You are on page 1of 41

‫ﺗﻮﻫﻢ ﻧﻔﺴﻚ‬

‫ﻓﻲ ﺳﺎﻋﺔ اﻻﺣﺘﻀﺎر ‪ ،‬ﻓﻲ ﻇﻠﻤﺔ اﻟﻘﺒﺮ ‪ ،‬ﻓﻲ ﺳﺎﺣﺔ اﻟﻤﺤﺸﺮ ‪،‬‬

‫ﻋﻠﻰ ﻣﺘﻦ اﻟﺼﺮاط ‪ ،‬ﻋﻨﺪ اﻟﻤﻴﺰان ‪ ،‬ﻓﻲ اﻟﺠﻨﺔ أو ﻓﻲ اﻟﻨﺎر‬

‫د‪ .‬ﻋﺒﺪاﻟﻜﺮﻳﻢ اﻟﺪﻳﻮان‬


‫‪٢‬‬ ‫توھم نفسك‬

‫‬
‫‪ ٣‬‬
‫توھم نفسك‬

‫المقدمــة‬

‫الحمد  الواحد القھار‪ ...‬العظيم الجبار‪...‬‬


‫الكبير المتعال ‪ . .‬الذي جعلنا للبلوى واالختبار‪ ،‬وأعد لنا الجن‪#‬ة والن‪#‬ار‪ ،‬فعظ‪#‬م ل‪#‬ذلك‬
‫الخطر وطال الحزن لمن عقل وادكر‪. .‬‬

‫الحمد  الذي تفرد في أزليته بعز كبريائه ‪ ،‬وتوحد في صمديته بدوام بقائه ‪ ،‬ونور‬
‫بمعرفت‪##‬ه قل‪##‬وب أوليائ‪##‬ه ‪ ،‬وطي‪##‬ب أس‪##‬رار القاص‪##‬دين بطي‪##‬ب ثنائ‪##‬ه ‪ ،‬وس‪##‬كن خ‪##‬وف‬
‫الخ‪##‬ائفين بحس‪##‬ن رجائ‪##‬ه ‪ ،‬ونق‪#‬ل أرواح المحب‪##‬ين ف‪##‬ي ري‪##‬اض مع‪##‬اني أس‪##‬مائه ‪ ،‬وأس‪##‬بغ‬
‫على الكافة جزيل عطائه ‪ ،‬حمد معترف بالعجز عن عد آالئه ‪.‬‬

‫وأشھد أن ال إله إال ﷲ وحده ال شريك له ‪ ،‬شھادة تضمن الحسنى لقائلھا يوم لقائه ‪،‬‬
‫وأشھد أن محمدا عبده ورسوله ‪،‬خاتم أنبيائه ‪ ،‬وسيد أصفيائه ‪،‬صلى ﷲ عليه وعلى‬
‫ال‪##‬ه وص‪##‬حبه وخلفائ‪##‬ه ‪ ،‬وم‪##‬ن اقتف‪##‬ى أث‪##‬رھم فف‪##‬از باقتفائ‪##‬ه ‪ ،‬ص‪##‬الة دائم‪##‬ة م‪##‬ا در واب‪##‬ل‬
‫فاھتز من الروض معاطف إرجاءه ‪ ،‬وسلم تسليما كثيرا ‪.‬‬
‫‪٤‬‬ ‫توھم نفسك‬

‫‬

‫بين يدي الرسالة‬


‫سبحان ﷲ ‪ . . .‬كم يعيش اإلنسان في غفلة وإال ‪:‬‬
‫* فما بالنا ال نتعظ ونحن نسمع المواعظ ‪.‬‬
‫* وما لنا ال نعتبر ونحن نرى حوادث الموت المؤسفة ‪.‬‬
‫* وما لنا ال نتأثر ونحن نتبع الموتى بين حين‬
‫و آخر ونودعھم في صدع من األرض ونعلم بأننا بعدھم مشيعون ‪ ،‬ومنھا خارجون ‪ ،‬وبين‬
‫يدي ﷲ واقفون‪ ،‬فمحاسبون ‪ ،‬وبأعمالنا مذكرون ‪ ،‬فإلى النار مساقون ‪ ،‬أو في الجنة نازلون‬
‫‪ .‬نسأل ﷲ من فضله ‪ .‬ونعوذ به من يوم الفضيحة والحساب ‪.‬‬
‫ففي ھذه الرسالة ‪:‬‬
‫وقفة لمراجعة النفس على تقصيرھا ‪.‬‬
‫وعظة لالعتبار بما يمر بھا من أحداث ‪.‬‬
‫وتذكر لما نسمع من أھوال وأحوال اآلخرة ‪.‬‬
‫وعبرة لالتعاظ بمن سبق ‪ ،‬قبل أن تحل بنا الحوادث وينادى علينا بالرحيل ‪.‬‬
‫إن مشھد االحتضار ح‪#‬ين تبل‪#‬غ ال‪#‬روح الحلق‪#‬وم وتتھي‪#‬أ للخ‪#‬روج ‪ . .‬نع‪#‬م تتھي‪#‬أ لتخ‪#‬رج م‪#‬ن ذل‪#‬ك‬
‫الجسد بأمر ربھ‪#‬ا كم‪#‬ا دخل‪#‬ت في‪#‬ه ب‪#‬أمره أول م‪#‬رة ‪ ،‬ليق‪#‬ف ص‪#‬احبھا عل‪#‬ى حاف‪#‬ة الع‪#‬الم اآلخ‪#‬ر‪،‬‬
‫ويقف الجميع عنده مكتوفي األيدي عاجزين ‪ ،‬ال يملكون له ش‪#‬يئا ‪ ،‬ب‪#‬ل ال ي‪#‬درون م‪#‬ا يك‪#‬ون ل‪#‬ه‬
‫في تلك الساعة ‪ ..‬ألم‪#‬ر يس‪#‬تحق من‪#‬ا وقف‪#‬ة طويل‪#‬ة ب‪#‬ل وقف‪#‬ات ووقف‪#‬ات نت‪#‬ذكر فيھ‪#‬ا تل‪#‬ك اللحظ‪#‬ة‬
‫الحاسمة ‪ ..‬لحظة الفراق ‪ ،‬لحظة االنتقال ‪ ،‬ولحظة توديع الدنيا ومن فيھا‪ ،‬وما فيھا !‬
‫أھل وبنين ومال ومتاع ‪. .‬‬
‫كيف سنتركھم ؟‬
‫وما الذي سنخلفه ألنفسنا بعد ھذا الفراق ؟‬
‫وما الذي سنتركه وراءنا ؟‬
‫إنه ألمر مھول ومحزن كما إنه أمر يدعو إلى الخوف والحذر‪.‬‬
‫‪ ٥‬‬
‫توھم نفسك‬

‫فما أكثر األسباب المحيطة بنا للموت ‪،‬‬


‫ولكن ما أبعد الشعور بقرب األجل ‪.‬‬
‫فا المستعان ‪.‬‬
‫ألست معي إن من أسباب الموت الكثرة والقريبة ‪،‬‬
‫حوادث السيارات التي ھي مركوبنا اليومي ‪ ،‬فھل فكرت وأنت تدير مح‪#‬رك س‪#‬يارتك لتنطل‪#‬ق‬
‫بھا كل يوم ‪ ،‬أن ال تعود في آخر اليوم ألھلك كعادتك ؟ اللھ‪#‬م إال ليغس‪#‬لوك ويجھ‪#‬زوك لمث‪#‬واك‬
‫اآلخر ‪ ،‬بعد أن يلقي عليك اھلك نظرتھم األخيرة وھم يوارونك التراب ‪.‬‬
‫و ألس‪7‬ت مع‪7‬ي أيض‪##‬ا أن الكثي‪#‬ر الي‪#‬وم يموت‪##‬ون ب‪##‬أمراض تفجعھ‪##‬م م‪##‬ن غي‪#‬ر س‪##‬ابق مق‪##‬دمات وال‬
‫إنذارات تك‪#‬ون فيھ‪#‬ا نھاي‪#‬اتھم ‪ ،‬فم‪#‬ن يض‪#‬من أن ال نك‪#‬ون م‪#‬ن أھ‪#‬ل تل‪#‬ك األم‪#‬راض الت‪#‬ي طالم‪#‬ا‬
‫وس‪##‬رعان م‪##‬ا أفق‪##‬دت ال‪##‬وعي وأخل‪##‬ت ب‪##‬النبض ودھ‪##‬ورت أجھ‪##‬زة الجس ‪#‬م ‪ ،‬ف‪##‬ال ي‪##‬تمكن معھ‪##‬ا‬
‫أصحابھا حتى أن يوصوا أو أن يعھدوا ألحد بشيء ‪ ،‬فال نسمع إال فالنا قد مات ‪.‬‬
‫و ألست معي عن عجيب ما نسع بموت الفجأة ‪. .‬‬

‫من يفارق الحياة على نوم الليل أو وھو جالس يتحدث أو عابر في طريق ‪ ،‬أو ق‪#‬ل حت‪#‬ى وھ‪#‬و‬
‫يسمر ويمرح ‪ ،‬أو ‪...‬أو ‪ ،‬فتوھم نفسك يا عبد ﷲ أنك ھذا أو ذاك ممن وقف علي ش‪#‬فير الحي‪#‬اة‬
‫وحافة الموت ‪ ،‬ينظر بما تبقى له م‪#‬ن نظ‪#‬ر إل‪#‬ي أح‪#‬ب الن‪#‬اس إلي‪#‬ه ي‪#‬ودعھم بنظرات‪#‬ه األخي‪#‬رة ‪،‬‬
‫ونفسه بين جنبيه تنازعه تريد أن تخرج لتفارق ذلك الجسد‪ . .‬ﷲ أكبر‪ . .‬إن األم‪#‬ر ال‪#‬ذي كن‪#‬ت‬
‫تس ‪#‬مع عن‪##‬ه ي‪##‬ا عب‪##‬د ﷲ ‪ ،‬وتح‪##‬ذر من‪##‬ه ‪ ،‬وت‪##‬دعى لالس‪##‬تعداد ل‪##‬ه ‪ ،‬أص ‪#‬بحت اآلن تعايش ‪#‬ه حقيق‪##‬ة‬
‫وتتحسس ‪#‬ه بك‪##‬ل م‪##‬ا في‪##‬ك م‪##‬ن إحس ‪#‬اس بق‪##‬ي‪ ،‬فھ‪##‬ا ھ‪##‬و ال ‪#‬نفس يض‪##‬طرب ف‪##‬ي ص ‪#‬درك وھ‪##‬اھي‬
‫األعض‪##‬اء تض‪#‬عف وتثق‪##‬ل ‪ ،‬وھ‪##‬ا ھ‪##‬ي النظ‪##‬رات تزغل‪##‬ل وھ‪##‬ا ھ‪##‬و الب‪##‬رود أخ‪##‬ذ ي‪##‬دب ف‪##‬ي الجس‪#‬د‬
‫ويري في األطراف ‪ ،‬وھا ھو لسانك يثقل عن الرد فال تق‪#‬وى أن تجي‪#‬ب ب‪#‬ه س‪#‬ائال أو تھ‪#‬ون ب‪#‬ه‬
‫نحيب من صار ينتح‪#‬ب علي‪#‬ك م‪#‬ن بني‪#‬ك وبنات‪#‬ك وم‪#‬ن ص‪#‬عب عل‪#‬يھم منظ‪#‬رك وحال‪#‬ك ‪ ،‬وأن‪#‬ت‬
‫تودع ھذه الحياة وتستعد للرحيل ‪.‬‬
‫‪٦‬‬ ‫توھم نفسك‬

‫‬

‫في ظل تلك المشاعر الراجفة الواجفة ‪ ،‬اآلسية اآلسفة ‪ ،‬ما تظن أن اإلنسان فاعل فيھا؟‬
‫وما موقفه حيالھا؟‬
‫وما مصيره فيھا؟‬
‫سؤال ال يملك اإلنسان معه جوابا‪ ،‬وأنى له ذلك ‪ ،‬وقد خبئ له ذلك في ل‪#‬وح الغي‪#‬ب ‪ ،‬اللھ‪#‬م إال‬
‫الدعاء لنفسه بأن يفتح ﷲ على قلبه ويفتح على قلوبنا جميعا بما يجعلنا أن ال ننسي تلك الساعة‬
‫أو نغفل عنھا وما ينبغي أن يكون لھا من اإلستعداد‪. .‬‬
‫بأن يرزقنا من يذكرنا بھا ف‪#‬ال ننس‪#‬اھا‪ ،‬وأن ال يجع‪#‬ل ال‪#‬دنيا أكب‪#‬ر ھمن‪#‬ا وال غاي‪#‬ة قص‪#‬دنا‪ ،‬وأن‬
‫يجعل خير أعمالنا خواتيمھا وخير أيامنا يوم أن نلقاه ‪ ..‬اللھم آمين ‪.‬‬
‫إذا أردت يا عبد ﷲ أن ال تندم على مصيرك أو تحزن لما سينزل ب‪#‬ك م‪#‬ن أم‪#‬ر الم‪#‬وت فعلي‪#‬ك‬
‫بنصيحة خير من نصح وأوفى في النصح حيث ق‪#‬ال علي‪#‬ه الص‪#‬الة والس‪#‬الم " أكث‪7‬روا ذك‪7‬ر ھ‪7‬ادم‬
‫)‪(١‬‬
‫اللذات ‪ . .‬الموت "‬

‫ق‪#‬ال علماؤن‪#‬ا رحمھ‪#‬م ﷲ عل‪#‬يھم ‪ :‬قول‪#‬ه علي‪#‬ه الص‪#‬الة والس‪#‬الم ‪":‬أكث‪#‬روا ذك‪#‬ر ھ‪#‬ادم الل‪#‬ذات ‪. .‬‬
‫الموت " كالم مختصر وجيز قد جمع التذكرة وأبلغ في الموعظة ‪ ،‬فإنه من ذكر الموت حقيقة‬
‫ذكره ‪ . .‬نغص عليه لذته الحاﺿرة ‪ ،‬ومنع‪#‬ه م‪#‬ن تمنيھ‪#‬ا ف‪#‬ي المس‪#‬تقبل ‪،‬وزھ‪#‬ده فيم‪#‬ا ك‪#‬ان منھ‪#‬ا‬
‫يؤمل ‪ ،‬ولكن النفوس الراكدة والقلوب الغافلة تحتاج إل‪#‬ى تطوي‪#‬ل الوع‪#‬اظ ‪ ،‬وتزوي‪#‬ق األلف‪#‬اظ ‪،‬‬
‫وإال ففي قوله عليه الصالة والسالم ‪" :‬أكثروا ذكر ھادم اللذات " مع قوله تعالى‬
‫)‪(٢‬‬
‫)كل نفس ذائقة الموت( ما يكفي السامع له ‪ ،‬ويشغل الناظر فيه‪.‬‬

‫)‪ (١‬أخرجه النسائي والترمذي وابن ماجة ‪ ،‬وھو حديث صحيح كما قال عنه األلباني في اإلرواء‬

‫)‪ (٢‬سورة آل عمران ‪١٨٥ ،‬‬


‫‪ ٧‬‬
‫توھم نفسك‬

‫لقد أجمعت األمة على أن الموت ليس له سن معلوم وال زمن معلوم وال مرض معلوم ‪،‬‬
‫وذلك ليكون المرء على أھبة من ذلك ‪ ،‬مستعدا له ‪.‬‬
‫فقد كان بعض الصالحين ينادي بليل على أسوار المدينة ‪ :‬الرحيل ‪ . .‬الرحيل ‪ ،‬فلما توفي فقد‬
‫صوته أمير المدينة ‪ ،‬فسأل عنه فقيل ‪ :‬إنه قد مات فقال ‪:‬‬

‫مازال يلھج بالرحيل مناديا‪.. ... ..‬حتى أناخ ببابه الجمال‬


‫فــأصابه متيقظًا ومشم ًرا‪.. ... ..‬ذا أھبة لــم تلھه اآلمال‬
‫وكان يزيد الرقاشي يقول لنفسه ‪ :‬ويحك يا يزيد‪ ،‬من ذا يصلي عنك بع‪#‬د الم‪#‬وت ؟ م‪#‬ن ذا‬
‫يصوم عنك بعد الموت ؟ من ذا يترﺿى عنك ربك بعد الموت ؟ ثم يقول ‪ :‬أيھا الن‪#‬اس أال‬
‫تبكون وتنوحون على أنفسكم باقي حياتكم ؟‬
‫م‪#‬ن الم‪##‬وت طالب‪##‬ه والقب‪##‬ر بيت‪##‬ه ‪ ،‬والت‪##‬راب فراش‪##‬ه ‪ ،‬وال‪##‬دود أنيس‪##‬ه ‪ ،‬وھ‪##‬و م‪##‬ع ھ‪##‬ذا ينتظ‪##‬ر‬
‫الفزع األكبر كيف يكون حاله ؟ ‪. .‬‬
‫وقال الدقاق ‪ :‬من أكثر من ذكر الموت أية بثالثة‬
‫أﺷياء ‪:‬‬
‫* تعجيل التوبة ‪.‬‬
‫* وقناعة القلب ‪.‬‬
‫* ونشاط العبادة ‪.‬‬
‫ومن نسي الموت عوقب بثالثة أﺷياء ‪:‬‬
‫* تسويف التوبة ‪.‬‬
‫* وترك الرﺿا بالكفاف ‪.‬‬
‫* والتكاسل في العبادة ‪.‬‬
‫‪٨‬‬ ‫توھم نفسك‬

