You are on page 1of 82

‫بسم هللا الرحمان الرحيم‬

‫صالح الدين علي رحماني‬


‫جوان ‪1122‬‬
‫مـــقـــدمـــة ‪:‬‬
‫أمام تحديات مرحلة صعبة من تاريخ اإلنسان ‪ ،‬كانت قاسية ومؤلمة وتجربة مريرة ‪ ،‬مسكت القلم وأردت أن أكتب أدون‬
‫كل للحظة عشتها خالل ثالث سنوات من حياتي البداية كانت يوم الفاتح من أكتوبر من عام ‪ 9002‬ونهاية بجوان ‪9022‬‬
‫خالل تلك الفترة من حياتي كنت أزاول دراستي بجامعة خميس مليانة في معهد علوم الطبيعة واألرض وفي نفس الوقت‬
‫كنت طالبا في كلية الطب بجامعة سعد دحلب تلك الجامعة العريقة ‪.‬‬
‫كتبت لعديد من األسباب كان أولها في سبيل المحافظة على أحالمي وعلى طموحاتي ‪ ،‬وكذلك كنت أحاول أن أؤرخ‬
‫للتاريخ ألرسم الواقع الصعب والمؤلم الذي كان يعيشه اإلنسان هناك في أوج للحظات شبابه ‪ ،‬كتبت أيضا لعلي أصبح‬
‫كاتبا ومفكرا ‪ ،‬كتبت أيضا ألن الكتابة كانت دواء لرفع المعنويات والهمة لمواجهة ظروف قاهرة مثلت لنا قوة مرجعة‬
‫ومدمرة‪.‬‬
‫كتبت يوما وقلت إني أتمنى أن أصبح رساما كبيكاسو ألرسم للوحة لمستقبلي كيف يجب ان يكون حسب ما صوره لي‬
‫خيالي وأحالمي ‪ ،‬اإلنسان يعيش من أجل اإلنسانية ليس كائنا جامدا ال يجسد أي قيمة أو معنى حقيقي وواضح ‪ ،‬في واقع‬
‫قضت المادية على إحساس اإل نسان نزعت منه البراءة وجردته من أجمل وأهم شيئ في الوجود ‪ ،‬كتبت الن صراعي مع‬
‫الواقع بدأ منذ أول للحظة في شبابي ‪ ،‬شبابي كيف هو وكيف يجب أن أعيشه ‪ ،‬تمردت على الواقع السخيف وأردت أن‬
‫اتحداه وقفت في وجهه كجبل صامد ومترسخ في أعماق األرض أحبطت عزيمته هزني وزلزل أركاني لكني لم أنهار‬
‫واجهته والزلت في مواجهته فأنا ال أؤمن بالهزيمة وبالفشل باليأس وبالندم ‪ ،‬إن فشلت يوما فمصيري أن أنجح يوما ما ‪،‬‬
‫وهذه هي الحياة فعلى اإلنسان أن يناضل أن يمضي بقلب متوهج باألمل وبالطموح وبالتحدي ‪ ،‬وباإلصرار وبالثبات في‬
‫سبيل تحقيق هدف أسمى من معاني الحياة نفسها‪.‬‬

‫قد نصاب بإحباط إجتماعي ‪ ،‬قد تسود الحياة أمامنا ورغم كل هذا وذاك فإن اإلنسان أقوى من الظروف التي تحيط به ‪،‬‬
‫عليه أن يتحدى عليه أن يقاتل ليل ونهار ‪ ،‬يسقط وينهض يفشل ثم يحاول وأخيرا سيصل لتلك النقطة البعيدة التي مثلت له‬
‫حلم ثمنه كان باهضا جدا‪.‬‬
‫برغم الواقع المرير الذي نعيشه نحن شباب الوطن ‪ ،‬نحن الذين تعلق الجزائر عليهم آمالها وأحالمها ‪ ،‬برغم اليأس والفشل‬
‫والمعاناة إال أني متفائل بالمستقبل ‪ ،‬ما طويت السجل وما وضعت السالح جانبا ‪ ،‬كإنسان سأظل أناضل في سبيل أن أرى‬
‫علم وطني يرفرف عاليا في السماء شامخة هامته ورايته ‪.‬‬
‫أرجو أن أن يفهم التاريخ قصدي ‪ ،‬وأن تقدر األجيال ما حاولت أن أقوم به برغم فشلي برغم إحباطاتي ‪ ،‬برغم أني لم أقدم‬
‫أي شيئ له قيمة لهذا الوطن‪.‬‬

‫قد نلتقي يوما ما قد نجلس معا على طاولة مستديرة نتحدث ونتحاور في أمور كثيرة نتناول شايا صينيا بنعناع جزائري ‪،‬‬
‫ونستمتع بأيام الشباب في بلد أتمنى أن أعيش فيه كل للحظة من حياتي بمعانيها كلها وأتمنى أن أرقد بسالم تحت ترابه‬
‫الطاهر الزكي بدماء شهداء حرب التحرير وشهداء الواجب الوطني وكل أولئك الذين سقطوا بال ذنب سوى أنهم جزائريين‬
‫هناك في تلك االيام الحالكة سنوات المأساة الوطنية‪ .‬أقول لكل أولئك الذين أحبهم أني أحبهم حتى أنتم النكم إخواني في الدم‬
‫واألرض في الحاضر والمستقبل والتاريخ‪.‬‬
‫تمر األيام بسرعة كبيرة ‪ ،‬حتى أنها ال تعطي ألي منا الفرصة سوى أنه يقف وقفة إنسان مندهش ‪ ،‬ينظر‬
‫إلى ذاك القطار السريع الذي يسمى بقطار الحياة‪.‬‬
‫أحيانا نكون داخله ‪ ،‬وأحيانا خارجه ‪ ،‬وتبقى الذكريات مهما كانت هي تاريخ اإلنسان‪...‬أحيانا كثيرة جدا ‪،‬‬
‫في للحظة صعبة من الزمن ‪ ،‬أتذكر أصدقائي ‪ ،‬أتذكر كل للحظة عشتها معهم ‪ ...‬فأحس بإنقباض قلبي‬
‫وأحس بأني إنسان عاجز إلى أقصى حدود العجز والفشل وحينها ادرك مدى حاجتي ألصدقائي الذين‬
‫أحببتهم بإخالص وبوفاء‪.‬‬
‫كانوا يمثلون نجوما المعة في سماء حياتي وذكرياتي وما أصعب للحظات الفراق والوداع فالدنيا تجمع‬
‫وتفرق‪ ...‬فأنت تحب لكن مع الحب سيأتي يوم الفراق‪ ،‬إن الحزن الذي يعيشه اإلنسان ليس بسبب حالة فقر‬
‫وبؤس إجتماعي ‪ ،‬لكنه مرتبط بالنسبة لي بالمعنويات باالحاسيس وبكل طعم حب يحس به اإلنسان ‪.‬‬
‫لقد كان الحب بالنسبة لي أجمل شيئ حتى في كي نونتي وفي وجودي المادي والمعنوي في بداية رحلتي ‪،‬‬
‫إلتقيت بزميلة لي في أقسام الدراسة ‪ ،‬كانت تلك البداية تحيط بجوانبها أحاسيس وظروف صعبة ‪ ،‬لقد‬
‫كانت الطريق التي سرت فيها صعبة مظلمة فيها القلق والخوف والحزن ‪ ،‬وفيها رأيت منبع ضوء فأنتابني‬
‫إحساس بأن ذاك هو نور الشمس ‪ ...‬واحسست بأن بزوغ الفجر وشيك‪.‬‬
‫وأتبعت ظني وإحساس قلبي وتتبعت ذاك النور ‪ ،‬سرت طويال طويال ‪ ،‬جدا جدا ‪ ،‬ال اقول في يوم أو في‬
‫شهر ‪ ،‬وال حتى سنة ‪ ،‬بل كانت خمس سنوات‪.‬‬
‫تذوقت فيها المرارة واأللم ‪ ،‬وكانت االشواك في كل مكان و الحياة كئيبة حزينة ‪ ،‬وكل شيئ كان بال طعم‬
‫بال ذوق ‪ ،‬كان همي الوحيد آنذاك هو الوصول إلى ذاك المنبع الذي ينشر الضياء في الظالم الدامس ‪...‬‬
‫تحملت كل ذاك ‪ ،‬وتحملت العذاب ‪ ،‬تحملت المآسي ودموع الجفن‪...‬‬
‫مرت االيام والشهور ‪ ،‬ومرت السنوات وأتى يوم الوصول فوصلت ‪ .‬كانت صدمة قاسية ‪،‬أقسى من‬
‫السنوات التي قضيتها سيرا على الطريق‪ ...‬ويومها أدركت بأن ما كان لي قبل خمس سنوات يمثل اشعة‬
‫لشمس مشرقة ‪ ،‬وجدته ذاك اليوم مجرد قطع ة خشب تحترق‪ ،‬أو قنديل به زيت وفتيل‪.‬‬
‫فأدركت بأ ن المظاهر كانت خادعة ‪ ،‬كانت كاذبة ‪ ،‬فذاك المقبس سينطفي بعد أن ينفد زيته فلم يكن النور‬
‫الذي ضحيت بخمس سنوات أسير بإتجاهه‪.‬‬
‫لكن ماذا بعد ذلك ‪ ،‬فهل هنا أنتهت الطريق أم أن ما زال هناك طريق طويلة علي أن أشد رحالي ألصل‬
‫(‪)1‬‬
‫إلى نور الشمس‪.‬‬

‫كنت أبحث عن أسباب السعادة والفرحة ‪ ،‬وكنت أحب البساطة وكنت أريد اإلعتماد على نفسي ‪ ،‬كنت‬
‫أحاول نسيان الماضي ونسيان األلم و عبور شاطئ الندم‪ ،‬حاولت أن أنسى الحب ومن أحببت ‪ ،‬لكني قلت‬
‫سأظل طول حياتي وفيا لمن أحببت‪ .‬مع األيام أكتملت الصورة ‪ ،‬وقويت عزيمتي وإرادتي وأصبحت أكثر‬
‫إصرارا على تحقيق أحالمي مهما كانت التضحيات والصعوبات‪.‬‬

‫علمتني الحياة بأن اإلنسان لن يستطيع تحقيق جميع أهدافه وكل مايريد ‪ ،‬فالقدر يلعب دورا مهما في ذلك‪،‬‬
‫أحيانا ت حقق مكاسب وأحيانا تقدم تنازالت وتضحيات من أجل مكاسب وهكذا دواليك ؛ إن التخطيط الذكي‬
‫هو الذي سيجعل الحياة جميلة وذات طعم‪.‬‬
‫ووضع األهداف أمر حتمي للمضي قدما في طريق النجاح ‪ ،‬فلكل عصر ظروفه المحيطة به ‪ ،‬ومفاهيمه‬
‫الخاصة به وناسه الذين يعيشون فيه ؛ معرفة اإلنسان لمغزى الحياة هو الذي سيحدد لنا الهدف والغاية من‬
‫وراءها‪.‬‬
‫تحقيق األحالم ليس صعبا كما نتصور ‪ ،‬وليس ضربا من الخيال ‪ ،‬بل صعوبة األحالم تكمن في مدلولها‬
‫وإسقاطاتها الواقعية ‪ ،‬إنه بالنسبة لشخصي ‪ ،‬أصعب األحالم هي االحالم المعنوية ‪ ،‬كالكمال واألخالق‬
‫(‪)2‬‬
‫العالية والح ب و التفاهم والتعاون بين البشر والشعوب‪...‬‬
‫في كل مرة يبدأ اإلنسان بد اية جديدة مغايرة تماما ‪ ،‬تجمع الدنيا الناس وتفرقهم ‪ ،‬يبقى اإلنسان عنصر حياد‬
‫(‪)3‬‬
‫ال يؤثر في األحداث لكنها تؤثر عليه‪.‬‬

‫أي رحلة ينطلق فيها هذا اإلنسان تحتاج للمتاع ‪ ،‬ويختلف المتاع حسب الشخص وطريقة تفكيره‬
‫وطموحاته ‪ ،‬إن طموحاتي وأحالمي حتمت علي أن أفكر ‪ ،‬أن أبحث عن الحلول والمناهج واألساليب التي‬
‫تسمح لي في النهاية تحقيق تلك الغاية أو ذالك الهدف‪.‬‬
‫وأول ركن واساس لكل طموحاتي هو الحليف ‪ ،‬كنت في أمس الحاجة لرفيقة حياة ‪ ،‬تشاركني حياتي ‪،‬‬
‫وتشاركني احالمي وفرحتي وحزني ‪ ،‬تقف معي في كل للحظة موقف نبيل ورائع ‪ ،‬المهم عندي هو‬
‫الحليف الذي أثق فيه ويثق فيا يحميني من هوى نفسي ومن رياح الشتاء‪.‬‬
‫أصبح الحلم حافزا ‪ ،‬وطريقا للسعادة ‪ ،‬التي أبحث عنها ‪ ،‬دوما كنت أبحث عن السكينة ‪ ،‬عن األمن النفسي‬
‫ألن ذلك هو اساس اإل نسان ‪ ،‬اساس إستمراريته ونجاحه وتفوقه ‪ ،‬ال المال ‪ ،‬وال الجاه كان يعني عندي‬
‫شيئا ‪ ،‬ال القوة وال النفوذ ‪ ،‬ما كان يعني لي الكثير هو أول حب في حياتي ؛ البعض يضن الحب كمفهوم‬
‫مجرد ‪ ،‬لكنه بالنسبة لي ‪ ،‬مجموعة من األخالق ‪ ،‬مجموعة المعاني الطيبة ‪ ،‬كان يمثل لي الحياة‬
‫واإلشراق ‪ ،‬يمثل لي اإلخالص والوفاء ‪ ،‬يمثل الصبر والكفاح ‪ ،‬الحب ليس أشعار أو كلمات ‪ ،‬الحب هو‬
‫بستان من الورود ‪ ،‬الحب هو عطاء وإيثار‪.‬‬
‫وبرغم كل المآسي ‪ ،‬برغم الصعاب ‪ ،‬مازال عندي ذاك المفهوم قائما ‪ ،‬كانت تلك المرأة أجمل شيئ في‬
‫حياتي ‪ ،‬كانت زهرة فؤادي كانت منارة لحياتي ‪ ،‬كنت أحبها القصى الحدود ‪ ،‬لم استطع في يوم ما أن‬
‫أكلمها ‪ ،‬أن أحدثها ‪ ،‬وال حتى أن أقترب منها ‪ .‬ليس خجال بل كنت أخاف أن أجرحها عندما اقول لها إني‬
‫احبها‪.‬‬
‫كان الحب عندي هو اغلى األشياء واصعبها ‪ ،‬كان يمثل لي شيئ من المستحيل ‪ ،‬استطعت أن أحب ‪ ،‬لكن‬
‫لم تحبني من أحببتها ‪ ،‬لم يكن المال يمثل لي تحدي ‪ ،‬لكن الحب واألخالق والفضيلة كانت تمثل لي تحد ‪.‬‬
‫لم يستطع الجوع والفقر أن يبكيني ‪ ،‬واستطاع الحب في كل مرة أن ينزل الدموع من جفني‪.‬‬
‫أحببت أن أتحدى األشياء ‪ ،‬وأن أخاطر من أجل المستقبل‪ ،‬أخترت العلم وأنا أعلم صعوبة الطريق ‪ ،‬دست‬
‫على قلبي وأردت تناسي الجراح ‪ ،‬لكن الجراح لم تلتأم ‪.‬‬
‫إن السعادة الروحية ‪ ،‬تمثل لإلنسان كمال ‪ ،‬عندما يصل إليها ينتابه إحساس بأنه قادر على نسيان كل شيئ‬
‫‪ ،‬يستطيع اإلستغناء عن الدنيا وكل متاعها‪ ،‬اين هي المرأة الصالحة ‪ ،‬التي تنسي اإلنسان همومه ‪ ،‬تنسيه‬
‫مرارة الحياة وغموض المستقبل ‪ ،‬تنسيه الحيرة واإلستفهام ‪ ،‬تنسيه مصاعب وتحديات الحياة‪...‬‬
‫المرأة التي ال تطلب منك سوى أن تكون معها ‪ ،‬التي ال تحملك فوق طاقتك ‪ ،‬المرأة التي تحفظ سرك ‪،‬‬
‫وبيتك وأوالدك ‪ ،‬التي تعينك على طاعة هللا ‪ ،‬وتدفعك بقوة يد ناعمة لذلك‪ ،‬المرأة التي ال تفارق اإلبتسامة‬
‫وجهها البريئ والبشوش بحثت عنها ولم أجدها ‪ ،‬وهل سأجدها في يوم ما ! كان الجو غائما والسماء ملبدة‬
‫‪ ،‬وأمطرت برحمة هللا ‪ ،‬مع الصبر سيأتي الفرج‪ ،‬والعسر سيجلب اليسر‪ ،‬وهكذا تمضي االيام وال‬
‫(‪)4‬‬
‫ندري‪....‬‬

‫اإلرادة هي أقوى سالح لإلنسان ‪ ،‬هي الدافع ليتحدى االشياء ‪ ،‬هي السبب الوحيد الذي جعل للحياة‬
‫إستمرارية ‪ ...‬نتعرض في حياتنا لإلحباطات ‪ ،‬نفشل تارة ‪ ،‬لكننا نحاول ومع كل محاولة ومع كل قطرة‬
‫عرق تتصبب من جبينك ومع كل ليلة قضاها اإلنسان ساهرا ‪ ،‬يصلي هلل أو يدرس أو يعمل سنحقق‬
‫النجاح‪.‬‬
‫الفلسفة جعلت لي معنى آخر من معاني الحياة ‪ ،‬اصبحت تمثل لي طريقا طويلة تحفزني دوما ألجد الحقيقة‬
‫‪ ،‬مع اآل ماني ‪ ،‬مع اآلمال ‪ ،‬بالطموح وبالتحدي نستطيع اإلستمرار ‪ ،‬نستطيع بأحالمنا البسيطة في نظر‬
‫الناس ‪ ،‬وبعزيمة أن نتخطى العقبات و سنتمكن من تحقيق الهدف‪.‬‬
‫إن طريق النجاح ‪ ،‬طريق صعبة ‪ ،‬تستحق منا الصبر والثبات ‪ ،‬لن نجد نور الشمس إال بهداية هللا ومع أن‬
‫الطريق طويلة ‪ ،‬سنصل وسنرى اشعة الضوء ‪ ،‬وعندما نواصل الطريق سنصل في النهاية‪.‬‬
‫عندما أحببت كانت الحبيبة ال تعلم ‪ ،‬حتى وإن كانت ال تريدني ‪ ،‬ما كنت أود أن افعله هو أن أخبرها ‪،‬‬
‫بأني أحببتها ‪ ،‬كانت أمنيتي أن أعرف الحقيقة أيا كانت هذه الحقيقة‪.‬‬
‫في للحظات مهمة أتذكر اصدقائي ‪ ،‬الذين عشت معهم حياتهم ‪ ،‬عندما أفكر فيهم ‪ ،‬أدرك فعال كم إني‬
‫أحبهم‪ ،‬ال زلت وسأظل أحترم أصدقائي ولن أنسى األيام الجميلة التي قضيتها معهم ‪ ،‬في كل مرة ينتابني‬
‫إحساس ‪ ،‬بأن إيماني حبي هلل ‪ ،‬حبي للرسل واألنبياء يزداد ويقوى ‪ ،‬وهذا أقصى طموحي‪.‬‬
‫ال أحلم بدخول الجنة ‪ ،‬لكن حلمي االكبر هو معرفة الحقيقة ‪ ،‬أن اعرف اسرار الكون أن أرى العظيم الذي‬
‫خلقني وخلق كل شيئ‪ .‬عندما تطير في الفضاء وتسبح في أرجاء الكون ‪ ،‬أعتقد بأن ذلك سيعني لإلنسان‬
‫أشياءا مهمة ‪ ،‬أعتقد حينها بأن الكون ليس وليد الصدفة ‪ ،‬ليس مجرد جماد بال محرك ‪ ،‬أن أصل للخالق‬
‫هو أعظم من كل ش يئ ‪ ،‬أريد أن أرفع همتي وأحالمي ‪ ،‬أن أطلب المزيد المزيد من الحقائق ‪)5(.‬‬

‫كنت أحب العلماء‪ ،‬أيا كانت إنتماءاتهم الحضارية والدينية ‪ ،‬ألنني كنت أعتقد انهم كانوا موضوعيين أكثر‬
‫‪ ،‬كانوا مخلصين في طريقهم ‪ ،‬ما كانوا ذاتيين برأيي ‪ ،‬اعتقد أن همهم الوحيد كان الوصول للحقيقة ‪ ،‬قد‬
‫يعارض البعض ويقول لماذا تحترم هؤالء ‪ ،‬إنهم من ملة أخرى ‪ ،‬لكنني أحترمهم من غير إرادتي ‪ ،‬العلم‬
‫لم تكن له جنسية في يوم من االيام ‪ ،‬بل كان العلم شجرة ثمار يقطف منها الجميع‪...‬‬
‫في طريقي إنتابني إحساس غريب باني سأصبح عالما في يوم من االيام‪ .‬إن الحياة طريق يسيره القدر ‪،‬‬
‫والح ياة ليست طبقا من فضة كما نعتقد ‪ ،‬وكما يقال كن جميال ترى الوجود جميال ‪ ،‬إن طموح اإلنسان هو‬
‫الذي سيحدد له مستقبله ‪ ،‬هو الذي سيعبر له عن الطريق األمثل الذي عليه أن ينتهجهه في سبيل أن يصل‬
‫إلى هدفه ‪.‬‬
‫إن قيمة اإلنسان حسب إعتقادي تتجلى في أحالمه ‪ ،‬كل ما كانت لإلنسان أحالما صعبة ومستحيلة بمفهوم‬
‫الواقع المعاش ‪ ،‬كلما كان لهذا اإلنسان قيمة كبيرة ‪ .‬بالنسبة لي ‪ ،‬أخترت طريقا معقدة وصعبة‪ ،‬أخترتها‬
‫ألن ضميري أراد ذلك‪ ،‬أردت أن أنسى الماضي ‪ ،‬أن أنسى كل شيئ يشغل تفكيري‪.‬‬
‫كنت أعلم ‪ ،‬أعلم جيدا ‪ ،‬أنني سابذل الكثير من الجهود وفي نفس الوقت كنت أعلم جيدا أنني سأحقق ما كان‬
‫يمثل لي يوما طموحا وهدفا ‪ ،‬قد يستهين به البعض ‪ ،‬لكنه كان طموحي ‪ ،‬على اإلنسان أن يفكر‪ ،‬أن يعي‬
‫ما يريد ألن ذلك هو اهم شيئ لبدء المشوار‪.‬‬

‫سأكافح ‪ ،‬سأشقى ‪ ،‬وسأتعب ‪ ،‬وسأكتب القصة في يوم ما وأعلم أنني سأضحي ‪ ،‬فالتضحية هذه هي الثمن‬
‫الذي عليا دفعه ‪...‬‬
‫علمت عندما أخترت ‪ ،‬بأني في حاجة إلى قوة مثلى ‪ ،‬وأدركت حاجتي الماسة هلل سبحانه وتعالى ليكون‬
‫معي ‪ ،‬ليدفعني لألمام ليبث في نفسي الطموح واإلرادة‪.‬‬
‫طريقي تستحق مني الصمود والثبات ‪ ،‬الصبر واإلخالص ‪ ،‬السهر حتى صيحة الديك ‪ ،‬ودعاء هللا في كل‬
‫(‪)6‬‬
‫موقف ‪ ،‬أعلم ماذا أخترت ‪ ،‬لكن هللا سيكون معي ولن يتركني‪ ،‬لن يتخلى عني أبدا‪.‬‬

‫الحياة فرص ‪ ،‬على اإلنسان أن يستغلها ‪ ،‬ويغتنمها والوقت قصير إلتخاذ القرارات الحاسمة ‪ ،‬مهما عاش‬
‫اإلنسان ‪ ،‬فإن حياته كلها دروس وعبر‪ ،‬لكل منا تاريخه الخاص ‪ ،‬إن االيام دول ‪ ،‬تصبح يوما على حال‬
‫وتكون يوما بحال أخرى‪.‬‬
‫إن ايامنا معدودة ‪ ،‬مهما غرتنا الحياة ‪ ،‬فالسنوات وإن طالت ستصبح كاأليام الخالية‪ ،‬وعمر اإلنسان عمر‬
‫غال قصير ‪ ،‬فيه المعاناة ‪ ،‬فيه األلم ‪ ،‬عمر اإلنسان هو قصة كفاح ‪ ،‬عجبت لحال نفسي البارحة على حال‬
‫واليوم حال أخرى ‪ ،‬أجمل شيئ جعل هذا اإلنسان متمسكا بحياته ‪ ،‬ثابتا هو الطموح ‪ ،‬هو اإلرادة ‪....‬عندما‬
‫نتكل م عن الحياة ‪ ،‬نصبح نتكلم عن معاني أخرى ‪ ،‬غير المألوف المتوارث ‪ ،‬فللفلسفة دور مهم في حياة‬
‫اإلنسان ‪.‬‬
‫الفلسفة تدفع هذا األخير لمستودع كبير مغلق ‪ ،‬فيه كل شيئ ‪ ،‬لن نستطيع التحرر من ذلك السجن الكبير إال‬
‫إذا فكرنا في كيفية إستعمال األدوات الموجودة هناك ‪ ،‬ووظفناها للخروج‪.‬‬
‫لقد كان التفكير كان جزءا من حياتي بدء معي في سن مبكرة جدا ‪...‬عندما أتحدث ‪ ،‬أتكلم بتلقائية ‪،‬‬
‫وبدراسة مسبقة ‪ ،‬أحيانا ي حس البعض ويدركون تناقضا حاصال في عمق الفكرة ‪ ،‬لكن عندما اتكلم عن‬
‫الفلسفة والعقل ثم اتحدث عن الحب ‪ ،‬فهنا أقصد ما يقول ‪ ،‬ألن كل األشياء مترابطة فيما بينها‪ .‬ال العقل ‪،‬‬
‫وال الفلسفة يستطيعان أن يفعال شيئا في الحياة ‪ ،‬فشرط حصول المنفعة هو أن يجمعهما ويربطهما الحب ‪،‬‬
‫ألنه اساس هذه الحياة ‪ ،‬ال الكون ال المجرات ‪ ،‬ال التاريخ سيكون قائما ‪ ،‬إذا لم يكن هناك مفهوم شامل يقبع‬
‫خلف هاته األشياء ‪ ،‬هذا المفهوم هو الحب بكل معانيه األخالقية والفضائلية‪.‬‬
‫إن الغ رابة ليست في الدنيا التي نعيشها ‪ ،‬لكنها تكمن في مفاهيمنا الخاصة بنا‪ ،‬والمتعلقة باألشياء المختلفة ‪،‬‬
‫أيعقل أن ترتبط راحة النجمة في الكون السحيق ‪ ،‬باستقرار زهرة على أدنى األرض‪...‬‬
‫عندما تتدخل الفلسف ة ‪ ،‬تبطل المفاهيم ‪ ،‬عندما يتدخل العقل يستفرد هو في مرات وللحظات حاسمة بالقرار‬
‫‪ ،‬كان الحب يمثل لي مفهوما ال يقبل الجدل ‪ ،‬كان شيئا أمثال ‪ ،‬كان مصطلحا مصداقيا‪.‬‬
‫ال أدري أي شيئ ‪ ،‬عندما تصل لدرجة متأخرة ‪ ،‬عندما تأتي في النهاية ‪ ،‬عندما تفسر األمر ‪ ،‬تجد نفسك‬
‫لست معنيا بأي شأن من شؤون الدنيا‪.‬‬

‫عندما تجري الفلسفة ‪ ،‬والتفكير العقلي في دمنا ‪ ،‬هناك يوما ما سيصبح الحب مرشدا لطريق المعرفة‬
‫الطويل ‪ ،‬إن الفهم ‪ ،‬قضية معقدة ‪ ،‬لن يستطيع الفهم أن يعبر عن نفسه إال إذا كنا نحن نفهم الفهم والمفهوم‬
‫‪ ،‬إن األشياء في هذا الكون‪ ،‬في جميع أرجاءه مترابطة ‪ ،‬ألن التاريخ سلسلة فيها حلقات ‪ ،‬وكل ركن من‬
‫أرجاء الكون يشكل حلقة‪ ،‬إذن التاريخ هو قضية كونية شاملة ‪ ،‬ال ينتمي لحقبة وال لعصر من العصور "‬
‫(‪)7‬‬
‫الكون أطول سيناريو الجميع يعرف نهايته"‪.‬‬

‫مهما كانت قوة اإلنسان ‪ ،‬أيا كانت عزيمته وإرادته ‪ ،‬لن يستطيع مواجهة التحديات لوحده ‪ ،‬فكل واحد منا‬
‫في حاجة إلى حليف حقيقي يرافقه في مشواره الطويل ‪ ،‬أعتقد أن وجود هذا الحليف هو سبب السعادة التي‬
‫تنتاب اإلنسان‪.‬‬
‫أحيانا اشعر بغرابة شديدة ‪ ،‬من كل األحداث التي تمر على اإلنسان ‪ ،‬وعندما فكرت وجدت أن غرابة‬
‫األحداث وعشوا ئيتها هي جزء من التاريخ جزء من مستقبل اإلنسان ‪ ،‬إننا ببساطة ال نتحكم ال في مستقبلنا‬
‫‪)8(.‬‬
‫وال مستقبل العالم وجميع ما يحدث دليل على ذلك‬

‫أحيانا الخوف والحزن يرافقان اإلنسان في حياته ‪ ،‬وال أحد يدري لما يريد اإلنسان الضعيف أن يعرف‬
‫المجهول ‪ ،‬الحضارة المادية الميتة قضت على السعادة واصبح الجميع يبحث عن المصالح المحسوسة‬
‫العاجلة‪ ،‬كما األكسجين هو اساس الحياة ‪ ،‬فكذلك الفكر يمثل ركن اإلنسان ‪ ،‬وركن الحضارة البشرية‪.‬‬
‫الواقع الصعب يقيده ‪ ،‬ويضع حدودا لطموحاته وأحالمه ‪ ،‬واإلعتراف به هو بمثابة القضاء على احالم‬
‫اإلنسان التي أعتقد أنه خلق ألجلها‪.‬‬
‫إن الواقع يتفق ويتوافق مع األحالم التافهة ‪ ،‬األحالم الجوفاء ‪ .‬وعندما ترقى األحالم ‪ ،‬إلى أحالم عظيمة‬
‫‪،‬عميقة ‪ ،‬عندما تكون مستحيلة ‪ ،‬هناك سيعرقل الواقع هذا اإلنسان بدعوة أنه لن يستطيع تحقيقها‪.‬‬
‫إذا استسلم للواقع ‪ ،‬فهنا ستطير االحالم العظ يمة ‪ ،‬وستأتي أحالما مادية مجوفة مكانها‪ .‬لكن إذا تحدى‬
‫اإلنسان الواقع ‪ ،‬وعاند كلما هو سائد من عوائق وعراقيل ‪ ، ،‬هنا أكيد سيستمر اإلنسان ‪ ،‬سيحقق طموحاته‬
‫‪ ،‬ليس في رمشة من الزمن‪ ،‬لكن مع تعب وسهر وطول زمن‪.‬‬
‫إن الكثير من اإلنجازات البشرية ‪ ،‬لو نظرنا إليها من منظور الواقع ستبدوا لنا مستحيلة ‪ ،‬صعبة التحقيق‬
‫‪ ،‬لكن لو تجاوزنا الواقع المريض ‪ ،‬لكانت ممكنة ‪ .‬في إعتقادي الراسخ ‪ ،‬األحالم العظيمة لها إرتباط وثيق‬
‫بالقدر وبالتاريخ ‪ ،‬الن أحالم اإلنسان وقدره جزءان مهمان من حياته ‪ ،‬وبالتالي من التاريخ‪.‬‬
‫لكل إنسان تحدياته ‪ ،‬لن نستطيع تجاوزها إال إذا تحدينا تلك التحديات ‪ ،‬وبذلنا وضحينا كثيرا في سبيل‬
‫مواجهتها ‪.‬‬
‫إن األحالم ستتحقق عندما يصر اإلنسان على تحقيقها عندما يجد نفسه وحده في طريق صعبة بال رفيق ‪،‬‬
‫‪)9(.‬‬
‫أو حليف ‪ ،‬أعتقد تماما أنه في الطريق الصواب‬

‫في بداي ة طريق النجاح ‪ ،‬في بداية الطريق الصواب تواجهنا تحديات ‪ ،‬عوائق وصعوبات ‪ ،‬نصير حينها‬
‫نعيش أمام موقف قاس ‪ ،‬موقف صعب ومدمر ‪ ،‬نتردد حينها ‪ ،‬ينتابنا إحساس بالحيرة ‪ ،‬بالغرابة من كل ما‬
‫يدور حولنا من أحداث‪.‬‬
‫نصل لنقطة إنعطاف ‪ ،‬نتوقف خاللها ونقرر ‪ ،‬عندما نكون في الطريق الصحيح ‪ ،‬نحتار أي طريق نختار‬
‫‪ ،‬هل نكم ل طريقنا الذي بدا صعبا ومستحيال‪ ،‬أم ننسحب امام أول إمتحان لنا تاركين آمالنا أحالمنا‬
‫وطموحاتنا ‪.‬‬
‫في الحياة يبدوا لبعض الناس أن األيام متماثلة ومتشابهة ‪ ،‬لكنها ليست كذلك ‪ ،‬إذا مضى هذا اليوم فليكن‬
‫علما راسخا في أذهاننا أنه لن يعود ثانية‪.‬‬
‫إن الصبر هو الحل الوحيد عندما نكون أمام مواقف صعبة وخطيرة ‪ ،‬هو الجسر الواصل بيننا وبين‬
‫النجاح ‪ ،‬لن نستطيع أن نصل إليه سباحة ‪ ،‬ألننا ال نستطيع ذلك بل علينا أن نصنع جسرا واصال ‪ ،‬يوصلنا‬
‫بسالم للنجاح‪.‬‬
‫النصر هو أكبر إنجاز ‪ ،‬وأعظم هدية ‪ ،‬للنصر ذوق ال يحس به إال الذي حارب وانتصر ‪ .‬لو فكرنا جيدا‬
‫في للحظة الفشل وما نسميها باللحظة الهزيمة ‪ ،‬لو فكرنا ونظرنا للتاريخ نظرة عميقة ‪ ،‬سنعيش الفرحة ‪،‬‬
‫وسيتحول ما كان هزيمة لنا إلى نصر مهم في تاريخنا‪.‬‬
‫علينا أن ننظر للتاريخ أوال ‪ ،‬سنعرف بأن معاناتنا ‪ ،‬بأن أحزاننا ‪ ،‬بأن آالمنا ‪ ،‬بأن قساوة أيامنا ‪ ،‬لن تدوم‬
‫الدهر كله ‪ ،‬ولن تستمر ‪ ،‬ولها نهايتها القريبة‪.‬إن طريقنا مرسوم من قبل ‪ ،‬والمرور عبره ضرورة حتمية‪.‬‬
‫أحيانا كثيرة اسأل ما عالقتنا والفلسفة ‪ ،‬ما عالقة األحداث ‪ ،‬تسلسلها ‪ ،‬عشوائيتها ‪ ،‬وإختالف مضامينها بنا‬
‫نحن‪ .‬إن الفلسفة جزء من تاريخ الكون ‪ ،‬كما أنها جزء من فكر اإلنسان ‪ ،‬وكما اإلنسان جزءا من‬
‫(‪)11‬‬
‫العالم‪.‬‬

‫ما أجمل اإلنسان ‪ ،‬عندما يدرك أنه أخطأ ‪ ،‬هناك تظهر معان جديدة ‪ ،‬تحفزه على البحث دائما عن الطريق‬
‫الصواب ‪ ،‬عندما نخطئ ‪ ،‬علينا أن نعترف ‪ ،‬وعندما نعترف سنصحح ‪ ،‬وحينئذ سنحقق النجاح الذي‬
‫نريده‪ .‬أيا كانت تحديات هذه الحياة ‪ ،‬ايا كانت إستحالة تحقيقها ‪ ،‬فإنه في النهاية علينا تحقيقها‪.‬‬
‫المستحيل لم يكن يوما ما في عالم الحقيقة ‪ ،‬والواقع أو الفيزيقا لكنه مستحيل عندما ننتقل بفكرنا وبخيالنا‬
‫إلى الميتافيزيقا‪.‬‬
‫إن مراجعة األعمال ‪ ،‬مراج عة الجهود ‪ ،‬مراجعة األلم والعذاب سيسمح لنا بمراجعة أنفسنا ‪ ،‬وتقييم كل ما‬
‫قمنا به خالل الفترة الماضية ‪ ،‬إن اللحظات الهامة في تاريخ اإلنسان معدودة يتخذ من خاللها قرارات‬
‫(‪)11‬‬
‫هامة تتعلق بمستقبله ‪ ،‬وبمستقبل من يحيط به‪.‬‬

‫عندما نلتقي صدفة بمن نحب ‪ ،‬تغمرنا يومها السعادة ‪ ،‬ونحس بالفرحة ‪ ،...‬نعيش اياما جميلة ‪ ،‬وللحظات‬
‫رائعة ‪ ،‬وقد كان الحزن كعادته يعود إلينا ‪ ،‬لكنا نقف وقفة حائر ال يستطيع التحكم في أي شيئ من أي‬
‫(‪)12‬‬
‫حادث يمر حولنا ‪.‬‬

‫نتحدث دائما عن األحالم ‪ ،‬إن طول الحديث عنها يعرضنا أحيانا لفقدان اإلهتمام بها ‪ ،‬إن التصميم وتجديد‬
‫روح الحياة والتحد والعزيمة ‪ ،‬أدوات مهمة لنرسخ تلك االحالم ‪ ،‬حتى نستطيع أن نعمل من أجل شيئ‬
‫راسخ‪.‬‬
‫إن التجارب ‪ ،‬سمحت لنا بمعرفة معان كثيرة كانت غائبة عن خيالنا ‪ ،‬وعن أذهاننا ‪ ،‬وعن قلوبنا ‪ ،‬علينا‬
‫أن ال ننتظر ‪ ،‬أن نمضي مباشرة في طريقنا حتى نستطيع أن نصل ‪ ،‬ومهما طالت فإننا في النهاية سنصل‪.‬‬
‫أحيانا نحاول أن نشغل تفكيرنا باشياء حقيقة هي مهمة لكنها مؤلمة وصعبة ‪ ،‬إن خطوات اإلنسان البد أن‬
‫تكون جريئة ‪ ،‬وأن تكون في مكانها الصحيح ‪ ،‬وفراغ المحتوى ألي مبدأ يتمسك به هذا اإلنسان ‪ ،‬هو‬
‫الرحيل إلى الفشل ‪ ،‬أيا كان هذا الفشل ‪ ،‬إن طموحنا ‪ ،‬لم يأتي من عدم ‪ ،‬بل جاء من تجارب مهمة ومن‬
‫أفكار تشبع بها عقلنا ‪ ،‬إن القدوة هي أهم دافع لنا ‪ ،‬لنعمل بجد ‪ ،‬وبإخالص من أجل أحالمنا ‪ ،‬عندما تخرج‬
‫االمور عن السيطرة ‪ ،‬عندما تغيب أهدافنا االساسية ‪ ،‬عندما نفشل في التوصل إلى حل مناسب ‪ ،‬هنا في‬
‫هذه اللحظة ‪ ،‬تتغير جميع مفاهيمنا ‪ ،‬تتغير مبادئنا ‪ ،‬وهنا سيبدأ الخطر ‪.‬‬
‫علينا التفكير في مدلول أحالمنا ‪ ،‬وتفاهتها تدل على تفاهة تفكيرنا ‪ ،‬علينا الحذر دوما ‪ ،‬ألن طريقنا‬
‫محفوفة بالمخاطر ‪ ،‬وعلينا إتخاذ القرارات الحاسمة في الوقت الحاسم والمالئم ‪ ،‬إن إستعادة أي منا‬
‫لديناميته مسألة وقت ‪ ،‬نامل في التجديد؛ تجديد روح العزيمة والتحد ‪ ،‬وروح القتال وتقوية اإلرادة‬
‫(‪)13‬‬
‫وتشديد المواقف‪.‬‬

‫بحلول سنة ‪ ، 2111‬في ذلك اليوم وقفت متأمال تاملت في ثالثة سنوات مضت ‪ ،‬مرت كأنها سهم خاطف‬
‫‪ ،‬حقيقة عندما دققت نظري ف ي المرحلة التي مرت ‪ ،‬وجدت فيها أمورا مختلفة كثيرة ومتنوعة‪.‬‬
‫إن خطورة أي وضع ‪ ،‬أو أي موقف ال يكمن في الموقف بل في الجانب الفكري لهذا الموقف ‪ ،‬إن األفكار‬
‫تتطور بسرعة كبيرة ‪ ،‬تتبلور لتصبح أكثر وضوحا وإشراقا ‪ ،‬وأحيانا تتعقد ‪ ،‬فتصبح الصور قاتمة‬
‫غامضة غير مفهومة بالمرة ‪.‬‬
‫لقد كان الخوف يسيطر على حياتي ‪ ،‬يسيطر على تصرفاتي ‪ ،‬على أفكاري ‪ ،‬الخوف من نفسي ‪ ،‬كان شيئا‬
‫مرعبا ‪ ،‬وكان قضية كبيرة ‪ ،‬تفوق قدراتي وإمكاناتي‪.‬‬

‫لم أكن في تلك المرحلة أستطيع فعال إتخاذ قرار مهم ‪ ،‬واعمل من أجل تنفيذه ‪ ،‬كان الخوف من التقدم نحو‬
‫االمام ال خوف من القيام بخطوة صحيحة وجريئة‪.‬‬
‫كان سببا أساسا في عدم قدرتي و تمكني من حل مشكالتي ‪ ،‬عندما بدأت هذه السنة الجديدة ‪ ،‬إقتنعت‬
‫بالمبادرة وسميتها سنة المبادرات سنة حسم القضايا المصيرية ‪ ،‬القضايا الخطيرة‪.‬‬
‫إن شحن العقل بأفكار جيدة وصحيحة ‪ ،‬هو الذي سيؤدي الى تشغيل هذا العقل بشكل أفضل وشكل أمثل ‪،‬‬
‫هناك قضايا خطيرة تهدد سالمة وأمن اإلنسان ‪ ،‬إنها قضايا عقلية خالصة ‪ ،‬تتعلق بآلية تفكيره ‪ ،‬بمنطقه ‪،‬‬
‫بحبه ‪ ،‬بسماحته ‪ ،‬بعنفه ‪ ،‬بغباءه ‪ ،‬وذكاءه برغباته ‪ ،‬بطموحاته ‪ ،‬بإرهاصاته التي يعاني منها‪.‬‬
‫الواقع أصبح مختلف تماما ‪ ،‬مختلف عن الماضي ‪ ،‬مختلف أيضا عن المستقبل الذي نجهله ‪،‬‬
‫في كل االحيان تحدياتنا صعبة ‪ ،‬أيا كانت‪ ،‬تحد البقاء ‪ ،‬تحد بناء اسرة ‪ ،‬بناء سكن ‪ ،‬تحد المعيشة ‪ ،‬تحد‬
‫المستقبل ‪ ،‬تحد الفكر والعقل ‪.‬‬
‫هناك في أحيان ما ‪ ،‬تتصادم األفكار العقلية التي نؤمن بها ‪ ،‬مع أفكار الواقع ‪ ،‬الذي نلتمسه ‪ ،‬هناك ستبدأ‬
‫حرب خطيرة ‪ ،‬حرب بين أفكارنا الباطنة ‪ ،‬وواقعنا الذي النستطيع أن نهرب منه ‪ .‬أحيانا أخرى ‪ ،‬تتفق‬
‫(‪)14‬‬
‫أفكارنا ومبادءنا مع هذا الواقع‪.....‬‬

‫بمرور هذه األيام وبتقدمنا خطوة نحو األمام ‪ ،‬وعندما نقترب ‪ ،‬مع الوصول إلى الهدف ‪ ،‬تزداد‬
‫الصعوبات والعوائق ‪ ،‬ونصبح حينها نشعر بالقلق ‪ ،‬بالخوف الشديد‪.‬‬
‫إن أي طريق مهما كانت طويلة ومهما كانت صعبة ‪ ،‬يمكن أن نسلكها ‪ ،‬يمكن بها أن نصل إلى هدفنا ‪،‬‬
‫ومن خاللها سنحقق طموحنا‪.‬‬

‫اليوم عدت إنسانا بمعنويات عالية ‪ ،‬بقدرة هائلة على فعل ماهو أمر صعب ‪ ،‬الجميع من لجأت إليهم ‪ ،‬لم‬
‫يقدموا لي الدعم ‪ ،‬ال أقول دعما ماديا ‪ ،‬لكن دعما معنويا‪.‬‬
‫عندما تجد اساتذتك ‪ ،‬ال يأ بهون لما تفعله ‪ ،‬ال يقدرون عملك ‪ ،‬يغلقون لك األبواب ‪ ...‬وفي الجانب اآلخر ‪،‬‬
‫هناك اساتذة بارك هللا فيهم ولو بالكلمة فقط ‪ ،‬فقد سهلوا المهمة ‪ ،‬وأدوا ما عليهم‪.‬‬
‫في بداية هذه السنة ‪ ،‬أتضحت المالمح ‪ ،‬فقد أصبحت وحيدا ‪ ،‬كما كنت في الماضي ‪ ،‬ليس لدي من يقدم‬
‫العون لي ‪ ،‬والمساعدة ‪ ،‬أصدقائي كلهم ‪ ،‬أصبحوا بعيدا هناك ‪ ،‬وأصبحت ككوكب يسبح في مجرة خالية‬
‫‪ ،‬رغم كل ما أعيشه من صعوبات ‪ ،‬بعد االصدقاء ‪ ،‬حتى التي أحبها بعيدة عني ال تعلم شيئا عن ما أشعر‬
‫به إتجاهها ‪ ،‬إال أني سعيد ‪ ،‬سعيد ل شعوري بأن هللا راض عن تصرفاتي ؛ بإحساسي العميق أنه معي في‬
‫كل مرة ‪.‬‬

‫تسطير الهدف ضرورة حتمية ‪ ،‬لمعرفة الدرب الذي نسلكه ‪ ،‬وتسلسل هاته األهداف وتدرجها هو الحل ‪،‬‬
‫لنحقق ونصل إلى الهدف الكبير‪.‬‬
‫لقد كنت دوما أفعل ما أراه صحيحا‪ ،‬ودوما كنت اشعر بأني أفعل ما استطيع فعله‪ .‬فلهذا اني لم أفرط في‬
‫حق الوطن ‪ ،‬فتأديتي لواجبي إتجاهه شرف يكفي صاحبه ليستمر‪.‬‬
‫فاألغنياء يبنون المصانع ‪ ،‬والمؤسسات ‪ ،‬هم كذلك يقومون بما عليهم‪ ،‬هناك تقصير وهذا صحيح ‪ ،‬تقصير‬
‫في حق هللا ‪ ،‬في حق الوطن ‪ ،‬وفي حق اآلخرين‪ .‬ووعينا لهذا هو السبيل لنصحح الخطأ‪ ،‬إن حلمي هو أن‬
‫أعيش حياة بسيطة ‪ ،‬ال مترفة أو مجحفة ‪ ،‬كان طموحي في الحياة ‪ ،‬أن أجد زوجة صالحة ‪ ،‬ترضى بي‬
‫كزوج لها ‪ ،‬ترضى بي كما أنا ‪ ،‬أن نبني معا أسرة صالحة ‪ ،‬أسرة يسودها الحب والمودة واإليثار‪.‬‬
‫طموحي هو أن أجدها ‪ ،‬لنعبد هللا ‪ ،‬لنترفع ‪ ،‬لنطمح هناك ‪ ،‬هناك أين السعادة االبدية‪ .‬حلمي هو أن أكون‬
‫سعيدا دائما ‪ ،‬سعيدا ألن لي زوجة ‪ ،‬سعيدا ألني أطيع هللا ورسوله ‪ ،‬سعيدا ألني أطلب العلم أينما كان ‪،‬‬
‫(‪)15‬‬
‫سعيدا ألني أحب الناس وأحب هذا الوطن‪.‬‬

‫لقد شهد الشهر المنصرم أحداثا مهمة ‪ ،‬مؤثرة وخطيرة ‪ ،‬لقد كان أهم إمتحان لي ‪ ،‬لشخصيتي ‪ ،‬لكياني ‪،‬‬
‫ولتاريخي ‪ ،‬فيه تلقيت جرحا عميقا غائرا ‪ ،‬ال يمكن لاليام أن تداويه ‪ ،‬وال جتى أن يرجع‪.‬‬
‫عندما أتهمتني أستاذتي ‪ ،‬من كانت لها مكانة في قلبي ‪ ،‬بالغش ‪ ،‬لم تعلم ماذا سببت في نفسي من جراح ‪،‬‬
‫فمجرد شكها كان طعنة في قلبي ‪ ،‬لقد مست في ذلك اليوم كبريائي ‪ ،‬وشموخ وهامة نفسي ‪ ،‬يومها محيت‬
‫كل ما كتبت في مجدها وكل ما وضعته ذكرا لها‪.‬‬
‫لقد سامحت نفسي أوال ‪ ،‬قبل أن اسامح اآلخرين ‪ ،‬كنت أسامح من أخطأ في حقي بال تردد ‪ ،‬بال حتى ما‬
‫أفكر ‪ ،‬لقد استغرقت اسبوعا كامال ‪ ،‬فكرت يومها جيدا وقررت بقلبي ‪ ،‬بعدما اصبح ناصعا من ذي قبل ‪،‬‬
‫سامحتها فقد كانت فوق كل ذلك أستاذتي‪.‬‬

‫في أصعب للحظات حياتي ‪ ،‬في مواقف صعبة ‪ ،‬لم أجد من يقف معي ‪ ،‬من يدعمني بكلمة جميلة ‪ ،‬نابعة‬
‫من أعماقه ‪ ،‬لقد كانوا قلة من كانوا كذلك‪.‬‬
‫وفي للحظات كهذه ترجوت وتمنيت من هللا أن يجعل لي رفيقة حياة ‪ ،‬تخفف عني من وطأة الصعاب‬
‫والمشاق ‪ ،‬إن الحياة هكذا ‪،‬فالوصول للقمة ليس سهال ‪ ،‬وال مستحيال ‪ ،‬بل سيكون طريقا شاقا ‪ ،‬وصعبا‬
‫ومرهقا ‪.‬‬
‫وقبولنا للتحد هو وحده الطريق للوصول لتلك القمة ‪ ،‬كنت أحمد هللا على شيئ ‪ ،‬ألنه لم يحدث عبثا ‪ ،‬بل‬
‫(‪)16‬‬
‫حدث ألن ذلك دليل وإ شارة من المولى عزوجل ‪ ،‬بأن الوصول للهدف وشيك‪.‬‬
‫كل شيئ أصبح يمشي كما خطط له هللا ‪ ،‬عندما تقف أمام طريق سريع ‪ ،‬تالحظ السيارات تمر بسرعة ـ‬
‫تتذكر ساعتها قطار األيام ‪ ،‬التي اصبحت خاطفة وتمر كلمح بالبصر ‪ ،‬في للحظات هامة يمتحن اإلنسان‬
‫في شدة تحمله الصعاب ‪ ،‬والصبر على المظالم ‪ ،‬وتحمل الضغوطات النفسية ‪ ،‬يتعرض اإلنسان في‬
‫منعطف حاسم ‪ ،‬ألحداث هامة تزعزع ‪ ،‬كيانه وإستقراره ‪ ،‬سكينته وطمأنينته ‪ ،‬بإمكان أحداث كتلك أن‬
‫تدمر إنسانا عاديا ‪ ،‬أن تهز وجدانه من األعماق‪.‬‬
‫في رحلة طويلة هدف واحد وضعته أمام عينايا ‪ ،‬الوصول للسعادة ‪ ،‬في تلك الطريق تحملت الكثير ‪،‬‬
‫أدركت جيدا بأنه ال يمكن شراء السعادة بالمال ‪ ،‬وأدركت كذلك بأن السعادة لم تكن يوما كامنة في مرأة‬
‫أو شهوة ‪ ،‬في سيارة ‪ ،‬أو منزل فاخر ‪ ،‬أدركت يومها بأن السعادة تعني هللا ‪ ،‬والبحث عن السعادة بعيدا‬
‫عن هللا هو حماقة وتصرف غبي‪.‬‬
‫الفالسفة لهم أحالمهم ‪ ،‬حلمهم االساسي يكمن في الوصول إلى الحقيقة المجهولة ‪ ،‬فالوصول لتلك الحقيقة‬
‫يعني لهم السعادة‪.‬‬
‫لكن في العلم أو الفلسفة ‪ ،‬الوصول للحقيقة معناه اإلهتداء إلى هللا ‪ ،‬وهناك فقط يمكن أن نصف شعورنا‬
‫حينها بشعور سعيد ‪ ،‬هناك فقط ستتحقق السعادة ‪ ،‬إن كل ما نعتقد أنه سعادة عندما نكسب شيئا ‪ ،‬نشتري‬
‫سيارة ‪ ،‬عندما نلتقي بالمحبوب ‪ ،‬هو زيف ‪ ،‬ألن هللا عندما خلقنا خلق لنا قلبا ‪ ،‬وزرع في القلب مضغة ‪،‬‬
‫فالسعادة ‪ ،‬إذن تنبع منها ‪ ،‬والتعاسة منها ‪ ،‬أيضا ‪ ،‬ولن تصل تلك المضغة لتتلقى بالسعادة ‪ ،‬إال عندما‬
‫(‪)17‬‬
‫تمتلئ بحب هللا ‪.‬‬

‫في يوم من أيام حياتي ‪ ،‬وقفت متأمال فيها ‪ ،‬فهذه الحياة التي أعيشها ال ترقى ألن تكون كذلك ‪ ،‬حياة جوفاء‬
‫‪ ،‬فارغة من كل محتوى ‪ ،‬حقيقي ونافع ‪ ،‬عندما دققت فيها ‪ ،‬أنتابني شك فيها‪ ،‬لكن ما فتئت حتى أدركت‬
‫أنها بالفعل حياتي ‪.‬‬
‫كنت أرى أمام عينايا حياتي تتحول من حياة أساسها األحالم التي وضعتها ‪ ،‬إلى حياة أخرى اساسها‬
‫اإلستسالم ‪ ،‬واإلنهزام أمام تحدياتها‪.‬‬
‫كنت حينها أفقد وأنزف الكثي ر من طاقتي ‪ ،‬الكثير من طموحاتي ‪ ،‬الكثير من أحالمي ‪ ،‬وقفت وصحت ‪ ،‬ال‬
‫‪ ،‬ليست هذه حياتي ال لن استمر هكذا ‪ ،‬ال لن أبيع أحالمي للفشل ولن أبيع أملي لليأس ‪ ،‬كان يوما مشرقا‬
‫صافيا ربيعيا جميال ‪.‬‬
‫أحسست حينها بشعور غريب ‪ ،‬شعور بالقوة ‪ ،‬شعور جديد منحني قوة وتحد إن الشيئ المهم في شخصيتي‬
‫هو أني حاولت أن أبحث عن المعاني وأسباب الحياة التي أعيشها ‪ ،‬كنت أحاول أن أعرف المعاني التي‬
‫(‪)18‬‬
‫جعلت للحياة وجودا‪.‬‬

‫وقفت في هذا اليوم ‪ ،‬المهم ‪ ،‬الذي أعتقد ‪ ،‬أنه سيغير مجرى حياتي ‪ ،‬في المكان الذي أصنع فيه أحالمي ‪،‬‬
‫وقفت ونظرت ‪ ،‬تأملت منه في السماء وكان حلمي بالسفر للواليات المتحدة ‪ ،‬من أجل دراسة علوم‬
‫الفضاء ‪ ،‬شعرت بالرغبة الشديدة ‪ ،‬والتي أعبر عنها بانقباض صدري وقلبي‪.‬‬
‫أدركت حينها ما قد يمثل هذا الحلم بالنسبة لي ‪ ،‬وأكد لي بأن هناك علوما كثيرة مختلفة ‪ ،‬يمكن أن نطلبها ‪،‬‬
‫من بين تلك اإلختيارات ‪ ،‬العلم العظيم الذي به نحقق سعادتنا ‪ ،‬وبه تزداد أحالمنا ‪ ،‬وطموحاتنا ‪ ،‬أخترت‬
‫علوم الفضاء ألنها هي الوحيدة التي تحقق لنا تلك المتعة‪.‬‬
‫إن أي هدف يسطره اإلنسان ‪ ،‬سيكون صعبا بالتأكيد ‪ ،‬سيحتاج لتضحية ونضال ‪ ،‬سيحتاج هو قصة كفاح‬
‫نكتبها حتى نحقق ذلك ‪،‬‬
‫إن العلم يجب أن يكون كل شيئ في حياة اإلنسان ‪ ،‬إن العلم سيكون جميال ‪ ،‬عندما يكون من أجل رضا هللا‬
‫(‪)19‬‬
‫‪ ،‬من اجل معرفة هذا اإلله العظيم ‪ ،‬هكذا يزداد إيماننا وتزداد روحنا إشراقا وضياء‪.‬‬

‫لقد رفضت الواقع الذي أعيشه ‪ ،‬لم يكن تفكيري منحصرا في هموم المعيشة ‪ ،‬لم أرض بالذل والهوان ولم‬
‫أقبل اإلستسالم أمام مصاعب الحياة وتحدياتها‪.‬‬
‫علي‪ ،‬تركت بصماتها في تفكيري ‪ ،‬وفي داخل كياني ‪ ،‬كنت كل يوم يمر‪ ،‬أزداد‬ ‫َّ‬ ‫تغيرات كبيرة مرت‬
‫تصميما على تحقيق أحالمي ‪ ،‬على صناعة مستقبل متميز‪.‬‬
‫وكأي شاب في هذه الحياة ‪ ،‬واجهت الصعاب في بداية حياتي ‪ ،‬كنت أتقدم خطوة‪ ،‬وأرجع خطوتين للوراء‬
‫‪ ،‬كنت أقاوم شعورا غريبا مدمرا ‪ ،‬شعورا بالفشل ‪ ،‬بعدم القدرة على تحقيق ما أريد‪.‬‬
‫لقد كان تفكيري يميل للبساطة ‪ ،‬اردت أن أجد زوجة ‪ ،‬أبني معها الحياة والمستقبل ‪ ،‬نبدأ من الصفر ‪،‬‬
‫نمضي معا من أجل بناء وتحصيل السعادة‪.‬‬
‫وهذا يتجلى في تفكيري ‪ ،‬في مبادئ حياتي فهو واقعي ومنطقي بأن تحقيق الطموحات واألحالم لم يكن‬
‫في يوم شيئا هينا ‪ ،‬بل كان قصة كفاح كاملة‪.‬‬
‫كنت أعيش معاناة حقيقية ؛ كان بالنسبة لي البحث عمن يسمعني ‪ ،‬عمن يفهمني ‪ ،‬شيئا يشبه التحدي‪.‬‬
‫تعلمت في تلك المدرسة ‪ ،‬تعلمت فيها كل شيئ ‪ ،‬لم أكن أستوعب كل الدروس ‪ ،‬ليس لقدراتي العقلية ‪،‬‬
‫وإنما للحالة المزاجية للعقل‪.‬‬
‫لقد كانت أيامي كلها مآسي ‪ ،‬كنت الجأ للصمت الطويل ‪ ،‬عندما وجدت أن اآلذان ال تصغي لي ‪ ،‬واألبواب‬
‫(‪)21‬‬
‫ال تفتح في وجهي‪.‬‬

‫كنت أنتظر هذا اليوم ‪ ،‬الذي أعتبره أحد أهم ايام السنة في حياتي ‪ ،‬في مثل هذا اليوم قبل عشرين عاما ‪،‬‬
‫ولدت اإلنسانة التي أحببتها صدفة كما التقيتها صدفة‪.‬‬
‫سبع سنوات تكون قد مرت منذ التقيتها أول مرة في قسم السنة الثامنة من التعليم األساسي في إكمالية مالك‬
‫بن نبي‪ ،‬سبع سنوات تركت بصماتها في نفسي ‪ ،‬وفي تفكيري ‪ ،‬ثالثة جمل فقط كانت مدة عالقتنا ‪ ،‬لم‬
‫تخرج إطالقا خارج نطاق الدراسة ‪.‬‬
‫كنت برغم األلم والمرارة ‪ ،‬ينتابني إحساس بالفرحة والسعادة ‪ ،‬بالتجدد بالرغبة الشديدة في التألق‪ .‬كنت‬
‫بأمس الحاجة لها ‪ ،‬كنت أدرك جيدا ذلك ‪ ،‬كنت أبحث عنها ‪ ،‬أردت أن أحكي لها كالما طويال ال تكفي‬
‫الساعات أو الدقائق وال حتى صفحات الكراس أن تسعه ‪ ،‬سبع سنوات مرت هكذا‪...‬‬
‫في كل للحظة كنت أتذكرها ‪ ،‬أتذ كر تلك الصورة ‪ ،‬من شدة حبي لها كنت ال أتذكر صورتها هنا أو هناك ‪،‬‬
‫كنت أراها مع صديقاتها ‪ ،‬كنت أقف بعيدا أنظر إليها‪.‬‬
‫كانت تلك األمتار التي تفصلنا كأنها أميال كثيرة ‪ ،‬كنت أحس بالدفئ في الشتاء حين أراها ‪ ،‬كانت تنتابني‬
‫القشعريرة في أيام الحر من البرد حين أراها أمامي‪.‬‬
‫لم تكن تبالي ‪ ،‬لم تكن تشعر ‪ ،‬لم تكن تحس بي ‪ ،‬في كل المواقف عموما لم أستطع أبدا أن أحدثها ‪ ،‬كنت‬
‫قادرا على ذلك ‪ ،‬لكن عوائق إجتماعية ونفسية ‪ ،‬منعتني من ذلك‪ ..‬فقررت أن أكتب كتاب أنشره في أرجاء‬
‫الكون ‪ ،‬حتى تعلم بالحقيقة ‪.‬‬

