Professional Documents
Culture Documents
بوصاع حناف
بوداود خدجية
إف اجملتمعات اإلنسانية مع تطورىا وزيادة أفرادىا وتباعد ىم ،وتناحرىم وزيادة جرائمهم اقتضى وجود
تنظيم اجتماعي خاص أو قواعد وقوانُت ،أو عادات وتقاليد تلزـ األفراد بإتباعها يف حياهتم االجتماعية وتتالءـ
مع طبيعة احلياة يف تلك اجملتمعات يف شىت احلياة السياسية واالقتصادية واألسرية ،واخلروج عن تلك النظم يعد
خروجا عن السلوؾ الذي ارتضتو اجلماعة لنفسها شلا يقتضي ضرورة عقاب اخلارج عنها .فاجلردية ختتلف باختالؼ
ادلكاف أو الزماف ,مبعٌت أف ما يعترب جردية يف مكاف معُت ال يعترب كذلك يف مكاف آخر وما يعد جردية يف زمن
معُت ،ال يعد كذلك يف زمن آخر .فاجلردية ذات مفهوـ متغَت وطابع نسيب ختتلف باختالؼ ادلكاف والزماف
وىكذا ختتلف النظرة يف حتديد مفهومها ،وتتعدد فمن ينظر إليها كحقيقة قانونية وفعل غَت مشروع جنائيا،
ومنهم من ينظر إليها كظاىرة اجتماعية ،يهتم باجلانب اجلوىري منها ،بل و تتعدد مفاىيم اجلردية تبعا الختالؼ
النظرية اليت تدرسها حيث أهنا موضع دراسة لكثَت من العلوـ اإلنسانية واالجتماعية ،و سنتطرؽ يف حبثنا ىذا اىل
تفسَت اجلردية من اجلانب االجتماعي .
من ىنا نستشف أف اجلردية من ىذه الوجهة تشكل حتديا لكل ما ىو عادي ومألوؼ يف اجملتمع ،وقد
دفع ذلك دوركامي إىل حد اعتبار اجلردية ظاىرة طبيعية وسوية يف اجملتمع ( عبد الرحمن العيسوي 1997,ص(49
كما أكد أيضا أف األفعاالدلستنكرة موزعة بشكل غَت متساوي ،وىذا التوزيع وليد العشوائية( جرائم السرقة،
للطبقات الدنيا من اجملتمع ،جرائم الياقة البيضاء ،الطبقات العليا) روبودون /ف بوريكو ,1986 ,ص(243
ومن جهة أخرى فاجلردية تعترب ثورة على أسباب العيش الكرمي ،ومن ىنا تصبح اجلردية مصدر جملموعة
من االنفعاالت أو ردود الفعل ،فهي تثَت اخلوؼ واحليطة واحلذر ،وقد حترؾ يف النفس مشاعر الزىو
واإلعجاب وتأكيد الذات ،وىي جتسيد دلوقف العنف والتمرد والعدواف.
-2النظريات االجتماعية المفسرة لإلجرام:
لقد حاوؿ العديد من العلماء تفسَت ظاىرة اإلجراـ ،كما عملوا على حتديد ادلؤشرات اليت تعمل على إبراز
الظاىرة يف اجملتمع ،ومن بُت ىؤالء العلماء صلد علماء االجتماع فلقد كاف ذلم دور كبَت يف زلاوالت تفسَت
اجلردية و حاولوا حصر األسباب االجتماعية أو ادلؤشرات االجتماعية اليت تساعد بشكل مباشر أو غَت مباشر
على منو اجلردية أو انطفائها.
