Professional Documents
Culture Documents
اإلهـ ـ ــداء
أهدي هـاا اكتاـ إ ىكـح أ ـمد يـدا ي ،ابنـ أيـا اكيز ـز د يـد
يدا ي ،دايني كه اكنج ح اكاوفيق اكيجد اكيم .آدين.
2
اكيقددـ ـ ـ ـ
من املعروف أن علم االجتماع أو السوسيولوجيا هو علم اجملتمع .ومن مث ،فهو يدرس
الظواهر والوقائع االجتماعية واألفعال اإلنسانية ،يف ضوء مقاربات منهجية خمتلفة ومتنوعة،
بغية فهمها وتفسريها وتأويلها .ويعين هذا أن علم االجتماع يهتم بدراسة األحداث
والظواهر اجملتمعية ،والعمليات االجتماعية ،والعالقات التفاعلية.
ومن جهة أخرى ،ميكن احلديث عن علم اجتماع نظري يستعرض خمتلف التصورات النظرية
واملنهجية اليت يتكىء عليها علم االجتماع .ويف املقابل ،هناك علم اجتماع تطبيقي عبارة
عن ممارسات جتريبية وإجرائية وميدانية تستفيد من التصورات النظرية لعلم االجتماع.
عالوة على ذلك ،ميكن احلديث عن علم اجتماع عام يدرس اجملتمع يف كليته ،يف ضوء
منهجية علمية وضعية .ويتميز مبرتكزات نظرية ومنهجية وتطبيقية واضحة ودقيقة .بيد أن
مثة فروع تتفرع عن هذه الوحدة اليت ميثلها علم االجتماع العام .وهذه الفروع عبارة عن
أغراض وميادين وجماالت وموضوعات ومستويات تطبق فيها مبادىء علم االجتماع العام،
مع وجود خصوصيات نوعية تتعلق بكل ميدان على حدة.
إذا ،هناك وحدة وتنوع ،والعالقة بينهما عالقة ترابطية وتكاملية ووظيفية .بيد أن الذي
يوحد اجملموع هو صفة "اجملتمعي" .يف حني ،تتغري وتتنوع وختتلف جماالت التطبيق
والتجريب واالشتغال.
إذا ،مااا علاام االجتماااعا ومااا أقسااامها ومااا فروعااه وميادينااه وأغراضااها وعلااى ماااذا ياادل هااذا
التعدد والتنوعا
تلكم هي األسئلة اليت سوف حناول رصدها يف كتابنا هذا الذي عنوناه با(دي د ن علم
االجاي ع) ،بالتوقف عند علم االجتماع العام ،مث تفريعه إىل خمتلف جماالته وميادينه
وأغراضه ،نظريا وتطبيقيا.
وأرجو من اهلل عز وجل أن يلقى هذا الكتاب املتواضع رضا القراء ،وأشكر اهلل شكرا كثريا،
وأمحده على علمه ونعمه وفضائله اليت التعد والحتصى.واهلل ويل التوفيق.
3
اكفصل األ ل
3
-SalvadorGiner: Sociologia, EdicionesPeninsula, Barcelona,
Espaňa, 1979, p: 11.
5
وعليه ،فعلم االجتماع " هو الدراسة العلمية للسلوك االجتماعي لألفراد واألساليب اليت
ينتظم سا اجملتمع باتباع خطوات املنهج العلمي.
يالحظ الفرد داخل اجملتمع أن وسائل اإلعالم املختلفة تطالعه بأنباء وأخبار معينة ،منها ما
يتعلق بكوارث طبيعية ،وأخرى تتعلق بصراعات ومشكالت حتتاع إىل حلول ،وقسم آخر
يتحدث عن قضايا العمل واضطرابات العمال ،وقسم يتعرض الجتاهات مشجعي كرة
القدم .مثل هذه األحداث -إذا صح أن نطلق عليها هذه التسمية -هي أحداث عامة
حتدث يف احلياة اليومية .ولكن أحيانا يتساءل البعض ملاذا أصبح اآلن مشجعو كرة القدم
أكثر عنفا عما كانوا عليه يف املاضيا وملاذا جيد بعض األزواع أن احلياة الزوجية أصبحت
التطاقا فعندما نسأل أنفسنا هذه النوعية من األسئلة فنننا نسأل سؤاال اجتماعيا ،مبعىن
أننا معنيون أو مهتمون بالطريقة اليت يسلك سا األفراد يف اجملتمع وتأثري ذلك السلوك يف
أنفسهم ويف اجملتمع .معىن ذلك أن مفهوم "االجتماعي" هو املفهوم األساسي يف علم
االجتماع ،ألن الفرد الميكن إال أن يكون كائنا اجتماعيا يعيش يف وسط اجتماعي ،وعلى
اتصال مستمر ببقية أفراد اجملتمع ،حيبث يندمج يف حميطهم ويتفاعل معهم بصورة
إجيابية.وهذا يؤكد أنه دون وجود تفاعل إنساب مستمر الميكن أن يطلق علينا ذوي صفة
2
"اجتماعية"".
ويعين هذا أن علم االجتماع اليهتم فقط بدراسة الظواهر اجملتمعية املرتبطة ببنية اجملتمع ،بل
يهتم أيضا بدراسة أفعال األفراد ،حينما يتفاعلون فيما بينهم ويتواصلون لفظيا أو بصريا.
وإذا كان إميل دوركامي قد ربط السوسيولوجيا بدراسة اجملتمع مبختلف ظواهره ووقائعه
وأحداثه وعملياته وحقائقه ،فنن ماكس فيرب قد ركز على الفرد الفاعل أو الذات مبا تقوم به
من أفعال جتاه الذوات األخرى يف عالقة متاثلية مع بنية اجملتمع.أي :هناك من يربط
السوسيولوجيا باجملتمع أو املوضوع (دوركامي) ،وهناك من يربطه بالذات أو الفاعل(ماكس
- 2حممد ياسر اخلواجة وحسني الدريين :اكييجم اكيوجز فا علم االجاي ع ،مصر العربية للنشر والوزيع،
القاهرة ،الطبعة األوىل سنة 2100م ،ص.00:
6
فيرب).وهناك من جيمع بينهما يف عالقة متاثلية كماهو حال أنتوب غيدنز يف كتابه (علم
االجاي ع).2
ومثة جمموعة من التعاريف اليت ختص علم االجتماع ،فقد عرفه بيكمي سروكني بقوله ":هو
ذلك املفهوم الذي يشري إىل مجيع املعلومات اخلاصة بالتشابه بني خمتلف اجلماعات
اإلنسانية وأمناط التفاعل املشكك بني خمتلف جوانب احلياة االجتماعية اإلنسانية ،لذلك
عرفه بأنه العلم الذي يدرس الثقافة االجتماعية .كما عرفه بأنه دراسة اخلصائص العامة
املشككة بني مجيع أنواع املظاهر االجتماعية".
أما رايت ميلز ،فريى " أن علم االجتماع هو العلم الذي يدرس البناء االجتماعي
للمجتمع والعالقات املتبادلة بني أجزائه ،وما يطرأ على ذلك من تغري".
أما جورع ليندبرع فريى أن علم االجتماع" هو علم اجملتمع" .بينما يرى ماكيفر " أنه العلم
الذي يدرس العالقات االجتماعية".6
ويعرفه ماكس فيرب بقوله " هو العلم الذي يعىن بفهم النشاط االجتماعي وتأويله ،وتفسري
حدثه ونتيجته سببيا".7
وعلى العموم ،فعلم االجتماع هو ذلك العلم الذي يدرس الوقائع والظواهر واألحداث
واحلقائق االجتماعية من جهة أوىل .ويدرس أفعال األفراد وتصرفاهتم وسلوكياهتم يف عالقة
باآلخرين ،ضمن سياق تفاعلي اجتماعي معني من جهة ثانية .ويدرس األنظمة
واملؤسسات االجتماعية من جهة ثالثة.
- 11أنتوب غدينز :علم االجاي ع ،ترمجة :فايز الصياغ ،منشورات املنظمة العربية للكمجة ،بريوت ،لبنان ،الطبعة
األوىل سنة 2111م.
-حممد حامد يوسف :علم االجاي ع :اكنشأة اكيج الت ،املكتب العلمي للنشر والتوزيع ،اإلسكندرية، 6
9
-Edgar Morin: Sociologie, Fayard, Le Seuil, Points, Essais, 1984,
pp:11-18.
9
وعل ااى العم ااوم ،يعتم ااد عل اام االجتماااع عل ااى ثالث ااة مبااادىء منهجي ااة أساس ااية ه ااي :الفه اام،
والتفسري ،والتأويل .ويعين املبدأ املنهجاي األول فهام فعال الفارد يف إطاار نظرياة التاأثري والااتأثر
أو يف إطااار نظريااة التفاعاال االجتماااعي.أي :فهاام املعاااب الاايت يتخااذها الفعاال الفااردي داخاال
اجملتمااع املعطااى .وينسااجم هااذا املباادأ مااع العلااوم اإلنسااانية أو علااوم الثقافااة والاارو .ومبااا أن
اإلنسااان فاعاال فااردي ميلااك وعيااا ،ويصاادر فعلااه عاان معااىن أو مقصاادية مااا ،فماان الصااعب
دراسااته دراسااة علميااة سااببية وعليااة موضااوعية؛ألن ذلااك يتناااو مااع مباادإ الذاتيااة يف العلااوم
اإلنسانية .وأكثر من هذا ،فاإلنسان فرد واع وعاقل وحسااس الميكان مقاربتاه يف ضاوء علاوم
التفسااري؛ ألن النتااائج سااتكون -بالريااب -نساابية لاايس إال ،مهمااا حاولنااا أن نتمثاال العلميااة
واحلياد والنزاهة املوضوعية يف ذلك.
ويعين املبدأ املنهجي الثاب متثل التأويل يف إدراك حقيقة الواقع أو العا املوضوعي .ويعين
هذا أن فهم فعل الفاعل الفردي الميكن أن يتحقق إال مبعرفة األحكام املسبقة ،وحتديد
السياق اجملتمعي ،واالنطالق من املعرفة اخللفية ،والبحث عن مجيع املصادر اليت تساعدنا
على فهم ذلك الفعل ،واستجالء املعىن الذي يصدر عنه .وميكن االستعانة كذلك باألفكار
املسبقة ،على الرغم من تعارض ذلك مع العلم ،على أساس أهنا مصادر أولية تسعفنا يف
تفهم الفعل وتأويله .ومن هنا ،يتطلب الفهم ثقافة شخصية من جهة أوىل ،ومعايشة
حقيقية للفاعل من جهة ثانية ،ومشاركته يف بناء عوامله املوضوعية والواقعية من جهة ثالثة.
لذا ،البد من التغلغل إىل عا الفرد لفهم املعىن الذي يلصقه على عامله من أجل فهمه
جيدا ،وتأويل فعله وسلوكه حسب الظروف الظاهرة واحليثيات اليت يوجد فيها هذا الفعل،
والبحث عن العالقة التفاعلية املوجودة بني الذات واملوضوع .وخيضع هذا التعامل كله
ملبدأين أساسيني مها :املوضوعية العلمية واحلياد األخالقي ،بعدم إصدار أحكام القيمة،
واالبتعاد -قدر اإلمكان -عن االعتقادات واآلراء الشخصية.
أما املبدأ املنهجي الثالث ،فيقوم على التفسري السبيب والعلي كربط الفعل ببنية اجملتمع ،أو
تفسري الظواهر اجملتمعية تفسريا ترابطيا وسببيا.
10
هذا ،ويتسم علم االجتماع بعدة خصائص ومميزات:
يعتمااد عل اام االجتماااع علااى املالحظ ااة الوص اافية والتجريبيااة وامليداني ااة ،واالس ااتعانة بةلي ااة
املعايشة بغية بناء احلقائق االجتماعية ،وفهم الوقائع والظواهر اإلنسانية واجملتمعياة ،واالبتعااد
عاان املقاربااات الفلساافية وامليتافيزيقيااة الاايت تعيااق تطااور املعرفااة اإلنسااانية وتقاادمها وازدهارهااا،
واستبدال التاأمل الفلسفي بالتفسري العلمي واالستقراء السبيب والعلي والوضعي.
علم االجتماع علم تراكمي ،إذ تبىن كل نظرية جديادة علاى النظرياات الساابقة يف جماال
السوس اايولوجيا .وم اان مث ،فهن اااك اس ااتمرارية وتط ااور وتا اراكم وقط ااائع إبس ااتمولوجية يف عملي ااة
التصحيح والتعديل والتطوير.
عل اام االجتم اااع ل اايس علم ااا أخالقي ااا أو قيمي ااا ،فه ااو اليع ااىن ب اااحلكم عل ااى اجملتم ااع م اان
الناحيا ااة األخالقيا ااة أو حيكا اام علا ااى األفعا ااال االجتماعيا ااة با اااخلري أوالشا اار ،فها ااو علا اام حمايا ااد
وموضوعي يصف الواقع ويشخصه وجيد احللول املالئمة لذلك.ولكن ينشد تفسري األخاالق
إذا كان هلا ارتباط وثيق بالوقائع اجملتمعية.01
وحيقق علم االجتماع جمموعة من األهداف األساسية اليت ميكن حصرها فيما يلي:
بناء معرفة علمية وموضوعية حول اجملتمع وبنياته الفرعية وعالقة ذلك باألفراد الفاعلني؛
التوصاال إىل جمموعااة ماان القواعااد والبااىن الثابتااة واملتغاارية الاايت تااتحكم يف اجملتمعااات بنيااة
وداللة ووظيفة؛
وص ااف اجملتم ااع وتشخيص ااه فهم ااا وتفسا اريا وت ااأويال بغي ااة احلف اااظ علي ااه أو إص ااالحه أو
تغيريه؛
إدارك الف اوارق بااني الثقافااات واجملتمعااات ملعرفااة أساالوب التعاماال مااع اآلخ ارين ،وتفااادي
املشكالت الناجتة عن اختالف التجارب اجملتمعية ،مثل :االختالف بني البيض والسود؛
دراسة الوقاائع واحلقاائق والعملياات االجتماعياة دراساة علمياة بغياة االساتفادة منهاا علاى
صعيد وضع السياسة العامة للدولة أو اجملتمع؛
وفيما خيص أقسام علم االجتماع ،فيمكن احلديث -من جهة -عن العلم االجتماع
النظري وعلم االجتماع التطبيقي .ومن جهة أخرى ،ميكن احلديث عن عدة ميادين لعلم
االجتماع العام ،فهناك الفيزيولوجيا االجتماعية ،واملورفولوجيا االجتماعية ،وعلم االجتماع
احلضري ،وعلم االجتماع القروي ،وعلم االجتماع االقتصادي ،وعلم االجتماع الثقايف،
وعلم االجتماع األخالقي ،وعلم االجتماع اجلمايل ،وعلم االجتماع اللغوي أو اللساب،
وعلم اجتماع احلروب ،وعلم اجتماع البيئة ،وعلم اجتماع الطب أو الصحة ،وعلم
االجتماع املهين ،وعلم االجتماع الصناعي ،وعلم اجتماع األدب ،وعلم االجتماع
السياسي ،وعلم االجتماع اإلداري ،وعلم اجتماع األسرة ،وعلم اجتماع اجلمعيات
والتنظيمات ،وعلم اجتماع الكبية ،وعلم النفس االجتماعي ،وعلم اجتماع املسر ،وعلم
اجتماع اإلعالم ،وعلم االجتماع اجلنائي ،وعلم اجتماع األديان ،وعلم االجتماع القانوب،
وعلم اجتماع املعرفة...
ويع ا ااين ه ا ااذا أن عل ا اام االجتم ا اااع ه ا ااو عل ا اام ع ا ااام ،يتض ا اامن العدي ا ااد م ا اان الف ا ااروع والش ا ااعب
والتخصصااات العلميااة ،ويتااأرجح هااذا العلاام بااني ماااهو ذايت وموضااوعي ،كمااا يتااأرجح علااى
املستوى املنهجي بني الفهم ،والتفسري ،والتأويل.
عااالوة علااى ذلااك ،يسااتند علاام االجتماااع كااذلك إىل خط اوات املاانهج العلمااي كاإلحساااس
باملشكلة ،وطر األسائلة واإلشاكاليات ،ووضاع الفرضايات ،وحتدياد املوضاوع ،ورصاد بواعثاه
12
الذاتية واملوضوعية ،وتبيان أهدافاه وأمهيتاه ،واإلشاارة إىل الدراساات العلمياة الساابقة ،وحتدياد
املتغاريات البشارية والزمانيااة واملكانيااة ،وشاار املفاااهيم االصااطالحية ،وطاار تصااميم الدراسااة،
مااع ذكاار الصااعوبات ،والثناااء علااى ماان أساادى إىل الباحااث أيااة مساااعدة ماان قريااب أو ماان
بعيد.
يمص اكقول ،فعلم االجتماع هو ذلك العلم الذي يدرس الوقائع االجتماعية واألفعال
والتنظيمات واملؤسسات االجتماعية ،بالككيز على الوقائع واحلقائق والعمليات والعالقات
االجتماعية ،ضمن السياق التفاعلي اللغوي والرمزي ،باستخدام مناهج متنوعة إما وضعية
وإما تفهمية وإما تأويلية ،بغية بناء نظرية عامة للمجتمع قصد وصفه وتشخيصه وتقوميه،
من أجل احلفاظ عليه أو إصالحه أو تغيريه جزئا أو كليا.
13
اكفصل اكث نا:
ولكن مثة كتابات ومؤلفات قدمية تتضمن قرائن ومؤشرات وعالمات دالة على وجود علم
االجتماع السياسي ،بطريقة من الطرائق ،كما يبدو ذلك جليا عند أفالطون يف كتابه
(اكجيهور ) ،وأرسطو يف كتابه (اكسي س )؛ وكذلك عند املثقفني العرب الذين اهتموا
بالكتابات السلطانية أو مببادىء السياسية الشرعية ،أمثال :أمحد بن عبد اهلل األصبهاب يف
كتابه (تثبيت اإلد د ترتيب اكخمف ) ،والقلقشندي يف كتابه (دآثر اإلن ق فا دي كم
اكخمف ) ،وابن أيب الربيع يف كتابه ( سلوك اكي كك فا تدبير اكيي كك) ،وخليل بن
شاهني الظاهري يف كتابه ( كا إ زبدة كشف اكيي كك بي ن اكطرق اكيس كك)،
واجلويين يف كتابه ( غي ث األدم فا اكاي ث اكظلم) ،واملاروردي يف كتابيه( :األ ت د
اكسلط ني اكوال ت اكد ني ) و(قوانين اكوزارة سي س اكيلك) ،وأبو يعلى الفراء يف
كتابه ( األ ت د اكسلط ني ) ،والقنوجي يف كتابه ( ىكليل اكتراد فا تبي ن دق صد
اإلد د ) ،وابن األزرق يف كتابه (بدائع اكسلك فا طب ئع اكيلك) ،والغزايل يف كتابه (
14
فض ئح اكب طني ) ،00إىل جانب كتابات كل من :الفارايب ،وابن سينا ،وابن طفيل،
والبريوب ،وإخوان الصفا ،وغريهم...
ومثة مفكرون غربيون آخرون تناولوا عالقة السياسة باجملتمع ،أمثال :سانت أوغيسطني
صاحب كتاب (دد ن اهلل) ،وميكيافيلي يف كتابه (األدير) ،وجيامباتيستيا فيكو يف كتابه
(اكيلم اكجد د) ،ومونتيسكيو يف كتابه (ر ح اكقوانين) ،وطوماس هوبز يف كتابه (اكانين)،
وجون لوك يف كتابه (اكيخاصر فا اك تود اكيدني ) ،وسبينوزا يف كتابه (اكيخاصر
اكسي سا)...
وعلى الرغم من ذلك ،يتبلور علم االجتماع السياسي ،على الصعيد األكادميي والعلمي
واملؤسسايت ،إال يف منتصف القرن العشرين ،إال أنه يتداخل كثريا مع العلوم السياسية إىل
درجة يصعب التفريق بينهما ،02الشكاكهما يف كثري من املواضيع االجتماعية والسياسية،
مثل :الدولة ،واألنظمة التمثيلية ،والدستور ،والنخبة ،واحلزب ،والنقابة ،ومجاعات الضغط،
والرأي العام ،واملنظمات االجتماعية والسياسية ...ويف هذا ،يقول موريس دوفرجيه
( )Maurice Duvergerيف كتابه (علم اجاي ع اكسي س ) ":إن مفردات علم
السياسية وعلم االجتماع السياسي مكادفة تقريبا .ففي الكثري من اجلامعات األمريكية
يتحدثون عن القضايا نفسها يف علم السياسة عندما تعاجل يف إطار قسم علم السياسة،
ويف علم االجتماع السياسي عندما تعاجل يف إطار قسم علم االجتماع.أما يف فرنسا ،فنن
تعبري علم االجتماع السياسي يسجل غالبا قطيعة مع املناهج القانونية أو الفلسفية اليت
-انظر :حممد حممد أمزيان :فا اكفقه اكسي سا ،مطبعة النجا اجلديدة ،الدار البيضاء ،املغرب ،الطبعة 00
إذا كان علم السياسية يبدأ موضوعه بدراسة الدولة ،وكيف متارس تأثرياهتا يف اجملتمع ،فنن
علم االجتماع السياسي يبدأ بدراسة اجملتمع ،وكيف يؤثر ذلك يف الدولة ،أو يدرس العالقة
املوجودة بني املواطنني والدولة ومؤسساهتا ،أو يدرس العالقة اليت جتمع الرعية بالراعي ،أو
يدرس أشكال اهليمنة اليت ميارسها األفراد ضد اجلماعات اإلنسانية .ويعين هذا أن علم
االجتماع السياسي يدرس الظاهرة السياسية يف حضن اجملتمع ،ويبني خمتلف التأثريات اليت
ميارسها اجملتمع يف الفعل السياسي .مث تفسري الظواهر السياسية يف ظروفها االجتماعية
واالقتصادية والثقافية والتارخيية واحلضارية...
وإذا كان علم السياسية يدرس الدولة أو السلطة السياسية ،02فنن علم االجتماع السياسي
يربز السياق االجتماعي للظواهر السياسية .01وبتعبري آخر ،يدرس القضايا واملشاكل
- 08موريس دوفرجيه :علم اجاي ع اكسي س ،ترمجة :سليم حداد ،املؤسسة اجلامعية للدراسات والنشر والتوزيع،
بريوت ،لبنان ،الطبعة الثانية 2110م ،ص1:
- 02حممد فايز عبد أسعيد :األسس اكنظر كيلم االجاي ع اكسي سا ،دار الطليعة ،بريوت ،لبنان ،الطبعة
الثانية 0833م ،ص.82-28:
16
واملواضيع والعالقات االجتماعية املؤثرة ذات الطبيعة السياسية ،وخاصة ما يتعلق
باإليدولوجيات ،وقوى الضغط ،واألحزاب السياسية ،والنقابات ،والنخب ،واالنتخابات.
وهنا ،ميكن احلديث أيضا عن سوسيولوجيا التصويت أو االنتخاب أواالقكاع.
وإذا كان علم السياسة هو علم الدولة أو السلطة السياسية أودراسة النظم السياسية ،فنن
علم االجتماع السياسي هو الذي يدرس الظواهر السياسية يف ضوء اجملتمع ،أو اجملتمعات
الصغرية والكبرية ،أو يف ضوء املقاربة االجتماعية أو علم االجتماع.
وعليه ،ميكن القول بأن علم االجتماع السياسي هو الذي يدرس النظام السياسي أو النظم
السياسية وتأثريها يف اجملتمع .و" املقصود بالنظام السياسي دراسة ظاهرة القوة وتوزعها يف
اجملتمع ،سواء أكان هذا اجملتمع قبيلة أم دولة قومية أم إمرباطورية أم أي منط اجتماعي
آخر ،باإلضافة إىل العالقة اليت تربط بشكل مباشر بعملية حتديد هذه القوة"06.
وعلى أي حال ،فعلم االجتماع السياسي هو علم الدولة من جهة أوىل ،وعلم السلطة
والقوة والنفوذ من جهة ثانية ،وعلم النظم السياسية من جهة ثالثة.
يستند علم االجتماع السياسي إىل عدة مواضيع سياسية هلا عالقة باجملتمع تأثريا وتأثرا،
مثل :موضوع القوة ،وموضوع السلطة ،وموضوع الدولة ،وموضوع التطرف ،وموضوع
العنف ،وموضوع الثورة ،وموضوع اإلرهاب ،وموضوع التنشئة االجتماعية ،وموضوع العوملة،
وموضوع الدميقراطية ،وموضوع النخبة أو الصفوة ،وموضوع املشاركة السياسية ،وموضوع
-01مولود زايد الطبيب :علم االجاي ع اكسي سا ،منشورات جامعة السابع من أبريل ،الزاوية ،ليبيا ،الطبعة
األوىل سنة 2117م ،ص.6:
- 06حممود عودة :أسس علم االجاي ع ،دار النهضة العربية ،بريوت ،لبنان ،ص.283:
17
التنمية السياسية ،وموضوع اإليديولوجيات ،وموضوع مجاعات الضغط ،وموضوع النقابات،
وموضوع الدستور ،وموضوع طبيعة احلكم ،وموضوع االنتخابات...
وعليه ،ميكن القول بأن السوسيولوجيا السياسية املعاصرة ترتكز على أربعة مواضيع حمورية
هي:
دراسة النشأة السوسيوسياسية للدولة املعاصرة؛
حتليل موضوع اهليمنة أو احلكم ،والتوقف عند الالمساواة االجتماعية املوجودة بني
الطبقات ،والفئات ،والنخب ،واألعراق ،واإلثنيات... ،وتأثريها يف جمال السياسية؛
تبيان األدوار اليت تقوم سا الشخصيات العامة واحلركات االجتماعية واملنظمات يف
ميدان السياسية؛
استكشاف عالقات اهليمنة واخلضوع داخل اجملموعات اجملتمعية.
وعلى العموم ،ميكن التوقف كذلك عند بعض القضايا األساسية األخرى اليت يهتم سا علم
االجتماع السياسي ،مثل:
أنواع اكنظم اكسي سي :ودراستها من وجهة النظر السوسيولوجية (األنظمة الدميقراطية،
واألنظمة الدكتاتورية ،واألنظمة األوليغارشية ،واألنظمة امللكية ،واألنظمة اجلمهورية،
واألنظمة الليربالية ،واألنظمة االشكاكية ،واألنظمة الدينية ،واألنظمة املستبدة ،والدول
البسيطة ،والدول املركبة ،والدول املوحدة ،والدول الفيدرالية (االحتادية).)...
ومن الذين اهتموا بتصنيف الدول واألنظمة السياسية نستحضر ،على سبيل التمثيل،
أفالطون الذي صنف أنظمة احلكم ،يف كتابه (اكجيهور ) إىل ثالثة :الدولة املثالية
(اجلمهورية) ،والدولة الدميقراطية ،والدولة األوليغارشية .وتبعه يف ذلك تلميذه أرسطو الذي
قسم الدول ،يف كتابه (اكسي س ) ،إىل ستة أصناف :ثالثة حتكم القانون وتتقيد به ،وثالثة
ال تلتزم بالقانون ،ومنها حكم األوليغارشية .ومن مث ،فاألوليغارشية عند أرسطو هي
18
حكومة األثرياء؛ ألهنا تتمتع بسلطة املال والثروة واجلاه وامللكية اخلاصة .وكذلك ابن
خلدون الذي صنف احلكم إىل أنواع ثالثة:
اكيلك اكطبييا :وهو محل الكافة على مقتضى الغرض والشهوة .وتشكك فيه مجيع
األمم والشعوب اليت اليستند فيها احلكام ال إىل سياسة عقلية وال إىل سياسة شرعية ،مثل:
األنظمة املستبدة واألنظمة التيوقراطية؛
اكيلك اكسي سا :وهو محل الكافة على مقتضى النظر العقلي يف جلب املصاحل
الدنيوية ،ودفع املضار .وقد عرف هذا النوع عند الفرس الذين كانوا يعتمدون فيه على
قوانني سياسية مفروضة من العقالء واحلكماء وأكابرالدولة وزعمائها؛
اكخمف :وهي الكافة على مقتضى النظر الشرعي يف مصاحلهم األخروية والدنيوية
الراجعة إليها ...فهي يف احلقيقة خالفة عن صاحب الشرع يف حراسة الدين وسياسة
الدنيا .07وينطبق هذا على نظام اإلسالم ،قبل أن يتحول إىل نظام وراثي أو حكم ملكي
وسلطاب أو حكم قائم على العصبية والشوكة.03
ومن جهة أخرى ،ميكن احلديث عن هربرت سبنسر الذي ميز بني الدول الصناعية والدول
العسكرية .وميكن التوقف كذلك عند كارل ماركس الذي ميز بني جمموعة من األنظمة
السياسية املتتابعة ،ضمن التصور املادي اجلديل ،وحصرها يف جمموعة من اجملتمعات هي:
اجملتمع املشاعي ،واجملتمع العبودي ،واجملتمع اإلقطاعي ،واجملتمع البورجوازي ،واجملتمع
االشكاكي ،واجملتمع الشيوعي.
