر‬
‫مع األخذ باألسباب واالحتياط وتقييم جودة العالقة عند األزمات‪،‬‬
‫واجبا يعود علينا بالمنفعة‪.‬‬ ‫ر‬ ‫أصبح ر‬
‫أمرا‬
‫تحدثت عن تجربة عاشتها مع‬ ‫ى‬
‫صديقائ البارحة كانت‬ ‫إحدى‬
‫ًّي‬ ‫ي‬
‫صديقة لها‪ ،‬ال أعرف إن كان يحق يىل حقا وصفها ب "صديقة"‬
‫ألن الفرق كبي وشاسع بي "صديق" و"صاحب"‪.‬‬
‫‪81‬‬ ‫أميرة ضيف للاه ه‬

‫يصاحبنا الكثيون ويصادقنا القليلون‪ .‬األمر وما فيه‪ ،‬أن‬


‫الت جمعتها‬‫ى‬ ‫ى‬
‫تخط ما عاشته يف العالقة ي‬
‫ي‬ ‫صديقت‪ ،‬لم تنجح يف‬
‫ي‬
‫اعتيتها شقيقة ورفيقة درب‪ ،‬مع أنها هجرتها منذ سنوات‪.‬‬ ‫بمن ّ‬
‫بمجرد أن تستحض بعض المواقف تحس باختناق شديد وتحكم‬ ‫ّ‬
‫عىل نفسها بالفشل العتقادها أن سنوات طفولتها ومراهقتها وكل‬
‫ى‬
‫تسيجع‬ ‫ما تقاسمته مع شبه صديقتها كان هراء و ر‬
‫كذبا‪ .‬كانت‬
‫ّ‬
‫مواقف كثية عاشتها معها من ضحك وبكاء ولهو وشدة وتتساءل‬
‫ّ‬
‫حقيقيا فعال‪..‬‬ ‫إن كان ّ‬
‫كل ذاك‬
‫لن أغوص يف التفاصيل‪ ،‬ألن الكثيين عاشوا مثلها وألن شدة‬
‫الت قضيتها مع‬ ‫بالم ّدة‪ ،‬أي ى‬
‫الفية ى‬ ‫األلم بعد الخذالن ال ترتبط ُ‬
‫ى ّ‬ ‫ي‬
‫الت قدمتها‬ ‫ّ‬
‫شخص مقرب منك‪ ،‬بل يرتبط بمدى صدق المشاعر ي‬ ‫ّ‬
‫بشدة عمقها‪.‬‬‫و‬
‫ّ‬
‫أحيانا يحدث أن تقدم كل ما تملك من مشاعر وطاقة ووقت‬
‫ّ‬ ‫لشخص آخر ف ى‬
‫فية وجية‪ ،‬لكن مدى صدق ما قدمتها يتجاوز‬ ‫ي‬
‫‪.‬‬
‫بكثي ما كان بإمكانك تقديمه عىل امتداد سنوات نحن نذكر‬
‫ّ‬
‫خيباتنا بشدة صدق مشاعرنا وليس بطول المدة‪ .‬لنقل إن ذاكرة‬
‫القلب أقوى بكثي من ذاكرة العقل‪.‬‬
‫يف الواقع‪ ،‬أنت مسؤول عىل حالتك هذه وعىل مصي هذه‬
‫ّ‬
‫العالقة الفاشلة‪ .‬أنت مخط وكلنا مخطئون نوعا ما‪ .‬إذ أننا نحن‬
‫ّ‬ ‫الت ّ‬
‫ى‬
‫طبقها علينا وقدمنا له‬ ‫من وهبنا الطرف المقابل السلطة ي‬
‫مفاتيح قلوبنا وأشارنا وكشفنا له نقاط ضعفنا‪.‬‬
‫الحياة ملن يستحق‬ ‫‪82‬‬

‫ال ألومك طبعا عىل صدقك وال عىل شغفك ولهفتك بل أريد‬
‫لسء مهم جدا؛ أليس من الممكن أن تكون أنت‬‫ر‬
‫أن ألفت انتباهك ي‬
‫المذنب يف حق نفسك بوضع شخص ما يف مكان غي الئق به أو‬
‫بتمجيد صفات لم تكن أساسا موجودة أو بتجاوزك ألخطاء ال‬
‫تغتفر أو بوضعك لفواصل عديدة يف الوقت الذي كان من‬
‫ر‬
‫المفروض أن تضع نقاطا؟‬
‫حت وإن‬‫أال تعتقد أنك كنت تريد أن ترى فيه ما تبحث عنه ى‬
‫كان يف الحقيقة غي موجود؟‬
‫اسأل نفسك وجد اإلجابة وكن صادقا مع نفسك ألجل نفسك‬
‫حقا تريد ّ‬‫ًّ‬
‫تخط األمر‪.‬‬‫ي‬ ‫إن كنت‬
‫ّ‬
‫ومهما كلفك األمر‪ ،‬اعلم أن صدقك مع نفسك هو طوق‬
‫النجاة من طريق الهالك‪ .‬أشعر أنك مستغرب من هذه الكلمات‬
‫مض عىل أنك ضحية نكران‬ ‫ّ‬ ‫الت يمكن أن تكون قاسية ألنك‬ ‫ى‬
‫ّ‬ ‫ي‬
‫الجميل والخذالن القاتل والغدر واإلساءة لكن عفوا كلنا مسؤولون‬
‫ى‬
‫ستأئ‬ ‫عن العالقات الموجودة ف حياتنا وعن ّال ىت انتهت وعن ى‬
‫الت‬
‫ي ّ ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫‪..‬‬ ‫ى‬
‫الت سيى النور قريبا ال بد أن‬ ‫ى‬ ‫ّ‬
‫العالقات ًّ ي‬ ‫ّ‬
‫سيقرر طبيعة‬ ‫وأنت من‬
‫تتقبل ّأوال فكرة الرحيل ألنه وارد جدا ومن أي شخص تماما كأي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ر‬
‫شء آخر يف الحياة‪ ،‬لكن يف المقابل تذكر أن تحافظ عىل مبدأ‬ ‫ي‬
‫التوازن يف العالقات بمعت أن توازن بي األخذ والعطاء‪ ،‬وأن يكون‬
‫جميل ف حياة شخص ما وأن ّ‬ ‫ً‬ ‫هدفك من العالقة أن ىتيك ر‬
‫تفعل‬ ‫ي‬ ‫أثرا‬
‫طاقة العطاء لوجه هللا الكريم‪.‬‬
‫‪83‬‬ ‫أميرة ضيف للاه ه‬

‫بنية أن تبعثه للكون ولما يحيط بك‬‫حبا ّ‬


‫ببساطة‪ ،‬إن بعثت ّ‬
‫سيي ح بالك وسيجعه هللا لك أضعافا ألن هللا أوصانا بالحب‬ ‫ى‬
‫مثلما أوصانا بأن ال نفرط وأال ِّ‬
‫نفرط‪.‬‬
‫وحت تكون عالقاتك مع غيك سليمة يجب أن تكون عالقتك‬ ‫ى‬
‫ّ‬
‫تتوسل الحب‬ ‫مع نفسك سليمة‪ .‬ال تسلك طريق العالقات وأنت‬
‫واالهتمام والحنان‪ ،‬بل اسلكه وأنت مقبل عىل إرسال الحب النابع‬
‫من داخلك‪ .‬ال تسلك طريق العالقات وأنت تنوي أن تكون المنقذ‬
‫ر‬
‫دائما وتكون غي قادر عىل لفظ كلمة "ال"‪.‬‬
‫ال تسلك طريق العالقات و يف نفسك رغبة يف أن تكون الشمعة‬
‫تحيق يك تني غيك بينما تذوب أنت مع الوقت بل كن‬ ‫الت ى‬ ‫ى‬
‫ي‬
‫معي وتغرب يف وقت آخر محدد‬ ‫تشق ف وقت ّ‬ ‫الت ر‬
‫ى‬
‫ي‬ ‫الشمس ي‬
‫تحم نفسها‪.‬‬ ‫و ّ‬
‫تشع عىل الجميع برغبتها ثم تغيب من جديد يك‬
‫ي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ال تسلك طريق العالقات وأنت ّ‬
‫وتبجل‬ ‫مغيب لنفسك كليا‬
‫راحة غيك عىل حساب راحتك‪.‬‬
‫البش يف معظم األوقات يخالف هذا المبدأ "مبدأ‬ ‫ما يفعله ر‬
‫جدا ألن البدايات مرتبطة باللهفة واالندفاع‪.‬‬ ‫ًّ‬
‫طبيع‬
‫ي‬ ‫التوازن" وهذا‬
‫ر‬
‫مع كل بداية عالقة جديدة‪ ،‬تحس أنك أخيا وجدت ذاك األخ‬
‫الت ستشاركك كل المراحل‬ ‫ى‬
‫الذي لم تنجبه أمك أو تلك الرفيقة ي‬
‫ّ‬
‫للتسوق معها‬ ‫وستمسك فستان زفافك وتحمل رضيعك وتذهبي‬
‫وتشاركك جريمة إن لزم األمر‪ .‬تحس أنك فجأة وجدت الطرف‬
‫ّ‬
‫المثالية‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ستكون معه العالقة اإلنسانية‬ ‫المنتظر والذي‬
‫الحياة ملن يستحق‬ ‫‪84‬‬
‫ّ‬ ‫جدا وف غاية ّ‬ ‫ًّ‬
‫الروعة ومن حقك أن‬ ‫ي‬ ‫هذا الشعور أساسا جميل‬
‫ّ‬
‫تتمتع به لكن البدايات خداعة أحيانا‪.‬‬ ‫ّ‬
‫تتمناه وتحصل عليه و‬
‫تأئ لحظات السعادة الوقتية المرتبطة‬ ‫ى‬
‫بعد لهفة البدايات‪ ،‬ي‬
‫بمواقف سعيدة عابرة‪ ،‬ساعات أو ربما أيام من الضحك واللهو‬
‫ى‬
‫الت يهديها هللا لنا‬ ‫ى‬
‫تأئ الشدة واألزمات والفرص ي‬ ‫واللعب‪ ،‬وبعدها ي‬
‫نفرق بي صاحب وصديق‪ ..‬لكننا نضع غشاوة عىل أعيننا‬ ‫حت ّ‬‫ى‬
‫حت تتكرر‬ ‫ميرات وننس ونسامح ى‬ ‫نجي قلوبنا عىل إيجاد أعذار و ّ ّ‬
‫و ّ‬
‫أخيا أننا أضعنا ر‬
‫كثيا من‬ ‫ر‬ ‫حت نقتنع‬ ‫المواقف الواحد تلو اآلخر ى‬
‫اليميم وإعادة البناء‪.‬‬ ‫الوقت ف محاوالت التغيي و ى‬
‫ي‬
‫لم كل هذا؟‬
‫لم كل هذا التعقيد؟‬
‫الموضوع بسيط‪.‬‬
‫ّ‬
‫إنك تفضل أحيانا التنازل للحفاظ عىل عالقة غي صحية فقط‬
‫ر‬ ‫ألنك تخاف أن ى‬
‫تبق وحيدا! وإن رضيت بأقل ما تستحق‪ ،‬ستتكرر‬
‫ستخذل ر‬
‫كثيا ى‬ ‫ُ‬
‫حت تتعلم الدرس‪ .‬لست لوحدك‬ ‫خيبات أملك و‬
‫وهللا معك‪ ،‬ولست لوحدك وأنت بصحبة نفسك‪ .‬حاول أن تتقبل‬
‫ُ‬
‫هذه الفكرة ستحصل عىل عالقات جميلة ورائعة وستفك التعلق‬
‫الذي يعيقك ويكبلك‪.‬‬
‫لماذا تتعلق؟ ليحل من يرحل‪ ..‬إذا كنت غي سعيد مع أحدهم‬
‫وحاولت مرارا وتكرارا وباءت محاوالتك بالفشل؟ لم ال تنسحب‬
‫ف سالم و ىتيك المكان ألشخاص أحىل و ى‬
‫أنق؟‬ ‫ي‬
‫‪85‬‬ ‫أميرة ضيف للاه ه‬

