Professional Documents
Culture Documents
ﻓﻲ ﺳﺎﻋﺔ اﻻﺣﺘﻀﺎر ،ﻓﻲ ﻇﻠﻤﺔ اﻟﻘﺒﺮ ،ﻓﻲ ﺳﺎﺣﺔ اﻟﻤﺤﺸﺮ ،
٣
توھم نفسك
المقدمــة
الحمد الذي تفرد في أزليته بعز كبريائه ،وتوحد في صمديته بدوام بقائه ،ونور
بمعرفت##ه قل##وب أوليائ##ه ،وطي##ب أس##رار القاص##دين بطي##ب ثنائ##ه ،وس##كن خ##وف
الخ##ائفين بحس##ن رجائ##ه ،ونق#ل أرواح المحب##ين ف##ي ري##اض مع##اني أس##مائه ،وأس##بغ
على الكافة جزيل عطائه ،حمد معترف بالعجز عن عد آالئه .
وأشھد أن ال إله إال ﷲ وحده ال شريك له ،شھادة تضمن الحسنى لقائلھا يوم لقائه ،
وأشھد أن محمدا عبده ورسوله ،خاتم أنبيائه ،وسيد أصفيائه ،صلى ﷲ عليه وعلى
ال##ه وص##حبه وخلفائ##ه ،وم##ن اقتف##ى أث##رھم فف##از باقتفائ##ه ،ص##الة دائم##ة م##ا در واب##ل
فاھتز من الروض معاطف إرجاءه ،وسلم تسليما كثيرا .
٤ توھم نفسك
من يفارق الحياة على نوم الليل أو وھو جالس يتحدث أو عابر في طريق ،أو ق#ل حت#ى وھ#و
يسمر ويمرح ،أو ...أو ،فتوھم نفسك يا عبد ﷲ أنك ھذا أو ذاك ممن وقف علي ش#فير الحي#اة
وحافة الموت ،ينظر بما تبقى له م#ن نظ#ر إل#ي أح#ب الن#اس إلي#ه ي#ودعھم بنظرات#ه األخي#رة ،
ونفسه بين جنبيه تنازعه تريد أن تخرج لتفارق ذلك الجسد . .ﷲ أكبر . .إن األم#ر ال#ذي كن#ت
تس #مع عن##ه ي##ا عب##د ﷲ ،وتح##ذر من##ه ،وت##دعى لالس##تعداد ل##ه ،أص #بحت اآلن تعايش #ه حقيق##ة
وتتحسس #ه بك##ل م##ا في##ك م##ن إحس #اس بق##ي ،فھ##ا ھ##و ال #نفس يض##طرب ف##ي ص #درك وھ##اھي
األعض##اء تض#عف وتثق##ل ،وھ##ا ھ##ي النظ##رات تزغل##ل وھ##ا ھ##و الب##رود أخ##ذ ي##دب ف##ي الجس#د
ويري في األطراف ،وھا ھو لسانك يثقل عن الرد فال تق#وى أن تجي#ب ب#ه س#ائال أو تھ#ون ب#ه
نحيب من صار ينتح#ب علي#ك م#ن بني#ك وبنات#ك وم#ن ص#عب عل#يھم منظ#رك وحال#ك ،وأن#ت
تودع ھذه الحياة وتستعد للرحيل .
٦ توھم نفسك
في ظل تلك المشاعر الراجفة الواجفة ،اآلسية اآلسفة ،ما تظن أن اإلنسان فاعل فيھا؟
وما موقفه حيالھا؟
وما مصيره فيھا؟
سؤال ال يملك اإلنسان معه جوابا ،وأنى له ذلك ،وقد خبئ له ذلك في ل#وح الغي#ب ،اللھ#م إال
الدعاء لنفسه بأن يفتح ﷲ على قلبه ويفتح على قلوبنا جميعا بما يجعلنا أن ال ننسي تلك الساعة
أو نغفل عنھا وما ينبغي أن يكون لھا من اإلستعداد. .
بأن يرزقنا من يذكرنا بھا ف#ال ننس#اھا ،وأن ال يجع#ل ال#دنيا أكب#ر ھمن#ا وال غاي#ة قص#دنا ،وأن
يجعل خير أعمالنا خواتيمھا وخير أيامنا يوم أن نلقاه ..اللھم آمين .
إذا أردت يا عبد ﷲ أن ال تندم على مصيرك أو تحزن لما سينزل ب#ك م#ن أم#ر الم#وت فعلي#ك
بنصيحة خير من نصح وأوفى في النصح حيث ق#ال علي#ه الص#الة والس#الم " أكث7روا ذك7ر ھ7ادم
)(١
اللذات . .الموت "
ق#ال علماؤن#ا رحمھ#م ﷲ عل#يھم :قول#ه علي#ه الص#الة والس#الم ":أكث#روا ذك#ر ھ#ادم الل#ذات . .
الموت " كالم مختصر وجيز قد جمع التذكرة وأبلغ في الموعظة ،فإنه من ذكر الموت حقيقة
ذكره . .نغص عليه لذته الحاﺿرة ،ومنع#ه م#ن تمنيھ#ا ف#ي المس#تقبل ،وزھ#ده فيم#ا ك#ان منھ#ا
يؤمل ،ولكن النفوس الراكدة والقلوب الغافلة تحتاج إل#ى تطوي#ل الوع#اظ ،وتزوي#ق األلف#اظ ،
وإال ففي قوله عليه الصالة والسالم " :أكثروا ذكر ھادم اللذات " مع قوله تعالى
)(٢
)كل نفس ذائقة الموت( ما يكفي السامع له ،ويشغل الناظر فيه.
) (١أخرجه النسائي والترمذي وابن ماجة ،وھو حديث صحيح كما قال عنه األلباني في اإلرواء
لقد أجمعت األمة على أن الموت ليس له سن معلوم وال زمن معلوم وال مرض معلوم ،
وذلك ليكون المرء على أھبة من ذلك ،مستعدا له .
فقد كان بعض الصالحين ينادي بليل على أسوار المدينة :الرحيل . .الرحيل ،فلما توفي فقد
صوته أمير المدينة ،فسأل عنه فقيل :إنه قد مات فقال :
ال ﺷيء مما ترى تبقى بشاﺷته .....يبقى اإلله ويودي المال والولد
لم تغن عن ھرمز يوما ً خزائنه .....والخلد قد حاولت عاد فما خلدوا
وال سليمان إذ تجري الرياح له .....واإلنس والجن فيما بينھا ترد
أين الملوك التي كانت لعزتھا .........من كـل أوب إليھا وافـد يفد؟
حوض ھنالك مورود بال كذب .......ال بد من ورده يوما ً كما وردوا
وبعد فھذه أخي رسالة موجزة . .مختص#رة ف#ي أح#وال الم#وتى واآلخ#رة ،كان#ت ف#ي األص#ل
موﺿوع خطبة من خطب يوم الجمعة ،ث#م أﺿ#يف إليھ#ا وزي#دت وع#دلت حت#ى خرج#ت بھ#ذه
الصورة األخيرة . .
أسأل ﷲ أن ينفع بھا ويخلص لنا النية ،وأن يتقب#ل من#ا العم#ل بقب#ول حس#ن ھ#و
ولي ذلك سبحانه .
٩
توھم نفسك
وقفــــة
أعلم أخي . .أن مما يجعل المرء يستفيد من ذكر الموت وينتفع به ھو :
-١كثرة استماعه لھذا الموﺿوع وكثرة القراءة عنه ،مصداقا لحديث المصطفى عليه الصالة
والسالم " :أكثروا ذكر ھادم اللذات . .الموت "
-٢على الخصوص القصص التي تدور حوله والحوادث القريبة والعجيبة التي تقع فيه وما أكثرھا
-٣وإذا كانت ايضا بأسلوب متجدد في الطرح والتناول والعرض .