‫‬

‫ال ﺷيء مما ترى تبقى بشاﺷته ‪ .....‬يبقى اإلله ويودي المال والولد‬
‫لم تغن عن ھرمز يوما ً خزائنه ‪ .....‬والخلد قد حاولت عاد فما خلدوا‬
‫وال سليمان إذ تجري الرياح له ‪ .....‬واإلنس والجن فيما بينھا ترد‬
‫أين الملوك التي كانت لعزتھا ‪ .........‬من كـل أوب إليھا وافـد يفد؟‬
‫حوض ھنالك مورود بال كذب ‪ .......‬ال بد من ورده يوما ً كما وردوا‬

‫وبعد فھذه أخي رسالة موجزة ‪ . .‬مختص‪#‬رة ف‪#‬ي أح‪#‬وال الم‪#‬وتى واآلخ‪#‬رة ‪ ،‬كان‪#‬ت ف‪#‬ي األص‪#‬ل‬
‫موﺿوع خطبة من خطب يوم الجمعة ‪ ،‬ث‪#‬م أﺿ‪#‬يف إليھ‪#‬ا وزي‪#‬دت وع‪#‬دلت حت‪#‬ى خرج‪#‬ت بھ‪#‬ذه‬
‫الصورة األخيرة ‪. .‬‬

‫أسأل ﷲ أن ينفع بھا ويخلص لنا النية ‪ ،‬وأن يتقب‪#‬ل من‪#‬ا العم‪#‬ل بقب‪#‬ول حس‪#‬ن ھ‪#‬و‬
‫ولي ذلك سبحانه ‪.‬‬
‫‪ ٩‬‬
‫توھم نفسك‬

‫وقفــــة‬
‫أعلم أخي ‪ . .‬أن مما يجعل المرء يستفيد من ذكر الموت وينتفع به ھو ‪:‬‬

‫‪ -١‬كثرة استماعه لھذا الموﺿوع وكثرة القراءة عنه‪ ،‬مصداقا لحديث المصطفى عليه الصالة‬
‫والسالم ‪" :‬أكثروا ذكر ھادم اللذات ‪ . .‬الموت "‬
‫‪ -٢‬على الخصوص القصص التي تدور حوله والحوادث القريبة والعجيبة التي تقع فيه وما أكثرھا‬
‫‪ -٣‬وإذا كانت ايضا بأسلوب متجدد في الطرح والتناول والعرض ‪.‬‬
‫‪ -٤‬وان تس‪##‬تمع لھ‪##‬ا م‪##‬ن أش‪##‬خاص م‪##‬نحھم ﷲ ص‪##‬دق الكلم‪##‬ة وإخ‪##‬الص الني‪##‬ة ورق‪##‬ة القل‪##‬ب ‪،‬‬
‫وسرعة العبرة ودوام الذكر ‪.‬‬

‫قيل يوما البن الجوزي رحمه ﷲ مال فالن يحدث الناس وال يبكون ‪ ،‬وإذا حدثتھم أنت بكوا؟‬
‫فقال ‪) :‬ليس النائحة كالثكلى يا بني ! !(‪.‬‬
‫‪ -٥‬وأن تبتعد عن بيئة الغفلة وتقترب من بيئة الطاعة وجو الصالح واإلصالح ‪.‬‬
‫‪ -٦‬وتضرع إلى ﷲ بال‪#‬دعاء أن يرزق‪#‬ك البص‪#‬يرة وال‪#‬ذكرى ورق‪#‬ة القل‪#‬ب وأكث‪#‬ر م‪#‬ن ق‪#‬ول ‪ :‬اللھ‪#‬م ي‪#‬ا‬
‫مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك اللھم يا مصرف القلوب‬
‫واألبصار صرف قلبي على طاعتك ا‪، ،‬اللھم أجعل خير أعمالنا خواتيمھا ونير أيامن‪#‬ا ي‪#‬وم أن نلق‪#‬اك‬
‫ونحوھا من األدعية التي تجعل قلبك دائم االتصال‬
‫با قريب التذكر واالتعاظ ‪.‬‬
‫فان الموت يا أخي‬
‫نھاية كل حي‪ ،‬وعاقبة ك‪#‬ل م‪#‬ن ي‪#‬دب عل‪#‬ى وج‪#‬ه ھ‪#‬ذه األرض ‪ ،‬وال‪#‬ى ﷲ يرج‪#‬ع الجمي‪#‬ع‬
‫وتنال كل نفس من ﷲ جزاء ما اختارت وتختار! إما إلى جنه أو إلى نار‪.‬‬
‫وكل الناس يعلمون ھذا‪ . .‬ولك‪#‬ن ح‪#‬ب ال‪#‬دنيا واالسترس‪#‬ال ف‪#‬ي ھ‪#‬وى ال‪#‬نفس وم‪#‬ا تش‪#‬تھيه غط‪#‬ي‬
‫القلوب وأعمى البصائر! نعم ‪ . .‬أعمي البصائر والبصيرة ‪.‬‬
‫‪١٠‬‬ ‫توھم نفسك‬

‫‬

‫فصار الموت ورؤية الجنائز ال تزيد اإلنسان إال غفل‪#‬ة ‪ ،‬ومش‪#‬اھدة تل‪#‬ك المن‪#‬اظر ال تح‪#‬رك في‪#‬ه‬
‫ساكن من جمود العين أو قسوة القلب ‪.‬‬

‫نعم يعلم اإلنسان علم اليقين أنه سيموت كما مات ھذا وذاك ‪ ،‬وھؤالء وأولئك ‪ ،‬وأنھم سيرون‬
‫بعد الموت أھواال من العقاب والجزاء والمسائلة لمن قصر أو فرط أو اعتدى أو ظلم أو ‪. ..‬‬
‫ولكنه ال يظن أن ذلك منه قريب ‪ ،‬وال يتوقع أنه سينتقل من دنياه إلى ذلك كله بھذه السرعة‬
‫‪،‬مع أنه يرى ويسمع كل يوم من األحوال العجيبة ممن يموت حوله ‪ ،‬وتفجعھم منية الموت‬
‫‪ ،‬بألوان من أحوال الفجأة ‪.‬‬

‫إن سبب ھذا كله أخي ‪ :‬الغفلة ‪ ،‬ولھذا تكون القسوة في القلوب والجفوة في النفوس‬
‫ان َعلَى قُلُوبِ ِھ ْم َما َكانُوا يَ ْك ِسب َ‬
‫والقحط في العيون ‪ .‬قال تعالى ) َك ﱠال بَلْ َر َ‬
‫)‪(١‬‬
‫يقول‬ ‫ُون(‬
‫الحسن رحمه ﷲ ‪ :‬أتدري ما الران ‪ :‬الران ھو" الذنب على الذنب حني يقسو القلب فال‬
‫يتعظ وال يتأثر وال يعتبر "‬
‫ﷲ اكبر ھذه ھي وﷲ الحقيقة المرة ‪.‬‬

‫)‪ (١‬المطففين ايه ‪١٤‬‬


‫‪ ١١‬‬
‫توھم نفسك‬

‫أخي يا من أمسكت بھذه الرسالة تريد التذكر واالتعاظ ‪..‬‬


‫إن مشھد االحتضار ح‪#‬ين تبل‪#‬غ ال‪#‬روح منتھاھ‪#‬ا وتص‪#‬ل إل‪#‬ى الحلق‪#‬وم ‪ ،‬فتتھي‪#‬أ لتخ‪#‬رج م‪#‬ن ذل‪#‬ك‬
‫الجسد بأمر ربھا كما دخلت بأمره أول مرة ‪ ،‬ليقف صاحبھا على حافة العالم اآلخر ‪،‬‬
‫ويقف الجمع مكتوفي األيدي عاجزين ‪ ،‬ال يملكون له شيئا ‪ ،‬بل ال يدرون ما يحصل ويكون له‬
‫ت ْالح ُْلقُ‪#‬وم* َوأَ ْن‪#‬تُ ْم ِحينَئِ‪ٍ #‬ذ تَ ْنظُ‪#‬رُونَ * َونَحْ ُ‬
‫‪#‬ن‬ ‫في تل‪#‬ك الس‪#‬اعة ‪ ،‬مص‪#‬داقا لقول‪#‬ه تع‪#‬الى )فَلَ‪#‬وْ َال إِ َذا بَلَ َغ‪ِ #‬‬
‫)‪(١‬‬
‫أَ ْق َربُ إِلَ ْي ِه ِم ْن ُك ْم َولَ ِك ْن َال تُ ْب ِ‬
‫صرُونَ * فَلَوْ َال إِ ْن ُك ْنتُ ْم َغ ْي َر َم ِدينِينَ * تَرْ ِجعُونَھَا إِ ْن ُك ْنتُ ْم َ‬
‫صا ِدقِينَ (‬
‫ق * َو ْالتَفﱠ‪ِ #‬‬
‫ت ال ﱠس‪##‬ا ُ‬
‫ق‬ ‫‪#‬ن أَنﱠ‪#‬هُ ْالفِ ‪َ #‬را ُ‬ ‫ق * َو َ‬
‫ظ‪ #‬ﱠ‬ ‫ت التﱠ َراقِ ‪َ #‬ي * َوقِي ‪َ #‬ل َم‪#ْ #‬ن َرا ٍ‬
‫وقول‪##‬ه تع‪##‬الى ) َك‪##‬ال إِ َذا بَلَ َغ ‪ِ #‬‬
‫ك يَ ْو َمئِ‪ٍ #‬ذ ْال َم َس‪#‬ا ُ‬
‫)‪(٢‬‬
‫ألم‪#‬ر يس‪#‬تدعي القل‪#‬ق ‪ ،‬ويس‪#‬تجلب الخ‪#‬وف م‪#‬ن تل‪#‬ك‬ ‫ق*(‬ ‫ﱠاق * إِلَى َربﱢ َ‬
‫بِالس ِ‬
‫العاقبة ‪ ،‬ومن ثم التھيؤ واالستعداد لما ينتظرنا في تلك الساعة‪.‬‬

‫ذكــر الموت‬

‫ومن أعظم األس‪#‬باب ف‪#‬ي تحص‪#‬يل ذك‪#‬ر الم‪#‬وت يكم‪#‬ن فيم‪#‬ا أش‪#‬ار إلي‪#‬ه المص‪#‬طفى علي‪#‬ه الص‪#‬الة‬
‫والسالم بقوله ‪" :‬أكثروا من ذكر ھادم الل‪#‬ذات ‪ . .‬الم‪#‬وت " ف‪#‬دوام ال‪#‬ذكر يض‪#‬من ع‪#‬دم الغفل‪#‬ة‬
‫عنه ويؤمن من عدم نسيانه ‪.‬‬
‫قال الحسن رحمه ﷲ – وھو يبين أثر العمل بھذا الحديث ‪" :‬ما أكثر عبد من ذك‪#‬ر الم‪#‬وت إال‬
‫رأى ذلك في عمله وما طال أمل عبد قط إال ساء عمله "‬
‫وقال سعيد بن جير ‪ -‬رحمه ﷲ ‪ " :‬لو فارق ذكر الموت قلبي لخشيت أن يفسد علي قلبي "‬
‫فالعالج يكمن في اإلكثار من تذكر اآلخرة وأول منازلھا وھو الموت ‪.‬‬

‫)‪ (١‬سورة الواقعة ‪ ،‬اآليات ‪٨٧ -٨٣ :‬‬

‫سورة القيامة ‪ ،‬اآليات ‪ :‬األيه ‪٣٠ -٢٦.‬‬ ‫)‪(٢‬‬


‫‪١٢‬‬ ‫توھم نفسك‬

‫‬

‫وصف حال الميت ‪:‬‬

‫ألم ‪ ...‬ألم ينزل في الروح المبثوثة في أعماق‬


‫البدن ‪ ،‬فالروح منزوع ومجذوب من كل ع‪#‬رق م‪#‬ن الع‪#‬روق ‪ ،‬ومفص‪#‬ل م‪#‬ن المفاص‪#‬ل ‪،‬‬
‫وعص‪#‬ب م‪##‬ن األعص‪#‬اب ح‪##‬ل بھ‪##‬ا الم‪##‬وت ف‪##‬ي أص‪#‬ل ك‪##‬ل ش‪##‬عرة وبش‪##‬رة م‪##‬ن ال‪##‬رأس إل‪##‬ى‬
‫القدمين ‪ ،‬ولذلك ترى المضروب ‪ . .‬الشخص الذي يضرب إذا ﺿربته إستغاث ‪ . .‬فلماذا‬
‫يستغيث المضروب ؟‬
‫يستغيث المضروب لبقاء قوت‪#‬ه ف‪#‬ي عقل‪#‬ه‪ ،‬وبق‪#‬اء قوت‪#‬ه ف‪#‬ي قلب‪#‬ه ‪ ،‬وبق‪#‬اء قوت‪#‬ه ف‪#‬ي لس‪#‬انه !‬
‫ولكن لماذا ال يستغيث الميت ؟ لماذا ال يصرخ الميت ؟‬

‫أتدري لماذا؟‬
‫آه ثم آه ‪..‬في تلك اللحظات ال يصرخ الميت الن الموت قد صعد إلى العقل فغشيه وغيبه‬
‫‪ ،‬وج‪##‬اء ال‪##‬ى البص‪##‬ر فأعم‪##‬اه وأذھب‪##‬ه ‪ ،‬وج‪##‬اء إل‪##‬ى اللس‪##‬ان فأخرس‪##‬ه وأس‪##‬كته ‪ ،‬وج‪##‬اء ال‪##‬ى‬
‫الطرف فھده واسكنه ‪ ،‬وجاء إلى اللون فغيره وأصفره ‪...‬‬
‫ارتفعت الحدقتان الى أعالي األجفان ‪ ،‬وتقلصت الشفتان عن األسنان ‪..‬‬
‫سكرة بعد سكرة ونزعة بعد نزعة ‪ ،‬وجذبة بعد جذبة ‪ ...‬جعلت خير الخلق وسيد األولين‬
‫واآلخرين عليه الصالة والسالم يقول في النزع األخير من سكرات الموت ‪" :‬ال اله إال‬
‫ﷲ إن للموت سكرات ‪ ،‬ثم نصب يده فجعل يقول ‪:‬‬
‫)‪(١‬‬
‫عليه الصالة والسالم ‪.‬‬ ‫في الرفيق األعلى حتى قبض ومالت يده "‬

‫)‪ (١‬رواه البخاري ‪١٠٦/٨‬‬


‫‪ ١٣‬‬
‫توھم نفسك‬

‫أخــــي ‪ ..‬يا من أردت الصحوة من الرقدة ‪ ،‬واالنتباه من الغفلة ‪:‬‬

‫إذا كان للموت سكرات مع أفضل الخلق ‪. .‬‬


‫سيدنا محمد صلى ﷲ عليه وسلم ‪ ،‬فكي‪#‬ف يك‪#‬ون حالن‪#‬ا نح‪#‬ن ؟! وم‪#‬اذا س‪#‬نقول س‪#‬اعتھا ؟! وم‪#‬ا‬
‫الذي سنصنعه في تلك اللحظات الحاسمة ؟! ‪ . .‬ﷲ المستعان‬
‫استمع ‪ . .‬معي إلى ھذا الحوار الذي تدور أحداثه على فراش االحتضار ب‪#‬ين أرطب‪#‬ون الع‪#‬رب‬
‫وداھيتھم الصحابي الجليل عمرو بن العاص وابنه عبد ﷲ رﺿي ﷲ عنھما أجمعين ‪ ،‬يقول‬
‫عبد ﷲ بن عمرو رﺿي ﷲ عنه وھو يوجه ھذا السؤال ألبيه وھو على فراش الموت ‪:‬‬
‫كيف حاك يا أبتي ؟ فيقول ‪ :‬يا بن‪#‬ي وﷲ ك‪#‬أن جنب‪#‬ي ف‪#‬ي خش‪#‬ب وك‪#‬أني أت‪#‬نفس م‪#‬ن س‪#‬م إب‪#‬رة‪،‬‬
‫وكأن غصن شوك يجذب من قدمي الى ھامتي ‪ ،‬ثم أنشأ يقول‬
‫ليتني كنت قبل ما بدا لي‬
‫في تالل الجبال أرعى الوعول‬

‫واليك المشھد اآلخر ‪:‬‬


‫يحتضر أحد العلماء وعنده طالبه وھو في النزع ‪ ،‬فيقولون له ‪ :‬كيف حالك ؟ كيف تجدك ؟‬
‫فيقول وھو يصف حاله في ذلك النزع ‪ :‬أشعر وﷲ كأن السماوات السبع ينطبقن على‬
‫األرض وأنا بينھما وكأن روحي تخرج من سم إبرة ‪! .‬‬

