Professional Documents
Culture Documents
قد نصاب بإحباط إجتماعي ،قد تسود الحياة أمامنا ورغم كل هذا وذاك فإن اإلنسان أقوى من الظروف التي تحيط به ،
عليه أن يتحدى عليه أن يقاتل ليل ونهار ،يسقط وينهض يفشل ثم يحاول وأخيرا سيصل لتلك النقطة البعيدة التي مثلت له
حلم ثمنه كان باهضا جدا.
برغم الواقع المرير الذي نعيشه نحن شباب الوطن ،نحن الذين تعلق الجزائر عليهم آمالها وأحالمها ،برغم اليأس والفشل
والمعاناة إال أني متفائل بالمستقبل ،ما طويت السجل وما وضعت السالح جانبا ،كإنسان سأظل أناضل في سبيل أن أرى
علم وطني يرفرف عاليا في السماء شامخة هامته ورايته .
أرجو أن أن يفهم التاريخ قصدي ،وأن تقدر األجيال ما حاولت أن أقوم به برغم فشلي برغم إحباطاتي ،برغم أني لم أقدم
أي شيئ له قيمة لهذا الوطن.
قد نلتقي يوما ما قد نجلس معا على طاولة مستديرة نتحدث ونتحاور في أمور كثيرة نتناول شايا صينيا بنعناع جزائري ،
ونستمتع بأيام الشباب في بلد أتمنى أن أعيش فيه كل للحظة من حياتي بمعانيها كلها وأتمنى أن أرقد بسالم تحت ترابه
الطاهر الزكي بدماء شهداء حرب التحرير وشهداء الواجب الوطني وكل أولئك الذين سقطوا بال ذنب سوى أنهم جزائريين
هناك في تلك االيام الحالكة سنوات المأساة الوطنية .أقول لكل أولئك الذين أحبهم أني أحبهم حتى أنتم النكم إخواني في الدم
واألرض في الحاضر والمستقبل والتاريخ.
تمر األيام بسرعة كبيرة ،حتى أنها ال تعطي ألي منا الفرصة سوى أنه يقف وقفة إنسان مندهش ،ينظر
إلى ذاك القطار السريع الذي يسمى بقطار الحياة.
أحيانا نكون داخله ،وأحيانا خارجه ،وتبقى الذكريات مهما كانت هي تاريخ اإلنسان...أحيانا كثيرة جدا ،
في للحظة صعبة من الزمن ،أتذكر أصدقائي ،أتذكر كل للحظة عشتها معهم ...فأحس بإنقباض قلبي
وأحس بأني إنسان عاجز إلى أقصى حدود العجز والفشل وحينها ادرك مدى حاجتي ألصدقائي الذين
أحببتهم بإخالص وبوفاء.
كانوا يمثلون نجوما المعة في سماء حياتي وذكرياتي وما أصعب للحظات الفراق والوداع فالدنيا تجمع
وتفرق ...فأنت تحب لكن مع الحب سيأتي يوم الفراق ،إن الحزن الذي يعيشه اإلنسان ليس بسبب حالة فقر
وبؤس إجتماعي ،لكنه مرتبط بالنسبة لي بالمعنويات باالحاسيس وبكل طعم حب يحس به اإلنسان .
لقد كان الحب بالنسبة لي أجمل شيئ حتى في كي نونتي وفي وجودي المادي والمعنوي في بداية رحلتي ،
إلتقيت بزميلة لي في أقسام الدراسة ،كانت تلك البداية تحيط بجوانبها أحاسيس وظروف صعبة ،لقد
كانت الطريق التي سرت فيها صعبة مظلمة فيها القلق والخوف والحزن ،وفيها رأيت منبع ضوء فأنتابني
إحساس بأن ذاك هو نور الشمس ...واحسست بأن بزوغ الفجر وشيك.
وأتبعت ظني وإحساس قلبي وتتبعت ذاك النور ،سرت طويال طويال ،جدا جدا ،ال اقول في يوم أو في
شهر ،وال حتى سنة ،بل كانت خمس سنوات.
تذوقت فيها المرارة واأللم ،وكانت االشواك في كل مكان و الحياة كئيبة حزينة ،وكل شيئ كان بال طعم
بال ذوق ،كان همي الوحيد آنذاك هو الوصول إلى ذاك المنبع الذي ينشر الضياء في الظالم الدامس ...
تحملت كل ذاك ،وتحملت العذاب ،تحملت المآسي ودموع الجفن...
مرت االيام والشهور ،ومرت السنوات وأتى يوم الوصول فوصلت .كانت صدمة قاسية ،أقسى من
السنوات التي قضيتها سيرا على الطريق ...ويومها أدركت بأن ما كان لي قبل خمس سنوات يمثل اشعة
لشمس مشرقة ،وجدته ذاك اليوم مجرد قطع ة خشب تحترق ،أو قنديل به زيت وفتيل.
فأدركت بأ ن المظاهر كانت خادعة ،كانت كاذبة ،فذاك المقبس سينطفي بعد أن ينفد زيته فلم يكن النور
الذي ضحيت بخمس سنوات أسير بإتجاهه.
لكن ماذا بعد ذلك ،فهل هنا أنتهت الطريق أم أن ما زال هناك طريق طويلة علي أن أشد رحالي ألصل
()1
إلى نور الشمس.
كنت أبحث عن أسباب السعادة والفرحة ،وكنت أحب البساطة وكنت أريد اإلعتماد على نفسي ،كنت
أحاول نسيان الماضي ونسيان األلم و عبور شاطئ الندم ،حاولت أن أنسى الحب ومن أحببت ،لكني قلت
سأظل طول حياتي وفيا لمن أحببت .مع األيام أكتملت الصورة ،وقويت عزيمتي وإرادتي وأصبحت أكثر
إصرارا على تحقيق أحالمي مهما كانت التضحيات والصعوبات.
علمتني الحياة بأن اإلنسان لن يستطيع تحقيق جميع أهدافه وكل مايريد ،فالقدر يلعب دورا مهما في ذلك،
أحيانا ت حقق مكاسب وأحيانا تقدم تنازالت وتضحيات من أجل مكاسب وهكذا دواليك ؛ إن التخطيط الذكي
هو الذي سيجعل الحياة جميلة وذات طعم.
ووضع األهداف أمر حتمي للمضي قدما في طريق النجاح ،فلكل عصر ظروفه المحيطة به ،ومفاهيمه
الخاصة به وناسه الذين يعيشون فيه ؛ معرفة اإلنسان لمغزى الحياة هو الذي سيحدد لنا الهدف والغاية من
وراءها.
تحقيق األحالم ليس صعبا كما نتصور ،وليس ضربا من الخيال ،بل صعوبة األحالم تكمن في مدلولها
وإسقاطاتها الواقعية ،إنه بالنسبة لشخصي ،أصعب األحالم هي االحالم المعنوية ،كالكمال واألخالق
()2
العالية والح ب و التفاهم والتعاون بين البشر والشعوب...
في كل مرة يبدأ اإلنسان بد اية جديدة مغايرة تماما ،تجمع الدنيا الناس وتفرقهم ،يبقى اإلنسان عنصر حياد
()3
ال يؤثر في األحداث لكنها تؤثر عليه.
أي رحلة ينطلق فيها هذا اإلنسان تحتاج للمتاع ،ويختلف المتاع حسب الشخص وطريقة تفكيره
وطموحاته ،إن طموحاتي وأحالمي حتمت علي أن أفكر ،أن أبحث عن الحلول والمناهج واألساليب التي
تسمح لي في النهاية تحقيق تلك الغاية أو ذالك الهدف.
وأول ركن واساس لكل طموحاتي هو الحليف ،كنت في أمس الحاجة لرفيقة حياة ،تشاركني حياتي ،
وتشاركني احالمي وفرحتي وحزني ،تقف معي في كل للحظة موقف نبيل ورائع ،المهم عندي هو
الحليف الذي أثق فيه ويثق فيا يحميني من هوى نفسي ومن رياح الشتاء.
أصبح الحلم حافزا ،وطريقا للسعادة ،التي أبحث عنها ،دوما كنت أبحث عن السكينة ،عن األمن النفسي
ألن ذلك هو اساس اإل نسان ،اساس إستمراريته ونجاحه وتفوقه ،ال المال ،وال الجاه كان يعني عندي
شيئا ،ال القوة وال النفوذ ،ما كان يعني لي الكثير هو أول حب في حياتي ؛ البعض يضن الحب كمفهوم
مجرد ،لكنه بالنسبة لي ،مجموعة من األخالق ،مجموعة المعاني الطيبة ،كان يمثل لي الحياة
واإلشراق ،يمثل لي اإلخالص والوفاء ،يمثل الصبر والكفاح ،الحب ليس أشعار أو كلمات ،الحب هو
بستان من الورود ،الحب هو عطاء وإيثار.
وبرغم كل المآسي ،برغم الصعاب ،مازال عندي ذاك المفهوم قائما ،كانت تلك المرأة أجمل شيئ في
حياتي ،كانت زهرة فؤادي كانت منارة لحياتي ،كنت أحبها القصى الحدود ،لم استطع في يوم ما أن
أكلمها ،أن أحدثها ،وال حتى أن أقترب منها .ليس خجال بل كنت أخاف أن أجرحها عندما اقول لها إني
احبها.
كان الحب عندي هو اغلى األشياء واصعبها ،كان يمثل لي شيئ من المستحيل ،استطعت أن أحب ،لكن
لم تحبني من أحببتها ،لم يكن المال يمثل لي تحدي ،لكن الحب واألخالق والفضيلة كانت تمثل لي تحد .
لم يستطع الجوع والفقر أن يبكيني ،واستطاع الحب في كل مرة أن ينزل الدموع من جفني.
أحببت أن أتحدى األشياء ،وأن أخاطر من أجل المستقبل ،أخترت العلم وأنا أعلم صعوبة الطريق ،دست
على قلبي وأردت تناسي الجراح ،لكن الجراح لم تلتأم .
إن السعادة الروحية ،تمثل لإلنسان كمال ،عندما يصل إليها ينتابه إحساس بأنه قادر على نسيان كل شيئ
،يستطيع اإلستغناء عن الدنيا وكل متاعها ،اين هي المرأة الصالحة ،التي تنسي اإلنسان همومه ،تنسيه
مرارة الحياة وغموض المستقبل ،تنسيه الحيرة واإلستفهام ،تنسيه مصاعب وتحديات الحياة...
المرأة التي ال تطلب منك سوى أن تكون معها ،التي ال تحملك فوق طاقتك ،المرأة التي تحفظ سرك ،
وبيتك وأوالدك ،التي تعينك على طاعة هللا ،وتدفعك بقوة يد ناعمة لذلك ،المرأة التي ال تفارق اإلبتسامة
وجهها البريئ والبشوش بحثت عنها ولم أجدها ،وهل سأجدها في يوم ما ! كان الجو غائما والسماء ملبدة
،وأمطرت برحمة هللا ،مع الصبر سيأتي الفرج ،والعسر سيجلب اليسر ،وهكذا تمضي االيام وال
()4
ندري....
اإلرادة هي أقوى سالح لإلنسان ،هي الدافع ليتحدى االشياء ،هي السبب الوحيد الذي جعل للحياة
إستمرارية ...نتعرض في حياتنا لإلحباطات ،نفشل تارة ،لكننا نحاول ومع كل محاولة ومع كل قطرة
عرق تتصبب من جبينك ومع كل ليلة قضاها اإلنسان ساهرا ،يصلي هلل أو يدرس أو يعمل سنحقق
النجاح.
الفلسفة جعلت لي معنى آخر من معاني الحياة ،اصبحت تمثل لي طريقا طويلة تحفزني دوما ألجد الحقيقة
،مع اآل ماني ،مع اآلمال ،بالطموح وبالتحدي نستطيع اإلستمرار ،نستطيع بأحالمنا البسيطة في نظر
الناس ،وبعزيمة أن نتخطى العقبات و سنتمكن من تحقيق الهدف.
إن طريق النجاح ،طريق صعبة ،تستحق منا الصبر والثبات ،لن نجد نور الشمس إال بهداية هللا ومع أن
الطريق طويلة ،سنصل وسنرى اشعة الضوء ،وعندما نواصل الطريق سنصل في النهاية.
عندما أحببت كانت الحبيبة ال تعلم ،حتى وإن كانت ال تريدني ،ما كنت أود أن افعله هو أن أخبرها ،
بأني أحببتها ،كانت أمنيتي أن أعرف الحقيقة أيا كانت هذه الحقيقة.
في للحظات مهمة أتذكر اصدقائي ،الذين عشت معهم حياتهم ،عندما أفكر فيهم ،أدرك فعال كم إني
أحبهم ،ال زلت وسأظل أحترم أصدقائي ولن أنسى األيام الجميلة التي قضيتها معهم ،في كل مرة ينتابني
إحساس ،بأن إيماني حبي هلل ،حبي للرسل واألنبياء يزداد ويقوى ،وهذا أقصى طموحي.
ال أحلم بدخول الجنة ،لكن حلمي االكبر هو معرفة الحقيقة ،أن اعرف اسرار الكون أن أرى العظيم الذي
خلقني وخلق كل شيئ .عندما تطير في الفضاء وتسبح في أرجاء الكون ،أعتقد بأن ذلك سيعني لإلنسان
أشياءا مهمة ،أعتقد حينها بأن الكون ليس وليد الصدفة ،ليس مجرد جماد بال محرك ،أن أصل للخالق
هو أعظم من كل ش يئ ،أريد أن أرفع همتي وأحالمي ،أن أطلب المزيد المزيد من الحقائق )5(.
كنت أحب العلماء ،أيا كانت إنتماءاتهم الحضارية والدينية ،ألنني كنت أعتقد انهم كانوا موضوعيين أكثر
،كانوا مخلصين في طريقهم ،ما كانوا ذاتيين برأيي ،اعتقد أن همهم الوحيد كان الوصول للحقيقة ،قد
يعارض البعض ويقول لماذا تحترم هؤالء ،إنهم من ملة أخرى ،لكنني أحترمهم من غير إرادتي ،العلم
لم تكن له جنسية في يوم من االيام ،بل كان العلم شجرة ثمار يقطف منها الجميع...
في طريقي إنتابني إحساس غريب باني سأصبح عالما في يوم من االيام .إن الحياة طريق يسيره القدر ،
والح ياة ليست طبقا من فضة كما نعتقد ،وكما يقال كن جميال ترى الوجود جميال ،إن طموح اإلنسان هو
الذي سيحدد له مستقبله ،هو الذي سيعبر له عن الطريق األمثل الذي عليه أن ينتهجهه في سبيل أن يصل
إلى هدفه .
إن قيمة اإلنسان حسب إعتقادي تتجلى في أحالمه ،كل ما كانت لإلنسان أحالما صعبة ومستحيلة بمفهوم
الواقع المعاش ،كلما كان لهذا اإلنسان قيمة كبيرة .بالنسبة لي ،أخترت طريقا معقدة وصعبة ،أخترتها
ألن ضميري أراد ذلك ،أردت أن أنسى الماضي ،أن أنسى كل شيئ يشغل تفكيري.
كنت أعلم ،أعلم جيدا ،أنني سابذل الكثير من الجهود وفي نفس الوقت كنت أعلم جيدا أنني سأحقق ما كان
يمثل لي يوما طموحا وهدفا ،قد يستهين به البعض ،لكنه كان طموحي ،على اإلنسان أن يفكر ،أن يعي
ما يريد ألن ذلك هو اهم شيئ لبدء المشوار.
سأكافح ،سأشقى ،وسأتعب ،وسأكتب القصة في يوم ما وأعلم أنني سأضحي ،فالتضحية هذه هي الثمن
الذي عليا دفعه ...
علمت عندما أخترت ،بأني في حاجة إلى قوة مثلى ،وأدركت حاجتي الماسة هلل سبحانه وتعالى ليكون
معي ،ليدفعني لألمام ليبث في نفسي الطموح واإلرادة.
طريقي تستحق مني الصمود والثبات ،الصبر واإلخالص ،السهر حتى صيحة الديك ،ودعاء هللا في كل
()6
موقف ،أعلم ماذا أخترت ،لكن هللا سيكون معي ولن يتركني ،لن يتخلى عني أبدا.
الحياة فرص ،على اإلنسان أن يستغلها ،ويغتنمها والوقت قصير إلتخاذ القرارات الحاسمة ،مهما عاش
اإلنسان ،فإن حياته كلها دروس وعبر ،لكل منا تاريخه الخاص ،إن االيام دول ،تصبح يوما على حال
وتكون يوما بحال أخرى.
إن ايامنا معدودة ،مهما غرتنا الحياة ،فالسنوات وإن طالت ستصبح كاأليام الخالية ،وعمر اإلنسان عمر
غال قصير ،فيه المعاناة ،فيه األلم ،عمر اإلنسان هو قصة كفاح ،عجبت لحال نفسي البارحة على حال
واليوم حال أخرى ،أجمل شيئ جعل هذا اإلنسان متمسكا بحياته ،ثابتا هو الطموح ،هو اإلرادة ....عندما
نتكل م عن الحياة ،نصبح نتكلم عن معاني أخرى ،غير المألوف المتوارث ،فللفلسفة دور مهم في حياة
اإلنسان .
الفلسفة تدفع هذا األخير لمستودع كبير مغلق ،فيه كل شيئ ،لن نستطيع التحرر من ذلك السجن الكبير إال
إذا فكرنا في كيفية إستعمال األدوات الموجودة هناك ،ووظفناها للخروج.
لقد كان التفكير كان جزءا من حياتي بدء معي في سن مبكرة جدا ...عندما أتحدث ،أتكلم بتلقائية ،
وبدراسة مسبقة ،أحيانا ي حس البعض ويدركون تناقضا حاصال في عمق الفكرة ،لكن عندما اتكلم عن
الفلسفة والعقل ثم اتحدث عن الحب ،فهنا أقصد ما يقول ،ألن كل األشياء مترابطة فيما بينها .ال العقل ،
وال الفلسفة يستطيعان أن يفعال شيئا في الحياة ،فشرط حصول المنفعة هو أن يجمعهما ويربطهما الحب ،
ألنه اساس هذه الحياة ،ال الكون ال المجرات ،ال التاريخ سيكون قائما ،إذا لم يكن هناك مفهوم شامل يقبع
خلف هاته األشياء ،هذا المفهوم هو الحب بكل معانيه األخالقية والفضائلية.
إن الغ رابة ليست في الدنيا التي نعيشها ،لكنها تكمن في مفاهيمنا الخاصة بنا ،والمتعلقة باألشياء المختلفة ،
أيعقل أن ترتبط راحة النجمة في الكون السحيق ،باستقرار زهرة على أدنى األرض...
عندما تتدخل الفلسف ة ،تبطل المفاهيم ،عندما يتدخل العقل يستفرد هو في مرات وللحظات حاسمة بالقرار
،كان الحب يمثل لي مفهوما ال يقبل الجدل ،كان شيئا أمثال ،كان مصطلحا مصداقيا.
ال أدري أي شيئ ،عندما تصل لدرجة متأخرة ،عندما تأتي في النهاية ،عندما تفسر األمر ،تجد نفسك
لست معنيا بأي شأن من شؤون الدنيا.
عندما تجري الفلسفة ،والتفكير العقلي في دمنا ،هناك يوما ما سيصبح الحب مرشدا لطريق المعرفة
الطويل ،إن الفهم ،قضية معقدة ،لن يستطيع الفهم أن يعبر عن نفسه إال إذا كنا نحن نفهم الفهم والمفهوم
،إن األشياء في هذا الكون ،في جميع أرجاءه مترابطة ،ألن التاريخ سلسلة فيها حلقات ،وكل ركن من
أرجاء الكون يشكل حلقة ،إذن التاريخ هو قضية كونية شاملة ،ال ينتمي لحقبة وال لعصر من العصور "
()7
الكون أطول سيناريو الجميع يعرف نهايته".
مهما كانت قوة اإلنسان ،أيا كانت عزيمته وإرادته ،لن يستطيع مواجهة التحديات لوحده ،فكل واحد منا
في حاجة إلى حليف حقيقي يرافقه في مشواره الطويل ،أعتقد أن وجود هذا الحليف هو سبب السعادة التي
تنتاب اإلنسان.
أحيانا اشعر بغرابة شديدة ،من كل األحداث التي تمر على اإلنسان ،وعندما فكرت وجدت أن غرابة
األحداث وعشوا ئيتها هي جزء من التاريخ جزء من مستقبل اإلنسان ،إننا ببساطة ال نتحكم ال في مستقبلنا
)8(.
وال مستقبل العالم وجميع ما يحدث دليل على ذلك
أحيانا الخوف والحزن يرافقان اإلنسان في حياته ،وال أحد يدري لما يريد اإلنسان الضعيف أن يعرف
المجهول ،الحضارة المادية الميتة قضت على السعادة واصبح الجميع يبحث عن المصالح المحسوسة
العاجلة ،كما األكسجين هو اساس الحياة ،فكذلك الفكر يمثل ركن اإلنسان ،وركن الحضارة البشرية.
الواقع الصعب يقيده ،ويضع حدودا لطموحاته وأحالمه ،واإلعتراف به هو بمثابة القضاء على احالم
اإلنسان التي أعتقد أنه خلق ألجلها.
إن الواقع يتفق ويتوافق مع األحالم التافهة ،األحالم الجوفاء .وعندما ترقى األحالم ،إلى أحالم عظيمة
،عميقة ،عندما تكون مستحيلة ،هناك سيعرقل الواقع هذا اإلنسان بدعوة أنه لن يستطيع تحقيقها.
إذا استسلم للواقع ،فهنا ستطير االحالم العظ يمة ،وستأتي أحالما مادية مجوفة مكانها .لكن إذا تحدى
اإلنسان الواقع ،وعاند كلما هو سائد من عوائق وعراقيل ، ،هنا أكيد سيستمر اإلنسان ،سيحقق طموحاته
،ليس في رمشة من الزمن ،لكن مع تعب وسهر وطول زمن.
إن الكثير من اإلنجازات البشرية ،لو نظرنا إليها من منظور الواقع ستبدوا لنا مستحيلة ،صعبة التحقيق
،لكن لو تجاوزنا الواقع المريض ،لكانت ممكنة .في إعتقادي الراسخ ،األحالم العظيمة لها إرتباط وثيق
بالقدر وبالتاريخ ،الن أحالم اإلنسان وقدره جزءان مهمان من حياته ،وبالتالي من التاريخ.
لكل إنسان تحدياته ،لن نستطيع تجاوزها إال إذا تحدينا تلك التحديات ،وبذلنا وضحينا كثيرا في سبيل
مواجهتها .
إن األحالم ستتحقق عندما يصر اإلنسان على تحقيقها عندما يجد نفسه وحده في طريق صعبة بال رفيق ،
)9(.
أو حليف ،أعتقد تماما أنه في الطريق الصواب
في بداي ة طريق النجاح ،في بداية الطريق الصواب تواجهنا تحديات ،عوائق وصعوبات ،نصير حينها
نعيش أمام موقف قاس ،موقف صعب ومدمر ،نتردد حينها ،ينتابنا إحساس بالحيرة ،بالغرابة من كل ما
يدور حولنا من أحداث.
نصل لنقطة إنعطاف ،نتوقف خاللها ونقرر ،عندما نكون في الطريق الصحيح ،نحتار أي طريق نختار
،هل نكم ل طريقنا الذي بدا صعبا ومستحيال ،أم ننسحب امام أول إمتحان لنا تاركين آمالنا أحالمنا
وطموحاتنا .
في الحياة يبدوا لبعض الناس أن األيام متماثلة ومتشابهة ،لكنها ليست كذلك ،إذا مضى هذا اليوم فليكن
علما راسخا في أذهاننا أنه لن يعود ثانية.
إن الصبر هو الحل الوحيد عندما نكون أمام مواقف صعبة وخطيرة ،هو الجسر الواصل بيننا وبين
النجاح ،لن نستطيع أن نصل إليه سباحة ،ألننا ال نستطيع ذلك بل علينا أن نصنع جسرا واصال ،يوصلنا
بسالم للنجاح.
النصر هو أكبر إنجاز ،وأعظم هدية ،للنصر ذوق ال يحس به إال الذي حارب وانتصر .لو فكرنا جيدا
في للحظة الفشل وما نسميها باللحظة الهزيمة ،لو فكرنا ونظرنا للتاريخ نظرة عميقة ،سنعيش الفرحة ،
وسيتحول ما كان هزيمة لنا إلى نصر مهم في تاريخنا.
علينا أن ننظر للتاريخ أوال ،سنعرف بأن معاناتنا ،بأن أحزاننا ،بأن آالمنا ،بأن قساوة أيامنا ،لن تدوم
الدهر كله ،ولن تستمر ،ولها نهايتها القريبة.إن طريقنا مرسوم من قبل ،والمرور عبره ضرورة حتمية.
أحيانا كثيرة اسأل ما عالقتنا والفلسفة ،ما عالقة األحداث ،تسلسلها ،عشوائيتها ،وإختالف مضامينها بنا
نحن .إن الفلسفة جزء من تاريخ الكون ،كما أنها جزء من فكر اإلنسان ،وكما اإلنسان جزءا من
()11
العالم.
ما أجمل اإلنسان ،عندما يدرك أنه أخطأ ،هناك تظهر معان جديدة ،تحفزه على البحث دائما عن الطريق
الصواب ،عندما نخطئ ،علينا أن نعترف ،وعندما نعترف سنصحح ،وحينئذ سنحقق النجاح الذي
نريده .أيا كانت تحديات هذه الحياة ،ايا كانت إستحالة تحقيقها ،فإنه في النهاية علينا تحقيقها.
المستحيل لم يكن يوما ما في عالم الحقيقة ،والواقع أو الفيزيقا لكنه مستحيل عندما ننتقل بفكرنا وبخيالنا
إلى الميتافيزيقا.
إن مراجعة األعمال ،مراج عة الجهود ،مراجعة األلم والعذاب سيسمح لنا بمراجعة أنفسنا ،وتقييم كل ما
قمنا به خالل الفترة الماضية ،إن اللحظات الهامة في تاريخ اإلنسان معدودة يتخذ من خاللها قرارات
()11
هامة تتعلق بمستقبله ،وبمستقبل من يحيط به.
عندما نلتقي صدفة بمن نحب ،تغمرنا يومها السعادة ،ونحس بالفرحة ،...نعيش اياما جميلة ،وللحظات
رائعة ،وقد كان الحزن كعادته يعود إلينا ،لكنا نقف وقفة حائر ال يستطيع التحكم في أي شيئ من أي
()12
حادث يمر حولنا .
نتحدث دائما عن األحالم ،إن طول الحديث عنها يعرضنا أحيانا لفقدان اإلهتمام بها ،إن التصميم وتجديد
روح الحياة والتحد والعزيمة ،أدوات مهمة لنرسخ تلك االحالم ،حتى نستطيع أن نعمل من أجل شيئ
راسخ.
إن التجارب ،سمحت لنا بمعرفة معان كثيرة كانت غائبة عن خيالنا ،وعن أذهاننا ،وعن قلوبنا ،علينا
أن ال ننتظر ،أن نمضي مباشرة في طريقنا حتى نستطيع أن نصل ،ومهما طالت فإننا في النهاية سنصل.
أحيانا نحاول أن نشغل تفكيرنا باشياء حقيقة هي مهمة لكنها مؤلمة وصعبة ،إن خطوات اإلنسان البد أن
تكون جريئة ،وأن تكون في مكانها الصحيح ،وفراغ المحتوى ألي مبدأ يتمسك به هذا اإلنسان ،هو
الرحيل إلى الفشل ،أيا كان هذا الفشل ،إن طموحنا ،لم يأتي من عدم ،بل جاء من تجارب مهمة ومن
أفكار تشبع بها عقلنا ،إن القدوة هي أهم دافع لنا ،لنعمل بجد ،وبإخالص من أجل أحالمنا ،عندما تخرج
االمور عن السيطرة ،عندما تغيب أهدافنا االساسية ،عندما نفشل في التوصل إلى حل مناسب ،هنا في
هذه اللحظة ،تتغير جميع مفاهيمنا ،تتغير مبادئنا ،وهنا سيبدأ الخطر .
علينا التفكير في مدلول أحالمنا ،وتفاهتها تدل على تفاهة تفكيرنا ،علينا الحذر دوما ،ألن طريقنا
محفوفة بالمخاطر ،وعلينا إتخاذ القرارات الحاسمة في الوقت الحاسم والمالئم ،إن إستعادة أي منا
لديناميته مسألة وقت ،نامل في التجديد؛ تجديد روح العزيمة والتحد ،وروح القتال وتقوية اإلرادة
()13
وتشديد المواقف.
بحلول سنة ، 2111في ذلك اليوم وقفت متأمال تاملت في ثالثة سنوات مضت ،مرت كأنها سهم خاطف
،حقيقة عندما دققت نظري ف ي المرحلة التي مرت ،وجدت فيها أمورا مختلفة كثيرة ومتنوعة.
إن خطورة أي وضع ،أو أي موقف ال يكمن في الموقف بل في الجانب الفكري لهذا الموقف ،إن األفكار
تتطور بسرعة كبيرة ،تتبلور لتصبح أكثر وضوحا وإشراقا ،وأحيانا تتعقد ،فتصبح الصور قاتمة
غامضة غير مفهومة بالمرة .
لقد كان الخوف يسيطر على حياتي ،يسيطر على تصرفاتي ،على أفكاري ،الخوف من نفسي ،كان شيئا
مرعبا ،وكان قضية كبيرة ،تفوق قدراتي وإمكاناتي.
لم أكن في تلك المرحلة أستطيع فعال إتخاذ قرار مهم ،واعمل من أجل تنفيذه ،كان الخوف من التقدم نحو
االمام ال خوف من القيام بخطوة صحيحة وجريئة.
كان سببا أساسا في عدم قدرتي و تمكني من حل مشكالتي ،عندما بدأت هذه السنة الجديدة ،إقتنعت
بالمبادرة وسميتها سنة المبادرات سنة حسم القضايا المصيرية ،القضايا الخطيرة.
إن شحن العقل بأفكار جيدة وصحيحة ،هو الذي سيؤدي الى تشغيل هذا العقل بشكل أفضل وشكل أمثل ،
هناك قضايا خطيرة تهدد سالمة وأمن اإلنسان ،إنها قضايا عقلية خالصة ،تتعلق بآلية تفكيره ،بمنطقه ،
بحبه ،بسماحته ،بعنفه ،بغباءه ،وذكاءه برغباته ،بطموحاته ،بإرهاصاته التي يعاني منها.
الواقع أصبح مختلف تماما ،مختلف عن الماضي ،مختلف أيضا عن المستقبل الذي نجهله ،
في كل االحيان تحدياتنا صعبة ،أيا كانت ،تحد البقاء ،تحد بناء اسرة ،بناء سكن ،تحد المعيشة ،تحد
المستقبل ،تحد الفكر والعقل .
هناك في أحيان ما ،تتصادم األفكار العقلية التي نؤمن بها ،مع أفكار الواقع ،الذي نلتمسه ،هناك ستبدأ
حرب خطيرة ،حرب بين أفكارنا الباطنة ،وواقعنا الذي النستطيع أن نهرب منه .أحيانا أخرى ،تتفق
()14
أفكارنا ومبادءنا مع هذا الواقع.....
بمرور هذه األيام وبتقدمنا خطوة نحو األمام ،وعندما نقترب ،مع الوصول إلى الهدف ،تزداد
الصعوبات والعوائق ،ونصبح حينها نشعر بالقلق ،بالخوف الشديد.
إن أي طريق مهما كانت طويلة ومهما كانت صعبة ،يمكن أن نسلكها ،يمكن بها أن نصل إلى هدفنا ،
ومن خاللها سنحقق طموحنا.
اليوم عدت إنسانا بمعنويات عالية ،بقدرة هائلة على فعل ماهو أمر صعب ،الجميع من لجأت إليهم ،لم
يقدموا لي الدعم ،ال أقول دعما ماديا ،لكن دعما معنويا.
عندما تجد اساتذتك ،ال يأ بهون لما تفعله ،ال يقدرون عملك ،يغلقون لك األبواب ...وفي الجانب اآلخر ،
هناك اساتذة بارك هللا فيهم ولو بالكلمة فقط ،فقد سهلوا المهمة ،وأدوا ما عليهم.
في بداية هذه السنة ،أتضحت المالمح ،فقد أصبحت وحيدا ،كما كنت في الماضي ،ليس لدي من يقدم
العون لي ،والمساعدة ،أصدقائي كلهم ،أصبحوا بعيدا هناك ،وأصبحت ككوكب يسبح في مجرة خالية
،رغم كل ما أعيشه من صعوبات ،بعد االصدقاء ،حتى التي أحبها بعيدة عني ال تعلم شيئا عن ما أشعر
به إتجاهها ،إال أني سعيد ،سعيد ل شعوري بأن هللا راض عن تصرفاتي ؛ بإحساسي العميق أنه معي في
كل مرة .
تسطير الهدف ضرورة حتمية ،لمعرفة الدرب الذي نسلكه ،وتسلسل هاته األهداف وتدرجها هو الحل ،
لنحقق ونصل إلى الهدف الكبير.
لقد كنت دوما أفعل ما أراه صحيحا ،ودوما كنت اشعر بأني أفعل ما استطيع فعله .فلهذا اني لم أفرط في
حق الوطن ،فتأديتي لواجبي إتجاهه شرف يكفي صاحبه ليستمر.
فاألغنياء يبنون المصانع ،والمؤسسات ،هم كذلك يقومون بما عليهم ،هناك تقصير وهذا صحيح ،تقصير
في حق هللا ،في حق الوطن ،وفي حق اآلخرين .ووعينا لهذا هو السبيل لنصحح الخطأ ،إن حلمي هو أن
أعيش حياة بسيطة ،ال مترفة أو مجحفة ،كان طموحي في الحياة ،أن أجد زوجة صالحة ،ترضى بي
كزوج لها ،ترضى بي كما أنا ،أن نبني معا أسرة صالحة ،أسرة يسودها الحب والمودة واإليثار.
طموحي هو أن أجدها ،لنعبد هللا ،لنترفع ،لنطمح هناك ،هناك أين السعادة االبدية .حلمي هو أن أكون
سعيدا دائما ،سعيدا ألن لي زوجة ،سعيدا ألني أطيع هللا ورسوله ،سعيدا ألني أطلب العلم أينما كان ،
()15
سعيدا ألني أحب الناس وأحب هذا الوطن.
لقد شهد الشهر المنصرم أحداثا مهمة ،مؤثرة وخطيرة ،لقد كان أهم إمتحان لي ،لشخصيتي ،لكياني ،
ولتاريخي ،فيه تلقيت جرحا عميقا غائرا ،ال يمكن لاليام أن تداويه ،وال جتى أن يرجع.
عندما أتهمتني أستاذتي ،من كانت لها مكانة في قلبي ،بالغش ،لم تعلم ماذا سببت في نفسي من جراح ،
فمجرد شكها كان طعنة في قلبي ،لقد مست في ذلك اليوم كبريائي ،وشموخ وهامة نفسي ،يومها محيت
كل ما كتبت في مجدها وكل ما وضعته ذكرا لها.
لقد سامحت نفسي أوال ،قبل أن اسامح اآلخرين ،كنت أسامح من أخطأ في حقي بال تردد ،بال حتى ما
أفكر ،لقد استغرقت اسبوعا كامال ،فكرت يومها جيدا وقررت بقلبي ،بعدما اصبح ناصعا من ذي قبل ،
سامحتها فقد كانت فوق كل ذلك أستاذتي.
في أصعب للحظات حياتي ،في مواقف صعبة ،لم أجد من يقف معي ،من يدعمني بكلمة جميلة ،نابعة
من أعماقه ،لقد كانوا قلة من كانوا كذلك.
وفي للحظات كهذه ترجوت وتمنيت من هللا أن يجعل لي رفيقة حياة ،تخفف عني من وطأة الصعاب
والمشاق ،إن الحياة هكذا ،فالوصول للقمة ليس سهال ،وال مستحيال ،بل سيكون طريقا شاقا ،وصعبا
ومرهقا .
وقبولنا للتحد هو وحده الطريق للوصول لتلك القمة ،كنت أحمد هللا على شيئ ،ألنه لم يحدث عبثا ،بل
()16
حدث ألن ذلك دليل وإ شارة من المولى عزوجل ،بأن الوصول للهدف وشيك.
كل شيئ أصبح يمشي كما خطط له هللا ،عندما تقف أمام طريق سريع ،تالحظ السيارات تمر بسرعة ـ
تتذكر ساعتها قطار األيام ،التي اصبحت خاطفة وتمر كلمح بالبصر ،في للحظات هامة يمتحن اإلنسان
في شدة تحمله الصعاب ،والصبر على المظالم ،وتحمل الضغوطات النفسية ،يتعرض اإلنسان في
منعطف حاسم ،ألحداث هامة تزعزع ،كيانه وإستقراره ،سكينته وطمأنينته ،بإمكان أحداث كتلك أن
تدمر إنسانا عاديا ،أن تهز وجدانه من األعماق.
في رحلة طويلة هدف واحد وضعته أمام عينايا ،الوصول للسعادة ،في تلك الطريق تحملت الكثير ،
أدركت جيدا بأنه ال يمكن شراء السعادة بالمال ،وأدركت كذلك بأن السعادة لم تكن يوما كامنة في مرأة
أو شهوة ،في سيارة ،أو منزل فاخر ،أدركت يومها بأن السعادة تعني هللا ،والبحث عن السعادة بعيدا
عن هللا هو حماقة وتصرف غبي.
الفالسفة لهم أحالمهم ،حلمهم االساسي يكمن في الوصول إلى الحقيقة المجهولة ،فالوصول لتلك الحقيقة
يعني لهم السعادة.
لكن في العلم أو الفلسفة ،الوصول للحقيقة معناه اإلهتداء إلى هللا ،وهناك فقط يمكن أن نصف شعورنا
حينها بشعور سعيد ،هناك فقط ستتحقق السعادة ،إن كل ما نعتقد أنه سعادة عندما نكسب شيئا ،نشتري
سيارة ،عندما نلتقي بالمحبوب ،هو زيف ،ألن هللا عندما خلقنا خلق لنا قلبا ،وزرع في القلب مضغة ،
فالسعادة ،إذن تنبع منها ،والتعاسة منها ،أيضا ،ولن تصل تلك المضغة لتتلقى بالسعادة ،إال عندما
()17
تمتلئ بحب هللا .
في يوم من أيام حياتي ،وقفت متأمال فيها ،فهذه الحياة التي أعيشها ال ترقى ألن تكون كذلك ،حياة جوفاء
،فارغة من كل محتوى ،حقيقي ونافع ،عندما دققت فيها ،أنتابني شك فيها ،لكن ما فتئت حتى أدركت
أنها بالفعل حياتي .
كنت أرى أمام عينايا حياتي تتحول من حياة أساسها األحالم التي وضعتها ،إلى حياة أخرى اساسها
اإلستسالم ،واإلنهزام أمام تحدياتها.
كنت حينها أفقد وأنزف الكثي ر من طاقتي ،الكثير من طموحاتي ،الكثير من أحالمي ،وقفت وصحت ،ال
،ليست هذه حياتي ال لن استمر هكذا ،ال لن أبيع أحالمي للفشل ولن أبيع أملي لليأس ،كان يوما مشرقا
صافيا ربيعيا جميال .
أحسست حينها بشعور غريب ،شعور بالقوة ،شعور جديد منحني قوة وتحد إن الشيئ المهم في شخصيتي
هو أني حاولت أن أبحث عن المعاني وأسباب الحياة التي أعيشها ،كنت أحاول أن أعرف المعاني التي
()18
جعلت للحياة وجودا.
وقفت في هذا اليوم ،المهم ،الذي أعتقد ،أنه سيغير مجرى حياتي ،في المكان الذي أصنع فيه أحالمي ،
وقفت ونظرت ،تأملت منه في السماء وكان حلمي بالسفر للواليات المتحدة ،من أجل دراسة علوم
الفضاء ،شعرت بالرغبة الشديدة ،والتي أعبر عنها بانقباض صدري وقلبي.
أدركت حينها ما قد يمثل هذا الحلم بالنسبة لي ،وأكد لي بأن هناك علوما كثيرة مختلفة ،يمكن أن نطلبها ،
من بين تلك اإلختيارات ،العلم العظيم الذي به نحقق سعادتنا ،وبه تزداد أحالمنا ،وطموحاتنا ،أخترت
علوم الفضاء ألنها هي الوحيدة التي تحقق لنا تلك المتعة.
إن أي هدف يسطره اإلنسان ،سيكون صعبا بالتأكيد ،سيحتاج لتضحية ونضال ،سيحتاج هو قصة كفاح
نكتبها حتى نحقق ذلك ،
إن العلم يجب أن يكون كل شيئ في حياة اإلنسان ،إن العلم سيكون جميال ،عندما يكون من أجل رضا هللا
()19
،من اجل معرفة هذا اإلله العظيم ،هكذا يزداد إيماننا وتزداد روحنا إشراقا وضياء.
لقد رفضت الواقع الذي أعيشه ،لم يكن تفكيري منحصرا في هموم المعيشة ،لم أرض بالذل والهوان ولم
أقبل اإلستسالم أمام مصاعب الحياة وتحدياتها.
علي ،تركت بصماتها في تفكيري ،وفي داخل كياني ،كنت كل يوم يمر ،أزداد َّ تغيرات كبيرة مرت
تصميما على تحقيق أحالمي ،على صناعة مستقبل متميز.
وكأي شاب في هذه الحياة ،واجهت الصعاب في بداية حياتي ،كنت أتقدم خطوة ،وأرجع خطوتين للوراء
،كنت أقاوم شعورا غريبا مدمرا ،شعورا بالفشل ،بعدم القدرة على تحقيق ما أريد.
لقد كان تفكيري يميل للبساطة ،اردت أن أجد زوجة ،أبني معها الحياة والمستقبل ،نبدأ من الصفر ،
نمضي معا من أجل بناء وتحصيل السعادة.
وهذا يتجلى في تفكيري ،في مبادئ حياتي فهو واقعي ومنطقي بأن تحقيق الطموحات واألحالم لم يكن
في يوم شيئا هينا ،بل كان قصة كفاح كاملة.
كنت أعيش معاناة حقيقية ؛ كان بالنسبة لي البحث عمن يسمعني ،عمن يفهمني ،شيئا يشبه التحدي.
تعلمت في تلك المدرسة ،تعلمت فيها كل شيئ ،لم أكن أستوعب كل الدروس ،ليس لقدراتي العقلية ،
وإنما للحالة المزاجية للعقل.
لقد كانت أيامي كلها مآسي ،كنت الجأ للصمت الطويل ،عندما وجدت أن اآلذان ال تصغي لي ،واألبواب
()21
ال تفتح في وجهي.
كنت أنتظر هذا اليوم ،الذي أعتبره أحد أهم ايام السنة في حياتي ،في مثل هذا اليوم قبل عشرين عاما ،
ولدت اإلنسانة التي أحببتها صدفة كما التقيتها صدفة.
سبع سنوات تكون قد مرت منذ التقيتها أول مرة في قسم السنة الثامنة من التعليم األساسي في إكمالية مالك
بن نبي ،سبع سنوات تركت بصماتها في نفسي ،وفي تفكيري ،ثالثة جمل فقط كانت مدة عالقتنا ،لم
تخرج إطالقا خارج نطاق الدراسة .
كنت برغم األلم والمرارة ،ينتابني إحساس بالفرحة والسعادة ،بالتجدد بالرغبة الشديدة في التألق .كنت
بأمس الحاجة لها ،كنت أدرك جيدا ذلك ،كنت أبحث عنها ،أردت أن أحكي لها كالما طويال ال تكفي
الساعات أو الدقائق وال حتى صفحات الكراس أن تسعه ،سبع سنوات مرت هكذا...
في كل للحظة كنت أتذكرها ،أتذ كر تلك الصورة ،من شدة حبي لها كنت ال أتذكر صورتها هنا أو هناك ،
كنت أراها مع صديقاتها ،كنت أقف بعيدا أنظر إليها.
كانت تلك األمتار التي تفصلنا كأنها أميال كثيرة ،كنت أحس بالدفئ في الشتاء حين أراها ،كانت تنتابني
القشعريرة في أيام الحر من البرد حين أراها أمامي.
لم تكن تبالي ،لم تكن تشعر ،لم تكن تحس بي ،في كل المواقف عموما لم أستطع أبدا أن أحدثها ،كنت
قادرا على ذلك ،لكن عوائق إجتماعية ونفسية ،منعتني من ذلك ..فقررت أن أكتب كتاب أنشره في أرجاء
الكون ،حتى تعلم بالحقيقة .
في للحظات الهزيمة ،كنت أتذك ر وحدتي ،كنت أبحث عن ذلك الحليف الذي أردته ،لم أكن أفكر في
الحال ،لم أكن أخاف المحال ،كنت أخشى أن تأتيني المنية ،ولم أؤلف لألجيال كتبا ،ولم أخلف ورائي
تراث وعلماء ومفكرين ،وأدباء وشعراء ،ومهندسين وأطباء ،كنت أخشى ذلك بالفعل .وكنت دوما اشعر
بدنو األ جل ،وكانت الدموع تنزل من جفوني.
لم أرضى بحال أمتي ،كنت أبكي حين أرى رائدا صينيا أو أمريكيا ،حين يطلقون صاروخا أو قمرا
إصطناعيا ،كان جسدي يتمزق في تلك اللحظات المؤلمة.
كنت أتساءل في أرجاء الكون ،كل األمم سبقتنا ،ونحن أدنى شعوب األرض ،تفكير أغلبنا ال يخرج عن
إيطار هموم المعيشة ،لقد رفضت هذا الواقع المر والجارح.
كنت أحس دوما بتلك الطاقة الهائلة ،الكامنة بين أنسجة جسدي ،قساوة األيام وأالمها ،كانت تهون أمام
للحظة يعيش فيها اإلنسان أجمل وأروع للحظات حياته ،عندما يصل لقمة السعادة ،عندما ننظر هناك في
الس ماء ،عندما ترى النجوم ،وعند إشراق الشمس وفي يوم ربيعي جميل.
لم أكن أعيش تلك اللحظات ،إال عندما أحس بأني قريب م ن هللا ،عندما اشعر بحالوة األيمان ،بعظمة
اإلسالم ،بنور القرآن ،عندما أنظر خلفي قبل أكثر من ألف وأربعمائة سنة ...كالم كثير ،كنت أشعر
بالسعا دة عندما أستحظر قصص من الماضي ،عن البساطة ،عن الرفعة ،عن الكمال ،عن األخالق
الفاضلة ،لقد كنت أعي جيدا الحقائق الراسخة ،لم أكن أفكر أو أحاول تزييفها.
خالل سبع سنوات مضت ،كنت أشعر بنزيف هائل ،كان يزيد مع مرور االيام ،لم أكن أنزف الدم ،بل
كنت أنزف األمل والمستقبل ،الصبر والطموح ،الطاقة واألفكار .الكثيرون ممن عرفوني يقولون لي أني
()21
ال أعلم ماذ أفعل.
ألول مرة في حياتي أشعر بالذل ،لقد كان إحساسا مدمرا ،عندما يحتقرك أناس ال يقدرون موهبة اإلنسان
،وال مكانته الحقيقية ،شعرت يومها بالهزيمة ،وجميعنا يعلم إحساس الهزيمة واإلنكسار ،...كانت األيام
تجري ،تتسابق ،يوم جديد يزيح يوما آخر ،كنت في إحباط مستمر ،وكان قلقي يزداد يوما بعد يوم.
في بعض األحيان كنت أعجز عن التفكير ،أحس بشلل مس أجزاء مخي وجهازي العصبي ،كانت في تلك
المدينة التي أسكنها ،ظروف متنوعة ،وجو يساعد على اإلحباط والفشل ،لم تكن أبدا بيئة نجاح ،ال
أقصد األرض والسماء ،ال الماء والهواء ،بل كان أولئك اليائسون من ينشرون ويصنعون ذلك الجو.
أحببت تلك المدينة ،ألنني التقيت فيها بأول امرأة أحببتها ،وألني صنعت تحت سماءها أحالمي وكونت
()22
فيها فلسفة حياتي.
إلتقيت مع أصدقائي ،تجولنا قليال في المدينة ،تحدثنا عن أمور في الحياة ،تشغل بال كل واحد منا ،
كعادتي كنت أطرح عليهم أهم قضية في حياتي ،كانت تلك التي سهرتني لليالي طويلة ،كنا نتكلم ،كنت
أستمع ،أحس حينها وككل مرة بالفشل فقد طلب مني أحد أصدقائي أن أنسى ذاك الحب ،وبرر لي ذلك
بأمثلة حصلت مع أناس وأشخاص يعرفهم.
