You are on page 1of 4

‫‪RedOne Hm‬‬

‫علم االجرام‬

‫الفصل االول ‪ :‬النظريات االجتماعية في علم االجرام‬


‫تهتم النظريات االجتماعية في علم االجرام بشرح السلوك المنحرف و البحث عن االسباب و الدوافع التي تحرك هذا السلوك و تجعله‬
‫مخالفا للنمط االجتماعي ‪ .‬و خدت االعمال االولى في البحث عن اساب االجريمة اتجاها بيولوجيا يركز على البنية العضوية لالنسان‬
‫المجرم ‪ ،‬و مع ضعف هذا التفسير االخير‪ ،‬ظهرت تيارات علمية تساعد على فهم السلوك االجرامي و تجد له اسباب اخرى لم يكن‬
‫يهتم بها علم الحياة او علم الطب ‪ ،‬فاصبحت الدراسات السوسيولوجية تساهم بنصيب علمي كبير في ايجاد المعادلة العلمية القريبة‬
‫لشرح الظاهرة االجرامية ‪.‬‬
‫المبحث االول ‪ :‬الدراسات العلمية االةلى للمجرم ‪ :‬االتجاه البيولوجي‬
‫ارتبط االتجاه البيولوجي في علم اإلجرام بمرحلة التأسيس‪ ،‬إذ ظهر أول األمر مفسرا الجريمة بتشوه عضوي أو عقلي لذاك المجرم‪.‬‬
‫فالمجرم في نظر البيولوجي إنسان شاذ التكوين‪ ،‬له سمات خاصة تؤهله الرتكاب الفعل اإلجرامي قسرا دون أن تكون له القدرة على‬
‫اختيار آ خر‪ ،‬وقد عرف هذا االتجاه انتشارا واسعا خصوصا أنه يعتمد دراسة شخصية المجرم من الناحية العضوية الشيء الذي أثار‬
‫الكثير من النقاش واالختالف كان مصدر ميالد نظريات أخرى‪.‬‬
‫المطلب االول ‪ :‬نظرية لومبروزو‬
‫‪ -1‬مضمون النظرية يعتبر "لومبروزو" من مؤسسي علم اإلجرام‪ ،‬حيث تناول شخصية المجرم بالبحث والدراسة من الناحية‬
‫الفيزيولوجية وساعده في ذلك كونه طبيبا في الجيش اإليطالي‪.‬‬
‫وتتلخص نظريته في كون المجرم يحمل في بنيته العضوية خصائص معينة تختلف عن اإلنسان السوي ومرتبطة أساسا بأعراض‬
‫سريرية ومظاهر خلقية تتحدد في كل الرأس ومالمح الوجه وحجم األعضاء وشكلها‪ ،‬ثم أضاف إلى هذا التحديد العضوي عناصر‬
‫نفسية استنتجتها من جملة سلوكات المجرم تجاه ذاته (الوشم) واتجاه اآلخرين (العنف)‪ .‬وميزتها األساسية ضعف اإلحساس باأللم‬
‫والقسوة وعدم الشعور بالخجل وعنف المزاج وحب الشر وبفضل عمله التشريحي استطاع لومبروزو اكتشاف وجود غور في آخر‬
‫الجمجمة غير عادي ومشابه لجماجم الحيوانات‪ ،‬فاستنتج من ذلك أن المجرم نوع شاذ من الناس مختلف التركيب التكوين يقترب من‬
‫اإلنسان البدائي‪ ،‬لذلك فهو بدائي بطبعه ال يستطيع التكيف والعيش واالنصهار في المجتمع الذي يعيش فيه ‪.‬‬
‫وأكد "لومبروزو" أن المجرم هو شخص مغلوب على أمره ألنمه مجرم بالفطرة‪ ،‬مع أنه ورغم عدم توفر شروط الرجعة (أي‬
‫الخصائص البيولوجية المؤهلة لإلجرام) في بعض األشخاص بإمكانهم أن يكونوا مجرمين‪ ،‬لكن كل من تتوفر فيه الخصائص غالبا ما‬
‫يكون مجرما‪.‬‬
‫‪ -2‬االنتقادات الموجهة الى االنظرية لقد ارتبطت االنتقادات الموجهة إلى نظرية "لومبروزو" من الناحية المنهجية بحجم العينة‬
‫المدروسة التي لم تكن كافية حتى يمكن تعميم نتائج الدراسة‪ ،‬كما أن التأطير النوعي لهذه العينة لم يأخذ بعين االعتبار إمكانية توفر‬
‫تلك الخصائص الشكلية والعضوية في أشخاص أسوياء‪ ،‬وهذا ما تحققت منه دراسات الحقة أكدت أن توفر الرجعة التي استعرضها‬