‫في للحظات الهزيمة ‪ ،‬كنت أتذك ر وحدتي ‪ ،‬كنت أبحث عن ذلك الحليف الذي أردته ‪ ،‬لم أكن أفكر في‬
‫الحال ‪ ،‬لم أكن أخاف المحال ‪ ،‬كنت أخشى أن تأتيني المنية ‪ ،‬ولم أؤلف لألجيال كتبا ‪ ،‬ولم أخلف ورائي‬
‫تراث وعلماء ومفكرين ‪ ،‬وأدباء وشعراء‪ ،‬ومهندسين وأطباء ‪ ،‬كنت أخشى ذلك بالفعل‪ .‬وكنت دوما اشعر‬
‫بدنو األ جل ‪ ،‬وكانت الدموع تنزل من جفوني‪.‬‬
‫لم أرضى بحال أمتي ‪ ،‬كنت أبكي حين أرى رائدا صينيا أو أمريكيا ‪ ،‬حين يطلقون صاروخا أو قمرا‬
‫إصطناعيا ‪ ،‬كان جسدي يتمزق في تلك اللحظات المؤلمة‪.‬‬
‫كنت أتساءل في أرجاء الكون ‪ ،‬كل األمم سبقتنا ‪ ،‬ونحن أدنى شعوب األرض ‪ ،‬تفكير أغلبنا ال يخرج عن‬
‫إيطار هموم المعيشة ‪ ،‬لقد رفضت هذا الواقع المر والجارح‪.‬‬
‫كنت أحس دوما بتلك الطاقة الهائلة‪ ،‬الكامنة بين أنسجة جسدي‪ ،‬قساوة األيام وأالمها ‪ ،‬كانت تهون أمام‬
‫للحظة يعيش فيها اإلنسان أجمل وأروع للحظات حياته ‪ ،‬عندما يصل لقمة السعادة ‪ ،‬عندما ننظر هناك في‬
‫الس ماء ‪ ،‬عندما ترى النجوم ‪ ،‬وعند إشراق الشمس وفي يوم ربيعي جميل‪.‬‬
‫لم أكن أعيش تلك اللحظات‪ ،‬إال عندما أحس بأني قريب م ن هللا ‪ ،‬عندما اشعر بحالوة األيمان ‪ ،‬بعظمة‬
‫اإلسالم ‪ ،‬بنور القرآن ‪ ،‬عندما أنظر خلفي قبل أكثر من ألف وأربعمائة سنة ‪ ...‬كالم كثير ‪ ،‬كنت أشعر‬
‫بالسعا دة عندما أستحظر قصص من الماضي ‪ ،‬عن البساطة ‪ ،‬عن الرفعة‪ ،‬عن الكمال ‪ ،‬عن األخالق‬
‫الفاضلة ‪ ،‬لقد كنت أعي جيدا الحقائق الراسخة ‪ ،‬لم أكن أفكر أو أحاول تزييفها‪.‬‬
‫خالل سبع سنوات مضت ‪ ،‬كنت أشعر بنزيف هائل‪ ،‬كان يزيد مع مرور االيام ‪ ،‬لم أكن أنزف الدم ‪ ،‬بل‬
‫كنت أنزف األمل والمستقبل ‪ ،‬الصبر والطموح ‪ ،‬الطاقة واألفكار‪ .‬الكثيرون ممن عرفوني يقولون لي أني‬
‫(‪)21‬‬
‫ال أعلم ماذ أفعل‪.‬‬
‫ألول مرة في حياتي أشعر بالذل ‪ ،‬لقد كان إحساسا مدمرا ‪ ،‬عندما يحتقرك أناس ال يقدرون موهبة اإلنسان‬
‫‪ ،‬وال مكانته الحقيقية ‪ ،‬شعرت يومها بالهزيمة ‪ ،‬وجميعنا يعلم إحساس الهزيمة واإلنكسار‪ ،...‬كانت األيام‬
‫تجري ‪ ،‬تتسابق ‪ ،‬يوم جديد يزيح يوما آخر ‪ ،‬كنت في إحباط مستمر‪ ،‬وكان قلقي يزداد يوما بعد يوم‪.‬‬
‫في بعض األحيان كنت أعجز عن التفكير ‪ ،‬أحس بشلل مس أجزاء مخي وجهازي العصبي‪ ،‬كانت في تلك‬
‫المدينة التي أسكنها ‪ ،‬ظروف متنوعة ‪ ،‬وجو يساعد على اإلحباط والفشل ‪ ،‬لم تكن أبدا بيئة نجاح ‪ ،‬ال‬
‫أقصد األرض والسماء ‪ ،‬ال الماء والهواء ‪ ،‬بل كان أولئك اليائسون من ينشرون ويصنعون ذلك الجو‪.‬‬
‫أحببت تلك المدينة ‪ ،‬ألنني التقيت فيها بأول امرأة أحببتها ‪ ،‬وألني صنعت تحت سماءها أحالمي وكونت‬
‫(‪)22‬‬
‫فيها فلسفة حياتي‪.‬‬

‫إلتقيت مع أصدقائي ‪ ،‬تجولنا قليال في المدينة ‪ ،‬تحدثنا عن أمور في الحياة ‪ ،‬تشغل بال كل واحد منا ‪،‬‬
‫كعادتي كنت أطرح عليهم أهم قضية في حياتي ‪ ،‬كانت تلك التي سهرتني لليالي طويلة ‪ ،‬كنا نتكلم ‪ ،‬كنت‬
‫أستمع ‪ ،‬أحس حينها وككل مرة بالفشل فقد طلب مني أحد أصدقائي أن أنسى ذاك الحب ‪ ،‬وبرر لي ذلك‬
‫بأمثلة حصلت مع أناس وأشخاص يعرفهم‪.‬‬
‫أن أنسى الماضي ‪ ،‬أن انسى تاريخي ‪ ،‬أن انسى سبع سنوات من حياتي ‪ ،‬كانت أصعب للحظات تاريخي‪.‬‬
‫بروحي و بقلبي أحبتتها ‪ ،‬لم تعلم هي بمعاناتي ‪ ،‬فكلمة رقيقة كانت تخرج من للسانها ‪ ،‬كانت لتنسيني‬
‫(‪)23‬‬
‫همومي ‪ ،‬آالمي ‪ ،‬معاناتي‪.‬‬

‫في صباح هذا اليوم كانت السماء كئيبة‪ ،‬تبكي حينا وتبتسم حينا آخر ‪ ،‬وكأنها أرادت أن تخبرني شيئا ما ‪،‬‬
‫شيئا لم استطع فهمه أو تخيله ‪ ،‬كأنها أرادت أن تقول لي أنظر للحياة ‪ ،‬وتعلم ‪ ،‬في الصباح تعلم درسا‬
‫جديدا ‪ ،‬من السماء ‪ ،‬أو من العصافير ‪ ،‬من الديك أو من الشجر ‪ ،‬تقول حاسب نفسك ‪ ،‬وقيم أعمالك في‬
‫تلك المرحلة من حياتي ‪ ،‬ابتعدت كثيرا عن هللا ‪ ،‬كنت أحس بأالالم ذلك اإلبتعاد ‪ ،‬عندما فكرت ‪ ،‬لقد‬
‫عرفت حبي هلل ‪،‬كنت أتألم عندما تفوتني الصالة ‪ ،‬أو تضيع لي تلك الفريضة‪ ،‬كنت أتطلع هناك ‪ ،‬فما فعلته‬
‫كله كان نتيجة لتعلق قلبي بالخالق‪ ،‬كنت أستطيع أن أختار بين حبي إلمرأة أو أي شيئ وحبي لخالق‬
‫الكون‪ ،‬كنت أعلم جيدا خياري ‪ ،‬كنت سأختار دون أدنى تفكير ‪ ،‬فسأختار في رمشة العين‪.‬‬

‫هذه أكثر األمور التي كنت صادقا كثيرا فيها ال أقول إني لم أصدق في باقي األمور‪ ،‬لكنها درجة أعلى‬
‫من الصدق‪.‬‬
‫كنت مع صديقي نطالع في كتاب إسمه خمس وعشرون قصة نجاح‪ ،‬كنا نقرأ الكلمات‪ ،‬وخيالنا شارد هناك‬
‫في أرض األحالم ‪ ،‬كل وحلمه‪ ،‬نبتسم بتفاؤل للمستقبل ‪ ،‬طالعت معه ألبث في نفسه نوعا من اإلشعاع‪،‬‬
‫ألزرع في نفسه حلما‪ ،‬يستطيع أن يقاتل من أجله‪ ،‬يتحدى الصعاب‪ ،‬والمعيقات ‪ ،‬التحديات‪.‬‬
‫كنت أيقن صعوبة ما اخترت‪ ،‬علمت مشاق الطريق إلى الحلم‪ ،‬لقد قطعت وسطرت إلتزامات كان علي‬
‫(‪)24‬‬
‫تطبيقها‪.‬‬

‫أخبرت باألمس أصدقائي ‪ ،‬بأني سأذهب غدا إلى جامعة البليدة ‪ ،‬على الساعة السادسة صباحا ‪ ،‬ألنجز‬
‫بعض األعمال هناك في كلية الطب‪ ،‬على صوت أذان الفجر ‪ ،‬كنت مستيقظا ‪ ،‬أفكر في هل أذهب في‬
‫الموعد ‪ ،‬واهتديت مع نفسي وقررت ‪ ،‬المغادرة على السابعة صباحا‪.‬‬
‫لم أكن افكر في شيئ سوى إتمام العمل ‪ ،‬وصلت هناك على الثامنة والنصف تقريبا ‪ ،‬أين انتقلت إلى إدارة‬
‫الكلية ‪ ،‬لقد كنت تائها ‪ ،‬لم أدري ماذا سافعل ‪ ،‬خرجت ‪ ،‬ذهبت هناك ‪ ،‬ثم هناك ‪ ،‬وعدت من جديد ‪ ،‬في‬
‫للحظة صنعها القدر‪ ،‬لم تكن أبدا صدفة ‪ ،‬أو للحظة عشوائية ‪ ،‬لقد كانت للحظة مفاجئة ‪ ،‬على بعد متر‬
‫تقريبا ‪ ،‬كانت هناك اإلنسانة ‪ ،‬التي لم أراها منذ ستة شهور ‪ ،‬وقتها لم أستطع التصديق ‪ ،‬لم أستطع أن‬
‫أتصور ذاك الموقف ‪ ،‬تنورة صوفية لونها رمادي كانت ترتديها ‪ ،‬حقيبة كتف لونها أسود ‪ ،‬وحذاء رائع ‪،‬‬
‫يضم رجليها الصغيرتين ‪ ،‬كانت تبتسم باسنانها الغزالية ‪ ،‬الجميلة يثبتها هيكل تسوية االسنان بلونه‬
‫الفضي‪.‬‬
‫كانت مفاجئة بالنسبة لي ‪ ،‬أن أراها ذاك اليوم ‪ ،‬انتظرتها هناك عند مدخل الباب ‪ ،‬عندما انتهت من‬
‫الحصول على وثائق دراسية ‪ ،‬خرجت مرت من حولي ‪ ،‬نظرة إلي بنظرة غريبة ‪ ،‬كانت سريعة ‪ ،‬ومرت‬
‫(‪)25‬‬
‫بسرعة ‪ ،‬ال أدري ماذا كانت تود أن تقول ‪ ،‬ال أدري‪.‬‬

‫نور الشمس كل يوم يشرق ‪ ،‬في كل للحظة ‪ ،‬ومع كل رمشة ‪ ،‬تتغير الحياة ‪ ،‬كان دافعا قويا ‪ ،‬يجرني ‪،‬‬
‫يجعلني أفكر في إيجاد الحل ‪ ،‬كما السياسي كان يفكر ‪ ،‬لحل قضايا وطنه وشعبه ‪ ،‬كنت كذلك أفكر ليال‬
‫ونهارا ‪ ،‬أفكر في ساعة الفرحة ‪ ،‬في ساعة الحزن ‪ ،‬ابحث عن حال لقضيتي ‪ ،‬كان حلمي في الحياة بسيطا‬
‫جدا ‪ ،‬لم يكن ابدا حلمي أن أسكن في فيال مقابل البحر ‪ ،‬أو تكون لي شقة في أرقى حي ‪ ،‬ال سيارة فاخرة ‪،‬‬
‫او ساعة زمنية ‪ ،‬وال أي شيئ من ذلك ‪ ،‬كان حلمي أن تكون لي زوجة ‪ ،‬أحبها وتحبني ‪ ،‬اعيش ألجلها ‪،‬‬
‫وتعيش الجلي ‪ ،‬أحكي لها عن متاعب اليوم ‪ ،‬ونحلم معا بمستقبل مشرق ‪.‬‬
‫أردت إمرأة واحدة ‪ ،‬أحببتها كما قلت كل يوم من أعماقي ‪ ،‬أردتها هي أن تكون تلك الزوجة ‪ ،‬نعيش‬
‫الحياة كما نريدها ‪ ،‬وليس كما فرضتها علينا الطبيعة ‪،‬هكذا كان حلمي‪ ...‬خلف جدران الفراق ‪ ،‬كنت أقف‬
‫أنتظر طويال ‪ ،‬من أجل أن أرى فت اة أحالمي ‪ ،‬كنت أدعو القدر ‪ ،‬أن يبرمج لنا للحظة اللقاء ‪ ،‬كنت راض‬
‫بحياتي ‪ ،‬لم أكن راض عن إنجازاتي‪ ،‬قبلت العيش في وطني ‪ ،‬ولم أقبل الذل في اوطان الغير‪.‬‬
‫أردت أن ابني تاريخي ‪ ،‬هنا في أرضي ‪ ،‬األرض التي أحببتها ‪ ،‬أحببت االرض مقدار حبي لتلك المرأة‪،‬‬
‫كنت أكره المارقين ‪ ،‬كنت أكره المتكبرين ‪ ،‬كننت أحب المستضعفين ‪ ،‬كنت صادقا دوما ‪ ،‬كنت أمينا‬
‫(‪)26‬‬
‫دوما‪ .‬في للحظات من حياتي كذبت من دون أن اشعر كذبت‪.‬‬

‫أنتابتني السعادة ‪ ،‬حين حددت لنفسي هدفا‪ ،‬للسنة القادمة ‪ ،‬لقد قررت بان أعمل على تحقيق أول حلم في‬
‫حياتي ‪ ،‬بعد نيل شهادة الليسانس في علوم األرض والكون ‪ ،‬لقد أردت أن أتقدم لخطبتها ‪ ،‬لقد شعرت‬
‫باإلرتياح والسعادة ‪ ،‬نشوة كبيرة ‪ ،‬زادت دقات قلبي ‪ ،‬وأحسست بأ ني قادر عن اإلستغناء عن كل شيئ‪.‬‬
‫ال زلت اليوم أحلم بقيادة مقاتلة أف ‪ 15‬أو أف ‪ ، 16‬كما كان حلمي دوما أن اصبح احد أشهر الجراحين‬
‫في العالم‪.‬‬
‫كنت دوما في تفاؤل مستمر ‪ ،‬خاصة بعد وضع أهداف محددة ‪ ،‬رضيت بحياتي ‪ ،‬بشخصيتي ‪ ،‬بكياني ‪،‬‬
‫رفضت الواقع ‪ ،‬وظروفه المحيطة به ‪ ،‬كانت همتي ترتفع ‪ ،‬تصبح شامخة عالية هناك ‪ ،‬برغم ذاك الفشل‬
‫‪ ،‬الذي سبب لي ألما جارحا ‪ ،‬كنت أحاول المضي قدما نحو النجاح‪.‬‬
‫حين رأيتها آخر مرة ‪ ،‬إحترت في األمر ‪ ،‬سألت نفسي لماذا سطرلنا القدر ذلك الموعد‪ ،‬لم يكن صدفة أو‬
‫(‪)27‬‬
‫امرا عاديا ‪ ،‬بل شيئا غريبا جدا‪ ،‬لم أعرف اإلجابة ‪ ،‬وربما سأعلم بها في يوم ما‪.‬‬

‫كنت اتأمل في سبب فشلي وإحباطاتي ‪ ،‬في الغاية من كل ذلك ‪ ،‬لقد كنت مؤمنا بأن ما حصل لي وما‬
‫سيحصل ‪ ،‬ليس حدثا عابرا ‪ ،‬إن لم يكن حال معقدا لمعادلة رياضية معقدة ‪ ،‬فهناك أين فكرت كثيرا في‬
‫أحد القضايا العلمية ‪ ،‬فيما كان باإليمكان صياغة قانون رياضي شامل ‪ ،‬يرمز ألهم األحداث التي جرت ‪،‬‬
‫(‪)28‬‬
‫منذ نشأة الكون إلى غاية نهايته ‪ ،‬كنت حينها أصب إهتماماتي على علوم الفضاء‪.‬‬

‫لم أكن أستطيع اإلختيار بين دراسة الطب ‪ ،‬ودراسة الفيزياء الفلكية ‪ ،‬أو الفيزياء الكمية ‪ ،‬لقد كنت أتمنى‬
‫أن أنجح في كالهما ‪ ،‬أن أحقق ذلك ‪ ،‬لم يكن أمامي أي عائق لفعل ذلك ‪ ،‬بل كان الخوف في داخلي ‪،‬‬
‫وعدم قدرتي على إتخاذ خطوة جريئة ‪ ،‬أسباب رئيسة في عدم تحقيقي ألي هدف سياسي‪.‬‬
‫إن اإللتزام بتحقيق هدف أو أهداف شرط هام ‪ ،‬بل أساسي لتحقيق تلك الغايات ‪ ،‬كنت أعلم جيدا ‪ ،‬أننا لن‬
‫نتمكن من تحقيق مجموعة من األهداف مرة واحدة‪ ،‬لكن يجب أن نحقق أهدافا ثانوية حتى نتمكن من‬
‫تحقيق الهدف النهائي والرئيسي‪.‬‬
‫لقد كان جيلنا متشب عا بثقافة الخوف ‪ ،‬الخوف من وضع خطوة في الطريق الصحيح‪ ،‬من التقدم خطوة نحو‬
‫األمام ‪ ،‬هذا ما كان ينقصنا‪ .‬لم تكن المادة أبدا عائقا أمام تحقيق األهداف العظيمة ‪ ،‬بل كان الجبن والخوف‬
‫العائق األساسي لذلك‪.‬‬
‫حين تشعر في للحظة مهمة من التاريخ بأنك إنسان مسؤول ‪ ،‬مسؤول عن هذه األمة ‪ ،‬إنسان قادر‬
‫بإمكاناتك العقلية ‪ ،‬بأحالمك ‪ ،‬بطموحاتك أن تحقق ألمتك ما عجزت عنه قيادات ومؤسسات ضخمة‪.‬‬
‫هناك فقط أين تحس بمكانك‪ ،‬ودورك في هذا الكون ‪ ،‬الشيئ في هذا العالم يحدث صدفة‪ ،‬بل كل شيئ في‬
‫هذا الكون ‪ ،‬حتى حياتك الخاصة ‪ ،‬خاضعة لقانون رياضي معقد‪ ،‬حياتك تمثل أحد ثوابت ذلك القانون‪.‬‬
‫إن اإلنسان سيحاسب بقدر معرفته ‪ ،‬وعلمه ‪ ،‬حسب قدرته ‪ ،‬وهذا ما يبث في نفسي الرعب ‪ ،‬فمحاوالتي‬
‫مستمرة ‪ ،‬ألحقق شيئا مما أستطيع أن أقوم به‪.‬‬
‫في أصعب للحظات حياتي حين كنت أشعر بالضعف ‪ ،‬كنت أشعر بوحدة شديدة ‪ ،‬اشعر يومها بالشوق‬
‫الشديد لمن أحب ‪ ،‬وكانت اإلنسان ة الوحيدة التي أتذكرها هي التي أحببتها منذ أواخر سنوات الطفولة برغم‬
‫ذلك كانت السعادة تغمر قلبي‪ ،‬لم يكن قلبي يحمل الحقد على اآلخرين‪ ،‬فقد كانوا جميعا إخواني ‪ ،‬وكنا نحن‬
‫أبناء وطن واحد ‪ ،‬ونشأنا من تراب واحد‪.‬‬
‫لقد وضعت في بداية حياتي حدودا لنفسي ‪ ،‬ال أتجاوزها ‪ ،‬وال أقبل اآلخرين أن يدخلوها وقد استمرت‬
‫هكذا‪ ،‬سبعة سنوات كاملة ‪ ،‬كنت ال أتدخل في شؤون اآل خرين ‪ ،‬كنت أعيرهم اإلهتمام نفسه الذي يولونه‬
‫لي ‪ ،‬ولم أكن أسمح ألي شخص بالتدخل في شؤوني الداخلية‪.‬‬
‫لم يكن أصدقائي يتصفون بصفة المسامحة ‪ ،‬كانوا يصنعون من مشكلة بسيطة أزمة معقدة‪ .‬كان صديقي‬
‫عبد العزيز‪ ،‬تعرف علي في السنة األولى جامعي ‪ ،‬كان إنسانا بسيطا جدا ‪ ،‬كان مرنا جدا ‪ ،‬كان قلبه‬
‫ناصعا كتلك الشعرات على رأسه‪.‬‬
‫كنت أحاول أن أرفع همته ‪ ،‬واقدم له ولو أبسط ما أستطيع أن أقدمه له‪ .‬كان يحترمني كثيرا ‪ ،‬وأنا كذلك ‪،‬‬
‫لقد كنا أحيانا نسهر طويال ‪ ،‬نتحدث عن أحد المواضيع الهامة لي ‪ ،‬كنت أحاول أن أقنعه بأني سأتزوج‬
‫قريبا ‪ ،‬وكان يعارضني في ذلك ‪ ،‬بالنظر للواقع كان محقا ‪ ،‬لم يكن لي دخل ‪ ،‬وال سكن وال أي شيئ‬
‫أستطيع أن أحقق به هذا المشروع‪.‬‬
‫في أجمل ذكريات حياتي ‪ ،‬كنت أتذكر أحداث هامة وذكريات لطالما أنزلت من جفوني الدموع ‪،‬كان جدي‬
‫سعيد ‪ ،‬الشاب البسيط الذي بنى نفسه بنفسه وكافح طويال‪..‬‬
‫كنت أتذكر ذلك اليوم ‪ ،‬حين هربت من المنزل ‪ ،‬وهرول ورائي بعصاه ‪ ،‬وذلك لكي أذهب إلى المدرسة ‪،‬‬
‫يومها كنت أدرس في السنة األولى إبتدائي‪ .‬ذات يوم اصابني مرض في بطني ‪ ،‬أخذني إلى العيادة الطبية‬
‫‪ ،‬أخذت حقنة موضعية أزالت ذاك األلم ‪ ،‬لم يكن عند جدي ثمن العالج ‪ ،‬حينما طلب الممرض ذلك برغم‬
‫أن المبلغ كان ‪ 51‬دينارا ‪ ،‬فقد سارع المعلم رحماني بدفع ذلك المبلغ نيابة عنه‪ ،‬كنت أتذكر ذلك ‪ ،‬أحس‬
‫بقدر التضحيات التي قدمها أهلي لي وكذلك جدتي التي كانت تحبني كثيرا‪ ،‬ألني كنت اول أحفادها‪.‬‬
‫(‪)29‬‬
‫وبالتأكيد االخوال واألعمام‪ ،‬كانت اياما جميلة جدا ‪ ،‬ذهبت هكذا ‪ ،‬لن تعود ابدا على مر السنين‪.‬‬

‫كنت طوال حياتي أتذكر نزيم ‪ ،‬اإلنسان الشاب ‪ ،‬لطالما كان يشجعني ‪ ،‬كان يرفع معنوياتي كلما ألتقى بي‬
‫‪ ،‬حينما وافته المنية في حادث مرور ‪ ،‬تألمت كثيرا ألنه كان من الذين تعلقت بهم ‪ ،‬كان مثال كأخي الكبير‪.‬‬
‫ولم أنسى أبدا صديقي الهواري ‪ ،‬كنت ألتقي به ‪ ،‬نتحدث عن أمور كثيرة ‪ ،‬كنا نذهب نتجول في المدينة‬
‫الصغيرة وسط االضواء‪.‬‬
‫كان إنسانا بريئا من الداخل ‪ ،‬إنسانا بسيطا ‪ ،‬مات صديقي ‪ ،‬ولم أحظر جنازته كنت أدرس في السنة‬
‫األولى ثانوي ‪ ،‬بمدينة العطاف ‪ ،‬هناك نزلت من عيوني الدموع ‪ ،‬تألمت كثيرا لموت صديقي ‪ ،‬فقد ربطتنا‬
‫قصة صداقة دامت خمس سنوات‪.‬‬
‫ما أردت أن أكتب ذلك ‪ ،‬سوى ألخلد ذكراهم ‪ ،‬وأقدم لهم جزءا قليال من ما قدموه لي ‪ ،‬سأظل طول حياتي‬
‫‪ ،‬أذكرهم ‪ ،‬أطلب لهم الرحمة والمغفرة من هللا سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫أتذكر استاذتي العزيزة وردان ‪ ،‬التي درستني اللغة الفرنسية لثالثي واحد للسنة الدراسية ‪2116 – 2115‬‬
‫‪ ،‬حيث كنت في السنة األولى بثانوية ابي بكر الصديق‪ ،‬كنت أحبها كثيرا ‪ ،‬لقد كانت المعلمة الوحيدة التي‬
‫تركت في نفسي اثارا كبيرة ‪ ،‬حزنت كثيرا بعد أن انتقلت إلى ثانوية أخرى‪ ،‬بكيت يوم رحيلها عني كثيرا‬
‫‪ ،‬أحببتها مثل حب التلميذ الصغير لمعلمته‪ ،‬شجعتني كثيرا ‪ ،‬وكانت في كل مرة ترفع من معنوياتي‬
‫وهمتي‪.‬‬

‫كنت أحلم أن اراها ‪ ،‬ولو من بعيد ‪ ،‬خمس سنوات مرت لم أراها فيها ‪ ،‬ال زلت أتمنى أن ألقاها في يوم ما‬
‫‪ ،‬ربما سيكون أروع ايام حياتي حين القاها‪ ،‬حينها ستنزل الدموع بال توقف‪ ،‬تعبيرا عن حبي لها وشوقي‬
‫ألستاذتي العزيزة‪.‬‬
‫اثناء كتابتي هذه ‪ ،‬مع كل كلمة دونتها على كراستي ‪ ،‬كانت دموعي تنزل من جفني ‪ ،‬تأثرا بما كتبت‬
‫(‪)31‬‬
‫وتأثرا بتلك الذكريات‪.‬‬
‫في جميع مراحل دراستي ‪ ،‬كنت أجد من يشجعني من يقول لي ولو كلمة واصل ‪ ،‬في اإلبتدائي هناك ‪،‬‬
‫استاذ وحيد ومعلم من ترك أثرا في نفسي ‪ ،‬حينما شجعني على اإلستمرار ‪ ،‬كان المعلم آيت حمودة سليم ‪،‬‬
‫الذي درسني اللغة الفرنسية‪.‬‬
‫في اإلكمالي ‪ ،‬مجموعة كبيرة من االساتذة الذين تركوا بصماتهم ‪ ،‬وبفضل تشجيعاتهم المستمرة والمؤثرة‬
‫كنت احاول صعود الجبل‪ ،‬كنت في صراع دائم مع المعيقات ‪ ،‬في تلك المرحلة المهمة من حياتي ‪،‬‬
‫تغيرات كثيرة حدثت لي ‪ ،‬في تفكيري كانت واضحة‪.‬‬
‫لقد كنت أقضي العطلة الصيفية في المنزل ‪ ،‬ارسم واخطط ‪ ،‬أبلور وأرسم االحالم ‪ ،‬كما كنت أراها دون‬
‫تزييف ‪ ،‬حينها أردت أن أصبح رجل أعمال ‪ ،‬كنت أهتم كثيرا بالنشرات اإلقتصادية والبورصة من خالل‬
‫قناة العربية التي كانت قناة ناشئة في تلك السنوات االولى‪.‬‬
‫(‪)31‬‬
‫أذكر كثيرا استاذ الرياضيات زروت ‪ ،‬وأستاذ الفرنسية محجيبة علي‪.‬‬

‫لقد كانت أحالمي أغلبها بسيطة لم تكن معقدة ‪ ،‬لقد كانت بسيطة إلى أقصى الدرجات ‪ ،‬كانت الحياة‬
‫العسكرية جزءا من شخصيتي ‪ ،‬كنت أحيا حياة عسكرية بكل ما معناها ‪ ،‬لم أكن أفكر ابدا أني مدني‪.‬‬
‫اإلنسان يمر عبر طريق أعرج ولو مرة في حياته ‪ ،‬طريق مليئ باألخطاء ‪ ،‬نرتكبها تارة عن جهل ‪ ،‬تارة‬
‫في مرحلة ضعف ‪ ،‬ومرة أخرى عن قصد‪.‬‬
‫اإلنسان في حد ذاته يميل للمغامرة ‪ ،‬عندما يعلم أن هذا مر ‪ ،‬وذاك حلو ‪ ،‬فإنه سيجرب ويتحسس الطعم‬
‫المر‪ ،‬ولوال هذا لما عرفنا‪ ،‬لما استطاع أي واحد منا ‪ ،‬أو اإلنسانية أن تفرق بين ما هو ضار وما هو نافع‬
‫‪ ،‬بين الشر والخير‪ ،‬بين الحنظلة واألترجة‪.‬‬
‫أحيانا عندما تتدبر في أمر من األمور‪ ،‬في قضية من القضايا‪ ،‬التي تشاهدها كل اليوم ‪ ،‬أظن بل أعتقد أنه‬
‫خاضع لمفهوم يحدد مميزات كل شيئ من األشياء‪،‬نتساءل حينها لماذا؟ !‬
‫إن الحرب مؤلمة ‪ ،‬مليئة بالمآسي ‪ ،‬بالتحديات بالصعاب ‪ ،‬هي شيئ معقد ‪ ،‬دمار للعالم للحرث والنسل‪ ،‬إن‬
‫قلوبنا جميعا تشبعت‪ ،‬بشناعة ما كنا نراه على شاشات التلفزيون‪ ،‬أو ما سمعناه عبر الراديو‪ ،‬بالرغبة في‬
‫اإلنتقام ‪ ،‬اإلنتقام ممن شردوا أهلنا ‪ ،‬واغتصبوا أخواتنا‪ ،‬ويتموا أبناءنا ‪ ،‬رغبة شديدة ‪ ،‬تجعل القلب قاس‬
‫كالحجر‪ ،‬واليد باطشة كوقع السيف‪.‬‬

‫لكن ماذا نفعل ‪ ،‬نريد نحن جميعا أن نعيش في سالم نحب األمن للجميع‪ ،‬والسالمة لهم جميعا ‪ ،‬ال نحب أن‬
‫نعتدي ‪ ،‬وقلوبنا رحيمة ‪ ،‬نتسامح مع غيرنا كما نتسامح مع أنفسنا ‪ ،‬نفكر في حاضرنا ومستقبل أجيالنا ‪،‬‬
‫نبني ونشيد ‪ ،‬نبتسم للحياة‪ ،‬ونرسم األمل على للوحاتنا ‪.‬‬
‫بتلك القلوب الناصعة ‪ ،‬الالمعة ‪ ،‬نقابل شعوب العالم‪ ،‬نتفاجأ في كل يوم بما يفعلونه بنا ‪ ،‬لسنا نحن من‬
‫نرفض السالم بل هم‪.‬‬
‫إن السالم هو حقيقة رياضية ‪ ،‬تحقق شرطا رياضيا هام وهو التكافؤ‪ ،‬عندما يكون هناك تكافؤ في الفرص‬
‫فهذا يعني أن السالم ممكن ‪ ،‬ونحن لم نخطئ‪ ،‬لن يستطيع قلب ايا منا أن يتغاضى عن ما يحدث في العالم‪،‬‬
‫(‪)32‬‬
‫فهذا اليمكن‪.‬‬
‫للحظات من أخطر للحظات حياتي‪ ،‬عشتها خالل األيام القليلة الماضية‪ ،‬إنزالق فكري رهيب ‪ ،‬زعزع‬
‫كياني الذي ما لبث أن استعاد بعضا من توازنه‪.‬‬
‫في تلك اللحظات المؤلمة ‪ ،‬كنت اتذكر إخواني حماة الوطن ‪ ،‬أتذكر أالالمهم ‪ ،‬ومعاناتهم ‪ ،‬خالل سنوات‬
‫المآساة الوطنية ‪ ،‬استحظر ما قدموه لهذا الوطن ‪ ،‬أتذكر عندما كنت في الخامسة من عمري في الليل حينما‬
‫كانت فرق من سالح المشاة تتجول في الشارع إلستطالع االوضاع‪ ،‬خالل تلك األيام المظلمة والدامية‪.‬‬
‫لم يكن أحد ممن عايشوا تلك الفترات األليمة من تاريخ هذه األمة ‪ ،‬يتصور أنه سيجيئ يوم يبزغ فيه فجر‬
‫األمل‪ ،‬وتشرق معه شمس المستقبل والحياة‪.‬‬
‫لقد كانت هذه الذكريات المهمة ‪ ،‬أقوى داعم لي في حياتي ‪ ،‬لقد استنبطت منها العبر والنتائج وتعلمت‬
‫درسا هاما في حياتي وفي التاريخ ‪" :‬من جوف األلم يولد النصر"‬

‫تختلف نظرة اإلنسان لواقعه من شخص ألخر ‪ ،‬فالمفاهيم عندنا ليست موحدة ‪ ،‬ألن الحياة اإلنسانية غير‬
‫خاضعة للمنطق الرمزي ‪ ،‬أو المنطق االرسطي‪.‬‬
‫فالمنطق اإلنساني والمنطق الرياضي ‪ ،‬يشكالن منطق العشوائية المنظمة ‪ ،‬التي تحدد كل تصرفاتنا ‪،‬‬
‫وتحكم تفكيرنا وتدير مصانعنا وآالتنا وتنير لنا حياتنا‪.‬‬
‫عند حديثنا عن الفكر اإلنساني ‪ ،‬تتبادر إلى ذهننا أحد أهم األفكار التي تشرح لنا تطور هذا الفكر من‬
‫الناحية العملية‪.‬‬
‫لقد ذكرت سابقا في بدايات هذا الك تاب بأن ما يحدث في الكون السحيق من ظواهر جيولوجية ‪ ،‬وبيولوجية‬
‫وتحوالت فيزيائية وكميائية ‪ ،‬وما يحدث على سطح الكوكب األخضر ‪ ،‬وكل ما يحدث لي ولك في حياتنا‬
‫‪ ،‬مرتبط ‪ ،‬فالفيزياء بما فيها الميكانيكا ‪ ،‬وفيزياء الكم ‪ ،‬تشرح بتفصيل أكبر ظاهرة الفكر اإلنساني ‪.‬‬

‫عندما نتطرق للحديث عن الفيزياء النووية ‪ ،‬وبوصولنا إلى تحديد انماط التفاعالت النووية يستوقفنا‬
‫تفاعلين مهمين ‪:‬‬

‫تفاعل اإلنشطار الذي يحدث عندما نقذف نواة مشعة ثقيلة بنيترون أومجموعة من النيترونات ‪ ،‬تنقسم‬
‫النواة األم إلى نواتين أخف وزنا ‪ ،‬محررة بذلك طاقة كبيرة‪.‬‬
‫وتفاعل اإلندماج عند إتحاد نواتين مشعتين بوجود طاقة لحدوث التفاعل ‪ ،‬تنتج لنا نواة أثقل وتحرر طاقة‬
‫عظيمة جدا‪.‬‬

‫مع بداية تاريخ هذا اإلنسان ‪ ،‬كانت لديه فكرة واحدة ‪ ،‬والعجب أن اإلنسان كان فردا وحيدا ‪ ،‬كان هناك‬
‫إيمان واحد ‪ ،‬فاهلل واحد والشمس واحدة ‪ ،‬والمفهوم كان واحدا ‪ ،‬حدثت للفكرة الواحدة عملية إنشطار ال‬
‫أقول إنشطارا نوويا ‪ ،‬بل هو إنشطار فكري ‪ ،‬فاصبحت هناك فكرتين ‪ ،‬واألكيد هنا أن الفكرة التي نتجت‬
‫عن عملية اإلنشطار هي الفكرة النقيضة للفكرة األولى ‪ ،‬والعجيب في األمر وجود كائنين بشريين ‪،‬‬
‫األنسان األول الرجل ‪ ،‬والثا ني هي المرأة‪ ،‬فاألرض نظيرتها السماء ‪ ،‬واإللكترون نظيره البروتون ‪.‬‬
‫والخير نظيره الشر ‪ ،‬والحياة نظيرها الموت ‪ ،‬والسعادة نظيرها الحزن وهكذا‪...‬‬
‫بعد تطور عملية اإلنشطار الفكري ‪ ،‬وصوال إلى الفكرة المستقرة األخيرة ‪ ،‬في هذه السلسلة ‪ ،‬تغير‬
‫الوضع وبدأ شيئ جديد يتغير ‪ ،‬مع بدء عملية اإلندماج الفكري ‪ ،‬فهذه العملية تقوم على جمع األفكار‬
‫البسيطة ‪ ،‬لتحقيق أو التوصل إلى أفكار معقدة وكبيرة‪.‬‬
‫إن هذا المبدأ كان أهم سبب لظهور المنطق ‪ ،‬والبرهان التركيبي ‪ ،‬فتطورت العلوم الرياضية والفيزيائية‪،‬‬
‫والطب والكمياء واألداب‪.‬‬
‫أعظم اإلختراعات في العالم تستند في مبدأ عملها على اإلندماج الفكري‪ ،‬من خالل جمع أفكار بسيطة‬
‫(‪)33‬‬
‫وسهلة ‪ ،‬لتكوين آالت معقدة تنجز عمليات مختلفة في حياة اإلنسان‪.‬‬
‫باألمس حدث لي أمر أدهشني فعال ‪ ،‬هناك أين كنت جالسا ‪ ،‬بالقرب من مدرج الطب ‪ ،‬فجأة مرت من‬
‫حولي أستاذتي العزيزة التي تدرسني علم الوراثة ‪ ،‬نظرت إلي وحيتني بإحترام أدهشني‪ ...‬عندما دخلت‬
‫كلية الطب في أكتوبر ‪ ، 2119‬لم أكن أتصور أبدا في يوم من األيام ‪ ،‬أن أعامل بتلك المعاملة الجميلة ‪،‬‬
‫من طرف أستاذ في تلك الكلية‪...‬‬
‫لم أكن أعرف إسمها رغم أ نها كانت استاذتي ‪ ،‬ربما ستبقى راسخة في ذكرياتي‪ ...‬كأن هللا سبحانه وتعالى‬
‫أعاد ان يثبت أقدامي بعدما أنهارت معنوياتي ‪ ،‬وتحطمت إراد تي ‪ ،‬فجاءت استاذتي ومعلمتي ‪ ،‬فرفعت من‬
‫جديد معنوياتي ‪ ،‬وأحيت االمل في نفسي‪ ...‬أشكرها كثيرا كثيرا ‪ ،‬لن أنسى ابدا ما قدمته لي‪.‬‬

‫لطالما افتخرت ببلدي الغالية والعزيزة ‪ ،‬كنت أحبها أكثر من أي شيئ آخر ‪ ،‬عشقت ترابها وتضاريسها‬
‫وجبالها‪ ،‬عشقت تاريخها‪ ،‬ماضيها وحاضرها‪ ،‬وحلمت بمستقبلها ‪ ...‬عندما كان زمالء سني يحلمون بقطع‬
‫الب حار ‪ ،‬كنت أقول ما عيب هذه البلد‪ ،‬إذا أردت أن أكون فلن أكون إال في بلدي ‪ ،‬لن ابدأ إال من أرضي‬
‫التي عشت فيها سنين عمري ‪....‬‬

‫كنت أستطيع اإلختيار بين حبي للجزائر وحبي لتلك المرأة ‪ ،‬إذا خيرت بينهما ‪ ،‬بدون شك أو ريب سأختار‬
‫بلدي ‪ ،‬ألنها أغلى عندي من قلبي‪..‬‬
‫في أهم للحظة في الزمن ‪ ،‬عندما نواجه العدو‪ ،‬نتساءل عن جدوى مواجهة هذا العدو‪...‬العدو لم يكن أبدا‬
‫شيئا حسيا ملموسا ‪ ،‬ولو خدعتنا صوره‪ ،‬لكن العدو شيئ مجرد ألبعد الحدود ‪ ،‬هو فكرة قائمة معارضة‬
‫لقوانين أحالمنا ‪ ،‬لمقومات بناءنا ‪ ،‬ألدواتنا كلها ‪ ،‬فمحاربة العدو هي مواجهة الفكرة التي أعتبرناها‬
‫خاطئة‪.‬‬
‫إن مبادئ اإلنسان مختلفة ‪ ،‬حسب مذهبه ‪ ،‬إذا كان مسلم فالفكرة تمثل الشر ‪ ،‬الن الشر هو عدو المسلم ‪،‬‬
‫(‪)34‬‬
‫فالشر هو مفهوم مجرد ‪ ،‬يقابله أو يشرحه مفهوم حسي وهو الشيطان‪.‬‬

‫تصادف اإلنسان للحظة في تاريخه ‪ ،‬للحظة مؤثرة جدا ‪ ،‬عندما تقرر أ ن تحدث التغيير ‪ ،‬عندما وقفت‬
‫متأمال فيما مضى من حياتي ‪ ،‬أستوقفتني تلك اللحظات الماضية ‪ ،‬حينما تأملت فيها جيدا ‪ ،‬كعادتي عندما‬
‫أجلس هادئا أتأمل ‪ ،‬الحظت كم ضيعت من وقت ‪ ،‬ضاع فيما ال ينفع ‪ ،‬وأوقات قليلة في ذلك التاريخ‪..‬‬

‫إن تاريخ الفرد هو جزء مهم من تاريخ العالم والكون ‪ ،‬ومهما كان هذا التاريخ فهو مؤثر ‪ ،‬قررت أن‬
‫ابدأ التغيير ‪ ،‬من الداخل بدأت ‪ ،‬تغيير إستراتيجيات العمل واإلستمرار في الحياة ‪ ،‬وحافظت على مبادئ‬
‫تعلمتها وصنعتها بنفسي في أوج للحظات حياتي‪.‬‬
‫عندما تدرك أنك مخطئ ‪ ،‬وان مافعلته بعضه كان خاطئا ‪ ،‬واآلخر كان صوابا ‪ ،‬والبعض منه كان ال‬
‫يحمل أي معنى ‪ ،‬ال معنى سياسي ‪ ،‬أو رياضي ‪ ،‬أو اجتماعي أو فلسفي ‪.‬‬
‫أحيانا نخسر الكثير ‪ ،‬نكون حمقى عندما نحقق مكاسب أو نجاحات تافهة ‪ ،‬نتألق حينها في درجة غباءنا‬
‫الالمحدود ‪...‬‬
‫من المنطقي أن اإلنسان يحاول أن يكسب الكثير ‪ ،‬مقابل ان يخسر القليل‪ .‬لكن من المنطق أيضا أن نقدم‬
‫تضحيات كبيرة من أجل نجاح باهر ورائع‪.‬‬

‫إنها نقطة اإلنعطاف ‪ ،‬أين تغير الدالة إشارتها في الجهة الموجبة ‪ ،‬وتصعد بتزايد مستمر ‪ ،‬هناك سيتغير‬
‫كل شيئ ‪ ،‬سيظهر التغيير على الفرد ‪ ،‬إنه شعور رائع ينتابك حينها كأن تقود مقاتلة تفوق سرعة‬
‫الصوت‪...‬‬
‫إن ما يحدث في الطبيعة لو تأملنا فيه جيدا ‪ ،‬وقارناه بحياتنا لوجدنا العجب فيه ‪ ،‬إنها حقيقة واضحة ‪،‬‬
‫نراها دوما أمامنا ‪ ،‬لكن حماقتنا منعتنا من اإلعتبار بقوانين الطبيعة ‪ ،‬بمبدأ الحتمية واإلطراد ‪ ،‬بمبدأ‬
‫(‪)35‬‬
‫العشوائية المقننة ‪...‬‬
‫في للحظة من الزمن ‪ ،‬هناك في مكان ما تتغير حالة اإلنسان ‪ ،‬ينقبض صدره ويضيق ‪ ،‬نتيجة لظروف‬
‫مختلفة ومتنوعة‪ ،‬جعلته خاضعا لتغيراتها ‪ ،‬خاضعا لتأثيراتها المختلفة‪ ،‬إن أكسجين الحياة ‪ ،‬أحرقته‬
‫محركات األالت الجامدة التي تصدر هديرا مزعجا ‪ ،‬أفقد الكائن البشري هدوءه وسكينته‪.‬‬
‫الصراع مع الواقع كان أحد أهم سمات هذا العصر ‪ ،‬حرب شرسة نخوضها ضد الواقع الظالم ‪ ،‬الذي لم‬
‫أستطع أن أتفق معه ‪ ،‬كما لم أتفق أبدا مع مبادئ الرأسمالية واإلشتراكية‪.‬‬

‫أشعر بحزن شديد بسبب عدم تمكني من تقديم شيئ لهذه األمة ‪ ،‬ايا كانت قيمة ما سأقدمه لكنه كان أحد‬
‫أحالمي‪ ،‬كنت أ ود أن اقدم مليون في المئة من إمكاناتي ‪ ،‬مشاريع كثيرة كنت أحلم بها ‪ ،‬منذ أن كنت طالبا‬
‫صغيرا في الثانوية ‪ ،‬كنت في حاجة لمن يشجعني ‪ ،‬لم أكن احتاج ألي شيئ ‪ ،‬لم أطلب من الجزائر أي‬
‫شيئ ‪ ،‬طلبت منها شيئ واحد فقط ‪ ،‬لن أطلب بعد ذلك شيئ آخر‪...‬‬
‫ال أدري كيف اصور عالقتي مع هللا ‪ ،‬األكيد هو أني كنت أحبه ‪ ،‬كنت أحبه كثيرا كثيرا ‪ ،‬في كل الحاالت‬
‫كنت أخجل من نفسي ‪ ،‬كان جسدي ينصهر ويذوب في روحي عندما أفرط في حقه‪..‬‬

‫اإلنسان عليه أن يقوم بكل اإلجراءات التي تحقق له هدفه ‪ ،‬كنت كذلك ‪ ،‬كان هدفي الوصول إلى هللا ‪ ،‬كنت‬
‫أحاول تحقيق وملء الفراغات وكل الثغرات التي تسهل الوصول للهدف‪...‬‬

‫من أجل هذا الوطن كنت أريد أن أكون كل شيئ ‪ ،‬أكون الطبيب والمهندس ‪ ،‬أكون العالم والميكانيكي ‪،‬‬
‫أكون الضابط ‪ ،‬أكون السياسي ‪ ،‬أكون الفالح والطيار‪.‬‬
‫كشاب في بداية الطريق ‪ ،‬عندما تأتي اللحظة كنت أسأل وأصيح قائال من أنا ؟ في كل وقت ‪ ،‬عندما كنت‬
‫اسير في الشارع ‪ ،‬عند المنام ‪ ،‬في الصباح ‪ ،‬في الفجر والمساء كنت أتساءل "من أنا ؟ ومن أكون "‪.‬‬
‫في هذه اللحظة أعتذر لجميع من أخطأت في حقهم ‪ ،‬وأقول لهم بصدق ‪ :‬إني لم أكن أقصد ذلك ‪.‬‬
‫اآللة لن تكون موجودة ‪ ،‬لن تكون حقيقة ثابتة ‪ ،‬إذا لم تقم بما هو مطلوب منها ‪ ،‬برمجة اآللة على أداء‬
‫عملية روتينية ‪ ،‬أمر ال يقارن مع اإلنسان الذي يقوم بعمليات غير متوقعة من اآلخر ‪ ،‬هذه هي الميزة بين‬
‫اآللة واإلنسان ‪...‬‬
‫عندما تكون طالبا في الجامعة‪ ،‬تدرس تخصصا ايا كان‪ :‬علوم األرض ‪ ،‬أو هندسة أو طب أو آداب أو‬
‫حقوق‪ ،‬من المفروض أن تضع أو ترسم طريق لما تريد الوصول إليه ‪ ،‬ال تفكر أبدا في إيجاد وظيفة ‪ ،‬او‬
‫بناء سكن أو شراء سيارة ‪ ،‬قدم ما تستطيع ‪ ،‬وكن إنسانا إستراتيجيا تفكيره عميق واسع‪.‬‬
‫فكر جيدا في كينونتك ‪ ،‬في واقعك ‪ ،‬وابدأ التغيير ‪ ،‬اشياء كثيرة ‪ ،‬مواضيع مختلفة ‪ ،‬مشاكل كبيرة‬
‫ومعوقات تنتظر من يدرسها ‪،‬ويمحص جيدا فيها ‪ ،‬ويجد الحلول‪.‬‬

‫إن الكون هو فضاء مغلق ‪ ،‬وعلينا أن نعرف ونيقن أن الماالنهاية في الرياضيات لها نهاية بالتأكيد ‪ ،‬لكن‬
‫ال نستطيع إدراك هاته النهايات ‪ ،‬ألنها أكبر وخارج نطاق إدراكنا‪.‬‬
‫كتبت منذ سنوات عن الدافع الذي جعل السماء تمطر ‪ ،‬واألرض تنبت ‪ ،‬الشمس تشرق وتغيب ‪ ،‬إنه بدافع‬
‫الحب ‪ ،‬لقد قدر هللا وجعل لكل شيئا قدرا معلوما ‪ .‬ال يجب أن نقدم الوعود ‪ ،‬إذا كنا غير قادرين على‬
‫تحقيقها أو الوفاء بها ‪ ،‬إنها إلتزامات‪..‬‬
‫قد يبحث الكثير منا عن المناصب العليا ‪ ،‬ونسو مشقة تحمل المسؤولية ‪ ،‬في الواقع الواضح تماما ‪ ،‬قليل‬
‫من يدرك ذلك ‪ ،‬ولعدم تقديرنا للمسؤولية ‪ ،‬فشلنا في جميع أعمالنا ومشاريعنا ‪ ،‬إنها إذا اإلدارة الفاشلة‪...‬‬
‫لو لم تكن قوانين الطبيعة مبنية على مبدأ االصلح أو األقوى ‪ ،‬لفسد الكون ‪ ،‬هنا اعني غير الذي يمكن‬
‫(‪)36‬‬
‫فهمه من هذا‪.‬‬

‫ال يوجد شيئ في الحياة يدعونا لإلستسالم أمام معوقات الحياة‪ ،‬الواقع سيكون مختلفا‪ ...‬إن إدراكنا ال يجب‬
‫أن يكون مرتبطا بما نراه في الطبيعة من جبال وأشجار ‪ ،‬وأرض وبحر وسماء ‪ ،‬بل عليه أن يتجاوز‬
‫الحدود التي وضعها العقل تشبعا بمعطيات الواقع‪.‬‬
‫أعتقد أن تلك المعطيات تحمل أخ طاء جوهرية‪ ،‬سيولد العقل البشري منها أفكار جديدة ‪،‬تكون أكثر خطورة‬
‫وأكثر خطأ‪.‬‬
‫إن البرغماتية تمثل نموذجا لتلك االفكار‪ ،‬كما الوجودية‪ ،‬وما اإللحادية إال خطأ فادح من الجانب الفكري أو‬
‫العقل اإلنساني‪.‬‬
‫إن مبادئ السياسة التي تستند إليها معظم التوجهات والحكومات ‪ ،‬والقيادات متشابهة ‪ ،‬في شكلها الصريح‬
‫‪ ،‬فقد كتبت ذات يوم عن عالقة السياسة بالفلسفة ‪ ،‬عالقتها بالدين ‪ ،‬بالعقل ‪ .‬وجدت أو توصلت بقولي إن‬
‫السياسة هي اإلبن المدلل للفلسفة‪ .‬فأي مبدأ سياسي قائم ما هو إال تعبير بطريقة أو أخرى عن تلك األفكار‬
‫الفلسفية‪.‬‬
‫ربما عندما تقف كإنسان أمام منظر شروق الشمس ‪ ،‬عندما تنظر من مكان عال لمكانة تلك الطبيعة‬
‫الخالبة ‪ ،‬حينها تشعر بتحررك من كافة الضغوط‪ ،‬يزول في تلك اللحظة الرائعة كل شعور القلق والتوتر ‪،‬‬
‫منذ أكثر من خمس سنوات ‪ ،‬عندما أتذكر كيف كنت أفكر آلية المنطق التي كنت أتبعها ‪ ،‬ال أدري إذا كان‬
‫ما أفكر فيه حينذاك حقيقة ‪ ،‬شيئ يصدق العقل به؛ لم أكن مهتما إذا كنت مقتنعا به أم ال‪.‬‬
‫في واحدة من أصعب للحظات حياتي‪ ،‬احتدم الصراع بيني وبين ما يسميه الناس الواقع‪ ،‬إنه ذاك الواقع‬
‫السخيف‪ ،‬الذي ط الما أحبطنا ‪ ،‬الذي زعزع سكينتنا ‪ ،‬لم أكن أحاول عبر تلك اللحظات الزمنية أن أثبت‬
‫ذاتي‪ ،‬أو أقول لمن حولي‪ ،‬إنني هنا‪ ،‬أنا موجود‪ ،‬لم أكن أحاول ذلك أبدا ‪ ،‬ما كنت أحاول فعل ذلك حقيقة ‪،‬‬
‫واسالوا أصدقائي‪ ،‬من درسوا معي في الثانوية عن ما كان يجول في خاطري‪ .‬لم تنفصم أبدا روحي عن‬
‫كياني‪ ،‬وطالما شكال معا إتحاد قويا‪.‬‬
‫ايام قليلة تفصلنا عن نهاية عقد من الزمن ‪ ،‬من حياتنا وتاريخنا‪ ،‬تاريخ هذا العالم ‪ ،‬وهذا الكون ‪ ،‬أشياء‬
‫كثيرة تغيرت ‪ ،‬منذ سبتمبر ‪ ، 2111‬أكتوبر ‪ ، 2111‬ومارس ‪. 2113‬‬
‫(‪)37‬‬
‫مع نهاية العقد هذا ‪ ،‬كنت قد أتممت العشرين من العمر ‪ ،‬بكل ما يعنيه ذلك بالنسبة لواقع اإلنسان‪.‬‬

‫واقع إليم ومحزن ‪ ،‬ليس من جانب الماديات ‪ ،‬أو حالة إجتماعية بائسة ‪ ،‬لكن عندما ال تجد أو عندما تكون‬
‫مقيدا ‪ ،‬أفكارك مبادئك‪ ،‬أو بصيغة أخرى ‪ ،‬ال تستطيع أن تعيش كما تريد ما هي مالمح العقد القادم‪ ،‬ما‬
‫مصير أحالمنا و آمالنا هل توقفت طموحاتنا أم ستتجدد عزيمتنا؟‪.‬‬

‫كل إنسان أ يا كان ال يستطيع إخفاء إنسانيته ‪ ،‬أحيانا كثيرة ‪ ،‬وفي مواقف مختلفة ‪ ،‬تطغى اإلنسانية عن‬
‫باقي صفات الكائنات األخرى المشتركة‪ .‬إن ما نؤمن به شيئ راسخ ‪ ،‬ال يتغير ‪ ،‬مبادئ اإلنسان التي‬
‫أكتسبها ‪ ،‬أو صنعها ستبقى معه ‪ ،‬تلك المبادئ هي التي تحدد إنتماء اإلنسان الحضارية والدينية ‪،‬‬
‫وإنتماءات أخرى مختلفة‪.‬‬

‫ال يوجد في الحياة ما يحرمنا من تحقيق أحالمنا وطموحاتنا ‪ ،‬حتى نهاية اإلنسان ال تعتبر عائقا أمام تلك‬
‫األحالم والطموحات ‪ .‬الفشل لم يكن عذرا لنا لنستسلم ‪ ،‬بل هو دافع حقيقي لإلستمرار‪.‬‬
‫بالنسبة لي فقد فشلت سبعة سنوات في محاولة حل أحد أهم القضايا في حياتي ‪ ،‬شيئا لطالما أبكاني واحزن‬
‫أيامي ‪ .‬لقد فشلت قبل أن ابدأ ‪ ،‬وليتصور اإلنسان معاناة سبعة سنوات برغم الفشل‪.‬‬
‫كنت أحاول من جديد ‪ ،‬أحاول بعدما صنعت من اليأس وقودا ألحالمي ‪ ،‬وطموحاتي لم أكن والزلت ال‬
‫أعلم ‪ ،‬ما إن كنت محقا أم مخطئا‪.‬‬
‫إن حياة اإلنسان كلها للحظات نفيسة غالية ومهمة ‪ ،‬لطالما أردت ان أصيح بأعلى صوتي في أرجاء الكون‬
‫‪ ،‬أعبر عن افكاري ‪ ،‬عن تلك اآلمال والطموحات الكامنة خلف أضالعي‪.‬‬
‫لقد أصبحت االيام قصيرة متسارعة ‪ ،‬تسير وفق بيان رسم مسبقا ‪ ،‬أنتابني الخجل عندما عبرت عن ما في‬
‫قلبي في بعض صفحات هذا الكتاب ‪ ،‬لكنها كانت الحقيقة ‪ ،‬كانت وسيلة ألعالج بها القضايا المختلفة التي‬
‫واجهتني‪.‬‬
‫حتى هذه اللحظة من حياتي ‪ ،‬ال يشكل لي الصعود إلى سطح زحل أو اإلبحار إلى خارج المجموعة‬
‫الشمسية‪ ،‬أو أي تحد آخر ‪ ،‬شيئا من ضرب الخيال‪.‬‬
‫وال زال الوصول إلى قلب من أحببت يمثل لي تحديا ‪ ،‬إنها الحقيقة التي رافقتني‪....‬‬

‫كنت اخجل من تقديم المساعدة لآلخرين ‪ ،‬ليس إال أنني اخشى أن اسبب لهم جرحا ‪ ،‬أو يسيئوا فهمي‪...‬‬
‫ألني في بداية حياتي أخطأت التقدير ‪ ،‬وأحاول اليوم أن أفعل ما أقدر عليه دون أن افتح عينايا‪.‬‬
‫في يوم مضى ‪ ،‬أو سنة مضت ‪ ،‬كتبت بأن مشروعية الوسيلة هي السبيل لتحقيق الغاية المشروعة ‪ ،‬مبدأ‬
‫هام أس تند إليه في كل موقف من المواقف‪.‬‬
‫في جو غريب ‪ ،‬من األدخنة المتصاعدة ‪ ،‬قصف المدافع ‪ ،‬صوت الرصاص ‪ ،‬أزيز محركات الطائرات ‪،‬‬
‫ودوي اإلنفجا رات ‪ ،‬تحت تلك السماء هناك ‪ ،‬ليس في فييتنام ‪ ،‬أو على شاطئ النورماندي ‪ ،‬ليس في‬
‫عاصفة الصحراء ‪ ،‬أو في أرض الصومال ‪ ،‬بل هناك بعيدا ‪ ،‬كانت أحالمنا هناك ال تستطيع الحراك ‪ ،‬ال‬
‫أدري لكني أعتذر عن كل خطأ صدر مني في هذا الكتاب البسيط ‪ ،‬أعتذر ألني لم استطع تقديم األكثر‬
‫واألحسن‪.‬‬

‫أسئلة كثيرة محيرة ‪ ،‬تدور في مخيلة اإلنسان ‪ ،‬ال إجابات ‪ ،‬وال تفسيرات ‪ ،‬وال يوجد من يقدم التعليل‬
‫الصحيح لها‪.‬‬
‫إن التغيير ينبع من الداخل ‪ ، ،‬يأتي من أسفل الجذور ‪ ،‬فاإليمان باهلل والمالئكة والكتب السماوية والرسل‬
‫جزء من ذلك التغيير ‪ ،‬كما اإليمان بالقدر ‪ ،‬إنه قبل أن يكون كذلك هو حل منطقي لمعادلة التاريخ ‪ ،‬فهناك‬
‫قدر يخص الفرد ‪ ،‬وآخر األسرة ‪ ،‬وآخر يخص الشعب ‪ ،‬وآخر يمس األمة والعالم والكون‪ .‬إن تعقيد مفهوم‬
‫القدر أتى من تعقيد هذا الكون الذي ننتمي إليه ‪ ،‬إن القدر جمع بين الحياة والموت ‪ ،‬الخير والشر ‪ ،‬الحق‬
‫والباطل ‪.‬‬
‫لو فكرنا جيدا في معاني القدر ‪ ،‬في معاني الحياة والخير والحق ‪ ،‬والموت والشر والباطل ‪ ،‬لو تمعنا جدا‬
‫في ذلك لوجدنا الكثير من الحقائق‪.‬‬
‫لقد بني الكون على مبدأ التناظر ‪ ،‬عندما نتحدث عن هذا ‪ ،‬فإنه البد من ذكر مبدأ أو مرجع أو مركز‬
‫التناظر‪.‬‬
‫لو أفترضنا ا لكون أنه هو القدر ‪ ،‬هذا يعني أن الكون ما هو إال تعبير عن تناظر معين في تلك االرجاء ‪،‬‬
‫داخل فضاء مغلق تماما كل األشياء متناظرة بالنسبة للمركز‪.‬‬
‫إن الحديث عن ان الشمس مركز للكون يعني أن الضوء هو مركز التناظر ‪ .‬يعني كل هذا أن الماضي‬
‫والمستقبل متناظران بالنسبة للشمس ‪ ،‬إن هذه الفرضيات تعني الكثير من األمور ‪...‬‬
‫إن العقل الخصب ال يتوقف ع ن التصور ‪ ،‬عن التفكير فهو في عمل دائم ومتواصل ‪ ،‬حتى أنه ال يصدأ‬
‫أبدا ‪ ،‬أكون في إستياء دائم ‪ ،‬فقد كنت أطمح دوما ألعيش في جو يخيم عليه الهدوء الشديد ‪ ،‬هناك ذاك‬
‫الجو الذي يساعد على التفكير‪...‬‬
‫فال أحد يستطيع التفكير في جو مليئ بالصخب ‪ ،‬بالفوضى العارمة ‪ ،‬لطالما كانت المدينة كذلك ‪ ،‬صخب‬
‫طوال النهار ‪ ،‬دخان ‪ ،‬حركة ‪ ،‬إزدحام ‪ ،‬إهتزاز دائم ‪ ،‬يحرم عقل اإلنسان من التفكير ‪ ،‬إن العقل لن يفكر‬
‫بمنطق ‪ ،‬بإتزان إال في جو من التوازن‪.‬‬
‫أحاول ‪ ،‬وال أدري ‪ ،‬أح اول بجدية أن اصنع ذاك العالم الخاص بي ‪ ،‬واقع أستطيع أن ابدع فيه ـ أقضي‬
‫طول الوقت أتأمل في الطبيعة ‪ ،‬أقرأ كثيرا ‪ ،‬وافكر لساعات ‪ ،‬إنه حلم رائع بالنسبة لي ‪ ،‬يستحق مني ذلك‬
‫بالفعل‪.‬‬
‫ربما إن مر الوقت ‪ ،‬واألكيد أنه سيمر بسرعة ‪ ،‬بدأت من اآلن في ذلك النمط الجديد‪ .‬كما كنت اقول‬
‫وأتحدث دوما ‪ ،‬إنني صنعت أحالمي لتوصلني للواقع الجديد ‪ ،‬الذي أريد أن أعيش كل حياتي فيه ‪ ،‬واقع‬
‫رسمته سابقا دون أن أنظر من حولي ‪ ،‬دون أن أنظر لذلك الشارع ‪ ،‬لتلك الفوضى ‪ ،‬وذلك الروتين الممل‪.‬‬
‫لست مستعدا ألن أعيش ما تبقى من عمري ‪ ،‬طال أو قصر في خضم معاني جوفاء ‪ ،‬حياة ذابلة ‪ ،‬حياة‬
‫مادية بحتة بالجسد فقط‪.‬‬
‫فاإلنسان مخلوق فضولي يحب أن يكون ‪ ،‬يطمح للتأمل كثيرا ‪ ،‬للرقي بالروح إلى درجات عالية هناك ‪،‬‬
‫كنت أخاطب من حولي ‪ ،‬اصدقائي ‪ ،‬أسرتي‪ ،‬وأقول دوما أن جائع ‪ ،‬أنا جائع ‪! ...‬‬
‫اصبح عقلي يعاني من سوء التغذية‪ ،‬وما أكثر الغذاء ‪ ،‬قبيل بداية العقد الجديد ساتخذ قرارا هاما بشأن كل‬
‫(‪)38‬‬
‫ما أتحدث فيه ‪ .‬إنها مسالة شخصية بين العقل والروح والجسد ‪.‬‬

‫إذا كان الفشل ‪ ،‬كفكرة موجودة في عقل اإلنسان ‪ ،‬كمبدأ من المبادئ األخرى التي يؤمن بها ‪ ،‬فهنا من‬
‫واجبه أن يتخلى عنها ‪ ،‬أن يتخلى عن المبادئ التي ال تحقق أي معنى حقيقي بالنسبة لإلنسان‪.‬‬
‫ما نراه أمامنا ‪ ،‬هو األفكار التي نؤمن بها ‪ ،‬التي تشكل جزءا من كياننا ‪ ،‬أيا كان نمط أو نوع هذا الكيان‪.‬‬
‫في العالم العقلي الخالص ‪ ،‬يموت الشعور بالواقع ‪ ،‬هناك إذن ال واقع ‪ ،‬والإلحساس ‪ .‬إن القلب هو موجه‬
‫للعقل ‪ ،‬هو ذاك الشيئ الوحيد الذي أعتبره حقيقي ‪ ،‬في عالم الالحقيقة ‪ ،‬عندما نتأمل جيدا في تلك المقولة‬
‫" نأكل لنعيش ‪ ،‬أم نعيش لناكل" ‪ ،‬أشياء كثيرة تتبادر إلى ذاك الذهن ‪ ،‬إن حل تلك اإلشكالية هو إجابة‬
‫للتساؤالت المهمة ‪.‬‬
‫لماذا خلقت الطبيعة ‪ ،‬لماذا الجبال ‪ ،‬لماذا االشجار ‪ ،‬لماذا الكائنات ‪ ،‬لماذا الماء ‪ ،‬ال أقصد باإلستفهام‬
‫فيزيولوجيا ‪ ،‬أو آلية ‪ ،‬أو الوظيفة الحيوية لهاته األشياء ‪ .‬بل أقصد شيئا ابعد من ذلك بكثير‪ ،‬شيئ يتجاوز‬
‫خلق اإلنسان ‪ ،‬اعتقد أنها فلسفة في الكون ‪ ،‬عند تطبيق مفهوم الديمقراطية في الكون المذهل نجد هناك‬
‫تناقضا واضحا ‪ ،‬بين الحقيقة والسراب ‪ ،‬إن الكون السحيق ال يخضع لمبدأ الديمقراطية في توسعه ‪ ،‬في‬
‫تناغمه ‪ ،‬في تتابع احداثه وتطورها ‪ ،‬بل التفكير في وجود مبدأ الديمقراطية في نظام عمل الكون ‪ ،‬يعني‬
‫فساد الكون ‪ ،‬وبطالن حقيقة وجوده‪.‬‬
‫إ ن وجود الديمقراطية في السياسة تعني وجود فكرتين مختلفتين على األقل ‪ ،‬يعني انه إذا قبلنا شروق‬
‫الشمس من المشرق ‪ ،‬فعلينا القبول ايضا بطلوعها من المغرب و في علم الرياضيات يعني وجود مقدارين‬
‫مختلفين في اإلشارة أن المحصلة هي العدم‪.‬‬
‫فالكون مبني على مبدأ الفكرة الواحدة ‪ ،‬التي تضمن سير الكون وتناغم مركباته المختلفة ‪ ،‬فوجود الكون‬
‫بكونه حقيقة يدل على ذلك‪.‬‬