‫ال إله إال ﷲ ‪ . .‬ابن آدم ‪ ،‬يا ابن آدم ‪ . .‬ھل فكرت ف‪#‬ي ي‪#‬وم مص‪#‬رعك ‪ . .‬ھ‪#‬ل تخيل‪#‬ت انتقال‪#‬ك‬
‫من موﺿعك ‪ . .‬توھم نفسك ‪ ،‬وقد حلت بك السكرات ‪ ،‬ونزل بك األنين والغمرات فقائ‪#‬ل ‪ :‬إن‬
‫فالنا قد أوصي ‪ ،‬وماله قد أحصى ‪.‬‬
‫وبين قائل ‪ :‬إن فالنا ثقل لسانه ‪ ،‬فال يعرف جيرانه وال يكلم إخوانه ‪. .‬‬
‫فكأني بك تسمع الخطاب وال تقدر على رد الجواب !‬
‫‪١٤‬‬ ‫توھم نفسك‬

‫‬

‫فتخيل نفسك يا عبد ﷲ في تلك الساعة‬


‫وأنت تحس بالنفس الذي بين جنبيك يضطرب ف‪#‬ي ن‪#‬زول وص‪#‬عود‪ ،‬والجس‪#‬م ھن‪#‬اك مم‪#‬دود‪ ،‬والبص‪#‬ر‬
‫إليه مشدود‪،‬واألعضاء دب بھا البرود‪ ،‬وأصبح كل ما لك من نفس معدود ومحس‪#‬وب ‪ ،‬تقل‪#‬ب البص‪#‬ر‬
‫ف‪##‬ي األھ‪##‬ل والول‪##‬د‪ ،‬ت ‪#‬ودعھم وال‪##‬نفس تج‪##‬ود‪ ،‬وھ‪##‬م يبك‪##‬ون حول‪##‬ك ‪ ،‬تس‪##‬معھم وال تمل‪##‬ك أن تجي‪##‬ب ‪. .‬‬
‫يصرخون بك ‪ . .‬يلتصقون بجسدك لعلك ويتمنون أن تعود‪ . .‬تعود لتشاركھم فيما كنت تش‪#‬اركھم في‪#‬ه‬
‫من الحزن أو الفرح ‪،‬‬
‫تحنو عليھم ‪ . .‬تتفقدھم عندما يحتاجونك ‪ ،‬يأنسون بك وتأتى إليھم ‪ ،‬وھ‪#‬اھم الي‪#‬وم ال‪#‬ى ج‪#‬وارك وان‪#‬ت‬
‫جسد أو جث‪#‬ة ال ح‪#‬راك فيھ‪#‬ا ‪ ..‬ق‪#‬د أخ‪#‬ذھم الوج‪#‬د والت‪#‬أثروالحزن علي‪#‬ك ولفق‪#‬دك ‪ . .‬أم وول‪#‬د‪ . .‬زوج‪#‬ة‬
‫‪7‬وال إِ َذا بَلَ َغ‪7‬تْ ا ْل ُح ْلقُ‪7‬و َم )‪(٨٣‬‬
‫وبنية أخ وأب‪ ،‬ولكن كما قال عز وج‪#‬ل ‪ ،‬وھ‪#‬و يص‪#‬ف ھ‪#‬ذا المش‪#‬ھد‪) :‬فَلَ ْ‬
‫ص ‪ُ 7‬رونَ )‪ (٨٥‬فَلَ‪7ْ 7‬وال إِنْ ُكن ‪7‬تُ ْم َغ ْي ‪َ 7‬ر‬ ‫َوأَ ْن ‪7‬تُ ْم ِحينَئِ ‪ٍ 7‬ذ تَنظُ ‪ُ 7‬رونَ )‪َ (٨٤‬ونَ ْح‪77‬نُ أَ ْق ‪َ 7‬ر ُ‬
‫ب إِلَ ْي ‪ِ 7‬ه ِم ‪ْ 7‬ن ُك ْم َولَ ِك‪77‬نْ ال تُ ْب ِ‬
‫)‪(١‬‬
‫َم ِدينِينَ )‪ (٨٦‬ت َْر ِج ُعونَ َھا إِنْ ُكنتُ ْم َ‬
‫صا ِدقِينَ (‬

‫فبينما أنت في كربك وغمك من ألم الموت ينتابك بسكراته ‪ ،‬قد ألمت بك أحداث جسام‬
‫الرتقابك إحدى البشريين من ربك أما إلى جنة أو إلى نار‪.‬‬
‫إذ نظرت فإذا بصفحة وجه ملك الموت تفجأك ‪،‬تبدو لك وتراھا عيانا ‪ ،‬بأحسن صورة أو‬
‫بأقبحھا‪ . .‬إذ صرت اآلن في عداد الموتى وفي عالم جديد وحياة أخرى‪ ،‬أال وھو عالم اآلخرة‬
‫وحياة البرزخ ‪ .‬فحري بك أن تستعد لھذه اللحظات الحاسمة ‪ ،‬وأنت تعلم يقينا أن لھا ما بعدھا‪.‬‬
‫فلو أنا إذا متنا تركنا **** لكانت راحة الحي الموت‬

‫س ْبتُ ْم أَنﱠ َما َخلَ ْقنَا ُك ْم َعبَثا ً َوأَنﱠ ُك ْم إِلَ ْينَا ال تُ ْر َج ُع َ‬


‫ون(‬ ‫ولكن ھيھات يقول تعالى‪) :‬أَفَ َح ِ‬
‫" فاللھم توبة خالصة من ھذه األقدار‪ ،‬ونھضة صادقة لتصفية ما بقي من األكدار ويا محسنا‬
‫إلي قبل أن أطلب ‪ ،‬ال تخيب أملي فيك وأنا أطلب"‬

‫)‪ (١‬سورة الواقعة اآليات ‪٨٩-٨٣‬‬


‫‪ ١٥‬‬
‫توھم نفسك‬

‫عن أبي بردة قال ‪ :‬دخلت على عائشة رﺿي ﷲ عنھا فأخرجت إلينا إزارا غليظ‪#‬ا مم‪#‬ا يص‪#‬نع‬
‫في اليمن وكساء من التي يدعون الملبدة فقالت ‪ :‬إن رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم قبض في‬
‫)‪(١‬‬
‫ھذه الثوبين "‬
‫أخـــي‪ . .‬كان الموت بھذا العظيم من األھمية ‪ ،‬وبھذا الخطر من المكانة ألن للموت له ما بعده‬
‫وم‪##‬ا أدراك مابع‪#‬ده ث‪##‬م م‪##‬ا أدراك م‪##‬ا بع‪##‬ده ‪ . .‬فبع‪#‬د الم‪##‬وت ‪ :‬القب‪##‬ر وحي‪##‬اة الب‪##‬رزخ ‪ ،‬ث‪##‬م البع‪##‬ث‬
‫والنشور‪ ،‬ثم الحشر وبعده الموقف والحساب وبعده العرض ‪ . .‬فالموازين فالصراط فالجنة أو‬
‫النار‪ . .‬أعاذنا ﷲ وإياكم من النار ومن خزي دار البوار‪.‬‬

‫زيارة المقابر‪:‬‬
‫أخي‪ . .‬جرب واذھب يوما إلى المقابر‪ . .‬زر المقبرة إذا سكن اللي‪#‬ل وأرخ‪#‬ى س‪#‬دوله وغ‪#‬ارت‬
‫نجوم‪#‬ه وھ‪#‬دأ الن‪#‬اس ‪ ،‬ادخلھ‪#‬ا وھ‪#‬ي مظلم‪#‬ة‪ . .‬انظ‪#‬ر إليھ‪#‬ا وھ‪#‬ي س‪#‬اكنة ص‪#‬امتة‪ . .‬تج‪#‬ول ب‪#‬ين‬
‫القب‪#‬ور‪ . .‬ب‪#‬ين الم‪#‬وتى وھ‪##‬م رق‪##‬اد‪ . .‬رق‪#‬اد ف‪#‬ي مس‪#‬اكنھم ‪ . .‬ف‪##‬ي حف‪#‬رھم وتأم‪#‬ل تل‪##‬ك المس‪##‬اكن‬
‫الضيقة المظلمة كيف أھلھا فيھ‪#‬ا‪ . .‬ال ح‪#‬راك لھ‪#‬م ‪ . .‬وال أن‪#‬يس‪ . .‬وال ص‪#‬احب ‪ . .‬وال أم وال‬
‫ول‪##‬د وال زوج‪##‬ة ‪ .‬واجل‪##‬س م‪##‬ا اس‪##‬تطعت إل‪##‬ى أح‪##‬د القب‪##‬ور الفارغ‪##‬ة الخالي‪##‬ة ‪ ،‬وتأم‪##‬ل م‪##‬ن عل‪##‬ى‬
‫شفيرھا‪ . .‬تأمل ﺿيقھا‪ . .‬انظر إلى اللحد فيھا‪ ،‬كم ھو طوله ‪ ،‬وكم عرﺿه ‪ . .‬وتصور أن ھذا‬
‫القبر قد حفر لك ‪ . .‬وأنك نازله ‪ ،‬وھو مكانك وحظك من ھ‪#‬ذه األرض الت‪#‬ي تبن‪#‬ي عليھ‪#‬ا الي‪#‬وم‬
‫مئات األمتار‪.‬‬

‫)‪(١‬رواة الجماعة إال النسائي وقال الترمذي حسن صحيح‬


‫‪١٦‬‬ ‫توھم نفسك‬

‫‬

‫يا ابن آدم ‪ . .‬كل ما تأنس به اليوم لن يبقى معك إذا حملت على األكتاف ونقلت إلى المق‪#‬ابر‪،‬‬
‫وأنزلت حفرتك ‪ ،‬لن يبقى معك أكثر من ساعة ولربما أقل‪.‬‬
‫فما الحمل واإلنزال والدفن والتعزية بأكثر من ذلك ‪..‬‬
‫يودعونك في تلك الحفرة الضيقة المظلمة وفي ذلك‬
‫الصدع الصغير الموحش ثم يتركونك وحيدا فريدا‪.‬‬

‫وقف أبو العتاھية ينصح نفسه بزيارة القبور فقال فيھا ‪:‬‬

‫نفسي زوري القبور واعتبريھـــا‬


‫حيث فيھا لمن يزور عظـــــات‬
‫وانظري كيف من حل فيھــــــــا‬
‫بعد عز ‪ ،‬وھم بھا أمــــــــوات‬
‫حرصوا ‪ ،‬أملوا ‪ ،‬كحرصك يا نفس‬
‫ووافاھم الحمام ‪ ،‬فماتــــــــــوا‬

‫وآه لك أيھا القبر‬


‫ھكذا أطلقھا الرافعي ‪ -‬رحمه ﷲ ‪ -‬واصفا القبر‪:‬‬
‫واه أيھا القبر‪ ،‬فما أنزلوا قط فيك ملك‪#‬ا عظام‪#‬ه م‪#‬ن ذھ‪#‬ب ‪ ،‬وال بط‪#‬ال عض‪#‬الته م‪#‬ن حدي‪#‬د‪ ،‬وال‬
‫أمي‪##‬را جل‪##‬ده م‪##‬ن ديب‪##‬اج ‪ ،‬وال وزي‪##‬را وجھ‪##‬ه م‪##‬ن حج‪##‬ر‪ ،‬وال غني‪##‬ا جوف‪##‬ه خزان‪##‬ة ‪ ،‬وال فقي‪##‬را ف‪##‬ي‬
‫أحشائه مخالة ‪ . .‬ﷲ أكبر!!‬
‫‪ ١٧‬‬
‫توھم نفسك‬

‫ومما قاله أيضا‪ :‬فتحنا القبر‪ . .‬وأنزلنا الميت العزيز‪ . .‬الذي شفي من م‪#‬رض الحي‪#‬اة !! وقف‪#‬ت‬
‫ھن‪##‬اك ‪ ،‬ب‪##‬ل وق‪##‬ف الت ‪#‬راب ‪ . .‬ب‪##‬ل وق‪##‬ف الت ‪#‬راب الم‪##‬تكلم )يقص‪##‬د نفس‪##‬ه( ‪ ،‬أيعق‪##‬ل ع‪##‬ن الت‪##‬راب‬
‫الص‪##‬امت ‪ ،‬ويع‪##‬رف من‪##‬ه أن العم‪##‬ر عل‪##‬ى م‪##‬ا يمت‪##‬د‪ . .‬مح‪##‬دود بلحظ‪##‬ة ‪ ،‬وأن الق‪##‬وة عل‪##‬ى م‪##‬ا تبل‪##‬غ‬
‫محدودة بخمود‪ ،‬وأن الغابات على ما تتسع ‪ . .‬محدودة بانقطاع ‪ .‬قال ﷲ تعالى‪:‬‬
‫ق َذلِكَ َما ُك ْنتَ ِم ْنهُ ت َِحيد(‬
‫ت بِا ْل َح ﱢ‬
‫س ْك َرةُ ا ْل َم ْو ِ‬
‫) َو َجا َءتْ َ‬

‫سكرة الموت وما أدراك ما سكرة الموت ؟‬


‫إنھا اللحظات التي تنتظرنا جميعا ‪ .‬ف‪#‬ا المس‪#‬تعان وال ح‪#‬ول وال ق‪#‬وة إال ب‪#‬ا ألن‪#‬ك ل‪#‬و ترك‪#‬ت‬
‫بينھم أليام قليلة بعد موتك فانه ال يطيق أحد أن يمر بك فضال عن أن يجل‪#‬س بج‪#‬وارك ‪ ،‬فس‪#‬تر‬
‫لك وحفظا لغيرك تدفن وندفن‬
‫فلوال القبر صار عليك سترا‬
‫لنتنت األباطيح والروابي‬
‫خلقت من التراب فصرت حيا‬
‫وعلمت الفصيح من الخطاب‬
‫وعدت إلى التراب فصرت فيه‬
‫كأنك ما خرجت من التراب‬

‫ھذا قدرك وقدري وقدرنا جميعا اذا فارقت الروح الجسد وأصبحنا جثثا ھامدة ‪.‬‬
‫فلھذا وغيره أمرنا بالتدافن قال صلى ﷲ عليه وسلم‬
‫)‪(١‬‬
‫"فلوال أن ال تدافنوا لدعوت ﷲ أن يسمعكم من عذاب القبر"‬

‫)‪ (١‬رواة مسلم رق ‪ ٢٨٦٧‬في صفة الجنة‬


‫‪١٨‬‬ ‫توھم نفسك‬

‫‬

‫القبر يا أخي ‪..‬‬


‫ليل بھيم ووحدة موحشة وغربة منقطعة ‪ ،‬واختبار شديد عسير ‪ ،‬نحن على موعد مع مخلوقين‬
‫عظيمين مھولين ‪ ،‬لطالما سمعنا بھما سماعا وقد أصبحا اليوم ماثلين بين عينيك حقيقة و عيانا‬
‫تراھما وتسع صوتھما ‪ ..‬صوتا يقرع سمعك قرعا يقول ‪ :‬من ربك ؟! ما دينك ‪ !:‬من نبيك ؟!‪.‬‬
‫‪ .‬وال تظن األمر بتلك السھولة من اإلجابة ‪ ،‬كما تبدو ف‪#‬ي ظاھرھ‪#‬ا وإنم‪#‬ا ھ‪#‬و عظ‪#‬يم عظ‪#‬م م‪#‬ا‬
‫أنت فيه ساعتھا من الھول والكرب والخوف ‪ ،‬وخفاء المصير‪ .‬إن الجواب يكون ساعتھا على‬
‫قدر الھداية التي كنت عليھا في الدنيا‪ ،‬والس‪#‬داد ف‪#‬ي رد الخط‪#‬اب عل‪#‬ى ق‪#‬در ثب‪#‬وت ق‪#‬دمك عل‪#‬ى‬
‫صراط ﷲ في الدنيا‪. .‬‬
‫قال تعالى‪:‬‬
‫)‪(١‬‬
‫ﷲُ الظﱠالِ ِمينَ َويَ ْف َع ُل ﱠ‬
‫ﷲُ َما يَشَا ُء(‬ ‫ض ﱡل ﱠ‬ ‫ﷲُ الﱠ ِذينَ آ َمنُوا بِا ْلقَ ْو ِل الثﱠابِ ِ‬
‫ت فِي ا ْل َحيَا ِة ال ﱡد ْنيَا َفِي ِ‬
‫اآلخ َر ِة َويُ ِ‬ ‫)يُثَبﱢتُ ﱠ‬

‫قال النبي علية الصالة والسالم ‪" :‬نزلت في عذاب القبر" وزاد مس‪#‬لم ‪ -‬رحم‪#‬ه ﷲ ‪ -‬يق‪#‬ال ‪:‬‬
‫ين آ َمنُوا بِا ْلقَ ْو ِل الثﱠابِ ِ‬
‫ت(‬ ‫من ربك فيقول ربي ﷲ ونبي محمد" فذلك قوله ‪) :‬يُثَبﱢتُ ﱠ‬
‫ﷲُ الﱠ ِذ َ‬
‫ولھذا صح عن النبي عليه الصالة والس‪#‬الم أن‪#‬ه ك‪#‬ان إذا ف‪#‬رغ م‪#‬ن دف‪#‬ن المي‪#‬ت ق‪#‬ام عل‪#‬ي قب‪#‬ره‬
‫وقال ‪ " :‬استغفروا ألخيكم وسلوا له التثبيت فإنه يسأل "‬