إف الدراسات األوىل يف علم االجتماع اإلجرامي تعود إىل ادلدرسة اجلغرافية " اخلرائطية " بزعامة Geverry et
Queteletو ادلدرسة ادلاركسية بزعامة ماركس واصللز توي منذ 0551حيث تؤكد ىذه ادلدارس أف اإلجراـ
مرتبط بالظروؼ االقتصادية .وبعد سنوات سادت نظرية لومربوزو و ادلدرسة الوضعية اإليطالية دلدة عقدين ،
وىي نظرية بيولوجية حيث لقت العديد من االنتقادات من بعد ،أين أوحت لفَتي بإجراءات تركيب أو مجع بُت
العوامل الفردية و االجتماعية ( )0585ويقوؿ فَتي يف ىذا الصدد "كـل الجرائم ناتجة عن ظروف فردية و
اجتماعية و يكون تأثيرها مختلف حسب الظروف المحلية الخاصة " و من العوامل اليت يأخذىا فَتي بعُت
االعتبار:
-كثافة السكاف -العادات -الػػديػػن -الرأي العاـ -التقاليد -الػ ػع ػػائلة -مستوى التعليم -درجة التصنع -
ال ػكػحػولػػية
وقد أضاؼ العلماء من بعد فَتي عوامل أخرى تتمثل يف :ظروؼ احلياة االقتصادية و االجتماعية -آراء
ادلؤسسات العمومية (قانونية ،سياسية ،شرطة ،سجوف)……
و يرى دوركامي أف ال معٌت لإلجراـ إف مل يعطى االىتماـ للمجتمع و الثقافة فهذه الثقافة ال حتمل فقط عناصر
مادية بل عادات خاصة و مرتبة تكوف ذلا داللة حسب نسق القيم اخلاص هبا .وقد ساىم أيضا دوركامي أيضا
مبفهوـ األنوميا لتفسَت السلوؾ ادلنحرؼ .كما يعترب عامل االجتماع أميل دوركامي اجلردية جزء متكامل من كل
اجملتمعات ،مبعٌت أهنا موجودة يف مجيع اجملتمعات .وقد عرؼ اجلردية بأهنا فعل يعاقب عليو صاحبو ،وأف ختلص
وخلو اجملتمع من اجلردية ىو أمر مستحيل .حيث يقوؿ إميل دوركامي أف اجلردية موجودة يف كل اجملتمعات،
وشكلها يتغَت ألف األفعاؿ اليت حتدد على أهنا إجرامية ليست كذلك يف كل مكاف) عبد الرحمن محمد
العيسوي ، 2004 ،ص) 88
تركز النظريات االجتماعية على دور العوامل أو القوى االجتماعية يف نشأة اجلردية وكما سنرى فإف التفسَتات اليت
قدمتها النظريات االجتماعية للجردية تأخذ أكثر من شكل لكنها تشرؾ يف افًتاض أف السلوؾ اإلجرامي ال
خيتلف يف طبيعة تكوينو عن رلموع السلوؾ االجتماعي العاـ لألفراد.
وسوؼ نعرض لثالث نظريات قدمتها التفسيرات االجتماعية للجريمة وىي :
-1-2الفرص الفارقة:
صاغ نظرية الفرص الفارقة "كلوارد و اوىلُت عاـ 0851يف كتاهبما "اجلنوح والفرص" حيث افًتض الباحثاف
أف األشخاص الذين ينتموف إىل الطبقة العاملة يف اجملتمع األمريكي يريدوف عادة أف حيققوا أىدافهم بنجاح من
خالؿ الطرؽ أو األساليب الشرعية ادلتاحة يف اجملتمع ،لكنهم يواجهوف بعقبات شديدة ،وذلك ألف اجملتمع ينكر
ذلم فرص حتقيق النجاح ،وتشمل ىذه العقبات الفروؽ الثقافية واللغوية والعجز ادلادي ،وعدـ وجود فرصة
لالقًتاب من ادلصادر احليوية حلركة الصعود أو التقدـ ألعلى ،فاألشخاص الفقراء على سبيل ادلثاؿ ال يقدروف على
نفقات التعليم ادلتقدـ ،وأيضا يالحظ أف االزدحاـ يف ادلدف الكبَتة جيعل الفروؽ الطبقية أكثر وضوحا سواء يف
امتالؾ السيارات أو ادلساكن ادلناسبة أو غَت ذلك.
وحيثما توجو األساليب أو الطرؽ الشرعية إلصلاز األىداؼ ببعض العقبات ،فإنو ينتج عن ذلك إحباط شديد
جيعل األشخاص معرضُت لضغوط قهرية للجوء إىل الطرؽ غَت الشرعية ،ومن مث تظهر اجلرائم ،وجرائم الشباب من
خالؿ العصابات ،أحد ادلظاىر على ادلسالك غَت الشرعية لتحقيق األىداؼ.