أن أنسى الماضي ،أن انسى تاريخي ،أن انسى سبع سنوات من حياتي ،كانت أصعب للحظات تاريخي.
بروحي و بقلبي أحبتتها ،لم تعلم هي بمعاناتي ،فكلمة رقيقة كانت تخرج من للسانها ،كانت لتنسيني
()23
همومي ،آالمي ،معاناتي.
في صباح هذا اليوم كانت السماء كئيبة ،تبكي حينا وتبتسم حينا آخر ،وكأنها أرادت أن تخبرني شيئا ما ،
شيئا لم استطع فهمه أو تخيله ،كأنها أرادت أن تقول لي أنظر للحياة ،وتعلم ،في الصباح تعلم درسا
جديدا ،من السماء ،أو من العصافير ،من الديك أو من الشجر ،تقول حاسب نفسك ،وقيم أعمالك في
تلك المرحلة من حياتي ،ابتعدت كثيرا عن هللا ،كنت أحس بأالالم ذلك اإلبتعاد ،عندما فكرت ،لقد
عرفت حبي هلل ،كنت أتألم عندما تفوتني الصالة ،أو تضيع لي تلك الفريضة ،كنت أتطلع هناك ،فما فعلته
كله كان نتيجة لتعلق قلبي بالخالق ،كنت أستطيع أن أختار بين حبي إلمرأة أو أي شيئ وحبي لخالق
الكون ،كنت أعلم جيدا خياري ،كنت سأختار دون أدنى تفكير ،فسأختار في رمشة العين.
هذه أكثر األمور التي كنت صادقا كثيرا فيها ال أقول إني لم أصدق في باقي األمور ،لكنها درجة أعلى
من الصدق.
كنت مع صديقي نطالع في كتاب إسمه خمس وعشرون قصة نجاح ،كنا نقرأ الكلمات ،وخيالنا شارد هناك
في أرض األحالم ،كل وحلمه ،نبتسم بتفاؤل للمستقبل ،طالعت معه ألبث في نفسه نوعا من اإلشعاع،
ألزرع في نفسه حلما ،يستطيع أن يقاتل من أجله ،يتحدى الصعاب ،والمعيقات ،التحديات.
كنت أيقن صعوبة ما اخترت ،علمت مشاق الطريق إلى الحلم ،لقد قطعت وسطرت إلتزامات كان علي
()24
تطبيقها.
أخبرت باألمس أصدقائي ،بأني سأذهب غدا إلى جامعة البليدة ،على الساعة السادسة صباحا ،ألنجز
بعض األعمال هناك في كلية الطب ،على صوت أذان الفجر ،كنت مستيقظا ،أفكر في هل أذهب في
الموعد ،واهتديت مع نفسي وقررت ،المغادرة على السابعة صباحا.
لم أكن افكر في شيئ سوى إتمام العمل ،وصلت هناك على الثامنة والنصف تقريبا ،أين انتقلت إلى إدارة
الكلية ،لقد كنت تائها ،لم أدري ماذا سافعل ،خرجت ،ذهبت هناك ،ثم هناك ،وعدت من جديد ،في
للحظة صنعها القدر ،لم تكن أبدا صدفة ،أو للحظة عشوائية ،لقد كانت للحظة مفاجئة ،على بعد متر
تقريبا ،كانت هناك اإلنسانة ،التي لم أراها منذ ستة شهور ،وقتها لم أستطع التصديق ،لم أستطع أن
أتصور ذاك الموقف ،تنورة صوفية لونها رمادي كانت ترتديها ،حقيبة كتف لونها أسود ،وحذاء رائع ،
يضم رجليها الصغيرتين ،كانت تبتسم باسنانها الغزالية ،الجميلة يثبتها هيكل تسوية االسنان بلونه
الفضي.
كانت مفاجئة بالنسبة لي ،أن أراها ذاك اليوم ،انتظرتها هناك عند مدخل الباب ،عندما انتهت من
الحصول على وثائق دراسية ،خرجت مرت من حولي ،نظرة إلي بنظرة غريبة ،كانت سريعة ،ومرت
()25
بسرعة ،ال أدري ماذا كانت تود أن تقول ،ال أدري.
نور الشمس كل يوم يشرق ،في كل للحظة ،ومع كل رمشة ،تتغير الحياة ،كان دافعا قويا ،يجرني ،
يجعلني أفكر في إيجاد الحل ،كما السياسي كان يفكر ،لحل قضايا وطنه وشعبه ،كنت كذلك أفكر ليال
ونهارا ،أفكر في ساعة الفرحة ،في ساعة الحزن ،ابحث عن حال لقضيتي ،كان حلمي في الحياة بسيطا
جدا ،لم يكن ابدا حلمي أن أسكن في فيال مقابل البحر ،أو تكون لي شقة في أرقى حي ،ال سيارة فاخرة ،
او ساعة زمنية ،وال أي شيئ من ذلك ،كان حلمي أن تكون لي زوجة ،أحبها وتحبني ،اعيش ألجلها ،
وتعيش الجلي ،أحكي لها عن متاعب اليوم ،ونحلم معا بمستقبل مشرق .
أردت إمرأة واحدة ،أحببتها كما قلت كل يوم من أعماقي ،أردتها هي أن تكون تلك الزوجة ،نعيش
الحياة كما نريدها ،وليس كما فرضتها علينا الطبيعة ،هكذا كان حلمي ...خلف جدران الفراق ،كنت أقف
أنتظر طويال ،من أجل أن أرى فت اة أحالمي ،كنت أدعو القدر ،أن يبرمج لنا للحظة اللقاء ،كنت راض
بحياتي ،لم أكن راض عن إنجازاتي ،قبلت العيش في وطني ،ولم أقبل الذل في اوطان الغير.
أردت أن ابني تاريخي ،هنا في أرضي ،األرض التي أحببتها ،أحببت االرض مقدار حبي لتلك المرأة،
كنت أكره المارقين ،كنت أكره المتكبرين ،كننت أحب المستضعفين ،كنت صادقا دوما ،كنت أمينا
()26
دوما .في للحظات من حياتي كذبت من دون أن اشعر كذبت.
أنتابتني السعادة ،حين حددت لنفسي هدفا ،للسنة القادمة ،لقد قررت بان أعمل على تحقيق أول حلم في
حياتي ،بعد نيل شهادة الليسانس في علوم األرض والكون ،لقد أردت أن أتقدم لخطبتها ،لقد شعرت
باإلرتياح والسعادة ،نشوة كبيرة ،زادت دقات قلبي ،وأحسست بأ ني قادر عن اإلستغناء عن كل شيئ.
ال زلت اليوم أحلم بقيادة مقاتلة أف 15أو أف ، 16كما كان حلمي دوما أن اصبح احد أشهر الجراحين
في العالم.
كنت دوما في تفاؤل مستمر ،خاصة بعد وضع أهداف محددة ،رضيت بحياتي ،بشخصيتي ،بكياني ،
رفضت الواقع ،وظروفه المحيطة به ،كانت همتي ترتفع ،تصبح شامخة عالية هناك ،برغم ذاك الفشل
،الذي سبب لي ألما جارحا ،كنت أحاول المضي قدما نحو النجاح.
حين رأيتها آخر مرة ،إحترت في األمر ،سألت نفسي لماذا سطرلنا القدر ذلك الموعد ،لم يكن صدفة أو
()27
امرا عاديا ،بل شيئا غريبا جدا ،لم أعرف اإلجابة ،وربما سأعلم بها في يوم ما.
كنت اتأمل في سبب فشلي وإحباطاتي ،في الغاية من كل ذلك ،لقد كنت مؤمنا بأن ما حصل لي وما
سيحصل ،ليس حدثا عابرا ،إن لم يكن حال معقدا لمعادلة رياضية معقدة ،فهناك أين فكرت كثيرا في
أحد القضايا العلمية ،فيما كان باإليمكان صياغة قانون رياضي شامل ،يرمز ألهم األحداث التي جرت ،
()28
منذ نشأة الكون إلى غاية نهايته ،كنت حينها أصب إهتماماتي على علوم الفضاء.
لم أكن أستطيع اإلختيار بين دراسة الطب ،ودراسة الفيزياء الفلكية ،أو الفيزياء الكمية ،لقد كنت أتمنى
أن أنجح في كالهما ،أن أحقق ذلك ،لم يكن أمامي أي عائق لفعل ذلك ،بل كان الخوف في داخلي ،
وعدم قدرتي على إتخاذ خطوة جريئة ،أسباب رئيسة في عدم تحقيقي ألي هدف سياسي.
إن اإللتزام بتحقيق هدف أو أهداف شرط هام ،بل أساسي لتحقيق تلك الغايات ،كنت أعلم جيدا ،أننا لن
نتمكن من تحقيق مجموعة من األهداف مرة واحدة ،لكن يجب أن نحقق أهدافا ثانوية حتى نتمكن من
تحقيق الهدف النهائي والرئيسي.
لقد كان جيلنا متشب عا بثقافة الخوف ،الخوف من وضع خطوة في الطريق الصحيح ،من التقدم خطوة نحو
األمام ،هذا ما كان ينقصنا .لم تكن المادة أبدا عائقا أمام تحقيق األهداف العظيمة ،بل كان الجبن والخوف
العائق األساسي لذلك.
حين تشعر في للحظة مهمة من التاريخ بأنك إنسان مسؤول ،مسؤول عن هذه األمة ،إنسان قادر
بإمكاناتك العقلية ،بأحالمك ،بطموحاتك أن تحقق ألمتك ما عجزت عنه قيادات ومؤسسات ضخمة.
هناك فقط أين تحس بمكانك ،ودورك في هذا الكون ،الشيئ في هذا العالم يحدث صدفة ،بل كل شيئ في
هذا الكون ،حتى حياتك الخاصة ،خاضعة لقانون رياضي معقد ،حياتك تمثل أحد ثوابت ذلك القانون.
إن اإلنسان سيحاسب بقدر معرفته ،وعلمه ،حسب قدرته ،وهذا ما يبث في نفسي الرعب ،فمحاوالتي
مستمرة ،ألحقق شيئا مما أستطيع أن أقوم به.
في أصعب للحظات حياتي حين كنت أشعر بالضعف ،كنت أشعر بوحدة شديدة ،اشعر يومها بالشوق
الشديد لمن أحب ،وكانت اإلنسان ة الوحيدة التي أتذكرها هي التي أحببتها منذ أواخر سنوات الطفولة برغم
ذلك كانت السعادة تغمر قلبي ،لم يكن قلبي يحمل الحقد على اآلخرين ،فقد كانوا جميعا إخواني ،وكنا نحن
أبناء وطن واحد ،ونشأنا من تراب واحد.
لقد وضعت في بداية حياتي حدودا لنفسي ،ال أتجاوزها ،وال أقبل اآلخرين أن يدخلوها وقد استمرت
هكذا ،سبعة سنوات كاملة ،كنت ال أتدخل في شؤون اآل خرين ،كنت أعيرهم اإلهتمام نفسه الذي يولونه
لي ،ولم أكن أسمح ألي شخص بالتدخل في شؤوني الداخلية.
لم يكن أصدقائي يتصفون بصفة المسامحة ،كانوا يصنعون من مشكلة بسيطة أزمة معقدة .كان صديقي
عبد العزيز ،تعرف علي في السنة األولى جامعي ،كان إنسانا بسيطا جدا ،كان مرنا جدا ،كان قلبه
ناصعا كتلك الشعرات على رأسه.
كنت أحاول أن أرفع همته ،واقدم له ولو أبسط ما أستطيع أن أقدمه له .كان يحترمني كثيرا ،وأنا كذلك ،
لقد كنا أحيانا نسهر طويال ،نتحدث عن أحد المواضيع الهامة لي ،كنت أحاول أن أقنعه بأني سأتزوج
قريبا ،وكان يعارضني في ذلك ،بالنظر للواقع كان محقا ،لم يكن لي دخل ،وال سكن وال أي شيئ
أستطيع أن أحقق به هذا المشروع.
في أجمل ذكريات حياتي ،كنت أتذكر أحداث هامة وذكريات لطالما أنزلت من جفوني الدموع ،كان جدي
سعيد ،الشاب البسيط الذي بنى نفسه بنفسه وكافح طويال..
كنت أتذكر ذلك اليوم ،حين هربت من المنزل ،وهرول ورائي بعصاه ،وذلك لكي أذهب إلى المدرسة ،
يومها كنت أدرس في السنة األولى إبتدائي .ذات يوم اصابني مرض في بطني ،أخذني إلى العيادة الطبية
،أخذت حقنة موضعية أزالت ذاك األلم ،لم يكن عند جدي ثمن العالج ،حينما طلب الممرض ذلك برغم
أن المبلغ كان 51دينارا ،فقد سارع المعلم رحماني بدفع ذلك المبلغ نيابة عنه ،كنت أتذكر ذلك ،أحس
بقدر التضحيات التي قدمها أهلي لي وكذلك جدتي التي كانت تحبني كثيرا ،ألني كنت اول أحفادها.
()29
وبالتأكيد االخوال واألعمام ،كانت اياما جميلة جدا ،ذهبت هكذا ،لن تعود ابدا على مر السنين.
كنت طوال حياتي أتذكر نزيم ،اإلنسان الشاب ،لطالما كان يشجعني ،كان يرفع معنوياتي كلما ألتقى بي
،حينما وافته المنية في حادث مرور ،تألمت كثيرا ألنه كان من الذين تعلقت بهم ،كان مثال كأخي الكبير.
ولم أنسى أبدا صديقي الهواري ،كنت ألتقي به ،نتحدث عن أمور كثيرة ،كنا نذهب نتجول في المدينة
الصغيرة وسط االضواء.
كان إنسانا بريئا من الداخل ،إنسانا بسيطا ،مات صديقي ،ولم أحظر جنازته كنت أدرس في السنة
األولى ثانوي ،بمدينة العطاف ،هناك نزلت من عيوني الدموع ،تألمت كثيرا لموت صديقي ،فقد ربطتنا
قصة صداقة دامت خمس سنوات.
ما أردت أن أكتب ذلك ،سوى ألخلد ذكراهم ،وأقدم لهم جزءا قليال من ما قدموه لي ،سأظل طول حياتي
،أذكرهم ،أطلب لهم الرحمة والمغفرة من هللا سبحانه وتعالى.
أتذكر استاذتي العزيزة وردان ،التي درستني اللغة الفرنسية لثالثي واحد للسنة الدراسية 2116 – 2115
،حيث كنت في السنة األولى بثانوية ابي بكر الصديق ،كنت أحبها كثيرا ،لقد كانت المعلمة الوحيدة التي
تركت في نفسي اثارا كبيرة ،حزنت كثيرا بعد أن انتقلت إلى ثانوية أخرى ،بكيت يوم رحيلها عني كثيرا
،أحببتها مثل حب التلميذ الصغير لمعلمته ،شجعتني كثيرا ،وكانت في كل مرة ترفع من معنوياتي
وهمتي.
كنت أحلم أن اراها ،ولو من بعيد ،خمس سنوات مرت لم أراها فيها ،ال زلت أتمنى أن ألقاها في يوم ما
،ربما سيكون أروع ايام حياتي حين القاها ،حينها ستنزل الدموع بال توقف ،تعبيرا عن حبي لها وشوقي
ألستاذتي العزيزة.
اثناء كتابتي هذه ،مع كل كلمة دونتها على كراستي ،كانت دموعي تنزل من جفني ،تأثرا بما كتبت
()31
وتأثرا بتلك الذكريات.
في جميع مراحل دراستي ،كنت أجد من يشجعني من يقول لي ولو كلمة واصل ،في اإلبتدائي هناك ،
استاذ وحيد ومعلم من ترك أثرا في نفسي ،حينما شجعني على اإلستمرار ،كان المعلم آيت حمودة سليم ،
الذي درسني اللغة الفرنسية.
في اإلكمالي ،مجموعة كبيرة من االساتذة الذين تركوا بصماتهم ،وبفضل تشجيعاتهم المستمرة والمؤثرة
كنت احاول صعود الجبل ،كنت في صراع دائم مع المعيقات ،في تلك المرحلة المهمة من حياتي ،
تغيرات كثيرة حدثت لي ،في تفكيري كانت واضحة.
لقد كنت أقضي العطلة الصيفية في المنزل ،ارسم واخطط ،أبلور وأرسم االحالم ،كما كنت أراها دون
تزييف ،حينها أردت أن أصبح رجل أعمال ،كنت أهتم كثيرا بالنشرات اإلقتصادية والبورصة من خالل
قناة العربية التي كانت قناة ناشئة في تلك السنوات االولى.
()31
أذكر كثيرا استاذ الرياضيات زروت ،وأستاذ الفرنسية محجيبة علي.
لقد كانت أحالمي أغلبها بسيطة لم تكن معقدة ،لقد كانت بسيطة إلى أقصى الدرجات ،كانت الحياة
العسكرية جزءا من شخصيتي ،كنت أحيا حياة عسكرية بكل ما معناها ،لم أكن أفكر ابدا أني مدني.
اإلنسان يمر عبر طريق أعرج ولو مرة في حياته ،طريق مليئ باألخطاء ،نرتكبها تارة عن جهل ،تارة
في مرحلة ضعف ،ومرة أخرى عن قصد.
اإلنسان في حد ذاته يميل للمغامرة ،عندما يعلم أن هذا مر ،وذاك حلو ،فإنه سيجرب ويتحسس الطعم
المر ،ولوال هذا لما عرفنا ،لما استطاع أي واحد منا ،أو اإلنسانية أن تفرق بين ما هو ضار وما هو نافع
،بين الشر والخير ،بين الحنظلة واألترجة.
أحيانا عندما تتدبر في أمر من األمور ،في قضية من القضايا ،التي تشاهدها كل اليوم ،أظن بل أعتقد أنه
خاضع لمفهوم يحدد مميزات كل شيئ من األشياء،نتساءل حينها لماذا؟ !
إن الحرب مؤلمة ،مليئة بالمآسي ،بالتحديات بالصعاب ،هي شيئ معقد ،دمار للعالم للحرث والنسل ،إن
قلوبنا جميعا تشبعت ،بشناعة ما كنا نراه على شاشات التلفزيون ،أو ما سمعناه عبر الراديو ،بالرغبة في
اإلنتقام ،اإلنتقام ممن شردوا أهلنا ،واغتصبوا أخواتنا ،ويتموا أبناءنا ،رغبة شديدة ،تجعل القلب قاس
كالحجر ،واليد باطشة كوقع السيف.
لكن ماذا نفعل ،نريد نحن جميعا أن نعيش في سالم نحب األمن للجميع ،والسالمة لهم جميعا ،ال نحب أن
نعتدي ،وقلوبنا رحيمة ،نتسامح مع غيرنا كما نتسامح مع أنفسنا ،نفكر في حاضرنا ومستقبل أجيالنا ،
نبني ونشيد ،نبتسم للحياة ،ونرسم األمل على للوحاتنا .
بتلك القلوب الناصعة ،الالمعة ،نقابل شعوب العالم ،نتفاجأ في كل يوم بما يفعلونه بنا ،لسنا نحن من
نرفض السالم بل هم.
إن السالم هو حقيقة رياضية ،تحقق شرطا رياضيا هام وهو التكافؤ ،عندما يكون هناك تكافؤ في الفرص
فهذا يعني أن السالم ممكن ،ونحن لم نخطئ ،لن يستطيع قلب ايا منا أن يتغاضى عن ما يحدث في العالم،
()32
فهذا اليمكن.
للحظات من أخطر للحظات حياتي ،عشتها خالل األيام القليلة الماضية ،إنزالق فكري رهيب ،زعزع
كياني الذي ما لبث أن استعاد بعضا من توازنه.
في تلك اللحظات المؤلمة ،كنت اتذكر إخواني حماة الوطن ،أتذكر أالالمهم ،ومعاناتهم ،خالل سنوات
المآساة الوطنية ،استحظر ما قدموه لهذا الوطن ،أتذكر عندما كنت في الخامسة من عمري في الليل حينما
كانت فرق من سالح المشاة تتجول في الشارع إلستطالع االوضاع ،خالل تلك األيام المظلمة والدامية.
لم يكن أحد ممن عايشوا تلك الفترات األليمة من تاريخ هذه األمة ،يتصور أنه سيجيئ يوم يبزغ فيه فجر
األمل ،وتشرق معه شمس المستقبل والحياة.
لقد كانت هذه الذكريات المهمة ،أقوى داعم لي في حياتي ،لقد استنبطت منها العبر والنتائج وتعلمت
درسا هاما في حياتي وفي التاريخ " :من جوف األلم يولد النصر"
تختلف نظرة اإلنسان لواقعه من شخص ألخر ،فالمفاهيم عندنا ليست موحدة ،ألن الحياة اإلنسانية غير
خاضعة للمنطق الرمزي ،أو المنطق االرسطي.
فالمنطق اإلنساني والمنطق الرياضي ،يشكالن منطق العشوائية المنظمة ،التي تحدد كل تصرفاتنا ،
وتحكم تفكيرنا وتدير مصانعنا وآالتنا وتنير لنا حياتنا.
عند حديثنا عن الفكر اإلنساني ،تتبادر إلى ذهننا أحد أهم األفكار التي تشرح لنا تطور هذا الفكر من
الناحية العملية.
لقد ذكرت سابقا في بدايات هذا الك تاب بأن ما يحدث في الكون السحيق من ظواهر جيولوجية ،وبيولوجية
وتحوالت فيزيائية وكميائية ،وما يحدث على سطح الكوكب األخضر ،وكل ما يحدث لي ولك في حياتنا
،مرتبط ،فالفيزياء بما فيها الميكانيكا ،وفيزياء الكم ،تشرح بتفصيل أكبر ظاهرة الفكر اإلنساني .
عندما نتطرق للحديث عن الفيزياء النووية ،وبوصولنا إلى تحديد انماط التفاعالت النووية يستوقفنا
تفاعلين مهمين :
تفاعل اإلنشطار الذي يحدث عندما نقذف نواة مشعة ثقيلة بنيترون أومجموعة من النيترونات ،تنقسم
النواة األم إلى نواتين أخف وزنا ،محررة بذلك طاقة كبيرة.
وتفاعل اإلندماج عند إتحاد نواتين مشعتين بوجود طاقة لحدوث التفاعل ،تنتج لنا نواة أثقل وتحرر طاقة
عظيمة جدا.
مع بداية تاريخ هذا اإلنسان ،كانت لديه فكرة واحدة ،والعجب أن اإلنسان كان فردا وحيدا ،كان هناك
إيمان واحد ،فاهلل واحد والشمس واحدة ،والمفهوم كان واحدا ،حدثت للفكرة الواحدة عملية إنشطار ال
أقول إنشطارا نوويا ،بل هو إنشطار فكري ،فاصبحت هناك فكرتين ،واألكيد هنا أن الفكرة التي نتجت
عن عملية اإلنشطار هي الفكرة النقيضة للفكرة األولى ،والعجيب في األمر وجود كائنين بشريين ،
األنسان األول الرجل ،والثا ني هي المرأة ،فاألرض نظيرتها السماء ،واإللكترون نظيره البروتون .
والخير نظيره الشر ،والحياة نظيرها الموت ،والسعادة نظيرها الحزن وهكذا...
بعد تطور عملية اإلنشطار الفكري ،وصوال إلى الفكرة المستقرة األخيرة ،في هذه السلسلة ،تغير
الوضع وبدأ شيئ جديد يتغير ،مع بدء عملية اإلندماج الفكري ،فهذه العملية تقوم على جمع األفكار
البسيطة ،لتحقيق أو التوصل إلى أفكار معقدة وكبيرة.
إن هذا المبدأ كان أهم سبب لظهور المنطق ،والبرهان التركيبي ،فتطورت العلوم الرياضية والفيزيائية،
والطب والكمياء واألداب.
أعظم اإلختراعات في العالم تستند في مبدأ عملها على اإلندماج الفكري ،من خالل جمع أفكار بسيطة
()33
وسهلة ،لتكوين آالت معقدة تنجز عمليات مختلفة في حياة اإلنسان.
باألمس حدث لي أمر أدهشني فعال ،هناك أين كنت جالسا ،بالقرب من مدرج الطب ،فجأة مرت من
حولي أستاذتي العزيزة التي تدرسني علم الوراثة ،نظرت إلي وحيتني بإحترام أدهشني ...عندما دخلت
كلية الطب في أكتوبر ، 2119لم أكن أتصور أبدا في يوم من األيام ،أن أعامل بتلك المعاملة الجميلة ،
من طرف أستاذ في تلك الكلية...
لم أكن أعرف إسمها رغم أ نها كانت استاذتي ،ربما ستبقى راسخة في ذكرياتي ...كأن هللا سبحانه وتعالى
أعاد ان يثبت أقدامي بعدما أنهارت معنوياتي ،وتحطمت إراد تي ،فجاءت استاذتي ومعلمتي ،فرفعت من
جديد معنوياتي ،وأحيت االمل في نفسي ...أشكرها كثيرا كثيرا ،لن أنسى ابدا ما قدمته لي.
لطالما افتخرت ببلدي الغالية والعزيزة ،كنت أحبها أكثر من أي شيئ آخر ،عشقت ترابها وتضاريسها
وجبالها ،عشقت تاريخها ،ماضيها وحاضرها ،وحلمت بمستقبلها ...عندما كان زمالء سني يحلمون بقطع
الب حار ،كنت أقول ما عيب هذه البلد ،إذا أردت أن أكون فلن أكون إال في بلدي ،لن ابدأ إال من أرضي
التي عشت فيها سنين عمري ....
كنت أستطيع اإلختيار بين حبي للجزائر وحبي لتلك المرأة ،إذا خيرت بينهما ،بدون شك أو ريب سأختار
بلدي ،ألنها أغلى عندي من قلبي..
في أهم للحظة في الزمن ،عندما نواجه العدو ،نتساءل عن جدوى مواجهة هذا العدو...العدو لم يكن أبدا
شيئا حسيا ملموسا ،ولو خدعتنا صوره ،لكن العدو شيئ مجرد ألبعد الحدود ،هو فكرة قائمة معارضة
لقوانين أحالمنا ،لمقومات بناءنا ،ألدواتنا كلها ،فمحاربة العدو هي مواجهة الفكرة التي أعتبرناها
خاطئة.
إن مبادئ اإلنسان مختلفة ،حسب مذهبه ،إذا كان مسلم فالفكرة تمثل الشر ،الن الشر هو عدو المسلم ،
()34
فالشر هو مفهوم مجرد ،يقابله أو يشرحه مفهوم حسي وهو الشيطان.
تصادف اإلنسان للحظة في تاريخه ،للحظة مؤثرة جدا ،عندما تقرر أ ن تحدث التغيير ،عندما وقفت
متأمال فيما مضى من حياتي ،أستوقفتني تلك اللحظات الماضية ،حينما تأملت فيها جيدا ،كعادتي عندما
أجلس هادئا أتأمل ،الحظت كم ضيعت من وقت ،ضاع فيما ال ينفع ،وأوقات قليلة في ذلك التاريخ..
إن تاريخ الفرد هو جزء مهم من تاريخ العالم والكون ،ومهما كان هذا التاريخ فهو مؤثر ،قررت أن
ابدأ التغيير ،من الداخل بدأت ،تغيير إستراتيجيات العمل واإلستمرار في الحياة ،وحافظت على مبادئ
تعلمتها وصنعتها بنفسي في أوج للحظات حياتي.
عندما تدرك أنك مخطئ ،وان مافعلته بعضه كان خاطئا ،واآلخر كان صوابا ،والبعض منه كان ال
يحمل أي معنى ،ال معنى سياسي ،أو رياضي ،أو اجتماعي أو فلسفي .
أحيانا نخسر الكثير ،نكون حمقى عندما نحقق مكاسب أو نجاحات تافهة ،نتألق حينها في درجة غباءنا
الالمحدود ...
من المنطقي أن اإلنسان يحاول أن يكسب الكثير ،مقابل ان يخسر القليل .لكن من المنطق أيضا أن نقدم
تضحيات كبيرة من أجل نجاح باهر ورائع.
إنها نقطة اإلنعطاف ،أين تغير الدالة إشارتها في الجهة الموجبة ،وتصعد بتزايد مستمر ،هناك سيتغير
كل شيئ ،سيظهر التغيير على الفرد ،إنه شعور رائع ينتابك حينها كأن تقود مقاتلة تفوق سرعة
الصوت...
إن ما يحدث في الطبيعة لو تأملنا فيه جيدا ،وقارناه بحياتنا لوجدنا العجب فيه ،إنها حقيقة واضحة ،
نراها دوما أمامنا ،لكن حماقتنا منعتنا من اإلعتبار بقوانين الطبيعة ،بمبدأ الحتمية واإلطراد ،بمبدأ
()35
العشوائية المقننة ...
في للحظة من الزمن ،هناك في مكان ما تتغير حالة اإلنسان ،ينقبض صدره ويضيق ،نتيجة لظروف
مختلفة ومتنوعة ،جعلته خاضعا لتغيراتها ،خاضعا لتأثيراتها المختلفة ،إن أكسجين الحياة ،أحرقته
محركات األالت الجامدة التي تصدر هديرا مزعجا ،أفقد الكائن البشري هدوءه وسكينته.
الصراع مع الواقع كان أحد أهم سمات هذا العصر ،حرب شرسة نخوضها ضد الواقع الظالم ،الذي لم
أستطع أن أتفق معه ،كما لم أتفق أبدا مع مبادئ الرأسمالية واإلشتراكية.
أشعر بحزن شديد بسبب عدم تمكني من تقديم شيئ لهذه األمة ،ايا كانت قيمة ما سأقدمه لكنه كان أحد
أحالمي ،كنت أ ود أن اقدم مليون في المئة من إمكاناتي ،مشاريع كثيرة كنت أحلم بها ،منذ أن كنت طالبا
صغيرا في الثانوية ،كنت في حاجة لمن يشجعني ،لم أكن احتاج ألي شيئ ،لم أطلب من الجزائر أي
شيئ ،طلبت منها شيئ واحد فقط ،لن أطلب بعد ذلك شيئ آخر...
ال أدري كيف اصور عالقتي مع هللا ،األكيد هو أني كنت أحبه ،كنت أحبه كثيرا كثيرا ،في كل الحاالت
كنت أخجل من نفسي ،كان جسدي ينصهر ويذوب في روحي عندما أفرط في حقه..
اإلنسان عليه أن يقوم بكل اإلجراءات التي تحقق له هدفه ،كنت كذلك ،كان هدفي الوصول إلى هللا ،كنت
أحاول تحقيق وملء الفراغات وكل الثغرات التي تسهل الوصول للهدف...
من أجل هذا الوطن كنت أريد أن أكون كل شيئ ،أكون الطبيب والمهندس ،أكون العالم والميكانيكي ،
أكون الضابط ،أكون السياسي ،أكون الفالح والطيار.
كشاب في بداية الطريق ،عندما تأتي اللحظة كنت أسأل وأصيح قائال من أنا ؟ في كل وقت ،عندما كنت
اسير في الشارع ،عند المنام ،في الصباح ،في الفجر والمساء كنت أتساءل "من أنا ؟ ومن أكون ".
في هذه اللحظة أعتذر لجميع من أخطأت في حقهم ،وأقول لهم بصدق :إني لم أكن أقصد ذلك .
اآللة لن تكون موجودة ،لن تكون حقيقة ثابتة ،إذا لم تقم بما هو مطلوب منها ،برمجة اآللة على أداء
عملية روتينية ،أمر ال يقارن مع اإلنسان الذي يقوم بعمليات غير متوقعة من اآلخر ،هذه هي الميزة بين
اآللة واإلنسان ...
عندما تكون طالبا في الجامعة ،تدرس تخصصا ايا كان :علوم األرض ،أو هندسة أو طب أو آداب أو
حقوق ،من المفروض أن تضع أو ترسم طريق لما تريد الوصول إليه ،ال تفكر أبدا في إيجاد وظيفة ،او
بناء سكن أو شراء سيارة ،قدم ما تستطيع ،وكن إنسانا إستراتيجيا تفكيره عميق واسع.
فكر جيدا في كينونتك ،في واقعك ،وابدأ التغيير ،اشياء كثيرة ،مواضيع مختلفة ،مشاكل كبيرة
ومعوقات تنتظر من يدرسها ،ويمحص جيدا فيها ،ويجد الحلول.
إن الكون هو فضاء مغلق ،وعلينا أن نعرف ونيقن أن الماالنهاية في الرياضيات لها نهاية بالتأكيد ،لكن
ال نستطيع إدراك هاته النهايات ،ألنها أكبر وخارج نطاق إدراكنا.
كتبت منذ سنوات عن الدافع الذي جعل السماء تمطر ،واألرض تنبت ،الشمس تشرق وتغيب ،إنه بدافع
الحب ،لقد قدر هللا وجعل لكل شيئا قدرا معلوما .ال يجب أن نقدم الوعود ،إذا كنا غير قادرين على
تحقيقها أو الوفاء بها ،إنها إلتزامات..
قد يبحث الكثير منا عن المناصب العليا ،ونسو مشقة تحمل المسؤولية ،في الواقع الواضح تماما ،قليل
من يدرك ذلك ،ولعدم تقديرنا للمسؤولية ،فشلنا في جميع أعمالنا ومشاريعنا ،إنها إذا اإلدارة الفاشلة...
لو لم تكن قوانين الطبيعة مبنية على مبدأ االصلح أو األقوى ،لفسد الكون ،هنا اعني غير الذي يمكن
()36
فهمه من هذا.
ال يوجد شيئ في الحياة يدعونا لإلستسالم أمام معوقات الحياة ،الواقع سيكون مختلفا ...إن إدراكنا ال يجب
أن يكون مرتبطا بما نراه في الطبيعة من جبال وأشجار ،وأرض وبحر وسماء ،بل عليه أن يتجاوز
الحدود التي وضعها العقل تشبعا بمعطيات الواقع.
أعتقد أن تلك المعطيات تحمل أخ طاء جوهرية ،سيولد العقل البشري منها أفكار جديدة ،تكون أكثر خطورة
وأكثر خطأ.
إن البرغماتية تمثل نموذجا لتلك االفكار ،كما الوجودية ،وما اإللحادية إال خطأ فادح من الجانب الفكري أو
العقل اإلنساني.
إن مبادئ السياسة التي تستند إليها معظم التوجهات والحكومات ،والقيادات متشابهة ،في شكلها الصريح
،فقد كتبت ذات يوم عن عالقة السياسة بالفلسفة ،عالقتها بالدين ،بالعقل .وجدت أو توصلت بقولي إن
السياسة هي اإلبن المدلل للفلسفة .فأي مبدأ سياسي قائم ما هو إال تعبير بطريقة أو أخرى عن تلك األفكار
الفلسفية.
ربما عندما تقف كإنسان أمام منظر شروق الشمس ،عندما تنظر من مكان عال لمكانة تلك الطبيعة
الخالبة ،حينها تشعر بتحررك من كافة الضغوط ،يزول في تلك اللحظة الرائعة كل شعور القلق والتوتر ،
منذ أكثر من خمس سنوات ،عندما أتذكر كيف كنت أفكر آلية المنطق التي كنت أتبعها ،ال أدري إذا كان
ما أفكر فيه حينذاك حقيقة ،شيئ يصدق العقل به؛ لم أكن مهتما إذا كنت مقتنعا به أم ال.
في واحدة من أصعب للحظات حياتي ،احتدم الصراع بيني وبين ما يسميه الناس الواقع ،إنه ذاك الواقع
السخيف ،الذي ط الما أحبطنا ،الذي زعزع سكينتنا ،لم أكن أحاول عبر تلك اللحظات الزمنية أن أثبت
ذاتي ،أو أقول لمن حولي ،إنني هنا ،أنا موجود ،لم أكن أحاول ذلك أبدا ،ما كنت أحاول فعل ذلك حقيقة ،
واسالوا أصدقائي ،من درسوا معي في الثانوية عن ما كان يجول في خاطري .لم تنفصم أبدا روحي عن
كياني ،وطالما شكال معا إتحاد قويا.
ايام قليلة تفصلنا عن نهاية عقد من الزمن ،من حياتنا وتاريخنا ،تاريخ هذا العالم ،وهذا الكون ،أشياء
كثيرة تغيرت ،منذ سبتمبر ، 2111أكتوبر ، 2111ومارس . 2113
()37
مع نهاية العقد هذا ،كنت قد أتممت العشرين من العمر ،بكل ما يعنيه ذلك بالنسبة لواقع اإلنسان.
واقع إليم ومحزن ،ليس من جانب الماديات ،أو حالة إجتماعية بائسة ،لكن عندما ال تجد أو عندما تكون
مقيدا ،أفكارك مبادئك ،أو بصيغة أخرى ،ال تستطيع أن تعيش كما تريد ما هي مالمح العقد القادم ،ما
مصير أحالمنا و آمالنا هل توقفت طموحاتنا أم ستتجدد عزيمتنا؟.
كل إنسان أ يا كان ال يستطيع إخفاء إنسانيته ،أحيانا كثيرة ،وفي مواقف مختلفة ،تطغى اإلنسانية عن
باقي صفات الكائنات األخرى المشتركة .إن ما نؤمن به شيئ راسخ ،ال يتغير ،مبادئ اإلنسان التي
أكتسبها ،أو صنعها ستبقى معه ،تلك المبادئ هي التي تحدد إنتماء اإلنسان الحضارية والدينية ،
وإنتماءات أخرى مختلفة.
ال يوجد في الحياة ما يحرمنا من تحقيق أحالمنا وطموحاتنا ،حتى نهاية اإلنسان ال تعتبر عائقا أمام تلك
األحالم والطموحات .الفشل لم يكن عذرا لنا لنستسلم ،بل هو دافع حقيقي لإلستمرار.
بالنسبة لي فقد فشلت سبعة سنوات في محاولة حل أحد أهم القضايا في حياتي ،شيئا لطالما أبكاني واحزن
أيامي .لقد فشلت قبل أن ابدأ ،وليتصور اإلنسان معاناة سبعة سنوات برغم الفشل.
كنت أحاول من جديد ،أحاول بعدما صنعت من اليأس وقودا ألحالمي ،وطموحاتي لم أكن والزلت ال
أعلم ،ما إن كنت محقا أم مخطئا.
إن حياة اإلنسان كلها للحظات نفيسة غالية ومهمة ،لطالما أردت ان أصيح بأعلى صوتي في أرجاء الكون
،أعبر عن افكاري ،عن تلك اآلمال والطموحات الكامنة خلف أضالعي.
لقد أصبحت االيام قصيرة متسارعة ،تسير وفق بيان رسم مسبقا ،أنتابني الخجل عندما عبرت عن ما في
قلبي في بعض صفحات هذا الكتاب ،لكنها كانت الحقيقة ،كانت وسيلة ألعالج بها القضايا المختلفة التي
واجهتني.
حتى هذه اللحظة من حياتي ،ال يشكل لي الصعود إلى سطح زحل أو اإلبحار إلى خارج المجموعة
الشمسية ،أو أي تحد آخر ،شيئا من ضرب الخيال.
وال زال الوصول إلى قلب من أحببت يمثل لي تحديا ،إنها الحقيقة التي رافقتني....
كنت اخجل من تقديم المساعدة لآلخرين ،ليس إال أنني اخشى أن اسبب لهم جرحا ،أو يسيئوا فهمي...
ألني في بداية حياتي أخطأت التقدير ،وأحاول اليوم أن أفعل ما أقدر عليه دون أن افتح عينايا.
في يوم مضى ،أو سنة مضت ،كتبت بأن مشروعية الوسيلة هي السبيل لتحقيق الغاية المشروعة ،مبدأ
هام أس تند إليه في كل موقف من المواقف.
في جو غريب ،من األدخنة المتصاعدة ،قصف المدافع ،صوت الرصاص ،أزيز محركات الطائرات ،
ودوي اإلنفجا رات ،تحت تلك السماء هناك ،ليس في فييتنام ،أو على شاطئ النورماندي ،ليس في
عاصفة الصحراء ،أو في أرض الصومال ،بل هناك بعيدا ،كانت أحالمنا هناك ال تستطيع الحراك ،ال
أدري لكني أعتذر عن كل خطأ صدر مني في هذا الكتاب البسيط ،أعتذر ألني لم استطع تقديم األكثر
واألحسن.
أسئلة كثيرة محيرة ،تدور في مخيلة اإلنسان ،ال إجابات ،وال تفسيرات ،وال يوجد من يقدم التعليل
الصحيح لها.
إن التغيير ينبع من الداخل ، ،يأتي من أسفل الجذور ،فاإليمان باهلل والمالئكة والكتب السماوية والرسل
جزء من ذلك التغيير ،كما اإليمان بالقدر ،إنه قبل أن يكون كذلك هو حل منطقي لمعادلة التاريخ ،فهناك
قدر يخص الفرد ،وآخر األسرة ،وآخر يخص الشعب ،وآخر يمس األمة والعالم والكون .إن تعقيد مفهوم
القدر أتى من تعقيد هذا الكون الذي ننتمي إليه ،إن القدر جمع بين الحياة والموت ،الخير والشر ،الحق
والباطل .
لو فكرنا جيدا في معاني القدر ،في معاني الحياة والخير والحق ،والموت والشر والباطل ،لو تمعنا جدا
في ذلك لوجدنا الكثير من الحقائق.
لقد بني الكون على مبدأ التناظر ،عندما نتحدث عن هذا ،فإنه البد من ذكر مبدأ أو مرجع أو مركز
التناظر.
لو أفترضنا ا لكون أنه هو القدر ،هذا يعني أن الكون ما هو إال تعبير عن تناظر معين في تلك االرجاء ،
داخل فضاء مغلق تماما كل األشياء متناظرة بالنسبة للمركز.
إن الحديث عن ان الشمس مركز للكون يعني أن الضوء هو مركز التناظر .يعني كل هذا أن الماضي
والمستقبل متناظران بالنسبة للشمس ،إن هذه الفرضيات تعني الكثير من األمور ...
إن العقل الخصب ال يتوقف ع ن التصور ،عن التفكير فهو في عمل دائم ومتواصل ،حتى أنه ال يصدأ
أبدا ،أكون في إستياء دائم ،فقد كنت أطمح دوما ألعيش في جو يخيم عليه الهدوء الشديد ،هناك ذاك
الجو الذي يساعد على التفكير...
فال أحد يستطيع التفكير في جو مليئ بالصخب ،بالفوضى العارمة ،لطالما كانت المدينة كذلك ،صخب
طوال النهار ،دخان ،حركة ،إزدحام ،إهتزاز دائم ،يحرم عقل اإلنسان من التفكير ،إن العقل لن يفكر
بمنطق ،بإتزان إال في جو من التوازن.
أحاول ،وال أدري ،أح اول بجدية أن اصنع ذاك العالم الخاص بي ،واقع أستطيع أن ابدع فيه ـ أقضي
طول الوقت أتأمل في الطبيعة ،أقرأ كثيرا ،وافكر لساعات ،إنه حلم رائع بالنسبة لي ،يستحق مني ذلك
بالفعل.
ربما إن مر الوقت ،واألكيد أنه سيمر بسرعة ،بدأت من اآلن في ذلك النمط الجديد .كما كنت اقول
وأتحدث دوما ،إنني صنعت أحالمي لتوصلني للواقع الجديد ،الذي أريد أن أعيش كل حياتي فيه ،واقع
رسمته سابقا دون أن أنظر من حولي ،دون أن أنظر لذلك الشارع ،لتلك الفوضى ،وذلك الروتين الممل.
لست مستعدا ألن أعيش ما تبقى من عمري ،طال أو قصر في خضم معاني جوفاء ،حياة ذابلة ،حياة
مادية بحتة بالجسد فقط.
فاإلنسان مخلوق فضولي يحب أن يكون ،يطمح للتأمل كثيرا ،للرقي بالروح إلى درجات عالية هناك ،
كنت أخاطب من حولي ،اصدقائي ،أسرتي ،وأقول دوما أن جائع ،أنا جائع ! ...
اصبح عقلي يعاني من سوء التغذية ،وما أكثر الغذاء ،قبيل بداية العقد الجديد ساتخذ قرارا هاما بشأن كل
()38
ما أتحدث فيه .إنها مسالة شخصية بين العقل والروح والجسد .
إذا كان الفشل ،كفكرة موجودة في عقل اإلنسان ،كمبدأ من المبادئ األخرى التي يؤمن بها ،فهنا من
واجبه أن يتخلى عنها ،أن يتخلى عن المبادئ التي ال تحقق أي معنى حقيقي بالنسبة لإلنسان.
ما نراه أمامنا ،هو األفكار التي نؤمن بها ،التي تشكل جزءا من كياننا ،أيا كان نمط أو نوع هذا الكيان.
في العالم العقلي الخالص ،يموت الشعور بالواقع ،هناك إذن ال واقع ،والإلحساس .إن القلب هو موجه
للعقل ،هو ذاك الشيئ الوحيد الذي أعتبره حقيقي ،في عالم الالحقيقة ،عندما نتأمل جيدا في تلك المقولة
" نأكل لنعيش ،أم نعيش لناكل" ،أشياء كثيرة تتبادر إلى ذاك الذهن ،إن حل تلك اإلشكالية هو إجابة
للتساؤالت المهمة .
لماذا خلقت الطبيعة ،لماذا الجبال ،لماذا االشجار ،لماذا الكائنات ،لماذا الماء ،ال أقصد باإلستفهام
فيزيولوجيا ،أو آلية ،أو الوظيفة الحيوية لهاته األشياء .بل أقصد شيئا ابعد من ذلك بكثير ،شيئ يتجاوز
خلق اإلنسان ،اعتقد أنها فلسفة في الكون ،عند تطبيق مفهوم الديمقراطية في الكون المذهل نجد هناك
تناقضا واضحا ،بين الحقيقة والسراب ،إن الكون السحيق ال يخضع لمبدأ الديمقراطية في توسعه ،في
تناغمه ،في تتابع احداثه وتطورها ،بل التفكير في وجود مبدأ الديمقراطية في نظام عمل الكون ،يعني
فساد الكون ،وبطالن حقيقة وجوده.
إ ن وجود الديمقراطية في السياسة تعني وجود فكرتين مختلفتين على األقل ،يعني انه إذا قبلنا شروق
الشمس من المشرق ،فعلينا القبول ايضا بطلوعها من المغرب و في علم الرياضيات يعني وجود مقدارين
مختلفين في اإلشارة أن المحصلة هي العدم.
فالكون مبني على مبدأ الفكرة الواحدة ،التي تضمن سير الكون وتناغم مركباته المختلفة ،فوجود الكون
بكونه حقيقة يدل على ذلك.
لنحاول أن نصعد الجبال ،وال نهب ابدا السقوط ،لنتجاوز الحفر ،ونحاول أن نخطوا خطوة لألمام ،ال
يهم كم خطونا وال في أي إتجاه ،ما يهمنا هو اننا قمنا بالخطوة في محاولة .على كل واحد أن يتمسك
()39
بأحالمه ،ألن اإلنسان ال يملك سواها ،هي سبب الوحيد إلستمراريتنا في الحياة.
خالل رحلة اإلنسان الطويلة يستوقفه سؤال محير ،سؤال أساسي وعميق ،عن الحياة والموت...عند
دراسة التاريخ ليس من جانب علم التاريخ ،فانا أقصد بالتاريخ القدر والكون ،الحياة والموت ،الخير
والشر ،السعادة والحزن ،نتطرق إ لى حقيقة الحياة ،تلك الدراسة تجعلنا نفهم دورنا فيها ،لماذا وجدت
هنا في هذا العصر ،وفي هذا المكان...
جميع البشر مختلفون ،حتى ذاك التوأم الحقيقي مختلف ،إن جيناتنا تمثل أداة التعريف الوحيدة لنا ،فمن
خاللها أكتسبنا ذاتنا ،وشخصيتنا ،وأكتسبنا بها نمط تفكيرنا وآلية عمل منطقنا الخاص .إن هذا اإلختالف
هو سبب وجودك ،فكل واحد منا يلعب دورا في الحياة ،دور أختير له بدقة متناهية ،دقة ال مثيل لها
استندت في التعبير عن نفسها إلى منطق العشوائية المنظمة.
إننا ممثلين في حلقة جديدة ال ندري كم عمرها ،نلعب فيها دورنا سواء دور البطولة ،أو دور ثانوي ،أو
نكون كضيف شرف ،يطل بوجهه على الشاشة ،وسرعان ما يختفي عن األنظار.