‫فتوھم نفس‪#‬ك وق‪#‬د ص‪#‬رت م‪#‬ع ذلكم‪#‬ا الملك‪#‬ين ف‪#‬ي س‪#‬ؤال وج‪#‬واب ‪ ،‬فم‪#‬اذا عس‪#‬اك أن تجي‪#‬ب أو ت‪#‬رد ب‪#‬ه‬
‫الخطاب ؟ ھل ستكون ممن يستحقون التثبيت فتثبت وتسعد بالجواب ؟ أو ممن ال يس‪#‬تحقونه ‪ ،‬فتتعث‪#‬ر‬
‫ف‪#‬ي فم‪#‬ك الكلم‪#‬ات وال تع‪#‬رف رد الخط‪#‬اب ؟ وعن‪#‬دھا ستش‪#‬قي ش‪#‬قاوة م‪#‬رة لھ‪#‬ا م‪#‬ا بع‪#‬دھا م‪#‬ن الم‪#‬رارة‬
‫واأللم ‪ ،‬وتتھيأ لضربة قاصمة من ذلكما الملكين المھولين ‪ ،‬وصرخة مدوية يسمعك منھ‪#‬ا ك‪#‬ل‬
‫شيء إال الثقالن )اإلنس والجن (‪ ،‬ثم يروح عليك من باب يفتح لك علي جھنم )والعياذ با ( يأتيك‬
‫م‪##‬ن حرھ‪##‬ا وس‪##‬مومھا وتظ‪##‬ل ھك‪##‬ذا تع‪##‬اني األم‪##‬رين ‪ ،‬وتم‪##‬وت م‪##‬رارا وتخ‪##‬زى ك‪##‬ل ي‪##‬وم حت‪##‬ى تق‪##‬وم‬
‫الساعة ‪.‬‬

‫)‪ (١‬سورة إبراھيم ايه ‪٢٧‬‬


‫‪ ١٩‬‬
‫توھم نفسك‬

‫وآه لو تدري ما الذي أرداك في ھذا المصير وصيرك إلى ھذا الجزاء ؟ ! إنه ذاك الرجل‬
‫الذي سيطلع عليك وأنت في حفرتك ‪ . .‬في ظلمتك فإذا وقع نظرك عليه استوحشت من منظره‬
‫لفظاعة كريه صورته ووحشة وجوده معك في ذلك المنزل الضيق ‪ .‬أتدري من ذلك ؟ !‪ .‬و‬
‫من ھو ؟ إنه عملك و فعلك القبيح في الدنيا يتمثل لك في صورة رجل ‪ .‬وھكذا األمر عذاب‬
‫أو نعيم إلى أمد ‪ . .‬عبر نافذة تطل على الجنة أو شرفة تنفذ الى النار حتى تقوم الساعة ‪.‬‬
‫و بينما ھو كذلك في رقاده الموحش أو نومه الھانئ إذ ينتبه على صوت عظيم يوقظه مما ھو‬
‫فيه ليصحوا على ھول جديد من أھوال ذلك العالم اآلخر‬
‫الذي صار فيه واليه ‪ .‬إذا باألرض التي ھو في بطنھا يشتق سطحھا و تنفطر قشرتھا وينزاح‬
‫ترابھا ليخرج من فيھا من أھل القبور ‪ . .‬وھو منھم ‪،‬‬
‫ما الذي حدث ؟ وما الذي يحدث ؟ إنھا الساعة ! تقوم بإماراتھا وعالماتھا إنه يوم الحساب ‪..‬‬
‫فھاھم الموتى يخرجون من قبورھم حفاة عراة يساقون ‪ . .‬يبعثون من جديد ليوم الحساب ‪.‬‬

‫وصف قيام الساعة والوقوف في المحشر‬

‫حت‪##‬ى إذا تكامل‪##‬ت ع‪##‬دة الم‪##‬وتى‪ ،‬وخل‪##‬ت م‪##‬ن س‪##‬كانھا األرض والس‪##‬ماء‪ ،‬فص‪##‬اروا خام‪##‬دين بع‪##‬د‬
‫حركاتھم فال حس يسمع وال شخص يرى‪ ،‬فإذا بالوحوش قد أقبلت من البراري وذرى الجب‪#‬ال‬
‫‪ :‬منكسة رؤوسھا ذليلة ليوم النشور‪ . .‬لغير بلية نابتھا ‪ ،‬وال خطيئة أصابتھا‪ ،‬حتى وقف‪#‬ت م‪#‬ن‬
‫وراء الخالئق بالمسكنة واالنكسار للملك الجبار‪. .‬‬
‫فإذا استووا‪ . .‬جميعا في موقف العرض والحساب‬
‫تناثرت من فوقھم نجوم السماء وطمس ﺿوء الشمس والقمر فأظلمت األرض بخمود سراجھا‬
‫وانطف‪#‬اء نورھ‪##‬ا فبينم‪##‬ا الخالئ‪##‬ق ك‪#‬ذلك إذ أبص‪##‬روا الس‪##‬ماء ال‪##‬دنيا م‪##‬ن ف‪##‬وق رؤوس‪##‬ھم ق‪##‬د دارت‬
‫بعظمتھا ثم أخذت باالنشقاق ‪ ،‬يا ھول انشقاقھا !في سمع الخالئق وھي تتمزق وتنفطر‪.‬‬
‫والمالئكة قيام علي أرجائھا بعظيم أجسامھم ‪ ،‬وھول أصواتھم يقدسون الملك األعلى‪. .‬‬
‫‪٢٠‬‬ ‫توھم نفسك‬

‫‬

‫ثم يأخذون محدقين بالخالئق وق‪#‬د تس‪#‬ربلوا ب‪#‬أجنحتھم ونكس‪#‬وا رؤؤس‪#‬ھم خش‪#‬عا ل‪#‬ربھم وتھيئ‪#‬وا‬
‫للع‪#‬رض علي‪#‬ه والوق‪#‬وف ب‪#‬ين يدي‪#‬ه ج‪#‬ل وع‪#‬ال‪ .‬حت‪#‬ى إذا واف‪#‬ي الموق‪#‬ف أھ‪#‬ل الس‪#‬ماوات الس‪#‬بع‬
‫واألراﺿ‪####‬يين الس‪####‬بع ‪ ،‬وأدني‪####‬ت الش‪####‬مس م‪####‬ن رؤوس الخالئ‪####‬ق ق‪####‬اب قوس‪####‬ين أو أدن‪####‬ى‪. .‬‬
‫) َوأُ ْزلِفَتْ ا ْل َجنﱠةُ لِ ْل ُمتﱠقِ َ‬
‫ين (‬
‫وال ظ‪##‬ل ألح‪##‬د يومھ‪##‬ا إال ظ‪##‬ل ع‪##‬رش رب الع‪##‬المين ‪ ،‬فم‪##‬ن ب‪##‬ين مس‪##‬تظل بظ‪##‬ل الع‪##‬رش وب‪##‬ين‬
‫مض‪##‬جر بح‪##‬ر الش‪##‬مس ‪ ،‬وق‪##‬د ص‪##‬ھرته بحرھ‪##‬ا واش‪##‬تد كرب‪##‬ه م‪##‬ن وھجھ‪##‬ا ‪ ،‬ث‪##‬م ازدحم‪##‬ت األم‪##‬م‬
‫وتدافعت ‪ ،‬فدفع بعضھا بعضا وتضايقت ‪ ،‬فاختلف‪#‬ت األق‪#‬دام وانقطع‪#‬ت األعن‪#‬اق م‪#‬ن العط‪#‬ش ‪،‬‬
‫واجتم‪##‬ع ح‪##‬ر الش‪##‬مس ووھ‪##‬ج أنف‪##‬اس الخالئ‪##‬ق وتزاحم‪##‬ت أجس‪##‬امھم ‪ ..‬عن‪#‬دھا يأخ‪##‬ذھم الع‪##‬رق ‪،‬‬
‫ويبلغ فيھم مبلغه ‪ ،‬فيفيض منھم ويسيل حتى يس‪#‬تنقع عل‪#‬ى وج‪#‬ه األرض ف‪#‬إذا ب‪#‬ه يعل‪#‬وا األب‪#‬دان‬
‫على قدر مراتبھم ومنازلھم عند ﷲ عز وجل ‪..‬‬
‫فمنھم من يبلغ العرق الى كعبيه ‪ ،‬ومنھم الى حقويه ‪ ،‬وبعضھم ال‪#‬ى ش‪#‬حمة إذني‪#‬ه ‪ ،‬وم‪#‬نھم م‪#‬ن‬
‫)‪(١‬‬
‫يغيب في عرقه ‪ .‬وھكذا على قدر أعمالھم ‪.‬‬

‫فتوھم نفسك يا عبد ﷲ وأنت تنظر الى ذلك كله وتشھده بحواسك ‪ ،‬وتعيشه لحظة بلحظة ‪،‬‬
‫ومرحلة مرحلة ‪ ،‬وقد وقفت مع الخالئق ‪ ،‬وتزاحمت معھم وقد شغلت بنفسك عن غيرك ‪،‬‬
‫تنتظر المصير وما يكون لك في تلك الساعة ‪.‬‬

‫)‪ (١‬اليوم االخر – القيامة الكبرى )‪ (١١٣-١١٢‬د‪ /‬عمر االشقر )بتصرف(‬


‫‪ ٢١‬‬
‫توھم نفسك‬

‫يوم القيامة والسماء تمـــــور‬ ‫مثـل لنفسك أيھـــا المغــــــــرور‬

‫حتى علـى رأس العباد تسيــر‬ ‫إذ كـــورت شمس النھـــار وأدنيت‬

‫وتبدلت بعد الضياء كــــدور‬ ‫وإذا النجــــــوم تساقطت وتناثرت‬

‫ورأيتھا مثل الجحيم تفـــور‬ ‫وإذا البحار تفجرت مــــن خـــوفھا‬

‫فرأيتھا مثل السحـــاب تسير‬ ‫وإذا الجبــــــال تقلعـــت بأصــولھا‬

‫خلت الديار فمــا بھا مــــعمور‬ ‫وإذا العشـــار تعطلت وتـــــخربت‬

‫وبأي ذنب قتلـــھا ميســــــور‬ ‫وإذا المـــوؤدة سئلت عـــــن شأنھا‬

‫طي السجلﱢ كتابـــه المنشــور‬ ‫وإذا الجليل طـــوى السماء بيمينــه‬

‫وتھتكت للمؤمنين ستـــــــور‬ ‫وإذا الصحائف نشرت فتطــــايرت‬

‫ورأيت أفـالك السمـاء تــدور‬ ‫وإذا السمــــاء تكشطت عــــن أھلھا‬

‫على أھــــل الذنوب زفيـــــر‬ ‫وإذا الجحيم تسعرت نيرانھـا فلــھا‬

‫على طــــول البــالء صبور‬ ‫وإذا الجنان تزخرفت وتطيبت لفتى‬

‫القصاص وقلبـــه مــــذعور‬ ‫وإذا الجنين بأمــه متعلق يخشـى‬

‫المصر على الذنــــوب دھور؟!‬ ‫ھـــذا بال ذنب يخــاف جنينه كيف‬
‫‪٢٢‬‬ ‫توھم نفسك‬

‫‬

‫العرض على ﷲ واستالم الصحف‬

‫إن أعظم مواق‪#‬ف ذل‪#‬ك الي‪#‬وم ھ‪#‬و ‪ :‬س‪#‬اعة الحس‪#‬اب ‪ ،‬ولحظ‪#‬ة الع‪#‬رض عل‪#‬ى ﷲ تع‪#‬الى ‪ . .‬قي‪#‬وم‬
‫السموات واألرض ‪ . .‬يوم يبقى الجبار األعلى كما لم يزل واحدا منفردا بعظمته وجالله ‪. .‬‬
‫فإذا جاء وقت الحساب الذي يحاسبھم ﷲ فيه ‪،‬أمر بالكتب التي كتبھ‪#‬ا الك‪#‬رام الك‪#‬اتبون ‪ ،‬فم‪#‬نھم‬
‫من يؤتى كتابه بيمينه فأولئك ھم السعداء‪،‬‬
‫ومنھم من يؤتى كتابه بشماله أو وراء ظھره فأولئك ھم األشقياء‪. .‬‬
‫فتوھم ‪ . .‬نفسك أخي إذا تطايرت الكتب ونصبت الم‪#‬وازين ‪ ،‬ووقف‪#‬ت الخالئ‪#‬ق م‪#‬ذعورة ‪ ،‬وق‪#‬د‬
‫نوديت باسمك على رؤوس الخلق ‪ :‬أين فالن ابن فالن ‪ ،‬ھلم إلى العرض على ﷲ تعالى‪ .‬وق‪#‬د‬
‫وكلت المالئكة بأخذك فقربتك من ﷲ ‪..‬‬
‫ال يمنعھا اشتباه األسماء باسمك واسم أبيك إذ عرفت أنك الم‪#‬راد بال‪#‬دعاء‪ ،‬عن‪#‬دھا يق‪#‬رع الن‪#‬داء‬
‫قلبك وتعلم أن‪#‬ك المطل‪#‬وب ‪ ،‬فارتع‪#‬دت فرائص‪#‬ك واﺿ‪#‬طربت جوارح‪#‬ك ‪ ،‬وتغي‪#‬ر لون‪#‬ك وط‪#‬ار‬
‫قلبك ‪ . .‬ثم تخطي بك الصفوف إلى ربك للعرض عليه والوقوف بين يديه‪ ،‬وق‪#‬د رف‪#‬ع الخالئ‪#‬ق‬
‫إليك أبصارھم ‪ ،‬وأنت تسير من بينھم للعرض على موالك ‪ ،‬فتوھم نفسك في أي‪#‬ديھم ‪ ،‬وت‪#‬وھم‬
‫تخطيك الصفوف أمام الخلق أجمعين ‪ . .‬ثم توھم نضمك وقد مرت بين يدي موالك ‪ . .‬ربك ‪.‬‬
‫في يدك صحيفة مخبرة بعملك ‪ . .‬ال تغادر بلية كتمتھ‪#‬ا‪ ،‬وال مخب‪#‬أة أس‪#‬ررتھا‪ . .‬وأن‪#‬ت تق‪#‬رأ م‪#‬ا‬
‫فيھا بلسان كليل وقلب منكسر‪ ،‬واألھوال محدقة بك ‪ ،‬من بين يديك ومن خلفك ‪ ،‬فك‪#‬م م‪#‬ن بلي‪#‬ة‬
‫قد كنت نسيتھا‪ . .‬ذكركك إياھا‪ ،‬وكم من سيئة قد كنت أخفيتھا أظھرھا وأبداھا‪. .‬‬
‫)‪(١‬‬
‫قال عليه الصالة والسالم ‪" :‬ما منكم من أحد إال سيكلمه ربه يوم القيامة ‪ ،‬ليس بينه وبينه ترجمان"‬

‫روا‪ .‬البخاري ‪ ٧٥٤ /١٧‬في التوحيد ومسلم رقم )‪ (١٠١٦‬في‬ ‫)‪(١‬‬


‫الزكاة ‪ :‬والترمذي رقم )‪ (٢٤٢٧‬في صفة القيامة ‪.‬‬
‫‪ ٢٣‬‬
‫توھم نفسك‬

‫فتوھم ‪ . .‬نفسك إن كنت من السعداء وقد خرجت على الخالئق مس‪#‬رور الوج‪#‬ه‪ ،‬ق‪#‬د ح‪#‬ل ب‪#‬ك‬
‫الكمال والحسن والجمال ‪ . .‬كتابك ف‪#‬ي يمين‪#‬ك ق‪#‬د س‪#‬عدت س‪#‬عادة ال تش‪#‬قى بع‪#‬دھا أب‪#‬دأ‪ ،‬وأم‪#‬ا إن‬
‫كنت غير ذلك ووصفت بانك من أھل الشقاوة والتعاس‪#‬ة فسيس‪#‬ود وجھ‪#‬ك ‪ ،‬وتتخط‪#‬ى الخالئ‪#‬ق‬
‫وكتابك في شمالك تنادي بالويل والثبور‪ ،‬قد شقيت شقاوة ال تسعد بعدھا أبدأ‪.‬‬

‫ھذا‪ . .‬أحد السلف يقال له آدم بن أبي إياس ك‪#‬ان يجث‪#‬و عل‪#‬ى ركبتي‪#‬ه إذا وع‪#‬ظ ف‪#‬ي المجل‪#‬س ‪. .‬‬
‫يقول وﷲ الذي ال إله إال ھو ما من أحد إال سيخلو به ربه ليس بينه وبين‪#‬ه ترجم‪#‬ان ‪ ،‬يق‪#‬ول ﷲ‬
‫له ‪ :‬ألم أكن رقيبا على قلبك إذ اشتھيت به ما ال يحل لك ؟‬

‫ألم أكن رقيبا على يديك إذ بطشت بھما إلى ما ال يحل لك عندي؟‬
‫ألم أكن رقيبا على قدميك إذ سعيت بھما إلى ما ال يحل لك عندي؟‬
‫استحييت من المخلوقين ! وكنت عليك أھون الناظرين ؟‬

