You are on page 1of 8

‫المدرسة االجتماعية األمريكية‪ 

‬‬

‫اعتمد األمريكيون في تفسير الجريم ة التص ور االجتم اعي وذل ك برده ا‬


‫إلى عوامل اجتماعية‪ ،‬وتأثرا ب اإلرث األوربي خصوص ا إس هامات "دوركه ايم"‬
‫الوضعية الموضوعية‪ ،‬تأسست المدرسة األمريكية بخصوص يات جدي دة معت برة‬
‫أن السلوك اإلجرامي نابع عن نفس العوامل التي ينجم عنها أي سلوك اجتماعي‬
‫آخ ر‪ ،‬فك ان الراب ط بين ه ذه الس لوكات والتنظيم االجتم اعي هي الس مة الغالب ة‬
‫على نش أة ه ذه المدرس ة‪ ،‬ومن ثم ة ف إن ‪  ‬النظري ات االجتماعي ة تنطل ق من‬
‫دراسة االنحراف كظاهرة اجتماعية تخضع في حركتها وانتشارها لقوانين حركة‬
‫المجتمع‪ ،‬وانطالقا من هذه الخصوص ية س نحاول أن نس تعرض لثالث ة نظري ات‬
‫اجتماعية تختلف في منطلقاتها لتفسير الس لوك اإلج رامي وهي مجموع ة تمث ل‬
‫‪.‬المدرسة األمريكية‬
‫نظرية العوامل السائدة ‪5-                    ‬‬
‫اتخذت هذه النظرية من الدراسات االجتماعية أساس ا لمنهجيته ا وبحثه ا‬
‫عن أس باب الجريم ة واعتم دت أس لوب التحلي ل اإلحص ائي وربطت الجريم ة‬
‫بالمتغيرات المختلفة التي تحدد السلوك اإلجرامي مع حصر ه ذه المتغ يرات مثال‬
‫البطالة‪ ،‬السن‪ ،‬الجنس‪ ،‬الحالة الثقافية‪ ،‬الحالة السكن‪ ،‬الحالة الص حية‪ ،...‬وبع د‬
‫تحدي د المتغ يرات المختلف ة ومقارنته ا بالمعطي ات األولي ة ال تي يت وفر عليه ا‬
‫الب احث‪ ،‬يعم د ه ذا األخ ير إلى اس تخالص العوام ل ال تي تالزم ظه ور الس لوك‬
‫المنحرف بواسطة معامل االرتباط كي يتمكن من تصنيف المتغيرات حسب درجة‬
‫ارتباطها بالجريمة وبالتالي الخروج بأكثر العوامل ذات عالقة سببية بالظ اهرة‪[ ‬‬
‫‪]15 .‬‬
‫وجهت انتقادات لهذه النظرية وكان من بينها تلك االنتقادات التي خص ت‬
‫المستوى ‪  ‬المنهجي ذلك أن اإلحص اء يه دف إلى تلخيص الوق ائع والج رائم في‬
‫سلسلة من األرقام التي تسمح باستخراج ق وانين تفس يرية للظ اهرة اإلجرامي ة‪،‬‬
‫مما يستبعد الفروق الفردية الدقيقة ويسعى إلى تأطير استقرائي يتجاوز النوعية‬
‫من حال ة إلى أخ رى‪ ،‬م ع أن ه يبقى الفع ل اإلج رامي ل ه ج وانب من الف رادة‬
‫والخصوص ية تستعص ي على التعميم وإخراج ه من حالت ه الفردي ة ولحظت ه‬
‫‪.‬الزمنية تجعله قابال للتمطيط‬
‫‪" Sutherlan‬نظرية االختالط التفاضلي‪" /‬سذرالند ‪2-‬‬
‫ي رفض اعتب ار الس لوك اإلج رامي س لوكا موروث ا‪ ،‬ف اإلجرام ال ي ورث‪،‬‬
‫وإنما يكتسب بالتعلم ال ذي يح دث من نتيج ة انخ راط الف رد في جماع ة‪ ،‬ويح دد‬