-٤وان تس##تمع لھ##ا م##ن أش##خاص م##نحھم ﷲ ص##دق الكلم##ة وإخ##الص الني##ة ورق##ة القل##ب ،
وسرعة العبرة ودوام الذكر .
قيل يوما البن الجوزي رحمه ﷲ مال فالن يحدث الناس وال يبكون ،وإذا حدثتھم أنت بكوا؟
فقال ) :ليس النائحة كالثكلى يا بني ! !(.
-٥وأن تبتعد عن بيئة الغفلة وتقترب من بيئة الطاعة وجو الصالح واإلصالح .
-٦وتضرع إلى ﷲ بال#دعاء أن يرزق#ك البص#يرة وال#ذكرى ورق#ة القل#ب وأكث#ر م#ن ق#ول :اللھ#م ي#ا
مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك اللھم يا مصرف القلوب
واألبصار صرف قلبي على طاعتك ا، ،اللھم أجعل خير أعمالنا خواتيمھا ونير أيامن#ا ي#وم أن نلق#اك
ونحوھا من األدعية التي تجعل قلبك دائم االتصال
با قريب التذكر واالتعاظ .
فان الموت يا أخي
نھاية كل حي ،وعاقبة ك#ل م#ن ي#دب عل#ى وج#ه ھ#ذه األرض ،وال#ى ﷲ يرج#ع الجمي#ع
وتنال كل نفس من ﷲ جزاء ما اختارت وتختار! إما إلى جنه أو إلى نار.
وكل الناس يعلمون ھذا . .ولك#ن ح#ب ال#دنيا واالسترس#ال ف#ي ھ#وى ال#نفس وم#ا تش#تھيه غط#ي
القلوب وأعمى البصائر! نعم . .أعمي البصائر والبصيرة .
١٠ توھم نفسك
فصار الموت ورؤية الجنائز ال تزيد اإلنسان إال غفل#ة ،ومش#اھدة تل#ك المن#اظر ال تح#رك في#ه
ساكن من جمود العين أو قسوة القلب .
نعم يعلم اإلنسان علم اليقين أنه سيموت كما مات ھذا وذاك ،وھؤالء وأولئك ،وأنھم سيرون
بعد الموت أھواال من العقاب والجزاء والمسائلة لمن قصر أو فرط أو اعتدى أو ظلم أو . ..
ولكنه ال يظن أن ذلك منه قريب ،وال يتوقع أنه سينتقل من دنياه إلى ذلك كله بھذه السرعة
،مع أنه يرى ويسمع كل يوم من األحوال العجيبة ممن يموت حوله ،وتفجعھم منية الموت
،بألوان من أحوال الفجأة .
إن سبب ھذا كله أخي :الغفلة ،ولھذا تكون القسوة في القلوب والجفوة في النفوس
ان َعلَى قُلُوبِ ِھ ْم َما َكانُوا يَ ْك ِسب َ
والقحط في العيون .قال تعالى ) َك ﱠال بَلْ َر َ
)(١
يقول ُون(
الحسن رحمه ﷲ :أتدري ما الران :الران ھو" الذنب على الذنب حني يقسو القلب فال
يتعظ وال يتأثر وال يعتبر "
ﷲ اكبر ھذه ھي وﷲ الحقيقة المرة .
ذكــر الموت
ومن أعظم األس#باب ف#ي تحص#يل ذك#ر الم#وت يكم#ن فيم#ا أش#ار إلي#ه المص#طفى علي#ه الص#الة
والسالم بقوله " :أكثروا من ذكر ھادم الل#ذات . .الم#وت " ف#دوام ال#ذكر يض#من ع#دم الغفل#ة
عنه ويؤمن من عدم نسيانه .
قال الحسن رحمه ﷲ – وھو يبين أثر العمل بھذا الحديث " :ما أكثر عبد من ذك#ر الم#وت إال
رأى ذلك في عمله وما طال أمل عبد قط إال ساء عمله "
وقال سعيد بن جير -رحمه ﷲ " :لو فارق ذكر الموت قلبي لخشيت أن يفسد علي قلبي "
فالعالج يكمن في اإلكثار من تذكر اآلخرة وأول منازلھا وھو الموت .
أتدري لماذا؟
آه ثم آه ..في تلك اللحظات ال يصرخ الميت الن الموت قد صعد إلى العقل فغشيه وغيبه
،وج##اء ال##ى البص##ر فأعم##اه وأذھب##ه ،وج##اء إل##ى اللس##ان فأخرس##ه وأس##كته ،وج##اء ال##ى
الطرف فھده واسكنه ،وجاء إلى اللون فغيره وأصفره ...
ارتفعت الحدقتان الى أعالي األجفان ،وتقلصت الشفتان عن األسنان ..
سكرة بعد سكرة ونزعة بعد نزعة ،وجذبة بعد جذبة ...جعلت خير الخلق وسيد األولين
واآلخرين عليه الصالة والسالم يقول في النزع األخير من سكرات الموت " :ال اله إال
ﷲ إن للموت سكرات ،ثم نصب يده فجعل يقول :
)(١
عليه الصالة والسالم . في الرفيق األعلى حتى قبض ومالت يده "
ال إله إال ﷲ . .ابن آدم ،يا ابن آدم . .ھل فكرت ف#ي ي#وم مص#رعك . .ھ#ل تخيل#ت انتقال#ك
من موﺿعك . .توھم نفسك ،وقد حلت بك السكرات ،ونزل بك األنين والغمرات فقائ#ل :إن
فالنا قد أوصي ،وماله قد أحصى .
وبين قائل :إن فالنا ثقل لسانه ،فال يعرف جيرانه وال يكلم إخوانه . .
فكأني بك تسمع الخطاب وال تقدر على رد الجواب !
١٤ توھم نفسك
فبينما أنت في كربك وغمك من ألم الموت ينتابك بسكراته ،قد ألمت بك أحداث جسام
الرتقابك إحدى البشريين من ربك أما إلى جنة أو إلى نار.
إذ نظرت فإذا بصفحة وجه ملك الموت تفجأك ،تبدو لك وتراھا عيانا ،بأحسن صورة أو
بأقبحھا . .إذ صرت اآلن في عداد الموتى وفي عالم جديد وحياة أخرى ،أال وھو عالم اآلخرة
وحياة البرزخ .فحري بك أن تستعد لھذه اللحظات الحاسمة ،وأنت تعلم يقينا أن لھا ما بعدھا.
فلو أنا إذا متنا تركنا **** لكانت راحة الحي الموت
عن أبي بردة قال :دخلت على عائشة رﺿي ﷲ عنھا فأخرجت إلينا إزارا غليظ#ا مم#ا يص#نع
في اليمن وكساء من التي يدعون الملبدة فقالت :إن رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم قبض في
)(١
ھذه الثوبين "
أخـــي . .كان الموت بھذا العظيم من األھمية ،وبھذا الخطر من المكانة ألن للموت له ما بعده
وم##ا أدراك مابع#ده ث##م م##ا أدراك م##ا بع##ده . .فبع#د الم##وت :القب##ر وحي##اة الب##رزخ ،ث##م البع##ث
والنشور ،ثم الحشر وبعده الموقف والحساب وبعده العرض . .فالموازين فالصراط فالجنة أو
النار . .أعاذنا ﷲ وإياكم من النار ومن خزي دار البوار.