إنها الحياة بمعانيها المختلفة ،إن المخرج هنا هو خالق هذا الكون ،هو البصير الذي يرصد ادق تفاصيل
الحياة ،سيناريو محكم ال يقبل الجدل أو التأويل .
إن طموحات وأحالم اإلنسان ،لم تاتي من العدم ،بل هي شيئ مدروس ،شيئ غريب ،تلك األحالم تعتبر
المتغير في المعادلة الرياضية ،والقدر يمثل ثوابتها الحقيقية.
لم يكن الموت الفيزيولوجي سوى أداة ،ينهي بها الممثل دوره ،عندما ينعدم المتغير الرياضي هناك أين
تنعدم المعادلة ،إنها النهاية إنه التناظر في الكون ،مقابل الحياة نجد الموت.
عندما يتساوى البعد بين الحياة ومركز التناظر الضوئي ،وبين الموت ونفس المركز ،هناك نصل إلى
حالة العدم الحقيقي.
إنها عشوائية منظمة ،خاضعة ألعقد األنظمة الحسابية ،ال أتحدث عن الجبر والهندسة ،ال عن الحساب
اإلقليدي ،أو الحساب الفضائي ،أو الشعاعي ،إنه نظام كوني شامل ،مختلف مرتبط بحياتنا بنمط معيشتنا
،بسعادتنا بحزننا بكل شيئ مرتبط بنا.
كنت أتذكر تلك الليالي الطويلة التي سهرتها ،كنت أعمل بجد وبإخالص ،كنت مجتهدا جدا في ذاك
العمل ،كنت أسهر حتى السادسة صباحا ،وأحيانا ،أعمل ليومين متتاليين ،لم أجني في تلك الليالي
الجميلة وال دينار.
كنت هناك في تلك الغرفة ،أمام شاشة الكمبيوتر ،اصمم وأفكر ،ينال مني التعب ويصيبني النعاس ،
أفيق بعد للحظات واعود للعمل...
عن د صالة الفجر كنت أتجول في المدينة ،كنت أفكر ماشيا ،أحلم بما أستطيع أن أقدمه للجزائر ،لم أكن
أبدا أفكر بما تقدمه هي لي.
كانت آمالي وطموحاتي تتعالى ،فجأة تصبح شامخة في أعلى السماء ،تجاوزت قامتي وتشامخت فوق
الجبال.
الحقيقة أني لم أحلم لنفسي ،بل حلمت لها ،كنت أغار عليها من كل غريب ،كنت أخاف على أرضها ،
بحرها ،سماءها .كنت أتمنى أن اقول للجزائر تمني وأنا سأحقق لك األمنية ،أو األماني.
لم اشأ أن ابيع احالمي لليأس وال أمالي للفشل ،لتكن همتنا عالية في السماء ،ومهما يكن فإن لم نصل
يكفينا أننا حاولنا حتى حان األجل.
لم أكن ألوم ذاك الرئيس ،كنت أستمع بإهتمام بالغ لخطاباته ،كنت بعد كل خطاب أزداد تصميما على
بلوغ ما اصبوا إليه.
لقد دفعني هو نحو األمام ،كنت أدرك جيدا المسؤولية ،ال تستطيع فعل كل شيئ لوحدك ألننا في حاجة
إلى التجمع ،ليقوم كل واحد منا بما عليه من واجبات .
ليس من المستحيل علينا أن نستوعب هذا العصر ،بتكنولوجيا ته ،برقميته بتقدمه بأحالمه وآماله .علينا ان
ال نفكر أبدا بأن نا في الزمن الخطأ ،أو المكان الخطأ ،ربما لكنا نحن الحقيقة في زمن ومكان الحقيقة .
إن تسارع العالم وتغير هيكلته دليل كاف لنقتنع بأن الوقت قد حان لنقم بما تمنينا أن نقوم به إنها المبادرة
السالح الحاسم في كل معركة ،من هذه اللحظة علينا البدء إنها الحقيقة ،أمامنا مستقبل مشرق في
()41
إنتظارنا ،لنبتسم للحياة لعل الحياة تبتسم لنا.
ليس من نسج الخيال ،ليس من المستحيل أن تجد فالحا بسيطا يقرأ كتابا ،يقرأ مجلة ،يتابع بإهتمام بالغ
كل ما يجري ،لم يكن ابدا ذلك حلما بعيد المنال.
أن أجد عامل البناء ،أو عامل ال نظافة ،أو أي شخص آخر ،يقرأ ويتعلم ،يزداد علمه وتزداد ثقافته ،مع
كل شعر شيب في رأسه ،لم يكن ابدا عيبا أو جنونا.
إن العلم هو من يصنع المال ،هو المصدر الوحيد له ،ال يوجد في هذا الكون شيئ أسمى من العلم
والمعرفة ...نستطيع ان نملك األرض ،كنوزها ،الذهب والفضة أو أي ثروة أخرى .
في الحالة األخر فإننا لن نصل إلى تحصيل كل العلم ،إن علم اإلنسان محدود كما كان عمره دوما محدود
،طاقة اإلنسان محدودة ،مهما كانت تلك القوة ،إن مقدار الشر الذي يمكن أن يصل إليه اإلنسان ،ال
يمكن أن يتجاوز الخير الموجود في هذا العالم.
لقد بني الكون على مبدأ واحد ،والحب هو أساس هذا الكون ،عندما نستطيع ان نتصور العالقة بين
أنسجة جسد اإلنسان وبين روح اإلنسان ،ندرك معنى الحب ،معنى ال يمكن ألي شيئ في هذا العالم ،ال
المجلدات والكتب ،ال الرسا ئل ،ال المسرحيات ،ال الكالم ،أن يعبر عنه .إن مفهوم الحب أكبر ،ذهب
ليتجاوز اإلنسان ويتجاوز هذا الكون العميق .
ليس عيبا أن تكون غبيا ،عندما ال تدرك الحقيقة ،بل هو كذلك إذا كذبنا على انفسنا وظننا أننا أذكياء
كفاية .
إن كينونة الكائن البشري ،ال تتجلى في منصب هام في الدولة ،كونك رئيس أو وزير ،كونك رجل أعمال
،أو عالم ،أو استاذ في الجامعة ،تتحقق ذات اإلنسان ،حقيقة عندما يدرك ...عندما يصدق أنه إنسان ...
ال شيئ في الكون أو في العالم ،يساوي شعور الفرد بإنسانيته ،يدرك جيدا كم أن قيمته كبيرة ،قيمة لم
يضعها كائن مثلنا ،بل وضعها خالق اإلنسان.
إذا كان اإلنسان عظيما ،كائنا فريدا من نوعه ،فما ظننا ،ما هي تصوراتنا ،أو تخيالتنا في من خلق هذا
الكائن لم نخلق لنعيش ككائن ،كمخلوق معين ،بل علينا أن نعيش ،أن نكافح من أجل أن نعيش كأناس ،
إنسان يفهم سبب وجوده ،سبب كونه إنسانا وليس غير ذلك.
عندما نفكر بعمق واسع ،تفكير بعيد ،غير خاضع لتأثيرات البيئة المحيطة بنا ،عندما ننتقل إلى علوم
الفضاء ، ،هناك اين ندرك حقائق مذهلة ،إن وجود األرض في الكون في مرتبة محددة ،ودقيقة ،ووجود
الكواكب األخرى لم يأتي صدفة ،لماذا لو لم يخلق هللا سوى األرض والشمس والقمر ،ما سبب وجود
الكواكب االخرى ،ما سبب ذلك يا ترى ،إن لم يكن ذلك عالقة باإلنسان ،فبمن هي العالقة إذن؟ !
أسئلة محيرة ،أسئلة هامة ،في الكون ، ...إن الكون ليس خاضعا لقانون عشوائي فارغ المحتوى ،إنه
خاضع لقانون العشوائية المنظمة ،كما كنت اصطلح دوما على القدر.
منذ ثالثة سنوات ،بدأت أدرس هذا القانون ،كنت اربط كل شيئ ،طريقي التي أنتهجها ،وقت االكل ،
وقت النوم ،ركوبي الحافلة ،ولقاءاتي مع األفراد.
كنت اربط حياتي بكل شيئ ،بكل ما يحدث كنت أحاول ان أفهم ما يحدث .إن للحظة وقوفك ،في مكان
وقوفك ووضع وقوفك ،شيئ محدد ،ليس خاضعا لقانون الجاذبية أو النسبية ،بل كالهم جميعا خاضع
لذلك القانون الرياضي ...
ربما سنصل إليه في يوم ،ال أقول صياغة كلية للقانون ،لكن يمكن أن نحدد بعض ثوابت تلك المعادلة
المعقدة ،التي ال تنتمي ألي نظام حسابي ،أو دالي أو للوغارتيمي أو إحتمالي.
إن إكتشافاتنا العلمية خالل القرن العشرين ،ماهي إال ترجمة أو عملية إندماج للنتائج واألفكار
والنظريات التي كانت موجودة قبل ذلك.
إن العلوم ليست منفصلة ،الرياضيات والفلسفة والطب والفيزياء والجيولوجيا واألدب والموسيقى ،
مترابطة ،متناظرة بالنسبة إلى مبدأ معين ،يجمع كل العلوم ،في الرياضيات تعرف النقطة في الفضاء
،بإحداثياتها أو مركباتها الشعاعية .فعندما نكون مثال ثنائية من الرياضيات والفلسفة ،أو الفلسفة والطب ،
فإننا سنكتشف شيئا جديدا.
أستطيع تصوير ما يحدث في الكون ،كفضاء شعاعي مغلق ،ما علينا سوى أن نعين فيه النقاط إنطالقا من
تلك اإلحداثيات ،التي تعتبر أداة التعريف الوحيدة.
ال توجد في الفضاء نقاط متشابهة ،إن عملية رصد هاته النقاط تعتبر شيئ هام بالنسبة لنا ،لنرى المزيد
من الحقائق الموجودة التي لم نصل إليها من خالل خيالنا المحدود.
في خضم عالم األفكار أتذكر اإلنسانة التي أحبها قلبي اشعر بالبرد الشديد ،بالوحدة شعور مختلف تماما ،
كنت احاول أن أتصور ماذا لو كانت اآلن بجانبي ،ماذا سيتغير في حياتي.
ما كانت رغبتي في أن أذكر ما احس به في هذه اللحظات لغاية ،سوى ألربط بين األحداث ،سوى
للتأريخ ،ماذا لو لم أكن موجودا ،ما الذي كان سيتغير ،ما مدى تاثيري في هذا المجتمع ،هل لي من
بصمات ،ربما قد يكون هذا الكتاب المتواضع تلك البصمة ،ربما سيكون حبي لتلك الفتاة هو البصمة ،ال
أدري أي شيئ سوى أني أعيش ألجل أحالمي البسيطة.
ساعات السعادة في حياتنا قليلة ،أيام الحزن كثيرة ومؤلمة ،أشعر خاللها بصداع عميق يصيبني بالقلق
والتوتر .هل يمكن ان نجعل ايامنا كلها سعيدة ،هل يمكن تحقيق ذلك ،إن ساعات السعادة التي عشناها لم
تكن عندما أمتألت جيوبنا بالنقود ،عندما حققنا في الح ياة شيئا ،بالنسبة لي كنت أملك بعضا من المال ،
يكفي حسب تفكير الناس أن أقضي أسبوعا رائعا ،مليئا باإلنبساط ،بالفرحة ،لكن لم تكن كذلك ،كنت
أطير بالفرحة عندما تبتسم أستاذتي أو أستاذي في وجهي ،كنت أطير بالفرحة حينها ،كنت أفرح عندما
أصلي صلواتي في وقتها ،كنت في أوج سعادتي عندما أسافر من أجل تلك المحاضرة الثمينة ،كنت
أتجاوز عن نفسي.
كنت أفرح عندما أراها تبتسم ،كنت أحزن عندما أراها ال تهتم ،كنت في سعادة ال تتصور عندما يتعلم
مني أصدقائي شيئا ،عندما أقدم لهم المساعدة التي طلبوها مني ،بإمكان اإلنسان أن يعيش تلك اللحظات
الرائعة ،أحيانا في أحالمي كنت أعيش السعادة ،عندما أفيق في الصباح كنت في نشوة من الفرحة و
السعادة .
لم أكن اعرف عن نفسي ،سوى أني كنت متميز ،لم أتميز بعلمي ،بذكائي ،بل تميزت بتفكيري ،منذ
خمس سنوات كانت طاقتي موزعة بين عدة أشياء ،بين التفكير ،الدراسة ،الحب والعمل...
بصدق وبحقيقة ،لقد أخذ التفكير والحب أغلب طاقتي ،شيئ كان يشعرني بأني في عالم مختلف تماما ،
حاولت في تلك األيام أن انهي ما أقوم به ،أن اغير توازناتي اإلستراتيجية ،لم أستطع برغم األلم أن
اتخلى عن تلك المبادئ التي صنعتها لنفسي.
اليوم اصبح من المستحيل أن اتغير ،مهما كانت الظروف ،ألنني خضعت لظروف قاسية ،لم تحملني
على التخلي عن أفكاري.
أحيانا ال تجلب الحقيقة لنا السعادة ،ألن البعض منا ربط الحقيقة بمصالح القلب ،فالحقيقة ترتبط بالتاريخ
وبالعشوائية المقننة.
تكون أحيانا الح قيقة أمامنا ،لكننا ال نراها ،لم يستطع في تلك اللحظة العقل أن يهتدي إليها ،هنا كان
()41
وجود القلب ليوصلنا للحقيقة.
في آخر الليل عندما ينام الجميع ،عندما تهدأ المحركات ،واألالت ،اين اجد سكينتي ،أجد ذاك الهواء
الرائع يشعرنا بالراحة بالرغبة في التفكير .
تحدثت مع صديقي عبد هللا ناصر ،قال لي كما أنا قلت له بأ ني ال اشعر بطعم أي عمل أقوم به ،كنت
ايضا أحس بذاك الشعور ،ملل مسقم ،وشعور متواصل ،بالروتين ،روتين اذهب كل قدراتنا العقلية
والجسدية ،روتين استعبدنا .
في ميزانية سنة 2111وضعت الدولة 34دوالرا كسعر مرجعي لبرميل النفط ،الذي كان شريان
اإلقتصاد الوطني ،عندما نتحدث عن التقدم والتطور ،كنا دوما ننسى أساس هذا التقدم ،كعادتنا وكعادة
من لديه قصر النظر ،من اصاب العطب بصيرته ،كنا ال ننظر أبدا إلى ذاك األساس ،كنا ننظر إلى
ظاهر االش ياء ،كما كان الشيطان دوما يغرينا ،علماء قليلون من فهموا الدين اإلسالمي ،من أحسنوا فهم
مقصود القرآن الكريم في خضم العصور التي تلت الصحابة الكرام ،لطالما كان يدعونا لنحرر عقولنا ،
وليس لتحرير أجسادنا ،كان يدعونا لنتأمل ،لنفكر ،لنعمل ولنجتهد ،لنحافظ على الحياة والكون ،كانت
بالتأكيد هي دعوته ،ولطالما تخاذل الشعب في ذلك ،لطالما لم ينصتوا للقرضاوي ،وللغزالي لطالما
تجاهلوا علماءنا و مصلحينا ،لطالما فعلوا ذلك ،كالسفاح بدم بارد يردي ضحيته ...
أمامكم وأمام هذا العالم أقدم إعتذاري هلل سبحانه وتعالى ،إعتذاري لمحمد صلى هللا عليه وسلم ،بإيمان
صادق وقلب خاشع....
لقد دفعنا الثمن ،من دماء المسلمين ،من كرامة اإلسالم ،من سماحته من سموه ،من وقاره ...دفعنا مئة
سنة وأكثر من حياة هذه األمة ،دفعنا الثمن من ماليين الضحايا الذين سقطوا بال ذنب ...
ال تقولوا فات ال وقت ،أومازال لدينا متسع منه ،ال تخدعوا انفسكم بقول ذلك ،لكنه اآلن قد حان لنقم بما
يجب القيام به ...إن الوهن أصابنا في نخاع عظامنا ،لم يكن أبدا متمثال في شحوب على وجهنا أو على
جسدنا ،لم يكن إحمرار او إصفرار ،لم يكن من ذلك ابدا...
إن االرض حين ترانا تبك ي ،إن جبالنا تبكي ،أشجارنا سماءنا ،بحارنا ،وكل ذلك يبكي...يقولون جميعا
لنا حان الوقت ،ليقدم كل واحد منكم األفضل ،يقدم ما يستطيع لهذه االمة ،إن هانت على اإلنسان نفسه
فالبد أن ال يهون عليه وطنه أو تهون أمته ...
لنحاول وال يهم إن فشلنا ،نحاول اليوم وغدا ،نحاول في كل للحظة ،و بعد كل للحظة ،نحاول دوما بال
يأس أو تخاذل.
صحيح أننا لم نختار أي طريق فيما مضى ،ألننا ألزمنا ،لكن اليوم لكل واحد من خياره ،خلق حرا
ليختار ما يريد...
إن الفشل يخاف المحاولة ،إن اإلخفاق يهاب النجاح ،إن المستقبل يخاف من أحالمنا ،لقد أنتهى التسلط
انتهى غباءنا ،أنتهى سكوتنا ،أنتهى كل شيئ كان عائقا في وجهنا ...لقد جعلت هذه البلد منا إنسانا كامال
،إنسان يعيش حياته ،إنسان سيد لمصيره.
علينا أن ال نخذلها بقعودنا مكتوفي االيدي ،من النظر إلى السماء وإلقاء اللوم ،ال يوجد لنا اليوم أي مبرر
،عندما وضعت الجزائر 34دوالر سعرا مرجعيا لبرميل النفط ،كنت أنا قبل ثالثة سنوات وضعت زمنا
مرجعيا لعمري ،لقد كان أربعون سنة ...
أن اعيش اربعون سنة كان شيئا اكبر بكثير من أحالمي ،أل ني لم أكن احسب حياتي بالسنوات ،ال أدري
كالم آخر سوى اني أريد أن أرى علم وطني يرفرف في كل مكان ،أرى العالم يعيش ذاته واإلنسان يعيش
إنسانيته...
كنت فعال أحس بالملل ،طوال اليوم أمام التلفزيون ،أو الكمبيوتر أو نائما ،كانت بالفعل حياة ميتة ،
لطالما أردت أن تكون لي غرفة ومنزل صغير جميل ي طل على الجبال واالشجار ولي نافذة أرى منها
النجوم والقمر في الليل ،كنت أحلم بذلك ،أن تكون لي صبورة ،أدرس الرياضيات أغوص في ذاك
العالم االذي تجاوز مفهوم الحقيقة.
لطالما كان إسحاق نيوتن ،والخوارزمي ،ومن بقي يمثلون اإلنسان في حقيقته بوجوده ،بكينونته ...
لقد استعبدتنا اإلشتراكية ،وقسمتنا الرأسمالية إلى طبقات ،أفكار عقيمة ،جاءت من أعماق اإلنسان
الشريرة ،لم يكن اإلنسان شريرا بقدر ما كان الشيطان ،بقدر ما كانت صفات كالحسد ،كالمكر ،كالخداع
،كالضغينة ،كالغيرة ،هي من نشرت الشر في جسد اإلنسان...
تمنيت أن يكون الليل طويال حتى اعيش ذاتي ،حتى أجتمع مع نفسي ،حتى اخاطب جسدي ،حتى تهدأ
نفسي ،حتى تقوى عزيمتي ،حتى أتقدم نحو األمام ...
لم أكن شاعرا ،لم أكن أديبا ،لم أكن محاميا ،لم أكن مهندسا ،لم أكن ضابطا أو طيارا ،بل كنت دوما
إنسانا عاقال...
أؤمن بالحقيقة أيا كانت ،أكفر بالشيطان واتباعه ،لقد كنت اعيش تلك اللحظات األليمة ،إنها عالقة في
ذهني عندما ينفصل عقلي عن قلبي ،أفقد السيطرة ،لقد كان الشيطان عدوي والجهل كذلك ،كان العقل
صديقي ،لم أكن برغماتيا ،الغاية عندي لم تكن تبرر لي الوسيلة ،بل كانت مشروعية الوسيلة هي سبيلي
لتحقيق الغاية المشروعة ...
لست مستعدا ألي نكسة ،لست مستعدا تماما لها ،تساءلت يوما عن العدالة وهل يمكن أن تتحقق كما كان
الفاروق عمر عادال ،هل يمكن ذلك .
إن التناظر هو جزء من الطبيعة ،وما حدث قبل الف سنة سيحدث في هذه األلفية .يمكن أن يختبر إيماننا
،يمكن أن يسيطر الشر مدة من الزمن على المعمورة ،لكنه لن يدوم طويال ،ولو طال مئة سنة فإنه
سينتهي مهما كان الشر كبيرا ،مهما اتسع ،إال أن الخير أكبر وأوسع منه ...
إن الحقائق واضحة للجميع ،وإن كنا ال نؤمن بالحقيقة فذاك ليس لزيفها ،أو بطالن وجودها ،لكن ذلك
ألن مفاهيمنا خاطئة ،إدراكنا قاصر ،فإذا كان إيماننا بأن الغاية تبرر الوسيلة ،فهل نستطيع التمييز بين
الخير والشر ،بين الحق والباطل...
إذا انتهجنا اإلشتراكية ،أو الرأسمالية هل سندركها ال ،ال يمكن إدراك الحقيقة بوسائل باطلة ،هنا
التساؤل دوما ؟ !
ال نستطيع العودة للوراء ،لكن يمكننا السير نحو األمام ،لم يكن وجود العقيدة ،إال لحماية اإلنسان ،
إلضافة الكمال إلى تصرفاته ،ليس كماال فيزيقيا ،إنه كمال إنساني.
إن المفاهيم السياسية والعسكرية ،قبل أن تكون إختراعا إنسانيا هي شيئ موجود في الطبيعة ،كالحرب
والسالم ،كالديمقراطية والديكتاتورية...
أنا شخصيا ال أستطيع أن أقارن بين اإلنسان وبين ثروة تعادل األرض ،بذهبها وفضتها بكل ما فيها ،ال
أستطيع أن أقارن اإلنسان بسيارة فاخرة مصنوعة من الذهب الخالص ،ال أستطيع ذلك.
ال أستطيع أن أشير بأصابعي إلى اإلنسان وذاك الشيئ الجامد الذي ال يؤدي أي معنى غير انه جامد ،هل
()42
تستطيع أنت أن تقوم بذلك؟
كل ما أتمناه من الحياة السعادة ،أن تمتلئ قلوبنا بالفرحة وبالسعادة ،أن نعيش حياتنا كما يجب أن تكون ،
لم أكن رساما ،ولطالما لم أكن أتحصل على عالمات جيدة في الرسم،
لكني أردت أن أرسم حياتي ،أن أرسم بيتي ،أن أرسم واقعي ،أن أرسم كل شيئ يتعلق بالمستقبل ،لم
أشأ أن استورد للوحة فنية أوأن أشتريها من السوق...
أردت ولو لمرة في حياتي أن أرسم للوحة ،أدون فيها أضع فيها بصمتي الفنية ،أنظر للحياة من خاللها ،
أعيشها كما أريدها.
علينا أن نطلق العنان للعقل ،عليه أن يتحرر من كل األوهام ،على العقل أن يثور ،أن يحيا من جديد ،
آمنت به ألني أدرك وجوده في كل مكان...
كنت أتعلم من الحياة ،تجارب مهمة دوما كانت تضيف لي أشياء كثيرة ، ...كنت أنظر في األفق في
السماء ،لم أكن ارى سوى غيوم قاتمة ،لم أستطع أن أنظر خلفها ،لم أستطع ذلك بالفعل ...إن الوجود
الحسي ال معنى له ال يمثل أي حقيقة ؛ شيئ جامد ال يحمل أي قيمة ...
إني هنا أتحدث عن الوجود الروحي ،والوجود العقلي ،هنا أعتقد بإيمان راسخ ...أن الحياة لها معنى،
نحن ال نمثل سوى حلول لمعادلة الكون ،أحيانا يمثل الواحد منا حال جذريا للمعادلة ،يعني هذا أن ذاك
الحل موجود فعال ،سيؤدي إلى تحقق المعادلة...
مع تقدم الحياة ،مع كل يوم ينقضي ،ينقص عمرنا ،يزداد إدراكنا للحقائق ،يزداد فهمنا لها وهكذا ...ال
أدري لما أصبحت حياتنا عقيمة ،ال نؤدي أدوارنا كما ينبغي .ال أدري ما سيكون عليه العالم ،خالل
األيام والشهور القادمة أو حتى السنوات المقبلة...
ليس عندي أي تصور لذلك كله ،وكل ما أنا مؤمن به أني سأعمل جاهدا ألحقق ذاتي ،ألصنع الواقع الذي
رسمته على للوحتي...
أحالمنا لن تضيع ،وسط هذا الزحام ،لن تضيع أمالنا خلف جدران التخلف ،لن يقف العقل مكتوف
األيدي ،سيثور ضد كل ما هو غير صادق ،كل ماهو شيب.
في أي للحظة قاد مة ستنتهي الحضارة الفارغة ،الحضارة المبنية على الجماد ،ستنهار من أول هزة
لزلزال مدمر سيغير صورة هذا العالم ،ستبقى الحضارة المبنية على األخالق ،على الحب والتسامح ،
على الرفعة ،والسمو ،وأؤمن بأنها ستقوم من جديد ،ستكون أقوى من قبل...
إن اإليمان بحاجة دائما إلى التجدد ،حتى تستطيع الروح أن تشع طاقتها ،أن تقدم كل ما تستطيع ،أصبح
كل شيء يمر بتسارع مطرد ،يلمح بإنشطار سريع للعقل البشري..
ال أدري طبعا ما ستؤول إليه حياتي ،ال أدري تفكيري اين يتجه ،ال أدرك حقيقة ما أعانيه من آالالم
حقيقة ال ايقن أي شيئ آخر.
اطمح للتغيير ،أحاول الصمود امام العاصفة ،أحاول أن أتعايش مع الواقع ،أحاول جاهدا تحقيق تلك
األشياء ،أصبحت األفكار التي اؤمن بها أكسجين الحياة ال تستطيع دمائي أن تستغني عنها ...نبضات
قلبي تعزف ألحانها على أوتار تلك المبادئ .لن يتوقف أي شيئ سيستمر نحو األمام ،سنعيش بجد من أجل
()43
ما نريد ....
مع كل يوم يمر كنت ازداد تصميما على بلوغ الهدف ،كنت في نشوة من السعادة ،عندما أدركت أنه لم
ي بقى سوى اليسير من الوقت ألحقق اول حلم في حياتي ،كنت مستعدا ألي صدمة ،ألني كنت أؤمن باهلل ،
كنت صادقا مع هللا الذي وهبني كل شيئ ،أحمده حمدا يسع الكون كله شكرا له أل نه جعلني إنسانا ،عندما
نتخذ القرار في للحظة رائعة هناك ستبدأ الحياة الحقيقية ،إن وقوفنا أمام القدر يعني الكثير من االشياء لنا
..
أصبح العلم اساس حياتي ،أصبح كل شيئ أعيش من أجله واعيش له ،لم اعد إنسانا فارغا كما كنت ،لم
أعد من المغفلين ...أخترت العلم ليصلني باهلل ،ليصنع بيني وبينه طريقا مستقيما راسخا ال يتغير...
كنت أضحي بقليل من راحتي من أجل أن أحضر تلك المحاضرات القيمة في كلية الطب ،باألمس كنت
أستم ع بصدق وبتركيز متناهي ،كنت أفهم كل ما كان يقوله لنا ،كان االستاذ بوشارب يتحدث معنا بتلقائية
،يريد أن يقدم لنا ولو القليل ،كان يريد أن يحرك فينا ضمائرنا الجامدة كان يحكي لنا عن حياته مع
مرضى السرطان كنت أتألم ،كانت الدموع تنزل من جفوني ،كنت ألوم نفسي وأحدثها قائال ،لما ال تقدم
شيئا جيدا ،لما ال تنقض هؤالء الذين يتألمون ،الذين يعانون ال اقول من المرض ،لكن من إهمال
األطباء...
إن الماضي ذهب ولن يعود ،والحاضر هو أول باب لذاك المستقبل ،ال أعتقد بأنه سيكون ألمة ال تقدس
العلم أي مستقبل ،وجميعنا يعرف بأن أمة ال تحترم العلم ال تعيش حاضرا سعيدا ،ولينظر كل واحد منا
إلى األمم ،فهي كثيرة أمة تنحني أمام العلم تبجل العلماء ،وتحترمهم أين هي اآلن ،أنظر في السماء ،
تجدها نجما لماعا في أعلى السماء .
وأمم اخرى تحتقر العلماء ،تقدس المال ،تنكر العلم أين مكانها ،إنها هناك في ذيل العالم ،ال حاضر
تعيشه وال مستقبل ينتظرها.
كل شيئ حينما بدأ ،أنطلق من العلم ،حتى نشأة الكون جاءت من العلم ،فاهلل عليم بكل شيئ ،هو عالم
الغيوب ،سبحان هللا وبحمده ....علماءنا األوائل أدركوا الرسالة وفهموا مغزاها ،عملوا من أجل التعلم ،
عندما كانوا شبابا ،وبعد ذلك عندما أمسوا شيوخا ،لم يملوا يوما على التعلم ولم يقولوا اف للعلم...
أمست أيامنا ال تعد ،ساعاتنا ال تذكر ،كل شيئ اصبح يمر مسرعا كلمح بالبصر مرارة الحياة وآالمها ،
جمود أصابنا ،حياتنا اصبحت كلها مآسي ،لم يعد ما نتعلمه في ال جامعة يشبع رغبتي ،لقد أصبح شيئا
غريبا ،ال يرقى لنسميه علما.
نشأنا في مجتمع غريب ،ال يقدم لنا التحديات ،ال يثير في نفوسنا حب التطلع الفاق المستقبل ،مجتمع
منغلق على نفسه ،كبل العقل ،ودفن القلب واإلحساس ،مجتمع ليس ذاك الذي أراده ابن باديس
واإلبراهيمي ومالك بن نبي ؛ شباب أهدرت طاقته ،ال أحد يدعوه للعمل ،للتحرك ال أحد يدعونا لنستفيق
،يريدوننا أن نبقى مغفلين كما كانوا هم في تلك األيام.
ال أعلم إلى متى سنظل ننتقل من طريق إلى طريق ،واحدة تذهب بنا إلى الشرق واخرى تاخذنا إلى
()44
الغرب.
إن الحياة تحتقر ك ل من يهابها ،تذل كل إنسان جعلها مبتغاه ،وهي عكس ذلك تهاب من يتحداها ،تهاب
من لم تكن مبتغاه ،لقد غابت روح الوطنية عن أبناء هذا الوطن ،منذ أن استقلت الجزائر بدأت تلك الروح
الخفاقة في تناقص متسارع ،كان هناك الكثير من المظلومين من فئات هذا الشعب ،كنا مهمشين ،كنا
نعيش الفقر ،كانت تواجهنا التحديات والصعاب كانت أكبر من كل التصورات ،أشياء لو لم أكن عاقل
لقلت تلك من الخرافات...
ال أنزه هذه األمة ،ال أنزه هذا الشعب ،ال أنزه نفسي ،وأقول ال ذنب لنا ،أتينا إلى هذا العالم ،وليس لنا
ال حول والقوة...
أتحمل أ نا جزءا كبيرا من واقع الحياة الصعب أتحمل المسؤولية كاملة ،مسؤولية اإلحباط والفشل ،
مسؤولية الفقر والتخلف.
أؤمن باإلختالفات الحاصلة ،فهي ضرورة للكون ،لكن إيماني في إيطار العدالة والمساواة .إن أصحاب
القرار في كل بلد مسؤولون عن إثارة اإلحباط في أوساط المجتم ع يحبطوننا بأفكارهم الغبية ،وسياستهم
العمياء ،إن الكبار دوما كانوامثال أعلى للصغار...عندما يكون المثل األعلى سيئا ،بأخالقه ،غبيا
بطموحاته وأفكاره ،اليعمل جيدا ،ينهب ثروات األجيال ،يدمر مستقبل األمة...
بماذا سيظن الصغار ،فهم قدوتهم ،وهم دربهم ،هم أملهم المنشود...إن إيماني راسخ وحياتي متجددة،
()45
طموح اإلنسان ال ينكسر وأمله الينتهي.
ال أستطيع أن أعيش حياتي كما رسمتها في للوحتي ،وشعبي وأهلي وإخواني يعيشون اإلحباط ،أبكي
وأتألم عندما أرى اليأس متسم على وجوه أصدقائي ،وإخوتي يشكل جزءا من حاضر هذه األمة
العظيمة...
نحن من نصنع الطريق إلخواننا ،نحن من نصنع التحدي في نفوس المواطنين ،ال شيئ يشكل لنا تحديا ،
حتى أن نطأ أرض النجوم ،إن واقعنا اليدل إال عن أن الوقت حان ...
كل شيئ بأيدينا ،بإمكاننا أن نصنع المستقبل .إنطالقا من حاضرنا ،وتشبعا بماضينا وتاريخنا...
هل شعب الصين أحسن من هذا الشعب ،هل أمة اليابان ،أو كوريا أو سنغفورة ،هل الشعب األمريكي أو
البريطاني أو األلماني أو الهولندي أرقى من هذا الشعب...
الحقيقة هي أننا أرقى من الجميع ...نعيش بروح وجسد عقلنا خصب إذا أعطيناه اإلشارة ،ألرتفع بنا إلى
أعالي السماء...
إن بيننا عمل مشترك ،حاضر مشترك ،واقع مشترك ،مستقبل مشترك ،تاريخنا مشترك ،كفاحنا
مشترك ،دم مشترك ،ماذ يمكننا أن نسمي كل هذا ...هل نحن مجرد أصدقاء بإيمكاني التحدث ،بإمكاني ،
بإمكاني أن اقول دون تردد إننا اكثر من إخوة...
عندما نتحدث ع ن الشعب ،ال نقول فئات أو طبقات بل نقول أمة ،إنها أمة حقيقة رائعة ،لها ارض ،لها
تاريخ ،لها دستور ،لها مبادئ .
ال تستطيع الحكومة أن تصنع كل شيئ لهذا الشعب ،الحكومة ما هي إال مجرد راع وحامي لهذا الشعب.
تستطيع أن تقوم بواجبها ،أن توفر للشعب السكن والماء والتعليم والعناية الطبية ،وأن تحمي المواطنين
وتسهل لهم حياتهم...
إن الحكومة تشيد ،تبني المراكز ،الطرقات ،تسهل الحركة وتحاول تحسين المستوى المعيشي...
ليس بإمكانها أن تزرع ،أو تحصد ال تستطيع أن تقوم بالصناعة والتجارة واإلستثمار ،اليمكنها اإلنتاج ،
اإلبداع واإلبتكار...التستطيع بالتأكيد ذلك.
إن الشعب واجبه العمل ،واجبه النضال من أجل بناء المستقبل ،إذا كنا نناضل من أجل أنفسنا فال داعي
لذلك ،ألنه إهدار للطاقات ،إهدار للزمن ،إهدار آلمالنا بإمكان هذا الشعب أن يصنع الفارق ،ليست
أحالم عبثية أو آمال ميتافيزيقية ،إنها حقيقة تتجسد...
أقولها بصدق منقطع النظير ،التستطيع حكومة أي شعب أن تفكر في مكان شعبها ،الشعب هو من يفكر ،
هو من يصنع اماله ومستقبله الحكومة مجرد حارس للدستور مجرد حامي للنهضة الوطنية ال هذا وال
ذاك...
أنا ال ألوم ذاك الفالح البسيط ،ال ألوم ذاك العامل المسكين ،ال ألوم أحدا ليس من يملك مليار دينار يؤسس
شركة ،أغلب المستثمرين يؤسسون شركات لإلستيراد ،علينا أن ننتج ،علينا أن نغير الواقع بتغيير
عقليتنا ،بناء اإلقتصاد الوطني يحتاج لعقل حكيم ،وليس في حاجة لشهوة قلب ،يحاول أن يحقق عوائد
كبيرة في فترة قصيرة...
إن الخلل نابع من تلك األسرة ،نابع من تلك العقول المغلقة ...علينا أن ال نقول لدينا كفاءات تعمل في
الخارج ،فهذا مجرد إستسالم للواقع ،إن قوتنا كلها هنا في هذا البلد ،قوة البلد ليست خارج حدوده إنما
هي داخل تلك الحدود.
ليس من يجوع أو يع رى ،ليس من يتألم ،يخرج للشارع ،يحرق السيارات ويدمر المباني ،أو يخرب
الممتلكات ،إن جميع ما هو موجود ليس ملكا لنا فحسب ،هو ملك ألجيالنا القادمة...
إذا بدأنا من الصفر ،ووصلنا إلى درجة ما ،لما نقوم بهدم كل ما بنيناه ،لما نرغم أبناءنا على البدء من
الصف ر ،إنه حكم غير عادل ،إنه حكم جائر وطاغي ،لما نريد لألجيال أن تبدأ من الصفر...
من غير المعقول أن نقوم بذلك ونحن موهومين بأننا قدمنا األفضل ...ما دام هذا البلد ال يتحرك ،فنحن لم
نقدم شيئا ...اإلنسان سيجني ما زرع أوما زرعه أباءه وأجداده ،واألبناء كذلك واألحفاد...
إن المنطق اليبرر لنا أن نستورد غذاءنا وكسائنا ،فهو يبرر لنا أن ننتج ذاك الغذاء والكساء .نحن في أمس
الحاجة لسواعدنا ،لطاقتنا وقدراتنا ...
إذا حاولنا فعال التجديد ،فليس من المعقول أن نقوم بطالء الواقع ،ومحاولة ترقيع الشيئ كما عهدنا دوما
في السياسة...
علينا أن نغير داخلنا ،ونجددها ،نلغي عقليتنا القديمة الفاشلة التي أصبحت عتيقة وعلينا إعادة البرمجة ،
باستعمال للغة منطقية سهلة ،للغة قاعدية ،ليس بإستعمال الباسكال أو الجافا...
واجب هذه الحكومة أن تعطي الفرصة لنا ،كما أعطتها ألولئك االغبياء ،تجار حمقى ،حتى التجارة
ي كمواطن أن أقبل بتقديم أموال الشعب لتلك المؤسسات الخارجية تدخل فيها الوطنية ،ليس من السهل عل َّ
،مقابل خدمة ال ترقى ألن تكون كذلك ...أقصد ال ينبغي أن نستورد أي شئ وباي ثمن ال نترك لآلخر
حرية التصرف حسب ما يهوى.
بإمكاننا أن نصنع الطائرات والسيارات ،أن نصنع الحاسبات اإللكترونية والهواتف المتطورة ،بإمكاننا
أن نتداول في البورصة ونوسع اإلستثمار...
لن تستعصي علينا هذه التفاهات أيا كانت صورتها أو درجة تقنيتها وتعقيداتها ،دوما أكرر وأقول ليست
هذه أحالم عبثية أو أحالم شاب طائش.
العلم هو من يصن ع الثروة ،يصنع المال يصنع الطاقة ويصنع المستقبل...العلم ليس تجميال للحياة ،بل هو
صناعة لها ،هو اساس للحياة...
بالعلم واإلرادة يمكننا إحداث التغيير ،والفارق سيظهر عما قريب ،بالعلم نستطيع أن نفصل األنوية ،أو
أن ندمج بينهما ،بإمكاننا أن نحدث فارقا في الطب دولة وشعب يصنع الدواء ويعالج المرض ،ال
يرقعه...
إن كافة االشياء مترابطة ،إذا قررنا فقط أن نقوم ،سيكون لنا ذلك بالصناعة والزراعة ،بالطب ،
باإلعالم والثقافة ... ،سنتقدم نحو األمام...
إن نهضتنا ال بد أن تكون شيئا فريدا من نوعه حتى يمكن أن نحقق الهدف ،الغرب والشرق االدنى ،
انصب تركيزهم على الجسد ،نعم طوروا الجسد والمادة لكنها نهضة جوفاء ما تنفك حتى تهوي.
فنحن نهضتنا يجب أن تكون مبنية على الروح والجسد حتى يمكننا البقاء في هذا العالم المتغير ،إذا لم نقم
بالخطوة اليوم ،فلن يحالفنا الحظ يوما آخر ،فحينها ستكون الحضارة أنهارت على نفسها وانهارت
علينا...
إذا طرح اإلنسان سؤاال ،مالحل ،مالسبيل لنحقق شيئا في الحياة ،إن الجواب سهل وممكن واقعي
وحقيقي ،إنه العمل.
العمل الصالح ،والعمل الشريف ،ايا كان هذا العمل ،إذا لم يكن هناك مقابل له ، ،مالذي يجعلنا نتخذ
قرار ،دون أن ندرك مسبقا أو حتى نتصور عواقب ذاك القرار...في هذه اللحظات ،كنت تائها ،كنت
كالغريب في البالد البعيدة ،كنت متوترا بعض الشيئ ،ال أدري ماذا سأفعل.
في تلك الليالي الجميلة ،عندما كنت أنظر للسماء ،كان القمر يطل بوجهه الناصع ،كان صديقي الوحيد
)(46
الذي أسهر معه ،الذي أبوح له بخواطري كنت أخبره بكل شيئ.
مع كل يوم كان يمر ،كنت أزداد علما ،أزداد يقينا ،بمعنى الحب في الحياة لطالما مثل لي حلم رائع في
حياتي كلها ،لم أكن أتصور حياتي كيف يمكن أن تكون أو إلى ما ستؤول دون شعور بالحب ،حب الحياة ،
حب الوطن ،حب اآلخرين ،مع كل ذلك كان هناك حبا أقوى من الجميع ،شيئ يضيف الكثير للكائن
العاقل ،يرفع معنوياته ،ينير له طريقه ويحيي داخل اإلنسان األمل والطموح وحب المستقبل...ال أريد
بذاتي لنفسي أي شيئ ،ما أطمح إليه هو من أجل ابنائي ،أن أصنع ألبنائي ولألجيال مستقبال مشرقا...
قرأت ذات يوم بعض األفكار العلمية ،عن هذا الكون المذهل والمعجز ،ليس بالعلم وحده نعرف الحقيقة،
ليس بالحدس أيضا ،كال األشياء سيصل إلى ما نسميها بالحقيقة...
في عالم الحقيقة ،كل االشياء واضحة وملموسة ،ووجود الكون كحقيقة يكفينا لنتحدث عن أن كل ما
الينتمي لواقع الكون ،أو غير خاضع لقوانينه ،اليعتبر حقيقة ،إنه مجرد شيئ غير موجود ،ال في عالم
الفيزيقا أو هناك في جو الميتافيزيقا...
إن ظواهر الكون ،تسير بإحكام وبدقة بالغة ،ال يستطيع اإلنسان تغيير الحقيقة ...اؤمن بوجود هللا ،أؤمن
بوحدان ية هللا ،أؤمن بالرساالت السماوية ،أؤمن باألنبياء والرسل ،وإيماني بهم حقيقة راسخة ال يمكن أن
تتغير.
في للحظات الغضب ،في ساعة من التوتر المفرط واإلضطراب ،أحتوي الموقف ،أحاول السيطرة على
الوضع ،ألجنب من حولي أثار ذاك الغضب.
إن الكون إحتوى أخطاءنا ،فأ خطاءنا لن تؤثر على أشياء خارج هذا الكون ...
هناك مفاهيم متشابكة تفسر عالقة الكون بمختلف مركباته ومكوناته ،أعتقد من خالل فكرة اإلحتواء ،أن
إنهيار الكون أو تطور الكون ليس خاضع ألي مؤثر خارجي ،يمارس ضغوطات معينة ،تفرض
ترتيبات جديدة للكون...
إن عملية الت طور نابعة من داخل الكون ،من خالل تمايز عناصره وتناغمها من خالل تفاعل جميع تلك
المركبات فيما بينها...
إن قضية إنهيار الكون ،مرتبطة أساسا بإنهيار المصفوفة الكونية ،بسبب إنهيار عناصرها الرئيسية أو
الفاعلة...
هناك تفسيرات في هذا المجال ،تشرح بتفصيل أدق جميع تلك األشياء ...ال أدري إذا ما كان هناك من
يتفق معي في أفكاري اإلنسانية الواضحة في كل ثنايا هذا الكتاب...
إنه واضح وجلي لنا أن كل إنسان له دور خلق من أجله ،بإنتهاء دور اإل نسان في هذا العالم ،سيرحل عنه
ألنه ال يوجد مبرر إلستمراره .إن تلك المصفوفة ال زمنية المتغيرة ،مكونة من متغير زمني ،ومكاني و
ثابت.
أريد أن أصيح بأعلى صوتي ،في هذه اللحظة ،اصيح وأقول أنا احب تلك الفتاة ،أريد أن يسمعني الجميع
،أريد أن أحرر كل ما بداخلي من توتر وشعور بالضعف ،وشعور القلق...
أنا أنتظر وصبري الطويل ،وحياتي بحلوها ومرها ،أنتظر أن يحين الوقت ألخبرها بالحقيقة ،التي ربما
ال تعرفها ،أو حتى ال تعيها ،حقيقة الحب ،حقيقة سنين طويلة من عمري ذهبت وأنا ال أدري أين أنا ،ال
أدري هل هي الصحراء الكبرى ،هل سيبيريا ،أم هي صحراء نيفادا...
كم كانت سعادتي ،كم كانت تلك الدموع الغ الية ،كم كان مدى إحساسي هناك أين أجلس ،أنظر أتأمل ،
إلى تلك الطبيعة الرائعة ،تلك المروج الخضراء ،تلك الجبال الشامخة ،رمز العظمة والكبرياء ،كم
كانت أمنيتي أن يكون لي منزل صغير يطل على النهر ،على الجبال والغابات ،يذكرني بأصل في
األرض مترسخ.
إن كل ما أ عانيه كإنسان ،ليس له عالقة بواقع مرير ،أو حياة صعبة ،بقدر ماهو نابع من قلب متعطش
لألمل ،للحياة ،قلب اشتاق للحب.
أحيانا من الوقت ينتابني شعورا بتجمد عقلي ،يمنعني من الكتابة يحرمني من التفكير بسالسة بمنطق
رياضي وبعقالنية واضحة.
بغض النظر عن كل ما قدمته لي الجزائر ،أحبها بغيرة شديدة ،أحبها ألني وجدت في أرضها المرأة التي
أحببتها ،التي أنزلت من جفوني دموع كثيرة ،التي اشتقت إليها ،وتمنيتها من أعماق كياني ،وذاتي
البسيطة التواقة لألمل .
ال أدري ما رأي المجتمع في كل ما كتبته ،ال أدري إن كانت التقاليد واالعراف تمنع اإلنسان من الحب ،
هل هناك شك في مشروعية الحب النبيل والحقيقي...ال أعتقد ذلك ،في كل الحاالت.
إن مشروعية الوسيلة هي السبيل لتحقيق تلك الغاية المشروعة ...برغم ما أكنه لهذا الشعب ،ولهاته األمة
،ال يستطيع القلم أن يعبر عن قلبي التستطيع عينايا أن تشرح كم هو غال بالنسبة لي...
لكن بيني وبين هذا الشعب سوء تفاهم وحيد ...لطالما التمسته في حياتي كلها ،هل هذا الشعب يعطيني
)(47
الحق في الحب أم ال ،هذا فقط مالم أفهمه منه.
أحيانا ينتاب اإلنسان شعور غريب ،عندما يريد البكاء ،فال يستطيع ،إذا اراد أن يضحك أو يفرح فإنه
اليقدر ،إذا أراد الحزن ،ال يمكنه ذلك ،وإذا أراد أن يمأل الكون نشوة وسعادة يعجز عن فعل ذلك.
إنها حياة صعبة ،تفقد أحيانا معناها .ال أدري مالسبب ليكون لإلنسان قلب ،ال أدري لماذا أكره الكراهية
،أكره الياس ،أكره الفشل ،أحب السعادة ،أحب األخوة ،واحب الصداقة ،أحب اإلنسان ،أحبه كثيرا
أيا كان هذا اإلنسان ،ايا كان هذا البشر ،أيا كان.
كنت أعلم متى يغضب عقلي ،كنت أعلم متى يغضب قلبي ،كنت أعلم كل ذلك ،كان يحس عقلي
بالغضب ،عندما أجده ساكنا جامدا ،دينامكيته أصبحت مثبطة ،حالته أصبحت متوقفة يفقد الكثير من
الطاقة ،دون أن يستغلها ،دون أن يستفيد منها ...
