You are on page 1of 6

‫ظهرت عدة نظريات اجتماعية ويمكن اعتبارها نفس مجتمعية أو نفسية بطريق غير مباشر لتفسير‬

‫الجريمة منها نظرية الضغط اﻻجتماعي ونظرية التركيب الوظيفي ونظرية الصراع ونظرية‬
‫التوسيم الطبقي ويمكن تلخيصها كالتالي‪:‬‬

‫‪ -‬نظرية الضغط اﻻجتماعي )‪ ،(Social Strain‬لروبرت ميرتون ‪،Robert K. Merton‬‬


‫)‪ (١٩٣٨‬والتي تبنت أن اﻻنحراف يعتمد على‪:‬‬

‫)‪ (١‬الدافعية لدى الفرد أو اﻻلتزام بأهداف مجمتعية ثقافية‪ (٢) ،‬اعتقاد الفرد في ميفية‬
‫تحقيق أهدافه‪.‬‬

‫وعلى هذا يوجد خمسة أنواع من اﻹنحراف بناء على هذه المحددات وهي‪ :‬المطابقة –‬
‫الطقوس‪ -‬اﻻبتكار‪ -‬التراجع – التمرد‬

‫‪ -‬أما نظرية التركيب )الهيكلية( الوظيفي )‪ ،(Structural functionalism Theory‬والتي‬


‫تستمد جذورها من إيميل دوركايم‪ ،‬ثم براون ثم هاربرت سبينسر )‪ (١٨٩٦‬فتعتقد أن‬
‫اﻹنحراف له دور فعال وبناء في توازن المجتمع حيث يتسبب في بناء التماسك اﻻجتماعي‬
‫بين الجماعات المختلفة المكونة لهذا المجتمع ويتمثل هذا التماسك في رفض الجريمة وقبول‬
‫القيم واﻷعراف والقوانين التي يحتكم إليها المجتمع‪.‬‬
‫‪ -‬أما نظرية الصراع )‪ (Conflict Theory‬والتي تستمد جذورها من كارل ماركس الذي كونها‬
‫على أساس اقتصادي وصراع بين الطبقات ثم تم تطويرها على يد كل من وارد ‪Ward‬‬
‫على أساس إنساني وارتقائي‬ ‫)‪ (١٨٨٣‬و قامبلويتز ‪(١٨٨٤) Gumplowicz,‬‬
‫)‪ (evolutionary‬وتقترح أن اﻻنحراف هو نتيجة متوقعة من عدم المساواة والتمييز الطبقي‪.‬‬
‫أما نظرية التوسيم )التوصيف( )‪ ،(Labeling Theory‬وتنبع من نظرية التفاعل الرمزي في‬ ‫‪-‬‬
‫ستينيات القرن الماضي‪ ،‬وتقترح أن اﻻنحراف ينتج من فرض وصف اﻻنحراف على‬
‫اﻵخرين‪ ،‬مما يؤدي بهم إلى تبني تلك الهوية المنحرفة‪.‬‬

‫أما عن النظريات النفسية المتخصصة‪:‬‬


‫يعتبر اضطراب السلوك أحد اﻻضطرابات التي تخضع للتشخيص والعﻼج‪ ،‬والتي يمكن أن تبدأ منذ‬
‫الصغر في صورة أنماط متكررة ومستمرة من السلوك التي تعتدي على الحقوق اﻷساسية لﻶخرين‬
‫وتخالف السلوكيات المعتادة والمقبولة للمرحلة العمرية‪ .‬ويعد هذا السلوك في الطفولة مؤشرا على‬
‫اضطراب الشخصية المضادة للمجتمع‪ .‬وطبقا للدليل التشخيصي اﻹحصائي الخامس لﻼضطرابات‬
‫النفسية والعقلية تبرز أعراض هذا اﻻضطراب على أنها سلوكيات عنيقة وعدوانية ومنافية للتقدير‪.‬‬
‫وبالمقارنة مع التحكم العادي لدىى اﻷفراد‪ ،‬فإن الذين يتم تشخيصهم بهذا اﻻضطراب وجد أنهم‬
‫يعانون ن من استجابات ضعيفة للتحكم في المنطقة المتعلقة بالسلوك في المخ‪.‬‬

‫ويتعلق هذا أيضا بوظائف المخ المتعلقة بالسلوك واﻻستجابة لكل من الدافعية ‪motivation‬‬
‫والمكافأة ‪ reward‬مما يضيف لتفسير الجريمة بعدا آخر وهو البعد التشريحي البيولوجي‪.‬‬