زيارة المقابر:
أخي . .جرب واذھب يوما إلى المقابر . .زر المقبرة إذا سكن اللي#ل وأرخ#ى س#دوله وغ#ارت
نجوم#ه وھ#دأ الن#اس ،ادخلھ#ا وھ#ي مظلم#ة . .انظ#ر إليھ#ا وھ#ي س#اكنة ص#امتة . .تج#ول ب#ين
القب#ور . .ب#ين الم#وتى وھ##م رق##اد . .رق#اد ف#ي مس#اكنھم . .ف##ي حف#رھم وتأم#ل تل##ك المس##اكن
الضيقة المظلمة كيف أھلھا فيھ#ا . .ال ح#راك لھ#م . .وال أن#يس . .وال ص#احب . .وال أم وال
ول##د وال زوج##ة .واجل##س م##ا اس##تطعت إل##ى أح##د القب##ور الفارغ##ة الخالي##ة ،وتأم##ل م##ن عل##ى
شفيرھا . .تأمل ﺿيقھا . .انظر إلى اللحد فيھا ،كم ھو طوله ،وكم عرﺿه . .وتصور أن ھذا
القبر قد حفر لك . .وأنك نازله ،وھو مكانك وحظك من ھ#ذه األرض الت#ي تبن#ي عليھ#ا الي#وم
مئات األمتار.
يا ابن آدم . .كل ما تأنس به اليوم لن يبقى معك إذا حملت على األكتاف ونقلت إلى المق#ابر،
وأنزلت حفرتك ،لن يبقى معك أكثر من ساعة ولربما أقل.
فما الحمل واإلنزال والدفن والتعزية بأكثر من ذلك ..
يودعونك في تلك الحفرة الضيقة المظلمة وفي ذلك
الصدع الصغير الموحش ثم يتركونك وحيدا فريدا.
وقف أبو العتاھية ينصح نفسه بزيارة القبور فقال فيھا :
ومما قاله أيضا :فتحنا القبر . .وأنزلنا الميت العزيز . .الذي شفي من م#رض الحي#اة !! وقف#ت
ھن##اك ،ب##ل وق##ف الت #راب . .ب##ل وق##ف الت #راب الم##تكلم )يقص##د نفس##ه( ،أيعق##ل ع##ن الت##راب
الص##امت ،ويع##رف من##ه أن العم##ر عل##ى م##ا يمت##د . .مح##دود بلحظ##ة ،وأن الق##وة عل##ى م##ا تبل##غ
محدودة بخمود ،وأن الغابات على ما تتسع . .محدودة بانقطاع .قال ﷲ تعالى:
ق َذلِكَ َما ُك ْنتَ ِم ْنهُ ت َِحيد(
ت بِا ْل َح ﱢ
س ْك َرةُ ا ْل َم ْو ِ
) َو َجا َءتْ َ
ھذا قدرك وقدري وقدرنا جميعا اذا فارقت الروح الجسد وأصبحنا جثثا ھامدة .
فلھذا وغيره أمرنا بالتدافن قال صلى ﷲ عليه وسلم
)(١
"فلوال أن ال تدافنوا لدعوت ﷲ أن يسمعكم من عذاب القبر"
قال النبي علية الصالة والسالم " :نزلت في عذاب القبر" وزاد مس#لم -رحم#ه ﷲ -يق#ال :
ين آ َمنُوا بِا ْلقَ ْو ِل الثﱠابِ ِ
ت( من ربك فيقول ربي ﷲ ونبي محمد" فذلك قوله ) :يُثَبﱢتُ ﱠ
ﷲُ الﱠ ِذ َ
ولھذا صح عن النبي عليه الصالة والس#الم أن#ه ك#ان إذا ف#رغ م#ن دف#ن المي#ت ق#ام عل#ي قب#ره
وقال " :استغفروا ألخيكم وسلوا له التثبيت فإنه يسأل "
فتوھم نفس#ك وق#د ص#رت م#ع ذلكم#ا الملك#ين ف#ي س#ؤال وج#واب ،فم#اذا عس#اك أن تجي#ب أو ت#رد ب#ه
الخطاب ؟ ھل ستكون ممن يستحقون التثبيت فتثبت وتسعد بالجواب ؟ أو ممن ال يس#تحقونه ،فتتعث#ر
ف#ي فم#ك الكلم#ات وال تع#رف رد الخط#اب ؟ وعن#دھا ستش#قي ش#قاوة م#رة لھ#ا م#ا بع#دھا م#ن الم#رارة
واأللم ،وتتھيأ لضربة قاصمة من ذلكما الملكين المھولين ،وصرخة مدوية يسمعك منھ#ا ك#ل
شيء إال الثقالن )اإلنس والجن ( ،ثم يروح عليك من باب يفتح لك علي جھنم )والعياذ با ( يأتيك
م##ن حرھ##ا وس##مومھا وتظ##ل ھك##ذا تع##اني األم##رين ،وتم##وت م##رارا وتخ##زى ك##ل ي##وم حت##ى تق##وم
الساعة .
وآه لو تدري ما الذي أرداك في ھذا المصير وصيرك إلى ھذا الجزاء ؟ ! إنه ذاك الرجل
الذي سيطلع عليك وأنت في حفرتك . .في ظلمتك فإذا وقع نظرك عليه استوحشت من منظره
لفظاعة كريه صورته ووحشة وجوده معك في ذلك المنزل الضيق .أتدري من ذلك ؟ ! .و
من ھو ؟ إنه عملك و فعلك القبيح في الدنيا يتمثل لك في صورة رجل .وھكذا األمر عذاب
أو نعيم إلى أمد . .عبر نافذة تطل على الجنة أو شرفة تنفذ الى النار حتى تقوم الساعة .
و بينما ھو كذلك في رقاده الموحش أو نومه الھانئ إذ ينتبه على صوت عظيم يوقظه مما ھو
فيه ليصحوا على ھول جديد من أھوال ذلك العالم اآلخر
الذي صار فيه واليه .إذا باألرض التي ھو في بطنھا يشتق سطحھا و تنفطر قشرتھا وينزاح
ترابھا ليخرج من فيھا من أھل القبور . .وھو منھم ،
ما الذي حدث ؟ وما الذي يحدث ؟ إنھا الساعة ! تقوم بإماراتھا وعالماتھا إنه يوم الحساب ..
فھاھم الموتى يخرجون من قبورھم حفاة عراة يساقون . .يبعثون من جديد ليوم الحساب .
حت##ى إذا تكامل##ت ع##دة الم##وتى ،وخل##ت م##ن س##كانھا األرض والس##ماء ،فص##اروا خام##دين بع##د
حركاتھم فال حس يسمع وال شخص يرى ،فإذا بالوحوش قد أقبلت من البراري وذرى الجب#ال
:منكسة رؤوسھا ذليلة ليوم النشور . .لغير بلية نابتھا ،وال خطيئة أصابتھا ،حتى وقف#ت م#ن
وراء الخالئق بالمسكنة واالنكسار للملك الجبار. .
فإذا استووا . .جميعا في موقف العرض والحساب
تناثرت من فوقھم نجوم السماء وطمس ﺿوء الشمس والقمر فأظلمت األرض بخمود سراجھا
وانطف#اء نورھ##ا فبينم##ا الخالئ##ق ك#ذلك إذ أبص##روا الس##ماء ال##دنيا م##ن ف##وق رؤوس##ھم ق##د دارت
بعظمتھا ثم أخذت باالنشقاق ،يا ھول انشقاقھا !في سمع الخالئق وھي تتمزق وتنفطر.
والمالئكة قيام علي أرجائھا بعظيم أجسامھم ،وھول أصواتھم يقدسون الملك األعلى. .