‫إن للشر وللخير لسيما ليس تخفى‪.‬‬


‫كل مستخف بسر فمن ﷲ بمرأى‬
‫ال ترى شيئا على ﷲ من األشياء يخفى‬

‫)يَ ْعلَ ُم َخائِنَةَ األَ ْعيُ ِن َو َما تُ ْخفِي الصﱡ ُدو ُر(‬
‫‪٢٤‬‬ ‫توھم نفسك‬

‫‬

‫)‪(١‬‬
‫على متن الصراط‬
‫لما يفارق الناس الموقف ينتھون عقب ذلك إلى ظلمة دامسة ‪ ..‬يصيرون إليھا لحكمة يريد ﷲ‬
‫عز وجل أن يقررھا‪.‬‬
‫سألت عائشة رﺿي ﷲ عنھا الرسول علية الصالة والسالم "أين الناس يوم تبدل األرض‬
‫)‪(٢‬‬
‫غير األرض والسماوات ؟ قال عليه الصالة والسالم ‪ " :‬ھم في الظلمة دون الجسر"‬
‫فاعلم أن تلك الظلمة تحل بالناس بعد مفارقتھم للموقف ‪ ،‬وقبل أن يصلوا إلى الجسر‬
‫المنصوب على متن جھنم ‪.‬‬

‫وھاھنا وفي ھذا المكان )كما قال ﺷارح الطحاوية (‬

‫يفترق المنافقون عن المؤمنين ويتخلفون عنھم ويبقى المؤمنون فيحال بينھما بسور يمنعھم من‬
‫اب بَا ِطنُهُ فِي‪ِ 7‬ه ال ﱠر ْح َم‪7‬ةُ َو َ‬
‫ظ‪7‬ا ِھ ُرهُ ِم‪7‬نْ‬ ‫سو ٍر لَهُ بَ ٌ‬
‫ب بَ ْينَ ُھ ْم بِ ُ‬ ‫الوصول إليھم وھو قوله تعالى )فَ ُ‬
‫ض ِر َ‬
‫قِبَلِ ِه ا ْل َع َذ ُ‬
‫اب( فيا له من سور ذا باب عجيب ! ! باطنه فيه الرحمة وظاھره من قبله العذاب !‬
‫فيصلون بعدھا الى الصراط ‪ ،‬وما أدراك ما الصراط ثم ما أدراك ما الصراط ؟!‬
‫سئل رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم عن الصراط فقيل له ما الجسر؟ ما الصراط ؟ فقال عليه‬
‫الصالة والسالم أنه " دحض مذلة فيه خطاطيف وكالليب وحسك مث‪#‬ل ش‪#‬وك الس‪#‬عدان غي‪#‬ر أنھ‪#‬ا ال‬
‫)‪(٣‬‬
‫يعلم قدر عظمھا إال ﷲ فتخطف الناس بإعمالھم فمنھم الموبق بعمله ومنھم المخردل "‬

‫)‪ (١‬سيخرج للمؤلف كناب إن شاء‪ ،‬ﷲ يكون فيه تفاصيل الموقف‬
‫على الصراط وأھله ومواقف معبرة من أھل الجنة وأھل النار‪ . .‬ﺿمن موﺿوعات وخطب متنوعة‬

‫)‪ ( (٢‬رواه مسلم برقم )‪ (٣٤‬كناب الحيض باب وجوب الغسل على المرأة ‪.‬‬

‫رواه البخاري ‪ ٤٠٣ - ٣٧١/١٣-١١‬في الرقاق ومسلم رقم ‪١٨٢‬في اإليمان والترمذي رقم )‪ (٢٥٦٠‬في صفة الجنة ‪.‬‬ ‫) ‪(٣‬‬
‫‪ ٢٥‬‬
‫توھم نفسك‬

‫وفي رواية يصف الرسول صلى ﷲ عليه وسلم الصراط بأنه أدق من الشعرة وأحد من‬
‫الس‪##‬يف ‪ ،‬وف‪##‬ي رواي‪##‬ة أخ‪##‬رى ‪" :‬عل‪##‬ى ح‪##‬افتي الص‪##‬راط كاللي‪##‬ب معلق‪##‬ة م‪##‬أمورة تأخ‪##‬ذ م‪##‬ن‬
‫أمرت به فمخدوش ناج ومكدوس في النار"‬
‫وإذا كان ھذا ھو الصراط وتلك صفته والناس في ظلمة ‪ . .‬فما أحوج الناس ساعتھا إلى‬
‫النور‪ ..‬نور يلتمسون به السير على ذلك الجسر‪.‬‬

‫وقفــــة‬

‫ولك‪##‬ن ھيھ‪##‬ات ‪ . .‬ھيھ‪##‬ات أن ي‪##‬ؤتى الن‪##‬ور يومھ‪##‬ا إل‪##‬ى م‪##‬ن اخت‪##‬ار الظلم‪##‬ة ف‪##‬ي ﺿ ‪#‬الالت الجھ‪##‬ل‬
‫والتخبط في شبھات العقول في الدنيا‪ ،‬وفضل سواد الشھوة والنزوة على نور الطاعة واإليمان‬
‫‪ ،‬وارتضى سبل الشيطان المظلمة على نور القرآن المبين ‪.‬‬
‫ھيھات أن يؤتى لمثل ھؤالء نور يبصرون به جادتھم على الصراط ‪ ،‬فالن‪#‬اس يؤت‪#‬ون أن‪#‬وارھم‬
‫في ذلك اليوم على قدر أعمالھم وعلى قدر ثبات أقدامھم على طريق ﷲ المستقيم في الدنيا ‪.‬‬
‫روى البيھقي بسند صحيح عن مسروق بن عبد ﷲ قال ‪ :‬يجم‪#‬ع ﷲ الن‪#‬اس ي‪#‬وم القيام‪#‬ة إل‪#‬ى أن‬
‫قال ‪ :‬فمنھم من يعطى نوره مثل النخلة بيمينه ‪ ،‬ومنھم من يعطى دون ذلك بيمينه حت‪#‬ى يك‪#‬ون‬
‫آخر من يعطى نوره في إبھام قدمه ‪ ،‬يضيئ م‪#‬رة وينطف‪#‬ئ أخ‪#‬رى ‪ . .‬إذا أﺿ‪#‬اء ق‪#‬دم قدم‪#‬ه وإذا‬
‫أطفئ قام أي )وقف ( ‪.‬‬
‫ويصور ﷲ تعالى ھذا المشھد في كتابه الكريم فيقول سبحانه ‪:‬‬
‫ش َرا ُك ْم ا ْليَ ْو َم َجنﱠاتٌ ت َْج ِري ِم‪7‬نْ‬ ‫س َعى نُو ُر ُھ ْم بَيْنَ أَ ْي ِدي ِھ ْم َوبِأَ ْي َمانِ ِھ ْم بُ ْ‬ ‫)يَ ْو َم تَ َرى ا ْل ُم ْؤ ِمنِينَ َوا ْل ُم ْؤ ِمنَا ِ‬
‫ت يَ ْ‬
‫ت َْحتِ َھ‪77‬ا األَ ْن َھ‪77‬ا ُر َخالِ‪ِ 7‬دينَ فِي َھ‪77‬ا َذلِ‪َ 7‬ك ُھ‪َ 7‬و ا ْلفَ‪7ْ 7‬و ُز ا ْل َع ِظ‪77‬ي ُم )‪ (١٢‬يَ‪7ْ 7‬و َم يَقُ‪77‬و ُل ا ْل ُمنَ‪77‬افِقُونَ َوا ْل ُمنَافِقَ‪77‬اتُ لِلﱠ‪ِ 7‬ذينَ‬
‫س‪7‬و ٍر لَ‪7‬هُ بَ ٌ‬
‫‪7‬اب‬ ‫س‪7‬وا نُ‪7‬وراً فَ ُ‬
‫ض‪ِ 7‬ر َب بَ ْي‪7‬نَ ُھ ْم بِ ُ‬ ‫ار ِج ُعوا َو َرا َء ُك‪ْ 7‬م فَا ْلتَ ِم ُ‬
‫س ِمنْ نُو ِر ُك ْم قِي َل ْ‬ ‫آ َمنُوا ا ْنظُ ُرونَا نَ ْقتَبِ ْ‬
‫ظا ِھ ُرهُ ِمنْ قِبَلِ ِه ا ْل َع َذ ُ‬
‫بَا ِطنُهُ فِي ِه ال ﱠر ْح َمةُ َو َ‬
‫)‪(١‬‬
‫اب(‬

‫سورة الحديد‪ ،‬آية ‪١٢‬‬ ‫)‪(١‬‬


‫‪٢٦‬‬ ‫توھم نفسك‬

‫‬

‫وبعد أن يأخذ كل منھم ما قس‪#‬م ل‪#‬ه م‪#‬ن ن‪#‬ور ي‪#‬أتي دور الج‪#‬واز‪ . .‬وق‪#‬ت الم‪#‬رور عل‪#‬ى الص‪#‬راط‬
‫‪،‬فالناس ساعتھا قد اجتمعوا على حافته واقفون ينظرون إليه بأبصارھم قد مأل الفزع قل‪#‬وبھم !‬
‫وتملك الخوف أجسادھم ! وھم يستعدون للعبور‪ ،‬فيا لھا من ساعة ما أفظعھا وأشدھا!‬

‫يقول اإلمام القرطبي ‪ -‬رحمه ﷲ ‪ -‬مذكرا بعظمة‬


‫المرور ھذه ‪ :‬توھم نفسك يا عب‪#‬د ﷲ وأن‪#‬ت تق‪#‬ف ذل‪#‬ك الموق‪#‬ف‪ . .‬تفك‪#‬ر فيم‪#‬ا ب‪#‬ك م‪#‬ن الف‪#‬زع إذا‬
‫رأيت الصراط مضرو‪٩‬على جھنم بدقة وزلقه ‪ ،‬ثم وقع بصرك على اسوداد جھنم م‪#‬ن تحت‪#‬ك‬
‫وھي تلظى بلھيبھا وتضطرم بنيرانھا‪ ،‬قد مال المكان عظم صوتھا وتصف ثورانھا‪ ،‬وقد كلفت‬
‫أن تمش‪##‬ي عل‪##‬ى الص‪##‬راط م‪##‬ع ﺿ‪##‬عف حال‪##‬ك واﺿ ‪#‬طراب قلب‪##‬ك وتزل‪##‬زل ق‪##‬دمك وثق‪##‬ل ظھ‪##‬رك‬
‫باألوزار والخطايا المانعة لك من المشي على بساط األرض فضال عن المشي على ح‪#‬دة ذل‪#‬ك‬
‫الصراط ‪ ،‬فكيف بك يا عب‪#‬د ﷲ ‪ . .‬كي‪#‬ف ب‪#‬ك إذا تحرك‪#‬ت فرفع‪#‬ت إح‪#‬دى ق‪#‬دميك لتض‪#‬عھا عل‪#‬ى‬
‫متن الصراط فإذا أنت تحس بباطن قدمك حدته وشعرت بدقته ‪ ،‬فطار قلبك فزعا ونفسك ھلع‪#‬ا‬
‫وحالك ‪ . .‬يرحم ﷲ حالك وحالنا معك ‪ ،‬ثم اﺿطررت إلى أن ترفع قدمك الثانية لتض‪#‬عھا م‪#‬ع‬
‫الثانية ‪ ،‬فتوھم نفسك وأنت تثنيھا ثم تضعھا على الصراط ‪.‬‬
‫ف‪##‬إذا ب‪##‬ك ق‪##‬د اس‪##‬تويت علي‪##‬ه والخالئ ‪#‬ق ب‪##‬ين ي‪##‬ديك يزل‪##‬ون ويعث‪##‬رون وتتناوش‪##‬ھم زباني‪##‬ة الن‪##‬ار‬
‫بالخطاطيف والكالليب ‪ ،‬وأنت تنظر إليھم كي‪#‬ف ينكس‪#‬ون إل‪#‬ى جھ‪#‬ة الن‪#‬ار عل‪#‬ى رؤوس‪#‬ھم ‪ ،‬ق‪#‬د‬
‫عظم‪##‬ت األھ‪##‬وال واش‪##‬تدت األوج‪##‬ال ‪ ،‬والعص ‪#‬اة يتس‪##‬اقطون ع‪##‬ن اليم‪##‬ين والش‪##‬مال ‪ ،‬والزباني‪##‬ة‬
‫يتلقونھم بالسالسل واألغالل ينادونھم ‪:‬‬

‫أما نھيتم عن كسب األوزار‪.‬‬


‫أما خوفتم من عذاب النار‪.‬‬
‫أما أنذرتم كل اإلنذار‬
‫‪ ٢٧‬‬
‫توھم نفسك‬

‫فيا له من منظر ‪ ،‬ما أفظعه ‪ ،‬ومرتقى ما أصعبة ومجاز ما أﺿيقه ‪.‬‬


‫فتوھم يا عبد ﷲ ‪ . .‬ممرك على الجسر وان يكون مغضوبا عليك بسبب معاصيك ‪ ،‬غير معفو‬
‫عنك بسبب ذنوبك وأوزارك ‪ .‬تخيل نفسك وأنت على ذلك الحال ! ! ثم تب‪#‬دأ الجم‪#‬وع ب‪#‬المرور‬
‫ال يتخلف منھم اح‪#‬د وال ينس‪#‬ى م‪#‬نھم اح‪#‬د يتق‪#‬دمھم رس‪#‬ول ﷲ علي‪#‬ة الص‪#‬الة‬ ‫على الصراط‬
‫والسالم فيكون ھو أول م‪#‬ن يجي‪#‬زه ث‪#‬م يص‪#‬ير قائم‪#‬ا علي‪#‬ه ‪) . .‬علي‪#‬ه الص‪#‬الة والس‪#‬الم ( ‪ ،‬وھ‪#‬و‬
‫يقول ‪) :‬رب سلم سلم ( بل دعاء الرسل كلھم يومھا ‪) :‬اللھم سلم سلم (‬
‫وال يعرف ساعتھا أحد أحدا ‪.‬‬
‫ق‪##‬ال علي‪##‬ه الص‪##‬الة والس‪##‬الم ‪ " :‬ثالث‪##‬ة م‪##‬واطن )أي ف‪##‬ي ي‪##‬وم القيام‪##‬ة ( ال ي‪##‬ذكر أح ‪#‬د أح‪##‬دا‪:‬‬
‫)‪(١‬‬
‫فا المستعان ‪.‬‬ ‫)عند الميزان ‪ ،‬وعند تطاير الصحف ‪ ،‬وعند الصراط (‬
‫فتصور ھذا المشھد يا عبد ﷲ ‪ . .‬تصور ھ‪#‬ذا المش‪#‬ھد ي‪#‬وم ي‪#‬أتي الرج‪#‬ل ف‪#‬ال يس‪#‬تطيع الس‪#‬ير إال‬
‫زحفا‪ ،‬إذا علمت أن أعمال العباد ھي التي تجري بھم وعلى قدر أعم‪#‬الھم تك‪#‬ون س‪#‬رعة عب‪#‬ور‬
‫أحدھم على الصراط ‪ ،‬فا المستعان ‪.‬‬

‫واسمع إلى ھذه اللفتة الجميلة من العالمة ابن القيم رحمه ﷲ ‪.‬في أمر الصراط يقول ‪:‬‬
‫)على قدر ثبوت قدم العبد على الصراط المس‪#‬تقيم ف‪#‬ي ال‪#‬دنيا يك‪#‬ون ثب‪#‬وت قدم‪#‬ه عل‪#‬ى الص‪#‬راط‬
‫المنصوب على متن جھ‪#‬نم ‪ . .‬فلينظ‪#‬ر أح‪#‬دكم إل‪#‬ى الش‪#‬بھات والش‪#‬ھوات الت‪#‬ي تعوق‪#‬ه ع‪#‬ن س‪#‬يره‬
‫على صراط ربه المستقيم في الدنيا فإنھا الكاللي‪#‬ب الت‪#‬ي عل‪#‬ى جنبت‪#‬ي ذاك الص‪#‬راط المنص‪#‬وب‬
‫على جھنم تعوقه عن المرور عليه فان كثرت ھنا وقويت فكذلك ھي ھناك (‪.‬‬

‫رواه ‪ .‬أبو داو د رقم )‪ (٤٧٥٥‬في السنة وھو حديث حسن )جامع األصول ‪(٨٠٠٨/١٠‬‬ ‫)‪(١‬‬
‫‪٢٨‬‬ ‫توھم نفسك‬

