You are on page 1of 6

‫مر عام"‬

‫قصة‪َّ " :‬‬


‫رير ‪..‬‬
‫امرئ َم ٍ‬
‫ٍ‬ ‫َم َّر عام ُم ٌّر على‬
‫أَلَ َّم بي فيه لَ ُّم َملَ ٍل أليم‪،..‬‬
‫ال أمل في ميول مآله اللئيم‬
‫لملمه عنفوان قلب لميم‪..‬‬
‫مر العام بغزير حنظله الدميم‬
‫ونزير صنيعه الكريم‪..‬‬

‫‪ .‬مر عام أبت خالله األوجاع إال أن تؤكد دوامها‪ ،‬وصرخات أجبرها عنادي على الصمت‬
‫األلم نحن متجرعوه ال محالة‪ ،‬ولغرض التخفيف من حدته نلجأ بين الحين واآلخر إلى تدوين‬
‫بعض الفقرات التي نختزل فيها ما جادت به مخيلتنا من عصارات التأويالت التي تعبر عن‬
‫بعض ما عشناه واعتبرناه من كبير األحداث‪ ،‬التي قد يغنينا ويعفينا البوح بها حر َج اإلجابة‬
‫عن بعض التساؤالت التي قد نتلقاها يوما ما من بعض المحيطين بنا ممن قد تهمهم معرفة‬
‫توافه حياتنا التي عبرها قد يصلون للدوافع الكامنة وراء طباعنا‪ ،‬ليتفهموا أفعالنا وردودها‪.،‬‬
‫وقد يرى البعض كون ما أسرده ممال رتيبا ال يستحق عناء التدوين‪ ،‬و آخرون قد يعتبرون‬
‫فعل الكتابة لوحده و في حد ذاته عمال يستحق التشجيع والتنويه وذلك بغض الطرف والنظر‬
‫عن المواضيع واألحداث التي تم التطرق إليها والصيغ والكيفيات المتبعة في معالجتها‪. ،‬‬
‫وبين هذا وذاك أجد نفسي غير آبه‪ ،‬وألخص ما أقوم به في العبارة الشعبية "داوي خاوي "‬
‫كذلك وأضيف "لي لقى راحتو فالهبال‪ ،‬ماعندو مايدير بالعقل"‪ ،‬وعلى ما يبدو فإنني وجدت‬
‫بعضا من راحتي المفقودة في السرد والكتابة‪ ،‬فما المانع إذن من ممارستها كلما توفرت‬
‫أفكار أشعر بعد تحريرها‬
‫ٍ‬ ‫الظروف المساعدة على ذلك‪ ،‬قصد التنفيس عن مكبوتات وبنات‬
‫بتجدد األنفاس واإلنعتاق من اإلبتئاس‪..‬‬
‫فال داعي للهروب ولعب دور المغلوب في مجتمع متهكم لعوب‪ ،‬إن كان بمقدورك تنفيس‬
‫غليل صدرك بقلم موهوب‪ ،‬وتعبر عن شخصك بكالم مكتوب‪ ،‬تسرد فيه ما أصابك من‬
‫نذوب‪ ،‬دون أن يمسك اللغوب‪..‬‬
‫وما دمت في الوجود‪ ،‬فبكالمك الودود‪ ،‬وصدقك المعهود‪ ،‬وفي اليوم الموعود‪ ،‬والوقت‬
‫المشهود‪ ،‬تجرأ على ماضيك اللذوذ‪ ،‬و ضع لتمرده الحدود‪ ،‬وأمام حاضرك أخضعه للسجود‪.‬‬