‫نوع وقواعد السلوك والقيم السائدة فيها ما إذا كان الفرد س يتعلم اإلج رام أم ال‪،‬‬
‫فإن كان أفراد هذه الجماعة ممن يحترمون القانون ويلتزمون بأوامره ونواهيه‪،‬‬
‫تخلق الفرد بأخالقهم وتعلم منهم السلوك المتفق مع القانون‪ ،‬أم ا إن ك انوا ممن‬
‫يؤي دون انته اك الق وانين ويميل ون لمخالفته ا‪ ،‬فالغ الب أن ينهج الف رد نهجهم‬
‫ويتعلم منهم خصالهم مما يؤهله القتراف الفعل اإلجرامي‪ ،‬فيك ون انحراف ه أم را‬
‫مؤكدا إذا اقتصر في عالقاته على أفراد جماعته‪ ،‬وعزل الجماعات األخرى ال تي‬
‫‪ .‬يغلب على أفرادها احترام القانون‪]16[ ‬‬
‫حسب "سذرالند" ال يمكن إرج اع الس لوك اإلج رامي في جمي ع األح وال‬
‫إلى الفقر أو إلى مجرد عوامل سائدة كالظروف والعوام ل النفس ية واالجتماعي ة‬
‫التي تتصل بالفقر والفقراء‪ ،‬فهناك أشخاص ينتمون إلى طبقات غني ة وم ع ذل ك‬
‫يرتكب ون بعض الج رائم كج زء من نش اطاتهم المهني ة وهن ا ج اء ترك يزه على‬
‫الجرائم التي يرتكبها ذوو الياقات البيضاء أو الجرائم الخاص ة‪ ،‬ل ذلك فه و ي رى‬
‫أن الس لوك اإلج رامي يتعلم ه األغني اء والفق راء على الس واء بطريق ة واح دة‬
‫وبعمليات متشابهة‪ ،‬ب ذلك ح اول "س ذرالند" ش رح س لوك المنح رف المتعلم أو‬
‫المكتسب الذي يظهر نتيج ة ص راع بين مع ايير الثقاف ات المختلف ة ال تي يتك ون‬
‫منها المجتمع األمريكي‪ ،‬ه ذا الس لوك يظه ر حينم ا تطغى المع ايير الجانح ة في‬
‫‪ .‬جماعة ما على المعايير المتكيفة التي تحكم المجتمع الكلي‪]17[ ‬‬
‫ومن بين المؤاخذات التي وجهت ل "سذرالند" ك ون الف رد في كث ير من‬
‫األحي ان ال يك ون مج برا على االنتم اء إلى جماع ات منحرف ة‪ ،‬إن لم يكن ه و‬
‫شخص منحرف‪ ،‬كم ا أن ه لم يأخ ذ بع ني االعتب ار االختالف ات داخ ل المجموع ة‬
‫الواح دة ودور الف رد في ه ذا االختالف ففي ال وقت ال ذي يتب نى البعض موقف ا‬
‫إجراميا ينجح آخرون في احترام الق انون ويك ون العنص ر من المجموع ة ق ادرا‬
‫على الت أثير واالختي ار بين أح د الج انحين وترك يز "س ذرالند" على التعلم‬
‫واس تبعاد العام ل الشخص ي ال داخلي اص طدم بطروح ات تق ول عكس ذل ك‪ ،‬ألن‬
‫الفرد قد ال يكون في حاجة لمن يعلمه السلوك المنحرف بقدر ما يكون في حاجة‬
‫إلى تعلم السلوك السوي فالطفل مثال بطبيعته ميال إلى الكذب والخداع وإذا ت رك‬
‫‪.‬بغير تربية وال تهذيب فإنه يكبر نازعا إلى اإلجرام‬
‫"نظرية التراخي االجتماعي "ميرتون ‪3-‬‬
‫اعتمد "ميرتون" في نظريته على تجاوز العوامل المنعزلة واهتم بالبني ة‬