‫لنحاول أن نصعد الجبال ‪ ،‬وال نهب ابدا السقوط ‪ ،‬لنتجاوز الحفر ‪ ،‬ونحاول أن نخطوا خطوة لألمام ‪ ،‬ال‬
‫يهم كم خطونا وال في أي إتجاه ‪ ،‬ما يهمنا هو اننا قمنا بالخطوة في محاولة‪ .‬على كل واحد أن يتمسك‬
‫(‪)39‬‬
‫بأحالمه ‪ ،‬ألن اإلنسان ال يملك سواها ‪ ،‬هي سبب الوحيد إلستمراريتنا في الحياة‪.‬‬

‫خالل رحلة اإلنسان الطويلة يستوقفه سؤال محير ‪ ،‬سؤال أساسي وعميق‪ ،‬عن الحياة والموت‪...‬عند‬
‫دراسة التاريخ ليس من جانب علم التاريخ ‪ ،‬فانا أقصد بالتاريخ القدر والكون ‪ ،‬الحياة والموت ‪ ،‬الخير‬
‫والشر ‪ ،‬السعادة والحزن ‪ ،‬نتطرق إ لى حقيقة الحياة ‪ ،‬تلك الدراسة تجعلنا نفهم دورنا فيها ‪ ،‬لماذا وجدت‬
‫هنا في هذا العصر ‪ ،‬وفي هذا المكان‪...‬‬
‫جميع البشر مختلفون ‪ ،‬حتى ذاك التوأم الحقيقي مختلف ‪ ،‬إن جيناتنا تمثل أداة التعريف الوحيدة لنا ‪ ،‬فمن‬
‫خاللها أكتسبنا ذاتنا ‪ ،‬وشخصيتنا ‪ ،‬وأكتسبنا بها نمط تفكيرنا وآلية عمل منطقنا الخاص‪ .‬إن هذا اإلختالف‬
‫هو سبب وجودك ‪ ،‬فكل واحد منا يلعب دورا في الحياة ‪ ،‬دور أختير له بدقة متناهية ‪ ،‬دقة ال مثيل لها‬
‫استندت في التعبير عن نفسها إلى منطق العشوائية المنظمة‪.‬‬
‫إننا ممثلين في حلقة جديدة ال ندري كم عمرها ‪ ،‬نلعب فيها دورنا سواء دور البطولة ‪ ،‬أو دور ثانوي ‪ ،‬أو‬
‫نكون كضيف شرف ‪ ،‬يطل بوجهه على الشاشة ‪ ،‬وسرعان ما يختفي عن األنظار‪.‬‬
‫إنها الحياة بمعانيها المختلفة ‪ ،‬إن المخرج هنا هو خالق هذا الكون ‪ ،‬هو البصير الذي يرصد ادق تفاصيل‬
‫الحياة ‪ ،‬سيناريو محكم ال يقبل الجدل أو التأويل ‪.‬‬
‫إن طموحات وأحالم اإلنسان ‪ ،‬لم تاتي من العدم ‪ ،‬بل هي شيئ مدروس ‪ ،‬شيئ غريب ‪ ،‬تلك األحالم تعتبر‬
‫المتغير في المعادلة الرياضية ‪ ،‬والقدر يمثل ثوابتها الحقيقية‪.‬‬
‫لم يكن الموت الفيزيولوجي سوى أداة ‪ ،‬ينهي بها الممثل دوره ‪ ،‬عندما ينعدم المتغير الرياضي هناك أين‬
‫تنعدم المعادلة‪ ،‬إنها النهاية إنه التناظر في الكون ‪ ،‬مقابل الحياة نجد الموت‪.‬‬
‫عندما يتساوى البعد بين الحياة ومركز التناظر الضوئي ‪ ،‬وبين الموت ونفس المركز‪ ،‬هناك نصل إلى‬
‫حالة العدم الحقيقي‪.‬‬
‫إنها عشوائية منظمة ‪ ،‬خاضعة ألعقد األنظمة الحسابية ‪ ،‬ال أتحدث عن الجبر والهندسة ‪ ،‬ال عن الحساب‬
‫اإلقليدي ‪ ،‬أو الحساب الفضائي‪ ،‬أو الشعاعي ‪ ،‬إنه نظام كوني شامل ‪ ،‬مختلف مرتبط بحياتنا بنمط معيشتنا‬
‫‪ ،‬بسعادتنا بحزننا بكل شيئ مرتبط بنا‪.‬‬
‫كنت أتذكر تلك الليالي الطويلة التي سهرتها ‪ ،‬كنت أعمل بجد وبإخالص‪ ،‬كنت مجتهدا جدا في ذاك‬
‫العمل‪ ،‬كنت أسهر حتى السادسة صباحا ‪ ،‬وأحيانا ‪ ،‬أعمل ليومين متتاليين ‪ ،‬لم أجني في تلك الليالي‬
‫الجميلة وال دينار‪.‬‬
‫كنت هناك في تلك الغرفة ‪ ،‬أمام شاشة الكمبيوتر ‪ ،‬اصمم وأفكر ‪ ،‬ينال مني التعب ويصيبني النعاس ‪،‬‬
‫أفيق بعد للحظات واعود للعمل‪...‬‬
‫عن د صالة الفجر كنت أتجول في المدينة ‪ ،‬كنت أفكر ماشيا‪ ،‬أحلم بما أستطيع أن أقدمه للجزائر ‪ ،‬لم أكن‬
‫أبدا أفكر بما تقدمه هي لي‪.‬‬
‫كانت آمالي وطموحاتي تتعالى‪ ،‬فجأة تصبح شامخة في أعلى السماء ‪ ،‬تجاوزت قامتي وتشامخت فوق‬
‫الجبال‪.‬‬
‫الحقيقة أني لم أحلم لنفسي ‪ ،‬بل حلمت لها ‪ ،‬كنت أغار عليها من كل غريب ‪ ،‬كنت أخاف على أرضها ‪،‬‬
‫بحرها‪ ،‬سماءها‪ .‬كنت أتمنى أن اقول للجزائر تمني وأنا سأحقق لك األمنية ‪ ،‬أو األماني‪.‬‬
‫لم اشأ أن ابيع احالمي لليأس وال أمالي للفشل ‪ ،‬لتكن همتنا عالية في السماء ‪ ،‬ومهما يكن فإن لم نصل‬
‫يكفينا أننا حاولنا حتى حان األجل‪.‬‬
‫لم أكن ألوم ذاك الرئيس ‪ ،‬كنت أستمع بإهتمام بالغ لخطاباته ‪ ،‬كنت بعد كل خطاب أزداد تصميما على‬
‫بلوغ ما اصبوا إليه‪.‬‬
‫لقد دفعني هو نحو األمام ‪ ،‬كنت أدرك جيدا المسؤولية ‪ ،‬ال تستطيع فعل كل شيئ لوحدك ألننا في حاجة‬
‫إلى التجمع ‪ ،‬ليقوم كل واحد منا بما عليه من واجبات ‪.‬‬
‫ليس من المستحيل علينا أن نستوعب هذا العصر‪ ،‬بتكنولوجيا ته ‪ ،‬برقميته بتقدمه بأحالمه وآماله ‪ .‬علينا ان‬
‫ال نفكر أبدا بأن نا في الزمن الخطأ ‪ ،‬أو المكان الخطأ ‪ ،‬ربما لكنا نحن الحقيقة في زمن ومكان الحقيقة ‪.‬‬
‫إن تسارع العالم وتغير هيكلته دليل كاف لنقتنع بأن الوقت قد حان لنقم بما تمنينا أن نقوم به إنها المبادرة‬
‫السالح الحاسم في كل معركة‪ ،‬من هذه اللحظة علينا البدء إنها الحقيقة ‪ ،‬أمامنا مستقبل مشرق في‬
‫(‪)41‬‬
‫إنتظارنا ‪ ،‬لنبتسم للحياة لعل الحياة تبتسم لنا‪.‬‬

‫ليس من نسج الخيال ‪ ،‬ليس من المستحيل أن تجد فالحا بسيطا يقرأ كتابا ‪ ،‬يقرأ مجلة ‪ ،‬يتابع بإهتمام بالغ‬
‫كل ما يجري ‪ ،‬لم يكن ابدا ذلك حلما بعيد المنال‪.‬‬
‫أن أجد عامل البناء ‪ ،‬أو عامل ال نظافة ‪ ،‬أو أي شخص آخر ‪ ،‬يقرأ ويتعلم ‪ ،‬يزداد علمه وتزداد ثقافته ‪ ،‬مع‬
‫كل شعر شيب في رأسه ‪ ،‬لم يكن ابدا عيبا أو جنونا‪.‬‬
‫إن العلم هو من يصنع المال ‪ ،‬هو المصدر الوحيد له ‪ ،‬ال يوجد في هذا الكون شيئ أسمى من العلم‬
‫والمعرفة‪ ...‬نستطيع ان نملك األرض ‪ ،‬كنوزها ‪ ،‬الذهب والفضة أو أي ثروة أخرى ‪.‬‬
‫في الحالة األخر فإننا لن نصل إلى تحصيل كل العلم ‪ ،‬إن علم اإلنسان محدود كما كان عمره دوما محدود‬
‫‪ ،‬طاقة اإلنسان محدودة ‪ ،‬مهما كانت تلك القوة ‪ ،‬إن مقدار الشر الذي يمكن أن يصل إليه اإلنسان ‪ ،‬ال‬
‫يمكن أن يتجاوز الخير الموجود في هذا العالم‪.‬‬
‫لقد بني الكون على مبدأ واحد ‪ ،‬والحب هو أساس هذا الكون ‪ ،‬عندما نستطيع ان نتصور العالقة بين‬
‫أنسجة جسد اإلنسان وبين روح اإلنسان ‪ ،‬ندرك معنى الحب ‪ ،‬معنى ال يمكن ألي شيئ في هذا العالم ‪ ،‬ال‬
‫المجلدات والكتب ‪ ،‬ال الرسا ئل ‪ ،‬ال المسرحيات ‪ ،‬ال الكالم ‪ ،‬أن يعبر عنه ‪ .‬إن مفهوم الحب أكبر ‪ ،‬ذهب‬
‫ليتجاوز اإلنسان ويتجاوز هذا الكون العميق ‪.‬‬
‫ليس عيبا أن تكون غبيا ‪ ،‬عندما ال تدرك الحقيقة ‪ ،‬بل هو كذلك إذا كذبنا على انفسنا وظننا أننا أذكياء‬
‫كفاية ‪.‬‬
‫إن كينونة الكائن البشري‪ ،‬ال تتجلى في منصب هام في الدولة ‪ ،‬كونك رئيس أو وزير ‪ ،‬كونك رجل أعمال‬
‫‪ ،‬أو عالم ‪ ،‬أو استاذ في الجامعة ‪ ،‬تتحقق ذات اإلنسان ‪ ،‬حقيقة عندما يدرك ‪ ...‬عندما يصدق أنه إنسان ‪...‬‬
‫ال شيئ في الكون أو في العالم ‪ ،‬يساوي شعور الفرد بإنسانيته ‪ ،‬يدرك جيدا كم أن قيمته كبيرة ‪ ،‬قيمة لم‬
‫يضعها كائن مثلنا ‪ ،‬بل وضعها خالق اإلنسان‪.‬‬
‫إذا كان اإلنسان عظيما ‪ ،‬كائنا فريدا من نوعه ‪ ،‬فما ظننا ‪ ،‬ما هي تصوراتنا ‪ ،‬أو تخيالتنا في من خلق هذا‬
‫الكائن لم نخلق لنعيش ككائن ‪ ،‬كمخلوق معين ‪ ،‬بل علينا أن نعيش ‪ ،‬أن نكافح من أجل أن نعيش كأناس ‪،‬‬
‫إنسان يفهم سبب وجوده ‪ ،‬سبب كونه إنسانا وليس غير ذلك‪.‬‬

‫عندما نفكر بعمق واسع ‪ ،‬تفكير بعيد ‪ ،‬غير خاضع لتأثيرات البيئة المحيطة بنا ‪ ،‬عندما ننتقل إلى علوم‬
‫الفضاء‪ ، ،‬هناك اين ندرك حقائق مذهلة‪ ،‬إن وجود األرض في الكون في مرتبة محددة ‪ ،‬ودقيقة ‪ ،‬ووجود‬
‫الكواكب األخرى لم يأتي صدفة ‪ ،‬لماذا لو لم يخلق هللا سوى األرض والشمس والقمر ‪ ،‬ما سبب وجود‬
‫الكواكب االخرى ‪ ،‬ما سبب ذلك يا ترى‪ ،‬إن لم يكن ذلك عالقة باإلنسان ‪ ،‬فبمن هي العالقة إذن؟ !‬
‫أسئلة محيرة ‪ ،‬أسئلة هامة ‪ ،‬في الكون ‪ ، ...‬إن الكون ليس خاضعا لقانون عشوائي فارغ المحتوى ‪ ،‬إنه‬
‫خاضع لقانون العشوائية المنظمة ‪ ،‬كما كنت اصطلح دوما على القدر‪.‬‬
‫منذ ثالثة سنوات ‪ ،‬بدأت أدرس هذا القانون ‪ ،‬كنت اربط كل شيئ ‪ ،‬طريقي التي أنتهجها ‪ ،‬وقت االكل ‪،‬‬
‫وقت النوم ‪ ،‬ركوبي الحافلة ‪ ،‬ولقاءاتي مع األفراد‪.‬‬
‫كنت اربط حياتي بكل شيئ ‪ ،‬بكل ما يحدث كنت أحاول ان أفهم ما يحدث ‪ .‬إن للحظة وقوفك ‪ ،‬في مكان‬
‫وقوفك ووضع وقوفك ‪ ،‬شيئ محدد ‪ ،‬ليس خاضعا لقانون الجاذبية أو النسبية ‪ ،‬بل كالهم جميعا خاضع‬
‫لذلك القانون الرياضي ‪...‬‬
‫ربما سنصل إليه في يوم ‪ ،‬ال أقول صياغة كلية للقانون ‪ ،‬لكن يمكن أن نحدد بعض ثوابت تلك المعادلة‬
‫المعقدة ‪ ،‬التي ال تنتمي ألي نظام حسابي ‪ ،‬أو دالي أو للوغارتيمي أو إحتمالي‪.‬‬

‫إن إكتشافاتنا العلمية خالل القرن العشرين ‪ ،‬ماهي إال ترجمة أو عملية إندماج للنتائج واألفكار‬
‫والنظريات التي كانت موجودة قبل ذلك‪.‬‬

‫إن العلوم ليست منفصلة ‪ ،‬الرياضيات والفلسفة والطب والفيزياء والجيولوجيا واألدب والموسيقى ‪،‬‬
‫مترابطة ‪ ،‬متناظرة بالنسبة إلى مبدأ معين‪ ،‬يجمع كل العلوم ‪ ،‬في الرياضيات تعرف النقطة في الفضاء‬
‫‪،‬بإحداثياتها أو مركباتها الشعاعية ‪ .‬فعندما نكون مثال ثنائية من الرياضيات والفلسفة ‪ ،‬أو الفلسفة والطب ‪،‬‬
‫فإننا سنكتشف شيئا جديدا‪.‬‬

‫أستطيع تصوير ما يحدث في الكون ‪ ،‬كفضاء شعاعي مغلق‪ ،‬ما علينا سوى أن نعين فيه النقاط إنطالقا من‬
‫تلك اإلحداثيات ‪ ،‬التي تعتبر أداة التعريف الوحيدة‪.‬‬
‫ال توجد في الفضاء نقاط متشابهة ‪ ،‬إن عملية رصد هاته النقاط تعتبر شيئ هام بالنسبة لنا ‪ ،‬لنرى المزيد‬
‫من الحقائق الموجودة التي لم نصل إليها من خالل خيالنا المحدود‪.‬‬

‫في خضم عالم األفكار أتذكر اإلنسانة التي أحبها قلبي اشعر بالبرد الشديد ‪ ،‬بالوحدة شعور مختلف تماما ‪،‬‬
‫كنت احاول أن أتصور ماذا لو كانت اآلن بجانبي ‪ ،‬ماذا سيتغير في حياتي‪.‬‬
‫ما كانت رغبتي في أن أذكر ما احس به في هذه اللحظات لغاية‪ ،‬سوى ألربط بين األحداث ‪ ،‬سوى‬
‫للتأريخ ‪ ،‬ماذا لو لم أكن موجودا ‪ ،‬ما الذي كان سيتغير ‪ ،‬ما مدى تاثيري في هذا المجتمع ‪ ،‬هل لي من‬
‫بصمات ‪ ،‬ربما قد يكون هذا الكتاب المتواضع تلك البصمة ‪ ،‬ربما سيكون حبي لتلك الفتاة هو البصمة ‪ ،‬ال‬
‫أدري أي شيئ سوى أني أعيش ألجل أحالمي البسيطة‪.‬‬
‫ساعات السعادة في حياتنا قليلة ‪ ،‬أيام الحزن كثيرة ومؤلمة ‪ ،‬أشعر خاللها بصداع عميق يصيبني بالقلق‬
‫والتوتر ‪ .‬هل يمكن ان نجعل ايامنا كلها سعيدة ‪ ،‬هل يمكن تحقيق ذلك ‪ ،‬إن ساعات السعادة التي عشناها لم‬
‫تكن عندما أمتألت جيوبنا بالنقود ‪ ،‬عندما حققنا في الح ياة شيئا ‪ ،‬بالنسبة لي كنت أملك بعضا من المال ‪،‬‬
‫يكفي حسب تفكير الناس أن أقضي أسبوعا رائعا ‪ ،‬مليئا باإلنبساط ‪ ،‬بالفرحة‪ ،‬لكن لم تكن كذلك ‪ ،‬كنت‬
‫أطير بالفرحة عندما تبتسم أستاذتي أو أستاذي في وجهي ‪ ،‬كنت أطير بالفرحة حينها ‪ ،‬كنت أفرح عندما‬
‫أصلي صلواتي في وقتها ‪ ،‬كنت في أوج سعادتي عندما أسافر من أجل تلك المحاضرة الثمينة ‪ ،‬كنت‬
‫أتجاوز عن نفسي‪.‬‬
‫كنت أفرح عندما أراها تبتسم ‪ ،‬كنت أحزن عندما أراها ال تهتم ‪ ،‬كنت في سعادة ال تتصور عندما يتعلم‬
‫مني أصدقائي شيئا ‪ ،‬عندما أقدم لهم المساعدة التي طلبوها مني ‪ ،‬بإمكان اإلنسان أن يعيش تلك اللحظات‬
‫الرائعة ‪ ،‬أحيانا في أحالمي كنت أعيش السعادة ‪ ،‬عندما أفيق في الصباح كنت في نشوة من الفرحة و‬
‫السعادة ‪.‬‬

‫لم أكن اعرف عن نفسي ‪ ،‬سوى أني كنت متميز ‪ ،‬لم أتميز بعلمي ‪ ،‬بذكائي ‪ ،‬بل تميزت بتفكيري ‪ ،‬منذ‬
‫خمس سنوات كانت طاقتي موزعة بين عدة أشياء ‪ ،‬بين التفكير‪ ،‬الدراسة ‪ ،‬الحب والعمل‪...‬‬
‫بصدق وبحقيقة ‪ ،‬لقد أخذ التفكير والحب أغلب طاقتي ‪ ،‬شيئ كان يشعرني بأني في عالم مختلف تماما ‪،‬‬
‫حاولت في تلك األيام أن انهي ما أقوم به ‪ ،‬أن اغير توازناتي اإلستراتيجية ‪ ،‬لم أستطع برغم األلم أن‬
‫اتخلى عن تلك المبادئ التي صنعتها لنفسي‪.‬‬
‫اليوم اصبح من المستحيل أن اتغير ‪ ،‬مهما كانت الظروف ‪ ،‬ألنني خضعت لظروف قاسية‪ ،‬لم تحملني‬
‫على التخلي عن أفكاري‪.‬‬
‫أحيانا ال تجلب الحقيقة لنا السعادة ‪ ،‬ألن البعض منا ربط الحقيقة بمصالح القلب ‪ ،‬فالحقيقة ترتبط بالتاريخ‬
‫وبالعشوائية المقننة‪.‬‬
‫تكون أحيانا الح قيقة أمامنا ‪ ،‬لكننا ال نراها ‪ ،‬لم يستطع في تلك اللحظة العقل أن يهتدي إليها ‪ ،‬هنا كان‬
‫(‪)41‬‬
‫وجود القلب ليوصلنا للحقيقة‪.‬‬

‫في آخر الليل عندما ينام الجميع ‪ ،‬عندما تهدأ المحركات ‪ ،‬واألالت ‪ ،‬اين اجد سكينتي ‪ ،‬أجد ذاك الهواء‬
‫الرائع يشعرنا بالراحة بالرغبة في التفكير ‪.‬‬
‫تحدثت مع صديقي عبد هللا ناصر ‪ ،‬قال لي كما أنا قلت له بأ ني ال اشعر بطعم أي عمل أقوم به ‪ ،‬كنت‬
‫ايضا أحس بذاك الشعور ‪ ،‬ملل مسقم ‪ ،‬وشعور متواصل ‪ ،‬بالروتين ‪ ،‬روتين اذهب كل قدراتنا العقلية‬
‫والجسدية ‪ ،‬روتين استعبدنا ‪.‬‬

‫في ميزانية سنة ‪ 2111‬وضعت الدولة ‪ 34‬دوالرا كسعر مرجعي لبرميل النفط ‪ ،‬الذي كان شريان‬
‫اإلقتصاد الوطني ‪ ،‬عندما نتحدث عن التقدم والتطور ‪ ،‬كنا دوما ننسى أساس هذا التقدم ‪ ،‬كعادتنا وكعادة‬
‫من لديه قصر النظر ‪ ،‬من اصاب العطب بصيرته ‪ ،‬كنا ال ننظر أبدا إلى ذاك األساس ‪ ،‬كنا ننظر إلى‬
‫ظاهر االش ياء ‪ ،‬كما كان الشيطان دوما يغرينا ‪ ،‬علماء قليلون من فهموا الدين اإلسالمي ‪ ،‬من أحسنوا فهم‬
‫مقصود القرآن الكريم في خضم العصور التي تلت الصحابة الكرام ‪ ،‬لطالما كان يدعونا لنحرر عقولنا ‪،‬‬
‫وليس لتحرير أجسادنا ‪ ،‬كان يدعونا لنتأمل ‪ ،‬لنفكر‪ ،‬لنعمل ولنجتهد‪ ،‬لنحافظ على الحياة والكون ‪ ،‬كانت‬
‫بالتأكيد هي دعوته ‪ ،‬ولطالما تخاذل الشعب في ذلك ‪ ،‬لطالما لم ينصتوا للقرضاوي ‪ ،‬وللغزالي لطالما‬
‫تجاهلوا علماءنا و مصلحينا ‪ ،‬لطالما فعلوا ذلك ‪ ،‬كالسفاح بدم بارد يردي ضحيته ‪...‬‬
‫أمامكم وأمام هذا العالم أقدم إعتذاري هلل سبحانه وتعالى ‪ ،‬إعتذاري لمحمد صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬بإيمان‬
‫صادق وقلب خاشع‪....‬‬
‫لقد دفعنا الثمن ‪ ،‬من دماء المسلمين ‪ ،‬من كرامة اإلسالم ‪ ،‬من سماحته من سموه ‪ ،‬من وقاره ‪ ...‬دفعنا مئة‬
‫سنة وأكثر من حياة هذه األمة ‪ ،‬دفعنا الثمن من ماليين الضحايا الذين سقطوا بال ذنب ‪...‬‬
‫ال تقولوا فات ال وقت ‪ ،‬أومازال لدينا متسع منه ‪ ،‬ال تخدعوا انفسكم بقول ذلك‪ ،‬لكنه اآلن قد حان لنقم بما‬
‫يجب القيام به‪ ...‬إن الوهن أصابنا في نخاع عظامنا ‪ ،‬لم يكن أبدا متمثال في شحوب على وجهنا أو على‬
‫جسدنا ‪ ،‬لم يكن إحمرار او إصفرار ‪ ،‬لم يكن من ذلك ابدا‪...‬‬
‫إن االرض حين ترانا تبك ي ‪ ،‬إن جبالنا تبكي ‪ ،‬أشجارنا سماءنا ‪ ،‬بحارنا ‪ ،‬وكل ذلك يبكي‪...‬يقولون جميعا‬
‫لنا حان الوقت ‪ ،‬ليقدم كل واحد منكم األفضل ‪ ،‬يقدم ما يستطيع لهذه االمة‪ ،‬إن هانت على اإلنسان نفسه‬
‫فالبد أن ال يهون عليه وطنه أو تهون أمته ‪...‬‬
‫لنحاول وال يهم إن فشلنا ‪ ،‬نحاول اليوم وغدا ‪ ،‬نحاول في كل للحظة ‪ ،‬و بعد كل للحظة ‪ ،‬نحاول دوما بال‬
‫يأس أو تخاذل‪.‬‬
‫صحيح أننا لم نختار أي طريق فيما مضى ‪ ،‬ألننا ألزمنا ‪ ،‬لكن اليوم لكل واحد من خياره ‪ ،‬خلق حرا‬
‫ليختار ما يريد‪...‬‬
‫إن الفشل يخاف المحاولة ‪ ،‬إن اإلخفاق يهاب النجاح ‪ ،‬إن المستقبل يخاف من أحالمنا ‪ ،‬لقد أنتهى التسلط‬
‫انتهى غباءنا ‪ ،‬أنتهى سكوتنا ‪ ،‬أنتهى كل شيئ كان عائقا في وجهنا ‪ ...‬لقد جعلت هذه البلد منا إنسانا كامال‬
‫‪ ،‬إنسان يعيش حياته ‪ ،‬إنسان سيد لمصيره‪.‬‬
‫علينا أن ال نخذلها بقعودنا مكتوفي االيدي ‪ ،‬من النظر إلى السماء وإلقاء اللوم ‪ ،‬ال يوجد لنا اليوم أي مبرر‬
‫‪ ،‬عندما وضعت الجزائر ‪ 34‬دوالر سعرا مرجعيا لبرميل النفط ‪ ،‬كنت أنا قبل ثالثة سنوات وضعت زمنا‬
‫مرجعيا لعمري ‪ ،‬لقد كان أربعون سنة ‪...‬‬
‫أن اعيش اربعون سنة كان شيئا اكبر بكثير من أحالمي ‪ ،‬أل ني لم أكن احسب حياتي بالسنوات ‪ ،‬ال أدري‬
‫كالم آخر سوى اني أريد أن أرى علم وطني يرفرف في كل مكان ‪ ،‬أرى العالم يعيش ذاته واإلنسان يعيش‬
‫إنسانيته‪...‬‬

‫كنت فعال أحس بالملل ‪ ،‬طوال اليوم أمام التلفزيون ‪ ،‬أو الكمبيوتر أو نائما ‪ ،‬كانت بالفعل حياة ميتة ‪،‬‬
‫لطالما أردت أن تكون لي غرفة ومنزل صغير جميل ي طل على الجبال واالشجار ولي نافذة أرى منها‬
‫النجوم والقمر في الليل ‪ ،‬كنت أحلم بذلك ‪ ،‬أن تكون لي صبورة ‪ ،‬أدرس الرياضيات أغوص في ذاك‬
‫العالم االذي تجاوز مفهوم الحقيقة‪.‬‬
‫لطالما كان إسحاق نيوتن ‪ ،‬والخوارزمي ‪ ،‬ومن بقي يمثلون اإلنسان في حقيقته بوجوده ‪ ،‬بكينونته ‪...‬‬
‫لقد استعبدتنا اإلشتراكية ‪ ،‬وقسمتنا الرأسمالية إلى طبقات ‪ ،‬أفكار عقيمة ‪ ،‬جاءت من أعماق اإلنسان‬
‫الشريرة ‪ ،‬لم يكن اإلنسان شريرا بقدر ما كان الشيطان ‪ ،‬بقدر ما كانت صفات كالحسد ‪ ،‬كالمكر‪ ،‬كالخداع‬
‫‪ ،‬كالضغينة ‪ ،‬كالغيرة ‪ ،‬هي من نشرت الشر في جسد اإلنسان‪...‬‬

‫تمنيت أن يكون الليل طويال حتى اعيش ذاتي ‪ ،‬حتى أجتمع مع نفسي ‪ ،‬حتى اخاطب جسدي ‪ ،‬حتى تهدأ‬
‫نفسي ‪ ،‬حتى تقوى عزيمتي ‪ ،‬حتى أتقدم نحو األمام ‪...‬‬
‫لم أكن شاعرا ‪ ،‬لم أكن أديبا ‪ ،‬لم أكن محاميا ‪ ،‬لم أكن مهندسا ‪ ،‬لم أكن ضابطا أو طيارا ‪ ،‬بل كنت دوما‬
‫إنسانا عاقال‪...‬‬
‫أؤمن بالحقيقة أيا كانت ‪ ،‬أكفر بالشيطان واتباعه ‪ ،‬لقد كنت اعيش تلك اللحظات األليمة ‪ ،‬إنها عالقة في‬
‫ذهني عندما ينفصل عقلي عن قلبي ‪ ،‬أفقد السيطرة ‪ ،‬لقد كان الشيطان عدوي والجهل كذلك ‪ ،‬كان العقل‬
‫صديقي ‪ ،‬لم أكن برغماتيا ‪ ،‬الغاية عندي لم تكن تبرر لي الوسيلة ‪ ،‬بل كانت مشروعية الوسيلة هي سبيلي‬
‫لتحقيق الغاية المشروعة ‪...‬‬
‫لست مستعدا ألي نكسة ‪ ،‬لست مستعدا تماما لها ‪ ،‬تساءلت يوما عن العدالة وهل يمكن أن تتحقق كما كان‬
‫الفاروق عمر عادال ‪ ،‬هل يمكن ذلك ‪.‬‬
‫إن التناظر هو جزء من الطبيعة ‪ ،‬وما حدث قبل الف سنة سيحدث في هذه األلفية ‪ .‬يمكن أن يختبر إيماننا‬
‫‪ ،‬يمكن أن يسيطر الشر مدة من الزمن على المعمورة ‪ ،‬لكنه لن يدوم طويال ‪ ،‬ولو طال مئة سنة فإنه‬
‫سينتهي مهما كان الشر كبيرا ‪ ،‬مهما اتسع ‪ ،‬إال أن الخير أكبر وأوسع منه ‪...‬‬
‫إن الحقائق واضحة للجميع ‪ ،‬وإن كنا ال نؤمن بالحقيقة فذاك ليس لزيفها ‪ ،‬أو بطالن وجودها ‪ ،‬لكن ذلك‬
‫ألن مفاهيمنا خاطئة ‪ ،‬إدراكنا قاصر ‪ ،‬فإذا كان إيماننا بأن الغاية تبرر الوسيلة ‪ ،‬فهل نستطيع التمييز بين‬
‫الخير والشر ‪ ،‬بين الحق والباطل‪...‬‬
‫إذا انتهجنا اإلشتراكية ‪ ،‬أو الرأسمالية هل سندركها ال ‪ ،‬ال يمكن إدراك الحقيقة بوسائل باطلة ‪ ،‬هنا‬
‫التساؤل دوما ؟ !‬
‫ال نستطيع العودة للوراء ‪ ،‬لكن يمكننا السير نحو األمام ‪ ،‬لم يكن وجود العقيدة ‪ ،‬إال لحماية اإلنسان ‪،‬‬
‫إلضافة الكمال إلى تصرفاته ‪ ،‬ليس كماال فيزيقيا ‪ ،‬إنه كمال إنساني‪.‬‬

‫إن المفاهيم السياسية والعسكرية ‪ ،‬قبل أن تكون إختراعا إنسانيا هي شيئ موجود في الطبيعة ‪ ،‬كالحرب‬
‫والسالم ‪ ،‬كالديمقراطية والديكتاتورية‪...‬‬
‫أنا شخصيا ال أستطيع أن أقارن بين اإلنسان وبين ثروة تعادل األرض ‪ ،‬بذهبها وفضتها بكل ما فيها ‪ ،‬ال‬
‫أستطيع أن أقارن اإلنسان بسيارة فاخرة مصنوعة من الذهب الخالص ‪ ،‬ال أستطيع ذلك‪.‬‬

‫ال أستطيع أن أشير بأصابعي إلى اإلنسان وذاك الشيئ الجامد الذي ال يؤدي أي معنى غير انه جامد ‪ ،‬هل‬
‫(‪)42‬‬
‫تستطيع أنت أن تقوم بذلك؟‬

‫كل ما أتمناه من الحياة السعادة ‪ ،‬أن تمتلئ قلوبنا بالفرحة وبالسعادة‪ ،‬أن نعيش حياتنا كما يجب أن تكون ‪،‬‬
‫لم أكن رساما ‪ ،‬ولطالما لم أكن أتحصل على عالمات جيدة في الرسم‪،‬‬
‫لكني أردت أن أرسم حياتي ‪ ،‬أن أرسم بيتي ‪ ،‬أن أرسم واقعي ‪ ،‬أن أرسم كل شيئ يتعلق بالمستقبل ‪ ،‬لم‬
‫أشأ أن استورد للوحة فنية أوأن أشتريها من السوق‪...‬‬
‫أردت ولو لمرة في حياتي أن أرسم للوحة ‪ ،‬أدون فيها أضع فيها بصمتي الفنية ‪ ،‬أنظر للحياة من خاللها ‪،‬‬
‫أعيشها كما أريدها‪.‬‬
‫علينا أن نطلق العنان للعقل ‪ ،‬عليه أن يتحرر من كل األوهام ‪ ،‬على العقل أن يثور ‪ ،‬أن يحيا من جديد ‪،‬‬
‫آمنت به ألني أدرك وجوده في كل مكان‪...‬‬
‫كنت أتعلم من الحياة ‪ ،‬تجارب مهمة دوما كانت تضيف لي أشياء كثيرة‪ ، ...‬كنت أنظر في األفق في‬
‫السماء ‪ ،‬لم أكن ارى سوى غيوم قاتمة ‪ ،‬لم أستطع أن أنظر خلفها ‪ ،‬لم أستطع ذلك بالفعل‪ ...‬إن الوجود‬
‫الحسي ال معنى له ال يمثل أي حقيقة ؛ شيئ جامد ال يحمل أي قيمة ‪...‬‬
‫إني هنا أتحدث عن الوجود الروحي ‪ ،‬والوجود العقلي ‪ ،‬هنا أعتقد بإيمان راسخ ‪ ...‬أن الحياة لها معنى‪،‬‬
‫نحن ال نمثل سوى حلول لمعادلة الكون ‪ ،‬أحيانا يمثل الواحد منا حال جذريا للمعادلة ‪ ،‬يعني هذا أن ذاك‬
‫الحل موجود فعال ‪ ،‬سيؤدي إلى تحقق المعادلة‪...‬‬

‫مع تقدم الحياة ‪ ،‬مع كل يوم ينقضي ‪ ،‬ينقص عمرنا ‪ ،‬يزداد إدراكنا للحقائق ‪ ،‬يزداد فهمنا لها وهكذا ‪...‬ال‬
‫أدري لما أصبحت حياتنا عقيمة ‪ ،‬ال نؤدي أدوارنا كما ينبغي ‪ .‬ال أدري ما سيكون عليه العالم ‪ ،‬خالل‬
‫األيام والشهور القادمة أو حتى السنوات المقبلة‪...‬‬
‫ليس عندي أي تصور لذلك كله ‪ ،‬وكل ما أنا مؤمن به أني سأعمل جاهدا ألحقق ذاتي ‪ ،‬ألصنع الواقع الذي‬
‫رسمته على للوحتي‪...‬‬
‫أحالمنا لن تضيع ‪ ،‬وسط هذا الزحام ‪ ،‬لن تضيع أمالنا خلف جدران التخلف ‪ ،‬لن يقف العقل مكتوف‬
‫األيدي ‪ ،‬سيثور ضد كل ما هو غير صادق ‪ ،‬كل ماهو شيب‪.‬‬
‫في أي للحظة قاد مة ستنتهي الحضارة الفارغة ‪ ،‬الحضارة المبنية على الجماد ‪ ،‬ستنهار من أول هزة‬
‫لزلزال مدمر سيغير صورة هذا العالم ‪ ،‬ستبقى الحضارة المبنية على األخالق ‪ ،‬على الحب والتسامح ‪،‬‬
‫على الرفعة ‪ ،‬والسمو‪ ،‬وأؤمن بأنها ستقوم من جديد ‪ ،‬ستكون أقوى من قبل‪...‬‬
‫إن اإليمان بحاجة دائما إلى التجدد ‪ ،‬حتى تستطيع الروح أن تشع طاقتها ‪ ،‬أن تقدم كل ما تستطيع ‪ ،‬أصبح‬
‫كل شيء يمر بتسارع مطرد ‪ ،‬يلمح بإنشطار سريع للعقل البشري‪..‬‬
‫ال أدري طبعا ما ستؤول إليه حياتي ‪ ،‬ال أدري تفكيري اين يتجه ‪ ،‬ال أدرك حقيقة ما أعانيه من آالالم‬
‫حقيقة ال ايقن أي شيئ آخر‪.‬‬

‫اطمح للتغيير ‪ ،‬أحاول الصمود امام العاصفة ‪ ،‬أحاول أن أتعايش مع الواقع ‪ ،‬أحاول جاهدا تحقيق تلك‬
‫األشياء ‪ ،‬أصبحت األفكار التي اؤمن بها أكسجين الحياة ال تستطيع دمائي أن تستغني عنها ‪...‬نبضات‬
‫قلبي تعزف ألحانها على أوتار تلك المبادئ‪ .‬لن يتوقف أي شيئ سيستمر نحو األمام ‪ ،‬سنعيش بجد من أجل‬
‫(‪)43‬‬
‫ما نريد ‪....‬‬

‫مع كل يوم يمر كنت ازداد تصميما على بلوغ الهدف ‪ ،‬كنت في نشوة من السعادة ‪ ،‬عندما أدركت أنه لم‬
‫ي بقى سوى اليسير من الوقت ألحقق اول حلم في حياتي ‪ ،‬كنت مستعدا ألي صدمة ‪ ،‬ألني كنت أؤمن باهلل ‪،‬‬
‫كنت صادقا مع هللا الذي وهبني كل شيئ ‪ ،‬أحمده حمدا يسع الكون كله شكرا له أل نه جعلني إنسانا ‪ ،‬عندما‬
‫نتخذ القرار في للحظة رائعة هناك ستبدأ الحياة الحقيقية‪ ،‬إن وقوفنا أمام القدر يعني الكثير من االشياء لنا‬
‫‪..‬‬
‫أصبح العلم اساس حياتي ‪ ،‬أصبح كل شيئ أعيش من أجله واعيش له ‪ ،‬لم اعد إنسانا فارغا كما كنت ‪ ،‬لم‬
‫أعد من المغفلين ‪ ...‬أخترت العلم ليصلني باهلل ‪ ،‬ليصنع بيني وبينه طريقا مستقيما راسخا ال يتغير‪...‬‬
‫كنت أضحي بقليل من راحتي من أجل أن أحضر تلك المحاضرات القيمة في كلية الطب‪ ،‬باألمس كنت‬
‫أستم ع بصدق وبتركيز متناهي ‪ ،‬كنت أفهم كل ما كان يقوله لنا ‪ ،‬كان االستاذ بوشارب يتحدث معنا بتلقائية‬
‫‪ ،‬يريد أن يقدم لنا ولو القليل ‪ ،‬كان يريد أن يحرك فينا ضمائرنا الجامدة كان يحكي لنا عن حياته مع‬
‫مرضى السرطان كنت أتألم ‪ ،‬كانت الدموع تنزل من جفوني ‪ ،‬كنت ألوم نفسي وأحدثها قائال ‪ ،‬لما ال تقدم‬
‫شيئا جيدا ‪ ،‬لما ال تنقض هؤالء الذين يتألمون‪ ،‬الذين يعانون ال اقول من المرض ‪ ،‬لكن من إهمال‬
‫األطباء‪...‬‬
‫إن الماضي ذهب ولن يعود ‪ ،‬والحاضر هو أول باب لذاك المستقبل ‪ ،‬ال أعتقد بأنه سيكون ألمة ال تقدس‬
‫العلم أي مستقبل ‪ ،‬وجميعنا يعرف بأن أمة ال تحترم العلم ال تعيش حاضرا سعيدا ‪ ،‬ولينظر كل واحد منا‬
‫إلى األمم ‪ ،‬فهي كثيرة أمة تنحني أمام العلم تبجل العلماء ‪ ،‬وتحترمهم أين هي اآلن ‪ ،‬أنظر في السماء ‪،‬‬
‫تجدها نجما لماعا في أعلى السماء ‪.‬‬
‫وأمم اخرى تحتقر العلماء ‪ ،‬تقدس المال ‪ ،‬تنكر العلم أين مكانها ‪ ،‬إنها هناك في ذيل العالم ‪ ،‬ال حاضر‬
‫تعيشه وال مستقبل ينتظرها‪.‬‬
‫كل شيئ حينما بدأ ‪ ،‬أنطلق من العلم ‪ ،‬حتى نشأة الكون جاءت من العلم ‪ ،‬فاهلل عليم بكل شيئ ‪ ،‬هو عالم‬
‫الغيوب ‪ ،‬سبحان هللا وبحمده ‪ ....‬علماءنا األوائل أدركوا الرسالة وفهموا مغزاها ‪ ،‬عملوا من أجل التعلم ‪،‬‬
‫عندما كانوا شبابا ‪ ،‬وبعد ذلك عندما أمسوا شيوخا ‪ ،‬لم يملوا يوما على التعلم ولم يقولوا اف للعلم‪...‬‬
‫أمست أيامنا ال تعد ‪ ،‬ساعاتنا ال تذكر ‪ ،‬كل شيئ اصبح يمر مسرعا كلمح بالبصر مرارة الحياة وآالمها ‪،‬‬
‫جمود أصابنا‪ ،‬حياتنا اصبحت كلها مآسي ‪ ،‬لم يعد ما نتعلمه في ال جامعة يشبع رغبتي ‪ ،‬لقد أصبح شيئا‬
‫غريبا ‪ ،‬ال يرقى لنسميه علما‪.‬‬
‫نشأنا في مجتمع غريب ‪ ،‬ال يقدم لنا التحديات ‪ ،‬ال يثير في نفوسنا حب التطلع الفاق المستقبل ‪ ،‬مجتمع‬
‫منغلق على نفسه ‪ ،‬كبل العقل ‪ ،‬ودفن القلب واإلحساس ‪ ،‬مجتمع ليس ذاك الذي أراده ابن باديس‬
‫واإلبراهيمي ومالك بن نبي ؛ شباب أهدرت طاقته ‪ ،‬ال أحد يدعوه للعمل ‪ ،‬للتحرك ال أحد يدعونا لنستفيق‬
‫‪ ،‬يريدوننا أن نبقى مغفلين كما كانوا هم في تلك األيام‪.‬‬
‫ال أعلم إلى متى سنظل ننتقل من طريق إلى طريق ‪ ،‬واحدة تذهب بنا إلى الشرق واخرى تاخذنا إلى‬
‫(‪)44‬‬
‫الغرب‪.‬‬
‫إن الحياة تحتقر ك ل من يهابها ‪ ،‬تذل كل إنسان جعلها مبتغاه ‪ ،‬وهي عكس ذلك تهاب من يتحداها ‪ ،‬تهاب‬
‫من لم تكن مبتغاه ‪ ،‬لقد غابت روح الوطنية عن أبناء هذا الوطن ‪ ،‬منذ أن استقلت الجزائر بدأت تلك الروح‬
‫الخفاقة في تناقص متسارع ‪ ،‬كان هناك الكثير من المظلومين من فئات هذا الشعب ‪ ،‬كنا مهمشين ‪ ،‬كنا‬
‫نعيش الفقر ‪ ،‬كانت تواجهنا التحديات والصعاب كانت أكبر من كل التصورات ‪ ،‬أشياء لو لم أكن عاقل‬
‫لقلت تلك من الخرافات‪...‬‬
‫ال أنزه هذه األمة ‪ ،‬ال أنزه هذا الشعب ‪ ،‬ال أنزه نفسي ‪ ،‬وأقول ال ذنب لنا ‪ ،‬أتينا إلى هذا العالم ‪ ،‬وليس لنا‬
‫ال حول والقوة‪...‬‬
‫أتحمل أ نا جزءا كبيرا من واقع الحياة الصعب أتحمل المسؤولية كاملة ‪ ،‬مسؤولية اإلحباط والفشل ‪،‬‬
‫مسؤولية الفقر والتخلف‪.‬‬
‫أؤمن باإلختالفات الحاصلة‪ ،‬فهي ضرورة للكون ‪ ،‬لكن إيماني في إيطار العدالة والمساواة‪ .‬إن أصحاب‬
‫القرار في كل بلد مسؤولون عن إثارة اإلحباط في أوساط المجتم ع يحبطوننا بأفكارهم الغبية ‪ ،‬وسياستهم‬
‫العمياء ‪ ،‬إن الكبار دوما كانوامثال أعلى للصغار‪...‬عندما يكون المثل األعلى سيئا‪ ،‬بأخالقه ‪ ،‬غبيا‬
‫بطموحاته وأفكاره ‪ ،‬اليعمل جيدا ‪ ،‬ينهب ثروات األجيال ‪ ،‬يدمر مستقبل األمة‪...‬‬
‫بماذا سيظن الصغار ‪ ،‬فهم قدوتهم ‪ ،‬وهم دربهم ‪ ،‬هم أملهم المنشود‪...‬إن إيماني راسخ وحياتي متجددة‪،‬‬
‫(‪)45‬‬
‫طموح اإلنسان ال ينكسر وأمله الينتهي‪.‬‬

‫ال أستطيع أن أعيش حياتي كما رسمتها في للوحتي ‪ ،‬وشعبي وأهلي وإخواني يعيشون اإلحباط ‪ ،‬أبكي‬
‫وأتألم عندما أرى اليأس متسم على وجوه أصدقائي ‪ ،‬وإخوتي يشكل جزءا من حاضر هذه األمة‬
‫العظيمة‪...‬‬
‫نحن من نصنع الطريق إلخواننا ‪ ،‬نحن من نصنع التحدي في نفوس المواطنين ‪ ،‬ال شيئ يشكل لنا تحديا ‪،‬‬
‫حتى أن نطأ أرض النجوم‪ ،‬إن واقعنا اليدل إال عن أن الوقت حان ‪...‬‬
‫كل شيئ بأيدينا ‪ ،‬بإمكاننا أن نصنع المستقبل ‪ .‬إنطالقا من حاضرنا ‪ ،‬وتشبعا بماضينا وتاريخنا‪...‬‬
‫هل شعب الصين أحسن من هذا الشعب ‪ ،‬هل أمة اليابان ‪ ،‬أو كوريا أو سنغفورة ‪ ،‬هل الشعب األمريكي أو‬
‫البريطاني أو األلماني أو الهولندي أرقى من هذا الشعب‪...‬‬
‫الحقيقة هي أننا أرقى من الجميع ‪ ...‬نعيش بروح وجسد عقلنا خصب إذا أعطيناه اإلشارة ‪ ،‬ألرتفع بنا إلى‬
‫أعالي السماء‪...‬‬
‫إن بيننا عمل مشترك ‪ ،‬حاضر مشترك ‪ ،‬واقع مشترك ‪ ،‬مستقبل مشترك ‪ ،‬تاريخنا مشترك ‪ ،‬كفاحنا‬
‫مشترك ‪ ،‬دم مشترك‪ ،‬ماذ يمكننا أن نسمي كل هذا ‪...‬هل نحن مجرد أصدقاء بإيمكاني التحدث ‪ ،‬بإمكاني ‪،‬‬
‫بإمكاني أن اقول دون تردد إننا اكثر من إخوة‪...‬‬
‫عندما نتحدث ع ن الشعب ‪ ،‬ال نقول فئات أو طبقات بل نقول أمة ‪ ،‬إنها أمة حقيقة رائعة ‪ ،‬لها ارض ‪ ،‬لها‬
‫تاريخ ‪ ،‬لها دستور ‪ ،‬لها مبادئ ‪.‬‬
‫ال تستطيع الحكومة أن تصنع كل شيئ لهذا الشعب ‪ ،‬الحكومة ما هي إال مجرد راع وحامي لهذا الشعب‪.‬‬
‫تستطيع أن تقوم بواجبها ‪ ،‬أن توفر للشعب السكن والماء والتعليم والعناية الطبية ‪ ،‬وأن تحمي المواطنين‬
‫وتسهل لهم حياتهم‪...‬‬
‫إن الحكومة تشيد‪ ،‬تبني المراكز ‪ ،‬الطرقات ‪ ،‬تسهل الحركة وتحاول تحسين المستوى المعيشي‪...‬‬
‫ليس بإمكانها أن تزرع ‪ ،‬أو تحصد ال تستطيع أن تقوم بالصناعة والتجارة واإلستثمار ‪ ،‬اليمكنها اإلنتاج ‪،‬‬
‫اإلبداع واإلبتكار‪...‬التستطيع بالتأكيد ذلك‪.‬‬
‫إن الشعب واجبه العمل ‪ ،‬واجبه النضال من أجل بناء المستقبل‪ ،‬إذا كنا نناضل من أجل أنفسنا فال داعي‬
‫لذلك ‪ ،‬ألنه إهدار للطاقات ‪ ،‬إهدار للزمن ‪ ،‬إهدار آلمالنا بإمكان هذا الشعب أن يصنع الفارق ‪ ،‬ليست‬
‫أحالم عبثية أو آمال ميتافيزيقية ‪ ،‬إنها حقيقة تتجسد‪...‬‬
‫أقولها بصدق منقطع النظير ‪ ،‬التستطيع حكومة أي شعب أن تفكر في مكان شعبها ‪ ،‬الشعب هو من يفكر ‪،‬‬
‫هو من يصنع اماله ومستقبله الحكومة مجرد حارس للدستور مجرد حامي للنهضة الوطنية ال هذا وال‬
‫ذاك‪...‬‬
‫أنا ال ألوم ذاك الفالح البسيط ‪ ،‬ال ألوم ذاك العامل المسكين ‪ ،‬ال ألوم أحدا ليس من يملك مليار دينار يؤسس‬
‫شركة ‪ ،‬أغلب المستثمرين يؤسسون شركات لإلستيراد ‪ ،‬علينا أن ننتج ‪ ،‬علينا أن نغير الواقع بتغيير‬
‫عقليتنا ‪ ،‬بناء اإلقتصاد الوطني يحتاج لعقل حكيم ‪ ،‬وليس في حاجة لشهوة قلب ‪ ،‬يحاول أن يحقق عوائد‬
‫كبيرة في فترة قصيرة‪...‬‬
‫إن الخلل نابع من تلك األسرة ‪ ،‬نابع من تلك العقول المغلقة‪ ...‬علينا أن ال نقول لدينا كفاءات تعمل في‬
‫الخارج ‪ ،‬فهذا مجرد إستسالم للواقع ‪ ،‬إن قوتنا كلها هنا في هذا البلد ‪ ،‬قوة البلد ليست خارج حدوده إنما‬
‫هي داخل تلك الحدود‪.‬‬
‫ليس من يجوع أو يع رى ‪ ،‬ليس من يتألم ‪ ،‬يخرج للشارع ‪ ،‬يحرق السيارات ويدمر المباني ‪ ،‬أو يخرب‬
‫الممتلكات ‪ ،‬إن جميع ما هو موجود ليس ملكا لنا فحسب ‪ ،‬هو ملك ألجيالنا القادمة‪...‬‬
‫إذا بدأنا من الصفر ‪ ،‬ووصلنا إلى درجة ما ‪ ،‬لما نقوم بهدم كل ما بنيناه ‪ ،‬لما نرغم أبناءنا على البدء من‬
‫الصف ر‪ ،‬إنه حكم غير عادل‪ ،‬إنه حكم جائر وطاغي ‪ ،‬لما نريد لألجيال أن تبدأ من الصفر‪...‬‬
‫من غير المعقول أن نقوم بذلك ونحن موهومين بأننا قدمنا األفضل ‪...‬ما دام هذا البلد ال يتحرك ‪ ،‬فنحن لم‬
‫نقدم شيئا ‪ ...‬اإلنسان سيجني ما زرع أوما زرعه أباءه وأجداده ‪ ،‬واألبناء كذلك واألحفاد‪...‬‬
‫إن المنطق اليبرر لنا أن نستورد غذاءنا وكسائنا ‪ ،‬فهو يبرر لنا أن ننتج ذاك الغذاء والكساء‪ .‬نحن في أمس‬
‫الحاجة لسواعدنا ‪ ،‬لطاقتنا وقدراتنا ‪...‬‬
‫إذا حاولنا فعال التجديد‪ ،‬فليس من المعقول أن نقوم بطالء الواقع ‪ ،‬ومحاولة ترقيع الشيئ كما عهدنا دوما‬
‫في السياسة‪...‬‬
‫علينا أن نغير داخلنا ‪ ،‬ونجددها ‪ ،‬نلغي عقليتنا القديمة الفاشلة التي أصبحت عتيقة وعلينا إعادة البرمجة ‪،‬‬
‫باستعمال للغة منطقية سهلة ‪ ،‬للغة قاعدية ‪ ،‬ليس بإستعمال الباسكال أو الجافا‪...‬‬
‫واجب هذه الحكومة أن تعطي الفرصة لنا ‪ ،‬كما أعطتها ألولئك االغبياء ‪ ،‬تجار حمقى ‪ ،‬حتى التجارة‬
‫ي كمواطن أن أقبل بتقديم أموال الشعب لتلك المؤسسات الخارجية‬ ‫تدخل فيها الوطنية ‪ ،‬ليس من السهل عل َّ‬
‫‪ ،‬مقابل خدمة ال ترقى ألن تكون كذلك ‪ ...‬أقصد ال ينبغي أن نستورد أي شئ وباي ثمن ال نترك لآلخر‬
‫حرية التصرف حسب ما يهوى‪.‬‬
‫بإمكاننا أن نصنع الطائرات والسيارات ‪ ،‬أن نصنع الحاسبات اإللكترونية والهواتف المتطورة ‪ ،‬بإمكاننا‬
‫أن نتداول في البورصة ونوسع اإلستثمار‪...‬‬
‫لن تستعصي علينا هذه التفاهات أيا كانت صورتها أو درجة تقنيتها وتعقيداتها ‪ ،‬دوما أكرر وأقول ليست‬
‫هذه أحالم عبثية أو أحالم شاب طائش‪.‬‬
‫العلم هو من يصن ع الثروة ‪ ،‬يصنع المال يصنع الطاقة ويصنع المستقبل‪...‬العلم ليس تجميال للحياة ‪ ،‬بل هو‬
‫صناعة لها ‪ ،‬هو اساس للحياة‪...‬‬
‫بالعلم واإلرادة يمكننا إحداث التغيير ‪ ،‬والفارق سيظهر عما قريب ‪ ،‬بالعلم نستطيع أن نفصل األنوية ‪ ،‬أو‬
‫أن ندمج بينهما ‪ ،‬بإمكاننا أن نحدث فارقا في الطب دولة وشعب يصنع الدواء ويعالج المرض ‪ ،‬ال‬
‫يرقعه‪...‬‬
‫إن كافة االشياء مترابطة ‪ ،‬إذا قررنا فقط أن نقوم ‪ ،‬سيكون لنا ذلك بالصناعة والزراعة ‪ ،‬بالطب ‪،‬‬
‫باإلعالم والثقافة ‪... ،‬سنتقدم نحو األمام‪...‬‬
‫إن نهضتنا ال بد أن تكون شيئا فريدا من نوعه حتى يمكن أن نحقق الهدف ‪ ،‬الغرب والشرق االدنى ‪،‬‬
‫انصب تركيزهم على الجسد ‪ ،‬نعم طوروا الجسد والمادة لكنها نهضة جوفاء ما تنفك حتى تهوي‪.‬‬
‫فنحن نهضتنا يجب أن تكون مبنية على الروح والجسد حتى يمكننا البقاء في هذا العالم المتغير ‪ ،‬إذا لم نقم‬
‫بالخطوة اليوم ‪ ،‬فلن يحالفنا الحظ يوما آخر ‪ ،‬فحينها ستكون الحضارة أنهارت على نفسها وانهارت‬
‫علينا‪...‬‬

‫إذا طرح اإلنسان سؤاال ‪ ،‬مالحل ‪ ،‬مالسبيل لنحقق شيئا في الحياة ‪ ،‬إن الجواب سهل وممكن واقعي‬
‫وحقيقي ‪ ،‬إنه العمل‪.‬‬
‫العمل الصالح ‪ ،‬والعمل الشريف ‪ ،‬ايا كان هذا العمل ‪ ،‬إذا لم يكن هناك مقابل له ‪ ، ،‬مالذي يجعلنا نتخذ‬
‫قرار ‪ ،‬دون أن ندرك مسبقا أو حتى نتصور عواقب ذاك القرار‪...‬في هذه اللحظات ‪ ،‬كنت تائها ‪ ،‬كنت‬
‫كالغريب في البالد البعيدة ‪ ،‬كنت متوترا بعض الشيئ ‪ ،‬ال أدري ماذا سأفعل‪.‬‬
‫في تلك الليالي الجميلة ‪ ،‬عندما كنت أنظر للسماء ‪ ،‬كان القمر يطل بوجهه الناصع ‪ ،‬كان صديقي الوحيد‬
‫)‪(46‬‬
‫الذي أسهر معه ‪ ،‬الذي أبوح له بخواطري كنت أخبره بكل شيئ‪.‬‬

‫مع كل يوم كان يمر ‪ ،‬كنت أزداد علما ‪ ،‬أزداد يقينا ‪ ،‬بمعنى الحب في الحياة لطالما مثل لي حلم رائع في‬
‫حياتي كلها‪ ،‬لم أكن أتصور حياتي كيف يمكن أن تكون أو إلى ما ستؤول دون شعور بالحب‪ ،‬حب الحياة ‪،‬‬
‫حب الوطن ‪ ،‬حب اآلخرين ‪ ،‬مع كل ذلك كان هناك حبا أقوى من الجميع‪ ،‬شيئ يضيف الكثير للكائن‬
‫العاقل‪ ،‬يرفع معنوياته‪ ،‬ينير له طريقه ويحيي داخل اإلنسان األمل والطموح وحب المستقبل‪...‬ال أريد‬
‫بذاتي لنفسي أي شيئ ‪ ،‬ما أطمح إليه هو من أجل ابنائي ‪ ،‬أن أصنع ألبنائي ولألجيال مستقبال مشرقا‪...‬‬

‫قرأت ذات يوم بعض األفكار العلمية ‪ ،‬عن هذا الكون المذهل والمعجز ‪ ،‬ليس بالعلم وحده نعرف الحقيقة‪،‬‬
‫ليس بالحدس أيضا ‪ ،‬كال األشياء سيصل إلى ما نسميها بالحقيقة‪...‬‬
‫في عالم الحقيقة ‪ ،‬كل االشياء واضحة وملموسة ‪ ،‬ووجود الكون كحقيقة يكفينا لنتحدث عن أن كل ما‬
‫الينتمي لواقع الكون ‪ ،‬أو غير خاضع لقوانينه ‪ ،‬اليعتبر حقيقة ‪ ،‬إنه مجرد شيئ غير موجود ‪ ،‬ال في عالم‬
‫الفيزيقا أو هناك في جو الميتافيزيقا‪...‬‬

‫إن ظواهر الكون ‪ ،‬تسير بإحكام وبدقة بالغة ‪ ،‬ال يستطيع اإلنسان تغيير الحقيقة‪ ...‬اؤمن بوجود هللا ‪ ،‬أؤمن‬
‫بوحدان ية هللا ‪ ،‬أؤمن بالرساالت السماوية ‪ ،‬أؤمن باألنبياء والرسل‪ ،‬وإيماني بهم حقيقة راسخة ال يمكن أن‬
‫تتغير‪.‬‬

‫في للحظات الغضب ‪ ،‬في ساعة من التوتر المفرط واإلضطراب ‪ ،‬أحتوي الموقف ‪ ،‬أحاول السيطرة على‬
‫الوضع ‪ ،‬ألجنب من حولي أثار ذاك الغضب‪.‬‬

‫إن الكون إحتوى أخطاءنا ‪ ،‬فأ خطاءنا لن تؤثر على أشياء خارج هذا الكون ‪...‬‬
‫هناك مفاهيم متشابكة تفسر عالقة الكون بمختلف مركباته ومكوناته ‪ ،‬أعتقد من خالل فكرة اإلحتواء ‪ ،‬أن‬
‫إنهيار الكون أو تطور الكون ليس خاضع ألي مؤثر خارجي ‪ ،‬يمارس ضغوطات معينة ‪ ،‬تفرض‬
‫ترتيبات جديدة للكون‪...‬‬

‫إن عملية الت طور نابعة من داخل الكون ‪ ،‬من خالل تمايز عناصره وتناغمها من خالل تفاعل جميع تلك‬
‫المركبات فيما بينها‪...‬‬
‫إن قضية إنهيار الكون ‪ ،‬مرتبطة أساسا بإنهيار المصفوفة الكونية ‪ ،‬بسبب إنهيار عناصرها الرئيسية أو‬
‫الفاعلة‪...‬‬
‫هناك تفسيرات في هذا المجال ‪ ،‬تشرح بتفصيل أدق جميع تلك األشياء ‪...‬ال أدري إذا ما كان هناك من‬
‫يتفق معي في أفكاري اإلنسانية الواضحة في كل ثنايا هذا الكتاب‪...‬‬
‫إنه واضح وجلي لنا أن كل إنسان له دور خلق من أجله ‪ ،‬بإنتهاء دور اإل نسان في هذا العالم ‪ ،‬سيرحل عنه‬
‫ألنه ال يوجد مبرر إلستمراره ‪ .‬إن تلك المصفوفة ال زمنية المتغيرة ‪ ،‬مكونة من متغير زمني ‪ ،‬ومكاني و‬
‫ثابت‪.‬‬
‫أريد أن أصيح بأعلى صوتي ‪ ،‬في هذه اللحظة ‪ ،‬اصيح وأقول أنا احب تلك الفتاة‪ ،‬أريد أن يسمعني الجميع‬
‫‪ ،‬أريد أن أحرر كل ما بداخلي من توتر وشعور بالضعف ‪ ،‬وشعور القلق‪...‬‬
‫أنا أنتظر وصبري الطويل ‪ ،‬وحياتي بحلوها ومرها ‪ ،‬أنتظر أن يحين الوقت ألخبرها بالحقيقة ‪ ،‬التي ربما‬
‫ال تعرفها ‪ ،‬أو حتى ال تعيها ‪ ،‬حقيقة الحب ‪ ،‬حقيقة سنين طويلة من عمري ذهبت وأنا ال أدري أين أنا ‪ ،‬ال‬
‫أدري هل هي الصحراء الكبرى ‪ ،‬هل سيبيريا ‪ ،‬أم هي صحراء نيفادا‪...‬‬
‫كم كانت سعادتي ‪ ،‬كم كانت تلك الدموع الغ الية ‪ ،‬كم كان مدى إحساسي هناك أين أجلس ‪ ،‬أنظر أتأمل ‪،‬‬
‫إلى تلك الطبيعة الرائعة ‪ ،‬تلك المروج الخضراء ‪ ،‬تلك الجبال الشامخة ‪ ،‬رمز العظمة والكبرياء ‪ ،‬كم‬
‫كانت أمنيتي أن يكون لي منزل صغير يطل على النهر ‪ ،‬على الجبال والغابات ‪،‬يذكرني بأصل في‬
‫األرض مترسخ‪.‬‬
‫إن كل ما أ عانيه كإنسان ‪ ،‬ليس له عالقة بواقع مرير ‪ ،‬أو حياة صعبة ‪ ،‬بقدر ماهو نابع من قلب متعطش‬
‫لألمل ‪ ،‬للحياة ‪ ،‬قلب اشتاق للحب‪.‬‬
‫أحيانا من الوقت ينتابني شعورا بتجمد عقلي ‪ ،‬يمنعني من الكتابة يحرمني من التفكير بسالسة بمنطق‬
‫رياضي وبعقالنية واضحة‪.‬‬