-ابن خلدون :دقدد ابن يلد ن ،اجلزء األول ،حتقيق علي عبد الواحد وايف ،جلنة البيان العريب ،القاهرة، 07
يستند علم االجتماع السياسي إىل مجع الوقائع واملعطيات والبيانات حول ظاهرة سياسية
واقعية ما ،هلا عالقة وثيقة باجملتمع تأثريا وتأثرا .وبعد ذلك ،البد من متثل املالحظة العلمية
املباشرة املوضوعية ،مث استجماع األفكار حول ذلك املوضوع ،وحتويلها إىل فرضية أساسية،
وتفريعها إىل أسئلة وإشكاليات وعناوين ووضعيات معقدة بغية اإلجابة عنها .ويعين هذا أن
علم االجتماع السياسي يستلزم التحليل االستقرائي الشامل ،واستخدام التجريب
االستقصائي الكلي أو اجلزئي ،وتوظيف لغة حجاجية وبرهانية واستداللية منطقية،
واالستعانة أيضا مبنهجية إما استقرائية تنطلق من اخلاص واجلزء إىل الكل والعام ،وإما
استنباطية تنطلق من العام والكل إىل اخلاص واجلزء .وميكن كذلك توظيف املناهج الكمية
القائمة على اإلحصاء من جهة ،أو املناهج الكيفية القائمة على دراسة املضمون ،ودراسة
احلالة ،واملقابلة ،واملعايشة من جهة أخرى .واهلدف من ذلك كله هو تصنيف املعطيات
ومنذجتها ،ومعاجلتها إحصائيا ورياضيا إما بطريقة وصفية ،وإما بطريقة استنتاجية .دون أن
20
- Maurice Duverger: Sociologie de la politique, PUF.Paris.
21
- P.Braud: Sociologie politique, 10e edition, LGDJ, 2011
22
- J. Lagroye, Sociologie Politique, Presses de la F.N.S.P.-Dalloz,
Paris, 1991.
21
ننسى سرب الرأي ،والتحقيق امليداب ،وتثبيت الوقائع والتأكد منها ،وتكوين معرفة
سوسيولوجية عميقة وميدانية حول الظواهر السياسية املطروحة للبحث والتحليل والنقاش،
واستخالص القوانني ،وجتريد النظريات ،وتعميمها بشكل كوب وعاملي.
ومن ناحية أخرى ،ميكن تتبع الظاهرة السياسية ،يف بعدها االجتماعي ،عرب خطوات
منهجية متكاملة تتمثل يف :الفهم ،والتفسري ،والتأويل .ويعين هذا أن دراسة املوضوع
السياسي ،من الوجهة السوسيولوجية ،البد أن تتعدى مفهوم الوصف واملالحظة والتصنيف
والنمذجة وفهم املعطيات والبيانات إىل تفسريها وفق مبدإ العلية أو السببية ،بربط املوضوع
السياسي اجملتمعي بعوامله الداخلية أو اخلارجية .وبعد ذلك ،البد من استعمال آليات
التأويل الذايت أو املرجعي أو اإليديولوجي.28
هناك جمموعة من التصورات النظرية املتعلقة بعلم االجتماع السياسي ،وميكن أن نتوقف
عند بعضها بالدراسة والتحليل والفحص على الوجه التايل:
اكيطلب األ ل :ابن يلد ن اكيؤسس األ ل كيلم االجاي ع اكسي سا
يعد ابن خلدون املؤسس األول لعلم االجتماع السياسي؛ والدليل على ذلك أنه تناول يف
كتابه (اكيقدد ) معظم الظواهر االجتماعية اليت ترتكز عليها السوسيولوجيا ،والسيما
الظواهر السياسية ،واالقتصادية ،واالجتماعية ،والتارخيية ،والدينية ،والثقافية ،والعلمية،
- 28فيليب برو :علم االجاي ع اكسي سا ،ترمجة :حممد عرب صاصيال ،الشبكة العربية لألحباث والنشر،
بريوت ،لبنان ،الطبعة الثالثة 2102م ،صص.162-100:
22
والكبوية .ويعين هذا أن كتاب املقدمة يتضمن جمموعة من فروع علم االجتماع العام ،مثل:
قواعد املنهج يف علم االجتماع ،وعلم االجتماع الريفي ،وعلم االجتماع السياسي ،وعلم
االجتماع احلضري ،وعلم االجتماع االقتصادي ،وعلم اجتماع املعرفة .22
ويكفيه فخرا أنه أرسى دعائم علم االجتماع السياسي تصورا وتطبيقا ،حينما قدم تفسريات
عمرانية لنشأة الدولة ،بالككيز على العصبية والعقيدة ،وحتديد أطوار الدولة وعمرها الزمين
والسياسي ،مع التفصل يف طبيعة العالقة اليت ينبغي أن جتمع بني الراعي والرعية...
هذا ،ومن " األفكار األساسية اليت تعد من خصائص الفكر اخللدوب هو نظريته السياسية،
وكيفية تغري أشكال السلطة وممارساهتا وآثار ذلك على مسرية اجملتمع وعملية تطورها ،من
خالل طبيعة العالقة السائدة بني احلاكم والشعب(الرعية).وكيف يتحول النظام السياسي
من املشاركة والتعاون بني مجلة الناس ،إىل انفراد أحدهم باحلكم والرأي والسلطة ،رابطا كل
ذلك بعمليات التحول اليت تصيب اجملتمع خالل أطواره املختلفة".21
ويبدو اهتمام ابن خلدون بعلم االجتماع السياسي واضحا وجليا يف كتابه (اكيقدد )،
وخاصة عندما يدرس الدولة السياسية وتشكلها ،ضمن مقكب فلسفي واجتماعي ،كما
يبدو ذلك جليا يف نصه هذا ":اعلم أن الدولة تنتقل يف أطوار خمتلفة وحاالت متجددة
ويكتسب القائمون سا يف كل طور خلقا من أحوال ذلك الطور ال يكون مثله يف الطور
اآلخر ألن اخللق تابع بالطبع ملزاع احلال الذي هو فيه وحاالت الدولة وأطوارها ال تعدو
يف الغالب مخسة أطوار .الطور األول طور الظفر بالبغية وغلب املدافع واملمانع واالستيالء
على امللك وانتزاعه من أيدي الدولة يف هذا الطور أسوة قومه يف اكتساب اجملد وجباية املال
واملدافعة عن احلوزة واحلماية ال ينفرد دوهنم بشيء ألن ذلك هو مقتضى العصبية اليت وقع
-22حسن الساعايت :علم االجاي ع اكخلد نا ،قواعد اكينهج ،دار النهضة العربية ،بريوت ،لبنان ،طبعة
0872م ،ص 68:وما بعدها.
-21كلثم علي الغامن وآخران :دوجز ت ر خ اكفتر االجاي عا ،سلسلة علم االجتماع ،الكتاب الثاب ،األهايل
للتوزيع ،دمشق ،سورية ،الطبعة األوىل سنة 2110م ،ص.033:
23
سا الغلب وهي تزل بعد حباهلا .الطور الثاب طور االستبداد على قومه واالنفراد دوهنم
بامللك وكبحهم عن التطاول للمسامهة واملشاركة ويكون صاحب الدولة يف هذا الطور معنيا
باصطناع الرجال واختاذ املواىل والصنائع واالستكثار من ذلك جلدع املوت أهل عصبيته
وعشريته املقامسني له يف نسبة الضاربني يف امللك مبثل سهمه فهو يدافعهم عن األمر
ويصدهم عن موارده ويردهم على أعقاسم ،أن خيلصوا إليه حىت يقر األمر يف نصابه ويفرد
أهل بيته مبا يبين من جمده فيعاىن من مدافعتهم ومغالبتهم مثل ما عاناه األولون يف طلب
األمر أو أشد ألن األولني دافعوا األجانب فكان ظهراؤهم على مدافعتهم أهل العصبية
بأمجعهم وهذا يدافع األقارب ال يظاهره على مدافعتهم إال األقل من األباعد فريكب صعبا
من األمر .الطور الثالث طور الفراغ والدعة لتحصيل مثرات امللك مما تنزع طباع البشر إليه
من حتصيل املال وختليد اآلثار وبعد الصيت فيستفرغ وسعه يف اجلباية وضبط الدخل واخلرع
وإحصاء النفقات والقصد فيها وتشييد املباب احلافلة واملصانع العظيمة واألمصار املتسعة
واهلياكل املرتفعة وإجازة الوفود من أشراف األمم ووجوه القبائل وبث املعروف يف أهله هذا
مع التوسعة على صنائعه وحاشيته يف أحواهلم باملال واجلاه واعكاض جنوده وإدرار أرزاقهم
وإنصافهم يف أعطياهتم لكل هالل حىت يظهر أثر ذلك عليهم يف مالبسهم وشكثهم
وشاراهتم يوم الزينة فيباهي سم الدول املساملة ويرهب الدول احملاربة وهذا الطور آخر أطوار
االستبداد من أصحاب الدولة ألهنم يف هذه األطوار كلها مستقلون بةرائهم بانون لعزهم
موضحون الطرق ملن بعدهم .طور القنوع واملساملة ويكون صاحب الدولة يف هذا قانعا مبا
بىن أولوه سلما ألنظاره من امللوك وأقتاله مقلدا للماضني من سلفه فيتبع آثارهم حذو النعل
بالنعل ويقتفي طرقهم بأحسن مناهج االقتداء ويرى أن يف اخلروع عن تقليدهم فساد أمره
وأهنم أبصر مبا بنوا من جمده .الطور اخلامس طور اإلسراف والتبذير ويكون صاحب الدولة
يف هذا الطور متلفا ملا مجع أولوه يف سبيل الشهوات واملالذ والكرم على بطانته ويف جمالسه
واصطناع أخدان السوء وخضراء الدمن وتقليدهم عظيمات األمور اليت ال يستقلون حبملها
وال يعرفون ما يأتون منها يذرون منها مستفسدا لكبار األولياء من قومه وصنائع سلفه حىت
24
يضطغنوا عليه ويتخاذلوا عن نصرته مضيعا من جنده مبا أنفق من أعطياهتم يف شهواته
وحجب عنهم وجه مباشرته وتفقده فيكون خمربا ملا كان سلفه يؤسسون وهادما ملا كانوا
يبنون ويف هذا الطور حتصل يف الدولة طبيعة اهلرم ويستويل عليها املرض املزمن الذي ال
تكاد ختلص منه وال يكون هلا معه برء إىل أن تنقرض كما نبينه يف األحوال اليت نسردها
26
واهلل خري الوارثني".
وهكذا ،يتبني لنا أن ابن خلدون قد وضع األسس األوىل لعلم االجتماع السياسي نظرية
وتطبيقا وتأمال واستقراء ،وإن كانت تصوراته ،يف بعض األحيان ،الميكن تطبيقها على
سائر الدول األخرى.
الفرع الثاب :ماكس فيرب
يعااد ماااكس فياارب مؤسااس علاام اجتماااع السياسااة.ومن مث ،تعااين السوساايولوجيا السياسااية إمااا
علم الدولة أو علم السلطة.بيد أن علم االجتماع السياسي عند مااكس فيارب يقصاد باه علام
السلطة واحلكومة والوالية والقيادة يف كل اجملتمعات ويف كل اجملموعات البشرية ،وليس فقط
يف اجملتمع القومي .27لذا ،تنباين السوسايولوجيا السياساية عناد مااكس فيارب علاى جمموعاة مان
التصورات النظرية اليت ميكن حتديدها يف األفكار التالية:
28
-Max Weber: Le savant et le politique, Plon 10/18, 1979, pp:99-
101.
26
واليقتصر العنف على الدول الديكتاتورية واملستبدة فحساب ،بال متارساها الدولاة الدميقراطياة
أيضااا ،لكاان يف نطاااق قااانوب وشاارعي ودسااتوري؛ إذ ختااول الدولااة ملؤسسااة األماان أن تتاادخل
حلماية مرافق التجمع السياسي.
يف حااني ،تاارى جاااكلني روس( )J.Russأنااه الينبغااي للدولااة أن متااارس العنااف ،بااأي شااكل
من األشكال ،مهما كان شرعيا أو غري شرعي ،بل ينبغاي أن تكاون الدولاة مؤسساة لضامان
احلري ااات والق اوانني واحلق ااوق ،م ااع اإلق ارار بفص اال الس االط ،واح اكام حق ااوق اإلنس ااان ،ونش اار
العدالة .ويف هذا النطاق ،تقول جاكلني روس " :إن دولة احلاق التتمثال يف الصاورة القانونياة
اجملردة فحسب ،بل تتمثل فيما يتجسد بقوة يف جمتمعاتنا ،ألن القرن العشارين يبلاور حاحهاا
ويعرب عنه..إن دولة احلق تاؤدي إىل ممارساة معقلناة لسالطة الدولاة ،ممارساة تتشابث بالقاانون،
وب اااحكام احلري ااات ،كم ااا ت ااؤدي إىل تنظ اايم سياس ااي متا اوازن ينف ااتح عل ااى جم ااال احلري ااات
العامة.لكن ماهي دولة احلقا إهنا دولة فيهاا حاق وفيهاا قاانون خيضاعان معاا إىل مبادأ احاكام
الشخص ،وهي صيغة قانونية تضمن احلرياات الفردياة ،وتتمساك بالكراماة اإلنساانية ،وذلاك
ضااد كاال أن اواع العنااف والقااوة والتخويااف ....إن ساالطة دولااة احل اق تتخااذ مالمااح ثالثااة:
القانون ،واحلق ،وفصل السلط ،وتضمن مجيعها احكام الشخص ،وتسهر على تأسايس هاذا
االحكام"28 .
وعليااه ،فهناااك تصااوران متناقضااان :تصااور ماااكس فياارب الااذي ياادافع عاان عنااف الدولااة املااربر
واملشروع ،وتصور جاكلني روس الذي يرفض استعمال العنف ،مهما كانت طبيعته وونوعيته
ومصدره.
29
-Jacqueline Russ: Les théories du pouvoir, Librairie Générale
française, Coll. Poche, 1944, pp:90-94.
27
اكفرع اكث نا :أشت ل اكسلط اكهيين
من املعروف أن الدولاة متاارس ضاد مواطنيهاا العناف املشاروع املاربر .لاذا ،خيضاع النااس لتلاك
الدولااة وفااق أسااباب داخليااة ثالثااة تااربر تلااك الساايطرة أوتلااك اهليمنااة السياسااية الاايت تفرضااها
الدولة على مواطنيها:
الس اابب األول ه ااو نفـ ــوم اكي ضـ ــا ،وحييلن ااا ه ااذا عل ااى الع ااادات والتقالي ااد واألع ا اراف
والطق ااوس املقدس ااة ال اايت جتع اال الش اايخ أو الس اايد اإلقط اااعي يس اايطر عل ااى الس االطة .وهن ااا،
نتحدث عن اكسلط اكاقليد .
اكسبب اكث نا هو اكس ر اكشخصا اإلكه د اكخ رق.وحييلنا هذا علاى الازعيم البطال
أو الناايب أو القائااد امللهاام أو الاازعيم النقااايب الكبااري أو القيااادي احلاازيب املتميااز واحملنااك .وهنااا،
نتحدث عن اكسلط اكت ر زدي .
والس اابب الثال ااث ه ااو اال ات ـ ـ د ىكـ ــح اكشـ ــرعي .وحييلن ااا ه ااذا عل ااى الس االطة الش اارعية
العقالنيااة الاايت تقااوم علااى األسااس التاليااة :الليرباليااة ،واالنتخاااب ،واالسااتحقاق ،والعقالنيااة،
والش اارعية ،والبريوقراطي ااة ،واحا اكام األدوار والوظ ااائف ،كم ااا يظه اار ذل ااك بين ااا يف اجملتمع ااات
احلديثة.
واآلن ،ن ااورد قول ااة م اااكس في اارب ال اايت يوض ااح فيه ااا ه ااذه األفك ااار" :إن الدول ااة ،مث اال ك اال
التجمعاات السياسااية الايت ساابقتها تارخيياا ،تكماان يف عالقاة ساايادة االنساان علااى االنسااان،
مبنية علاى وسايلة العناف املشاروع -أي العناف املعتارب شارعيا ،-اذ ال ميكان " للدولاة " أن
توجاد إال بشارط خضاوع الرجاال املساودين للسالطة الايت يطالاب ساا األساياد ،وعنادها تطار
األسائلة التالياة نفساها علاى بسااط البحاث:ألي شاروط خيضاعوناوملاذاا وعلاى أياة تربيارات
داخلية ،أو وسائل خارجية تستند هذه السيطرةا
مبدئيا ،هناك ثالثة أسباب داخلية تاربر السايطرة ،ومان مث هنااك ثالثاة أساس للشارعية ،أوال:
نفااوذ " األمااس األزيل " .أي :نفااوذ التقاليااد املقدسااة بصااالحيتها العريقااة ،وبعااادة احكامهااا
املتجذرة يف االنسان .هذه هي " السلطة التقليدية " اليت كان البطريك " الشيخ " أو السيد
28
االقطاااعي ميارساااهنا فيمااا مضااى .وبالدرجااة الثانيااة :النفااوذ املبااين علااى السااحر الشخصااي
والفائق لفرد ما ،نفوذ حيظاى بثقاتهم بشخصاه نظارا ملاا يتفارد باه مان صافات خارقاة كالبطولاة
أو مبيزات أخرى مثالية جتعل منه زعيما .هذه هي السلطة الكارزمية اليت كاان النايب ميارساها،
أو ميارساها -يف اجملااال السياساي -الاازعيم احلازيب املنتخااب أو الادمياغوجي الكبااري أو زعاايم
حازب سياساي .هنااك أخاريا السالطة الثالثاة الايت تفارض نفساها بفضال " الشارعية " ،بفضال
االميااان بصااالحية وضااع شاارعي وكفاااءة اجيابيااة مبنيااة علااى قواعااد عقالنيااة قائمااة .وبتعااابري
أخرى :السلطة املبنية على الطاعة اليت تؤدي الواجبات املطابقة للوضع القائم.
هاذه هااي السالطة كمااا ميارسااها " خاادم " الدولةاحلديثااة ،وكاذلك كاال الااذين ميسااكون بزمااام
السلطة إىل جانبه".81
ويعين هذا كله أن أمناط األفعال حتيلنا إىل منط آخر من أشكال السلطة واهليمنة السياسية
اليت تتمثل يف األنواع التالية:
اكهيين اكاقليد :تنبين على شرعية احلاكم التقليدي الذي حيكم العادات واألعراف
والتقاليد أثناء ممارسة سلطته السياسية ،مثل :السلطة األبوية يف اجملتمعات األبيسية ،وسلطة
األسياد يف اجملتمع اإلقطاعي.
اكهيين اكت ر زدي :تنبين على هيبة الشخص احلاكم وصورته وصفاته اخلارقة(نابليون
واملسيح -مثال.)-
اكهيين اكشرعي اكق نوني :تتمثل يف مدى احكام احلاكم لسلطة القوانني ،ووصوله إىل
احلكم عن جدارة واستحقاق ،مثل :السلطة يف التنظيمات السياسية الغربية احلديثة
واملعاصرة.
طبعا ،يدافع ماكس فيرب عن الفعل العقالب اهلادف ،واهليمنة الشرعية القانونية ،ومها أساس
الليربالية البريوقراطية العاقلة والراشدة .ويف هذا الصدد ،يقول ماكس فيرب ":يتطلع كل علم
- 81ماكس فيرب :رجل اكيلم رجل اكسي س ،ترمجة :نادر ذكرى ،عن الفلسفة احلديثة ،لعبد السالم بنعبد
العايل وحممد سبيال ،دار األمان ،الرباط ،املغرب ،الطبعة األوىل سنة 0880م ،ص.278:
29
إىل احلقيقة.واحلقيقة اليت يتطلع إليها العلم تكون إما عقالنية ورياضية ومنطقية ،وإما
العقالنية شعورية.واحلقيقة العقالنية ،يف النشاط والفعل ،هي ،قبل كل شيء ،فكرية
وواضحة ومتام الوضو ( .)2= 2+2وأما احلقيقة الالعقالنية والشعورية ،يف النشاط والفعل،
فهي ،قبل كل شيء ،وجدانية...
إن الطريقة العلمية الفعالة لفهم العقالنية السلوك الشعورية ،تقوم على اعتبارالالعقالنية
جمرد احنراف عن عقالنية السلوك اخلالصة.إن بناء العقالنية اخلالصة ميثل منطا ()Type
يوضع بتصرف عا االجتماع ،سدف فهم حقيقة النشاط والفعل اجملتمعي الذي تفعل فيه
العقالنيات من كل األنواع واألشكال"80.
وعليه ،يرتبط الفعل العقالب بالشرعية القانونية والنظام البريوقراطي .وهذه هي األسس
احلقيقية لليربالية الرأمسالية املتقدمة واملزدهرة حسب ماكس فيرب.
وخالصة القول ،يتبني لنا ،مما سبق ذكره ،أن علم االجتماع السياسي هو علم حديث،
يتبلور ويتشكل مؤسساتيا إال يف منتصف القرن العشرين .وبالتايل ،فهو فرع من فروع علم
االجتماع العام ،ويهتم بدراسة الظواهر السياسية يف ضوء املقاربة االجتماعية ،بالككيز على
الدولة أو السلطة أو النظم السياسية ،باتباع منهجية الفهم أوالتفسري أوالتأويل.
كما يعىن علم االجتماع السياسي بدراسة السلطة وخصائصها وعالقتها بالسيطرة
واخلضوع؛ مث االهتمام بالدولة من حيث بنيتها ،ووظائفها ،وعالقتها بالسلطة السياسية؛
ودراسة النظم السياسية؛ والككيز على التكيف االجتماعي؛ ودراسة العمل اجلماعي
وجمموعات املصاحل؛ والتوقف عند املشاركة السياسية؛ واألحزاب السياسية؛ واملمثلني
واحلكام؛ والعمل السياسي.
31
- Max Weber: Economie et société, introduction de Hinnerk
Bruhns, traduction par Catherine Colliot-Thélène et Françoise
Laroche, La Découverte, 1998, p:6.
30
ويستيعن علم االجتماع السياسي باملناهج الكمية من جهة ،واملناهج الكيفية من جهة
أخرى .كما ينبين على خطوات منهجية ثالث تتمثل يف :الفهم ،والتفسري ،والتأويل.
وما يهمنا يف علم االجتماع السياسي هو إجياد احللول املناسبة للمشاكل اليت يعانيها
اجملتمعات اإلنسانية والبشرية اليوم ،مثل :مشكلة التلوث ،ومشكلة احلروب ،ومشكلة
التطرف ،ومشكلة اإلرهاب ،ومشكلة التمييز العنصري ،ومشكلة الفقر ،ومشكلة البطالة،
ومشكلة األمية ،ومشكلة التخلف ،ومشكلة االستبداد ...وقد صدق حممد فايز عبد
أسعيد عندما قال":إن غاية علم االجتماع أن ميكن اإلنسان يوما من السيطرة على القوى
االجتماعية بدال من أن يكون ،كما كان حىت اآلن رازحا حتت عبئها.وغايته أيضا وبنوع
خاص ،أن يكبح مجاع النزوات اجلماعية اليت كثريا ما تتالعب باإلنسان ،كما كبح غريه من
العلوم مجا الصاعقة وتغلب على اجلاذبية وعلى التيفوس.هذا ويتبىن علم السياسة وجهات
نظر علم االجتماع ،يف عاملنا احلاضر املهدد بالويالت أكثر من أي زمن مضى.إن يف
أوضاع البشر يف القرن العشرين واحلادي والعشرين مشكلة ذات شعبتني :مشكلة
الصراعات وخلفياهتا ومشكلة تزايد عدد السكان.ومصري البشرية متعلق حبل هاتني
املشكلتني.فنىل أين يسري عا اليوم وعا الغدا سؤال حمري ،لدى التاريخ واألجيال القادمة
82
اجلواب عليه".
- 82حممد فايز عبد أسعيد :األسس اكنظر كيلم االجاي ع اكسي سا ،ص.030-031:
31
اكفصل اكث كث:
يعد علم االجتماع اإلداري فرعا من فروع علم االجتماع العام .ويدرس األنظمة اإلدارية
اليت ترتكز عليها الدولة أو احلكومة أو السلطة التنفيذية أو الوظيفة العمومية يف أداء
خدماهتا ومشاريعها وإحازاهتا ،وممارسة سلطتها املرفقية ،وإصدار القرارات اخلاصة بكل
واقعة إدارية على حدة .ومن هنا ،يهتم علم االجتماع اإلداري بدراسة اإلدارة باعتبارها
فضاء خمتربيا ،يشتمل على جمموعة من املوظفني واملديرين ورؤساء اإلدارة ،جتمعهم عالقات
وظيفية خمتلفة ،ضمن نسق تراتيب وهريارشي بريوقراطي أو فيودايل أو دميقراطي .ويعين هذا
أن علم االجتماع اإلداري يدرس البريوقراطية ،والنخب اإلدارية ،والنظم اإلدارية ،واحلياة
الداخلية للوظيفة العمومية ،والككيز على السلطة السياسية والقرارات اإلدارية...
إذا ،ما علم االجتماع اإلداريا وما موضوعها وما تصوره النظري واملنهجيا هذا ما سوف
نتوقف عنده يف كل مطلب من املطالب التالية:
يقصد بعلم االجتماع اإلداري دراسة اإلدارة العمومية يف ضوء رؤية سوسيولوجية ،بالككيز
على بنية اإلدارة واختصاصاهتا ووظائفها ودورها يف اجملتمع من جهة أوىل ،ودراسة املوظفني
يف عالقتهم باإلدارة واجملتمع من جهة ثانية ،ودراسة السلطة والقوة اإلدارية من جهة ثالثة.
ويعين هذا أن علم االجتماع اإلداري يهتم بالوظيفة العمومية ،والقرارات السياسية واإلدارية.
ومن هنا ،تعد اإلدارة خمتربا لتحليل جمموعة من الظواهر والقضايا والقرارات اإلدارية اليت
تتسم بالغىن والثراء وتنوع املضامني ،كموضوع اإلدارة ،وموضوع الوظيفة العمومية،
32
والبريوقراطية ،والنخب اإلدارية ،والكاتبية اإلدارية ،واإلدارة املركزية والالمركزية ،والسلطة
اإلدارية ،والتقسيم الكايب ،والقرارات السياسية ،والتدبري اإلداري ،وعالقة اإلدارة باجملتمع،
واحلكامة اجليدة ،واإلدارة الدميقراطية واإلدارة الفيودالية ،والصراع اإلداري ،واخلدمات
اإلدارية ،واإلدارة بني التسلط واحلرية ،واملساواة اإلدارية...
يعتمد علم االجتماع اإلداري على مالحظة الظواهر اإلدارية اليت هلا طابع اجتماعي ،أو هلا
عالقة باجملتمع من حيث التأثري والتأثر .وبعد ذلك ،تأيت عملية مجيع املعطيات والبيانات
والوقائع حول الظاهرة اإلدارية وتصنيفها ومنذجتها ،وفق حقائق ومؤشرات ومنهجيات
معينة .وميكن للباحث أن يلتجىء إىل التجريب واالستقراء واالستقصاء اجلزئي أو الكلي،
بغية معرفة القوانني اليت تتحكم يف اإلدارة بصفة عامة ،واإلدارة العمومية بصفة خاصة ،بغية
حتصيل النظريات وجتريدها وتعميمها علميا وكونيا .ومن هنا ،ميكن اتباع منهجية كمية
قائمة على اإلحصاء والرياضيات ،أو منهجية كيفية قائمة على املقابلة ،ودراسة احلالة،
ودراسة املضمون ،واملعايشة ،واملالحظة امليدانية املباشرة...