‫‬

‫نصب الموازين‬

‫وقبل ختام ذلك اليوم العظيم ينصب الميزان لوزن أعمال العباد‪.‬‬
‫يقول القرطبي ‪ -‬رحمه ﷲ ‪) : -‬وإذا انقض‪#‬ى الحس‪#‬اب ك‪#‬ان بع‪#‬ده وزن األعم‪#‬ال ألن ال‪#‬وزن للج‪#‬زاء‪،‬‬
‫فينبغي أن يكون بعد المحاسبة فإن المحاسبة لتقدير األعمال والوزن إلظھار مقاديرھا ليكون الجزاء‬
‫)‪(١‬‬
‫‪.‬‬ ‫بحسبھا(‬
‫يقول الرسول ص‪#‬لى ﷲ علي‪#‬ه وس‪#‬لم ‪ " :‬يوﺿ‪#‬ع المي‪#‬زان ي‪#‬وم القيام‪#‬ة فل‪#‬و وزن في‪#‬ه الس‪#‬موات‬
‫واألرض لوسعت فتقوله المالئك‪#‬ة ي‪#‬ا رب لم‪#‬ن ي‪#‬زن ھ‪#‬ذا؟ فيق‪#‬ول ﷲ تع‪#‬الى ‪ :‬لم‪#‬ن ش‪#‬ئت م‪#‬ن‬
‫)‪(٢‬‬
‫خلقي‪ ،‬فتقول المالئكة ‪ :‬سبحانك ما عبدناك حق عبادتك (‬
‫فقيل ‪ :‬إن الذي ي‪#‬وزن ب‪#‬الميزان يومئ‪#‬ذ األعم‪#‬ال وقي‪#‬ل ص‪#‬حف األعم‪#‬ال وقي‪#‬ل الخل‪#‬ق أنفس‪#‬ھم ويحتم‪#‬ل‬
‫)‪(٣‬‬
‫ق فَ َمنْ ثَقُلَتْ َم َوا ِزينُهُ فَأ ُ ْولَئِ َك ُھ ْم ا ْل ُم ْفلِ ُحونَ (‬
‫كلھا ‪ .‬قال تعالى ‪َ ) :‬وا ْل َو ْزنُ يَ ْو َمئِ ٍذ ا ْل َح ﱡ‬
‫ففي صحيح مسلم يقول الرسول علية الصالة والسالم ‪ " :‬انه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم‬
‫)‪(٤‬‬
‫القيامة ال يزن عند ﷲ جناح بعوﺿة(‬
‫ويؤتى بالرجل الضعيف دقيق الساقين فإذا به يزن الجبال ‪.‬‬
‫ق‪##‬ال علي‪##‬ه الص‪##‬الة والس‪##‬الم يوم‪##‬ا ع‪##‬ن س‪##‬اقي عب‪##‬د ﷲ ب‪##‬ن مس ‪#‬عود رﺿ‪##‬ي ﷲ عن‪##‬ه لم‪##‬ا فح‪##‬ك‬
‫)‪(٥‬‬
‫الصحابة منھا لدقتھا قال ‪ ":‬والذي نفسي بيده لھما أثقل في الميزان من جبل أحد (‬
‫ﷲ أكبر!‬
‫فما ھو وزنك عند ﷲ وما ھي مكانتك وقيمتك ؟؟‪.‬‬
‫إن مرد ذلك كله لم الى ما يقوم في قلبك من إيمان وما انطوت به صحائف أعمالك ‪.‬‬
‫" فالحمد  تمال الميزان " ‪،‬‬

‫)‪ (١‬التذكرة في أحوال الموتى وأمور اآلخرة للقرطبي‬

‫)‪ (٢‬رواه الحاكم )‪ (٥٨٦١٤‬سلسلة األحاديث الصحيحة رقم الحديث )‪.(٩٤١‬‬

‫)‪ (٣‬سورة األعراف ‪،‬آية ‪٨‬‬

‫)‪ (٤‬رواة مسلم برقم )‪ (٢٧٨٥‬كتاب صفه القيامة والجنة والنار‪.‬‬

‫)‪ (٥‬رواه اإلمام أحمد في مسندة وقال عنه لبن كثير تفرد به أحمد وإسناده جيد قوي‬
‫‪ ٢٩‬‬
‫توھم نفسك‬

‫" وس‪#‬بحان ﷲ وبحم‪#‬ده ‪ ،‬س‪#‬بحان ﷲ العظ‪##‬يم " ثقيلت‪#‬ان ف‪#‬ي المي‪#‬زان كم‪##‬ا دل‪#‬ت عليھ‪#‬ا األحادي‪##‬ث‬
‫الصحيحة يقول القرطبي ‪ -‬رحمه ﷲ ‪: -‬‬
‫)وإنم‪##‬ا ت‪##‬وزن أعم‪##‬ال الم‪#‬ؤمن المتق‪##‬ي ي‪##‬وم القيام‪##‬ة إلظھ‪##‬ار فض‪##‬له ‪ ،‬كم‪##‬ا ت‪##‬وزن أعم‪##‬ال الك‪##‬افر‬
‫لخزيه وذله و تبكيتا له على فراغه وخلوه من كل خير‪ ،‬والمؤمن يوزن يومھ‪#‬ا تزيين‪#‬ا ألم‪#‬ره‬
‫ونشره على رؤوس األشھاد(‪.‬‬
‫فانظر أين ستكون يوم القيامة عند وزن األعمال وفي أي الفريقين أنت ! ا‬
‫ممن ستطيش كفة موازينھم خفة لخلوھا من األعمال الصالحة فتخزى؟ ! أم ممن س‪#‬تثقل‬
‫كفة موازينھم لثقلھا باألعمال الصالحة ‪ ،‬فعلى ذلك يا عبد ﷲ يدور الفالح والخسران ‪.‬‬
‫ق فَ َم‪77‬نْ ثَقُلَ‪77‬تْ َم َوا ِزينُ‪7‬هُ فَأ ُ ْولَئِ‪َ 7‬ك ھُ‪ْ 7‬م ا ْل ُم ْفلِ ُح‪َ 7‬‬
‫‪7‬ون )‪َ (٨‬و َم‪77‬نْ‬ ‫ق‪#‬ال تع‪##‬الى ) َوا ْل‪َ 7‬و ْزنُ يَ ْو َمئِ‪ٍ 7‬ذ ا ْل َح‪ 7‬ﱡ‬
‫س ُروا أَنفُ َ‬
‫س ُھ ْم بِ َما َكانُوا بِآيَاتِنَا يَ ْظلِ ُم َ‬
‫ون(‬ ‫َخفﱠتْ َم َوا ِزينُهُ فَأ ُ ْولَئِ َك الﱠ ِذ َ‬
‫ين َخ ِ‬
‫)‪(١‬‬

‫نسأل ﷲ السالمة والعافية ونعوذ با من الخزي والخذالن ‪.‬‬

‫نھــاية الرحلة‬
‫إن رحلة اإلنسان في عالم اآلخرة رحلة عجيبة‬
‫مملوءة باألھوال ‪ ،‬وصعوبة األحوال ‪ ،‬عليھا غاية اآلم‪#‬ال ‪ ،‬وأص‪#‬عب م‪#‬ا فيھ‪#‬ا ب‪#‬ل أخط‪#‬ر‬
‫وأعظم ما يكتنفھا ھو مصير اإلنسان األخير‪. .‬‬
‫ومنزل‪##‬ه النھ‪##‬ائي ‪ . .‬حي‪##‬ث الخل‪##‬ود إل‪##‬ى األب‪##‬د‪ . .‬والحي‪##‬اة الت‪##‬ي ل‪##‬يس بع‪##‬دھا م‪##‬وت ‪ . .‬ولك‪##‬ن‬
‫قرار‪ ،‬إما إلى جنة أو إلى نار!! ففي األول منزل األبرار وفي الثاني منزل الفجار ‪.‬‬

‫)‪ (١‬سورة األعراف ايه ‪٨,٩‬‬


‫‪٣٠‬‬ ‫توھم نفسك‬

‫‬

‫أھل النار يساقون الى الجحيم ‪:‬‬


‫أخي‪ . .‬إن النار ھي الخزي األكبر والخسران‬
‫ْخ ْل النﱠ‪7‬ا َر‬
‫العظيم الذي ينتظر من كانت النار جزاؤه وق‪#‬راره ق‪#‬ال تع‪#‬الى ) َربﱠنَ‪7‬ا إِنﱠ‪َ 7‬ك َم‪7‬نْ تُ‪7‬د ِ‬
‫ين ِمنْ أَ ْن َ‬
‫صا ٍر(‬ ‫فَقَ ْد أَ ْخ َز ْيتَهُ َو َما لِلظﱠالِ ِم َ‬
‫)‪(١‬‬

‫ت ُم ْستَقَ ّراً َو ُمقَاما ً(‬


‫كما قال تعالى )إِنﱠھَا َسا َء ْ‬
‫)‪(٢‬‬

‫فم‪##‬ا أن يفص‪##‬ل ﷲ ب‪##‬ين الخالئ‪##‬ق ي‪##‬وم القيام‪##‬ة ويتع‪##‬ين أص‪#‬حاب الجح‪##‬يم وم‪##‬ن ي‪##‬دخلھا حت‪##‬ى‬
‫يحشر ذلك الجمع المھول الخاسر ليساق الى مصيره المخ‪#‬زي‪ . .‬مص‪#‬ير الخ‪#‬زي والع‪#‬ار‪،‬‬
‫فيأخ‪##‬ذھم الخ‪##‬وف والھل ‪#‬ع ف‪##‬ي جم‪##‬وع متعث‪##‬رة المس‪##‬ير‪ ،‬مض‪##‬طربة الخط‪##‬وة ‪ ،‬ف‪##‬إذا بھ‪##‬م‬
‫ينھ‪##‬رون نھ‪##‬را غليظ‪##‬ا ‪ ،‬ويص‪##‬اح بھ‪##‬م م‪##‬ن ك‪##‬ل جان‪##‬ب ‪،‬فيس‪##‬اقون إل‪##‬ى مص ‪#‬يرھم األخي‪##‬ر‪. .‬‬
‫جماعات وزمرا يلعن بعضھم بعضا ويتأذى بعضھم من بعض ‪ ،‬في منظر كئي‪#‬ب تع‪#‬يس‬
‫قال تعالى ‪:‬‬
‫)‪(٣‬‬
‫ق الﱠ ِذينَ َكفَرُوا إِلَى َجھَنﱠ َم ُز َمراً(‬
‫) َو ِسي َ‬
‫)‪(٤‬‬
‫وقال تعالى )ھَ ِذ ِه النﱠا ُر الﱠتِي ُكنتُ ْم بِھَا تُ َك ﱢذبُونَ (‬
‫ھا ھي عيان ‪ . .‬ترونھا بأعينكم ‪ . .‬وأشعة لھيبھا‬
‫ينعكس بالدمع الذي يترقرق في محاجر أعينكم ‪.‬‬
‫وما أن يقترب أھل النار الى الن‪#‬ار حت‪#‬ى يب‪#‬دو ھنال‪#‬ك مش‪#‬ھد رھي‪#‬ب ‪ . .‬مش‪#‬ھد تطي‪#‬ر ل‪#‬ه القل‪#‬وب‬
‫ھلعا وتضطرب منه النفوس جزعا‪ . .‬إنه مشھد النار لما ت‪#‬رى أھلھ‪#‬ا ق‪#‬ادمون إليھ‪#‬ا م‪#‬ن بعي‪#‬د ‪،‬‬
‫فإنھا تبدأ بإطالق أصوات مرعبة مخيفة معب‪#‬رة ع‪#‬ن حنقھ‪#‬ا وغيظھ‪#‬ا عل‪#‬ى المج‪#‬رمين‪ .‬ق‪#‬ال ﷲ‬
‫)‪(٥‬‬
‫تعالى )إِ َذا َرأَ ْت ُھم ِمنْ َم َكا ٍن بَ ِعي ٍد َ‬
‫س ِم ُعوا لَ َھا تَ َغ ﱡيظا ً َو َزفِيراً(‬

‫)‪ (١‬آل عمران ‪ ،‬آية ‪١٩٢ :‬‬

‫)‪ (٢‬الفرقان ‪٦٦‬‬

‫)‪ (٣‬الزمر ‪٧١‬‬

‫)‪ (٤‬الطور ‪١٤‬‬

‫)‪ (٥‬الفرقان ‪١٢‬‬


‫‪ ٣١‬‬
‫توھم نفسك‬

‫وأفظع من تلك األصوات المخيفة منظر من النار غريب يعاينه أھل النار وھ‪#‬م ق‪#‬دوم عليھ‪#‬ا أال‬
‫وھو خروج عنق من النار يتراقص بلھيبه له عينان تبصران وأذن‪#‬ان تس‪#‬معان ولس‪#‬ان ينط‪#‬ق ‪،‬‬
‫والناس ينظرون إليه متھيبين فزعين وھو يضطرب في صعود وھب‪#‬وط ف‪#‬إذا ب‪#‬ه يطل‪#‬ق ص‪#‬وتا‬
‫يتوعد وينذر ويزمجر‪.‬‬

‫قال عليه الصالة والسالم ‪:‬‬


‫" يخرج يوم القيامة عنق من النار له عينان تبصران وأذنان تسمعان ولسان ينطق يقول إني‬
‫)‪(١‬‬
‫كلفت بثالثة بكل جبار عنيد وبكل من دعا مع ﷲ إلھا آخر وبالمصورين "‬

‫وما أن يصل أھل النار إلى مثواھم التعيس وتقترب أقدامھم من أبوابھا ‪ ،‬حتى تفتح لھم مصراعيھا‬
‫)‪(٢‬‬
‫قال تعالى )إِ َذا َجا ُءوھَا فُتِ َحتْ أَ ْب َوابُ َھا(‬
‫ومن خالل تلك األبواب ينظرون إلى النار ويتأملون فيھا مصيرھم ومثواھم األخير والخائب‬
‫قال تعالى‪َ ) :‬ولَ ْو تَ‪َ 7‬رى إِ ْذ ُوقِفُ‪7‬وا َعلَ‪7‬ى النﱠ‪7‬ا ِر فَقَ‪7‬الُوا يَ‪7‬ا لَ ْيتَنَ‪7‬ا نُ‪َ 7‬ر ﱡد َوال نُ َك ﱢ‪7‬ذ َب بِآيَ‪7‬ا ِ‬
‫ت َربﱢنَ‪7‬ا َونَ ُك‪7‬ونَ ِم‪7‬نْ‬
‫ا ْل ُم ْؤ ِمنِينَ (‬
‫)‪(٣‬‬

‫آآلن ‪ . .‬آآلن تتمنون العودة لتتداركوا ما تماديتم فيه وأصررتم عليه من قبل !‬
‫رغم التذكير والنصح ؟‬
‫ورغم طول اإلمھال ؟‬
‫وإذ لم ينفع الندم ولم تغني الحسرات ‪ ،‬إذا ھم بالمالئكة ت‪#‬زجھم م‪#‬ن قف‪#‬اھم ف‪#‬ي الن‪#‬ار زج‪#‬ا فيب‪#‬دأ‬
‫االقتحام واإلدخال فيھا عنوة ‪.‬‬
‫يس أَ ْج َم ُع َ‬
‫ون(‬ ‫قال تعالى ‪) :‬فَ ُك ْب ِكبُوا فِي َھا ُھ ْم َوا ْل َغا ُو َ‬
‫ون )‪َ (٩٤‬و ُجنُو ُد إِ ْبلِ َ‬
‫)‪(٤‬‬

‫)‪ (١‬رواه الترمذي برقم )‪ (٢٥٧٧‬في صفة جھنم وقال الترمذي ھذا حديث صحيح غريب كما حسنه االرناؤوط انظر جامع األصول )‪.(٥١٨/١٠‬‬