‫االجتماعي ة بم ا فيه ا من تناقض ات ت دفع ب الفرد إلى الخ روج عن التنظيم‬
‫االجتم اعي والس قوط في اإلج رام بفع ل غي اب المع ايير االجتماعي ة‪ ،‬وح اول‬
‫"ميرتون" أن يعتمد نظرة متكاملة للمجتمع األمريكي‪ .‬ف انطلق من تحلي ل البني ة‬
‫االجتماعية محاوال معرفة األس باب ال تي ت دفع إلى الس لوك اإلج رامي‪ ،‬وتوص ل‬
‫إلى حصر هذه األنماط السلوكية اعتم ادا على مفه وم الالمعياري ة أو حال ة ع دم‬
‫النظام التي تسيطر على المجتم ع وتجعل ه ب دون وس يلة ثقافي ة يعتم دها الن اس‬
‫لتحقيق رغباتهم فيضطرون إلى اإلجرام‪ ،‬فمرجع أسباب الجريم ة والجن وح ه و‬
‫ردود فعل الفرد وتكيفه مع التناقض ات ال تي تفرزه ا الثقاف ة الس ائدة لمجتمع ه‪،‬‬
‫وبما أن أغلب الرغبات والغرائز ليس ت بالض رورة طبيعي ة وإنم ا هي مجموع ة‬
‫من األهداف واإلغراءات التي ينتجه ا المجتم ع وتكرس ها الثقاف ة الس ائدة في ه‪،‬‬
‫فإن عدم توفير اإلمكانيات وإتاحة الفرص لجمي ع فئ ات المجتم ع لتحقيقه ا فإن ه‬
‫من الض روري أن يظه ر أف راد يعم دون إلى وس ائل غ ير مش روعة في تحقي ق‬
‫إشباع م ا تتطلب ه الثقاف ة بع د أن تع ذر تحقيقه ا بوس ائل مش روعة‪ ،‬هك ذا م يز‬
‫‪" :‬ميرتون" بين عنصرين هامين هما‪]18[ ‬‬
‫األهداف والمعايير‪ :‬الهداف هي تلك االهتمامات ال تي تك ون مش روعة ‪-‬‬
‫وتشكل آمال وتطلعات يسعى كل فرد لتحقيقها وتت درج ب الترتيب حس ب أهميته ا‬
‫‪.‬في سلم القيم االجتماعية‬
‫أما المعايير‪ :‬هي مجموع القواعد التي تحكم الس لوك وتض بط وس ائل ‪-‬‬
‫الوصول إلى األه داف فس لوك اإلنس ان مرتب ط به ذين العنص رين وم دى تراب ط‬
‫العالقة بينهما وكلما كانت الصلة متوازنة كان السلوك متوازن ا‪ ،‬وإذا تم الترك يز‬
‫على األه داف دون اعتب ار للمع ايير تص بح ك ل الوس ائل مش روعة أو غ ير‬
‫‪.‬مشروعة‬
‫مقبولة في نظر الشخص لتحقيقها وبالتالي ينتج السلوك اإلجرامي عن ‪-‬‬
‫هذا االختالل‬
‫النظرية البيئية ‪ /‬كليفورد شو ‪4-‬‬
‫ارتك زت مقارب ة ش و للظ اهرة اإلجرامي ة على المعطي ات واألوض اع‬
‫االقتصادية واالجتماعية لمنطقة محددة بحيث تكون هذه األوضاع هي المسؤولة‬
‫عن الجريمة بها‪ ،‬وهو ما يعني أن الجانب العض وي والنفس ي للف رد ليس ت هي‬
‫العامل الحاسم بل الظروف االقتصادية السائدة والمحيط االجتماعي والبيئي‪ ،‬وقد‬
‫ركز ش و في نظريت ه على المج االت العمراني ة والس كانية غ ير المالئم ة وال تي‬
‫تنتشر فيها كل أشكال الجرائم (أحياء الضواحي‪ -‬هوامش المدن)‪ ،‬وهو ما يجع ل‬