٢٠ توھم نفسك
ثم يأخذون محدقين بالخالئق وق#د تس#ربلوا ب#أجنحتھم ونكس#وا رؤؤس#ھم خش#عا ل#ربھم وتھيئ#وا
للع#رض علي#ه والوق#وف ب#ين يدي#ه ج#ل وع#ال .حت#ى إذا واف#ي الموق#ف أھ#ل الس#ماوات الس#بع
واألراﺿ####يين الس####بع ،وأدني####ت الش####مس م####ن رؤوس الخالئ####ق ق####اب قوس####ين أو أدن####ى. .
) َوأُ ْزلِفَتْ ا ْل َجنﱠةُ لِ ْل ُمتﱠقِ َ
ين (
وال ظ##ل ألح##د يومھ##ا إال ظ##ل ع##رش رب الع##المين ،فم##ن ب##ين مس##تظل بظ##ل الع##رش وب##ين
مض##جر بح##ر الش##مس ،وق##د ص##ھرته بحرھ##ا واش##تد كرب##ه م##ن وھجھ##ا ،ث##م ازدحم##ت األم##م
وتدافعت ،فدفع بعضھا بعضا وتضايقت ،فاختلف#ت األق#دام وانقطع#ت األعن#اق م#ن العط#ش ،
واجتم##ع ح##ر الش##مس ووھ##ج أنف##اس الخالئ##ق وتزاحم##ت أجس##امھم ..عن#دھا يأخ##ذھم الع##رق ،
ويبلغ فيھم مبلغه ،فيفيض منھم ويسيل حتى يس#تنقع عل#ى وج#ه األرض ف#إذا ب#ه يعل#وا األب#دان
على قدر مراتبھم ومنازلھم عند ﷲ عز وجل ..
فمنھم من يبلغ العرق الى كعبيه ،ومنھم الى حقويه ،وبعضھم ال#ى ش#حمة إذني#ه ،وم#نھم م#ن
)(١
يغيب في عرقه .وھكذا على قدر أعمالھم .
فتوھم نفسك يا عبد ﷲ وأنت تنظر الى ذلك كله وتشھده بحواسك ،وتعيشه لحظة بلحظة ،
ومرحلة مرحلة ،وقد وقفت مع الخالئق ،وتزاحمت معھم وقد شغلت بنفسك عن غيرك ،
تنتظر المصير وما يكون لك في تلك الساعة .
حتى علـى رأس العباد تسيــر إذ كـــورت شمس النھـــار وأدنيت
المصر على الذنــــوب دھور؟! ھـــذا بال ذنب يخــاف جنينه كيف
٢٢ توھم نفسك
إن أعظم مواق#ف ذل#ك الي#وم ھ#و :س#اعة الحس#اب ،ولحظ#ة الع#رض عل#ى ﷲ تع#الى . .قي#وم
السموات واألرض . .يوم يبقى الجبار األعلى كما لم يزل واحدا منفردا بعظمته وجالله . .
فإذا جاء وقت الحساب الذي يحاسبھم ﷲ فيه ،أمر بالكتب التي كتبھ#ا الك#رام الك#اتبون ،فم#نھم
من يؤتى كتابه بيمينه فأولئك ھم السعداء،
ومنھم من يؤتى كتابه بشماله أو وراء ظھره فأولئك ھم األشقياء. .
فتوھم . .نفسك أخي إذا تطايرت الكتب ونصبت الم#وازين ،ووقف#ت الخالئ#ق م#ذعورة ،وق#د
نوديت باسمك على رؤوس الخلق :أين فالن ابن فالن ،ھلم إلى العرض على ﷲ تعالى .وق#د
وكلت المالئكة بأخذك فقربتك من ﷲ ..
ال يمنعھا اشتباه األسماء باسمك واسم أبيك إذ عرفت أنك الم#راد بال#دعاء ،عن#دھا يق#رع الن#داء
قلبك وتعلم أن#ك المطل#وب ،فارتع#دت فرائص#ك واﺿ#طربت جوارح#ك ،وتغي#ر لون#ك وط#ار
قلبك . .ثم تخطي بك الصفوف إلى ربك للعرض عليه والوقوف بين يديه ،وق#د رف#ع الخالئ#ق
إليك أبصارھم ،وأنت تسير من بينھم للعرض على موالك ،فتوھم نفسك في أي#ديھم ،وت#وھم
تخطيك الصفوف أمام الخلق أجمعين . .ثم توھم نضمك وقد مرت بين يدي موالك . .ربك .
في يدك صحيفة مخبرة بعملك . .ال تغادر بلية كتمتھ#ا ،وال مخب#أة أس#ررتھا . .وأن#ت تق#رأ م#ا
فيھا بلسان كليل وقلب منكسر ،واألھوال محدقة بك ،من بين يديك ومن خلفك ،فك#م م#ن بلي#ة
قد كنت نسيتھا . .ذكركك إياھا ،وكم من سيئة قد كنت أخفيتھا أظھرھا وأبداھا. .
)(١
قال عليه الصالة والسالم " :ما منكم من أحد إال سيكلمه ربه يوم القيامة ،ليس بينه وبينه ترجمان"
فتوھم . .نفسك إن كنت من السعداء وقد خرجت على الخالئق مس#رور الوج#ه ،ق#د ح#ل ب#ك
الكمال والحسن والجمال . .كتابك ف#ي يمين#ك ق#د س#عدت س#عادة ال تش#قى بع#دھا أب#دأ ،وأم#ا إن
كنت غير ذلك ووصفت بانك من أھل الشقاوة والتعاس#ة فسيس#ود وجھ#ك ،وتتخط#ى الخالئ#ق
وكتابك في شمالك تنادي بالويل والثبور ،قد شقيت شقاوة ال تسعد بعدھا أبدأ.
ھذا . .أحد السلف يقال له آدم بن أبي إياس ك#ان يجث#و عل#ى ركبتي#ه إذا وع#ظ ف#ي المجل#س . .
يقول وﷲ الذي ال إله إال ھو ما من أحد إال سيخلو به ربه ليس بينه وبين#ه ترجم#ان ،يق#ول ﷲ
له :ألم أكن رقيبا على قلبك إذ اشتھيت به ما ال يحل لك ؟
ألم أكن رقيبا على يديك إذ بطشت بھما إلى ما ال يحل لك عندي؟
ألم أكن رقيبا على قدميك إذ سعيت بھما إلى ما ال يحل لك عندي؟
استحييت من المخلوقين ! وكنت عليك أھون الناظرين ؟
)يَ ْعلَ ُم َخائِنَةَ األَ ْعيُ ِن َو َما تُ ْخفِي الصﱡ ُدو ُر(
٢٤ توھم نفسك
)(١
على متن الصراط
لما يفارق الناس الموقف ينتھون عقب ذلك إلى ظلمة دامسة ..يصيرون إليھا لحكمة يريد ﷲ
عز وجل أن يقررھا.
سألت عائشة رﺿي ﷲ عنھا الرسول علية الصالة والسالم "أين الناس يوم تبدل األرض
)(٢
غير األرض والسماوات ؟ قال عليه الصالة والسالم " :ھم في الظلمة دون الجسر"
فاعلم أن تلك الظلمة تحل بالناس بعد مفارقتھم للموقف ،وقبل أن يصلوا إلى الجسر
المنصوب على متن جھنم .
يفترق المنافقون عن المؤمنين ويتخلفون عنھم ويبقى المؤمنون فيحال بينھما بسور يمنعھم من
اب بَا ِطنُهُ فِيِ 7ه ال ﱠر ْح َم7ةُ َو َ
ظ7ا ِھ ُرهُ ِم7نْ سو ٍر لَهُ بَ ٌ
ب بَ ْينَ ُھ ْم بِ ُ الوصول إليھم وھو قوله تعالى )فَ ُ
ض ِر َ
قِبَلِ ِه ا ْل َع َذ ُ
اب( فيا له من سور ذا باب عجيب ! ! باطنه فيه الرحمة وظاھره من قبله العذاب !