‫أجل‪ ،‬هم موجودون وبإمكانك إيجادهم يف أي مكان وزمان‪،‬‬


‫حت تستنفد طاقتك كليا‬ ‫فقط انطلق و ى‬
‫اعيل ما يؤذيك وال تنتظر ى‬
‫بعد أن تبذل قصار جهدك للتشبث بأي كان‪ .‬فقط تحتاج ىليتيب‬
‫أولوياتك ووضع كل شخص يف مكانه المناسب ألن األماكن تختلف‬
‫تغي الظروف والمعطيات‪ .‬القريب يصبح‬ ‫والمكانات تتغي حسب ّ‬
‫غريبا والغريب يصبح ر‬
‫قريبا وأنت وحدك القادر عىل توزي ع‬ ‫ر‬ ‫أحيانا‬
‫األدوار من جديد‪.‬‬
‫حياتك ليست فندقا‪ ،‬يدخلها من يشاء ويخرج منها من يشاء‪،‬‬
‫يف أي وقت يحدده هو‪ ،‬وليست بمحطة قطار يتوقف فيها‬
‫العابرون‪ .‬من اختار الهجر‪ ،‬هو حر وفقده ليس بخسارة‪ ،‬وأنت حر‬
‫كذلك برفضه عندما يطلب العودة ألنه بات غريبا وألنك لن تملك‬
‫من جديد نفس القدرة عىل مشاركته تفاصيل يومك وأشارك‬
‫وأفكارك‪.‬‬
‫الت تجاوزتها الستمرار عالقة ما بالرغم من‬‫ى‬
‫تذكر المواقف ي‬
‫ى‬
‫الت كان ال بد أن ترحل فيها‬ ‫ّ‬
‫اختناقك وعدم ارتياحك‪ ،‬والمرات ي‬
‫ى‬
‫الت كان ال بد أن ال تتجاوزها وغفرت‪،‬‬
‫لكنك لم تفعل‪ ،‬واألخطاء ي‬
‫ّ‬
‫وتذكر خوفك من الخذالن مرة أخرى أو من تكرار نفس األسباب‬
‫الت أدت لإلحباط األول‪.‬‬ ‫ى‬
‫ي‬
‫ّ‬
‫نحن ال نتعلم أحيانا بشعة وهذا يعود ألسباب عديدة يطول‬
‫ّ‬
‫لكنت أذكرك هنا‬
‫ي‬ ‫رشحها ونفس األسباب تختلف من شخص آلخر‪.‬‬
‫تعرضت مرات كثية لنفس نوع األلم فالخطأ حينها‬ ‫مرة أخرى‪ ،‬إذا ّ‬ ‫ّ‬
‫الحياة ملن يستحق‬ ‫‪86‬‬
‫ر‬
‫منسوبا إليك‪.‬‬ ‫يصبح حتما‬
‫ّ‬
‫تذكر‬
‫ّ‬
‫فكر‬
‫ّ‬
‫تعلم‬
‫وانطلق من جديد‬
‫شء‬ ‫ر‬
‫وقبل كل ي‬
‫تعرف عىل ر‬
‫دورك يف عالقاتك ومحيطك‪.‬‬ ‫ّ‬

‫*****‬
‫‪87‬‬ ‫أميرة ضيف للاه ه‬

‫( ‪)8‬‬

‫ما هو دورك؟‬
‫الحياة ملن يستحق‬ ‫‪88‬‬

‫ُ‬

‫تبدوُالعالقاتُاإلنسانيةُسهةلُفقطُابلنس بةُ‬
‫لذليُيتسلطُُأوُخيضع‬

‫بيريُالكفريي‬
‫‪89‬‬ ‫أميرة ضيف للاه ه‬

‫وع وعىل أساسها‬ ‫ّ‬


‫ثالثة أدوار نتقمصها يف عالقاتنا دون ي‬
‫نجذب رشكاءنا ونستغرب من فشلنا يف بناء عالقات سليمة فيما‬
‫بعد‪ .‬لذلك أدعوك لمواجهة نفسك و ّ‬
‫التعرف عىل دورك‪ :‬المنقذ‪،‬‬
‫الضحية أم الظالم؟‬
‫نعيف بأخطائنا أحيانا ألن العاطفة‬ ‫من الصعب علينا أن ى‬
‫تحركنا وألن ّنياتنا ّ‬
‫طيبة وسليمة وتؤلمنا الحقيقة إذا واجهنا بها‬
‫ر‬
‫بت عىل باطل فهو‬ ‫غينا لكنها حقيقة ونور الحق ال ينطق أبدا وما ي‬
‫باطل وإن أقنعت نفسك بعكس ذلك‪.‬‬
‫خالل حصة إذاعية كنت أقدمها يف ‪ ٢٠١7‬يدور محورها حول‬
‫خصائ علم نفس للتعليق‬ ‫ي‬ ‫اجتماع يستوجب استضافة أ‬ ‫ي‬ ‫موضوع‬
‫ّ‬ ‫عىل المداخالت الهاتفية للمستمعي‪ّ ،‬‬
‫وجهت الضيفة مالحظة‬
‫عيت عن‬ ‫لمستمعة أبدت برأيها حول فشل عالقاتها العاطفية و ّ‬
‫ّ‬
‫تعاستها الشديدة‪ .‬لم تمر تلك المالحظة مرور الكرام بل ّأثرت فّ‬
‫ي‬ ‫ًّ‬ ‫ر‬
‫ّ‬ ‫ر‬
‫لكنت حقا أحسست أن تلك‬ ‫ي‬ ‫فعل‬ ‫ة‬ ‫رد‬ ‫بأي‬ ‫أقم‬ ‫لم‬‫و‬ ‫ا‬ ‫بالغ‬ ‫تأثيا‬
‫أغي طريقة‬ ‫الحصة وكل ما حصل خاللها كان هدية ربانية ىل َك ّ‬
‫ي ي‬
‫نقائض‪.‬‬ ‫أتعرف عىل‬ ‫تفكيي و ّ‬
‫ي‬
‫صديقت أنطونيا يف مدينة‬‫ى‬ ‫مرة صحبة‬‫أذكر كذلك أنت كنت ّ‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫بلجراد يف رصبيا‪ ،‬وكانت قد عادت من برشلونة ‪-‬حيث كانت تعمل‪-‬‬
‫وصوىل لضبيا بيومي‪ .‬كنا نتيه عىل ضفاف النهر "دانوب"‬ ‫ي‬ ‫قبل‬
‫الت أحملها تجاه نفس وعالقائى‬ ‫ى‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫وكنت أقاسمها مشاعر األش ي‬
‫حت‬ ‫الت كادت أن توصلت لحد االكتئاب‪ ،‬ى‬ ‫ى‬
‫ي‬ ‫المهنية السامة ي‬
‫الحياة ملن يستحق‬ ‫‪90‬‬

‫تعائ من نفس المشكل وكانت تعيش‬ ‫ي‬ ‫اكتشفت فجأة أنها كانت‬
‫الت تصل إىل حد السذاجة وبسبب‬ ‫ى‬
‫نفس الوضع بسبب طيبتها ي‬
‫حت جعلت‬ ‫اعتقادها أنها المنقذة لكل زمالئها ولصاحب العمل ى‬
‫قررت بعد سنتي من‬ ‫من نفسها ضحية‪ .‬إ ّل أن الوضع لم يستمر‪ّ ،‬‬
‫تنه األمر و ىتيك العمل بعد أن أنزلت عىل‬ ‫االستغالل ً والتعب أن ي‬
‫الت تعتقد أنه يستحقها‪ .‬وقررت بعدها‬ ‫ى‬
‫رئيسها وابل من الشتائم ي‬
‫العودة إىل بلدها حيث أصبحت اليوم المديرة التنفيذية ر‬
‫لمشوعها‬
‫ى‬
‫الت تديره مع عائلتها‪.‬‬
‫ي‬
‫بأئ اتخذت تجربتها كمثال‬ ‫أخيت أنطونيا ي‬
‫ال أذكر إن كنت ّ‬
‫يحتذى به وذكرته ف كتائ‪ ،‬لكنت عىل يقي أنها ستسعد ر‬
‫كثيا بهذا‬ ‫ي‬ ‫ّي‬ ‫ي‬
‫أنت متأكدة من أن الكثيات والكثيين‬ ‫كما‬ ‫بنفسها‬ ‫وستفخر ر‬
‫أكي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ي‬
‫منكم يشبهون أنطونيا أو ستحفزهم هذه الكلمات التخاذ القرار‬
‫ى‬
‫عودئ‬ ‫مع فيما بعد‪ ،‬إثر‬
‫ي‬ ‫المناسب للتغيي تماما مثل ما حصل ي‬
‫لتونس‪.‬‬

‫جعلت أكتشف‬‫ي‬ ‫احتكاك بأشخاص مدهشي‪،‬‬ ‫ي‬ ‫السفر بمفردي و‬


‫حيائ‪ ،‬هم‬‫ى‬ ‫ّ‬
‫أن كل األشخاص السامي والمؤذيي الذين كانوا يف‬
‫ي‬
‫ر‬
‫كل دور تلعبه يف‬ ‫فقط نتاج اختياري للدور الذي نسبته لنفس‪ّ .‬‬
‫ي‬
‫الت ترى من خاللها األشخاص يف‬ ‫عالقاتك سيكون بمثابة النظارة ى‬
‫ّ‬ ‫ي‬
‫ّ‬
‫والمهنية‬ ‫حياتك وهكذا تجذب أشخاصا يف حياتك الشخصية‬
‫يلعبون أدوارا تتوافق مع دورك‪.‬‬
‫‪91‬‬ ‫أميرة ضيف للاه ه‬

‫المنقذ الذي‬
‫ِ‬ ‫"ف السابق"‪ ،‬تميل لدور‬
‫مثىل ي‬
‫ي‬ ‫إذا كنت مثال‪،‬‬
‫ُ‬
‫الثائ ولحل مشكالته وتغيي حياته‬
‫ي‬ ‫يعتقد أنه خ ِلق إلسعاد الطرف‬
‫وأنه المسؤول عن رفاهيته فإنك ستجذب ّإما ظالما أو ضحية‬
‫والعكس صحيح‪.‬‬
‫تعي عنها من منظور الشفقة‬‫تتوسل المشاعر و ّ‬‫ّ‬ ‫إذا كنت‬
‫ّ‬
‫دائما عىل إساءة الناس لك وتقنع نفسك أنك‬‫ر‬ ‫تبك‬
‫والخوف و ي‬
‫الطيب المسكي وأنك غي محظوظ وال تضع حدودا واضحة‬
‫لنفسك ولغيك وأن غيك هو سبب ما تشعر به فأنت ضحية‪.‬‬
‫ّ‬
‫متطلبا تعتقد أن رشيكك ُوجد لخدمتك و ّ‬
‫تغيب حقه‬ ‫وإذا كنت‬
‫يف التعبي عن احتياجاته وتسمح لنفسك بفعل وقول ما يحلو لك‬
‫بتع ّلة أنه ال بد أن يتقبلك إن كان يحبك و ى ّ‬
‫تبيه عاطفيا ى‬
‫مت تشاء‬ ‫ِِ‬
‫فأنت ظالم‪.‬‬

‫ما الحل إذن؟‬


‫دورك ف العالقات منذ البداية و ّ‬‫حدد ر‬‫ّ‬
‫تعرف عىل هذه األدوار‬ ‫ي‬
‫وف‬ ‫‪.‬‬ ‫ر‬ ‫ّ‬ ‫ى‬ ‫ّ‬
‫جيدا حت تستطيع التعرف عىل دور شيكك وتحسم األمر ي‬
‫األخي‪ ،‬ى‬
‫يبق التوازن هو الحل األنسب دائما‪.‬‬
‫ى‬
‫الت‬ ‫ى‬
‫العالقة الصحية تقوم عىل االستقرار واالحيام والحرية ي‬‫ّ‬
‫يستحقها الطرفان‪ .‬ي‬
‫ه عبارة عن تواصل وترابط وال تقوم عىل مبدأ‬
‫"أنا أو أنت" وطرف مسيطر وطرف مضطهد وليست بساحة‬
‫معركة تثبت فيها من األقوى بل مساحة تحدد بالحدود الشخصية‬
‫الحياة ملن يستحق‬ ‫‪92‬‬