‫ش و يلتقي موض وعية م ع نظري ة الكس اني في دور الوس ط االجتم اعي في‬
‫‪.‬الجنوح‬
‫وقد ساهمت أبح اث "ش و" في ترك يز االهتم ام على المراك ز الحض رية‬
‫والظاهرة اإلجرامي ة وال تي خلص ت إلى وج ود ن وع من التم ايز م ا بين ج رائم‬
‫البوادي وجرائم الحواضر‬
‫المدرسة االجتماعية األوربية ‪-‬‬
‫جاء التصور االجتماعي للظاهرة اإلجرامية كرد فعل ضد التصورات البيولوجية‬
‫التي استبعدت كل تأثير لألوساط االجتماعية فيها وفي المرحلة التاريخية ذاتها‬
‫حمل مجموعة المفكرين األوربيين على عاتقهم مسؤولية وضع الفعل اإلجرامي‬
‫في سياقه وليس االكتفاء بحصره في الحالة الفيزيولوجية للمجرم وأهم أقطاب‬
‫‪.‬المدرسة االجتماعية األوربية نجد أمثال‪ :‬الكساني وتارد ودوركهايم‬
‫‪ Lacassagne‬نظرية الوسط االجتماعي *‪ /‬الكساني ‪4-‬‬
‫ركز صاحب نظرية الوسط االجتماعي على التأثير البالغ للوسط االجتماعي في‬
‫مجال خلق الجريمة وتتلخص في كون المجتمع هو الذي يصنع الجريمة وأن‬
‫"المجتمعات ليس بها من المجرمين أكثر مما تستحق [‪ ]10‬فالوسط االجتماعي‬
‫هو الوعاء المنشط والمالئم لإلجرام‪ ،‬والمجرم ال يظهر إال في الوسط الذي يسمح‬
‫‪.‬له بالظهور كأنه جرثومة ال أهمية لها إال إذا وجدت الحقل المناسب لنموها‬
‫ويرجع لهذه النظرية فضل توجيه األنظار إلى الجوانب االجتماعية لإلجرام‪ ،‬لكن‬
‫يؤخذ عليها أنها أهملت الجوانب الفردية لإلجرام‪ ،‬وهي ال تفسر الكيفية التي يؤثر‬
‫بها الوسط على ثلة من أفراد المجتمع هم المجرمين دون غيرهم ممن يعيشون في‬
‫نفس الوسط وقد حاول العالم "غابلاير تارد" إيجاد تفسير لكيفية تأثير الوسط على‬
‫‪ .‬الفرد بما يدفعه إلى ارتكاب الجريمة [‪]11‬‬
‫‪ G.Tarade‬نظرية التأثير النفسي االجتماعي ‪ /‬غابرييل تارد ‪2-‬‬
‫تجنب "غابرييل تارد" التكوين العضوي للمجرم معتبرا أهمية المحيط االجتماعي‬
‫في ظهور السلوك اإلجرامي مركزا على عوامل نفسية واجتماعية هي "التقليد"‬
‫و"التنشئة االجتماعية" و"المعتقدات الثقافية" فعوامل انحراف الفرد وخروجه عن‬
‫أنماط السلوك االجتماعي إنما ترجع أساسا إلى عوامل يغلب عليها الطابع‬
‫االجتماعي‪ ،‬بل اإلمكانيات واالختيارات الممنوحة والمنحة لألفراد وحيتهم في‬
‫التفضيل بين المنهج السوي والمنهج غير السوي تبقى هي المؤشر على استعداد‬
‫‪.‬بعض األفراد وميولهم الختيار طريق الجريمة‬
‫هكذا يكون احتراف الجريمة في نظر "تارد" خالصة تمرين وتدريب وظروف‬
‫تنشئة مثلها مثل غيرها من الحرف والمهن مع فارق بسيط هو أن المجرم ينشأ‬