ومن ناحية أخرى ،ميكن االستعانة باخلطوات املنهجية املعروفة يف علم االجتماع ،مثل:
الفهم الداخلي للظاهرة بوصفها واستقراء دالالهتا ومضامينها اإلدارية واجملتمعية ،مث تفسريها
تفسريا سببيا أو عليا ،بنرجاعها إىل عوامل داخلية أو خارجية ،مث تأويلها تأويال ذاتيا أو
مرجعيا أو إيديولوجيا.
وعليه ،يتخذ علم االجتماع اإلداري طابعا نظريا أو طابعا تطبيقيا فيما يتعلق بالظواهر
املتعلقة بأخذ القرار السياسي يف جمال اإلدارة ،ودراسة حياة الوظيفة العمومية.
33
ول علم االجاي ع اإلداري اكيب ث اكث كث :تصورات نظر
مثة جمموعة من التصورات السوسيولوجية حول اإلدارة ،ميكن التوقف عند بعضها على
النحو التايل:
33
-Alexis de Tocqueville: L'Ancien Régime et la Révolution. Paris,
Garnier-Flammarion, no 500 (édition F. Mélonio).
- Alexis de Tocqueville: De la démocratie en Amérique,
34
35
وعلى الرغم من ذلك ،انتقد توكفيل النظام األمريكي بشكل موضوعي ،فحصر سلبياته يف
املبالغة يف الفردانية اليت قد تسبب مشاكل خطرية هتدد توازن اجملتمع ومتاسكه وانسجامه.
مث املبالغة يف احلرية اليت قد تدفع الفرد إىل انتهاك القيم والقواعد واالخالق بدون حسيب
والرقيب.لذا ،البد من وضع القواعد الرادعة اليت تتحكم يف توجيه احلياة االجتماعية،
وااللتزام بالتنظيم االجتماعي .ناهيك عن كون هذه الدميقراطية األمريكية التمثيلية خاضعة
للنخب السياسية والعسكرية واالقتصادية .زد على ذلك أن األغلبية هي اليت تتحكم يف
القرار السياسي أو اإلداري ،وتسيري قواعد الدولة الدميقراطية .مبعىن أن الرأي العام هو الذي
يوجه احلياة السياسية واإلدارية األمريكية.
وعلى العموم ،تعود أسباب حا الدميقراطية األمريكية -حسب توكفيل -إىل العوامل
اجلغرافية املالئمة (سعة األرض وامتدادها ،وتنوع والياهتا ومنظماهتا) ،والعوامل الثقافية
(دولة مجهورية دميقراطية تؤمن باحلرية الدينية والسياسية واالقتصادية) ،والعوامل املؤسساتية
(أمهية اإلدارة الالمركزية يف اختاذ القرار ،ووجود اإلدارة الفيدرالية).
وقد متثل توكفيل ،على الصعيد املنهجي ،آليات البحث امليداب ،واالستعانة باملقابلة احلية
واملباشرة ،ومالحظة الظواهر اإلدارية والسياسية واجملتمعية واالقتصادية مالحظة علمية
منظمة وحمددة بدقة ،ساعد على ذلك األسفار والرحالت والزيارات اليت قام سا توكفيل إىل
الواليات املتحدة .عالوة على توظيف تقنية املعايشة املباشرة ،ومشاركة املواطنني األمريكيني
يف حياهتم اإلدارية واجملتمعية ،وتوثيق ذلك يف كتبه اليت خصصها للنظام الدميقراطي يف
الواليات املتحدة األمريكية .وقد اعتمد توكفيل أيضا على الدراسة املقارنة بني النظامني
الفرنسي واألمريكي ،ومتثل املنهج الفردي لفهم أفعال اجملموعات انطالقا من أفعال الفرد
بتفسريها وتأويلها جمتمعيا.
وإذا كان توكفيل قد قارب الظواهر السياسية واإلدارية ،دون أن يكون على وعي تام
بالسوسيولوجيا اإلدارية أو السياسية ،إال أنه قدم لنا -فعال -دراسات سوسيولوجية
36
جملموعة من القضايا اإلدارية والسياسية واجملتمعية ،مثل :املواطنة ،والدميقراطية ،واحلريات
الفردية واجلماعية ،واجملتمع املدب ،واملساواة ،واإلدارة...
يعد الفيلسوف األملاب ماكس فيرب ( )Max Weberمن مؤسسي علم اإلدارة احلديثة،
وقد حتدث كثريا عن جمموعة من املفاهيم اإلدارية والتنظيمية ،مثل :السلطة ،والشرعية،
والبريوقراطية ،واهلرمية اإلدارية ،ومبدإ الكفاءة...ومن مث ،فقد أدىل بتصورات مهمة حول
التنظيم واملنظمات .وبذلك " ،قدم فيرب أول تفسري منهجي لنشأة املنظمات احلديثة .فهو
يعتربها سبيال لتنسيق أنشطة البشر وما ينتجونه من سلع بأسلوب مستقر ومستمر عرب
الزمان واملكان.وأكد فيرب أن منو املنظمات يعتمد على السيطرة على املعلومات ،وشدد
على األمهية املركزية للكتابة يف هذه العملية :فاملنظمة ،يف رأيه ،حتتاع إىل تدوين القواعد
والقوانني اليت تستهدي سا ألداء عملها ،مثلما حتتاع إىل ملفات ختتزل فيها ذاكرهتا.ورأى
فيرب أن املنظمات تتميز بطبيعتها بنظام تراتيب ومراتيب يف الوقت نفسه مع تركز السلطة يف
86
مستوياته العليا".
ومن هنا ،البد من التوقف عند مفهوم إداري مهم ،بالشر والتوضيح والتحليل ،وهو
مفهوم البريوقراطية اإلدارية .إذا ،ما معىن البريوقراطيةا وإىل أي مدى تعد أساس احلداثة
العقالنيةا وما مظاهر ضعفهاا هذا ماسوف نوضحه يف األسطر التالية:
تعااين كلمااة البريوقراطيااة املكتااب أو املااوظفني اجلالسااني إىل مكاااتبهم لتأديااة خاادمات عامااة.
ولق ااد ظه اارت البريوقراطي ااة ،يف الق اارن الس ااابع عش اار ،لت اادل عل ااى املكات ااب احلكومي ااة .وق ااد
- 86أنتوب غدنز :علم االجاي ع ،ترمجة فايز الصياغ ،مركز دراسات الوحدة العربية ،بريوت ،لبنان ،الطبعة
الرابعة2111 ،م ،ص.213:
37
استعمل املصطلح من قبل الكاتب الفرنسي د غورنيه سنة 0721م الذي مجع بني مقطعاني
مهااا :بااريو الااذي يعااين املكتااب ،وكراتيااا الااذي يعااين احلكاام .وبعااد ذلااك ،أطلقاات البريوقراطيااة
علااى كاال مرافااق الدولااة ماان ماادارس ،ومستشاافيات ،وجامعااات ،ومؤسسااات رمسيااة...كما
تدل كلمة البريوقراطية على القوة والسلطة والنفوذ والسايادة .وقاد ظهارت البريوقراطياة لتنظايم
العما اال وتسا ااهيله وال ا اتحكم فيا ااه برجما ااة وختطيطا ااا وتا اادبريا وتوجيها ااا وقيا ااادة وإش ا ارافا وتقوميا ااا.
والبريوقراطية نتاع للرأمسالية والعقالنية واحلداثة الغربية ،ونتاع لتقسيم العمل وتنظيمه إداريا.
وميكن احلديث عن مواقف ثالثة إزاء البريوقراطية:
دوقـ ــف س ـ ــلبا :مفا اااده أن البريوقراطيا ااة تنظا اايم إداري روتي ا اين ومعقا ااد وبطا اايء يف أداء
اخلدمات العامة؛ مما دفع بلزاك إىل القول بأن البريوقراطية هي" السالطة الكاربى الايت ميارساها
األقزام"87؛
دوقــف ى ج ـ با :ينظاار إىل البريوقراطيااة نظاارة متمياازة ،علااى أساااس أهنااا طريقااة يف تنظاايم
العماال وتاادبريه وفااق خطااة عقالنيااة هادفااة.وماان مث ،فهااي منااوذع للحاارص والدقااة والكفاااءة
والفعاليا ااة اإلداريا ااة ،ما ااادام هنا اااك احتكا ااام إىل التعليما ااات واألواما اار واإلج ا اراءات التنظيميا ااة
الصارمة83؛
اعاـدال :وميثلاه مااكس فيارب ،إذ ذكار للبريوقراطياة إجيابياهتاا وسالبياهتا يف دوقف سـ
الوقاات نفسااه .ويتخااوف أن حتيااد البريوقراطيااة عاان أهاادافها احلقيقيااة ،فتصاابح أساالوبا ملمارسااة
القوة والتسلط والرقابة.
و اليااوم ،ينظاار كثااري ماان الناااس إىل البريوقراطيااة نظاارة ساالبية؛ ألهنااا حتياال علااى الاابطء والااروتني
والفساااد اإلداري ،وتعقيااد اإلج اراءات الشااكلية واملساااطر اإلداريااة .يف حااني ،يعتربهااا ماااكس
فيرب أساس العقالنية والتقادم واالزدهاار الرأمساايل احلاديث .ويعاين هاذا أن مااكس فيارب يادافع
- 88إبراهيم بن عبد العزيز الدعيلج :اإلدارة ق ئق تاجدد ،مكة املكرمة ،اململكة العربية السعودية ،الطبعة
األوىل سنة 2102م ،ص.32:
39
من أجل" تسريع العمل ،وتقليل األخطاء ،والدقة يف اإلحاز ،واحملافظة على حقاوق املوظاف
والصاااحل العااام ،وليساات بااالعكس ،كمااا أصاابح حياادث يف أكثاار األحيااان علااى أرض الواقااع،
حبيااث إننااا نالحااظ إف ارازات ساالبية ،إساااءات للبريوقراطيااة ،واألهاام ماان ذلااك أهنااا أثاارت يف
الناااس يف ضااوء التعقيااد الااذي يلقونااه .وإن ربااط التعقيااد بالقطاااع احلكااومي بشااكل أكاارب ماان
القطاع اخلاص صاحيح ،هاذا واقاع ألن القطااع اخلااص حيارص فياه صااحب املؤسساة اخلاصاة
عل ااى عمل ااه ،ألن ااه حيق ااق ه اادفا رحبي ااا وأحيان ااا س اريعا ،وه ااو ح ااارس دائ اام وق اائم عل ااى عمل ااه
وموظفيااه باااحلوافز وباحلساام إذا احتاااع لااذلك ،ولكاان احلااارس اإلداري يف القطاااع احلكااومي
لديه أولوياات ختتلاف بعاض الشايء ،والرقاباة كاذلك ختتلاف بسابب اتسااع القطااع احلكاومي
وحجمه ومقياس اإلنتاع وربطه باحلوافز ،وكما أن التقاومي بشاكل خمطاط وواضاح شابه غائاب
21
يف قطاعنا احلكومي".
وعليه ،يعد ماكس فيرب رائاد األسالوب البريوقراطاي احلاديث ،حياث ربطاه بالسالطة العقالنياة
الشرعية املنظمة من جهة ،واهلريارشاية اهلرمياة مان القماة إىل القاعادة مان جهاة أخارى؛ ملاا هلاا
من فوائد عملية يف رفع اإلنتاع واملردودية الكمية والكيفية ،وحتقيق الفاعلياة ،واحاكام اللاوائح
القانونيااة والتنظيميااة غااري اخلاضااعة ملازاع الارئيس أو املاادبر اإلداري ،عااالوة علااى وحاادة األماار،
ونطاق اإلشراف ،ومبدأ التدرع اهلرمي...
واليعين هذا أن البريوقراطية مفهوم حديث العهد ،بل عرفته الشعوب القدمية كذلك .ويف
هذا الصدد ،يقول أنتوب جيدنز(":)A.Giddensيعتقد فيرب أن بعض أنواع التنظيم
البريوقراطي قد نشأت وتطورت يف احلضارات التقليدية القدمية .فاملسؤول البريوقراطي يف
الصني القدمية هو الذي كان يتوىل مسؤولية إدارة شؤون احلكومة ،غري أن البريوقراطية
تتطور وتكتمل إال يف العصور احلديثة باعتبارها تشكل احملور الرئيسي لكشيد وعقلنة
اجملتمع.وقد ترك هذا الكشيد وتلك العقلنة آثارمها يف مجيع جوانب احلياة مبا فيها العلوم
والكبية واحلكم.وبدال من أن يعتمد الناس على املعتقدات والعادات التقليدية اليت درجوا
43
اليت واجهوها أكثر كفاءة وأسرع إحازا.فقد استطاعت اجملموعة أن تنمي بني أعضائها
سلسلة من اإلجراءات غري الرمسية تتفوق على القواعد الرمسية للمنظمة يف إذكاء رو
22
املبادرة واإلحساس باملسؤولية بني العاملني".
ومن جهة أخرى ،يرى روبرت مريتون( )Robert Mertonأن البريوقراطية أسلوب
إداري رتيب ومعيق للتطور واملنافسة والتقدم يف العمل ،على أساس أن هذا األسلوب يلحق
الضرر باملؤسسة عاجال أو آجال .ويف هذا ،يقول أنتويت غيدنز ":ووضع عا االجتماع
األمريكي روبرت مريتون ( 21)Robert Merton1957دراسة موسعة عن النموذع
املثال الذي طرحه فيرب عن املنظمة البريوقراطية .وبني هذا الباحث ،وهو من كبار الباحثني
يف املدرسة الوظيفية ،أن البريوقراطية تنطوي على كثري من جوانب القصور والعناصر اليت قد
تفضي إىل إحلاق الضرر حىت يف نشاط املؤسسة نفسها.ومن مةخذ مريتون على البريوقراطية
أن موظفيها البريوقراطيني يدربون على االلتزام املتشدد بالقواعد واإلجراءات املكتوبة اليت
التكك هلم جماال للمرونة يف إصدار األحكام واختاذ القرارات ،أو السعي إىل حلول وإجابات
مبتكرة ملعاجلة القضايا واملشكالت .وقد يؤدي ذلك إىل تصلب ما يسمى الطقوس
البريوقراطية اليت تعلو فيها القواعد والقوانني على كل ماعداها من األمور واحللول احملتملة.
كما أن االلتزام املتزمت سذه القواعد رمبا خيفي أو يبدد األهداف الفعلية للمنظمة ويصبح
غاية حبد ذاته ،وحيجب عن البصر الصورة الكلية ألنشطة املؤسسة .وتوقع روبرت مريتون
نشوء حالة من التوتر والتناقض بني املؤسسات البريوقراطية ،والسيما احلكومية والعامة منها
من جهة ،ومجاهريها العريضة من جهة أخرى ،ألن انشغال املسؤوليسن البريوقراطيني بأداء
49
- Guy Rocher: (Le sociologue et la sociologie
dans l’administration publique
et l’exercice du pouvoir politique), Un article publié dans la revue
Sociologie et Sociétés, vol. 12, no 2, octobre 1980, pp. 45-65.
Montréal: Les Presses de l’Université de Montréal.
50
- Peta Sheriff, « Sociology of Public Bureaucracies, 1965-1975 », la
Sociologie contemporaine, 24, 2, 1976, 175 p.
47
Ralph ( ورالف ميليباند،10)Michel Crozier( وكتابات ميشيل كروزيي
John ( وجون بورتر،18)Ezra N. Suleiman( وإيزرا سليمان،12)Miliband
وباتريس جاران،11)Robert Presthus( وروبرت بريستوس،12)Porter
ودانييل التوش،)Edouard Cloutier( وإدوارد كلوتيي،16)Patrice Garant(
وغريها من الكتابات املهمة اليت ركزت على البريوقراطية،17)Daniel Latouche(
… واإلدارة يف اجملتمع الرأمسايل، واخلدمات اإلدارية، والنخبة اإلدارية،اإلدارية
51
- Michel Crozier, le Phénomène bureaucratique, Paris, Seuil,
1963, 413 p.
- Ralph Miliband, The State in Capitalist Society, Londres,
52
49
باملناصب املتوسطة أو القريبة من املناصب العليا .ويعين هذا كله غياب الدميقراطية احلقيقية
يف اإلدارة العمومية ،وخضوعها للهريارشية اإلقطاعية واملزاجية والسياسية واحلزبية.
ويرى جريي جاكوب ( )Jerry Jacobsأن النموذع الويربي أو النمط املثايل للبريوقراطية
عند ماكس ويرب جمرد منوذع خيايل ورمزي.أما يف الواقع اإلداري ،فالبريوقراطية املثالية تتحول
إىل فيودالية إقطاعية خاضعة لألهواء والوالءات واألمزجة واملصاحل الشخصية ،والضغوطات
السياسية واحلزبية والنقابية ليس إال.13
والدليل على فيودالية اإلدارة تقسيمها إىل إدارات مركزية وغري مركزية من جهة أوىل ،ووجود
الدواوين واملفتشيات والكتابات العامة واملديريات واألقسام واملصاحل واملكاتب من جهة
ثانية ،وتنظيم اإلدارة الكابية إىل إدارة مركزية وجهوية وحملية من جهة ثالثة ،وتقسيم اإلدارة
احمللية إىل مقاطعات حضرية وقروية من جهة رابعة.
وينتج عن هذا التقسيم اإلداري والتوزيع السياسي صراعات داخلية وخارجية ،وتضارب
للمنافع واملصاحل ،واختالف املنطلقات السياسية واإليديولوجية .ويعين هذا وجود صراعات
ترابية وإدارية وتدبريية داخلية وخارجية .ومن مث ،يقوم كل وزير بندخال تغيريات جزئية أو
كلية على إدارته ،ويطبق سياسات معينة وفق رؤيته احلزبية أو السياسية أو اإلدارية .وقد
يتجاوز هذا الصراع إدارة الوظيفة العمومية إىل إدارات حكومية أخرى ،فقد يتدخل الوزير
األول يف إدارة وزير الوظيفة العمومية ،فيفرض عليه جمموعة من القرارات لتنفيذها إداريا.
وعليه ،ختضع اإلدارة ملنطق الصراع والتنافس واالختالف والتفاوت اهلريارشي .وقد يكون
الصراع بني املوظفني اإلداريني أنفسهم أفقيا وعموديا ،أو قد يكون بني املوظفني ورؤساء
اإلدارة ،أو بني املوظفني والوزارة املعنية .وقد يكون الصراع بني النظامني اإلداريني:
البريوقراطي العقالب واإلقطاعي الروتيين .وقد يكون الصراع إجيابيا ومثمرا لصاحل اإلدارة،
وقد يكون الصراع سلبيا يعيق تقدم اإلدارة وتطورها.
58
-Jerry Jacobs, Symbolic Bureaucracy: A Case Study of a Social
'Welfare Agency, Social Forces, 47, 4, juin 1969, 413-423.
50
أما فيما خيص السلطة اإلدارية ،يالحظ أن الدول الليربالية املتقدمة التعطي لإلدارة احلرية
التامة لتقوم بكل شيء ،فسلطتها مقننة بقوانني وتشريعات قضائية ودستورية ،بل ميكن
حماسبة هذه اإلدارة وحماكمتها قضائيا يف احملاكم اإلدارية .أي :الميكن للدولة أو اإلدارة
العمومية أن توظف سلطتها بشكل غري مسؤول ،وإال اعترب ذلك شططا أو سوء استخدام
للقوة اإلدارية .ومن هنا ،ميكن للموظف أن يرفع دعوى ضد إدارته أو إدارة أخرى
ملقاضاهتا ،سدف إلغاء قرار إداري أو حذفه أو تعديله أو إرجائه ،أو تغيري وضعيته املادية أو
املالية أو املعنوية؛ وخاصة إذا كانت تلك الدولة دميقراطية ،تؤمن حبقوق اإلنسان اخلاصة
والعامة.
أما الدولة االشكاكية ،فاإلدارة العامة هي اليت تتحكم يف الوظيفة العمومية ومرافقها من
جهة ،وتتحكم أيضا يف مصري املوظفني من جهة أخرى ،كما هو حال اإلدارة يف االحتاد
السوفيايت سابقا ،والصني االشكاكية ،وكمبوديا والفيتنام...
ومن مث ،تتحول اإلدارة االشكاكية -حسب لوي ألتوسري( )Althusserوبوالنتزاس(
- ) Poulantzasإىل وسيلة إيديولوجية الستيالب الناس وختديرهم وتكليسهم ،إىل
جانب اآلليات األخرى ،مثل :التعليم ،واإلعالم ،والدين ،والكبية ،واجليش...
ومن ناحية أخرى ،يرى غوي روشي أن للدولة املعاصرة حدودا داخلية وخارجية ،تتحكم
فيها على الصعيد اإلداري ،الميكن ختطيها أو جتاوزها أو إمهاهلا ،مثل :الضغوط اخلارجية،
وضغوط املعارضة ،وضغوط األحزاب السياسية ،والنقابات العمالية ،واملنظمات غري
احلكومية ،واجملتمع املدب ،والنخب مبختلف أطيافها.
ويبدو أن الدولة الليربالية املعاصرة تعرف جدال صاخبا على مستوى اإلداري والسياسي،
وتعرف أيضا صراعا حادا حول السلطة والنفوذ واملنافع واملصاحل ،باختالف الرؤى احلزبية
واإليديولوجية .ومن مث ،متيل اإلدارة املعاصرة إىل ترشيد النفقات ،واالحتكام إىل جودة
اخلدمات ،واإلتقان يف العمل ،والتسريع يف تنفيذ األعمال واملأموريات اإلدارية ،والتحكم يف
51
املصاريف ،والتقليل من املوارد البشرية ،والتكيف مع الظروف اإلدارية والتأقلم معها حسب
اإلمكانيات املتاحة.وهذا ما يسمى أيضا باحلكامة اجليدة.
ومن هنا ،تقوم اإلدارة بوضع برامج تنموية مستدامة ،وخوصصة بعض مرافقها وتفويضها
إىل مكاتب وشركات خاصة ،وتسطري مشاريع هادفة يف جماالت خمتلفة ومتنوعة :التعليم،
والصحة ،والسكن ،واالقتصاد ،واإلدارة ،والرياضة ،والسياحة ،والثقافة...والبحث عن
الكفاءات واملوارد املادية واملالية واملعنوية ،واالقتصاد يف النفقات ،والدخول يف شراكات
داخلية وخارجية ،وحتفيز املوظفني ماديا وماليا ومعنويا ،وخدمة املواطنني بشكل إجيايب،
بتوظيف املستجدات التقنية والرقمية .ولن يتحقق هذا -فعال -إال باملقاربة التشاركية،
واملقاربة املندجمة ،واملقاربة اإلبداعية.
ومن جهة أخرى ،ميكن احلديث ،ضمن سياق الدول واحلكومات املعاصرة ،عن إدارتني
متناقضتني :إدارة حمافظة تكره التغيري والتجديد واإلبداع ،وحتتكم إىل القواعد البريوقراطية
الفيودالية؛ وإدارة مبدعة تؤمن باالبتكار ،والتجديد ،واإلبداع ،والتطوير ،وتأخذ باملقاربة
البريوقراطية العقالنية واملنظمة.
ويف األخري ،ميكن احلديث عن أنواع عدة من اإلدارة املعاصرة ،كاإلدارة احلكومية (اإلدارة
الوزارية) ،واإلدارة الربملانية ،واإلدارة احلزبية ،واإلدارة النقابية ،واإلدارة املركزية ،واإلدارة
اجلهوية ،واإلدارة اإلقليمية ،واإلدارة احلضرية ،واإلدارة القروية ،واإلدارة اجلماعاتية...
وسذا ،يكون غوي روشي قد قدم تصورا سوسيولوجيا عاما لإلدارة أو الوظيفة العمومية يف
الدولة املعاصرة بسلبياهتا وإجيابياهتا .كما وضح لنا أن اإلدارة املعاصرة مازالت تتعامل مع
شؤون اإلدارة من منطلق بريوقراطي إقطاعي ( فيودايل).
يمص اكقول ،يهتم علم االجتماع اإلداري بفهم اإلدارة يف عالقتها باجملتمع ،وتفسري
وقائعها وظواهرها الفردية واجلماعية وتأويلها .مبعىن أن هذا العلم فرع من فروع علم
االجتماع ،ينصب اهتمامه ،بشكل خاص ،على مقاربة الوظيفة العمومية ،بندارهتا ومرافقها
وأدوارها ،وفق املقكب السوسيولوجي .ومن مث ،يتم الككيز على العالقات املوجودة بني
52
املوظف واإلدارة من جهة أوىل ،وعالقة املوظف واملواطن من جهة ثانية ،والعالقة املوجودة
بني املوظفني واحلكومة من جهة ثالثة.
كما يهتم علم االجتماع اإلداري بوصف احلياة اإلدارية وتفسري ظواهرها ووقائعها
وتصنيفها وحتليلها أفقيا وعموديا ،واستجالء خمتلف القواعد والقوانني اليت تتحكم يف نسق
اإلدارة وتوجهها ،واستقراء خمتلف األدوار والوظائف اليت تؤديها الوظيفة العمومية وإدارهتا.
ومن هنا ،يهتم علم االجتماع اإلداري باإلدارة ،وبنيتها ،وأنواعها ،ووظائفها ،وتبيان خمتلف
العالقات اليت تتحكم يف اإلدارة ،ودراسة األنظمة اإلدارية اإلقطاعية والبريوقراطية
والدميقراطية ،وحتديد اخلدمات اإلدارية ،والسلطة اإلدارية ،واهلريارشية اإلدارية ،والتنظيم
اإلداري ،والقرارات السياسية واإلدارية ،والنخب اإلدارية ،وأدوار كل من املوظف والرئيس
واملسؤول األول عن اإلدارة ،ودراسة شطط السلطة اإلدارية ،وكيفية مقاضاهتا موضوعا
وشكال ومسطرة.
إذا ،يهتم علم االجتماع اإلداري حبل املشاكل االجتماعية اليت تنتج عن اإلدارة ،وفهم بنية
اإلدارة يف عالقة بالسلطة والقرار اإلداريني .ومن مث ،فمازالت الدراسات السوسيولوجية ،يف
اجملال اإلداري ،قليلة جدا ،منذ كتابات كل من أليكس توكفيل وماكس فيرب .حىت
الدراسات السوسيولوجية املعاصرة حول البريوقراطية اإلدارية هي أحباث جزئية وشذرات
مقطعة؛ والسبب يف ذلك صعوبة تناول البريوقراطية العمومية اليت تطر حتديات ثقافية.
أضف إىل ذلك ما تطرحه احلياة الداخلية للوظيفة العمومية من مشاكل وحاالت ووضعيات
صعبة ومعقدة .لذلك ،كانت هذه الدراسات تكتفي بتحليل ممارسات السلطة السياسية
واإلدارية .ومازالت السوسيولوجيا اإلدارية ،إىل يومنا هذا ،يف حاجة ماسة إىل أدوات
منهجية ناجعة ملقاربة الظواهر اإلدارية بشكل دقيق ،إما باستخدام املناهج الكمية ،وإما
باستخدام املناهج الكيفية.
53
اكفصل اكرابع:
54
اكيب ث األ ل :تير ف علم االجاي ع االقاص دي
من املعروف أن علم االقتصاد هو الدراسة العلمية لعمليات اإلنتاع والتوزيع والتبادل
واالستهالك اليت تتعلق بالسلع واخلدمات لتحقيق الرفاهية واالزدهار لألفراد ،وحتسني
مستوى معيشتهم املادية واملالية واملعنوية .وبتعبري آخر ،يدرس هذا العلم الدورة االقتصادية
القائمة على أربع مراحل أساسية هي :اإلنتاع ،والتوزيع ،والتبادل ،واالستهالك .وقد ارتبط
هذا العلم أيضا بالدولة .لذا ،مسي باالقتصاد السياسي إىل درجة يصعب الفصل بني
االقتصاد والسياسة للعالقة اجلدلية املوجودة بينهما.