أفقد معنى حياتي ،عندما يتوقف عقلي عن التفكير ،أريده شابا طول األيام ،أريده قويا في سائر األوقات ،
أريده أن يكون معي في كل موقف ...
ما أكثر األحزان في هاته االيام ،ال يدرك الحزن أو يحس به إال من يفكر ،إال من حاول أن يصرف
الرجس عن قلبه ،وما قلة االفراح في الدنيا ،سوى خير دليل على أنها ال تساوي جناح بعوضة ،فكيف
هي عند هللا ،وكيف هي عندنا ،ال تعادل الدنيا كلها مثقال ذرة من حزن ،يشعر بها اإلنسان في حياته...
لو حاول اإلنسان منا أن ينظر إلى اآلخرين بحب ،وبحنان ،وعطف اإلنسان ،لما نظر إلى أخطاءهم ،
ولما رأى عيوبهم ،ولما أدرك منهم سوى الخير والتسامح...
ال يوجد في الحياة ،من يحرمني اإلنسانية ،من يحرمني ذاتي ،وحياتي ،ما الذي يشكل لإلنسان تحديا
في هاته الحياة ،أي األحالم التي لن تتحقق ...
ما هي درجة وثوقنا في أحالمنا؟ وفي قدرة الذات اإلنسانية على المغامرة بإستقرارها لمحاولة تحقيق تلك
األحالم أو الغايات.
ليس عندي أدنى شك في حقيقة األحالم ،ما أعنيه أن وجود االحالم ليست صدفة وليس شيئا تقليديا يستقر
في أرجاء المصفوفة الكونية...
هناك ت رابط رياضي بين الواقع الذي نعيشه ،والذي نراه مع كل يوم تطل فيه الشمس ،وبين عالم ال نراه
،فاعتبرناه عالما خياليا ،هو بعيد كل البعد عن وصف الحقيقة...
هناك مفهوم قائم ،يفسر الحقيقة ،بأنها ليست فقط ما نراه في سائر أيامنا ،الحقيقة تكون غير مرئية ،
وأغلب الحقائق مجهولة بالنسبة لنا ،وجهل الشيئ ال يعني إنعدامه أو عدم وجوده في األساس.
علينا أن نسلم بهذا أو ذاك ،وعلينا اإليمان بأن هناك حقائق غير مرئية لنا ،أدت بنا إلى معرفة أشياء
)(48
مرئية أشياء نسميها واقعا في للغة الواقعيين.
شيئ غريب يحدث في المجتمع ،م رض خبيث تجلت لنا مالمحه مع كل موقف صعب يمتحن قدرة
اإلنسان على التحمل ،على التعامل مع كل المواقف التي تواجه اإلنسان ،لست طبيبا ألشخص المرض ،
لست عالما بما يحدث ،لكني ادرك جيدا ،وايقن أن ما يحدث في المجتمع اإلسالمي يدل على تناقض ،
وصراع خطير داخل عقل اإل نسان الذي ينتمي إلى هذا المجتمع...
لقد استغرقت الحضارة األوروبية المعتمدة في أساسها على المادة ،وقتا قارب القرن من الزمن ،قبل أن
تبدأ اثار تلك الحضارة تظهر على مالمح المجتمع االمريكي والفرنسي والبريطاني ،تفسخ االسرة ،
إ نتشار الجريمة ،األمراض الخطيرة ال تي كان السبب الوحيد وراءها هو غياب العالج الروحي.
ال أدري ،ال أستطيع أن اصور ما يعانيه المجتمع اإلسالمي ،في عصر العولمة وفي ظرف عشرين سنة
فقط بدأ يحدث التفسخ االسري ،تفسخ في المجتمع اإلسالمي ،والسبب هو نفسه ،هو التوجه نحو عالم
المادة ،المال والسلطة والنفوذ .إن البعد عن الدين الذي هو العالج الوحيد للروح اإلنسانية هو الدواء
للشر اإلنساني ،كان سببا وحيدا لحدوث التفسخ ،وكل واحد منا يعي ما خطورة وآثار التفسخ.
كما تحدثت دوما أصور اإلنسان ليس مجرد أنسجة وأعضاء ،ليس مجرد دماء وخاليا وهرمونات
وبروتينات ؛ اإلنسان هو جسد بروح ،عقل وقلب ،سعادة وحزن ،فرحة وتعاسة ؛ إن اإلنسان ال يدرك
معنى حياته ،فإدراكه لذلك المعنى سيجعله يفكر كثيرا في واقعه أين ينتمي في هذه المجموعة.
إن العبادة جزء هام من وظيفة اإلنسان والعمل كذلك ،أعتقد إعتقادا راسخا بأن وظيفة أي فرد منا
مرسومة بشكل عام وشامل ،أي العبادة عبادة هللا و معصية الشيطان.
هناك أزمة مست الفكر البشري ،واعني هنا اإلنسان المسلم ،أول سبب لتلك األزمة كان انخداعنا
بالفلسفة ال يونانية الفارغة والمعتقدات اإلغريقية التي عمد المسلمون قديما إلى ترجمتها على العربية...
من هناك بدأت مرحلة األزمة ،ولَّدت إنزالق فكري شامل ،ودعم نقص اليقين وكثرة الشبهات ذلك
اإلنهيار.
إن المصفوفة الكونية مبنية على مبادئ معقدة في الرياضيات ،لم يستطع علماء الرياضيات والفيزياء
وعلوم الطبيعة أن يصيغوا تلك المعادالت وتلك األنظمة الرياضية.
هناك في العالم مصفوفة للمجتمع األوروبي ،وأخرى للمجتمع األمريكي ،والمجتمع اإلسالمي ،
والمجتمع االسيوي واإلفريقي.
هناك رابط مشترك بين كافة المصفوفات ،يتعلق في األساس ويتمثل في اإلنسان بجميع مكوناته األساسية
أقصد العقل والقلب.
بنيت المصفوفة األوروبية واألمريكية واألسيوية على نظام المنطق الواقعي ،وتم فصل الروح والعقل
والقلب والجسد ،باألحرى تم إلغاء الروح من تلك المصفوفة ،ما هو معروف في كل مراحل التطور هو
وجود حقيقة التوسع أي تضخم المصفوفة ،إن إستمرار إتساع المصفوفة مرتبط بالوقت أو متعلق بثابت
زمني.
إن تماسك مكونات المادة ،شرط أساسي إلستقرارها ووجودها في حالتها الظاهرة ،في تلك المصفوفة
هناك خلل في ذلك النظام ،خلل نجم عن إلغاء أحد مكوناتها وهي الروح ،لن تنهار تلك المصفوفة ،إال في
اللحظة التي تكون هي بحاجة إلى ذاك العضو أو العنصر في الطبيعة .عند تحقق ذلك الشرط ستنهار تلك
المصفوفة بكاملها.
عندما نتحدث عن المجتمع اإلسالمي ،مجتمع كيف يجب أن يكون ،وكيف هو موجود ،تلك أحد أغرب
المصفوفات التي صادفتها في حياتي ،مصفوفة منهارة على نفسها ،مبنية على مبادئ خاطئة ،أقصد
مبادئ في الرياضيات ،كل القوانين التي تحكم تلك المصفوفة ال يعترف العقل الرياضي بوجودها .
ال أهتم كثيرا بالمجتمعات الغربية ،ال أهتم كثيرا باإلنسان األوروبي او األسيوي أو األمريكي ،ما كنت
أفكر فيه دوما يتعلق بالمجتمع اإلسالمي ،اإلنسان المسلم...
ألن المصفوفة الكونية مبنية عليه ،هناك أمر أكيد أن المصفوفة الكونية ستنهار في النهاية في هذه الحالة
سيكون اإلنهيار مسألة حتمية وسبب ذلك هو غياب المصفوفة الصحيحة.
ما أ ريد قصده هو أن المصفوفة الكونية عبارة عن ترابط مجموعة من المصفوفات الصغيرة ،مترابطة
)(49
فيما بينها من خالل عالقة تكاملية وإلزامية.
نحن من نصنع القدر وليس القدر من يصنعنا ،تكون هذه الفكرة صحيحة في وجود شروط واقعية ومنطقية
واضحة.
يمكن تغيير كل شيئ يتعلق بالعالم الذي نعيش فيه ،ال يمكننا إطالقا ومهما سنحت لنا الظروف لن نستطيع
أن نفسر كل ما يتعلق بواقعنا وبمستقبلنا أو حياتنا ،ال نستطيع أن نفسر ما الذي يجري ،أو تفسير
األحداث التي تمر علينا في حياتنا.
َّ
لن نتمكن من فهم كل ذلك ،إال بعد وقت أيا كان طوله ،قصير أو طويل ربما لو دونا األحداث كلها ،ربما
لو أهتم أبناءنا و أحفادنا بالتاريخ ،ربما ألدركوا الحقيقة وربما استطاع الحفيد أن يفسر حياة جده ؛ أهم
المنعطفات في حياته ،فكره ،عقليته ،شعوره ،إحساسه ،وعالقة كل ذلك بهذا الحفيد أو ذاك ،في مرة
أكرر ما قلته دوما ،بأن األحداث مترابطة ومتشابكة ،إن عشوائيتها تصنع تاريخ اإلنسان والشعوب وهذا
العالم وحتى هذا الكون .ينتابني إحساس بالعجز بعدم القدرة ،بالفشل أحيانا ،فال يمكنني تخيل أي شيئ
يخص التاريخ .
ال نستطيع التنبؤ بالزلزال ،بالفيضانات ،ال نستطيع توقع ساعة الوفاة ،أو للحظة الميالد ،ال يمكن
معرفة بدقة حالة الطقس ،بصراحة أكثر ال يمكننا أن نتصور ،أو أن نتخيل ماذا سيحدث غدا.
أريد أن اعبر بصراحة وبوضوح عن ما أريد ،وأريد اآلخرين أن يتحدثوا أن يعبروا عن رغباتهم عن
طلباتهم ،يعبروا عن شعورهم وإحساسهم.
لما نكتم ما نحس به ،لما نضغط على أنفسنا ،كل شيئ سيتغير في تلك اللحظة لنستمع لآلخرين ولنقدر
مواقفهم ،ولنحاول أن نحس بما يعيشون ،وحينها سيسمعنا الناس وسيفهموننا ،كما نحن فهمنا اآلخرين .
في مثل هذا اليوم حدث شيء سيبقى في التاريخ ،كما كنت دوما أقول إن القضية ايا كانت هي مسألة وقت
،وكما بدأ اإلنسان سينتهي ،لقد استطاع الشع ب التونسي ان يرغم الرئيس على التنحي عن السلطة ،إقالة
الحكومة وتنحي الرئيس زين العابدين بن علي ،وكأن ذلك درس في التاريخ تاريخ يعيد نفسه ،ال
استطيع سوى أن أقول أن ما عاناه الشعب التونسي من خنق ،من تقييد ،من حرمان ،من ضغط نفسي
رهيب مارسته السلطة أوصل البالد إلى نقطة إنفجر خاللها كل شيئ.
في كل بلد وفي كل عالم ،في كل عصر يجب أن تكون هناك فترة تطهير ،شيئ قائم في التاريخ ،في
الجزائر ،في أمريكا ،في فرنسا ،في جنوب إفريقيا في إيران ،إلى غير ذلك .فترة صعبة ،فترة مؤلمة
،قاسية جدا على الشعب واألمة .
بعد كل تلك المآسي التي عانها الشعب الجزائري ،إستعمار مدمر نهب خيرات األمة واألجيال ،استنزف
طاقات الوطن ،ثم فترة قاسية ،فتنة شهدتها األمة ،امتحنت هذا الشعب ،امتحنت شدة صبره وتحمله ،
وحدة صفه وتراص بنيانه ،وبعد كل ذلك تجلت لألمة مالمح النور ،إنها خيوط الفجر ،لقد أشرقت شمس
الحياة بعدما شك الشعب في وجوده .
يجب أن نحترم أنفسنا أوال ،وفي تلك اللحظة سنحظى بإحترام كل األجيال وبإحترام الشعوب .إن بالدنا
تنتظر رد الجميل ،تنتظر أن نقوم بما علينا كشعب ،علينا أن نعمل بجد وإخالص وبوفاء في سبيل هذا
الوطن.
نحن جميعا حتى هذه اللحظة ،لم نقدم شيئا للوطن ،كشاب كمواطن أقدم إحترامي للدولة الجزائرية
لحكومتها ولقيادتها.
لقد قدمت الدولة كل ما هي قادرة عليه ،لقد أعادت تشييد البنية التحتية ،بناء المدارس والمستشفيات ،
الطرقات ،السدود ،اإلستثمار في التعليم وفي التكوين ،د عمت الفالحة والتجارة والصناعة ،وكل ذلك في
)(50
إيطار القانون ،ال تستطيع الدولة أن تفعل كل شيئ وهذا هو رأيي الشخصي.
اشتاق كثيرا لجو هادئ ،هناك أمام البحر أو هناك فوق الصخرة في قمة الجبل أو في حديقة جميلة ...كل
يوم كان يمر كنت في أمس الحاجة لذاك العالم ا لرائع ،سئمت كثيرا من الفوضى من الصراخ من األزيز ،
والهدير ،سئمت وهللا ومن كل شيئ عكر علي صفوتي واستقرار المزاج.
أسبوعان كامالن كأنهما كابوس مفزع ومزعج ،لقد انهارت معنوياتي وتقوضت عزيمتي .لست أدري ،
ما الذي يجري ،أمسيت عاجزا غير قادر على المواصلة ،غير قادر على التفكير ،فهو ثروتي الوحيدة
التي أملكها ،ال أملك أية سعادة ،حتى الفرحة الوحيدة ،حتى اإلنسانة الوحيدة التي أحببتها والتي تمنيت
أن تكون معي ،حلمت أن اعيش معها ما تبقى من حياتي ،لم استطع الوصول إليها ،وليتصور اإلنسان
عندما يفقد كل اسباب السعادة في حياته.
لم أكن أحلم بالمال وما كان سيصنع فارقا في حياتي ،مهما كسبت من مال ومهما بلغت ثروتي لن استطيع
أن أحقق بهما ما أتمناه في حياتي.
ال دري في هاته اللحظة ،فكرت ما سيكون رد تلك اإلنسانة إذا اخبرتها اني أحبها ما سيكون تصرفها إذا
عرفت الحقيقة ،هل ستطردني عندما أطرق باب حياتها ،هل سيكون لها تصرف آخر ،ال أدري وال
أعلم.
هل يدرك اإلنسان ،هل تدرك أنت ما تعنيه الدموع ،ما يعنيه بالنسبة لهؤالء البشر ،إحساس اإلنسان بأنه
مسؤول ،يعني إحساسه باأللم ،يعني الشعور بالضغوط ،الشعور باأللم الجارح بمرارة الحياة ،بغموض
كل شيئ من حولنا ...
ال أدري متى ستشرق الشمس ،ال أدري متى تزول الغيوم ،متى تزرق السماء .اإلنسان ليس شيئا عاديا
،أو كائنا عاديا ،اإلنسان هو حقيقة ،هو شعور هو إحساس ،هو ألم وسعادة ،بكاء وفرحة ،اإلنسان هو
)(51
روح وجسد...
ما هو رأي اإلنسان في العدالة ،ما هو تصوره ،وما هو تفكيره ،وكيف يكون تفاعله عندما نتحدث عن
العدالة...
ال تهمني كثيرا العدالة الفارغة ،وكل ما أهتم به هو العدالة في الكون ،قد يستفسر البعض قد يغضب
اآلخرون ،قد ال يصدق معظم الناس بأن في الكون عدالة ...هناك في الرياضيات عندما نبحث ،نجد
مفهوم التكافؤ ،تساوي مقدارين يعطينا تكافؤ معين ،إن شرط ومبرر صحة المعادلة الرياضية هو تكافؤ
أو بمعنى تعادل أطرافها ،لن تكون هناك معادلة صحيحة ...دون تساوي مقاديرها.
عندما نتطرق في البحث للحديث عن المصفوفة الكونية ،نجد أن شرط صحتها هو التعادل ،إن التعادل
هو القوة الوحيدة التي تضمن اإلستقرار والتوازن في الكون والمجرة.
هناك تغير منطقي ورياضي سواء كان واضح أو غامض أو مجهول لكل ما يحدث في الواقع ،كل
األحداث الزمنية والمكانية خاضعة لحقيقة عقالنية ومنطقية متماسكة ،إن الحدث يعبر عنه بإحداثيات
المكان والزمان للتعبير عن الحدث أيا كان .
إن العدالة في الكون تعني أن يكون لإلنسان حقوق وواجبات ،تتعلق تلك الحقوق والواجبات بطبيعة
اإلنسان ،بواقع هذا الكائن من جوانب مختلفة .
إن حقيقة وجودك في هذا الكون هي عدالة إلهية ،إن بقاءك حيا حتى هذه اللحظة هو عدالة ،إن الواقع هو
عدالة .
لإلنسان عقل يفكر به ،وقلب يدرك به ،وحواس لإلستشعار وتنفيذ كل ما تتطلبه منا الحياة كل شيئ في
الكون له مقدار خاص ال ينقص أو يزيد.
قد تلف طعما بصنارة ،ترمي بها في البحر ،فتحصل على سمكة ضخمة ،أو تحاول مرات عدة حتى
حتى تصطاد سمكا وفيرا.
قد تأخذ فأسا ،قد تذهب هناك على الغابة ،قد تجلب حطبا ،فتصنع منه سفينة أو زورقا صغيرا ،قد تزرع
قمحا أو تغرس شجرا ،قد تبني بيتا أو تبيع لبنا ،في تلك اللحظة ما لذي يمكن قوله ،هل هناك عدالة في
الكون ....
ذلك ال يحتاج إلى تفسير ،وال يحتاج أي مفهوم ،فالعدالة قائمة منذ أن قامت السموات واألرض ،إن
إيماني بالعدالة ليس نابعا من أفكار مكتسبة ،بل أفكار فطرية أؤمن بها ،لو غابت العدالة في داخل الجسم
العضوي ،ألضطربت وظائف األعضاء ،الضطربت بذلك حياة اإلنسان ومن معه.
إن العدالة في المجتمع ،اإلنسان هو من يصنعها ،عندما يكون عادال مع نفسه عندما يكون عادال مع
اآلخرين عندما يكون متمسكا بأعراف العدالة والمساواة ،ال تستطيع العدالة أن تساوي بين عامل وخامل
لكنها تساوي في الحقوق العامة والواجبات بين الجميع ،حق المسكن ،حق التعليم ،حق الرعاية ،حق
الحماية ...
إ ن األرزاق ليست متساوية ،ولن تكون كذلك فحظ الطائر في السماء ليس كنصيب الفهد في البراري ...
عندما ننظر إلى أنفسنا ،عندما تتأمل جيدا فيما عندك ،تعجز عن التحرك ،ستعجز عن وصف مقدار
)(52
العدالة.
هناك في حياتي الكثير من المواقف ،التي لم أستطع ان اواجهها ،دوما في حياتي لم تكن لدي القدرة
ألشرح لآلخرين الظروف ،ألقنعهم بأسباب فشلي ألبين لهم وجهة نظري ،كنت دوما صامتا ال أستطيع
النطق ،ليس عجزا ليس فشال لكن لعدم تمكني من إيصال الرسالة ،لعدم تمكني من أدوات الحوار التي
افتقدتها لتسعة سنوات متواصلة...
لم أجد طوا ل سبعة سنوات من حياتي صديقا وفيا أتحدث معه ،سوى تلك األوراق وذاك القلم ،كنت
أستطيع بالكتابة أن أقنع كل شخص ،لكن بالكالم لم يكن أي شخص آخريستطيع فهمي...
لم أستطع التواصل مع أستاذتي ،كنت متألما كثيرا لذلك .كنت دوما اتساءل إن جاءت للحظة اللقاء ماذا
يمكنني القول للفتاة التي أحبها ،كيف أستطيع أن اشرح ما أعيشه وما أحس به ،كيف يمكنني من خالل
الكالم أن اوصل لها ما في قلبي.
في للحظات اإلحباط في حياتي ،في أصعب للحظات الفشل في التاريخ ،في أهم المواقف الحساسة ،
أدرك حاجتي الماسة لها ،تلك اإلنسانة التي أنزلت الدموع من جفني والتي كانت طاقة لحياتي ،إن قصة
الكفاح سنكتبها ،وس تكون حياة اإلنسان مليئة بالنضال .نضال وكفاح من أجل القضية .
كنت دوما متماسكا ،أحتوي الوضع واإلنفجار ،أسيطر على الموقف ألمنع إمتداده لكني تعودت على
المواجهة ،مواجهة الفشل واإلحباط.
في ساحة القتال كنت جنديا في المعركة ،أحمل بندقية ،اتقدم أمام خطوط العدو ،خلف خطوط النار،
أتذكر وطني ،أتذكر أول حب في حياتي ،أتذكر كل شيئ ،لو كنت جندي سينتابك إحساس الجندية ،
)(53
معاناة المقاتل في ساحة الحرب.
لم أكن في حياتي أنانيا ،لم أكن املك المال والعقار ،كل ما كنت أملكه كان أحالما عظيمة ،لم أحلم
لنفسي بل حلمت من أجل هذا الوطن ومن أجل هذا الشعب .ال تهم الحياة ،إذا لم يكن لإلنسان حلما يعيش
لتحقيقه ،فهو الهدف الوحيد هنا في هذا الوجود.
في مرات كثيرة من تاريخ العالم ،كانت االحالم نقطة التغير في حياة البشر ،حلم الطيران ،حلم
إستكشاف الفضاء ،حلم اإلنسان اآللي...
لو لم يكن هناك في أرجاء العالم من يحلم ،لما تحقق شيئا مما نراه اليوم ،إن تلك األحالم الفاصلة لم تكن
أحالما عادية ،بل كانت أحالما حقيقية ،أحالما عظيمة تفوق تصور كل إنسان عادي.ال أريد أن أقول
إنسان عادي أو إنسان عظيم ،بل اإلنسان في حد ذاته معجزة ،لم يكن أحدا من المخلوقات يتصور
ميالدها.
في هذه الحياة حاولت كثيرا أن أتجنب الصراع مع الواقع ،الصراع مع كل ما يسمى بالعالم المادي ...لكن
ذاك العالم ترك أثاره في نفسي ،تمنيت أن أبتعد وأن أعيش حياتي كما رسمتها لكن ال شيئ من ذلك تحقق
،ال شيئ على اإلطالق.
إن حياتنا ليست التي نعيشها ألنها ليست الحقيقة ،إن الحقيقة هي حياتنا التي بداخلنا التي أردنا أن
)(54
نعيشها.
سؤال مهم ،اطرحه في كل للحظة من حياتي ،في كل موقف أصادفه ،ما غاية وجوي هنا في هاته
اللحظة ،لماذا أخترت هذه الطريق ولم اختر اآلخرى بالرغم أن كالهما يؤديان إلى المنزل.
إن اإلجابة عن هذا السؤال تحتاج إلى كتاب كامل أشرح فيه بتفصيل دقيق الغاية وسبب كل ما يحدث لنا.
إن الهدف النهائي للمواقف التي تواجهنا ليست هدفا تافها كما نعتقد على سبيل التقدير ،وجودك في المكتبة
،عندما تسأل لماذا أنت هنا في المكتبة ستكون إجابتك تافهة بالتأكيد ،إما من أجل كتاب أو إنجاز بحث أو
المطالعة أو المراجعة أو لقاء مع صديق .
لكن شرح السبب يحتاج إلى فهم ماهية المصفوفة ،المصفوفة الكونية والمصفوفة المفردة ،إن مجموع
المصفوفات المفردة التي تمثل المصفوفة القارية ،مصفوفة المجتمعات والشعوب ،ومصفوفات المادة ،
ومصفوفات الكوكب.
هناك مصفوفة للمجتمع الجزائري التي هي جزء من المصفوفة الكونية ،وكونك جزائريا فإنك تمثل متغير
في المصفوفة ،فإذا كان عدد سكان الجزائر خمسة وثالثين مليون ،فإن تلك المصفوفة مكونة من نفس
الرقم من المتغيرات.
كل متغير في المصفوفة خاضع أو يعبر عن معادلة رياضية مكونة من عدة مركبات شعاعية ،مركبة
زمنية ،ومركبة للمكان ،ومركبة لفيزيولوجيا هذا اإلنسان ،وثابت .
إذا كانت الم صفوفة مجموعة من المتغيرات فإنها في تغير مستمر في محاور الفضاء والزمان .في اللحظة
المعنية ،في المكان المعين ،سيكون لخمسة وثالثين متغير قيمة معينة ،لن تكون القيمة متماثلة ،ألن
مركبات كل متغير ليست كذلك ،هنا ستكون للمصفوفة في وضع معين في نفس تلك اللحظة داللة
)(55
معينة.
في ساعة السقم ،للحظة تتطهر فيها النفس من الخطايا ،ينتاب المرء حينها إحساس بالرغبة الشديدة ،
بالحب الشديد ،لكل شيئ أحببناه .في هاته اللحظات كنت أفكر ،كنت أحاول إختبارقلبي ،سألت نفسي
هل فعال أحب ،هل أنا فعال أعيش في إشتياق لمن أحببت ،حاولت الهروب من السؤال ،حاولت اإلمتناع
عن اإلجابة ،بصدق منقطع النظير أجاب قلبي ومعه عقلي وكياني ...
لم ألتقي بمن أحببت صدفة ،لم تقع عينايا في عين من احب في للحظة عشوائية ،لم أرها صدفة أيضا ،
ولم أحب صفة ،كما ان في حياتي ال يوجد ش يئ جاء بالصدفة ،حتى مرضي لم يأتي بالصدفة ،بذلت
المجهودات ولست ادري ،ما إن كنت بذلت ما يلزم من أجل أن اعيش حياتي مع من أحببت ،المهم في
تلك اللحظة الرائعة من تاريخ اإلنسان ،أنني حينها مستعد ألتخلى عن كل شيئ ،إذا كنت ميليارديرا فإنني
سأتخلى عن تلك الماليير ،إذا كنت ذا نفوذ وسلطة فإنني سأتخلى عنهما ،شيئ وحيد ال أستطيع أن أتخلى
عنه مهما بلغت فرحتي وسعادتي ،ال أستطيع أن انسى أني إنسان ،ال استطيع أن أتخلى عن عقلي.
ال أدري ما سبب كراهيتي للمال ،ال ادري حقا السبب ،ما كنت أعرفه أنه عندما كنت طفال كنت أحلم أن
أصبح رجل أعمال.
كما كنت أقول دوما في حياتي ،إن أحالمي ليست لي ،بل هي لهذا الوطن ،وحياتي كذلك ال أملكها ،
ومستعد في أي للحظة أن أتنازل عن قلبي لهذه البالد...
قد أقول بصدق لتلك المرأة التي أحببتها ،قد أتحدث وأقول لها ،بأنني ملك لهذا البلد ،فأنا ال املك نفسي ،
وإن كانت ستقبل بي ال ادري ماذا ستأخذ مني ...
دوما في مثل هذه اللحظات الرائعة ،رغم أنها للحظة األلم والمرض ،كنت أدرك حاجتي الماسة لها ،
كنت أتمنى من صميم وجداني أن تكون في هذه اللحظات معي .
لن أفكر مرة اخرى في أي شيئ ،وإيماني باهلل راسخ ال يتزعزع ،وإن هزته عواصف فإنه كالنخلة
الباسقة ،مهما هزتها الرياح من كل النواح فإنها ستبقى صامدة ،راسخة كالوتد .
في رحلة البحث عن الحقيقة ،هناك ستكون كجندي في خطوط النار ،ستعيش حينها أصعب اللحظات في
التاريخ ،الم ومآساة ،صبر ونضال ،كفاح متواصل من أجل تحقيق الهدف .
في قصص اإل نتصارات والمعجزات ،الشيئ يتحقق بالقوة الشيئ يأتي من العدم ،أساس الحضارة ليس
المال ،ليست القوة أو العتاد أو السالح ،إن أساس بناء الحضارة هو أساس قيام اإلنسان !
قد يتمكن العلم من بناء شبيه باإلنسان ،إنسان آلي قد يستطيع أن يجعل له ذكاء خارق ،يفوق ماليين
أضعاف قدرة اإلنسان ،يستطيع الروبوت القيام بأعقد المهام في اللحظة التي يعجزعنها اإلنسان .
لو نظرنا إلى ما نراه اليوم أمامنا من طفرة في تكنولوجيا النانو والفيمتو وآثارها في حياة اإلنسان ،وقدرة
الذاكرات التي تجاوزت التيرا بعدما كانت في عشر سنوات مضت ال تتجاوز بعض الجيغات.
لن يستطيع كل ذلك وما هو آت أن يضاهي أو حتى يقارن بنحلة أو بعوضة أو حتى نملة ،ما بالك
اإلنسان...
بعدما اصبح اليوم اإلنسان رخيصا ،فبدوالر واحد كم أزهقت من روح ،ثمنا لرصاصة غادرة أطلقها
إنسان شرير .ال نستطيع سوى أن نصفه بالحجرة الصماء التي ال إدراك لها أو حتى إحساس .إن مجتمعنا
اإلسالمي بعد كل ما حدث ،ال يفهم معنى مجتمع إسالمي ،اليفهم كيف تبنى الحضارة ،لقد اصبح كل
مسلم هدفا أو أولوية قصوى للقلوب المريضة وكل نفس شريرة ..
إن الحضارة قبل كل شيئ ال تبنى باألالت ،فهي مجرد آلة أو وسيلة لتطبيق االفكار االساسية لبناء هاته
الحضارة أو تلك.
إن الروح الطاهرة والقلوب الصافية والفكر الواعي هو شرط بناء الحضارة ،فنحن ال نعرف في هذا
الوجود أي شيء.فإما أن تكون عقو لنا متفتحة ومنارة بالقرآن والسنة بأخالق اإلسالم وفضائله ،أو نكون
غير ذلك ،مجتمع جاهل متخلف ،نائم ،غافل.
ال تظن نفسك أنك خال من كل مسؤولية ،ما دمت مسلم ،فأمامك مسؤولية ،ايا كان مقدار المسؤولية ،
وليكن لإلنسان هدف يستحق العيش من أجله.
إن اساس الحضارة هو العل م واألخالق ،العدالة والعمل ،التحدي والتصميم ،اإليمان بالقضية وإحترام
وتقديس الواجب.
قلت ذات يوم أن من ال يحترم الوقت ال يحترمه النجاح ،من اليحترم نفسه ال يحترمه اآلخرين ،إن
إحساسي بشروق الشمس يتزايد وآملي عاد للحياة منذ أن ولدت...في يوم ما ستصبح األحالم حقيقة ،في
)(56
تلك اللحظة سنصبح كما كان أجدادنا ،رواد العالم والحضارة.
ال أدري ماذا كان هناك أو هنا في هذا المكان الذي أنا جالس فيه قبل ألفين وأحد عشرة سنة ،من الذي كان
موجودا ،وماذا يفعل ،هل كان ليال أو نهارا ،أو ماذا...
إنه التناظر بالنسبة للزمن ،فإذا سألنا ما هو الزمن هل هو جامد أو ثابت ،فالزمن هو مجرد إصطالح
لتفسير حركية الكون وكل ما ينتمي إليه ما الذي سيكون في نفس المكان والزمان بعد ألفين وأحد عشر سنة
عندما نكون في سنة .4122
لو تأملنا جيدا في التاريخ الميالدي والتاريخ الهجري ،لو وقفنا جيدا فيهما ،ستتجلى لنا أشياء كبيرة وفي
غاية األهمية ،ماذا لو نظرنا إلى 11والسنة 21ميالدية فالعشرين هي ناتج لضعف العشرة وكما قلنا
سابقا أن 4122هي ضعف ، 2111كما أننا ال نستطيع أن ندرك أو نعيش لنشهد ذاك العصر.
لكن ما عاش في السنة العاشرة سيدرك الس نة العشرين ،وهنا ماذا لو طرح على نفسه هذا السؤال ،ما
الذي يحدث أو سأكون عليه في السنة العشرين .
وكذلك االمر بالنسبة للسنة الهجرية ،أسئلة محيرة ،ما أعتقده أنه لم يكن ذلك صدفة أو عبثا ،بل يحمل
خلف طياته أمورا شديدة اإلبهام.
ما هي النظرية التي تحمل أكبر نسبة بإحتمال صحتها ،حول تطور هذا الكون وآلية تضخمه وتناغمه ،
وإلزامية إنهياره .
عند اقتراح وطرح فرضية أنه في اللحظة صفر حدث اإلنفجار العظيم وكانت بداية الكون ،فمبادئ العقل
الرياضي لن تقبل بإلزامية انهيار الكون وعودته إلى للحظة البدء إال في شرط وجود مركز للتناظر وهذا
يعني أن اللحظة الصفر التي تدل على حالة الكون عندها ستكون نظيرة اللحظة الزمنية الالنهائية بالنسبة
لمركز الكون والتي تعبر حينها أن حالة الكون النهائية هي نفسها حالة الكون اإلبتدائية في اللحظة
الالنهائية.
)(57
إن هذه النظرية توضح في طياتها الخفية تشكل الكون ،فهو يتعلق بحالة الكون البدائية والنهائية.
في مجلة علمية كتبت مقالة منذ أكثر من أربعة وعشرين سنة ،مقالة علمية عبارة عن بحث شرح فيه
الكاتب بدقة نظرية تطور الكون منذ اللحظة الصفر التي صادفت اإلنفجار العظيم ،واللحظة النهائية التي
سينهار فيها الكون إنه اإلنسحاق العظيم.
سألت نفسي ما هو السبب الذي كان وراء قراءتي لتلك المقالة ،فذاك ليس شيئا عابرا ،تذكرت فيم كتبت
عن المصفوفة الكونية إذا كان هناك عالقة بين نظريتي والمقالة.
إن علمي محدود ،فلم أكن رياضيا أو فيزيائيا ،ولم أكن عالم بأمور الفلك والفضاء ،لكن تفكيري عقالني
ومنطقي ،هنا في هاته اللحظة ما هو السبب لكل ذلك فأساس العلم هو السؤال ،هو العجز عن فهم
الظواهر ،كما أن مجموعة من الحقائق ال يمكنها أن تشكل علما ،فسؤال واحد ال يمكن أن يوصلنا إلى
العلم.
أدرك مدى تعقيد نظرية المصفوفة وصعوبة إجراء الح سابات ،واإلستنتاجات قد يطرح اإلنسان سؤاال ،
ما عالقتي وكل هذا ،لما ال أعيش الحياة كما هي ،قد ال تجد الجواب أو سيكون صعبا الحديث عنه ،لكن
ما عالقة كل هذا بحياتنا بواقعنا بمنطقنا .لكن إجابتي بالنسبة لنفسي هي الفلسفة هي السبب في كل هذا
وذاك.
أريد في هذه اللحظة أن اتحرر من الضغوط الصعبة التي أعيشها ،أريد أن أهتم بشيء واحد في حياتي ،
ال أريد أي شيئ سوى أن أفعل ما اريد وأفعل ما أراه صحيحا بشرط أن يكون نبيال وصادق في نيته.
أحاول أن أتحرر ،أحاول أن أقوم بذلك ،مالذي سيحدث مثال ،لو حدث ذلك ،باألمس عندما أجتزت
إمتحانا أحسست باإلحباط الشديد ،لعدم تمكني من اإلجابة بشكل صحيح .لقد كانت مشكلتي في الحياة أنني
ال اس تطيع الحفظ ،مهما قرأت الموضوع المعين إال أنني ال استطيع ذلك ،عبر كامل مشواري الدراسي
لم أكن أحفظ الدروس وإجابتي كانت خالصة ما فهمته في الدرس.
لكن في م يدان الطب فالحفظ ضروري للنجاح ولتحقق الغاية ...كان هذا التحدي الذي أصبح أمامي ،كيف
أحقق ذاتي ،كيف سأصبح طبيبا ،في تلك اللحظة أحسست بإنتهاء كل شيئ ،إنهيار شامل ،لكن مازلت
النخلة باسقة ،لن تسقط وان آمالتها الرياح من كل النواح.
عندما اخترت كلية الطب ،كا ن قلبي يمتلئ بالشوق ،بالرغبة والطمع في أن اتعلم الطب ،بالنسبة لي
كانت دراسة الطب تمثل لي متعة ،كنت احس بالسعادة والفرحة ،كنت ادرك فعال ماذا أريد ،إنهزمت في
أول سنة لي في الطب ،كانت سنة مؤلمة وقاسية ،عندما كنت أفشل في اإلمتحان ،كنت ابكي وكنت أقول
بأن المرأة التي أحب لن ترضى بي الني فشلت في الطب.
سأحاول بجد من أجل أحالمي ،سأقاتل حتى النهاية ،سأحقق لهذا الوطن ماذا خلقت ألؤديه ،فإعتقادي
الزال راسخا بأنني خلقت ال من اجل شخص أو فرد بل خلقت من أجل هذا الوطن وهذا البلد.
ال أدري لماذا ربطت أحالمي بدراستي ،كنت عندما أفشل في الدراسة ايأس وينتابني إحباط بشأن تحقيق
األحالم.
لكن تماسكي ،اليستطيع أي إنسان أن يتصور قدرتي النفسية على التحمل ،إن العلم هو أساس كل
حضارة ،هو حياة اإلنسان ،فهو خلق ليتعلم كل يوم شيئا جديدا ،طريقا جديدة...
في هذا اليوم عندما كنت جالسا في مكتبة الجامعة بخميس مليانة تعرضت لموقف راجعت فيه نفسي ،
وأعدت النظر في كينونتي ،عندما طلبت مني زميلتي اإلجابة عن أحد األسئلة ،فقلت لها ال أعلم ،ثم
ذهبت وعادت بعد دقائق وطرحت علي سؤاال آخر ،لكني قلت لها ال أعلم ،وبعد للحظات أتت طالبة ال
أعرفها طلبة خدمة بسيطة "إسم كتاب أو رقمه يتناول البيئة والماء" وقلت لها ال أعلم ،كان إحساسي حينها
مروع ،أحسست بأني جاهل ألقصى الحدود ،قلت لنفسي ماذا تعلمت حتى هذه اللحظة ،أدرس في الثالثة
وال أري سوى اليسير.
ال أدري ما هو الهدف ،وما سبب تعرضي لذلك الموقف ،عندما فكرت قليال ،عندما عدت للوراء قليال
في المكتبة هناك جهتين ،عندما دخلت كنت سأتوجه للجزء الواقع في اليسار ،لكني بعد ذلك غيرت رأيي
.
رأيت تسلسل أحداث مر علي كأنها دالة رياضية غير مألوفة...إنني على يقين ،لو كانت هي معي لتغيرت
الكثيرمن االشياء ،ربما ستتغير حياتي كلية وهذا أكيد ،سأصبح أعمل ليال ونهارا ،من أجل تحقيق الحلم
،ألنها كانت تمثل لي طاقة هائلة ،دافعة لألمام.
ما حصل في اآلونة األخيرة شيئ غريب يبشر بإنتهاء عصر في تاريخ األمة اإلسالمية .أحيانا أنظر
للتاريخ وأتعجب أ قول سبحان هللا وبحمده ،إن القيادة دورها ال أن تتغذى بدماء وبآمال وبأحالم هذا
الشعب .كنت بإستمرار أشاهد نشرات األخبار الوطنية في التلفاز ،أحالم الشعب ليست تلك التي أتمناها ،
ليست تلك التي أشتاق إليها ،كانت تصيبني خيبة األمل عندما أرى ما ينقله التلفاز الوطني شيئ تقليدي ،
أحس خاللها كأني في بداية القرن التاسع عشر ونحن على مشارف عصر جديد ،عصر النانو والفيمتو ،
عصر هندسة الجزيئات وهندسة الذرة ،عصر غير الذي سبق.
ما أدعوا إليه من قلبي العولمة اإلسالمية ،أن نصنع عالما واحدا بين المحيط والخليج ،ال حدود وال أعالم
،عملة واحدة ودستور واحد كيان واحد ،أصلي الفجر في الجزائر ،والمغرب في مكة ،والجمعة في
أندونسيا ،أرى الصحراء جنة ،أرى الحضارة ،أرى المسلمين كما هي حقيقتهم ،قلوب متآلفة وصفوف
متراصة ،حياة كريمة ورغيدة ،الشيء أجمل من ذلك .
هل هذا مستحيل ؟ ! أمريكا وحدها عولمت هذا العالم باألنترنت وبالتلفزيون بالهاتف وبالمنتجات
وباللغة ...من هم صناع الحضارة ،من هم أصحاب القرار ،من هو الذي يفكر ويعمل...
ال أجد ما أقوله ،قبل ثالثة سنوات هناك صممت أن أتزوج ،كنت أعرف حقيقة ما أعيشه ،كنت أدرك
فعال ما هو الدواء ،ال أريد أن أعيش فردا لحياتي ،ال أريد للحياة أن تفتنني ،ال أريد للشيطان أن يغويني
،كنت أعرف الطبيب حق المعرفة ،كان رح يما ،كان نورا ،كان هو الشافي كان صبورا عن إهمالي ،
كان هو الرزاق ،لم يطلب مني ماال ،بل هو الرزاق ،لم يكلفني السفر إليه فقد بلغ كرسيه السموات
واألرض ووسع علمه كل شيئ.
كان هللا الذي أردت حياتي أن أبيعها له ،وأردت كل شيئ أفعله لوجهه ،حتى ذاك الذي في قلبي كان
لوجهه ،كان لنيل مرضاته ،ال أحد في هذا العالم يعرف ما في قلبي إال هو...استغفر هللا من كل ذنب ،
وأشعر بالخجل أشعر بالذل والهوان عن كل معصية ...
أخطائي كانت نتيجة توتر ،وضعف ،غفلة ونسيان ،في هذه الحياة على اإلنسان أن يصنع حلمه ،أن
يرسم طريقا لهدفه...
ما كتبته كان قليال ،لم يكن مجلدا ولم يكن كتابا من الحجم الكبير لكني حاولت أن أكتب ،أحاول أن أنجز
شيئا ،أحاول فعل شيئ بسيط ...أحاول اليوم وغداً ،أبني الحياة وأنا راض ألن حياتي هندسها هللا .
في يوم من أيام حياتي ،كنت أتذكر أقرأ وأتعلم من حياة الرسول صلى هللا عليه وسلم ،وحياة الصحابة
رضوان هللا عليهم ،كنت أتمنى لو كنت معهم مسلما ومؤمنا أعيش تلك الحياة...كما أني تمنيت في حياتي
لو كنت مجاهدا في ثورة التحرير أقاتل المستعمر بقلب ممتلئ بالتحدي باإليمان بحب هللا وحب
الشهادة...في تلك اللحظات كنت أدرك فعال أين أعيش ،ال أحاول الهروب من الواقع ...فأنا أعيش في
الحاضر ،وغدا سيأتي المستقبل...
فمهمة اإلنسان ال العودة للوراء أو الهروب لألمام ،بل مواجهة الظروف والتحديات التي فرضها الواقع
على اإلنسان...
كنت ألجأ لعالم الكائنات األخرى ،كنت أرى النملة الصغيرة تكافح وتناضل ،تكدح من أجل إيصال
المؤونة للمخزن ،حبة قمح كانت كبيرة على قدرتها لكنها حاولت وتحاول ،حتى وصلت بعد فترة ،لم
ترمي الحبة ولم تيأس لكنها حاولت مرارا وتكرارا ،واصلت مشوارها حتى وصلت ،ولم تتوقف وقالت
هنا انتهى دور وعملي ،بل عادت مرة أخرى وحاولت مرة أخرى وجلبت حبة أخرى ،نضال مستمر
وقصة كفاح تنزل الدموع وتلين القلوب المريضة والجامدة يجب أن تتضاعف أحالمنا ،ال يجب أن نحلم
بصناعة المشروب الغازية ،بل على أحالمنا أن تتجاوز كل شيئ ،نحلم لنحول الصحراء إلى جنة ،نحلم
لندمج االنوية ،نحلم كيف نهندس الذرات ،نحلم لنزور المريخ وزحل ،نحلم لننشر السالم والتسامح ،
نحلم لننشر الحب ،نحلم لنحقق العدالة.
اإلسالم هو حضارة القرن القادم ،إن العصر المقبل هو عصر اإلسالم وأبناءه ،في يوم ربيعي جميل ،
شمس مشرقة في سماء زرقاء تثير فينا تفاؤل مستمر ،تحس نفسك كأنك أقوى الكائنات في الوجود ،
سعاد ة ما فوقها سعادة ،عندما أتذكر أحس بأننا قاد رين على النهوض ،نستطيع أن نثبت ذاتنا في الوجود ،
في تلك اللحظة الرائعة ستقف العصافير في السماء ،ستصطف وتقدم لك التحية واإلجالل.
تصور ما لذي يمكنك أن تفعله لإلسالم ،إسم يحمل معاني ،إسم يحوي في حروفه أساس الحضارة
والتقدم.
إذا أردت أن تحقق ذاتك فا فعلها اآلن وهذه اللحظة ،ابدأ العمل شكل فريقك وأعمل أسهر الليالي ،تقدم
نحو األمام وال تيأس في أول عقبة تصادفك ،ال تهتم أبدا بالفارغي ن ،الذين ال حاضر لهم وال مستقبل ،
بإيمانك القوي بأحالمك ستحقق ما كنا نراه مستحيال ،وما أنا متأكد منه أنه في العالم الملموس ليس هناك
ما إسمه مستحيل حتى بناء ذرة أمر ممكن ،لينظر كل واحد إلى هذا العالم ،ما وصلت إليه التكنولوجيا
شيئ رائع لكن لن نظر إلى واقع اإلنسان ،اين األخالق ،أين الكرم ،أين الوفاء ،أين الصدق ،أين الحب ،
أين السالم ،أين التسامح.
هل هاته هي الحضارة التي ندعو إليها ،كمبيوتر بحجم كف اليد قادر على تخزين تيرابايت ،وهاتف من
الجيل الثالث والرابع وطائرة األحالم ...إنها المصفوفة الغربية بدأت مالمح إنهيارها تتجلى ،بعد سنوات
قليلة سينتهي كل ما يستطيع العقل الغربي أن يقدمه هنا في هاته اللحظة سيبطل مبرر إستمرار الحضارة
،حضارة مادية هيكل اجوف ،ليس له أساس صحيح.
بالعلم وباإلسالم الصحيح ،بالعمل المتواصل بالحب واإلحترام ،بالتسامح بالنضال المستمر ،هنا ال أقول
باإلمكان ،بل أنا متأكد مما أقول ،ستكون نهضة لم يشهد التاريخ لها مثيال أكثر من مليار مسلم يصنعون
المعجزة يصنعون التغيير يعيدون التاريخ من جديد.
كل شيئ موجود في هذا الدين ،حتى الطعام الصحي ،حتى كيف نغتسل حتى كيف نتمشى ،حتى كيف
نأكل ،حتى العلم كله هناك في ذاك الكتاب ،أليس معجزة ،أليس أمرا مذهال ،أن يكون كالم هللا ،أن
تسمع كالمه يتحدث إليك مخاطبا روحك وقلبك وعقلك ،كالم ليس كمثله شيئ.
في المناعة درس مذهل ورائع ،إن الجسم يتقبل ذاته وسيرفض كل ما ال ينتمي إلى العضوية.
)(58
وكذلك األمر بالنسبة للواقع الذي نعيشه ،كل ما ليس من طبيعة اإلنسان فمآله الزوال ،واإلندثار...
في هاته اللحظة الممتلئة ،ما أردت تناسي الصبر ومفهومه ،آثاره في نفوسنا وفي حياتنا...عندما تصبر
على ما تحب ،فذاك الشعور حينها ال مثيل له ،تعيش حياتك كلها صابرا مجاهدا ومناضال ،تتحمل آالم
الفراق ومرارة البعد ،سعادتك هي أنك صابر ،انك لم ترفض هذا الواقع ،ولم تيأس من المحاولة ،تكتب
بصبرك قصة كفاح يرويها جيل بعد جيل .