‫في إحدى ليالي رمضان ‪ ،2022‬داخل غرفة منزل كنت أتخده مسكنا لي بقرية "أمتار" لؤلؤة‬
‫قبائل "غمارة" المتربعة على ساحل الضفة الجنوبية لألبيض المتوسط‪ ،‬التي لجأت إليها‬
‫مرغما و ارتميت بين أحضانها خاضعا طامعا في هدوئها وسكينتها وطيبوبة أهلها المتحفظة‬
‫طباعهم‪ ،‬هاربا فارا من صخب وضوضاء مدينة "كازابالنكا" التي قضيت بها عاما من‬
‫األعوام المرهقة التي صادفت أوج انتشار جائحة ڤيروس كورونا اللعين الذي ساهمت‬
‫اإلجراءات والقيود المصاحبة له في تعزيز استنزاف قواي النفسية والجسدية‪ ،‬حدث هذا قبل‬
‫اآلن بسنتين إال نيف من الزمن‪،.‬‬
‫وكسجين داخل زنزانته ينتظر بشوق ولهف أن يحين يوم إطالق سراحه ليستنشق نسيم‬
‫الحرية ويزفر األنفاس الملوثة التي ملئت رئتيه جراء طول مدة مكوثه تحت سقف وبين‬
‫جدران بنايات الزنازين الرطبة‪،‬‬
‫وأنا مستلق على سريري كعادتي أجول بخيالي بين القصص والمواضيع‪ ،‬أرتجل‬
‫السيناريوهات‪ ،‬أرتحل وأسافر بين البقاع‪ ،‬أبادل األدوار بين الشخصيات‪ ،‬أعد األيام واألشهر‬
‫وكذا األعوام التي أمضيتها تائها ولهانا‪ ،‬تجرفني األحاسيس‪ ،‬تشغل بالي‪ ،‬تتالعب بأفكاري‬
‫وترهق أعصابي‪ ،‬أتأمل أحالمي وأستقرء خطواتي متوقعا ما قد يحمله ويخفيه عني مستقبل‬
‫أيام حياتي الرتيبة‪ ،‬أؤنس وحدتي‪ ،‬أتجرع أحزاني و أواسي نفسي المعتادة على موازاة‬
‫سرعتي العشق والنفور‪ ،.‬وبعدما مقتت عزلتها وبغضت وحدتها اضطرت لمجابهة انتقائيتها‬
‫ومزاجيتها المبالغ فيها‪،.‬‬
‫وفي خضم صراع األفكار ذاك‪ ،‬الذي تسبب في أرقي غير ما ليلة‪ ،‬وعلى غفلة مني ودون‬
‫سابق إنذار جرفني التيار كما تجرف السيول كل ما يتعرض طريقها من الصخور وجذوع‬
‫األشجار‪ ،‬سيول محملة بأحزان نوستالجيا كئيبة لماضي الزمان‪ .،‬معضمها تدور في فلك‬
‫أفكار وذكريات مؤلمة ألفت كعادتها شغل حيز كبير من مخيلتي‪ ،‬تالعبت بمشاعري وعبثت‬
‫بأحاسيسي وبعثرت مخططاتي اآلنية وكذا المستقبلية‪ ،‬جردتني من اتزاني ورزانتي‪ ،‬دفعتني‬
‫لإلقدام على أتفه ما قد يخطر بالبال من سخيف األعمال‪..‬‬
‫حينها لجأت وتمكنت بمكر بريء صبياني في تحقيق جزء مما دفعتني إليه رغبات دفينة‬
‫انبثقت من ذاتي الدنيا وأعمق نقطة من كياني السادي الذي يتلذذ بتعذيبي عن طريق‬
‫استحضار ذكريات ظننتها قبرت لألبد‪ ،.‬وعقلي الباطن البليد العنيد الالواعي‪ ،‬النرجسي‬
‫واألناني الذي تغمره السعادة وال يرف له جفن وهو يزج بي في غياهب التفكير الالمجدي‬
‫بأنثى فارقها ناظري منذ أمد بعيد‪ ،‬دون أن يستطيع قلبي الحزين الذي غلبه الشوق والحنين‪،‬‬
‫أن يتحرر من قيودها الحديدية الملتهبة كالڤا بركان حديث الثوران‪.‬‬
‫حين ذاك تجرأت‪ ،‬ال بل أجبرت على الخضوع واإلستسالم الذي ال أجد بُدًّا سواه حينما يتعلق‬
‫األمر بمن خطفت مني نفسي منذ أول نظرة في عينيها الكحالوتان الشقيتان المتمردتان‪ ،‬تلك‬
‫المغرورة المتعالية التي لم تعد تهتم وال هي حتى تعلم بوجودي‪ ،‬وحتى و إن كان عكس ذلك‬
‫صحيحا‪ ،‬فذلك لن يسمنني ولن يغنيني من الجوع الذي يغزو أحشاء عاطفتي‪. ،‬‬
‫لذلك ندمت ولمت نفسي على ما أقدمت عليه من فعل‪ ،‬لعنتها ونفسي في خيالي‪ ،‬شتمتها سرا‬
‫دون أن أقصد ذلك‪ ،‬لعل الشتائم تنفس عما بداخلي من آالم‪ .،‬لم تكن حسرتي تلك مرتبطة‬
‫بسذاجة ما اقترفته‪ ،‬بل كانت مجرد تحصيل حاصل شاب عنيد انطوائي باسل‪ ،‬بعدما اكتشفت‬
‫حينما اطلعت على بعض مما مكنني من معرفة جزئيات من التفاصيل المستفزة المثيرة‬
‫للغيرة في حياة من دفعني التعلق بها لسلك مختلف دروب التجسس والترصد المختلف‬
‫األشكال والوسائل‪ ،‬المتردد األوقات والمتعدد الدوافع‪..‬‬