بيد أن الثروات التقتصر على الدولة فقط ،بل هي نتاع جهود األفراد فيما بينهم ،داخل
سياق جمتمعي معني .مبعىن أن األفراد هم الذين حيققون الثروة االقتصادية املثمرة ،يف إطار
التعاون والتفاهم والتعاقد والتبادل املشكك .ومن مث ،يدرس علم االقتصاد األنشطة
االقتصادية ذات الطابع الفردي واالجتماعي .وقد عرف بعضهم علم االقتصاد بأنه "
دراسة الكيفية اليت عليها ينظم الناس استخدام املوارد إلشباع رغباهتم وحاجاهتم ،مبعىن أن
علم االقتصاد يهتم بدراسة التنظيم االقتصادي ،وهذا يتطلب دراسة خمتلف النظم
18
االقتصادية ،واملشكالت اليت تواجه كل نظام والطرائق املمكنة حلل هذه املشكالت".
إذا ،يدرس علم االقتصاد خمتلف النظم االقتصادية اليت تساعد الناس على تلبية حاجياهتم،
وإشباع رغباهتم ،وحتقيق املنافع واملصاحل ،وحتقيق التوازن االقتصادي ،واإلشباع املادي .ومن
مث ،حياول علم االقتصاد أن يبحث عن التوازن بني املداخيل واملصاريف ،ويعاجل املشاكل
املادية بأحع السبل والطرائق االقتصادية املمكنة واملتاحة ،يف إطار ما يسمى باحلكامة
اجليدة .ويعين هذا أن علم االقتصاد يقدم لنا مجيع الوسائل واخلطط لتنظيم حياتنا
االقتصادية كما وكيفا ،وحتقيق انسجامها وتوازهنا ومتاسكها ،والسيما أن رغبات اإلنسان
- 18حممد ياسر اخلواجة :علم االجاي ع االقاص دي ،األهايل للطباعة والنشر والتوزيع ،القاهرة ،مصر ،الطبعة
األوىل 0883م ،ص.02:
55
وحاجياته كثرية وآمرة وملحة ،لكن الوقت والنشاط واملوارد الطبيعية حمدودة.لذا ،ينبغي
التحكم جيدا يف املوارد املوجودة ،وترشيد النفقات واالستهالك .كما أن هذا االقتصاد هو
سبيل لتحقيق الثروة وجتميعها وتكديسها أو استثمارها .وقد قال آدم مسيث بأن االقتصاد
هو علم الثروة .وهناك من يقول بأنه علم اإلثراء القائم على اجملهود البشري لبناء ثروة
األمة.
ومن هنا ،فعلم االقتصاد هو الذي يعىن بدراسة النشاط االقتصادي الفردي أو اجلماعي من
أجل حتقيق املنافع أو املصاحل أو الرفاهية أو الثروة أو التوازن بني املداخيل واملصاريف.
وإذا كان علم االقتصاد يهدف إىل وضع قوانني رياضية وإحصائية وعلمية لتحقيق املنفعة
أو املصلحة أو التوازن االقتصادي أو الرفاهية املادية لألفراد واجلماعات ،فنن علم االجتماع
االقتصادي يهدف إىل حتقيق العدالة اجملتمعية ،وحتسني مستوى معيشة األفراد واجملموعات
داخل نسق جمتمعي معني .مبعىن توجيه االقتصاد لتقدم البنيان االجتماعي ،وحتقيق توازنه
وانسجامه وتكامله ،أو حتسني األوضاع االقتصادية للمجتمع بأكمله .ويف هذا ،يقول
حممد ياسر اخلواجة ":وتبدو الصلة أكثر وضوحا بني جمال االقتصاد وجمال االجتماع .لكن
الذي جتدر اإلشارة إليه هنا أن علم االجتماع االقتصادي اليرمي من دراسته إىل الوصول
إىل قوانني اقتصادية حبتة أو الوصول إىل هذه القوانني بغرض ذايت ،وإمنا يهدف إىل االنتفاع
سا يف االرتقاء باألوضاع والنظم واملستويات االقتصادية ،فنذا كان االقتصاد يهتم باملنفعة،
فنن علم االجتماع االقتصادي يعىن بالعدالة ،وإذا كان االقتصاد يضع القوانني اليت يستند
إليها النظام االقتصادي ،فنن علم االجتماع االقتصادي يستنبط قوانني تقدم البنيان
االجتماعي من الناحية االقتصادية.
أي :إن علم االجتماع االقتصادي يستطيع أن يساعدنا على معرفة أي النظم االقتصادية
ميكن أن تالئم هذا اجملتمع أم ذاك ،وما الذي جيب االحتفاظ به ،وما الذي جيب استبعاده
من وسائل النشاط أو االستغالل االقتصادي ،ألنه يدرس النشاط االقتصادي بوصفه أحد
مظاهر النشاط االجتماعي ،بل هو أهم ناحية من سلوك األفراد؛ ألنه يتصل بقوام البنيان
56
االجتماعي ،وينظر إىل الظاهر نظرته إىل الظواهر االجتماعية التقل شأنا عن الظواهر
السياسية ،والدينية ،واألخالقية ،واللغوية ،وهي كلها ظواهر تنبع من طبيعة احلياة
االجتماعية ،وما ينطوي عليه من تفاعل بني األفراد واحتكاك مشاعرهم ،وتقابل رغباهتم
وخضوعهم لظروف بيئية واجتماعية تصهرهم مجيعا يف بوتقة واحدة.تتحد آثارها وتتداخل
61
العوامل املؤثرة فيها بالنتائج حبيث يصعب الوقوف عليها".
ويعرفه مسيلسر( ،)N.Smelserيف كتابه (سوسيوكوجي اك ي ة االقاص د ) ،بأنه "
العلم الذي يقوم على تطبيق اإلطار املرجعي لعلم االجتماع ومناذجه التفسريية لدراسة
وحتليل األنشطة االقتصادية احلديثة اليت تعاجل عمليات اإلنتاع ،والتوزيع ،والتبادل،
واالستهالك للسلع واخلدمات النادرة"60.
إذا ،فعلم االجتماع االقتصادي هو تطبيق املقاربة السوسيولوجية على الظواهر االقتصادية
،62أو هو الدراسة السوسيولوجية لالقتصاد .68ويقصد بالظواهر االقتصادية العمليات
األربع :اإلنتاع ،والتوزيع ،والتبادل ،واالستهالك ،62أو السلوك اإلنساب الذي يوفق بني
Jerry1976,p:43.
62
- Smelser N. J. et Swedberg R. (eds.), The Handbook of
Economic Sociology, Princeton, Russell Sage Foundation, 1994, p:
3.
63
- Swedberg R., 1987, Current Sociology, London, Sage
Publication ; trad. franç.1987 ; Une histoire de la sociologie
économique, Paris, Desclée de Brouwer,1994,p:221.
- Granovetter M,: Analyse économique des conventions, Paris,
64
PUF,1994,p:81.
57
الرغبات الكثرية وندرة املوارد أو حمدوديتها .61وقد تعين الظواهر االقتصادية ما يسمى
بالفعل االقتصادي العقالب واهلادف عند ماكس فيرب ( )Max Weberأو فيلفريدو
باريتو ).(V.Pareto
إذا ،يهتم علم االجتماع االقتصادي بدراسة الظواهر االقتصادية اليت هلا عالقة باجملتمع.
أي :دراسة النظم االقتصادية ،وحتليل وضعيات السوق ،ووصف الدورة االقتصادية،
والتوقف عند اآلليات اليت تتحكم يف حتديد األمثان ،ومناقشة سياسة العرض والطلب،
واستكشاف العالقات االجتماعية وصلتها بالعالقات التجارية واالقتصادية ،وتناول
األسواق يف تأرجحها بني الربح والقيم...
وهكذا ،فعلم االجتماع االقتصادي هو دراسة خمتلف الظواهر االقتصادية املتنوعة يف ضوء
مسبباهتا االجتماعية ونتائجها ،من خالل املزع بني االقتصاد واجملتمع .ومن مث ،فعلم
االجتماع االقتصادي عبارة عن مقاربة سوسيولوجية للظواهر االقتصادية ،وحتليلها يف ضوء
مقاربة اقتصادية جزئية أو كلية ،بالككيز على البنيات االقتصادية وأدوارها ووظائفها
ومؤسساهتا ،مع تبيان دور اجملتمع وتأثريه يف االقتصاد...
يدرس علم االجتماع االقتصادي جمموعة من املواضيع املهمة ،وميكن حصرها فيما يلي:
الدورة االقتصادية (اإلنتاع ،والتوزيع ،والتبادل ،واالستهالك) ،واملنفعة االقتصادية ،والرفاهية
االقتصادية ،والتوازن أو الالتوازن االقتصادي ،والتبادل التجاري ،والبؤس االجتماعي،
والفقر ،والتسول ،والثراء ،والبطالة ،واملساواة أو الالمساواة االجتماعية ،والرأمسال
االقتصادي ،والتنمية والتخلف ،وامللكية اخلاصة ،والعمل ،واالستثمار ،واألجور ،وتوزيع
65
- Robbins L.,: An Essay on the Nature and Signification of
Economic Science, Londres, Macmillan, 1932, p: 30.
58
الدخل ،واالقتصاد الكلي ،والدخل القومي ،ورأس املال ،والربح ،والريع ،ونظرية القيمة،
والقروض ،والتنافس االقتصادي ،وحترير االقتصاد ،والتضخم ،والتبعية ،والعوملة ،واإلشباع
االقتصادي ،ونقل التكنولوجيا ،واألسواق ،واألسهم ،والبورصات ،واألبناك ،والشركات
متعددة اجلنسيات ،واألزمات االقتصادية ،واألنشطة االقتصادية ،واملؤسسات واملقاوالت
االقتصادية ،والتدبري االقتصادي ،واإلفالس ،والتجارة ،وتقسيم العمل ،وعالقة الدين
باالقتصاد ،وعالقة االقتصاد باملشاكل االجتماعية ،والتنمية االقتصادية املستدامة ،وثورة
املعلومات ،والثورة الرقمية ،والتجارة الداخلية واخلارجية ،والركود االقتصادي ،والوضع
االقتصادي للرجل واملرأة معا ،والضرائب املباشرة وغري املباشرة وأثرها يف االقتصاد واجملتمع
معا ،واالقتصاد اجلزئي والكلي ،والنمو الدميغرايف وعالقته باإلنتاع الغذائي والزراعي،
وفلسفة النقود ،وتراكم رؤوس األموال ،واألوراق املالية ،وثنائية الطلب والعرض،
واخلوصصة ،واالقتصاد املوجه ،واالقتصاد املنفتح ،والفوائد البنكية والربوية ،والصراع
الطبقي ،واملشاريع االقتصادية ،وكثرة الرغبات واحلاجيات وندرة املوارد ،واستغالل الطبيعة،
والبريوقراطية ،والطبقات الطفيلية ،وسوق العمل ،والرأمسالية واالشكاكية ،واالقتصاد
السياسي ،وقيم التبادل واالستعمال ،والتشييء واالغكاب ،والتقنية واالستالب...
59
اكيب ث اكث كث :ر اد علم االجاي ع االقاص دي
ميكن احلديث عن جمموعة من رواد علم االجتماع االقتصادي الذين اهتموا بالظواهر
االقتصادية قدميا وحديثا ،إن على مستوى التنظري ،وإن على مستوى التطبيق .ومن أهم
هؤالء نذكر :ابن خلدون ،وألكسيس توكفيل( ،)Tocquevilleوآدم مسيث ( Adam
،)Smithودافيد ريكاردو ( ،)David Ricardouوكارل ماركس (،)K.Marx
وليون والراس ( ،)Léon Walrasوماكس فيرب( ،)Max Weberوإميل دروكامي
( ،)E.Durkheimوجوزيف شومبك ( ،)Joseph Schumpeterوفيلفريدو
باريتو ( ،)Vilfredo Paretoوجورع زميل ( ،)Georg Simmelومارك
غرانوفيك( ،)Mark Granovetterوهاريسون وايت (،)Harrison White
وكارل بوالنيي ( ،)Karl Polanyiوبيري بورديو ( ،)Pierre Bourdieuولوك
بولتانسكي ( ،)Luc Boltanskiولوران تيفلو ( ،)Laurent Thévenotوإيف
شيابلو ( ،)Ève Chiapelloوألفرد مارشال ( ،)Alfred Marshallوجون
كينز( ،)John Maynard Keynesوفريد بلوك ( ،)Fred L. Blockوجيمس
كوملان( ،)James S. Colemanوباوال إحالند( ،)Paula Englandوبول
دمياجيو ( ،)Paul DiMaggioوجويل بودولين( ،)Joel M. Podolnyولينيت
سبيلمان ( ،)Lynette Spillmanوريشارد سويدبريع ( Richard
،)Swedbergوفيفيانا زيليزير( ،)Viviana Zelizerوكارلو ترجييليا ( Carlo
،)Trigiliaولوك بولتانسكي( ،)Luc Boltanskiودونال أنغوس
ماكينزي( ،)Donald Angus MacKenzieولوران تيفنو( Laurent
،)Thévenotوجينس بيكري ( ،)Jens Beckertوأميتاي إتزيوب( Amitai
،)Etzioniوشاك سابيل( ،)Chuck Sabelوفولفغانغ سكيك ( Wolfgang
،)Streeckومكائيل موصو(…)Michael Mousseau
60
ومن جهة أخرى هناك دراسات سوسيولوجية ماركسية متميزة ،تناولت النظام االقتصادي
الرأمسايل بالتحليل والنقد والتعرية والفضح ،كما حد ذلك واضحا عند كل من :جورع
لوكاش( ،)Georg Lukácsوتيودور أدورنو( ،)Theodor Adornoوماكس
هوركامير( ،)Max Horkheimerووالك بنجامني (،)Walter Benjamin
وغوي دوبور ( ،)Guy Debordولوي ألتوسري ( ،)Louis Althusserونيكوس
بوالنتازاس( ،)Nicos Poulantzasورالف ميليباند (،)Ralph Miliband
ويورغان هابرماس( ،)Jürgen Habermasوراميون ويليام( Raymond
،)Williamsوفريدريك جامسون ( ،)Fredric Jamesonوأنتونيو
نيغري( ،)Antonio Negriوستوار هال( ،)Stuart Hallوغريهم...
ويالحظ أن هؤالء العلماء والباحثني واملفكرين تتحكم فيهم جمموعة من املرجعيات املختلفة
اليت كانت توجه اهتماماهتم االقتصادية ،على الرغم من وجود عالقات متشابكة ومتداخلة
بني ماهو اقتصادي وماهو اجتماعي وسوسيولوجي ،مثل :املرجعية السياسية ( توكفيل)،
واملرجعية التارخيية والعمرانية (ابن خلدون) ،واملرجعية الفلسفية (جورع زميل ،وماركس،)...
واملرجعية االقتصادية ( أدم مسيث ،ودافيد ريكاردو ،وجون كينز ،وفيلفريد باريتو،)...
واملرجعية السوسيولوجية (بيري بورديو) ،واملرجعية العلمية أو الوضعية (إميل دوركامي)،
واملرجعية املنفتحة واملتنوعة واملتعددة احلقول واملعارف (ماكس فيرب)...
61
اكيب ث اكرابع :ت ر خ علم االجاي ع االقاص دي
ارتبط علم االقتصاد باإلنسان منذ القدمي .لذا ،وجدنا اهتمامات وأفكارا اقتصادية نظرية
وعملية متميزة .ويعلم الكل مدى حا السياسة االقتصادية اليت تبناها يوسف عليه السالم
فيما خيص ادخار احلبوب لسنوات عدة ،والتحكم يف عمليات االستهالك والتوزيع
والتبادل .وبعد ذلك ،تبلور علم االقتصاد ،وأصبحت له قواعد نظرية وتطبيقية وإسكاتيجية،
ختضع للرياضيات واإلحصاء واملناهج التجريية والعلمية الدقيقة ،بتوظيف كل التقنيات
املستجدة اليت أتت سا التكنولوجيا احلديثة واملعاصرة .ومن مث ،فقد انقسم هذا العلم إىل
مذاهب اقتصادية عاملية (الليربالية واالشكاكية) ،وتفرع إىل تصورات نظرية خمتلفة ومتنوعة
(نظرية كينز مثال) ،وإىل أطروحات إيديولوجية متصارعة (االقتصاد االشكاكي املاركسي
مقابل االقتصاد الليربايل).
وبعد أن تطور علم االقتصاد كثريا ،ظهر ختصص جديد ،يف منتصف القرن العشرين،
يسمى بعلم االجتماع االقتصادي الذي يبحث عن عالقة اجملتمع باالقتصاد ،أو دور
االقتصاد يف حتريك عجلة اجملتمع أو توقيفها أو إعاقة منوها .على الرغم من أن هذا
املصطلح قد ظهر يف القرن التاسع عشر امليالدي ،وبالضبط يف سنة 0378م ،واستعمله
اإلحليزي ويليام ستانلي جوفنز ( .)William Stanley Jevonsوبعد ذلك،
استعمل هذا املصطلح يف كتابات إميل دوركامي ،وماكس فيرب ،وجورع زميل ما بني
0381و.0821
وقد تأسس هذا العلم يف جامعات الواليات املتحدة األمريكية ،مث انتقل إىل باقي جامعات
الغرب والشرق بعد ذلك .وأصبح علم االجتماع االقتصادي ختصصا علميا جديدا ،يتفرع
عن علم االجتماع العام ،ويوظف أدواته وآلياته ومناهجه يف الفهم والتفسري والتأويل .ويف
هذا ،يقول حممد ياسر اخلواجة يف كتابه ( علم االجاي ع االقاص دي) " :تبلورت اجلهود
األوىل لنشأة علم االجتماع االقتصادي يف الواليات املتحدة األمريكية مع اهتمامات
62
املدارس السوسيولوجية األمريكية ،ومنها مدرسة شيكاغو وهارفارد وغريمها إىل تطوير
جماالت علم االجتماع االقتصادي ،واالستعانة بالعديد من املداخل السوسيولوجية والنماذع
االقتصادية يف دراسة الظواهر السوسيواقتصادية.وذلك من منطلق أن النشاط االقتصادي
كأي نشاط آخر ميثل أحد الظواهر االجتماعية اليت الميكن فهمها وتفسريها تفسريا كامال
إال يف ضوء التفاعل والتأثري املتبادل بني كل من االقتصاد واجملتمع"66.
وبعد ذلك ،توسعت مداخل علم االجتماع االقتصادي ،وأصبح يعتمد على النظريات
االقتصادية ومذاهبها لتعميق الصلة بني الظواهر االقتصادية والظواهر اجملتمعية .وأصبح هذا
العلم ختصصا أكادمييا يف شعبة االقتصاد أو علم االجتماع ،و يدخل هذا التخصص
اجلامعات العربية إال يف العقود األخرية من القرن العشرين ،ومازالت الدراسات فيه قليلة
جدا حىت يف بيئته الغربية.
و" على الرغم من أن علم االجتماع االقتصادي يعد علما حديث النشأة مبقارنته بعلم
االقتصاد الذي تطورت أقدامه كعلم موضوعي اكتسب الصيغة العلمية يف وقت كان فيه
علم االجتماع االقتصادي حياول أن يتحسس طريقه يف دراسة الظواهر االقتصادية بصورة
علمية ومنهجية من خالل استقطاب جمموعة من علماء االقتصاد يف األصل ،ومنهم على
سبيل املثال ألفرد مارشال ،وجون كينز ،وفيلفريد باريتو ،وجورع زميل حيث وجدوا من علم
االجتماع االقتصادي نقطة التقاء واقعية للعالقة الوثيقة بني كل من علمي االقتصاد
واالجتماع.إال أنه استطاع أن يشق طريقه بنجا كبري لفت أنظار مجيع الدوائر العلمية
واألكادميية يف كافة العلوم االجتماعية ،ويشهد على ذلك مظاهر التطور اليت استطاع هذا
العلم اجلديد أن حيققها يف جمال حتديد موضوعه ،وبلورة قضاياه النظرية ،وتنمية منهجه،
ومتيز طريقته يف حتليل وتفسري الظواهر السوسيواقتصادية مثل :امللكية ،واإلنتاع ،والعمل،
واالستهالك ،والتوزيع ،واالستثمار ،واألجور ،والبطالة ،والفقر ،والتضخم ،والتبعية ،وقضايا
املنفعة والرفاهية ،واإلشباع االقتصادي ،ونقل التكنولوجيا ،واألسواق ،والشركات متعددة
الميكن فهم علم االجتماع االقتصادي واستيعابه إال بالتوقف عند بعض التصورات النظرية
اليت تندرع ضمن علم االقتصاد من جهة ،أو علم االجتماع االقتصادي من جهة أخرى.
يعد ابن خلدون واضع علم االجتماع االقتصادي ،حيث توقف ،يف كتابه (اكيقدد ) ،عند
الكثري من الظواهر االقتصادية بالتحليل واملناقشة والتأمل العقالب والفلسفي ،كتناوله للعمل
الذي جعله سعيا جادا لكسب الرزق ،وأن اإلنسان الميكن أن يعيش بدون عمل .ومن مث،
65
واعلم أنه إذا فقدت األعمال ،أو قلت بانتقاص العمران ،تأذن اهلل برفع الكسب.
أال ترى إىل األمصار القليلة الساكن ،كيف يقل الرزق والكسب فيها ،أو يفقد ،لقلة
األعمال اإلنسانية .وكذلك األمصار اليت يكون عمراهنا أكثر ،يكون أهلها أوسع أحواال
وأشد رفاهية كما قدمناه قبل .ومن هذا الباب تقول العامة يف البالد ،إذا تناقص عمراهنا
إهنا قد ذهب رزقها ،حىت أن األهنار والعيون ينقطع جريها يف القفر ،ملا أن فور العيون إمنا
يكون باإلنباط واالمكاء الذي هو بالعمل اإلنساب ،كاحلال يف ضروع األنعام ،فما يكن
إنباط وال امكاء نضبت وغارت باجلملة ،كما جيف الضرع إذا ترك امكاؤه .وانظره يف البالد
اليت تعهد فيها العيون أليام عمراهنا ،مث يأيت عليها اخلراب كيف تغور مياهها مجلة كأهنا
تكن " .واهلل يقدر الليل والنهار" 63.
وبعد ذلك ،فقد بني ابن خلدون أنواع العمل ،فحصرها يف الكسب ،والفالحة ،والصناعة،
والتجارة ،والصيد ،واألنشطة االقتصادية ،وحتصيل الضريبة .ويف هذا ،يقول ابن خلدون":
اعلم أن املعاش هو عبارة عن ابتغاء الرزق والسعي يف حتصيله ،وهو مفعل من العيش .كأنه
ملا كان العيش الذي هو احلياة ال حيصل إال سذه ،جعلت موضعا له على طريق املبالغة .مث
إن حتصيل الرزق وكسبه :إما أن يكون بأخذه من يد الغري وانتزاعه باالقتدار عليه ،على
قانون متعارف ،ويسمى مغرما وجباية ،وإما أن يكون من احليوان الوحشي باقتناصه وأخذه
برميه من الرب أو البحر ،ويسمى اصطيادا ،وإما أن يكون من احليوان الداجن باستخراع
فضوله املتصرفة بني الناس يف منافعهم ،كاللنب من األنعام ،واحلرير من دوده ،والعسل من
حنله ،أو يكون من النبات يف الزرع والشجر بالقيام عليه وإعداده الستخراع مثرته .ويسمى
هذا كله فلحا .وإما أن يكون الكسب من األعمال اإلنسانية :إما يف مواد بعينها ،وتسمى
الصنائع من كتابة وجتارة وخياطة وحياكة وفروسية وأمثال ذلك ،أو يف مواد غري معينة ،وهي
- 63ابن خلدون :دقدد ابن يلد ن ،دار ابن اهليثم ،القاهرة ،مصر ،الطبعة األوىل 2111م ،ص.818:
66
مجيع االمتهانات والتصرفات ،وإما أن يكون الكسب من البضائع وإعدادها لألعواض ،إما
68
بالتقلب سا يف البالد أو احتكارها وارتقاب حوالة األسواق فيها .ويسمى هذا جتارة".
ويعين هذا أن ابن خلدون قد تناول جمموعة من القضايا االقتصادية املهمة ،مثل :أمهية
العمل وقدسيته ،وتقسيم العمل ،ونظرية القيمة ،والتجارة ،والتنمية االقتصادية .بيد أن ابن
خلدون كان يدرس هذه الظواهر االقتصادية يف عالقة بعلم العمران أو علم االجتماع
باملفهوم احلديث.
ومن جهة أخرى ،يثبت ابن خلدون أن العمل هو مصدرالثروة واإلثراء ،وحتصيل الرفاهية،
وحتقيق اجلاه .ومن مث ،تتعدد الطبقات االجتماعية -حبسب العمل واجلاه واحلظوة -من
األسفل إىل أعلى طبقة هي طبقة امللوك .بل ميكن القول بأن املال هو السبيل لتملك القوة
والسلطة والنفوذ ،والوصول بسرعة إىل احلكم .ويف هذا السياق ،يقول ابن خلدون ":إننا
حد أن صاحب اجلاه واحلظوة يف مجيع أصناف املعاش أكثر يسارا وثروة من فاقد اجلاه.
تقرب سا إليه يف سبيل التزلُّف خمدوم باألعمال يُ َّ
والسبب يف ذلك أن صاحب اجلاه ُ
واحلاجة إىل جاهه ،فالناس ُمعينون له بأعماهلم يف مجيع حاجاته من ضروري أو حاجي أو
كمايل .فتحصل قيم تلك األعمال كلها من كسبه .ومجيع ما شأنه أن تبذل فيه األعواض
من العمل يستعمل فيها الناس من غري عوض ،فتتوافر قيم تلك األعمال عليه .فهو بني
قيم لألعمال يكتسبها ،وقيم أخرى تدعوه الضرورة إىل إخراجها فتتوافر عليه ،واألعمال
لصاحب اجلاه كثرية فتُفيد الغين ألقرب وقت ويزداد مع األيام يسارا وثروة .وهلذا املعىن
كانت اإلمارة أحد أسباب املعاش كما قدمناه" .واملقصود باجلاه هنا هو "القدرة احلاملة
للبشر على التصرف فيمن حتت أيديهم من أبناء جنسهم باإلذن واملنع والتسلط بالقهر
والغلبة"" .مث إن هذا اجلاه متوزع يف الناس ومكتب فيهم طبقة بعد طبقة :ينتهي يف العلو
ضرا وال نفعا بني أبناء
إىل امللوك الذين ليس فوقهم يد عالية ،ويف السفل إىل من ليس ميلك ّ
جنسه" .على أن املال الذي حيصل لصاحب اجلاه ،ليس مصدره :التقرب إليه فقط ،بل إن
-خضر زكريا وآخران :دوجز ت ر خ اكفتر االجاي عا ،األهايل للطباعة والنشر والتوزيع ،القاهرة ،مصر، 72
74
وثراء وريعا ،كلما ازداد امتداد اإلنتاع بارتفاع عدد السكان .وكلما ارتفعت أسعار املواد
الغذائية ،اخنفضت القدرة الشرائية ،وازداد بؤس الطبقة العاملة وشقاؤها.
ومن جهة أخرى ،قد يؤثر ارتفاع أمثان املواد الغذائية يف أصحاب الصناعات ،حيث ترتفع
األجور النقدية ،ويقل معدل الربح؛ ويسبب ذلك يف إضغاف احلافزية على الكاكم
الرأمسايل ،مع احتمال الوصول إىل الدولة الراكدة.
وسذا ،يقرر ريكاردو أن مصلحة مالكي األراضي تتعارض مع مصلحة اجملتمع ،مع العلم
أن طبقة مالك األراضي هي اليت كانت تتحكم يف القرار السياسي الربيطاب يف الفكة اليت
عاش فيها ريكاردو .لذا ،فقد دعا إىل حرية التجارة اخلارجية ،وإلغاء قوانني الغالل،31
وإدخال تقنيات حديثة يف عملية اإلنتاع.
أما فيما خيص نظرية املزايا ،فقد أخذ آدم مسيث بنظرية املزايا املطلقة اليت هلا عالقة حبرية
التجارة اخلارجية .ويعين هذا أن يتخصص كل بلد يف إنتاع السلعة وتصديرها ،مادام يتوفر
فيها على ميزة طبيعية مطلقة .أي :تكلفة مطلقة قليلة .وتكون النتيجة هي الفائدة واملنفعة
بالنسبة جلميع عناصر اجملموعة الدولية .ويف بعض األحيان ،يكون من صاحل دولة معينة أن
تستورد سلعة من اخلارع ،على الرغم من إمكانية إنتاجها حمليا بتكلفة أقل من تكلفة
إنتاجها يف اخلارع ،ويسمى هذا باملزايا املقارنة.