فيصلون بعدھا الى الصراط ،وما أدراك ما الصراط ثم ما أدراك ما الصراط ؟!
سئل رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم عن الصراط فقيل له ما الجسر؟ ما الصراط ؟ فقال عليه
الصالة والسالم أنه " دحض مذلة فيه خطاطيف وكالليب وحسك مث#ل ش#وك الس#عدان غي#ر أنھ#ا ال
)(٣
يعلم قدر عظمھا إال ﷲ فتخطف الناس بإعمالھم فمنھم الموبق بعمله ومنھم المخردل "
) (١سيخرج للمؤلف كناب إن شاء ،ﷲ يكون فيه تفاصيل الموقف
على الصراط وأھله ومواقف معبرة من أھل الجنة وأھل النار . .ﺿمن موﺿوعات وخطب متنوعة
) ( (٢رواه مسلم برقم ) (٣٤كناب الحيض باب وجوب الغسل على المرأة .
رواه البخاري ٤٠٣ - ٣٧١/١٣-١١في الرقاق ومسلم رقم ١٨٢في اإليمان والترمذي رقم ) (٢٥٦٠في صفة الجنة . ) (٣
٢٥
توھم نفسك
وفي رواية يصف الرسول صلى ﷲ عليه وسلم الصراط بأنه أدق من الشعرة وأحد من
الس##يف ،وف##ي رواي##ة أخ##رى " :عل##ى ح##افتي الص##راط كاللي##ب معلق##ة م##أمورة تأخ##ذ م##ن
أمرت به فمخدوش ناج ومكدوس في النار"
وإذا كان ھذا ھو الصراط وتلك صفته والناس في ظلمة . .فما أحوج الناس ساعتھا إلى
النور ..نور يلتمسون به السير على ذلك الجسر.
وقفــــة
ولك##ن ھيھ##ات . .ھيھ##ات أن ي##ؤتى الن##ور يومھ##ا إل##ى م##ن اخت##ار الظلم##ة ف##ي ﺿ #الالت الجھ##ل
والتخبط في شبھات العقول في الدنيا ،وفضل سواد الشھوة والنزوة على نور الطاعة واإليمان
،وارتضى سبل الشيطان المظلمة على نور القرآن المبين .
ھيھات أن يؤتى لمثل ھؤالء نور يبصرون به جادتھم على الصراط ،فالن#اس يؤت#ون أن#وارھم
في ذلك اليوم على قدر أعمالھم وعلى قدر ثبات أقدامھم على طريق ﷲ المستقيم في الدنيا .
روى البيھقي بسند صحيح عن مسروق بن عبد ﷲ قال :يجم#ع ﷲ الن#اس ي#وم القيام#ة إل#ى أن
قال :فمنھم من يعطى نوره مثل النخلة بيمينه ،ومنھم من يعطى دون ذلك بيمينه حت#ى يك#ون
آخر من يعطى نوره في إبھام قدمه ،يضيئ م#رة وينطف#ئ أخ#رى . .إذا أﺿ#اء ق#دم قدم#ه وإذا
أطفئ قام أي )وقف ( .
ويصور ﷲ تعالى ھذا المشھد في كتابه الكريم فيقول سبحانه :
ش َرا ُك ْم ا ْليَ ْو َم َجنﱠاتٌ ت َْج ِري ِم7نْ س َعى نُو ُر ُھ ْم بَيْنَ أَ ْي ِدي ِھ ْم َوبِأَ ْي َمانِ ِھ ْم بُ ْ )يَ ْو َم تَ َرى ا ْل ُم ْؤ ِمنِينَ َوا ْل ُم ْؤ ِمنَا ِ
ت يَ ْ
ت َْحتِ َھ77ا األَ ْن َھ77ا ُر َخالِِ 7دينَ فِي َھ77ا َذلَِ 7ك ُھَ 7و ا ْلفَ7ْ 7و ُز ا ْل َع ِظ77ي ُم ) (١٢يَ7ْ 7و َم يَقُ77و ُل ا ْل ُمنَ77افِقُونَ َوا ْل ُمنَافِقَ77اتُ لِلﱠِ 7ذينَ
س7و ٍر لَ7هُ بَ ٌ
7اب س7وا نُ7وراً فَ ُ
ضِ 7ر َب بَ ْي7نَ ُھ ْم بِ ُ ار ِج ُعوا َو َرا َء ُكْ 7م فَا ْلتَ ِم ُ
س ِمنْ نُو ِر ُك ْم قِي َل ْ آ َمنُوا ا ْنظُ ُرونَا نَ ْقتَبِ ْ
ظا ِھ ُرهُ ِمنْ قِبَلِ ِه ا ْل َع َذ ُ
بَا ِطنُهُ فِي ِه ال ﱠر ْح َمةُ َو َ
)(١
اب(
وبعد أن يأخذ كل منھم ما قس#م ل#ه م#ن ن#ور ي#أتي دور الج#واز . .وق#ت الم#رور عل#ى الص#راط
،فالناس ساعتھا قد اجتمعوا على حافته واقفون ينظرون إليه بأبصارھم قد مأل الفزع قل#وبھم !
وتملك الخوف أجسادھم ! وھم يستعدون للعبور ،فيا لھا من ساعة ما أفظعھا وأشدھا!
واسمع إلى ھذه اللفتة الجميلة من العالمة ابن القيم رحمه ﷲ .في أمر الصراط يقول :
)على قدر ثبوت قدم العبد على الصراط المس#تقيم ف#ي ال#دنيا يك#ون ثب#وت قدم#ه عل#ى الص#راط
المنصوب على متن جھ#نم . .فلينظ#ر أح#دكم إل#ى الش#بھات والش#ھوات الت#ي تعوق#ه ع#ن س#يره
على صراط ربه المستقيم في الدنيا فإنھا الكاللي#ب الت#ي عل#ى جنبت#ي ذاك الص#راط المنص#وب
على جھنم تعوقه عن المرور عليه فان كثرت ھنا وقويت فكذلك ھي ھناك (.
رواه .أبو داو د رقم ) (٤٧٥٥في السنة وھو حديث حسن )جامع األصول (٨٠٠٨/١٠ )(١
٢٨ توھم نفسك
نصب الموازين
وقبل ختام ذلك اليوم العظيم ينصب الميزان لوزن أعمال العباد.
يقول القرطبي -رحمه ﷲ ) : -وإذا انقض#ى الحس#اب ك#ان بع#ده وزن األعم#ال ألن ال#وزن للج#زاء،
فينبغي أن يكون بعد المحاسبة فإن المحاسبة لتقدير األعمال والوزن إلظھار مقاديرھا ليكون الجزاء
)(١
. بحسبھا(
يقول الرسول ص#لى ﷲ علي#ه وس#لم " :يوﺿ#ع المي#زان ي#وم القيام#ة فل#و وزن في#ه الس#موات
واألرض لوسعت فتقوله المالئك#ة ي#ا رب لم#ن ي#زن ھ#ذا؟ فيق#ول ﷲ تع#الى :لم#ن ش#ئت م#ن
)(٢
خلقي ،فتقول المالئكة :سبحانك ما عبدناك حق عبادتك (
فقيل :إن الذي ي#وزن ب#الميزان يومئ#ذ األعم#ال وقي#ل ص#حف األعم#ال وقي#ل الخل#ق أنفس#ھم ويحتم#ل
)(٣
ق فَ َمنْ ثَقُلَتْ َم َوا ِزينُهُ فَأ ُ ْولَئِ َك ُھ ْم ا ْل ُم ْفلِ ُحونَ (
كلھا .قال تعالى َ ) :وا ْل َو ْزنُ يَ ْو َمئِ ٍذ ا ْل َح ﱡ
ففي صحيح مسلم يقول الرسول علية الصالة والسالم " :انه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم
)(٤
القيامة ال يزن عند ﷲ جناح بعوﺿة(
ويؤتى بالرجل الضعيف دقيق الساقين فإذا به يزن الجبال .