‫وألن اآلالم تحفز وتجذب بعضها‪ ،‬فمن أبت اإلكتفاء بلعب دور "الكومبارس" في مسلسل‬
‫حياتي‪ ،‬اكتشفت خدعتي وبدل أن يلين عنادها وينخفض منسوب التعنت المتحكم في ردود‬
‫متستر كتوم‪ ،‬عكس ذلك فعلت فأسقطت كل ما تبقى من‬
‫ٍ‬ ‫أفعالها وتستجيب بتحفظ مقبول لنداءٍ‬
‫خططي‪ ،‬لتتحطم بعد ذلك ذرة األمل المتبقية التي احتفظت وتشبتت بها ألجل تقرب وهمي‬
‫دفعتني إل يه جوارحي وشجعني عليه دماغي المغيب بجرعات زائدة من هرمون‬
‫"االكسيتوسين" الذي ال تدخر غذتي النخامية جهدا في ضخه بوفرة في جسمي‪ ،‬وكأنها فقدت‬
‫السيطرة على ميكانيزماتها المتحكمة في تحديد كمية الجرعات الموصى بها والمعمول بها‬
‫لدى األسوياء مشاعريا من البشر‪ ،‬ما دفعها مرغمة وعلى مضض لإلنتقام من الجسد الذي‬
‫يضمها‪ ،‬يحتضنها ويغذيها‪ ..‬هكذا كنت أتخيل غدتي النخامية‪ ،‬مضخة هرمون الحب والسعادة‬
‫المقرونة بالعذاب‪..‬‬

‫مر عام‪ ،‬حينما أكتمل العقد و نصفه ونصف نصفه‪ ،‬وسيكتمل نصف النصف المتبقي في‬
‫ذكرى اإلشتياق التي دفعتني لكتابة هذه األسطر‪ ،‬لتصبح بذلك عقدين من الزمن أمضيتها في‬
‫سجون الذات والمشاعر المتمسكة بروح من علقتُ في شباكها المبعثرة المتناثرة المنصوبة‬
‫في أعماق ٍيم فسيح‪ ،‬لذلك لجأت ذاكرتي الستحضار هذا الحدث‪ ،‬متناسية آثام ما تقترفه من‬
‫جرم في حق فؤاد بريء ال يبغي سوى الهناء والتخلص من اآلالم وإدمان الترنح بين دروب‬
‫نعيم النسيان‪ ،‬دفعته ألن يسلك سبيال ال يسلكه سوى المتألمون الحالمون المتمسكون باألوهام‪،‬‬
‫منتظرين تحقق ما يروج بخواطرهم من مستحيل األحالم التي ال سبيل لتحقيقها وال منجأ‬
‫للتخلص من ذيولها التي تتشبت بالوعي اإلنسان كما تتشبت بأعضاء الجسم خاليا السرطان‪،‬‬
‫وكما يتشبت بخيوط األمل ويلهث وراء منافذ النور القابعون تحت جنح الظالم‪..‬‬

‫هي أحالم اليقظة النائمة المغيبة بالحنين للذكريات‪ ،‬التي ما فتئت تأخدني بعيدا عن الواقع‪،‬‬
‫والتي أسرت عقلي وقلبي وكل مكونات ذاتي البيوبسيكولوجية اإلجتماعية‪ ،‬منذ خسرت‬
‫معر كة خضتها ضد األمواج العاتية التي تقذفني بها دنياي‪ ،‬في سبيل الرسو في مرسى قلب‬
‫وجدته على عكس ما توقعته‪ ،‬متصلبا قاسيا كالصخر‪ ،‬لعلي أعثر على يابسته القاحلة على‬
‫ضالتي المتمثلة في الثبات واإلتزان اللذان لم أعرف لهما طعما منذ أمد غير يسير‪..‬‬