‫الشيكان منذ البداية‪.‬‬ ‫ّ‬


‫يوضحها ر‬ ‫ى‬
‫الت يجب أن‬
‫ي‬
‫ّ‬
‫متطرفا‬ ‫يعت هذا أن تكون صارما أو صلبا ألنه بذلك ستصبح‬
‫ال ي‬
‫التطرف يظهر كذلك عندما تتجاوز حدودك يف التساهل‬ ‫ّ‬ ‫و‬
‫والتسامح‪.‬‬
‫تعي عن مشاعرك بشكل واضح و ى‬
‫حقيق أي كن‬ ‫حاول فقط أن ّ‬
‫ي‬ ‫ّ‬
‫صادقا وحافظ عىل تعاطفك تجاه اآلخر ولكن بحدود ألن‬
‫التعاطف جزء من الحقيقة واللي أحسن بكثي من التشدد‪.‬‬
‫ال بد أن تدرك كذلك أن غيك قوي بما فيه الكفاية وبإمكانه‬
‫قوتك وقدرتك‬ ‫حت إن لم يكن عىل نفس درجة ّ‬ ‫االعتناء بنفسه و ى‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ستضه عىل المدى‬ ‫عىل حل األمور‪ ،‬فإن مساعدتك الكلية له‬
‫مباش يف خلق ضحية أو ظالم‪ .‬مع‬ ‫ر‬ ‫البعيد وستشارك بشكل‬
‫مساعدتك له‪ ،‬حاول أن ال تسنفد طاقتك وحاول أن ىتيك له‬
‫حل األزمات والخروج‬ ‫معينة ك يساعد نفسه و ّ‬
‫يتعود عىل ّ‬ ‫مساحة ّ‬
‫ي‬
‫ّ‬
‫شخصية‬ ‫منها بدرس‪ .‬مبالغتك يف المساعدة ستساهم يف تكوين‬
‫ّ‬
‫اعتمادية‪.‬‬ ‫ّ‬
‫هشة و‬

‫لنفس والتعرف‬ ‫ى‬


‫بمواجهت‬ ‫كنت محظوظة يف يوم من األيام‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ّ‬
‫حيائ عن جهل ومن دون وع ى‬
‫حت‬ ‫ى‬ ‫الدور الذي الزمت ر‬
‫كثيا يف‬ ‫عىل‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫أكرمت هللا بالمعلومة الذهبية وها أنا أقدمها إليك اليوم‪.‬‬
‫ي‬
‫ّ‬
‫ليس من السهل أن تواجه حقيقتك‪ ،‬لكن من األفضل أن تقوم‬
‫بذلك بنفسك عىل أن يضطر غيك أن يفعل ذلك إما ألنه ى‬
‫يكيث‬
‫‪93‬‬ ‫أميرة ضيف للاه ه‬

‫ألمرك أو ألنه يريد فقط إحراجك‪.‬‬


‫ّ‬
‫سلت يسبب لك‬
‫ي‬ ‫لذلك‪ ،‬كلما شعرت بأذى أو عجز أو أي شعور ّ‬
‫ّ‬
‫وجعا‪ ،‬اسأل نفسك ّأوال عن سبب ذلك وحاول أن تحدد نسبة‬
‫مسؤوليتك فيما حصل‪.‬‬
‫أنت المسؤول األول واألخي عن كل ما يحدث يف حياتك وعن‬
‫مشاعرك وأفكارك وكذلك غيك‪.‬‬
‫أنت المسؤول عن سعادتك وتعاستك وشعورك بالنقص‬
‫وشعورك بأنك محبوب ومؤثر وأنت من ّ‬
‫تقرر كيف تختار أفكارك‬ ‫ِ‬
‫ّ‬
‫ستتحول لواقعك‪.‬‬ ‫ى‬
‫الت‬
‫ي‬
‫ولتحديد دورك‪ ،‬أدعوك لمراقبة أفكارك ومعالجتها من‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫التطرف الذي تسلطه عىل نفسك وعىل غيك ويتمثل يف التعميم‪،‬‬
‫التضخيم‪ ،‬التشخيص‪ ،‬التطويل والتعتيم‪.‬‬
‫كلها أفكار غي منطقية متطرفة وعادات سيئة تؤدي إىل ّ‬
‫تشوه‬
‫ى‬
‫الذائ‪ .‬عليك أن تستبدلها‬ ‫معرف لديك وتؤدي إىل تدميك‬ ‫اك و‬
‫ي‬
‫ّ‬ ‫ي‬ ‫إدر ي‬
‫بأفكار سليمة وبناءة تنقذك من الهالك‪.‬‬
‫ربما تعتقد أن هذا األمر ليس بسهل وأوافقك الرأي‪ .‬ال يوجد‬
‫شء جميل وسهل يف اآلن نفسه ألنه سيفقد قيمته ورونقه‪.‬‬ ‫ر‬
‫ّ‬ ‫ي‬
‫البساطة نفسها تطلب أن تمر ببعض التعقيد لبلوغها‪...‬‬
‫يتطلب الحصول عىل عالقات ّ‬ ‫ّ‬
‫صحية‪ ،‬الكثي من الثقة‬ ‫لذلك‬
‫والقوة والتفاؤل والحساسية واللي كذلك‪.‬‬
‫الحياة ملن يستحق‬ ‫‪94‬‬

‫وك تحقق ما تريد‪ ،‬اسأل نفسك ما الذي يدفعك ّ‬‫َ‬


‫لتقمص دور‬ ‫ي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الثائ يف عالقاتك؟‬
‫ي‬ ‫يضك ويض الطرف‬
‫ما هو الهدف من دخولك ف عالقة ّ‬
‫معينة؟‬ ‫ي‬
‫ّ‬
‫عملية مدروسة أم اعتباطية؟‬ ‫ه‬
‫هل ي‬
‫هل أنت سعيد يف عالقتك بنفسك وبما أنت عليه اآلن؟‬

‫المعادلة بسيطة‪:‬‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫إذا كنت متوازنا وسعيدا يف عالقتك بنفسك‪ ،‬ستكون كذلك‬
‫مع غيك‪.‬‬

‫حت تفتح أبوابها ى‬


‫مت تشاء‪.‬‬ ‫ابحث عن مفاتيح السعادة ى‬

‫*****‬
‫‪95‬‬ ‫أميرة ضيف للاه ه‬

‫( ‪)9‬‬

‫االنطباع األول‬
‫الحياة ملن يستحق‬ ‫‪96‬‬

‫ُ‬

‫"حقيقةُاإلنسانُليسُماُيظهرهُكل‪ُ،‬بلُماُيفعهلُ‬
‫ألجكل"ُ‪ُ .‬‬

‫‪ُ-‬أمحدُخادلُتوفيق ُ‬
‫‪97‬‬ ‫أميرة ضيف للاه ه‬

‫أبينا‪ ،‬نتعامل يف مختلف المراحل الحياتية مع‬ ‫شئنا أم ر‬


‫يسببون لنا العديد من المشكالت بل‬‫ّ‬ ‫مجموعة من األشخاص‬
‫ينغصون علينا حياتنا أحيانا لما يحدثونه من ضجيج وصعاب‪.‬‬
‫منهم من ينتمون إىل نفس العائلة‪ ،‬ومنهم من يشاركوننا المكتب‬
‫المهت أو منهم من نقابلهم صدفة ونصاحبهم‬
‫ي‬ ‫أو نفس المحيط‬
‫عن جهل‪.‬‬
‫تضفات أبشع منهم‬‫نتضف ّ‬‫ّ‬ ‫تضفاتهم بشعة ومؤذية تجعلنا‬‫ّ‬
‫بي الحي واآلخر كالقضاء تماما عىل تلقائيتنا وكتم مشاعرنا أمام‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫نتحجج بتعلة أنهم يعانون من مشكالت نفسية أو تلك‬ ‫إساءتهم و‬
‫ه طبيعتهم‪.‬‬‫ي‬
‫سطح‪.‬‬
‫ي‬ ‫يف الواقع هذا التفكي مخط و‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫نحن من ى‬
‫كطبيع بينما األمر‬
‫ي‬ ‫ف‬ ‫التض‬ ‫ذلك‬ ‫ف‬ ‫نصن‬ ‫اخينا أن‬
‫ليس كذلك‪ .‬كان بإمكاننا أن نرى األمور عىل حقيقتها ونسعد بكوننا‬
‫البش لنتجنبهم أو نتجنب الوقوع يف نفس‬ ‫نعرف حقيقة بعض ر‬
‫محيم من‬‫ى‬ ‫المستنقع المرة المقبلة‪ .‬سنصي بعد ذلك عىل قدر‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫المحبطي‬
‫ِ‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫المتطفل‬ ‫المدمرين و‬ ‫الذكاء يجعلنا نشتم رائحة‬
‫والحساد والمرض‪.‬‬
‫وإذا نجحنا يف ذلك فنحن ننقذ أنفسنا كذلك‪ .‬ألن هذا النوع‬
‫من الناس يخرجون أسوأ ما فينا‪ ،‬يشعروننا بالقلق وانعدام األمان‬
‫حت نفقد السيطرة عىل‬ ‫ّ‬
‫الهمجية والهيجان ى‬ ‫ويدفعوننا للغضب و‬
‫مشاعرنا ويدفعوننا أحيانا إىل التقليل من قيمتنا والشعور بالنقص‬
‫الحياة ملن يستحق‬ ‫‪98‬‬

‫ى‬
‫الت ال نكشفها من‬
‫ونصبح ضحايا مؤامراتهم وأفعالهم الشيطانية ي‬
‫األول ألنهم يبدعون يف التمثيل وصياغة المشحيات‪.‬‬
‫كيف ننجح يف كشف هذه المشحيات إذا كنا نقابل العديد‬
‫نعط الفرصة ألنفسنا من جديد لإليمان‬‫من األشخاص باستمرار و ي‬
‫ستضق الكثي لحياتنا؟‬ ‫لت‬‫ى‬
‫ي‬ ‫بالعالقات الجميلة ا ي‬
‫أننشغل بمشاعرنا الشخصية أم تحليل مشاعرهم تجاهنا؟‬
‫يف الواقع‪ ،‬ال بد أن تصل للتوازن بي األمرين‪ .‬عليك أن تصل‬
‫ى‬
‫الت تنعكس يف‬
‫لمرحلة التمعن يف تضف غيك وتحليل أفكاره ي‬
‫سلوكياته معك بطريقة محايدة ال شخصية‪.‬‬
‫يعت "الحدس"‪.‬‬‫ي‬ ‫لحظة فقط! ال تعتقد أن االنطباع األول‬
‫كالهما يحركاننا لكنهما مختلفان‪ .‬حدسك يتكون مع التجارب‬
‫وبعناية إالهية وبممارسة الروحانيات و ّ‬
‫يتكون من داخلك ويمكنه‬
‫أن يخونك بنسبة ضئيلة بي نما االنطباع األول الذي تصدره أحيانا‬
‫تكونت من خالل نظرة غيك لآلخرين‪ ،‬أي‬ ‫الت ّ‬ ‫ى‬
‫ينتج عن نظرتك ي‬
‫دون وع ينبع من الخارج‪ ،‬أي من رشء ّ‬
‫مزيف‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫لذلك لنحاول تجنب االعتماد عىل االنطباعات األوىل سواء‬
‫حت نمنح ألنفسنا فرصة كشف حقيقة‬ ‫كانت سلبية أم إيجابية ى‬
‫األشخاص عىل مهل دون التحمس لعالقة ناجحة قائمة عىل‬
‫عواطفنا ودون الحكم عىل فشلها من منطلق ما عشناه من فشل‬
‫وإحباط‪.‬‬
‫‪99‬‬ ‫أميرة ضيف للاه ه‬