ق##ال علي##ه الص##الة والس##الم يوم##ا ع##ن س##اقي عب##د ﷲ ب##ن مس #عود رﺿ##ي ﷲ عن##ه لم##ا فح##ك
)(٥
الصحابة منھا لدقتھا قال ":والذي نفسي بيده لھما أثقل في الميزان من جبل أحد (
ﷲ أكبر!
فما ھو وزنك عند ﷲ وما ھي مكانتك وقيمتك ؟؟.
إن مرد ذلك كله لم الى ما يقوم في قلبك من إيمان وما انطوت به صحائف أعمالك .
" فالحمد تمال الميزان " ،
) (٥رواه اإلمام أحمد في مسندة وقال عنه لبن كثير تفرد به أحمد وإسناده جيد قوي
٢٩
توھم نفسك
" وس#بحان ﷲ وبحم#ده ،س#بحان ﷲ العظ##يم " ثقيلت#ان ف#ي المي#زان كم##ا دل#ت عليھ#ا األحادي##ث
الصحيحة يقول القرطبي -رحمه ﷲ : -
)وإنم##ا ت##وزن أعم##ال الم#ؤمن المتق##ي ي##وم القيام##ة إلظھ##ار فض##له ،كم##ا ت##وزن أعم##ال الك##افر
لخزيه وذله و تبكيتا له على فراغه وخلوه من كل خير ،والمؤمن يوزن يومھ#ا تزيين#ا ألم#ره
ونشره على رؤوس األشھاد(.
فانظر أين ستكون يوم القيامة عند وزن األعمال وفي أي الفريقين أنت ! ا
ممن ستطيش كفة موازينھم خفة لخلوھا من األعمال الصالحة فتخزى؟ ! أم ممن س#تثقل
كفة موازينھم لثقلھا باألعمال الصالحة ،فعلى ذلك يا عبد ﷲ يدور الفالح والخسران .
ق فَ َم77نْ ثَقُلَ77تْ َم َوا ِزينُ7هُ فَأ ُ ْولَئَِ 7ك ھُْ 7م ا ْل ُم ْفلِ ُحَ 7
7ون )َ (٨و َم77نْ ق#ال تع##الى ) َوا ْلَ 7و ْزنُ يَ ْو َمئٍِ 7ذ ا ْل َح 7ﱡ
س ُروا أَنفُ َ
س ُھ ْم بِ َما َكانُوا بِآيَاتِنَا يَ ْظلِ ُم َ
ون( َخفﱠتْ َم َوا ِزينُهُ فَأ ُ ْولَئِ َك الﱠ ِذ َ
ين َخ ِ
)(١
نھــاية الرحلة
إن رحلة اإلنسان في عالم اآلخرة رحلة عجيبة
مملوءة باألھوال ،وصعوبة األحوال ،عليھا غاية اآلم#ال ،وأص#عب م#ا فيھ#ا ب#ل أخط#ر
وأعظم ما يكتنفھا ھو مصير اإلنسان األخير. .
ومنزل##ه النھ##ائي . .حي##ث الخل##ود إل##ى األب##د . .والحي##اة الت##ي ل##يس بع##دھا م##وت . .ولك##ن
قرار ،إما إلى جنة أو إلى نار!! ففي األول منزل األبرار وفي الثاني منزل الفجار .
فم##ا أن يفص##ل ﷲ ب##ين الخالئ##ق ي##وم القيام##ة ويتع##ين أص#حاب الجح##يم وم##ن ي##دخلھا حت##ى
يحشر ذلك الجمع المھول الخاسر ليساق الى مصيره المخ#زي . .مص#ير الخ#زي والع#ار،
فيأخ##ذھم الخ##وف والھل #ع ف##ي جم##وع متعث##رة المس##ير ،مض##طربة الخط##وة ،ف##إذا بھ##م
ينھ##رون نھ##را غليظ##ا ،ويص##اح بھ##م م##ن ك##ل جان##ب ،فيس##اقون إل##ى مص #يرھم األخي##ر. .
جماعات وزمرا يلعن بعضھم بعضا ويتأذى بعضھم من بعض ،في منظر كئي#ب تع#يس
قال تعالى :
)(٣
ق الﱠ ِذينَ َكفَرُوا إِلَى َجھَنﱠ َم ُز َمراً(
) َو ِسي َ
)(٤
وقال تعالى )ھَ ِذ ِه النﱠا ُر الﱠتِي ُكنتُ ْم بِھَا تُ َك ﱢذبُونَ (
ھا ھي عيان . .ترونھا بأعينكم . .وأشعة لھيبھا
ينعكس بالدمع الذي يترقرق في محاجر أعينكم .
وما أن يقترب أھل النار الى الن#ار حت#ى يب#دو ھنال#ك مش#ھد رھي#ب . .مش#ھد تطي#ر ل#ه القل#وب
ھلعا وتضطرب منه النفوس جزعا . .إنه مشھد النار لما ت#رى أھلھ#ا ق#ادمون إليھ#ا م#ن بعي#د ،
فإنھا تبدأ بإطالق أصوات مرعبة مخيفة معب#رة ع#ن حنقھ#ا وغيظھ#ا عل#ى المج#رمين .ق#ال ﷲ
)(٥
تعالى )إِ َذا َرأَ ْت ُھم ِمنْ َم َكا ٍن بَ ِعي ٍد َ
س ِم ُعوا لَ َھا تَ َغ ﱡيظا ً َو َزفِيراً(
وأفظع من تلك األصوات المخيفة منظر من النار غريب يعاينه أھل النار وھ#م ق#دوم عليھ#ا أال
وھو خروج عنق من النار يتراقص بلھيبه له عينان تبصران وأذن#ان تس#معان ولس#ان ينط#ق ،
والناس ينظرون إليه متھيبين فزعين وھو يضطرب في صعود وھب#وط ف#إذا ب#ه يطل#ق ص#وتا
يتوعد وينذر ويزمجر.
وما أن يصل أھل النار إلى مثواھم التعيس وتقترب أقدامھم من أبوابھا ،حتى تفتح لھم مصراعيھا
)(٢
قال تعالى )إِ َذا َجا ُءوھَا فُتِ َحتْ أَ ْب َوابُ َھا(
ومن خالل تلك األبواب ينظرون إلى النار ويتأملون فيھا مصيرھم ومثواھم األخير والخائب
قال تعالىَ ) :ولَ ْو تََ 7رى إِ ْذ ُوقِفُ7وا َعلَ7ى النﱠ7ا ِر فَقَ7الُوا يَ7ا لَ ْيتَنَ7ا نَُ 7ر ﱡد َوال نُ َك ﱢ7ذ َب بِآيَ7ا ِ
ت َربﱢنَ7ا َونَ ُك7ونَ ِم7نْ
ا ْل ُم ْؤ ِمنِينَ (
)(٣
آآلن . .آآلن تتمنون العودة لتتداركوا ما تماديتم فيه وأصررتم عليه من قبل !
رغم التذكير والنصح ؟
ورغم طول اإلمھال ؟
وإذ لم ينفع الندم ولم تغني الحسرات ،إذا ھم بالمالئكة ت#زجھم م#ن قف#اھم ف#ي الن#ار زج#ا فيب#دأ
االقتحام واإلدخال فيھا عنوة .