لن يتحقق النصر في المعركة ،لن يحقق اإلنسان النجاح ،لن تصل السفينة للشاطئ دون صبر ،فالجندي
سيتحمل ،سيصبر على شدة الحرب ،الحرائق ،صوت المدفعية ،أزيز المقاتالت ،دوي اإلنفجارات ،
تناثر األشالء ،وتمزق األنسجة ،شعور رهيب هناك ،لو انتابك إحساس الخوف وفقدت تركيز وتحمل
أعصابك ،في هذه اللحظة لن ينتصر ،وكذلك األمر بالنسبة لشخصك ،النجاح ليس كلمة عابرة تنطقها
األلسن بل هو صبر جميل وطويل ،الصبر على المحاولة ،أن تحاول تحقيق النجاح مهما فشلت فهذا في
حد ذاته تحمل وصبر ،حتى السفينة في البحر فبدنها يصد ضربات األمواج ويخترق ويزيح أطنانا من
المياه ،يتحمل ضغط الماء وغدره ،يتحمل ما يحمله من عتاد وسلع و مسافرين...
لوال أن السماء تصبر ،لسقطت على األرض ،أو أن القمر سقط علينا أو األرض هربت إلى الشمس ،هل
تالحظ أن الصبر ليس مفهوما مجردا أو شيئا معنويا ،هو رياضات وقوانين تسيرنا ،تسير الفيزياء
والكيمياء والجيولوجيا والطب.
أ حيانا أخرى يصيبك مكروه ،يصيبك سوء ،فهنا سيك ون الصبر عظيما ،إنه صبر على اإلبتالء ،إن
الصبر هو واقع إذا انتميت إليه فحياتك ستتجه لإلستقرار ،ستحول معيشتك وآالمك وحزنك وعذابك إلى
عكس ذلك ،ألن في الكون تناظر ،فعندما كنا نعيش الماضي ،إتجهنا نحو الحاضر الذي نعيشه اليوم
وغدا سنعيش ما كان يمثل لنا مست قبال ،وهكذا في باقي األمور في الحياة لن تبقى األمور كما هي عليه ،
ألن شرط اإلستمرار هو تغير الواقع وتغير المتغيرات المختلفة.
في تلك األيام ،عندما كنت أعيش في حزن ،كنت أهاب الموت ،كنت أخاف أن أموت والجزائر ليست
راضية عني ،ألني أرى أن ما قدمته بلدي لي لم أحاول حتى ان أرده لها.
فعلت لي كل شيئ وأنا لم أفعل لها أي شيئ ،إن المال ليس مالي بل هو مال الجزائر ،ومالها ليس ملك
الشعب ،ألن الجزائر ليست ملكا للشعب ،بل الشعب وما يملك هو ملك هذا البلد ،وما يملكه ويملكه
المسلمون هو ملك لبالد اإلسالم ،هو ملك األجيال القادمة...
إن المسؤولية ليست سهلة وصعبة التحمل ،حتى الجبال أبت أن تحمل تلك األثقال وحملها هذا اإلنسان .قد
يظن الجميع أن المسؤولية يتحملها الرئيس أو الوزير أو القائد أو المدير أو المستشار ...إن المسؤولية
يتحملها كل مواطن يعيش على أرض هذا الوطن ،أكان رئ يس الجمهورية ،أو كان فالح أو عامل في
البلدية ،أو إنسان يقضي وقته في المقاهي .
عندما أجلس في للحظات الهدوء الرائعة ،أفكر وأعطي الحرية لعقلي ليفكر في كل ما يريد ،لم يخذلني
قط ،فقد كان صديقي الحميم ،وكم من مرة أمتحنت تلك الصداقة ،وجدته في كل إمتحان صديقا وفيا ،
أطرح عليه ما أعانيه كإنسان وكمواطن ،كرجل يريد أن يكون عبدا صالحا هلل ،كان يقضي أياما كثيرة
يفكر لي في الحل ،وكان يلقى الحلول ،كما أن للمعادلة حل ،فالمشاكل لها حل أيضا .
سألني ماذا أريد ،فقلت له أريد السماء ،أريد أن أعبد هللا ما بقي من عمري ،أن أعيش حياتي هلل أن أفعل
كل شيئ هلل ،أن أشعر بإحساس العبد الصالح الذي وكل أمره هلل ،والذي أناب إليه ،فقال لي ما الذي
ينقصك لما ال تقم بذلك ،قلت له أنت تعرفني ،تعرف طبيعتي وطبيعة حياتي .تعرف طريقة تفكيري
وأسلوب نشأتي ،فقال نعم وتركته يفكر ،فقال بان إستقرار النفس هو الحل لتحقق تلك األمور...
في تلك المراحل الهامة كنت أهتم بكل ما يجري كنت أستمع إلى خطب ومحاضرات الشيخ يوسف
القرضاوي ،والشيخ محمد الغزالي رحمه هللا وخطب الشيخ عبد الحميد كشك والشيخ متولي الشعراوي
رحمهما هللا ،كنت أعمل من أجل ان أعيش الحياة اإلسالمية .أن اكون مسلما حقيقيا ال مجرد كالم ،إن
البناء يحتاج لألساس وضخامة البناء تتطلب أساسا قويا .
لن أستطيع الصمود بال حليف يقف معي يشكل لي القاعدة واألساس المتين ،الذي أستطيع بوجوده أن أشيد
بناء قوي وضخم ،كان الحليف هو الزوجة ،اخترتها قبل سبعة سنوات لكن هي ال تعلم ،وأحالمي
وآمالي كلها بنيت على أساس هذا الحليف ...فوجود تلك الزوجة هو الذي سيعطي للمعادلة قيمة وجودها
وبالتالي إيمكانية قيامها وتطورها وإستمرارها ،إنها مصفوفة االسرة وتطورها وإستمرارها مبني على
)(59
تناغم وصحة المكونات والمركبات.
لم يكن زمالئي في أقسام الدراسة يعلمون بما أشعر به إتجاههم وال حتى أساتذتي لقد كنت أحبهم وأحترمهم
جميعا بال إس تثناء حتى وإن لم أظهر لهم ذلك ،كنت مستعدا ألقدم أقصى وأكبر من ما يستطيع صديق أو
طالب يقدمه لزمالئه أو أساتذته ،لقد كان خجلي وعدم إهتمام اآلخر حاجز بيني وبينهم.
في حياتي كنت ال أحمل الضغينة أو الحقد ضد أي شخص لم يكن يشكل لي فرقا إنسان غني وآخر فقير
واحد ع الم وآخر جاهل ،شخص صالح وآخر غلبته شهوته ،لقد كنت أحب الجميع ألنهم جميعهم إخوان
في الدم ،في الدين وفي األرض ،في السماء وفي األرض كل شيئ بيننا مشترك.
في الجامعة في أول سنة لي وال أدري هل هي صدفة أم ماذا ،كانت األستاذة شوشان كريمة التي درستني
الكمياء ،أحترمتها وأحببتها كثيرا أستاذة أثرت في وتركت بصمتهه في نفسي وكان أيضا األستاذ دواوي
عبد القادر الذي درسني تحليل المعطيات واإلحصاء في الجيولوجيا واإلستشعار عن بعد ،كان أستاذ
متمكنا...
وال أنسى البروفيسور حاج بوسعد الذي درسني الكمياء في كلية الطب واالستاذ حاجي مدرس الفيزياء.
ولن أنسى أبدا األستاذ بن سعدة الذي درسني الهيدروجيولوجيا التحتية ،ربما أكون الوحيد الذي درسني
أكثر من مئة وسبعة أستاذ خالل خمسة عشر سنة من التعليم ،دون ذكر الشيخ الذي كان يدرسني القرآن
الكريم عندما كنت في السادسة والسابعة من العمر ،رحلة طويلة ورائعة أكتسبت خاللها الكثير من
المعارف والتجارب التي شكلت لي أساسا قويا .
لقد كنت متميزا في فكري في طريقة حياتي وفي نمط معيشتي ،حتى أحالمي وطموحاتي كانت متميزة
عندما سألت ماذا أريد أن أكون ،أخترت أن أكون مختلفا رغم أني إنسان إال أن أحالمي تجاوزت قدرة
)(60
اإلنسان.
ال أدري لماذا صبرت سبعة سنوات كاملة كاتما إلحساسي وشعوري ،كنت سجانا على قلبي ،لماذا لم
أتحدث مع تلك اإلنسانة ،لما لم أبوح لها بإحساسي وعمق وآثار حبي لها ،لقد عجزت عن اإلجابة ال إلن
األسئلة صعبة أو الحياة مستحيلة ،عندما أفكر بمنطق العقالنية الرياضية أتجه نحو تحليل األحداث
والمعطيات التي توفرت ،وما يشرح أكثر ما أعنيه هو كتابي الذي أعمل على كتابته الذي سأطرح فيه
نظريتي العلمية التي أحتاج فقط لتوسيع نطاق إدراكي وفهمي لبعض المفاهيم والمبادئ الرياضية...
لم أكن أعلم متى سيأتي اليوم ،لم أكن أعلم مالذي سيحدث عندما تعلم لم أضع تصورا لما بعد تلك اللحظة
وقلت متى اللقاء واين اللقاء.
أليس جميال أن يجد اإلنسان من يحب في هذه األرض أليس محزنا الفراق ،مهما طالت األيام ،ومهما
علمتني ،مهما عشت إال أنني ال أستطيع أن أتخلى عن أحالمي ،ال أستطيع أن أعيش فردا في هذه الحياة
علي أحزاني عندما
َّ صعابها ومعاناتها مآسيها وأحزانها قد تهون كل شيئ أمام الحب الصادق ،قد تهون
أفكر في الحب.
في تلك األيام علمتني الحرب كثيرا أمورا عجزت عن فهمها خالل أيام حياتي ،علمتني تلك الرصاصة أو
تلك القذيفة ،علمتني تلك الدبابة وتلك المروحية ،قد تدعوا الناس إلى التسامح ،إلى التعاون ،إلى السالم ،
وقد تدعوا هي أيضا إلى الفرقة والخصومة إلى الحرب وإلى الظلم إلى العدوان واإلضطهاد.
إ ن أحزاني ال تنتهي ،ما دمت ال ارى لإلنسانية في األرض وجودا ما دمت أرى الظلم أرى الفساد ،أرى
الفرقة ،أرى الحزبية ،أرى الشر كل يوم يزداد سوءا ذات يوم عندما ظنت أستاذتي أني غشيت في
اإلمتحان كتبت يومها قائال "لو كنت قائدا ،وكنت في حرب وفرصتي في تحقيق النصر هي صفر في
المائة ،ولو كان عندي سالحا نوويا أو بيولوجيا وكان سيحقق لي نصرا بنسبة مائة في المئة ما كنت
سأستخدم ذاك السالح وما كنت أو فكرت في األساس أني سأستخدمه".
إن كراهيتي للشر هي نفسها كراهيتي للظلم ،كراهيتي للطغيان ،كراهيتي للغش والغشاشين ،أنا ال أفخر
بكوني ،بل أفخر ألني أعيش على أرض هذه البلد ،بلد كل شيء أحببته موجود فيها...
كم كنت راض بهذه البالد ،كم حمدت هللا ،كم أردت أن أحقق للجزائر حلم واحد في حياتها .تلك األم
في ،كانت تتم نى أن يخرج من جوفها من يرفعون رأسها من الحنون حتى قبل الميالد كانت تفكر َّ
يغرسون أرضها ،من يرفعون علمها عاليا هناك ،من ال يطلبون منها سوى الحنان والعطف.
لقد منحتني عشرين سنة من عمري حبا وعلما ،سعادة وفرحة ،هناء وحياة رغيدة ،أظن اليوم أنه حان
الوقت ألقدم لها شيئا قليال ألقدم لها ما تبقى من عمري.
الجزائر ليس لها إبن واحد ،للجزائر خمسة وثالثين مليون ولد ،جميعهم مسؤولون عنها ،واجبهم أن
يعيدوا هيبة وطنهم أن يكونوا سادة ال عبيدا.
لو كنت مسؤوال لما نمت مرتاح البال وأرى من ينهب رزق المسلمين من يستنزف ثروات المسلمين ،من
يستنزف ثروات الوطن ،لو تلقيت أجرا لعملت وبذلت الجهود حتى ينال مني التعب ولما بان على لحم
وجهي أني مسؤول .أنا ال أريد شيئا منكم ،سوى أن أرى وطني سعيدا بكم ،أرى علم بلدي يرفرف سعادة
وفرحة بوجودكم.
ال نحتاج إلى ثقافة غربية ،انظروا لألصالة والتاريخ ،أنظروا لألمازيغية والتقاليد اإلسالمية ،تاريخ
)(61
مختلف لشعب مختلف.
إني أرى خيوط فجر المستقبل هناك أمامي ،للحظة أدركت خاللها كم من وقت مر من حياتي ،كم من من
أيام أضعتها هباء لم أتعلم فيها ،ولم أعمل خاللها ولم أؤدي واجبي.
إننا جنود ،محاربو ن على أرض الجبهة ،فليس الجندي فقط من ينتمي للجيش ،بل المواطن أيا كان
وضعه هو جندي لهذا الوطن ،يوما ما ستأتي األجيال وتسأل الجنود ماذا صنعتم لنا ،هل صنعتم السالم ،
هل تركتم الحرب ،هل بنيتم اإلقتصاد ،وطورتم التعليم ،هل أطلقتم قمرا أو أقمارا في الفضاء ،هل بنيتم
لنا المساجد لنصلي فيها ونعبد هللا ،هل عبدتم الطرقات هل وفرتم المساكن ...أم ماذا؟
ستكون خيبة األجيال كبيرة سيضيع أملهم هناك في تلك اللحظة عندما ال يرون ما كان يجب أن نبنيه .
حرب طويلة ومستمرة نخوضها يوما بعد يوم ،نتقدم في أرض العدو ،نقاوم النيران والقصف ،نحاول
الوصول نحاول ثم نفشل ،نحاول اخيرا وحينها سننجح ،لن ننجح ألنها كانت المحاولة األخيرة ،بل
سننجح إلننا آمنا بأننا سنحاول حتى الوصول ،إن البناء سيكون سهال لو كان له مخطط أو تصميم مسبق ،
فحينها نكون قد حددنا شكل البناء الذ ي نريده وهو ما سيوفر علينا وقتا كثيرا وجهدا.
ال أقول بإمكاننا أن نبني إقتصاد قوي في قرن من الزمان ،بل يمكننا أن نفعل ذلك لو أدركنا ما نريد في
عقد من الزمان ،سيكون تحوال بسرعة لم تشهدها البشرية إال في عصر بناء الدولة اإلسالمية.
إن مرحلة بناء الدولة اإلسالمية في عهد الرسول صلى هللا عليه وسلم وصحابته الكرام ،لم تكن مبنية على
ظاهر الدولة أو وسائل بناء هذه الدولة ،أول أساس أرتكزت عليه كانت المبائ والقيم ،كانت الفكرة التي
ستبنى عليها هذه ا لدولة ،ليس المقصود كما يعتقد البعض بأن الدولة اإلسالمية هي نقاب وعباءات قصيرة
أو كذا من المظاهر ،بل بنيت على اإلسالم فهو ال يعني البرغماتية وال يعني اإلشتراكية يعني العدالة
يعني المساواة ،يعني المبادئ التي تسير العالقات في المجتمع ،والتي تحكم عالقة الدولة بالجيران ،
يعني مفهوم شامل للحياة اإلجتماعية والسياسية والعسكرية.
إن اإلشتراكية كمذهب سياسي وإقتصادي وضعت لخدمة السلطة المركزية وخدمة الطبقة الحاكمة ،في
حين كانت الرأسمالية تأكيد للمجتمع مبني على الطبقية ،إحتكار أصحاب رؤوس األموال للحياة العامة في
الدولة...
فاإلسالم هدفه خدمة المجتمع في األول واآلخر ومالقيادة إال وسيلة لتحقيق العدل والمساواة وضمان سير
األمور في الدولة.
لطالما كان الضعيف مولعا بتقليد القوي ،لطالما لم يفهم هذا اإلنسان ما هو معنى الضعف والفشل
واإلحباط ،خالل عشرة سنوات مضت ما رايته وما شاهدته كان شيئا فظيعا ،إن كرامة اإلنسان ؛ كبريائه
وشموخه ال يسمحان له بأن يطأطأ ألولئك الطغاة ،الذين ال يهمهم اإلنسان ،ما كان يهمهم هو إستعباد
الشعوب ،نهب خيراتها وتحطيم أحالمها.
كذلك كانت أمريكا وب ريطانيا وفرنسا وألمانيا ،وحتى روسيا والصين الكل يريد أن يخدم مصالحه الذاتية
،ال يهم إن مات مليون طفل من سوء التغذية في حين ندفع مليار دوالر لصناعة مقاتلة الشبح ،أليس عيبا
أن نقيم حفال ساخرا ندفع ماليين الدوالرات لقاءه وهناك في أرض الصومال وإيرتريا ،هناك في التشاد
هناك في الكونغو أبرياء يعيشون تحت الفقر.
هل هناك عدالة ،نعم هناك عدالة لكن اإلنسان هو الذي غير تلك المعادلة هو الذي أراد أكبر قيمة وما كان
أبدا يهمه الطرف اآلخر.
بنيت الحضارة الغربية من ثروات شعوب إفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية ،لو نظرنا إلى اإللكترونيات ،
إلى األقمار اإلصطناعية إلى اآلالت كلها صنعت من مركبات ومعادن إفريقية من الذي ينير شوارع
)(62
نيويورك وشارع اإلليزيه وعاصمة اليابان ،أليس غازنا وبترولنا.
في للحظة رائعة دمعت عينايا هناك ،لم أستطع أن اتمالك نفسي ،لقد ملئت السعادة قلبي في ذاك الموقف
كانت العاشرة ودقيقتان هناك في كلية الطب اين رأيت تلك الفتاة مع زميالتها ،كانت مفاجئة لي لم أكن
أتوقع حدوثها ،ال أحد كان يشعر بي للحظتها ،خفقان قلبي ،ومحي وجهي الذي تجلت على مالمحه
السعادة منذ أكتوبر الماضي لم آراها وال أدري ما هو السبب ،ال أعلم ما لذي يجري حينها ،احيانا تطرق
السعادة باب اإلنسان دون أن يدعوها ،تطل علينا بوجهها الصافي الرائع ...كنت أنظر إلى جبال الشريعة
،وهناك بعض الثلوج التي تغطي القمة والمروج الخضراء هناك ،لم اشعر بذاك اإلحساس منذ زمن
طويل ،أعادت تلك المناظر الخالبة عندما كنت أطل من نافذة الحافلة وارى المروج الخضراء في
حواري الدائم مع أمي العزيزة كنت أحكي لها عن أحالمي بال خجل أو خوف أتحدث كطفل واثق مما يريد
،تريد مني أن اصبح طبيبا جراحا ،وأنا أقول لها أريد أن أكون طبيب الجزائر ،نتحدث ونتناقش قليال ،
ثم أقول لها لما ال تدعين الجزائر تفرح بإبنها ،لما ال تتركوني وشأني عندما احببت في تلك اللحظات ،
أحببت بجد وشدة ،عنما حلمت سعيت من أجل تلك األحالم ،وال أدري ما هو موقف الجزائريين مني ،
ماذا يقولون لي لو عرفوا ماذا أريد.
إن التاريخ عامل حاسم ،ثابت ال يتغير قيمه تؤثر دائما في تلك المعادلة الرياضية المعقدة ،آسف أحيانا
كثيرة لحال شباب ال يع رف تاريخ بلده ،اليعرف حضارته ،ال يعرف أجداده ،وكيف له أن ينجح في
التغيير ،في تلك القصص الرائعة التي كانت تحكى كان الذئب يحاول أن يزيف نفسه ،عندما حاول أن
يلبس صوف الخروف ،لكن حقيقته الماكرة فضحته دوما.
كنت أحلم أن أرفع بلدي فوق أكتافي أن أمأل قلبي حبا لها ،أن أنظر للسماء وأدعوا هللا ليال ونهارا أن
يحفظ هذا البلد ،أن يخسف األرض بمن يريد لها سوءا وال يهمني من أجل وطني ،ال شيئ في حياتي أهم
عندي من هذا البلد ،كما كنت أقول دوما أنا ملك للجزائر ،وإن أرادت الجزائر ان تهديني شيئا ،فسأطلب
منها تلك المرأة ،حياتي وقلبي ،حاضري ومستقبلي ،أحالمي أفكاري ،كل شيئ هو للبلد...
أنا لست زيغود يوسف أو العقيد عميروش ،ما كنت بشهيد المقصلة ،ما كنت شاعر الثورة ،بل ولدت في
رحم األزمة ،أرادتني البالد أن أكون حاضرا ،أن اعيش ،ربتني كثيرا وعلمتني ،أوتني وكافئتني ،
أهدتني كل شيئ كما كان قولي دوما.
لن أختار بين واشنطن وطوكيو ،لن أختار بين موسكو وبيكين ،بين سيول وسيدني ،إختياري كان معي
عاش معي منذ والدتي...
في يوم ما سيتحقق حلمي ،في تلك اللحظة التي أتمناها ،أحقق للبلد ما تريده وما تحلم به ،بإمكاني أن
أحقق ما لم ي ستطع مليار ونصف إنسان أن يحاولوا تحقيقه ،بإمكان النور أن يشع بضياءه ،هناك في تلك
اللحظة ال مبرر لوجود الظالم...
)(63
أنا أنتظر والوقت سيأتي ،أنا مستعد وأنتظر ربما سيتغير الحال...
في للحظات السعادة والنشوة ،أتذكر كل من علمني ،كل من شجعني ،ال أنسى أبدا األستاذ مجامعية الذي
درسني األدب العربي في التاسعة أساسي ،كان في كل يوم يرفع لنا معنوياتنا ،يدفعنا لألمام يقدم تشجيعاته
لنا بحب وبأمل ،بخوف ،وال أنسى في حياتي ذاك البيت الشعري الذي كان يلقيه دوما " قطف الرجال
القول وقت نباته ،وقطفت أنت القول لما نور " .
كانت أجمل أيام اإلنسان هناك ،لقد بنيت أحالمي عندما أصبحت طالبا ثانويا ،رسمت المستقبل كم أريده
،ال أعلم إذا كان حدس أو شعور أو كان حقيقة ستعاش بعد زمن .
لم أرغب أبدا أن أخوض في دروب السياسة ،أن أحلل وضعنا وموقفنا ،لكني أكتفيت بتحليل رياضي
للموقف الذي نعيشه...
لو أردنا الشيئ سيتحقق ،تحدى اإلنسان الجاذبية عندما طار ،عندما خرج خارج الغالف الجوي ،إنها
الحقيقة ...
عندما هبط األمريكان على سطح القمر ،عندما خرج السوفييت للفضاء الخارجي ،هناك في تلك اللحظة
التي يفتخر بها اإلنسان ،حتى يضع ذلك نص ب عينيه ،ال يجب أن نكون كتلك الكائنات ،الشيئ الوحيد
الذي فطرت عليه هو البحث عن األكل والتكاثر ،رسالة الكائن العاقل ليست كتلك...
فقدان الغاية أو تفاهة تلك الغاية ،هو من يحدد وضع هذا اإلنسان أو ذاك ،لو بدأنا التفكير في تحقيق
المستحيل ،بدون أدنى شعور سن حقق في طريقنا تلك كل ما هو ممكن ،و أنا أقصد ما أقول ،هل تريد أن
تملك طائرة أو سفينة ،هل تريد أن تصبح أغنى إنسان في العالم ،هل تريد أن تصبح عالما أو مثقفا ،هل
تريد أن تكون شيئا من نسج الخيال...
في عالم مغلق ،ال أحبذ أبدا أن أذكر مصطلح المستحيل ،ألن كل ما يمكن التفكير فيه هو ممكن ،هناك
أشياء خارج هذا الكون التي لو فكرنا فيها لن تتحقق ألنها ال تنتمي لهذا الكون ...
سأفرح كثيرا بل سأنام سعيدا ،عندما أرى اإلخوان واألخوات يفكرون ال في أنفسهم ،بل في وطنهم ،
يعملون معا ،يشكلون كيانا واحدا ،كل يقدم حسب ما في استطاعته ،نرفع علم وطننا عاليا في السماء
هناك ...
هذه ليست أبدا أحالما عبثية ،أنا ال أحلم بالمستحيل ،في حياتي هناك كل األشياء ممكنة سوى ما ليس في
قدرتنا...
لنتصور ماذا يمكن لخمسة وثالثين مليون إنسان أن يفعلوه ،تصور ماذ يستطيع أكثر من مليار مسلم أن
يقدموه لإلسالم وأرض المسلمين...
أيا كانت إنتماءاتنا الحضارية ،أو عقيدتنا التي آمنا بها ،أيا كان ما نؤمن به أي كانت تلك المبادئ التي
تسير حياتنا ...فالعالم أمامه تحد البقاء ،تحد المناخ ،تغيرات مناخية لم يشهدها الكون من قبل ،تنبئ
بعصر جديد مضطرب.
إن ا إلنسانية تغلب صفة الطمع وحب إحتكار الثروات واإلمكانات ،إن اإلنسانية هي الشيئ الوحيد الذي
بقى للشعوب كلها ،بعدما دمرت الحضارة الغربية المادية الجوفاء كل شيئ جميل كنا نملكه...
ربما كان هذا الكتاب الصغير وسيلتي التي أستطيع أن اعبر بها عن نفسي ،عن أحالمي كل معاناة
ومآسي اإلنسان.
)(64
أحيانا كثيرة أبكي وتنزل الدموع من عينايا ،هكذا تمر األيام وال ندري ...
في تلك اللحظات الصعبة من حياة اإلنسان ،عندما ينتابك ذاك الشعور الحزين ،نرتكب أحيانا األخطاء
وحينها نعتذر عنها أمام أنفسنا وامام هللا.
كأن العقل مات ،أو القلب توقف ،كأن الضمير هرب ،كأن نور الشمس انقشع ،كأن الحياة تغيرت ،لكن
...ماذ بعد كل ذلك ...
صراع مرير نخوضه كل يوم ضد الشر ،تارة يلحق بي الهزيمة ومرة أخرى أجدد قواتي وطاقتي ،أجدد
إرادتي وعزيمتي ،فألحق به الهزيمة ...
كم كنت أشعر بحاجتي الماسة لرفيق ة حياة ،كم كنت أتمنى أن أجد من تفهمني ،من تقضي حياتها من
أجلي ،من تدفعني لألمام من تشجعني للنجاح واإلستمرار.
كم كنت أتمنى كم أريد ذلك ،حتى الدموع تنزل من عينايا عندما أفكر في األمر ،لقد مأل قلبي الشوق
والحنين ،وال أدري ...
في هذه الحياة تعلمت ؛ ال ي ستطيع المرء أن يشق البحر دون رفيقة حياة ،كنت اتمنى أن أعيش ما تبقى
من عمري طال أو قصر مع الفتاة التي أحبها ،لو لم أكن أحب لما كتبت هذا الكتاب ،ولما حياتي أصبحت
هكذا...
ال أحد يدري ،ال أحد بإمكانه التخمين ،كل ما أحاول فعله هو أن أعيش سعيدا ،لم يصنع لي المال فارقا ،
لم تشكل لي المعيشة الجنة ،لكن في تلك اللحظات الصعبة كنت أعرف ،كانت تؤكد لي مالذي أريده بشدة
،ال أدري إذا كانت كتابتي تشكل إحراجا أو ال.
في هذا العالم الفسيح ال شيئ جميل سوى أن الحب ما زال موجودا ،واألمل والخير الزاال يعيشان معنا...
ال أر يد أن أصبح أغنى األغنياء ،ال أريد أن أصبح أشهر الناس ،ال أطمح ألن أكون رئيس الجمهورية ،
ال أتمنى أن أكون وزيرا.
الشيئ الوحيد الذي أتمناه وأريده بقوة هو تلك اإلنسانة التي عشقتها منذ الطفولة ،هذا ما أريده فقط ،عندما
أحاول ارجوع للوراء أتذكر الشيئ الوحيد ا لذي تأثرت به في حياتي ،لقد كان فيلما سينمائيا ،أحد أروع
وأجمل األفالم ،أحد أروع القصص اإلنسانية ،فيلم كتبه واخرجه جون وو ،إنه الفيلم الوحيد الذي
شاهدته خالل ثمانية أو تسعة سنوات أكثر من مئة مرة ،وال زلت اليوم أشاهده ،ال أريد الحديث عنه...
لطالما كان ت أحالمي صعبة التحقيق ،أخترتها ال ألعجب بها ،بل ألسعى لتحقيقها ،لن أنظر خلفي ،وفي
الطريق عندما أسير لم أكن أنظر إلى الخلف أبدا ،عندما ستقبل هي بي ،كل األشياء ستتغير ،إذا كنت
أبذل %31من المجهودات سأصبح أبذل % 151من المجهودات ،إذا كنت أنام ستة ساعات ،ساصبح
أنام ثالثة ساعات.
في تلك اللحظات لن يشكل لي السفر إلى المستقبل شيئا من نسيج الخيال ،أنا مصمم على تحقيق األحالم ،
حتى لو تبقى لي من حياتي خمس سنوات ،حتى لو كانت سنتان كل األشياء ستتغير.
ال يهم أن أحقق األحالم بنفسي ،إذا تركت خلفي تالميذ هم من سيحققون الحل ،هم من سيواصلون
الطريق ،أنا لن أخشى في الحياة ولن أخشى بعد المماة لو تركت خلفي تلميذا آمن بتلك األحالم...
أنا لن أخاف ما دام هناك من قرأ هذا الكتاب الصغير ،عن أشعة الشمس هناك في المشرق ،هل أشرقت
من المغرب ،إذا شعاع العالم والحضارة يأتي من المشرق ما السبب يا ترى حتى أن الشمس تأتي من تلك
الناحية وليس من الناحية األخرى...
أتمنى أن يفهمني الناس أتمنى أن يثق المسلمون في أنفسهم ،أتمنى أن يفهم كل إنسان ما دوره في الحياة
...
عندما تفهم دورك لن تغضب ولن تحزن على سيناريو ذلك الدور ...إلنك ببساطة ستقوم بدورك باحسن
)(65
وجه لو ألتزمت بدينامكية السيناريو...
حتى في األحالم ،لم استطع أن أنسى ،سعادتي اليوم كانت ال تتصور ،أحزان اإلنسان وآالمه تهون أمام
للحظات السعادة ،في للحظات الشوق الشديد ،في للحظات تألق اإلنسانية ،في أسمى للحظات الحب
)(66
واألمل والتطلع ألفاق المستقبل...
أردت اليوم أن أتحدث عن المبادئ التي تحكم أفعالنا ،حركاتنا ،إن أساس القيام بفعل ملموس يتوقف على
األمر ،إن العقل البشري مسؤول عن إصدار تلك الرسائل إلى األعضاء الحسية.
لقد تحدث فيما مضى عن عملية اإلنشطار الفكري ،قد يتساءل البعض عن عالقة تلك العملية بأفعالنا
الحسية.
في عالم األحياء ال توجد أع ضاء تقوم بأفعال عشوائية ،إنها مهام خاضعة لبرنامج مسبق يسير تلك
األفعال ويسهر على تنفيذها بشكلها الصحيح...
لكل إنسان منطقه الخاص الذي يفكر فيه ،وتخضع تلك األفعال له في مطلق األحوال ،عند الخوض في
تحليل ذاك الموقف أفكر في نفس الوقت في المصفوفة الكونية ،أحيانا في الفكر والعقل البشري تحدث
تطورات غريبة ،ليست منطقية إطالقا ،الصراع بين الخير والشر ،بين الحق والباطل ،يكون اإلنسان
متغير فاعل في تلك المصفوفة ،والسؤال الواضح الذي تجلت لي مالمحه هو هل إكتساب العقل لألفكار
والمبادئ يأتي من حاجة المتغير اإلنساني أو أن تطور المصفوفة الكونية يشترط حدوث تلك العملية داخل
العقل البشري...
هل المبادئ العقلية التي تسير أعضاءنا وحياتنا ،وتحكم أفعالنا وتصرفاتنا حتمية أي أن المصفوفة الكونية
هي المسؤولة عن إكتسابنا لتلك المبادئ والقيم.
تشرح لنا عملية اإلنشطار واإلندماج الفكري ما األمر الذي يحدث في الواقع وما الغاية وراء ذلك.
أنا أؤمن إيمانا راسخا بأن ما نعيشه ،ما نراه ،ما ال نراه ،ما نسمعه كل ذلك ليس عبثا أو بال غاية ...
إن االفكار األولى في حياتنا ،نبعت من حقيقة ما أكتسبناه حسيا وما تعلمنا القيام به ،لقد عملت ديناميكية
العقل البشري وقدرته على صناعة األفكار انطالقا من أفكار أو منطلقات إبتدائية في خالل عمر اإلنسان
أي كان طوله أو قصره ،تمر األفكار بتطور مذهل ،فهي تمر بمراحل متعددة ،أفكار مؤقتة ،أفكار
ع شوائية ،أفكار ثابتة ،إن أخطر األفكار حسب إعتقادي هي األفكار المؤقتة واألفكار العشوائية التي
تتحول أحيانا إلى أفكار ثابتة تترجم عنها سلوكات وأفعال اإلنسان المختلفة.
إن ألفكارنا مصدران ،مصدر ذاتي وأفكار أخرى تنشأ أو تنبع من المصفوفة الكونية بإعتبار أن المتغير
يتأثر بالقيم الخارجية ،القيم الشاذة.
لكن هل أفكارنا الذاتية تخدم تطور المصفوفة أم ال كما األمر بالنسبة للمبادئ التي أكتسبناها من الطبيعة أو
من تأثير متغيرات خارجية أخرى...
لعل اإلجابة تكون حسب كينونة هذا الكائن ،ما مصدر هذا الكائن ،هل نشأ من المصفوفة الكونية أو أتى
من خارج الكون...
إن اإلجابة واضحة ومتجلية لنا ،نشأة اإلنسان وباقي الكائنات نابعة من المصدر نفسه ،وبالتالي فإن
المتغيرات كافة ال تتطور بصفة منفردة ،بل تطورها أيا كان إتجاهه ما هو إال لخدمة تطور المصفوفة
الكونية...
إنها عالقة رياضية شاملة ،تحكم تطور كل شيئ تعطي أو تحد لإللكترون سرعته ولباقي الكواكب ،تحكم
حياة الجماد والكائنات وتصرفات عقولنا وبالتالي أفعالنا...
كتبت قبل سنوات عن قدرة الرؤية لدينا ومجاالت الرؤية التي يمكننا أن نراها ،عند النظر بقدرة ال
نستطيع أن نتصورها ،عندما نستطيع رؤية النيترون والبروتون والكوراكات ،ونستطيع إدراك فوتون
ضوئي يمر بسرعة الضوء ،هناك في تلك اللحظة ال يمكن أن نتصور أي شيئ ،تخيل مدى فداحة ما
نراه ،ال نستطيع في تلك اللحظات أن نصنع مفهوم للجمال أو القبح ،ال يمكن إطالقا ألي إنسان أن
يتصور عندما ال ترى ال مادة متماسكة سيكون بالتأكيد شيئا مذهال في غاية اإلذهال .هذا حسب التصور
)(67
البسيط الذي أعتقد أنه في غاية الغباء والحماقة.
كإنسان ،ككائن يسعى في هذا الكون ليكون ،كعاقل يسعى لتحرير عقله ،نعيش دوما ،حياتنا كلها
خاضعة لواقعنا الذي ننتمي إليه يمدنا طول الوقت باألفكار يملي علينا األوامر ،لنعمل كجندي يطبق تلك
األوامر ،عقل وقلب مفصوالن ،حواس متمردة ...
أصبحنا ال نتحكم في أفعالنا وتصوراتنا ،أصبحنا ال نحلم كما كنا باألمس أطفاال ال يمثل لهم خرق السماء
شيئا بعيدا المنال ،أصبحنا ال نعرف الرسم ،هناك لنا وجود ،للوحة أمامنا وألوان كطيف الشمس ،
وريش وورق ،مالذي يمنعنا من الرسم مالداعي لنترك الواقع يرسم لنا لنا اللوحة.
منذ أول للحظة أتيت فيها للوجود ،منذ أول للحظة شعرت فيها بخفقان قلبي ،من أول للحظة دمعت عينايا
،من أول يوم لم أنم فيه ،وضعت الواقع خصما لي...
ال أحاول فعل أي شيئ ،أحاول أن أكون ،أحاول أن أبقى إنسانا ،حاولت أن أغمض عينايا ،حاولت أن
أقوم بما يجب القيام به ،حاولت أن أعيش الحياة ال أن أقضي عليها .
حاولت أن أستغل وقتي فأيامي تهرب مني بسرعة ...حاولت أن أتحدث ،حاولت أن أبكي ،أن أفرح أن
أعيش السعادة ،حاولت أن أتحدى التحدي.
كنت أعلم بأني سأبقى وحيدا ،مهما كان حولي أصدقائي ،مهما كان والدايا وإخوتي معي مهما بلغت
قوتي ،مهما بلغت سلطتي ،مهما كانت ثروتي ،مهما كنت حسب الظن أني قوي...
كنت في كل ليلة أتعلم ،ال أجد مه من أتحدث سوى نجوم السماء ،سوى القمر ألحدثه عن معاناة اإلنسان
،لم يكن الهواء يرد ،لم يكن القمر كذلك ،ما تبسمت لي النجوم أبدا.
أنا مسؤول عن كل فشل صادفني في حياتي ،ال ألوم الزمان ،ال ألوم المكان ،بل ألووم نفسي ،ألوم قلبي
،ألوم عقلي عن كل فشل ...
هي الحقيقة أيا كانت ،هي الم رارة بذاتها ،خدعنا أنفسنا في الماضي عندما تصورنا أن الحياة ملك
للواقع...
حياة اإلنسان هي ملكه وواقع اإلنسان تعبير عن إرادته وعن طموحه ...إذا كان الواقع حيا يرزق فالفضل
يعود لنا ،ألن إستمراره متوقف على إستمرار تفكيرنا المتخلف ،إستمرار للمبادئ الفارغة ،إستمرار
للفشل والهزيمة ،هو موت لألمل والمستقبل ،موت للحرية حرية العقل والفكر.
ليست الحكومة مسؤولة عن تقييد العقل اإلنساني ،ليست الشرطة ،ليست المخابرات العسكرية ،أو
المخابرات العامة ،ليس األب أو األم ،ليس الجد أو العم ،ليس المعلم أو اإلمام ،ليسوا هم من سجنوا
العقل وحرموه الحرية...
إنك أنت أيها السجان ،نعم أنا أوأنت ،من سجنت عقلي ,اطلقت العنان ومنحت الحرية للقلب ،أنت هو
الحكومة والشرطة ،أنت الجيش والمجتمع ،أنت األسرة ،أنت كل شيئ في هذا الوجود اإلجتماعي ...
عندما نريد الحديث عن النظافة ،ال نتحدث عن المكان أو الزمان ،نتحدث عن طهارة العقل وسالمته ،
عن طعم تلك الرائحة التي تنبع منه ،فهي منتشرة في كل مكان ،هل هي كالمسك أو الكير ...هناك أين
العقل هو السراج ينير الحياة ،وينشر السعادة واألمل وهناك أيضا أين خيم الظالم على المكان والزمان.
أي عقل هذا من يدعو صاحبه ليعبد األصنام ،ليسجد للبقرة واألوثان ،للشمس والجبل أي عقل هذا.
مهما كانت قدرة العقل على صناعة األفكار ،مهما أبحر في عالم الرياضيات ،مهما تعالو هناك ألبعد
الحدود ...مهما كان ذلك إال أنه لن يعرف الحقيقة كاملة ...
أتساءل ما سبب وجود العقل والقلب معا ،مالدافع لذلك يا ترى !؟ ،من هذا الذي جعلهما معا في جسد
واحد ،من يكون هذا !؟
إن اإلجابة صعبة ،ال أستطيع أن أتحدث باستفاضة عن ذلك كله ،عندما نفكر بمنطق ،عندما نبني
أفكارنا ومبادءنا ،لن نستطيع أن نصل للحقيقة الكاملة ،لو كان الشر هو المقدمة األولى فإن العقل بنى
أفكاره على الشر ،ولن يصدق بالخير ،ألنه ال ينتمي وال يتطابق مع المقدمات والمبادئ التي أنطلق العقل
منها ...لو بدأ العقل بالحرب فإنه لن يعترف بالسالم ومفاهيمه ،لو كانت الفواحش مبدأ للعقل فإن األفكار
الجديدة المتولدة ليست عن الفضيلة ،عن األخالق ،لو أن الكراهية كانت اإلنطالقة األولى ،فلن يصل
العقل الخالق إلى مفهوم الحب والتسا مح ،لن نعرف الصبر والتحمل ،ال نعرف أي شيئ من ذلك
والعكس كذلك...
إن العقل هو الجد ،هو الطريق الذي يرى سوى ما يريد أن يراه ،هو الذي يبني قصرا أو عالما من مبدأ
واحد أو مجموعة من األفكار.
إن القلب هو من يقول لي هذا خير وهذا شر ،هو الذي يرشدني للحب للسالم للتسامح واألخالق ،للفضيلة
...
وهو نفسه الذي يرشد اإلنسان للشر وللحرب للظلم وللفاحشة ...إن العقل هو مصنع األفكار والمطور
الوحيد لها ؛ في حين القلب هو المسؤول عن مده بالمواد عن إرشاده للمسار الذي أختاره له ...
في هذه اللحظات رسالة كتبتها يوم السبت 14نوفمبر 2119بإقامة الجامعة بالبليدة ،كان الفريق الوطني
لكرة القدم يلعب مباراة رسمية للتصفيات المزدوجة ،كان إحساسي حينها كإنسان كمواطن ،برغم أني لم
اشاهد المباراة ،إال أن قلبي كان يعيش في حسرتين ،كان يعيش ألم الفراق وألم الخوف على هذا الوطن.
في ذاك اليوم قررت أن أكتب رسالة أعبر فيها عن إحساس وحب عشته منذ سنة ، 2114أردت أن
أخبرها بالحقيقة أن أبوح لها بما احس به إتجاهها ،رغم أني حاولت كثيرا أن ارسل لها ما يعبر عن ما في
قلبي ،لكن القدر لم يسمح بذلك ،كنت أخشى ،ال أن ترفض بل كنت أخشى أن أسبب لها جرحا عميقا ،
لعل أصدقائي في الجامعة يتذكرون عندما كنا نلتقي في الغرفة د 76بإقامة الجامعة بخميس مليانة ،عندما
كنت أتحدث معهم عن الحب عن الشعور الذي أحس به ،كانت أجمل أيام حياتي في تلك الليالي الدافئة
الجميلة ...
رغم انني سهرت الليل طويال أكتب ،لطالما مزقت الكثير من األوراق كتبت عليها ،وكانت تلك الرسالة
آخر ما توصلت إليه ،أصريت كثيرا على أن أوصلها لها ،أصريت كثيرا لكن القدر رفض ذلك لم يسمح
لها أن تعرف.
إن مبادئ عقلي وأفكاره تحتم علي ال للعيش كإنسان ،بل أن أعيش مع إنسانة ،اليكفي قط كوني إنسانا ،
بل وجود إنسانة معي هي تكملة لإلنسانية.
لم أكن أقرأ الكتب كثيرا ،ليس ألن الكتب ال ترقى ،بل إلرادتي بناء عقل خالص بناء األفكار ألرى إلى
ماذا يمكنني أن اصل.
أحيانا كنت أحاول أن ألعب باألفكار ،درست األفكار وتتبعت تطورها داخل العقل وصياغة مبدأ أو نظرية
)(68
إنشطار واندماج األفكار نبعت من تلك األحداث.
باألمس عندما خرجت تجولت في الشارع ،كان القمر بدرا في منظر فني رائع عجزت عن الكتابة لم أعي
ولم أدرك مالذي سأكتبه ،أحسست بجفاف منبع األفكار توقف المصنع فجأة ال يستطيع أن ينتج ...
لقد أنتهى عصر الوصاية ،وانتهى عصر اإلحباط ،إنتهت اليوم حياة إنسان فاشل عاش أكثر من عشرين
سنة ؛ يتكلم فقط لم يحول الكالم إلى واقع إلى عمل ملموس...
لطالما كنت أهاب أن أتخذ قرار ،لطالما خفت أن أخطو خطوة نحو األمام ،لطالما تألمت من حياة الفشل،
أردت في للحظة حاسمة أن أتم رد على التاريخ ،أن أتجرد من ذكرياتي أن أتخلى عن واقع عشت حياتي
فيه.
في هذا اليوم اردت أن أتغير ،أريد أن أعيش بعقلي فقط ال أريد لقلبي أن يكون له مكانة في حياتي ،
لطالما كانت أمنيتي ،عندما تصل للحظة ،عندما تراجع حساباتك ،إنسان أحب ولم يستطع التعبير لمن
يحب ،إنسان أمتأل قلبه باألمل ال يستطيع أن يعيش حياته سعيدا ،إنسان لطالما كانت نفسه جميلة عندما
أهانها الجميع .
لقد نقدت هذا المجتمع بما في ذلك أسرتي ،بما في هذا ذلك أساتذتي ،بما في ذلك أصدقائي ،لطالما كانت
حمولتي زائدة ،لما كان ضغط عقلي ال يقاس بالبا سكال ،بل تجاوز األتموسفير ،اليستطيع الجماد أحيانا
أن يتحمل الضغط الذي يعانيه اإلنسان...
ال أجد للمال قيمة ،ال أجد ألحالمي مكانة هنا ،ال أجد سوى اإلحباط ،ليس لي من أعيش ألجله ،ربما
أكون قد خذلت هذا الوطن ،ربما قد تكون الجزائر الوحيدة من تفهمني ،ربما أريد أن اطرد قلبي من
وجود اإلنسان...
أحس دوما بعدم إستقاللي بالقرار ،أحس دوما أني أفصل األشياء كلها وفي تقديراتي ليست لمصلحتي بل
لما يخدم اآلخرين ...لكني أرفض هذا الواقع ولطالما كنت متمردا على الواقع أرفض أي نظام قائم.
قبل أربعة سنوات كنت في قمة الديبلوماسية ،كنت في قمة الحنكة ،كانت سياستي واضحة ،وتصرفاتي
واضحة ،كنت أعامل مع اآلخرين ال بمبدأ المصالح ،بل كنت أحاور واتكلم ،أتحدث بروح بريئة تسعى
إليجاد حل...
كنت أفهم كل شيئ يحيط بي وحددت أهدافي بدقة ،وشرحت لنفسي الوضع والظروف وأتخذت القرارات
المختلفة.
لم أجد خالل سبعة سنوات مضت من يفهمني ،من يعي ما أقصده ،من يتجاوب معي في حديثي وفي
أفكاري في مبادئ حياتي وفلسفتي.
الزلت أنزف ،أفقد الطاقة والقدرات المختلفة ،أردت أن اتحدى الواليات المتحدة األمريكية أردت أن
أتحدى روسيا والصين...
أحيانا اسأل ما غاية وجودي مالدافع لذلك وماهي أبعاد تفكيري ومبادئ عقلي ...مجتمع شرقي متخلف
عقليا ،ومجتمع غربي متخلف روحيا وكالهما اليعبر عن اإلنسان في حقيقته أو حتى في كينونته.
أسرة الحوار فيها ومجتمع اليقبل التفاهم أوالحوار ،اليريد أساسا أن يفهم ،وشعب يدعي الرقي وهو
اليستحق وصف الشعب ...الشعب عربي أو أوروبي أو آسيوي فكالهم مجتمعات فارغة المعنى لها...
ال أدري ما سبب قيام هاته المجتمعات ،عندما ندرس اآلفات ومشاكل المجتمع الداعي ألن نتطاول
والداعي لإلدعاء ،هل المشاكل أتت من خارج الكون أو خارج المجرة ،هل الكائنات الحية األخرى هي
مصدر هاته المشاكل ن هل النباتات هل البحر أو الجبال أو الشمس هي مصر كل هاته األخطار...
إن المجتمع هو مصدر المشاكل ألنه مجتمع غير مثالي ،مجتمع اليحمل أي مقومات لقيام المجتمع...
أشياء كثيرة تغيرت حسب نظرنا القاصر عن إدراك الحقيقة ،تغيرت كثيرا المجتمعات ،بل ماتغير منذ
مئة سنة ليس المجتمع بكيانه ،بل شكل هذا المجتمع ،بل جذور المجتمع لم تتغير ابدا مهما تغيرت
المالمح ،مهما تغيرت الصورة ،مهما تغيرت للغتنا ،بل مجتمعنا بقي ولم يتغير ابدا ،نفس األحالم ،
نفس المبادئ التافهة ،نفس الثقافة السطحية ...
ما يحزن ني اكثر في حياتي هو تعلق مصالحنا المشروعة بافراد ال يعون واليدركون أصال وال يولون
أهمية لنا ،اليقدرون احالمنا وطموحاتنا...