‫تكرار حدوث نفس النوع من األزمات والمشكالت فيما يخص‬


‫العالقات يف حياتنا يعود إىل عدم تعلمنا من تجاربنا وفشل عالقاتنا‬
‫يعت أننا لم نبحث عن أصل المشكل يف أنفسنا ولم نتعرف عىل‬ ‫ي‬
‫بالتاىل لم نتعرف عىل جزء من حقيقة غينا وهو ما‬ ‫ي‬ ‫حقيقتنا و‬
‫يجعلنا نخط من جديد‪.‬‬
‫حت‬‫ما الحل؟ أن توازن بي عاطفتك وعقالنيتك وحدسك ى‬
‫تحم‬
‫تمهل نفسك فرصة للتفكي والتحليل وتصل مرحلة الحياد و ي‬
‫نفسك من إصدار الحكم الذي سيوقعك يف عالقة مضة يسودها‬
‫تحم نفسك أحيانا‬
‫الحسد والبغض والغية والرغبة يف تدميك و ي‬
‫من خسارة عالقة كان بإمكانها لن تنجح وتضيف الكثي لحياتك‪.‬‬
‫ّ‬
‫وإذا وجدت نفسك يف محيط يحتم عليك المحاولة يف التقرب‬
‫لبعض األشخاص وتجد نفسك يف حية كبية ال تدري هل تصدق‬
‫أنهم جيدون أو تتخذ الحذر‪ ،‬ال تقلق‪.‬‬
‫ما عليك فعله‪ ،‬هو مراقبة هؤالء بهدوء‪ ،‬راقب كيف يؤثرون يف‬
‫غيهم ستتعرف عىل جزء كبي من شخصياتهم‪ .‬ربما يميلون إىل‬
‫السيطرة عىل غيهم‪ ،‬أو يكذبون ويدعون العفة ويتقمصون دور‬
‫المصلح ويستحوذون عىل عدد ال بأس به من الضحايا‪ ،‬أو ربما‬
‫يميلون إىل ممارسة العنف عىل غيهم بتعلة الحب أو المصلحة‬
‫و ّييرون ذلك بكل ثقة‪.‬‬
‫التطرف لن ّ‬
‫يكون إنسانا‬ ‫ّ‬ ‫تضف يسوده‬‫ّ‬ ‫خالصة القول‪ ،‬كل‬
‫ّ‬
‫اىل عالقتك بهذا الشخص ستكون غي سليمة‪.‬‬ ‫ّ‬
‫متوازنا وبالت ي‬
‫الحياة ملن يستحق‬ ‫‪100‬‬

‫بعقالنية وترك عواطفك‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬


‫التضف‬ ‫أشجعك عىل‬ ‫ّ‬ ‫أئ‬
‫ًّ‬ ‫ّ‬ ‫تظن ّ ي‬
‫لكنت‬ ‫ّ‬
‫عاطفية جدا‬ ‫جانبا؟ كل وألف كل‪ .‬األمر ليس كذلك‪ ،‬أنا‬
‫ي‬ ‫ًّ‬
‫بوسع يك أحافظ عىل التوازن‬ ‫ي‬ ‫عقالنية جدا وما زلت أقوم بكل ما‬
‫حت تعرفت عىل الخيط‬ ‫بي األمرين ألنت مررت بما فيه الكفاية ى‬
‫ي‬
‫عاطفت لها سلطة كبية‬ ‫ى‬ ‫بعواطق وأدركت أن‬ ‫يربطت‬ ‫الرقيق الذي‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫تعاست‪.‬‬ ‫ى‬ ‫المرات يف‬ ‫عىل وهذا ما تسبب ف عديد من ّ‬ ‫ّ‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫ّ‬
‫عاطفتك تنبعث من داخلك ولم توجد يك تتحكم فيك بل يك‬
‫حت تتعامل معها بذكاء وتمسك‬ ‫تتعرف عىل فعلها الشنيع هذا ى‬ ‫ّ‬
‫سيتغي الكثي يف حياتك‪ .‬راقب‬ ‫ّ‬ ‫بزمام األمور من جديد‪ .‬حينها‬
‫جيدا‬ ‫تشع و ّ‬
‫تمعن ّ‬ ‫نفسك عندما تنساق وراء عواطفك دون تفكي و ّ‬
‫غي حياتك لألفضل‬ ‫ف العواقب‪ .‬هل كان ذلك نافعا لك؟ هل ّ‬
‫ي‬
‫حسن يف عالقاتك أم العكس؟‬ ‫و ّ‬

‫اسيجاع المواقف‬ ‫اإلجابة واضحة لكنت أدعوك بكل حب إىل ى‬


‫ي‬
‫تضفت خاللها بعاطفية مفرطة ثم بعدها أحسست بالندم أو‬ ‫ّ‬ ‫ال ىت ّ‬
‫ّ‬ ‫ي‬
‫ّ‬
‫الضيق ألن النتائج كانت أدئ بكثي من توقعاتك وتمنيت لو يعود‬
‫الطريقة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫بك الوقت قليال إىل الوراء ى‬
‫تتضف بنفس‬ ‫حت ال‬
‫الحكمة تكمن ف مراقبة عاطفتك ى‬
‫حت تعمل لصالحك وليس‬ ‫ي‬ ‫ّ‬
‫ضدك‪.‬‬
‫*****‬
‫‪101‬‬ ‫أميرة ضيف للاه ه‬

‫(‪)1٠‬‬

‫العميق الغريب‬
‫الحياة ملن يستحق‬ ‫‪102‬‬

‫ُ‬

‫لوُدخلُلكُمناُقلبُاآلخرُألشفقُعليهُ‬

‫دكتور‪/‬مصطفىُمحمود‬
‫‪103‬‬ ‫أميرة ضيف للاه ه‬

‫منا أوجاع ال يعلمها غي هللا‪ ،‬وذكريات ى‬ ‫ّ‬


‫نسيجعها كلما‬ ‫لكل‬
‫ر‬
‫الت تتجدد مع العيات واألزمات‪.‬‬‫ى‬
‫شعرنا بتلك األوجاع ي‬
‫ش لم يبح به ألحد‪ ،‬وتفاصيل تعشش يف ذاكرتنا‬ ‫لكل منا ّ‬
‫وتنهش أجسادنا أحيانا وال يحس بها غينا ألننا نفقد القدرة عىل‬
‫التيير‪ ،‬أو ربما رحمة بأنفسنا نتجنب التفسي‪.‬‬ ‫التعبي و ّ‬
‫نمل من ّ‬
‫يعي طريقنا‪ ،‬ونجد أحيانا‬ ‫نحن مارون يف محطات حياة من ّ‬
‫من يشابهنا يف الروح وليس بالضورة يف الطبع‪ .‬وهذا األهم‪ .‬الطباع‬
‫تعرفك عىل اختالفات غيك عنك يخلق تجربة رائعة‬ ‫تختلف‪ ،‬و ّ‬
‫وفريدة لكن تعرفك عىل من روحه تشبه روحك‪ ،‬هو حظ كبي لك‬
‫ّ‬ ‫لسء‪ ،‬فقط ألنه ى‬ ‫ر‬
‫يخيل المسافات ويوفر عليك مشقة‬ ‫وله‪ .‬ال ي‬
‫الت تبعث يف ظلماتك‬ ‫ى‬ ‫ّ‬
‫الحديث المطول وينظر إليك بعي القلب ي‬
‫نورا وتيل عىل قلبك بردا وسالما‪ .‬وال نرى هذا بوضوح أحيانا ألننا‬
‫نشأنا عىل اعتقاد أن ال يوجد مكان يف هذا العالم لألشخاص‬
‫نجهز‬ ‫الطيبي المسالمي وإن صادفونا فنحن مخطئون وال بد أن ّ‬
‫أنفسنا للصدمات وإن كنت أنت من تحمل هذه الصفات‪،‬‬
‫سيصفونك بالغرابة وسيدفعونك للشعور بالغربة‪ ،‬لكنك أقوى‬
‫و ى‬
‫أرف‪.‬‬
‫ًّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الر ى يف‬
‫حدا أدئ من ّ‬ ‫كلنا نخط ونصيب‪ ،‬لكن التجربة تكسبنا‬
‫نحول جراحنا من‬ ‫واللطف‪ ،‬يجعلنا نضع أنفسنا ف مكان غينا‪ ،‬و ّ‬
‫ي‬
‫مصدر أذى إىل سبب محفز وكاف ألن نصبح ألطف ولنتعاطف‬
‫معهم ولنصبح أعمق!‬
‫الحياة ملن يستحق‬ ‫‪104‬‬

‫يش ّدئ لألشخاص ّ‬


‫عامة‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫الع ُ‬
‫مق‪ ..‬هذا ما‬ ‫ُ‬
‫ي‬
‫هذا ما ينقص الكثيون و ّ‬
‫يمي اآلخرين عن غيهم‪..‬‬
‫يعت أنك ال تحتاج لوقت طويل يك‬
‫أن تكون شخصا عميقا‪ ،‬ي‬
‫شء ما‪ ..‬أي‪ ،‬أن‬‫ر‬ ‫تفهم غيك أو ّ‬
‫تعي عما تشعر به تجاه شخص أو ي‬
‫ّ‬
‫تصبح مع الوقت غي قادر عىل التواصل مع أصحاب العقول‬
‫التافهة والتفكي المحدود‪ ،‬وتجد نفسك تنفر من صحبة الكثيين‬
‫وتتساءل يف األول لما رحلوا لكنك مع الوقت تدرك أن عمقك‬
‫يخيفهم ويذعر سطحيتهم و يف الوقت نفسه تتقبل تلك السطحية‬
‫الت لوالها لما اكتشفت ُعمقك‪.‬‬
‫ي‬
‫ى‬
‫والعمق الذي أحدثك عنه‪ ،‬شعور ال يوصف‪ ،‬ثمرة العديد من‬
‫التجارب ونتاج براكي من األحاسيس واالنهزامات والضاعات‬
‫واالنتصارات‪ .‬وف حضة "العميق"‪ ،‬ى‬
‫تبق كل المشاعر حقيقية وكل‬ ‫ي‬
‫ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫األحاديث ممتعة‪ ،‬صادقة ومريحة ال تستوجب إطالة وشحا وال‬
‫ر‬
‫تفسيا‪.‬‬ ‫ّتي ريرا وال‬
‫جرب‪،‬‬‫العميق‪ ،‬هو ذاك الشخص الذي غرق وسقط و ّ‬
‫تقبل‪ ،‬وخش‬ ‫واستكشف ونجح وأخفق‪ ،‬واستيقظ وحاول و ّ‬
‫عاش وتعارف وخالف‬ ‫تخط‪ ،‬و ر‬‫وكسب وانتظر‪ ،‬وهرب وتجاوز و ّ‬
‫بعمق واضح‪،‬‬ ‫حت بات يتحدث عن أي رشء تعتقده بسيطا‪ُ ،‬‬ ‫ى‬
‫ي‬
‫محسوس وملموس‪.‬‬
‫يعلمك التعاطف و ّ‬ ‫ّ‬
‫ينم إحساسك بغيك ألنك ترى‬ ‫ي‬ ‫العمق‬
‫نفسك فيه وترى هللا فيك كذلك‪.‬‬
‫‪105‬‬ ‫أميرة ضيف للاه ه‬