يس أَ ْج َم ُع َ
ون( قال تعالى ) :فَ ُك ْب ِكبُوا فِي َھا ُھ ْم َوا ْل َغا ُو َ
ون )َ (٩٤و ُجنُو ُد إِ ْبلِ َ
)(٤
) (١رواه الترمذي برقم ) (٢٥٧٧في صفة جھنم وقال الترمذي ھذا حديث صحيح غريب كما حسنه االرناؤوط انظر جامع األصول ).(٥١٨/١٠
يا له من خزي القرناء ،فيه جنود إبل#يس وش#ياطين الج#ن المغض#وب عل#يھم ف#تخطفھم زباني#ة
النار من نواصيھم وأرجلھم بعد أن تحكم قيدھم بالسالسل واألغالل امتث#اال ألم#ر م#والھم ج#ل
وعال:
) ُخ ُذوهُ فَ ُغ ﱡلوهُ ) (٣٠ثُ ﱠم ا ْل َج ِحي َم َ
ص ﱡلوهُ(
)(١
فتلقيھم بعضھم على بعض في نار جھنم .
و ل#ك أن تتخي##ل ھ##ذا المش##ھد الم##ؤلم المف#زع ،مش##ھد أھ##ل الن##ار وق##د ألق##ي بعض##ھم عل##ى
بع##ض وازدح##م بعض##ھم ف##وق بع##ض . .أجس##اد عاري##ة ق##د أكلتھ##ا الن##ار وص#راخ وعوي##ل
وتالوم وإيالم ال يطاق . .أجارنا ﷲ وإياكم منه .
حتى إذا اداركوا فيھا جميعا . .فإذا باألبواب . .
أبواب جھنم تتح#رك لتغل#ق فھ#ذه مص#ارعھا وأعم#دتھا يلت#ئم بعض#ھا ب#بعض حت#ى تنطب#ق
)(٣ )(٢
وقال تعالى ) َعلَ ْي ِھ ْم نَا ٌر ُم ْؤ َ
ص َدةٌ ( )إِنﱠ َھا َعلَ ْي ِھ ْم ُمو َ
ص َدةٌ ) (٨فِي َع َم ٍد ُم َم ﱠد َد ٍة( تماما قال تعالى :
قال مقاتل -رحم#ه ﷲ : -أي أطبق#ت األب#واب عل#يھم ث#م ش#دت بأوت#اد م#ن حدي#د حت#ى يرج#ع
عل##يھم حرھ##ا وحميمھ##ا ( و ھك##ذا يس##دل الس##تار عل##ى العص##اة الم##ذنبين ب##ل ھك##ذا تك##ون نھاي##ة
المجرمين المعاندين.
وقبل أن نغادر ھذا الموقف لنلقي معا نظرة أخيرة
من خالل آي#ات ف#ي كت#اب ﷲ وھ#ي تص#ف ح#ال أھ#ل الن#ار وھ#م ب#داخلھا بع#د أن أغلق#ت
عليھم األبواب فأوصدت . .فإن النار تأخذ تحيط بھم من كل جانب من فوقھم ومن تحت
أرجلھم وعن أيمانھم وعن شمائلھم ،ال يستطيعون دفع لھيبھ#ا وال الف#رار م#ن لظاھ#ا ...
الى أين يذھب ؟!
وق7ال س7بحانه وتع7الى )لَ ُھْ 7م ِم7نْ ت أَ ْر ُجلِ ِھْ 7م( قال تعالى )يَ ْو َم يَ ْغشَا ُھ ْم ا ْل َع َذ ُ
اب ِمنْ فَ ْوقِ ِھ ْم َو ِمنْ ت َْحِ 7
)(١
نعم حتى تصل النار إلى أصل قلوبھم وتحرق ما انطوت عليه م#ن عن#اد واس#تكبار وجم#ود. ..
تلك القلوب التي لم تستطع المواعظ وال الزواجر إآلنتھا .
)(٤
ﷲَ َوأَ َ
ط ْعنَا ال ﱠرسُو َل( ون يَا لَ ْيتَنَا أَ َ
ط ْعنَا ﱠ قال ﷲ تعالى ) :يَ ْو َم تُقَلﱠبُ ُوجُوھُھُ ْم فِي النﱠ ِ
ار يَقُولُ َ
اآلن قد اكتشفوا أن الطريق التي كانوا يس#لكونھا كان#ت طريق#ا خاطئ#ة وطريق#ا معوج#ا بس#بب
إتب#اعھم س#بل الش##يطان وتكب#رھم عل#ى الح##ق وص#دودھم ع#ن س##ماع م#ن ك#ان يري##د لھ#م الخي##ر
ويھديھم إليه .
فتخيل نفسك يا عبد ﷲ ،توھم نفسك وقد نلت تلك السعادة وأدرك#ت ذل#ك الف#وز العظ#يم ،
فكنت ممن سيزفون الى الجنة مع المتقين ،ويسيرون زمرا مع الفائزين ،فتوھم نفس#ك
ي##ا عب##د ﷲ وأن##ت ب##ين ھ##ذه الجم##وع المبارك##ة ،وف##يھم ص#حابة رس#ول ﷲ علي##ه الص##الة
والسالم ،واألجالء من التابعين لھم بإحسان ،وعلماء األم#ة األف#ذاذ ومجاھ#ديھا اإلبط#ال
والصالحين األطھار .
ويتقدم كل ھذه الجموع الميمونة رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم ،فإذا بأبواب الجنة تبدو
لناظريھا من بعيد وتلوح ألھلھا القادمين عليھا ،فت#زداد ف#رحتھم لرؤيتھ#ا ويزي#د ش#وقھم
ين اتﱠقَ ْوا َربﱠ ُھ ْم إِلَى ا ْل َجنﱠ ِة ُز َمراً(
ق الﱠ ِذ َ
سي َ
إليھا َ ) . .و ِ
)(١
أي جماعات . .يجمعھ#م ﷲ س#بحانه وال يف#رقھم ،إخ#وة ف#ي ﷲ ف#ي ال#دنيا وإخ#وة ف#ي ﷲ
يوم القيامة يساقون إلى جنان ربھم .
يقول ابن القيم -رحمه ﷲ -وھ#و يص#ف المنظ#ر س#وق أھ#ل الجن#ان إل#ى جن#تھم وس#وق
أھل الجحيم إل#ى ن#ارھم فيق#ول ) :تأم#ل م#ا ف#ي س#وق الف#ريقين إل#ى ال#دارين زم#را . .م#ن
فرح#ة ھ##ؤالء ب##إخوانھم وس#يرھم معھ##م مستبش#رين أقوي#اء القل##وب ،كم##ا ك#انوا ف##ي ال##دنيا
وق#ت اجتم#اعھم عل#ى الخي#ر ك#ذلك الي#وم ي#ؤنس بعض#ھم بع#ض ويف#رح بعض#ھم ب#بعض
وكذلك أص#حاب ال#دار األخ#رى . .الن#ار يس#اقون إليھ#ا زم#را أي جماع#ات يلع#ن بعض#ھم
بعضا ويتأذى بعضھم من بعض وذلك أبلغ في الخزي والفضيحة م#ن أن يس#اقوا واح#دا
واحدا (.
عندھا يتقدم رسول ﷲ علية الص#الة والس#الم الجم#وع الھائل#ة م#ن الخل#ق الت#ي ال يحص#ي
عددھا إال ﷲ سبحانه من لدن آدم حتى تقوم الساعة ،في#ا لھ#ا م#ن مكان#ة س#امية لرس#ول
ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم ،تخشى الخالئق كلھا ويخ#ر ھ#و س#اجدا تح#ت الع#رش . .الش#افع
المشفع يوم المحشر ،فيتقدم بعدھا إلى باب الجنة فيقرعه بيده الشريفة ويستفتح .