‫بغض النظر عن كل ما قدمته لي الجزائر ‪ ،‬أحبها بغيرة شديدة ‪ ،‬أحبها ألني وجدت في أرضها المرأة التي‬
‫أحببتها ‪ ،‬التي أنزلت من جفوني دموع كثيرة ‪ ،‬التي اشتقت إليها ‪ ،‬وتمنيتها من أعماق كياني ‪ ،‬وذاتي‬
‫البسيطة التواقة لألمل ‪.‬‬

‫ال أدري ما رأي المجتمع في كل ما كتبته ‪ ،‬ال أدري إن كانت التقاليد واالعراف تمنع اإلنسان من الحب ‪،‬‬
‫هل هناك شك في مشروعية الحب النبيل والحقيقي‪...‬ال أعتقد ذلك ‪ ،‬في كل الحاالت‪.‬‬
‫إن مشروعية الوسيلة هي السبيل لتحقيق تلك الغاية المشروعة ‪ ...‬برغم ما أكنه لهذا الشعب ‪ ،‬ولهاته األمة‬
‫‪ ،‬ال يستطيع القلم أن يعبر عن قلبي التستطيع عينايا أن تشرح كم هو غال بالنسبة لي‪...‬‬
‫لكن بيني وبين هذا الشعب سوء تفاهم وحيد ‪ ...‬لطالما التمسته في حياتي كلها ‪ ،‬هل هذا الشعب يعطيني‬
‫)‪(47‬‬
‫الحق في الحب أم ال ‪ ،‬هذا فقط مالم أفهمه منه‪.‬‬

‫أحيانا ينتاب اإلنسان شعور غريب ‪ ،‬عندما يريد البكاء ‪ ،‬فال يستطيع ‪ ،‬إذا اراد أن يضحك أو يفرح فإنه‬
‫اليقدر ‪ ،‬إذا أراد الحزن ‪ ،‬ال يمكنه ذلك ‪ ،‬وإذا أراد أن يمأل الكون نشوة وسعادة يعجز عن فعل ذلك‪.‬‬

‫إنها حياة صعبة ‪ ،‬تفقد أحيانا معناها ‪ .‬ال أدري مالسبب ليكون لإلنسان قلب ‪ ،‬ال أدري لماذا أكره الكراهية‬
‫‪ ،‬أكره الياس ‪ ،‬أكره الفشل ‪ ،‬أحب السعادة ‪ ،‬أحب األخوة ‪ ،‬واحب الصداقة ‪ ،‬أحب اإلنسان ‪ ،‬أحبه كثيرا‬
‫أيا كان هذا اإلنسان ‪ ،‬ايا كان هذا البشر ‪ ،‬أيا كان‪.‬‬

‫كنت أعلم متى يغضب عقلي ‪ ،‬كنت أعلم متى يغضب قلبي ‪ ،‬كنت أعلم كل ذلك ‪ ،‬كان يحس عقلي‬
‫بالغضب ‪ ،‬عندما أجده ساكنا جامدا ‪ ،‬دينامكيته أصبحت مثبطة ‪ ،‬حالته أصبحت متوقفة يفقد الكثير من‬
‫الطاقة ‪ ،‬دون أن يستغلها ‪ ،‬دون أن يستفيد منها ‪...‬‬
‫أفقد معنى حياتي‪ ،‬عندما يتوقف عقلي عن التفكير ‪ ،‬أريده شابا طول األيام ‪ ،‬أريده قويا في سائر األوقات ‪،‬‬
‫أريده أن يكون معي في كل موقف ‪...‬‬
‫ما أكثر األحزان في هاته االيام ‪ ،‬ال يدرك الحزن أو يحس به إال من يفكر ‪ ،‬إال من حاول أن يصرف‬
‫الرجس عن قلبه ‪ ،‬وما قلة االفراح في الدنيا ‪ ،‬سوى خير دليل على أنها ال تساوي جناح بعوضة ‪ ،‬فكيف‬
‫هي عند هللا ‪ ،‬وكيف هي عندنا‪ ،‬ال تعادل الدنيا كلها مثقال ذرة من حزن ‪ ،‬يشعر بها اإلنسان في حياته‪...‬‬
‫لو حاول اإلنسان منا أن ينظر إلى اآلخرين بحب ‪ ،‬وبحنان ‪ ،‬وعطف اإلنسان ‪ ،‬لما نظر إلى أخطاءهم ‪،‬‬
‫ولما رأى عيوبهم ‪ ،‬ولما أدرك منهم سوى الخير والتسامح‪...‬‬
‫ال يوجد في الحياة ‪ ،‬من يحرمني اإلنسانية ‪ ،‬من يحرمني ذاتي ‪ ،‬وحياتي ‪ ،‬ما الذي يشكل لإلنسان تحديا‬
‫في هاته الحياة ‪ ،‬أي األحالم التي لن تتحقق ‪...‬‬
‫ما هي درجة وثوقنا في أحالمنا؟ وفي قدرة الذات اإلنسانية على المغامرة بإستقرارها لمحاولة تحقيق تلك‬
‫األحالم أو الغايات‪.‬‬
‫ليس عندي أدنى شك في حقيقة األحالم ‪ ،‬ما أعنيه أن وجود االحالم ليست صدفة وليس شيئا تقليديا يستقر‬
‫في أرجاء المصفوفة الكونية‪...‬‬
‫هناك ت رابط رياضي بين الواقع الذي نعيشه ‪ ،‬والذي نراه مع كل يوم تطل فيه الشمس ‪ ،‬وبين عالم ال نراه‬
‫‪ ،‬فاعتبرناه عالما خياليا ‪ ،‬هو بعيد كل البعد عن وصف الحقيقة‪...‬‬
‫هناك مفهوم قائم ‪ ،‬يفسر الحقيقة ‪ ،‬بأنها ليست فقط ما نراه في سائر أيامنا ‪ ،‬الحقيقة تكون غير مرئية ‪،‬‬
‫وأغلب الحقائق مجهولة بالنسبة لنا ‪ ،‬وجهل الشيئ ال يعني إنعدامه أو عدم وجوده في األساس‪.‬‬
‫علينا أن نسلم بهذا أو ذاك ‪ ،‬وعلينا اإليمان بأن هناك حقائق غير مرئية لنا ‪ ،‬أدت بنا إلى معرفة أشياء‬
‫)‪(48‬‬
‫مرئية أشياء نسميها واقعا في للغة الواقعيين‪.‬‬

‫شيئ غريب يحدث في المجتمع ‪ ،‬م رض خبيث تجلت لنا مالمحه مع كل موقف صعب يمتحن قدرة‬
‫اإلنسان على التحمل ‪ ،‬على التعامل مع كل المواقف التي تواجه اإلنسان ‪ ،‬لست طبيبا ألشخص المرض ‪،‬‬
‫لست عالما بما يحدث ‪ ،‬لكني ادرك جيدا ‪ ،‬وايقن أن ما يحدث في المجتمع اإلسالمي يدل على تناقض ‪،‬‬
‫وصراع خطير داخل عقل اإل نسان الذي ينتمي إلى هذا المجتمع‪...‬‬
‫لقد استغرقت الحضارة األوروبية المعتمدة في أساسها على المادة ‪ ،‬وقتا قارب القرن من الزمن ‪ ،‬قبل أن‬
‫تبدأ اثار تلك الحضارة تظهر على مالمح المجتمع االمريكي والفرنسي والبريطاني ‪ ،‬تفسخ االسرة ‪،‬‬
‫إ نتشار الجريمة ‪ ،‬األمراض الخطيرة ال تي كان السبب الوحيد وراءها هو غياب العالج الروحي‪.‬‬

‫ال أدري ‪ ،‬ال أستطيع أن اصور ما يعانيه المجتمع اإلسالمي ‪ ،‬في عصر العولمة وفي ظرف عشرين سنة‬
‫فقط بدأ يحدث التفسخ االسري ‪ ،‬تفسخ في المجتمع اإلسالمي ‪ ،‬والسبب هو نفسه ‪ ،‬هو التوجه نحو عالم‬
‫المادة ‪ ،‬المال والسلطة والنفوذ‪ .‬إن البعد عن الدين الذي هو العالج الوحيد للروح اإلنسانية هو الدواء‬
‫للشر اإلنساني ‪ ،‬كان سببا وحيدا لحدوث التفسخ ‪ ،‬وكل واحد منا يعي ما خطورة وآثار التفسخ‪.‬‬
‫كما تحدثت دوما أصور اإلنسان ليس مجرد أنسجة وأعضاء ‪ ،‬ليس مجرد دماء وخاليا وهرمونات‬
‫وبروتينات ؛ اإلنسان هو جسد بروح ‪ ،‬عقل وقلب ‪ ،‬سعادة وحزن ‪ ،‬فرحة وتعاسة ؛ إن اإلنسان ال يدرك‬
‫معنى حياته ‪ ،‬فإدراكه لذلك المعنى سيجعله يفكر كثيرا في واقعه أين ينتمي في هذه المجموعة‪.‬‬
‫إن العبادة جزء هام من وظيفة اإلنسان والعمل كذلك ‪ ،‬أعتقد إعتقادا راسخا بأن وظيفة أي فرد منا‬
‫مرسومة بشكل عام وشامل ‪ ،‬أي العبادة عبادة هللا و معصية الشيطان‪.‬‬
‫هناك أزمة مست الفكر البشري ‪ ،‬واعني هنا اإلنسان المسلم ‪ ،‬أول سبب لتلك األزمة كان انخداعنا‬
‫بالفلسفة ال يونانية الفارغة والمعتقدات اإلغريقية التي عمد المسلمون قديما إلى ترجمتها على العربية‪...‬‬
‫من هناك بدأت مرحلة األزمة ‪ ،‬ولَّدت إنزالق فكري شامل ‪ ،‬ودعم نقص اليقين وكثرة الشبهات ذلك‬
‫اإلنهيار‪.‬‬
‫إن المصفوفة الكونية مبنية على مبادئ معقدة في الرياضيات ‪ ،‬لم يستطع علماء الرياضيات والفيزياء‬
‫وعلوم الطبيعة أن يصيغوا تلك المعادالت وتلك األنظمة الرياضية‪.‬‬
‫هناك في العالم مصفوفة للمجتمع األوروبي ‪ ،‬وأخرى للمجتمع األمريكي ‪ ،‬والمجتمع اإلسالمي ‪،‬‬
‫والمجتمع االسيوي واإلفريقي‪.‬‬
‫هناك رابط مشترك بين كافة المصفوفات ‪ ،‬يتعلق في األساس ويتمثل في اإلنسان بجميع مكوناته األساسية‬
‫أقصد العقل والقلب‪.‬‬
‫بنيت المصفوفة األوروبية واألمريكية واألسيوية على نظام المنطق الواقعي ‪ ،‬وتم فصل الروح والعقل‬
‫والقلب والجسد ‪ ،‬باألحرى تم إلغاء الروح من تلك المصفوفة‪ ،‬ما هو معروف في كل مراحل التطور هو‬
‫وجود حقيقة التوسع أي تضخم المصفوفة ‪ ،‬إن إستمرار إتساع المصفوفة مرتبط بالوقت أو متعلق بثابت‬
‫زمني‪.‬‬
‫إن تماسك مكونات المادة ‪ ،‬شرط أساسي إلستقرارها ووجودها في حالتها الظاهرة‪ ،‬في تلك المصفوفة‬
‫هناك خلل في ذلك النظام ‪ ،‬خلل نجم عن إلغاء أحد مكوناتها وهي الروح‪ ،‬لن تنهار تلك المصفوفة ‪ ،‬إال في‬
‫اللحظة التي تكون هي بحاجة إلى ذاك العضو أو العنصر في الطبيعة‪ .‬عند تحقق ذلك الشرط ستنهار تلك‬
‫المصفوفة بكاملها‪.‬‬
‫عندما نتحدث عن المجتمع اإلسالمي‪ ،‬مجتمع كيف يجب أن يكون ‪ ،‬وكيف هو موجود ‪ ،‬تلك أحد أغرب‬
‫المصفوفات التي صادفتها في حياتي ‪ ،‬مصفوفة منهارة على نفسها ‪ ،‬مبنية على مبادئ خاطئة ‪ ،‬أقصد‬
‫مبادئ في الرياضيات ‪ ،‬كل القوانين التي تحكم تلك المصفوفة ال يعترف العقل الرياضي بوجودها ‪.‬‬

‫ال أهتم كثيرا بالمجتمعات الغربية ‪ ،‬ال أهتم كثيرا باإلنسان األوروبي او األسيوي أو األمريكي ‪ ،‬ما كنت‬
‫أفكر فيه دوما يتعلق بالمجتمع اإلسالمي ‪ ،‬اإلنسان المسلم‪...‬‬

‫ألن المصفوفة الكونية مبنية عليه ‪ ،‬هناك أمر أكيد أن المصفوفة الكونية ستنهار في النهاية في هذه الحالة‬
‫سيكون اإلنهيار مسألة حتمية وسبب ذلك هو غياب المصفوفة الصحيحة‪.‬‬
‫ما أ ريد قصده هو أن المصفوفة الكونية عبارة عن ترابط مجموعة من المصفوفات الصغيرة ‪ ،‬مترابطة‬
‫)‪(49‬‬
‫فيما بينها من خالل عالقة تكاملية وإلزامية‪.‬‬

‫نحن من نصنع القدر وليس القدر من يصنعنا ‪،‬تكون هذه الفكرة صحيحة في وجود شروط واقعية ومنطقية‬
‫واضحة‪.‬‬
‫يمكن تغيير كل شيئ يتعلق بالعالم الذي نعيش فيه ‪ ،‬ال يمكننا إطالقا ومهما سنحت لنا الظروف لن نستطيع‬
‫أن نفسر كل ما يتعلق بواقعنا وبمستقبلنا أو حياتنا ‪ ،‬ال نستطيع أن نفسر ما الذي يجري ‪ ،‬أو تفسير‬
‫األحداث التي تمر علينا في حياتنا‪.‬‬
‫َّ‬
‫لن نتمكن من فهم كل ذلك ‪ ،‬إال بعد وقت أيا كان طوله ‪ ،‬قصير أو طويل ربما لو دونا األحداث كلها ‪ ،‬ربما‬
‫لو أهتم أبناءنا و أحفادنا بالتاريخ ‪ ،‬ربما ألدركوا الحقيقة وربما استطاع الحفيد أن يفسر حياة جده ؛ أهم‬
‫المنعطفات في حياته ‪ ،‬فكره ‪،‬عقليته ‪ ،‬شعوره ‪ ،‬إحساسه ‪ ،‬وعالقة كل ذلك بهذا الحفيد أو ذاك ‪ ،‬في مرة‬
‫أكرر ما قلته دوما ‪ ،‬بأن األحداث مترابطة ومتشابكة ‪ ،‬إن عشوائيتها تصنع تاريخ اإلنسان والشعوب وهذا‬
‫العالم وحتى هذا الكون ‪ .‬ينتابني إحساس بالعجز بعدم القدرة ‪ ،‬بالفشل أحيانا ‪ ،‬فال يمكنني تخيل أي شيئ‬
‫يخص التاريخ ‪.‬‬
‫ال نستطيع التنبؤ بالزلزال ‪ ،‬بالفيضانات ‪ ،‬ال نستطيع توقع ساعة الوفاة ‪ ،‬أو للحظة الميالد ‪ ،‬ال يمكن‬
‫معرفة بدقة حالة الطقس ‪ ،‬بصراحة أكثر ال يمكننا أن نتصور ‪ ،‬أو أن نتخيل ماذا سيحدث غدا‪.‬‬
‫أريد أن اعبر بصراحة وبوضوح عن ما أريد ‪ ،‬وأريد اآلخرين أن يتحدثوا أن يعبروا عن رغباتهم عن‬
‫طلباتهم ‪ ،‬يعبروا عن شعورهم وإحساسهم‪.‬‬
‫لما نكتم ما نحس به ‪ ،‬لما نضغط على أنفسنا ‪ ،‬كل شيئ سيتغير في تلك اللحظة لنستمع لآلخرين ولنقدر‬
‫مواقفهم ‪ ،‬ولنحاول أن نحس بما يعيشون ‪ ،‬وحينها سيسمعنا الناس وسيفهموننا ‪ ،‬كما نحن فهمنا اآلخرين ‪.‬‬
‫في مثل هذا اليوم حدث شيء سيبقى في التاريخ‪ ،‬كما كنت دوما أقول إن القضية ايا كانت هي مسألة وقت‬
‫‪ ،‬وكما بدأ اإلنسان سينتهي ‪ ،‬لقد استطاع الشع ب التونسي ان يرغم الرئيس على التنحي عن السلطة ‪ ،‬إقالة‬
‫الحكومة وتنحي الرئيس زين العابدين بن علي ‪ ،‬وكأن ذلك درس في التاريخ تاريخ يعيد نفسه ‪ ،‬ال‬
‫استطيع سوى أن أقول أن ما عاناه الشعب التونسي من خنق ‪ ،‬من تقييد ‪ ،‬من حرمان ‪ ،‬من ضغط نفسي‬
‫رهيب مارسته السلطة أوصل البالد إلى نقطة إنفجر خاللها كل شيئ‪.‬‬
‫في كل بلد وفي كل عالم ‪ ،‬في كل عصر يجب أن تكون هناك فترة تطهير ‪ ،‬شيئ قائم في التاريخ ‪ ،‬في‬
‫الجزائر ‪ ،‬في أمريكا ‪ ،‬في فرنسا ‪ ،‬في جنوب إفريقيا في إيران ‪ ،‬إلى غير ذلك ‪ .‬فترة صعبة ‪ ،‬فترة مؤلمة‬
‫‪ ،‬قاسية جدا على الشعب واألمة ‪.‬‬
‫بعد كل تلك المآسي التي عانها الشعب الجزائري ‪ ،‬إستعمار مدمر نهب خيرات األمة واألجيال ‪ ،‬استنزف‬
‫طاقات الوطن ‪ ،‬ثم فترة قاسية ‪ ،‬فتنة شهدتها األمة ‪ ،‬امتحنت هذا الشعب ‪ ،‬امتحنت شدة صبره وتحمله ‪،‬‬
‫وحدة صفه وتراص بنيانه ‪ ،‬وبعد كل ذلك تجلت لألمة مالمح النور ‪ ،‬إنها خيوط الفجر ‪ ،‬لقد أشرقت شمس‬
‫الحياة بعدما شك الشعب في وجوده ‪.‬‬
‫يجب أن نحترم أنفسنا أوال ‪ ،‬وفي تلك اللحظة سنحظى بإحترام كل األجيال وبإحترام الشعوب‪ .‬إن بالدنا‬
‫تنتظر رد الجميل ‪ ،‬تنتظر أن نقوم بما علينا كشعب ‪ ،‬علينا أن نعمل بجد وإخالص وبوفاء في سبيل هذا‬
‫الوطن‪.‬‬
‫نحن جميعا حتى هذه اللحظة ‪ ،‬لم نقدم شيئا للوطن ‪ ،‬كشاب كمواطن أقدم إحترامي للدولة الجزائرية‬
‫لحكومتها ولقيادتها‪.‬‬
‫لقد قدمت الدولة كل ما هي قادرة عليه ‪ ،‬لقد أعادت تشييد البنية التحتية ‪ ،‬بناء المدارس والمستشفيات ‪،‬‬
‫الطرقات‪ ،‬السدود ‪ ،‬اإلستثمار في التعليم وفي التكوين‪ ،‬د عمت الفالحة والتجارة والصناعة ‪ ،‬وكل ذلك في‬
‫)‪(50‬‬
‫إيطار القانون ‪ ،‬ال تستطيع الدولة أن تفعل كل شيئ وهذا هو رأيي الشخصي‪.‬‬

‫اشتاق كثيرا لجو هادئ ‪ ،‬هناك أمام البحر أو هناك فوق الصخرة في قمة الجبل أو في حديقة جميلة‪ ...‬كل‬
‫يوم كان يمر كنت في أمس الحاجة لذاك العالم ا لرائع ‪ ،‬سئمت كثيرا من الفوضى من الصراخ من األزيز ‪،‬‬
‫والهدير ‪ ،‬سئمت وهللا ومن كل شيئ عكر علي صفوتي واستقرار المزاج‪.‬‬
‫أسبوعان كامالن كأنهما كابوس مفزع ومزعج ‪ ،‬لقد انهارت معنوياتي وتقوضت عزيمتي ‪ .‬لست أدري ‪،‬‬
‫ما الذي يجري ‪ ،‬أمسيت عاجزا غير قادر على المواصلة ‪ ،‬غير قادر على التفكير ‪ ،‬فهو ثروتي الوحيدة‬
‫التي أملكها ‪ ،‬ال أملك أية سعادة ‪ ،‬حتى الفرحة الوحيدة ‪ ،‬حتى اإلنسانة الوحيدة التي أحببتها والتي تمنيت‬
‫أن تكون معي ‪ ،‬حلمت أن اعيش معها ما تبقى من حياتي ‪ ،‬لم استطع الوصول إليها ‪ ،‬وليتصور اإلنسان‬
‫عندما يفقد كل اسباب السعادة في حياته‪.‬‬
‫لم أكن أحلم بالمال وما كان سيصنع فارقا في حياتي ‪ ،‬مهما كسبت من مال ومهما بلغت ثروتي لن استطيع‬
‫أن أحقق بهما ما أتمناه في حياتي‪.‬‬
‫ال دري في هاته اللحظة‪ ،‬فكرت ما سيكون رد تلك اإلنسانة إذا اخبرتها اني أحبها ما سيكون تصرفها إذا‬
‫عرفت الحقيقة ‪ ،‬هل ستطردني عندما أطرق باب حياتها ‪ ،‬هل سيكون لها تصرف آخر ‪ ،‬ال أدري وال‬
‫أعلم‪.‬‬
‫هل يدرك اإلنسان ‪ ،‬هل تدرك أنت ما تعنيه الدموع ‪ ،‬ما يعنيه بالنسبة لهؤالء البشر‪ ،‬إحساس اإلنسان بأنه‬
‫مسؤول ‪ ،‬يعني إحساسه باأللم ‪ ،‬يعني الشعور بالضغوط ‪،‬الشعور باأللم الجارح بمرارة الحياة ‪ ،‬بغموض‬
‫كل شيئ من حولنا ‪...‬‬
‫ال أدري متى ستشرق الشمس ‪ ،‬ال أدري متى تزول الغيوم ‪ ،‬متى تزرق السماء ‪ .‬اإلنسان ليس شيئا عاديا‬
‫‪ ،‬أو كائنا عاديا ‪ ،‬اإلنسان هو حقيقة ‪ ،‬هو شعور هو إحساس ‪ ،‬هو ألم وسعادة ‪ ،‬بكاء وفرحة ‪ ،‬اإلنسان هو‬
‫)‪(51‬‬
‫روح وجسد‪...‬‬

‫ما هو رأي اإلنسان في العدالة ‪ ،‬ما هو تصوره ‪ ،‬وما هو تفكيره ‪ ،‬وكيف يكون تفاعله عندما نتحدث عن‬
‫العدالة‪...‬‬
‫ال تهمني كثيرا العدالة الفارغة ‪ ،‬وكل ما أهتم به هو العدالة في الكون ‪ ،‬قد يستفسر البعض قد يغضب‬
‫اآلخرون ‪ ،‬قد ال يصدق معظم الناس بأن في الكون عدالة ‪...‬هناك في الرياضيات عندما نبحث ‪ ،‬نجد‬
‫مفهوم التكافؤ ‪ ،‬تساوي مقدارين يعطينا تكافؤ معين ‪ ،‬إن شرط ومبرر صحة المعادلة الرياضية هو تكافؤ‬
‫أو بمعنى تعادل أطرافها ‪ ،‬لن تكون هناك معادلة صحيحة ‪...‬دون تساوي مقاديرها‪.‬‬
‫عندما نتطرق في البحث للحديث عن المصفوفة الكونية ‪ ،‬نجد أن شرط صحتها هو التعادل ‪ ،‬إن التعادل‬
‫هو القوة الوحيدة التي تضمن اإلستقرار والتوازن في الكون والمجرة‪.‬‬
‫هناك تغير منطقي ورياضي سواء كان واضح أو غامض أو مجهول لكل ما يحدث في الواقع ‪ ،‬كل‬
‫األحداث الزمنية والمكانية خاضعة لحقيقة عقالنية ومنطقية متماسكة ‪ ،‬إن الحدث يعبر عنه بإحداثيات‬
‫المكان والزمان للتعبير عن الحدث أيا كان ‪.‬‬
‫إن العدالة في الكون تعني أن يكون لإلنسان حقوق وواجبات ‪ ،‬تتعلق تلك الحقوق والواجبات بطبيعة‬
‫اإلنسان ‪ ،‬بواقع هذا الكائن من جوانب مختلفة ‪.‬‬
‫إن حقيقة وجودك في هذا الكون هي عدالة إلهية ‪ ،‬إن بقاءك حيا حتى هذه اللحظة هو عدالة ‪ ،‬إن الواقع هو‬
‫عدالة ‪.‬‬
‫لإلنسان عقل يفكر به ‪ ،‬وقلب يدرك به ‪ ،‬وحواس لإلستشعار وتنفيذ كل ما تتطلبه منا الحياة كل شيئ في‬
‫الكون له مقدار خاص ال ينقص أو يزيد‪.‬‬
‫قد تلف طعما بصنارة ‪ ،‬ترمي بها في البحر ‪ ،‬فتحصل على سمكة ضخمة ‪ ،‬أو تحاول مرات عدة حتى‬
‫حتى تصطاد سمكا وفيرا‪.‬‬
‫قد تأخذ فأسا ‪ ،‬قد تذهب هناك على الغابة ‪ ،‬قد تجلب حطبا ‪ ،‬فتصنع منه سفينة أو زورقا صغيرا‪ ،‬قد تزرع‬
‫قمحا أو تغرس شجرا ‪ ،‬قد تبني بيتا أو تبيع لبنا ‪ ،‬في تلك اللحظة ما لذي يمكن قوله ‪ ،‬هل هناك عدالة في‬
‫الكون ‪....‬‬
‫ذلك ال يحتاج إلى تفسير ‪ ،‬وال يحتاج أي مفهوم ‪ ،‬فالعدالة قائمة منذ أن قامت السموات واألرض ‪ ،‬إن‬
‫إيماني بالعدالة ليس نابعا من أفكار مكتسبة ‪ ،‬بل أفكار فطرية أؤمن بها ‪ ،‬لو غابت العدالة في داخل الجسم‬
‫العضوي ‪ ،‬ألضطربت وظائف األعضاء ‪ ،‬الضطربت بذلك حياة اإلنسان ومن معه‪.‬‬
‫إن العدالة في المجتمع ‪ ،‬اإلنسان هو من يصنعها ‪ ،‬عندما يكون عادال مع نفسه عندما يكون عادال مع‬
‫اآلخرين عندما يكون متمسكا بأعراف العدالة والمساواة ‪ ،‬ال تستطيع العدالة أن تساوي بين عامل وخامل‬
‫لكنها تساوي في الحقوق العامة والواجبات بين الجميع ‪ ،‬حق المسكن ‪ ،‬حق التعليم ‪ ،‬حق الرعاية ‪ ،‬حق‬
‫الحماية ‪...‬‬
‫إ ن األرزاق ليست متساوية ‪ ،‬ولن تكون كذلك فحظ الطائر في السماء ليس كنصيب الفهد في البراري ‪...‬‬
‫عندما ننظر إلى أنفسنا ‪ ،‬عندما تتأمل جيدا فيما عندك ‪ ،‬تعجز عن التحرك ‪ ،‬ستعجز عن وصف مقدار‬
‫)‪(52‬‬
‫العدالة‪.‬‬

‫هناك في حياتي الكثير من المواقف ‪ ،‬التي لم أستطع ان اواجهها ‪ ،‬دوما في حياتي لم تكن لدي القدرة‬
‫ألشرح لآلخرين الظروف ‪ ،‬ألقنعهم بأسباب فشلي ألبين لهم وجهة نظري ‪ ،‬كنت دوما صامتا ال أستطيع‬
‫النطق ‪ ،‬ليس عجزا ليس فشال لكن لعدم تمكني من إيصال الرسالة ‪ ،‬لعدم تمكني من أدوات الحوار التي‬
‫افتقدتها لتسعة سنوات متواصلة‪...‬‬
‫لم أجد طوا ل سبعة سنوات من حياتي صديقا وفيا أتحدث معه ‪ ،‬سوى تلك األوراق وذاك القلم ‪ ،‬كنت‬
‫أستطيع بالكتابة أن أقنع كل شخص ‪ ،‬لكن بالكالم لم يكن أي شخص آخريستطيع فهمي‪...‬‬
‫لم أستطع التواصل مع أستاذتي ‪ ،‬كنت متألما كثيرا لذلك ‪ .‬كنت دوما اتساءل إن جاءت للحظة اللقاء ماذا‬
‫يمكنني القول للفتاة التي أحبها ‪ ،‬كيف أستطيع أن اشرح ما أعيشه وما أحس به ‪ ،‬كيف يمكنني من خالل‬
‫الكالم أن اوصل لها ما في قلبي‪.‬‬
‫في للحظات اإلحباط في حياتي ‪ ،‬في أصعب للحظات الفشل في التاريخ ‪ ،‬في أهم المواقف الحساسة ‪،‬‬
‫أدرك حاجتي الماسة لها ‪ ،‬تلك اإلنسانة التي أنزلت الدموع من جفني والتي كانت طاقة لحياتي‪ ،‬إن قصة‬
‫الكفاح سنكتبها ‪ ،‬وس تكون حياة اإلنسان مليئة بالنضال‪ .‬نضال وكفاح من أجل القضية ‪.‬‬
‫كنت دوما متماسكا ‪ ،‬أحتوي الوضع واإلنفجار ‪ ،‬أسيطر على الموقف ألمنع إمتداده لكني تعودت على‬
‫المواجهة ‪ ،‬مواجهة الفشل واإلحباط‪.‬‬
‫في ساحة القتال كنت جنديا في المعركة ‪ ،‬أحمل بندقية ‪ ،‬اتقدم أمام خطوط العدو ‪ ،‬خلف خطوط النار‪،‬‬
‫أتذكر وطني ‪ ،‬أتذكر أول حب في حياتي ‪ ،‬أتذكر كل شيئ ‪ ،‬لو كنت جندي سينتابك إحساس الجندية ‪،‬‬
‫)‪(53‬‬
‫معاناة المقاتل في ساحة الحرب‪.‬‬
‫لم أكن في حياتي أنانيا ‪ ،‬لم أكن املك المال والعقار ‪ ،‬كل ما كنت أملكه كان أحالما عظيمة ‪ ،‬لم أحلم‬
‫لنفسي بل حلمت من أجل هذا الوطن ومن أجل هذا الشعب‪ .‬ال تهم الحياة ‪ ،‬إذا لم يكن لإلنسان حلما يعيش‬
‫لتحقيقه ‪ ،‬فهو الهدف الوحيد هنا في هذا الوجود‪.‬‬
‫في مرات كثيرة من تاريخ العالم ‪ ،‬كانت االحالم نقطة التغير في حياة البشر ‪ ،‬حلم الطيران ‪ ،‬حلم‬
‫إستكشاف الفضاء ‪ ،‬حلم اإلنسان اآللي‪...‬‬
‫لو لم يكن هناك في أرجاء العالم من يحلم‪ ،‬لما تحقق شيئا مما نراه اليوم ‪ ،‬إن تلك األحالم الفاصلة لم تكن‬
‫أحالما عادية ‪ ،‬بل كانت أحالما حقيقية ‪ ،‬أحالما عظيمة تفوق تصور كل إنسان عادي‪.‬ال أريد أن أقول‬
‫إنسان عادي أو إنسان عظيم ‪ ،‬بل اإلنسان في حد ذاته معجزة ‪ ،‬لم يكن أحدا من المخلوقات يتصور‬
‫ميالدها‪.‬‬
‫في هذه الحياة حاولت كثيرا أن أتجنب الصراع مع الواقع ‪ ،‬الصراع مع كل ما يسمى بالعالم المادي ‪...‬لكن‬
‫ذاك العالم ترك أثاره في نفسي ‪ ،‬تمنيت أن أبتعد وأن أعيش حياتي كما رسمتها لكن ال شيئ من ذلك تحقق‬
‫‪ ،‬ال شيئ على اإلطالق‪.‬‬
‫إن حياتنا ليست التي نعيشها ألنها ليست الحقيقة ‪ ،‬إن الحقيقة هي حياتنا التي بداخلنا التي أردنا أن‬
‫)‪(54‬‬
‫نعيشها‪.‬‬

‫سؤال مهم ‪ ،‬اطرحه في كل للحظة من حياتي ‪ ،‬في كل موقف أصادفه ‪ ،‬ما غاية وجوي هنا في هاته‬
‫اللحظة ‪ ،‬لماذا أخترت هذه الطريق ولم اختر اآلخرى بالرغم أن كالهما يؤديان إلى المنزل‪.‬‬
‫إن اإلجابة عن هذا السؤال تحتاج إلى كتاب كامل أشرح فيه بتفصيل دقيق الغاية وسبب كل ما يحدث لنا‪.‬‬
‫إن الهدف النهائي للمواقف التي تواجهنا ليست هدفا تافها كما نعتقد على سبيل التقدير ‪ ،‬وجودك في المكتبة‬
‫‪ ،‬عندما تسأل لماذا أنت هنا في المكتبة ستكون إجابتك تافهة بالتأكيد ‪ ،‬إما من أجل كتاب أو إنجاز بحث أو‬
‫المطالعة أو المراجعة أو لقاء مع صديق ‪.‬‬
‫لكن شرح السبب يحتاج إلى فهم ماهية المصفوفة ‪ ،‬المصفوفة الكونية والمصفوفة المفردة ‪ ،‬إن مجموع‬
‫المصفوفات المفردة التي تمثل المصفوفة القارية ‪ ،‬مصفوفة المجتمعات والشعوب‪ ،‬ومصفوفات المادة ‪،‬‬
‫ومصفوفات الكوكب‪.‬‬
‫هناك مصفوفة للمجتمع الجزائري التي هي جزء من المصفوفة الكونية ‪ ،‬وكونك جزائريا فإنك تمثل متغير‬
‫في المصفوفة ‪ ،‬فإذا كان عدد سكان الجزائر خمسة وثالثين مليون ‪ ،‬فإن تلك المصفوفة مكونة من نفس‬
‫الرقم من المتغيرات‪.‬‬
‫كل متغير في المصفوفة خاضع أو يعبر عن معادلة رياضية مكونة من عدة مركبات شعاعية ‪ ،‬مركبة‬
‫زمنية ‪ ،‬ومركبة للمكان ‪ ،‬ومركبة لفيزيولوجيا هذا اإلنسان ‪ ،‬وثابت ‪.‬‬
‫إذا كانت الم صفوفة مجموعة من المتغيرات فإنها في تغير مستمر في محاور الفضاء والزمان‪ .‬في اللحظة‬
‫المعنية ‪ ،‬في المكان المعين ‪ ،‬سيكون لخمسة وثالثين متغير قيمة معينة ‪ ،‬لن تكون القيمة متماثلة ‪ ،‬ألن‬
‫مركبات كل متغير ليست كذلك ‪ ،‬هنا ستكون للمصفوفة في وضع معين في نفس تلك اللحظة داللة‬
‫)‪(55‬‬
‫معينة‪.‬‬

‫في ساعة السقم ‪ ،‬للحظة تتطهر فيها النفس من الخطايا ‪ ،‬ينتاب المرء حينها إحساس بالرغبة الشديدة ‪،‬‬
‫بالحب الشديد ‪ ،‬لكل شيئ أحببناه ‪ .‬في هاته اللحظات كنت أفكر ‪ ،‬كنت أحاول إختبارقلبي ‪ ،‬سألت نفسي‬
‫هل فعال أحب ‪ ،‬هل أنا فعال أعيش في إشتياق لمن أحببت ‪ ،‬حاولت الهروب من السؤال ‪ ،‬حاولت اإلمتناع‬
‫عن اإلجابة ‪ ،‬بصدق منقطع النظير أجاب قلبي ومعه عقلي وكياني ‪...‬‬
‫لم ألتقي بمن أحببت صدفة ‪ ،‬لم تقع عينايا في عين من احب في للحظة عشوائية ‪ ،‬لم أرها صدفة أيضا ‪،‬‬
‫ولم أحب صفة ‪ ،‬كما ان في حياتي ال يوجد ش يئ جاء بالصدفة ‪ ،‬حتى مرضي لم يأتي بالصدفة ‪ ،‬بذلت‬
‫المجهودات ولست ادري ‪ ،‬ما إن كنت بذلت ما يلزم من أجل أن اعيش حياتي مع من أحببت ‪ ،‬المهم في‬
‫تلك اللحظة الرائعة من تاريخ اإلنسان ‪ ،‬أنني حينها مستعد ألتخلى عن كل شيئ ‪ ،‬إذا كنت ميليارديرا فإنني‬
‫سأتخلى عن تلك الماليير ‪ ،‬إذا كنت ذا نفوذ وسلطة فإنني سأتخلى عنهما ‪ ،‬شيئ وحيد ال أستطيع أن أتخلى‬
‫عنه مهما بلغت فرحتي وسعادتي ‪ ،‬ال أستطيع أن انسى أني إنسان ‪ ،‬ال استطيع أن أتخلى عن عقلي‪.‬‬
‫ال أدري ما سبب كراهيتي للمال ‪ ،‬ال ادري حقا السبب ‪ ،‬ما كنت أعرفه أنه عندما كنت طفال كنت أحلم أن‬
‫أصبح رجل أعمال‪.‬‬
‫كما كنت أقول دوما في حياتي ‪ ،‬إن أحالمي ليست لي ‪ ،‬بل هي لهذا الوطن ‪ ،‬وحياتي كذلك ال أملكها ‪،‬‬
‫ومستعد في أي للحظة أن أتنازل عن قلبي لهذه البالد‪...‬‬
‫قد أقول بصدق لتلك المرأة التي أحببتها ‪ ،‬قد أتحدث وأقول لها ‪ ،‬بأنني ملك لهذا البلد ‪ ،‬فأنا ال املك نفسي ‪،‬‬
‫وإن كانت ستقبل بي ال ادري ماذا ستأخذ مني ‪...‬‬
‫دوما في مثل هذه اللحظات الرائعة ‪ ،‬رغم أنها للحظة األلم والمرض ‪ ،‬كنت أدرك حاجتي الماسة لها ‪،‬‬
‫كنت أتمنى من صميم وجداني أن تكون في هذه اللحظات معي ‪.‬‬
‫لن أفكر مرة اخرى في أي شيئ ‪ ،‬وإيماني باهلل راسخ ال يتزعزع ‪ ،‬وإن هزته عواصف فإنه كالنخلة‬
‫الباسقة ‪ ،‬مهما هزتها الرياح من كل النواح فإنها ستبقى صامدة‪ ،‬راسخة كالوتد ‪.‬‬
‫في رحلة البحث عن الحقيقة ‪ ،‬هناك ستكون كجندي في خطوط النار ‪ ،‬ستعيش حينها أصعب اللحظات في‬
‫التاريخ ‪ ،‬الم ومآساة ‪ ،‬صبر ونضال ‪ ،‬كفاح متواصل من أجل تحقيق الهدف ‪.‬‬

‫في قصص اإل نتصارات والمعجزات ‪ ،‬الشيئ يتحقق بالقوة الشيئ يأتي من العدم ‪ ،‬أساس الحضارة ليس‬
‫المال ‪ ،‬ليست القوة أو العتاد أو السالح ‪ ،‬إن أساس بناء الحضارة هو أساس قيام اإلنسان !‬
‫قد يتمكن العلم من بناء شبيه باإلنسان ‪ ،‬إنسان آلي قد يستطيع أن يجعل له ذكاء خارق ‪ ،‬يفوق ماليين‬
‫أضعاف قدرة اإلنسان ‪ ،‬يستطيع الروبوت القيام بأعقد المهام في اللحظة التي يعجزعنها اإلنسان ‪.‬‬
‫لو نظرنا إلى ما نراه اليوم أمامنا من طفرة في تكنولوجيا النانو والفيمتو وآثارها في حياة اإلنسان ‪ ،‬وقدرة‬
‫الذاكرات التي تجاوزت التيرا بعدما كانت في عشر سنوات مضت ال تتجاوز بعض الجيغات‪.‬‬
‫لن يستطيع كل ذلك وما هو آت أن يضاهي أو حتى يقارن بنحلة أو بعوضة أو حتى نملة ‪ ،‬ما بالك‬
‫اإلنسان‪...‬‬
‫بعدما اصبح اليوم اإلنسان رخيصا ‪ ،‬فبدوالر واحد كم أزهقت من روح ‪ ،‬ثمنا لرصاصة غادرة أطلقها‬
‫إنسان شرير ‪ .‬ال نستطيع سوى أن نصفه بالحجرة الصماء التي ال إدراك لها أو حتى إحساس‪ .‬إن مجتمعنا‬
‫اإلسالمي بعد كل ما حدث ‪ ،‬ال يفهم معنى مجتمع إسالمي ‪ ،‬اليفهم كيف تبنى الحضارة ‪ ،‬لقد اصبح كل‬
‫مسلم هدفا أو أولوية قصوى للقلوب المريضة وكل نفس شريرة ‪..‬‬
‫إن الحضارة قبل كل شيئ ال تبنى باألالت ‪ ،‬فهي مجرد آلة أو وسيلة لتطبيق االفكار االساسية لبناء هاته‬
‫الحضارة أو تلك‪.‬‬
‫إن الروح الطاهرة والقلوب الصافية والفكر الواعي هو شرط بناء الحضارة ‪ ،‬فنحن ال نعرف في هذا‬
‫الوجود أي شيء‪.‬فإما أن تكون عقو لنا متفتحة ومنارة بالقرآن والسنة بأخالق اإلسالم وفضائله ‪ ،‬أو نكون‬
‫غير ذلك ‪ ،‬مجتمع جاهل متخلف ‪ ،‬نائم ‪ ،‬غافل‪.‬‬
‫ال تظن نفسك أنك خال من كل مسؤولية ‪ ،‬ما دمت مسلم ‪ ،‬فأمامك مسؤولية ‪ ،‬ايا كان مقدار المسؤولية ‪،‬‬
‫وليكن لإلنسان هدف يستحق العيش من أجله‪.‬‬
‫إن اساس الحضارة هو العل م واألخالق ‪ ،‬العدالة والعمل ‪ ،‬التحدي والتصميم ‪ ،‬اإليمان بالقضية وإحترام‬
‫وتقديس الواجب‪.‬‬
‫قلت ذات يوم أن من ال يحترم الوقت ال يحترمه النجاح ‪ ،‬من اليحترم نفسه ال يحترمه اآلخرين ‪ ،‬إن‬
‫إحساسي بشروق الشمس يتزايد وآملي عاد للحياة منذ أن ولدت‪...‬في يوم ما ستصبح األحالم حقيقة ‪ ،‬في‬
‫)‪(56‬‬
‫تلك اللحظة سنصبح كما كان أجدادنا ‪ ،‬رواد العالم والحضارة‪.‬‬

‫ال أدري ماذا كان هناك أو هنا في هذا المكان الذي أنا جالس فيه قبل ألفين وأحد عشرة سنة‪ ،‬من الذي كان‬
‫موجودا ‪ ،‬وماذا يفعل ‪ ،‬هل كان ليال أو نهارا ‪ ،‬أو ماذا‪...‬‬
‫إنه التناظر بالنسبة للزمن ‪ ،‬فإذا سألنا ما هو الزمن هل هو جامد أو ثابت ‪ ،‬فالزمن هو مجرد إصطالح‬
‫لتفسير حركية الكون وكل ما ينتمي إليه ما الذي سيكون في نفس المكان والزمان بعد ألفين وأحد عشر سنة‬
‫عندما نكون في سنة ‪.4122‬‬
‫لو تأملنا جيدا في التاريخ الميالدي والتاريخ الهجري ‪ ،‬لو وقفنا جيدا فيهما ‪ ،‬ستتجلى لنا أشياء كبيرة وفي‬
‫غاية األهمية ‪ ،‬ماذا لو نظرنا إلى ‪ 11‬والسنة ‪ 21‬ميالدية فالعشرين هي ناتج لضعف العشرة وكما قلنا‬
‫سابقا أن ‪ 4122‬هي ضعف ‪ ، 2111‬كما أننا ال نستطيع أن ندرك أو نعيش لنشهد ذاك العصر‪.‬‬
‫لكن ما عاش في السنة العاشرة سيدرك الس نة العشرين ‪ ،‬وهنا ماذا لو طرح على نفسه هذا السؤال ‪ ،‬ما‬
‫الذي يحدث أو سأكون عليه في السنة العشرين ‪.‬‬
‫وكذلك االمر بالنسبة للسنة الهجرية ‪ ،‬أسئلة محيرة ‪ ،‬ما أعتقده أنه لم يكن ذلك صدفة أو عبثا ‪ ،‬بل يحمل‬
‫خلف طياته أمورا شديدة اإلبهام‪.‬‬
‫ما هي النظرية التي تحمل أكبر نسبة بإحتمال صحتها ‪ ،‬حول تطور هذا الكون وآلية تضخمه وتناغمه ‪،‬‬
‫وإلزامية إنهياره ‪.‬‬
‫عند اقتراح وطرح فرضية أنه في اللحظة صفر حدث اإلنفجار العظيم وكانت بداية الكون ‪ ،‬فمبادئ العقل‬
‫الرياضي لن تقبل بإلزامية انهيار الكون وعودته إلى للحظة البدء إال في شرط وجود مركز للتناظر وهذا‬
‫يعني أن اللحظة الصفر التي تدل على حالة الكون عندها ستكون نظيرة اللحظة الزمنية الالنهائية بالنسبة‬
‫لمركز الكون والتي تعبر حينها أن حالة الكون النهائية هي نفسها حالة الكون اإلبتدائية في اللحظة‬
‫الالنهائية‪.‬‬
‫)‪(57‬‬
‫إن هذه النظرية توضح في طياتها الخفية تشكل الكون ‪ ،‬فهو يتعلق بحالة الكون البدائية والنهائية‪.‬‬

‫في مجلة علمية كتبت مقالة منذ أكثر من أربعة وعشرين سنة ‪ ،‬مقالة علمية عبارة عن بحث شرح فيه‬
‫الكاتب بدقة نظرية تطور الكون منذ اللحظة الصفر التي صادفت اإلنفجار العظيم ‪ ،‬واللحظة النهائية التي‬
‫سينهار فيها الكون إنه اإلنسحاق العظيم‪.‬‬
‫سألت نفسي ما هو السبب الذي كان وراء قراءتي لتلك المقالة ‪ ،‬فذاك ليس شيئا عابرا‪ ،‬تذكرت فيم كتبت‬
‫عن المصفوفة الكونية إذا كان هناك عالقة بين نظريتي والمقالة‪.‬‬
‫إن علمي محدود ‪ ،‬فلم أكن رياضيا أو فيزيائيا ‪ ،‬ولم أكن عالم بأمور الفلك والفضاء ‪ ،‬لكن تفكيري عقالني‬
‫ومنطقي ‪ ،‬هنا في هاته اللحظة ما هو السبب لكل ذلك فأساس العلم هو السؤال ‪ ،‬هو العجز عن فهم‬
‫الظواهر ‪ ،‬كما أن مجموعة من الحقائق ال يمكنها أن تشكل علما ‪ ،‬فسؤال واحد ال يمكن أن يوصلنا إلى‬
‫العلم‪.‬‬
‫أدرك مدى تعقيد نظرية المصفوفة وصعوبة إجراء الح سابات ‪ ،‬واإلستنتاجات قد يطرح اإلنسان سؤاال ‪،‬‬
‫ما عالقتي وكل هذا ‪ ،‬لما ال أعيش الحياة كما هي ‪ ،‬قد ال تجد الجواب أو سيكون صعبا الحديث عنه ‪ ،‬لكن‬
‫ما عالقة كل هذا بحياتنا بواقعنا بمنطقنا ‪ .‬لكن إجابتي بالنسبة لنفسي هي الفلسفة هي السبب في كل هذا‬
‫وذاك‪.‬‬
‫أريد في هذه اللحظة أن اتحرر من الضغوط الصعبة التي أعيشها ‪ ،‬أريد أن أهتم بشيء واحد في حياتي ‪،‬‬
‫ال أريد أي شيئ سوى أن أفعل ما اريد وأفعل ما أراه صحيحا بشرط أن يكون نبيال وصادق في نيته‪.‬‬
‫أحاول أن أتحرر ‪ ،‬أحاول أن أقوم بذلك ‪ ،‬مالذي سيحدث مثال ‪ ،‬لو حدث ذلك ‪ ،‬باألمس عندما أجتزت‬
‫إمتحانا أحسست باإلحباط الشديد ‪ ،‬لعدم تمكني من اإلجابة بشكل صحيح‪ .‬لقد كانت مشكلتي في الحياة أنني‬
‫ال اس تطيع الحفظ ‪ ،‬مهما قرأت الموضوع المعين إال أنني ال استطيع ذلك ‪ ،‬عبر كامل مشواري الدراسي‬
‫لم أكن أحفظ الدروس وإجابتي كانت خالصة ما فهمته في الدرس‪.‬‬
‫لكن في م يدان الطب فالحفظ ضروري للنجاح ولتحقق الغاية ‪...‬كان هذا التحدي الذي أصبح أمامي ‪ ،‬كيف‬
‫أحقق ذاتي ‪ ،‬كيف سأصبح طبيبا‪ ،‬في تلك اللحظة أحسست بإنتهاء كل شيئ ‪ ،‬إنهيار شامل ‪ ،‬لكن مازلت‬
‫النخلة باسقة ‪ ،‬لن تسقط وان آمالتها الرياح من كل النواح‪.‬‬
‫عندما اخترت كلية الطب ‪ ،‬كا ن قلبي يمتلئ بالشوق ‪ ،‬بالرغبة والطمع في أن اتعلم الطب ‪ ،‬بالنسبة لي‬
‫كانت دراسة الطب تمثل لي متعة ‪ ،‬كنت احس بالسعادة والفرحة ‪،‬كنت ادرك فعال ماذا أريد ‪ ،‬إنهزمت في‬
‫أول سنة لي في الطب ‪ ،‬كانت سنة مؤلمة وقاسية ‪ ،‬عندما كنت أفشل في اإلمتحان ‪ ،‬كنت ابكي وكنت أقول‬
‫بأن المرأة التي أحب لن ترضى بي الني فشلت في الطب‪.‬‬
‫سأحاول بجد من أجل أحالمي ‪ ،‬سأقاتل حتى النهاية ‪ ،‬سأحقق لهذا الوطن ماذا خلقت ألؤديه ‪ ،‬فإعتقادي‬
‫الزال راسخا بأنني خلقت ال من اجل شخص أو فرد بل خلقت من أجل هذا الوطن وهذا البلد‪.‬‬
‫ال أدري لماذا ربطت أحالمي بدراستي ‪ ،‬كنت عندما أفشل في الدراسة ايأس وينتابني إحباط بشأن تحقيق‬
‫األحالم‪.‬‬
‫لكن تماسكي ‪ ،‬اليستطيع أي إنسان أن يتصور قدرتي النفسية على التحمل ‪ ،‬إن العلم هو أساس كل‬
‫حضارة ‪ ،‬هو حياة اإلنسان ‪ ،‬فهو خلق ليتعلم كل يوم شيئا جديدا ‪ ،‬طريقا جديدة‪...‬‬
‫في هذا اليوم عندما كنت جالسا في مكتبة الجامعة بخميس مليانة تعرضت لموقف راجعت فيه نفسي ‪،‬‬
‫وأعدت النظر في كينونتي ‪ ،‬عندما طلبت مني زميلتي اإلجابة عن أحد األسئلة ‪ ،‬فقلت لها ال أعلم ‪ ،‬ثم‬
‫ذهبت وعادت بعد دقائق وطرحت علي سؤاال آخر ‪ ،‬لكني قلت لها ال أعلم ‪ ،‬وبعد للحظات أتت طالبة ال‬
‫أعرفها طلبة خدمة بسيطة "إسم كتاب أو رقمه يتناول البيئة والماء" وقلت لها ال أعلم‪ ،‬كان إحساسي حينها‬
‫مروع ‪ ،‬أحسست بأني جاهل ألقصى الحدود ‪ ،‬قلت لنفسي ماذا تعلمت حتى هذه اللحظة ‪ ،‬أدرس في الثالثة‬
‫وال أري سوى اليسير‪.‬‬
‫ال أدري ما هو الهدف ‪ ،‬وما سبب تعرضي لذلك الموقف ‪ ،‬عندما فكرت قليال ‪ ،‬عندما عدت للوراء قليال‬
‫في المكتبة هناك جهتين‪ ،‬عندما دخلت كنت سأتوجه للجزء الواقع في اليسار ‪ ،‬لكني بعد ذلك غيرت رأيي‬
‫‪.‬‬
‫رأيت تسلسل أحداث مر علي كأنها دالة رياضية غير مألوفة‪...‬إنني على يقين ‪ ،‬لو كانت هي معي لتغيرت‬
‫الكثيرمن االشياء ‪ ،‬ربما ستتغير حياتي كلية وهذا أكيد ‪ ،‬سأصبح أعمل ليال ونهارا ‪ ،‬من أجل تحقيق الحلم‬
‫‪ ،‬ألنها كانت تمثل لي طاقة هائلة ‪ ،‬دافعة لألمام‪.‬‬
‫ما حصل في اآلونة األخيرة شيئ غريب يبشر بإنتهاء عصر في تاريخ األمة اإلسالمية‪ .‬أحيانا أنظر‬
‫للتاريخ وأتعجب أ قول سبحان هللا وبحمده ‪ ،‬إن القيادة دورها ال أن تتغذى بدماء وبآمال وبأحالم هذا‬
‫الشعب‪ .‬كنت بإستمرار أشاهد نشرات األخبار الوطنية في التلفاز‪ ،‬أحالم الشعب ليست تلك التي أتمناها ‪،‬‬
‫ليست تلك التي أشتاق إليها ‪ ،‬كانت تصيبني خيبة األمل عندما أرى ما ينقله التلفاز الوطني شيئ تقليدي ‪،‬‬
‫أحس خاللها كأني في بداية القرن التاسع عشر ونحن على مشارف عصر جديد ‪ ،‬عصر النانو والفيمتو ‪،‬‬
‫عصر هندسة الجزيئات وهندسة الذرة ‪ ،‬عصر غير الذي سبق‪.‬‬
‫ما أدعوا إليه من قلبي العولمة اإلسالمية ‪ ،‬أن نصنع عالما واحدا بين المحيط والخليج ‪ ،‬ال حدود وال أعالم‬
‫‪ ،‬عملة واحدة ودستور واحد كيان واحد‪ ،‬أصلي الفجر في الجزائر ‪ ،‬والمغرب في مكة ‪ ،‬والجمعة في‬
‫أندونسيا ‪ ،‬أرى الصحراء جنة ‪ ،‬أرى الحضارة ‪ ،‬أرى المسلمين كما هي حقيقتهم ‪ ،‬قلوب متآلفة وصفوف‬
‫متراصة ‪ ،‬حياة كريمة ورغيدة ‪ ،‬الشيء أجمل من ذلك ‪.‬‬
‫هل هذا مستحيل ؟ ! أمريكا وحدها عولمت هذا العالم باألنترنت وبالتلفزيون بالهاتف وبالمنتجات‬
‫وباللغة‪ ...‬من هم صناع الحضارة ‪ ،‬من هم أصحاب القرار ‪ ،‬من هو الذي يفكر ويعمل‪...‬‬
‫ال أجد ما أقوله ‪ ،‬قبل ثالثة سنوات هناك صممت أن أتزوج ‪ ،‬كنت أعرف حقيقة ما أعيشه ‪ ،‬كنت أدرك‬
‫فعال ما هو الدواء ‪ ،‬ال أريد أن أعيش فردا لحياتي ‪ ،‬ال أريد للحياة أن تفتنني ‪ ،‬ال أريد للشيطان أن يغويني‬
‫‪ ،‬كنت أعرف الطبيب حق المعرفة ‪ ،‬كان رح يما ‪ ،‬كان نورا ‪ ،‬كان هو الشافي كان صبورا عن إهمالي ‪،‬‬
‫كان هو الرزاق ‪ ،‬لم يطلب مني ماال ‪ ،‬بل هو الرزاق ‪ ،‬لم يكلفني السفر إليه فقد بلغ كرسيه السموات‬
‫واألرض ووسع علمه كل شيئ‪.‬‬
‫كان هللا الذي أردت حياتي أن أبيعها له ‪ ،‬وأردت كل شيئ أفعله لوجهه ‪ ،‬حتى ذاك الذي في قلبي كان‬
‫لوجهه ‪ ،‬كان لنيل مرضاته ‪ ،‬ال أحد في هذا العالم يعرف ما في قلبي إال هو‪...‬استغفر هللا من كل ذنب ‪،‬‬
‫وأشعر بالخجل أشعر بالذل والهوان عن كل معصية ‪...‬‬
‫أخطائي كانت نتيجة توتر ‪ ،‬وضعف ‪ ،‬غفلة ونسيان ‪ ،‬في هذه الحياة على اإلنسان أن يصنع حلمه ‪ ،‬أن‬
‫يرسم طريقا لهدفه‪...‬‬
‫ما كتبته كان قليال ‪ ،‬لم يكن مجلدا ولم يكن كتابا من الحجم الكبير لكني حاولت أن أكتب ‪ ،‬أحاول أن أنجز‬
‫شيئا ‪ ،‬أحاول فعل شيئ بسيط ‪ ...‬أحاول اليوم وغداً ‪ ،‬أبني الحياة وأنا راض ألن حياتي هندسها هللا ‪.‬‬
‫في يوم من أيام حياتي ‪ ،‬كنت أتذكر أقرأ وأتعلم من حياة الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وحياة الصحابة‬
‫رضوان هللا عليهم ‪ ،‬كنت أتمنى لو كنت معهم مسلما ومؤمنا أعيش تلك الحياة‪...‬كما أني تمنيت في حياتي‬
‫لو كنت مجاهدا في ثورة التحرير أقاتل المستعمر بقلب ممتلئ بالتحدي باإليمان بحب هللا وحب‬
‫الشهادة‪...‬في تلك اللحظات كنت أدرك فعال أين أعيش ‪ ،‬ال أحاول الهروب من الواقع‪ ...‬فأنا أعيش في‬
‫الحاضر ‪ ،‬وغدا سيأتي المستقبل‪...‬‬
‫فمهمة اإلنسان ال العودة للوراء أو الهروب لألمام ‪ ،‬بل مواجهة الظروف والتحديات التي فرضها الواقع‬
‫على اإلنسان‪...‬‬
‫كنت ألجأ لعالم الكائنات األخرى ‪ ،‬كنت أرى النملة الصغيرة تكافح وتناضل ‪ ،‬تكدح من أجل إيصال‬
‫المؤونة للمخزن‪ ،‬حبة قمح كانت كبيرة على قدرتها لكنها حاولت وتحاول ‪ ،‬حتى وصلت بعد فترة ‪ ،‬لم‬
‫ترمي الحبة ولم تيأس لكنها حاولت مرارا وتكرارا ‪ ،‬واصلت مشوارها حتى وصلت ‪ ،‬ولم تتوقف وقالت‬
‫هنا انتهى دور وعملي ‪ ،‬بل عادت مرة أخرى وحاولت مرة أخرى وجلبت حبة أخرى‪ ،‬نضال مستمر‬
‫وقصة كفاح تنزل الدموع وتلين القلوب المريضة والجامدة يجب أن تتضاعف أحالمنا ‪ ،‬ال يجب أن نحلم‬
‫بصناعة المشروب الغازية ‪ ،‬بل على أحالمنا أن تتجاوز كل شيئ ‪ ،‬نحلم لنحول الصحراء إلى جنة ‪ ،‬نحلم‬
‫لندمج االنوية ‪ ،‬نحلم كيف نهندس الذرات ‪ ،‬نحلم لنزور المريخ وزحل ‪ ،‬نحلم لننشر السالم والتسامح ‪،‬‬
‫نحلم لننشر الحب ‪ ،‬نحلم لنحقق العدالة‪.‬‬
‫اإلسالم هو حضارة القرن القادم ‪ ،‬إن العصر المقبل هو عصر اإلسالم وأبناءه ‪ ،‬في يوم ربيعي جميل ‪،‬‬
‫شمس مشرقة في سماء زرقاء تثير فينا تفاؤل مستمر ‪ ،‬تحس نفسك كأنك أقوى الكائنات في الوجود ‪،‬‬
‫سعاد ة ما فوقها سعادة ‪ ،‬عندما أتذكر أحس بأننا قاد رين على النهوض ‪ ،‬نستطيع أن نثبت ذاتنا في الوجود ‪،‬‬
‫في تلك اللحظة الرائعة ستقف العصافير في السماء ‪ ،‬ستصطف وتقدم لك التحية واإلجالل‪.‬‬
‫تصور ما لذي يمكنك أن تفعله لإلسالم ‪ ،‬إسم يحمل معاني ‪ ،‬إسم يحوي في حروفه أساس الحضارة‬
‫والتقدم‪.‬‬
‫إذا أردت أن تحقق ذاتك فا فعلها اآلن وهذه اللحظة ‪ ،‬ابدأ العمل شكل فريقك وأعمل أسهر الليالي ‪ ،‬تقدم‬
‫نحو األمام وال تيأس في أول عقبة تصادفك ‪ ،‬ال تهتم أبدا بالفارغي ن ‪ ،‬الذين ال حاضر لهم وال مستقبل ‪،‬‬
‫بإيمانك القوي بأحالمك ستحقق ما كنا نراه مستحيال ‪ ،‬وما أنا متأكد منه أنه في العالم الملموس ليس هناك‬
‫ما إسمه مستحيل حتى بناء ذرة أمر ممكن ‪ ،‬لينظر كل واحد إلى هذا العالم ‪ ،‬ما وصلت إليه التكنولوجيا‬
‫شيئ رائع لكن لن نظر إلى واقع اإلنسان ‪ ،‬اين األخالق ‪ ،‬أين الكرم ‪ ،‬أين الوفاء ‪ ،‬أين الصدق ‪ ،‬أين الحب ‪،‬‬
‫أين السالم ‪ ،‬أين التسامح‪.‬‬
‫هل هاته هي الحضارة التي ندعو إليها ‪ ،‬كمبيوتر بحجم كف اليد قادر على تخزين تيرابايت ‪ ،‬وهاتف من‬
‫الجيل الثالث والرابع وطائرة األحالم‪ ...‬إنها المصفوفة الغربية بدأت مالمح إنهيارها تتجلى ‪ ،‬بعد سنوات‬
‫قليلة سينتهي كل ما يستطيع العقل الغربي أن يقدمه هنا في هاته اللحظة سيبطل مبرر إستمرار الحضارة‬
‫‪ ،‬حضارة مادية هيكل اجوف ‪ ،‬ليس له أساس صحيح‪.‬‬
‫بالعلم وباإلسالم الصحيح ‪ ،‬بالعمل المتواصل بالحب واإلحترام ‪ ،‬بالتسامح بالنضال المستمر ‪ ،‬هنا ال أقول‬
‫باإلمكان ‪ ،‬بل أنا متأكد مما أقول ‪ ،‬ستكون نهضة لم يشهد التاريخ لها مثيال أكثر من مليار مسلم يصنعون‬
‫المعجزة يصنعون التغيير يعيدون التاريخ من جديد‪.‬‬
‫كل شيئ موجود في هذا الدين ‪ ،‬حتى الطعام الصحي ‪ ،‬حتى كيف نغتسل حتى كيف نتمشى ‪ ،‬حتى كيف‬
‫نأكل ‪ ،‬حتى العلم كله هناك في ذاك الكتاب ‪ ،‬أليس معجزة‪ ،‬أليس أمرا مذهال ‪ ،‬أن يكون كالم هللا ‪ ،‬أن‬
‫تسمع كالمه يتحدث إليك مخاطبا روحك وقلبك وعقلك ‪ ،‬كالم ليس كمثله شيئ‪.‬‬