)(69
تبا لتلك الطموحات الباردة وتبا لتلك األحالم التافهة وتبا لألناة ولذات هذا اإلنسان ...
ما أدركته خالل األيام القليلة الماضية كان شيئا مختلفا ،مع بداية السنة الجديدة بدأت الشعوب العربية
مرحلة جديدة في تاريخها ،بدءا من تونس إلى مصر ثم اليمن والبحرين وليبيا ...الخ
كل قائد يصل للسلطة يسكن في الكرسي ال أدري لماذا ،هل الكرسي مكهرب؟ أو عليه غراء الصق ،أو
هي جنة أو رياض جنة ،ال أدري م الذي يوجد هناك ،هل هم أعقل الناس ؟ وأعلم الناس وأدراهم بالسياسة
وبحل مشاكل الشعب وبإحترام المسؤولية وعدم خيانة القسم.
هناك الكثيرون في البلد من هم أدرى من السلطة الحاكمة ،لما ال يترك اإلنسان الفرصة لآلخر األحسن،
إن طول ركود الماء يؤدي إلى فساده...
من تكون هاته الحكومة أو هذا الرئيس ،ماذا يحسب األمن أو الجيش نفسه ،إن مؤسسات الدولة أيا كانت
هي موجودة لخدمة الشعب وللحفاظ على أمنه وإستقراره ،للشعب الحق في طرد من اليسهر على راحته
ومن ال يؤدي واجبه إتجاه المواطنين ،من اليحترم حقوقهم واليعمل من أجل تحقيق أحالمهم...
هل هذا معقول أن تقصف الشعب بالطائرات المقاتلة ،هل هذا شيئ من المنطق وإن حصل ماذا يعني
ذلك...
إن العامل في البلدية أو المسؤول في إدارة عمومية ال يتكلم ،اليحق له أن يرفع صوته على المواطن.
إن الشعب في أي بلد هو السيد ،هو الحكومة ،هو الدولة في حد ذاتها ،ال السياسي ،ال الديبلوماسي ،ال
العسكري ،ال الرئيس يقول له ال ،أو يرشه بالماء الساخن ،أو يرمي عليه قنابل مسيلة للدموع أو يضربه
)(70
بالعصى كأنه إبن ضال.
في تلك اللحظة الغريبة أين يدرك الجندي مالذي يفعله ،عندما يجد نفسه بعيدا هناك ال يؤدي واجبه
واليحترم كونه جندي.
َّ
إحساس مؤلم ينتاب اإلنسان ،يجد كل شيئ مسخر له ،حياته أمامه يعيشها كما يريد ،ارض وفرت لمن
يعيش عليها كل شيئ ،ال أتخيل ،ال أحلم بل حقيقةً أرض قدمت لنا كل شيئ.
ونحن لم نتحرك ضمائرنا الجامدة ،كأن ما أصابها شيئ غريب أو قوة خارقة أفقدت الضمير وعيه وشلت
العقل عن التفكير...
هناك في هذا العالم من يتجاهل كل شيئ ،من يرى لونا واحدا للحياة ،لون أسود قاتم فقط ،هناك من يرى
في داخل نفسه سوى النقائص سوى األشياء السيئة ،لم ينظر أبدا إلى طيبات نفسه إلى ما أعطى له هللا
ووهبه من نعم ،لو وهبت للج بل لخر ساجدا هلل من الحمد والشكر له...
علي ،في كثير من األحيان أخجل من نفسي ،أخجل كثيرا َّ أحمد هللا في كل وقت على كل نعمة انعمها
لتفريطي ،ألني جندي نال المكافأة لكنه لم يؤدي واجبه ...ن الواجب ليس تبرعا ليس شيئا أو خيارا نقوم
بعمله او تركه حسب رغبة قلوبنا ،إن الواجب هو تكليف لنا ،تأديته التقبل الجدل ،والرجاء فيه ألحد
تنفيذ الواجب هو حق هلل هو رد للجميل ،ليس ردا بمعناه الحقيقي لكنه تعبير بسيط عن الشكر واإلمتنان
لمن وهبنا تلك النعم .
ال أفخر بشيئ في حياتي ،أفخر بكوني إنسانا ،أفخر بكوني مسلما ،أفخر بكوني محب ،أفخر بكوني
جزائري ،ال أملك المال وإن ملكته فليس فخرا بالنسبة لي ،ال أملك العلم وإن ملكته فلن يكون فخرا لي
ألني كلما تعلمت أزددت جهال بعلمي.
كم أتمنى قبل أن تأتيني المنية أن أرى المسلمين يقودون العالم ،أن ارى العدالة في المجتمعات ،ان أرى
نور ال شمس قد اضاء العالم ،أن أرى الحب الصادق الطاهر قد انتشر في المعمورة ،أن أرى السالم ،كم
أتمنى أن يندثر الشر من هذا العالم ،كم أتمنى أن تعود لإلنسانية قيمتها ،أن يعود اإلنسان في كل مكان
كنز للطبيعة ،كنز علينا أن نحافظ عليه.
لن يستطيع إنسان في العالم من فردا أن يقضي على الشر والظلم ،علينا جميعا أن نكون رجال واحدا ،في
كتاب آخر إسمه أخطاء القياة وإخفاقات الشعب ،تحدثت فيه عن كل ما يهم السياسة ،كيف للمشروع
السياسي أن ينجح ودور الشعب في تحقيق النهضة اإلقتصادية والعلمية واإلجتماعية .وسبب اإلخفاق
راجع الخطاء القيادة السياسية في صياغة المشروع السياسي.
إن البرغماتية األمريكية فتنت اإلنسان وغيرت أفكاره ،ومع ذلك التغير أصبحت احالم اإلنسان أكثر
تفاهة.
ليس صائبا أن يأخذ اإلنسان أفكار اآلخرين ونظرياتهم ،في حين بإمكانه صناعة أفكاره ومبادءه وتظرياته
الخاصة.
لقد بره نت االيام واألحداث والواقع العالمي ،و واقع الشعوب ،واقع اإلنسان واألسرة والدولة ،في خضم
األفكار اإلشتراكية والرأسمالية العقيمة ؛ أن كافة تلك األفكار الغبية والتي ال تعبر سوى عن الجشع والشر
اللذان يمآلن هذا اإلنسان ...ال تخدم المجتمع ككل بل كالهما تعمل لخدمة السلطة واإلقطاعيين الكبار...
أحيانا أريد أن أتعجب ،أريد أن أنظر بعمق إلى ما يرشدنا إليه كالم هللا إلى مايريده منا هللا بكل تأكيد أن
اإلنسان العالم ،المفكر ،اليعلم واليستطيع أن يدرك ما يتعلق بالحياة وما يجري ،واليمكن أبدا أن يلحظ
التطورات التي تحدث .إن إدراك اإلنسان عاجز وفهمه قاصر ،اليستطيع إدراك كل شيئ...
في هاته اللحظات أردت أن أكتب ،لم أستطع أن أنام وأرق شديد اصابني ،وهكذا كانت أيام الصيف تمر
،ال أستطيع النوم بسهولة ،ال أعلم مالذي سأكتبه وسبب وجودي هنا في هاته اللحظة حدث عنما فكرت
بواقعية أكبر في المسألة الشخصية ،كنت أفكر مالذي سيقوم به أب أو اسرتها إذا تقدمت لخطبتها ،ليس
لي سكن أو غرفة ليس لي دخل أو أرض ،أو عمل أو مستقبل كما قال لي أحد أصدقائي.
تساءلت في نفسي مالذي أريده منها ،وماهو السبب الخفي الذي جعلني أتمسك بخياري ،من يدري وماهو
توقع اإلنسان عندما ترتبط سعادته باآلخرين .
في للحظات رائعة من الهدوء والسكينة ،تشعر بكينونة اإلنسان بوجوده العقلي والجسدي والروحي.
ما أحاول كل الوقت القيام به يتجلى في نضالي وكفاحي المستمر من أجل ان يبقى قلبي ممتأل بالحب ،
بالوفاء والتسامح باألمل والصبر وبكل الصفات النبيلة والحسنة ،كنت اخشى من غدر هذا الزمن ،كنت
مستعدا ألعيش فقيرا طول حياتي على أن أفقد التسامح وحب السالم ،على أن أفقد الحب وإيماني.
في عصر من أخطر العصور ،في للحظة من أصعب اللحظات ،في عالم متوتر شرس اليقدس اإلنسانية
،اليحترم وجوده وبقاءه وإستقراره ،ليس أمامنا سوى أن نمضي بال رجعة ،أن نحاول وبكل قوتنا أن
نبقى في الصراع أن ال ننهار في الحلبة ،اإلنسانية تقاتل المادية والبرغماتية ،تقاتل ال لكي تنهزم بل لكي
تحقق النصر الحاسم في النهاية ...
لست باليساري وال باليميني ،لست بالشرقي وال بالغرب ي ،لست بالشيوعي أو الليبرالي ،لست ماركسيا.
بل أنا أوال إنسان وثانيا انا مسلم ،إيماني واحد اليتغير وحياتي هي ما أريده وما رسمته على للوحتي...
في عصرنا الحديث كثرت المتغيرات ،وتغيرت القوانين والمبادئ حسب مايخدم هوى هذا اإلنسان أو
ذاك.
بينما الناس نيام ؛ في للحظات الليل الهادئ ،عندما تفكر ال توجد سوى أن تفكر في اإلنسانية وأبعادها
ومفاهيمها المختلفة.
كم كنت أحب الرسول صلى هللا عليه وسلم كم كان شوقي يزداد وآملي ليوم اللقاء ،كم أطمح ألن أتطهر
من الرجس ،كم أحن إلى ذاك العالم المشرق في تاريخ العالم ،عصر الصحابة ؛ عصر المبادئ الفاضلة
،عصر األخوة ،عصر بلغت فيه اإلنسانية قمة المجد ،عصر لم يكن فيه فرق بين عربي أو أعجمي !
عصر مختلف تماما عن عصرنا.
تلك المصابيح الالمعة التي تزين السماء ،لم نتأمل فيها جيدا نظرنا إليها بالعين فقط حرم عقلنا الفتي من
النظر والتأمل ،من التدبر في السماء وفي تلك النجوم ؛ أي اله هذا من زين السماء وخلق اإلنسان في
أحسن تقويم ،إن عظمة هذا الخالق العظيم تتجلى في روعة المخلوقات في دقة وفي كمال خلقها.
أسخر في الكثير من األوقات من تلك الفلسفة اليونانية واإلغريقية الفارغة ،فلسفة عقيمة المعنى لها ،
النتيجة والفائدة ترجى منها سوى خراب أو دمار أو عجز يصيب عقولنا وتهوي به إلى ضالل بعي...
إن رحمة هللا وكرمه وفضله وسعت كل شيئ في هذا الكون ،شملت اإلنسان وباقي الكائنات...
ال أدري في الحقيقة ما سيكون رد فضيلة قادري وأسرتها لو تقدمت لخطبتها حسب واقع هذا المجتمع
فغنهم سيرفضون ،لو كانت آلية تفكيرهم تستمد مبادئها وأفكارها من الواقع...
مالذي سيحدث بعد ذلك هل هنا انتهت القصة ؟ هل ستؤول المعادلة أو المتغير الرياضي إلى العدم؟ أو أنه
عنصر حياد اليؤثر في تلك المصفوفة.
)(71
مايعجز عقلنا الصغير عن إداركه وإكتشافه ستكشفه لنا االيام...
إحساس غريب ينتابني أحيانا ،وماكان طول حياتي أشعر به إنقباض صدري وقلبي ،لم تعد هاته الحياة
تمثل لي أي غاية ،لم أجد في دنيا الزوال راحتي وسعادتي ،أشتاق للحديث ،اشتاق كثيرا ألناضل بقلمي
ألزعزع ثقة أعداء المسلمين في أنفسهم ألثير فيهم الشكوك حول إستمراريتهم ونجاحهم.إن التحدي يدفعنا
للعمل بإخالص شديد ،يدفعنا لألمام
حدثنا اإلمام اليوم عن الجنة ونعمها ،عن الحياة فيها كيف ستكون ،أمتأل قلبي أمال وطموحا ورغبة
وإلحاحا ؛ قصور مبنية من الذهب والفضة ومالطها المسك الطيب ،مسك الجنة ن أرض غير األرض
وحياة غير الحياة ومالبس سندس واستبرق وحرير ،وعسل مصفى ولبن وقطوف دانية ،وهواء نسيم
وريح منعشة .
لم أحس بالسعادة الكاملة والفرحة الكبرى ،إال عندما أخبرنا أنه سيأتي منادي يدعو أهل الجنة لموعد
اللقاء.
للقاء مع هللا تبارك في عاله ،ما سيكون شعور اإلنسان عندما يرى هللا أليست تلك سعادة يطمح إليها
العلماء والفالسفة ،وكل إنسان أراد السمو في الطموح ،هذا هو الطموح والحلم وليس أطمح أو أحلم
ألقتني سيارة فخمة وفيال مقابل شاطئ البحر ،أن تعلوا همة اإلنسان وطموحه ،لترتفع عاليا في السماء
لتطلب ال أشيا ء تافهة بل لتطلب أن ترى هللا ،إن هللا هو الخالق وال أحد ينكر تلك المخلوقات ،ال أحد
يغفل عن النعم وكيف أن السماء تمطر واألرض تنبت وتخرج الزرع...
من هذا اليوم سأقطع على نفسي وعدا ،لن أعمل ولن أسعى في طريقي إال من أجل الجنة من أجل أن
أحجز مقعدا لي في ساحة اللقاء هناك على أرض الجنة ....
أليس فخرا لإلنسان أن يسعى للقاء األب واألم ،ابي آدم وأمي حواء ،أليس فخرا أن نسعى من أجل ان
نلتقي بنوح وإبراهيم ،بداود ويعقوب بإسحاق وإسماعيل بيونس وأيوب وكل الرسل واألنبياء وكل
الصالحين ...
أليس فخرا أن نسعى للقاء رسول هللا محمد صلى هللا عليه وسلم ،أليس ذاك حدثا يستحق منا التضحية ،
يستحق النضال والكفاح ...
لن أتطاول على اإلنسان ،فهو كائن كالكائنات ،ولن ألومه ،بل سأسعى ال للعتاب بل سأسعى للعودة إلى
الطريق إلى ذاك الصراط.
إن حياة اإلنسان في بعض األحيان تسلك سلوك دالة جيب ية ،سلوك غريب في بعض األحيان.
بيني وبينه مسألة شخصية ،حرب ضروس أخوضها مع ذاك العدو ،إنه العدو األول لإلنسان .
في تلك اللحظة الحاسمة على اإلنسان أن يثأر ،بل عليه أن ينتقم بشدة سيكون شديدا جدا كلما اقترب
اإلنسان من هللا ،كلما سعى ليرضيه ،كلما اتبع أوامره وانتهى وامتنع عن تلك النواهي...
إن العقل البشري كما قلت في يوم ما هو مصنع األفكار ،كما أن الواقع يمدنا بأفكارنا فإن هللا بنوره
وهدايته ينير لنا عقولنا بتلك المبادئ الصحيحة والقيم واألخالق ،بالتدبر والتأمل في آيات الكون بالسفر
بسرعة كبيرة نحو الطريق الصحيح .
في للحظة من للحظات الحياة هناك أين يصدا العقل ،بعدما ظن أنه استغنى عن هدى هللا ،يعود العدو
الذي يملك سالح وحيد وهو اإلصرار ؛ يعود بمكره وبخداعه ليمد العقل الغافل بالمبادئ المدمرة ألي
بنيان أو نسيج فيخلق العقل أفكارا فاسدة تهدد اإلنسان واإلنسانية تذهب به بسرعة كبيرة إلى أقصى مكان
وأبعد نقطة ضالة.
وهو يسير بتلك السرعة الرهيبة ،يفيق العقل من غيبوبته ،يعود ليحيا من جديد عندما يدرك الوضع
الجديد ،يتدخل بكل قوته ليوقف قطار الهاوية ،يرجع اإلنسان بعد غفلة إلى طريق رائع إنه الطريق إلى
)(72
هللا...
كرض يع متعلق بصدر أمه ،ال تستطيع أي قوة أن تبعده عن ذلك الصدر الحنون ،اليستطيع أن يعيش
بعيدا عنه ،ولن تكون لحياته أية قيمة أو أي مذاق رائع ،كذلك اإلنسان .
ال يمكن لإلنسان أن ينفصل أو أن يبتعد بعيدا عن الدواء الروحي الذي أهداه هللا له ،إن اإلنسان قبل أن
يك ون جسدا وكيان مادي ملموس هو روح تواقة لألمل ،للهداية ،للنبل ،لألخالق ،للصدق والوفاء ،لكل
الصفات الجميلة لإلنسانية للسعادة واإلعتدال ...إن اإلنسان شيئ مختلف عن باقي المخلوقات ألن روحه
من هللا ال يمكنها ان تبتعد عنه وهي متعلقة به ال تستطيع ولن تستقر إذا ابتعد اإلنسان عنه.
عن العلم الحديث اثبت بأن سالمة األعضاء وجسد اإلنسان مرهون بسالمة الر وح وطهارتها من كل
شيئ.
إن العقل عقدة خالقة ومبدعة ،والجسد ككيان مادي يغذي ويمد العقل بالطاقة ،والروح اإلنسانية كعامل
تماسك بين الجميع ،إن أمراضنا العضوية ماهي إال نتيجة وترجمة حسية ألمراضنا الروحية ،وخلل
أصاب العقل في كيانه...
كما تحدثت قبل اآلن على أن االعضاء الحسية تقوم بترجمة األوامر واألفكار العقلية إلى عمل وافعال
حسية ملموسة ،سواء كانت تلك األفعال والتطبيقات ظاهرة لنا أو كانت خفية ال نستطيع إدراكها .
إن اإلنسان كائن حسي وروحي وعقلي ،فعندما يصيبه خلل يمس أحد مركباته األساسية فمن الضروري
أن نفهم هذا اإلنسان ،فهو ليس آلة نقوم بإصالح العطل من خالل معاينة االعطاب وتبديل القطع أو إعادة
تثبيتها في مكانها الصحيح...
اليكون ابدا العالج نافعا ،إذا قمنا بفصل تلك المركبات فالعالج الجسدي هو جزء من العالج الكامل والذي
يشمل أيضا العالج الروحي و أيضا العالج العقلي ...
بتحقيق كل هاته الشروط سيكون العالج فعاال أضعافا كثيرة من فصلنا للمركبات ،إن الدراسة العميقة
لتلك المركبات األساسية ستفتح لنا أبوابا جديدة في العالج .
إن التصحيح لن يكون وليد اللحظة ولن يكون سريعا كما تالمش أعيننا وكما يخفق القلب ،بل هو مرحلة
متدرجة لها خطواتها المتعاقبة والواضحة ،مبنية على المنطق الرياضي.
في للحظة هامة من حياة اإلنسان عندما يتخذ قرارا مصيريا بضرورة إحداث تغيير جذري في كل ما
يتعلق بنا ،ب حياتنا ،بعملنا ،بمبادئ عقلنا ،فهنا ستتجلى لنا اشياء كثيرة هي أكثر أهمية من التغيير في حد
ذاته.
إن مشروع التغيير متعلق باإلصرار على إحداث التغيير بالمتابعة أثناء فترة التغيير وتوفير أسس وشروط
إحداث التغيير ،لن يكون هناك أي تغيير دون أسس واقعية ومنطقية ت بين الغاية والهدف وتبين لنا آلية
وشروط ووسائل إحداث التغيير.
إن العقل يحتاج للغذاء السليم كما يحتاج الجسد للغذاء السليم وكما تحتاج الروح للغذاء السليم ،إن
الرياضيات كعلم راق هو من األغذية الثمينة والغنية بالمبادئ بالمعادن وبالبروتينات وبالفيتامينات ،كذلك
أنواع العلم األخرى ،واللغة والفن كالرسم والموسيقى والتاريخ وكل ما يعتبر صحيحا.
لطالما في حياتي كنت ناقدا ،أنقد الحكومة ،انقد السلطة ،أنقد األرسة وأنقد المجتمع ،في نفس تلك
اللحظة كنت أنقد نفسي وأعاتبها دوما لكني لم أنظر لألمام ،لم أنظر لألشياء الجميلة التي يحملها الناس
ويحملها البشر ...
لطالما كان اإلنسان يمثل لي شيئا فريدا من نوعه غريب عن باقي الكائنات لما ال ننظر لألمام نتفاءل
بالمستقبل ،لما ال نحيا معا ال في سبيل أنانيتنا وغرورنا الزائف وال من أجل إثبات ذواتنا بل من أجل أن
نبني مستقبال مشرقا ،من أجل سعادة ارضنا وهذا البلد العظيم ،من أجل أجيالنا القادمة.
إن واجب اإلنسان كبير ودوره ال يقل عن دور الرئيس أو قائد الجيش أو العالم أو السياسي أو أي إنسان
آخر مهما بلغت مكانته ومهما كانت مسؤوليته.
في للحظة ثمينة أين يقف اإلنسان منا وقفة احترام ،يقدم إعترافا بإحترامه لنفسه ،هناك في نفس اللحظة
اين يمكن أن يحترم اآلخرين...
إن اإلنسان خلق ليعيش ،خلق من أجل أن يعمل ،من أجل أن يراجع دروسه في سبيل اعظم إمتحان
لإلنسان .ال أقول امتحان للماجستير ،أو إمتحان لنيل الدكتوراه ،ال أعني بالطبع إمتحان من أجل أن
تصبح عالما أو ينادونك بالسير ،إنه إمتحان أمام هللا جزاؤه مختلف ؛ من أجل الجنة .
لما اليقم الناس ويتحدث ،لما اليفكر ويقول لما ال أكون لما ال أنالها ،سأعمل فقط من أجل الفوز والنجاح
في ذاك اإلمتحان العالمي مدته عمر هذا اإلنسان ...سأعمل من أجل الجنة ،أشقى في هاته الدنيا الفوز
)(73
بها هناك في تلك الحياة...
عند النظر إلى المصفوفة الكونية من وجهة نظر رياضية ينتابني إحساس بانه يمكننا أن ندرس وأن نحدد
للحظة إنعدام أو إنهيار المصفوفة ،ألنه من السهل في الرياضيات دراسة تغير مقدار رياضي وتحديد
نهايته.
كما هو معروف أن المصفوفة الكونية حسب تلك النظرية ليست متغير أو مجموعة محددة من المتغيرات
بل تتركب من مجموعة هائلة من المتغيرات التي تتطور بصفة عشوائية وفي كل للحظة زمنية.
هذا ما يجعل من المستحيل أن نتمكن من دراسة المصفوفة على النطاق الكوني وبالتالي فليس إطالقا ممكنا
أن نجد الحلول أو للحظة إنهيار هاته المصفوفة ،حتى القيام بدراسة جزئية بإختيار مصفوفة صغيرة
ستكون عملية صعبة بعض الشيئ حسب عدد المتغيرات المرتبطة بثوابت أخرى.
باإلستناد إلى مصادر الحقيقة ومصادر العلم ،فإنه الصورة تكون واضحة بعض الشيئ ،حيث اليمكن من
وجهة نظر عقلية رياضية أن تنهار المصفوفة بمعنى إنهيار الكون دون أن تنهار مكونات المصفوفة
بذاتها.
كما أنه أيضا اليعني ذلك بالنسبة لعقل فلسفي وعقل يستمد الحقيقة من خالل مصادر أخرى ،ليست
المصادر التقليدية ،كاإلستدالل العقلي الخالص أو باإلستناد إلى النتائج التجريبية بأن الكون سينهار عندما
تنعدم مكونات هذا الكون بمعنى أن بداية اإلنهيار ستكون عكسية ،كما كان تطور المصفوفة الكونية.
لكن في تلك المرحلة ستكون السرعة كبيرة جدا أكبر بماليين األضعاف من مرحلة التطور تلك المصفوفة
،وكل هذا يعني أن عملية اإلنهيار الشاملة ستكون من خال ل عدة إحتماالت على سبيل المثال ان يبدأ
متغير أساسي في المصفوفة الكونية ،شيئ ال أدري ماهو باإلنهيار سيؤي إلى سلسلة من اإلنهيارات
المتتابعة والسريعة.
إن المتغير الجذري أو الخفي سيؤول إلى العدم نتيجة حتمية لخلل رياضي سواء كان خلال فيزيائيا أو
كيميائي أو ميك انيكي أو حتى خلل ىخر ال أستطيع أن أتصوره.
إن اإلهتمام بدراسة الظواهر المختلفة والتركيز على دراستها واإليمان بأن الظاهرة الفيزيائية والظاهرة
الكيميائية والظاهرة البيولوجية والظاهرة اإلنسانية مترابطة ،تحكمها عالقة رياضية واحدة ،ومجموع
الظواهر سي ّكون لنا ال مصفوفة الكونية كما هو معروف لدى الجميع ،إن فساد الشيئ يعني بالمقابل فساد
مركبات هذا الشيئ ،سواء كان األمر بالنسبة للكون كحالة شاملة أو للمجتمع أو لإلقتصاد أو للجيش أو
للثقافة أو األسرة ،أو اإلنسان في حد ذاته.
في للحظة من حياتي عندما تسوء األمور قليال ،عندما اليستطيع العقل أن يفكر وعندما تجري الرياح بما
التشتهي السفن ،هناك أين اكون وحيدا في عالم خيالي ألجأ ألدخن ،أمسك بالسيجارة ،ليست كتلك التي
يعرفها الناس ،ال أضعها في فمي بل كنت أمسك بها بيدي ،لم يكن ينبعث منها دخان بل كان حبرا أزرقا
والسيجارة كا نت قلما هو وسيلتي ألهرب من اآلسى ومن األحزان.
إن السعادة واإلنسان ،إن الحياة كلها بواقعها وبآالمها وبأفراحها لن تكون كذلك إال عندما يسعى اإلنسان
ليحاول ..
قبل سنوات قليلة فقط كانت نظرتي للواقع السياسي واإلقتصادي واإلجتماعي للوطن اإلسالمي محددة
تشوبها بعض األفكار الغير واضحة ،األفكار التي غذت عقولنا خالل سنوات مضت.
كإنسان يعيش في كوكب بعيد ،يطمح ال لكي يحقق ذاته بل يسعى ليكون إنسان ،يقاتل الظروف
واألسباب التي تنزع منا صفة اإلنسانية ،إن العالم بواقعه ال يرد لهذا اإلنسان سوى ليصبح كائنا جامدا
يسعى خلف الج امد وتاركا تلك المعاني التي تمثل لنا أرقى العلوم الرياضية ،ارقى الحقائق ،المعرفة
الكاملة.
ال أحد ربما فكر في مفهوم الحب من وجهة نظر علمية ورياضية ،ال أحد أيضا فكر فيما هو الصبر ،ماذا
يعني كل هذا بالنسبة لنا...
)(74
ماهو التسامح ،ماهو السالم ،ماهو الشرف ،وماهي الكرامة ،ماهي األمانة ...
إن موجة التغيير التي شهدها العالم اإلسالمي خالل بداية السنة الجديدة ،ليست دليال قاطعا ،ولن تؤدي
إلى تحقيق التغيير الذي يريده هؤالء ،سواء التغيير السياسي أو اإلجتماعي أو تغيير الواقع اإلقتصادي.
ألن من يريدون التغيير ،اليعون واليفهمون ما معنى التغيير سوى من وجهة نظر ضيقة أو محدودة ،
وهذا ما سيؤدي إلى فشل وإخفاق مساعيهم ألنهم اليعرفون ماذا يريدون بالضبط.
بغض النظر عن باقي المجتمعات ،مثل النموذج الياباني مثال اعلى للشعب ولألمة الواعية التي تعرف
مالذي تريده وأين يريدون أن يذهبوا.
كان هدفهم حينذاك أن يرقوا بوطنهم وان يحققوا لهم ذاته وهذا هو السبب الحقيقي لنجاحهم ...
إن المجتمع هو الذي قاد النهضة ،هو الذي أسس المؤسسات والشركات هو الذي أقام الصناعة والتجارة
وهو الذي صنع الحكومة.
إن مجتمعاتنا تفتقر كثيرا إلى الفكر اإلستراتي جي وآلية تفكيرنا محدودة القدرات وقاصرة على إدراك
المستقبل ؛ منذ بداية الحرب الباردة حتى هذا اليوم الزلنا ال نعرف مالذي نريده ،اين نحن في هذا العالم
وهذا الواقع؟
إن االمر ال يتعلق بنا فحسب ،بل يتعلق بأجيال قادمة وبمستقبل هذا الوطن ،لقد كانت السياسة دوما للعبة
شطرنج الفوز فيها دوما مرتبط بالخطوات المستقبلية وليس بخطوة واحدة.
سبب الخلل االساسي يمكن في أن ترتيب األفراد في المجتمع ليس صحيحا بل خاضع ألهواء وأفكار غبية
،بمعنى أن الفرد ليس في مكانه الصحيح ،وهذا أدى إلى وجود خلل في تركيبة المصفوفة الجزئية بما
يعني أن المركبات غير صحيحة وليست مرتبة في الشكل الصحيح ،وهذا هو السبب الحقيقي وراء بقاء
المصفوفة الكونية ثابتة في مكانها أو جعلها منهارة على نفسها.
إن مجتمعنا عليه ان يتغير بصفة كلية ،حتى يتحرر من األفكار ومن الرجس الذي يصيبه حتى نتطهر
جميعا من األفكار ا لغبية التي نؤمن بها ،ألن طبيعتنا االولى ترفض كل المبادئ التي ال تتفق في أساسها
مع مركباتنا الروحية والنفسية والعقلية...
إن لتنشئة األفراد دور أساسي في واقع هذا المجتمع أو ذاك ،كنت اسأل أحيانا أصدقائي وبعض الناس ؛
ماهي أحالمكم؟ ومالذي تطمحون إليه ،لم يكن الوطن أبدا من طموحاتهم وهذه هي المشكلة الرئيسية ،
هناك من يفكر في نفسه وهناك من يفكر في أبناءه ،هناك من يفكر في عائلته والقليلون فقط ال اعرف من
هم من يسهرون ألجل هذا الوطن ...كما قلت في أحد األيام ،إننا ال نملك هذا الوطن بل نحن ومالنا ملك
للوطن ،وهذه هي الحقيقة ،إن األرض لم تتغير منذ عهود طويلة لكن من يعيشون عليها تغيروا كثيرا ،
أجيال مضت وأجيال أخرى ستأتي بعد ذهابنا.
إن الهدف األساسي لي كإنسان يعيش على هذه األرض هو أن أرقى بوطني ليحتل مكانته الحقيقية بين
دول العالم ،إن مكانة وطني ليست هذه التي هو فيه ا بل مكانته هناك ،ال أطمح ليكون وطني الثاني بل
أطمح ليكون األول ،وأعتقد أن هذا هو طموح كل مواطن يعيش على ارض هذا الوطن.
إن التفكير التقليدي الذي يمثل مصدر إلهام للشعب وللمجتمع هو السبب األول للواقع الذي نعيشه ،لبدء
التغيير ال بد من تغيير الفكر ،ليصبح عقلنا عقال إستراتيجيا ،واجب القيادة هو أن يضعوا هذه االمة في
السكة هذا هو المطلوب منها أل ن الشعب هو القطار ،والقطار اليتحرك من خالل قوة دفع خارجية توفرها
له الحكومة ،لوكان األمر كذلك الصبحنا اليوم من العالم المتقدم...
لكن القطار يتحرك بقوته الذاتية الداخ لية ،فهو الذي يحرك نفسه ويدفع بنفسه إلى حيث يريد وهو أيضا
الذي يعود للوراء بطاقته االسلبية.
قبل أكثر من أربع سنوات عندما أسست الدولة إستنادا إلى نظريتي التي سميتها الدولة الصغيرة ،التي هي
نموذج مصغر للدولة الكبيرة ،تبين لي أن المكونات األساسية لبناء الدولة هي أن تكون هناك أرض وأن
يكون هناك شعب وايضا أن تكون حكومة قائمة.
لقد بنيت دولتي على ركن واحد وهو الحكومة ،في سني حينها لم تكن لي أسرة ،زوجة وأوالد ولم تكن
لي أرض بمعنى منزل ،كنت في بيت العائلة...
إن نظرية الدولة الصغيرة استندت وأستمدت محتواها من الدولة الكبيرة ،الدولة التي نعيش فيها أو أي
دولة أخرى قائمة.
لكل دولة إقتصاد ودستور وجيش وسياسة واضحة ومعينة ،ونظام حكم معين خالل تلك المدة التي سميتها
بمرحلة تأسيس الدولة كانت وكأي تاريخ مرحلة صعبة وقاسية ،سعيت جادا أن أستقل بنفسي أن أؤسس
كيانا راسخا له حدوده الجغرافية وطن أعيش فيه وأفرح فيه ،احزن فيه ،اقبل فيه الذل والمهانة من أجله
...وأعتمدت سياستي في األساس على مبدأ العزلة الدولية .
لقد رفضت طويال أن اكتب أو أن اطرح نظرية الدولة الصغيرة ودورها الفاعل في المجتمع واثارها
اإليجابية على تقدم المجتمعا ت وتطورها ولذلك في الحد من اآلفات اإلجتماعية والمشاكل التي يشهدها أي
مجتمع في العالم.
لم يكن رفضي إال ألني خشيت من أن يساء فهمي و يسيئ القارئ فهم معنى وابعاد تلك النظرية ...
فخاللها قمت بتسمية االسرة بالدولة الصغيرة ألنها كذلك والتفكير في األمر من هذه الزاوية سيغير فهمنا
ونظرتنا للكثير من الصعوبات والمعيقات التي تشهدها االسرة المعاصرة...
عند إكتمال أركان تلك الدولة ،بوجود الشعب واألرض سأبدأ مرحلة أخرى مع الدستو ر الذي وضعته
دستور شامل لمناحي الحياة األسرية وعالقة األسرة أو الدولة الصغيرة بالدول األخرى ،وماهي الضوابط
التي تحكمها وكيف هي العالقة بين مكونات الدولة األساسية.
فالقيادة العامة ،ستعمل من أجل إيجاد الحلول ألية أزمة سواء من الجانب السياسي أو اإلقتصادي او
اإلجتماعي وهكذا فإن األجيال ستخرج إلى المجتمع متشبعة بالمبادئ السامية والقيم واألخالق ،تعي
الح وار والديمقراطية الحقيقية تقدس العمل وأداء الواجب ،جيل اليفكر في نفسه ،بل غايته األولى هي
مستقبل الدولة ومستقبل هاته األمة.
حسب إعتقادي الشخصي ووجهة نظري التي صنعت بها تلك النظرية ،ستتحقق وستقل بنسبة مفاجئة
المشاكل اإلجتماعية لو أعتمد المجتمع أو األفراد في حياتهم على نظرية الدولة الصغيرة فهي التكرس
مبدأ الحكم والقرار الواحد ،بل تقوم على مبدأ الحوار الدائم والتعاون المشترك بين الفاعلين األساسيين في
الدولة سواء كان االب أو األم أو األبناء.
إن مبدأ حياتي كلها "مشروعية الوسيلة هي السبيل لتحقيق الغاية المشروعة" كان ثمرة لتلك النظرية التي
لن تستمر وستنهار الدولة على نفسها إذا تغير ذاك المبدأ الذي تستمر عليه فهو روح الدولة الحقيقية ...
إن أول دولة في العالم كانت تتكون من فردين إثنين تطورت وكبرت الدولة حتى أصبحت كواقعنا اليوم ،
دول كبيرة تضم شعوبا وأجناسا مختلفة.
كتبت يوما فقلت لن أكون سياسيا ناجحا إذا لم تكن أمامي دبابة وفوقي قاذفة قنابل ،عندما فكرت في
معاني اإلنسانية ف ي غاية وجود هذا اإلنسان ،ادركت جزئيا أن القيمة لما قلته بل كنت مخطئا في اغلب
الحاالت.
إن السياسة وجدت من أجل حل األزمات والمشاكل والتاريخ القديم يثبت ذلك إلى أبعد وأقصى الحدود ،ال
أن تعقد المسائل وتخلط األوراق وتشعل فتيل الحرب وتدمر اإلنسان والمجتمعات و البشرية .
إن هذا اإلنسان الشرير الذي يستمد وحيه من الشيطان هو الذي يحاول أن يقضي على اإلنسانية من أجل
تحقيق رغبة الشيطان الشرير...
كل األمور تصبح واضحة ال تستدعي منا أن نتفلسف ،أو أن نتظاهر بالتحليل العقالني لها ،إن الحقيقة
تكون أمامنا أحيانا لكنا النراها ،ليس ألننا النبصر ،بل ألن الشر الذي داخلنا منعنا من رؤية ماهو خير
وشتت إنتباهنا لنرى كل ماهو شر ...
أتأسف كثيرا بل أنا حزين ،بل أنا اتألم ألني غير قادر على أن أنهي الشر في هذا العالم .
كانت أمنيتي تفوق الخيال ،كل أحالمي البريئة أصبحت مهددة ألن الشر لم يترك لي حال إال ألقاتله ،
فعلي أن اصنع أحالما اخرى ،من أجل الحسم النهائي في المعركة الحقيقية .
أحب كثيرا الحديث عن السالم والحديث عن الحرب ،لقد كنت محاربا ،كما أني كنت إنسان ؛ مالذي
تريده أيها العالم الجامد خذ كل هذا الجماد واترك الحب والتسامح والسالم واألمل والحياة .
إن أولئك الرأسماليين واولئك الشيوعيين الذين أخطأوا وأخفقوا قضو حياتهم كلها يشعلون الفتن والحروب
ودمروا اإلنسانية ودمروا كل شيئ جميل في هذا العالم.
عندما يتعلق األمر باإلنسانية ،بالسالم و بالحب ،باألمل وبالشوق فإنني لن أقف كتمفرج ،ساحمل
السالح وسأقاتل ،ال أقول سالحا آليا أو نصف آلي ال أقصد بالطبع كالشينكوف أو مضاد للطائرات ،ال
أقصد قاذفة قنابل ثقيلة أو مدمرة حربية أو صا روخ إستراتيجي عابر بين القارات ،إن السالح هو سالح
القلم.
إن األفكار الغبية التي أطلقها آدم سميث وكارل ماركس التكرس لواقع اإلنسان بل هي قوانين وأفكار
لمجتمع الغابة ومجتمع الحيوانات...
ماذا يعني أن دولة أيا كانت تنفق ماليين ،بل أتجاوز االمر ألتحدث عن مليارات من أجل صفقات
األسلحة ،وهناك مئات وأالالف يعيشون تحت عتبة الفقر .
مالداعي ألستثمر مليارات من أجل تطوير أنظمة دفاع صاروخية من الجيل الثالث أو الرابع ،وهناك
ماليين البشر وضعهم وواقعهم األليم اليستطيع أي جرذ في العالم أن يعيش في تلك الظروف...إن الظلم
هو السبب في إنتشار موجة العنف والكراهية ،بعدما ظن اإلنسان أن انسانيته ،أن حقه في اإلنسانية قد
ضاع ،وقد سلبه ودمره أولئك الرأسماليين واإلشتراكيين ،إنها حقيقة المفر منها ؛ لن ينصلح الكون بفساد
مكوناته وكل مالمح إنهيار المصفوفة الكونية أمست ظاهرة للعيان.
لن يتغير أي شيئ فالبد من إيجاد فكرة جديدة ومن إعادة النظر في الوضع االليم الذي يعيشه هؤالء ...
عندما كنت في األولى ثانوي ،كنت أحلم أن أكون عالم فيزياء نظرية ورياضيات كنت أبكي ألني أريد أن
أعيش للعلم من أجل أن أصبح عالما ،ليس من أجل الدعاية بل من أجل نفسي...
لكن الواقع األليم دعاني ألراجع نفسي وأختار بين العيش من أجل نفسي أو العيش من أجل اإلنسانية ...
قبل سنتين من اليوم خيرت بين أن اصبح ضابطا في الجيش أو أن أصبح طبيبا ،قلت في نفسي يومها
واتخذت قرارا ،وقلت إذا أصبحت ضابطا فسأعيش من أجل خمسة وثالثين مليون جزائري ،وإن
اخترت الطب فسأعيش من أجل ستة ماليير ونصف إنسان وهذا هو سبب إختياري لدراسة الطب...
أنا اليوم أمام خيار آخر ،إما أن أعيش من أجل ستة ماليير ونصف إنسان أو أعيش من أجل مليار
)(75
ونصف إنسان مسلم ...إنني أمام خيار صعب.
سألت نفسي باألمس في تلك اللحظة الزمنية عندما قالي لي صديقي وليد لماذا هؤالء لديهم المال وليس لهم
علم ؟ لما نحن لدينا بعض الشهادات وبعض العلم وليس لدينا المال.
في تلك اللحظة تحدثت إليه وكأن الفكرة نزلت من السماء ؛ قلت إن هللا فرق الناس ،اعطى لمن ليس له
علم المال الكثير وأعطى اآلخر العلم الكثير ،وهنا السؤال الفلسفي العميق ،أجبت عن ذاك السؤال بفكرة
بسيطة استندت إليها من خالل التطور التاريخي ،فالعلم والمال شقيقان ،بالعلم نصنع المال وبالمال
نطورالعلم.
إن عدالة هللا واضحة كالشمس ،والتستحق منا ال جدل أو تطاول أو حتى تفكير ،لقد وهب هللا لهم المال
لكي يتعلموا ،لكي ينفقوا مالهم على العلماء حتى يتعلم هؤالء المعرفة بكافة أشكالها.
ووهب لهؤالء العلم لكي يفكروا ليستفيدوا من علمهم من أجل تحصيل الرزق ،لكن لكل واحد منهم طريقه
التي ينتهجها ،وهنا يتجلى الواجب والعمل الثقيل الذي يتجاهله الناس بكل أطيافهم.
هناك أيضا من ليس لهم علم والمال بل لديهم القوة ،وهكذا فالعدالة هنا تدعو إلى التكامل اإلجتماعي ،
ألن كل فرد هو جزء وعنصر أساسي سواء كان بطال رئيسيا أو بطال ثانويا.
من مشاكل العالم المتخلف عقليا نجد الطائفية والحزبية ،إنها أمراض هدامة لكيان كل أمة وكل شعب
وتثقل كاهل الدولة بل هي أشد وطأة من األزمات والكوارث الطبيعية ...
إن مكونات الدولة األساسية هي الحكومة والشعب واألرض ،عند تحليل معنى الحكومة والشعب نتوصل
إلى اإلنسان وهو أول نواة لالسرة وبالتالي للمجتمع والحكومة ،عندما تختلف األفكار واإلتجاهات
والرؤى فإنه من المنطقي أن تنفصل االفكار عن بعضها ؛ بعدما كان هناك شعب واحد أصبحوا شعوبا ،
ولكل شعب أرضه الخاصة به ،وألن فكرة الحكومة اصبحت التؤدي دورها فهنا ستظهر األزمة ،لن
تقبل شعوبا مختلفة التوجهات بحكومة تحكم الجميع فالكل يريد حكومته الخاصة وهنا لن تكون هناك دولة
قائمة ،لن يخدم المواطنون الذين يشتركون في التاريخ وفي الدم وفي النضال مصالح الوطن العليا.
فللسفينة ربان واحد وليس أكثر من ذلك ،وهنا لن تجري السفينة المع التيار أو عكس التيار بل ستغرق.
إنها عملية إنشطار عشوائية للذرة ستولد كارثة بكل المقاييس والمفاهيم العلمية .
كسياسي محنك ،المشكلة األساسية التي تحرمني النوم كيف نصيغ السياسة أو المشروع الذي يرقى بهذا
الوطن ،كيف نقوم أو ماهي الخطوات التي علينا القيام بها من أجل أن نخطو تلك الخطوات.
إن مآسي هذا الشعب ومعاناته إن مشكلة المواطن هي مشكلتي كسياسي ؛ كيف سأعمل ؟ وماهو الحل
ألزيل األعباء عن كاهل كل مواطن؟
في تلك اللحظة أدركت المشقة وكيف لي أن أتجه نحو األمام ،لن يستطيع اإلنسان وحده أن يجد الحلول
للمشكالت .إننا جميعا نشترك فنحن نكمل بعضنا بعضا ،إن العمل هو عمل مشترك والقرار السياسي هنا
هو قرار جماعي ألن المصلحة مصلحة مشتركة.
على كل إنسان أو مواطن أن يدرك بأن مصلحته هي من مصلحة الوطن ومصلحة الوطن مصلحة
للمواطن...
إن المستق بل أصبح قريبا جدا جدا ونحن جامدو ن النتحرك استسلمنا لليأس وللفشل لأللم وللندم وهذه هي
المأساة الحقيقية.
إن الشيطان لن يقبل السالم وج نوده من بني البشر ؛ من باعوا إنسانيتهم ،وهنا تتجلى لنا الخطورة ،من
هذا المنطلق علينا أن الننخدع علينا ان نسعى للسالم ليس من خالل السياسة الكالمية الفارغة ؛ علينا أن
نحارب من أجل السالم ،إنها حرب مفروضة علينا دخل إليها اإلنسان وأمامه خياران :إما اإلنضمام
لمعسكر الشر أو معسكر الخير...
معركة أزلية وتاريخية بين ماهو شر وماهو خير ،إن نظرية المصفوفة الكونية من وجهة نظر فلسفية
كانت كالعالم المطلق المثالي ألن طبيعة النفس واإلنسان هي الخير.
إن كل هذا يدل على وجود مخلوقات غير اإلنسان لديها الذكاء البشري أو مايفوقه والقوة وهم من جلبوا
الشر للكون ،فهم من كانوا يسفكون الدماء وينشرون الشر في العالم .
إنها حرب حقيقية سواء أردنا أم لم نرد منذ ان جئنا للحياة دخلنا الحرب ،جنودا يحاربون في كل للحظة ،
وهنا علينا الخيار علينا أن نحدد إنتماءنا الحقيقي...
إن الشر وإن انتصر لعقود طويلة من الزمن ،فإن الخير سننتصر في النهاية ،ألنها حقيقة علمية ثابتة
)(76
التقبل اية تصورات أو التقبل الجدل ،كما انها ليست مسلمات وليست بديهيات بل هي علم يقين.
أحيانا في الحياة تتجدد روح اإلنسان بين الحين واآلخر ،فقدت األمل حينا في وجود الحب لكن أعود من
جديد ألتحدى الواقع ،ألتحدى الظروف ،كإنسان يعيش في الوجود ال أطمح سوى ألرى الحب منتشرا
في كل مكان .
يمأل الكون كله سعادة وفرحة ،لقد أصبح اإلنسان كآلة تلتهم االشياء اليهمها أي إشيئ ،آلة ميكانيكية تؤدي
وظائف روتينية تفقد الحياة قيمتها مع كل حركة تؤديها...
إن الفيزيولوجيا العضوية ،ومانراه في حياتنا من مادة متماسكة تشكل كل هذا الكون ،ليست هي التي
تؤدي الدور والعمل في األساس...
إن اإلمتداد في التفكير ،وبدأ التفكير بصورة عقلية مستمرة والكشف عن ماوراء المادة ،لنكتشف أشياء
جديدة .إن عضويتنا كلها ،ال قلب والدماغ والرئتين وحتى الدماء ماهي إال نتيجة نهائية لتسلسل الذرات
في شكل معين والوظيفة تلك تتحكم فيها سلوك الذرة وسلوك اإللكترونات وسلوك األنوية ،المادة الحية أو
الجامدة تعبير ماكروسكوبي على هندسة معينة من الذرات أو الجزيئات المختلفة.
عندما نمتلك قدرة فائقة على الرؤية أين نستطيع رؤية جسم متناهي الصغر برتبة النانو والفمتو ،فإننا
سندرك تلك الحقيقة ،إن تحرك وسلوك الذرات والجزئيات المكونة للقلب هي التي تعطينا في صورتها
التي نراها نبضات القلب ،متى سيتوقف النبض؟ في اللحظة التي ستفقد فيها الجزيئات والذرات الطاقة
التي كانت تكفل لها الحركة فهنا سيتوقف القلب عن النبض.
في نفس تلك اللحظة الزمنية ماهو الموت ،إن الموت الفيزيولوجي ليس إال موت للذرة بمعنى فقدان الذرة
القدرة على التواصل والحركة ...
حسب نظرية الفوتون التي فكرت فيها قبل ثالث سنوات ،فإن كل مانراه عبارة عن ضوء حتى القلب
واألعضاء والجبال واالشجار ،عند التفكير في المستوى االصغر فإن العضوية مهما كان عبارة عن
فوتون ضوئي بمعنى حركة العضو خاضعة له ،بمعنى أن كل االشياء مترابطة وخاضعة لنفس العامل
وهو الضوء.