‫ومن النظريات النفسية المستخدمة لتفسير الجريمة التظرية التحليلية لفرويد ونظرية التحكم الذاتي‬
‫وسألخصهما فيما يأتي‪:‬‬

‫‪ -‬نظرية التحليل النفسي ‪ :The Psychoanalytisis‬يقسم فرويد في هذه النظرية مراحل النمو‬
‫إلى ثﻼثة مراحل وهي الهو )‪ (Id‬واﻷنا )‪ (Ego‬واﻷنا اﻷعلى )‪ (Super Ego‬حيث تفترض‬
‫أن يلتزم الفرد في المرحلة اﻷخيرة بالضوابط والقوانين واﻷعراف المجتمعية‪ ،‬وعليه فإن‬
‫الجريمة تفسر طبقا لهذه النظرية على أنها بقاء الفرد في مرحلة اﻷنا والتي يستديب فيها‬
‫الفرد لرغباته ونزواته دون مراعاة للصحة أو الخطأ ودون النظر إلى تقبل المجتمع من‬
‫رفضه وعليه فيكون الفرد قد فشل في اﻷمرين التاليين‪ (١) :‬التوفيق بين رغباته ونظام‬
‫المجتمع‪ ،‬و )‪ (٢‬التحكم وضبط السلوك مراعاة للقانون والمجتمع‪.‬‬
‫أما نظرية التحكم الذاتي )‪ (Self Control‬لهيرشي ‪ Hirschi‬و قوتفريدسون ‪Gottfredson‬‬ ‫‪-‬‬
‫)‪ (١٩٩٠‬فتسلط الضوء على عدم قدرة الفرد على التحكم وضبط النفس وتعزو ذلك إلى‬
‫اﻷنماط الوالدية في التربية؛ فاﻷنماط الوالدية غير الفعالة قبل سن العاشرة تنتج قدرة أقل‬
‫على التحكم في النفس مقارنة بأقرانهم في نفس العمر من اﻷطفال الذين يمتعوا بوالدية جيدة‬
‫وفعال )‪ (Muraven, Pogarsky&Shmueli, 2006‬كما أثبتت البحوث العﻼقة بين مستوى‬
‫القدرة على التحكم في النفس )اي اﻻندفاع( والسلوك اﻹجرامي‪.‬‬
‫كما توجد تفسيرات أخرى لﻼنحراف والسلوكيات المضادة للمجتمع مثل اضطراب ما بعد الصدمة‬
‫)‪) (Post Traumatic Stress Disorder PTSD‬ص ‪ ،(١٩٥‬كما يحدث في حالة الناجين من اﻹساءة‬
‫والعنف ضد اﻷطفال سواء الجسدية أو النفسية أو الجنسية‪ ،‬والناجين من الحروب وغيرها‪،‬و كما‬
‫أظهرت الدراسات حول أسباب أحداث العنف واﻻنتحار لدى العائدين من الحروب )‪ %٢٦‬يعانون‬
‫من اضطراب حاد بعد الصادمة‪ &٢٦ ،‬اضطراب اﻻكتئاب الحاد‪ %٤٨ ،‬يعانون من كﻼ‬
‫اﻻضطرابين بدرجة حادة(‪.‬‬

‫ويخصص الدليل التشخيصي الخامس قسما منه ﻻضطرابات التشوش والتحكم باﻻندفاع والمسلك‬
‫‪)The Disruptive, Impulse-Control and Conduct Disorders‬ص‪ ،(٢٧٧‬ويجمع بين أعراضها‬
‫الغضب وفقد الفرد ﻷعصابه واﻻندفاع وتدمير الممتلكات واﻻعتداء على اﻵخرين والرغبة في‬
‫اﻻنتقام ومنها اﻻضطراب اﻻنفعالي المتقطع ‪ ،Intermittent Explosive Disorder‬وقسما آخر‬
‫ﻻضطرابات الشخصية وخصوصا في المجوعة ‪ ،B‬وأولها اضطراب ﻻشخصية المعادي للمجتمع‬
‫)‪ (٣٨٧‬ومنها اضطراب الشخصية الحدية )‪ ، (٣٨٧‬واضطراب الشخصية النرجسية )‪ ،(٣٨٩‬هذا‬
‫باﻹضافة إلى اﻻضطرابات الشخصية اﻷخرى ذات العﻼقة باﻻنحراف الجنسي وذات العﻼقة‬
‫باﻹدمان وغيرها‪ ،‬ومما ينبغي التنويه له أن الدليل التشخيصي ﻻ يفسر السلوك اﻹنحرافي وإنما‬
‫يكتفي بذكر اﻷعراض التشخيصية له‪.‬‬