‫"لومبرزو" ليست بالضرورة محددا للشخصية اإلجرامية نظرا لوجود أشخاص يحملونها وليسوا بمجرمين كما أن هناك مجرمين‬
‫رغم أنه ال تتوفر فيهم‪ .‬كذلك مسألة تشبيهه المجرم باإلنسان البدائي ال يستند على أسس متينة‪ ،‬ألن االنتربولوجيا حينها كانت في‬
‫بدايتها ولم تتوصل بعد إلى جمع المعلومات الكافية حول اإلنسان البدائي ولم يكن في حوزتها سوى القليل من الدالئل العلمية والتي‬
‫ال يمكن االعتماد عليها في المقارنة‪ .‬هذا إضافة إلى قصور في اإلحصاء وتأخر االكتشافات بخصوص قوانين الوراثة ‪.‬‬
‫ومع ذلك ظلت نظرية "لومبروزو" عالمة بارزة في مسار تأسيس علم اإلجرام ومؤشرا على تقدم الدراسات اإلجرامية‪ ،‬ويكفي أن‬
‫نالحظ أنه أول من استخدم أسلوب المقارنة االحصائية بين المجرمين وغير المجرمين مستعمال المنهج العلمي لدراسة الظاهرة‬
‫اإلجرامية وتبقى أبحاثه أيضا بمثابة األساس للمدرسة البيولوجية‪.‬‬

‫المبحث الثاني ‪ :‬الدراسات السوسيولوجية المتعلقة باإلجرام‬


‫تقتضي الدراسات السوسيو لوجية في ميدان الجريمة استعمال الوسائل العلمية التي توفرها البحوث االجتماعية ‪.‬و كذا تطبيق‬
‫قواعدها للوصول الى دراسة الجريمة دراسة وافية‪ .‬و بما ان عوامل االجرام متعددة فان الدراسات السوسيولوجية تقوم بالتركيز‬
‫على العوامل االجتماعية المختلفة‪ ،‬و تعطيه اهمية كبيرة وذلك راجع الى تؤثر في تكزين شخصية المجرم و في تحديد سلوكه‬
‫المنحرف‪ .‬لذلك يحظى هذا التيار مكانة مرموقة في محاولة ايجاد علة الجريمة‪.‬‬
‫المطلب االول ‪ :‬مرحلة التاسيس او مدرسة فيري السوسيولوجية‬
‫الفرع االول ‪ :‬مرحلة ما قبل فيري‬
‫الفرع الثاني ‪ :‬عهد فيري اهتم فيري بما طرحه استاذه "لميروزو" بشان التاثير العضوي البيولوجي ‪ ،‬غير انه خالفا الستاذه‪،‬‬
‫اعتبر العوامل االجتماعية و النفسية و االقتصادية و الجغرافية و السياسية اسبابا دافعة الرتكاب الجريمة ‪ .‬و يعد فيري مؤسس‬
‫الجناح البيولوجي االجتماعي للمدرسة البيولوجية ‪ ،‬و اليه يرجع الفضل في تاسيس علم االجتماع الجنائي ‪ .‬كما ابتدع ما يعرف‬
‫بقانون التشبع االجرام ي او الكثافة االجرامية و مفادها انه في مجتمع معين و تحت تاثير ظروف شخصية معينة و ظروف اجتماعية‬
‫و عوامل طبيعية معينة ترتكب جرائم معينة ال تزيد و ال تنقص‪ .‬و طبقا ً لهذا القانون أيضا ً يصل فيري إلى القول بأن كل حدث غير‬
‫طبيعي أو طارئ ‪ -‬كحرب أو ثورة أو وباء عام‪...‬الخ ‪ -‬يؤدي إلى اطراد سريع في معدل اإلجرام سرعان ما يعود هذا المعدل إلى حاله‬
‫السابق حالما يزول الحدث الشاذ‪ . .‬هذا و قد اعتمد فيري ان التصدي للجريمة و الدفاع عن المجتمع يستوجب اوال الدفاع الوقائي ثم‬
‫الدفاع العقابي ‪ .‬و ارتاى ايضا ان مواجهة خطورة الجاني تستلزم امرين ‪ :‬اولهما مواجهتها بالتدابير البوليسية الوقائية و اخرهما‬
‫تكييفه مع الحياة االجتماعية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪RedOne Hm‬‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬المدرسة الفنسية البلجيكية او مدرسة المحيط االجتماعي‬