‫في المناعة درس مذهل ورائع ‪ ،‬إن الجسم يتقبل ذاته وسيرفض كل ما ال ينتمي إلى العضوية‪.‬‬
‫)‪(58‬‬
‫وكذلك األمر بالنسبة للواقع الذي نعيشه ‪ ،‬كل ما ليس من طبيعة اإلنسان فمآله الزوال ‪ ،‬واإلندثار‪...‬‬

‫في هاته اللحظة الممتلئة ‪ ،‬ما أردت تناسي الصبر ومفهومه ‪ ،‬آثاره في نفوسنا وفي حياتنا‪...‬عندما تصبر‬
‫على ما تحب ‪ ،‬فذاك الشعور حينها ال مثيل له ‪ ،‬تعيش حياتك كلها صابرا مجاهدا ومناضال ‪ ،‬تتحمل آالم‬
‫الفراق ومرارة البعد ‪ ،‬سعادتك هي أنك صابر ‪ ،‬انك لم ترفض هذا الواقع ‪ ،‬ولم تيأس من المحاولة ‪ ،‬تكتب‬
‫بصبرك قصة كفاح يرويها جيل بعد جيل ‪.‬‬
‫لن يتحقق النصر في المعركة ‪ ،‬لن يحقق اإلنسان النجاح ‪ ،‬لن تصل السفينة للشاطئ دون صبر ‪ ،‬فالجندي‬
‫سيتحمل ‪ ،‬سيصبر على شدة الحرب ‪ ،‬الحرائق ‪ ،‬صوت المدفعية ‪ ،‬أزيز المقاتالت ‪ ،‬دوي اإلنفجارات ‪،‬‬
‫تناثر األشالء ‪ ،‬وتمزق األنسجة ‪ ،‬شعور رهيب هناك ‪ ،‬لو انتابك إحساس الخوف وفقدت تركيز وتحمل‬
‫أعصابك ‪ ،‬في هذه اللحظة لن ينتصر ‪ ،‬وكذلك األمر بالنسبة لشخصك ‪ ،‬النجاح ليس كلمة عابرة تنطقها‬
‫األلسن بل هو صبر جميل وطويل ‪ ،‬الصبر على المحاولة ‪ ،‬أن تحاول تحقيق النجاح مهما فشلت فهذا في‬
‫حد ذاته تحمل وصبر ‪ ،‬حتى السفينة في البحر فبدنها يصد ضربات األمواج ويخترق ويزيح أطنانا من‬
‫المياه ‪ ،‬يتحمل ضغط الماء وغدره ‪ ،‬يتحمل ما يحمله من عتاد وسلع و مسافرين‪...‬‬
‫لوال أن السماء تصبر ‪ ،‬لسقطت على األرض ‪ ،‬أو أن القمر سقط علينا أو األرض هربت إلى الشمس ‪ ،‬هل‬
‫تالحظ أن الصبر ليس مفهوما مجردا أو شيئا معنويا ‪ ،‬هو رياضات وقوانين تسيرنا ‪ ،‬تسير الفيزياء‬
‫والكيمياء والجيولوجيا والطب‪.‬‬
‫أ حيانا أخرى يصيبك مكروه ‪ ،‬يصيبك سوء ‪ ،‬فهنا سيك ون الصبر عظيما ‪ ،‬إنه صبر على اإلبتالء ‪ ،‬إن‬
‫الصبر هو واقع إذا انتميت إليه فحياتك ستتجه لإلستقرار ‪ ،‬ستحول معيشتك وآالمك وحزنك وعذابك إلى‬
‫عكس ذلك ‪ ،‬ألن في الكون تناظر ‪ ،‬فعندما كنا نعيش الماضي ‪ ،‬إتجهنا نحو الحاضر الذي نعيشه اليوم‬
‫وغدا سنعيش ما كان يمثل لنا مست قبال ‪ ،‬وهكذا في باقي األمور في الحياة لن تبقى األمور كما هي عليه ‪،‬‬
‫ألن شرط اإلستمرار هو تغير الواقع وتغير المتغيرات المختلفة‪.‬‬
‫في تلك األيام ‪ ،‬عندما كنت أعيش في حزن ‪ ،‬كنت أهاب الموت ‪ ،‬كنت أخاف أن أموت والجزائر ليست‬
‫راضية عني ‪ ،‬ألني أرى أن ما قدمته بلدي لي لم أحاول حتى ان أرده لها‪.‬‬
‫فعلت لي كل شيئ وأنا لم أفعل لها أي شيئ ‪ ،‬إن المال ليس مالي بل هو مال الجزائر ‪ ،‬ومالها ليس ملك‬
‫الشعب ‪ ،‬ألن الجزائر ليست ملكا للشعب ‪ ،‬بل الشعب وما يملك هو ملك هذا البلد‪ ،‬وما يملكه ويملكه‬
‫المسلمون هو ملك لبالد اإلسالم ‪ ،‬هو ملك األجيال القادمة‪...‬‬
‫إن المسؤولية ليست سهلة وصعبة التحمل ‪ ،‬حتى الجبال أبت أن تحمل تلك األثقال وحملها هذا اإلنسان‪ .‬قد‬
‫يظن الجميع أن المسؤولية يتحملها الرئيس أو الوزير أو القائد أو المدير أو المستشار ‪ ...‬إن المسؤولية‬
‫يتحملها كل مواطن يعيش على أرض هذا الوطن ‪ ،‬أكان رئ يس الجمهورية ‪ ،‬أو كان فالح أو عامل في‬
‫البلدية ‪ ،‬أو إنسان يقضي وقته في المقاهي ‪.‬‬
‫عندما أجلس في للحظات الهدوء الرائعة ‪ ،‬أفكر وأعطي الحرية لعقلي ليفكر في كل ما يريد ‪ ،‬لم يخذلني‬
‫قط ‪ ،‬فقد كان صديقي الحميم ‪ ،‬وكم من مرة أمتحنت تلك الصداقة ‪ ،‬وجدته في كل إمتحان صديقا وفيا ‪،‬‬
‫أطرح عليه ما أعانيه كإنسان وكمواطن ‪ ،‬كرجل يريد أن يكون عبدا صالحا هلل ‪ ،‬كان يقضي أياما كثيرة‬
‫يفكر لي في الحل ‪ ،‬وكان يلقى الحلول ‪ ،‬كما أن للمعادلة حل ‪ ،‬فالمشاكل لها حل أيضا ‪.‬‬
‫سألني ماذا أريد ‪ ،‬فقلت له أريد السماء ‪ ،‬أريد أن أعبد هللا ما بقي من عمري ‪ ،‬أن أعيش حياتي هلل أن أفعل‬
‫كل شيئ هلل ‪ ،‬أن أشعر بإحساس العبد الصالح الذي وكل أمره هلل ‪ ،‬والذي أناب إليه ‪ ،‬فقال لي ما الذي‬
‫ينقصك لما ال تقم بذلك ‪ ،‬قلت له أنت تعرفني ‪ ،‬تعرف طبيعتي وطبيعة حياتي ‪ .‬تعرف طريقة تفكيري‬
‫وأسلوب نشأتي ‪ ،‬فقال نعم وتركته يفكر ‪ ،‬فقال بان إستقرار النفس هو الحل لتحقق تلك األمور‪...‬‬
‫في تلك المراحل الهامة كنت أهتم بكل ما يجري كنت أستمع إلى خطب ومحاضرات الشيخ يوسف‬
‫القرضاوي ‪ ،‬والشيخ محمد الغزالي رحمه هللا وخطب الشيخ عبد الحميد كشك والشيخ متولي الشعراوي‬
‫رحمهما هللا‪ ،‬كنت أعمل من أجل ان أعيش الحياة اإلسالمية ‪.‬أن اكون مسلما حقيقيا ال مجرد كالم ‪ ،‬إن‬
‫البناء يحتاج لألساس وضخامة البناء تتطلب أساسا قويا ‪.‬‬
‫لن أستطيع الصمود بال حليف يقف معي يشكل لي القاعدة واألساس المتين‪ ،‬الذي أستطيع بوجوده أن أشيد‬
‫بناء قوي وضخم ‪ ،‬كان الحليف هو الزوجة ‪ ،‬اخترتها قبل سبعة سنوات لكن هي ال تعلم ‪ ،‬وأحالمي‬
‫وآمالي كلها بنيت على أساس هذا الحليف ‪ ...‬فوجود تلك الزوجة هو الذي سيعطي للمعادلة قيمة وجودها‬
‫وبالتالي إيمكانية قيامها وتطورها وإستمرارها‪ ،‬إنها مصفوفة االسرة وتطورها وإستمرارها مبني على‬
‫)‪(59‬‬
‫تناغم وصحة المكونات والمركبات‪.‬‬

‫لم يكن زمالئي في أقسام الدراسة يعلمون بما أشعر به إتجاههم وال حتى أساتذتي لقد كنت أحبهم وأحترمهم‬
‫جميعا بال إس تثناء حتى وإن لم أظهر لهم ذلك ‪ ،‬كنت مستعدا ألقدم أقصى وأكبر من ما يستطيع صديق أو‬
‫طالب يقدمه لزمالئه أو أساتذته ‪ ،‬لقد كان خجلي وعدم إهتمام اآلخر حاجز بيني وبينهم‪.‬‬
‫في حياتي كنت ال أحمل الضغينة أو الحقد ضد أي شخص لم يكن يشكل لي فرقا إنسان غني وآخر فقير‬
‫واحد ع الم وآخر جاهل ‪ ،‬شخص صالح وآخر غلبته شهوته ‪ ،‬لقد كنت أحب الجميع ألنهم جميعهم إخوان‬
‫في الدم ‪ ،‬في الدين وفي األرض ‪ ،‬في السماء وفي األرض كل شيئ بيننا مشترك‪.‬‬
‫في الجامعة في أول سنة لي وال أدري هل هي صدفة أم ماذا ‪ ،‬كانت األستاذة شوشان كريمة التي درستني‬
‫الكمياء ‪ ،‬أحترمتها وأحببتها كثيرا أستاذة أثرت في وتركت بصمتهه في نفسي وكان أيضا األستاذ دواوي‬
‫عبد القادر الذي درسني تحليل المعطيات واإلحصاء في الجيولوجيا واإلستشعار عن بعد ‪ ،‬كان أستاذ‬
‫متمكنا‪...‬‬
‫وال أنسى البروفيسور حاج بوسعد الذي درسني الكمياء في كلية الطب واالستاذ حاجي مدرس الفيزياء‪.‬‬
‫ولن أنسى أبدا األستاذ بن سعدة الذي درسني الهيدروجيولوجيا التحتية ‪ ،‬ربما أكون الوحيد الذي درسني‬
‫أكثر من مئة وسبعة أستاذ خالل خمسة عشر سنة من التعليم ‪ ،‬دون ذكر الشيخ الذي كان يدرسني القرآن‬
‫الكريم عندما كنت في السادسة والسابعة من العمر ‪ ،‬رحلة طويلة ورائعة أكتسبت خاللها الكثير من‬
‫المعارف والتجارب التي شكلت لي أساسا قويا ‪.‬‬
‫لقد كنت متميزا في فكري في طريقة حياتي وفي نمط معيشتي ‪ ،‬حتى أحالمي وطموحاتي كانت متميزة‬
‫عندما سألت ماذا أريد أن أكون ‪ ،‬أخترت أن أكون مختلفا رغم أني إنسان إال أن أحالمي تجاوزت قدرة‬
‫)‪(60‬‬
‫اإلنسان‪.‬‬

‫ال أدري لماذا صبرت سبعة سنوات كاملة كاتما إلحساسي وشعوري‪ ،‬كنت سجانا على قلبي ‪ ،‬لماذا لم‬
‫أتحدث مع تلك اإلنسانة ‪ ،‬لما لم أبوح لها بإحساسي وعمق وآثار حبي لها ‪ ،‬لقد عجزت عن اإلجابة ال إلن‬
‫األسئلة صعبة أو الحياة مستحيلة ‪ ،‬عندما أفكر بمنطق العقالنية الرياضية أتجه نحو تحليل األحداث‬
‫والمعطيات التي توفرت ‪ ،‬وما يشرح أكثر ما أعنيه هو كتابي الذي أعمل على كتابته الذي سأطرح فيه‬
‫نظريتي العلمية التي أحتاج فقط لتوسيع نطاق إدراكي وفهمي لبعض المفاهيم والمبادئ الرياضية‪...‬‬
‫لم أكن أعلم متى سيأتي اليوم ‪ ،‬لم أكن أعلم مالذي سيحدث عندما تعلم لم أضع تصورا لما بعد تلك اللحظة‬
‫وقلت متى اللقاء واين اللقاء‪.‬‬
‫أليس جميال أن يجد اإلنسان من يحب في هذه األرض أليس محزنا الفراق‪ ،‬مهما طالت األيام ‪ ،‬ومهما‬
‫علمتني ‪ ،‬مهما عشت إال أنني ال أستطيع أن أتخلى عن أحالمي ‪ ،‬ال أستطيع أن أعيش فردا في هذه الحياة‬
‫علي أحزاني عندما‬
‫َّ‬ ‫صعابها ومعاناتها مآسيها وأحزانها قد تهون كل شيئ أمام الحب الصادق ‪ ،‬قد تهون‬
‫أفكر في الحب‪.‬‬

‫في تلك األيام علمتني الحرب كثيرا أمورا عجزت عن فهمها خالل أيام حياتي ‪ ،‬علمتني تلك الرصاصة أو‬
‫تلك القذيفة ‪ ،‬علمتني تلك الدبابة وتلك المروحية ‪ ،‬قد تدعوا الناس إلى التسامح‪ ،‬إلى التعاون ‪ ،‬إلى السالم ‪،‬‬
‫وقد تدعوا هي أيضا إلى الفرقة والخصومة إلى الحرب وإلى الظلم إلى العدوان واإلضطهاد‪.‬‬
‫إ ن أحزاني ال تنتهي ‪ ،‬ما دمت ال ارى لإلنسانية في األرض وجودا ما دمت أرى الظلم أرى الفساد ‪ ،‬أرى‬
‫الفرقة ‪ ،‬أرى الحزبية ‪ ،‬أرى الشر كل يوم يزداد سوءا ذات يوم عندما ظنت أستاذتي أني غشيت في‬
‫اإلمتحان كتبت يومها قائال "لو كنت قائدا ‪ ،‬وكنت في حرب وفرصتي في تحقيق النصر هي صفر في‬
‫المائة ‪ ،‬ولو كان عندي سالحا نوويا أو بيولوجيا وكان سيحقق لي نصرا بنسبة مائة في المئة ما كنت‬
‫سأستخدم ذاك السالح وما كنت أو فكرت في األساس أني سأستخدمه"‪.‬‬
‫إن كراهيتي للشر هي نفسها كراهيتي للظلم ‪ ،‬كراهيتي للطغيان ‪ ،‬كراهيتي للغش والغشاشين ‪ ،‬أنا ال أفخر‬
‫بكوني ‪ ،‬بل أفخر ألني أعيش على أرض هذه البلد ‪ ،‬بلد كل شيء أحببته موجود فيها‪...‬‬
‫كم كنت راض بهذه البالد ‪ ،‬كم حمدت هللا ‪ ،‬كم أردت أن أحقق للجزائر حلم واحد في حياتها‪ .‬تلك األم‬
‫في ‪ ،‬كانت تتم نى أن يخرج من جوفها من يرفعون رأسها من‬ ‫الحنون حتى قبل الميالد كانت تفكر َّ‬
‫يغرسون أرضها ‪ ،‬من يرفعون علمها عاليا هناك ‪ ،‬من ال يطلبون منها سوى الحنان والعطف‪.‬‬
‫لقد منحتني عشرين سنة من عمري حبا وعلما ‪ ،‬سعادة وفرحة ‪ ،‬هناء وحياة رغيدة‪ ،‬أظن اليوم أنه حان‬
‫الوقت ألقدم لها شيئا قليال ألقدم لها ما تبقى من عمري‪.‬‬
‫الجزائر ليس لها إبن واحد ‪ ،‬للجزائر خمسة وثالثين مليون ولد ‪ ،‬جميعهم مسؤولون عنها ‪ ،‬واجبهم أن‬
‫يعيدوا هيبة وطنهم أن يكونوا سادة ال عبيدا‪.‬‬
‫لو كنت مسؤوال لما نمت مرتاح البال وأرى من ينهب رزق المسلمين من يستنزف ثروات المسلمين ‪ ،‬من‬
‫يستنزف ثروات الوطن ‪ ،‬لو تلقيت أجرا لعملت وبذلت الجهود حتى ينال مني التعب ولما بان على لحم‬
‫وجهي أني مسؤول‪ .‬أنا ال أريد شيئا منكم ‪ ،‬سوى أن أرى وطني سعيدا بكم ‪ ،‬أرى علم بلدي يرفرف سعادة‬
‫وفرحة بوجودكم‪.‬‬
‫ال نحتاج إلى ثقافة غربية ‪ ،‬انظروا لألصالة والتاريخ ‪ ،‬أنظروا لألمازيغية والتقاليد اإلسالمية ‪ ،‬تاريخ‬
‫)‪(61‬‬
‫مختلف لشعب مختلف‪.‬‬

‫إني أرى خيوط فجر المستقبل هناك أمامي ‪ ،‬للحظة أدركت خاللها كم من وقت مر من حياتي ‪ ،‬كم من من‬
‫أيام أضعتها هباء لم أتعلم فيها ‪ ،‬ولم أعمل خاللها ولم أؤدي واجبي‪.‬‬
‫إننا جنود ‪ ،‬محاربو ن على أرض الجبهة ‪ ،‬فليس الجندي فقط من ينتمي للجيش ‪ ،‬بل المواطن أيا كان‬
‫وضعه هو جندي لهذا الوطن ‪ ،‬يوما ما ستأتي األجيال وتسأل الجنود ماذا صنعتم لنا ‪ ،‬هل صنعتم السالم ‪،‬‬
‫هل تركتم الحرب ‪ ،‬هل بنيتم اإلقتصاد ‪ ،‬وطورتم التعليم ‪ ،‬هل أطلقتم قمرا أو أقمارا في الفضاء ‪ ،‬هل بنيتم‬
‫لنا المساجد لنصلي فيها ونعبد هللا ‪ ،‬هل عبدتم الطرقات هل وفرتم المساكن ‪...‬أم ماذا؟‬
‫ستكون خيبة األجيال كبيرة سيضيع أملهم هناك في تلك اللحظة عندما ال يرون ما كان يجب أن نبنيه ‪.‬‬
‫حرب طويلة ومستمرة نخوضها يوما بعد يوم ‪ ،‬نتقدم في أرض العدو ‪ ،‬نقاوم النيران والقصف ‪ ،‬نحاول‬
‫الوصول نحاول ثم نفشل ‪ ،‬نحاول اخيرا وحينها سننجح ‪ ،‬لن ننجح ألنها كانت المحاولة األخيرة ‪ ،‬بل‬
‫سننجح إلننا آمنا بأننا سنحاول حتى الوصول ‪ ،‬إن البناء سيكون سهال لو كان له مخطط أو تصميم مسبق ‪،‬‬
‫فحينها نكون قد حددنا شكل البناء الذ ي نريده وهو ما سيوفر علينا وقتا كثيرا وجهدا‪.‬‬
‫ال أقول بإمكاننا أن نبني إقتصاد قوي في قرن من الزمان ‪ ،‬بل يمكننا أن نفعل ذلك لو أدركنا ما نريد في‬
‫عقد من الزمان ‪ ،‬سيكون تحوال بسرعة لم تشهدها البشرية إال في عصر بناء الدولة اإلسالمية‪.‬‬
‫إن مرحلة بناء الدولة اإلسالمية في عهد الرسول صلى هللا عليه وسلم وصحابته الكرام ‪ ،‬لم تكن مبنية على‬
‫ظاهر الدولة أو وسائل بناء هذه الدولة ‪ ،‬أول أساس أرتكزت عليه كانت المبائ والقيم ‪ ،‬كانت الفكرة التي‬
‫ستبنى عليها هذه ا لدولة ‪ ،‬ليس المقصود كما يعتقد البعض بأن الدولة اإلسالمية هي نقاب وعباءات قصيرة‬
‫أو كذا من المظاهر ‪ ،‬بل بنيت على اإلسالم فهو ال يعني البرغماتية وال يعني اإلشتراكية يعني العدالة‬
‫يعني المساواة ‪ ،‬يعني المبادئ التي تسير العالقات في المجتمع ‪ ،‬والتي تحكم عالقة الدولة بالجيران ‪،‬‬
‫يعني مفهوم شامل للحياة اإلجتماعية والسياسية والعسكرية‪.‬‬
‫إن اإلشتراكية كمذهب سياسي وإقتصادي وضعت لخدمة السلطة المركزية وخدمة الطبقة الحاكمة ‪ ،‬في‬
‫حين كانت الرأسمالية تأكيد للمجتمع مبني على الطبقية ‪ ،‬إحتكار أصحاب رؤوس األموال للحياة العامة في‬
‫الدولة‪...‬‬
‫فاإلسالم هدفه خدمة المجتمع في األول واآلخر ومالقيادة إال وسيلة لتحقيق العدل والمساواة وضمان سير‬
‫األمور في الدولة‪.‬‬
‫لطالما كان الضعيف مولعا بتقليد القوي ‪ ،‬لطالما لم يفهم هذا اإلنسان ما هو معنى الضعف والفشل‬
‫واإلحباط ‪ ،‬خالل عشرة سنوات مضت ما رايته وما شاهدته كان شيئا فظيعا ‪ ،‬إن كرامة اإلنسان ؛ كبريائه‬
‫وشموخه ال يسمحان له بأن يطأطأ ألولئك الطغاة ‪ ،‬الذين ال يهمهم اإلنسان ‪ ،‬ما كان يهمهم هو إستعباد‬
‫الشعوب ‪ ،‬نهب خيراتها وتحطيم أحالمها‪.‬‬
‫كذلك كانت أمريكا وب ريطانيا وفرنسا وألمانيا ‪ ،‬وحتى روسيا والصين الكل يريد أن يخدم مصالحه الذاتية‬
‫‪ ،‬ال يهم إن مات مليون طفل من سوء التغذية في حين ندفع مليار دوالر لصناعة مقاتلة الشبح ‪ ،‬أليس عيبا‬
‫أن نقيم حفال ساخرا ندفع ماليين الدوالرات لقاءه وهناك في أرض الصومال وإيرتريا ‪ ،‬هناك في التشاد‬
‫هناك في الكونغو أبرياء يعيشون تحت الفقر‪.‬‬
‫هل هناك عدالة ‪ ،‬نعم هناك عدالة لكن اإلنسان هو الذي غير تلك المعادلة هو الذي أراد أكبر قيمة وما كان‬
‫أبدا يهمه الطرف اآلخر‪.‬‬
‫بنيت الحضارة الغربية من ثروات شعوب إفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية ‪ ،‬لو نظرنا إلى اإللكترونيات ‪،‬‬
‫إلى األقمار اإلصطناعية إلى اآلالت كلها صنعت من مركبات ومعادن إفريقية من الذي ينير شوارع‬
‫)‪(62‬‬
‫نيويورك وشارع اإلليزيه وعاصمة اليابان ‪ ،‬أليس غازنا وبترولنا‪.‬‬

‫في للحظة رائعة دمعت عينايا هناك ‪ ،‬لم أستطع أن اتمالك نفسي ‪ ،‬لقد ملئت السعادة قلبي في ذاك الموقف‬
‫كانت العاشرة ودقيقتان هناك في كلية الطب اين رأيت تلك الفتاة مع زميالتها ‪ ،‬كانت مفاجئة لي لم أكن‬
‫أتوقع حدوثها ‪ ،‬ال أحد كان يشعر بي للحظتها ‪ ،‬خفقان قلبي ‪ ،‬ومحي وجهي الذي تجلت على مالمحه‬
‫السعادة منذ أكتوبر الماضي لم آراها وال أدري ما هو السبب ‪ ،‬ال أعلم ما لذي يجري حينها‪ ،‬احيانا تطرق‬
‫السعادة باب اإلنسان دون أن يدعوها ‪ ،‬تطل علينا بوجهها الصافي الرائع ‪ ...‬كنت أنظر إلى جبال الشريعة‬
‫‪ ،‬وهناك بعض الثلوج التي تغطي القمة والمروج الخضراء هناك ‪ ،‬لم اشعر بذاك اإلحساس منذ زمن‬
‫طويل ‪ ،‬أعادت تلك المناظر الخالبة عندما كنت أطل من نافذة الحافلة وارى المروج الخضراء في‬
‫حواري الدائم مع أمي العزيزة كنت أحكي لها عن أحالمي بال خجل أو خوف أتحدث كطفل واثق مما يريد‬
‫‪ ،‬تريد مني أن اصبح طبيبا جراحا ‪ ،‬وأنا أقول لها أريد أن أكون طبيب الجزائر ‪ ،‬نتحدث ونتناقش قليال ‪،‬‬
‫ثم أقول لها لما ال تدعين الجزائر تفرح بإبنها ‪ ،‬لما ال تتركوني وشأني عندما احببت في تلك اللحظات ‪،‬‬
‫أحببت بجد وشدة ‪ ،‬عنما حلمت سعيت من أجل تلك األحالم ‪ ،‬وال أدري ما هو موقف الجزائريين مني ‪،‬‬
‫ماذا يقولون لي لو عرفوا ماذا أريد‪.‬‬
‫إن التاريخ عامل حاسم ‪ ،‬ثابت ال يتغير قيمه تؤثر دائما في تلك المعادلة الرياضية المعقدة ‪ ،‬آسف أحيانا‬
‫كثيرة لحال شباب ال يع رف تاريخ بلده ‪ ،‬اليعرف حضارته ‪ ،‬ال يعرف أجداده ‪ ،‬وكيف له أن ينجح في‬
‫التغيير ‪ ،‬في تلك القصص الرائعة التي كانت تحكى كان الذئب يحاول أن يزيف نفسه ‪ ،‬عندما حاول أن‬
‫يلبس صوف الخروف ‪ ،‬لكن حقيقته الماكرة فضحته دوما‪.‬‬
‫كنت أحلم أن أرفع بلدي فوق أكتافي أن أمأل قلبي حبا لها ‪ ،‬أن أنظر للسماء وأدعوا هللا ليال ونهارا أن‬
‫يحفظ هذا البلد ‪ ،‬أن يخسف األرض بمن يريد لها سوءا وال يهمني من أجل وطني ‪ ،‬ال شيئ في حياتي أهم‬
‫عندي من هذا البلد ‪ ،‬كما كنت أقول دوما أنا ملك للجزائر ‪ ،‬وإن أرادت الجزائر ان تهديني شيئا ‪ ،‬فسأطلب‬
‫منها تلك المرأة ‪ ،‬حياتي وقلبي ‪ ،‬حاضري ومستقبلي ‪ ،‬أحالمي أفكاري ‪ ،‬كل شيئ هو للبلد‪...‬‬
‫أنا لست زيغود يوسف أو العقيد عميروش ‪ ،‬ما كنت بشهيد المقصلة ‪ ،‬ما كنت شاعر الثورة ‪ ،‬بل ولدت في‬
‫رحم األزمة ‪ ،‬أرادتني البالد أن أكون حاضرا ‪ ،‬أن اعيش ‪ ،‬ربتني كثيرا وعلمتني ‪ ،‬أوتني وكافئتني ‪،‬‬
‫أهدتني كل شيئ كما كان قولي دوما‪.‬‬
‫لن أختار بين واشنطن وطوكيو ‪ ،‬لن أختار بين موسكو وبيكين ‪ ،‬بين سيول وسيدني ‪ ،‬إختياري كان معي‬
‫عاش معي منذ والدتي‪...‬‬
‫في يوم ما سيتحقق حلمي ‪ ،‬في تلك اللحظة التي أتمناها ‪ ،‬أحقق للبلد ما تريده وما تحلم به ‪ ،‬بإمكاني أن‬
‫أحقق ما لم ي ستطع مليار ونصف إنسان أن يحاولوا تحقيقه ‪ ،‬بإمكان النور أن يشع بضياءه ‪ ،‬هناك في تلك‬
‫اللحظة ال مبرر لوجود الظالم‪...‬‬
‫)‪(63‬‬
‫أنا أنتظر والوقت سيأتي ‪ ،‬أنا مستعد وأنتظر ربما سيتغير الحال‪...‬‬

‫في للحظات السعادة والنشوة ‪ ،‬أتذكر كل من علمني ‪ ،‬كل من شجعني ‪ ،‬ال أنسى أبدا األستاذ مجامعية الذي‬
‫درسني األدب العربي في التاسعة أساسي ‪ ،‬كان في كل يوم يرفع لنا معنوياتنا ‪،‬يدفعنا لألمام يقدم تشجيعاته‬
‫لنا بحب وبأمل ‪ ،‬بخوف ‪ ،‬وال أنسى في حياتي ذاك البيت الشعري الذي كان يلقيه دوما " قطف الرجال‬
‫القول وقت نباته ‪ ،‬وقطفت أنت القول لما نور " ‪.‬‬
‫كانت أجمل أيام اإلنسان هناك ‪ ،‬لقد بنيت أحالمي عندما أصبحت طالبا ثانويا ‪ ،‬رسمت المستقبل كم أريده‬
‫‪ ،‬ال أعلم إذا كان حدس أو شعور أو كان حقيقة ستعاش بعد زمن ‪.‬‬
‫لم أرغب أبدا أن أخوض في دروب السياسة ‪ ،‬أن أحلل وضعنا وموقفنا ‪ ،‬لكني أكتفيت بتحليل رياضي‬
‫للموقف الذي نعيشه‪...‬‬
‫لو أردنا الشيئ سيتحقق ‪ ،‬تحدى اإلنسان الجاذبية عندما طار ‪ ،‬عندما خرج خارج الغالف الجوي ‪ ،‬إنها‬
‫الحقيقة ‪...‬‬
‫عندما هبط األمريكان على سطح القمر ‪ ،‬عندما خرج السوفييت للفضاء الخارجي ‪ ،‬هناك في تلك اللحظة‬
‫التي يفتخر بها اإلنسان ‪ ،‬حتى يضع ذلك نص ب عينيه ‪ ،‬ال يجب أن نكون كتلك الكائنات ‪ ،‬الشيئ الوحيد‬
‫الذي فطرت عليه هو البحث عن األكل والتكاثر ‪ ،‬رسالة الكائن العاقل ليست كتلك‪...‬‬
‫فقدان الغاية أو تفاهة تلك الغاية ‪ ،‬هو من يحدد وضع هذا اإلنسان أو ذاك ‪ ،‬لو بدأنا التفكير في تحقيق‬
‫المستحيل ‪ ،‬بدون أدنى شعور سن حقق في طريقنا تلك كل ما هو ممكن ‪ ،‬و أنا أقصد ما أقول ‪ ،‬هل تريد أن‬
‫تملك طائرة أو سفينة ‪ ،‬هل تريد أن تصبح أغنى إنسان في العالم ‪ ،‬هل تريد أن تصبح عالما أو مثقفا ‪ ،‬هل‬
‫تريد أن تكون شيئا من نسج الخيال‪...‬‬

‫في عالم مغلق ‪ ،‬ال أحبذ أبدا أن أذكر مصطلح المستحيل ‪ ،‬ألن كل ما يمكن التفكير فيه هو ممكن ‪ ،‬هناك‬
‫أشياء خارج هذا الكون التي لو فكرنا فيها لن تتحقق ألنها ال تنتمي لهذا الكون ‪...‬‬
‫سأفرح كثيرا بل سأنام سعيدا ‪ ،‬عندما أرى اإلخوان واألخوات يفكرون ال في أنفسهم ‪ ،‬بل في وطنهم ‪،‬‬
‫يعملون معا ‪ ،‬يشكلون كيانا واحدا ‪ ،‬كل يقدم حسب ما في استطاعته ‪ ،‬نرفع علم وطننا عاليا في السماء‬
‫هناك ‪...‬‬
‫هذه ليست أبدا أحالما عبثية ‪ ،‬أنا ال أحلم بالمستحيل ‪ ،‬في حياتي هناك كل األشياء ممكنة سوى ما ليس في‬
‫قدرتنا‪...‬‬
‫لنتصور ماذا يمكن لخمسة وثالثين مليون إنسان أن يفعلوه ‪ ،‬تصور ماذ يستطيع أكثر من مليار مسلم أن‬
‫يقدموه لإلسالم وأرض المسلمين‪...‬‬
‫أيا كانت إنتماءاتنا الحضارية ‪ ،‬أو عقيدتنا التي آمنا بها ‪ ،‬أيا كان ما نؤمن به أي كانت تلك المبادئ التي‬
‫تسير حياتنا ‪ ...‬فالعالم أمامه تحد البقاء ‪ ،‬تحد المناخ ‪ ،‬تغيرات مناخية لم يشهدها الكون من قبل ‪ ،‬تنبئ‬
‫بعصر جديد مضطرب‪.‬‬
‫إن ا إلنسانية تغلب صفة الطمع وحب إحتكار الثروات واإلمكانات ‪ ،‬إن اإلنسانية هي الشيئ الوحيد الذي‬
‫بقى للشعوب كلها ‪ ،‬بعدما دمرت الحضارة الغربية المادية الجوفاء كل شيئ جميل كنا نملكه‪...‬‬
‫ربما كان هذا الكتاب الصغير وسيلتي التي أستطيع أن اعبر بها عن نفسي ‪ ،‬عن أحالمي كل معاناة‬
‫ومآسي اإلنسان‪.‬‬
‫)‪(64‬‬
‫أحيانا كثيرة أبكي وتنزل الدموع من عينايا ‪ ،‬هكذا تمر األيام وال ندري ‪...‬‬
‫في تلك اللحظات الصعبة من حياة اإلنسان ‪ ،‬عندما ينتابك ذاك الشعور الحزين ‪ ،‬نرتكب أحيانا األخطاء‬
‫وحينها نعتذر عنها أمام أنفسنا وامام هللا‪.‬‬
‫كأن العقل مات ‪ ،‬أو القلب توقف ‪ ،‬كأن الضمير هرب ‪ ،‬كأن نور الشمس انقشع ‪ ،‬كأن الحياة تغيرت ‪ ،‬لكن‬
‫‪...‬ماذ بعد كل ذلك ‪...‬‬
‫صراع مرير نخوضه كل يوم ضد الشر ‪ ،‬تارة يلحق بي الهزيمة ومرة أخرى أجدد قواتي وطاقتي ‪ ،‬أجدد‬
‫إرادتي وعزيمتي ‪ ،‬فألحق به الهزيمة ‪...‬‬
‫كم كنت أشعر بحاجتي الماسة لرفيق ة حياة ‪ ،‬كم كنت أتمنى أن أجد من تفهمني ‪ ،‬من تقضي حياتها من‬
‫أجلي ‪ ،‬من تدفعني لألمام من تشجعني للنجاح واإلستمرار‪.‬‬
‫كم كنت أتمنى كم أريد ذلك ‪ ،‬حتى الدموع تنزل من عينايا عندما أفكر في األمر ‪ ،‬لقد مأل قلبي الشوق‬
‫والحنين ‪ ،‬وال أدري ‪...‬‬
‫في هذه الحياة تعلمت ؛ ال ي ستطيع المرء أن يشق البحر دون رفيقة حياة ‪ ،‬كنت اتمنى أن أعيش ما تبقى‬
‫من عمري طال أو قصر مع الفتاة التي أحبها ‪ ،‬لو لم أكن أحب لما كتبت هذا الكتاب ‪ ،‬ولما حياتي أصبحت‬
‫هكذا‪...‬‬
‫ال أحد يدري ‪ ،‬ال أحد بإمكانه التخمين ‪ ،‬كل ما أحاول فعله هو أن أعيش سعيدا ‪ ،‬لم يصنع لي المال فارقا ‪،‬‬
‫لم تشكل لي المعيشة الجنة ‪ ،‬لكن في تلك اللحظات الصعبة كنت أعرف ‪ ،‬كانت تؤكد لي مالذي أريده بشدة‬
‫‪ ،‬ال أدري إذا كانت كتابتي تشكل إحراجا أو ال‪.‬‬
‫في هذا العالم الفسيح ال شيئ جميل سوى أن الحب ما زال موجودا ‪ ،‬واألمل والخير الزاال يعيشان معنا‪...‬‬
‫ال أر يد أن أصبح أغنى األغنياء ‪ ،‬ال أريد أن أصبح أشهر الناس ‪ ،‬ال أطمح ألن أكون رئيس الجمهورية ‪،‬‬
‫ال أتمنى أن أكون وزيرا‪.‬‬
‫الشيئ الوحيد الذي أتمناه وأريده بقوة هو تلك اإلنسانة التي عشقتها منذ الطفولة‪ ،‬هذا ما أريده فقط ‪ ،‬عندما‬
‫أحاول ارجوع للوراء أتذكر الشيئ الوحيد ا لذي تأثرت به في حياتي ‪ ،‬لقد كان فيلما سينمائيا ‪ ،‬أحد أروع‬
‫وأجمل األفالم ‪ ،‬أحد أروع القصص اإلنسانية ‪ ،‬فيلم كتبه واخرجه جون وو ‪ ،‬إنه الفيلم الوحيد الذي‬
‫شاهدته خالل ثمانية أو تسعة سنوات أكثر من مئة مرة ‪ ،‬وال زلت اليوم أشاهده ‪ ،‬ال أريد الحديث عنه‪...‬‬
‫لطالما كان ت أحالمي صعبة التحقيق ‪ ،‬أخترتها ال ألعجب بها ‪ ،‬بل ألسعى لتحقيقها ‪ ،‬لن أنظر خلفي ‪ ،‬وفي‬
‫الطريق عندما أسير لم أكن أنظر إلى الخلف أبدا ‪ ،‬عندما ستقبل هي بي ‪ ،‬كل األشياء ستتغير ‪ ،‬إذا كنت‬
‫أبذل ‪ %31‬من المجهودات سأصبح أبذل ‪ % 151‬من المجهودات ‪ ،‬إذا كنت أنام ستة ساعات ‪ ،‬ساصبح‬
‫أنام ثالثة ساعات‪.‬‬
‫في تلك اللحظات لن يشكل لي السفر إلى المستقبل شيئا من نسيج الخيال ‪ ،‬أنا مصمم على تحقيق األحالم ‪،‬‬
‫حتى لو تبقى لي من حياتي خمس سنوات ‪ ،‬حتى لو كانت سنتان كل األشياء ستتغير‪.‬‬
‫ال يهم أن أحقق األحالم بنفسي ‪ ،‬إذا تركت خلفي تالميذ هم من سيحققون الحل ‪ ،‬هم من سيواصلون‬
‫الطريق ‪ ،‬أنا لن أخشى في الحياة ولن أخشى بعد المماة لو تركت خلفي تلميذا آمن بتلك األحالم‪...‬‬
‫أنا لن أخاف ما دام هناك من قرأ هذا الكتاب الصغير ‪ ،‬عن أشعة الشمس هناك في المشرق ‪ ،‬هل أشرقت‬
‫من المغرب ‪ ،‬إذا شعاع العالم والحضارة يأتي من المشرق ما السبب يا ترى حتى أن الشمس تأتي من تلك‬
‫الناحية وليس من الناحية األخرى‪...‬‬
‫أتمنى أن يفهمني الناس أتمنى أن يثق المسلمون في أنفسهم ‪ ،‬أتمنى أن يفهم كل إنسان ما دوره في الحياة‬
‫‪...‬‬
‫عندما تفهم دورك لن تغضب ولن تحزن على سيناريو ذلك الدور‪ ...‬إلنك ببساطة ستقوم بدورك باحسن‬
‫)‪(65‬‬
‫وجه لو ألتزمت بدينامكية السيناريو‪...‬‬
‫حتى في األحالم ‪ ،‬لم استطع أن أنسى ‪ ،‬سعادتي اليوم كانت ال تتصور ‪ ،‬أحزان اإلنسان وآالمه تهون أمام‬
‫للحظات السعادة‪ ،‬في للحظات الشوق الشديد ‪ ،‬في للحظات تألق اإلنسانية ‪ ،‬في أسمى للحظات الحب‬
‫)‪(66‬‬
‫واألمل والتطلع ألفاق المستقبل‪...‬‬

‫أردت اليوم أن أتحدث عن المبادئ التي تحكم أفعالنا ‪ ،‬حركاتنا ‪ ،‬إن أساس القيام بفعل ملموس يتوقف على‬
‫األمر ‪ ،‬إن العقل البشري مسؤول عن إصدار تلك الرسائل إلى األعضاء الحسية‪.‬‬
‫لقد تحدث فيما مضى عن عملية اإلنشطار الفكري ‪ ،‬قد يتساءل البعض عن عالقة تلك العملية بأفعالنا‬
‫الحسية‪.‬‬
‫في عالم األحياء ال توجد أع ضاء تقوم بأفعال عشوائية ‪ ،‬إنها مهام خاضعة لبرنامج مسبق يسير تلك‬
‫األفعال ويسهر على تنفيذها بشكلها الصحيح‪...‬‬
‫لكل إنسان منطقه الخاص الذي يفكر فيه ‪ ،‬وتخضع تلك األفعال له في مطلق األحوال ‪ ،‬عند الخوض في‬
‫تحليل ذاك الموقف أفكر في نفس الوقت في المصفوفة الكونية ‪ ،‬أحيانا في الفكر والعقل البشري تحدث‬
‫تطورات غريبة ‪ ،‬ليست منطقية إطالقا ‪ ،‬الصراع بين الخير والشر ‪ ،‬بين الحق والباطل ‪ ،‬يكون اإلنسان‬
‫متغير فاعل في تلك المصفوفة ‪ ،‬والسؤال الواضح الذي تجلت لي مالمحه هو هل إكتساب العقل لألفكار‬
‫والمبادئ يأتي من حاجة المتغير اإلنساني أو أن تطور المصفوفة الكونية يشترط حدوث تلك العملية داخل‬
‫العقل البشري‪...‬‬
‫هل المبادئ العقلية التي تسير أعضاءنا وحياتنا ‪ ،‬وتحكم أفعالنا وتصرفاتنا حتمية أي أن المصفوفة الكونية‬
‫هي المسؤولة عن إكتسابنا لتلك المبادئ والقيم‪.‬‬
‫تشرح لنا عملية اإلنشطار واإلندماج الفكري ما األمر الذي يحدث في الواقع وما الغاية وراء ذلك‪.‬‬
‫أنا أؤمن إيمانا راسخا بأن ما نعيشه ‪ ،‬ما نراه ‪ ،‬ما ال نراه ‪ ،‬ما نسمعه كل ذلك ليس عبثا أو بال غاية ‪...‬‬
‫إن االفكار األولى في حياتنا ‪ ،‬نبعت من حقيقة ما أكتسبناه حسيا وما تعلمنا القيام به ‪ ،‬لقد عملت ديناميكية‬
‫العقل البشري وقدرته على صناعة األفكار انطالقا من أفكار أو منطلقات إبتدائية في خالل عمر اإلنسان‬
‫أي كان طوله أو قصره ‪ ،‬تمر األفكار بتطور مذهل ‪ ،‬فهي تمر بمراحل متعددة ‪ ،‬أفكار مؤقتة ‪ ،‬أفكار‬
‫ع شوائية ‪ ،‬أفكار ثابتة ‪ ،‬إن أخطر األفكار حسب إعتقادي هي األفكار المؤقتة واألفكار العشوائية التي‬
‫تتحول أحيانا إلى أفكار ثابتة تترجم عنها سلوكات وأفعال اإلنسان المختلفة‪.‬‬
‫إن ألفكارنا مصدران ‪ ،‬مصدر ذاتي وأفكار أخرى تنشأ أو تنبع من المصفوفة الكونية بإعتبار أن المتغير‬
‫يتأثر بالقيم الخارجية ‪ ،‬القيم الشاذة‪.‬‬
‫لكن هل أفكارنا الذاتية تخدم تطور المصفوفة أم ال كما األمر بالنسبة للمبادئ التي أكتسبناها من الطبيعة أو‬
‫من تأثير متغيرات خارجية أخرى‪...‬‬
‫لعل اإلجابة تكون حسب كينونة هذا الكائن ‪ ،‬ما مصدر هذا الكائن ‪ ،‬هل نشأ من المصفوفة الكونية أو أتى‬
‫من خارج الكون‪...‬‬
‫إن اإلجابة واضحة ومتجلية لنا ‪ ،‬نشأة اإلنسان وباقي الكائنات نابعة من المصدر نفسه ‪ ،‬وبالتالي فإن‬
‫المتغيرات كافة ال تتطور بصفة منفردة ‪ ،‬بل تطورها أيا كان إتجاهه ما هو إال لخدمة تطور المصفوفة‬
‫الكونية‪...‬‬
‫إنها عالقة رياضية شاملة ‪ ،‬تحكم تطور كل شيئ تعطي أو تحد لإللكترون سرعته ولباقي الكواكب‪ ،‬تحكم‬
‫حياة الجماد والكائنات وتصرفات عقولنا وبالتالي أفعالنا‪...‬‬
‫كتبت قبل سنوات عن قدرة الرؤية لدينا ومجاالت الرؤية التي يمكننا أن نراها ‪ ،‬عند النظر بقدرة ال‬
‫نستطيع أن نتصورها ‪ ،‬عندما نستطيع رؤية النيترون والبروتون والكوراكات ‪ ،‬ونستطيع إدراك فوتون‬
‫ضوئي يمر بسرعة الضوء ‪ ،‬هناك في تلك اللحظة ال يمكن أن نتصور أي شيئ ‪ ،‬تخيل مدى فداحة ما‬
‫نراه ‪ ،‬ال نستطيع في تلك اللحظات أن نصنع مفهوم للجمال أو القبح ‪ ،‬ال يمكن إطالقا ألي إنسان أن‬
‫يتصور عندما ال ترى ال مادة متماسكة سيكون بالتأكيد شيئا مذهال في غاية اإلذهال‪ .‬هذا حسب التصور‬
‫)‪(67‬‬
‫البسيط الذي أعتقد أنه في غاية الغباء والحماقة‪.‬‬
‫كإنسان ‪ ،‬ككائن يسعى في هذا الكون ليكون ‪ ،‬كعاقل يسعى لتحرير عقله ‪ ،‬نعيش دوما ‪ ،‬حياتنا كلها‬
‫خاضعة لواقعنا الذي ننتمي إليه يمدنا طول الوقت باألفكار يملي علينا األوامر ‪ ،‬لنعمل كجندي يطبق تلك‬
‫األوامر ‪ ،‬عقل وقلب مفصوالن ‪ ،‬حواس متمردة ‪...‬‬
‫أصبحنا ال نتحكم في أفعالنا وتصوراتنا ‪ ،‬أصبحنا ال نحلم كما كنا باألمس أطفاال ال يمثل لهم خرق السماء‬
‫شيئا بعيدا المنال ‪ ،‬أصبحنا ال نعرف الرسم ‪ ،‬هناك لنا وجود ‪ ،‬للوحة أمامنا وألوان كطيف الشمس ‪،‬‬
‫وريش وورق ‪ ،‬مالذي يمنعنا من الرسم مالداعي لنترك الواقع يرسم لنا لنا اللوحة‪.‬‬
‫منذ أول للحظة أتيت فيها للوجود ‪ ،‬منذ أول للحظة شعرت فيها بخفقان قلبي ‪ ،‬من أول للحظة دمعت عينايا‬
‫‪ ،‬من أول يوم لم أنم فيه ‪ ،‬وضعت الواقع خصما لي‪...‬‬
‫ال أحاول فعل أي شيئ ‪ ،‬أحاول أن أكون ‪ ،‬أحاول أن أبقى إنسانا ‪ ،‬حاولت أن أغمض عينايا ‪ ،‬حاولت أن‬
‫أقوم بما يجب القيام به ‪ ،‬حاولت أن أعيش الحياة ال أن أقضي عليها ‪.‬‬
‫حاولت أن أستغل وقتي فأيامي تهرب مني بسرعة ‪ ...‬حاولت أن أتحدث ‪ ،‬حاولت أن أبكي ‪ ،‬أن أفرح أن‬
‫أعيش السعادة ‪ ،‬حاولت أن أتحدى التحدي‪.‬‬
‫كنت أعلم بأني سأبقى وحيدا ‪ ،‬مهما كان حولي أصدقائي ‪ ،‬مهما كان والدايا وإخوتي معي مهما بلغت‬
‫قوتي ‪ ،‬مهما بلغت سلطتي ‪ ،‬مهما كانت ثروتي ‪ ،‬مهما كنت حسب الظن أني قوي‪...‬‬
‫كنت في كل ليلة أتعلم ‪ ،‬ال أجد مه من أتحدث سوى نجوم السماء ‪ ،‬سوى القمر ألحدثه عن معاناة اإلنسان‬
‫‪ ،‬لم يكن الهواء يرد ‪ ،‬لم يكن القمر كذلك ‪ ،‬ما تبسمت لي النجوم أبدا‪.‬‬
‫أنا مسؤول عن كل فشل صادفني في حياتي ‪ ،‬ال ألوم الزمان ‪ ،‬ال ألوم المكان ‪ ،‬بل ألووم نفسي ‪،‬ألوم قلبي‬
‫‪ ،‬ألوم عقلي عن كل فشل ‪...‬‬
‫هي الحقيقة أيا كانت ‪ ،‬هي الم رارة بذاتها ‪ ،‬خدعنا أنفسنا في الماضي عندما تصورنا أن الحياة ملك‬
‫للواقع‪...‬‬
‫حياة اإلنسان هي ملكه وواقع اإلنسان تعبير عن إرادته وعن طموحه ‪...‬إذا كان الواقع حيا يرزق فالفضل‬
‫يعود لنا ‪ ،‬ألن إستمراره متوقف على إستمرار تفكيرنا المتخلف ‪ ،‬إستمرار للمبادئ الفارغة ‪ ،‬إستمرار‬
‫للفشل والهزيمة ‪ ،‬هو موت لألمل والمستقبل ‪ ،‬موت للحرية حرية العقل والفكر‪.‬‬
‫ليست الحكومة مسؤولة عن تقييد العقل اإلنساني ‪ ،‬ليست الشرطة ‪ ،‬ليست المخابرات العسكرية ‪ ،‬أو‬
‫المخابرات العامة ‪ ،‬ليس األب أو األم ‪ ،‬ليس الجد أو العم ‪ ،‬ليس المعلم أو اإلمام ‪ ،‬ليسوا هم من سجنوا‬
‫العقل وحرموه الحرية‪...‬‬
‫إنك أنت أيها السجان ‪ ،‬نعم أنا أوأنت ‪ ،‬من سجنت عقلي ‪,‬اطلقت العنان ومنحت الحرية للقلب ‪ ،‬أنت هو‬
‫الحكومة والشرطة ‪ ،‬أنت الجيش والمجتمع ‪ ،‬أنت األسرة ‪ ،‬أنت كل شيئ في هذا الوجود اإلجتماعي ‪...‬‬
‫عندما نريد الحديث عن النظافة ‪ ،‬ال نتحدث عن المكان أو الزمان ‪ ،‬نتحدث عن طهارة العقل وسالمته ‪،‬‬
‫عن طعم تلك الرائحة التي تنبع منه ‪ ،‬فهي منتشرة في كل مكان ‪ ،‬هل هي كالمسك أو الكير ‪ ...‬هناك أين‬
‫العقل هو السراج ينير الحياة ‪ ،‬وينشر السعادة واألمل وهناك أيضا أين خيم الظالم على المكان والزمان‪.‬‬
‫أي عقل هذا من يدعو صاحبه ليعبد األصنام ‪ ،‬ليسجد للبقرة واألوثان ‪ ،‬للشمس والجبل أي عقل هذا‪.‬‬
‫مهما كانت قدرة العقل على صناعة األفكار ‪ ،‬مهما أبحر في عالم الرياضيات ‪ ،‬مهما تعالو هناك ألبعد‬
‫الحدود ‪...‬مهما كان ذلك إال أنه لن يعرف الحقيقة كاملة ‪...‬‬
‫أتساءل ما سبب وجود العقل والقلب معا ‪ ،‬مالدافع لذلك يا ترى !؟ ‪ ،‬من هذا الذي جعلهما معا في جسد‬
‫واحد ‪ ،‬من يكون هذا !؟‬
‫إن اإلجابة صعبة ‪ ،‬ال أستطيع أن أتحدث باستفاضة عن ذلك كله ‪ ،‬عندما نفكر بمنطق ‪ ،‬عندما نبني‬
‫أفكارنا ومبادءنا ‪ ،‬لن نستطيع أن نصل للحقيقة الكاملة ‪ ،‬لو كان الشر هو المقدمة األولى فإن العقل بنى‬
‫أفكاره على الشر ‪ ،‬ولن يصدق بالخير ‪ ،‬ألنه ال ينتمي وال يتطابق مع المقدمات والمبادئ التي أنطلق العقل‬
‫منها ‪ ...‬لو بدأ العقل بالحرب فإنه لن يعترف بالسالم ومفاهيمه ‪ ،‬لو كانت الفواحش مبدأ للعقل فإن األفكار‬
‫الجديدة المتولدة ليست عن الفضيلة ‪ ،‬عن األخالق ‪ ،‬لو أن الكراهية كانت اإلنطالقة األولى ‪ ،‬فلن يصل‬
‫العقل الخالق إلى مفهوم الحب والتسا مح ‪ ،‬لن نعرف الصبر والتحمل ‪ ،‬ال نعرف أي شيئ من ذلك‬
‫والعكس كذلك‪...‬‬
‫إن العقل هو الجد ‪ ،‬هو الطريق الذي يرى سوى ما يريد أن يراه ‪ ،‬هو الذي يبني قصرا أو عالما من مبدأ‬
‫واحد أو مجموعة من األفكار‪.‬‬
‫إن القلب هو من يقول لي هذا خير وهذا شر ‪ ،‬هو الذي يرشدني للحب للسالم للتسامح واألخالق‪ ،‬للفضيلة‬
‫‪...‬‬
‫وهو نفسه الذي يرشد اإلنسان للشر وللحرب للظلم وللفاحشة‪ ...‬إن العقل هو مصنع األفكار والمطور‬
‫الوحيد لها ؛ في حين القلب هو المسؤول عن مده بالمواد عن إرشاده للمسار الذي أختاره له ‪...‬‬
‫في هذه اللحظات رسالة كتبتها يوم السبت ‪ 14‬نوفمبر ‪ 2119‬بإقامة الجامعة بالبليدة ‪ ،‬كان الفريق الوطني‬
‫لكرة القدم يلعب مباراة رسمية للتصفيات المزدوجة ‪ ،‬كان إحساسي حينها كإنسان كمواطن ‪ ،‬برغم أني لم‬
‫اشاهد المباراة ‪ ،‬إال أن قلبي كان يعيش في حسرتين ‪ ،‬كان يعيش ألم الفراق وألم الخوف على هذا الوطن‪.‬‬
‫في ذاك اليوم قررت أن أكتب رسالة أعبر فيها عن إحساس وحب عشته منذ سنة ‪ ، 2114‬أردت أن‬
‫أخبرها بالحقيقة أن أبوح لها بما احس به إتجاهها ‪ ،‬رغم أني حاولت كثيرا أن ارسل لها ما يعبر عن ما في‬
‫قلبي ‪ ،‬لكن القدر لم يسمح بذلك ‪ ،‬كنت أخشى ‪ ،‬ال أن ترفض بل كنت أخشى أن أسبب لها جرحا عميقا ‪،‬‬
‫لعل أصدقائي في الجامعة يتذكرون عندما كنا نلتقي في الغرفة د ‪ 76‬بإقامة الجامعة بخميس مليانة ‪ ،‬عندما‬
‫كنت أتحدث معهم عن الحب عن الشعور الذي أحس به ‪ ،‬كانت أجمل أيام حياتي في تلك الليالي الدافئة‬
‫الجميلة ‪...‬‬
‫رغم انني سهرت الليل طويال أكتب ‪ ،‬لطالما مزقت الكثير من األوراق كتبت عليها ‪ ،‬وكانت تلك الرسالة‬
‫آخر ما توصلت إليه ‪ ،‬أصريت كثيرا على أن أوصلها لها ‪ ،‬أصريت كثيرا لكن القدر رفض ذلك لم يسمح‬
‫لها أن تعرف‪.‬‬
‫إن مبادئ عقلي وأفكاره تحتم علي ال للعيش كإنسان ‪ ،‬بل أن أعيش مع إنسانة ‪ ،‬اليكفي قط كوني إنسانا ‪،‬‬
‫بل وجود إنسانة معي هي تكملة لإلنسانية‪.‬‬
‫لم أكن أقرأ الكتب كثيرا ‪ ،‬ليس ألن الكتب ال ترقى ‪ ،‬بل إلرادتي بناء عقل خالص بناء األفكار ألرى إلى‬
‫ماذا يمكنني أن اصل‪.‬‬
‫أحيانا كنت أحاول أن ألعب باألفكار ‪ ،‬درست األفكار وتتبعت تطورها داخل العقل وصياغة مبدأ أو نظرية‬
‫)‪(68‬‬
‫إنشطار واندماج األفكار نبعت من تلك األحداث‪.‬‬

‫باألمس عندما خرجت تجولت في الشارع ‪ ،‬كان القمر بدرا في منظر فني رائع عجزت عن الكتابة لم أعي‬
‫ولم أدرك مالذي سأكتبه ‪ ،‬أحسست بجفاف منبع األفكار توقف المصنع فجأة ال يستطيع أن ينتج ‪...‬‬
‫لقد أنتهى عصر الوصاية ‪ ،‬وانتهى عصر اإلحباط ‪ ،‬إنتهت اليوم حياة إنسان فاشل عاش أكثر من عشرين‬
‫سنة ؛ يتكلم فقط لم يحول الكالم إلى واقع إلى عمل ملموس‪...‬‬
‫لطالما كنت أهاب أن أتخذ قرار ‪ ،‬لطالما خفت أن أخطو خطوة نحو األمام ‪ ،‬لطالما تألمت من حياة الفشل‪،‬‬
‫أردت في للحظة حاسمة أن أتم رد على التاريخ ‪ ،‬أن أتجرد من ذكرياتي أن أتخلى عن واقع عشت حياتي‬
‫فيه‪.‬‬
‫في هذا اليوم اردت أن أتغير ‪ ،‬أريد أن أعيش بعقلي فقط ال أريد لقلبي أن يكون له مكانة في حياتي ‪،‬‬
‫لطالما كانت أمنيتي ‪ ،‬عندما تصل للحظة ‪ ،‬عندما تراجع حساباتك ‪ ،‬إنسان أحب ولم يستطع التعبير لمن‬
‫يحب ‪ ،‬إنسان أمتأل قلبه باألمل ال يستطيع أن يعيش حياته سعيدا ‪ ،‬إنسان لطالما كانت نفسه جميلة عندما‬
‫أهانها الجميع ‪.‬‬
‫لقد نقدت هذا المجتمع بما في ذلك أسرتي ‪ ،‬بما في هذا ذلك أساتذتي ‪ ،‬بما في ذلك أصدقائي ‪ ،‬لطالما كانت‬
‫حمولتي زائدة ‪ ،‬لما كان ضغط عقلي ال يقاس بالبا سكال ‪ ،‬بل تجاوز األتموسفير ‪ ،‬اليستطيع الجماد أحيانا‬
‫أن يتحمل الضغط الذي يعانيه اإلنسان‪...‬‬
‫ال أجد للمال قيمة ‪ ،‬ال أجد ألحالمي مكانة هنا ‪ ،‬ال أجد سوى اإلحباط ‪ ،‬ليس لي من أعيش ألجله ‪ ،‬ربما‬
‫أكون قد خذلت هذا الوطن ‪ ،‬ربما قد تكون الجزائر الوحيدة من تفهمني ‪ ،‬ربما أريد أن اطرد قلبي من‬
‫وجود اإلنسان‪...‬‬
‫أحس دوما بعدم إستقاللي بالقرار ‪ ،‬أحس دوما أني أفصل األشياء كلها وفي تقديراتي ليست لمصلحتي بل‬
‫لما يخدم اآلخرين ‪ ...‬لكني أرفض هذا الواقع ولطالما كنت متمردا على الواقع أرفض أي نظام قائم‪.‬‬
‫قبل أربعة سنوات كنت في قمة الديبلوماسية ‪ ،‬كنت في قمة الحنكة ‪ ،‬كانت سياستي واضحة ‪ ،‬وتصرفاتي‬
‫واضحة ‪ ،‬كنت أعامل مع اآلخرين ال بمبدأ المصالح ‪ ،‬بل كنت أحاور واتكلم ‪ ،‬أتحدث بروح بريئة تسعى‬
‫إليجاد حل‪...‬‬
‫كنت أفهم كل شيئ يحيط بي وحددت أهدافي بدقة ‪ ،‬وشرحت لنفسي الوضع والظروف وأتخذت القرارات‬
‫المختلفة‪.‬‬
‫لم أجد خالل سبعة سنوات مضت من يفهمني ‪ ،‬من يعي ما أقصده ‪ ،‬من يتجاوب معي في حديثي وفي‬
‫أفكاري في مبادئ حياتي وفلسفتي‪.‬‬
‫الزلت أنزف ‪ ،‬أفقد الطاقة والقدرات المختلفة ‪ ،‬أردت أن اتحدى الواليات المتحدة األمريكية أردت أن‬
‫أتحدى روسيا والصين‪...‬‬
‫أحيانا اسأل ما غاية وجودي مالدافع لذلك وماهي أبعاد تفكيري ومبادئ عقلي ‪ ...‬مجتمع شرقي متخلف‬
‫عقليا ‪ ،‬ومجتمع غربي متخلف روحيا وكالهما اليعبر عن اإلنسان في حقيقته أو حتى في كينونته‪.‬‬
‫أسرة الحوار فيها ومجتمع اليقبل التفاهم أوالحوار ‪ ،‬اليريد أساسا أن يفهم ‪ ،‬وشعب يدعي الرقي وهو‬
‫اليستحق وصف الشعب‪ ...‬الشعب عربي أو أوروبي أو آسيوي فكالهم مجتمعات فارغة المعنى لها‪...‬‬
‫ال أدري ما سبب قيام هاته المجتمعات ‪ ،‬عندما ندرس اآلفات ومشاكل المجتمع الداعي ألن نتطاول‬
‫والداعي لإلدعاء ‪ ،‬هل المشاكل أتت من خارج الكون أو خارج المجرة ‪ ،‬هل الكائنات الحية األخرى هي‬
‫مصدر هاته المشاكل ن هل النباتات هل البحر أو الجبال أو الشمس هي مصر كل هاته األخطار‪...‬‬
‫إن المجتمع هو مصدر المشاكل ألنه مجتمع غير مثالي ‪ ،‬مجتمع اليحمل أي مقومات لقيام المجتمع‪...‬‬
‫أشياء كثيرة تغيرت حسب نظرنا القاصر عن إدراك الحقيقة ‪ ،‬تغيرت كثيرا المجتمعات ‪ ،‬بل ماتغير منذ‬
‫مئة سنة ليس المجتمع بكيانه ‪ ،‬بل شكل هذا المجتمع ‪ ،‬بل جذور المجتمع لم تتغير ابدا مهما تغيرت‬
‫المالمح ‪ ،‬مهما تغيرت الصورة ‪ ،‬مهما تغيرت للغتنا ‪ ،‬بل مجتمعنا بقي ولم يتغير ابدا ‪ ،‬نفس األحالم ‪،‬‬
‫نفس المبادئ التافهة ‪ ،‬نفس الثقافة السطحية ‪...‬‬
‫ما يحزن ني اكثر في حياتي هو تعلق مصالحنا المشروعة بافراد ال يعون واليدركون أصال وال يولون‬
‫أهمية لنا ‪ ،‬اليقدرون احالمنا وطموحاتنا‪...‬‬
‫)‪(69‬‬
‫تبا لتلك الطموحات الباردة وتبا لتلك األحالم التافهة وتبا لألناة ولذات هذا اإلنسان ‪...‬‬