قال رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم
)(٢
فيقول له الخازن :من أنت ؟ " أنا أول من يقرع باب الجنة "
)(٣
فيقول علية الصالة والسالم :محمد فيقول له " :بك .أمرت أن ال أفتح ألحد قبلك "
)(١الزمر ٧٣-
فتفتح األبواب . .أب#واب الجن#ة عل#ى مص#راعيھا وي#ا لھ#ا م#ن أب#واب ھائل#ة الخل#ق م#ا ب#ين ك#ل
مصراعين من أبوابھا مسيرة أربعين سنة . .ﷲ اكبر .
قال عليه الصالة والسالم " :إن ما بين المصراعين
)(١
في الجنة مسيرة أربعين سنة وليأتين عليه يوم وھو كظيظ من الزحام " .
وما أن تفتح األبواب فترى الجنان من خاللھا حتى تطير القلوب ش#غفا والنف#وس لھف#ا لل#دخول
فيھا والمرور من أبوابھا فتتلقاھم المالئكة على األبواب مستقبلين ومبشرين ومحيية لھم بتحي#ة
اإلسالم َ ) . .وتَتَلَقﱠا ُھ ْم ا ْل َمالئِ َكةُ َھ َذا يَ ْو ُم ُك ْم الﱠ ِذي ُكنتُ ْم تُو َعد َ
ُون(
)(٢
ففي ھذه الجنان يأتلف شملھم مع الصالحين من عباد ﷲ ومن آبائھم وأزواجھ#م وذري#اتھم . .
مكرمين بجم#ع ش#تاتھم وتالق#ي أحب#ابھم لتك#ون ل#ذة أخ#رى م#ع ل#ذة ال#دخول ال#ى الجن#ان حي#ث
النيين والصديقين والشھداء والصالحين .
وفي ذلك التجمع والتالقي يشترك المالئكة في التأھيل والتكريم ف#ي حرك#ة رائح#ة غادي#ة ق#ال
)(٥ )(٤
ص7بَ ْرتُ ْم فَ7نِ ْع َم ُع ْقبَ7ى ال7دﱠا ِر(
س7ال ٌم َعلَْ 7ي ُك ْم بِ َم7ا َ
يقول#ون ) َ تعالى) :يَد ُْخلُونَ َعلَ ْي ِھ ْم ِم7نْ ُك 7ﱢل بَ7ا ٍ
ب(
فتخي##ل نفس##ك ي##ا عب##د ﷲ ان##ك دخل##ت الجن##ة م##ع تل##ك الجم #وع وص #رتم تمش##ون عل##ى أرﺿ##ھا
وتنعمون بوارف ظاللھا ف#إذا بالترب#ة الت#ي تطئ#ون زعفران#ا ،والحص#باء الت#ي تتحاش#ون دررا
وياقوتا ومرجانا ،تسير معكم على سطح األرض انھارا ليست لھ#ا أخادي#د وم#ع ذل#ك فھ#ي ال
تنحرف وال تنجرف ھكذا خلقھا ﷲ سبحانه غاية في الجمال واإلبداع .
قال أبو ھريرة رﺿي ﷲ عنه ) :قل#ت ي#ا رس#ول ﷲ م#م خل#ق ؟ ق#ال علي#ة الص#الة والس#الم :
من الماء ،قلت :الجنة ما بناؤھا؟
ق##ال :لبن##ه م##ن فض##ة ولبن##ه م##ن ذھ##ب ،ومالطھ##ا )أي طينتھ##ا ( المس##ك األذف##ر )أي الطي##ب
)(١
الرائحة ( وحصباؤھا اللؤلؤ والياقوت وتربتھا الزعفران (
وإذا كان ھذا ھو الحال على األرض فإن على الرؤوس ظالل وارف#ة م#ن أش#جار عالي#ة بثم#ار
دانية يسير الراكب في ظلھا مائة عام ال يقطعھا ،ففي صحح البخاري عن النبي علي#ة الص#الة
والسالم أنه قال ":إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلھا مائة ع#ام ال يقطعھ#ا واق#رؤوا
)(٢
إن شئتم ) :وظل ممدود(
ثم ال تسأل عن المنازل والقصور والخيام اللؤلؤية وعن حور العين وعن الجمال مما ال ع#ين
رأت وال أذن سمعت وال خطر على قلب بشر.
وھي مع ذلك دار الطھر والنقاء والص#فاء ،خالي#ة م#ن األك#دار ق#د ن#زع الغ#ل والبغض#اء م#ن القل#وب
ص7دُو ِر ِھ ْم ِم7نْ ِغ 7ﱟل إِ ْخ َوان7ا ً
والحسد من النفوس فعاشوا إخوانا متحابين .قال تعالى َ ) :ونَ َز ْعنَا َم7ا فِ7ي ُ
)(٣
َعلَى ُ
س ُر ٍر ُمتَقَابِلِينَ (
وبعد . .فإن الح7ديث ع7ن نع7يم الجن7ة يط7ول والمق#ام ال يس#ع ،وغاي#ة ذل#ك أن نع#يم الجن#ة يف#وق ك#ل
وصف ويقصر دونه الخيال ،ل#يس لنعيمھ#ا نظي#ر فيم#ا يعلم#ه أھ#ل ال#دنيا ،فھ#ي كم#ا ج#اء ف#ي بع#ض
اآلثار عن جمال نعيمھا :
بأنھا نور يتألأل وريحانة تھتز وقصر مشيد ونھر مطرد وفاكھة نضيجة وزوجة حسناء وحلل
كثيرة في مقام أمين في حبره ونضرة ودور عالية بھية .
نسأل ﷲ سبحانه من فضله وأن يجعلنا وإياكم من أھلھا
) (١رواه أحمد والترمذي والدارمي ،وقال األلباني ،له طرق وشواھد )مشكاة المصابيح ) (١٥٦٦/٣رقم الحديث (٥٦٣٠
) (٢رواه البخاري كتاب بدأ الخلق – باب ما جاء في صفة الجنة .
دخل أبو بردة على عائشة رضي ﷲ عنھا ..قال :فأخرجت إلينا إزارا غليظا مما يصنع في اليمن
)(١
وكساء من التي يدعون الملبدة فقالت :إن رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم قبض في ھذه الثوبين "
كـــــــل باك سيُبكى وكل نــــاع فسينُعى
وكل مذكور سينُسى وكل مدخور سيفُنى
ليس غير ﷲ يبقى من عــال فا أعـلى
وكتبه
د /عبد الكريم الديوان
٤١
توھم نفسك
الفھرس
الصفحة الموﺿوع
المقدمة ٣ ......................................................
بين يدي الرسالة ٤ ...........................................
أخي يا من أمسكت بھذه الرسالة ١١ ......................
ذكر الموت ١١ ................................................
وصف حال الميت ١٢ ................................ ......
أخي يا من أردت الصحوة من الرقدة ١٣ ................
زيارة المقابر ١٥ .............................................
واه لك ايھا القبر ١٦ ........................... .............
الحياة في القبر ١٨ ............................. .............
وصف قيام الساعة والوقوف في المحشر ١٩ ..........
العرض على ﷲ واستالم الصحف ٢٢ ..................
على متن الصراط ٢٤ ......................................
وقفة ٢٥ .......................................................
نصب الموازين ٢٨ .........................................
نھاية الرحلة ٢٩ .............................................
أھل النار يساقون الى الجحيم ٣٠ ........................
المستقر األخير لعباد ﷲ المتقين ٣٤ .....................
وأخيرا ٣٥ ...................................................