‫ّ‬
‫المارين يف حياتك يظهرون‬ ‫معينة تدرك أن كل‬ ‫تصل لمرحلة ّ‬
‫معي‪ ،‬يغذون روحك لتغدق عليهم وعىل نفسك وعىل‬ ‫لسبب ّ‬
‫العالم فائضا من المحبة والمودة وتجد نفسك تطبق يف قانون‬
‫العطاء الساحر والرائع‪.‬‬
‫ً‬
‫العطاء هلل من أجل هللا ودون أن تنتظر مقابل ألنك عىل يقي‬
‫ّ‬
‫من أن ما قدمته سيعود لك وهذه القناعة تحميك من اإلحباط‬
‫والخذالن ألنك حسمت األمر بينك وبي نفسك وحددت مهامك‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫جئت لتحب وتحب‪ ،‬و ِلتطمي األرواح وأنت يف أمس الحاجة‬
‫للطمأنينة ولتسمع ضجيج المشاعر ول ّ‬
‫تتمعن يف الصمت و يف‬
‫ً‬ ‫ِ‬
‫ر‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تضق شيئا جميل‬
‫ي‬ ‫سيميك عن غيك ويجعلك‬ ‫الصوت وهذا ما‬
‫لحياته‪.‬‬
‫أن تتعاطف مع غيك عملية عىل قدر عال من الحساسية‬
‫ويلزمها الحنكة والحدس كذلك‪ .‬أقصد بذلك أنك عندما تستمع‬
‫لغيك يتحدث عن تجارب مؤلمة عاشها فإنك لن تعتمد فقط عن‬
‫خياتك‬
‫شعور التضامن معه يف محنته بل ستعتمد عىل تصوراتك و ّ‬
‫تعي عنها ألنك‬ ‫ى‬
‫الحياتية‪ ،‬ستسيجع لحظاتك المؤلمة دون أن ّ‬
‫لمحدثك ى‬‫ّ‬
‫حت تقدر عىل تحليل ما يقوله‬ ‫مطالب باإلنصات‬
‫وتصبح ر‬
‫قادرا عىل نصحه باألسلوب الذي يالئمه‪ ،‬ستحاول النظر‬
‫حت تستطيع مساعدته‪.‬‬‫لعالمه بعينيه ال بعينيك ى‬
‫هذا النوع من التعاطف وممارسته لك اعتمادا عىل القواعد‬
‫الداخىل ومما‬
‫ي‬ ‫الصحيحة ستحررك كذلك من شوائب عالمك‬
‫الحياة ملن يستحق‬ ‫‪106‬‬

‫عشته سابقا‪ .‬ستخرج رويدا رويدا مع الممارسة من حبسك‬


‫وستتعرف عىل تجارب غيك ستدرك أحيانا حجم مشكالتك‬
‫الحقيق وستعتمد عليها أحيانا للتخفيف من ألم اآلخرين‪.‬‬ ‫ى‬
‫ي‬
‫ستتعرف عىل أفكار جديدة مختلفة عن أفكارك وتصوراتك‬ ‫ّ‬
‫وستتبناها أحيانا وتجدها تؤثر يف كيفية تعاملك مع األزمات‪.‬‬
‫وإن كنت من هؤالء‪ ،‬ويستغرب البعض لكونك هذا الشخص‬
‫فإئ أراك األجمل عىل اإلطالق‬ ‫الجميل يف عالم تسوده الفوض ي‬
‫ّ‬ ‫ى‬
‫حيائ و ى‬
‫أعي بوجوده وأقدر نعيم صحبتك‬ ‫ي‬ ‫وقابلت من يشبهك يف‬
‫وأشكر هللا عىل رفقتك وأرسل لك كل ما أملك من ُحب‪.‬‬
‫َّ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ى‬
‫المشوه خ ِلق من أجلك ومن‬ ‫المزيف أو‬ ‫الحقيق وليس‬
‫ي‬ ‫الحب‬
‫يجيون خواطرنا ويراعون مشاعرنا ويتقون هللا‬ ‫أجل أولئك الذين ّ‬
‫فينا يبعثون نورا يف قلوبنا وقلوب المستوحشي يف ظلمات‬
‫أنفسهم‪ ،‬ويعكسون صفاء نياتهم ونقاء قلوب هم يف معامالتهم معنا‬
‫نشع يف البحث عن أحسن نسخة من‬ ‫حت تستني بصيتنا و ر‬ ‫ى‬
‫أنفسنا‪.‬‬
‫هم األشخاص الذي ينعم هللا بهم علينا‪ ،‬إذا غبنا اشتاقوا‪ ،‬وإذا‬
‫مسنا السوء استاؤوا‪ ،‬وإذا ابتعدنا ى‬
‫اقيبوا‪ ،‬وإذا أخطأنا غفروا لنا سوء‬ ‫ّ‬
‫ُ‬
‫التضف وقلة الحيلة‪ .‬ليسوا ساذجي أو ضعفاء أو غرباء كما يراهم‬
‫البعض‪ ،‬بل هم األقوياء‪ ،‬وأصدقاء العطاء‪ ،‬أسعد السعداء و ى‬
‫أنق‬
‫األنقياء‪.‬‬
‫*****‬
‫‪107‬‬ ‫أميرة ضيف للاه ه‬

‫(‪)11‬‬

‫العاطفة العاصفة‬
‫الحياة ملن يستحق‬ ‫‪108‬‬

‫ُ‬

‫العواطفُشفافةُمثلُالزجاج‪ُ،‬عندماُتتشققُ‬
‫تنهتيي‪ُ،‬لكُحماوةلُلرتقهاُلنُتزيدُالشقوقُإالُ‬
‫اتساعا‪ُ.‬‬

‫ُواسيينُاألعر ُج‬
‫‪109‬‬ ‫أميرة ضيف للاه ه‬
‫ّ‬ ‫الت ُت ّ‬
‫حركنا و ّ‬
‫تتحرك ضدنا كما‬ ‫ى‬ ‫ّ‬ ‫ى‬
‫ه ي‬ ‫الت تمينا ي‬
‫نفس العواطف ي‬
‫سبق وذكرت يف الصفحات السابقة‪.‬‬
‫نحن كائنات ممية ّ‬
‫كرمها هللا ونفخ فيها من روحها وخلقنا من‬
‫طي وفينا الكثي من اللي‪.‬‬
‫نحن ننشأ عىل كتلة من األحاسيس والعواطف‪ ،‬نعمة كبية من‬
‫هللا سبحانه وتعاىل لكننا ّ‬
‫نحولها لنقمة ولعنة تحل علينا أحيانا‪.‬‬
‫نفس‬ ‫الت لجأت فيها للتعرف عىل‬ ‫ى‬ ‫ر‬
‫ي‬ ‫من أكي األوقات ي‬
‫الت‬ ‫ى‬ ‫ى‬
‫الصح الشامل و ي‬ ‫ي‬ ‫الت قضيتها يف الحجر‬‫"العاطفية" كانت تلك ي‬
‫ارتبطت بظهور الكورونا وبالجو العام الذي سيطر عىل الكون‪.‬‬
‫الفية أن أغلب من أعرفهم فقدوا‬ ‫ى‬ ‫الحظت خالل تلك‬
‫أعصابهم أو بعبارة أخرى فقدوا السيطرة عىل عواطفهم‪.‬‬
‫ر‬ ‫ّ‬
‫يخيل إليك أحيانا أنه ال بد أن تحمل نفس الحمل الذي يحمله‬
‫غيك وأن تغضب عندما يغضب الجميع ألنهم إذا غضبوا فهذا‬
‫وحدهم ودفعهم للتعبي عن نفس المشاعر‬ ‫يعت أن السبب ّ‬
‫ي‬
‫ًّ‬
‫ويجب أن تنضم إليهم وإال فهذا األمر ليس عاديا‪.‬‬
‫ّ‬
‫المزيفة‪.‬‬ ‫بينما الحقيقة تتخالف مع هذه الفكرة‬
‫أيحدث لك أن تغضب أحيانا وتتخذ قرارات تندم عليها فيما‬
‫بعد؟‬
‫الحياة ملن يستحق‬ ‫‪110‬‬

‫أو ّ‬
‫تتفوه بكلمات غي الئقة تشعرك باالشمياز من نفسك إذا‬
‫ما تذكرتها ال ألنك تسببت يف جرح غيك بذلك بل ألن هذا‬
‫التضف غريب عنك وكان بإمكانك الحفاظ عىل هدوئك؟‬
‫أتذكر كم مرة تحمست ر‬
‫أكي من المطلوب لفكرة ما؟‬
‫مشيك بينكما له‪،‬‬ ‫ى‬ ‫يخيك صديقك بإساءة صديق‬ ‫عندما ّ‬
‫تتبت فكرته‬ ‫حت ّ‬
‫فتحزن ألمره وتشاركه مشاعر الغضب واإلحباط ى‬
‫ى‬
‫المشيك الذي لم تستمع لروايته‬ ‫وتكن نفس المشاعر للصديق‬
‫بسء‪ .‬بعدها‪ ،‬يتصالح الصديقان وال تجد ّ ّ‬
‫ميرا لما‬ ‫ر‬ ‫ّ‬
‫ولم يضك ي‬
‫قمت به وتجد نفسك يف موقف محرج مع إن ّنيتك كانت سليمة‪.‬‬
‫ى‬ ‫ّ‬
‫الت كانت‬ ‫ما حصل يف الحقيقة هو أنك انسقت وراء مشاعرك ي‬
‫أساسا مشاعر غيك‪ ،‬دون تفكي‪.‬‬
‫ّ‬
‫حت ندرك أن عواقبه وخيمة‬ ‫كرر هذا الخطأ باستمرار ىّ‬‫ُن ّ‬
‫الجماع الذي يتمثل بالتفكي‬
‫ي‬ ‫الوع‬
‫ي‬ ‫وتتفاقم النتائج مع غياب‬
‫ّ‬
‫يتضف بها غيك‪.‬‬ ‫ى‬
‫الت‬
‫والتضف بنفس الطريقة الخاطئة ي‬
‫كتابائ يعتقدون أنت ّ‬
‫أغيب العقالنية تماما‬ ‫ى‬ ‫أكي من يقرؤون‬‫ر‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫وأحث غيي عىل االعتماد عىل القلب والعواطف‪ .‬عىل فكرة‪،‬‬
‫العواطف ال عالقة لها بالقلب بل تنبع من العقل‪ ،‬من مركز‬
‫ّ‬
‫يتكون‪ ،‬يكون بمثابة إشارة‬ ‫األحاسيس‪ .‬بمعت‪ ،‬اإلحساس قبل أن‬
‫فييجمها‪ .‬لذلك‪ ،‬إذا أردت التحكم يف عواطفك‪،‬‬ ‫ترسلها لدماغك ى‬
‫‪111‬‬ ‫أميرة ضيف للاه ه‬

‫لالوع دون تفكي وستحصل عىل نتائج‬


‫ي‬ ‫راقب أفكارك وما ترسله‬
‫مذهلة‪.‬‬
‫عندما ترى زميلك غاضبا من رئيسه يف العمل أو يف حالة‬
‫هيجان أو هيستييا أو تجده يتخاصم مع زميل لكما‪ ،‬هل من‬
‫األنسب أن تتبت مشاعرهما السلبية وتعيشها وتحملها معك‬
‫تباىل؟‬
‫للميل أم تحافظ عىل هدوئك وال ي‬
‫الثائ هو األنسب لكن قليلون من‬
‫ي‬ ‫من المؤكد‪ ،‬أن االحتمال‬
‫ينجحون يف فعل ذلك‪.‬‬
‫أتعرف لماذا؟‬
‫تعودت عىل فعل مخالف كالخوض يف نقاشات وتفسي‬ ‫ألنك ّ‬
‫و ّتيير وتحليل لما حصل أمامك يف المكتب وبعدها تروي القصة‬
‫لشيكك يف الميل فتصبح محور الحديث بينما كان بإمكانك عدم‬ ‫ر‬
‫ى‬
‫االكياث بتاتا‪.‬‬
‫عواطفك تقودك أحيانا إىل درجة أنك ّ‬
‫تتبت مشاعر سلبية‬
‫ى‬ ‫ّ‬
‫تضك وتهدر طاقتك‪ .‬مثلها مثل القرارات ي‬
‫الت تتخذها فجأة عندما‬
‫لسء ما أو ميعجا للغاية‪ .‬المشكل يعود ر‬
‫دائما إىل‬ ‫ر‬ ‫ّ‬
‫تكون متحمسا ي‬
‫كوننا ال نتحكم يف عواطفنا بينما إذا تعاملنا معها بذكاء ستسي‬
‫األمور عىل ما ُيرام‪.‬‬
‫الحياة ملن يستحق‬ ‫‪112‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫هللا ال يحب أن نظلم أنفسنا وأوصانا باالتزان واللي وسخر لنا‬
‫بوع ونتعامل مع عواطفنا يك تكون من‬ ‫ّ‬
‫نحس‬ ‫القلب والعقل يك‬
‫ي‬
‫ّ‬
‫صفنا ونحسن استغاللها لصالحنا وليس العكس‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تضفك مع‬ ‫الداخىل‪ ،‬وسوء‬
‫ي‬ ‫تجىل السالم‬
‫ي‬ ‫تقتض‬
‫ي‬ ‫سعادتك‬
‫عواطفك لن يساعدك يف ذلك‪.‬‬