أما نظرية القيم الدولية ،فهي تكملة لنظرية ريكاردو الذي جيب عن سؤال ملح هو كيف
ميكن توزيع أربا التجارة اخلارجية ومنافعهاا فالبنسبة لستيورات ميل( ،)S.Millيرى أن
الدول الغنية أقل استفادة من التجارة اخلارجية؛ ألهنا تستورد كمية كبرية من البضائع والسلع
من اخلارع؛ نظرا الرتفاع القدرة الشرائية للمستهلكني.وبذلك ،حتصل على منافع أقل
مقارنة بالدول املصدرة الفقرية اليت ترغب يف احلصول على العملة األجنبية عرب التجارة
اخلارجية.
77
التدخل يف االقتصاد .بيد أن هذه احلرية االقتصادية املطلقة سامهت يف إفالس الدول
الدميقراطية الغربية ،بسبب اهنيار البورصة ،واخنفاض اإلنتاع ،وانتشار البطالة ،وإفالس
األبناك واملصانع والفالحني .ويف هذا الصدد ،يقول حممد ياسر اخلواجة" استطاع كينز أن
يشري إىل العديد من القضايا واملشكالت االقتصادية ،وحيللها يف ضوء واقعها االجتماعي
والسياسي ،فلقد عكست طبيعة األزمات اليت حدثت خالل العشرينيات والثالثينيات من
هذا القرن ،أو ما أحدثته احلرب العاملية األوىل والكساد االقتصادي مع بداية الثالثينيات
العديد من املشكالت االجتماعية املتعددة اليت اهتم سا كينز يف حتليالته االقتصادية ،لذا
فقد اختذ كينز من األزمات االقتصادية واالجتماعية اليت عاصرها ،والسيما مشكلة الفقر
والبطالة والتوظيف بعدا أساسيا يف تقييم الفكر االقتصادي واالجتماعي الكالسيكي،
ويؤسس نظريته عن هذا اجملال ،حينما ربط بني كل من العمالة والدخل ،واالستهالك،
واالدخار ،واالستثمار ،ورأى عدم الفصل بينهما.
كما طر كينز بعض التصورات اليت تؤدي إىل حتقيق أعلى مستوى من العمالة ،والتقليل
من حدة البطالة لعل من أمهها ضرورة أن تسعى احلكومة وسياستها االقتصادية حنو تشجيع
االستثمار اخلاص خالل فكة الكساد خلفض معدالت الفائدة ،كما جيب توجيه السياسات
احلكومية إلنشاء املشروعات االستثمارية الكربى اليت عن طريقها ميكن استيعاب أعداد
كبرية من القوى العاملة ،وخاصة مراحل األزمات ،والكساد االقتصادي ،كما أكد كينز
كثريا على أمهية احكام امللكية اخلاصة ،ولكنه أعطى صالحيات كبرية للدولة يف توجيه
احلياة االقتصادية ،وحتديد الفوائد اليت جيب أن يكتسبها أصحاب املال ،فاحلياة االقتصادية
ككل الجيب أن تكون اشكاكية ،ألن النظام الرأمسايل اليسمح بسوء استخدام
عوامل اإلنتاع ،وبالتايل أكد على ضرورة تشجيع احلكومة وسياساهتا االقتصادية يف إعادة
توزيع الدخل من أجل زيادة حجم االستهالك ،وميكن إجراء ذلك من خالل فرض ضرائب
عالية على الطبقات الغنية".32
- 38إميل دوركامي سوسيولوجي فرنسي ،ولد سنة ،0313وتويف سنة 0807م ،وهو مؤسس علم االجتماع.
84
- E. Durkheim: Les règles de la méthode sociologique, éd
Flammarion, Paris, 1988, p:103-104.
85
-E. Durkheim, De la division du travail social, Paris, PUF, 2007.
79
التقليدية إىل اجملتمعات احلديثة عرب تقسيم العمل .اي :انتقل اإلنسان من اجملتمع
امليكانيكي اآليل ،حيث كان األفراد متشاسني ومتماثلني يف أفعاهلم وتصرفاهتم ،إىل اجملتمع
العضوي الذي أصبح األفراد فيه خمتلفني ومستقلني ومتخصصني بسبب تقسيم العمل
االجتماعي .وهناك كذلك عالقات وظيفية وتكامل بني األفراد على صعيد املهن واألعمال
واالختصاصات .ومن مث ،ال يتخذ هذا التقسيم للعمل طابعا اقتصاديا فحسب ،بل يتخذ
ملمحا اجتماعيا بارزا لضمان توازن اجملتمع وانسجامه من جهة ،وحتقيق نسبة من املنافع
واملصاحل واألربا على مستوى املردودية واإلنتاجية من جهة أخرى .ولكن ما يهم هو أن
األفراد يف هذا اجلتمع الرأمسايل الليربايل متضامنني ومتعاونني ومتكاملني ،كل واحد حسب
عمله وختصصه ووظيفته .وسذا ،فدور الفرد اقتصادي ،واجتماعي ،وأخالقي.
وعليه " ،يسلم دوركامي بعدة مبادىء تكدد بشكل أو بةخر يف كل كتبه ،وخباصة كتاب
(تقسيم اكييل االجاي عا) ،وكتاب(قواعد اكينهج فا علم االجاي ع) ،كان هلا تأثري
قوي يف توجيه دراساته ،يلخصها كلها يف حقيقة مسلمة اإلميان بضرورة توافر التوازن ،وهي
تتمثل بأمجل صورها يف اجملتمع البدائي واجملتمعات الصغرية التقليدية.وإن املتغريات اليت
حتدث يف اجملتمع الصناعي تؤدي إىل تفكك الوحدات القدمية ،وهو األمر الذي يستوجب
من اجملتمع أن يعثر على أساس جديد للتوازن حىت يستمر يف الوجود.وهذا األساس (من
خالل جلوئه إىل املماثلة العضوية السوسيولوجية استعارها من سبنسر بني اجملتمع اإلنساب
والكائن العضوي) هو التضامن العضوي .إن توزع االختصاصات اليؤدي إىل الصراع ،بل
يؤدي ،على العكس من ذلك ،إىل وحدة اجملتمع ومتاسكه وتكامله"36 .
وعندما يصاب التضامن العضوي أو التماسك اآليل بعطب أو خلل أو اضطراب ما،
فالميكن معاجلته -حسب نبيل السمالوطي "-عن طريق الثورة كما يقول ماركس ،أو عن
طريق اإلصال ،فبناء على تصور دوركامي ،يعد اجملتمع حباجة إىل ثورة ،أو إىل إعادة
- 36وسيلة خزار :اإل د كوجي علم االجاي ع ،جدكي االنفص ل االتص ل ،منتدى املعارف ،بريوت ،لبنان،
الطبعة األوىل سنة 2108م ،ص.022-020:
80
صياغة العالقات البنائية داخل اجملتمع ،أو جتاوز األوضاع املعطاة ،ذلك ألن التوازن
والتكامل والتضامن هي متغريات سوف تتحقق تلقائيا مع منو اجملتمع وتقدمه ،أو منو ظاهرة
37
التخصص وتقسيم العمل".
وينطلق إميل دوركامي ،يف كتابه (االنا ر) ،33كذلك من نتيجاة أساساية ،وهاي أن االنتحاار
ليست ظاهرة نفسية أو عضوية ،بل هي ظاهرة جمتمعية واقتصاادية يف الوقات نفساه ،مرتبطاة
بتقسيم العمل يف اجملتمع الرأمسايل الصناعي .وبالتايل ،يتحدد معدل االنتحاار حبساب درجاة
اندماع األفراد يف اجلماعة ،والعالقة بينهما عالقة علية أو سببية.
يعتاارب كااارل إمياال ماكساايميليان ،املعااروف باساام ماااكس فياارب ( ،38)Max Weberماان
أهاام الفالساافة األمل اان ،وماان أهاام علماااء القااانون واالجتماااع واإلدارة واالقتصاااد السياسااي.
ويعااد أيضااا ماان أهاام رواد السوساايولوجيا املعاصاارة ،وماان األوائاال الااذين انتقاادوا احلداثااة .وقااد
انس اااق كث ا اريا وراء السياس ااة بالتحلي اال والتنظ ااري والتقعي ااد ،وك ااان م اان ب ااني احمل ااررين لدس ااتور
مجهورية ڤيمار سنة 0808م.
-نبيل السمالوطي :اإل د وكوجي أزد علم االجاي ع اكيي صر ،دراس ت ليلي كليشتمت اكنظر 37
اكينهجي ،اهليئة املصرية العامة للكتاب ،القاهرة ،مصر ،طبعة 0871م ،ص.016:
88
-Émile Durkheim: Le Suicide: Étude de sociologie, Paris, Presses
universitaires de France, coll. « Quadrige » (no 19), 1981, 463 p.
- 38ولد ماكس فيرب بأملانيا سنة ،0362وتويف سنة 0821م ،درس الفلسفة ،والتاريخ ،والقانون واالقتصاد.
ر ح اكرأسي كي )(0811-0812م) ،و(االقاص د اكيجايع) ومن أهم كتبه( األيمق اكبر تسا تي
(0822م).
81
ويعد ماكس فيرب أيضا من أهم السوسيولوجيني األملان الذين أرسوا دعائم السوسيولوجيا
التأويلية ،بتجاوز التفسري العلمي حنو التأويل الذايت واإلنساب .وبتعبري آخر ،لقد أخرع فيرب
علم االجتماع من إسار التفسري حنو الفهم والتأويل ،بالككيز على الفعل اجملتمعي بدل البنية
اجملتمعية ،والتمييز بني العلوم الوضعية القائمة على التفسري السبيب والعلي ،والعلوم اإلنسانية
والروحية املبنية على فهم الذات وتأويل جتارسا داخل العا املرصود .ومن جهة أخرى،
يعترب ماكس فيرب من مؤسسي اإلدارة الليربالية احلديثة يف ضوء املنظور العقالب اهلادف.
وفيما خيص اجملال االقتصادي ،يرجع ماكس فيرب ماهو مادي إىل ماهو ديين وفوقي ،كما
وضح ذلك جليا يف كتابه ( األيمق اكبر تسا ناي ر ح اكرأسي كي ) ،81حيث بني أن
القيم الربوتستانتية الكالفانية هي اليت سامهت يف بروز الرأمسالية العقالنية .أما كارل ماركس،
فقد ركز على العوامل املادية واالقتصادية يف ظهور هذه الرأمسالية .80وإذا كان ماركس قد
ثار على الدين ،فنن ماكس فيرب دافع عن فلسفة األديان ،وخاصة الربوتستانتية ،دعامة
العقالنية والبريوقراطية والرأمسالية واحلداثة الغربية .ومن مث ،تدعو الربوتستانتية إىل ابتغاء
الكسب املثمر ،وتنمية الرأمسال وفق دوافع سيكولوجية ومبادىء أخالقية ،مثل :احلرص،
والشح ،واالستثمار ،وعدم التبذير ،وحب العمل ،والسيما أن املذهب الربوتستايت الذي
ظهر مع مارتن لوثر ميجد العمل باعتباره غاية للحياة وفريضة من اهلل ".إن من اليعمل لن
يأكل" كما قال القديس بولس .ولذلك ،جيتهد الربوتستانيت يف العمل كي التلحقه لعنة
اهلل .وكما متتاز األخالق الربوتستانتية بتمجيدها العمل ،متتاز أيضا بدعوهتا إىل التقشف
واالستثمار واالدخار.وتلك هي األسس الرئيسية اليت قامت عليها الرأمسالية احلديثة...
90
-Max Weber: L'Éthique protestante et l'esprit du capitalisme
(1904-1905), traduction par Jacques Chavy, Plon, 1964 ; nouvelles
traductions par Isabelle Kalinowski, Flammarion 2000; Jean-Pierre
Grossein, Gallimard 2003.
91
- Catherine Colliot-Thélène: la sociologie de Max Weber, La
découverte, Paris, France, 2006, p:5.
82
وخالصة القول :يرى فيرب أن املذهب الربوتستانيت ،والسيما مذهب كالفني(،)Calvin
قد خلق ما يسمى " بأخالق املهنة" املعتمدة على نزعة صوفية جتتهد يف مجع النقود
واستثمارها يف املشروعات التجارية والصناعية ،برو مطمئنة ،تعترب النجا يف الدنيا دليال
82
على رضا من اهلل ورضوان.
إذا ،فسر ماكس فيرب ظهور الرو الرأمسالية بتأثرها بدور األخالق الربوتستانتية .واليعين
هذا أن السبب الديين (البنية الفوقية) هو العامل الوحيد لتفسري ظهور الرأمسالية الليربالية،
بل هناك أسباب أخرى من بينها العوامل االقتصادية نفسها (البنية التحتية).
تستند النظرية املاركسية إىل املادية اجلدلية القائمة على فكرة الصراع الكمي والكيفي،
واإلميان باجلدل الثالثي :األطروحة ،ونقيض األطروحة ،والككيب ،واالعتماد على املادية
التارخيية يف تفسري تطور اجملتمعات البشرية .وقد تأثر ماركس تأثرا كبريا بأفكار
هيجل(.)Hegelإال أن مثالية هيجل املطلقة تعجب كارل ماركس ،مادامت تؤمن
بأمهية الفكر يف تغيري الواقعي بشكل ديالكتيكي .يف حني ،قلب ماركس هذه املعادلة
اجلدلية املثالية ليصبح الواقع املادي هو أساس الفكر ،له األسبقية والتأسيس والتوجيه .ويف
هذا ،يقول ماركس يف كتابه (رأس اكي ل)":إن منهجي الديالكتيكي الخيتلف عن املنهج
اجلديل اهليجيلي من حيث األساس وحسب ،بل إنه الضد املقابل له مباشرة .فالبنسبة
هليجل :إن عملية تطور الفكر ومنوه ،هذه العملية اليت يشخصها ويعتربها مستقلة ،ويطلق
عليها اسم الفكرة ،هي يف نظره خالقة الواقع.فما الواقع يف نظره إال املظهر اخلارجي للفكر.
- 82حممد عابد اجلابري وآخران :در س اكفلسف ،دار النشر املغربية ،الدارالبيضاء ،املغرب ،طبعة 0870م،
ص.826:
83
أما بالنسبة يل ،فنن عا األفكار ليس إال العا املادي منقوال إىل الذهن البشري ومكمجا
88
فيه".
ومن مث ،فالديالكتيك عند هيجل" يسري على رأسه .وتكفي إعادته على قدميه لكي نرى
له هيئة معقولة متاما"82.
وكان كارل ماركس قد كتب رسالة إىل أحد أصدقائه يقول فيها ":إن منهجي يف التحليل
ليس هو منهج هيجل ،ألنين مادي ،وهيجل مثايل .إن ديالكتيك هيجل هو الشكل
األساسي لكل ديالكتيك ،ولكن بعد أن يتعرى من صورته الصوفية.وهذا بعينه ما مييز
منهجي"81.
ومن هنا ،تتجاوز مادية كارل ماركس اجلدلية املاديات السابقة كاملادية األرسطية؛ واملادية
الذرية مع دميقريطيس؛ واملادية التجريبية اإلحليزية مع جون لوك ،ودافيد هيوم ،واستيوارت
ميل؛ واملادية امليكانيكية مع فيورباخ .وهنا ،تعطى األسبقية ملا هو مادي واقتصادي على
ماهو فكري وإيديولوجي .كما أن البنية التحتية ذات الطبيعة املادية هي اليت تتحكم يف
البنية الفوقية القائمة على الفكر والدين والتصوف واألدب والفن واإليديولوجيا ...ويف هذا،
يقول ماركس ":ليس وعي الناس هو الذي حيدد وجودهم ،بل على العكس من ذلك ،إن
وجودهم االجتماعي هو الذي حيدد وعيهم".86
ويعين هذا أن ما هو اقتصادي ومادي وجمتمعي هو الذي حيدد فكر الناس ووعيهم
ووجودهم .واليعين هذا أن الفكر سليب ،الدور له يف تغيري اجملتمع أو التأثري فيه ،بل يؤمن
بفعاليته وخصوبته ،وتأثريه يف اجملتمع املادي احملسوس .ويف هذا ،يقول ماركس ":إن العيب
الرئيس للمادية السابقة كلها ،مبا فيها مادية فيورباخ ،هو أن الشيء ،الواقع ،العا
كارل ماركس .نشر كتابه ( ك اكطبق اكي دل فا ىنجلارا) ،وأصدر مع ماركس بياهنما املعروف ببيان احلزب
الشيوعي.
86
التستطيع أن حتول احلجر إىل كتكوت ،ألن أساس التبدل يف األول خيتلف عنه يف
الثاب".011
كما متيز املادية اجلدلية بني التناقضات الداخلية واخلارجية ،متيز أيضا بني التناقض
األساسية والتناقضات الثانوية.فالتناقض األساس هو الذي يقوم بالدور احلاسم واملؤثر يف
الصراع .يف حني ،يعد دور التناقض الثانوي مكمال وهامشيا .ويف هذا الصدد ،يقول
ماوتسي تونغ ":مثة تناقضات عديدة يف عملية تطور شيء معقد .ومنها تناقض هو
بالضرورة التناقض الرئيسي الذي حيدد وجوده وتطوره ،وجود التناقضات األخرى أو يؤثر
فيها"010.
ويعين هذا أن التناقض الرئيسي (أ) قد يكون له دور كبري يف فكة زمنية معينة إىل جانب
التناقضات الثانوية (ب) و(ع) .لكن مع تغري الظروف التارخيية والتطورية والنمائية ،قد
يصبح تناقض(ب) أكثر أمهية من تناقض (أ).
ومن ناحية أخرى ،قد ينتج عن التناقضات صراع من نوع صراع األضداد ،مثل :صراع
البورجوازية مع العمال ينتج عنه صراع الطبقات .وقد الينتج عن تلك التناقضات أي
صراع ،مثل :التناقضات داخل الطبقة العمالية نفسها اليت ختتفي باملمارسة الثورية ،وعملية
النقد الذايت.
ق نون ت ول اكتم ىكح كيف :ويعين هذا أن التحوالت الكمية قد تنتج عنها حتوالت
كيفية ،مثل :غليان املاء يف درجة معينة على مستوى الكم ،ينتج عنه حتول كيفي باالنتقال
من املاء إىل البخار .وقد حيدث التحول الكيفي إما بشكل مباغت ومفاجىء ،وإما بشكل
طفرة أو قفزة يف شكل دفعة واحدة أو دفعات متعاقبة ،وإما بشكل تدرجيي .ومن مث،
فداللة قانون حتول الكم إىل الكيف يعين" أن التزايد التدرجيي يف التغريات اليت ختلق الكم،
واليت تكون أول األمر ضعيفة غري مشاهدة ،تؤدي عندما تصل درجة معينة ،إىل تغريات
89
اكيطلب اكث دن :جورج ز يل فلسف اكنقود
016فيليب كابان وجان فرانسوا دورتييه :علم االجاي ع ،ترمجة :إياس حسن ،دار الفرقد ،دمشق ،سورية ،الطبعة
األوىل 2101م ،ص.77-76:
- 017فيليب كابان وجان فرانسوا دورتييه :علم االجاي ع ،ص.71:
91
زميل -مكانا خاصا يف العالقات النقدية ،فالغريب هاو الاذي ينتماي وال ينتماي يف آن واحاد
إىل الزماارة ( مثلااه مثاال املنبااوذ واألقلااوي) ،وحتدياادا املضاااربني والتجااار اليهااود (الااذين اسااتثنوا
تارخييا من حتارمي الرباا يف القارون الوساطى).ويف الواقاع ،إن املهااجر كاالنقود ،يتصافان يف نظار
اجلاليااة حبركتهمااا وغرابتهمااا (أو جتردمهااا ماان العالقااة الشخصااية).وهكذا ميكاان أن نتااذكر دور
اليهااود يف انطالقااة الرأمساليااة يف بدايااة القاارن ،واحلركااات املعاديااة للسااامية الاايت ظهاارت حينئااذ:
معارضااة الشااعب لكبااار العااائالت تااكجم ،فيمااا يتجاااوز بغااض الغريااب ،اخلااوف ماان عقلنااة
العا وميلاه للتجرياد واملوضاوعية.وهلذا مان األمهياة حبياث إناه بالنسابة لزميال جياب علاى صاورة
013
الغريب أن تنمو مع اتساع املبادالت ،وجتردها من العالقات الشخصية".
ويالحظ أن زميل يدافع عن اليهود باعتبارهم رمز العقالنياة والرأمسالياة واالقتصااد املوضاوعي.
وإن كااان اليه ااود ،يف احلقيق ااة ،رم ااز للمك اار واخليان ااة واخل ااداع والش اار وخ اراب العااا ؛ بس اابب
انسياقهم وراء التجارة الربوية املشبوهة واحملرمة اليت أدخلت العا ،إىل يومنا هذا ،يف حاروب
دامية ،تستفيد منها شرذمة مان الغربااء اليهاود .لاذلك ،فاالنقود هاي تعباري عان فلسافة اليهاود
التشييئية واملادية والتقويضية ،وتشخيص لعا ربوي فقد إنسانيته ،وضل طريقه الصحيح.
وعليااه ،فااالنقود وساايلة عامليااة مصااممة لكافااة االسااتخدامات الغرضااية.فهااي وساايلة لتحصاايل
املنا ااافع واملصا اااحل ،وحتقيا ااق احلاجيا ااات والرغبا ااات ،وإشا ااباع احل ا اوافز الشا ااعورية والالشا ااعورية،
والوصول إىل الغايات الذاتية واملوضوعية ،وفتح إمكانات جديادة للفعال .وتسااعد النقاود -
أيضا -على اإلبداع ،واإلقبال على احلياة ،وتوطني الكدد عند الفرد ،وتطاوير ملكاات الفكار
واحلس اااب .وم اان هن ااا ،فق ااد حتول اات النق ااود إىل وس اايلة وغاي ااة عل ااى ح ااد س ا اواء .وب ااذلك،
تعارضت النقود مع القيم والعائلة والدين.
عالوة على ذلك ،فقد سامهت النقود يف توليد قيم سلبية ،مثل :اجلشاع ،والبخال ،والتباذير،
والفقاار ،والعااوز ...ويعااين هااذا أن النقااود " تشااارك يف تأساايس أساالوب حياااة للمجتمعااات،
يصفه زميل بتعابري ثالثة :البعاد ،واإليقااع ،والتنااظر .فاالنقود ،وبسابب صافتها املتحركاة وغاري
إذا كان ابن خلدون اليفصل بني التاريخ وعلم االجتماع ،وإذا كان هربرت سبنسر أيضا
اليفصل علم االجتماع عن البيولوجيا ،فنن فيلفريدو باريتو اليفصل علم االجتماع عن علم
االقتصاد .ويعين هذا أن باريتو من دعاة علم االقتصاد االجتماعي .ومن مث ،فهو مييز بني
األفعال املنطقية اليت يدرسها علم االقتصاد ،واألفعال غري املنطقية اليت يدرسها علم
االجتماع ،كما يتضح ذلك جليا يف كتابه (دخاصر علم االجاي ع ) الذي صدر سنة
0806م.000
إذا كان باريتو قد درس االقتصاد دراسة علمية عميقة ،وفق منهجية علمية جتريبية
وإحصائية ،وتوصل إىل جمموعة من النظريات االقتصادية املتميزة واملقكنة بامسه ،فنن هذا
العلم الميكن تفسريه إال يف حدود ضيقة ،فالبد من االستعانة بالتفسري االجتماعي لطابعه
- 002أمحد اخلشاب :اكافتير االجاي عا :دراس تت دلي كلنظر االجاي عي ،دار النهضة العربية ،بريوت،
لبنان ،طبعة 0830م ،ص.627:
95
وعليه ،يتأثر النظام االجتماعي بعوامل داخلية وخارجية ،وكذلك بتاريخ اجملتمع نفسه الذي
يندرع ضمن العوامل اخلارجية.
وعليه ،فنظرية التوازن هي تلك النظرية اليت تؤكد على أن األنساق االجتماعية تستعيد
توازهنا إذا ما طرأ عليها اختالل أو اضطراب.
تعد نظرية املنفعة من أهم النظريات اليت ركز عليها باريتو يف نظريته السوسيولوجية
واالقتصادية ،فقد حلل نظرية املنفعة االجتماعية " يف ضوء اهتمامه بدراسة الفعل املنطقي
أو غري املنطقي.ويقصد باألفعال املنطقية تلك األفعال اليت تتوجه حنو غاية ميكن حتقيقها
موضوعيا ،ومن خالل استخدام أفضل للوسائل املتاحة موضوعيا .ويكاد باريتو يقصر
األفعال املنطقية الرشيدة على اجملاالت االقتصادية والعلمية ،مث يستبعد أية متعة منطقية
على أي سلوك آخر .أما األفعال غري املنطقية ،فهي اليت تفشل يف حتقيق هذين املعيارين
(الوسائل والغايات) ،مستخدما يف ذلك مفهومني مها :اإلشباع ()Satisfaction
واملنفعة ( )Utilityوحتدد اإلشباعات االقتصادية اليت حيصل عليها الفرد تبعا لكاتبية
لألولويات اليت يفضلها هو نفسه .أما املنفعة فتشري إىل اإلشباع مبفهوم اجتماعي أوسع،
وتفكض اإلشباعات انعدام القابلية للمقارنة بني رغبات الفرد.
وبذلك يتبني -كما يقول جوزيف شومبيك -أن باريتو مييز بني نوعني من حتقيق احلد
األقصى من املنفعة :األول احلد األقصى من املنفعة لصاحل اجلماعة الذي يشري إىل حتقيق
احلد األقصى من املنفعة للجماعة أو اجملتمع ككل وليس لألفراد.
يف حني ،إن النوع الثاب وهو املنفعة ألجل املصاحل اخلاصة يشري إىل حتقيق حد أعلى من
اإلشباع اخلاص ،وفسر باريتو عملية شراء السلع واقتنائها على أساس الرجوع إىل عنصرين
أساسيني ومها :أوال :عملية التفضيل من جانب الفرد وثانيا :إىل املستوى الذايت للسلعة
ذاهتا"008.
إذا ك ااان ك ااارل م اااركس ي اارى أن أس اااس الصا اراع ب ااني الطبق ااات االجتماعي ااة ،والس اايما ب ااني
البورجوازية والربوليتارية قوامه الرأمسال االقتصادي ،فبيري بورديو ،على غرار ماكس فيارب ،يارى
أن الصراع اليتخذ دائما طابعاا اقتصااديا ،فقاد يكاون صاراعا ثقافياا .ومان مث ،فثماة رأمسااالن
مهمان يف حتريك جمتمعاتنا املعاصرة مها :الرأمسال الثقايف والرأمسال االقتصادي.
وبناااء علااى مااا ساابق ،فقااد حاادد بيااري بورديااو أربعااة أمناااط خمتلفااة ماان الرأمسااال الااذي ميلكااه
الفاعل اجملتمعي ،وهي:
اكرأسـ ــي ل االقاص ـ ـ دي ه ااو ال ااذي يق اايس م ا اوارد الف اارد املادي ااة واملالي ااة ،ويرص ااد ثروات ااه
وممتلكاته ،وحيدد دخله الشهري والسنوي.
اكرأسي ـ ـ ل اكثق فـ ــا :يقاايس ماوارد الفاارد الثقافيااة ،مثاال :الاادبلومات والشااهادات العلميااة
واملهنيااة ،واملنتااوع الثقاايف ماان مقاااالت وكتااب ودراسااات وأعمااال إبداعيااة وثقافيااة وفنيااة ،ومااا
ميلكه من مهارات وكفاءات ومواهب وقدرات معرفية ومهنية وحرفية يف جمال الثقافة.
اكرأس ـ ــي ل االجايـ ـ ـ عا :يقا اايس ما ااا ميلكا ااه الفا اارد ما اان عالقا ااات اجتماعيا ااة ومعا ااارف
وصااداقات ،تعااود إىل ذكائااه االجتماااعي الااذي يسااتثمره ل اربط جمموعااة ماان صااال ت الاارحم
والقرابة والصداقة والزمالة.
اكرأسي ـ ـ ـ ـ ل اكرد ـ ــزي :ويتض ا اامن الرأمس ا ااال االقتص ا ااادي ،والرأمس ا ااال الثق ا ااايف ،والرأمس ا ااال
االجتماعي ،وسذه األمناط يتميز الفرد جمتمعيا عن باقي األفراد اآلخرين.