‫جاء التصور االجتماعي للظاهرة اإلجرامية كرد فعل ضد التصورات البيولوجية التي استبعدت كل تأثير لألوساط االجتماعية فيها وفي‬
‫المرحلة التاريخية ذاتها حمل مجموعة المفكرين األوربيين على عاتقهم مسؤولية وضع الفعل اإلجرامي في سياقه وليس االكتفاء‬
‫بحصره في الحالة الفيزيولوجية للمجرم وأهم أقطاب المدرسة االجتماعية األوربية نجد أمثال‪ :‬وتارد ودوركهايم‪.‬‬
‫الفرع الثاني ‪ :‬كابرييل طارد ‪ -‬نظرية التأثير النفسي االجتماعي تجنب "غابرييل تارد" التكوين العضوي للمجرم معتبرا أهمية‬
‫المحيط االجتماعي في ظهور السلوك اإلجرامي مركزا على عوامل نفسية واجتماعية هي "التقليد" و"التنشئة االجتماعية"‬
‫و"المعتقدات الثقافية" فعوامل انحراف الفرد وخروجه عن أنماط السلوك االجتماعي إنما ترجع أساسا إلى عوامل يغلب عليها الطابع‬
‫االجتماعي‪ ،‬بل اإلمكانيات واالختيارات الممنوحة والمنحة لألفراد وحيتهم في التفضيل بين المنهج السوي والمنهج غير السوي تبقى‬
‫هي المؤشر على استعداد بعض األفراد وميولهم الختيار طريق الجريمة‪. .‬هكذا يكون احتراف الجريمة في نظر "تارد" خالصة‬
‫تمرين وتدريب وظروف تنشئة مثلها مثل غيرها من الحرف والمهن مع فارق بسيط هو أن المجرم ينشأ ويتربى في بيئة إجرامية‬
‫ساعدت على انخراطه في الجريمة ‪.‬‬
‫إال أنه يالحظ على "تارد" بقي متشبتا بقانونه األخالقي الذي ربطه بالجريمة واعتبر أن مستوى اإلجرام هو مؤشر حقيقي لألخالق‬
‫في المجتمع مما يعكس تالزم وتماسك دائرة األخالق ودائرة القانون‪ ،‬في حين أن هذا التالؤم ال يصدق إال على جانب ضئيل من‬
‫الجرائم التي تمس الشعور العام بالعطف واالستقامة‪ ،‬لتبقى الجرائم االعتبارية واالصطناعية التي تكون من وضع المشرع في ظرف‬
‫ومكان معينين بعيدة عن هذا التحديد‪.‬‬
‫الفرع الثالث ‪ :‬ايميل دوركايم ‪ -‬نظرية البنية االجتماعية والثقافية يعتبر مؤسس علم االجتماع "إيميل دوركهايم" صاحب هذه‬
‫النظرية‪ ،‬أن الجريمة ظاهرة طبيعية يجب قبولها على أنها تعبير له وظيفته‪ ،‬فهي موجودة في جميع المجتمعات في كل األزمنة‪،‬‬
‫لكنها تصير ظاهرة مرضية غير عادية فقط حينما ترتفع أو تنخفض عن المتوسط أو المعدل‪ ،‬وال يمكن اعتبارها مرضية حينما ال‬
‫تؤثر سلبيا في المهام الوظيفية للمجتمع حيث ان الجريمة ليست عرضية وإنما هي من صفات المجتمع وتركيبته وثقافته‪ ،‬فالفرد‬
‫يعتبر جزءا من المجتمع لذلك فإن جنوحه وخروجه عن قواعد السلوك الجماعية ال يمثل ظاهرة مرضية شخصية وإنما يعتبر ذلك‬
‫ناشئا عن المجتمع مباشرة وعما يتصف به من خصائص لذلك فإذا كانت الجريمة الزمة وال تخرج عن المعدل المتوسط للمجتمع‬
‫فإنها عادية وطبيعية بل وتعتبر عالمة صحة المجتمع وسالمة نظمه ومؤسساته ‪.‬‬
‫كما أن "دوركهايم" استعمل مفهوم األنومية أو الالمعيارية واعتبرها سببا لالنحراف االجتماعي‪ ،‬وتعني حالة األنومية حالة الالقانون‬
‫أو الالنظام الذي يجد الفرد نفسه فيها مع افتقاره إلى قاعدة أو معيار لسلوكه السوي مقارنة مع السلوك غير السوي وفي هذه الحالة‬
‫غالبا ما تنتج عن الصراع أو التناقض الذي يعيشه الفرد في عالقته االجتماعية‪ .‬وخاصة الواجبات والمتطلبات اليومية للحياة‪ ،‬بحيث‬