‫ومن هذه التفسيرات ما يذكر في الدليل التشخيصي اﻹحصائي أيضا على أنه من مسببات اضطراب‬
‫التحدي اﻻعتراضي لدى المراهقين ‪ Oppositional Defiant Disorder‬والذي يصيب المراهقين‬
‫وتتلخص أعراضه في اﻻعتراض على أصحاب السلطة والتدمير والعدوانية‪.‬‬

‫‪ -‬وتوجد فروق بين الجنسين حيث يﻼحظ السلوك العدواني )اللفظي والجسدي( على اﻷوﻻد‬
‫أكثر من البنات‪ ،‬وأكثر عنفا وأكثر تكرارا وأسرع ظهورا في سن مبكرة في الذكور مقارنة‬
‫بظهوره عند البنات‪ ،‬وأظهرت التجارب أن أك‬

‫ونظرا ﻷن العوامل المرتبطة بالجريمة تتعدد لتشمل جوانب مختلفة من الحياة؛ بيولوجية واجتماعية‬
‫ونفسية واقتصادية وغيرها‪ ،‬فقد ظهرت موجة جديدة من النظريات في نهاية القرن الماضي والتي‬
‫تعتبر عدة عوامل يؤثر بعضها أو جميعها في نشوء السلوك اﻹجرامي )المعادي للمجتمع( وأذكر‬
‫من هذه النظريات ما يلي‪:‬‬
‫‪ .١‬نموذج التنمية اﻻجتماعية ‪Social Development Model‬‬

‫حيث يستطلع هذا النموذج كﻼ من السلوك المضاد للمجتمع والسلوك المؤيد للمجتمع كنتيجة‬
‫مكتسبة لعوامل خطورة وعوامل حماية تتضمن جميع الجوانب الحياتية مثل البيولوجية‬
‫واﻻجتماعية والنفسية وغيرها مما تم تأكيده منفردا في مسودة النظريات اﻷقدم تاريخيا والتي‬
‫اعتمدت عامﻼ واحدا مسببا للجريمة‬
‫‪(Hawkins and Weis, 1985; Catalano and Hawkins, 1996; Hawkins and Catalano, 1987).‬‬
‫ويجمع نموذج التنمية اﻻجتماعية عددا من العوامل مثل التحكم‪ ،‬والتعلم اﻻجتماعي‪ ،‬ونظرية‬
‫اﻻرتباط التفاضلي مع اﻻعتراف بعوامل أخرى مثل الوضع في التركيبة اﻻجتماعية‪،‬‬
‫والمهارات المكتسبة‪ ،‬والعوامل البيولوجية‪ ،‬باﻹضافة إلى أخذ نظرية التأثيرات المتعددة للتفاعل‬
‫بين هذه العوامل في اﻻعتبار والتي لم يتم اعتبارها في نظريات سابقة‪.‬‬
‫ويقوم نموذج التنمية اﻻجتماعية على فرضية أنه خﻼل مراحل النمو في المرحلة اﻻبتدائية‪،‬‬
‫يتعلم اﻷطفال أنماطا من السلوك سواء مع المجتمع أو ضده أساسا من الوحدات مصادر التنشئة‬
‫اﻻجتماعية لﻸسرة والمدرسة مع تأثير اﻷقران والجيران والذي يتزايد مع النمو العمري‬
‫والدراسي لﻸطفال خﻼل المرحلة اﻻبتدائية‪.‬‬
‫ويذكر المتخصصون أن هذا النموذج يتميز على غيره في قدرته على تفسير السلوكيات‬
‫المضادة للمجتمع لدى اﻷطفال ولدى المراهقين وعلى أهمية اﻻستفادة منها في تطوير وسائل‬
‫التدخل اﻹيجابية لدى المراهقين والشباب في معالجة هذه السلوكيات المنحرفة وتقويمها‪.‬‬