إن التواصل الكيميائي في العضوية ،هرمونات ورسائل كيميائية مختلفة حتى البروتينات هي عبارة عن
مجموعة من الذرات والجزيئات التي تتشكل بطريقة معينة لتعطي لنا معنى ،وجود الفوتونات الضوئية
هو الذي يعمل على بناء وتحديد صفة هذا التركيب.
بالنظر إلى السيناريوهات التي أقترحها العلماء حول نهاية الكون ،فسؤالنا العلمي كيف ستكون النهاية؟
وأين ستذهب المعلومات والمعطيات التي وجدت منذ ميالد هذا الكون حتى نهايته .
بإمكان فوتون ضوئي أن يحمل كل المعلومات وكل المعطيات عن هذا الكون ،باإلفتراض أن بداية الكون
كانت إنطالقا من فوتون ضوئي ،إن تفسير هذا المعنى يتجلى في الحقيقة في عدة مفاهيم اساسية .
بالنظر إلى الحياة وإلى ماتوصلت إليه التكنولوجيا ،فإن هناك ذاكرات صغيرة الحجم تخزن األالف
ومليارات المعطيات.
فاالكيد هو وجود شيئ اصغر من كل شيئ قادر على تخزين كل المعطيات الكونية ،حسب إعتقادي فإن
الفوتون الضوئي هو المعني بهذا.
سيتوسع الكون إلى حد معين وبعد ذلك ستبدأ مرحلة إنكماش الكون إلى أن تحدث عملية اإلنسحاق العظيم
،ستختفي المادة بشكلها الذي نراه لتتكثف وتتجمع في شعاع ضوئي متناهي في الصغر.
إن حياتنا موجودة من قبل وهذا ما تعنيه النسبية العامة وإمكانية السفر عبر الزمان كما المكان.
لقد تحدثت في بعض صفحات هذا الكتاب عن الشمس كمركز للكون كفرضية ،وتحدثت عن أن الماضي
والمستقبل متناظران بالنسبة للمركز في نفس الفرضية نرسم في المستوي لإلحداثيات الزمنية مركز
المستقيم هو الشمس ونهايتيه هو الماضي والمستقبل...
عند النظر من منظور أعلى أو أفقي للسطح المستوي ونقوم بتحريك الرؤية على الخط فإنتا سنرى
األحداث الماضية ،عند التقدم نحو األمام فإننا سنرى المستقبل.
باإلستناد إلى هاته الفرضية ،فإن كل ساعة قادمة بل كل للحظة قادمة التي التنتمي للحاضر بل للمستقبل
هي مرسومة.
بمعنى أن الماضي والحاضر والمستقبل عبارة عن كتاب مكتوب سابقا ،كل صفحة هي عبارة عن يوم في
حياة اإلنسان ،هذا بالنسبة للفرد ،وهناك كتاب أكبر تمثل الصفحة فيه كل يوم من تاريخ الكون...
عند النظر إلى المستوى الذري فالطاقة المخزنة في أنوية الذرات ،طاقة التماسك التي تمسك وتضمن
إستقرار النواة وبالتالي البروتونات والنيترونات أكبر بكثير من أي طاقة خارجية اخرى.
وهنا يمكننا أن نفكر في إمكانية وجود شعاع قادر على تخزين كافة المعلومات منذ ميالد الكون إلى آخر
للحظة فيه ،إ ن األحداث الماضية لم تذهب بل هي موجودة النستطيع الرجوع إليها النها ابعد بكثير عن
هذا الحاضر وكذلك االمر بالنسبة للمستقبل.
ليس هناك في هذا العالم كله ما يشغلني أو مايهمني ،اهتم في الحياة بشيئ واحد فقط ؛ أهتم باإلنسان ،
أطمح للسالم ،أطمح لينتشر الحب والتسامح والخير في ارجاء هذا الكون...
لم تترك الحضارة الجامدة أثرها في حياتي وفي نفسي ،مع كل يوم ينقضي إصراري وتصميمي على
الوقوف في وجهها يزداد ويقوى.
ال اتصور لحياتي وجودا أو معنى حقيقي عندما يفقد قلبي إحساس الحب ،اإلنسانية هي اول شيئ في هذا
الكون ،ستعيش وستبقى وإن جار الزمان عليها فإنها ستظل تحمل معانيها ومدلول مفاهيمها...
أطرح اليوم ا لسؤال ولعل اإلجابة ستكون غدا ،ما مصير الحب في هذا العالم ؟ ! إلى متى سأستمر ؟
ومتى ستتحقق تلك المعاني...؟
أنتظر بفارغ الصبر متى سيسمح لي القدر بما انتظرته سبعة سنوات من عمري ،ال أدري مالذي سيحدث
في تلك اللحظة ،ما أتمناه لم يكن ابدا طلبا خياليا لكن العين تبصر ما التستطيع اليد أن تلمسه ،إن كان في
الحياة ناس ،وللناس ميزان ،يضعون الحب واألخالق في كفة والمال والثروة في كفة أخرى ،فإني لست
)(77
من هؤالء الشيئ فوق الحب كما كان ذاك المثل اإلنجليزي يقول "المال اليشتري لي الحب".
في للحظة من التاريخ يشعر اإلنسان ببعده عن العالم الحقيقي وبعده أيضا عن ذلك العالم المثالي ،يفكر
حينها في العودة إلى أي عالم منهما ،ينتظر التيار ليأخذنا هناك إلى عالمنا الذي نشأنا فيه ...
الشاطئ أصبح بعيدا جدا ،أصبح اإلنسان هنك بين الضفتين وسط محيط شاسع مع ظلمات الليل الحالك ،
حتى النجوم أختفت التي كانت دليال يرشدنا لنور الصباح ،اختفت وراء غيوم وسحب قاتمة ،هكذا إذا هي
الحياة وهكذا كذلك هو اإلنسان...
ال توجد قوة في األرض تمنع اإلنسان من التفكير ،تمنع القلب من اإلحساس والشعور ،تمنع العين من
البكاء.
لقد بدأت الثورة الحقيقية ،ثورة جديدة في الفكر والمنهج مختلفة تماما عن كل شيئ ،إن عالمنا اإلسالمي
يشهد تحوالت فكرية جذرية ،لقد بدت لي مالمح إنفصام ثقافة وتاريخ األجيال ،لم يعد هناك خط يربط
األجيال بعضها بالبعض ولم يعد هناك دافع أو معنى لألجيال...
لقد حدث ما كنت أخشاه ،سينفصم حاضر الجيل بماضيه وهنا لن يستفيد الجيل الجديد من إخفاقات الجيل
الماضي ألن كالهما عندما بدأ لم يفكر سوى في أنه يريد عصرا جديدا ،تمرد بصفة مطلقة عن الماضي
وكذلك كما التاريخ سيفعل بنا ،سيتمرد ذلك المستقبل الذي نسعى إليه ،وسيعيد الجيل القادم الكرة من
األول ...
إن رغبتي اصبحت ملحة ،تعبير عن طموحي كإنسان ،ال أستطيع أن أنكر الماضي وال أن أتجرد من
أصلي ومن وجدان حياتي ،إننا في حاجة قصوى قبل أي وقت فات لنستفيد ولنتعلم من دروس أباءنا
وأجدادنا ،حان الوقت لنفتح صفحات التاريخ ،لنعيد النظر ولو لساعة قبل ان نبدأ ،قبل أن نستقل القطار
السريع الذي سيذهب بنا إلى تلك الوجهة...
قبل سنوات قليلة لم يكن الفكر هكذا أشياء كثيرة تغيرت ،للحظات ماضية كثيرة سجلها التاريخ على
صفحاته .
أتأسف في أحيان من الوقت عن كل أخطاءي التي أرتكبتها ،تارة عن قصد مني وتارة عن وهن وضعف
أصابني ما عدت قادرا على المجابهة ،لم أفقد الغاية أو السبب بل هي حالة مؤقتة ستزول قريبا.
لن يسمح اإلنسان لليأس من أن يقترب لن نترك له مجاال ليتحدث كفانا فشال وألما وعذابا وليال حالكا
طويال.
أؤمن بالخالق ألن التوفيق من عنده والهداية ،اليستطيع اإلنسان الغريق اإلستغناء عن هللا ال يمكن له
بالفعل ذلك ،أتأسف مرة أخرى عن كل شيئ ،لعل الحياة ستعود كما كانت في أيام الربيع شمسا مشرقة
)(78
تشع نورا في أرجاء الكون كله ...
أردت في هذا اليوم الغريب أن أتحدث عن المجموعة ،فاألسرة كما العائلة كما الحي كما الدائرة كما
الوالية وكما ال بلد بكامله يشكل مجموعة من األفراد ،المجموعة أيا كانت ستسلك إتجاها تصاعديا خالل
إنتقالها من مستوى إلى مستوى آخر أوسع وأكبر من األول.
إن الفرد ضعيف مهما كانت قوته ،والمجموعة قوية مهما كان مستوى ضعفها ،قد يكون في المجموعة
الفقراء واألغنياء ،ويكون كذلك العلماء وقليلي العلم ويكون األقوياء والضعفاء ،كيف سيكون هذا
المجتمع مثاليا لو أستقل كل فرد عن مجموعته ؛ فإن المعادلة اإلجتماعية ستنهار دون سابق إنذار ...
قد أكون غنيا وأحتاج ألستثمر وأنمي أموالي ،قد أبني مصنعا أو أزرع أرضا فأنا هنا بحاجة إلى أناس
آخرين ل يس لهم المال فهم ينتظرون عمال يقتاتون منه فهنا سأجد المعينين.
قد أكون جاهال بعض الشيئ ،قد أحتاج لمعلم أو لعالم يعلمني الدروس ،يعلمني الحساب والكتابة والقراءة
وهكذا دواليك.
إن المجموعة هي عالم مثالي الكل يعمل من أجل مصلحة اآلخرين ،مجتمع فيه تكامل واضح ،بينهما
جميعا عالقة إستلزامية ،إستمرارية الطرف األول مرهونة في األساس بالطرف الثاني والثالث واألخير
والعكس كذلك صحيح.
قد أكون إنسانا فردا وضعيفا في هذا العالم ،قد أحتاج لسكن أو أنا مقبل على الزواج وال أملك المال هنا لن
استطيع أن احقق أي شيئ.
لو كنت أنتمي إلى مجموعة مثالية فهنا قد أحقق ذاك الهدف أو تلك الغاية ،وقد يأتي آخر وهو في حاجة
لشراء حافلة فهنا سيكون دور المجموعة في ذلك ،قد حلت المشكلة ...وهكذا سيكون العمل حتى نتمكن
من إيجاد حلول لكافة مشاكلنا اإلجتماعية كم قوة هي كامنة بين ثنايا المجموعة...
فرضا أ ن هناك بلدية فيها خمسة آالف أسرة أو عائلة وفرضا أن هناك مئة عاطل عن العمل...
فرضا أن تساهم أو تقرض كل اسرة مئة دينار من أجل جمع قروض لكل عاطل ،فإننا في ظرف مئة يوم
تقريبا سنوفر لـ 111عامل مئة قرض مالي ؛ مدة أقصر من تلك التي تستغرقها وكاالت التشغيل في تقديم
قروض العمل.
فرضا أن هناك مؤسسة جامعية فيها عشرة أالالف طالب وفرضا أن ألف طالب يتخرج كل سنة ،لو ساهم
هؤالء الطلبة جميعا في صندوق جامعي الستطعنا أن نوظف الجميع أو أن نؤسس مصنع وهكذا.
إن المجموعة هي السبيل لنحقق أهدافنا اإلستراتيجية ،إن إشكالية البطالة لن تستطيع أي حكومة موجودة
في األرض أن تجد حلوال لها ألن قدرة الحكومات محدودة.
إن الحقائق دوما تكون صادمة ،لكن الواقع يفرض علينا تحديات جديدة ،لم أكن يائسا في كل حياتي ،
ويصيبني اليأس حين أرى إخواني يعيشون في بحر من اإلحباط ،بإمكاننا أن نحدث تغييرا ما ،أتفق تماما
في كل ما يفكر فيه هؤالء ؛ اليمكن بل من المستحيل أن نبدأ نهضة فكرية ،أن نستطيع التفكير أو اإلبداع
في ظروف قاسية ،اليستطيع العامل أن يتقن العمل وهو يفكر في رغيف الخبز ،اليمكن للطالب أن ينجح
أو يتفوق في دراسته وتفكيره السائد يحاول أن يجد منصب عمل .
كمسكين واقف أمام أبواب القرن الواحد والعشرين ،يمد يداه للسؤال هل تصدقون التكنولوجيا في سبيل
هللا ولو قليال من العلم واألفكار...
هناك على ارض الوطن رجال ؛ إن العمل يجب أن ال يطبع عليه الجهوية أو األنانية المكانية ،نحن ال
نعمل من أجل أن نعيش ،نحن ال ن عمل من أجل أنفسنا ،نحن قبلنا التضحية من أجل هذا الوطن.
إن اليوم قريب ،ذاك اليوم المشرق أين سأرى علم وطني يرفرف يومها سأفتخر سأركع وسأقع هلل
ساجدا .ال اريد أن ابخل بما أفكر فيه ،اريد أن أتحدث أن اخبر أن أبوح بكل األفكار لعلى كتابي هذا
سيكون األخير ،لعل المنية ستأتيني.
إن إخواني في الطريق في قلوبهم اإليمان وإرادتهم وتصميمهم كاف لنبني الحضارة إنها الحضارة
اإلسالمية...
كما قلت دوما إن الحضارة الغربية بدأت مالمح زوالها تظهر ،ستنهار في أي للحظة حاسمة مهمة في
)(79
التاريخ.
في منتصف الليل باألمس كنت أتابع إجتماعا لمجلس األمن لمناقشة مسودة قرار فرض حظر جوي على
ليبيا ،كانت الساعة صباحا بتوقيت نيويورك ،كانت األمة العربية نائمة في ذلك التوقيت ،كان درسا قاسيا
علي كمسلم ،كإنسان يريد أن يرى الشمس تضيئ سماء الوطن اإلسالمي في تلك اللحظات الصعبة صوت
11أعضاء على قرار مجلس األمن رقم 1973القاضي بفرض منطقة حظر جوي على ليبيا.
خرج الليبيون الذين ال يعرفون التاريخ أو من يتجاهلون التاريخ يحتفلون كما يحتفل الصليبيون في رأس
السنة الميالدية ،كنت أتمنى أن أكون قائدا للجيش ،اتمنى ان أكون رئيسا للدولة ؛ عندما تدرك صعوبة
وخطورة الموقف ،إنها مسألة وقضية أمن قومي وأمن إقليمي ،لطالما في حياتي وأنا أكتب هذا الكتاب
أردت أن ال أتحدث في السياسة أردت أن أغرق في بحر اإلنسانية...
لم أكن العبا في كرة القدم ولم أكن مدربا كرويا لكن عندما تلعب ،علينا أن نلعب خارج مساحتنا ألنها خط
أحمر ،ل قد نسج العنكبوت األمريكي خيوطه على المنطقة يتحدثون دوما باسم القانون والشرعية الدولية
...
ال أحد من هؤالء العرب الذين دعوا لفرض حظر ومحاصرة ليبيا يعلم األبعاد ،في الثمانينات عندما
حاصر األسطول السادس األمريكي السواحل الليبية وبرغم محاوالت المتشدد ريغان إلسقاط نظام القذافي
لكنه فشل رغم ذلك ،اليوم أتت اللقمة بما لم يشتهي الذئب أو كان يحلم طول خمسة وعشرين سنة ...
إن كل ما يحدث في المنطقة ترتيبات جديدة ومالمح واضحة للصراع الغربي والصين ،إن السيطرة على
مناطق ومنابع الطاقة ضمان للتفوق لسنوات اخرى قادمة.
)(80
إن غبا ء الشعوب وحماقة الحكام والقادة وغرورهم خدم بشكل مذهل مصالح الغرب.
إن دراسة التاريخ وسيلة أساسية وهامة فهو إحدى أدوات نجاح السياسة ،تعددت الدراسات السياسية
وأختلفت مناهج فهم السياسات الدولية المختلفة لكننا لم نعمل ولم نحقق أية فائدة من تلك الدراسة.
هناك ثالثة مبادئ لنجاح السياسة :العلم والمال والقوة ،بعيدا عن هاته المبادئ لن يكون لنا أي دور ولن
يعترف اآلخرون بوجودنا السياسي وبالتالي بدورنا اإلستراتيجي .
إن السياسة وجدت لخدمة مصالح الوطن ومصالح الشعب اإلستراتيجية .من المفاهيم القائمة والتي تحكم
سياسات الدول البرغماتية السياسية.
فاستنادا لهذا المبدأ السياسي الذي أصبح قاعدة أولية للسياسة في العالم أنه يستوجب على مؤسسات الدولة
أن تستعمل كل الوسائل أيا كانت أخالقية أو غير أخالقية من أجل تحقيق وتطبيق الغاية السياسية.
إن غياب الفكر اإلستراتيجي كان السبب األول لوجودنا كطرف حياد في الساحة الدولية العالمية ،لقد
أصبحنا بكل ذاتنا على هامش مسرح الصراع الدولي وكأنه اليعنينا بأي وسيلة كانت...
إن أجهزة الدولة االولى بما في ذلك الجيش واإلستخبارات العامة مهمتها تبادل المعلومات والجلوس أمام
طاولة واحدة لوضع السياسات العامة اإلستراتيجية ،إن منهج العزلة الدولية ليس عامال أو وسيلة فعالة
للنجاة ،فهناك سياسات لدول اخرى خارجية تهدد بصفة أو بأخرى أمننا اإلستراتيجي أو أمننا القومي.
حسب وجهة نظري السياسية فإن كل دولة تحتل مساحة جغرافية وتتمتع بإمتيازات جيوسياسية البد من ان
تلعب دورا فاعال وإستراتيجيا في المنطقة...
إن القوي سيد في منطقته مهمته حماية كل من يعنيهم األمر وهنا سيتجلى لنا واقعنا السياسي ودورنا
)(81
اإلقليمي والدولي...
في وضع صع ب عندما يحين الوقت ،سنتسلم القيادة نحن الجيل الجديد ،تسلمنا القيادة وراية األمة منكسة.
أبينا أو قبلنا هناك دوما في التاريخ جيل يكون في فوهة المدفع ،نواجه بكل ما أوتينا من قوة ،نقاتل
بتواصل من أجل أن نرفع الراية ،إنها راية الحق ،عندما يوجد هناك جيل جديد اليفكر اليشغل باله بأي
شيئ سوى بهموم ذاتية يفكر في اللباس و في األكل والشرب ،في إشباع رغباته الذاتية.
إنها حالة إنفصام بين العقل والروح والجسد وهنا مالمح أزمة ،وفراغ تاريخي رهيب ...كم ادرك صعوبة
)(82
الوضع ،كما أن تصليح االفكار مهمة صعبة وقاسية للغاية.
كم أن للحظات النصر غالية ،ثمن وتضحيات كبيرة علينا أن ندفعها لننتصر ،مع أي للحظة وأمام أي
موقف يظهر لنا المستقبل كمجهول معقد في معادلة رياضية معقدة ،هناك في تلك اللحظات يتمنى كل
إنسان أن يعيش حياته كما رسمها على تلك اللوحة الفنية الجميلة ،اليوجد إنسان في هذا العالم لم يرسم
لحياته صورة وللوحة جميلة.
لكن هناك للوحة رسمها القدر لكل إنسان في الوجود ،قد تكون مختلفة عن الحلم بعض الشيئ وقد تكون
مختلفة تماما معه.
مهما كان الذي نراه في عالمنا فهو المكان األول لنا ،تشرق الشمس كل يوم لغاية تعلو فوق كل فلسفة
)(83
وفوق ك ل تخيل بأشعتها الدافئة تنادي البشر وتذكر بإستمرار الحياة واألمل.
إن الخطى نحو المستقبل وقودها األساسي والوحيد ،ليس وقودا أحفوريا أو وقودا نوويا بل هو العلم إنه
أساس كل نهضة وكل مشروع وكل هدف ،لقد أتسعت مزايا العلم لتتجاوز وتشمل كل ما ندركه
وماالندرك ه ،إن الصناعة والتجارة والفنون والعالقات الديبلوماسية ،والسياسات المختلفة وبرامج التعليم
والتنمية واإلدارة ،والصحافة واإلعالم والجيش ؛ لن تخطو خطوة واحدة نحو التقدم نحو التطور ،لن
تقدر كل هذه القطاعات على اإلستمرار دون أن يكون هناك خزان وقود مجهز بأحسن األجهزة لشحن
الوقود بصفة ديناميكية وآلية وبصفة مستمرة .إن التخطيط والفكر اإلستراتيجي مفهوم سياسي شامل لكل
)(84
شيئ.
في للحظات القوة عندما تشعر خاللها بصفاء داخلي وبإيمان قوي وشديد ،ال توجد أي حالة أخرى سوى
عندما تقترب بإتجاه الخالق .
لقد تقلبت بي األيام وذهبت هنا وهناك وحاربت طويال ووضعت الخطط والبرامج وبحثت عن الحلول .
إن ماتعيشه االمة من للحظات عسيرة ،ساعة اإلحتظار أو قل ساعة الوضع ،الندري كيف سيكون
المستقبل ،تبدو لي بعض األشعة تبشر بشروق الشمس .
إن اإلنسانية كانت على مر عقود من ا لزمن بل نتجاوز إلى منذ األزل هدفا لخطط القوى الشريرة في هاته
)(85
المعمورة ،هناك حل وحيد نحن المسلمون ،حل وحيد اليوجد عبره سوى الضالل البعيد.
خالل األيام الماضية عجز وفشل أصاب عقلي منعني من التفكير والكتابة ،كل منافذ العقل وجدتها قد
صدت بمفاتيح تقليدية ،في هذه اللحظات من الليل الهادئ الجميل ،فكرت وتساءلت لما حدثت اليوم طفرة
تكنولوجية منذ بداية القرن الثامن عشر حتى اليوم ونحن قد قطعنا شوطا هاما من القرن الواحد والعشرين
،لما لم يكن قبل ألف أو ألفي سنة الغاز والكهرباء والطائرات والسيارات والبنزين واألدوية وكمبيوترات
وأجهزة تلفاز وأقمار إصطناعية...
إن الواقع الجديد المختلف ال يعبر سوى أن حياة البشر مرسومة أو ممثلة بدالة تربيع سالبة ،يعني أن
البشر الذين ينتمون لهاته الحقبة يمثلون مرحلة نصفية ومركز البشرية منذ بداية التاريخ حتى نهايته ،عند
النظر إلى منحى تلك الدالة ونطبق دراساتنا اإلقتصادية والعلمية واإلجتماعية والحضارية نالحظ أن كل
مانراه اليوم من تقدم حضاري وتكنولوج ي لن يستمر كما أنه لم يكن موجودا من قبل وبالتالي فإنه لن يكون
موجودا بالغد ،هذا من وجهة نظر معينة إستنادا إلى فرضية محددة.
حسب ماأظن هو إستمرار الحضارة حتى النهاية ،عند دراسة التاريخ ،هناك تطور ملموس وتدريجي
لواقع الحياة البشرية منذ أن كان هناك اإلنسان األول وأستمر التطور والتقدم الحضاري مع التطور
الفكري والعقلي لإلنسان.
إن ما نراه اليوم وكماهو واضح نتاج لتراكمات سنوات وعقود طويلة من الزمن للنظريات واألفكار
والتطبيقات العملية والمجهودات العقلية الخالصة .إن نتاج آالف السنوات أظهر ثماره في المئة سنة
األخي رة وكل ذلك أظهر ثماره في الخمسين سنة األخيرة ثم في العشر سنوات األخيرة وما أعتقده وافكر
فيه هو أن مدة التجديد ونصف عمر التقدم والتطور التقني ستختزل إلى النصف ثم إلى الربع لنصبح بعد
سنوات قليلة امام ثورة جديدة بل ستكون أعجوبة لإلنسان مرة أخرى...
إن اإلنسان جاء من الطبيعة وسيعيش في الطبيعة وكل مقومات حياته وإستمراره هي من الطبيعة
...سيشهد العصر القادم إنفصال بين اإلبن واألم ،اإلنسان والطبيعة سيولد ذلك إنسان إصطناعي بالمعنى
الفكري ؛ إنسان ليست لديه القدرة أو قابلية العيش في الطبيعة التي هي منشأه األول ستزداد التحديات
والمشاكل واألزمات ستنهار الساللة البشرية بعدما ظنت أنها لن تقهر أبدا بعد اليوم...
هناك تحوالت عميقة تحدث في العالم ،في عقول البشر ،لقد أصبح اليوم %95من البشر يعيشون
ويتغذون على منتجات زراعية هجينة نموها كان في كل المراحل غير طبيعي.
لقد تغيرت ال تركيبة الجزيئية لهاته المواد الحيوية ،حتى عنصر الطبيعة األول ؛ الماء أصبح غنيا بمواد
ضارة.
إنها تركيبة جزيئية مغشوشة أو منهارة نتجت بسبب تدخل اإلنسان الجاهل فيها من خالل الهندسة
الوراثية وإستعمال المبيدات واألسمدة والمخصبات اإلصطناعية للحصول على غلة جيدة.
إن إستمرار اإلنسان ،إن تفكير اإلنسان وتكاثره يرتكز أساسا في تلك الجزيئات األولى التي تكون أغذيتنا
اضف إلى ذلك تلك اإلشعاعات الشمسية التي ستخلق بيئة جديدة وواقعا أخرا لعضويتنا...
)(86
فإننا سنشهد بسبب هذا التعنت البشري موجة وكارثة إنسانية أعظم من كل التي سمعنا...
الثالثاء 2111/13/29
عندما نعود قليال للوراء نتذكر أهم شيء يشغل تفكيرنا حتى وإن لم يكن ظاهر جليا إنشغالنا به ،إنها
القضية الفلسطينية ،لم أتحدث في هذا الموضوع ألنه كان أكبر من أن يكتب أو يترجم إلى حروف
وعبارات ؛ إنها نقطة الصراع بين الحضارة اإلسالمية وبين دعاة الشر والعدوان.
لقد شاهدت في مرات عديدة إخواني وأبائي وأمهاتي وأطفالي على شاشة التلفاز يضطهدون في أرضهم ،
أرض الرسل واالنبياء يعيشون على أرضهم وجباههم ملطخة بالعار وبالذل الذي جلبه لهم إخوانهم
المسلمون في كل مكان ،لم يعد ضمير المسلم يتح رك عندما يقتل العدو آالف األبرياء دون ذنب ،
أغتصب األرض وشرد الشعب.
لن انسى ولن أتناسى الجراح أو دمعة نزلت من أم الشهيد أو أرملة الشهيد ،من طفل فلسطيني يتيم ،لن
أنسى أبدا قصف الطائرات وأزيز محركاتها التي افزعت الولد الصغير ؛ في قلب الحضارة اإلسالمية
رمز كبرياءها وشموخها.
كإنسان محب للسالم كنت اسعى واناضل من أجل السالم ،من أجل الحب من أجل األمل ،لكل إنسان
الحق في الحياة ،لكل إنسان الحق في السالم واألمن .لكن هناك واقع آخر هنا في هذا الموقف الصعب ،
كان لنا أن نحارب من أجل السالم إلرساء اسس العدل والمساواة والحرية.
لقد كنا أول من مد يده للسالم ،لهذه العصابة ،عصابة اليهود ،كنا نناضل وقدمنا التضحيات من أجل ذلك
السالم ...
لقد غفرنا لهم ما اخطأوا في حقنا في تلك اللحظة ،ألن قلوبنا صافية ،أبوا السالم ونقضوا عهدهم كما هي
عادتهم .ال يوجد هناك سالم يقوم على إختالل موازين القوى ،ولن يقوم السالم عندما تسكن بيت الغير
عنوة وبإستعمال القوة .
نحن لسنا في موقف ضعف حتى نتقبل هذا السالم ،نحن لسنا نتفاوض على صفقة بيع أوشراء ،لن
نتفاوض على بضاعة أو قضية هي ملك لنا ...
منذ ذلك اليوم في التاريخ عاهدت هللا أني لن اضع يدي في يد السجان ،لن اتفاوض ولن أقبل السالم.
نحن سنحارب من أجل الشهداء ،سنحارب ألجل مسرى النبي صلى هللا عليه وسلم ،سنحارب لنطرد
المحتل ،لنطرد عصابة أستوطنت ارض إبراهيم ويعقوب وموسى ،عند التفكير جيدا في قضية المسلمين
االولى أشياء كثيرة تدعونا لمسح الغبار المترسب لنرى الحقيقة كرؤيتنا للشمس في يوم ربيعي جميل...
ال استطيع ان اقتل وكيف لي أن اقصف األطفال الرضع وكيف لي أن أقتل عجوزا نال منها الهرم والكبر
.
اصابهم الرعب والرجس والخوف عندما نظروا لالسرة الفلسطينية ،يقتلون منهم شهيدا فيأتي بعده طفل
رضيع ،لقد أقلقت الزيادة السكانية الفسلطينية تلك العصابة القذرة ،يريدون ان يبيدوا كل الشعب لو
أتيحت لهم الفرصة.
إن بيني وبينهم مسألة شخصية ،ثأر عمره طويل أنتظر اللحظة عندما تطل الشمس بوجهها المشرق
صباحا...
ال أتصور ابدا في التاريخ البشري أن عصابة من الجرذان البشرية أقامت دولة وأي دولة تلك ...
إن الحضارة هي الدليل الوحيد على وجود الشعب وأحقيته باألرض ؛ في التاريخ لم اسمع عن الحضارة
اليهودية ،بل في أرض فلسط ين هناك اثار للحضارة اإلسالمية ،هناك بصمات تركها التاريخ ،تبرهن
بشدة كوضوح الشمس في الربيع على مكان الشعب ،لننظر إلى وجوه أخوتنا في فلسطين وسنرى ،لننظر
لوجوه اليهود ال تشبه أبدا لون وطين وصخر وجبال وماء وسماء وشجر وحمام تلك األرض.
لقد أدركوا ونظروا ودققوا في نقطة ضعفنا فاستغلوها وأرادوا تفجير األمة اإلسالمية ،أرادوا لها صدمة
حلولية تتفكك على إثرها األمة إلى بقايا وأشالء متناثرة هنا وهناك ،لقد تركنا حبل هللا بعدما أعتصمنا به
وفي تلك اللحظة تفرقنا ،ألن الحبال األخرى ضعيفة كخيوط الحرير والمعروف أن حبل هللا متين.
ينتابني إحساس بأن الفجر موعده قريب ،ستشرق شمس اإلسالم في سماء البالد اإلسالمية ،إن النصر
في المعركة لم يكن يوما ما متوقف على تلك المقاتلة أف 16أو اف 22أو اف 35او حتى طائرة أف
117أو أي طفرة تكنولوجية أخرى ...النصر متوقف فقط على اإليمان بالقضية وبالحل العادل ،اية دولة
ستقام على حدود 67أو حتى على حدود ، 48اية دولة ستقام على ارض ملطخة .
يحاولون اليوم أن يمحوا التاريخ ألنهم يعلمون أو يظنون بأن األجيال القادمة ستنسى ،إن التاريخ يجري
في دماءنا ،منذ أن اتينا للحياة اليوجد ما ينسينا الماضي ألنه هو الحاضر وبه نبني المستقبل...
لن نقبل بديال عن األرض ولن نترك الشعب ألنه جزء من األمة حتى وإن حاربنا العالم مجتمعا .
إن الظالم يهاب ويرتعب من الحق والعدالة ،مادام الحق حقنا فاألرض هي أرضنا ليس بترابها فقط لكن
بتاريخها بأصالتها وشعبها بزيتونها بكل شيئ فيها ...
ليس هناك صدام للحضارات أو صراع للديانات ألن االقوى اليصارع الضعفاء ،بل القضية هي بين
)(87
الحق والباطل.
خالل ستة سنوات مضت لم أقم بما كان يجب أن أقوم به ،قضيتها كلها في الكالم والحديث ،التحدث مع
من اليفترض أن نتحدث إليهم ،عندما يكون لإلنسان حلم كبير وعظيم لكنه عاجز عن المضي نحو األمام
من أجل تحقيقه ،لم تعجبني قط فكرة الجلوس على كرسي والنظر إلى النافذة اتأمل بقلب يائس وعاجز إلى
القطار ،أنظر وكأني أشاهد مسلسال أو فيلما ساكنا لحياتي ،اللقطة متوقفة ال تتحرك لكن الساعة تمشي
وتتحرك .
في مجتمع ك ل شيئ فيه ممنوع إال الباطل ،إال األشياء السيئة فهي في متناول الجميع ،حتى أجمل شيئ
في الكون ،فالحب الصادق أصبح ممنوعا ال يحق لي أن أقول أو أن أتحدث عنه أو بإسمه ،ال يمكنني أن
أقول لمن أحببت أنا أحبك ،ال أستطيع أن أخاطب السماء ،اليوجد بديل لإلنسان في هذا المجتمع الكبير ،
اليوجد سبيل واضح حتى هذه اللحظات أريد أن أشعر بأننا أسرة واحدة ،أسرة حقيقية متماسكة وراسخة
لها مبادئ سامية وطموحات بعيدة وأحالم راقية ...
تمضي األيام ومع كل يوم يزداد األلم ،تزداد المعاناة ،ال أتحدث عن المعاناة الحسية أو معاناة األعضاء ،
بل هي أكبر وأرقى من ذلك ،إنها قضية فكرية تخص العقل والفكر وحدهما.
كنت أدعو هللا دائما ودعاءي مستمرا لعله سيستجيب لي في يوم ما ،كما كنت دوما أحكي وأتحدث أكتب
وأعبر بقلبي وبعقلي ال أريد في الحياة أي شيئ وكل ماأقوم به وكل ما أتحمله ليس من أجل نفسي ،بل من
أجل هذا الوطن الغالي في قلبي ،كأي إنسان أحتاج لمرأة تقف معي أقضي معها ماتبقى من عمري تكون
عونا لي وسندا لي ،تدفعني وتشجعني ،تضحي من أجلي ألقوم بكل ما اقدر لتأدية الرسالة ،مرأة وحيدة
أحببتها ولن أقدر على أن أحب غيرها ،لقد أصبحت اليوم جزءا هاما من كياني جزء اليستطيع كياني أن
يعيش و يستمر وهو مفتقد له...
احاول جاهدا بل أنا أسعى لتحقيق الحلم ،أسعى بكل قوة أقف في وجه العاصفة أقاوم الرياح العاتية أتحمل
وأصبر أستمر دوما في النضال أيأس في للحظة عابرة ،أعود من جديد وأواصل التحدي حتى الوصول
في يوم آت الش يئ في الحياة أجمل من اإلستمرار...
كنت حزينا جدا ألن حياتي كلها كانت فشل متواصل هزيمة تتلوها هزيمة ،في ساعة النصر ونشوة
السعادة لم أكن اشعر بالفرحة أو بأي سعادة ألن النصر كانت ساعته قصيرة للغاية...
أخشى أن أكون قد استنفدت كل ساعات السعادة في حياتي وأن كل ما تبقى هو فصل الحزن والكآبة كفصل
الخريف ،عندما تساقطت أوراق الشجر على الثرى .
اليستطيع أي منا أن يتخذ قرارا في حياته إال إذا كان قادرا على اإللتزام بذاك القرار ،له اإلمكانية ،له
الوسائل التي تكفل له إخراج ذاك القرار إلى أرض الواقع ؛ تعلمت درسا في حياتي السياسية تكمن صعوبة
القرار السياسي أو أي قرار آخر في إتخاذ القرار والقدرة على تنفيذ القرار ...
أفتقد كثيرا لألصدقاء وفي ساعة الليل المتأخر لم أكن اجد صديق أحدثه وأخبره عن كل مافي مخيلتي
وجدت دوما نفسي ،صديقي الوحيد الذي أجده في ايام الوحدة الطويلة...
لم أ عد أتحدث مع أمي كثيرا ،لم أعد أحكي لها عن كل مافي قلبي حتى هي ما عادت تسمعني ،تمنيت أن
يكون أبي صديقا لي لكن ذاك كان شيئا صعبا...
أحاول في األيام المقبلة أن ألتزم الصمت ،أن أعود للوراء كما كنت قبل خمس سنوات ال أتحدث كثيرا.
)(88
ال أدري الغد كيف سيكون وال أدري بمن سألتقي ال أدري مالذي رسمه القدر لنا.
لقد سئم الديك من الصياح مع بداية كل صباح يدعوا الناس دون ملٍّ أو فشل من أجل العمل من أجل الفالح
والقيام بما يجب من أجل تعمير األرض وإصالحها من أجل غرس الزرع من أجل إبتكار شيئ يحتاجه
الناس في حياتهم ،بقدر العمل سيكون الجني وسيكون الكسب...
إن حالة أمتنا ليست بخير ألن العمل مفقود وقليل ،إن األمة التعمل وال تضحي ،التبذل المجهودات وإن
عملت فالعمل قليل جدا.
لطالما في حياتي كنت ناقدا للواقع ،نقدت الشعب والحكومة وكل إنسان ينتمي لهاته األمة ،اليوم قررت
أن أنتهي من النقد ؛ علينا كافة أن نتعاون على األجيال أن تتكامل ،نحن ال نستطيع أن نستغني عن أباءنا
أو حتى أجدادنا نحن في حاجة لداعم في حاجة للماضي ،للتجارب ناجحة كانت أو فاشلة لنتعلم كيف ننجح
وكيف نبتعد عن الفشل .
إن االمة اإلسالمية كلها تعيش اإلحباط وكل طرف يشك في اآلخر ويظن أنه المخطئ وأنه هو سبب
الفشل.
ال تستطيع الطائرة أن تقلع من تلقاء نفسها وال تكف المحركات لكي تقلع ،فهناك محرك يحتاج لوقود
وزيت وهواء وكهرباء وميكانيك تحكم فاألمة لن تقوم إذا لم تتناسق عضالتها وحركات عظامها
وأعصابها ودماءها وقلبها...
إن اإلسالم علمنا أن نعمل وأن نستمر في العمل حتى النهاية ،ألن اإلسالم يقوم على العمل كما أن الصالة
هي عماد المسلم فالعمل الصالح هو ركن وأساس هاته االمة...
أتمنى كما كنت دوما في حياتي أرجو أن أرى أبناء جيلي وابناء األمة يمضون في الطريق يعملون ليال
ونهارا ال من أجل للقمة عيش بل من اجل أن تعلو هامة األمة ،وترتفع رايتها عالية شامخة في السماء؛
بعدما نال الذل منا وهنّا أمام شعوب العالم التي أستضعفتنا والتي تنظر إلينا كلقمة سائغة لذئب جائع.
أمة كهاته األمة مكانتها ليس كما نرى بل هناك سيدة العالم تنصر المستضعفين والمظلومين وتؤدب
)(89
الظالمين...
كنت في حديث شيّق مع نفسي كنت أفكر أنظر من نافذة الحافلة إلى الطبيعة من حولي ،قلت في نفسي
إنني أريد أن أرتبط بتلك الفتاة لسببين إثنين إضافة إلى أني أحبها من أعماق وجداني أردتها من أجل العلم
حتى أنال أجر طال ب العلم وثانيا من أجل أن أنال أجر الزواج الشرعي الحالل.
من أحالمي أن أتزوج بإمرأة أعلم مني لتعلمني ألسألها دون خجل فتجيبني لتعلمني العلم النافع من أجل أن
يستنير عقلي بنور العلم وبالهدى ...والفالح.
في كل يوم يمضي أشكر هللا وأحمده بقدر عزته وعظمته وكبرياءه على أنه جعلني إنسانا كم من نعمة
وهبها لنا ونحن عنها غافلون ،لو نظرنا إلى أنفسنا فسنخر له سجدا من خشيته...
ال استطيع ان أقف أمام ذلك الجبل ،يذكرني بهيبته وكيف لي أن اتخي ل أن أقف أمام هللا ،وكيف بعد ذلك
أن اعصيه ...ال أجحد بنعمة هللا لن أبخل بقولي الحمد لك ،حتى دموع اإلنسان تنزل حبا له .
كل ما أعيشه ،كل أحالمي وطموحاتي حتى المرأ ة التي أحببتها حتى حياتي ما كانت إال ألجل السير في
الطريق إلى هللا كل شيئ هو لمبتغاه حتى الع مل حتى ما أفكر فيه كل ذلك ،في أول موقف هناك عندما
صنعت طريقا كانت الطريق إلى هللا..
أردت أن أتزوج بامرأة غنية بالعلم واألخالق من أجل أن أثبت في تلك الطريق من أجل أن أحيا ألجل هللا
وأموت ألجله .
اردت أن أكتب كتابا ليس من أجل نفسي بل ألني بعت نفسي هلل أردت أن اقدم شيئا لألمة صغيرا كان أو
)(90
كبيرا.
كانت الحرب صعبة هناك في مسرح العمليات ،خلف خطوط العدو ،القصف المدفعي والقصف الجوي
يخيمان على المعركة ...لقد أبى الجنود العودة للوراء واإلنسحاب من المعركة ،لقد أصر كل واحد منهم
على اإلستمرار في التقدم ،مهما كانت العواقب ،لم يفكروا للحظة في حياتهم في أنهم سينسحبوا أو
سيعودوا مدحورين من ساحة القتال لقد تعلم هؤالء في مدرسة الرجال ونالوا شرف الجندية ،كانت غايتهم
الوحيدة هي أن يرفعوا علم وطنهم في السماء ليعلوا هامته ليبقى وطنهم دائما شامخا .
لم يكن أي مواطن عادي يستطيع أن يتصور حتى أو يتخيل معاناتهم من أجل مستقبل الوطن ومستقبل
)(91
األجيال...
أردت الحديث عنهم وعن مكانتهم في هذا الوطن إنهم العلماء الذين أبعدناهم عن الساحة هم قلب األمة
النابض وسراجها الذي ينير لنا ظلمات هذا العالم والحاضر والمستقبل...
دورهم يأتي بعد الرسل واألنبياء ،فهم ورثتهم ليكملوا الرسالة وليتموها إننا اليوم قبل أي وقت فات في
حاجة إليهم ،حاجة ماسة ،مانعيشه وما نفكر فيه وما نطمح إليه في حاجة إلى توجيه ،نحن بحاجة إلى
النصيحة ،بحاجة إلى رأي من هم أعلم بأمور الدين والدنيا بأسرار الطبيعة وهذا الكون.
إن العلماء بالنسبة لي هم أرقى الناس في السلم الحضاري لقد حان الوقت ليعودوا لمكانهم الصحيح أين
يستطيع كل واحد منهم أن يقدم مايستطيع لنا ولألمة بكاملها ...إن مكانتهم مقدسة وهامة وضرورية وعلى
كل واحد منا أن يفهم ذلك.
كنت أحس بالفخر الشديد عندما يدرسن ي عالم أو عارف بالعلم كنت أحس بوجودي في تلك اللحظة الهامة .
كالم كثير تمنيت أن اقوله ألساتذتي لكن الوقار لهم منعني من ذلك اردت ان أعبر لكل عالم ايا كان إنتماءه
بشدة إحترامي وبعمق تقديري وإخالصي .
قبل أيام ليست بالطويلة قررت أن أنهي هذا الكتاب الصغير في عيد العلم المصادف لـ 16أفريل من كل
سنة.
سأكمل ماتبقى للحديث عن العلم والعلماء ودور العلم في الحياة وبعدها ...إن األمة اإلسالمية في حاجة
للعلم أكثر بكثير من أي وقت فات نحن في حاجة لنشق الطريق إلى العلم اليهم كم سنقدم من مال ومن جهد
)(92
من أجل العلم ،بل مانجنيه وما سيقدم العلم لنا أكبر مما نتخيل بكثير مما أنفقنا في سبيل العلم...
نحن في تلك اللحظة لم ندخل الحرب بإرادتنا لكن القدر كان سبب دخولنا الحرب والخروج منها لم يكن
أيضا بأيدينا هنا علينا أن نتخذ القرار ...لسنا رقم حياد اليؤثر وال يتأثر بل واجبنا يحتم علينا أن نتأقلم في
حرب لسنا من بدأها لنساير الوضع المفروض ونقوم بما علينا فعله .سنوات حياتي كلها كانت مليئة ،
)(93
تاريخ الفشل ليس فشلي أنا بل فشل األمة .
مضت األيام وستمضي أيام أخرى ،أفكر واغوص بفكري في اعماق الكون والحياة أتساءل عن طريق
العلم كيف هي هل ف يها المشقة والتعب وفيها األلم واألسى والمعاناة ،أم فيها النجاة فيها السعادة والهناء ،
راحة العقل ومعه القلب ،طريق مليئة بالنشوة بحب الحياة وبحب األمل والتطلع ألفاق المستقبل...
فقر اإلنسان اليتجلى أبدا في وضعه اإلجتماعي أو اإلقتصادي المتدهور ،احس بالفقر عندما أسعى في
طريقي وراء المال ،عندما أنسى غاية وجودي وأني خلقت من أجل أن أتعلم وأعمل...
أمسيت فقيرا ولم أكن غنيا ك نت أحس بفقر مادي إلى حد الجوع وفقر علمي ومعرفي إلى حد العجز
والفشل والضالل.
أيامنا أصبحت كصفحات الكتاب كل يوم تطوى منه صفحة وصفحاته متعلقة بعمر اإلنسان وذاك...ال أظن
وال اعتقد أن بإمكان الكون أن يتغير في عشية أو ضحاها كما أن اإلنسان إنها مسألة وقت فقط حتى تتجه
)(94
األمور نحو األحسن ...
في بداية األمر كانت نظرتنا للحياة ناقصة ،كانت هي تشبه حيزا مغلقا ودائرة الجديد فيها ،لقد كانت
الروح مثاال أعلى ،كانت األداة الوحيدة لتتجدد حياتنا وتعطي الحركية والدينامكية ألعضاءنا الحسية
تدفعنا نحو ما تتطلع إليه تلك الروح...
لطالما كان اإلنسان عاجزا ألنه اليعي وجاهل بالحقائق فشعوره بالنقص متواصل وإحساسه بذلك يزداد
كلما تعلم شيئا جديدا ،كماء البحر كلما شربت منه أزددت عطشا...
التستطيع حياتنا أن تتحسن وعبادتنا وطاعتنا هلل أن ترقى وتتطور ،دون معرفة أن نعرف الخالق أكثر
فأكثر ،حتى يزداد إيماننا وطاعتنا له اكثر فأكثر ...
عندما كنت في أعلى مرتبة الجهل كنت أرسم وأكتب صورة سيئة وخطا همجيا اليرقى ال لنسميه رسم أو
كت ابة ،عندما كنت أنزل من مرتبة الجهل شيئا فشيئا درجة فدرجة ،كان رسمي يتحسن وخطي أصبح
أكثر وضوحا من قبل وعملي اصبح متقنا نوعا ما هكذا كانت إذا صفحات حياتنا.
في هذا اليوم أصبحت من أصحاب الطبقة المتوسطة في الجهل بعدما كنت باألمس من أصحاب النفوذ
والسلطة في عالم الجهالة ...أتمنى من أعماقي أعماق قلبي ،اتمنى من أعماق وجداني أن أخرج من عالم
الجهل والضالل ،أتمنى أن أصبح فقيرا في مجتمع العلم ،أتمنى ذلك .
العلم هو أساس حياة اإلنسان هو أمله هو روحه هو كل شيئ في كيان اإلنسان وكيان االسرة وكيان االمة
والمجتمع...
حان الوقت لنقدم اإلحترام واإلجالل للعلم ،حان الوقت ليصبح سيدنا ومرشدنا للطريق بعدما كان التحجر
سيدا لحياتي ،وملهما لها ،اليوم ثرت وكفرت بالجهل وباألمية والضالل...
إن األمة عليها أن تفهم ،عليها أن تستفيق ،عليها أن تفكر وتعلم بأن العلم هو من يصنع الرجال ويصنع
االبطال ،يصنع األمة يصنع لها الحاضر والمستقبل ...
ال المال بإمكانه أن يصنع رجال راسخا صامدا كالصخر ،وال أن يصنع مفكرا وملهما عبقريا ؛ لكن العلم
)(95
يصنع كل أولئك...
مشوار طويل طريق العلم ،في للحظة شروق الشمس ،يشع النور في أرجاء الكون لينجلي الظالم بعدما
طال الليل.