‫تكون هذه الحالة تعبيرا عن أزمة وحاجة العالقات االجتماعية للقيم التي تحفظ لها تناسقها ووظيفتها مما ينعكس على الفرد ويدفعه‬
‫إلى العزلة ومعاداة مجتمعه أمام غياب معايير وقواعد تقوم بدور الضبط االجتماعي ويؤكد "دوركهايم" أن ضعف المجتمع وتهاونه‬
‫في احتضان الفرد إليه بحيث أن هذا األخير يصبح في حل من كل قيد اجتماعي أو خضوع أو احترام لطقوسه ويعتقد أنه أصبح جزءا‬
‫فوق العادة وال شيء يلزمه نحو مجتمعه (ضعف اإلكراه االجتماعي) فيستبيح ارتكاب الجرائم التي تصبح في نظره وسائل مشروعة‬
‫لتحقيق ما عجز المجتمع عن توفيره له وهي الحاجيات الطبيعية التي بدونها ال يمكن للحياة أن تستقيم ‪.‬‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬مدرسة شيكاغو السوسيولوجية‬
‫اعتمد األمريكيون في تفسير الجريمة التصور االجتماعي وذلك بردها إلى عوامل اجتماعية‪ ،‬وتأثرا باإلرث األوربي خصوصا‬
‫إسهامات "دوركهايم" الوضعية الموضوعية‪ ،‬تأسست المدرسة األمريكية بخصوصيات جديدة معتبرة أن السلوك اإلجرامي نابع عن‬
‫نفس العوامل التي ينجم عنها أي سلوك اجتماعي آخر‪ ،‬فكان الرابط بين هذه السلوكات والتنظيم االجتماعي هي السمة الغالبة على‬
‫نشأة هذه المدرسة‪ ،‬ومن ثمة فإن النظريات االجتماعية تنطلق من دراسة االنحراف كظاهرة اجتماعية تخضع في حركتها وانتشارها‬
‫لقوانين حركة المجتمع‪ ،‬وانطالقا من هذه الخصوصية سنحاول أن نستعرض لثالثة نظريات اجتماعية تختلف في منطلقاتها لتفسير‬
‫السلوك اإلجرامي وهي مجموعة تمثل المدرسة األمريكية‪.‬‬
‫الفرع االول ‪ :‬نظرية العوامل السائدة اتخذت هذه النظرية من الدراسات االجتماعية أساسا لمنهجيتها وبحثها عن أسباب الجريمة‬
‫واعتمدت أسلوب التحليل اإلحصائي وربطت الجريمة بالمتغيرات المختلفة التي تحدد السلوك اإلجرامي مع حصر هذه المتغيرات مثال‬
‫البطالة‪ ،‬السن‪ ،‬الجنس‪ ،‬الحالة الثقافية‪ ،‬الحالة السكن‪ ،‬الحالة الصحية‪ ،...‬وبعد تحديد المتغيرات المختلفة ومقارنتها بالمعطيات‬
‫األولية التي يتوفر عليها الباحث‪ ،‬يعمد هذا األخير إلى استخالص العوامل التي تالزم ظهور السلوك المنحرف بواسطة معامل االرتباط‬
‫كي يتمكن من تصنيف المتغيرات حسب درجة ارتباطها بالجريمة وبالتالي الخروج بأكثر العوامل ذات عالقة سببية بالظاهرة ‪.‬‬
‫وجهت انتقادات لهذه النظرية وكان من بينها تلك االنتقادات التي خصت المستوى المنهجي ذلك أن اإلحصاء يهدف إلى تلخيص‬
‫الوقائع والجرائم في سلسلة من األرقام التي تسمح باستخراج قوانين تفسيرية للظاهرة اإلجرامية‪ ،‬مما يستبعد الفروق الفردية‬
‫الدقيقة ويسعى إلى تأطير استقرائي يتجاوز النوعية من حالة إلى أخرى‪ ،‬مع أنه يبقى الفعل اإلجرامي له جوانب من الفرادة و‬
‫الخصوصية تستعصي على التعميم وإخراجه من حالته الفردية ولحظته الزمنية تجعله قابال للتمطيط‪.‬‬
‫الفرع الثاني ‪ :‬ظرية ميرتون او التلراخي االجتماعي اعتمد "ميرتون" في نظريته على تجاوز العوامل المنعزلة واهتم بالبنية‬
‫االجتماعية بما فيها من تناقضات تدفع بالفرد إلى الخروج عن التنظيم االجتماعي والسقوط في اإلجرام بفعل غياب المعايير‬