‫وألن ذاتي الدنيا هي المتحكمة في أطوار هذا العراك لذلك سعيت أن يكون لي وحدي شرف‬
‫التالعب بنبض فؤادها المدفون خلف صدرها المكتنز المثير وبين ضلوع جسدها الفاتن‬
‫الممشوق‪ ،‬وتمنيت أن تضمني بين أحضانها ألتحسس نعومة نهديها‪ ،‬استشعر دفئها‪ ،‬أغازل‬
‫محاسنها‪ ،‬وأستنشق نسيم عطرها الذي زادت إثارة أريجه بعدما اندمج مع نفحات جسمها‪،‬‬
‫أهيم في خيا ٍل أصول وأجول فيه بين شرايين قلبها‪ ،‬وأمتزج بهوائها‪ ،‬لتمتصني دمائها‬
‫وأغوص في كامل أرجاء بدنها‪ ،‬وأحتلها إلى أن تغادرها روحها صوب العدم‪..‬‬

‫مر عام حينما أدركت أن اهتمامي ال يزال مستمرا‪ ،‬وأنا الذي ظننته قد اندثر وزال من‬
‫الوجود‪ ..‬وأيقنت أن ادعائي نسيانها وطي آخر صفحة من هذه القصة الغرامية الدرامية لم‬
‫يكن سوى بلسما حاولت أن أضمد به جرحا غائرا يحتاج تدخال طبيا عميقا ودقيقا قصد‬
‫اندماله‪..‬‬
‫كما أدركت أن من يدعي تخلصه من قيود أول من اختطف واحتل قلبه‪ ،‬إنما هو ُم ْفت ٍَر لم‬
‫يسبق له خوض تجربة حقيقية تبين له مدى صعوبة واستحالة األمر‪ ،‬وقد يكون صادقا‬
‫اضطرته طبيعة شخصيته ألن ينافق ويجامل أحاسيسه ليخفف من حدة آالمه ويقلص من‬
‫حجم معاناته‪ ،‬ليتناسى عذابه ويمضي قدما في دار الفناء‪..‬‬

‫مر عام حينما حاورت وسألت نفسي المتمردة المعقدة المترددة التائهة الحائرة‪ ،‬عن الدوافع‬
‫التي عمت بصيرتها لتسجنني وإياها وتقيد أحاسيسي في ذكرى من نعتتها ذات زمان ب"بنت‬
‫فالن" و وصفتها ب "ذات الجمال الفتان"‪ ،‬التي فقدتها بال رجعة دون أن يسبق لي امتياز‬
‫اإلنفراد بخلوتها‪ ،‬تلك بنت الجيران‪ ،‬من أشعلت في قلبي النيران‪ ،‬وأحيت بمفاتنها لدي‬
‫الهوى‪ ،‬وأعلنت علي العصيان‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫فكيف السبيل إلى ذلك الميعاد الذي طال انتظاره لكي تضع هذه الحرب الحامية أوزارها‪،‬‬
‫وتفرج عن ذكريات وأحاسيس سجينة في ذاكرة عنيدة‪ ،‬أفكارها عقيمة وأحزانها شديدة‪ ،‬تود‬
‫التحرر من قيود نفسية معقدة عميقة‪ ،‬جراء عشق كتوم‪ ،‬نسب نفسه للمدينة الفاضلة التي‬
‫شيدها فِي أحالمه أفالطون‪..‬‬
‫ومتى ستطلق مشاعري سراح فكري ليهنئ بالي وأعيش ما تبقى من حياتي متحررا من‬
‫الماضي الذي تلذذت بالغوص والتدقيق في تفاصيله‪ ،‬وتعذبت بعدما تحول في حاضره‬
‫ليصبح نارا اكتوت بلهيبها جوارحي‪..‬‬

‫وقبل أن أختم هذه السط ور لن أتجاهل اإلشارة إلى أن غايتي في ما أخطه من مقروءات هو‬
‫أن تضل شاهدة على بعض السذاجة التي شهدتها مختلف المراحل والظروف التي عشتها‬
‫ومررت بها‪ ،‬ومن يدري كيف ستكون نظرتي لما أكبته حينما أبلغ أرذل العمر‪ ،‬فربما قد‬
‫تكون هذه التدوينات مصدرا كوميديا ساخرا تجعلني والمقربين مني نقهقه ملء األشداق على‬
‫القفشات الساذجة التي تضمنتها قصصي العبيطة‪ ،‬التي عبرها ومع مضي السنين قد أتمكن‬
‫من تقييم مدى تطوري وزيادة نضجي وذلك عن طريق الرجوع إليها كمرجع أقارن من‬
‫خالله حاضري وأقيس به نمو وتغير أفكاري ومعتقداتي‪ ،‬من خالل تمحيص ما تضمنته‬
‫فقراته من خزعبالت تعبر عن فترة من فترات عبوري على مسرح هذا الوجود المتشبت‬
‫بالخلود‪.‬‬

You might also like