‫ما أدركته خالل األيام القليلة الماضية كان شيئا مختلفا ‪ ،‬مع بداية السنة الجديدة بدأت الشعوب العربية‬
‫مرحلة جديدة في تاريخها ‪ ،‬بدءا من تونس إلى مصر ثم اليمن والبحرين وليبيا ‪...‬الخ‬
‫كل قائد يصل للسلطة يسكن في الكرسي ال أدري لماذا ‪ ،‬هل الكرسي مكهرب؟ أو عليه غراء الصق ‪ ،‬أو‬
‫هي جنة أو رياض جنة ‪ ،‬ال أدري م الذي يوجد هناك‪ ،‬هل هم أعقل الناس ؟ وأعلم الناس وأدراهم بالسياسة‬
‫وبحل مشاكل الشعب وبإحترام المسؤولية وعدم خيانة القسم‪.‬‬
‫هناك الكثيرون في البلد من هم أدرى من السلطة الحاكمة ‪ ،‬لما ال يترك اإلنسان الفرصة لآلخر األحسن‪،‬‬
‫إن طول ركود الماء يؤدي إلى فساده‪...‬‬
‫من تكون هاته الحكومة أو هذا الرئيس ‪ ،‬ماذا يحسب األمن أو الجيش نفسه ‪ ،‬إن مؤسسات الدولة أيا كانت‬
‫هي موجودة لخدمة الشعب وللحفاظ على أمنه وإستقراره ‪ ،‬للشعب الحق في طرد من اليسهر على راحته‬
‫ومن ال يؤدي واجبه إتجاه المواطنين ‪ ،‬من اليحترم حقوقهم واليعمل من أجل تحقيق أحالمهم‪...‬‬
‫هل هذا معقول أن تقصف الشعب بالطائرات المقاتلة ‪ ،‬هل هذا شيئ من المنطق وإن حصل ماذا يعني‬
‫ذلك‪...‬‬
‫إن العامل في البلدية أو المسؤول في إدارة عمومية ال يتكلم ‪ ،‬اليحق له أن يرفع صوته على المواطن‪.‬‬
‫إن الشعب في أي بلد هو السيد ‪ ،‬هو الحكومة ‪ ،‬هو الدولة في حد ذاتها‪ ،‬ال السياسي ‪ ،‬ال الديبلوماسي ‪ ،‬ال‬
‫العسكري ‪ ،‬ال الرئيس يقول له ال ‪ ،‬أو يرشه بالماء الساخن ‪ ،‬أو يرمي عليه قنابل مسيلة للدموع أو يضربه‬
‫)‪(70‬‬
‫بالعصى كأنه إبن ضال‪.‬‬

‫في تلك اللحظة الغريبة أين يدرك الجندي مالذي يفعله ‪ ،‬عندما يجد نفسه بعيدا هناك ال يؤدي واجبه‬
‫واليحترم كونه جندي‪.‬‬
‫َّ‬
‫إحساس مؤلم ينتاب اإلنسان ‪ ،‬يجد كل شيئ مسخر له ‪ ،‬حياته أمامه يعيشها كما يريد ‪ ،‬ارض وفرت لمن‬
‫يعيش عليها كل شيئ ‪ ،‬ال أتخيل ‪ ،‬ال أحلم بل حقيقةً أرض قدمت لنا كل شيئ‪.‬‬
‫ونحن لم نتحرك ضمائرنا الجامدة ‪ ،‬كأن ما أصابها شيئ غريب أو قوة خارقة أفقدت الضمير وعيه وشلت‬
‫العقل عن التفكير‪...‬‬
‫هناك في هذا العالم من يتجاهل كل شيئ ‪ ،‬من يرى لونا واحدا للحياة ‪ ،‬لون أسود قاتم فقط ‪ ،‬هناك من يرى‬
‫في داخل نفسه سوى النقائص سوى األشياء السيئة ‪ ،‬لم ينظر أبدا إلى طيبات نفسه إلى ما أعطى له هللا‬
‫ووهبه من نعم ‪ ،‬لو وهبت للج بل لخر ساجدا هلل من الحمد والشكر له‪...‬‬
‫علي ‪ ،‬في كثير من األحيان أخجل من نفسي ‪ ،‬أخجل كثيرا‬ ‫َّ‬ ‫أحمد هللا في كل وقت على كل نعمة انعمها‬
‫لتفريطي ‪ ،‬ألني جندي نال المكافأة لكنه لم يؤدي واجبه‪ ...‬ن الواجب ليس تبرعا ليس شيئا أو خيارا نقوم‬
‫بعمله او تركه حسب رغبة قلوبنا ‪ ،‬إن الواجب هو تكليف لنا ‪ ،‬تأديته التقبل الجدل ‪ ،‬والرجاء فيه ألحد‬
‫تنفيذ الواجب هو حق هلل هو رد للجميل ‪ ،‬ليس ردا بمعناه الحقيقي لكنه تعبير بسيط عن الشكر واإلمتنان‬
‫لمن وهبنا تلك النعم ‪.‬‬
‫ال أفخر بشيئ في حياتي ‪ ،‬أفخر بكوني إنسانا ‪ ،‬أفخر بكوني مسلما ‪ ،‬أفخر بكوني محب ‪ ،‬أفخر بكوني‬
‫جزائري ‪ ،‬ال أملك المال وإن ملكته فليس فخرا بالنسبة لي ‪ ،‬ال أملك العلم وإن ملكته فلن يكون فخرا لي‬
‫ألني كلما تعلمت أزددت جهال بعلمي‪.‬‬
‫كم أتمنى قبل أن تأتيني المنية أن أرى المسلمين يقودون العالم ‪ ،‬أن ارى العدالة في المجتمعات ‪ ،‬ان أرى‬
‫نور ال شمس قد اضاء العالم ‪ ،‬أن أرى الحب الصادق الطاهر قد انتشر في المعمورة ‪ ،‬أن أرى السالم ‪ ،‬كم‬
‫أتمنى أن يندثر الشر من هذا العالم ‪ ،‬كم أتمنى أن تعود لإلنسانية قيمتها ‪ ،‬أن يعود اإلنسان في كل مكان‬
‫كنز للطبيعة ‪ ،‬كنز علينا أن نحافظ عليه‪.‬‬
‫لن يستطيع إنسان في العالم من فردا أن يقضي على الشر والظلم ‪ ،‬علينا جميعا أن نكون رجال واحدا ‪ ،‬في‬
‫كتاب آخر إسمه أخطاء القياة وإخفاقات الشعب ‪ ،‬تحدثت فيه عن كل ما يهم السياسة ‪ ،‬كيف للمشروع‬
‫السياسي أن ينجح ودور الشعب في تحقيق النهضة اإلقتصادية والعلمية واإلجتماعية ‪ .‬وسبب اإلخفاق‬
‫راجع الخطاء القيادة السياسية في صياغة المشروع السياسي‪.‬‬
‫إن البرغماتية األمريكية فتنت اإلنسان وغيرت أفكاره ‪ ،‬ومع ذلك التغير أصبحت احالم اإلنسان أكثر‬
‫تفاهة‪.‬‬
‫ليس صائبا أن يأخذ اإلنسان أفكار اآلخرين ونظرياتهم ‪ ،‬في حين بإمكانه صناعة أفكاره ومبادءه وتظرياته‬
‫الخاصة‪.‬‬
‫لقد بره نت االيام واألحداث والواقع العالمي ‪ ،‬و واقع الشعوب ‪ ،‬واقع اإلنسان واألسرة والدولة ‪ ،‬في خضم‬
‫األفكار اإلشتراكية والرأسمالية العقيمة ؛ أن كافة تلك األفكار الغبية والتي ال تعبر سوى عن الجشع والشر‬
‫اللذان يمآلن هذا اإلنسان ‪...‬ال تخدم المجتمع ككل بل كالهما تعمل لخدمة السلطة واإلقطاعيين الكبار‪...‬‬
‫أحيانا أريد أن أتعجب ‪ ،‬أريد أن أنظر بعمق إلى ما يرشدنا إليه كالم هللا إلى مايريده منا هللا بكل تأكيد أن‬
‫اإلنسان العالم ‪ ،‬المفكر ‪ ،‬اليعلم واليستطيع أن يدرك ما يتعلق بالحياة وما يجري‪ ،‬واليمكن أبدا أن يلحظ‬
‫التطورات التي تحدث ‪ .‬إن إدراك اإلنسان عاجز وفهمه قاصر ‪ ،‬اليستطيع إدراك كل شيئ‪...‬‬
‫في هاته اللحظات أردت أن أكتب ‪ ،‬لم أستطع أن أنام وأرق شديد اصابني ‪ ،‬وهكذا كانت أيام الصيف تمر‬
‫‪ ،‬ال أستطيع النوم بسهولة ‪ ،‬ال أعلم مالذي سأكتبه وسبب وجودي هنا في هاته اللحظة حدث عنما فكرت‬
‫بواقعية أكبر في المسألة الشخصية ‪ ،‬كنت أفكر مالذي سيقوم به أب أو اسرتها إذا تقدمت لخطبتها ‪ ،‬ليس‬
‫لي سكن أو غرفة ليس لي دخل أو أرض ‪ ،‬أو عمل أو مستقبل كما قال لي أحد أصدقائي‪.‬‬
‫تساءلت في نفسي مالذي أريده منها ‪ ،‬وماهو السبب الخفي الذي جعلني أتمسك بخياري ‪ ،‬من يدري وماهو‬
‫توقع اإلنسان عندما ترتبط سعادته باآلخرين ‪.‬‬
‫في للحظات رائعة من الهدوء والسكينة ‪ ،‬تشعر بكينونة اإلنسان بوجوده العقلي والجسدي والروحي‪.‬‬
‫ما أحاول كل الوقت القيام به يتجلى في نضالي وكفاحي المستمر من أجل ان يبقى قلبي ممتأل بالحب ‪،‬‬
‫بالوفاء والتسامح باألمل والصبر وبكل الصفات النبيلة والحسنة ‪ ،‬كنت اخشى من غدر هذا الزمن ‪ ،‬كنت‬
‫مستعدا ألعيش فقيرا طول حياتي على أن أفقد التسامح وحب السالم ‪ ،‬على أن أفقد الحب وإيماني‪.‬‬
‫في عصر من أخطر العصور ‪ ،‬في للحظة من أصعب اللحظات ‪ ،‬في عالم متوتر شرس اليقدس اإلنسانية‬
‫‪ ،‬اليحترم وجوده وبقاءه وإستقراره ‪ ،‬ليس أمامنا سوى أن نمضي بال رجعة ‪ ،‬أن نحاول وبكل قوتنا أن‬
‫نبقى في الصراع أن ال ننهار في الحلبة ‪ ،‬اإلنسانية تقاتل المادية والبرغماتية ‪ ،‬تقاتل ال لكي تنهزم بل لكي‬
‫تحقق النصر الحاسم في النهاية ‪...‬‬
‫لست باليساري وال باليميني ‪ ،‬لست بالشرقي وال بالغرب ي ‪ ،‬لست بالشيوعي أو الليبرالي ‪ ،‬لست ماركسيا‪.‬‬
‫بل أنا أوال إنسان وثانيا انا مسلم ‪ ،‬إيماني واحد اليتغير وحياتي هي ما أريده وما رسمته على للوحتي‪...‬‬
‫في عصرنا الحديث كثرت المتغيرات ‪ ،‬وتغيرت القوانين والمبادئ حسب مايخدم هوى هذا اإلنسان أو‬
‫ذاك‪.‬‬
‫بينما الناس نيام ؛ في للحظات الليل الهادئ ‪ ،‬عندما تفكر ال توجد سوى أن تفكر في اإلنسانية وأبعادها‬
‫ومفاهيمها المختلفة‪.‬‬
‫كم كنت أحب الرسول صلى هللا عليه وسلم كم كان شوقي يزداد وآملي ليوم اللقاء ‪ ،‬كم أطمح ألن أتطهر‬
‫من الرجس ‪ ،‬كم أحن إلى ذاك العالم المشرق في تاريخ العالم ‪ ،‬عصر الصحابة ؛ عصر المبادئ الفاضلة‬
‫‪ ،‬عصر األخوة ‪ ،‬عصر بلغت فيه اإلنسانية قمة المجد ‪ ،‬عصر لم يكن فيه فرق بين عربي أو أعجمي !‬
‫عصر مختلف تماما عن عصرنا‪.‬‬
‫تلك المصابيح الالمعة التي تزين السماء ‪ ،‬لم نتأمل فيها جيدا نظرنا إليها بالعين فقط حرم عقلنا الفتي من‬
‫النظر والتأمل ‪ ،‬من التدبر في السماء وفي تلك النجوم ؛ أي اله هذا من زين السماء وخلق اإلنسان في‬
‫أحسن تقويم ‪ ،‬إن عظمة هذا الخالق العظيم تتجلى في روعة المخلوقات في دقة وفي كمال خلقها‪.‬‬
‫أسخر في الكثير من األوقات من تلك الفلسفة اليونانية واإلغريقية الفارغة ‪ ،‬فلسفة عقيمة المعنى لها ‪،‬‬
‫النتيجة والفائدة ترجى منها سوى خراب أو دمار أو عجز يصيب عقولنا وتهوي به إلى ضالل بعي‪...‬‬
‫إن رحمة هللا وكرمه وفضله وسعت كل شيئ في هذا الكون ‪ ،‬شملت اإلنسان وباقي الكائنات‪...‬‬
‫ال أدري في الحقيقة ما سيكون رد فضيلة قادري وأسرتها لو تقدمت لخطبتها حسب واقع هذا المجتمع‬
‫فغنهم سيرفضون ‪ ،‬لو كانت آلية تفكيرهم تستمد مبادئها وأفكارها من الواقع‪...‬‬
‫مالذي سيحدث بعد ذلك هل هنا انتهت القصة ؟ هل ستؤول المعادلة أو المتغير الرياضي إلى العدم؟ أو أنه‬
‫عنصر حياد اليؤثر في تلك المصفوفة‪.‬‬
‫)‪(71‬‬
‫مايعجز عقلنا الصغير عن إداركه وإكتشافه ستكشفه لنا االيام‪...‬‬

‫إحساس غريب ينتابني أحيانا ‪ ،‬وماكان طول حياتي أشعر به إنقباض صدري وقلبي ‪ ،‬لم تعد هاته الحياة‬
‫تمثل لي أي غاية ‪ ،‬لم أجد في دنيا الزوال راحتي وسعادتي ‪ ،‬أشتاق للحديث ‪ ،‬اشتاق كثيرا ألناضل بقلمي‬
‫ألزعزع ثقة أعداء المسلمين في أنفسهم ألثير فيهم الشكوك حول إستمراريتهم ونجاحهم‪.‬إن التحدي يدفعنا‬
‫للعمل بإخالص شديد ‪ ،‬يدفعنا لألمام‬

‫حدثنا اإلمام اليوم عن الجنة ونعمها ‪ ،‬عن الحياة فيها كيف ستكون ‪ ،‬أمتأل قلبي أمال وطموحا ورغبة‬
‫وإلحاحا ؛ قصور مبنية من الذهب والفضة ومالطها المسك الطيب ‪ ،‬مسك الجنة ن أرض غير األرض‬
‫وحياة غير الحياة ومالبس سندس واستبرق وحرير ‪ ،‬وعسل مصفى ولبن وقطوف دانية ‪ ،‬وهواء نسيم‬
‫وريح منعشة ‪.‬‬
‫لم أحس بالسعادة الكاملة والفرحة الكبرى ‪ ،‬إال عندما أخبرنا أنه سيأتي منادي يدعو أهل الجنة لموعد‬
‫اللقاء‪.‬‬
‫للقاء مع هللا تبارك في عاله ‪ ،‬ما سيكون شعور اإلنسان عندما يرى هللا أليست تلك سعادة يطمح إليها‬
‫العلماء والفالسفة ‪ ،‬وكل إنسان أراد السمو في الطموح ‪ ،‬هذا هو الطموح والحلم وليس أطمح أو أحلم‬
‫ألقتني سيارة فخمة وفيال مقابل شاطئ البحر ‪ ،‬أن تعلوا همة اإلنسان وطموحه‪ ،‬لترتفع عاليا في السماء‬
‫لتطلب ال أشيا ء تافهة بل لتطلب أن ترى هللا ‪ ،‬إن هللا هو الخالق وال أحد ينكر تلك المخلوقات ‪ ،‬ال أحد‬
‫يغفل عن النعم وكيف أن السماء تمطر واألرض تنبت وتخرج الزرع‪...‬‬
‫من هذا اليوم سأقطع على نفسي وعدا ‪ ،‬لن أعمل ولن أسعى في طريقي إال من أجل الجنة من أجل أن‬
‫أحجز مقعدا لي في ساحة اللقاء هناك على أرض الجنة ‪....‬‬
‫أليس فخرا لإلنسان أن يسعى للقاء األب واألم ‪ ،‬ابي آدم وأمي حواء ‪ ،‬أليس فخرا أن نسعى من أجل ان‬
‫نلتقي بنوح وإبراهيم ‪ ،‬بداود ويعقوب بإسحاق وإسماعيل بيونس وأيوب وكل الرسل واألنبياء وكل‬
‫الصالحين ‪...‬‬
‫أليس فخرا أن نسعى للقاء رسول هللا محمد صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬أليس ذاك حدثا يستحق منا التضحية ‪،‬‬
‫يستحق النضال والكفاح ‪...‬‬
‫لن أتطاول على اإلنسان ‪ ،‬فهو كائن كالكائنات ‪ ،‬ولن ألومه‪ ،‬بل سأسعى ال للعتاب بل سأسعى للعودة إلى‬
‫الطريق إلى ذاك الصراط‪.‬‬
‫إن حياة اإلنسان في بعض األحيان تسلك سلوك دالة جيب ية ‪ ،‬سلوك غريب في بعض األحيان‪.‬‬
‫بيني وبينه مسألة شخصية ‪ ،‬حرب ضروس أخوضها مع ذاك العدو ‪ ،‬إنه العدو األول لإلنسان ‪.‬‬
‫في تلك اللحظة الحاسمة على اإلنسان أن يثأر ‪ ،‬بل عليه أن ينتقم بشدة سيكون شديدا جدا كلما اقترب‬
‫اإلنسان من هللا ‪ ،‬كلما سعى ليرضيه ‪ ،‬كلما اتبع أوامره وانتهى وامتنع عن تلك النواهي‪...‬‬

‫إن العقل البشري كما قلت في يوم ما هو مصنع األفكار ‪ ،‬كما أن الواقع يمدنا بأفكارنا فإن هللا بنوره‬
‫وهدايته ينير لنا عقولنا بتلك المبادئ الصحيحة والقيم واألخالق ‪ ،‬بالتدبر والتأمل في آيات الكون بالسفر‬
‫بسرعة كبيرة نحو الطريق الصحيح ‪.‬‬
‫في للحظة من للحظات الحياة هناك أين يصدا العقل ‪ ،‬بعدما ظن أنه استغنى عن هدى هللا ‪ ،‬يعود العدو‬
‫الذي يملك سالح وحيد وهو اإلصرار ؛ يعود بمكره وبخداعه ليمد العقل الغافل بالمبادئ المدمرة ألي‬
‫بنيان أو نسيج فيخلق العقل أفكارا فاسدة تهدد اإلنسان واإلنسانية تذهب به بسرعة كبيرة إلى أقصى مكان‬
‫وأبعد نقطة ضالة‪.‬‬
‫وهو يسير بتلك السرعة الرهيبة ‪ ،‬يفيق العقل من غيبوبته ‪ ،‬يعود ليحيا من جديد عندما يدرك الوضع‬
‫الجديد ‪ ،‬يتدخل بكل قوته ليوقف قطار الهاوية ‪ ،‬يرجع اإلنسان بعد غفلة إلى طريق رائع إنه الطريق إلى‬
‫)‪(72‬‬
‫هللا‪...‬‬

‫كرض يع متعلق بصدر أمه ‪ ،‬ال تستطيع أي قوة أن تبعده عن ذلك الصدر الحنون ‪ ،‬اليستطيع أن يعيش‬
‫بعيدا عنه ‪ ،‬ولن تكون لحياته أية قيمة أو أي مذاق رائع ‪ ،‬كذلك اإلنسان ‪.‬‬
‫ال يمكن لإلنسان أن ينفصل أو أن يبتعد بعيدا عن الدواء الروحي الذي أهداه هللا له ‪ ،‬إن اإلنسان قبل أن‬
‫يك ون جسدا وكيان مادي ملموس هو روح تواقة لألمل ‪ ،‬للهداية ‪ ،‬للنبل ‪ ،‬لألخالق ‪ ،‬للصدق والوفاء ‪ ،‬لكل‬
‫الصفات الجميلة لإلنسانية للسعادة واإلعتدال ‪ ...‬إن اإلنسان شيئ مختلف عن باقي المخلوقات ألن روحه‬
‫من هللا ال يمكنها ان تبتعد عنه وهي متعلقة به ال تستطيع ولن تستقر إذا ابتعد اإلنسان عنه‪.‬‬
‫عن العلم الحديث اثبت بأن سالمة األعضاء وجسد اإلنسان مرهون بسالمة الر وح وطهارتها من كل‬
‫شيئ‪.‬‬
‫إن العقل عقدة خالقة ومبدعة ‪ ،‬والجسد ككيان مادي يغذي ويمد العقل بالطاقة ‪ ،‬والروح اإلنسانية كعامل‬
‫تماسك بين الجميع ‪ ،‬إن أمراضنا العضوية ماهي إال نتيجة وترجمة حسية ألمراضنا الروحية ‪ ،‬وخلل‬
‫أصاب العقل في كيانه‪...‬‬
‫كما تحدثت قبل اآلن على أن االعضاء الحسية تقوم بترجمة األوامر واألفكار العقلية إلى عمل وافعال‬
‫حسية ملموسة ‪ ،‬سواء كانت تلك األفعال والتطبيقات ظاهرة لنا أو كانت خفية ال نستطيع إدراكها ‪.‬‬
‫إن اإلنسان كائن حسي وروحي وعقلي ‪ ،‬فعندما يصيبه خلل يمس أحد مركباته األساسية فمن الضروري‬
‫أن نفهم هذا اإلنسان‪ ،‬فهو ليس آلة نقوم بإصالح العطل من خالل معاينة االعطاب وتبديل القطع أو إعادة‬
‫تثبيتها في مكانها الصحيح‪...‬‬
‫اليكون ابدا العالج نافعا ‪ ،‬إذا قمنا بفصل تلك المركبات فالعالج الجسدي هو جزء من العالج الكامل والذي‬
‫يشمل أيضا العالج الروحي و أيضا العالج العقلي ‪...‬‬
‫بتحقيق كل هاته الشروط سيكون العالج فعاال أضعافا كثيرة من فصلنا للمركبات ‪ ،‬إن الدراسة العميقة‬
‫لتلك المركبات األساسية ستفتح لنا أبوابا جديدة في العالج ‪.‬‬
‫إن التصحيح لن يكون وليد اللحظة ولن يكون سريعا كما تالمش أعيننا وكما يخفق القلب ‪ ،‬بل هو مرحلة‬
‫متدرجة لها خطواتها المتعاقبة والواضحة ‪ ،‬مبنية على المنطق الرياضي‪.‬‬
‫في للحظة هامة من حياة اإلنسان عندما يتخذ قرارا مصيريا بضرورة إحداث تغيير جذري في كل ما‬
‫يتعلق بنا ‪ ،‬ب حياتنا ‪ ،‬بعملنا ‪ ،‬بمبادئ عقلنا ‪ ،‬فهنا ستتجلى لنا اشياء كثيرة هي أكثر أهمية من التغيير في حد‬
‫ذاته‪.‬‬
‫إن مشروع التغيير متعلق باإلصرار على إحداث التغيير بالمتابعة أثناء فترة التغيير وتوفير أسس وشروط‬
‫إحداث التغيير ‪ ،‬لن يكون هناك أي تغيير دون أسس واقعية ومنطقية ت بين الغاية والهدف وتبين لنا آلية‬
‫وشروط ووسائل إحداث التغيير‪.‬‬
‫إن العقل يحتاج للغذاء السليم كما يحتاج الجسد للغذاء السليم وكما تحتاج الروح للغذاء السليم ‪ ،‬إن‬
‫الرياضيات كعلم راق هو من األغذية الثمينة والغنية بالمبادئ بالمعادن وبالبروتينات وبالفيتامينات ‪ ،‬كذلك‬
‫أنواع العلم األخرى ‪ ،‬واللغة والفن كالرسم والموسيقى والتاريخ وكل ما يعتبر صحيحا‪.‬‬
‫لطالما في حياتي كنت ناقدا ‪ ،‬أنقد الحكومة ‪ ،‬انقد السلطة ‪ ،‬أنقد األرسة وأنقد المجتمع ‪ ،‬في نفس تلك‬
‫اللحظة كنت أنقد نفسي وأعاتبها دوما لكني لم أنظر لألمام ‪ ،‬لم أنظر لألشياء الجميلة التي يحملها الناس‬
‫ويحملها البشر ‪...‬‬
‫لطالما كان اإلنسان يمثل لي شيئا فريدا من نوعه غريب عن باقي الكائنات لما ال ننظر لألمام نتفاءل‬
‫بالمستقبل ‪ ،‬لما ال نحيا معا ال في سبيل أنانيتنا وغرورنا الزائف وال من أجل إثبات ذواتنا بل من أجل أن‬
‫نبني مستقبال مشرقا ‪ ،‬من أجل سعادة ارضنا وهذا البلد العظيم‪ ،‬من أجل أجيالنا القادمة‪.‬‬
‫إن واجب اإلنسان كبير ودوره ال يقل عن دور الرئيس أو قائد الجيش أو العالم أو السياسي أو أي إنسان‬
‫آخر مهما بلغت مكانته ومهما كانت مسؤوليته‪.‬‬
‫في للحظة ثمينة أين يقف اإلنسان منا وقفة احترام ‪ ،‬يقدم إعترافا بإحترامه لنفسه ‪ ،‬هناك في نفس اللحظة‬
‫اين يمكن أن يحترم اآلخرين‪...‬‬
‫إن اإلنسان خلق ليعيش ‪ ،‬خلق من أجل أن يعمل ‪ ،‬من أجل أن يراجع دروسه في سبيل اعظم إمتحان‬
‫لإلنسان ‪ .‬ال أقول امتحان للماجستير ‪ ،‬أو إمتحان لنيل الدكتوراه ‪ ،‬ال أعني بالطبع إمتحان من أجل أن‬
‫تصبح عالما أو ينادونك بالسير ‪ ،‬إنه إمتحان أمام هللا جزاؤه مختلف ؛ من أجل الجنة ‪.‬‬
‫لما اليقم الناس ويتحدث ‪ ،‬لما اليفكر ويقول لما ال أكون لما ال أنالها ‪ ،‬سأعمل فقط من أجل الفوز والنجاح‬
‫في ذاك اإلمتحان العالمي مدته عمر هذا اإلنسان ‪ ...‬سأعمل من أجل الجنة ‪ ،‬أشقى في هاته الدنيا الفوز‬
‫)‪(73‬‬
‫بها هناك في تلك الحياة‪...‬‬
‫عند النظر إلى المصفوفة الكونية من وجهة نظر رياضية ينتابني إحساس بانه يمكننا أن ندرس وأن نحدد‬
‫للحظة إنعدام أو إنهيار المصفوفة ‪ ،‬ألنه من السهل في الرياضيات دراسة تغير مقدار رياضي وتحديد‬
‫نهايته‪.‬‬
‫كما هو معروف أن المصفوفة الكونية حسب تلك النظرية ليست متغير أو مجموعة محددة من المتغيرات‬
‫بل تتركب من مجموعة هائلة من المتغيرات التي تتطور بصفة عشوائية وفي كل للحظة زمنية‪.‬‬
‫هذا ما يجعل من المستحيل أن نتمكن من دراسة المصفوفة على النطاق الكوني وبالتالي فليس إطالقا ممكنا‬
‫أن نجد الحلول أو للحظة إنهيار هاته المصفوفة ‪ ،‬حتى القيام بدراسة جزئية بإختيار مصفوفة صغيرة‬
‫ستكون عملية صعبة بعض الشيئ حسب عدد المتغيرات المرتبطة بثوابت أخرى‪.‬‬
‫باإلستناد إلى مصادر الحقيقة ومصادر العلم ‪ ،‬فإنه الصورة تكون واضحة بعض الشيئ ‪ ،‬حيث اليمكن من‬
‫وجهة نظر عقلية رياضية أن تنهار المصفوفة بمعنى إنهيار الكون دون أن تنهار مكونات المصفوفة‬
‫بذاتها‪.‬‬
‫كما أنه أيضا اليعني ذلك بالنسبة لعقل فلسفي وعقل يستمد الحقيقة من خالل مصادر أخرى ‪ ،‬ليست‬
‫المصادر التقليدية ‪ ،‬كاإلستدالل العقلي الخالص أو باإلستناد إلى النتائج التجريبية بأن الكون سينهار عندما‬
‫تنعدم مكونات هذا الكون بمعنى أن بداية اإلنهيار ستكون عكسية ‪ ،‬كما كان تطور المصفوفة الكونية‪.‬‬
‫لكن في تلك المرحلة ستكون السرعة كبيرة جدا أكبر بماليين األضعاف من مرحلة التطور تلك المصفوفة‬
‫‪ ،‬وكل هذا يعني أن عملية اإلنهيار الشاملة ستكون من خال ل عدة إحتماالت على سبيل المثال ان يبدأ‬
‫متغير أساسي في المصفوفة الكونية ‪ ،‬شيئ ال أدري ماهو باإلنهيار سيؤي إلى سلسلة من اإلنهيارات‬
‫المتتابعة والسريعة‪.‬‬
‫إن المتغير الجذري أو الخفي سيؤول إلى العدم نتيجة حتمية لخلل رياضي سواء كان خلال فيزيائيا أو‬
‫كيميائي أو ميك انيكي أو حتى خلل ىخر ال أستطيع أن أتصوره‪.‬‬
‫إن اإلهتمام بدراسة الظواهر المختلفة والتركيز على دراستها واإليمان بأن الظاهرة الفيزيائية والظاهرة‬
‫الكيميائية والظاهرة البيولوجية والظاهرة اإلنسانية مترابطة ‪ ،‬تحكمها عالقة رياضية واحدة ‪ ،‬ومجموع‬
‫الظواهر سي ّكون لنا ال مصفوفة الكونية كما هو معروف لدى الجميع ‪ ،‬إن فساد الشيئ يعني بالمقابل فساد‬
‫مركبات هذا الشيئ ‪ ،‬سواء كان األمر بالنسبة للكون كحالة شاملة أو للمجتمع أو لإلقتصاد أو للجيش أو‬
‫للثقافة أو األسرة ‪ ،‬أو اإلنسان في حد ذاته‪.‬‬
‫في للحظة من حياتي عندما تسوء األمور قليال ‪ ،‬عندما اليستطيع العقل أن يفكر وعندما تجري الرياح بما‬
‫التشتهي السفن ‪ ،‬هناك أين اكون وحيدا في عالم خيالي ألجأ ألدخن ‪ ،‬أمسك بالسيجارة ‪ ،‬ليست كتلك التي‬
‫يعرفها الناس ‪ ،‬ال أضعها في فمي بل كنت أمسك بها بيدي ‪ ،‬لم يكن ينبعث منها دخان بل كان حبرا أزرقا‬
‫والسيجارة كا نت قلما هو وسيلتي ألهرب من اآلسى ومن األحزان‪.‬‬
‫إن السعادة واإلنسان ‪ ،‬إن الحياة كلها بواقعها وبآالمها وبأفراحها لن تكون كذلك إال عندما يسعى اإلنسان‬
‫ليحاول ‪..‬‬
‫قبل سنوات قليلة فقط كانت نظرتي للواقع السياسي واإلقتصادي واإلجتماعي للوطن اإلسالمي محددة‬
‫تشوبها بعض األفكار الغير واضحة ‪ ،‬األفكار التي غذت عقولنا خالل سنوات مضت‪.‬‬
‫كإنسان يعيش في كوكب بعيد ‪ ،‬يطمح ال لكي يحقق ذاته بل يسعى ليكون إنسان ‪ ،‬يقاتل الظروف‬
‫واألسباب التي تنزع منا صفة اإلنسانية ‪ ،‬إن العالم بواقعه ال يرد لهذا اإلنسان سوى ليصبح كائنا جامدا‬
‫يسعى خلف الج امد وتاركا تلك المعاني التي تمثل لنا أرقى العلوم الرياضية ‪ ،‬ارقى الحقائق ‪ ،‬المعرفة‬
‫الكاملة‪.‬‬
‫ال أحد ربما فكر في مفهوم الحب من وجهة نظر علمية ورياضية ‪ ،‬ال أحد أيضا فكر فيما هو الصبر ‪ ،‬ماذا‬
‫يعني كل هذا بالنسبة لنا‪...‬‬
‫)‪(74‬‬
‫ماهو التسامح ‪ ،‬ماهو السالم ‪ ،‬ماهو الشرف ‪ ،‬وماهي الكرامة ‪ ،‬ماهي األمانة ‪...‬‬

‫إن موجة التغيير التي شهدها العالم اإلسالمي خالل بداية السنة الجديدة ‪ ،‬ليست دليال قاطعا ‪ ،‬ولن تؤدي‬
‫إلى تحقيق التغيير الذي يريده هؤالء ‪ ،‬سواء التغيير السياسي أو اإلجتماعي أو تغيير الواقع اإلقتصادي‪.‬‬
‫ألن من يريدون التغيير ‪ ،‬اليعون واليفهمون ما معنى التغيير سوى من وجهة نظر ضيقة أو محدودة ‪،‬‬
‫وهذا ما سيؤدي إلى فشل وإخفاق مساعيهم ألنهم اليعرفون ماذا يريدون بالضبط‪.‬‬
‫بغض النظر عن باقي المجتمعات ‪ ،‬مثل النموذج الياباني مثال اعلى للشعب ولألمة الواعية التي تعرف‬
‫مالذي تريده وأين يريدون أن يذهبوا‪.‬‬
‫كان هدفهم حينذاك أن يرقوا بوطنهم وان يحققوا لهم ذاته وهذا هو السبب الحقيقي لنجاحهم ‪...‬‬
‫إن المجتمع هو الذي قاد النهضة ‪ ،‬هو الذي أسس المؤسسات والشركات هو الذي أقام الصناعة والتجارة‬
‫وهو الذي صنع الحكومة‪.‬‬
‫إن مجتمعاتنا تفتقر كثيرا إلى الفكر اإلستراتي جي وآلية تفكيرنا محدودة القدرات وقاصرة على إدراك‬
‫المستقبل ؛ منذ بداية الحرب الباردة حتى هذا اليوم الزلنا ال نعرف مالذي نريده ‪ ،‬اين نحن في هذا العالم‬
‫وهذا الواقع؟‬
‫إن االمر ال يتعلق بنا فحسب ‪ ،‬بل يتعلق بأجيال قادمة وبمستقبل هذا الوطن ‪ ،‬لقد كانت السياسة دوما للعبة‬
‫شطرنج الفوز فيها دوما مرتبط بالخطوات المستقبلية وليس بخطوة واحدة‪.‬‬
‫سبب الخلل االساسي يمكن في أن ترتيب األفراد في المجتمع ليس صحيحا بل خاضع ألهواء وأفكار غبية‬
‫‪ ،‬بمعنى أن الفرد ليس في مكانه الصحيح ‪ ،‬وهذا أدى إلى وجود خلل في تركيبة المصفوفة الجزئية بما‬
‫يعني أن المركبات غير صحيحة وليست مرتبة في الشكل الصحيح ‪ ،‬وهذا هو السبب الحقيقي وراء بقاء‬
‫المصفوفة الكونية ثابتة في مكانها أو جعلها منهارة على نفسها‪.‬‬
‫إن مجتمعنا عليه ان يتغير بصفة كلية ‪ ،‬حتى يتحرر من األفكار ومن الرجس الذي يصيبه حتى نتطهر‬
‫جميعا من األفكار ا لغبية التي نؤمن بها ‪ ،‬ألن طبيعتنا االولى ترفض كل المبادئ التي ال تتفق في أساسها‬
‫مع مركباتنا الروحية والنفسية والعقلية‪...‬‬
‫إن لتنشئة األفراد دور أساسي في واقع هذا المجتمع أو ذاك ‪ ،‬كنت اسأل أحيانا أصدقائي وبعض الناس ؛‬
‫ماهي أحالمكم؟ ومالذي تطمحون إليه ‪ ،‬لم يكن الوطن أبدا من طموحاتهم وهذه هي المشكلة الرئيسية ‪،‬‬
‫هناك من يفكر في نفسه وهناك من يفكر في أبناءه ‪ ،‬هناك من يفكر في عائلته والقليلون فقط ال اعرف من‬
‫هم من يسهرون ألجل هذا الوطن ‪...‬كما قلت في أحد األيام ‪ ،‬إننا ال نملك هذا الوطن بل نحن ومالنا ملك‬
‫للوطن ‪ ،‬وهذه هي الحقيقة ‪ ،‬إن األرض لم تتغير منذ عهود طويلة لكن من يعيشون عليها تغيروا كثيرا ‪،‬‬
‫أجيال مضت وأجيال أخرى ستأتي بعد ذهابنا‪.‬‬
‫إن الهدف األساسي لي كإنسان يعيش على هذه األرض هو أن أرقى بوطني ليحتل مكانته الحقيقية بين‬
‫دول العالم ‪ ،‬إن مكانة وطني ليست هذه التي هو فيه ا بل مكانته هناك ‪ ،‬ال أطمح ليكون وطني الثاني بل‬
‫أطمح ليكون األول ‪ ،‬وأعتقد أن هذا هو طموح كل مواطن يعيش على ارض هذا الوطن‪.‬‬
‫إن التفكير التقليدي الذي يمثل مصدر إلهام للشعب وللمجتمع هو السبب األول للواقع الذي نعيشه ‪ ،‬لبدء‬
‫التغيير ال بد من تغيير الفكر ‪ ،‬ليصبح عقلنا عقال إستراتيجيا ‪ ،‬واجب القيادة هو أن يضعوا هذه االمة في‬
‫السكة هذا هو المطلوب منها أل ن الشعب هو القطار ‪ ،‬والقطار اليتحرك من خالل قوة دفع خارجية توفرها‬
‫له الحكومة ‪ ،‬لوكان األمر كذلك الصبحنا اليوم من العالم المتقدم‪...‬‬
‫لكن القطار يتحرك بقوته الذاتية الداخ لية ‪ ،‬فهو الذي يحرك نفسه ويدفع بنفسه إلى حيث يريد وهو أيضا‬
‫الذي يعود للوراء بطاقته االسلبية‪.‬‬

‫قبل أكثر من أربع سنوات عندما أسست الدولة إستنادا إلى نظريتي التي سميتها الدولة الصغيرة ‪ ،‬التي هي‬
‫نموذج مصغر للدولة الكبيرة ‪ ،‬تبين لي أن المكونات األساسية لبناء الدولة هي أن تكون هناك أرض وأن‬
‫يكون هناك شعب وايضا أن تكون حكومة قائمة‪.‬‬
‫لقد بنيت دولتي على ركن واحد وهو الحكومة ‪ ،‬في سني حينها لم تكن لي أسرة ‪ ،‬زوجة وأوالد ولم تكن‬
‫لي أرض بمعنى منزل ‪ ،‬كنت في بيت العائلة‪...‬‬
‫إن نظرية الدولة الصغيرة استندت وأستمدت محتواها من الدولة الكبيرة ‪ ،‬الدولة التي نعيش فيها أو أي‬
‫دولة أخرى قائمة‪.‬‬
‫لكل دولة إقتصاد ودستور وجيش وسياسة واضحة ومعينة ‪ ،‬ونظام حكم معين خالل تلك المدة التي سميتها‬
‫بمرحلة تأسيس الدولة كانت وكأي تاريخ مرحلة صعبة وقاسية ‪ ،‬سعيت جادا أن أستقل بنفسي أن أؤسس‬
‫كيانا راسخا له حدوده الجغرافية وطن أعيش فيه وأفرح فيه ‪ ،‬احزن فيه ‪ ،‬اقبل فيه الذل والمهانة من أجله‬
‫‪ ...‬وأعتمدت سياستي في األساس على مبدأ العزلة الدولية ‪.‬‬
‫لقد رفضت طويال أن اكتب أو أن اطرح نظرية الدولة الصغيرة ودورها الفاعل في المجتمع واثارها‬
‫اإليجابية على تقدم المجتمعا ت وتطورها ولذلك في الحد من اآلفات اإلجتماعية والمشاكل التي يشهدها أي‬
‫مجتمع في العالم‪.‬‬
‫لم يكن رفضي إال ألني خشيت من أن يساء فهمي و يسيئ القارئ فهم معنى وابعاد تلك النظرية ‪...‬‬
‫فخاللها قمت بتسمية االسرة بالدولة الصغيرة ألنها كذلك والتفكير في األمر من هذه الزاوية سيغير فهمنا‬
‫ونظرتنا للكثير من الصعوبات والمعيقات التي تشهدها االسرة المعاصرة‪...‬‬
‫عند إكتمال أركان تلك الدولة ‪ ،‬بوجود الشعب واألرض سأبدأ مرحلة أخرى مع الدستو ر الذي وضعته‬
‫دستور شامل لمناحي الحياة األسرية وعالقة األسرة أو الدولة الصغيرة بالدول األخرى ‪ ،‬وماهي الضوابط‬
‫التي تحكمها وكيف هي العالقة بين مكونات الدولة األساسية‪.‬‬
‫فالقيادة العامة ‪ ،‬ستعمل من أجل إيجاد الحلول ألية أزمة سواء من الجانب السياسي أو اإلقتصادي او‬
‫اإلجتماعي وهكذا فإن األجيال ستخرج إلى المجتمع متشبعة بالمبادئ السامية والقيم واألخالق ‪ ،‬تعي‬
‫الح وار والديمقراطية الحقيقية تقدس العمل وأداء الواجب ‪ ،‬جيل اليفكر في نفسه ‪ ،‬بل غايته األولى هي‬
‫مستقبل الدولة ومستقبل هاته األمة‪.‬‬
‫حسب إعتقادي الشخصي ووجهة نظري التي صنعت بها تلك النظرية ‪ ،‬ستتحقق وستقل بنسبة مفاجئة‬
‫المشاكل اإلجتماعية لو أعتمد المجتمع أو األفراد في حياتهم على نظرية الدولة الصغيرة فهي التكرس‬
‫مبدأ الحكم والقرار الواحد ‪ ،‬بل تقوم على مبدأ الحوار الدائم والتعاون المشترك بين الفاعلين األساسيين في‬
‫الدولة سواء كان االب أو األم أو األبناء‪.‬‬
‫إن مبدأ حياتي كلها "مشروعية الوسيلة هي السبيل لتحقيق الغاية المشروعة" كان ثمرة لتلك النظرية التي‬
‫لن تستمر وستنهار الدولة على نفسها إذا تغير ذاك المبدأ الذي تستمر عليه فهو روح الدولة الحقيقية ‪...‬‬
‫إن أول دولة في العالم كانت تتكون من فردين إثنين تطورت وكبرت الدولة حتى أصبحت كواقعنا اليوم ‪،‬‬
‫دول كبيرة تضم شعوبا وأجناسا مختلفة‪.‬‬
‫كتبت يوما فقلت لن أكون سياسيا ناجحا إذا لم تكن أمامي دبابة وفوقي قاذفة قنابل ‪ ،‬عندما فكرت في‬
‫معاني اإلنسانية ف ي غاية وجود هذا اإلنسان ‪ ،‬ادركت جزئيا أن القيمة لما قلته بل كنت مخطئا في اغلب‬
‫الحاالت‪.‬‬
‫إن السياسة وجدت من أجل حل األزمات والمشاكل والتاريخ القديم يثبت ذلك إلى أبعد وأقصى الحدود ‪ ،‬ال‬
‫أن تعقد المسائل وتخلط األوراق وتشعل فتيل الحرب وتدمر اإلنسان والمجتمعات و البشرية ‪.‬‬
‫إن هذا اإلنسان الشرير الذي يستمد وحيه من الشيطان هو الذي يحاول أن يقضي على اإلنسانية من أجل‬
‫تحقيق رغبة الشيطان الشرير‪...‬‬
‫كل األمور تصبح واضحة ال تستدعي منا أن نتفلسف ‪ ،‬أو أن نتظاهر بالتحليل العقالني لها ‪ ،‬إن الحقيقة‬
‫تكون أمامنا أحيانا لكنا النراها ‪ ،‬ليس ألننا النبصر ‪ ،‬بل ألن الشر الذي داخلنا منعنا من رؤية ماهو خير‬
‫وشتت إنتباهنا لنرى كل ماهو شر ‪...‬‬
‫أتأسف كثيرا بل أنا حزين ‪ ،‬بل أنا اتألم ألني غير قادر على أن أنهي الشر في هذا العالم ‪.‬‬
‫كانت أمنيتي تفوق الخيال ‪ ،‬كل أحالمي البريئة أصبحت مهددة ألن الشر لم يترك لي حال إال ألقاتله ‪،‬‬
‫فعلي أن اصنع أحالما اخرى ‪ ،‬من أجل الحسم النهائي في المعركة الحقيقية ‪.‬‬

‫أحب كثيرا الحديث عن السالم والحديث عن الحرب ‪ ،‬لقد كنت محاربا ‪ ،‬كما أني كنت إنسان ؛ مالذي‬
‫تريده أيها العالم الجامد خذ كل هذا الجماد واترك الحب والتسامح والسالم واألمل والحياة ‪.‬‬
‫إن أولئك الرأسماليين واولئك الشيوعيين الذين أخطأوا وأخفقوا قضو حياتهم كلها يشعلون الفتن والحروب‬
‫ودمروا اإلنسانية ودمروا كل شيئ جميل في هذا العالم‪.‬‬
‫عندما يتعلق األمر باإلنسانية ‪ ،‬بالسالم و بالحب ‪ ،‬باألمل وبالشوق فإنني لن أقف كتمفرج ‪ ،‬ساحمل‬
‫السالح وسأقاتل ‪ ،‬ال أقول سالحا آليا أو نصف آلي ال أقصد بالطبع كالشينكوف أو مضاد للطائرات ‪ ،‬ال‬
‫أقصد قاذفة قنابل ثقيلة أو مدمرة حربية أو صا روخ إستراتيجي عابر بين القارات ‪ ،‬إن السالح هو سالح‬
‫القلم‪.‬‬
‫إن األفكار الغبية التي أطلقها آدم سميث وكارل ماركس التكرس لواقع اإلنسان بل هي قوانين وأفكار‬
‫لمجتمع الغابة ومجتمع الحيوانات‪...‬‬
‫ماذا يعني أن دولة أيا كانت تنفق ماليين ‪ ،‬بل أتجاوز االمر ألتحدث عن مليارات من أجل صفقات‬
‫األسلحة ‪ ،‬وهناك مئات وأالالف يعيشون تحت عتبة الفقر ‪.‬‬
‫مالداعي ألستثمر مليارات من أجل تطوير أنظمة دفاع صاروخية من الجيل الثالث أو الرابع ‪ ،‬وهناك‬
‫ماليين البشر وضعهم وواقعهم األليم اليستطيع أي جرذ في العالم أن يعيش في تلك الظروف‪...‬إن الظلم‬
‫هو السبب في إنتشار موجة العنف والكراهية ‪ ،‬بعدما ظن اإلنسان أن انسانيته ‪ ،‬أن حقه في اإلنسانية قد‬
‫ضاع ‪ ،‬وقد سلبه ودمره أولئك الرأسماليين واإلشتراكيين ‪ ،‬إنها حقيقة المفر منها ؛ لن ينصلح الكون بفساد‬
‫مكوناته وكل مالمح إنهيار المصفوفة الكونية أمست ظاهرة للعيان‪.‬‬
‫لن يتغير أي شيئ فالبد من إيجاد فكرة جديدة ومن إعادة النظر في الوضع االليم الذي يعيشه هؤالء ‪...‬‬
‫عندما كنت في األولى ثانوي ‪ ،‬كنت أحلم أن أكون عالم فيزياء نظرية ورياضيات كنت أبكي ألني أريد أن‬
‫أعيش للعلم من أجل أن أصبح عالما ‪ ،‬ليس من أجل الدعاية بل من أجل نفسي‪...‬‬
‫لكن الواقع األليم دعاني ألراجع نفسي وأختار بين العيش من أجل نفسي أو العيش من أجل اإلنسانية ‪...‬‬
‫قبل سنتين من اليوم خيرت بين أن اصبح ضابطا في الجيش أو أن أصبح طبيبا ‪ ،‬قلت في نفسي يومها‬
‫واتخذت قرارا ‪ ،‬وقلت إذا أصبحت ضابطا فسأعيش من أجل خمسة وثالثين مليون جزائري ‪ ،‬وإن‬
‫اخترت الطب فسأعيش من أجل ستة ماليير ونصف إنسان وهذا هو سبب إختياري لدراسة الطب‪...‬‬
‫أنا اليوم أمام خيار آخر ‪ ،‬إما أن أعيش من أجل ستة ماليير ونصف إنسان أو أعيش من أجل مليار‬
‫)‪(75‬‬
‫ونصف إنسان مسلم ‪ ...‬إنني أمام خيار صعب‪.‬‬

‫سألت نفسي باألمس في تلك اللحظة الزمنية عندما قالي لي صديقي وليد لماذا هؤالء لديهم المال وليس لهم‬
‫علم ؟ لما نحن لدينا بعض الشهادات وبعض العلم وليس لدينا المال‪.‬‬
‫في تلك اللحظة تحدثت إليه وكأن الفكرة نزلت من السماء ؛ قلت إن هللا فرق الناس ‪ ،‬اعطى لمن ليس له‬
‫علم المال الكثير وأعطى اآلخر العلم الكثير ‪ ،‬وهنا السؤال الفلسفي العميق ‪ ،‬أجبت عن ذاك السؤال بفكرة‬
‫بسيطة استندت إليها من خالل التطور التاريخي ‪ ،‬فالعلم والمال شقيقان ‪ ،‬بالعلم نصنع المال وبالمال‬
‫نطورالعلم‪.‬‬
‫إن عدالة هللا واضحة كالشمس ‪ ،‬والتستحق منا ال جدل أو تطاول أو حتى تفكير ‪ ،‬لقد وهب هللا لهم المال‬
‫لكي يتعلموا ‪ ،‬لكي ينفقوا مالهم على العلماء حتى يتعلم هؤالء المعرفة بكافة أشكالها‪.‬‬
‫ووهب لهؤالء العلم لكي يفكروا ليستفيدوا من علمهم من أجل تحصيل الرزق ‪ ،‬لكن لكل واحد منهم طريقه‬
‫التي ينتهجها ‪ ،‬وهنا يتجلى الواجب والعمل الثقيل الذي يتجاهله الناس بكل أطيافهم‪.‬‬
‫هناك أيضا من ليس لهم علم والمال بل لديهم القوة ‪ ،‬وهكذا فالعدالة هنا تدعو إلى التكامل اإلجتماعي ‪،‬‬
‫ألن كل فرد هو جزء وعنصر أساسي سواء كان بطال رئيسيا أو بطال ثانويا‪.‬‬
‫من مشاكل العالم المتخلف عقليا نجد الطائفية والحزبية ‪ ،‬إنها أمراض هدامة لكيان كل أمة وكل شعب‬
‫وتثقل كاهل الدولة بل هي أشد وطأة من األزمات والكوارث الطبيعية ‪...‬‬
‫إن مكونات الدولة األساسية هي الحكومة والشعب واألرض ‪ ،‬عند تحليل معنى الحكومة والشعب نتوصل‬
‫إلى اإلنسان وهو أول نواة لالسرة وبالتالي للمجتمع والحكومة ‪ ،‬عندما تختلف األفكار واإلتجاهات‬
‫والرؤى فإنه من المنطقي أن تنفصل االفكار عن بعضها ؛ بعدما كان هناك شعب واحد أصبحوا شعوبا ‪،‬‬
‫ولكل شعب أرضه الخاصة به ‪ ،‬وألن فكرة الحكومة اصبحت التؤدي دورها فهنا ستظهر األزمة ‪ ،‬لن‬
‫تقبل شعوبا مختلفة التوجهات بحكومة تحكم الجميع فالكل يريد حكومته الخاصة وهنا لن تكون هناك دولة‬
‫قائمة ‪ ،‬لن يخدم المواطنون الذين يشتركون في التاريخ وفي الدم وفي النضال مصالح الوطن العليا‪.‬‬
‫فللسفينة ربان واحد وليس أكثر من ذلك ‪ ،‬وهنا لن تجري السفينة المع التيار أو عكس التيار بل ستغرق‪.‬‬
‫إنها عملية إنشطار عشوائية للذرة ستولد كارثة بكل المقاييس والمفاهيم العلمية ‪.‬‬
‫كسياسي محنك ‪ ،‬المشكلة األساسية التي تحرمني النوم كيف نصيغ السياسة أو المشروع الذي يرقى بهذا‬
‫الوطن ‪ ،‬كيف نقوم أو ماهي الخطوات التي علينا القيام بها من أجل أن نخطو تلك الخطوات‪.‬‬
‫إن مآسي هذا الشعب ومعاناته إن مشكلة المواطن هي مشكلتي كسياسي ؛ كيف سأعمل ؟ وماهو الحل‬
‫ألزيل األعباء عن كاهل كل مواطن؟‬
‫في تلك اللحظة أدركت المشقة وكيف لي أن أتجه نحو األمام ‪ ،‬لن يستطيع اإلنسان وحده أن يجد الحلول‬
‫للمشكالت‪ .‬إننا جميعا نشترك فنحن نكمل بعضنا بعضا ‪ ،‬إن العمل هو عمل مشترك والقرار السياسي هنا‬
‫هو قرار جماعي ألن المصلحة مصلحة مشتركة‪.‬‬
‫على كل إنسان أو مواطن أن يدرك بأن مصلحته هي من مصلحة الوطن ومصلحة الوطن مصلحة‬
‫للمواطن‪...‬‬
‫إن المستق بل أصبح قريبا جدا جدا ونحن جامدو ن النتحرك استسلمنا لليأس وللفشل لأللم وللندم وهذه هي‬
‫المأساة الحقيقية‪.‬‬
‫إن الشيطان لن يقبل السالم وج نوده من بني البشر ؛ من باعوا إنسانيتهم ‪ ،‬وهنا تتجلى لنا الخطورة ‪ ،‬من‬
‫هذا المنطلق علينا أن الننخدع علينا ان نسعى للسالم ليس من خالل السياسة الكالمية الفارغة ؛ علينا أن‬
‫نحارب من أجل السالم ‪ ،‬إنها حرب مفروضة علينا دخل إليها اإلنسان وأمامه خياران ‪ :‬إما اإلنضمام‬
‫لمعسكر الشر أو معسكر الخير‪...‬‬
‫معركة أزلية وتاريخية بين ماهو شر وماهو خير ‪ ،‬إن نظرية المصفوفة الكونية من وجهة نظر فلسفية‬
‫كانت كالعالم المطلق المثالي ألن طبيعة النفس واإلنسان هي الخير‪.‬‬
‫إن كل هذا يدل على وجود مخلوقات غير اإلنسان لديها الذكاء البشري أو مايفوقه والقوة وهم من جلبوا‬
‫الشر للكون ‪ ،‬فهم من كانوا يسفكون الدماء وينشرون الشر في العالم ‪.‬‬
‫إنها حرب حقيقية سواء أردنا أم لم نرد منذ ان جئنا للحياة دخلنا الحرب ‪ ،‬جنودا يحاربون في كل للحظة ‪،‬‬
‫وهنا علينا الخيار علينا أن نحدد إنتماءنا الحقيقي‪...‬‬
‫إن الشر وإن انتصر لعقود طويلة من الزمن ‪ ،‬فإن الخير سننتصر في النهاية ‪ ،‬ألنها حقيقة علمية ثابتة‬
‫)‪(76‬‬
‫التقبل اية تصورات أو التقبل الجدل ‪ ،‬كما انها ليست مسلمات وليست بديهيات بل هي علم يقين‪.‬‬
‫أحيانا في الحياة تتجدد روح اإلنسان بين الحين واآلخر ‪ ،‬فقدت األمل حينا في وجود الحب لكن أعود من‬
‫جديد ألتحدى الواقع ‪ ،‬ألتحدى الظروف ‪ ،‬كإنسان يعيش في الوجود ال أطمح سوى ألرى الحب منتشرا‬
‫في كل مكان ‪.‬‬
‫يمأل الكون كله سعادة وفرحة ‪،‬لقد أصبح اإلنسان كآلة تلتهم االشياء اليهمها أي إشيئ ‪ ،‬آلة ميكانيكية تؤدي‬
‫وظائف روتينية تفقد الحياة قيمتها مع كل حركة تؤديها‪...‬‬
‫إن الفيزيولوجيا العضوية ‪ ،‬ومانراه في حياتنا من مادة متماسكة تشكل كل هذا الكون ‪ ،‬ليست هي التي‬
‫تؤدي الدور والعمل في األساس‪...‬‬
‫إن اإلمتداد في التفكير ‪ ،‬وبدأ التفكير بصورة عقلية مستمرة والكشف عن ماوراء المادة ‪ ،‬لنكتشف أشياء‬
‫جديدة ‪ .‬إن عضويتنا كلها ‪ ،‬ال قلب والدماغ والرئتين وحتى الدماء ماهي إال نتيجة نهائية لتسلسل الذرات‬
‫في شكل معين والوظيفة تلك تتحكم فيها سلوك الذرة وسلوك اإللكترونات وسلوك األنوية ‪ ،‬المادة الحية أو‬
‫الجامدة تعبير ماكروسكوبي على هندسة معينة من الذرات أو الجزيئات المختلفة‪.‬‬
‫عندما نمتلك قدرة فائقة على الرؤية أين نستطيع رؤية جسم متناهي الصغر برتبة النانو والفمتو ‪ ،‬فإننا‬
‫سندرك تلك الحقيقة ‪ ،‬إن تحرك وسلوك الذرات والجزئيات المكونة للقلب هي التي تعطينا في صورتها‬
‫التي نراها نبضات القلب ‪ ،‬متى سيتوقف النبض؟ في اللحظة التي ستفقد فيها الجزيئات والذرات الطاقة‬
‫التي كانت تكفل لها الحركة فهنا سيتوقف القلب عن النبض‪.‬‬
‫في نفس تلك اللحظة الزمنية ماهو الموت ‪ ،‬إن الموت الفيزيولوجي ليس إال موت للذرة بمعنى فقدان الذرة‬
‫القدرة على التواصل والحركة ‪...‬‬
‫حسب نظرية الفوتون التي فكرت فيها قبل ثالث سنوات ‪ ،‬فإن كل مانراه عبارة عن ضوء حتى القلب‬
‫واألعضاء والجبال واالشجار ‪ ،‬عند التفكير في المستوى االصغر فإن العضوية مهما كان عبارة عن‬
‫فوتون ضوئي بمعنى حركة العضو خاضعة له ‪ ،‬بمعنى أن كل االشياء مترابطة وخاضعة لنفس العامل‬
‫وهو الضوء‪.‬‬
‫إن التواصل الكيميائي في العضوية ‪ ،‬هرمونات ورسائل كيميائية مختلفة حتى البروتينات هي عبارة عن‬
‫مجموعة من الذرات والجزيئات التي تتشكل بطريقة معينة لتعطي لنا معنى ‪ ،‬وجود الفوتونات الضوئية‬
‫هو الذي يعمل على بناء وتحديد صفة هذا التركيب‪.‬‬
‫بالنظر إلى السيناريوهات التي أقترحها العلماء حول نهاية الكون ‪ ،‬فسؤالنا العلمي كيف ستكون النهاية؟‬
‫وأين ستذهب المعلومات والمعطيات التي وجدت منذ ميالد هذا الكون حتى نهايته ‪.‬‬
‫بإمكان فوتون ضوئي أن يحمل كل المعلومات وكل المعطيات عن هذا الكون ‪ ،‬باإلفتراض أن بداية الكون‬
‫كانت إنطالقا من فوتون ضوئي ‪ ،‬إن تفسير هذا المعنى يتجلى في الحقيقة في عدة مفاهيم اساسية ‪.‬‬
‫بالنظر إلى الحياة وإلى ماتوصلت إليه التكنولوجيا ‪ ،‬فإن هناك ذاكرات صغيرة الحجم تخزن األالف‬
‫ومليارات المعطيات‪.‬‬
‫فاالكيد هو وجود شيئ اصغر من كل شيئ قادر على تخزين كل المعطيات الكونية ‪ ،‬حسب إعتقادي فإن‬
‫الفوتون الضوئي هو المعني بهذا‪.‬‬
‫سيتوسع الكون إلى حد معين وبعد ذلك ستبدأ مرحلة إنكماش الكون إلى أن تحدث عملية اإلنسحاق العظيم‬
‫‪ ،‬ستختفي المادة بشكلها الذي نراه لتتكثف وتتجمع في شعاع ضوئي متناهي في الصغر‪.‬‬
‫إن حياتنا موجودة من قبل وهذا ما تعنيه النسبية العامة وإمكانية السفر عبر الزمان كما المكان‪.‬‬
‫لقد تحدثت في بعض صفحات هذا الكتاب عن الشمس كمركز للكون كفرضية ‪ ،‬وتحدثت عن أن الماضي‬
‫والمستقبل متناظران بالنسبة للمركز في نفس الفرضية نرسم في المستوي لإلحداثيات الزمنية مركز‬
‫المستقيم هو الشمس ونهايتيه هو الماضي والمستقبل‪...‬‬
‫عند النظر من منظور أعلى أو أفقي للسطح المستوي ونقوم بتحريك الرؤية على الخط فإنتا سنرى‬
‫األحداث الماضية ‪ ،‬عند التقدم نحو األمام فإننا سنرى المستقبل‪.‬‬
‫باإلستناد إلى هاته الفرضية ‪ ،‬فإن كل ساعة قادمة بل كل للحظة قادمة التي التنتمي للحاضر بل للمستقبل‬
‫هي مرسومة‪.‬‬
‫بمعنى أن الماضي والحاضر والمستقبل عبارة عن كتاب مكتوب سابقا ‪ ،‬كل صفحة هي عبارة عن يوم في‬
‫حياة اإلنسان ‪ ،‬هذا بالنسبة للفرد ‪ ،‬وهناك كتاب أكبر تمثل الصفحة فيه كل يوم من تاريخ الكون‪...‬‬
‫عند النظر إلى المستوى الذري فالطاقة المخزنة في أنوية الذرات ‪ ،‬طاقة التماسك التي تمسك وتضمن‬
‫إستقرار النواة وبالتالي البروتونات والنيترونات أكبر بكثير من أي طاقة خارجية اخرى‪.‬‬
‫وهنا يمكننا أن نفكر في إمكانية وجود شعاع قادر على تخزين كافة المعلومات منذ ميالد الكون إلى آخر‬
‫للحظة فيه ‪ ،‬إ ن األحداث الماضية لم تذهب بل هي موجودة النستطيع الرجوع إليها النها ابعد بكثير عن‬
‫هذا الحاضر وكذلك االمر بالنسبة للمستقبل‪.‬‬

‫ليس هناك في هذا العالم كله ما يشغلني أو مايهمني ‪ ،‬اهتم في الحياة بشيئ واحد فقط ؛ أهتم باإلنسان ‪،‬‬
‫أطمح للسالم ‪ ،‬أطمح لينتشر الحب والتسامح والخير في ارجاء هذا الكون‪...‬‬
‫لم تترك الحضارة الجامدة أثرها في حياتي وفي نفسي ‪ ،‬مع كل يوم ينقضي إصراري وتصميمي على‬
‫الوقوف في وجهها يزداد ويقوى‪.‬‬
‫ال اتصور لحياتي وجودا أو معنى حقيقي عندما يفقد قلبي إحساس الحب‪ ،‬اإلنسانية هي اول شيئ في هذا‬
‫الكون ‪ ،‬ستعيش وستبقى وإن جار الزمان عليها فإنها ستظل تحمل معانيها ومدلول مفاهيمها‪...‬‬
‫أطرح اليوم ا لسؤال ولعل اإلجابة ستكون غدا ‪ ،‬ما مصير الحب في هذا العالم ؟ ! إلى متى سأستمر ؟‬
‫ومتى ستتحقق تلك المعاني‪...‬؟‬
‫أنتظر بفارغ الصبر متى سيسمح لي القدر بما انتظرته سبعة سنوات من عمري ‪ ،‬ال أدري مالذي سيحدث‬
‫في تلك اللحظة ‪ ،‬ما أتمناه لم يكن ابدا طلبا خياليا لكن العين تبصر ما التستطيع اليد أن تلمسه ‪ ،‬إن كان في‬
‫الحياة ناس ‪ ،‬وللناس ميزان ‪ ،‬يضعون الحب واألخالق في كفة والمال والثروة في كفة أخرى ‪ ،‬فإني لست‬
‫)‪(77‬‬
‫من هؤالء الشيئ فوق الحب كما كان ذاك المثل اإلنجليزي يقول "المال اليشتري لي الحب"‪.‬‬