‫االجتماعية‪ ،‬وحاول "ميرتون" أن يعتمد نظرة متكاملة للمجتمع األمريكي‪ .‬فانطلق من تحليل البنية االجتماعية محاوال معرفة‬
‫األسباب التي تدفع إلى السلوك اإلجرامي‪ ،‬وتوصل إلى حصر هذه األنماط السلوكية اعتمادا على مفهوم الالمعيارية أو حالة عدم‬
‫النظام التي تسيطر على المجتمع وتجعله بدون وسيلة ثقافية يعتمدها الناس لتحقيق رغباتهم فيضطرون إلى اإلجرام‪ ،‬فمرجع أسباب‬
‫الجريمة والجنوح هو ردود فعل الفرد وتكيفه مع التناقضات التي تفرزها الثقافة السائدة لمجتمعه‪ ،‬وبما أن أغلب الرغبات والغرائز‬

‫‪2‬‬
‫‪RedOne Hm‬‬

‫ليست بالضرورة طبيعية وإنما هي مجموعة من األهداف واإلغراءات التي ينتجها المجتمع وتكرسها الثقافة السائدة فيه‪ ،‬فإن عدم‬
‫توفير اإلمكانيات وإتاحة الفرص لجميع فئات المجتمع لتحقيقها فإنه من الضروري أن يظهر أفراد يعمدون إلى وسائل غير مشروعة‬
‫في تحقيق إشباع ما تتطلبه الثقافة بعد أن تعذر تحقيقها بوسائل مشروعة‪ ،‬هكذا ميز "ميرتون" بين عنصرين هامين هما‪ :‬األهداف‬
‫والمعايير؛‬
‫‪ -‬االهداف هي تلك االهتمامات التي تكون مشروعة وتشكل آمال وتطلعات يسعى كل فرد لتحقيقها وتتدرج بالترتيب حسب أهميتها في‬
‫سلم القيم االجتماعية‪.‬‬
‫‪ -‬أما المعايير‪ :‬هي مجموع القواعد التي تحكم السلوك وتضبط وسائل الوصول إلى األهداف فسلوك اإلنسان مرتبط بهذين العنصرين‬
‫ومدى ترابط العالقة بينهما وكلما كانت الصلة متوازنة كان السلوك متوازنا‪ ،‬وإذا تم التركيز على األهداف دون اعتبار للمعايير‬
‫تصبح كل الوسائل مشروعة أو غير مشروعة مقبولة في نظر الشخص لتحقيقها وبالتالي ينتج السلوك اإلجرامي عن هذا االختالل‪.‬‬
‫الفرع الثالث ‪ :‬نظرية االختالط التفاضلي او الجماعات المتباينة "سوزيرالند" يرفض" سوزيرالند" اعتبار السلوك اإلجرامي سلوكا‬
‫موروثا‪ ،‬فاإلجرام ال يورث‪ ،‬وإنما يكتسب بالتعلم الذي يحدث من نتيجة انخراط الفرد في جماعة‪ ،‬ويحدد نوع وقواعد السلوك والقيم‬
‫السائدة فيها ما إذا كان الفرد سيتعلم اإلجرام أم ال‪ ،‬فإن كان أفراد هذه الجماعة ممن يحترمون القانون ويلتزمون بأوامره ونواهيه‪،‬‬
‫تخلق الفرد بأخالقهم وتعلم منهم السلوك المتفق مع القانون‪ ،‬أما إن كانوا ممن يؤيدون انتهاك القوانين ويميلون لمخالفتها‪ ،‬فالغالب‬
‫أن ينهج الفرد نهجهم ويتعلم منهم خصالهم مما يؤهله القتراف الفعل اإلجرامي‪ ،‬فيكون انحرافه أمرا مؤكدا إذا اقتصر في عالقاته‬
‫على أفراد جماعته‪ ،‬وعزل الجماعات األخرى التي يغلب على أفرادها احترام القانون ‪.‬‬
‫حسب "سذرالند" ال يمكن إرجاع السلوك اإلجرامي في جميع األحوال إلى الفقر أو إلى مجرد عوامل سائدة كالظروف والعوامل‬
‫النفسية واالجتماعية التي تتصل بالفقر والفقراء‪ ،‬فهناك أشخاص ينتمون إلى طبقات غنية ومع ذلك يرتكبون بعض الجرائم كجزء‬
‫من نشاطاتهم المهنية وهنا جاء تركيزه على الجرائم التي يرتكبها ذوي الياقات البيضاء أو الجرائم الخاصة‪ ،‬لذلك فهو يرى أن‬
‫السلوك اإلجرامي يتعلمه األغنياء والفقراء على السواء بطريقة واحدة وبعمليات متشابهة‪ ،‬بذلك حاول "سذرالند" شرح سلوك‬
‫المنحرف المتعلم أو المكتسب الذي يظهر نتيجة صراع بين معايير الثقافات المختلفة التي يتكون منها المجتمع األمريكي‪ ،‬هذا السلوك‬