‫‪ .‬ويتربى في بيئة إجرامية ساعدت على انخراطه في الجريمة [‪]12‬‬
‫إال أنه يالحظ على "تارد" بقي متشبتا بقانونه األخالقي الذي ربطه بالجريمة‬
‫واعتبر أن مستوى اإلجرام هو مؤشر حقيقي لألخالق في المجتمع مما يعكس‬
‫تالزم وتماسك دائرة األخالق ودائرة القانون‪ ،‬في حين أن هذا التالؤم ال يصدق‬
‫إلال على جانب ضئيل من الجرائم التي تمس الشعور العام بالعطف واالستقامة‪،‬‬
‫لتبقى الجرائم االعتبارية واالصطناعية التي تكون من وضع المشرع في ظرف‬
‫‪.‬ومكان معينين بعيدة عن هذا التحديد‬
‫‪ E.Durkheim‬نظرية البنية االجتماعية والثقافية ‪ /‬إيميل دوركايم ‪3-‬‬
‫يعتبر مؤسس علم االجتماع "إيميل دوركهايم" صاحب هذه النظرية‪ ،‬أن الجريمة‬
‫ظاهرة طبيعية يجب قبولها على أنها تعبير له وظيفته‪ ،‬فهي موجودة في جميع‬
‫المجتمعات في كل األزمنة‪ ،‬لكنها تصير ظاهرة مرضية غير عادية فقط حينما‬
‫ترتفع أو تنخفض عن المتوسط أو المعدل‪ ،‬وال يمكن اعتبارها مرضية حينما ال‬
‫تؤثر سليا في المهام الوظيفية للمجتمع حيث أ‪ ،‬الجريمة ليست عرضية وإنما هي‬
‫من صفات المجتمع وتركيبته وثقافته‪ ،‬فالفرد يعتبر جزءا من المجتمع لذلك فإن‬
‫جنوحه وخروجه عن قواعد السلوك الجماعية ال يمثل ظاهرة مرضية شخصية‬
‫وإنما يعتبر ذلك ناشئا عن المجتمع مباشرة وعما يتصف به من خصائص لذلك‬
‫فإذا كانت الجريمة الزمة وال تخرج عن المعدل المتوسط للمجتمع فإنها عادية‬
‫‪ .‬وطبيعية بل وتعتبر عالمة صحة المجتمع وسالمة نظمه ومؤسساته [‪]13‬‬
‫كما أن "دوركهايم" استعمل مفهوم األنومية أو الالمعيارية واعتبرها سببا‬
‫لالنحراف االجتماعي‪ ،‬وتعني حالة األنومية حالة الالقانون أو الالنظام الذي يجد‬
‫الفرد نفسه فيها مع افتقاره إلى قاعدة أو معيار لسلوكه السوي مقارنة مع السلوك‬
‫غير السوي وفي هذه الحالة غالبا ما تنتج عن الصراع أو التناقض الذي يعيشه‬
‫الفرد في عالقته االجتماعية‪ .‬وخاصة الواجبات والمتطلبات اليومية للحياة‪ ،‬بحيث‬
‫تكون هذه الحالة تعبيرا عن أزمة وحاجة العالقات االجتماعية للقيم التي تحفظ لها‬
‫تناسقها ووظيفتها مما ينعكس على الفرد ويدفعه إلى العزلة ومعاداة مجتمعه أمام‬
‫غياب معايير وقواعد تقوم بدور الضبط االجتماعي ويؤكد "دوربكهايم" أن‬
‫ضعف المجتمع وتهاونه في احتضان الفرد إليه بحيث أن هذا األخير يصبح في‬
‫حل من كل قيد اجتماعي أو خضوع أو احترام لطقوسه ويعتقد أنه أصبح جزءا‬
‫فوق العادة وال شيء يلزمه نحو مجتمعه (ضعف اإلكراه االجتماعي) فيستبيح‬