‫*****‬
‫‪113‬‬ ‫أميرة ضيف للاه ه‬

‫(‪)1٢‬‬
‫ّ‬
‫السعادة‬
‫الحياة ملن يستحق‬ ‫‪114‬‬

‫الَُشءُجيلبُكلُالسعادةُإالُأنتُ‪.‬‬

‫رالفُإميرسو ُن‬
‫‪115‬‬ ‫أميرة ضيف للاه ه‬
‫َ ُ‬
‫ماذا ينقصك يك تصبح سعيدا؟‬
‫كثيا خاصة مع سيطرة جائحة كورونا عىل العالم‬ ‫سؤال راودئ ر‬
‫ي‬
‫األصىل الذي‬ ‫ى‬ ‫ّ‬
‫وكأن مفهوم السعادة تغي فجأة أو اسيجع معناه‬
‫ي‬
‫يجهله أغلبنا‪ .‬حاولت اإلجابة عىل هذا السؤال بكل صدق ووجدت‬
‫الت أعيشها يوميا‬ ‫ى‬ ‫ر‬
‫أن أكي اللحظات نشوة كانت أبسط اللحظات ي‬
‫لكنت اكتشفت أنها فعال رائعة‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ري‬ ‫ولم أدرك قوة تأثيها عىل مز ّ ي‬
‫اج‪،‬‬
‫كما اكتشفت أن السعادة ال ترتبط أبد ا بما نملك من عقارات‬
‫ّ‬
‫خاصة‪.‬‬ ‫وسيارات وأموال بقدر ما ترتبط بنظرتنا لألشياء وللحياة‬
‫الدليل عىل ذلك‪ ،‬ف ى‬‫ّ‬
‫الصح‪ ،‬الممتلكات واألموال‬ ‫ي‬ ‫فية الحجر‬ ‫ي‬
‫هية‪ ،‬لم تنفع أحدا ولم‬ ‫والطائرات وكل وسائل الغت المادي والرفا ّ‬
‫ّ‬ ‫ر‬
‫يضاه لذة الشعور باألمان‬‫ي‬ ‫شء من كل هذا‪،‬‬ ‫تجعلنا سعداء‪ .‬وال ي‬
‫ّ‬
‫سلبية‪.‬‬ ‫والدفء أو لحظة الشفاء أو الحصول عىل نتيجة تحليل‬
‫غت يملك الكثي وعاش حياته‬ ‫ليس هذا فحسب‪ ،‬كم من ي‬
‫سعيدا! وكم من فقي عاش حياته ضحوكا مبتسما مرتاح البال‪.‬‬
‫ر‬
‫أبدا بما نملك‪ ،‬بل بالحالة ى‬
‫الت نكون عليها‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ي‬ ‫السعادة‪ ،‬ال ترتبط‬

‫الت تأتينا دون‬ ‫ّ‬


‫تتكرر‪ ،‬ه ى‬ ‫ى‬
‫الت ال‬
‫ُ‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫الحياة ًّ ي‬
‫ّ‬
‫أجمل لحظات‬
‫ى‬
‫استئذان وتخطيط‪ .‬ال تقدر حقا بثمن‪ .‬ال تشيى وال تباع‪ .‬ال تطلب‬
‫ُ‬
‫وال تفتك‪ ،‬بل تعاش فقط وعندما نفتقدها‪ ،‬نحاول فقط‬
‫استحضارها يك تمتىل قلوبنا بالمتعة والبهجة والحب‪ .‬وها أنا اليوم‬
‫ألفت نظرك إليها‪.‬‬
‫الحياة ملن يستحق‬ ‫‪116‬‬

‫من أروع لحظات الحياة وأجملها‪ ،‬لحظة االنتصار‪:‬‬


‫بعد الضاعات والمظالم والمتاعب‪ ،‬حي تنتض وتدرك أنك‬
‫فعال انتضت! لحظة تحس فيها بالعزة والمجد والنض‪ ،‬تمنحك‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫شعورا بالقوة والعزيمة تجعلك مستعد ا لمحاربة العالم لوحدك‬
‫بقوة هللا عز وجل وعدله و ى‬
‫تسيجع كل المراحل‬ ‫من جديد‪ .‬تحس ّ‬
‫ّ‬ ‫ى‬ ‫ى‬
‫الت تحديت فيها نفسك الضعيفة وتوكلت عىل‬ ‫الت مررت بها و ي‬‫ي‬
‫نضا ر‬
‫كبيا‪.‬‬ ‫يش أمرك ونضك ر‬ ‫جي بخاطرك و ّ‬‫حت ّ‬‫هللا ى‬

‫ّ‬
‫ه لحظة اللقاء‬‫ي‬ ‫و‬ ‫الفرح‬ ‫ة‬ ‫شد‬ ‫لحظة أخرى تكاد تقفز فيها من‬
‫بعد الفراق‪ .‬من منا لم يعشها؟ ومن منا لم ينتظرها؟ منا من ال‬
‫يزال يحلم بها ويرجو من هللا تيسيها وتقريبها‪ّ .‬أول نظرة بعد‬
‫الغياب‪ ،‬و ّأول حضن بعد البعد‪ ،‬و ّأول موعد يجمعنا بمن أبعدتهم‬
‫الحياة عنا أو منعتهم الظروف من قربنا‪ .‬لحظة توقظ فينا مشاعر‬
‫تتعوض ويعجز اللسان عن التعبي عنها‪ .‬لحظة‬ ‫ّ‬ ‫ال توصف وال‬
‫ّ‬
‫واحدة كفيلة بتعويضنا عما عشناه من بعد وحرمان وتدخل عىل‬
‫ُ‬
‫نفوسنا رضا ال ُيوصف وفرحة ال تقاس‪.‬‬
‫ماذا عن لحظة العودة للحياة؟ إما بعد المرض الجسدي أو‬
‫النفس‪ .‬كلنا تمر علينا أيام يشتد فيها اليأس وتختلط‬
‫ي‬ ‫اإلرهاق‬
‫ُ‬
‫مشاعر الضعف بالعجز والوحدة بالعزلة ونحس وكأننا نموت‬
‫ببطء شديد‪ .‬ليس بالقنوط من رحمة هللا‪ ،‬بل هو الوصول إىل ّ‬
‫قمة‬
‫ّ‬
‫المض مجددا‪.‬‬ ‫التعب واإلرهاق والخوف من‬
‫ي‬
‫‪117‬‬ ‫أميرة ضيف للاه ه‬

‫وحدها لحظة الشعور باإلقبال عىل الحياة مجددا كفيلة بأن‬


‫تجعلك تركض من جديد نحو أحالمك وآمالك‪.‬‬
‫ه لحظة‬ ‫ى‬
‫لحظة أخرى‪ ،‬تخيل كل لحظات السعادة‪ ،‬أال و ي‬
‫اللياىل وانتظرتها‬
‫ي‬ ‫تحقيق أمنية خلتها مستحيلة وسهرت من أجلها‬
‫ى‬ ‫ر‬
‫الت ال تكاد تصدق أنها فعال‬ ‫شهورا وربما سنوات‪ .‬اللحظة ي‬
‫"حصلت" وأصبحت حقيقة وأنك نلت ما تمنيت‪.‬‬
‫لحظة إدراكك أن لديك المزيد من الوقت للنوم‪ ،‬تشعرك‬
‫ينته بعد ولديك‬
‫بالطمأنينة والراحة أو لحظة اكتشافك أن اليوم لم ِ‬
‫فرصة إلتمام ما خططت له هذا الصباح‪ .‬لحظة عىل بساطتها‬
‫تشحنك باإلرصار والمثابرة‪ ،‬ومن بعدها الفخر بأنك‪ ،‬ر‬
‫أخيا‪ ،‬قمت‬
‫بما كان عليك فعله‪ ،‬ى‬
‫حت وإن كان إنجازا عاديا‪.‬‬
‫كذلك‪ ،‬لحظة مفاجأتك بطبقك المفضل بعد يوم متعب‪،‬‬
‫تمح من ذاكرتك ما عشته من ضغط وقلق‪.‬‬
‫ي‬ ‫لحظة كفيلة بأن‬
‫لحظة استقبالك لمشاعر االمتنان والتقدير الصادقة من‬
‫شخص تحبه‪ ،‬تغنيك عن كل من عرفت و ّ‬
‫تهون عليك خيبات‬
‫الماض وتغمرك بالحب وتعزز ثقتك بنفسك‪.‬‬
‫ي‬
‫لحظات السعادة ربما كانت نسبية تختلف من شخص آلخر‪،‬‬
‫لكن معظمنا‪ ،‬قبل النوم و يف أصعب المواقف اليومية‪ ،‬نلجأ‬
‫ّ‬
‫المخزنة يف أعماقنا‪ ،‬تبعث فينا شعور "الحياة"‬ ‫للحظاتنا الجميلة‬
‫ّ‬
‫من جديد وتفكرنا ببساطة السعادة نفسها‪ ،‬وبقيمة ما نملك‪ ،‬نحن‬
‫من ّ‬
‫يخيل إلينا أحيانا أن السعادة هدف‪ ،‬يف حي أنها حالة نعيشها‬
‫الحياة ملن يستحق‬ ‫‪118‬‬

‫ى‬
‫مت اغتنمنا اللحظة‪.‬‬
‫تكف عن الركض وراء‬ ‫ّ‬ ‫إن كنت تعتقد أن السعادة هدف‪ ،‬لن‬
‫ر‬
‫اعتقادا منك أنك بتحقيق أشياء ّ‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫معينة ستصبح‬ ‫شء‬
‫شء وال ي‬ ‫كل ر ي‬
‫تجت‬ ‫تشيي ميال أو‬ ‫سعيدا‪ .‬تعتقد أنك تعيس أو ناقص إىل أن ى‬
‫ي‬
‫أمواال طائلة أو تحصل عىل وظيفة أحالمك أو تجد توأم روحك‪.‬‬
‫ستقض حياتك تعيسا و يف حال تحقيقك لما ذكرته‬ ‫ي‬ ‫بهذا التفكي‪،‬‬
‫وضاع منك فجأة‪ ،‬ستعود لتعاستك من جديد‪.‬‬
‫البش يف العالم‪ ،‬يعيشون يف الغابات واألرياف أو يف‬ ‫آالف ر‬
‫الصحاري وتحت الخيام‪ .‬ال يملكون شيئا مما تملك أنت من‬
‫وسائل تضمن العيش الكريم والرفاهية‪ .‬لكنهم يملكون القناعة‬
‫ّ‬ ‫ر‬
‫شء‪ ،‬يخلقون فرصة للعب واللهو واالبتكار‪.‬‬ ‫والبساطة‪ .‬من ال ي‬
‫بينما تملك أنت الكثي‪ ،‬لكنك ال تزال تبحث عن المجهول‪.‬‬
‫السعادة‪ ،‬تنشأ من اللحظة الحالية‪ .‬ابحث عنها يف مواطن‬
‫قلبك وروحك‪ ،‬ستجدها حتما‪.‬‬
‫*****‬
‫‪119‬‬ ‫أميرة ضيف للاه ه‬