‫يظهر حينما تطغى المعايير الجانحة في جماعة ما على المعايير المتكيفة التي تحكم المجتمع الكلي ‪.‬‬
‫ومن بين المؤاخذات التي وجهت ل "سذرالند" كون الفرد في كثير من األحيان ال يكون مجبرا على االنتماء إلى جماعات منحرفة‪ ،‬إن‬
‫لم يكن هو شخص منحرف‪ ،‬كما أنه لم يأخذ بعني االعتبار االختالفات داخل المجموعة الواحدة ودور الفرد في هذا االختالف ففي‬
‫الوقت الذي يتبنى البعض موقفا إجراميا ينجح آخرون في احترام القانون ويكون العنصر من المجموعة قادرا على التأثير واالختيار‬
‫بين أحد الجانحين وتركيز "سذرالند" على التعلم واستبعاد العامل الشخصي الداخلي اصطدم بطروحات تقول عكس ذلك‪ ،‬ألن الفرد قد‬
‫ال يكون في حاجة لمن يعلمه السلوك المنحرف بقدر ما يكون في حاجة إلى تعلم السلوك السوي فالطفل مثال بطبيعته ميال إلى الكذب‬
‫والخداع وإذا ترك بغير تربية وال تهذيب فإنه يكبر نازعا إلى اإلجرام‪.‬‬
‫الفرع الرابع ‪ :‬النظرية البيئية " كليفورد شو " ارتكزت مقاربة " شو " للظاهرة اإلجرامية على المعطيات واألوضاع االقتصادية‬
‫واالجتماعية لمنطقة محددة بحيث تكون هذه األوضاع هي المسؤولة عن الجريمة بها‪ ،‬وهو ما يعني أن الجانب العضوي والنفسي‬
‫للفرد ليست هي العامل الحاسم بل الظروف االقتصادية السائدة والمحيط االجتماعي والبيئي‪ ،‬وقد ركز "شو" في نظريته على‬
‫المجاالت العمرانية والسكانية غير المالئمة والتي تنتشر فيها كل أشكال الجرائم (أحياء الضواحي‪ -‬هوامش المدن)‪ ،‬وهو ما يجعل‬
‫شو يلتقي موضوعية مع نظرية " الكساني" في دور الوسط االجتماعي في الجنوح‪.‬‬
‫وقد ساهمت أبحاث "شو" في تركيز االهتمام على المراكز الحضرية والظاهرة اإلجرامية والتي خلصت إلى وجود نوع من التمايز ما‬
‫بين جرائم البوادي وجرائم الحواضر‬
‫الفصل الثاني ‪ :‬نظريات اخرى‬
‫المبحث االول ‪ :‬التفسير التكاملي للظاهره اإلجراميه‬
‫اتضح لنا من النظريتين السابقتين قصور التحليالت السابقة يرجع ذلك إلى أنها ركزت اهتمامها على عامل وأغفلت عوامل أخرى‬
‫كثيرة‪ ،‬أو حاولت أن تقدم تفسيرا ً جزئيا ً لنمط إجرامي معين على وجه التحديد‪ .‬فضالً عن هيمنة فكرة الحتمية على كافة النظريات‬
‫السابقة‪ ،‬بمعنى أن العوامل العضوية أو النفسية أو االجتماعية واحدة بعد األخرى تقتضي حتما ً ارتكاب السلوك اإلجرامي على نحو‬
‫يجعل األخير يخضع لقوانين أقرب لقوانين الطبيعة والرياضيات‪.‬‬
‫ولما كان السلوك اإلجرامي ظاهرة فردية في حياة الفرد وكذا ظاهرة اجتماعية في حياة المجتمع ‪ ،‬فيجب أن يأتي التفسير جامعا ً لكال‬
‫األمرين في ذات الوقت‪ ،‬وإال جاء التحليل قاصرا ً مشوبا ً بالعيوب‪ .‬فما يصلح لتفسير إجرام السارق المحترف ال يصلح لتفسير إجرام‬
‫القاتل أو إجرام الدم العارض‪ .‬وما يصلح لتفسير جرائم اآلداب ال يصلح لتفسير الجرائم الضريبية والجمركية‪...‬وهكذا‪ .‬من هنا نشأ‬
‫االتجا ه التكاملي في تفسير الظاهرة اإلجرامية الذي يجمع بين االتجاه التكويني واالتجاه االجتماعي في إطار تفسير واحد تلتقي فيه‬
‫عوامل شخصية بأخرى اجتماعية‪ .‬فالظاهرة اإلجرامية تنبع من "إنسان يعيش في مجتمع" ‪ ،‬أو هي باألحرى فاعل وفعل وال يمكن‬