‫ارتكاب الجرائم التي تصبح في نظره وسائل مشروعة لتحقيق ما عجز المجتمع‬
‫عن توفيره له وهي الحاجيات الطبيعية التي بدونها ال يمكن للحياة أن تستقيم [‬
‫‪]14 .‬‬
‫المدرسة االجتماعية األمريكية ‪III -‬‬
‫اعتمد األمريكيون في تفسير الجريمة التصور االجتماعي وذلك بردها إلى عوامل‬
‫اجتماعية‪ ،‬وتأثرا باإلرث األوربي خصوصا إسهامات "دوركهايم" الوضعية‬
‫الموضوعية‪ ،‬تأسست المدرسة األمريكية بخصوصيات جديدة معتبرة أن السلوك‬
‫اإلجرامي نابع عن نفس العوامل التي ينجم عنها أي سلوك اجتماعي آخر‪ ،‬فكان‬
‫الرابط بين هذه السلوكات والتنظيم االجتماعي هي السمة الغالبة على نشأة هذه‬
‫المدرسة‪ ،‬ومن ثمة فإن النظريات االجتماعية تنطلق من دراسة االنحراف‬
‫كظاهرة اجتماعية تخضع في حركتها وانتشارها لقوانين حركة المجتمع‪ ،‬وانطالقا‬
‫من هذه الخصوصية سنحاول أن نستعرض لثالثة نظريات اجتماعية تختلف في‬
‫‪.‬منطلقاتها لتفسير السلوك اإلجرامي وهي مجموعة تمثل المدرسة األمريكية‬
‫نظرية العوامل السائدة ‪5-‬‬
‫اتخذت هذه النظرية من الدراسات االجتماعية أساسا لمنهجيتها وبحثها عن أسباب‬
‫الجريمة واعتمدت أسلوب التحليل اإلحصائي وربطت الجريمة بالمتغيرات‬
‫المختلفة التي تحدد السلوك اإلجرامي مع حصر هذه المتغيرات مثال البطالة‪،‬‬
‫السن‪ ،‬الجنس‪ ،‬الحالة الثقافية‪ ،‬الحالة السكن‪ ،‬الحالة الصحية‪ ،...‬وبعد تحديد‬
‫المتغيرات المختلفة ومقارنتها بالمعطيات األولية التي يتوفر عليها الباحث‪ ،‬يعمد‬
‫هذا األخير إلى استخالص العوامل التي تالزم ظهور السلوك المنحرف بواسطة‬
‫معامل االرتباط كي يتمكن من تصنيف المتغيرات حسب درجة ارتباطها‬
‫‪ .‬بالجريمة وبالتالي الخروج بأكثر العوامل ذات عالقة سببية بالظاهرة [‪]15‬‬
‫وجهت انتقادات لهذه النظرية وكان من بينها تلك االنتقادات التي خصت المستوى‬
‫المنهجي ذلك أن اإلحصاء يهدف إلى تلخيص الوقائع والجرائم في سلسلة من‬
‫األرقام التي تسمح باستخراج قوانين تفسيرية للظاهرة اإلجرامية‪ ،‬مما يستبعد‬
‫الفروق الفردية الدقيقة ويسعى إلى تأطير استقرائي يتجاوز النوعية من حالة إلى‬
‫أخرى‪ ،‬مع أنه يبقى الفعل اإلجرامي له جوانب من الفرادة والخصوصية‬
‫تستعصي على التعميم وإخراجه من حالته الفردية ولحظته الزمنية تجعله قابال‬
‫‪.‬للتمطيط‬
‫‪" Sutherlan‬نظرية االختالط التفاضلي‪" /‬سذرالند ‪2-‬‬
‫يرفض اعتبار السلوك اإلجرامي سلوكا موروثا‪ ،‬فاإلجرام ال يورث‪ ،‬وإنما‬
‫يكتسب بالتعلم الذي يحدث من نتيجة انخراط الفرد في جماعة‪ ،‬ويحدد نوع‬