‫في للحظة من التاريخ يشعر اإلنسان ببعده عن العالم الحقيقي وبعده أيضا عن ذلك العالم المثالي‪ ،‬يفكر‬
‫حينها في العودة إلى أي عالم منهما ‪ ،‬ينتظر التيار ليأخذنا هناك إلى عالمنا الذي نشأنا فيه ‪...‬‬
‫الشاطئ أصبح بعيدا جدا ‪ ،‬أصبح اإلنسان هنك بين الضفتين وسط محيط شاسع مع ظلمات الليل الحالك ‪،‬‬
‫حتى النجوم أختفت التي كانت دليال يرشدنا لنور الصباح ‪ ،‬اختفت وراء غيوم وسحب قاتمة ‪ ،‬هكذا إذا هي‬
‫الحياة وهكذا كذلك هو اإلنسان‪...‬‬
‫ال توجد قوة في األرض تمنع اإلنسان من التفكير ‪ ،‬تمنع القلب من اإلحساس والشعور ‪ ،‬تمنع العين من‬
‫البكاء‪.‬‬
‫لقد بدأت الثورة الحقيقية ‪ ،‬ثورة جديدة في الفكر والمنهج مختلفة تماما عن كل شيئ ‪ ،‬إن عالمنا اإلسالمي‬
‫يشهد تحوالت فكرية جذرية ‪ ،‬لقد بدت لي مالمح إنفصام ثقافة وتاريخ األجيال ‪ ،‬لم يعد هناك خط يربط‬
‫األجيال بعضها بالبعض ولم يعد هناك دافع أو معنى لألجيال‪...‬‬
‫لقد حدث ما كنت أخشاه ‪ ،‬سينفصم حاضر الجيل بماضيه وهنا لن يستفيد الجيل الجديد من إخفاقات الجيل‬
‫الماضي ألن كالهما عندما بدأ لم يفكر سوى في أنه يريد عصرا جديدا ‪ ،‬تمرد بصفة مطلقة عن الماضي‬
‫وكذلك كما التاريخ سيفعل بنا ‪ ،‬سيتمرد ذلك المستقبل الذي نسعى إليه ‪ ،‬وسيعيد الجيل القادم الكرة من‬
‫األول ‪...‬‬
‫إن رغبتي اصبحت ملحة ‪ ،‬تعبير عن طموحي كإنسان ‪ ،‬ال أستطيع أن أنكر الماضي وال أن أتجرد من‬
‫أصلي ومن وجدان حياتي ‪ ،‬إننا في حاجة قصوى قبل أي وقت فات لنستفيد ولنتعلم من دروس أباءنا‬
‫وأجدادنا ‪ ،‬حان الوقت لنفتح صفحات التاريخ ‪ ،‬لنعيد النظر ولو لساعة قبل ان نبدأ ‪ ،‬قبل أن نستقل القطار‬
‫السريع الذي سيذهب بنا إلى تلك الوجهة‪...‬‬
‫قبل سنوات قليلة لم يكن الفكر هكذا أشياء كثيرة تغيرت ‪ ،‬للحظات ماضية كثيرة سجلها التاريخ على‬
‫صفحاته ‪.‬‬
‫أتأسف في أحيان من الوقت عن كل أخطاءي التي أرتكبتها‪ ،‬تارة عن قصد مني وتارة عن وهن وضعف‬
‫أصابني ما عدت قادرا على المجابهة ‪ ،‬لم أفقد الغاية أو السبب بل هي حالة مؤقتة ستزول قريبا‪.‬‬
‫لن يسمح اإلنسان لليأس من أن يقترب لن نترك له مجاال ليتحدث كفانا فشال وألما وعذابا وليال حالكا‬
‫طويال‪.‬‬
‫أؤمن بالخالق ألن التوفيق من عنده والهداية ‪ ،‬اليستطيع اإلنسان الغريق اإلستغناء عن هللا ال يمكن له‬
‫بالفعل ذلك ‪ ،‬أتأسف مرة أخرى عن كل شيئ ‪ ،‬لعل الحياة ستعود كما كانت في أيام الربيع شمسا مشرقة‬
‫)‪(78‬‬
‫تشع نورا في أرجاء الكون كله ‪...‬‬

‫أردت في هذا اليوم الغريب أن أتحدث عن المجموعة ‪ ،‬فاألسرة كما العائلة كما الحي كما الدائرة كما‬
‫الوالية وكما ال بلد بكامله يشكل مجموعة من األفراد ‪ ،‬المجموعة أيا كانت ستسلك إتجاها تصاعديا خالل‬
‫إنتقالها من مستوى إلى مستوى آخر أوسع وأكبر من األول‪.‬‬
‫إن الفرد ضعيف مهما كانت قوته ‪ ،‬والمجموعة قوية مهما كان مستوى ضعفها ‪ ،‬قد يكون في المجموعة‬
‫الفقراء واألغنياء ‪ ،‬ويكون كذلك العلماء وقليلي العلم ويكون األقوياء والضعفاء ‪ ،‬كيف سيكون هذا‬
‫المجتمع مثاليا لو أستقل كل فرد عن مجموعته ؛ فإن المعادلة اإلجتماعية ستنهار دون سابق إنذار ‪...‬‬
‫قد أكون غنيا وأحتاج ألستثمر وأنمي أموالي ‪ ،‬قد أبني مصنعا أو أزرع أرضا فأنا هنا بحاجة إلى أناس‬
‫آخرين ل يس لهم المال فهم ينتظرون عمال يقتاتون منه فهنا سأجد المعينين‪.‬‬
‫قد أكون جاهال بعض الشيئ ‪ ،‬قد أحتاج لمعلم أو لعالم يعلمني الدروس ‪ ،‬يعلمني الحساب والكتابة والقراءة‬
‫وهكذا دواليك‪.‬‬
‫إن المجموعة هي عالم مثالي الكل يعمل من أجل مصلحة اآلخرين ‪ ،‬مجتمع فيه تكامل واضح ‪ ،‬بينهما‬
‫جميعا عالقة إستلزامية ‪ ،‬إستمرارية الطرف األول مرهونة في األساس بالطرف الثاني والثالث واألخير‬
‫والعكس كذلك صحيح‪.‬‬
‫قد أكون إنسانا فردا وضعيفا في هذا العالم ‪ ،‬قد أحتاج لسكن أو أنا مقبل على الزواج وال أملك المال هنا لن‬
‫استطيع أن احقق أي شيئ‪.‬‬
‫لو كنت أنتمي إلى مجموعة مثالية فهنا قد أحقق ذاك الهدف أو تلك الغاية ‪ ،‬وقد يأتي آخر وهو في حاجة‬
‫لشراء حافلة فهنا سيكون دور المجموعة في ذلك ‪ ،‬قد حلت المشكلة ‪...‬وهكذا سيكون العمل حتى نتمكن‬
‫من إيجاد حلول لكافة مشاكلنا اإلجتماعية كم قوة هي كامنة بين ثنايا المجموعة‪...‬‬
‫فرضا أ ن هناك بلدية فيها خمسة آالف أسرة أو عائلة وفرضا أن هناك مئة عاطل عن العمل‪...‬‬
‫فرضا أن تساهم أو تقرض كل اسرة مئة دينار من أجل جمع قروض لكل عاطل ‪ ،‬فإننا في ظرف مئة يوم‬
‫تقريبا سنوفر لـ ‪ 111‬عامل مئة قرض مالي ؛ مدة أقصر من تلك التي تستغرقها وكاالت التشغيل في تقديم‬
‫قروض العمل‪.‬‬
‫فرضا أن هناك مؤسسة جامعية فيها عشرة أالالف طالب وفرضا أن ألف طالب يتخرج كل سنة ‪ ،‬لو ساهم‬
‫هؤالء الطلبة جميعا في صندوق جامعي الستطعنا أن نوظف الجميع أو أن نؤسس مصنع وهكذا‪.‬‬
‫إن المجموعة هي السبيل لنحقق أهدافنا اإلستراتيجية ‪ ،‬إن إشكالية البطالة لن تستطيع أي حكومة موجودة‬
‫في األرض أن تجد حلوال لها ألن قدرة الحكومات محدودة‪.‬‬
‫إن الحقائق دوما تكون صادمة ‪ ،‬لكن الواقع يفرض علينا تحديات جديدة ‪ ،‬لم أكن يائسا في كل حياتي ‪،‬‬
‫ويصيبني اليأس حين أرى إخواني يعيشون في بحر من اإلحباط ‪ ،‬بإمكاننا أن نحدث تغييرا ما ‪ ،‬أتفق تماما‬
‫في كل ما يفكر فيه هؤالء ؛ اليمكن بل من المستحيل أن نبدأ نهضة فكرية ‪ ،‬أن نستطيع التفكير أو اإلبداع‬
‫في ظروف قاسية ‪ ،‬اليستطيع العامل أن يتقن العمل وهو يفكر في رغيف الخبز ‪ ،‬اليمكن للطالب أن ينجح‬
‫أو يتفوق في دراسته وتفكيره السائد يحاول أن يجد منصب عمل ‪.‬‬
‫كمسكين واقف أمام أبواب القرن الواحد والعشرين ‪ ،‬يمد يداه للسؤال هل تصدقون التكنولوجيا في سبيل‬
‫هللا ولو قليال من العلم واألفكار‪...‬‬
‫هناك على ارض الوطن رجال ؛ إن العمل يجب أن ال يطبع عليه الجهوية أو األنانية المكانية ‪ ،‬نحن ال‬
‫نعمل من أجل أن نعيش ‪ ،‬نحن ال ن عمل من أجل أنفسنا ‪ ،‬نحن قبلنا التضحية من أجل هذا الوطن‪.‬‬
‫إن اليوم قريب‪ ،‬ذاك اليوم المشرق أين سأرى علم وطني يرفرف يومها سأفتخر سأركع وسأقع هلل‬
‫ساجدا‪ .‬ال اريد أن ابخل بما أفكر فيه ‪ ،‬اريد أن أتحدث أن اخبر أن أبوح بكل األفكار لعلى كتابي هذا‬
‫سيكون األخير ‪ ،‬لعل المنية ستأتيني‪.‬‬
‫إن إخواني في الطريق في قلوبهم اإليمان وإرادتهم وتصميمهم كاف لنبني الحضارة إنها الحضارة‬
‫اإلسالمية‪...‬‬
‫كما قلت دوما إن الحضارة الغربية بدأت مالمح زوالها تظهر ‪ ،‬ستنهار في أي للحظة حاسمة مهمة في‬
‫)‪(79‬‬
‫التاريخ‪.‬‬

‫في منتصف الليل باألمس كنت أتابع إجتماعا لمجلس األمن لمناقشة مسودة قرار فرض حظر جوي على‬
‫ليبيا‪ ،‬كانت الساعة صباحا بتوقيت نيويورك ‪ ،‬كانت األمة العربية نائمة في ذلك التوقيت ‪ ،‬كان درسا قاسيا‬
‫علي كمسلم ‪ ،‬كإنسان يريد أن يرى الشمس تضيئ سماء الوطن اإلسالمي في تلك اللحظات الصعبة صوت‬
‫‪ 11‬أعضاء على قرار مجلس األمن رقم ‪ 1973‬القاضي بفرض منطقة حظر جوي على ليبيا‪.‬‬
‫خرج الليبيون الذين ال يعرفون التاريخ أو من يتجاهلون التاريخ يحتفلون كما يحتفل الصليبيون في رأس‬
‫السنة الميالدية ‪ ،‬كنت أتمنى أن أكون قائدا للجيش ‪ ،‬اتمنى ان أكون رئيسا للدولة ؛ عندما تدرك صعوبة‬
‫وخطورة الموقف ‪ ،‬إنها مسألة وقضية أمن قومي وأمن إقليمي‪ ،‬لطالما في حياتي وأنا أكتب هذا الكتاب‬
‫أردت أن ال أتحدث في السياسة أردت أن أغرق في بحر اإلنسانية‪...‬‬
‫لم أكن العبا في كرة القدم ولم أكن مدربا كرويا لكن عندما تلعب ‪ ،‬علينا أن نلعب خارج مساحتنا ألنها خط‬
‫أحمر ‪ ،‬ل قد نسج العنكبوت األمريكي خيوطه على المنطقة يتحدثون دوما باسم القانون والشرعية الدولية‬
‫‪...‬‬
‫ال أحد من هؤالء العرب الذين دعوا لفرض حظر ومحاصرة ليبيا يعلم األبعاد ‪ ،‬في الثمانينات عندما‬
‫حاصر األسطول السادس األمريكي السواحل الليبية وبرغم محاوالت المتشدد ريغان إلسقاط نظام القذافي‬
‫لكنه فشل رغم ذلك ‪ ،‬اليوم أتت اللقمة بما لم يشتهي الذئب أو كان يحلم طول خمسة وعشرين سنة ‪...‬‬
‫إن كل ما يحدث في المنطقة ترتيبات جديدة ومالمح واضحة للصراع الغربي والصين ‪ ،‬إن السيطرة على‬
‫مناطق ومنابع الطاقة ضمان للتفوق لسنوات اخرى قادمة‪.‬‬
‫)‪(80‬‬
‫إن غبا ء الشعوب وحماقة الحكام والقادة وغرورهم خدم بشكل مذهل مصالح الغرب‪.‬‬

‫إن دراسة التاريخ وسيلة أساسية وهامة فهو إحدى أدوات نجاح السياسة ‪ ،‬تعددت الدراسات السياسية‬
‫وأختلفت مناهج فهم السياسات الدولية المختلفة لكننا لم نعمل ولم نحقق أية فائدة من تلك الدراسة‪.‬‬
‫هناك ثالثة مبادئ لنجاح السياسة ‪ :‬العلم والمال والقوة ‪ ،‬بعيدا عن هاته المبادئ لن يكون لنا أي دور ولن‬
‫يعترف اآلخرون بوجودنا السياسي وبالتالي بدورنا اإلستراتيجي ‪.‬‬
‫إن السياسة وجدت لخدمة مصالح الوطن ومصالح الشعب اإلستراتيجية ‪ .‬من المفاهيم القائمة والتي تحكم‬
‫سياسات الدول البرغماتية السياسية‪.‬‬

‫فاستنادا لهذا المبدأ السياسي الذي أصبح قاعدة أولية للسياسة في العالم أنه يستوجب على مؤسسات الدولة‬
‫أن تستعمل كل الوسائل أيا كانت أخالقية أو غير أخالقية من أجل تحقيق وتطبيق الغاية السياسية‪.‬‬
‫إن غياب الفكر اإلستراتيجي كان السبب األول لوجودنا كطرف حياد في الساحة الدولية العالمية ‪ ،‬لقد‬
‫أصبحنا بكل ذاتنا على هامش مسرح الصراع الدولي وكأنه اليعنينا بأي وسيلة كانت‪...‬‬
‫إن أجهزة الدولة االولى بما في ذلك الجيش واإلستخبارات العامة مهمتها تبادل المعلومات والجلوس أمام‬
‫طاولة واحدة لوضع السياسات العامة اإلستراتيجية ‪ ،‬إن منهج العزلة الدولية ليس عامال أو وسيلة فعالة‬
‫للنجاة ‪ ،‬فهناك سياسات لدول اخرى خارجية تهدد بصفة أو بأخرى أمننا اإلستراتيجي أو أمننا القومي‪.‬‬
‫حسب وجهة نظري السياسية فإن كل دولة تحتل مساحة جغرافية وتتمتع بإمتيازات جيوسياسية البد من ان‬
‫تلعب دورا فاعال وإستراتيجيا في المنطقة‪...‬‬
‫إن القوي سيد في منطقته مهمته حماية كل من يعنيهم األمر وهنا سيتجلى لنا واقعنا السياسي ودورنا‬
‫)‪(81‬‬
‫اإلقليمي والدولي‪...‬‬

‫في وضع صع ب عندما يحين الوقت ‪ ،‬سنتسلم القيادة نحن الجيل الجديد ‪ ،‬تسلمنا القيادة وراية األمة منكسة‪.‬‬
‫أبينا أو قبلنا هناك دوما في التاريخ جيل يكون في فوهة المدفع ‪ ،‬نواجه بكل ما أوتينا من قوة ‪ ،‬نقاتل‬
‫بتواصل من أجل أن نرفع الراية ‪ ،‬إنها راية الحق ‪ ،‬عندما يوجد هناك جيل جديد اليفكر اليشغل باله بأي‬
‫شيئ سوى بهموم ذاتية يفكر في اللباس و في األكل والشرب ‪ ،‬في إشباع رغباته الذاتية‪.‬‬
‫إنها حالة إنفصام بين العقل والروح والجسد وهنا مالمح أزمة ‪ ،‬وفراغ تاريخي رهيب‪ ...‬كم ادرك صعوبة‬
‫)‪(82‬‬
‫الوضع ‪ ،‬كما أن تصليح االفكار مهمة صعبة وقاسية للغاية‪.‬‬
‫كم أن للحظات النصر غالية ‪ ،‬ثمن وتضحيات كبيرة علينا أن ندفعها لننتصر ‪ ،‬مع أي للحظة وأمام أي‬
‫موقف يظهر لنا المستقبل كمجهول معقد في معادلة رياضية معقدة‪ ،‬هناك في تلك اللحظات يتمنى كل‬
‫إنسان أن يعيش حياته كما رسمها على تلك اللوحة الفنية الجميلة ‪ ،‬اليوجد إنسان في هذا العالم لم يرسم‬
‫لحياته صورة وللوحة جميلة‪.‬‬
‫لكن هناك للوحة رسمها القدر لكل إنسان في الوجود ‪ ،‬قد تكون مختلفة عن الحلم بعض الشيئ وقد تكون‬
‫مختلفة تماما معه‪.‬‬
‫مهما كان الذي نراه في عالمنا فهو المكان األول لنا ‪ ،‬تشرق الشمس كل يوم لغاية تعلو فوق كل فلسفة‬
‫)‪(83‬‬
‫وفوق ك ل تخيل بأشعتها الدافئة تنادي البشر وتذكر بإستمرار الحياة واألمل‪.‬‬

‫إن الخطى نحو المستقبل وقودها األساسي والوحيد ‪ ،‬ليس وقودا أحفوريا أو وقودا نوويا بل هو العلم إنه‬
‫أساس كل نهضة وكل مشروع وكل هدف ‪ ،‬لقد أتسعت مزايا العلم لتتجاوز وتشمل كل ما ندركه‬
‫وماالندرك ه ‪ ،‬إن الصناعة والتجارة والفنون والعالقات الديبلوماسية ‪ ،‬والسياسات المختلفة وبرامج التعليم‬
‫والتنمية واإلدارة ‪ ،‬والصحافة واإلعالم والجيش ؛ لن تخطو خطوة واحدة نحو التقدم نحو التطور ‪ ،‬لن‬
‫تقدر كل هذه القطاعات على اإلستمرار دون أن يكون هناك خزان وقود مجهز بأحسن األجهزة لشحن‬
‫الوقود بصفة ديناميكية وآلية وبصفة مستمرة‪ .‬إن التخطيط والفكر اإلستراتيجي مفهوم سياسي شامل لكل‬
‫)‪(84‬‬
‫شيئ‪.‬‬

‫في للحظات القوة عندما تشعر خاللها بصفاء داخلي وبإيمان قوي وشديد ‪ ،‬ال توجد أي حالة أخرى سوى‬
‫عندما تقترب بإتجاه الخالق ‪.‬‬
‫لقد تقلبت بي األيام وذهبت هنا وهناك وحاربت طويال ووضعت الخطط والبرامج وبحثت عن الحلول ‪.‬‬
‫إن ماتعيشه االمة من للحظات عسيرة ‪ ،‬ساعة اإلحتظار أو قل ساعة الوضع ‪ ،‬الندري كيف سيكون‬
‫المستقبل ‪ ،‬تبدو لي بعض األشعة تبشر بشروق الشمس ‪.‬‬
‫إن اإلنسانية كانت على مر عقود من ا لزمن بل نتجاوز إلى منذ األزل هدفا لخطط القوى الشريرة في هاته‬
‫)‪(85‬‬
‫المعمورة ‪ ،‬هناك حل وحيد نحن المسلمون ‪ ،‬حل وحيد اليوجد عبره سوى الضالل البعيد‪.‬‬

‫خالل األيام الماضية عجز وفشل أصاب عقلي منعني من التفكير والكتابة ‪ ،‬كل منافذ العقل وجدتها قد‬
‫صدت بمفاتيح تقليدية ‪ ،‬في هذه اللحظات من الليل الهادئ الجميل ‪ ،‬فكرت وتساءلت لما حدثت اليوم طفرة‬
‫تكنولوجية منذ بداية القرن الثامن عشر حتى اليوم ونحن قد قطعنا شوطا هاما من القرن الواحد والعشرين‬
‫‪ ،‬لما لم يكن قبل ألف أو ألفي سنة الغاز والكهرباء والطائرات والسيارات والبنزين واألدوية وكمبيوترات‬
‫وأجهزة تلفاز وأقمار إصطناعية‪...‬‬
‫إن الواقع الجديد المختلف ال يعبر سوى أن حياة البشر مرسومة أو ممثلة بدالة تربيع سالبة ‪ ،‬يعني أن‬
‫البشر الذين ينتمون لهاته الحقبة يمثلون مرحلة نصفية ومركز البشرية منذ بداية التاريخ حتى نهايته ‪ ،‬عند‬
‫النظر إلى منحى تلك الدالة ونطبق دراساتنا اإلقتصادية والعلمية واإلجتماعية والحضارية نالحظ أن كل‬
‫مانراه اليوم من تقدم حضاري وتكنولوج ي لن يستمر كما أنه لم يكن موجودا من قبل وبالتالي فإنه لن يكون‬
‫موجودا بالغد ‪ ،‬هذا من وجهة نظر معينة إستنادا إلى فرضية محددة‪.‬‬
‫حسب ماأظن هو إستمرار الحضارة حتى النهاية ‪ ،‬عند دراسة التاريخ ‪ ،‬هناك تطور ملموس وتدريجي‬
‫لواقع الحياة البشرية منذ أن كان هناك اإلنسان األول وأستمر التطور والتقدم الحضاري مع التطور‬
‫الفكري والعقلي لإلنسان‪.‬‬
‫إن ما نراه اليوم وكماهو واضح نتاج لتراكمات سنوات وعقود طويلة من الزمن للنظريات واألفكار‬
‫والتطبيقات العملية والمجهودات العقلية الخالصة ‪ .‬إن نتاج آالف السنوات أظهر ثماره في المئة سنة‬
‫األخي رة وكل ذلك أظهر ثماره في الخمسين سنة األخيرة ثم في العشر سنوات األخيرة وما أعتقده وافكر‬
‫فيه هو أن مدة التجديد ونصف عمر التقدم والتطور التقني ستختزل إلى النصف ثم إلى الربع لنصبح بعد‬
‫سنوات قليلة امام ثورة جديدة بل ستكون أعجوبة لإلنسان مرة أخرى‪...‬‬
‫إن اإلنسان جاء من الطبيعة وسيعيش في الطبيعة وكل مقومات حياته وإستمراره هي من الطبيعة‬
‫‪...‬سيشهد العصر القادم إنفصال بين اإلبن واألم ‪ ،‬اإلنسان والطبيعة سيولد ذلك إنسان إصطناعي بالمعنى‬
‫الفكري ؛ إنسان ليست لديه القدرة أو قابلية العيش في الطبيعة التي هي منشأه األول ستزداد التحديات‬
‫والمشاكل واألزمات ستنهار الساللة البشرية بعدما ظنت أنها لن تقهر أبدا بعد اليوم‪...‬‬
‫هناك تحوالت عميقة تحدث في العالم ‪ ،‬في عقول البشر ‪ ،‬لقد أصبح اليوم ‪ %95‬من البشر يعيشون‬
‫ويتغذون على منتجات زراعية هجينة نموها كان في كل المراحل غير طبيعي‪.‬‬
‫لقد تغيرت ال تركيبة الجزيئية لهاته المواد الحيوية ‪ ،‬حتى عنصر الطبيعة األول ؛ الماء أصبح غنيا بمواد‬
‫ضارة‪.‬‬
‫إنها تركيبة جزيئية مغشوشة أو منهارة نتجت بسبب تدخل اإلنسان الجاهل فيها من خالل الهندسة‬
‫الوراثية وإستعمال المبيدات واألسمدة والمخصبات اإلصطناعية للحصول على غلة جيدة‪.‬‬
‫إن إستمرار اإلنسان ‪ ،‬إن تفكير اإلنسان وتكاثره يرتكز أساسا في تلك الجزيئات األولى التي تكون أغذيتنا‬
‫اضف إلى ذلك تلك اإلشعاعات الشمسية التي ستخلق بيئة جديدة وواقعا أخرا لعضويتنا‪...‬‬
‫)‪(86‬‬
‫فإننا سنشهد بسبب هذا التعنت البشري موجة وكارثة إنسانية أعظم من كل التي سمعنا‪...‬‬

‫الثالثاء ‪2111/13/29‬‬
‫عندما نعود قليال للوراء نتذكر أهم شيء يشغل تفكيرنا حتى وإن لم يكن ظاهر جليا إنشغالنا به ‪ ،‬إنها‬
‫القضية الفلسطينية ‪ ،‬لم أتحدث في هذا الموضوع ألنه كان أكبر من أن يكتب أو يترجم إلى حروف‬
‫وعبارات ؛ إنها نقطة الصراع بين الحضارة اإلسالمية وبين دعاة الشر والعدوان‪.‬‬
‫لقد شاهدت في مرات عديدة إخواني وأبائي وأمهاتي وأطفالي على شاشة التلفاز يضطهدون في أرضهم ‪،‬‬
‫أرض الرسل واالنبياء يعيشون على أرضهم وجباههم ملطخة بالعار وبالذل الذي جلبه لهم إخوانهم‬
‫المسلمون في كل مكان ‪ ،‬لم يعد ضمير المسلم يتح رك عندما يقتل العدو آالف األبرياء دون ذنب ‪،‬‬
‫أغتصب األرض وشرد الشعب‪.‬‬
‫لن انسى ولن أتناسى الجراح أو دمعة نزلت من أم الشهيد أو أرملة الشهيد ‪ ،‬من طفل فلسطيني يتيم ‪ ،‬لن‬
‫أنسى أبدا قصف الطائرات وأزيز محركاتها التي افزعت الولد الصغير ؛ في قلب الحضارة اإلسالمية‬
‫رمز كبرياءها وشموخها‪.‬‬
‫كإنسان محب للسالم كنت اسعى واناضل من أجل السالم ‪ ،‬من أجل الحب من أجل األمل ‪ ،‬لكل إنسان‬
‫الحق في الحياة ‪ ،‬لكل إنسان الحق في السالم واألمن ‪ .‬لكن هناك واقع آخر هنا في هذا الموقف الصعب ‪،‬‬
‫كان لنا أن نحارب من أجل السالم إلرساء اسس العدل والمساواة والحرية‪.‬‬
‫لقد كنا أول من مد يده للسالم ‪ ،‬لهذه العصابة ‪ ،‬عصابة اليهود ‪ ،‬كنا نناضل وقدمنا التضحيات من أجل ذلك‬
‫السالم ‪...‬‬
‫لقد غفرنا لهم ما اخطأوا في حقنا في تلك اللحظة ‪ ،‬ألن قلوبنا صافية ‪ ،‬أبوا السالم ونقضوا عهدهم كما هي‬
‫عادتهم ‪ .‬ال يوجد هناك سالم يقوم على إختالل موازين القوى ‪ ،‬ولن يقوم السالم عندما تسكن بيت الغير‬
‫عنوة وبإستعمال القوة ‪.‬‬
‫نحن لسنا في موقف ضعف حتى نتقبل هذا السالم ‪ ،‬نحن لسنا نتفاوض على صفقة بيع أوشراء ‪ ،‬لن‬
‫نتفاوض على بضاعة أو قضية هي ملك لنا ‪...‬‬
‫منذ ذلك اليوم في التاريخ عاهدت هللا أني لن اضع يدي في يد السجان ‪ ،‬لن اتفاوض ولن أقبل السالم‪.‬‬
‫نحن سنحارب من أجل الشهداء ‪ ،‬سنحارب ألجل مسرى النبي صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬سنحارب لنطرد‬
‫المحتل ‪ ،‬لنطرد عصابة أستوطنت ارض إبراهيم ويعقوب وموسى ‪ ،‬عند التفكير جيدا في قضية المسلمين‬
‫االولى أشياء كثيرة تدعونا لمسح الغبار المترسب لنرى الحقيقة كرؤيتنا للشمس في يوم ربيعي جميل‪...‬‬
‫ال استطيع ان اقتل وكيف لي أن اقصف األطفال الرضع وكيف لي أن أقتل عجوزا نال منها الهرم والكبر‬
‫‪.‬‬
‫اصابهم الرعب والرجس والخوف عندما نظروا لالسرة الفلسطينية ‪ ،‬يقتلون منهم شهيدا فيأتي بعده طفل‬
‫رضيع ‪ ،‬لقد أقلقت الزيادة السكانية الفسلطينية تلك العصابة القذرة ‪ ،‬يريدون ان يبيدوا كل الشعب لو‬
‫أتيحت لهم الفرصة‪.‬‬
‫إن بيني وبينهم مسألة شخصية ‪ ،‬ثأر عمره طويل أنتظر اللحظة عندما تطل الشمس بوجهها المشرق‬
‫صباحا‪...‬‬
‫ال أتصور ابدا في التاريخ البشري أن عصابة من الجرذان البشرية أقامت دولة وأي دولة تلك ‪...‬‬
‫إن الحضارة هي الدليل الوحيد على وجود الشعب وأحقيته باألرض ؛ في التاريخ لم اسمع عن الحضارة‬
‫اليهودية ‪ ،‬بل في أرض فلسط ين هناك اثار للحضارة اإلسالمية ‪ ،‬هناك بصمات تركها التاريخ ‪ ،‬تبرهن‬
‫بشدة كوضوح الشمس في الربيع على مكان الشعب ‪ ،‬لننظر إلى وجوه أخوتنا في فلسطين وسنرى ‪ ،‬لننظر‬
‫لوجوه اليهود ال تشبه أبدا لون وطين وصخر وجبال وماء وسماء وشجر وحمام تلك األرض‪.‬‬

‫لقد أدركوا ونظروا ودققوا في نقطة ضعفنا فاستغلوها وأرادوا تفجير األمة اإلسالمية ‪ ،‬أرادوا لها صدمة‬
‫حلولية تتفكك على إثرها األمة إلى بقايا وأشالء متناثرة هنا وهناك ‪ ،‬لقد تركنا حبل هللا بعدما أعتصمنا به‬
‫وفي تلك اللحظة تفرقنا ‪ ،‬ألن الحبال األخرى ضعيفة كخيوط الحرير والمعروف أن حبل هللا متين‪.‬‬

‫ينتابني إحساس بأن الفجر موعده قريب ‪ ،‬ستشرق شمس اإلسالم في سماء البالد اإلسالمية ‪ ،‬إن النصر‬
‫في المعركة لم يكن يوما ما متوقف على تلك المقاتلة أف ‪ 16‬أو اف ‪ 22‬أو اف ‪ 35‬او حتى طائرة أف‬
‫‪ 117‬أو أي طفرة تكنولوجية أخرى ‪ ...‬النصر متوقف فقط على اإليمان بالقضية وبالحل العادل ‪ ،‬اية دولة‬
‫ستقام على حدود ‪ 67‬أو حتى على حدود ‪ ، 48‬اية دولة ستقام على ارض ملطخة ‪.‬‬
‫يحاولون اليوم أن يمحوا التاريخ ألنهم يعلمون أو يظنون بأن األجيال القادمة ستنسى ‪ ،‬إن التاريخ يجري‬
‫في دماءنا ‪ ،‬منذ أن اتينا للحياة اليوجد ما ينسينا الماضي ألنه هو الحاضر وبه نبني المستقبل‪...‬‬
‫لن نقبل بديال عن األرض ولن نترك الشعب ألنه جزء من األمة حتى وإن حاربنا العالم مجتمعا ‪.‬‬
‫إن الظالم يهاب ويرتعب من الحق والعدالة ‪ ،‬مادام الحق حقنا فاألرض هي أرضنا ليس بترابها فقط لكن‬
‫بتاريخها بأصالتها وشعبها بزيتونها بكل شيئ فيها ‪...‬‬
‫ليس هناك صدام للحضارات أو صراع للديانات ألن االقوى اليصارع الضعفاء ‪ ،‬بل القضية هي بين‬
‫)‪(87‬‬
‫الحق والباطل‪.‬‬

‫خالل ستة سنوات مضت لم أقم بما كان يجب أن أقوم به ‪ ،‬قضيتها كلها في الكالم والحديث ‪ ،‬التحدث مع‬
‫من اليفترض أن نتحدث إليهم ‪ ،‬عندما يكون لإلنسان حلم كبير وعظيم لكنه عاجز عن المضي نحو األمام‬
‫من أجل تحقيقه ‪ ،‬لم تعجبني قط فكرة الجلوس على كرسي والنظر إلى النافذة اتأمل بقلب يائس وعاجز إلى‬
‫القطار ‪ ،‬أنظر وكأني أشاهد مسلسال أو فيلما ساكنا لحياتي ‪ ،‬اللقطة متوقفة ال تتحرك لكن الساعة تمشي‬
‫وتتحرك ‪.‬‬
‫في مجتمع ك ل شيئ فيه ممنوع إال الباطل ‪ ،‬إال األشياء السيئة فهي في متناول الجميع ‪ ،‬حتى أجمل شيئ‬
‫في الكون ‪ ،‬فالحب الصادق أصبح ممنوعا ال يحق لي أن أقول أو أن أتحدث عنه أو بإسمه ‪ ،‬ال يمكنني أن‬
‫أقول لمن أحببت أنا أحبك ‪ ،‬ال أستطيع أن أخاطب السماء ‪ ،‬اليوجد بديل لإلنسان في هذا المجتمع الكبير ‪،‬‬
‫اليوجد سبيل واضح حتى هذه اللحظات أريد أن أشعر بأننا أسرة واحدة ‪ ،‬أسرة حقيقية متماسكة وراسخة‬
‫لها مبادئ سامية وطموحات بعيدة وأحالم راقية ‪...‬‬
‫تمضي األيام ومع كل يوم يزداد األلم ‪ ،‬تزداد المعاناة ‪ ،‬ال أتحدث عن المعاناة الحسية أو معاناة األعضاء ‪،‬‬
‫بل هي أكبر وأرقى من ذلك ‪ ،‬إنها قضية فكرية تخص العقل والفكر وحدهما‪.‬‬
‫كنت أدعو هللا دائما ودعاءي مستمرا لعله سيستجيب لي في يوم ما ‪ ،‬كما كنت دوما أحكي وأتحدث أكتب‬
‫وأعبر بقلبي وبعقلي ال أريد في الحياة أي شيئ وكل ماأقوم به وكل ما أتحمله ليس من أجل نفسي ‪ ،‬بل من‬
‫أجل هذا الوطن الغالي في قلبي ‪ ،‬كأي إنسان أحتاج لمرأة تقف معي أقضي معها ماتبقى من عمري تكون‬
‫عونا لي وسندا لي ‪ ،‬تدفعني وتشجعني ‪ ،‬تضحي من أجلي ألقوم بكل ما اقدر لتأدية الرسالة ‪ ،‬مرأة وحيدة‬
‫أحببتها ولن أقدر على أن أحب غيرها ‪ ،‬لقد أصبحت اليوم جزءا هاما من كياني جزء اليستطيع كياني أن‬
‫يعيش و يستمر وهو مفتقد له‪...‬‬
‫احاول جاهدا بل أنا أسعى لتحقيق الحلم ‪ ،‬أسعى بكل قوة أقف في وجه العاصفة أقاوم الرياح العاتية أتحمل‬
‫وأصبر أستمر دوما في النضال أيأس في للحظة عابرة ‪ ،‬أعود من جديد وأواصل التحدي حتى الوصول‬
‫في يوم آت الش يئ في الحياة أجمل من اإلستمرار‪...‬‬
‫كنت حزينا جدا ألن حياتي كلها كانت فشل متواصل هزيمة تتلوها هزيمة ‪ ،‬في ساعة النصر ونشوة‬
‫السعادة لم أكن اشعر بالفرحة أو بأي سعادة ألن النصر كانت ساعته قصيرة للغاية‪...‬‬
‫أخشى أن أكون قد استنفدت كل ساعات السعادة في حياتي وأن كل ما تبقى هو فصل الحزن والكآبة كفصل‬
‫الخريف ‪ ،‬عندما تساقطت أوراق الشجر على الثرى ‪.‬‬
‫اليستطيع أي منا أن يتخذ قرارا في حياته إال إذا كان قادرا على اإللتزام بذاك القرار ‪ ،‬له اإلمكانية ‪ ،‬له‬
‫الوسائل التي تكفل له إخراج ذاك القرار إلى أرض الواقع ؛ تعلمت درسا في حياتي السياسية تكمن صعوبة‬
‫القرار السياسي أو أي قرار آخر في إتخاذ القرار والقدرة على تنفيذ القرار ‪...‬‬
‫أفتقد كثيرا لألصدقاء وفي ساعة الليل المتأخر لم أكن اجد صديق أحدثه وأخبره عن كل مافي مخيلتي‬
‫وجدت دوما نفسي ‪ ،‬صديقي الوحيد الذي أجده في ايام الوحدة الطويلة‪...‬‬
‫لم أ عد أتحدث مع أمي كثيرا ‪ ،‬لم أعد أحكي لها عن كل مافي قلبي حتى هي ما عادت تسمعني ‪ ،‬تمنيت أن‬
‫يكون أبي صديقا لي لكن ذاك كان شيئا صعبا‪...‬‬
‫أحاول في األيام المقبلة أن ألتزم الصمت ‪ ،‬أن أعود للوراء كما كنت قبل خمس سنوات ال أتحدث كثيرا‪.‬‬
‫)‪(88‬‬
‫ال أدري الغد كيف سيكون وال أدري بمن سألتقي ال أدري مالذي رسمه القدر لنا‪.‬‬

‫السبت ‪ 2111/14/12‬الساعة ‪23:31‬‬


‫ألول مرة في حياتي أنتابني شيئ غريب ‪ ،‬عندما سمعت صيحة الديك تتكرر لم أكن اسمع صوته إال هناك‬
‫في ساعة الفجر ‪ ،‬في منتصف هذا الليل ‪ ،‬سألت نفسي مالذي يريد الديك أن يخبرني إياه مالذي يريده الديك‬
‫‪ ،‬وهنا ستبدأ القصة بين إنسان يعيش أهم مرحلة في الحياة وبين ديك ؛ مرحلة الشباب هي أهم مرحلة في‬
‫حياة اإلنسان آمال األمة والشعب ‪ ،‬آمال هذا الوطن متعلقة بذاك الشاب ‪ ،‬ماهي أحالمه وماهي طموحاته‬
‫مالذي يريد أن يفعله ‪ ،‬هل هو يعمل ؟ هل يستفيد من تلك القوة ؟ واين وظفها ؟ هل في الخير وفي العمل‬
‫الصالح ؟ أم وظفها في الشر وكل عمل غير صالح ؟ !‬

‫لقد سئم الديك من الصياح مع بداية كل صباح يدعوا الناس دون ملٍّ أو فشل من أجل العمل من أجل الفالح‬
‫والقيام بما يجب من أجل تعمير األرض وإصالحها من أجل غرس الزرع من أجل إبتكار شيئ يحتاجه‬
‫الناس في حياتهم ‪ ،‬بقدر العمل سيكون الجني وسيكون الكسب‪...‬‬
‫إن حالة أمتنا ليست بخير ألن العمل مفقود وقليل ‪ ،‬إن األمة التعمل وال تضحي ‪ ،‬التبذل المجهودات وإن‬
‫عملت فالعمل قليل جدا‪.‬‬
‫لطالما في حياتي كنت ناقدا للواقع ‪ ،‬نقدت الشعب والحكومة وكل إنسان ينتمي لهاته األمة ‪ ،‬اليوم قررت‬
‫أن أنتهي من النقد ؛ علينا كافة أن نتعاون على األجيال أن تتكامل ‪ ،‬نحن ال نستطيع أن نستغني عن أباءنا‬
‫أو حتى أجدادنا نحن في حاجة لداعم في حاجة للماضي ‪ ،‬للتجارب ناجحة كانت أو فاشلة لنتعلم كيف ننجح‬
‫وكيف نبتعد عن الفشل ‪.‬‬
‫إن االمة اإلسالمية كلها تعيش اإلحباط وكل طرف يشك في اآلخر ويظن أنه المخطئ وأنه هو سبب‬
‫الفشل‪.‬‬
‫ال تستطيع الطائرة أن تقلع من تلقاء نفسها وال تكف المحركات لكي تقلع ‪ ،‬فهناك محرك يحتاج لوقود‬
‫وزيت وهواء وكهرباء وميكانيك تحكم فاألمة لن تقوم إذا لم تتناسق عضالتها وحركات عظامها‬
‫وأعصابها ودماءها وقلبها‪...‬‬
‫إن اإلسالم علمنا أن نعمل وأن نستمر في العمل حتى النهاية ‪ ،‬ألن اإلسالم يقوم على العمل كما أن الصالة‬
‫هي عماد المسلم فالعمل الصالح هو ركن وأساس هاته االمة‪...‬‬
‫أتمنى كما كنت دوما في حياتي أرجو أن أرى أبناء جيلي وابناء األمة يمضون في الطريق يعملون ليال‬
‫ونهارا ال من أجل للقمة عيش بل من اجل أن تعلو هامة األمة ‪ ،‬وترتفع رايتها عالية شامخة في السماء؛‬
‫بعدما نال الذل منا وهنّا أمام شعوب العالم التي أستضعفتنا والتي تنظر إلينا كلقمة سائغة لذئب جائع‪.‬‬
‫أمة كهاته األمة مكانتها ليس كما نرى بل هناك سيدة العالم تنصر المستضعفين والمظلومين وتؤدب‬
‫)‪(89‬‬
‫الظالمين‪...‬‬

‫كنت في حديث شيّق مع نفسي كنت أفكر أنظر من نافذة الحافلة إلى الطبيعة من حولي ‪ ،‬قلت في نفسي‬
‫إنني أريد أن أرتبط بتلك الفتاة لسببين إثنين إضافة إلى أني أحبها من أعماق وجداني أردتها من أجل العلم‬
‫حتى أنال أجر طال ب العلم وثانيا من أجل أن أنال أجر الزواج الشرعي الحالل‪.‬‬
‫من أحالمي أن أتزوج بإمرأة أعلم مني لتعلمني ألسألها دون خجل فتجيبني لتعلمني العلم النافع من أجل أن‬
‫يستنير عقلي بنور العلم وبالهدى ‪ ...‬والفالح‪.‬‬
‫في كل يوم يمضي أشكر هللا وأحمده بقدر عزته وعظمته وكبرياءه على أنه جعلني إنسانا كم من نعمة‬
‫وهبها لنا ونحن عنها غافلون ‪ ،‬لو نظرنا إلى أنفسنا فسنخر له سجدا من خشيته‪...‬‬
‫ال استطيع ان أقف أمام ذلك الجبل ‪ ،‬يذكرني بهيبته وكيف لي أن اتخي ل أن أقف أمام هللا ‪ ،‬وكيف بعد ذلك‬
‫أن اعصيه‪ ...‬ال أجحد بنعمة هللا لن أبخل بقولي الحمد لك ‪ ،‬حتى دموع اإلنسان تنزل حبا له ‪.‬‬

‫كل ما أعيشه ‪ ،‬كل أحالمي وطموحاتي حتى المرأ ة التي أحببتها حتى حياتي ما كانت إال ألجل السير في‬
‫الطريق إلى هللا كل شيئ هو لمبتغاه حتى الع مل حتى ما أفكر فيه كل ذلك ‪ ،‬في أول موقف هناك عندما‬
‫صنعت طريقا كانت الطريق إلى هللا‪..‬‬
‫أردت أن أتزوج بامرأة غنية بالعلم واألخالق من أجل أن أثبت في تلك الطريق من أجل أن أحيا ألجل هللا‬
‫وأموت ألجله ‪.‬‬
‫اردت أن أكتب كتابا ليس من أجل نفسي بل ألني بعت نفسي هلل أردت أن اقدم شيئا لألمة صغيرا كان أو‬
‫)‪(90‬‬
‫كبيرا‪.‬‬

‫كانت الحرب صعبة هناك في مسرح العمليات ‪ ،‬خلف خطوط العدو ‪ ،‬القصف المدفعي والقصف الجوي‬
‫يخيمان على المعركة ‪ ...‬لقد أبى الجنود العودة للوراء واإلنسحاب من المعركة ‪ ،‬لقد أصر كل واحد منهم‬
‫على اإلستمرار في التقدم ‪ ،‬مهما كانت العواقب ‪ ،‬لم يفكروا للحظة في حياتهم في أنهم سينسحبوا أو‬
‫سيعودوا مدحورين من ساحة القتال لقد تعلم هؤالء في مدرسة الرجال ونالوا شرف الجندية ‪ ،‬كانت غايتهم‬
‫الوحيدة هي أن يرفعوا علم وطنهم في السماء ليعلوا هامته ليبقى وطنهم دائما شامخا ‪.‬‬
‫لم يكن أي مواطن عادي يستطيع أن يتصور حتى أو يتخيل معاناتهم من أجل مستقبل الوطن ومستقبل‬
‫)‪(91‬‬
‫األجيال‪...‬‬
‫أردت الحديث عنهم وعن مكانتهم في هذا الوطن إنهم العلماء الذين أبعدناهم عن الساحة هم قلب األمة‬
‫النابض وسراجها الذي ينير لنا ظلمات هذا العالم والحاضر والمستقبل‪...‬‬
‫دورهم يأتي بعد الرسل واألنبياء ‪ ،‬فهم ورثتهم ليكملوا الرسالة وليتموها إننا اليوم قبل أي وقت فات في‬
‫حاجة إليهم ‪ ،‬حاجة ماسة ‪ ،‬مانعيشه وما نفكر فيه وما نطمح إليه في حاجة إلى توجيه ‪ ،‬نحن بحاجة إلى‬
‫النصيحة ‪ ،‬بحاجة إلى رأي من هم أعلم بأمور الدين والدنيا بأسرار الطبيعة وهذا الكون‪.‬‬
‫إن العلماء بالنسبة لي هم أرقى الناس في السلم الحضاري لقد حان الوقت ليعودوا لمكانهم الصحيح أين‬
‫يستطيع كل واحد منهم أن يقدم مايستطيع لنا ولألمة بكاملها ‪...‬إن مكانتهم مقدسة وهامة وضرورية وعلى‬
‫كل واحد منا أن يفهم ذلك‪.‬‬
‫كنت أحس بالفخر الشديد عندما يدرسن ي عالم أو عارف بالعلم كنت أحس بوجودي في تلك اللحظة الهامة ‪.‬‬
‫كالم كثير تمنيت أن اقوله ألساتذتي لكن الوقار لهم منعني من ذلك اردت ان أعبر لكل عالم ايا كان إنتماءه‬
‫بشدة إحترامي وبعمق تقديري وإخالصي ‪.‬‬
‫قبل أيام ليست بالطويلة قررت أن أنهي هذا الكتاب الصغير في عيد العلم المصادف لـ ‪ 16‬أفريل من كل‬
‫سنة‪.‬‬
‫سأكمل ماتبقى للحديث عن العلم والعلماء ودور العلم في الحياة وبعدها ‪ ...‬إن األمة اإلسالمية في حاجة‬
‫للعلم أكثر بكثير من أي وقت فات نحن في حاجة لنشق الطريق إلى العلم اليهم كم سنقدم من مال ومن جهد‬
‫)‪(92‬‬
‫من أجل العلم ‪ ،‬بل مانجنيه وما سيقدم العلم لنا أكبر مما نتخيل بكثير مما أنفقنا في سبيل العلم‪...‬‬

‫نحن في تلك اللحظة لم ندخل الحرب بإرادتنا لكن القدر كان سبب دخولنا الحرب والخروج منها لم يكن‬
‫أيضا بأيدينا هنا علينا أن نتخذ القرار ‪...‬لسنا رقم حياد اليؤثر وال يتأثر بل واجبنا يحتم علينا أن نتأقلم في‬
‫حرب لسنا من بدأها لنساير الوضع المفروض ونقوم بما علينا فعله ‪ .‬سنوات حياتي كلها كانت مليئة ‪،‬‬
‫)‪(93‬‬
‫تاريخ الفشل ليس فشلي أنا بل فشل األمة ‪.‬‬

‫مضت األيام وستمضي أيام أخرى ‪ ،‬أفكر واغوص بفكري في اعماق الكون والحياة أتساءل عن طريق‬
‫العلم كيف هي هل ف يها المشقة والتعب وفيها األلم واألسى والمعاناة ‪ ،‬أم فيها النجاة فيها السعادة والهناء ‪،‬‬
‫راحة العقل ومعه القلب ‪ ،‬طريق مليئة بالنشوة بحب الحياة وبحب األمل والتطلع ألفاق المستقبل‪...‬‬
‫فقر اإلنسان اليتجلى أبدا في وضعه اإلجتماعي أو اإلقتصادي المتدهور ‪ ،‬احس بالفقر عندما أسعى في‬
‫طريقي وراء المال ‪ ،‬عندما أنسى غاية وجودي وأني خلقت من أجل أن أتعلم وأعمل‪...‬‬
‫أمسيت فقيرا ولم أكن غنيا ك نت أحس بفقر مادي إلى حد الجوع وفقر علمي ومعرفي إلى حد العجز‬
‫والفشل والضالل‪.‬‬
‫أيامنا أصبحت كصفحات الكتاب كل يوم تطوى منه صفحة وصفحاته متعلقة بعمر اإلنسان وذاك‪...‬ال أظن‬
‫وال اعتقد أن بإمكان الكون أن يتغير في عشية أو ضحاها كما أن اإلنسان إنها مسألة وقت فقط حتى تتجه‬
‫)‪(94‬‬
‫األمور نحو األحسن ‪...‬‬

‫في بداية األمر كانت نظرتنا للحياة ناقصة ‪ ،‬كانت هي تشبه حيزا مغلقا ودائرة الجديد فيها ‪ ،‬لقد كانت‬
‫الروح مثاال أعلى ‪ ،‬كانت األداة الوحيدة لتتجدد حياتنا وتعطي الحركية والدينامكية ألعضاءنا الحسية‬
‫تدفعنا نحو ما تتطلع إليه تلك الروح‪...‬‬
‫لطالما كان اإلنسان عاجزا ألنه اليعي وجاهل بالحقائق فشعوره بالنقص متواصل وإحساسه بذلك يزداد‬
‫كلما تعلم شيئا جديدا ‪ ،‬كماء البحر كلما شربت منه أزددت عطشا‪...‬‬
‫التستطيع حياتنا أن تتحسن وعبادتنا وطاعتنا هلل أن ترقى وتتطور ‪ ،‬دون معرفة أن نعرف الخالق أكثر‬
‫فأكثر ‪ ،‬حتى يزداد إيماننا وطاعتنا له اكثر فأكثر ‪...‬‬
‫عندما كنت في أعلى مرتبة الجهل كنت أرسم وأكتب صورة سيئة وخطا همجيا اليرقى ال لنسميه رسم أو‬
‫كت ابة ‪ ،‬عندما كنت أنزل من مرتبة الجهل شيئا فشيئا درجة فدرجة ‪ ،‬كان رسمي يتحسن وخطي أصبح‬
‫أكثر وضوحا من قبل وعملي اصبح متقنا نوعا ما هكذا كانت إذا صفحات حياتنا‪.‬‬
‫في هذا اليوم أصبحت من أصحاب الطبقة المتوسطة في الجهل بعدما كنت باألمس من أصحاب النفوذ‬
‫والسلطة في عالم الجهالة ‪ ...‬أتمنى من أعماقي أعماق قلبي ‪ ،‬اتمنى من أعماق وجداني أن أخرج من عالم‬
‫الجهل والضالل ‪ ،‬أتمنى أن أصبح فقيرا في مجتمع العلم ‪ ،‬أتمنى ذلك ‪.‬‬
‫العلم هو أساس حياة اإلنسان هو أمله هو روحه هو كل شيئ في كيان اإلنسان وكيان االسرة وكيان االمة‬
‫والمجتمع‪...‬‬
‫حان الوقت لنقدم اإلحترام واإلجالل للعلم ‪ ،‬حان الوقت ليصبح سيدنا ومرشدنا للطريق بعدما كان التحجر‬
‫سيدا لحياتي ‪ ،‬وملهما لها ‪ ،‬اليوم ثرت وكفرت بالجهل وباألمية والضالل‪...‬‬
‫إن األمة عليها أن تفهم ‪ ،‬عليها أن تستفيق ‪ ،‬عليها أن تفكر وتعلم بأن العلم هو من يصنع الرجال ويصنع‬
‫االبطال ‪ ،‬يصنع األمة يصنع لها الحاضر والمستقبل ‪...‬‬
‫ال المال بإمكانه أن يصنع رجال راسخا صامدا كالصخر ‪ ،‬وال أن يصنع مفكرا وملهما عبقريا ؛ لكن العلم‬
‫)‪(95‬‬
‫يصنع كل أولئك‪...‬‬

‫مشوار طويل طريق العلم ‪ ،‬في للحظة شروق الشمس ‪ ،‬يشع النور في أرجاء الكون لينجلي الظالم بعدما‬
‫طال الليل‪.‬‬
‫إن قضايانا التي نناضل من أجلها ‪ ،‬إن حقيقة كيان األمة ومستقبلها ‪ ،‬مسألة وجودها الحسي والروحي‬
‫متعلقة بأمر وحيد ‪ ،‬إن العلم كما هو الحال بالنسبة لنا اليشكل لنا سوى نسبة ضئيلة من إهتمامنا ‪ ،‬لقد‬
‫أصبحنا نسعى في طريقنا ال من أجله ‪ ،‬بل من أج ل أن نحقق عائدا ماديا ؛ من أجل أن نجد عمال وسكنا‬
‫)‪(96‬‬
‫ونعيش حياة راقية ‪...‬‬

‫ًّ‬
‫وعلو وكبرياء ‪،‬‬ ‫في اصعب للحظات تاريخ اإلنسان يومها عندما تكون أمام جبل شامخ وراسخ ‪ ،‬يشع هيبة‬
‫نفكر حينها ‪ ،‬نحاول أن نتجاوز الجبل ‪ ،‬نحاول أن نتخطى تلك الصعاب‪...‬‬
‫في موقف مؤثر يزداد القلق ومعه الحيرة ‪ ،‬يخيم سكون شديد على أرجاء المكان وداخل الكيان ‪ ،‬نفكر‬
‫بسرعة لنجد مخرجا مناسبا ‪ ،‬حينما تود أن تقفز وتريد أن تتجاوز العائق الصعب ‪...‬أصبحت حياتي مليئة‬
‫بالسكون وبالركود الشديد الذي إن إستمر الماء في تلك الحالة لتوقفت بشدة حياته ولفسد الماء‪ ،‬بعدما كان‬
‫عذبا طيبا ‪...‬‬
‫سفينة هناك في البحر ؛ ليل مظلم وبرد قارس ورياح وعواصف ‪ ،‬بدأت السفينة في الغرق بعدما فقد‬
‫ربانها الوعي ؛ بعدما امتألت نفسه بضباب كثيف منع العقل والقلب من رؤية الطريق الصائب ‪.‬‬

‫ليس من العار أن نظل الطريق لكن علينا أن ندرك مافاتنا ‪ ،‬أن نستفيق ونعود من جديد ونحاول اإلتجاه‬
‫بسرعة نحو الطريق الصحيح ‪ ،‬أريد أن أعيش لوجه هللا‪ ،‬أريد أن تكون حياتي كلها في سبيل هللا ‪ ،‬أتمنى‬
‫من أعماقي أن اصنع ذاك العالم الخاص بي الذي أريد أن أعيش كل للحظة منه وكل دقيقة إنتظارا للموعد‬
‫اين اللقاء ‪ ،‬ان تعرض نتائج اإلمتحان‪.‬‬
‫احيانا يصيب عقل اإلنسان عجزا أحس حينها باليأس وباإلحباط الشديد ‪...‬هكذا دوما تمضي آمانينا نطوي‬
‫الحياة وليل الموت يطوينا ‪...‬‬

‫الزلت أحلم بأن اصبح عالم في الفيزياء النظرية واحلم بأن أقود مقاتلة في للحظة شروق الشمس ‪ ،‬احلم‬
‫بأن يظل قلبي ممتأل بالحب وبالصفح ؛ بالعفو ‪ ،‬باإلنسانية ‪ ،‬باألمل وبالتحدي ‪ ،‬أحلم دوما بأن ابقى طول‬
‫الحياة إنسانا ‪ ،‬أحلم بأن أكون صادقا دوما ‪ ،‬أحلم بان ترضى بي التي أحبها وأعيش ما تبقى من العمر‬
‫عبدا صالحا هلل ‪ ،‬أؤدي واجبي كامال دون تقصير وال أطلب من الحقوق الكثير‪...‬‬
‫أحاول و أنا أسعى ‪ ،‬أعمل من أجل تلك األحالم ‪ ،‬كانت الصعاب والمشاق كبيرة ‪ ،‬كانت الحرب صعبة ‪،‬‬
‫)‪(97‬‬
‫كانت األآلم تنتشر في كامل جسدي‪.‬‬

‫عندما لحقت بي الهزيمة ‪ ،‬عندما تحس حينها بمرارة الهزيمة وآالمها ‪ ،‬تمالكت نفسي وضغطت أكثر على‬
‫قلبي ‪ ،‬منعت الضعف واإلنكسار أن ينال من شموخ وكبرياء هذا الرجل ‪ ،‬منعت الدمعة من النزول ‪،‬‬
‫تحملت كل تلك اآلالم عندها تذكرت ماقاله أحد القادة الصينين لجنوده " ماهي إال هزيمتنا السادسة عشر‬
‫‪"...‬‬
‫أمنياتي وآمالي ‪ ،‬أحالمي وطموحاتي كل شيئ في حياتي ‪ ،‬اسعى بكل طاقتي أسعى من اجل تلك األحالم‬
‫‪ ...‬هي التي تدل على وجودي هي التي تعطي لي قيمة في الكون ‪ ،‬لست رقم حياد لست صفر ؛ مادامت‬
‫أحالمي فوق قامتي سأظل صامدا راسخا ‪ ...‬اليعني هذا أن الهزيمة لم تؤثر في وجودي أو أنها لم تزعزع‬
‫كياني وإستقراري ‪ ،‬في للحظة الهزيمة كنت في حاجة لمرأة تخفف عني وطأة الهزيمة وكل مايرفقها من‬
‫معاناة‪...‬‬
‫عندما تميل الطائرة وتحيد عن مسارها ؛ هناك في ذلك الموقف الصعب على القائد أن يغير ويصحح‬
‫المسار حتى اليخطئ الهدف‪...‬‬
‫)‪(98‬‬
‫أحب كثيرا أن أعيش الحياة كما هي ‪ ،‬أحب كثيرا وأتمنى أن ارى الشمس مشرقة في سماء حياتي ‪.‬‬

‫في الديناميكا الحرارية ووفقا للمبدأ الثالث ‪ ،‬تم اعتبار أن الكون نظام مغلق بما يعني أنه اليتلقى طاقة‬
‫خارجية كما أن طاقته التتناقص ‪...‬‬
‫كنت اسأل نفسي من الذي يمنع السحاب أن يمطر من الذي يأمر الشمس بالشروق ومن هو الذي يأمرها‬
‫بالغروب‪...‬‬
‫من الذي يأمر األرض أن تنبت ومن الذي يحرك الزلزال من الذي يأمر بالحياة وبالموت ‪ ،‬ماهي العالقة‬
‫بين الكون والخالق‪...‬؟‬
‫في الفيزياء الكمية هناك طاقة محددة خاصة بكل ذرة من أجل نقل إلكترون من مدار إلى مدار آخر‪ .‬عندما‬
‫نقول بأن الكون مغلق فإنه في الرياضيات الالنهاية لها نهاية‪.‬‬

‫لقد كانت النخلة باسقة ‪ ،‬هبت الرياح والعواصف ‪ ،‬هزها الزلزال وأغرقتها الفياضانات لم تمت النخلة‬
‫وظلت باسقة ‪ ،‬ظلت شامخة رافعة هامتها في السماء كانت صامدة وراسخة كالصخرة‪...‬‬
‫إيماني راسخ والعقل الزال حيا ينبض بالحياة ‪ ،‬اليزال يشع ويفكر ‪ ،‬الزال مستنيرا ‪ ،‬كنت أتمنى أن أصبح‬
‫قلب األمة ‪ ،‬كنت أتمنى أن أكون رجال من أعظم الرجال ‪.‬‬
‫أتمنى دوما أن أحقق لألمة شيئا عظيما يجعل األمة تفتخر بإنتماءها وتفتخر بما تقدمه‪...‬‬
‫عندما دخلت أول مرة للجامعة في أكتوبر ‪ 2118‬كانت أحالمي وطموحاتي كان كل شيئ مشعا يعيش في‬
‫أهم للحظاته لم تكن طاقة تحرير إلكترونات أو إكتساب بروتونات ‪ ،‬لقد كانت شبيهة بطاقة نووية تنبع من‬
‫عمق النواة وعمق الذرة‪.‬‬
‫كانت تلك الطاقة تتالشى مع اإلحباط ‪ ،‬لم يكن من يقدم لنا دعما ويقول تقدموا لألمام واصلوا المهمة ‪،‬‬
‫أذكر عندما سألني أحد األساتذة عن سبب غيابي فقلت له بأني ادرس في جامعة سعد دحلب ‪ ،‬صاح في‬
‫وجهي وقال ماذا تريد أنت أن تكون ! بإستهزاء‪.‬‬

‫باألمس درست درس الديناميكا الحرارية عند األستاذ الدكتور حاج بوسعد لقد كانت ساعة من أهم ساعات‬
‫العلم في حياتي كل يوم كان يزداد حبي وإحترامي له ألنه قال لنا أريد أن أقدم لكم المعرفة ليستطيع كل‬
‫إنسان منكم أن يفكر بمنهج علمي وعندما يفكر اإلنسان فإنه سيجد الحلول ويعرف ماهو نافع وماهو ضار‬
‫‪ ،‬كنت أدرك قيمة ماكان يدرسه لنا وقيمة تلك المحاضرة ‪ ،‬لقد كان يبث في نفوسنا األمل والحلم ‪ ،‬كان‬
‫يتمنى من أعماقه أن نصبح عظماء ‪...‬‬
‫أمتن له وأشكره ألنه علمني ‪ ،‬ألنه لم يبخل علينا بعلمه وأدى واجبه كامال وأشهد له بالخير وأنه رجل‬
‫صالح‪.‬‬

‫عندما تنهزم تدرك حينها أن كل شيئ انتهى لم يبقى لنا شيئا آخر لنفعله ‪ ...‬نستطيع أن نفوز في كل وقت‬
‫لكن إذا انهزمنا البد أن ننظر إلى الهزيمة ونسأل لماذا انهزمنا ولما لم ننتصر؟ وكيف سننتصر ‪ ،‬لو حققنا‬
‫في تلك اللحظة النصر لكان نصرا بسيطا لكننا انهزمنا لنحقق إنتصارا عظيما ! هذا هو اإلنكسار‪...‬‬
‫لقد كان مستقبل األمة مبني على تلك الرصاصة وذلك الجندي ‪ ،‬أدرك وأرى قوانين رياضية تتجلى في‬
‫السياسة األمريكية ‪ ،‬كل شيئ عندهم مبني على العلم والغاية من ذلك‪.‬‬
‫اليعني ذلك أنهم مثاليين وأن كل أحالمهم تتحقق ‪ ،‬المعادلة الغربية بصفة شاملة يرتكز إستمرارها وتتعلق‬
‫دقة وصحة نتائجها بواقع المسلمين ‪ ...‬هل عاد اإلسالم في حياتهم أم ال أم أنه مجرد كساء نكتسيه تارة‬
‫ونتركه مرة أخرى ‪ ...‬مايفعلونه ومايقومون به ليس إال للمحافظة على ذلك النظام المختل وتلك المعادلة‬
‫الرياضية ‪...‬‬
‫بإمكان المسلمون العودة للطريق كل شيئ يدعونا ؛ الخير األمل والمستقبل ‪ ،‬في الدرجة صفر كلفن يوجد‬
‫النظام المطلق الشيئ يتحرك أو يتفاعل ‪...‬‬
‫مايحدث في العالم لسنا بمنأى عنه أو بعيدا عنا ‪ ،‬في ليلة وضحاها قد يتغير كل شيئ ‪ ،‬لكن لما ننتظر حتى‬
‫تنقلب المعادلة على عقبيها ‪ ،‬مصير األمة اإلسالمية لم يكن متعلق بقرار مجلس األمن ‪ ،‬أو مجلس الشيوخ‬
‫أو البنتاغون أو تقرير لوكالة اإلستخبارات المركزية‪...‬‬
‫مصيرنا في أيدينا والعدالة حقيقة نسمعها ونراها كل يوم لن تقوم أي نهضة لألمة اإلسالمية دون إسالم ‪،‬‬
‫إن اإلسالم وتعاليم القرآن الكريم وسنة النبي صلى هللا عليه وسلم هي النظام الكامل أو المطلق للحياة‬
‫واإلقتصاد ‪ ،‬لألمن ‪ ،‬للسلم والحرب ‪ ،‬للمجتمع للسياسة وكل شيئ نعرفه في الحياة‪...‬‬
‫من الذي يمسك السماء ‪ ،‬من الذي منع العذاب أن ينزل علينا ألننا عصينا هللا ‪ ،‬من الذي جعل السماء سقفا‬
‫محفوظا ‪...‬‬