‫اجتزائها في أحدهما فقط‪.‬‬
‫ويتوزع هذا االتجاه بين نظريات عديدة و اهمها نظرية التكوين اإلجرامي‪ ،‬التي صاغها األستاذ اإليطالي بينينو دي توليو في مؤلفه‬
‫حول "األنثروبولوجيا الجنائية" في عام ‪ ، 1945‬لتكون خير مثال على هذا االتجاه‪..‬‬
‫اوال‪ -‬مضمون نظرية توليو‬
‫‪ -1‬فكرة االستعداد اإلجرامي لم تقتصر هذه النظرية علي فكرة تعدد االسباب التي تؤدي الي تحقق السلوك االجرامي ‪ ،‬وإنما بينت‬
‫كيفية تفاعل هذه االسباب مع بعضها في إنتاج الظاهرة االجرامية ‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫‪RedOne Hm‬‬

‫وتقوم هذه النظرية علي أن المجرم يكون لديه استعداد بعدم تقبل قواعد السلوك االجتماعي واحترام االخرين في المجتمع ‪ ،‬وهو ما‬
‫يمكن أن يطلق عليه االستعداد االجرامي لدي الفرد ‪ .‬ولكن هذا االستعداد االجرامي يعتبر حاله ساكنة ال تؤدي بالضرورة الي ارتكاب‬
‫الجريمة وإنما تخلق لدي الفرد ميال تجاه اإلجرام ‪ .‬وهذا الميل ال يتحول الي جريمة اال إذا اقترن وتفاعل مع عوامل أخري خارجية ‪،‬‬
‫بحيث يمكن القول أن أن الجريمة ما هي إال نتيجة تفاعل عوامل داخلية تتعلق بتكوين الشخص وعوامل خارجية تتعلق بالبيئة‬
‫المحيطة ‪.‬‬
‫‪ -2‬أساليب الكشف عن االستعداد اإلجرامي وذهب دي توليو الي أن الكشف عن االستعداد االجرامي لدي الفرد يتطلب دراسة‬
‫متكاملة لتكوينة من ثالث نواحي هي ‪:‬‬
‫الناحية االولي تتعلق بدراسة االعضاء الخارجية للجسم للتعرف علي ما يتوافر لديه من شذوذ ‪ ،‬حيث الحظ دي توليو تميز المجرمين‬
‫عن غيرهم بنسة كبيرة من العيوب الجسمانية ‪.‬‬
‫الناحية الثانية تتعلق بدراسة وظائف األعضاء واالجهزة الداخلية كالجهاز الدوري والتنفسي والبولي والهضمي و التناسلي ‪،‬‬
‫ودراسة إفرازات الغدد الي غير ذلك ‪ ،‬حيث الحظ دي توليو وجود خلل في بعض هذه الوظائف واالجهزة لدي المجرمين بنسبة أكبر‬
‫من وجودها لدي غير المجرمين ‪.‬‬
‫الناحية الثالثة تتعلق بدراسة الناحية النفسية للفرد للوقوف علي مدي نشاط غرائزه وحاجاته ‪ .‬وقد لوحظ أن المجرم غالبا ما يكون‬
‫مصابا بشذوذ في بعض الغرائز مثل الشذوذ الذي يصيب غريزة التملك فيؤدي الي ارتكاب جرائم االعتداء علي المال ‪ ،‬وشذوذ‬
‫غريزة الدفاع الذي يدفع الي ارتكاب جرائم االعتداء علي االشخاص ‪ ،‬وشذوذ الغريزة الجنسية التي تؤدي الي ارتكاب جرائم االعتداء‬
‫علي العرض ‪.‬‬
‫وذهب دي توليو الي أن االستعداد االجرامي لدي الشخص يظل كامنا الي أن يوقظه ويتفاعل معه بعض العوامل والمؤثرات الخارجية‬
‫مما يدفع الفرد الي ارتكاب الجريمة ‪ .‬ويقرر دي توليو أن هذا االستعداد االجرامي ال يتوافر لدي جميع الناس ‪ ،‬بدليل أن العوامل‬
‫الخارجية التي تدفع المجرم الرتكاب الجريمة ال تحدث هذا التأثير لدي غير المجرمين ‪.‬‬
‫والعلة في ذلك أن السلوك االجرامي أشبه بالمرض الذي تتوقف إصابة الجسم به علي قدر ما يتمتع به من مناعة وقدرة علي مقاومة‬
‫جراثيمه ‪ .‬وكذلك الوضع بالنسبة للسلوك االجرامي حيث يتوقف ارتكاب الجريمة علي ضعف قدرة الشخص علي التكييف مع‬