‫وقواعد السلوك والقيم السائدة فيها ما إذا كان الفرد سيتعلم اإلجرام أم ال‪ ،‬فإن كان‬
‫أفراد هذه الجماعة ممن يحترمون القانون ويلتزمون بأوامره ونواهيه‪ ،‬تخلق الفرد‬
‫بأخالقهم وتعلم منهم السلوك المتفق مع القانون‪ ،‬أما إن كانوا ممن يؤيدون انتهاك‬
‫القوانين ويميلون لمخالفتها‪ ،‬فالغالب أن ينهج الفرد نهجهم ويتعلم منهم خصالهم‬
‫مما يؤهله القتراف الفعل اإلجرامي‪ ،‬فيكون انحرافه أمرا مؤكدا إذا اقتصر في‬
‫عالقاته على أفراد جماعته‪ ،‬وعزل الجماعات األخرى التي يغلب على أفرادها‬
‫‪ .‬احترام القانون [‪]16‬‬
‫حسب "سذرالند" ال يمكن إرجاع السلوك اإلجرامي في جميع األحوال إلى الفقر‬
‫أو إلى مجرد عوامل سائدة كالظروف والعوامل النفسية واالجتماعية التي تتصل‬
‫بالفقر والفقراء‪ ،‬فهناك أشخاص ينتمون إلى طبقات غنية ومع ذلك يرتكبون بعض‬
‫الجرائم كجزء من نشاطاتهم المهنية وهنا جاء تركيزه على الجرائم التي يرتكبها‬
‫ذوو الياقات البيضاء أو الجرائم الخاصة‪ ،‬لذلك فهو يرى أن السلوك اإلجرامي‬
‫يتعلمه األغنياء والفقراء على السواء بطريقة واحدة وبعمليات متشابهة‪ ،‬بذلك‬
‫حاول "سذرالند" شرح سلوك المنحرف المتعلم أو المكتسب الذي يظهر نتيجة‬
‫صراع بين معايير الثقافات المختلفة التي يتكون منها المجتمع األمريكي‪ ،‬هذا‬
‫السلوك يظهر حينما تطغى المعايير الجانحة في جماعة ما على المعايير المتكيفة‬
‫‪ .‬التي تحكم المجتمع الكلي [‪]17‬‬
‫ومن بين المؤاخذات التي وجهت ل "سذرالند" كون الفرد في كثير من األحيان ال‬
‫يكون مجبرا على االنتماء إلى جماعات منحرفة‪ ،‬إن لم يكن هو شخص منحرف‪،‬‬
‫كما أنه لم يأخذ بعني االعتبار االختالفات داخل المجموعة الواحدة ودور الفرد‬
‫في هذا االختالف ففي الوقت الذي يتبنى البعض موقفا إجراميا ينجح آخرون في‬
‫احترام القانون ويكون العنصر من المجموعة قادرا على التأثير واالختيار بين‬
‫أحد الجانحين وتركيز "سذرالند" على التعلم واستبعاد العامل الشخصي الداخلي‬
‫اصطدم بطروحات تقول عكس ذلك‪ ،‬ألن الفرد قد ال يكون في حاجة لمن يعلمه‬
‫السلوك المنحرف بقدر ما يكون في حاجة إلى تعلم السلوك السوي فالطفل مثال‬
‫بطبيعته ميال إلى الكذب والخداع وإذا ترك بغير تربية وال تهذيب فإنه يكبر‬
‫‪.‬نازعا إلى اإلجرام‬
‫"نظرية التراخي االجتماعي "ميرتون ‪3-‬‬
‫اعتمد "ميرتون" في نظريته على تجاوز العوامل المنعزلة واهتم بالبنية‬
‫االجتماعية بما فيها من تناقضات تدفع بالفرد إلى الخروج عن التنظيم االجتماعي‬
‫والسقوط في اإلجرام بفعل غياب المعايير االجتماعية‪ ،‬وحاول "ميرتون" أن‬