إن قضايانا التي نناضل من أجلها ،إن حقيقة كيان األمة ومستقبلها ،مسألة وجودها الحسي والروحي
متعلقة بأمر وحيد ،إن العلم كما هو الحال بالنسبة لنا اليشكل لنا سوى نسبة ضئيلة من إهتمامنا ،لقد
أصبحنا نسعى في طريقنا ال من أجله ،بل من أج ل أن نحقق عائدا ماديا ؛ من أجل أن نجد عمال وسكنا
)(96
ونعيش حياة راقية ...
ًّ
وعلو وكبرياء ، في اصعب للحظات تاريخ اإلنسان يومها عندما تكون أمام جبل شامخ وراسخ ،يشع هيبة
نفكر حينها ،نحاول أن نتجاوز الجبل ،نحاول أن نتخطى تلك الصعاب...
في موقف مؤثر يزداد القلق ومعه الحيرة ،يخيم سكون شديد على أرجاء المكان وداخل الكيان ،نفكر
بسرعة لنجد مخرجا مناسبا ،حينما تود أن تقفز وتريد أن تتجاوز العائق الصعب ...أصبحت حياتي مليئة
بالسكون وبالركود الشديد الذي إن إستمر الماء في تلك الحالة لتوقفت بشدة حياته ولفسد الماء ،بعدما كان
عذبا طيبا ...
سفينة هناك في البحر ؛ ليل مظلم وبرد قارس ورياح وعواصف ،بدأت السفينة في الغرق بعدما فقد
ربانها الوعي ؛ بعدما امتألت نفسه بضباب كثيف منع العقل والقلب من رؤية الطريق الصائب .
ليس من العار أن نظل الطريق لكن علينا أن ندرك مافاتنا ،أن نستفيق ونعود من جديد ونحاول اإلتجاه
بسرعة نحو الطريق الصحيح ،أريد أن أعيش لوجه هللا ،أريد أن تكون حياتي كلها في سبيل هللا ،أتمنى
من أعماقي أن اصنع ذاك العالم الخاص بي الذي أريد أن أعيش كل للحظة منه وكل دقيقة إنتظارا للموعد
اين اللقاء ،ان تعرض نتائج اإلمتحان.
احيانا يصيب عقل اإلنسان عجزا أحس حينها باليأس وباإلحباط الشديد ...هكذا دوما تمضي آمانينا نطوي
الحياة وليل الموت يطوينا ...
الزلت أحلم بأن اصبح عالم في الفيزياء النظرية واحلم بأن أقود مقاتلة في للحظة شروق الشمس ،احلم
بأن يظل قلبي ممتأل بالحب وبالصفح ؛ بالعفو ،باإلنسانية ،باألمل وبالتحدي ،أحلم دوما بأن ابقى طول
الحياة إنسانا ،أحلم بأن أكون صادقا دوما ،أحلم بان ترضى بي التي أحبها وأعيش ما تبقى من العمر
عبدا صالحا هلل ،أؤدي واجبي كامال دون تقصير وال أطلب من الحقوق الكثير...
أحاول و أنا أسعى ،أعمل من أجل تلك األحالم ،كانت الصعاب والمشاق كبيرة ،كانت الحرب صعبة ،
)(97
كانت األآلم تنتشر في كامل جسدي.
عندما لحقت بي الهزيمة ،عندما تحس حينها بمرارة الهزيمة وآالمها ،تمالكت نفسي وضغطت أكثر على
قلبي ،منعت الضعف واإلنكسار أن ينال من شموخ وكبرياء هذا الرجل ،منعت الدمعة من النزول ،
تحملت كل تلك اآلالم عندها تذكرت ماقاله أحد القادة الصينين لجنوده " ماهي إال هزيمتنا السادسة عشر
"...
أمنياتي وآمالي ،أحالمي وطموحاتي كل شيئ في حياتي ،اسعى بكل طاقتي أسعى من اجل تلك األحالم
...هي التي تدل على وجودي هي التي تعطي لي قيمة في الكون ،لست رقم حياد لست صفر ؛ مادامت
أحالمي فوق قامتي سأظل صامدا راسخا ...اليعني هذا أن الهزيمة لم تؤثر في وجودي أو أنها لم تزعزع
كياني وإستقراري ،في للحظة الهزيمة كنت في حاجة لمرأة تخفف عني وطأة الهزيمة وكل مايرفقها من
معاناة...
عندما تميل الطائرة وتحيد عن مسارها ؛ هناك في ذلك الموقف الصعب على القائد أن يغير ويصحح
المسار حتى اليخطئ الهدف...
)(98
أحب كثيرا أن أعيش الحياة كما هي ،أحب كثيرا وأتمنى أن ارى الشمس مشرقة في سماء حياتي .
في الديناميكا الحرارية ووفقا للمبدأ الثالث ،تم اعتبار أن الكون نظام مغلق بما يعني أنه اليتلقى طاقة
خارجية كما أن طاقته التتناقص ...
كنت اسأل نفسي من الذي يمنع السحاب أن يمطر من الذي يأمر الشمس بالشروق ومن هو الذي يأمرها
بالغروب...
من الذي يأمر األرض أن تنبت ومن الذي يحرك الزلزال من الذي يأمر بالحياة وبالموت ،ماهي العالقة
بين الكون والخالق...؟
في الفيزياء الكمية هناك طاقة محددة خاصة بكل ذرة من أجل نقل إلكترون من مدار إلى مدار آخر .عندما
نقول بأن الكون مغلق فإنه في الرياضيات الالنهاية لها نهاية.
لقد كانت النخلة باسقة ،هبت الرياح والعواصف ،هزها الزلزال وأغرقتها الفياضانات لم تمت النخلة
وظلت باسقة ،ظلت شامخة رافعة هامتها في السماء كانت صامدة وراسخة كالصخرة...
إيماني راسخ والعقل الزال حيا ينبض بالحياة ،اليزال يشع ويفكر ،الزال مستنيرا ،كنت أتمنى أن أصبح
قلب األمة ،كنت أتمنى أن أكون رجال من أعظم الرجال .
أتمنى دوما أن أحقق لألمة شيئا عظيما يجعل األمة تفتخر بإنتماءها وتفتخر بما تقدمه...
عندما دخلت أول مرة للجامعة في أكتوبر 2118كانت أحالمي وطموحاتي كان كل شيئ مشعا يعيش في
أهم للحظاته لم تكن طاقة تحرير إلكترونات أو إكتساب بروتونات ،لقد كانت شبيهة بطاقة نووية تنبع من
عمق النواة وعمق الذرة.
كانت تلك الطاقة تتالشى مع اإلحباط ،لم يكن من يقدم لنا دعما ويقول تقدموا لألمام واصلوا المهمة ،
أذكر عندما سألني أحد األساتذة عن سبب غيابي فقلت له بأني ادرس في جامعة سعد دحلب ،صاح في
وجهي وقال ماذا تريد أنت أن تكون ! بإستهزاء.
باألمس درست درس الديناميكا الحرارية عند األستاذ الدكتور حاج بوسعد لقد كانت ساعة من أهم ساعات
العلم في حياتي كل يوم كان يزداد حبي وإحترامي له ألنه قال لنا أريد أن أقدم لكم المعرفة ليستطيع كل
إنسان منكم أن يفكر بمنهج علمي وعندما يفكر اإلنسان فإنه سيجد الحلول ويعرف ماهو نافع وماهو ضار
،كنت أدرك قيمة ماكان يدرسه لنا وقيمة تلك المحاضرة ،لقد كان يبث في نفوسنا األمل والحلم ،كان
يتمنى من أعماقه أن نصبح عظماء ...
أمتن له وأشكره ألنه علمني ،ألنه لم يبخل علينا بعلمه وأدى واجبه كامال وأشهد له بالخير وأنه رجل
صالح.
عندما تنهزم تدرك حينها أن كل شيئ انتهى لم يبقى لنا شيئا آخر لنفعله ...نستطيع أن نفوز في كل وقت
لكن إذا انهزمنا البد أن ننظر إلى الهزيمة ونسأل لماذا انهزمنا ولما لم ننتصر؟ وكيف سننتصر ،لو حققنا
في تلك اللحظة النصر لكان نصرا بسيطا لكننا انهزمنا لنحقق إنتصارا عظيما ! هذا هو اإلنكسار...
لقد كان مستقبل األمة مبني على تلك الرصاصة وذلك الجندي ،أدرك وأرى قوانين رياضية تتجلى في
السياسة األمريكية ،كل شيئ عندهم مبني على العلم والغاية من ذلك.
اليعني ذلك أنهم مثاليين وأن كل أحالمهم تتحقق ،المعادلة الغربية بصفة شاملة يرتكز إستمرارها وتتعلق
دقة وصحة نتائجها بواقع المسلمين ...هل عاد اإلسالم في حياتهم أم ال أم أنه مجرد كساء نكتسيه تارة
ونتركه مرة أخرى ...مايفعلونه ومايقومون به ليس إال للمحافظة على ذلك النظام المختل وتلك المعادلة
الرياضية ...
بإمكان المسلمون العودة للطريق كل شيئ يدعونا ؛ الخير األمل والمستقبل ،في الدرجة صفر كلفن يوجد
النظام المطلق الشيئ يتحرك أو يتفاعل ...
مايحدث في العالم لسنا بمنأى عنه أو بعيدا عنا ،في ليلة وضحاها قد يتغير كل شيئ ،لكن لما ننتظر حتى
تنقلب المعادلة على عقبيها ،مصير األمة اإلسالمية لم يكن متعلق بقرار مجلس األمن ،أو مجلس الشيوخ
أو البنتاغون أو تقرير لوكالة اإلستخبارات المركزية...
مصيرنا في أيدينا والعدالة حقيقة نسمعها ونراها كل يوم لن تقوم أي نهضة لألمة اإلسالمية دون إسالم ،
إن اإلسالم وتعاليم القرآن الكريم وسنة النبي صلى هللا عليه وسلم هي النظام الكامل أو المطلق للحياة
واإلقتصاد ،لألمن ،للسلم والحرب ،للمجتمع للسياسة وكل شيئ نعرفه في الحياة...
من الذي يمسك السماء ،من الذي منع العذاب أن ينزل علينا ألننا عصينا هللا ،من الذي جعل السماء سقفا
محفوظا ...
لقد سبب لي أولئك الحمقى واألغبي اء مزيدا من األرق ،يسارعون بقلوبهم المريضة من أجل نهب ثروات
األبرياء والضعفاء ،يظنون أنهم قادرون على أن يتحدوا القدر والسماء ،ماذنب ذلك الطفل وتلك األم
ماذنب ذلك الشيخ وذاك الرجل البريء ...وكعادتنا دوما ال نتعلم والنتذكر كطاغية يمر يهلك الحرث
أوكريح سا م يقتل كل مايجده في طريقه ،هكذا هو العالم ،آالالف المليارات هناك في الشمال والرفاهية
والتقدم والتحضر اإلقتصادي والتقني والسعادة والفرحة ،هم ينظرون للحياة بوجه مختلف ؛ والجوع
واأللم والتخلف والتدني والتدهور اإلقتصادي والتقني واأللم والتعاسة والمعاناة هناك في أرض الجنوب ،
بشر ينظرون للحياة خلف نافذة سوداء قاتمة النكاد نرى أي شيئ سوى طريقا مظلما ال نهاية له .
أتمنى أن يقرأ أبناء جيلي هذا الكتاب ،أتمنى أن ألقى تشجيعا ،أتمنى أن يقول الناس لي أن كل شيئ في
إمكان اإلنسان تحقيقه حتى الصعود على النجوم...
مازالت أمام اإلنسان طريق مهما طالت هي قصيرة ،ألن عمر اإلنسان قصير ...مع كل يوم يمضي
يزداد الناس إنعزاال عن بعضهم ،يبتعدون شيئا فشيئا كل ذهب إلى عالم خاص به ،كل شيئ أصبح ضيق
يخنق وجود المسلم وكيانه ،قد تضيق باإلنسان كل هاته الدنيا ،قد يبلغ حزنه عنان السماء قد تزداد
معاناته وآالمه وتشتد أحزانه ،لكن في النهاية سيعود الماء لحالته الديناميكية ويزول كل ماهو ضار ،
نطوي الصفحة ونبدأ صفحة جديدة في الكتاب نكتب فيها مانشاء ،إذا أردنا التعاسة فإننا سنجدها ،وفي
نفس اللحظة إذا أردنا السعادة والفرحة فإننا بالتأكيد سنجد كل ذلك ...
إن التحكم في ذلك يرجع إلى تحكمنا في العقل والحواس ،إذا امتلكنا أداة مناسبة إلقناع العقل بالحالة التي
نريدها ،فالقدرة على برمجة العقل ،حل نموذجي للواقع البشري ،حتى وإن كانت العملية تحتاج مسألة
وقت فقط ،حتى تنسجم البرمجة مع العقل ،وما نلبث أن نجدها قد أرسلت إلى الحواس ...
كان يظن اولئك البشر أن ضعف مستواهم المعيشي ودخلهم راجع إلى فساد القيادة واإلدارة ومؤسسات
الدولة ؛ قد يحمل ظنهم بعض الدقة وما يقولونه صحيح نسبيا ،لكن رغم ذلك فإن فساد اإلدارة ليس سببا
مباشرا في أن حياتنا ومعيشتنا ليست بالم ستوى األحسن أو الجيد ،من يصنع المستقبل؟
ال أعتقد أن أحسن قيادة في العالم وأعدلها تستطيع أن تصنع لهذا اإلنسان أو ذاك مستقبال مشرقا ودخال
مرتفعا ومعيشة رغيدة ...
إن واقع هذا اإلنسان أو ذاك يعود إليه دون غيره ،ألنه هو المعني به قد يسعى اإلنسان ليغير واقعه ،لكنه
يفشل ثم ييأس وهنا سيلقي اللوم على الحكومة ،لكن عندما نفشل علينا أن نحاول مرة أخرى وعندما نفشل
حينها علينا أن نحاول حتى نحقق النجاح...
إنه النضال والكفاح والسعي بأمل وشوق شديد من أجل ذاك المستقبل ...سيتغير الواقع بالتأكيد عندما نصر
)(99
ونعمل بجد وإهتمام ؛ لن يبقى الحال أبدا على ماهو عليه...
عندما تتطابق تلك المركبات األساسية لمعادلة اإلنسان مع معادلة إنسان آخر هناك عندما تتطابق مركبات
الزمان والمكان والمتغير النفسي ،هناك سيكون اللقاء وتستمر األحداث وتستمر المتغيرات في التغير مع
تغير الزمان حتى وإن كان المكان ثابت فإن المعادلة في تغير...
إن مايحدث في حياتنا ،نظام رياضي اليقبل الشك أو التأويل فعندما تكون هناك نتيجة رياضية تتطابق مع
تلك المقدمة أو المعطيات فإنه في هذه الحالة ال يمكن أبدا الشك في تلك النتيجة ...
لما كل حركاتنا وكل مانقوم به من تصرفات خاضع للمصفوفة الكونية ...ال أعتقد بأن حركة الجزيئات
والذرات والكواركات خاضع لقانون العشوائية ،أعتقد إعتقادا راسخا من صميم وجدان العقل بأن تلك
الحركات خاضعة لقانون رياضي بالغ الدقة اليحمل في طياته هامش خطأ أو حتى إحتمال ضعيف
بالخطأ...
التقيت هذا اليوم مع تلك اإلنسانة مرتين دون أن أفكر في ذلك الموقف ولم أكن أبدا افكر في الموقف ،هل
كان صدفة ،هل وقوفي في ذلك المكان وذلك الزمان كان صدفة هل كانت وضعية وقوفي بمحظ الصدفة
هل ذهبت في تلك الطريق بالصدفة ،هل التقيت بمن أحب بالصدفة...
هل أن الكا ئنات جاءت بالصدفة ،أو هل أن اإلنسان جاء من محظ الصدفة ،هل أن الكون جاء من تلقاء
نفسه ،هل وجود الذرة والبروتون ،ووجود اإللكترون والكواركات شيئ من صنع الطبيعة الجامدة ،أم
أن هناك خالق أعظم من كل شيئ ومن كل تصوراتنا وتخيالتنا ،سبحان هللا ،سبحان الخالق ...
في كل للحظة اسأل نفسي ،ما هي الغاية ،ماسبب مايحدث ،ماذا يجري ،أعجز عن إيجاد إجابة واحدة
عن كل التساؤالت ،نحن بغباءنا ننظر إلى االحداث كأنها صفحات في كتاب يسمى الحياة ،صفحات
المعنى لها سوى أنها ورقة مكتوبة بحبر صيني.
عندما تبدأ خيوط الفجر بالبزوغ ،عندما تبدأ الشمس بالشروق ،عندما تدرك مالمح الطريق ،حينها
ستدرك معنى وجودك في الحياة ،ستدرك بأن اإلنسان حياته ليست معزولة ...كنت أدرك ماحولي وأتتبع
مايجري ،كنت أنظر إلى من حولي بتركيز أنظر إلى كل خطوة أنظر إلى األحداث كيف تتواصل وكيف
تتقدم وكيف تحصل ،احساسي بأن اإلنسان سيصل في النهاية ،إحساسي بأن اإلنسانية ستحقق ذاتها في
عالم أصبح اليعرف اإلنسانية .
أصبح كجبل قاسي اليتحرك واليهتز ،اليتألم واليفرح ،اليحس واليشعر ...هكذا كانت المصفوفة
)(100
الكونية ،إنها نظام شامل يحكم هذا الكون ويسيره من الكواركات إلى أعظم مجرة في الكون .
عندما تتأمل جيدا في المادة عندما تنظر بعقل مفكر إليها ،عندما ترى ذلك التماسك واإلستقرار الشديد
ينتابك شعور بالرهبة وبالريبة بالخوف أحيانا وبالتعجب أحيانا أخرى ...
ال أحد يدرك تلك المعاني ،إلكترون يدور حول النواة في مدار محدد اليستطيع الهرب وال الحياد عن
المسار وبروتونات موجبة تتجمع حول النواة ثابتة ال تتحرك.
أي قوة تلك التي تمنع البروتونات الموجبة باالنجذاب إلى اإللكترونات السالبة هذه هي الصعوبة الشديدة ،
وهنا تتجلى لنا مالمح العظمة والقوة التي تحكم كل شيئ ...
تبقى المادة مستق رة في اللحظة التي تكون فيها مكوناتها مستقرة ومتماسكة ...عندما ننظر إلى ذلك
المستوى الدقيق الذي ال تستطيع العين أن ترصده وننظر إلى القوانين التي تحكم االجرام وتحكم الكواكب
واألقمار والكتل الكبيرة.
إن القوى الكهربائية والنووية تحكم كل شيئ في حياتنا وجودها كان سببا في وجودنا ،إن اإلنسان
والكائنات األخرى كلها عبارة عن ذرات مصممة بشكل معين ،إنها الحقيقة تتجلى ،رياضيات دقيقة ،
ليست إحتماالت أو عشوائيات بل قوانين دقيقة تتجاوز مفهوم الحقيقة وتتجاوز معنى هذا الكون كله.
عندما يختل اإللكترون في الذرة ستختل وفي تلك اللحظة ستختل المادة وبالتالي سيختل هذا الكون ...
قد نبحث عن مفهوم دقيق ،عن مفهوم الذرة ،معنى اإللكترون أو البروتون أو النواة والكواركات ،هنا
سيكون مبدأ التفكير ...
)(101
الشيء يتجلى دون معنى والمعنى ألي شيء ليس له معنى أو هدف.
ال تدري إطالقا كيف تتسارع األحداث وتتصادم األشعة في الفضاء الكوني ،مع كل مرة أفكر أن اإلنسان
الذكي يكون غبيا بعض األحيان نفكر بالعقل ،نتوسع ونتعمق في الكون الشاسع نحاول بقدراتنا المحدودة
أن نفهم مالذي يجري ينتابني الفخر أحيانا ألني أتعلم شيئا جديدا كل يوم يمر أحس بالسعادة والنشوة مع
كل طموح لالمحدود ومع مزيد من األمل في الحياة مع تخطيط إستراتيجي سنتمكن من صناعة المستقبل
المشرق...
اليمثل العنف والتعصب العقلي والتعنت جزءا من شخصيتي ،قلب اإلنسان عميق مليئ بالتسامح بالحب ،
)(104
بالسالم وبكراهية العنف والدمار والحرب واأللم والمعاناة .
كان الخير مفهوما شامال للصفات النبيلة واألخالق والمبادئ الفاضلة ،منذ للحظات التاريخ األولى ،كان
ذاك المعنى هو الغالف الحافظ والحامي لهذا الكون من االندثار ،كإنسان في هذا الوجود يمثل الخير لي
مفهوما مقدسا له معاني كثيرة ،عندما كان باب الخير مفتوحا ،كنت اسعى بكل إخالص من أجل أن أفعل
الخير ،من أجل أن أعمل صالحا ،لقد استطاع الخير بامل ان يسكن في قلبي ،مهما كان وضع اإلنسان
مهما كانت إنشغاالته فالخير وفعل الخيرات ضرورة لإلنسان بل هو مقصد من مقاصد الحياة في هذا
الكون.
كنت أتحدث مع نفسي وكانت هي تقول مالداعي لفعل الخير مالداعي لتقديم المساعدة للناس ،مالداعي
لذلك ،عندما تمتلك الجرأة لإلجابة هناك عوامل هامة تدعونا للرد على ذلك السؤال ؛ إن عمر اإلنسان
محدود وأبواب الخير كذلك ل تقديم الدعم للناس دون أن ينتظر منهم جزاء أو شكورا كان رسول هللا ملهما
)(105
لألمة ،كان عبدا صالحا هلل يسارع لفعل الخيرات و صفاته التيسير ال التعسير.
عندما كان اإلحباط ينال مني كنت أحاول الهروب ،أعود قليال للوراء ألرتمي في أحضان الماضي الذي
ذهب ،كنت أجد فيه نوعا من األمل ونوعا من الروح التواقة للغد الذي الندري كيف سيكون...
في بعض تلك اللحظات كان اإلحباط واليأس ،كان الفشل يتحول إلى إبتسامة بريئة على وجه اإلنسان ،
بعدما ظنوا أنهم نالوا من اإلنسان فقد أحي وا فيه بذرة حب األمل والتمسك به إلى آخر اللحظات وهكذا دوما
كانت أيامنا تمضي...
كل ما كتبته كان تعبيرا عن للحظات كنت أعيشها وأحس بها وأشعر بها ،لقد كان العالم الذي نعيش فيه
ضيقا كثيرا على اإلنسانية ،كل الظروف كانت ضد اإلنسانية ،كانت ضد الحب الصادق ،كانت ضد
األمل حب الحياة وحب الضياء ونور الشمس ،كان القمر دوما يطل بوجهه حزينا كئيبا ...
لكم أكن أؤمن بفلسفة اليونان أو فلسفة أرسطو ،لم أكن أفكر سوى في فلسفة إنسان يريد أن يعيش الحياة
كما رسمها على للوحته...
مع التفكير العميق ،كان اإلنسان يدرك بأن األلم لن يستمر والمعاناة ومرارة الحياة التصبغ حياة الكائن
البشري ...
مع كل للحظة تمضي من حياتي أقف وأعتذر لكل من أخطأت في حقه وفرطت في خدمته وأطلب المغفرة
دوما من هللا ،لعل الحياة تعود ،لعل اإلنسانية تعود مرة أخرى للحياة...
أحيانا عندما أتكر أستاذتي العزيزة وردان ،أتذكر كل شيء جميل في حياتي ،أتذكر للحظات األمل
وللحظات التحدي ،دفعتني لألمام دوما ،رغم أنه ا درستني ثالثة أشهر فقط ،الزال فراقها يشكل لي
حزنا دائما ومتواصال ...
دمعت عينايا في هذه اللحظات عندما أردت أن أتذكر صفحات االمل في حياتي ...في الجامعة هناك
عشت للحظات مختلفة ،لقد زرع بعض االساتذة في نفسي اليأس واإلحباط لم يصنعوا ولم يبلوروا في
نفوسنا التحدي وساهموا في قتل طموحنا.
بالنسبة لي ال ألقي اللوم على أحد وال أحمل أحدا المسؤولية ،ما أردت قوله ببساطة ان الشباب يحتاج لمن
يصنع ويبلور له التحدي من يدفعه لألمام ال من يدفع به لألسفل...
قليلون بالتأكيد من ساهموا في دفعنا نحو األمام ،وهذا مثل لي سعادة كبيرة ،لطالما أحسست بأن الوقت
يتسارع ويجري ولطالما شعرت بأني سأعجز أمام هذا التسارع المطرد عن تحقيق إنجاز عظيم ...
كان أملي في أن أحقق لألمة انجازا من اعظم اإلنجازات في التاريخ ،ليس لغاية إال ألشرف وطني وامتي
...
كان أستاذي جمال الطيب الرحماني الذي تعرف ت عليه في أواخر شهر مارس نموذجا جيدا لعالقة األستاذ
والطلبة كيف يجب أن تكون ،مبنية على الصداقة وعلى التعاون والتفاهم ،قال لنا بأن معه ال توجد
بروتوكوالت أو أجندة أو حتى تحفظات ،داخل االجامعة نحن أصدقاء وفي الخارج نحن كذلك أصدقاء ،
بالنسبة الستاذي العزيز الدكتور حاج بوسعد تحدث معنا عن المعرفة ودورها في صناعة وفي صقل
تفكيرنا وآلية عمل منطقنا العقلي ...
كنت أستمع وأقرأ خطب وكتب اإلمام محمد الغزالي رحمه هللا وكم كانت منهجيته في تبليغ الرسالة
والدعوة مبنية أساسا على العقل والتفكير المنطقي وهذا ما كان يحتاج إليه كل إنسان مفكر.
ماتعانيه األمة اإلسالمية ليس أعراض لبداية مرض خبيث ،بل هي أعراض النهاية ،نهاية اإلنفصال أو
)(106
بداية تاريخ اإلحباط والفشل بالنسبة لتاريخ األمة ...
في بداية الطريق يتوقف اإلنسان في نقطة من الزمن ،للحظة تأمل أو للحظة صمت يتوقف عندها كل
شيء ،يصبح الفضاء الزماني والمكاني ساكن كل النقاط التي تنتمي إليه ساكنة سكون مطلق...
تلك اللحظة التي تقاس بالميلي ثانية تعبر عن حالة إنفصال بين سلسلتين ال نكاد ندرك ذاك الفراغ
المجهري...
كأن الواقع اليريد أن يرحل ،كأنه حقيقة رياضية مطلقة التقبل الشك أو التأويل ،لكن الواقع اليمت
للرياضيات بصلة فهو فوضى من صنع البشر ،كما أنه ليس شيئا راسخا بل قيمته أو دالالته تتغير بين
الحين واآلخر ،ربما حان الوقت لنحدد موقفنا من كل مايجري حولنا ،فالظروف اصبحت صعبة من ذي
قبل في عالم يزداد شساعة يوما بعد يوم ويزداد مع ذلك ضعف اإلنسان وعجزه أمام تعاظم الشر وبسطه
نفوذه في كل أرجاء معمورتنا ...
إن حياة اإلنسان مجرد رسالة تحمل شفرة خاصة لهذا اإلنسان أو ذاك ال يستطيع الكون أن يستمر
دونهما...
لقد تعقدت األمور و تشعبت بحيث سيكون إيجاد حل سريع مهمة صعبة للغاية في كل الحاالت التي
تصادف الكائن البشري ،فهنا عليه أن يتحمل مسؤولياته ك ل الفشل والنجاح وكل تلك المفاهيم تسير حياتنا
وترسم صورة أليامنا أيا كانت الظروف والتحديات ،تبقى فلسفة اإلنسان مكسبا يغنيه عن كل إخفاق
واجهه في أهم مراحل تاريخه وحياته.
بالنسبة لنا وما عانيناه في الحياة ،معاناة فكرية وأدبية وثقافية التقابلها أية مأساة حسية أخرى...عندما
تتأمل وتنظر بعقلك إلى الطبيعة ،إلى تلك الجبال تلك التضاريس المذهلة والغابات الكثيفة ،عندما تنظر
إلى الشمس في للحظة الشرو ق وإليها في موعد الغروب وإلى السماء ،هناك في ذلك الموقف سيركب
عقلنا موجة في الفضاء يسبح هنا وهناك ،ينتقل حينها من عالم فيزيقي اليحمل أي قيمة حقيقية إلى عالم
أوسع وارقى وأكمل ،في عالم الخيال الحقيقي النه يحمل في طياته معاني رياضية في غاية التعقيد
والشمول ية الكونية ،إنها نقطة إلتقاء الزمان والمكان.
قد التعن ي عضوية اإلنسان وفيزيولوجيته أي شيء ألن الروح هي المركب األساسي في اإلنسان فحتى أننا
)(107
النستطيع أن نصطلح إنسان على جثة جامدة بل هو إنسان بتلك الروح التي بين جنبيه.
قبل آخر يوم لي في السنة الدراسية ونهاية ثالثة سنوات دراسية في الجامعة والتي ستنال بعدها شهادة
لليسانس أردت أن أقف واتأمل اقيم ثلث عقد من الزمن مضى من حياة اإلنسان كيف مر وكيف كان وكيف
يجب أن يكون...
كل يوم كان يمر منذ دخولي في 4أكتوبر 2118كان حبي يزداد لدراستي وللتخصص الذي اخترته ،ال
أجزم وال أكذب وال أتجمل فالمعرفة وتحصيلها كانت غايتي ،وأعترف بإخفاقاتي وبفشلي في بعض
األحيان ونجاحي في أحيان أخرى ،لم يسعفني الحظ ولم أقرأ كتبا كثيرة وأبدي ندمي وأسفي على ذلك ألن
قراءة الكتب ستصقل لإلنسان موهبته وتساهم بقدر كبير في توجيه العقل وتوفر له الخصوبة والديناميكية ،
في تلك السنوات المهمة من حياتي كشاب أكتسبت الكثير من التجارب والخبرات تعرفت على أصدقاء
الجامعة وزادت معرفتي بهم وتوثقت صلتي معهم ،وعشت أجمل ايام تاريخي وأصعب للحظات حياتي
أيضا ،لقد كانت معبرا لي ألنتقل من رحلة البحث عن العمل والسكن والحياة الهنيئة ،إلى رحلة البحث
عن الحقيقة والمعرفة ،واليوم أظن بأن كل شيء سيتغير في ذاتي ،لقد اصبحت اليوم غايتي أن أسعى
وراء العلم وأن اطلب الحقيقة وأن امضي مسرعا في سبيل ذلك ،في الماضي كنت اطمح ألصير للواء
في الجيش أو طبيبا جراحا أو رجل أعمال عالمي ،لكن في للحظة هامة من حياتي تغير شعوري
وطموحي وقلت اليوم أريد أن أصبح عالما ولم يعد لي أي طموح آخر ،لم أكن اعرف األنانية ولم يكن
ذلك مفهوما معروفا في قاموس حياتي...
إنها فلسفة اإلنسان ،اليوجد أي شيء آخر يضاهي الظاهرة اإلنسانية في هذا الوجود المادي ...كنت متأكد
من أن من يقرأ اآلن هذا الكتاب هو أكيد إنسان متميز ألنه اليوجد إنسان عادي يشتري من المكتبة كتابا ...
فهذه هي الحقيقة ،ال أدري كم إنسانا سيقرأ كتابي وماسيكون تعليقه ،ستكون السعادة لي عندما سيقرأه
الناس ليعرفوني ليفهموا مافي قلبي وما أعيشه كإنسان ...سعادتي بالنسبة لي هي اإلنسانية ،فإنسانيتي
غلبت الشر وما توسوس به لي نفسي ...
في للحظات الحب تشعر بخفة الوزن وبزوال الوهن والتعب ،فحب الناس ستضيف لإلنسانية الكثير ،
فالناس هم االصدقاء واألخوة في الدم وفي الوطن وفي الدين وزمالء العمل والدراسة والسفر والمطعم
وفي كل مكان تلتقي به مع الناس...
والحب درجات ،هناك حب روحي وحب إنساني وحب مادي ؛ فالروحي هو أسمى من كل حب ،حب هللا
وحب الرسول ،واليوجد أي حب فوقهما ألن غاية كل إنسان هي الوصول إلى هللا ،طلب رضاه وعفوه
ومغفرته وحب الرسول صلى هللا عليه وسلم ،فاإليمان سيتم عندما يكون حبه أكبر من حبك لنفسك ولكل
من حولك...
الحب اإلنساني موجه لمن تحب ،حب الوالدين واألخوة والزوجة واألوالد وكل من تحب من أقرباءك
والناس ...الحب المادي مرتبط بشيء حسي حب األرض ،حب الطبيعة ،حب المال ،حب السيارات ،
حب األشياء...
في كل موقف من حياتي أتذكر من أحب وكانت اقرب إنسانة إلى قلبي بعد والديا وأقرب أقرباءي أستاذتي
وردان التي أحبها من أعماق وجداني أحبها ليس إال ،عندما اتذكر صورتها أمامي ،عندما أتذكر يوم
رحيلها أبكي ودموعي تنزل ،فقد كان الحب أقوى من كل شيء لقد أثر غيابها في نفسي الكثير وأتمنى أن
ألقاها في يوم ما ،أليس فخرا لإلنسان أن يترك من يحبه ،من يتذكره ،من يدعو له أليس ذلك سعادة .
لقد تمنيت من قلبي أن تكون تلك الفتاة التي أحببتها زوجة لي أن تقبل بي و والداها ،لقد أصبح قلبي واسعا
،يحوي كل شيء التستطيع القلوب القاسية أن تحويه إنها قوانين الفيزياء تتجلى.
سبحت بخيالي في الفضاء وفكرت في الخالق سبحانه وتعالى ،أنتابني الحياء والخجل وأحسست بشعور
السائر في الطريق إلى هللا إنها للحظة التدبر والتأمل للحظة يصحو فيها اإلنسان ؛ كل الحواس تعمل بشكل
جيد والعقل في أفضل حاالته والقلب أصبح جديدا.
أحمد هللا وأشكره على النعم وأتوب إليه وأستغفره ،فرحمته وسعت كل شيء ،أدعوه أن يعلمنا ماينفعنا
)(108
وينفعنا بماعلمنا و"قل رب زدني علما".
ال أعلم ماسبب تمسك االرئيس اليمني والسوري بالسلطة ،إن هؤالء المستبدون في الحكم والذي ظنوا بأن
الشعب سيظل صامتا ،فلكل شيء حدود ،والصبر على المظالم له حدوده ،فعندما يتجاوز الحدود
سينفجر حولنا كل شيء .
في أهم للحظات التاريخ كنت أتساءل وأعترف بأني أخطأت في تقدير الموقف ،لم أصدق ماكنت اراه
على شاشات التلفاز ،عندما رحل الطغاة عنا هناك أين فك الحصار على أهلنا في غزة وتنفس الناس في
مصر الصعداء وعاد للمواطن التونسي شرفه وكرامته وشموخه وعزته.
إن الشعوب اإلسالمية في حاجة لطلة جديدة لعودة اخرى ،إننا نتطلع إلقامة وطن إسالمي واحد نعيش
تحت سماءه ،نبني البالد وأيدينا في أيدي اخواننا وأخواتنا.
إن األمة ستنهض برجالها وبنسائه ا ،ستنهض بالتأكيد عندما يدرك كل منا قيمة اآلخر ،لقد كنا نخرج من
مأساة لمأساة وكنا دوما نتعلم درسا جديدا في التاريخ.
إن العمل والجد والمضي قدما نحو األمام هي المقومات األساسية للعمل وللبناء ،لصناعة مستقبل مشرق
لنا وألجيالنا القادمة.
هناك من يسمون أنفسهم بأساتذة السياسة وأنهم خلقوا ألجلها وهي وجدت ألجلهم ،أعتقد بأنهم أخطأوا في
)(109
تقدير األمور...إن هللا يعز من يشاء ويذل من يشاء فهذه هي سنة الحياة.
لقد فتحت صفحة جديدة في التاريخ إنها إستمرارية لحياتي ،اين سأنتقل من عالم الرأسمالية الميتة الجامدة
واإلش تراكية الكاذبة إلى عالم آخر يمثل فيه العلم كل شيء ؛ هو السماء وهو األرض وهو الماء وهو
األكسجين ،هو الحاضر والمستقبل أيضا ...
فرحتي أزدادت ليس ألن الظروف أصبحت في صالحي أو أصبحت غنيا ،لكن ألن السعي وراء العلم
أصبح اليوم حافزا لي ...ووقودا لحياتي كلها.
إن حياة اإلنسان القيمة لها دون وجود هدف سامي وراقي لدرجات عالية ،نسعى بكل قوتنا وطاقتنا
لتحقيقه ،عند الحديث عن األمل ؛ فهناك كل شيء من حولنا يظهر كتلك النجوم الالمعة في السماء.
عندما بدأت في الكتابة اسميت كتابي "ثالثة سنوات من عمري" بعد سنة واحدة مرت قمت في للحظة
تفكير من حياتي بتغيير العنوان إلى "بين السماء واألرض" ألن معنى كل ماكتبت كان يظهر واقع اإلنسان
بين أحالمه وطموحاته بين أمانيه وكل ذلك والواقع الذي نعيشه ،فبكل تأكيد واقعنا اليتوافق مع طموحنا
ومع احالمنا فهو يسلك إتجاها مغايرا في اللحظة التي نسلك فيها نحن طريقا معاكسا.
بالنسبة لي وماكنت أسعى إليه كان شيئا صعبا ،فلم يكن شيء ملموس وجامد كعادتنا نحن البشر ولهذا
السبب كنت بين السماء واألرض ،طموحي أن أصعد للسماء لكن جاذبية األرض المارقة كانت عائقا
أمامي ...
لكل جيل ظروفه فالزمان والمكان في تغير مستمر ،اليستطيع الجيل الماضي أن يحكم علينا ،على
إنجازات وإخفاقات أو على أحالمنا وتفاهتها وعظمتها ؛ كما نحن أيضا ال نستطيع أن نحكم ال على
إخفاقات الجيل الماضي وما حققه على أرض الواقع وال حتى الجيل القادم الذي يلينا...
إن أمتنا أعظم أمة في التاريخ ،ال تقولوا بأننا آخر شعوب العالم أو أدناهم ،إنها للحظة إنكسار فقط
والزمن كفيل ليثبت لنا بأن أمتنا لم تنهار بل انكسرت سرعان ما ستعود لحالتها ،كالعظم حين ينكسر لن
يعود لحالته بالتأكيد فهنا البد من إقامة دعائم حتى يستطيع أن يبرأ .
أشكر أساتذتي في الجامعة على كل ماقدمو ه لي من دعم معرفي ومعنوي لقد كانوا يمثلون كل شيء في
حياتي ...لقد أدوا دورهم وقدموا ما كان في وسعهم في الحقيقة ال أدري مالذي سأقوله...
عندما كنت أرى األستاذ يبتسم في وجهي كانت السعاة تطرق بابي دون أن أدعوها وكان يومي يمضي
وأنا كلي أمل وشوق ،وإصراري يزداد لتحقيق تلك الطموحات لم أكن أعلم وال أعرف كيف أتحدث مع
اآلخرين ألن دوما بيني وبينهم حاجز يمنعني ولم كن أعرف كيف اتكلم وماهي المواضيع التي سأختارها
...
في هذا اليوم قررت أن أنهي الكتاب وأتوقف عن الكتابة فالبداية تحتاج إلى نهاية .في للحظات من الحياة
كان الفش ل يصيب اإلنسان في ذلك الموقف الصعب ال تدري ماذا ستفعل كل القوى تصبح ضدك ،
تواجهك الرياح والعواصف واألالم وكل شيء ...
تصيبك المحن تارة والمآسي مرة أخرى وتنتظر في الحياة لو لم تكن إنسان لما واجهتك هاته الظروف أو
المحن.
في للحظة سيتغير كل شيء من حولنا ،عاد الشتاء من جديد ؛ أمطرت السماء وع ّم الخير البالد وعاد كل
شيء أحسن مما كان بكثير ،وأتى الربيع ،الدفئ يعقب الشتاء ،البرد القارس والرياح والعواصف ...
لقد كنت أحب الشتاء كثيرا ،ألن أجمل ذكرياتي وأهمها كانت في مرحلة الشتاء ولهذه الغاية كنت أصف
للحظات اليسر وأعبر عنها بأيام الشتاء الجميلة .إن األمة في حاجة لكل إ نسان ينتمي إليها ويشكل جزءا
هاما منها ،إن الشباب هم القوة ،فاإلبداع واإلبتكار والتحديات تنبع منهم ،فهم المنبع لكل شيء يحمل في
طياته القوة ...بإمكان هؤالء أن يرفعوا أن يدفعوا األمة خطوات هائلة نحو األمام ...بإمكانهم القفز بها إلى
ضفة الواد.
إن معاناة األمة لم تكن ألن الظروف كلها ضدنا ،بل ألن الخوف شكل واقعا هاما من شخصيتنا ،الخوف
من المضي نحو األمام ،الخوف من القفز.
عندما ترى األطفال الصغار يلعبون ،عندما تغوص في التفكير تدرك التحديات ،نحن ال نتمنى أن يأتي
هؤالء الصغار في نفس مكاننا وتتالشى وتتبخر أحالمهم وطموحاتهم أمام معطيات الواقع السخيف الذي
يريد القضاء علينا واحدا تلو اآلخر ...
لكن هيهات فعزيمتنا من حديد ،وفشلنا يشكل وقودا لنجاحنا ويأسنا سيتحول لقوة تعاند كل شيء اليريد لها
أن تستمر إن حي اتنا مبنية على التكافؤ ،وجودنا وإستمراريتنا ،نجاحنا وتفوقنا مبني ومرهون بوجود
شيء ؛ إنه التمسك بالدين والعودة للطريق .
إن الصالة كما أركان اإلسالم األخرى تمثل عمودا لحياتنا ،إن الغاية التبرر لنا الوسيلة فمشروعية
الوسيلة هي السبيل لتحقيق الغاية المشروعة ،إن حياتنا مبنية على التسامح عل الحب واإليثار ،على كل
الصفات الجميلة فالصدق والوفاء والعفو عند المقدرة ،وتقديس العلم والعمل كلها تمثل اساسا لحياتنا ...
إن السعادة الروحية والنفسية لن تحصل عنما تقود سيارة مرسيدس من الفئة األخيرة ،أو سيارة رياضية
من طرا ز فيراري أو بي أم دبليو ،أو عندما تكون لك فيال تقابل شاطئ البحر األبيض المتوسط أو أي
متاع من الدنيا ...السعادة تنبع من حقائق نعيشها ،من عمل صالح نقوم به ،من صدقة نتصدقها ،أو كلمة
حق أو صدق تخرج من أفواهنا أو عمل نتقنه أو صالة مع إخواننا في المسجد...
لقد زال الظلم ولم تعد حرية اإلنسان مقيدة بدستور أقامه المستبدون ،إن االمة ومصيرها أهم بالنسبة لي
من كل شيء من أحالمي وطموحاتي ،من كل شيء ال معنى له ،فتلك الطموحات واألحالم وكل شيء
)(110
تملكه عليه أن يكون من أجل أن تنهض االمة وتستمر ...
لقد كانت الطبيعة معهدا لإلنسان وحقيقة في شخصيته ،فاألرض والسماء والشمس والقمر ،وتلك الجبال
،كل شيء فيها تمدنا بإستمرار و بتواتر متناسق بكل مايحتاج إليه ذلك الكائن المذهل ،برغم تلك
الظروف ،برغم ذلك الواقع ،برغم امتداد الشر وإتساعه يوما بعد يوم في أرجاء الزمان والمكان إال أن
اإلنسان سيظل دوما صامدا أمام تلك التحديات .منذ أن تحجر قلب ذاك اإلنسان وذاك يومها نسى كل شيء
،نسى الحياة ،نسى الروح التي تسير كل كائن ،زاغ بصره وأنحرف تفكيره أصبح اليعي أي شيء آخر
سوى أنه يريد أن يحقق سطوته ويبسط يده على كل شيء جامد ،وبدأ رحلة جديدة ال تمت لإلنسان بشيء
رحلة ليس للبحث عن الحقيقة بل رحلة البحث وراء المال والنفوذ والثروات...
)(111
طريقان مختلفان ،أهداف متمايزة ،المستقيمان المتوازيان ال يتقاطعان أبدا...
كانت تلك الشمعة تنير أرجاء المكان المظلم ؛ كأن الوقت توقف اصبحت األشعة الضوئية ساكنة في
الفضاء إنها للحظة مطلقة ليس فيها أية عشوائية أو اية غرابة بل شيء فائق اإلتقان والتطور ،اليستطيع
أي عقل جامد أو عقل فائق الذكاء أن يصنع شيئا كذلك أن يبني كونا في غاية الروعة والكمال...
كانت السعادة تبلغ قمتها كنت أتعلم شيئا جديدا ،وكنت حينها أفهم سبب مروري بتلك المواقف صعبة
كانت أو مستحيلة أقف وانظر إلى كل شيء يحيط بي ،أرى تلك األشجار وتلك الطبيعة ،لم أختر أن
أعيش حياتي جامدة بل أردت معرفة الحقيقة أن أفهم معنى حياتي ووجودي ،سبب إستمراريتي ،سبب
ومغزى نجاحي وفشلي وإخفاقاتي.
عندما اخترت سنة 2118شعبة علوم األرض والكون هناك عندما أهانني الجميع واستهزؤوا بي عندما
ظنوا بأن الحياة مجرد أحداث ،تختارأنت فيها ما تراه األفضل ،لكن هناك من يعلم خفايا وأسرار هذا
الكون ،هناك الذي خلق كل شيء ،هناك هو الذي يسير لنا حياتنا يختار لنا دوما ماهو أفضل...
أحيا نا يخطئ اإلنسان يظن بأن الطريق التي نختارها دوما تكون صحيحة ألن علمنا محدود وألن حياتنا
قصيرة وإدراكنا ناقص ،فلهذا السبب هناك مصفوفة شاملة ،قد تكون أجيال بكاملها بحياتها وبأفعالها ،
إنجازاتها وكل ذلك من أجل إنسان واحد ،ربما يكون إنسان واحد في هذا الكون مستقبل كل األجيال مبنية
عليه ...إنها الحقيقة أمامنا لكننا النريد أن نراها .
لست إنسانا عاديا يحيا ثم يموت وكأن شيئا لم يكن بل سأسعى الكون متميزا بذاتي بفكري وبأحالمي
وطموحاتي.
عندما أردت أن اقود مقاتلة بسرعة الصوت للحظة شروق الشمس ليس لغاية سوى أن تعيش ذاك
اإلحساس عندما ترى الشروق من فوق من أعلى السماء ،هناك أشياء كثيرة ستتبادر إلى ذهنك ،ستغوص
في أعماق الفكر والتأمل سترى اشياء لم تكن لتراها من على األرض ،عندما شكل لي الحب والتسامح
واألمل والطموح كامل شخصيتي ليس لغاية إال أن أصنع عالما أريده وأتمنى أن أعيشه بل في الحقيقة أنا
جزء من ذاك العالم الذي لم يكن موجودا في الحقيقة المريضة...
ال أسعى ألسافر عبر الزمان ألرجع للماضي أو أهرب للمستقبل أريد أن أعيش اللحظة كلها بكل معانيها
بكل ما يحيط بها وبكل شيء فيها ...
كشاب في ه ذا العالم أحس بأن حياتي وزمني يجري و يهرب مني لطالما كنت أحترمه لكني فشلت فيه ،
وهذا العالم الحقيقي قطع الصداقة بيننا أشتاق إليه لقد كان أهم صديق لي في هذا الكون...
ال أريد أن أعيش مئة سنة وال حتى أكثر من خمسين أو أربعين سنة أتمنى أن أموت والوقت أعز
أصدقا ئي ،مصير هذا اإلنسان أو ذاك مرتبط بكل تأكيد بعالقته مع الوقت هل بينهما صداقة أو عداوة أو
تناقض بينهما ...
إن اإلنسان سيتطور وسيتقدم نحو األمام سينمو تفكيره ويصبح اكثر نضوجا هناك عندما يكون صديقا
للناضجين من العلماء والمفكرين من الذين يملكون موهبة ،من الذي ن يدفعون بك معهم نحو األمام .
وستذهب للجحيم عندما تكون صديقا ألولئك الجامدين اليائسين ،أولئك من سيدفعون بك للقاع .
)(112
تمسك بعالم أو بمعلم ،تمسك بعابد هلل بتقي ،برجل صالح وهناك ستستقيم حياتك نحو األفضل .