‫)‪ (٢‬سورة الزمر‪٧١ -‬‬

‫)‪ (٣‬األنعام ‪٢٧‬‬

‫)‪ (٤‬الشعراء ‪٩٥-٩٤‬‬


‫‪٣٢‬‬ ‫توھم نفسك‬

‫‬

‫يا له من خزي القرناء ‪ ،‬فيه جنود إبل‪#‬يس وش‪#‬ياطين الج‪#‬ن المغض‪#‬وب عل‪#‬يھم ف‪#‬تخطفھم زباني‪#‬ة‬
‫النار من نواصيھم وأرجلھم بعد أن تحكم قيدھم بالسالسل واألغالل امتث‪#‬اال ألم‪#‬ر م‪#‬والھم ج‪#‬ل‬
‫وعال‪:‬‬
‫) ُخ ُذوهُ فَ ُغ ﱡلوهُ )‪ (٣٠‬ثُ ﱠم ا ْل َج ِحي َم َ‬
‫ص ﱡلوهُ(‬
‫)‪(١‬‬
‫فتلقيھم بعضھم على بعض في نار جھنم ‪.‬‬
‫و ل‪#‬ك أن تتخي‪##‬ل ھ‪##‬ذا المش‪##‬ھد الم‪##‬ؤلم المف‪#‬زع ‪ ،‬مش‪##‬ھد أھ‪##‬ل الن‪##‬ار وق‪##‬د ألق‪##‬ي بعض‪##‬ھم عل‪##‬ى‬
‫بع‪##‬ض وازدح‪##‬م بعض‪##‬ھم ف‪##‬وق بع‪##‬ض ‪ . .‬أجس‪##‬اد عاري‪##‬ة ق‪##‬د أكلتھ‪##‬ا الن‪##‬ار وص‪#‬راخ وعوي‪##‬ل‬
‫وتالوم وإيالم ال يطاق ‪ . .‬أجارنا ﷲ وإياكم منه ‪.‬‬
‫حتى إذا اداركوا فيھا جميعا‪ . .‬فإذا باألبواب ‪. .‬‬
‫أبواب جھنم تتح‪#‬رك لتغل‪#‬ق فھ‪#‬ذه مص‪#‬ارعھا وأعم‪#‬دتھا يلت‪#‬ئم بعض‪#‬ھا ب‪#‬بعض حت‪#‬ى تنطب‪#‬ق‬
‫)‪(٣‬‬ ‫)‪(٢‬‬
‫وقال تعالى ) َعلَ ْي ِھ ْم نَا ٌر ُم ْؤ َ‬
‫ص َدةٌ (‬ ‫)إِنﱠ َھا َعلَ ْي ِھ ْم ُمو َ‬
‫ص َدةٌ )‪ (٨‬فِي َع َم ٍد ُم َم ﱠد َد ٍة(‬ ‫تماما قال تعالى ‪:‬‬
‫قال مقاتل ‪ -‬رحم‪#‬ه ﷲ ‪ : -‬أي أطبق‪#‬ت األب‪#‬واب عل‪#‬يھم ث‪#‬م ش‪#‬دت بأوت‪#‬اد م‪#‬ن حدي‪#‬د حت‪#‬ى يرج‪#‬ع‬
‫عل‪##‬يھم حرھ‪##‬ا وحميمھ‪##‬ا ( و ھك‪##‬ذا يس‪##‬دل الس‪##‬تار عل‪##‬ى العص‪##‬اة الم‪##‬ذنبين ب‪##‬ل ھك‪##‬ذا تك‪##‬ون نھاي‪##‬ة‬
‫المجرمين المعاندين‪.‬‬
‫وقبل أن نغادر ھذا الموقف لنلقي معا نظرة أخيرة‬
‫من خالل آي‪#‬ات ف‪#‬ي كت‪#‬اب ﷲ وھ‪#‬ي تص‪#‬ف ح‪#‬ال أھ‪#‬ل الن‪#‬ار وھ‪#‬م ب‪#‬داخلھا بع‪#‬د أن أغلق‪#‬ت‬
‫عليھم األبواب فأوصدت ‪ . .‬فإن النار تأخذ تحيط بھم من كل جانب من فوقھم ومن تحت‬
‫أرجلھم وعن أيمانھم وعن شمائلھم ‪ ،‬ال يستطيعون دفع لھيبھ‪#‬ا وال الف‪#‬رار م‪#‬ن لظاھ‪#‬ا ‪...‬‬
‫الى أين يذھب ؟!‬

‫)‪ (١‬الحاقة ‪٣١-٣٠‬‬

‫)‪ (٢‬الھمزة ‪٩-٨ ،‬‬

‫)‪ (٣‬البلد ‪٢٠‬‬


‫‪ ٣٣‬‬
‫توھم نفسك‬

‫وق‪7‬ال س‪7‬بحانه وتع‪7‬الى )لَ ُھ‪ْ 7‬م ِم‪7‬نْ‬ ‫ت أَ ْر ُجلِ ِھ‪ْ 7‬م(‬ ‫قال تعالى )يَ ْو َم يَ ْغشَا ُھ ْم ا ْل َع َذ ُ‬
‫اب ِمنْ فَ ْوقِ ِھ ْم َو ِمنْ ت َْح‪ِ 7‬‬
‫)‪(١‬‬

‫ط ِر ُخونَ فِي َھ‪77‬ا َربﱠنَ‪77‬ا أَ ْخ ِر ْجنَ‪77‬ا نَ ْع َم‪ْ 7‬ل‬


‫ص‪َ 7‬‬ ‫َج َھ‪7‬نﱠ َم ِم َھ‪77‬ا ٌد َو ِم‪77‬نْ فَ‪7ْ 7‬وقِ ِھ ْم َغ‪َ 7‬وا ٍ‬
‫)‪(٢‬‬
‫ش( وق‪77‬ال ع‪77‬ز وج‪77‬ل ) َو ُھ‪ْ 7‬م يَ ْ‬
‫صالِحا ً َغ ْي َر الﱠ ِذي ُكنﱠا نَ ْع َم ُل(‬
‫)‪(٣‬‬
‫َ‬

‫نعم حتى تصل النار إلى أصل قلوبھم وتحرق ما انطوت عليه م‪#‬ن عن‪#‬اد واس‪#‬تكبار وجم‪#‬ود‪. ..‬‬
‫تلك القلوب التي لم تستطع المواعظ وال الزواجر إآلنتھا ‪.‬‬
‫)‪(٤‬‬
‫ﷲَ َوأَ َ‬
‫ط ْعنَا ال ﱠرسُو َل(‬ ‫ون يَا لَ ْيتَنَا أَ َ‬
‫ط ْعنَا ﱠ‬ ‫قال ﷲ تعالى ‪) :‬يَ ْو َم تُقَلﱠبُ ُوجُوھُھُ ْم فِي النﱠ ِ‬
‫ار يَقُولُ َ‬
‫اآلن قد اكتشفوا أن الطريق التي كانوا يس‪#‬لكونھا كان‪#‬ت طريق‪#‬ا خاطئ‪#‬ة وطريق‪#‬ا معوج‪#‬ا بس‪#‬بب‬
‫إتب‪#‬اعھم س‪#‬بل الش‪##‬يطان وتكب‪#‬رھم عل‪#‬ى الح‪##‬ق وص‪#‬دودھم ع‪#‬ن س‪##‬ماع م‪#‬ن ك‪#‬ان يري‪##‬د لھ‪#‬م الخي‪##‬ر‬
‫ويھديھم إليه ‪.‬‬

‫اللھم أرنا الحق حقا ووفقنا إلتباعه وأرنا الباطل‬


‫باطال ووفقنا الجتنابه ‪ . .‬وأجرنا من النار‪.‬‬

‫)‪ (١‬سورة العنكبوت ‪٥٥ -‬‬

‫)‪ (٢‬سورة العراف ‪٤١ -‬‬

‫)‪ (٣‬سورة فاطر ‪٣٧ -‬‬

‫)‪ (٤‬سورة األحزاب ‪٦٦ -‬‬


‫‪٣٤‬‬ ‫توھم نفسك‬

‫‬

‫المستقر األخير لعباد ﷲ المتقين‬

‫ون لِ ُك‪ #‬ﱢل أَ ﱠوا ٍ‬


‫ب َحفِ‪#‬ي ٍظ )‪َ (٣٢‬م ْ‪#‬ن‬ ‫يقول سبحانه ) َوأُ ْزلِفَ ْ‬
‫ت ْال َجنﱠةُ لِ ْل ُمتﱠقِ َ‬
‫ين َغ ْي َر بَ ِعي ٍد )‪ (٣١‬ھَ َذا َما تُو َع‪ُ #‬د َ‬
‫ب َو َجا َء بِقَ ْل ٍ‬
‫َخ ِش َي الرﱠحْ َم َن بِ ْال َغ ْي ِ‬
‫)‪(١‬‬
‫ب(‬ ‫ب ُمنِي ٍ‬
‫)‪(٢‬‬
‫ت ْال َجنﱠةُ لِ ْل ُمتﱠقِ َ‬
‫ين(‬ ‫فا سبحانه يقول ھنا‪َ ) :‬وأُ ْزلِفَ ْ‬
‫أي قربت لھم ‪ . .‬نعم ھكذا الجزاء من الرحمن سبحانه ‪ . .‬الجنة تتحرك وتقترب من أص‪#‬حابھا‬
‫الذين باعوا أنفسھم وأموالھم وبذلوا أوقاتھم وصرفوا جھودھم إرﺿ‪#‬اء لم‪#‬والھم ‪ ،‬فالجن‪#‬ة ھ‪#‬ي‬
‫التي تقترب إليھم فال تريد منھم عناء المجيء الكثير فلقد عانوا كثيرا في ال‪#‬دنيا وص‪#‬بروا عل‪#‬ى‬
‫طاعة ﷲ وعلى أصناف الفتن ‪.‬‬
‫ال شك أن سعادة المؤمنين ال تعادلھا سعادة عندما يرون الجن‪#‬ة تقت‪#‬رب إل‪#‬يھم ول‪#‬م يب‪#‬ق بي‪#‬نھم‬
‫وبين أن يدخلوھا إال خطوات يسيرونھا حتى يكونوا م‪#‬ن س‪#‬كانھا وم‪#‬ن أھلھ‪#‬ا ‪ ،‬حي‪#‬ث دورھ‪#‬م‬
‫الت‪##‬ي اع‪##‬د ت لھ‪##‬م ‪ ،‬وزوج‪##‬اتھم م‪##‬ن الح‪##‬ور الع‪##‬ين الل‪##‬واتي تنتظ‪##‬رھم ‪ ،‬وحي‪##‬ث األش‪##‬جار‬
‫واألنھار واألطيار وأل‪#‬وان النع‪#‬يم مم‪#‬ا ال ع‪#‬ين رأت وال إذن س‪#‬معت وال خط‪#‬ر عل‪#‬ى قل‪#‬ب‬
‫ين اتﱠقَ ْوا َربﱠ ُھ ْم إِلَى ا ْل َجنﱠ ِة ُز َمراً(‬
‫ق الﱠ ِذ َ‬
‫سي َ‬
‫) َو ِ‬ ‫بشر‪ .‬قال ﷲ سبحانه ‪:‬‬
‫)‪(٣‬‬

‫فتخيل نفسك يا عبد ﷲ ‪ ،‬توھم نفسك وقد نلت تلك السعادة وأدرك‪#‬ت ذل‪#‬ك الف‪#‬وز العظ‪#‬يم ‪،‬‬
‫فكنت ممن سيزفون الى الجنة مع المتقين ‪ ،‬ويسيرون زمرا مع الفائزين ‪ ،‬فتوھم نفس‪#‬ك‬
‫ي‪##‬ا عب‪##‬د ﷲ وأن‪##‬ت ب‪##‬ين ھ‪##‬ذه الجم‪##‬وع المبارك‪##‬ة ‪ ،‬وف‪##‬يھم ص‪#‬حابة رس‪#‬ول ﷲ علي‪##‬ه الص‪##‬الة‬
‫والسالم ‪ ،‬واألجالء من التابعين لھم بإحسان ‪ ،‬وعلماء األم‪#‬ة األف‪#‬ذاذ ومجاھ‪#‬ديھا اإلبط‪#‬ال‬
‫والصالحين األطھار ‪.‬‬

‫)‪ (١‬سورة ق ‪٣٣-٣١ ،‬‬

‫)‪ (٢‬سورة الشعراء ‪٩٠-‬‬

‫)‪ (٣‬الزمر ‪٧٣-‬‬


‫‪ ٣٥‬‬
‫توھم نفسك‬

‫ويتقدم كل ھذه الجموع الميمونة رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم ‪ ،‬فإذا بأبواب الجنة تبدو‬
‫لناظريھا من بعيد وتلوح ألھلھا القادمين عليھا ‪ ،‬فت‪#‬زداد ف‪#‬رحتھم لرؤيتھ‪#‬ا ويزي‪#‬د ش‪#‬وقھم‬
‫ين اتﱠقَ ْوا َربﱠ ُھ ْم إِلَى ا ْل َجنﱠ ِة ُز َمراً(‬
‫ق الﱠ ِذ َ‬
‫سي َ‬
‫إليھا ‪َ ) . .‬و ِ‬
‫)‪(١‬‬

‫أي جماعات ‪ . .‬يجمعھ‪#‬م ﷲ س‪#‬بحانه وال يف‪#‬رقھم ‪ ،‬إخ‪#‬وة ف‪#‬ي ﷲ ف‪#‬ي ال‪#‬دنيا وإخ‪#‬وة ف‪#‬ي ﷲ‬
‫يوم القيامة يساقون إلى جنان ربھم ‪.‬‬

‫يقول ابن القيم ‪ -‬رحمه ﷲ ‪ -‬وھ‪#‬و يص‪#‬ف المنظ‪#‬ر س‪#‬وق أھ‪#‬ل الجن‪#‬ان إل‪#‬ى جن‪#‬تھم وس‪#‬وق‬
‫أھل الجحيم إل‪#‬ى ن‪#‬ارھم فيق‪#‬ول ‪) :‬تأم‪#‬ل م‪#‬ا ف‪#‬ي س‪#‬وق الف‪#‬ريقين إل‪#‬ى ال‪#‬دارين زم‪#‬را‪ . .‬م‪#‬ن‬
‫فرح‪#‬ة ھ‪##‬ؤالء ب‪##‬إخوانھم وس‪#‬يرھم معھ‪##‬م مستبش‪#‬رين أقوي‪#‬اء القل‪##‬وب ‪ ،‬كم‪##‬ا ك‪#‬انوا ف‪##‬ي ال‪##‬دنيا‬
‫وق‪#‬ت اجتم‪#‬اعھم عل‪#‬ى الخي‪#‬ر ك‪#‬ذلك الي‪#‬وم ي‪#‬ؤنس بعض‪#‬ھم بع‪#‬ض ويف‪#‬رح بعض‪#‬ھم ب‪#‬بعض‬
‫وكذلك أص‪#‬حاب ال‪#‬دار األخ‪#‬رى ‪ . .‬الن‪#‬ار يس‪#‬اقون إليھ‪#‬ا زم‪#‬را أي جماع‪#‬ات يلع‪#‬ن بعض‪#‬ھم‬
‫بعضا ويتأذى بعضھم من بعض وذلك أبلغ في الخزي والفضيحة م‪#‬ن أن يس‪#‬اقوا واح‪#‬دا‬
‫واحدا ‪(.‬‬
‫عندھا يتقدم رسول ﷲ علية الص‪#‬الة والس‪#‬الم الجم‪#‬وع الھائل‪#‬ة م‪#‬ن الخل‪#‬ق الت‪#‬ي ال يحص‪#‬ي‬
‫عددھا إال ﷲ سبحانه من لدن آدم حتى تقوم الساعة ‪ ،‬في‪#‬ا لھ‪#‬ا م‪#‬ن مكان‪#‬ة س‪#‬امية لرس‪#‬ول‬
‫ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم ‪ ،‬تخشى الخالئق كلھا ويخ‪#‬ر ھ‪#‬و س‪#‬اجدا تح‪#‬ت الع‪#‬رش ‪. .‬الش‪#‬افع‬
‫المشفع يوم المحشر‪ ،‬فيتقدم بعدھا إلى باب الجنة فيقرعه بيده الشريفة ويستفتح ‪.‬‬
‫قال رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم‬
‫)‪(٢‬‬
‫فيقول له الخازن ‪ :‬من أنت ؟‬ ‫" أنا أول من يقرع باب الجنة "‬
‫)‪(٣‬‬
‫فيقول علية الصالة والسالم ‪ :‬محمد فيقول له ‪ " :‬بك ‪.‬أمرت أن ال أفتح ألحد قبلك "‬

‫)‪(١‬الزمر ‪٧٣-‬‬

‫)‪ (٢‬رواه البخاري تعليقا في الدعوات ‪ ٨٢/١١‬ومسلم برقم )‪ (٢٠٠‬في اإليمان‬

‫)‪ (٣‬رواه مسلم )‪١٣٣٣‬كناب اإليمان ‪ ،‬واحمد )‪(١٣٦/٣‬‬


‫‪٣٦‬‬ ‫توھم نفسك‬

‫‬

‫فتفتح األبواب ‪ . .‬أب‪#‬واب الجن‪#‬ة عل‪#‬ى مص‪#‬راعيھا وي‪#‬ا لھ‪#‬ا م‪#‬ن أب‪#‬واب ھائل‪#‬ة الخل‪#‬ق م‪#‬ا ب‪#‬ين ك‪#‬ل‬
‫مصراعين من أبوابھا مسيرة أربعين سنة ‪ . .‬ﷲ اكبر ‪.‬‬
‫قال عليه الصالة والسالم ‪ " :‬إن ما بين المصراعين‬
‫)‪(١‬‬
‫في الجنة مسيرة أربعين سنة وليأتين عليه يوم وھو كظيظ من الزحام " ‪.‬‬
‫وما أن تفتح األبواب فترى الجنان من خاللھا حتى تطير القلوب ش‪#‬غفا والنف‪#‬وس لھف‪#‬ا لل‪#‬دخول‬
‫فيھا والمرور من أبوابھا فتتلقاھم المالئكة على األبواب مستقبلين ومبشرين ومحيية لھم بتحي‪#‬ة‬
‫اإلسالم ‪َ ) . .‬وتَتَلَقﱠا ُھ ْم ا ْل َمالئِ َكةُ َھ َذا يَ ْو ُم ُك ْم الﱠ ِذي ُكنتُ ْم تُو َعد َ‬
‫ُون(‬
‫)‪(٢‬‬

‫صلَ َح ِمنْ آبَائِ ِھ ْم َوأَ ْز َو ِ‬


‫اج ِھ ْم َو ُذ ﱢريﱠاتِ ِھ ْم َوا ْل َمالئِ َكةُ‬ ‫وقال تعالى ) َجنﱠاتُ َع ْد ٍن يَد ُْخلُونَ َھا َو َمنْ َ‬
‫صبَ ْرتُ ْم فَنِ ْع َم ُع ْقبَى الدﱠا ِر(‬‫سال ٌم َعلَ ْي ُك ْم بِ َما َ‬ ‫يَد ُْخلُ َ‬
‫ون َعلَ ْي ِھ ْم ِمنْ ُك ﱢل بَا ٍ‬
‫ب )‪َ (٢٣‬‬
‫)‪(٣‬‬