وقااد أضاااف بيااري بورديااو رأمساااال آخاار يف كتابااه (أس ـ ل اكسوســيوكوجي ) ،مساااه ب كرأســي ل
اكلغوي؛ ألن سذا الرأمسال تساتطيع مجاعاة ماا أن تفارض نفساها وإنيتهاا ووجودهاا .وبالتاايل،
تستفيد من السلطة ومن امتيازات مادية ومالية وثقافياة ورمزياة .وأكثار مان هاذا ،فمان ميتلاك
الرأمسااال اللغااوي األجناايب يف الاادول العربيااة ،فننااه يسااتطيع أن حيظااى مبكانااة ثقافيااة واقتصااادية
كربى يف اجملتمع .ويف هذا السياق ،يقول بورديو ":يعاين الرأمساال اللغاوي الاتحكم يف آلياات
98
تشكل األسعار اللغوية ،وكذا القدرة على جعل قوانني تشكل األسعار تعمل لصاحل صاحبه
(أي الرأمسااال) ،والقاادرة علااى اسااتخالص فااائض القيمااة النااوعي .إن أي عمليااة تفاعاال ،وأي
عملية تواصل لغوي ،ولو بني شخصني أو بني صاديقني أو باني طفال وصاديقته ،واختصاار،
إن كل عمليات التواصل اللغوي هي أنواع من األسواق الصاغرى الايت تبقاى دوماا حتات رمحاة
البنيات اإلمجالية"001.
ويع ااين ه ااذا أن الرمس ااأل اللغ ااوي خاض ااع ب اادوره لق اايم اهليمن ااة والتن ااافس والص اراع ،ول ااه عالق اة
جدلية بباقي األمناط األخرى من الرأمسال الرمزي.
بيااد أن بوردي ااو يغ ااض الط اارف عاان رأمس ااال آخ اار أكث اار أمهي ااة ،يف جمتمعاتن ااا اإلس ااالمية ،م اان
األمناااط اخلمسااة املااذكورة وهااو اكرأســي ل اكقييــا أ اكــد نا ،فهااو الرأمسااال املهاام لإلنسااان،
إذا متلكااه اإلنسااان ربااح الاادنيا واآلخاارة .وبالتااايل ،فأحساان جتااارة ينبغااي أن يسااعى إليهااا الفاارد
جاهدا هي التجارة مع اهلل يف جمال العبادة والتدين واإلحسان وفعل اخلري.
وعليااه ،يسااتطيع الفاارد سااذه امل اوارد الرأمساليااة املختلفااة (االقتصااادية ،والثقافيااة ،واالجتماعيااة،
والثقافي ااة ،واللغوي ااة) أن حيق ااق أرباح ااا ومن ااافع جمتمعي ااة ،والس اايما أن الرأمس ااالني :االقتص ااادي
والثقايف مها أكثر أمهياة يف جمتمعاتناا املعاصارة حساب بياري بوردياو .ومهاا اللاذان يشاكالن بنياة
اجملتم ااع ،ويتحكم ااان يف أفع ااال األفا اراد ،وجيع اال ك اال حق اال جم ااايل فض اااء للتن ااافس والصا اراع
والتطاحن االجتماعي والطبقي.
115
- Pierre Bourdieu: Question de sociologie,Minuit,1984.
99
اكيب ث اكرابع :اكاصـ ــور اكينهجـ ــا
إذا كان علماء السوسيولوجيا خيتارون املناهج الكيفية يف دراسة الظواهر االجتماعية فهما
وتفسريا وتأويال ،باالعتماد على املالحظة العلمية الدقيقة ،ودراسة احلالة ،أو دراسة
املضمون ،أو املقابلة املباشرة ،أو املعايشة ،فنن علماء االقتصاد ،يف دراسة الظواهر
االقتصادية ،يرتكزون على املناهج التجريبية الكمية ،بتوظيف الرياضيات ،والفيزياء،
واإلحصاء ،والعلوم الطبيعية للوصول إىل احلقائق ،ووضع النظريات والنماذع اجملردة لوصف
الواقع االقتصادي بشكل علمي دقيق.
لكن السوسيولوجيني يدرسون األنشطة االقتصادية الفردية واالجتماعية بغية فهمها يف
سياق اجتماعي معني ،بعيدا عن النظريات الكمية اليت ينساق وراءها االقتصاديون
الرياضيون أو التجريبيون .ويعين هذا أن علماء االجتماع ينطلقون من األفعال االقتصادية
لألفراد واجلماعات لدراستها وحتليلها ،وتبيان آثارها يف اجملتمع أو أثر اجملتمع يف تلك
األنشطة أو التصرفات أو األفعال .وهناك علماء اجتماع آخرون يهتمون باملقاربات
التارخيية واملقارنة والتحليلية لدراسة الظواهر االقتصادية ذات الطابع االجتماعي يف سياقها
الزماب واملكاب ،يتقدمي تأويالت ذاتية وموجهة.
وعليه ،إذا كانت منهجية االقتصاديني ،يف تعاملهم مع الظواهر االقتصادية املختلفة
واملتنوعة ،منهجية استنباطية وجمردة ،فنن منهجية علماء االجتماع منهجية استقرائية
وتارخيية ومقارنة ووصفية ،تنطلق من املقاربة السوسيولوجية يف دراسة الظواهر
االقتصادية.ويعين هذا أن املقاربة السوسيولوجية مقاربة واقعية ونقدية للمجتمع االقتصادي.
ويرى شتاينر) (Steinerأن علم االجتماع االقتصادي " يدرس الوقائع االقتصادية يف ضوء
التحليل السوسيولوجي.ويعين هذا تطبيق مناهج خمتلفة عن تلك اليت تطبق يف النظرية
100
االقتصادية ،كاستعمال التحقيقات ،وامليل إىل التصنيف ،واالستعانة مبناهج املقارنة ،وحتليل
الشبكة." 006
وعليه ،يستفيد علم االجتماع االقتصادي من مجيع التقنيات واملناهج والطرائق اليت تسعف
الباحث يف بناء موضوعه االقتصادي يف ضوء املقكب السوسيولوجي ،سواء استخدم
الباحث يف ذلك منهجية كمية قائمة على التحليل الرياضي واإلحصائي يف دراسة الظواهر
االقتصادية أم استخدم منهجية كيفية مبنية على املالحظة ،والبحث امليداب ،واملقابلة احلرة،
واملعايشة ،والتحقيق ،والسري الذاتية ،والوثائق الشخصية ،وحتليل املضمون...فاملهم هو بناء
الظاهرة االقتصادية يف ثوب اجتماعي وسوسيولوجي ،حيكم مبادىء البحث العلمي،
ويتمثل خمتلف شروطه املوضوعية والشكلية واملنهجية.
يمص اكقول ،يتبني لنا ،مما سبق ذكره ،أن علم االجتماع االقتصادي فرع من فروع علم
االجتماع العام .وقد ظهر حديثا يف منتصف القرن العشرين ،على الرغم من جذوره
القدمية .ومن مث ،فهذا العلم يدرس الظواهر االقتصادية يف ضوء املقاربة السوسيولوجية.أي:
يدرس الدورة االقتصادية :اإلنتاع ،والتوزيع ،والتبادل ،واالستهالك ،أو يدرس طبيعة السلوك
اإلنساب بني كثرة الرغبات وقلة املوارد وندرهتا وحمدوديتها ،أو حيلل الفعل االقتصادي
اهلادف والعقالب.
وعليه ،فثمة جمموعة من النظريات االقتصادية ،منذ ابن خلدون إىل يومنا هذا ،تندرع،
بشكل أو بةخر ،ضمن علم االجتماع االقتصادي .فابن خلدون يعد املنظر األول لعلم
االجتماع االقتصادي ،حينما حتدث عن أمهية العمل وقدسيته وقيمته االقتصادية .وبعد
ذلك ،تعترب املدرسة الكالسيكية أول مدرسة اقتصادية يف أوروبا ،كما يبدو ذلك جليا عند
آدم مسيث الذي دافع عن احلرية االقتصادية ،وساهم يف انبثاق املذهب االقتصادي
الليربايل ،والسيما يف كتابه (ثر ة األدم) .أما دافيد ريكاردو ،فقد أعاد النظر يف كثري من
102
اكفصل اكخ دس:
الميكن حتديد مفهوم علم اجتماع الكبية أو سوسيولوجيا املدرسة إال بالتوقف عند جمموعة
من املطالب على النحو التايل:
103
ومجعيات اآلباء واألمهات ،بالتحليل والدراسة والرصد واستكشاف مهام هؤالء والوظائف
املنوطة سم.
هااذا ،ويعاارف أمحااد أوزي سوساايولوجيا الكبيااة بقولااه ":يقااوم علاام االجتماااع الكبااوي بدراسااة
أشا ااكال األنشا ااطة الكبويا ااة للمؤسسا ااات ،كأنشا ااطة املدرسا ااني والتالميا ااذ واإلداريا ااني داخا اال
املؤسسات املدرسية .كما يقوم بوصف طبيعة العالقات واألنشطة اليت تتم بينهم .كماا يهاتم
عل اام االجتم اااع الكب ااوي بدراس ااة العالق ااات ال اايت ت ااتم ب ااني املدرس ااة وب ااني مؤسس ااات أخ اارى،
كاألسرة ،واملسجد ،والنادي .كما يهتم بالشروط االقتصادية والطبيعية اليت تعيش فيها هاذه
املؤسسات ،وتؤثر يف شروط وجودها وتعاملها"007.
أم ااا عب ااد الك اارمي غري ااب ،فيعرفه ااا بقول ااه ":عل اام ي اادرس التا ااأثريات االجتماعي ااة ال اايت ت ااؤثر يف
املسااتقبل الدراسااي لألفاراد؛ كمااا هااو الشااأن بالنساابة لتنظاايم املنظومااة املدرسااية ،وميكانيزمااات
التوجي ااه ،واملس ااتوى السوس اايوثقايف ألس اار املتمدرس ااني ،وتوقع ااات املدرس ااني واآلب اااء ،وإدم اااع
املعايري والقيم االجتماعية من طرف التالميذ ،وخمرجات األنظمة الكبوية...
ميكن حتديد موضوع سوسيولوجيا الكبية يف التساؤل العلمي حول نوعية الروابط القائمة باني
املؤسسااات الكبويااة املختلفااة وبااني باااقي البنيااات واألطاار االجتماعيااة األخاارى :ماااهي الوظيفااة
الاايت تقااوم سااا تلااك املؤسسااات داخاال جمتمااع مااا؛ وماماادى مسااامهتها يف تنشاائة األفارادا وإىل
أي ح ااد حت اادث تع ااديالت يف اهلرمي ااة االجتماعي ااة القائم ااة (احلركي ااة االجتماعي ااة)؛ ومام اادى
تأثريها يف البنيات الثقافية وماعالقتهاا بالبنياات املهنياة والثقافياة املوجاودةا ...إخل .تلاك أهام
التسا اااؤالت الا اايت تطما ااح سوسا اايولوجيا الكبيا ااة لإلجابا ااة عنها ااا ،ما ااع األخا ااذ بعا ااني االعتبا ااار
003
االختالفات القائمة بني اجملتمعات املتنوعة".
-007أمحد أوزي :اكييجم اكيوسوعا كيلود اكاربي ،مطبعة النجا اجلديدة ،الدار البيضاء ،املغرب ،الطبعة
األوىل سنة 2116م ،ص.067:
-003عبد الكرمي غريب :اكينهل اكاربوي ،اجلزء الثاب ،منشورات عا الربية ،منشورات عا الكبية ،مطبعة
النجا اجلديدة ،الدار البيضاء ،املغرب ،الطبعة األوىل 2116م ،ص.362:
104
ويعرف علي احلوات علم االجتماع الكبوي بقوله " :هو العلم الذي خيتص بدراسة اإلنساان
حينما يدخل يف عالقة مع إنسان آخر يف إطار تربوي يهدف إىل تكاوين اخلاربة ،أو املعرفاة،
أو الثقافااة ،أو التعلاايم ،أو التاادريب".أي :العالقااات الاايت تااتم بااني األفاراد يف اإلطااار الكبااوي
(التعليمي التعلمي) ،سواء أكانت هذه العالقات بني تلميذ وآخر ،أو بني تلميذ ومعلم ،مث
بني التالميذ واملعلمني ككل ،وبني كل من يف املؤسسة الكبوية ،والنظام الكبوي بشكل عام،
.008
وبني كل من يف اإلطار الكبوي واملؤسسات االجتماعية األخرى يف اجملتمع الكبري".
وعليااه ،فسوساايوبوجيا الكبيااة هااي الاايت تعااىن بدراسااة املدرسااة يف عالقتهااا مبحيطهااا اجملتمعااي،
ودراسااة خمتلااف التفاااعالت االجتماعيااة داخاال املؤسسااة الكبويااة نفسااها ،واالهتمااام مبختلااف
األنش ااطة واألدوار ال اايت تق ااوم س ااا املدرس ااة الكبوي ااة ،م ااع الككي ااز عل ااى جمموع ااة م اان الظا اواهر
االجتماعي ااة الكبوي ااة ،مث اال :س االطة املدرس ااة ،والنج ااا واإلخف اااق ،واالنتق اااء أو االص ااطفاء
الكبااوي ،ودور املدرس اة يف انتخاااب النخبااة ،والف اوارق االجتماعيااة والطبقيااة داخاال املؤسسااة،
واهل اادر املدرس ااي ،وديناميكي ااة اجلماع ااات ،ومش ااروع املؤسس ااة ،والشا اراكة الكبوي ااة ،والتوجي ااه
الكب ااوي ،واملس ااالك املهني ااة ،ودميقراطي ااة التعل اايم ،وتف اااعالت املدرس ااة الداخلي ااة واخلارجي ااة،
وقضااية الالمساااواة الطبقيااة ،واملدرسااة واإلعااالم أو موقااف املدرسااة ماان التحااديات اإلعالميااة
للتلفزيون واألنكنيت ،والتفاعال الكباوي داخال املؤسساة أو الفصال الدراساي ،وطبيعاة العالقاة
بني املدرسة واألسرة ،وقضية االنتماء االجتماعي ،والتحصيل الدراسي ،والنجا املدرسي.
وياارى حممااد الشاارقاوي أن سوساايولوجية الكبيااة تعااىن بدراسااة أنظمااة التعلاايم ،ودراسااة الظاواهر
املدرساية ،مااع دراساة خمتلااف العالقاات الاايت تكاون بااني املدرساة وخملااف املؤسساات األخاارى،
مثل :األسرة ،والسياساة ،واالقتصااد .أي ":دراساة اآللياات املدرساية كاملادخالت والعملياات
واملخرجات .وتتمثل املدخالت يف التالميذ واملدرسني واإلدارة .ويتميز تالميذ املدرسة ،على
أسا اااس أهنا اام سا اااكنة املدرسا ااة ،خبصا ااائص فيزيولوجيا ااة ،ونفسا ااية ،واجتماعيا ااة ،عا ااالوة علا ااى
الس اامات التالي ااة :الس اان ،واجل اانس ،واملس ااتوى الثق ااايف ،واألص اال االجتماعي.أم ااا املدرس ااون
- 008علي احلوات :أسس علم االجاي ع اكاربوي ،جامعة الفاتح ،طرابلس ،ليبيا ،طبعة 0878م ،ص.32:
105
واإلداريون ،فيتميزون باملتغريات املهنياة واحلرفياة والسياساية والنقابياة ،مثال :مساتوى التكاوين،
وطريقة التوظيف ،والوضعية داخل البنية اجملتمعية ،والتوجهات السياسية والنقابية.
أم ااا املخرج ااات ،فتتمث اال يف النت ااائج ال اايت تكت ااب ع اان توظي ااف آلي ااات التطبي ااع االجتم اااعي
واالصطفاء.أي :توظيف خمتلف املعارف واملهارات من أجل حتقيق النجا الدراسي ،ورصاد
خمتلف آثار التعلم يف أساليب احلياة ،أو يف السلوك السياسي أو القانون اجملتعي النهائي.
وترتكااز العمليااات علااى نقاال القاايم األخالقيااة واملعااارف ،مث االهتمااام بالبيااداغوجيا ،مث قواعااد
التق ااومي .ويع ااين ه ااذا أن وظيف ااة املدرس ااة ه ااي نق اال املع ااارف والق اايم وف ااق قواع ااد بيداغوجي ااة
وديدكتيكية معينة ،مع االهتمام بأنظمة التقومي.
ويتضااح ،ممااا ساابق ،أن جمااال علاام االجتماااع املدرسااي هااو رصااد التحااول الااذي ينتاااب الفاارد،
وه ا ااو ينتق ا اال م ا اان ك ا ااائن بيول ا ااوجي غري ا اازي إىل ك ا ااائن بيول ا ااوجي إنس ا اااب وثق ا ااايف .وم ا اان مث،
فسوساايولوجيا الكبيااة لااديها الكثااري ممااا تقولااه .وماان مث ،فعلاام االجتماااع الكبااوي جمااال واسااع
ورحااب ،ومتعاادد املواضاايع والقضااايا ،وأن املدرسااة جمتمااع مصااغر .وبالتااايل ،تزخاار بكثااري ماان
الظواهر واجملتمعية اليت تنقلها من احمليط الذي حيوم سا.021
ولكن ينبغي لسوسيولوجيا الكبية أن تتوسع وتتجاوز إطار املدرسة إىل أشكال ضمنية أخرى
من التعلم ،كأن تتوقف عند األسرة واحمليط وغريها من املواضيع املرتبطة بالتعلم.
ومن هنا ،فسوسيولوجيا الكبياة هتاتم بالعالقاات االجتماعياة داخال املؤسساة الكبوياة ،ودراساة
املؤسس ا ااات ال ا اايت تق ا ااوم بوظيف ا ااة التنش ا اائة الكبوي ا ااة واالجتماعي ا ااة ،ورب ا ااط التك ا ااوين بوظيفت ا ااه
االجتماعية واإليديولوجية ،والككيز على وظيفة التنشئة االجتماعية ووظيفة التمدرس.
وعلى العموم ،هتتم سوسيولوجيا الكبية بدراساة األنظماة الكبوياة يف عالقتهاا بااجملتمع ،وتبياان
دوره ااا يف التغي ااري االجتم اااعي ،والس اايما أن الكبي ااة تس ااعى إىل حتوي اال ك ااائن غ ااري اجتم اااعي
ماان املعلااوم أن لسوساايولوجيا الكبيااة أمهيااة كااربى يف فهاام األنظمااة الكبويااة وتفسااريها .فهااي -
أوال -تتج اااوز املقارب ااة الس اايكولوجية ال اايت هت ااتم بدراس ااة الظ ا اواهر الفردي ااة لته ااتم ب ااالظواهر
االجتماعيااة.ويعين هااذا أهنااا تنشاار نوعااا ماان الااوعي االجتماااعي يف مقاربااة الظ اواهر الكبويااة.
كمااا تؤكااد سوساايولوجيا الكبيااة ماادى ارتباااط الكبيااة بالسياسااة واجملتمااع واالقتصاااد.ومن جهااة
أخرى ،تستكشف مدى تغلغل االجتمااعي والسياساي يف املنظوماة الكبوياة ،ماع اإلشاارة إىل
أن املدرسا ااة ليسا اات مؤسسا ااة حمايا اادة ،با اال ختضا ااع للتوجها ااات السياسا ااية واحلزبيا ااة والنقابيا ااة
108
واإليديولوجية .وهتدف هذه السوسيولوجيا إىل التقليل من مسؤولية األفراد ،وخاصة يف جماال
الفشل الدراسي ،لتحمل اجملتمع وبنياتاه نتاائج ذلاك .وال ننساى أن سوسايولوجيا الكبياة هتاتم
بالتش ااديد عل ااى دور املدرس ااة يف تغي ااري اجملتم ااع ،وحتقي ااق التنمي ااة البش ارية املس ااتدامة ،وتأهي اال
االقتصاااد ،وتطااوير اجملتمااع ،وحتقيااق التقاادم واالزدهااار ،وحتقيااق الدميقراطيااة واملساااواة والعدالااة
االجتماعيااة ،والقضاااء علااى األميااة.ومن هنااا ،أصاابح التعلاايم مشااروعا جمتمعيااا كبااريا يف جمااال
التنافس بني األمم ،والسيما يف زمن العوملة واملعلومات الرقمية.
اكيب ث اكث كث :عمق علم االجاي ع اكاربوي بيلم االجاي ع اكي د
يعااد علاام االجتماااع الكبااوي فرعااا ماان فااروع علاام االجتماااع العااام ،ومياادانا ماان أهاام ميادينااه
امليكرو جمتمعية؛ نظرا لعالقة املدرسة باجملتمع والتنمية والتخلف .وأكثر مان هاذا ،فثماة تاأثري
وتا ااأثر متبا ااادل با ااني ها ااذين العلما ااني ،إذ يشا ااتغل علا اام االجتما اااع الكبا ااوي علا ااى التصا ااورات
االجتماعية واملقاربات املنهجية والتطبيقية اليت يرتكن إليها علام االجتمااع العاام .ويف الوقات
نفسااه ،يسااتفيد علاام االجتماااع العااام ماان قضااايا علاام االجتماااع الكبااوي ،ونتائجااه املختربيااة
وامليدانية والتحليلية.
كم ا ااا يس ا ااتفيد عل ا اام االجتم ا اااع الكب ا ااوي م ا اان معظ ا اام النظري ا ااات واملقارب ا ااات ال ا اايت اعتم ا اادهتا
السوس اايولوجيا العام ااة ،مث اال :املادي ااة التارخيي ااة (ك ااارل م اااركس) ،والبنيوي ااة (ل ااوي ألتوس ااري)،
والبنيوية الوظيفية (بارسنز ومريتون) ،والنسقية (كومبس وبودون وفالو)...
وم اان جه ااة أخ اارى ،يس ااتعمل ه ااذا العل اام األدوات واملف اااهيم نفس ااها ال اايت يس ااتخدمها عل اام
االجتماااع العااام ،ويناااقش املوضااوعات والقضااايا الاايت يناقشااها علاام االجتماااع العااام ،مثاال:
عالق ااة النظ ااام الكب ااوي ب اااجملتمع الكل ااي .وم اان مث ،التكتف ااي سوس اايولوجيا املدرسا اة باملقارب ااة
امليكروجمتمعيااة علااى أساااس أن املدرسااة جمتمااع مصااغر ،باال تتعاادى ذلااك إىل التعاماال معهااا
109
ضاامن املقاربااة املاكروسوساايولوجيا ،بااالتوقف عنااد عالقااة املؤسسااة الكبويااة بباااقي التنظيمااات
اجملتمعيااة األخاارى .والتعااىن فقااط بدراسااة املدرسااة أو املؤسسااة الكبويااة فقااط ،باال هتااتم كااذلك
بدراسا ااة املمارسا ااات الكبوي ا ااة ،واسا ااتجالء خمتلا ااف العالقا ااات االجتماعيا ااة الا اايت ت ا ااتحكم يف
تصرفات الفاعلني داخل املؤسسة الكبوية.
ولعم االجتماع الكبوي عالقة بالعلوم األخرى ،كالعلوم االجتماعية ( علم النفس ،والتااريخ،
واالقتص اااد ،واألنكوبولوجي ااا ،والسياس ااة) ،والعل ااوم اإلنس ااانية (اللغ ااات ،والفلس اافة ،والفن ااون،
والديانات) ،والعلوم التطبيقية (الرياضيات ،والفلك واهلندسة ،والطب ،والكبية).
طرحت سوسيولوجيا املدرساة ،مناذ ظهورهاا يف أواخار القارن التاساع عشار املايالدي وبادايات
القاارن العشارين ،عادة أساائلة وقضااايا ،مثاال :ساؤال االنضااباط االجتماااعي أو دور املدرسااة يف
التنش اائة االجتماعي ااة م ااع إمي اال دورك ااامي .وبع ااد ذل ااك ،ط اار س اؤال الالمس اااواة من ااذ س اانوات
الستني مان القارن املاضاي ماع بياري بوردياو ،وكلاود باسارون ،وبريزنشاتاين ،وغاريهم...مث ،طار
سؤال آخر هو سؤال العنف وقلة األدب ماع إرياك ديبااربيو( .)Éric Debarbieuxمث
ط اار س اؤال يتعل ااق بتص ارفات امل ااتعلم وس االوكياته داخ اال املدرس ااة؛ وس اؤال عالق ااات املدرس ااة
بأولي اااء األم ااور؛ وس اؤال اهل اادر املدرس ااي؛ وس اؤال اجل ااودة بع ااد تع اااظم دور املدرس ااة الكمي ااة؛
وسؤال بطالة أصحاب الشهادت العليا؛ وسؤال التكوين الكبوي؛ وسؤال املدرسة باني منطاق
الطل ااب والع اارض؛ وسا اؤال املفاض االة واملقارن ااة ب ااني املدرس ااة العمومي ااة واملدرس ااة اخلصوص ااية؛
وساؤال النجااا واإلخفاااق املدرساايني؛ وساؤال التوجيااه الكبااوي أو املدرسااي أو املهااين؛ وساؤال
األقسام املشاككة؛ وساؤال العالقاات التفاعلياة باني املدرساة واجملتماع كماا يظهار ذلاك واضاحا
عن ا ا ا ااد السوس ا ا ا اايولوجي األمريك ا ا ا ااي بارس ا ا ا ااونز ( ،)Parson؛ وسا ا ا ا اؤال الغ ا ا ا ااش وتسا ا ا ا اربات
110
االمتحانات؛ وسؤال الكفااءة التعلمياة والتعليمياة واملهنياة؛ وساؤال الكفااءة والتأهيال ،وساؤال
عالقة املدرسة بسوق الشغل...
وتنص ااب سوس اايولوجيا الكبي ااة أو املدرس ااة عل ااى دراس ااة العالقااات الكبوي ااة؛ واألدوار الكبوي ااة؛
واجلماعااات الكبويااة ،لاايس يف بلااد معااني ،باال يف العااا كلااه ،ويف خمتلااف اجملتمعااات القدميااة
واحلديثااة ،ضاامن رؤيااة علميااة موضااوعية .بيااد أن املدرسااة باعتبارهااا مؤسسااة تربويااة الميكاان
دراسااتها دراسااة مسااتقلة ،باال هلااا عالقااة باملؤسسااات األخاارى ،كمؤسسااة األساارة ،ومؤسسااة
االقتصاد ،ومؤسسة الدين ،ومؤسسة اإلدارة ،ومؤسسة السياسة...
وعلي ااه ،تع ااىن سوس اايولوجيا الكبي ااة بوص ااف النس ااق الكب ااوي يف عالقت ااه ب اااجملتمع ،وتش ااخيص
خمتلااف األدواء الاايت يعاااب منهااا هااذا النسااق ،مااع إجياااد احللااول املمكنااة جلاال املشاااكل الاايت
تطرحها الكبية أو املؤسسة التعليمية ،وتقدمي مقكحاات استشارافية ملعاجلاة الظااهرة الكبوياة يف
منظور املقكب السوسيولوجي.
ميكاان احلااديث عاان منهجااني يف دراسااة الظ اواهر الكبويااة :ماانهج كمااي وماانهج كيفااي .ويعااين
هااذا أن مثااة أحباثااا وكتبااا ودراسااات اعتماادت علااى املناااهج التجريبيااة ،واملقاااييس املوضااوعية،
واإلحصاااء السوساايولوجي.أي :متثلاات التحلياال التج ارييب القااائم علااى اإلحساااس باملشااكلة،
وتك ااوين الفرض اايات ،وجتريا ااب املتغ ا اريات املس ااتقلة والتابع ااة ،وتك ا ارار االختب ااارات ،وإص اادار
القانون ،وتعميم النظريات .ويعين هاذا أن علام االجتمااع الكباوي قاد تعامال ماع موضاوعات
النسا ااق الكبا ااوي علا ااى أهنا ااا أشا ااياء وم ا اواد ،ميكا اان إخضا اااعها للدراسا ااة العلميا ااة املوضا ااوعية،
باالعتم اااد عل ااى املالحظ ااة التجريبي ااة املنظم ااة القائم ااة عل ااى املعاين ااة املخربي ااة ،والبح ااث ع اان
العالقا ااات االرتباطيا ااة با ااني املتغ ا اريات املسا ااتقلة والتابعا ااة ،اعتما ااادا علا ااى اإلحصا اااء الوصا اافي
واإلحصاااء االسااتنتاجي ،كمااا يتبااني ذلااك جليااا يف املاادارس السوساايولوجية األمريكيااة .ويعااين
111
هااذا أن سوساايولوجيا الكبيااة أمريكيااة أكثاار ممااا هااي بريطانيااة وفرنسااية وأملانيااة؛ بساابب كثاارة
الصا ااحف واجملا ااالت والدراسا ااات والكتا ااب واألحبا اااث واملخت ا اربات الا اايت تعا ااىن مبشا اااكل علا اام
االجتماع الكبوي.