‫لقد سبب لي أولئك الحمقى واألغبي اء مزيدا من األرق ‪ ،‬يسارعون بقلوبهم المريضة من أجل نهب ثروات‬
‫األبرياء والضعفاء ‪ ،‬يظنون أنهم قادرون على أن يتحدوا القدر والسماء ‪ ،‬ماذنب ذلك الطفل وتلك األم‬
‫ماذنب ذلك الشيخ وذاك الرجل البريء ‪ ...‬وكعادتنا دوما ال نتعلم والنتذكر كطاغية يمر يهلك الحرث‬
‫أوكريح سا م يقتل كل مايجده في طريقه ‪ ،‬هكذا هو العالم ‪ ،‬آالالف المليارات هناك في الشمال والرفاهية‬
‫والتقدم والتحضر اإلقتصادي والتقني والسعادة والفرحة ‪ ،‬هم ينظرون للحياة بوجه مختلف ؛ والجوع‬
‫واأللم والتخلف والتدني والتدهور اإلقتصادي والتقني واأللم والتعاسة والمعاناة هناك في أرض الجنوب ‪،‬‬
‫بشر ينظرون للحياة خلف نافذة سوداء قاتمة النكاد نرى أي شيئ سوى طريقا مظلما ال نهاية له ‪.‬‬

‫أتمنى أن يقرأ أبناء جيلي هذا الكتاب ‪ ،‬أتمنى أن ألقى تشجيعا ‪ ،‬أتمنى أن يقول الناس لي أن كل شيئ في‬
‫إمكان اإلنسان تحقيقه حتى الصعود على النجوم‪...‬‬
‫مازالت أمام اإلنسان طريق مهما طالت هي قصيرة ‪ ،‬ألن عمر اإلنسان قصير ‪ ...‬مع كل يوم يمضي‬
‫يزداد الناس إنعزاال عن بعضهم ‪ ،‬يبتعدون شيئا فشيئا كل ذهب إلى عالم خاص به ‪ ،‬كل شيئ أصبح ضيق‬
‫يخنق وجود المسلم وكيانه ‪ ،‬قد تضيق باإلنسان كل هاته الدنيا ‪ ،‬قد يبلغ حزنه عنان السماء قد تزداد‬
‫معاناته وآالمه وتشتد أحزانه ‪ ،‬لكن في النهاية سيعود الماء لحالته الديناميكية ويزول كل ماهو ضار ‪،‬‬
‫نطوي الصفحة ونبدأ صفحة جديدة في الكتاب نكتب فيها مانشاء ‪ ،‬إذا أردنا التعاسة فإننا سنجدها ‪ ،‬وفي‬
‫نفس اللحظة إذا أردنا السعادة والفرحة فإننا بالتأكيد سنجد كل ذلك ‪...‬‬
‫إن التحكم في ذلك يرجع إلى تحكمنا في العقل والحواس ‪ ،‬إذا امتلكنا أداة مناسبة إلقناع العقل بالحالة التي‬
‫نريدها ‪ ،‬فالقدرة على برمجة العقل ‪ ،‬حل نموذجي للواقع البشري ‪ ،‬حتى وإن كانت العملية تحتاج مسألة‬
‫وقت فقط ‪ ،‬حتى تنسجم البرمجة مع العقل ‪ ،‬وما نلبث أن نجدها قد أرسلت إلى الحواس ‪...‬‬
‫كان يظن اولئك البشر أن ضعف مستواهم المعيشي ودخلهم راجع إلى فساد القيادة واإلدارة ومؤسسات‬
‫الدولة ؛ قد يحمل ظنهم بعض الدقة وما يقولونه صحيح نسبيا ‪ ،‬لكن رغم ذلك فإن فساد اإلدارة ليس سببا‬
‫مباشرا في أن حياتنا ومعيشتنا ليست بالم ستوى األحسن أو الجيد ‪ ،‬من يصنع المستقبل؟‬
‫ال أعتقد أن أحسن قيادة في العالم وأعدلها تستطيع أن تصنع لهذا اإلنسان أو ذاك مستقبال مشرقا ودخال‬
‫مرتفعا ومعيشة رغيدة ‪...‬‬
‫إن واقع هذا اإلنسان أو ذاك يعود إليه دون غيره ‪ ،‬ألنه هو المعني به قد يسعى اإلنسان ليغير واقعه ‪ ،‬لكنه‬
‫يفشل ثم ييأس وهنا سيلقي اللوم على الحكومة ‪ ،‬لكن عندما نفشل علينا أن نحاول مرة أخرى وعندما نفشل‬
‫حينها علينا أن نحاول حتى نحقق النجاح‪...‬‬
‫إنه النضال والكفاح والسعي بأمل وشوق شديد من أجل ذاك المستقبل ‪...‬سيتغير الواقع بالتأكيد عندما نصر‬
‫)‪(99‬‬
‫ونعمل بجد وإهتمام ؛ لن يبقى الحال أبدا على ماهو عليه‪...‬‬

‫عندما تتطابق تلك المركبات األساسية لمعادلة اإلنسان مع معادلة إنسان آخر هناك عندما تتطابق مركبات‬
‫الزمان والمكان والمتغير النفسي ‪ ،‬هناك سيكون اللقاء وتستمر األحداث وتستمر المتغيرات في التغير مع‬
‫تغير الزمان حتى وإن كان المكان ثابت فإن المعادلة في تغير‪...‬‬
‫إن مايحدث في حياتنا ‪ ،‬نظام رياضي اليقبل الشك أو التأويل فعندما تكون هناك نتيجة رياضية تتطابق مع‬
‫تلك المقدمة أو المعطيات فإنه في هذه الحالة ال يمكن أبدا الشك في تلك النتيجة ‪...‬‬
‫لما كل حركاتنا وكل مانقوم به من تصرفات خاضع للمصفوفة الكونية ‪ ...‬ال أعتقد بأن حركة الجزيئات‬
‫والذرات والكواركات خاضع لقانون العشوائية ‪ ،‬أعتقد إعتقادا راسخا من صميم وجدان العقل بأن تلك‬
‫الحركات خاضعة لقانون رياضي بالغ الدقة اليحمل في طياته هامش خطأ أو حتى إحتمال ضعيف‬
‫بالخطأ‪...‬‬

‫التقيت هذا اليوم مع تلك اإلنسانة مرتين دون أن أفكر في ذلك الموقف ولم أكن أبدا افكر في الموقف ‪ ،‬هل‬
‫كان صدفة ‪ ،‬هل وقوفي في ذلك المكان وذلك الزمان كان صدفة هل كانت وضعية وقوفي بمحظ الصدفة‬
‫هل ذهبت في تلك الطريق بالصدفة ‪ ،‬هل التقيت بمن أحب بالصدفة‪...‬‬
‫هل أن الكا ئنات جاءت بالصدفة ‪ ،‬أو هل أن اإلنسان جاء من محظ الصدفة ‪ ،‬هل أن الكون جاء من تلقاء‬
‫نفسه ‪ ،‬هل وجود الذرة والبروتون ‪ ،‬ووجود اإللكترون والكواركات شيئ من صنع الطبيعة الجامدة ‪ ،‬أم‬
‫أن هناك خالق أعظم من كل شيئ ومن كل تصوراتنا وتخيالتنا ‪ ،‬سبحان هللا ‪ ،‬سبحان الخالق ‪...‬‬
‫في كل للحظة اسأل نفسي ‪ ،‬ما هي الغاية ‪ ،‬ماسبب مايحدث ‪ ،‬ماذا يجري ‪ ،‬أعجز عن إيجاد إجابة واحدة‬
‫عن كل التساؤالت ‪ ،‬نحن بغباءنا ننظر إلى االحداث كأنها صفحات في كتاب يسمى الحياة ‪ ،‬صفحات‬
‫المعنى لها سوى أنها ورقة مكتوبة بحبر صيني‪.‬‬
‫عندما تبدأ خيوط الفجر بالبزوغ ‪ ،‬عندما تبدأ الشمس بالشروق ‪ ،‬عندما تدرك مالمح الطريق ‪ ،‬حينها‬
‫ستدرك معنى وجودك في الحياة ‪ ،‬ستدرك بأن اإلنسان حياته ليست معزولة ‪ ...‬كنت أدرك ماحولي وأتتبع‬
‫مايجري ‪ ،‬كنت أنظر إلى من حولي بتركيز أنظر إلى كل خطوة أنظر إلى األحداث كيف تتواصل وكيف‬
‫تتقدم وكيف تحصل ‪ ،‬احساسي بأن اإلنسان سيصل في النهاية ‪ ،‬إحساسي بأن اإلنسانية ستحقق ذاتها في‬
‫عالم أصبح اليعرف اإلنسانية ‪.‬‬
‫أصبح كجبل قاسي اليتحرك واليهتز ‪ ،‬اليتألم واليفرح ‪ ،‬اليحس واليشعر ‪ ...‬هكذا كانت المصفوفة‬
‫)‪(100‬‬
‫الكونية ‪ ،‬إنها نظام شامل يحكم هذا الكون ويسيره من الكواركات إلى أعظم مجرة في الكون ‪.‬‬
‫عندما تتأمل جيدا في المادة عندما تنظر بعقل مفكر إليها ‪ ،‬عندما ترى ذلك التماسك واإلستقرار الشديد‬
‫ينتابك شعور بالرهبة وبالريبة بالخوف أحيانا وبالتعجب أحيانا أخرى ‪...‬‬
‫ال أحد يدرك تلك المعاني ‪ ،‬إلكترون يدور حول النواة في مدار محدد اليستطيع الهرب وال الحياد عن‬
‫المسار وبروتونات موجبة تتجمع حول النواة ثابتة ال تتحرك‪.‬‬
‫أي قوة تلك التي تمنع البروتونات الموجبة باالنجذاب إلى اإللكترونات السالبة هذه هي الصعوبة الشديدة ‪،‬‬
‫وهنا تتجلى لنا مالمح العظمة والقوة التي تحكم كل شيئ ‪...‬‬
‫تبقى المادة مستق رة في اللحظة التي تكون فيها مكوناتها مستقرة ومتماسكة ‪...‬عندما ننظر إلى ذلك‬
‫المستوى الدقيق الذي ال تستطيع العين أن ترصده وننظر إلى القوانين التي تحكم االجرام وتحكم الكواكب‬
‫واألقمار والكتل الكبيرة‪.‬‬
‫إن القوى الكهربائية والنووية تحكم كل شيئ في حياتنا وجودها كان سببا في وجودنا ‪ ،‬إن اإلنسان‬
‫والكائنات األخرى كلها عبارة عن ذرات مصممة بشكل معين ‪ ،‬إنها الحقيقة تتجلى ‪ ،‬رياضيات دقيقة ‪،‬‬
‫ليست إحتماالت أو عشوائيات بل قوانين دقيقة تتجاوز مفهوم الحقيقة وتتجاوز معنى هذا الكون كله‪.‬‬
‫عندما يختل اإللكترون في الذرة ستختل وفي تلك اللحظة ستختل المادة وبالتالي سيختل هذا الكون ‪...‬‬
‫قد نبحث عن مفهوم دقيق ‪ ،‬عن مفهوم الذرة ‪ ،‬معنى اإللكترون أو البروتون أو النواة والكواركات ‪ ،‬هنا‬
‫سيكون مبدأ التفكير ‪...‬‬
‫)‪(101‬‬
‫الشيء يتجلى دون معنى والمعنى ألي شيء ليس له معنى أو هدف‪.‬‬

‫يوم الخميس ‪11:15 2111/14/28‬‬


‫كل شيئ سيتغير نحو األحسن ‪ ،‬واقعنا األليم لن يبقى ألن اإلنسان اليقبل الضعف رغم أنه اضعف الكائنات‬
‫في الوجود ‪ ،‬رغم أنه األفقر في الكون ‪ ،‬لن يستطيع أن يعيش يوما أو دقيقة أخرى دون هللا ‪ ،‬دون الخالق‬
‫العظيم ‪ ،‬لن تستطيع الشمس أن تشرق ‪ ،‬التستطيع األرض أن تدور ‪ ،‬ال تستطيع الحياة أن تستمر دون إله‬
‫يسير كل شيء ‪ ،‬وضع أحكام وقوانين تحكم حياتنا وتصرفاتنا‪...‬‬
‫مانعتبره نحن بعقلنا المحدود وقلبنا العاشق للملذات شرا أوسوءا سيتحول إلى الخير ‪ ،‬ومانعتبره خيرا‬
‫وجيدا لنا ولحياتنا هوسيئا لنا ‪ ،‬من العسر دوما يأتي الخير ‪ ،‬تتنزل الرحمة من عند هللا وكل شيئ من‬
‫عنده‪ ،‬في هذه اللحظات وأنا اكتب أنتابني الخجل وأنحنيت أمام هللا وأمتأل قلبي بالخشية وأغترت عينايا‬
‫بالدموع ‪ ، ...‬عندما تتعلم شيئا جديدا عندما تنظر بعقلك وقلبك سترى وستعرف ماهي الحقيقة ‪ ،‬سيتوقف‬
‫كل شيء عندما تتوقف تلك اللحظة المهمة في حياة اإلنسان‪...‬‬
‫أملي كان دوما اكبر من كل شيء ‪ ،‬أحالمي تجاوزت معنى أي شيء ‪ ،‬طموح اإلنسان في الحقيقة ليس‬
‫طموح األغبياء ‪ ،‬ليس طموح وأحالم تلك الكائنات التي التعقل بل برغم ذلك تخشى هللا وتقضي حياتها‬
‫القصيرة كلها تسبح له ‪ ،‬التفكر في رزق أو في مأوى ‪ ،‬بل تسعى ألنها تؤمن بأن هللا سيرزقها ‪...‬‬
‫ما أجمل تلك اللحظة ‪ ،‬إنها للحظة هدوء اإلنسان مع نفسه ‪ ،‬للحظة أهم من كل شيء ‪ ،‬الهدوء يجعل للحياة‬
‫معنى آخر ال تكاد أن تجده في أي للحظة أخرى ‪.‬‬
‫إن عالم الفوضى الذي تعيش فيه ‪ ،‬إن كل ما يرفق ذلك من شعور بالقلق ‪ ،‬عندما تعشق الهدوء ‪ ،‬عنما‬
‫تكون الطبيعة حلم من أحالم اإلنسان ‪ ،‬هناك سيطير العقل في الفضاء ‪ ،‬سيعلو ‪ ،‬وسيعلو ‪ ،‬تشعر حينها‬
‫بأجمل المعاني وتشعر بالسعادة ‪ ،‬عندما يصبح عقلك يتأمل ويفكر والقلب يرشده للطريق عندما تكون‬
‫هناك فرحة وسعادة ‪ ،‬ال تريد أن تخرج ونحن نسعى ونتقدم ‪ ،‬ومايبقى لنا من األيام سوى تلك اللحظات‬
‫)‪(102‬‬
‫الرائعة ‪ ،‬أسعد للحظة في تاريخ وفي حياة اإلنسان‪...‬‬
‫عندما فكرت وتأملت فيما قام به الرئيس المصري الراحل أنور السادات ‪ ،‬عندما سافر إلى القدس ‪ ،‬وما‬
‫أدى ذلك إلى غضب الشارع العربي وماتاله من قطيعة بين مصر والدول العربية بعد إتفاقية كامب ديفيد‬
‫‪ ...‬تجلت لي الكثير من األفكار والخواطر وقلت لما حصل كل هذا ‪...‬؟‬
‫عندما تدرك المسؤولية ‪ ،‬عندما تشعر بثقلها على كاهلك ‪ ،‬عندما تكون مسؤوال عن شعب بكامله ‪ ،‬هناك‬
‫ستفعل مالواجب والمقدور أن تفعله ‪...‬‬
‫لقد شعرت بالفرحة الشديدة وباإلمتنان وقلت اآلن أعترف بوجودكم وبأنكم سياسيين ‪ ،‬عندما وقَّع الشقيقان‬
‫الفلسطينيان على إتفاق المصالحة كان نصرا حقيقيا لألمة ‪ ،‬رغم كل يحدث في المنطقة أزمة ليبيا واليمن‬
‫وسوريا ولبنان وضحكت كثيرا عندما قال الصهيوني شيمون بيريز بأن هذا اإلتفاق يعتبر عائق وعقبة‬
‫أمام السالم و أمام قيام الدولة الفلسطينية‪...‬‬
‫اعداءنا يريدوننا دوما ان نبقى بعيدين عن بعضنا البعض ‪ ،‬اليريدون لنا أن نكون كيانا واحدا راسخا ‪ ،‬إن‬
‫في اتحادنا ستكون القوة التي تهدد وجود واستمرار العدو ‪...‬‬
‫أدعو اليوم األمة اإلسالمية أن تتحد وأن تتماسك أن تسوي صفها وتجدد عزمها وتقوي إرادتها‪.‬‬
‫الحقيقة كانت وستظل دوما ظاهرة للعيان ‪ ،‬يراها الجميع دون إستثناء ‪ ،‬منذ سنة ‪ 1948‬ونحن نتعلم‬
‫نستخلص الدروس والعبر ‪ ،‬لكننا كنا ننسى ونتناسى كل ماتعلمناه ‪ ،‬في أهم المواقف تريد األرض أن تتكلم‬
‫‪ ،‬تريد أن تصيح وتقول استفيقوا أيها النائمون ‪ ،‬حان الوقت لألجيال أن تنتقم إلخوان الدين والدم واألرض‬
‫‪ ،‬ألطفال ولنساء ‪ ،‬لشيوخ أضطهدوا على أرض الرسل واألنبياء ‪ ،‬على أرض السالم أرض يعقوب‬
‫ويوسف وموسى وعيسى وإسماعيل ومسرى الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪...‬‬
‫ال يسمع العالم صوتك أيها المسلم ولن يصغوا إليك إال في تلك اللحظة ‪ ،‬عندما يكون لك درع وسيف ‪،‬‬
‫عندما يكون العلم نورا وطريقا لك يهديك إلى الحق و يصرفك عن الظالم ؛ في الليل الهادئ الجميل ترى‬
‫الحياة في صورة أخرى من صورها الجميلة ‪...‬ال احد سيظن شيئا آخر سوى ذلك الذي نطمح لتحقيقه‬
‫شعور الحياة وسيعود اإلسالم ‪ ،‬والمسلمون سيعودون من مكان بعيد ‪ ،‬أين الضالل والضياع ‪ ،‬حياتهم‬
‫)‪(103‬‬
‫ستعود كماء عذب يجري في نهر الفرات أو النيل‪.‬‬

‫ال تدري إطالقا كيف تتسارع األحداث وتتصادم األشعة في الفضاء الكوني ‪ ،‬مع كل مرة أفكر أن اإلنسان‬
‫الذكي يكون غبيا بعض األحيان نفكر بالعقل ‪ ،‬نتوسع ونتعمق في الكون الشاسع نحاول بقدراتنا المحدودة‬
‫أن نفهم مالذي يجري ينتابني الفخر أحيانا ألني أتعلم شيئا جديدا كل يوم يمر أحس بالسعادة والنشوة مع‬
‫كل طموح لالمحدود ومع مزيد من األمل في الحياة مع تخطيط إستراتيجي سنتمكن من صناعة المستقبل‬
‫المشرق‪...‬‬
‫اليمثل العنف والتعصب العقلي والتعنت جزءا من شخصيتي ‪ ،‬قلب اإلنسان عميق مليئ بالتسامح بالحب ‪،‬‬
‫)‪(104‬‬
‫بالسالم وبكراهية العنف والدمار والحرب واأللم والمعاناة ‪.‬‬

‫كان الخير مفهوما شامال للصفات النبيلة واألخالق والمبادئ الفاضلة ‪ ،‬منذ للحظات التاريخ األولى ‪ ،‬كان‬
‫ذاك المعنى هو الغالف الحافظ والحامي لهذا الكون من االندثار ‪ ،‬كإنسان في هذا الوجود يمثل الخير لي‬
‫مفهوما مقدسا له معاني كثيرة ‪ ،‬عندما كان باب الخير مفتوحا ‪ ،‬كنت اسعى بكل إخالص من أجل أن أفعل‬
‫الخير ‪ ،‬من أجل أن أعمل صالحا ‪ ،‬لقد استطاع الخير بامل ان يسكن في قلبي ‪ ،‬مهما كان وضع اإلنسان‬
‫مهما كانت إنشغاالته فالخير وفعل الخيرات ضرورة لإلنسان بل هو مقصد من مقاصد الحياة في هذا‬
‫الكون‪.‬‬

‫كنت أتحدث مع نفسي وكانت هي تقول مالداعي لفعل الخير مالداعي لتقديم المساعدة للناس ‪ ،‬مالداعي‬
‫لذلك ‪ ،‬عندما تمتلك الجرأة لإلجابة هناك عوامل هامة تدعونا للرد على ذلك السؤال ؛ إن عمر اإلنسان‬
‫محدود وأبواب الخير كذلك ل تقديم الدعم للناس دون أن ينتظر منهم جزاء أو شكورا كان رسول هللا ملهما‬
‫)‪(105‬‬
‫لألمة ‪ ،‬كان عبدا صالحا هلل يسارع لفعل الخيرات و صفاته التيسير ال التعسير‪.‬‬
‫عندما كان اإلحباط ينال مني كنت أحاول الهروب ‪ ،‬أعود قليال للوراء ألرتمي في أحضان الماضي الذي‬
‫ذهب ‪ ،‬كنت أجد فيه نوعا من األمل ونوعا من الروح التواقة للغد الذي الندري كيف سيكون‪...‬‬
‫في بعض تلك اللحظات كان اإلحباط واليأس ‪ ،‬كان الفشل يتحول إلى إبتسامة بريئة على وجه اإلنسان ‪،‬‬
‫بعدما ظنوا أنهم نالوا من اإلنسان فقد أحي وا فيه بذرة حب األمل والتمسك به إلى آخر اللحظات وهكذا دوما‬
‫كانت أيامنا تمضي‪...‬‬
‫كل ما كتبته كان تعبيرا عن للحظات كنت أعيشها وأحس بها وأشعر بها ‪ ،‬لقد كان العالم الذي نعيش فيه‬
‫ضيقا كثيرا على اإلنسانية ‪ ،‬كل الظروف كانت ضد اإلنسانية ‪ ،‬كانت ضد الحب الصادق ‪ ،‬كانت ضد‬
‫األمل حب الحياة وحب الضياء ونور الشمس ‪ ،‬كان القمر دوما يطل بوجهه حزينا كئيبا ‪...‬‬
‫لكم أكن أؤمن بفلسفة اليونان أو فلسفة أرسطو ‪ ،‬لم أكن أفكر سوى في فلسفة إنسان يريد أن يعيش الحياة‬
‫كما رسمها على للوحته‪...‬‬
‫مع التفكير العميق ‪ ،‬كان اإلنسان يدرك بأن األلم لن يستمر والمعاناة ومرارة الحياة التصبغ حياة الكائن‬
‫البشري ‪...‬‬
‫مع كل للحظة تمضي من حياتي أقف وأعتذر لكل من أخطأت في حقه وفرطت في خدمته وأطلب المغفرة‬
‫دوما من هللا ‪ ،‬لعل الحياة تعود ‪ ،‬لعل اإلنسانية تعود مرة أخرى للحياة‪...‬‬
‫أحيانا عندما أتكر أستاذتي العزيزة وردان ‪ ،‬أتذكر كل شيء جميل في حياتي ‪ ،‬أتذكر للحظات األمل‬
‫وللحظات التحدي ‪ ،‬دفعتني لألمام دوما ‪ ،‬رغم أنه ا درستني ثالثة أشهر فقط ‪ ،‬الزال فراقها يشكل لي‬
‫حزنا دائما ومتواصال ‪...‬‬

‫دمعت عينايا في هذه اللحظات عندما أردت أن أتذكر صفحات االمل في حياتي ‪ ...‬في الجامعة هناك‬
‫عشت للحظات مختلفة ‪ ،‬لقد زرع بعض االساتذة في نفسي اليأس واإلحباط لم يصنعوا ولم يبلوروا في‬
‫نفوسنا التحدي وساهموا في قتل طموحنا‪.‬‬
‫بالنسبة لي ال ألقي اللوم على أحد وال أحمل أحدا المسؤولية ‪ ،‬ما أردت قوله ببساطة ان الشباب يحتاج لمن‬
‫يصنع ويبلور له التحدي من يدفعه لألمام ال من يدفع به لألسفل‪...‬‬
‫قليلون بالتأكيد من ساهموا في دفعنا نحو األمام ‪ ،‬وهذا مثل لي سعادة كبيرة ‪ ،‬لطالما أحسست بأن الوقت‬
‫يتسارع ويجري ولطالما شعرت بأني سأعجز أمام هذا التسارع المطرد عن تحقيق إنجاز عظيم ‪...‬‬
‫كان أملي في أن أحقق لألمة انجازا من اعظم اإلنجازات في التاريخ ‪ ،‬ليس لغاية إال ألشرف وطني وامتي‬
‫‪...‬‬
‫كان أستاذي جمال الطيب الرحماني الذي تعرف ت عليه في أواخر شهر مارس نموذجا جيدا لعالقة األستاذ‬
‫والطلبة كيف يجب أن تكون ‪ ،‬مبنية على الصداقة وعلى التعاون والتفاهم ‪ ،‬قال لنا بأن معه ال توجد‬
‫بروتوكوالت أو أجندة أو حتى تحفظات ‪ ،‬داخل االجامعة نحن أصدقاء وفي الخارج نحن كذلك أصدقاء ‪،‬‬
‫بالنسبة الستاذي العزيز الدكتور حاج بوسعد تحدث معنا عن المعرفة ودورها في صناعة وفي صقل‬
‫تفكيرنا وآلية عمل منطقنا العقلي ‪...‬‬
‫كنت أستمع وأقرأ خطب وكتب اإلمام محمد الغزالي رحمه هللا وكم كانت منهجيته في تبليغ الرسالة‬
‫والدعوة مبنية أساسا على العقل والتفكير المنطقي وهذا ما كان يحتاج إليه كل إنسان مفكر‪.‬‬
‫ماتعانيه األمة اإلسالمية ليس أعراض لبداية مرض خبيث ‪ ،‬بل هي أعراض النهاية ‪ ،‬نهاية اإلنفصال أو‬
‫)‪(106‬‬
‫بداية تاريخ اإلحباط والفشل بالنسبة لتاريخ األمة ‪...‬‬

‫في بداية الطريق يتوقف اإلنسان في نقطة من الزمن ‪ ،‬للحظة تأمل أو للحظة صمت يتوقف عندها كل‬
‫شيء ‪ ،‬يصبح الفضاء الزماني والمكاني ساكن كل النقاط التي تنتمي إليه ساكنة سكون مطلق‪...‬‬
‫تلك اللحظة التي تقاس بالميلي ثانية تعبر عن حالة إنفصال بين سلسلتين ال نكاد ندرك ذاك الفراغ‬
‫المجهري‪...‬‬
‫كأن الواقع اليريد أن يرحل ‪ ،‬كأنه حقيقة رياضية مطلقة التقبل الشك أو التأويل ‪ ،‬لكن الواقع اليمت‬
‫للرياضيات بصلة فهو فوضى من صنع البشر ‪ ،‬كما أنه ليس شيئا راسخا بل قيمته أو دالالته تتغير بين‬
‫الحين واآلخر ‪ ،‬ربما حان الوقت لنحدد موقفنا من كل مايجري حولنا ‪ ،‬فالظروف اصبحت صعبة من ذي‬
‫قبل في عالم يزداد شساعة يوما بعد يوم ويزداد مع ذلك ضعف اإلنسان وعجزه أمام تعاظم الشر وبسطه‬
‫نفوذه في كل أرجاء معمورتنا ‪...‬‬
‫إن حياة اإلنسان مجرد رسالة تحمل شفرة خاصة لهذا اإلنسان أو ذاك ال يستطيع الكون أن يستمر‬
‫دونهما‪...‬‬
‫لقد تعقدت األمور و تشعبت بحيث سيكون إيجاد حل سريع مهمة صعبة للغاية في كل الحاالت التي‬
‫تصادف الكائن البشري ‪ ،‬فهنا عليه أن يتحمل مسؤولياته ك ل الفشل والنجاح وكل تلك المفاهيم تسير حياتنا‬
‫وترسم صورة أليامنا أيا كانت الظروف والتحديات ‪ ،‬تبقى فلسفة اإلنسان مكسبا يغنيه عن كل إخفاق‬
‫واجهه في أهم مراحل تاريخه وحياته‪.‬‬
‫بالنسبة لنا وما عانيناه في الحياة ‪ ،‬معاناة فكرية وأدبية وثقافية التقابلها أية مأساة حسية أخرى‪...‬عندما‬
‫تتأمل وتنظر بعقلك إلى الطبيعة ‪ ،‬إلى تلك الجبال تلك التضاريس المذهلة والغابات الكثيفة ‪ ،‬عندما تنظر‬
‫إلى الشمس في للحظة الشرو ق وإليها في موعد الغروب وإلى السماء ‪ ،‬هناك في ذلك الموقف سيركب‬
‫عقلنا موجة في الفضاء يسبح هنا وهناك ‪ ،‬ينتقل حينها من عالم فيزيقي اليحمل أي قيمة حقيقية إلى عالم‬
‫أوسع وارقى وأكمل ‪ ،‬في عالم الخيال الحقيقي النه يحمل في طياته معاني رياضية في غاية التعقيد‬
‫والشمول ية الكونية ‪ ،‬إنها نقطة إلتقاء الزمان والمكان‪.‬‬
‫قد التعن ي عضوية اإلنسان وفيزيولوجيته أي شيء ألن الروح هي المركب األساسي في اإلنسان فحتى أننا‬
‫)‪(107‬‬
‫النستطيع أن نصطلح إنسان على جثة جامدة بل هو إنسان بتلك الروح التي بين جنبيه‪.‬‬

‫قبل آخر يوم لي في السنة الدراسية ونهاية ثالثة سنوات دراسية في الجامعة والتي ستنال بعدها شهادة‬
‫لليسانس أردت أن أقف واتأمل اقيم ثلث عقد من الزمن مضى من حياة اإلنسان كيف مر وكيف كان وكيف‬
‫يجب أن يكون‪...‬‬
‫كل يوم كان يمر منذ دخولي في ‪ 4‬أكتوبر ‪ 2118‬كان حبي يزداد لدراستي وللتخصص الذي اخترته ‪ ،‬ال‬
‫أجزم وال أكذب وال أتجمل فالمعرفة وتحصيلها كانت غايتي ‪ ،‬وأعترف بإخفاقاتي وبفشلي في بعض‬
‫األحيان ونجاحي في أحيان أخرى ‪ ،‬لم يسعفني الحظ ولم أقرأ كتبا كثيرة وأبدي ندمي وأسفي على ذلك ألن‬
‫قراءة الكتب ستصقل لإلنسان موهبته وتساهم بقدر كبير في توجيه العقل وتوفر له الخصوبة والديناميكية ‪،‬‬
‫في تلك السنوات المهمة من حياتي كشاب أكتسبت الكثير من التجارب والخبرات تعرفت على أصدقاء‬
‫الجامعة وزادت معرفتي بهم وتوثقت صلتي معهم ‪ ،‬وعشت أجمل ايام تاريخي وأصعب للحظات حياتي‬
‫أيضا ‪ ،‬لقد كانت معبرا لي ألنتقل من رحلة البحث عن العمل والسكن والحياة الهنيئة ‪ ،‬إلى رحلة البحث‬
‫عن الحقيقة والمعرفة ‪ ،‬واليوم أظن بأن كل شيء سيتغير في ذاتي ‪ ،‬لقد اصبحت اليوم غايتي أن أسعى‬
‫وراء العلم وأن اطلب الحقيقة وأن امضي مسرعا في سبيل ذلك ‪ ،‬في الماضي كنت اطمح ألصير للواء‬
‫في الجيش أو طبيبا جراحا أو رجل أعمال عالمي ‪ ،‬لكن في للحظة هامة من حياتي تغير شعوري‬
‫وطموحي وقلت اليوم أريد أن أصبح عالما ولم يعد لي أي طموح آخر ‪ ،‬لم أكن اعرف األنانية ولم يكن‬
‫ذلك مفهوما معروفا في قاموس حياتي‪...‬‬
‫إنها فلسفة اإلنسان ‪ ،‬اليوجد أي شيء آخر يضاهي الظاهرة اإلنسانية في هذا الوجود المادي ‪...‬كنت متأكد‬
‫من أن من يقرأ اآلن هذا الكتاب هو أكيد إنسان متميز ألنه اليوجد إنسان عادي يشتري من المكتبة كتابا ‪...‬‬
‫فهذه هي الحقيقة ‪ ،‬ال أدري كم إنسانا سيقرأ كتابي وماسيكون تعليقه ‪ ،‬ستكون السعادة لي عندما سيقرأه‬
‫الناس ليعرفوني ليفهموا مافي قلبي وما أعيشه كإنسان‪ ...‬سعادتي بالنسبة لي هي اإلنسانية ‪ ،‬فإنسانيتي‬
‫غلبت الشر وما توسوس به لي نفسي ‪...‬‬
‫في للحظات الحب تشعر بخفة الوزن وبزوال الوهن والتعب ‪ ،‬فحب الناس ستضيف لإلنسانية الكثير ‪،‬‬
‫فالناس هم االصدقاء واألخوة في الدم وفي الوطن وفي الدين وزمالء العمل والدراسة والسفر والمطعم‬
‫وفي كل مكان تلتقي به مع الناس‪...‬‬
‫والحب درجات ‪ ،‬هناك حب روحي وحب إنساني وحب مادي ؛ فالروحي هو أسمى من كل حب ‪ ،‬حب هللا‬
‫وحب الرسول ‪ ،‬واليوجد أي حب فوقهما ألن غاية كل إنسان هي الوصول إلى هللا ‪ ،‬طلب رضاه وعفوه‬
‫ومغفرته وحب الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬فاإليمان سيتم عندما يكون حبه أكبر من حبك لنفسك ولكل‬
‫من حولك‪...‬‬
‫الحب اإلنساني موجه لمن تحب ‪ ،‬حب الوالدين واألخوة والزوجة واألوالد وكل من تحب من أقرباءك‬
‫والناس ‪ ...‬الحب المادي مرتبط بشيء حسي حب األرض ‪ ،‬حب الطبيعة ‪ ،‬حب المال ‪ ،‬حب السيارات ‪،‬‬
‫حب األشياء‪...‬‬

‫في كل موقف من حياتي أتذكر من أحب وكانت اقرب إنسانة إلى قلبي بعد والديا وأقرب أقرباءي أستاذتي‬
‫وردان التي أحبها من أعماق وجداني أحبها ليس إال ‪ ،‬عندما اتذكر صورتها أمامي ‪ ،‬عندما أتذكر يوم‬
‫رحيلها أبكي ودموعي تنزل ‪ ،‬فقد كان الحب أقوى من كل شيء لقد أثر غيابها في نفسي الكثير وأتمنى أن‬
‫ألقاها في يوم ما ‪ ،‬أليس فخرا لإلنسان أن يترك من يحبه ‪ ،‬من يتذكره ‪ ،‬من يدعو له أليس ذلك سعادة ‪.‬‬

‫لقد تمنيت من قلبي أن تكون تلك الفتاة التي أحببتها زوجة لي أن تقبل بي و والداها ‪ ،‬لقد أصبح قلبي واسعا‬
‫‪ ،‬يحوي كل شيء التستطيع القلوب القاسية أن تحويه إنها قوانين الفيزياء تتجلى‪.‬‬
‫سبحت بخيالي في الفضاء وفكرت في الخالق سبحانه وتعالى ‪ ،‬أنتابني الحياء والخجل وأحسست بشعور‬
‫السائر في الطريق إلى هللا إنها للحظة التدبر والتأمل للحظة يصحو فيها اإلنسان ؛ كل الحواس تعمل بشكل‬
‫جيد والعقل في أفضل حاالته والقلب أصبح جديدا‪.‬‬
‫أحمد هللا وأشكره على النعم وأتوب إليه وأستغفره ‪ ،‬فرحمته وسعت كل شيء ‪ ،‬أدعوه أن يعلمنا ماينفعنا‬
‫)‪(108‬‬
‫وينفعنا بماعلمنا و"قل رب زدني علما"‪.‬‬

‫ال أعلم ماسبب تمسك االرئيس اليمني والسوري بالسلطة ‪ ،‬إن هؤالء المستبدون في الحكم والذي ظنوا بأن‬
‫الشعب سيظل صامتا ‪ ،‬فلكل شيء حدود ‪ ،‬والصبر على المظالم له حدوده ‪ ،‬فعندما يتجاوز الحدود‬
‫سينفجر حولنا كل شيء ‪.‬‬
‫في أهم للحظات التاريخ كنت أتساءل وأعترف بأني أخطأت في تقدير الموقف ‪ ،‬لم أصدق ماكنت اراه‬
‫على شاشات التلفاز ‪ ،‬عندما رحل الطغاة عنا هناك أين فك الحصار على أهلنا في غزة وتنفس الناس في‬
‫مصر الصعداء وعاد للمواطن التونسي شرفه وكرامته وشموخه وعزته‪.‬‬
‫إن الشعوب اإلسالمية في حاجة لطلة جديدة لعودة اخرى ‪ ،‬إننا نتطلع إلقامة وطن إسالمي واحد نعيش‬
‫تحت سماءه ‪ ،‬نبني البالد وأيدينا في أيدي اخواننا وأخواتنا‪.‬‬

‫إن األمة ستنهض برجالها وبنسائه ا ‪ ،‬ستنهض بالتأكيد عندما يدرك كل منا قيمة اآلخر ‪ ،‬لقد كنا نخرج من‬
‫مأساة لمأساة وكنا دوما نتعلم درسا جديدا في التاريخ‪.‬‬
‫إن العمل والجد والمضي قدما نحو األمام هي المقومات األساسية للعمل وللبناء ‪ ،‬لصناعة مستقبل مشرق‬
‫لنا وألجيالنا القادمة‪.‬‬
‫هناك من يسمون أنفسهم بأساتذة السياسة وأنهم خلقوا ألجلها وهي وجدت ألجلهم ‪ ،‬أعتقد بأنهم أخطأوا في‬
‫)‪(109‬‬
‫تقدير األمور‪...‬إن هللا يعز من يشاء ويذل من يشاء فهذه هي سنة الحياة‪.‬‬
‫لقد فتحت صفحة جديدة في التاريخ إنها إستمرارية لحياتي ‪ ،‬اين سأنتقل من عالم الرأسمالية الميتة الجامدة‬
‫واإلش تراكية الكاذبة إلى عالم آخر يمثل فيه العلم كل شيء ؛ هو السماء وهو األرض وهو الماء وهو‬
‫األكسجين ‪ ،‬هو الحاضر والمستقبل أيضا ‪...‬‬
‫فرحتي أزدادت ليس ألن الظروف أصبحت في صالحي أو أصبحت غنيا ‪ ،‬لكن ألن السعي وراء العلم‬
‫أصبح اليوم حافزا لي ‪ ...‬ووقودا لحياتي كلها‪.‬‬
‫إن حياة اإلنسان القيمة لها دون وجود هدف سامي وراقي لدرجات عالية ‪ ،‬نسعى بكل قوتنا وطاقتنا‬
‫لتحقيقه ‪ ،‬عند الحديث عن األمل ؛ فهناك كل شيء من حولنا يظهر كتلك النجوم الالمعة في السماء‪.‬‬
‫عندما بدأت في الكتابة اسميت كتابي "ثالثة سنوات من عمري" بعد سنة واحدة مرت قمت في للحظة‬
‫تفكير من حياتي بتغيير العنوان إلى "بين السماء واألرض" ألن معنى كل ماكتبت كان يظهر واقع اإلنسان‬
‫بين أحالمه وطموحاته بين أمانيه وكل ذلك والواقع الذي نعيشه ‪ ،‬فبكل تأكيد واقعنا اليتوافق مع طموحنا‬
‫ومع احالمنا فهو يسلك إتجاها مغايرا في اللحظة التي نسلك فيها نحن طريقا معاكسا‪.‬‬
‫بالنسبة لي وماكنت أسعى إليه كان شيئا صعبا ‪ ،‬فلم يكن شيء ملموس وجامد كعادتنا نحن البشر ولهذا‬
‫السبب كنت بين السماء واألرض ‪ ،‬طموحي أن أصعد للسماء لكن جاذبية األرض المارقة كانت عائقا‬
‫أمامي ‪...‬‬
‫لكل جيل ظروفه فالزمان والمكان في تغير مستمر ‪ ،‬اليستطيع الجيل الماضي أن يحكم علينا ‪ ،‬على‬
‫إنجازات وإخفاقات أو على أحالمنا وتفاهتها وعظمتها ؛ كما نحن أيضا ال نستطيع أن نحكم ال على‬
‫إخفاقات الجيل الماضي وما حققه على أرض الواقع وال حتى الجيل القادم الذي يلينا‪...‬‬

‫إن أمتنا أعظم أمة في التاريخ ‪ ،‬ال تقولوا بأننا آخر شعوب العالم أو أدناهم ‪ ،‬إنها للحظة إنكسار فقط‬
‫والزمن كفيل ليثبت لنا بأن أمتنا لم تنهار بل انكسرت سرعان ما ستعود لحالتها ‪ ،‬كالعظم حين ينكسر لن‬
‫يعود لحالته بالتأكيد فهنا البد من إقامة دعائم حتى يستطيع أن يبرأ ‪.‬‬

‫أشكر أساتذتي في الجامعة على كل ماقدمو ه لي من دعم معرفي ومعنوي لقد كانوا يمثلون كل شيء في‬
‫حياتي ‪ ...‬لقد أدوا دورهم وقدموا ما كان في وسعهم في الحقيقة ال أدري مالذي سأقوله‪...‬‬
‫عندما كنت أرى األستاذ يبتسم في وجهي كانت السعاة تطرق بابي دون أن أدعوها وكان يومي يمضي‬
‫وأنا كلي أمل وشوق ‪ ،‬وإصراري يزداد لتحقيق تلك الطموحات لم أكن أعلم وال أعرف كيف أتحدث مع‬
‫اآلخرين ألن دوما بيني وبينهم حاجز يمنعني ولم كن أعرف كيف اتكلم وماهي المواضيع التي سأختارها‬
‫‪...‬‬

‫في هذا اليوم قررت أن أنهي الكتاب وأتوقف عن الكتابة فالبداية تحتاج إلى نهاية ‪.‬في للحظات من الحياة‬
‫كان الفش ل يصيب اإلنسان في ذلك الموقف الصعب ال تدري ماذا ستفعل كل القوى تصبح ضدك ‪،‬‬
‫تواجهك الرياح والعواصف واألالم وكل شيء ‪...‬‬
‫تصيبك المحن تارة والمآسي مرة أخرى وتنتظر في الحياة لو لم تكن إنسان لما واجهتك هاته الظروف أو‬
‫المحن‪.‬‬
‫في للحظة سيتغير كل شيء من حولنا ‪ ،‬عاد الشتاء من جديد ؛ أمطرت السماء وع ّم الخير البالد وعاد كل‬
‫شيء أحسن مما كان بكثير ‪ ،‬وأتى الربيع ‪ ،‬الدفئ يعقب الشتاء ‪ ،‬البرد القارس والرياح والعواصف ‪...‬‬

‫لقد كنت أحب الشتاء كثيرا ‪ ،‬ألن أجمل ذكرياتي وأهمها كانت في مرحلة الشتاء ولهذه الغاية كنت أصف‬
‫للحظات اليسر وأعبر عنها بأيام الشتاء الجميلة‪ .‬إن األمة في حاجة لكل إ نسان ينتمي إليها ويشكل جزءا‬
‫هاما منها ‪ ،‬إن الشباب هم القوة ‪ ،‬فاإلبداع واإلبتكار والتحديات تنبع منهم ‪ ،‬فهم المنبع لكل شيء يحمل في‬
‫طياته القوة ‪ ...‬بإمكان هؤالء أن يرفعوا أن يدفعوا األمة خطوات هائلة نحو األمام ‪...‬بإمكانهم القفز بها إلى‬
‫ضفة الواد‪.‬‬
‫إن معاناة األمة لم تكن ألن الظروف كلها ضدنا ‪ ،‬بل ألن الخوف شكل واقعا هاما من شخصيتنا ‪ ،‬الخوف‬
‫من المضي نحو األمام ‪ ،‬الخوف من القفز‪.‬‬

‫عندما ترى األطفال الصغار يلعبون ‪ ،‬عندما تغوص في التفكير تدرك التحديات ‪ ،‬نحن ال نتمنى أن يأتي‬
‫هؤالء الصغار في نفس مكاننا وتتالشى وتتبخر أحالمهم وطموحاتهم أمام معطيات الواقع السخيف الذي‬
‫يريد القضاء علينا واحدا تلو اآلخر ‪...‬‬

‫لكن هيهات فعزيمتنا من حديد ‪ ،‬وفشلنا يشكل وقودا لنجاحنا ويأسنا سيتحول لقوة تعاند كل شيء اليريد لها‬
‫أن تستمر إن حي اتنا مبنية على التكافؤ ‪ ،‬وجودنا وإستمراريتنا ‪ ،‬نجاحنا وتفوقنا مبني ومرهون بوجود‬
‫شيء ؛ إنه التمسك بالدين والعودة للطريق ‪.‬‬
‫إن الصالة كما أركان اإلسالم األخرى تمثل عمودا لحياتنا ‪ ،‬إن الغاية التبرر لنا الوسيلة فمشروعية‬
‫الوسيلة هي السبيل لتحقيق الغاية المشروعة ‪ ،‬إن حياتنا مبنية على التسامح عل الحب واإليثار ‪ ،‬على كل‬
‫الصفات الجميلة فالصدق والوفاء والعفو عند المقدرة ‪ ،‬وتقديس العلم والعمل كلها تمثل اساسا لحياتنا ‪...‬‬
‫إن السعادة الروحية والنفسية لن تحصل عنما تقود سيارة مرسيدس من الفئة األخيرة ‪ ،‬أو سيارة رياضية‬
‫من طرا ز فيراري أو بي أم دبليو ‪ ،‬أو عندما تكون لك فيال تقابل شاطئ البحر األبيض المتوسط أو أي‬
‫متاع من الدنيا ‪ ...‬السعادة تنبع من حقائق نعيشها ‪ ،‬من عمل صالح نقوم به ‪ ،‬من صدقة نتصدقها ‪ ،‬أو كلمة‬
‫حق أو صدق تخرج من أفواهنا أو عمل نتقنه أو صالة مع إخواننا في المسجد‪...‬‬

‫لقد زال الظلم ولم تعد حرية اإلنسان مقيدة بدستور أقامه المستبدون ‪ ،‬إن االمة ومصيرها أهم بالنسبة لي‬
‫من كل شيء من أحالمي وطموحاتي ‪ ،‬من كل شيء ال معنى له ‪ ،‬فتلك الطموحات واألحالم وكل شيء‬
‫)‪(110‬‬
‫تملكه عليه أن يكون من أجل أن تنهض االمة وتستمر ‪...‬‬

‫لقد كانت الطبيعة معهدا لإلنسان وحقيقة في شخصيته ‪ ،‬فاألرض والسماء والشمس والقمر ‪ ،‬وتلك الجبال‬
‫‪ ،‬كل شيء فيها تمدنا بإستمرار و بتواتر متناسق بكل مايحتاج إليه ذلك الكائن المذهل ‪ ،‬برغم تلك‬
‫الظروف ‪ ،‬برغم ذلك الواقع ‪ ،‬برغم امتداد الشر وإتساعه يوما بعد يوم في أرجاء الزمان والمكان إال أن‬
‫اإلنسان سيظل دوما صامدا أمام تلك التحديات‪ .‬منذ أن تحجر قلب ذاك اإلنسان وذاك يومها نسى كل شيء‬
‫‪ ،‬نسى الحياة ‪ ،‬نسى الروح التي تسير كل كائن ‪ ،‬زاغ بصره وأنحرف تفكيره أصبح اليعي أي شيء آخر‬
‫سوى أنه يريد أن يحقق سطوته ويبسط يده على كل شيء جامد ‪ ،‬وبدأ رحلة جديدة ال تمت لإلنسان بشيء‬
‫رحلة ليس للبحث عن الحقيقة بل رحلة البحث وراء المال والنفوذ والثروات‪...‬‬
‫)‪(111‬‬
‫طريقان مختلفان ‪ ،‬أهداف متمايزة ‪ ،‬المستقيمان المتوازيان ال يتقاطعان أبدا‪...‬‬

‫كانت تلك الشمعة تنير أرجاء المكان المظلم ؛ كأن الوقت توقف اصبحت األشعة الضوئية ساكنة في‬
‫الفضاء إنها للحظة مطلقة ليس فيها أية عشوائية أو اية غرابة بل شيء فائق اإلتقان والتطور ‪ ،‬اليستطيع‬
‫أي عقل جامد أو عقل فائق الذكاء أن يصنع شيئا كذلك أن يبني كونا في غاية الروعة والكمال‪...‬‬
‫كانت السعادة تبلغ قمتها كنت أتعلم شيئا جديدا ‪ ،‬وكنت حينها أفهم سبب مروري بتلك المواقف صعبة‬
‫كانت أو مستحيلة أقف وانظر إلى كل شيء يحيط بي ‪ ،‬أرى تلك األشجار وتلك الطبيعة ‪ ،‬لم أختر أن‬
‫أعيش حياتي جامدة بل أردت معرفة الحقيقة أن أفهم معنى حياتي ووجودي ‪ ،‬سبب إستمراريتي ‪ ،‬سبب‬
‫ومغزى نجاحي وفشلي وإخفاقاتي‪.‬‬
‫عندما اخترت سنة ‪ 2118‬شعبة علوم األرض والكون هناك عندما أهانني الجميع واستهزؤوا بي عندما‬
‫ظنوا بأن الحياة مجرد أحداث ‪ ،‬تختارأنت فيها ما تراه األفضل ‪ ،‬لكن هناك من يعلم خفايا وأسرار هذا‬
‫الكون ‪ ،‬هناك الذي خلق كل شيء ‪ ،‬هناك هو الذي يسير لنا حياتنا يختار لنا دوما ماهو أفضل‪...‬‬

‫أحيا نا يخطئ اإلنسان يظن بأن الطريق التي نختارها دوما تكون صحيحة ألن علمنا محدود وألن حياتنا‬
‫قصيرة وإدراكنا ناقص ‪ ،‬فلهذا السبب هناك مصفوفة شاملة ‪ ،‬قد تكون أجيال بكاملها بحياتها وبأفعالها ‪،‬‬
‫إنجازاتها وكل ذلك من أجل إنسان واحد ‪ ،‬ربما يكون إنسان واحد في هذا الكون مستقبل كل األجيال مبنية‬
‫عليه‪ ...‬إنها الحقيقة أمامنا لكننا النريد أن نراها ‪.‬‬
‫لست إنسانا عاديا يحيا ثم يموت وكأن شيئا لم يكن بل سأسعى الكون متميزا بذاتي بفكري وبأحالمي‬
‫وطموحاتي‪.‬‬

‫عندما أردت أن اقود مقاتلة بسرعة الصوت للحظة شروق الشمس ليس لغاية سوى أن تعيش ذاك‬
‫اإلحساس عندما ترى الشروق من فوق من أعلى السماء ‪ ،‬هناك أشياء كثيرة ستتبادر إلى ذهنك ‪ ،‬ستغوص‬
‫في أعماق الفكر والتأمل سترى اشياء لم تكن لتراها من على األرض ‪ ،‬عندما شكل لي الحب والتسامح‬
‫واألمل والطموح كامل شخصيتي ليس لغاية إال أن أصنع عالما أريده وأتمنى أن أعيشه بل في الحقيقة أنا‬
‫جزء من ذاك العالم الذي لم يكن موجودا في الحقيقة المريضة‪...‬‬

‫ال أسعى ألسافر عبر الزمان ألرجع للماضي أو أهرب للمستقبل أريد أن أعيش اللحظة كلها بكل معانيها‬
‫بكل ما يحيط بها وبكل شيء فيها ‪...‬‬
‫كشاب في ه ذا العالم أحس بأن حياتي وزمني يجري و يهرب مني لطالما كنت أحترمه لكني فشلت فيه ‪،‬‬
‫وهذا العالم الحقيقي قطع الصداقة بيننا أشتاق إليه لقد كان أهم صديق لي في هذا الكون‪...‬‬

‫ال أريد أن أعيش مئة سنة وال حتى أكثر من خمسين أو أربعين سنة أتمنى أن أموت والوقت أعز‬
‫أصدقا ئي‪ ،‬مصير هذا اإلنسان أو ذاك مرتبط بكل تأكيد بعالقته مع الوقت هل بينهما صداقة أو عداوة أو‬
‫تناقض بينهما ‪...‬‬
‫إن اإلنسان سيتطور وسيتقدم نحو األمام سينمو تفكيره ويصبح اكثر نضوجا هناك عندما يكون صديقا‬
‫للناضجين من العلماء والمفكرين من الذين يملكون موهبة ‪ ،‬من الذي ن يدفعون بك معهم نحو األمام ‪.‬‬
‫وستذهب للجحيم عندما تكون صديقا ألولئك الجامدين اليائسين ‪ ،‬أولئك من سيدفعون بك للقاع ‪.‬‬
‫)‪(112‬‬
‫تمسك بعالم أو بمعلم ‪ ،‬تمسك بعابد هلل بتقي ‪ ،‬برجل صالح وهناك ستستقيم حياتك نحو األفضل ‪.‬‬

‫والسالم عليكم ورحمة هللا وبركاته‬

‫الخميس ‪4002/11/14‬‬ ‫‪)10‬‬ ‫اإلثنين ‪4002/11/42‬‬ ‫‪)1‬‬


‫السبت ‪4002/11/12‬‬ ‫‪)11‬‬ ‫األربعاء ‪4002/14/10‬‬ ‫‪)4‬‬
‫الثالثاء ‪4002/11/42‬‬ ‫‪)14‬‬ ‫الجمعة ‪ 04‬أكتوبر ‪4002‬‬ ‫‪)3‬‬
‫الثالثاء ‪4002/14/01‬‬ ‫‪)13‬‬ ‫‪4002/10/11‬‬ ‫‪)2‬‬
‫‪4002/14/04‬‬ ‫‪)12‬‬ ‫‪4002/10/11‬‬ ‫‪)5‬‬
‫‪4002/14/02‬‬ ‫‪)15‬‬ ‫األربعاء ‪4002//10/41‬‬ ‫‪)1‬‬
‫السبت ‪4010/01/04‬‬ ‫‪)11‬‬ ‫الخميس ‪4002/10/44‬‬ ‫‪)1‬‬
‫الجمعة ‪4010/01/02‬‬ ‫‪)11‬‬ ‫الجمعة ‪4002/10/ 42‬‬ ‫‪)2‬‬
‫‪4010/03/01‬‬ ‫‪)12‬‬ ‫األحد ‪4002/10/45‬‬ ‫‪)2‬‬
‫يوم ‪4011/04/ 12‬‬ ‫‪)11‬‬ ‫األحد ‪4010/03/12‬‬ ‫‪)12‬‬
‫يوم الثالثاء ‪ 15‬فبراير‪4011‬‬ ‫‪)12‬‬ ‫األربعاء ‪4010/03/31‬‬ ‫‪)40‬‬
‫الخميس ‪ 11‬فبراير ‪13:45 4011‬‬ ‫‪)12‬‬ ‫الخميس ‪ 01‬أفريل ‪4010‬‬ ‫‪)41‬‬
‫يوم السبت ‪ 12‬فبراير ‪4011‬‬ ‫‪)10‬‬ ‫يوم األربعاء ‪ 42‬سبتمبر ‪4010‬‬ ‫‪)44‬‬
‫األربعاء ‪11:15 4011/04/43‬‬ ‫‪)11‬‬ ‫يوم ‪4010/10/12‬‬ ‫‪)43‬‬
‫الخميس ‪10:22 4011/04/42‬‬ ‫‪)14‬‬ ‫‪4010/10/11‬‬ ‫‪)42‬‬
‫الجمعة ‪4011/04/45‬‬ ‫‪)13‬‬ ‫الثالثاء ‪4010/10/12‬‬ ‫‪)45‬‬
‫يوم السبت ‪4011/04/ 41‬‬ ‫‪)12‬‬ ‫يوم اإلثنين ‪4010/10/45‬‬ ‫‪)41‬‬
‫الخميس ‪ 03‬مارس ‪4011‬‬ ‫‪)15‬‬ ‫الثالثاء ‪ 41‬أكتوبر ‪4010‬‬ ‫‪)41‬‬
‫الجمعة ‪ 02‬مارس ‪4011‬‬ ‫‪)11‬‬ ‫الخميس ‪4010/10/42‬‬ ‫‪)42‬‬
‫االحد ‪ 01‬مارس ‪4011‬‬ ‫‪)11‬‬ ‫‪4010/10/30‬‬ ‫‪)42‬‬
‫االربعاء ‪ 02‬مارس ‪4011‬‬ ‫‪)12‬‬ ‫الثالثاء ‪ 04‬نوفمبر ‪4010‬‬ ‫‪)30‬‬
‫يوم السبت ‪ 14‬مارس ‪4011‬‬ ‫‪)12‬‬ ‫الثالثاء ‪/02‬نوفمبر ‪4010‬‬ ‫‪)31‬‬
‫يوم اإلثنين ‪ 12‬مارس ‪4011‬‬ ‫‪)20‬‬ ‫‪4010/11/10‬‬ ‫‪)34‬‬
‫الجمعة ‪ 12‬مارس ‪4011‬‬ ‫‪)21‬‬ ‫الجمعة ‪ 14‬نوفمبر ‪4010‬‬ ‫‪)33‬‬
‫السبت ‪ 12‬مارس ‪4011‬‬ ‫‪)24‬‬ ‫اإلثنين ‪ 44‬نوفمبر ‪4010‬‬ ‫‪)32‬‬
‫األحد ‪ 40‬مارس ‪11:21 4011‬‬ ‫‪)23‬‬ ‫‪4010/11/41‬‬ ‫‪)35‬‬
‫األربعاء ‪ 43‬مارس ‪00:04 4011‬‬ ‫‪)22‬‬ ‫اإلثنين ‪4010/11/42‬‬ ‫‪)31‬‬
‫الخميس ‪4011/03/ 42‬‬ ‫‪)25‬‬
‫الثالثاء ‪4010/11/30‬‬ ‫‪)31‬‬
‫السبت ‪4011/03/ 41‬‬ ‫‪)21‬‬
‫الثالثاء ‪4010/14/ 12‬‬ ‫‪)32‬‬
‫اإلثنين ‪4011/03/42‬‬ ‫‪)21‬‬
‫‪4010/14/12‬‬ ‫‪)32‬‬
‫الثالثاء ‪4011/03/42‬‬ ‫‪)22‬‬
‫‪4010/14/40‬‬ ‫‪)20‬‬
‫الجمعة ‪ 01‬أفريل ‪ 4011‬الساعة ‪01:21‬‬ ‫‪)22‬‬
‫صباحا‬ ‫‪4010/14/44‬‬ ‫‪)21‬‬
‫السبت ‪ 4011/02/04‬الساعة ‪43:31‬‬ ‫‪)20‬‬ ‫‪4010/14/43‬‬ ‫‪)24‬‬
‫األحد ‪ 03‬أفريل ‪40:02 4011‬‬ ‫‪)21‬‬ ‫‪4010/14/45‬‬ ‫‪)23‬‬
‫الخميس ‪40:12 4011/02/01‬‬ ‫‪)24‬‬ ‫‪4010/14/30‬‬ ‫‪)22‬‬
‫الجمعة ‪02:03 4011 /02/ 02‬‬ ‫‪)23‬‬ ‫‪،4011/01/01‬‬ ‫‪)25‬‬
‫األحد ‪4011/02/10‬‬ ‫‪)22‬‬ ‫يوم ‪4011/01/02‬‬ ‫‪)21‬‬
‫الثالثاء ‪4011/02/13‬‬ ‫‪)25‬‬ ‫يوم ‪4011/01/01‬‬ ‫‪)21‬‬
‫‪14:14 4011/02/15‬‬ ‫‪)21‬‬ ‫‪4011/01/01‬‬ ‫‪)22‬‬
‫‪41:54 4011/02/11‬‬ ‫‪)21‬‬ ‫‪4011/01/02‬‬ ‫‪)22‬‬
‫يوم الثالثاء ‪4011/02/12‬‬ ‫‪)22‬‬ ‫يوم ‪4011/01/02‬‬ ‫‪)50‬‬
‫األربعاء ‪4011/02/40‬‬ ‫‪)22‬‬ ‫‪4011/10/11‬‬ ‫‪)51‬‬
‫األحد ‪4011/02/42‬‬ ‫‪)100‬‬ ‫الجمعة ‪4011/01/12‬‬ ‫‪)54‬‬
‫يوم ‪4011/02/41‬‬ ‫‪)101‬‬ ‫يوم السبت ‪4011/01/15‬‬ ‫‪)53‬‬
‫يوم األربعاء ‪10:02 4011/02/41‬‬ ‫‪)104‬‬ ‫‪4011/01/12‬‬ ‫‪)52‬‬
‫يوم الخميس ‪10:15 4011/02/42‬‬ ‫‪)103‬‬ ‫يوم ‪4011/01/41‬‬ ‫‪)55‬‬
‫يوم األحد ‪ 01‬ماي ‪4011‬‬ ‫‪)102‬‬ ‫الثالثاء ‪4011/01/45‬‬ ‫‪)51‬‬
‫يوم الخميس ‪ 05‬ماي ‪41:30 4011‬‬ ‫‪)105‬‬ ‫يوم الخميس ‪ 41‬جانفي ‪4011‬‬ ‫‪)51‬‬
‫يوم األربعاء ‪43:04 4011/05/11‬‬ ‫‪)101‬‬ ‫يوم السبت ‪4011/01/ 42‬‬ ‫‪)52‬‬
‫األحد ‪4011/05/ 15‬‬ ‫‪)101‬‬ ‫يوم ‪ 30‬جانفي ‪4011‬‬ ‫‪)52‬‬
‫يوم الخميس ‪2:51 4011/05/ 12‬‬ ‫‪)102‬‬ ‫يوم األربعاء ‪4011/04/04‬‬ ‫‪)10‬‬
‫يوم اإلثنين ‪2:25 4011/05/43‬‬ ‫‪)102‬‬ ‫يوم الجمعة ‪ 02‬فيفري ‪4011‬‬ ‫‪)11‬‬
‫الجمعة ‪12:32 4011/05/41‬‬ ‫‪)110‬‬ ‫يوم السبت ‪ 05‬فيفري ‪4011‬‬ ‫‪)14‬‬
‫اإلثنين ‪12:50 4011/05/30‬‬ ‫‪)111‬‬ ‫يوم األحد ‪ 01‬فيفري ‪4011‬‬ ‫‪)13‬‬
‫السبت ‪10:00 4011/01/02‬‬ ‫‪)114‬‬ ‫يوم الثالثاء ‪ 4011/04/02‬الساعة ‪41:00‬‬ ‫‪)12‬‬
‫الجمعة ‪4011/01/10‬‬ ‫‪)113‬‬ ‫األربعاء ‪ 01:01 4011/04/02‬صباحا‬ ‫‪)15‬‬
‫الجمعة ‪4011/04/11‬‬ ‫‪)11‬‬

You might also like