‫نظرية إليوت المدمجة‪Eliott’s Integrated Theory :‬‬ ‫‪.٢‬‬

‫تجمع هذه النظرية بين مبادئ نظريات اﻻنحراف ) ‪ (Strain Theory‬والتحكم )‪ (Control‬والتعلم‬
‫اﻻجتماعي )‪ (Social Learning‬في توجه نظري واحد‪ ،‬حيث تبين أن سبب اﻻنحراف يكون في‬
‫اﻹحباط والعجز من تحقيق أهداف يعتقد أنها ضرورية مما يؤدي إلى اﻹنحراف‪ .‬ويلخص هذا‬
‫التوجه النظري مسار اﻹنحراف في أن العوائق تضعف الروابط اﻻجتماعية مع اﻷشخاص‬
‫والمؤسسات‪ ،‬مما يؤدي إلى زيادة اﻻرتباط بالقرناء المنحرفين‪ ،‬ومن ثم تعلم السلوكيات المضادة‬
‫للمجتمع والقيم الهابطة‪ .‬المراهقون على وجه الخصوص والذين يعيشون في مجتمعات أو أحياء‬
‫عشوائية وغير منظمة أكثر عرضة للتأثر بما يعرف بالعوائق واﻻلتحاق بالقرناء المنحرفين وهي‬
‫فئة يحتمل فيها تزايد اﻹنسﻼخ من القيم المجتمعية والروابط العائلية والشخصية مع اﻷسوياء‪.‬‬
‫‪ .٣‬نظريات دورة الحياة ‪: Life Cycle’s Theories‬‬

‫‪Moffitt’s Theory of‬‬ ‫وتشمل هذه المجموعة عدة نظريات مثل نظرية موفيت لﻼنحراف‬
‫‪Farrington’s Theory of Delinquent‬‬ ‫‪ ،Delinquency‬ونظرية فارينقتون لتطور اﻻنحراف‬
‫‪ ،Development‬ونظرية التفاعل ‪ ، Interactional Theory‬ونظرية التدرج العمري ‪Age Graded‬‬

‫‪ Theory‬لسامسون وﻻوب ‪.Sampson and LAub’s Age Graded Theory‬‬

‫فتشير نظرية موفيت )‪ (٢٠٠١‬إلى وجود نوعين من اﻻنحراف‪ (١) :‬اﻻنحراف المحدود زمنيا وهذا‬
‫خاص بالشباب والمراهقين‪ ،‬و)‪ (٢‬اﻻنحراف المستمر زمنيا أو مدى الحياة ويقصد به اﻻنحراف‬
‫الذي يظهر منذ الطفولة ويستمر إلى مرحلة الكبر‪.‬‬
‫أما نظرية فارينقتون )‪ (2006‬فتتجاهل التأثير البيولوجي على تكوين اﻻنحراف وتجعل اﻻنحراف‬
‫مسؤولية فردية وهي أقرب ما يكون إلى اقتباسا من علم سيكولوجية الجريمة أو اﻻنحراف‬
‫‪ Psychology of Crime and Deviance‬والتي تجعل الجريمة مسؤولية فردية‪.‬‬
‫أما نظرية التدرج العمري ‪ Age Graded Theory‬لسامسون وﻻوب ‪Age Graded Theory‬‬
‫‪ Sampson and LAub’s‬فتجمع بين المتغيرات التالية‪ (١) :‬التركيب المجنمعي‪ (٢) ،‬والعملية‬
‫‪ Process‬ويقصد بها التفاعﻼت البيئية‪ (٣) ،‬والخصائص الشخصية لتفسير اﻻنحراف واﻻستمرار‬
‫فيه أو اﻹقﻼع عنه )‪ .(Laub, Sampson & Sweeten 2006, p. 315‬ومما يجدر بالذكر أن‬
‫هذه النظرية تشير إلى أن اﻻنحراف يظهر عندما تضعف الرابطة بين الفرد والمجتمع‪ ،‬حيث يقصد‬
‫بالمجتمع في مرحلة الصغر اﻷسرة واﻷقارب واﻷصدقاء‪.‬‬
‫وتدور كل هذه النظريات حول تطور وتدرج اﻻنحراف على حسب المراحل العمرية وأثناء الفترات‬
‫اﻻنتقالية حيث تختلف حالة الفرد في تقبل السلوك المضاد للمجتمع أو مقاومته في الطفولة عنها في‬
‫المراهقة عنها في الشباب وفي الشيخوخة وغيرها‪ ،‬وكذلك في حال البطالة‪ ،‬أو قبل الزواج عنها في‬
‫حال العاملين أو المتزوجين‪.‬‬
‫ويمكن أن نضيف إلى هذه الوحدات المكونة للتنشئة اﻻجتماعية التقنية والفضاء اﻻلكتروني‬
‫واﻷلعاب اﻻلكترونية واﻷقران حيث أصبحت تنافس اﻷسرة والمجتمع في تشكيل عقلية وسلوكيات‬
‫اﻻطفال والشباب المستخدمين لها خصوصا مع ضعف الرقابة الوالدية أو عدمها‪ ،‬مع ضعف في‬
‫أداء أدوار بعض المؤسسات المجتمعية كالتعليم والمسجد وغيرها‪.‬‬
.

You might also like