‫ففي ھذه الجنان يأتلف شملھم مع الصالحين من عباد ﷲ ومن آبائھم وأزواجھ‪#‬م وذري‪#‬اتھم ‪. .‬‬
‫مكرمين بجم‪#‬ع ش‪#‬تاتھم وتالق‪#‬ي أحب‪#‬ابھم لتك‪#‬ون ل‪#‬ذة أخ‪#‬رى م‪#‬ع ل‪#‬ذة ال‪#‬دخول ال‪#‬ى الجن‪#‬ان حي‪#‬ث‬
‫النيين والصديقين والشھداء والصالحين ‪.‬‬
‫وفي ذلك التجمع والتالقي يشترك المالئكة في التأھيل والتكريم ف‪#‬ي حرك‪#‬ة رائح‪#‬ة غادي‪#‬ة ق‪#‬ال‬
‫)‪(٥‬‬ ‫)‪(٤‬‬
‫ص‪7‬بَ ْرتُ ْم فَ‪7‬نِ ْع َم ُع ْقبَ‪7‬ى ال‪7‬دﱠا ِر(‬
‫س‪7‬ال ٌم َعلَ‪ْ 7‬ي ُك ْم بِ َم‪7‬ا َ‬
‫يقول‪#‬ون ) َ‬ ‫تعالى‪) :‬يَد ُْخلُونَ َعلَ ْي ِھ ْم ِم‪7‬نْ ُك‪ 7‬ﱢل بَ‪7‬ا ٍ‬
‫ب(‬
‫فتخي‪##‬ل نفس‪##‬ك ي‪##‬ا عب‪##‬د ﷲ ان‪##‬ك دخل‪##‬ت الجن‪##‬ة م‪##‬ع تل‪##‬ك الجم ‪#‬وع وص ‪#‬رتم تمش‪##‬ون عل‪##‬ى أرﺿ‪##‬ھا‬
‫وتنعمون بوارف ظاللھا ف‪#‬إذا بالترب‪#‬ة الت‪#‬ي تطئ‪#‬ون زعفران‪#‬ا‪ ،‬والحص‪#‬باء الت‪#‬ي تتحاش‪#‬ون دررا‬
‫وياقوتا ومرجانا‪ ،‬تسير معكم على سطح األرض انھارا ليست لھ‪#‬ا أخادي‪#‬د وم‪#‬ع ذل‪#‬ك فھ‪#‬ي ال‬
‫تنحرف وال تنجرف ھكذا خلقھا ﷲ سبحانه غاية في الجمال واإلبداع ‪.‬‬

‫)‪ (١‬رواه مسلم رقم )‪ (٢٩٦٧‬في الزھد ‪.‬‬

‫سورة األنباء ‪ ،‬آبه ‪١٠٤ :‬‬ ‫)‪(٢‬‬


‫)‪ (٣‬سورة‪ :‬الرعد‪ ،‬اآليتان ‪٢٤-٢٣‬‬

‫)‪(٤‬سورة ‪ :‬الرعد‪ ،‬آية ‪٢٣‬‬

‫)‪ (٥‬سورة ‪ :‬الرعد‪ ،‬آية ‪٢٤‬‬


‫‪ ٣٧‬‬
‫توھم نفسك‬

‫قال أبو ھريرة رﺿي ﷲ عنه ‪) :‬قل‪#‬ت ي‪#‬ا رس‪#‬ول ﷲ م‪#‬م خل‪#‬ق ؟ ق‪#‬ال علي‪#‬ة الص‪#‬الة والس‪#‬الم ‪:‬‬
‫من الماء ‪ ،‬قلت ‪ :‬الجنة ما بناؤھا؟‬
‫ق‪##‬ال ‪ :‬لبن‪##‬ه م‪##‬ن فض‪##‬ة ولبن‪##‬ه م‪##‬ن ذھ‪##‬ب ‪ ،‬ومالطھ‪##‬ا )أي طينتھ‪##‬ا ( المس‪##‬ك األذف‪##‬ر )أي الطي‪##‬ب‬
‫)‪(١‬‬
‫الرائحة ( وحصباؤھا اللؤلؤ والياقوت وتربتھا الزعفران (‬
‫وإذا كان ھذا ھو الحال على األرض فإن على الرؤوس ظالل وارف‪#‬ة م‪#‬ن أش‪#‬جار عالي‪#‬ة بثم‪#‬ار‬
‫دانية يسير الراكب في ظلھا مائة عام ال يقطعھا‪ ،‬ففي صحح البخاري عن النبي علي‪#‬ة الص‪#‬الة‬
‫والسالم أنه قال ‪ ":‬إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلھا مائة ع‪#‬ام ال يقطعھ‪#‬ا واق‪#‬رؤوا‬
‫)‪(٢‬‬
‫إن شئتم ‪) :‬وظل ممدود(‬
‫ثم ال تسأل عن المنازل والقصور والخيام اللؤلؤية وعن حور العين وعن الجمال مما ال ع‪#‬ين‬
‫رأت وال أذن سمعت وال خطر على قلب بشر‪.‬‬
‫وھي مع ذلك دار الطھر والنقاء والص‪#‬فاء ‪ ،‬خالي‪#‬ة م‪#‬ن األك‪#‬دار ق‪#‬د ن‪#‬زع الغ‪#‬ل والبغض‪#‬اء م‪#‬ن القل‪#‬وب‬
‫ص‪7‬دُو ِر ِھ ْم ِم‪7‬نْ ِغ‪ 7‬ﱟل إِ ْخ َوان‪7‬ا ً‬
‫والحسد من النفوس فعاشوا إخوانا متحابين ‪ .‬قال تعالى ‪َ ) :‬ونَ َز ْعنَا َم‪7‬ا فِ‪7‬ي ُ‬
‫)‪(٣‬‬
‫َعلَى ُ‬
‫س ُر ٍر ُمتَقَابِلِينَ (‬
‫وبعد ‪ . .‬فإن الح‪7‬ديث ع‪7‬ن نع‪7‬يم الجن‪7‬ة يط‪7‬ول والمق‪#‬ام ال يس‪#‬ع ‪ ،‬وغاي‪#‬ة ذل‪#‬ك أن نع‪#‬يم الجن‪#‬ة يف‪#‬وق ك‪#‬ل‬
‫وصف ويقصر دونه الخيال ‪ ،‬ل‪#‬يس لنعيمھ‪#‬ا نظي‪#‬ر فيم‪#‬ا يعلم‪#‬ه أھ‪#‬ل ال‪#‬دنيا ‪ ،‬فھ‪#‬ي كم‪#‬ا ج‪#‬اء ف‪#‬ي بع‪#‬ض‬
‫اآلثار عن جمال نعيمھا ‪:‬‬
‫بأنھا نور يتألأل وريحانة تھتز وقصر مشيد ونھر مطرد وفاكھة نضيجة وزوجة حسناء وحلل‬
‫كثيرة في مقام أمين في حبره ونضرة ودور عالية بھية ‪.‬‬
‫نسأل ﷲ سبحانه من فضله وأن يجعلنا وإياكم من أھلھا‬

‫)‪ (١‬رواه أحمد والترمذي والدارمي ‪ ،‬وقال األلباني ‪ ،‬له طرق وشواھد )مشكاة المصابيح )‪ (١٥٦٦/٣‬رقم الحديث ‪(٥٦٣٠‬‬

‫)‪ (٢‬رواه البخاري كتاب بدأ الخلق – باب ما جاء في صفة الجنة ‪.‬‬

‫)‪ (٣‬الحجر ‪٤٧ -‬‬


‫‪٣٨‬‬ ‫توھم نفسك‬

‫‬

‫و أخيرا فما الذي تتمناه أو ترجوه في تلك المواقف يا عبد ﷲ ؟‬


‫أجب نفسك !! ما الذي تتمنى أن يكون لك ؟‬
‫أن تعود إلى الدنيا لتعمل صالحا؟‬
‫الو مد لك في عمرك لتستدرك ما قد فات ؟!‬
‫لو أرجعت فاستقبل من أمرك ما استدبرت ؟‬
‫أتتمنى ھذا؟‪ . .‬وترجو ذلك ؟!‬
‫فأنت اليوم ‪ . .‬في مناك ‪. .‬‬
‫نعم ‪ . .‬وما زلت في رجاك ‪.‬‬
‫ما زلت في الدنيا وما زال لك في العمر بقية فاس‪#‬تقبل إن كن‪#‬ت ص‪#‬ادقا‪ . .‬اس‪#‬تقبل م‪#‬ن أم‪#‬رك م‪#‬ا‬
‫استدبرت ؟ قبل أن تدركك المنية ويحل بك األجل ‪ .‬فاليوم عمل وال حساب وغدا حس‪7‬اب وال‬
‫عمل ‪ . .‬وما مضى فات والمؤمل غيب و لك الساعة التي أنت فيھا‪. .‬‬
‫وكما قيل ‪) :‬الناس نيام فإذا ماتوا انتبھوا!‪.‬ا( فاذا كنت محقا في خوفك المزعوم ‪ . .‬يا ابن آدم‬
‫فإننا نقول لك كما قال إسحاق بن خلف الزاھد ‪:‬‬
‫) ليس الخائف من بكى وعصر عينية ‪ ،‬ولكن الخائف من ترك األمر الذي يخاف أن يعذب عليه (‬
‫فحاسب نفسك وقل لھا ‪:‬‬
‫وأين أبو أبي‬
‫َ‬ ‫يا نَفسُ َ‬
‫أين أبي‪،‬‬
‫ك واحْ ُسبِي‬ ‫وأبُوهُ عدﱢي ال أبَا ل ِ‬
‫ت‪ ،‬فلم أج ْد‬‫ظرْ ُ‬ ‫ُع ّدي‪ ،‬فإنّي قد نَ َ‬
‫ك آ َد َم ِم ْن أ ِ‬
‫ب‬ ‫بينِي وبي َْن أبي ِ‬
‫ت تَرْ َ‬
‫جين السّال َمة َ بَع َدھ ْم‬ ‫أفأ ْن ِ‬
‫ت وج ِه ال َمطلَ ِ‬
‫ب‬ ‫ھَالّ ھُدي ِ‬
‫ت ل َسم ِ‬
‫ﱠﺿيع‬
‫ِ‬ ‫قَ ْد ماتَ ما َ‬
‫بين الجني ِن إلى الر‬
‫ب‬
‫لكبير األشي ِ‬
‫ِ‬ ‫إلى الف ِطي ِْم إلى ا‬
‫فإلى متَى ھ َذا أرانِي العبا ً‬
‫ب‬ ‫إن أت ْ‬
‫َت لم تل َع ِ‬ ‫وأ َرى َ المنﱢية َ ْ‬
‫‪ ٣٩‬‬
‫توھم نفسك‬

‫دخل أبو بردة على عائشة رضي ﷲ عنھا ‪ ..‬قال ‪ :‬فأخرجت إلينا إزارا غليظا مما يصنع في اليمن‬
‫)‪(١‬‬
‫وكساء من التي يدعون الملبدة فقالت ‪ :‬إن رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم قبض في ھذه الثوبين "‬
‫كـــــــل باك سيُبكى‬ ‫وكل نــــاع فسينُعى‬
‫وكل مذكور سينُسى وكل مدخور سيفُنى‬
‫ليس غير ﷲ يبقى‬ ‫من عــال فا أعـلى‬

‫إبن ادم ‪...‬‬


‫أال يا خائضا ً بحر األماني‬
‫ھداك ﷲ مــــاھذا التـــــواني‬
‫أﺿعت العمر ِعصيانا ً وجھالً‬
‫فمھـــــــالً أيھا المغرور مھال‬
‫مضى عم ُر الشباب وأنت غاف ٌل‬
‫وفـــي ثوب العما وال ِغ ّي رافل‬
‫بال ُل الشيب نادى في المفارق‬
‫ي على الذھاب وأنت غارق‬
‫بح ّ‬
‫ببحر اإلثم ال تصغى لواعظ‬
‫وإن أطرى وأطنب فــي المواعظ‬
‫وقلبك ھائ ٌم في كل وا ِد‬
‫وجھلُك كــــل ٍ‬
‫يوم فـــي ازدياد‬
‫على تحصيل دنياك الدنيّه‬
‫ُمجداً في الصباح وفـــي العشيّه‬
‫و َجھد المرء في الدنيا شدي ُد‬
‫وليس يَنـــا ُل منھا مــــا يـــري ُد‬
‫)‪(١‬رواة الجماعة إال النسائي وقال الترمذي حسن صحيح‬
‫‪٤٠‬‬ ‫توھم نفسك‬

‫‬

‫بل كما قال يحيى بن معاذ‬


‫عمل كالسراب وقلب من التقوى خراب وذنوب بعدد الرمال والت‪7‬راب ث‪7‬م تطم‪7‬ع ف‪7‬ي الكواع‪7‬ب‬
‫واألتراب؟ ھيھات؟ أنت سكران بغير ﺷراب ولكن ما أكملك ل‪7‬و ب‪7‬ادرت امل‪7‬ك‪ ،،،‬م‪7‬ا أجل‪7‬ك ل‪7‬و‬
‫بادرت موتك‪ ...‬ما أقواك لو خالفت ھواك‪....‬‬
‫أخي‪ . .‬تفكر في مصارع الذين سبقوا‪ ،‬وتدبر مصيرھم أين انطلقوا‪ ،‬واعلم أن القوم انقسموا‬
‫وافترقوا‪ ،‬قوم منھم سعدوا‪ ،‬ومنھم قوم ﺷقوا‪ . .‬فاختر أنت أي الفريقين لتكن منھم ‪. .‬‬
‫أخي‪ . .‬يا من تقرأ ھذه األسطر‪ ،‬أنا على يقين أنك سمعت مثل ھذا الكالم كثيرا عب‪7‬ر الخط‪7‬ب‬
‫ومر بك كثيرا من خالل المواعظ ‪ ،‬ولربم‪7‬ا تح‪7‬دثت ب‪7‬ه أن‪7‬ت لغي‪7‬رك أو ذكرت‪7‬ه إل‪7‬ى آخ‪7‬رين ف‪7‬ي‬
‫بعض مجالسك ‪ ،‬ولكن كيف نستفيد من ذلك عمليا ونلمس أثره واضحا في أعمالن‪7‬ا وأقوالن‪7‬ا‬
‫ويبق‪7‬ى ت‪7‬أثيره ف‪7‬ي القل‪7‬ب م‪7‬دة أط‪7‬ول ‪ ،‬في‪7‬نعكس ذل‪7‬ك عل‪7‬ى بقي‪7‬ة حياتن‪7‬ا ‪ ،‬وط‪7‬رق تعاملن‪7‬ا م‪7‬ع‬
‫مجريات الحياة وأﺷغالھا وتقلبنا في متاعھا ‪ ،‬فھذا الذي ينبغي أن يسعى إليه المرء ويجتھد‬
‫في تحصيله وإدراكه‪.‬‬
‫طوبى لمن سھرت بالليل عيناه‬
‫حب مواله‬
‫قلق في ﱢ‬
‫وبات في ٍ‬
‫وناح يوما على تفريطه وبكى‬
‫خوفا لما قد جنا من خطاياه‬
‫وقام يرعى نجوم الليل منفـردًا‬
‫ﺷوقًا إليه وعين ﷲ ترعـاه‬

‫وكتبه‬
‫د‪ /‬عبد الكريم الديوان‬
‫‪ ٤١‬‬
‫توھم نفسك‬

‫الفھرس‬
‫الصفحة‬ ‫الموﺿوع‬

‫المقدمة ‪٣ ......................................................‬‬
‫بين يدي الرسالة ‪٤ ...........................................‬‬
‫أخي يا من أمسكت بھذه الرسالة ‪١١ ......................‬‬
‫ذكر الموت ‪١١ ................................................‬‬
‫وصف حال الميت ‪١٢ ................................ ......‬‬
‫أخي يا من أردت الصحوة من الرقدة ‪١٣ ................‬‬
‫زيارة المقابر ‪١٥ .............................................‬‬
‫واه لك ايھا القبر ‪١٦ ........................... .............‬‬
‫الحياة في القبر ‪١٨ ............................. .............‬‬
‫وصف قيام الساعة والوقوف في المحشر ‪١٩ ..........‬‬
‫العرض على ﷲ واستالم الصحف ‪٢٢ ..................‬‬
‫على متن الصراط ‪٢٤ ......................................‬‬
‫وقفة ‪٢٥ .......................................................‬‬
‫نصب الموازين ‪٢٨ .........................................‬‬
‫نھاية الرحلة ‪٢٩ .............................................‬‬
‫أھل النار يساقون الى الجحيم ‪٣٠ ........................‬‬
‫المستقر األخير لعباد ﷲ المتقين ‪٣٤ .....................‬‬
‫وأخيرا ‪٣٥ ...................................................‬‬

You might also like