و يقتصر البحث املوضوعي على التجريب فقط ،بل تعادى ذلاك إىل الوصاف والتشاخيص
واملقارن ااة ،وق ااد ع الككي ااز عل ااى العالق ااات الكبوي ااة ،واجلماع ااات الكبوي ااة ،واألدوار الكبوي ااة،
ودراسااة املدرسااة يف عالقتهااا باااجملتمع ،واألساارة ،والاادين ،واألخااالق ،والسياسااة ،واالقتصاااد،
واإلدارة...بااالككيز علااى البنيااة (املدرسااة البنيويااة) والوظيفااة (املدرسااة الوظيفيااة) .ويف املقاباال،
هنا اااك دراسا ااات اعتما اادت علا ااى دراسا ااة احلالا ااة ،وحتليا اال املضا اامون ،واالسا ااتمارة ،واملقابلا ااة،
واملعايشة ،واملالحظة...
وعليه ،يتأرجح علم االجتماع الكبوي بني البعد الذايت والبعد العلمي املوضاوعي .ويساتند -
منهجيا -إىل الفهم ،والتشخيص ،والتفسري ،والاتأويل.
من املعلوم أن سوسيولوجيا الكبية أو سوسيولوجيا املدرسة فرع من فروع علم االجتماع
العام .ومن مث ،يهتم هذا الفرع بدراسة عالقة املدرسة باجملتمع ،يف ضوء مقكب
سوسيولوجي علمي أو تفاعلي تفهمي .ويعين هذا أن هذه السوسيولوجيا تقارب الكبية
بصفة عامة ،واملدرسة بصفة خاصة ،يف سياقها الواقعي واالجتماعي ،وظروفها السياسية
واالقتصادية والتارخيية والدينية والثقافية واحلضارية .فضال عن كوهنا هتتم بدراسة املدرسة من
الداخل باعتبارها نسقا بنيويا وظيفيا ،تقوم بأدوار عدة من أجل احلفاظ على نظام
املؤسسة ،وحتقيق توازهنا املطلوب .ومن جهة أخرى ،تدرسها من اخلارع على أساس أن
املدرسة قاطرة للتنمية اجملتمعية املستدامة.
112
ومن مث ،فما يهمنا يف هذا املوضوع هو التوقف عند تطور سوسيولوجيا الكبية أو
سوسيولوجيا املدرسة يف العاملني :الغريب والعريب بالدراسة والتحليل والتوثيق.
ميكاان احلااديث عاان جمموعااة ماان املراحاال الاايت عرفتهااا سوساايولوجيا الكبيااة ،وميكاان حصاارها يف
مرحل ااة البداي ااة والتأسا اايس ال اايت متتا ااد ح ااىت ح اادود احلا اارب العامليا ااة الثانيا ااة؛ ومرحلا ااة التطا ااور
واالزدهار إبان سنوات الستني والسبعني من القرن املاضي؛ ومرحلا ااة املراجعة والتجااوز ماا
با ااني سا اانوات السا اابعني والثما ااانني؛ واملرحلا ااة السوسا اايولوجيا املعاصا اارة إبا ااان سا اانوات
التسعني؛ ومرحلة األلفية الثالثة...
من املعلوم أن سوسيولوجيا الكبية تظهر إال يف أواخر القرن التاسع عشر مع إميال دوركاامي
الااذي يعااد ماان الاارواد األوائاال الااذين اهتم اوا بسوساايولوجيا الكبيااة منااذ أواخاار القاارن التاسااع
عشاار ،حينمااا كااان حياضاار يف جامعااة بااوردو ،ضاامن الاادروس البيداغوجيااة ال ايت كااان يقاادمها
للمدرسااني .وقااد اهااتم أيضااا بالتنشاائة االجتماعيااة الاايت تقااوم سااا املدرسااة ،مااع التساااؤل عاان
طريقة تكوين اجملتمعات لشباسا ،ودور املدرسة يف اجملتمع .بيد أن حماضراته وكتاباته جتمع
إال بعد موته.
113
وماان أهاام كتبااه ،يف هااذا اجملااال ،نااذكر :كتاااب (اكاربي ـ األيمقي ـ ) 022الااذي نشاار مااا بااني
ساانيت 0812و0818م ،حيااث تناااول فيااه بعااض املواضاايع املتعلقااة بالكبيااة ،مثاال :علمانيااة
األخاالق ،وعناصار األخاالق ،ورو االنضاباط ،واالرتبااط باجلماعاات اجملتمعياة ،واسااتقاللية
اإلرادة ،والكبي ا ااة األخالقي ا ااة عن ا ااد املتعلم ا ااني ،واالنض ا ااباط املدرس ا ااي ،وس ا اايكولوجيا امل ا ااتعلم،
والعقوب ااة املدرس ااية ،والطف اال والغ ااري ،وت ااأثريات الوس ااط الكب ااوي ،وت اادريس العل ااوم ،والثقاف ااة
اجلمالية ،والتعليم التارخيي.
مث أعقبااه كتاااب آخاار هااو (اكاربي ـ علــم االجاي ـ ع ) ،021وقااد نشاار ساانة 0822م ،حيااث
أورد تعريفااات للكبيااة يف ضااوء املقااكب السوساايولوجي ،مااع الككيااز علااى الطااابع االجتماااعي
للكبي ااة ،ودور الدول ااة يف جم ااال الكبي ااة ،وس االطة الكبي ااة ووس ااائل العم اال ،وطبيع ااة البي ااداغوجيا
ومنهجيتها ،والبيداغوجيا والسوسيولوجيا ،وتطور التعليم الثانوي يف فرنسا ودوره.
وعليه ،يرى دوركامي أن املدرسة تساهم يف التنشئة االجتماعياة بنقال قايم األجاداد إىل األبنااء
واألحفاد .كما تعمل على إدماع األفاراد داخال اجملتماع الكبري.ويعاين هاذا أن املدرساة جمتماع
مصا ااغر تكيا ااف املتعلما ااني ليتا ااأقلموا ما ااع احملا اايط اجملتمعا ااي وقيما ااه وعاداتا ااه وقوانينا ااه وأعرافا ااه
وتشا اريعاته .وبتعب ااري آخ اار ،للمدرس ااة وظيف ااة التبيئ ااة االجتماعي ااة ،وخل ااق ما اواطنيني ص اااحلني
قااادرين علاى التكيااف مااع اجملتمااع اخلااارجي .لااذا ،تقااوم الكبيااة األخالقيااة باادور هااام يف جمااال
التنش اائة االجتماعي ااة ،وتطبي ااع امل ااتعلم اجتماعي ااا للتكي ااف م ااع الوض ااعيات املعط اااة ،وتك ااوين
أشخاص مستقلني حيكمون ثقافة اجملتمع العام...
124
-Émile Durkheim, L'éducation morale, 1902-
1903,PUF,nouv.éd.1963.
125
- Émile Durkheim, Éducation et sociologie, 1922. PUF,
nouv.éd.1966.
114
وال ننسااى كتابااه اآلخاار (اكاطــور اكبيــداغوجا فــا فرنس ـ ) 056الااذي ص ادر ساانة 0883م،
ويهتم بالتطور التارخيي للممارسة البيداغوجية الفرنسية يف عالقتها ببنيتها اجملتمعية.
بي ااد أن عل ااي أس ااعد وطف ااة وعل ااي جاس اام الش ااهاب ي ااذهبان ،يف كتاسم ااا (عل ــم االجايـ ـ ع
اكيدرس ـ ــا) ،إىل أن ج ا ااون دي ا ااوي ه ا ااو رائ ا ااد عل ا اام االجتم ا اااع الكب ا ااوي بكتاب ا ااه (اكيدرسـ ـ ـ
اكيجايع) الذي نشره سنة 0388م ،027حيث ركز فيه على املبادىء التالية:
ربط املدرسة باجملتمع.
الكبية عملية حياتية ،وليست عملية إعداد للمستقبل.
االهتمام باملوضوعات العملية واملهنية ومببدإ الفعالية بصورة عامة.
العالقة بني الدميقراطية والكبية.023
ويقاول الباحثاان عان جاون دياوي ":لقاد شاكلت أعماال جاون دياوي()John Dewey
) (1859-1952املنطلق األساسي لوالدة علم االجتماع املدرسي احلديث يف هناية القرن
العش ارين ،حيااث متكاان بعبقريتااه الكبويااة املعهااودة ،يف نسااق ماان أعمالااه املت اواترة ،أن يؤسااس
منهجية علمياة رصاينة للبحاث يف جماال املؤسساة الكبوياة .كاان دياوي أول مان أساس مدرساة
جتريبيااة يف عااام ،0386واسااتطاع عاارب جتربتااه هااذه أن ينشاار أعماااال عظيمااة يف جمااال الكبيااة
املدرسااية ،حيااث نشاار كتابااه (عقيــدتا اكاربو ـ ) عااام My Pedagogic (0387
The ،))Creedمث نش اار كتاب ااه املش ااهور (اكيدرسـ ـ اكيجاي ــع) ع ااام ( 0388
،)School and Societyويشار يف هذا الصدد إىل كتابه املعروف (اكد يقراطيـ
126
- Émile Durkheim: L'évolution pédagogique en
France,Paris,PUF,nouv.édition 1969.
- 027جون ديوي :اكيدرس اكيجايع ،ترمجة :أمحد حسن الرحيم ،دار مكتبة احلياة للطباعة والنشر ،بغداد،
العراق ،الطبعة الثانية 0873م.
- 023جون ديوي :اكيدرس اكيجايع ،ص.21:
115
اكاربيـ ـ ) ع ااام 0806م ( Democracy and Education: an
058
".)introduction to the philosophy of education
وبعد هذين الرائدين ،ظهارت كتاب أخارى ،هناا وهنااك ،هتاتم باملدرساة يف أبعادهاا اجملتمعياة،
مثل :دراسة ألفرد بينيه ( )A.Binetحول البيداغوجيا التجريبياة الايت تساعى إىل تشاخيص
الفش اال الدراس ااي ،ووض ااع مق اااييس ال ااذكاء .وق ااد اه ااتم ألفا اارد بيني ااه ،يف كتابا ااه ( األفت ـ ـ ر
اكيي صـ ـ ــرة ـ ـ ــول األطف ـ ـ ـ ل) ،081بالتشا ا ااخيص التج ا ا ارييب لإلخفا ا اااق املدرسا ا ااي ،ودراسا ا ااة
الدوسيمولوجيا يف تقومي فعالية املقررات الدراسية..
- 028علي أسعد وظفة وعلي جاسم الشهاب :علم االجاي ع اكيدرسا ،املؤسسة اجلامعية للدراسات والنشر
والتوزيع ،بريوت ،لبنان ،الطبعة األوىل سنة 2112م ،ص.8-3:
130
- A.Binet: Les idées modernes sur les enfants, Paris,
Flammarion. Réédité en 1973 avec une préface de Jean Piaget. 1919.
131
-K.Marx: Le capital, M. Lachâtre (Paris) 1872.
132
- Max Weber: Economie et société, introduction de Hinnerk
Bruhns, traduction par Catherine Colliot-Thélène et Françoise
Laroche, La Découverte, 1998.
133
- LAPIE. P., École et société, textes choisis, introduits et
présesentés par Hervé Terral, Paris, L’Harmattan, coll. "Logiques
sociales", 2003.
116
يف كتابه (اكايليم اكي كا 082
اكيجايع) ،وثورستاين فيبلني ((Thorstein veblen
يف كتابه (سوسيوكوجي اكادر س)...وقد امتدت هذه 081
فا أدر ت ) ،ووالر()Waller
املرحلة إىل غاية سنوات اخلمسني من القرن العشرين.
وبع ااد احل اارب العاملي ااة الثاني ااة ،تط ااورت املؤسس ااة الكبوي ااة بتط ااور النم ااو ال اادميغرايف ،وارتباطه ااا
بالعواماال االقتصااادية واالجتماعيااة والسياسااية ،وأضااحت مشاااكل املؤسسااة التعليميااة متفاقمااة
بتزايااد اإلقبااال علااى املدرسااة ،والسااعي حنااو تقويااة هااذه املؤسسااة ،والبحااث عاان اسااتقالليتها
املادي ااة واملالي ااة واملعنوي ااة .ويف الوقا ات نفس ااه ،تط ااورت سوس اايولوجيا املدرس ااة بش ااكل الف اات
لالنتباه ،بفضل تعدد مراكز البحث واملختربات العلمية اليت تعىن بدراسة املدرسة يف عالقتها
باحمليط اجملتمعي ،ونشارت آالف مان الكتاب يف هاذا النطااق ،وخاصاة ماا كتباه كاارل ماهناامي
( ،086)Karl Manheimمثل( :اكسوسيوكوجي كسي س كلاربي )...
بيد أن علام االجتمااع الكباوي لاه تااريخ آخار يف الوالياات املتحادة األمريكياة ،فقاد اساتخدم
مص ااطلح سوس اايولوجيا الكبي ااة ( ")Educational Sociologyألول م اارة يف كلي ااة
املعلمني جبامعة كولومبيا مبديناة نيوياورك يف الوالياات املتحادة األمريكياة عاام 0801م ،كعلام
ي اادرس يف املعاه ااد العلي ااا عل ااى ي ااد الربوفس ااور هن ااري س ااوزالو (،)Henry Sozzallo
واسااتخدم هااذا املصااطلح فيمااا بعااد هااذا التاااريخ كعلاام مسااتقل ،ومااا أن جاااء عااام 0802م
134
- VEBLEN T. [1918] The Higher Learning in America. A
Memorandum on the Conduct of Universities by Business Men,
Stanford, Academic Reprints.1954.
& - Waller W.: The Sociology of Teaching, New York, Russel
135
Russel, 1932.
136
- Karl Mannheim, Sociology as Political Education. (Edited and
translated, with Colin Loader). New Brunswick: Transaction Publishers
2001.
117
وصار هناك حوايل 06جامعة أمريكية تدرس مواد بعنوان علم االجتماع الكبوي ،ويف حاني
كااان هناااك حاوايل 61جامعااة يف أمريكااا تاادرس علاام االجتماااع العااام وفروعااه املختلفااة (غااري
الكبوي).
ومااا أن جاااء عااام 0888م حااىت ع تأساايس وتنظاايم اجلمعيااة الوطنيااة لدراسااة علاام االجتماااع
الكبوي ،وقامت هذه اجلمعية بنشر ثالثة كتاب سانوية خاالل األعاوام 0880-0888م ،مث
توقف ا ا اات ها ا ا ااذه النش ا ا ا ارات عا ا ا اان الصا ا ا اادور ،ألن نشا ا ا اارة أخا ا ا اارى أسسا ا ا ااها الربوفسا ا ا ااور با ا ا ااني
( )E.G.Payneعام 0823م ،أصبحت هي النشرة الرمسية للجمعية بعد ذلك.
ومع مرور األيام صاار علمااء االجتمااع املهتماون بالكبياة يلتقاون يف اجتماعاات سانوية باسام
فرع علم االجتماع الكبوي للجميعة األمريكية لعلم االجتماع.
وكان تدريس علم االجتماع الكبوي يتأرجح بني االزدهاار والكاجاع ،وذلاك الساتبدال بعاض
املؤسسات الكبوية مان كلياات الكبياة ومعاهاد املعلماني تادريس ماواد اجتماعياة بأمسااء أخارى
باادال ماان اساام علاام االجتماااع الكبااوي.وعلى الاارغم ماان ذلااك اسااتمر تاادريس هااذا العلاام يف
املعاهااد العليااا واجلامعااات ،وصااارت تعطااى سااذا العلاام الاادرجات العلمياة العليااا يف املاجسااتري
والاادكتوراه ،واليازال علاام االجتماااع الكبااوي ياادرس يف اجلامعااات األمريكيااة واألوروبيااة ،ولكاان
087
دخوله للجامعات العربية جاء متأخرا".
ويع ااين ه ااذا كل ااه أن سوس اايولوجيا الكبي ااة ظه اارت -أوال -يف الوالي ااات املتح اادة األمريكي ااة،
ففرنسا ثانيا ،مث انتقلت إىل باقي البلدان األخرى.
- 087إبراهيم ناصر :علم االجاي ع اكاربوي ،دار اجليل بريوت ،لبنان؛ مكتبة الرائد العلمية عمان األردن،،
ب.ت ،ص.3-7:
118
در لـ ـ اكاط ــور االزدهـ ـ ر:اكفرع اكث نا
تعرف سوسيولوجيا الكبية تطورها احلقيقي إال يف سنوات الستني من القرن املاضي؛ إذ
كانت هذه الفكة مرحلة التطور واالزدهار العلمي واملنهجي هلذه السوسيولوجيا مع جمموعة
وكلود،083(Pierre Bourdieu) بيري بورديو: الفرنسيني: أمثال،من الباحثني
(Raymond وراميون بودون،088(Jean-Claude Passeron)باسرون
وكريستيان ،(Roger Establet)020وإستابليت ،021Boudon)
،028(Bernstein)؛ والربيطاب برينشتاين022)Christian Baudelot(بودلو
...021 )Gintis( وجينتيس،022)Bowles( باولز:واألمريكيني
138
- Pierre Bourdieu et Jean-Claude Passeron, Les héritiers: les
étudiants et la culture, Paris, Les Éditions de Minuit, coll. « Grands
documents » (no 18), 1964, 183 p.
-Pierre Bourdieu et Jean-Claude Passeron, Les héritiers: les
139
145
- Bowles S., Gintis H., Schooling in Capitalist America, New
York, Basic Books, 1976.
120
اختالف أبناء الطبقاات العمالياة عان أبنااء الطبقاات احملظوطاة ،واخاتالف املساتوى التعليماي
الطوياال الااذي يرتاااده أبناااء الطبقااات احملظوظااة ،والتعلاايم القصااري الااذي يكااون مان حااظ أبناااء
الطبقات الدنيا ،والسيما أبناء الطبقات العمالية وأبناء املهاجرين.لاذا ،كاان التوجاه املاركساي
النقاادي اجلديااد يغلااب علااى هااذه السوساايولوجيا الصاراعية .والاادليل علااى ذلااك الثااورة العارمااة
عل ااى املدرس ااة الرأمسالي ااة ال اايت كان اات مدرس ااة طبقي ااة بامتي اااز ،وخاص ااة ث ااورة 0863م .وك ااان
البا ااديل ها ااو دمقرطا ااة التعلا اايم ،وحتقيا ااق املسا اااواة االجتماعيا ااة الشا اااملة ،واحلا ااد ما اان الف ا اوارق
البيداغوجيااة والديدكتيكيااة والثقافيااة والطبقيااة واجملتمعيااة ،وخلااق مدرسااة موحاادة حتقااق النجااا
جلميع املتعلمني بدون متييز أو انتقاء أو اصطفاء.
وعليه ،ميكن القول :إن دراسات بياري بوردياو هاي ،يف احلقيقاة ،نقاد للدراساات الكالسايكية
حااول سوساايولوجيا الكبيااة؛ إذ اعتماادت علااى املقاربااة املاركسااية اجلدياادة يف دراسااة املدرسااة
الفرنسااية بصاافة خاصااة ،واملدرسااة الرأمساليااة بصاافة عامااة ،بغيااة الاادفاع عاان مشااروع التعلاايم
الدميوقراطي.
وما اان أها اام البا اااحثني السوسا اايولوجيني املعاص ا ارين الا ااذين ترك ا اوا بصا اامات واضا ااحة يف جما ااال
سوساايولوجيا الكبيااة نااذكر :ببااري بورديااو ( )P.Bourdieuوكلااود باساارون()Passeron
يف كتابيهمااا (اكورث ـ ) ،026و(ىعـ دة اإلنا ـ ج) ،027وراميااون بااودون يف كتابااه (عــدد اكيس ـ اة
فــا اك ظ ــو ) ،023وكلااود ڭرينيااون( ) Claude Grignon028يف كتابااه( نظـ ـ د
146
-Pierre Bourdieu et Jean-Claude Passeron, Les héritiers: les
étudiants et la culture, Paris, Les Éditions de Minuit, coll. « Grands
documents » (no 18), 1964, 183 p
147
-Pierre Bourdieu et Jean-Claude Passeron, La reproduction:
Éléments d’une théorie du système d’enseignement, Les Éditions
de Minuit, coll. « Le sens commun », 1970, 284 p
- Bodoun: L'inégalité des chances, Paris, Armand Colin, 1973
148
028
-Claude Grignon: L’Ordre des choses, les fonctions sociales de
l'enseignement technique, Minuit, Paris, 1971
150
-Basil Bernstein, Langage et classes sociales – Codes socio-
linguistiques et contrôle social, Paris, Éditions de Minuit, 1975
151
- Mohamed Cherkaoui: Sociologie de l'éducation, Que sais-je,
PUF, 5 édition 1999.
152
- Mohamed Cherkaoui:Les changements du système éducatif en
France 1950-1980, PUF, 1982.
153
- Mohamed Cherkaoui: Les paradoxes de la réussite scolaire,
PUF, "L'éducateur", 1985 .
154
-Viviane Isambert-Jamati: Crises de la société, crises de
l'enseignement: sociologie de l'enseignement secondaire
français, Presses universitaires de France, coll. « Bibliothèque de
sociologie contemporaine », Paris, 1970
155
- Viviane Isambert-Jamati: La Réforme de l'enseignement du
français à l'école élémentaire, Éditions du CNRS, coll. « Actions
thématiques programmées: sciences humaines », Paris, 1977.
122
)Baudelotيف كتاسم ااا et اكيجايـ ــع) ،016وبودل ااو وإس ااتابليت(Establet
(اكيدرسـ اكرأسـي كي فـا فرسـ ) ،017وآن فاان هايشات( )Anne Van Haechtيف
كتاسا (اكيدرس فا د ك اكسوسيوكوجي أ سوسيوكوجي اكاربي تطوراته ) ،013وماري
دورو باايال وأناايس ڤااان زانتااني ( Marie Duru-Bellat, Agnès Van
)Zantenيف كتاسما (سوسيوكوجي اكيدرس )...018
ومااع ساانوات الساابعني ماان القاارن املاضااي ،ظهاارت سوساايولوجيا تربويااة يف الواليااات املتحاادة
األمريكي ا ااة تعتم ا ااد عل ا ااى ال ا ااتفهم أو املن ا اااهج التأويلي ا ااة واملقارب ا ااة اهلرمونيطيقي ا ااة ذات املنح ا ااى
الفينومينولوجي واإلثنومنهجي ،فركازت جال أعماهلاا وأحباثهاا النظرياة والتطبيقياة علاى الظاواهر
الكبوي ااة امليكروجمتمعي ااة ب اادل الظ اواهر املاكروجمتمعي ااة .وق ااد ج اااءت رد فع اال عل ااى املقارب ااات
املعياري ا ااة والوظيفي ا ااة واملاركس ا ااية اجلدي ا اادة .مث اعتم ا اادت عل ا ااى اإلثنوغرافي ا ااا ،وعل ا اام ال ا اانفس
االجتماااعي ،والتاااريخ ،ونظريااات التنشاائة االجتماعيااة ،وكاناات البنيويااة الوصاافية مهيمنااة يف
156
- Jean-Michel Berthelot: École, orientation, société
(Pédagogie d'aujourd'hui),Paris,PUF,1993.
157
- Baudelot et Roger Establet: L'école capitaliste en France,
Éditions Maspero, 1971.
158
-Anne Van Haecht:L'école à l'épreuve de la sociologie,
Collection: Ouvertures sociologiques ,De Boeck Supérieur,Bruxelles,
2006.
159
-Marie Duru-Bellat, Agnès Van Zanten: Sociologie de l'école,
Collection:U, Cycles M et D, UNIVERSITE,2012.
123
هذه الدراسات .وقد ركزت هذه السوسيولوجيا على أبنية األدوار ،ومصري املدرساة ،واملنااهج
الكبوية ،وتطور املؤسسة التعليمية...
وبعا ااد النظا اارة السا ااوداوية املتشا ااائمة إىل املدرسا ااة الرأمساليا ااة ،ظها اارت دراسا ااات جملموعا ااة ما اان
الباحثني متسمة بطابع التفاؤل ،بعد النجا النسيب لألنظمة الكبوية الغربية ،ووضو املعاايري
والقوانني ،كما يبدو ذلك جليا يف كتابات كل من :حممد الشارقاوي(،061)Cherkaoui
وروت اار ( ،060)Rutterوهالس ااي( ،062)Halseyوكومل ااان ( ،068)Colemanوش ااوب
ومو (...062)Chubb et Moe
متت ااد املرحل ااة السوس اايولوجية املعاص اارة م اان س اانوات الثم ااانني م اان الق اارن املاض ااي ح ااىت أواخ اار
ساانوات التسااعني .فقااد انصااب االهتمااام علااى املناااهج الدراسااية ،وإعااادة النظاار يف احملتويااات
أمااا فرانس اوا دويب ( ،)François Dubetفيهااتم حبياااة تالميااذ التعلاايم الثااانوي ،ورصااد
معاناااهتم داخاال املدرسااة ،كمااا يتبااني ذلااك جليااا يف كتابااه (تمديــا اكثـ نوي) الااذي ألفااه ساانة
0880م .067ويصااف الباحااث كااذلك احلياااة املدرسااية الاايت يعيشااها املراهااق داخاال املؤسسااة
165
- Philippe Perrenoud et Cléopâtre Montandon: Entre parents et
enseignants, un dialogue impossible, Berne, Peter Lang.1987.
166
- Sirota R. (1988): L'Ecole primaire au quotidien coll. Pédagogie
d'aujourd'hui, ed. Presses universitaires de France, 200 pages
167
- François Dubet: Les Lycéens, Seuil,Paris, 1991.
125
الكبوية ،وخاصة يف كتابه( ىكح اكيدرسـ :سوسـيوكوجي اكاجربـ اكيدرسـي ) الاذي ألفاه ماع
دانيلااو مارتيشااويل ( )Danilo Martuccelliساانة 0886م .063ويركااز الباحثااان معااا
علااى الفجااوة املوجااودة بااني ذاتيااة املراهااق ذي األصااول الشااعبية وعمليااة التطبيااع االجتماااعي،
ومساافة التاوتر الايت توجااد باني احلاالتني .أي :بااني الثقافاة الشاعبية للعائلااة وثقافاة املدرساة؛ ممااا
خيلق نوعا من الفشل يف االندماع وحتقيق النجا .وهنااك آن باارير ()Anne Barrère
يف كتاسااا (عيــل تمديــا اكث ـ نوي ) الااذي نش ارته ساانة 0887م ،وقااد حتاادث الكتاااب عاان
العمل املدرسي يف ضوء سوسيولوجيا الشغل .068
ومثااة جمموعااة ماان الباااحثني الااذين عمق اوا إشااكالية العماال املدرسااي ،أمثااال :إليزابياات بااويت،
وبرن ااار ش ااارلو ،وج ااان إي ااف روش ااي ( (Elisabeth Bautier, Bernard
،)Charlot et Jean-Yves Rochexيف كتاسم (املدرسة املعرفة يف الضواحي
وغريها) ،وقد نشر سنة0882م...071
168
- François Dubet: À l'école. Sociologie de l'expérience scolaire
avec Danilo Martuccelli, Seuil, 1996.
169
- Anne Barrère, Les lycéens au travail, Paris, PUF, 1997 (262
)pages
170
- Charlot Bernard, Bautier Elisabeth, Rochex Jean-Yves: Ecole et
savoir dans les banlieues... et ailleurs. Éd. Armand Colin Coll.
Formation des enseignants. 1993.