‫(‪)13‬‬

‫احلب‬
‫الحياة ملن يستحق‬ ‫‪120‬‬

‫ُ‬

‫يوًُماُماُس يأخذكُقلبكُإىلُحمبوبك‪ُ،‬يوًُماُما‬
‫س هتتديُروحكُإليه‪ُ،‬فالُتستسملُيفُغياابتُ‬
‫األملُاحلزين‪ُ،‬ولتعملُأنهُيوًُماُماُس يكونُهذاُاألملُ‬
‫هوُادلواء‪ُ.‬‬
‫م‬
‫جاللُادلينُالرو ُ‬
‫‪121‬‬ ‫أميرة ضيف للاه ه‬

‫ّ‬
‫بمجرد سماعها وال‬ ‫ال أدري إن كان لكلمة "حب" أثر عليك‬
‫ر‬
‫عيت‬ ‫لكنت أتساءل عن أول فكرة ّ‬
‫ي‬ ‫أعلم شيئا عن نظرتك للحب‬
‫خاطرك أول ما قرأت كلمة "حب" ‪.‬‬
‫بالنسبة يىل‪ ،‬الحب هو أصل الحياة وأساس االستمرارية ومنبع‬
‫شء جميل‪ .‬الحب هو الشفاء لكل داء والحل األبدي لكل‬ ‫ر‬
‫كل ي‬
‫الت نعيشها مع غينا ومع أنفسنا ّ‬
‫خاصة‪.‬‬ ‫ى‬
‫الحروب والضاعات ي‬
‫شء‪ ،‬ال بد أن تقتنع أنك تستحق كل الحب وأن‬ ‫ر‬
‫قبل كل ي‬
‫العالقات العاطفية والزوجية الناجحة موجودة و ر‬
‫بكية إال أنك ال‬
‫تحرر‬‫اخيت االقتداء بعالقات فاشلة ف محيطك أو لم ّ‬ ‫تراها أو ى‬
‫ي‬
‫الماض‪.‬‬ ‫عيات‬ ‫نفسك من ر‬
‫ي‬
‫تخط األزمات العاطفية‪ ،‬لكنك تقدر عىل‬ ‫ي‬ ‫ليس من السهل‬
‫ى‬
‫الت‬
‫ذلك وبإمكانك النجاة منها بسالم وبمجموعة من الدروس ي‬
‫تخول لك النجاح يف عالقة قادمة‪.‬‬ ‫ّ‬

‫المثاىل الذي تبحث‬ ‫توأم روحك موجود ف مكان ما و ر‬


‫الشيك‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫عنه يبحث عنك كذلك ومررت بكل ما مررت به يك تصل إليه‬
‫ى‬
‫الت ستجعلك تجذب من يملك‬ ‫بأفضل نسخة لديك‪ .‬النسخة ي‬
‫نفس ذبذباتك العالية ويشابه روحك‪.‬‬
‫الحب أجمل شعور عىل اإلطالق وتجربة وجودية عميقة‬
‫ومدهشة ال يستطيع اإلنسان العيش دونها ألنها أساس الخلق‪.‬‬
‫ُولدنا من حب وجئنا للحب ونعيش بالحب لكن قبل أن‬
‫قدم الحب لنفسك أوال‪.‬‬‫ّ‬ ‫تبحث ّ‬
‫عمن يحبك‪،‬‬
‫الحياة ملن يستحق‬ ‫‪122‬‬

‫أحبب تفاصيلك‪ ،‬جسدك‪ ،‬مالمحك‪ ،‬ندوبك‪ ،‬جروحك‪،‬‬


‫ثقافتك‪ ،‬لونك‪ ،‬عيوبك ومحاسنك‪.‬‬
‫الت تتمت أن ُت ّ‬
‫حب بها‪ .‬حينها‪،‬‬ ‫ى‬
‫أحبب نفسك بنفس الطريقة ي‬
‫ستكون كائنا كامال تستقبل فقط من يتكامل معك ال من ّ‬
‫يكملك‬
‫ألنك لست بناقص‪ .‬ستكون شخصا مستقال ومتوازنا مؤثرا وملهما‬
‫لشيكك وستتعامل معه بطريقة صحية‪.‬‬ ‫وستضيف الكثي ر‬
‫الت تتعامل بها مع‬ ‫ى‬
‫بمعت‪ ،‬ستتعامل معه بنفس الطريقة ي‬
‫تعيف بضعفك وبنقاط‬ ‫نفسك‪ .‬إذا كنت تتقبل ذاتك وصفاتك و ى‬
‫ضعفك وعدم كمالك ستتضف معه عىل هذا األساس‪ .‬لن تسع‬
‫ر‬
‫أساسا ال يشبهك وله مياته وعيوبه‬ ‫لتغييه وال لجعله يشبهك ألنه‬
‫وذكرياته وتاريخه ولكن سيجعل منه الحب نسخة أفضل من‬
‫ى‬
‫الت تخيلتها أو تمنيتها‪.‬‬
‫نفسه ربما أفضل بكثي من النسخة ي‬
‫الش الوحيد يف إنجاح هذه العالقة هو الوضوح من الطرفي‪.‬‬
‫الوضوح تجاه أنفسهم وتجاه الطرف المقابل‪ .‬الوضوح سيجعل‬
‫كالكما يتعرف عىل اختالفات اآلخر عنه ويتقبلها ويتعايش معها‪.‬‬
‫ّ‬
‫"تغي بعد الزواج" أو‬ ‫اعا من قبيل‬‫أغلب األزواج يعيشون رص ر‬
‫"لم يعد يحب يت مثل األول"‪ .‬عفوا‪ ،‬لكن "األول" لم ُي ّي عىل صدق‪.‬‬
‫ى‬
‫لألنق‪.‬‬ ‫العية يف الخواتيم والبقاء‬ ‫ّ‬
‫لهفة البدايات خداعة ومزيفة‪ّ ،‬‬
‫عزيزئ‪ ،‬إن كنت تبحثي عن رجل يف شكل مالك مهمته‬ ‫ى‬
‫ي‬
‫لنيل إعجابك وتلبية كل رغباتك‬ ‫التغزل بك يوميا والتفرغ تماما ر‬
‫المادية والمعنوية وتزييف مشاعره الحقيقية وعدم البوح بمشاكله‬
‫‪123‬‬ ‫أميرة ضيف للاه ه‬

‫أنك تبحثي‬ ‫أو أي رشء ثان ى‬


‫فاعلم ِ‬
‫ي‬ ‫اخيت أنت بنفسك عدم رؤيته‬ ‫ي‬
‫بالتاىل ما تعيشينه فهو‬
‫ي‬ ‫عن الحب الذي تفقدينه تجاه نفسك و‬
‫تعلق بعيد كل البعد عن الحب والتعلق ر‬
‫دائما ما يسفر عن خسائر‬
‫فادحة‪.‬‬
‫بكالم هذا تشجيعك عىل اختيار رجل بارد المشاعر‬ ‫ي‬ ‫ال أقصد‬
‫وجاف األحاسيس ال يغازلك وال يكرمك وال يدللك‪ ،‬بالعكس ر‬
‫تماما‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تتوسلي‬ ‫ستعيشي كل هذا إذا قدم ِته أوال لنفسك‪ .‬أما إذا ِ‬
‫كنت‬
‫األساش من الدخول يف عالقة هو الحصول عىل ما‬ ‫ي‬ ‫منه وهدفك‬
‫ينقصك‪ ،‬فإن الفشل سيكون مآلها‪.‬‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫شخصا لكونه ابن فالن أو مالكا ألموال طائلة‬ ‫وإن كنت تحبي‬
‫أو وظيفة معينة وتضعي رشوطا أخرى لهذا الحب فتأكدي أنه‬
‫ّ‬
‫اعلم أنك تجهلي قيمتك فلجأت للبحث‬ ‫ي‬ ‫‪.‬‬ ‫أزمة‬ ‫أول‬ ‫مع‬ ‫ر‬ ‫سيتبخ‬
‫‪.‬‬
‫يأئ من الخارج زائل وفان قيمتك الحقيقة‬ ‫ى‬
‫عنها يف الخارج وكل ما ي‬
‫مكمل يك‬‫تنبع من داخلك‪ ،‬من روحك‪ ،‬من أعماقك وال تحتاج ألي ّ‬
‫تكتمل أو ّ‬
‫تتكون‪.‬‬
‫ى‬
‫الت تريدها‬ ‫ّ‬
‫عزيزي‪ ،‬إن كنت تبحث عن امرأة تحولها للنسخة ي‬ ‫ّ‬
‫الت رسمتها‬ ‫حت تتكون الصورة المثىل ى‬ ‫تشكلها حسب رغبتك ى‬ ‫أو‬
‫ي‬
‫ّ‬
‫لشيكة حياتك أو تجعلها أداة لتحقيق ما تريد وتغيب‬ ‫ّ‬
‫ف مخيلتك ر‬
‫ي‬
‫حقها يف أن تكون "امرأة" جميلة وذكية وقوية وتحتاج لرجل يف‬
‫تقر بأنك لن تحب‬ ‫الوقت نفسه‪ ،‬فاألفضل أن تعيد ترتيب أفكارك و ّ‬
‫إنسانة سوية إال إذا كنت سو ّيا‪.‬‬
‫الحياة ملن يستحق‬ ‫‪124‬‬

‫إذا كنت تبحث عن امرأة بصفات ّ‬


‫معينة‪ ،‬اذهب إليها ر‬
‫مباشة‬
‫وال تبحث عنها يف امرأة أخرى تقتحم حياتها وتسمح لنفسك‬
‫بتغييها حسب رغباتك‪.‬‬
‫إذا كنت ال تزال عالقا يف ذكريات عالقة سابقة ولم تنجح يف‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫للتشاف وبعدها فكر يف االرتباط‬
‫ي‬ ‫تخطيها‪ ،‬خذ كل الوقت الالزم‬
‫بامرأة أخرى‪.‬‬
‫شء" ستفقدك حتما "الكل "‪.‬‬ ‫ر‬ ‫ّ‬
‫عقلية "الكل" أو "ال ي‬
‫أرف من هذا الهراء بكثي‪ ،‬وال بد أن يكون غي‬ ‫الحقيق ى‬
‫ى‬ ‫الحب‬
‫ي‬
‫هوية كل طرف ف العالقة ى‬
‫حت ال‬ ‫ّ‬ ‫مشوط مع الحفاظ عىل‬ ‫ر‬
‫ي‬
‫تضمحل مع الوقت‪ُ .‬وجد يك يجعل من روح ري روحا واحدة يف‬
‫جسدين‪ .‬تتضاعف األحالم وتتسع اآلفاق وتتضح الرؤى ويصبح‬
‫قلبي واألمل اثني‪.‬‬ ‫ذوقي والقلب ر‬
‫ر‬ ‫الذوق‬
‫إذا كنت فعال تبحث عن عالقة حب ناجحة حافظ عىل نقاء‬
‫روحك ومحبتك لنفسك ّأوال ستمطر حبا عىل اآلخر وستجعله‬
‫أكي اتزانا وستجد من يحبك ر‬
‫أكي‪.‬‬ ‫ر‬
‫ر‬
‫ستجد من يدرك حجم الضغط الذي تعيشه ويحاول جاهدا‬
‫الرفع من معنوياتك والتخفيف من قسوة ما تمر به‪ .‬ستجد من‬
‫يبحث عن كل كلمة لطيفة تسعدك ويقولها لك دون مناسبة‬
‫و ّ‬
‫يتذوق كلماته قبل نطقها فهو يدرك جيدا أن الكلمة ستكون‬
‫الت‬ ‫ى‬
‫بصيص أمل يف منتصف طريقك ويخاف أن تكون القطرة ي‬
‫ستفيض كأسك‪.‬‬
‫‪125‬‬ ‫أميرة ضيف للاه ه‬