التفكك االجتماعي يف نظر محمد عارف مفهوـ واسع يشمل ظواىر اجتماعية وثقافية عديدة ،فهو يشَت إىل
تناقض وصراع كمعايَت الثقافية ،وضعف أثر قواعد السلوؾ ومعايَته ،وصراع األدوار االجتماعية وانعداـ االلتقاء
بُت الوسائل اليت جييزىا اجملتمع مع غايات الثقافة فيو.
وأخَتا إىل اهنيار اجلماعات وسوء أدائها لوظائفها ،وعلى ذلك فاف ىناؾ شكلُت أساسيُت للتفكك االجتماعي :
اضطراب البناء االجتماعي ،وقصور األداء الوظيفي ،ويشمل كل ما يعمل على إفساد الكفاية الوظيفية أو
الفشل يف القياـ ببعض ادلتطلبات لوظيفية مثل األغراض ،واألىداؼ كما حيدث نوع من اخللط والغموض،
ويشمل كذلك سوء األداء الوظيفي أو قصوره ،ويعٍت ذلك القياـ بوظائف متعارضة األىداؼ واألغراض ،وما
ينشأ عن ذلك من افتقار إىل وجود التالؤـ بُت عناصر البناء االجتماعي( .صالح الصنيع 1999 ,ص (94
ومن النظريات اليت قدمت يف إطار التفكك االجتماعي نظرية "شو " Showالذي افًتض أف أكرب جتمع
للمجرمُت واجلاضلُت حيدث يف مناطق تتسم بالتفكك االجتماعي وقد وصف ىذه العملية يف صورة سلتصرة مؤداىا
"أنو حيدث خالؿ عملية ضلو ادلدينة أف ختضع توجيهات منطقة اجلَتاف ،والنظم الثقافية ،وادلعايَت االجتماعية يف
كل ادلناطق ادلالصقة دلنطقة ادلراكز الصناعية الرئيسية للتغيَت السريع ،والتفكك االجتماعي.
ينظر العديد من علماء االجتماع إىل الصراع الثقايف على أنو أحد أبعاد التفكك االجتماعي ،ذات الداللة يف
تفسَت اجلردية ،لذلك كاف االجتاه إىل حتديد داللتو التفسَتية بصورة منفصلة ،والصراع الثقايف كما عرفو" زلمد
عارؼ "يعٍت صداما بُت عناصر ثقافيتُت ،وأىم ىذه العناصر القيم والعادات والتقاليد .غَت أف بعض الباحثُت
يساوي ما بُت الصراع الثقايف وصراع القيم ،ويأخذ الصراع الثقايف صورا عديدة منها الصراع بُت قيم الطبقات
االجتماعية على مستوى اجملتمع ،والصراع بُت قيم بعض اجلماعات كجماعات ادلهاجرين واألقليات ،وبُت قيم
اجملتمع العاـ والصراع بُت قيم األجياؿ ادلتعاقبة ) محمد شحاتة ربيع وآخرون 1994ص(97
.0روبودوف /ؼ بوريكو) ،. ( 1986ترمجة سليم حداد ،ادلعجم النقدي لعلم االجتماع ،ديواف
ادلطبوعات اجلامعية ،اجلزائر.
.2صاحل الصنيع) ،: ( 1999التدين عالج اجلردية ،دار الثقافة والنشر جبامعة اإلماـ بن سعود ،الرياض.
.3عبد الرمحن العيسوي) ،. ( 1997علم النفس اجلنائي ،الدار اجلامعية للطباعة والنشر ،اإلسكندرية.
.4عبد الرمحن زلمد العيسوي( 2004 ) ،
.5عبد الواحد إماـ موسى ،الشذوذ اجلنسي وجرائم القتل ،عامل الفكر ،القاىرة.
.6زلمد شحاتة ربيع وآخروف) ،: ( 1994علم النفس اجلنائي ،دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع،
القاىرة .