‫يعتمد نظرة متكاملة للمجتمع األمريكي‪ .‬فانطلق من تحليل البنية االجتماعية‬
‫محاوال معرفة األسباب التي تدفع إلى السلوك اإلجرامي‪ ،‬وتوصل إلى حصر هذه‬
‫األنماط السلوكية اعتمادا على مفهوم الالمعيارية أو حالة عدم النظام التي تسيطر‬
‫على المجتمع وتجعله بدون وسيلة ثقافية يعتمدها الناس لتحقيق رغباتهم‬
‫فيضطرون إلى اإلجرام‪ ،‬فمرجع أسباب الجريمة والجنوح هو ردود فعل الفرد‬
‫وتكيفه مع التناقضات التي تفرزها الثقافة السائدة لمجتمعه‪ ،‬وبما أن أغلب‬
‫الرغبات والغرائز ليست بالضرورة طبيعية وإنما هي مجموعة من األهداف‬
‫واإلغراءات التي ينتجها المجتمع وتكرسها الثقافة السائدة فيه‪ ،‬فإن عدم توفير‬
‫اإلمكانيات وإتاحة الفرص لجميع فئات المجتمع لتحقيقها فإنه من الضروري أن‬
‫يظهر أفراد يعمدون إلى وسائل غير مشروعة في تحقيق إشباع ما تتطلبه الثقافة‬
‫بعد أن تعذر تحقيقها بوسائل مشروعة‪ ،‬هكذا ميز "ميرتون" بين عنصرين هامين‬
‫‪ :‬هما [‪]18‬‬
‫األهداف والمعايير‪ :‬الهداف هي تلك االهتمامات التي تكون مشروعة وتشكل ‪-‬‬
‫آمال وتطلعات يسعى كل فرد لتحقيقها وتتدرج بالترتيب حسب أهميتها في سلم‬
‫‪.‬القيم االجتماعية‬
‫أما المعايير‪ :‬هي مجموع القواعد التي تحكم السلوك وتضبط وسائل الوصول ‪-‬‬
‫إلى األهداف فسلوك اإلنسان مرتبط بهذين العنصرين ومدى ترابط العالقة بينهما‬
‫وكلما كانت الصلة متوازنة كان السلوك متوازنا‪ ،‬وإذا تم التركيز على األهداف‬
‫‪.‬دون اعتبار للمعايير تصبح كل الوسائل مشروعة أو غير مشروعة‬
‫مقبولة في نظر الشخص لتحقيقها وبالتالي ينتج السلوك اإلجرامي عن هذا ‪-‬‬
‫االختالل‬
‫النظرية البيئية ‪ /‬كليفورد شو ‪4-‬‬
‫ارتكزت مقاربة شو للظاهرة اإلجرامية على المعطيات واألوضاع االقتصادية‬
‫واالجتماعية لمنطقة محددة بحيث تكون هذه األوضاع هي المسؤولة عن الجريمة‬
‫بها‪ ،‬وهو ما يعني أن الجانب العضوي والنفسي للفرد ليست هي العامل الحاسم‬
‫بل الظروف االقتصادية السائدة والمحيط االجتماعي والبيئي‪ ،‬وقد ركز شو في‬
‫نظريته على المجاالت العمرانية والسكانية غير المالئمة والتي تنتشر فيها كل‬
‫أشكال الجرائم (أحياء الضواحي‪ -‬هوامش المدن)‪ ،‬وهو ما يجعل شو يلتقي‬
‫‪.‬موضوعية مع نظرية الكساني في دور الوسط االجتماعي في الجنوح‬
‫وقد ساهمت أبحاث "شو" في تركيز االهتمام على المراكز الحضرية والظاهرة‬
‫اإلجرامية والتي خلصت إلى وجود نوع من التمايز ما بين جرائم البوادي وجرائم‬
‫الحواضر‬

You might also like