‫ستجد من يحافظ عىل هدوئه ويلتمس لك العذر يف لحظات‬


‫ى‬
‫الت تحبها‬ ‫ثورتك وهيجانك‪ .‬يشاركك أحالمك وأهدافك واألشياء ي‬
‫موسيق وقصص وأكالت مفضلة‪ .‬لن ىييكك تغرق يف مأساتك‬ ‫ى‬ ‫من‬
‫يعي‬ ‫وسيحمل معك عبء الحياة ويتباه بعالقتكما ف كل مكان و ّ‬
‫ّ‬ ‫ي‬
‫باستمرار عن شكره لوجودك يف حياته‪.‬‬
‫ر‬ ‫ر‬ ‫ّ‬
‫كل هذه التفاصيل‪ ،‬ال تقدر بثمن‪ .‬ستجعل منك إنسانا سعيدا‬
‫حت عند‬ ‫مقبال عىل الحياة وستجعل من رشيكك وطنا وملجأ و ى‬
‫الشجار لن يطول العتاب ولن تشتد القسوة ألن الخالف جزء من‬
‫القرب والود وكنت قد قررت التجاوز ألنك عىل يقي أن الحوار‬
‫جي الخواطر واللي‪.‬‬ ‫سيحل األمر وأن البيوت تبت بالتجاوز و ّ‬
‫دورا ًّ‬
‫مهما‬ ‫دائما عىل العاطفة‪ ،‬العقل يلعب ر‬ ‫الموضوع ال يقف ر‬
‫ّ‬
‫كذلك‪ .‬الرجل والمرأة تركيبتان مختلفتان وهذه سنة هللا يف خلقه‬
‫ومهما تشابها فهما يختلفان يف الكثي‪ :‬طريقة التعبي‪ ،‬ردود الفعل‪،‬‬
‫طريقة التعامل مع األزمات‪ ،‬األولويات‪ ،‬الطموحات‪ ،‬إلخ‪ .‬وهذه‬
‫ممية وفريدة خاصة إذا تعاملنا‬ ‫الت تجعل العالقة ّ‬‫ى‬
‫ه ي‬ ‫االختالفات ي‬
‫معها بحياد وذكاء‪.‬‬
‫عمن‬ ‫األهم من كل هذا‪ ،‬ال تلجأ للحب ألنك وحيد أو تبحث ّ‬
‫ّ‬ ‫اغا ّ‬ ‫ر‬
‫ستتسبب‬ ‫معينا يف حياتك ألنك لن تحسن االختيار‪.‬‬ ‫يمأل فر‬
‫بأذى لنفسك ولغيك عىل المدى القريب أو البعيد‪ .‬قم بكل ما‬
‫رمم‬ ‫بوسعك إلصالح ما يمكن إصالحه ف حياتك واجمع حطامك و ّ‬
‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫ُ‬ ‫ى‬
‫ما كش يف روحك وبعدها فكر يف االرتباط أو حت يف مصارحة‬
‫الحياة ملن يستحق‬ ‫‪126‬‬

‫الطرف المقابل‪.‬‬
‫أما إذا كنت أخطأت االختيار فال تقلق وال تندم ألن الحب‬
‫مرتبط بالسعادة وإذا أصبح سببا يف تعاستك فإنك مطالب‬
‫باالنسحاب مهما كانت األسباب‪.‬‬
‫بعد العديد من التجارب الناجحة والفاشلة‪ّ ،‬‬
‫الهينة والشديدة‪،‬‬
‫يكق الستمرار عالقة‪.‬‬
‫أدركت أن الحب وحده ال ي‬

‫ُ‬
‫يكق أن ت ِحب‪ ،‬بل ال بد أن تطمي‪ .‬ال بد أن تشعر باألمان‬‫ال ي‬
‫مع من فتحت له أبواب القلب عىل مضاعيها‪ .‬ال بد أن يكون لك‬
‫تغيه عواصف وال تضعفه أزمات وال تبعده‬ ‫سندا ومؤنسا ال ّ‬
‫مسافات‪.‬‬
‫ىّ‬
‫الميني‪ُ ،‬‬
‫الم ِح ّبي‬ ‫لهذا السبب‪ ،‬الكثي من األشخاص‬
‫ًّ‬
‫طبيع جدا ألن‬‫ي‬ ‫ألنفسهم‪ ،‬يفشلون يف عالقاتهم العاطفية‪ .‬األمر‬
‫من يحب نفسه جيدا ويصونها ويحميها‪ ،‬لن يرض بنصف عالقة‬
‫ونصف حب ونصف مشاعر‪ .‬لن يصمد الحب أساسا أمام الشكوك‬
‫والخوف والشعور بالوحدة‪ .‬لن يصمد الحب يف عالقة يسودها‬
‫ى ّ‬ ‫الخذالن والهروب من المواجهة و ُ‬
‫اليدد‪ ،‬مهما تعددت‬ ‫الج ّي و‬
‫المحاوالت‪.‬‬
‫ّ‬
‫الحب للشجعان‪ ،‬لمن يتحدون العالم أجمع من أجله‪ ،‬لمن‬
‫يكشون القيود ويثورون عىل القوالب ويتجاوزون التقاليد‪ ،‬لمن‬
‫يحملون مسؤولية سعادتهم يف صدورهم وبي أيديهم‪ ،‬ترافقهم يف‬
‫‪127‬‬ ‫أميرة ضيف للاه ه‬
‫ّ‬
‫كل الخطوات‪ ،‬لمن يؤمنون ويتمنون ويحاولون مر رارا وتكرارا وال‬
‫ييأسون أبدا‪.‬‬

‫أتمت لكم الكثي من الحب‪ ،‬ألنفسكم ولغيكم‪ ،‬ألن الحب إذا‬


‫غاب‪ ،‬تغيب معه الحياة‪.‬‬
‫النهاية‬

‫*****‬
‫الحياة ملن يستحق‬ ‫‪128‬‬

‫السرية الذاتية للكاتبة‬

‫ّ‬ ‫ّ‬
‫صوتية وإعالمية مختصة‬ ‫أمية ضيف هللا‪ ،‬مهندسة ومعلقة‬
‫اليامج االجتماعية والثقافية‪.‬‬
‫يف ّ‬
‫األدئ‪:‬‬
‫كاتبة تونسية يف رصيدها ّ ي‬
‫جماع صدر يف أواخر ‪ ٢٠١٩‬بعنوان "امرآيا"‬
‫ي‬ ‫كتاب‬
‫ونشت له‬‫وكتاب فردي "نار باردة" صدر ف مارس ‪ ٢٠٢٠‬ر‬
‫ي‬
‫حت اآلن والذي ىييجم حاليا لإلنجليية والفرنسية‪.‬‬‫ثالث طبعات ى‬
‫األدئ‬ ‫نش البعض من كتاباتها باللهجة العامية يف العمل‬ ‫ر‬
‫ّي‬
‫العام يف تونس‪ :‬عبد العزيز‬
‫ي‬ ‫جانيواد األدب‬
‫ّ‬ ‫عني" إىل‬
‫"مشموم ّ‬
‫الدوعاج‪ ،‬البشي ّ‬
‫خريف‪ ،‬الصادر عن‬ ‫ّ ي‬ ‫عىل‬
‫العروي‪ ،‬فاتن الفازع‪ ،‬ي‬
‫جمعية دارجة يف مارس ‪.٢٠٢١‬‬

‫تستعمل أمية ضيف هللا كتاباتها يف تكوين رشائط قصية‬


‫احيفت التعليق‬‫ونشها حيث ى‬ ‫مرئية ومسموعة وذلك بتسجيلها ر‬
‫الصوئ منذ‪ ٢٠١3‬وهو ما جعلها تلتحق باإلذاعة فيما بعد لتصبح‬ ‫ى‬
‫ّ‬ ‫ي‬
‫وك تمارس فن‬‫ي‬ ‫وثقافية‬ ‫اجتماعية‬ ‫صبغة‬ ‫ذات‬ ‫امج‬ ‫ر‬ ‫ب‬ ‫مة‬ ‫ومقد‬ ‫معدة‬
‫الت تكتبها بنفسها عىل غرار تخصصها يف تطوير‬ ‫ى‬
‫"شد القصص" ي‬
‫ّ‬
‫البشية‪.‬‬‫الذات والتنمية ر‬
‫‪129‬‬ ‫أميرة ضيف للاه ه‬

‫ّ‬
‫تعود المستمعون والمتابعون عىل التواصل معها يف برامجها‬
‫عي منصات التواصل‬ ‫وهذا ما جعلهم يقبلون عىل متابعتها ّ‬
‫عي‬ ‫الت ر‬
‫تنشها ّ‬ ‫ى‬
‫االجتماع وعىل اقتناء كتبها وتحميل التسجيالت ي‬
‫ي‬
‫الراديو أو التطبيقات‪.‬‬
‫ر‬
‫سجلت أيضا النسخة الصوتية للكتاب الشهي الذي يعد‬
‫مرجعا لدى الباحثي يف التاري خ واإلعالم "شهيات تونسيات"‬‫ر‬
‫حست عبد الوهاب"‪.‬‬
‫ي‬ ‫للمؤرخ "حسن‬

‫حازت يف عام ‪ ٢٠٢٠‬عىل جائزة ولقب‪:‬‬


‫" ‪."Iconic Women creating a better world for all‬‬
‫يف المنتدى االقتصادي للمرأة يف مض‪ ،‬تحت رإشاف وزارة المرأة‬
‫ورئاسة الجمهورية المضية‪.‬‬

‫فياير ‪ ٢٠٢١‬ألسباب مهنية‪.‬‬


‫انتقلت من تونس لمض يف شهر ّ‬
‫مقيمة يف المعادي‪.‬‬
‫*****‬
‫الحياة ملن يستحق‬ ‫‪130‬‬

‫‪‬‬
‫اإلهداءه‪......................................................................................................‬ه‪5‬‬
‫تقديم الصحفي والكاتب التونس ي‪ .‬محمد علي خليفةه‪.........................‬ه‪7‬‬
‫(‪ )1‬البعض يراها النهاية‪ ،‬لكنها البداية مارس ‪2020‬ه‪........................‬ه‪9‬‬
‫(‪ )2‬سحر اللحظةه‪..................................................................................‬ه‪21‬‬
‫سكه‪........................................................................‬ه‪31‬‬ ‫(‪ )3‬اعرف قيمة نف ه‬
‫(‪ّ )4‬‬
‫تقبل أحزانكه‪..................................................................................‬ه‪45‬‬
‫(‪ )5‬العالقاته‪.........................................................................................‬ه‪55‬‬
‫(‪ )6‬املظاهرهه‪...........................................................................................‬ه‪63‬‬
‫(‪ )7‬العابرونهه‪.........................................................................................‬ه‪77‬‬
‫(‪ )8‬ما هو دورك؟هه‪.................................................................................‬ه‪87‬‬
‫(‪ )9‬االنطباع األولهه‪................................................................................‬ه‪95‬‬
‫(‪ )10‬العميق الغريبه‪.........................................................................‬ه‪101‬‬
‫‪131‬‬ ‫أميرة ضيف للاه ه‬

‫(‪ )11‬العاطفة العاصفةهه‪....................................................................‬ه‪107‬‬


‫(‪ّ )12‬‬
‫السعادةهه‪....................................................................................‬ه‪113‬‬
‫(‪ )13‬الحبه‪.........................................................................................‬ه‪119‬‬
‫السيرة الذاتية للكاتبةه‪.........................................................................‬ه‪128‬‬
‫ه‬
‫ه‬
‫ه‬
‫ه‬
‫ه‬
‫ه‬
‫ه‬
‫ه‬
‫ه‬
‫ه‬
‫ه‬
‫ه‬
‫ه‬
‫ه‬
‫ه‬
‫الحياة ملن يستحق‬ ‫‪132‬‬

‫ه‬
‫ه‬
‫ه‬
‫ه‬
‫ه‬
‫ه‬
‫ه‬
‫ه‬
‫ه‬
‫ه‬
‫ه‬

You might also like