‫مقتضيات الحياة االجتماعية بسبب ما يصيبه من خلل عضوي و نفسي أدي الي توافر االستعداد اإلجرامي لديه ‪.‬‬
‫‪ -3‬انواع االستعداد االجرامي وقد قسم " دي توليو" االستعداد االجرامي الي نوعين ‪ ،‬االول استعداد اجرامي أصيل والثاني استعداد‬
‫اجرامي عارض ‪ .‬فاالستعداد االجرامي االصيل يتميز بالثبات واالستمرار ويرجع الي وجود خلل عضوي ونفسي لدي الفرد يجعله‬
‫يميل الي ارتكاب الجريمة وقد يصل ذلك الي حد االعتياد علي ارتكابها وكذلك اإلقدام علي أشدها خطورة ‪ .‬أما االستعداد االجراي‬
‫العارض فهو ذو صفة عارضة ويرجع الي عوامل داخلية تتعلق بتكوين الفرد والي عوامل خارجية تؤثر علي الفرد وتضعف من‬
‫قدرته علي التحكم في نزعاته الفطرية فيرتكب الجريمة علي سبيل المصادفة ‪.‬‬
‫‪ -4‬انواع المجرمين واستنادا الي فكرة االستعداد االجرامي قسم " دي توليو" المجرمين الي نوعين هما المجرم المجنون والمجنون‬
‫المجرم ‪ .‬فالمجرم المجنون هو شخص يرجع ارتكابه للجريمة الي تكوين كامن فيه وسابق علي إصابته بالجنون ‪ ،‬ولذلك فإن شفاء‬
‫هذا المجرم من جنونه ال يمنع من احتمال عودته الي ارتكاب الجريمة ألن لديه االستعداد االجرامي لذلك وهذا االستعداد يتصف‬
‫بالثبات واالستمرار ‪ .‬أما المجنون المجرم فيرجع سبب ارتكابه للجريمه الي إصابته بالجنون فقط ‪ ،‬ولذلك فإن شفاء هذا المجرم من‬
‫جنونه يؤدي الي سبب زوال إجرامه وذلك لعدم توافر استعداد إجرامي لديه سابق علي إصابته بالجنون ‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬تقديرالنظرية‬
‫تميزت هذه النظرية بالنظرية التكاملية في تفسير الظاهرة االجرامية مستندة في ذلك الي العوامل الفردية المتعلقة بتكوين المجرم‬
‫وشخصيته وإلي العوامل الخارجية المحيطة به ‪ ،‬وهي بذلك تجنبت التطرف الذي اتسمت به كل من نظريات االتجاه الفردي واالتجاه‬
‫االجتماعي ‪.‬‬
‫ومع ذلك فقد أخذ على هذه النظرية بعض المالحظات ‪.‬‬
‫‪ -‬أولي هذه المالحظات ‪ ،‬أن فكرة االستعداد اإلجرامي يصعب التسليم بها لكونها ال تصدق علي جميع أنواع الجرائم ‪ ،‬ألن الجريمة‬
‫كواقعة قانونية تختلف من زمان آلخر ومن مكان آلخر حسب ما يسود مجتمع ما في زمان ما من قيم ومصالح تدفع المشرع الي‬
‫التدخل لحمايتها وهو ما يطلق عليه الجريمة المصطنعة ‪ ،‬وعليه فإن فكرة االستعداد االجرامي ال تصلح لتفسير هذه النوعية من‬
‫الجرائم ‪ .‬ولذلك قيل بأن فكرة االستعداد االجرامي تصلح فقط لتفسير ما يطلق عليه تعبير " الجريمة الطبيعية " التي قال بها‬
‫جاروفالو وهي الجريم ة التي تتعارض مع القيم األخالقية واالجتماعية الراسخة في الضمير اإلنساني مثل جريمة القتل وجريمة‬
‫السرقة ‪.‬‬
‫وثاني هذه المالحظات ‪ ،‬أن هذه النظرية تقود الي اعتبار العوامل االجتماعية غير كافية بمفردها لدفع الفرد الي ارتكاب الجريمة ‪،‬‬
‫باعتبار أن ذلك ال يتم إال إذا تفاعلت مع استعداد إجرامي كامن لدي الشخص وما عليها إلي أن توقظه لتحدث الجريمة ‪.‬‬
‫ومجمل القول أن تفسير الظاهرة االجرامية تفسيرا عمليا يجب أن يستند الي الجمع بين العوامل الفردية والعوامل الخارجية‪.‬‬

‫‪4‬‬

You might also like