126
اكفرع اكخ دس :در ل ـ ـ األكفي ـ ـ اكث كثـ ـ
أصاابحت املدرسااة ،يف ساانوات األلفيااة الثالثااة ،ظاااهرة مركبااة ومعقاادة ،وماان الااالزم أن تقااوم
بااأدوار أخاارى غااري األدوار الاايت كاناات تقاوم سااا سااابقا ،فباإلضااافة إىل دور اإلدماااع والتنشاائة
االجتماعية ،وتقدمي ثقافة موحدة ومعممة ،أصبح هم املدرساة األسااس هاو تأهيال املتعلماني
تااأهيال جياادا للتوافااق مااع قااانون الطلااب والعاارض الااذي تسااتوجبه السااوق الرأمساليااة ،بتطااوير
كفاااءاهتم املهنيااة واألدائيااة واإلحازيااة ،وتنميااة مهاااراهتم التطبيقيااة لالناادماع يف سااوق الشااغل،
خبلااق جمموعااة ماان الوضااعيات املشااكالت إلجياااد حلااول مناساابة هلااا .ويعااين هااذا أن الااتعلم
بالوض ااعيات ه ااو الش اااغل األس اااس للبي ااداغوجيا املعاص اارة ،وأص اابح االهتم ااام منص اابا عل ااى
بيااداغوجيا الكفايااات ،واألخااذ بالشااهادات الكفائيااة باادل الشااهادات املعرفيااة النظريااة ،عااالوة
على االهتمام بالتكوين املهين واالحكايف .ويعين هاذا أن وظيفاة املدرساة الرئيساية هاي وظيفاة
التكااوين والتأهياال والتمهااري ،وخلااق الكفاااءات املتمكنااة القااادرة علااى التااأقلم مااع الوضااعيات
احلياتية املعقدة والصعبة.
وهك ااذا ،فعل ااى " امت ااداد الق اارن العش ا ارين تفج اارت ين ااابيع البح ااث السوس اايولوجي يف جم ااال
املدرس ااة واملؤسس ااات األخ اارى الكبوي ااة ،وج اااء حص اااد ه ااذه األعم ااال بل ااورة لعل اام االجتم اااع
املدرسااي بوصاافه الن اواة احلقيقيااة لعلاام االجتماااع الكبوي.لقااد تقاااطرت الدراسااات واألحباااث
السوسيولوجية يف ميدان املدرسة واملؤسسات املدرسية وشكلت نتائجها نظاما متماسكا من
املق ااوالت واملف اااهيم والنظري ااات السوس اايولوجية ومن اااهج البح ااث ال اايت تؤس ااس لعل اام اجتم اااع
خاااص هااو علاام االجتماااع املدرسااي .وهناااك آالف مؤلفااة ماان الكتااب والدراسااات واألحباااث
املكثفة اليت عاجلات جواناب احليااة املدرساية بتفاعالهتاا وأنظمتهاا الداخلياة وقضااياها الكبوياة
070
واالجتماعية".
مثااة جمموعااة ماان الكتااب ،علااى الصااعيد العااريب ،الاايت تناولاات سوساايولوجيا الكبيااة أو املدرسااة،
إمااا بشااكل جزئااي ،وإمااا بشااكل كلااي .وماان أهاام هااذه الكتااب نااذكر :كتاااب (دراسـ ت فــا
سوســيوكوجي اكاربي ـ ) لعلااي أسااعد وطفااة وعبااد اهلل مشاات اجملياادل ،072و(علــم االجاي ـ ع
اكيدرســا) لعلااي أسااعد وطفااة وعلااي جاساام الشااهاب ،078و(اكاربيـ اإل د وكوجيـ ) لشاابل
ب ا ا اادران ،072وف ا ا ااايز ما ا ا اراد دن ا ا اادش يف كتاب ا ا ااه (عل ـ ـ ــم اإلجايـ ـ ـ ـ ع اكارب ـ ـ ــوي ب ـ ـ ــين اكا ـ ـ ــأكيف
اكاــدر س ) ،071وفاديااة عماار اجلااوالب يف كتاسااا (علــم االجاي ـ ع اكاربــوي) ،076ومحاادي
علااي أمحااد يف كتابااه (دقدد ـ فــا علــم اجايـ ع اكاربي ـ ) ،077وعبااد السااميع الساايد أمحااد يف
-072أسعد وطفة وعبد اهلل مشت اجمليدل :دراس ت فا سوسيوكوجي اكاربي ،دار اإلعصار العلمي ،الطبعة
األوىل سنة 2101م.
-078علي أسعد وطفة وعلي جاسم الشهاب :علم االجاي ع اكيدرسا ،املؤسسة اجلامعية للدراسات والنشر،
بريوت ،لبنان ،الطبعة األوىل سنة2112م.
-072شبل بدران :اكاربي اإل د وكوجي ،النجا اجلديدة ،الدار البيضاء ،املغرب ،الطبعة األوىل سنة0880م.
-فايز مراد دندش :علم اإلجاي ع اكاربوي بين اكاأكيف اكادر س ،دار الوفاء لدنيا الطبع والنشر، 071
-073عبد السميع سيد أمحد :دراس ت فا علم االجاي ع اكاربوي ،دار املعرفة اجلامعية ،اإلسكندرية ،مصر،
طبعة 0888م.
-078علي السيد الشخييب :علم اجاي ع اكاربي اكيي صر ،دار الفكر العريب ،القاهرة ،طبعة 2112م.
-031عبد اهلل الرشدان :علم االجاي ع اكاربوي ،دار عمان للتوزيع والنشر ،عمان ،األردن ،طبعة 0836م.
-030حسن حسني الببالوي :اإلصمح اكاربوي فا اكي كم اكث كث ،عا الكتب ،القاهرة ،مصر ،طبعة
0833م.
-032عبد اهلل رشدان :فا علم اجاي ع اكاربي ،دار الشروق للنشر والتوزيع ،الطبعة األوىل سنة 2113م.
-038فرحان حسن بريخ :اكيدرس اكيجايع ،دار أسامة للنشر والتوزيع ،الطبعة األوىل سنة 2102م.
-032رنده خليل سا :اكيدرس اكيجايع ،مكتبة اجملتمع العريب ،الطبعة األوىل 2101م.
-031حسن أمحد الطعاب :دف هيم تربو :اكيدرس اكيجايع ،رؤ دي صرة ،دار الشروق للنشر والتوزيع،
الطبعة األوىل سنة 2108م.
-إبراهيم ناصر :علم االجاي ع اكاربوي ،دار اجليل بريوت ،لبنان؛ ومكتبة الرائد العلمية ،عمان ،األردن، 036
د.ت.
-037حممد عابد اجلابري :أضواء علح دشتل اكايليم ب كيغرإ ،دار النشر املغربية ،الدار البيضاء ،املغرب،
الطبعة األوىل سنة 0878م.
129
ظ ئفهـ )،038 وإدريس قامسي وآخرون يف كتاسم( أهيي سوسـيوكوجي اكاربيـ ،اكيدرسـ
والص ااديق الص ااادقي العم اااري يف كتابا اه ( اكاربيـ ـ اكانييـ ـ ت ــد ت اكيس ــاقبل :دق ربـ ـ
سوسـ ــيوكوجي ) ،081وعب ااد الن ااور إدري ااس (سوسـ ــيوكوجي اكاي ز:ظ ـ ـ هرة اكهـ ــدر اكدراسـ ــا
ب ـ ـ ـ كيغرإ) ،080وعبا ا ااد الكا ا اارمي غريا ا ااب يف (سوسـ ـ ــيوكوجي اكاربي ـ ـ ـ ) 082و(سوسـ ـ ــيوكوجي
اكيدرسـ ـ ) ،083وحمم ااد فاوب ااار يف كتاب ااه ( سوس ــيوكوجي اكايل ــيم ب كوسـ ـ اكق ــر ي)،082
ومص ااطفى حمس اان يف كتب ااه (اإلط ـ ـ ر اكسوسـ ــيوكوجا اكي ـ ـ د كلنظ ـ ـ د اكاربـ ــوي) 081و( فـ ــا
اكيسأك اكاربو ،ن و دنظور سوسيوكوجا دنفاح) 086و( اكخط إ اإلصـم ا اكاربـوي
-033حممد عابد اجلابري :رؤ تقددي كبيض دشتمتن اكفتر اكاربو ،دار النشر املغربية ،الدار البيضاء،
املغرب0877 ،م.
-038خالد املري وإدريس قامسي وآخرون :أهيي سوسيوكوجي اكاربي ،اكيدرس ظ ئفه ،سلسلة التكوين
الكبوي ،العدد ،8مطبعة النجا اجلديدة ،الدار البيضاء ،املغرب ،الطبعة الثانية سنة 0881م.
-081الصديق الصادقي العماري:اكاربي اكانيي ت د ت اكيساقبل :دق رب سوسيوكوجي ،مطبعة بلفقيه،
الرشيدية ،املغرب ،الطبعة األوىل سنة 2108م.
-080عبد النور إدريس :سوسيوكوجي اكاي ز:ظ هرة اكهدر اكدراسا ب كيغرإ ،دار دفاتر االختالف ،مكناس،
املغرب ،الطبعة األوىل سنة 2113م.
-082عبد الكرمي غريب :سوسيوكوجي اكاربي ،مطبعة دار النجا اجلديدة ،الدار البيضاء ،املغرب ،الطبعة األوىل
سنة 2111م.
-088عبد الكرمي غريب :سوسيوكوجي اكيدرس ،مطبعة دار النجا اجلديدة ،الدار البيضاء ،املغرب ،الطبعة
األوىل سنة 2118م.
-082حممد فاوبار :سوسيوكوجي اكايليم ب كوس اكقر ي ،مطبعة النجا اجلديدة ،الدار البيضاء ،املغرب،
الطبعة األوىل سنة 2110م.
-081مصطفى حمسن :اإلط ر اكسوسيوكوجا اكي د كلنظ د اكاربوي ،سلسلة من أجل كتاب تربوي نفسي
واجتماعي مغريب ،منشورات جملة الكبية والتعليم ،الرباط ،ملحق بالعدد ،07الطبعة األوىل سنة 0881م.
-086مصطفى حمسن :فا اكيسأك اكاربو ،ن و دنظور سوسيوكوجا دنفاح ،شركة بابل للطباعة والنشر
والتوزيع ،الرباط ،املغرب ،الطبعة األوىل سنة 0882م.
130
بين أس ل األزد ت د ت اكا ول اك ض ري ،رؤ سوسـيوكوجي نقد ـ )087و(ددرسـ
اكيســاقبل) 083و(ره ن ـ ت تنيو ـ -رؤى سوســيوتربو ثق في ـ نقد ـ ) ،088واملصااطفى
حدية يف كتابه (اكشب إ ،اكاربي اكاغيير االجاي عا) ،211وهلم جرا...
يمص ـ اكقــول ،إذا كاناات سوساايولوجيا الكبيااة ،يف العااا الغااريب ،قااد حظياات بدراسااات
ومؤلف ااات وكت ااب ومق اااالت كث اارية ،ومبنهجي ااات خمتلف ااة ،وض اامن م اادارس متنوع ااة ،فمازال اات
سوس اايولوجيا الكبي ااة ،يف وطنن ااا الع ااريب ،عال ااة عل ااى نظريهت ااا الغربي ااة ،وذل ااك بتتب ااع خطواهت ااا
العلمية ،ودراسة املواضيع واملشاكل والقضايا واحملاور نفسها اليت ناقشتها سوسيولوجيا الكبياة
يف الغرب ،مع متثل نظرياهتا ومناهجها وطرائقها إما بشكل جزئي وإما بشكل كلي.
-087مصطفى حمسن :اكخط إ اإلصم ا اكاربوي بين أس ل األزد ت د ت اكا ول اك ض ري ،رؤ
سوسيوكوجي نقد ،املركز الثقايف العريب ،الدار البيضاء ،املغرب ،بريوت ،لبنان ،الطبعة األوىل سنة 0888م.
-083مصطفى حمسن :ددرس اكيساقبل ،ره ن اإلصمح اكاربوي فا ع كم داغير ،منشورات الزمن ،سلسلة
شرفات رقم ،26مطبعة النجا اجلديدة ،الدار البيضاء ،املغرب ،الطبعة األوىل سنة 2118م.
ثق في ني ئي ،منشورات الزمن ،سلسلة شرفات -088مصطفى حمسن :ره ن ت تنيو ،رؤى سوسيوتربو
رقم ،88مطبعة النجا اجلديدة ،الدار البيضاء ،املغرب ،الطبعة األوىل سنة 2100م.
- Elmostafa Haddiya: Jeunesse, éducation et changement social,
200
132
املعتقدات ،دون أن ننسى دراسة الظروف االجتماعية اليت أفرزت تلك الديانات والعقائد،
واستجالء خمتلف الصعوبات والعراقيل اليت تواجهها كل ديانة أو عقيدة إلثبات نفسها يف
تربة جغرافية معية.
إذا ،ما مفهوم الدينا وما صريورته التارخييةا وما علم اجتماع األديانا وما موضوعها وما
أعالمه قدميا وحديثاا وما تصوراته النظرية واملنهجيةا
هذا ماسوف نرصده يف فصلنا هذا الذي عنوناه با(سوسيوكوجي األد ن) ،على أساس أن
علم اجتماع األديان ختصص سوسيولوجي مهم لدراسة العقائد واألديان ،يف ضوء
النظريات واملقاربات واملنظورات السوسيولوجية املختلفة ،بغية فهم األنساق االجتماعية اليت
تتحكم يف هذه العقائد والديانات وتفسريها وتأويلها كما وكيفا.
قبل تعريف علم اجتماع األديان ،علينا أن نعرف الدين أوال ،مث تعريف علم اجتماع
األديان ثانيا.
من املعروف أن الدين قضية إشكالية معقدة ،يصعبب تعريفها وحتديدها وضبطها بدقة.
كما أهنا مقولة جمردة أزعجت املفكرين والعلماء والباحثني بصفة عامة ،وعلماء االجتماع
بصفة خاصة؛ نظرا لتعدد تعاريف الدين وتناقضها واختالفها ،وتضارب مفاهيمها
ومضامينها وتأويالهتا من عا إىل آخر .وعلى الرغم من ذلك ،فالدين ظاهرة ثقافية أكثر
133
مما هي طبيعية .ومن مث ،فالدين عبارة عن هبة ربانية أو منحة أو نعمة أنعمها اهلل على
عبده.
وميكن تعريف الدين بكونه جمموعة من املعتقدات املتعالية عن املكان والزمان احلسيني .وهو
أيضا عبارة عن جمموعة من األفكار الغيبية اخلارقة واملمارسات االحتفالية والطقوسية اليت هلا
عالقة باإلميان واالعتقاد ومتثل القيم الفضلى .وبالتايل ،يتميز السلوك الديين باالنتقال من
املدنس حنو املقدس ،أو االنتقال من الدنيوي إىل األخروي أو الروحاب ،وحترمي املساس
باملقدس أو انتهاكه أو اإلساءة إليه .ومن مث ،فالدين مبثابة طابو الميكن خرقه أو جتاوزه أو
التمرد عنه .ومن مث ،فالدين هو " اإلميان بقوة علوية سامية تأمر الناس بقيم أخالقية وأمناط
سلوكية معينة ،وتبشرهم حبياة أخرى" 210.
ويعين هذا أن الدين جمموعة من الطقوس والشعائر والعبادات واملمارسات االحتفالية
والقربانية ،حتمل يف طياهتا دالالت رمزية ،تعرب عن ارتباط اإلنسان خبالقه ،سواء أكان هذا
اخلالق هو اهلل املنزه عند املسلمني ،أم الذات املتعددة عند املسيحيني ،أم شخصيات حمكمة
ومقدسة كبوذا وكونفشيوس ،أم أوثانا وأصناما ومتاثيل ونريانا وحيوانات وأحجارا ونباتات
كما عند الوثنيني واجملوس وامللحدين والكفار.
ومن جهة أخرى ،يتضمن الدين وظيفة ذاتية ووظيفة اجتماعية .ففيما خيص الوظيفة
األوىل ،يغرس الدين يف اإلنسان احلب والصفاء والوفاء واإلخالص وحب اهلل ،واحكام
املقدس .كما يرحيه ذهنيا ونفسيا ووجدانيا وجسديا.أي :حيقق توازنه الشعوري والالشعوري،
ويهبه السعادة العقلية والروحية والبدنية .أما فيما خيص الوظيفة الثانية ،يدفعه الدين إىل
االنصهار يف اجملتمع ،وخضوعه لقواعده وعاداته وتقاليده ومعتقداته ،ضمن روابط التضامن
وااللتحام والتماسك االجتماعي.
- 210أنتوب غدنز :علم االجاي ع ،ترمجة :فايز الصياغ ،مركز دراسات الوحدة العربية ،بريوت ،لبنان ،الطبعة
األوىل 2111م ،ص.168:
134
وعليه " ،يعد الدين مقولة مزعجة لكل من املشرعني وعلماء االجتماع ،وذلك ألن املفاهيم
الدنيوية التتوافق مع تلك غري الدنيوية.ومن األسباب ذات الصلة بذلك أن الدين خيرق
بصورة جذرية ذلك الفارق القاطع بني الثقافة والطبيعة .يتعامل عا االجتماع مع الدين
باعتباره ظاهرة ثقافية ،وهذا اليتوافق ورأي معتنقي األديان .الدين يف نظر املسيحي
واليهودي واملسلم وغريهم هبة من الرب ،خالق كل شيء.وكلمة دين .مبا حتويه من معان
ثقافية -إشكالية بالنسبة إىل العديد من املؤمنني ،حيث يفضلون يف األغلب احلديث عن
معتقدهم.وهو ما قد يفسر سبب الرأي الديين واملسيحي املعارض جدا للمثلية اجلنسية:
ففي ذلك نقض ليس ألوامر الرب فحسب ،بل كذلك للنظام الطبيعي الذي وضعه.وميكن
مقارنة هذا بتعامل اإلسالم مع االرتداد عن الدين اإلسالمي -فهو إمث اليغتفر .فعندما
يعتنق الفرد اإلسالم اليقال إنه حتول إىل اإلسالم ،بل عاد إىل اإلسالم ،وهذا ألن املنظور
212
اإلسالمي يرى أن فطرة املرء هي اإلسالم".
وبناء على ما سبق ،يتبني لنا أن ما مييز الدين هو الطابع الطقوسي اجلماعي ،واستعمال
وسائط سلوكية أو شعورية أو الشعورية .ويف هذا ،يقول أنتوب غدنز(":)A.Giddens
كما أن مثة تنوعا كبريا يف ممارسة الطقوس املرتبطة بالدين.وقد تتضمن هذه الشعائر أمناطا
سلوكية أو شعورية مثل :الصالة ،والقراءة ،والكتيل ،أو الغناء ،أو احلركة اجلسمانية؛ أو
تناول أطعمة معينة؛ أو االمتناع عنها يف أوقات حمددة .ورمبا تكتسب بعض هذه العناصر
والشعائر طابع السلوك الفردي الشخصي الذي قد يقوم به املرء مبفرده.غري أن مثة إمجاعا
بني العلماء االجتماعيني على أن السلوك االحتفايل اجلمعي هو من أبرز خصائص
املعتقدات الدينية اليت متيزه عن ممارسات أخرى مثل السحر.ويرى واحد من أبرز علماء
- 212جون سكوت :علم االجاي ع ،اكيف هيم األس سي ،الشبكة العربية لألحباث والنشر ،بريوت ،لبنان،
الطبعة الثانية 2108م ،ص.217:
135
االجتماع واألنكوبولوجيا احملدثني (مالينوفسكي 218)0832 / Malinowskiإىل أن
اجلماعة يف جمتمع الكوبرياند البدائي يف احمليط اهلادي تقيم مثل هذه الطقوس اجلماعية
بصورة شبه دينية قبل أن يغادر أحد القوارب الشاطىء حممال بأبناء القبيلة يف رحلة حمفوفة
باملخاطر.لكنهم اليقيمون مثل هذه الشعائر اجلمعية إذا ما ركب أحدهم زورقه الصغري
212
لصيد السمك".
وإذا كانت اجملتمعات احلديثة ،والسيما العلمانية منها ،التعطي أمهية تذكر للدين ،فنن
اجملتمعات التقليدية الميكن أن تعيش بدون الدين .لذا ،فهي تقدس زعماءها وأولياءها
وكهنتها ورهباهنا وأحبارها .ويف هذا ،يقول غدنز ":وميثل الدين يف اجملتمعات التقليدية حمورا
مركزيا يف حياة الناس.وكثريا ما تندمج الرموز الدينية والطقسية ،وتتغلغل يف تضاعيف احلياة
العادية والروحية والثقافية والفنية يف اجملتمعات التقليدية ،وإىل حد أقل يف اجملتمعات
احلديثة .وقد تكاو الرموز والزعامات املمثلة لالنتماء الديين بني القيادات املعروفة على
الصعيد العام يف احلياة املعاصرة من جهة ،ومفهوم الويل أو الشامان أو الكاهن القدمي الذي
كان شائعا يف اجملتمعات البدائية والتقليدية بوصفه ،حبسب املزاعم اليت تربر وجوده
211
وممارساته ،قادرا على التوسط بني الناس وقوى سحرية فوقية".
ومن هنا ،فالدين ضرورة اجتماعية وسيكولوجية وميتافيزيقية ،يقدم إجابات وافية عن أسئلة
ماورائية وجمتمعية حمرية ومثرية ومقلقة ،مثل :األ ،واحلياة ،واملوت ،والبعث ،واجلزاء...
ويعين هذا أن الدين عبارة عن إجابات نسقية شاملة وكلية حول الوجود ،واهلل ،واإلنسان،
واملعرفة ،والعا ،واألخالق ،واملصري ،والعدالة ...وأكثر من هذا فالدين هو الذي حيقق
السعادة النسبية أو املطلقة لإلنسان .ومن هنا ،فاهلل فكرة نافعة لإلنسان حسب
203
-Malinowski: Magic, science and religion, and other essays,
London. Souvenir Press, 1982.
- 212أنتوب غدنز :علم االجاي ع ،ص.171:
- 211أنتوب غدنز :نفسه ،ص.171:
136
فولتري( .)Voltaireوإن كان سارتر ) (Sartreيرى ،عكس ذلك ،أن اهلل فكرة مضرة.
أضف إىل ذلك أن الدين هو مصدر املعارف واحلقائق الدنيوية والكونية ،ومرجع أنطولوجي
إلنية اإلنسان ووجوده يف عالقة بذاته ،أو بالعا الذي يوجد فيه ،أو يف عالقته اجلوانية
باهلل أو الصنم الذي يعبده ويقدسه أو يتقرب إليه .كما يتضمن الدين حقائق معرفية حسية
وعقلية وخارقة .وحيوي قيما أخالقية مثلى تتحقق سا الفضيلة والكمال والسعادة القصوى.
إذا ،فالدين هو تفسري شامل للعا ،وإجابة عن خمتلف مشاكل اإلنسان ومهومه ،وما يؤرقه
من أسئلة واقعية ،وغيبية ،وميتافيزيقية ،ودينية ،وعقائدية ،وتشريعية...كما يوطد الدين
العالقات البشرية األخوية واجملتمعية ،ويعطي معىن للحياة...
ويرى السوسيولوجي الفرنسي ى ف الدبير ( )Yves Lambertأن الدين ينبين على
ثالثة معايري أساسية هي:
مييز الدين بني واقع جترييب دنيوي حسي ميكن مقاربته علميا ،وواقع غييب وأخروي
متعال عن اإلنسان ،الميكن إدراكه بالعقل واحلواس والتجربة؛ ألنه يتجاوز نطاق الطبيعة
وقدرات اإلنسان العقلية احملدودة؛
تتحقق التجربة الدينية بتواجد اإلنسان يف عالقة مع اهلل أو مع العوا املتعالية .وتتأكد
هذه التجربة الروحية عرب جمموعة من الوساطات الرمزية (الصالة ،والقراءة ،والكتيل،
والتضحية ،والتقليد ،والعادات ،والفداء ،والقربان ،إخل)؛
الدين عبارة عن طقوس مجاعية أو نظام من املعتقدات واملمارسات املرتبطة بعوا غيبية
متعالية عن اإلنسان ،متارس عرب وسائط رمزية للتقرب من اهلل أو املعبود الذي خيتاره
اإلنسان حسب معتقده الديين.216
206
- Yves Lambert:La naissance des religions: De la préhistoire
aux religions universalistes, Armand Colin, 2007 ; Dieu change en
Bretagne: La religion à Limerzel de 1900 à nos jours, Cerf, 1985.
137
هذا ،ويستند التفكري الديين إىل جمموعة من املبادىء واملرتكزات واألفكار النظرية اليت ميكن
حصرها فيما يلي:
فترة اكربوبي .أي :االعتقاد بوجود إله أو رب واحد سرمدي ،ومطلق الكمال؛
فترة بدء اكخلق ،ويعين هذا أن اهلل خلق مجيع املوجودات اليت توجد يف هذا العا ،
وهذه املوجودات خلقت من عدم؛
فترة اكو ا اليت مفادها أن احلقائق اليت جاء سا األنبياء والرسل هي حقائق يقينية
وصادقة ،الميكن التشكيك أو الطعن فيها؛
فترة اإل ي ن القائمة على تلك العالقة اخلالصة والصادقة اليت تربط العبد باهلل ،ومركز
اإلميان هو القلب ال العقل؛
اكد ن عقيدة شر ي :يعين هذا أن الدين اعتقاد وعمل ،إميان وسلوك ،وربط وثيق
بني النظري والعملي؛
اكد ن بن ء عيران تطور كليجايع .ويعين هذا أن اهلل خلق اإلنسان ليعمر الكون،
ويستخلفه فيه من أجل البناء والتنمية وحتقيق التقدم واالزدهار؛
فترة اكوسطي :ينبين الدين احلق على الوسطية واالعتدال ،ونبذ التشدد والتطرف
والكراهية واملبالغة ،والسعي من أجل احلق والعدالة وعدم جمانبة الصواب؛
فترة اكاوازن :يستند الدين إىل حتقيق التوازن بني ماهو مادي وروحاب ،بني ماهو
دنيوي وأخروي؛
فترة اإلنس ني :يعين هذا أن الدين عقيدة إنسانية خلدمة اإلنسان أينما حل وارحتل.
يمص اكقول ،فالدين مفهوم معقد وغامض ،يطر إشكاليات عويصة يف خمتلف
اجملاالت املعرفية والعلمية .ومن مث ،ميكن القول بأن الدين عبارة عن نسق من املعتقدات
واملمارسات واملشاعر الروحية واالحتفاالت الطقوسية والكاتيل اليت يلتجىء إليها اإلنسان
للتقرب من املعبود لنيل رضاه وبركته وعطفه ،أو لتحقيق أمنياته وأغراضه ومةربه ،وقضاء
حاجياته املادية واملعنوية.
138
هذا ،وميكن احلديث عن أنواع عدة من الدين ،فهناك اكد ن اكطوطيا الذي يتخذ طابع
السحر واخلرافة والشعوذة ،ويعرب عن رغبات نفسية مكبوتة أو رغبات اجتماعية حمرومة.
وهناك أيضا اكد ن اإل ي ئا الذي جيعل املخلوقات الغيبية واألخروية تعيش مع اإلنسان
وحتيا معه؛واكد ن اكشخوصا الذي يرتبط بعبادة األشخاص والتربك سم ،مثل :تقديس
الشخصيات العامة البارزة ،أو تقديس احلكماء والقديسني والشيوخ....وهناك اكد ن
األيمقا املرتبطة بالكونفوشيوسية والبوذية والطاوية.بيد أن هذه الديانات خاضعة للنسق
القيمي أو األخالقي .أي :هدفها هو تعليم الناس األخالق النبيلة والفضائل املثلى .وهناك
اكد ن األ قونا الذي يعتمد على التماثيل واألصنام واألوثان ،وتدخل فيه املعبودات
احلجرية واحليوانية والنباتية واحلديدية .وهناك اكد ن اكربوبا الذي يتعلق بالرب أو اإلله.
ويف األخري ،هناك اكد ن اكيدنا الذي يتعلق بتقديس الشخصيات املدنية ورؤساء الدولة،
واالحتفاء بالزعماء واملنتصرين والضحايا ،وخاصة يف الدميقراطيات الغربية أو الدول
املستبدة...
139
اكيطلب اكث نا :تير ف علم اجاي ع األد ن
207
-Weber, Max: The Protestant Ethic and the Spirit of
Capitalism. Los Angeles: Roxbury Company, 2002
208
-Marx, Karl: A Contribution to the Critique of Hegel's
*Philosophy of Right, Deutsch-Französische Jahrbücher, February.
Swanson, Guy E. (1967). Religion and Regime: a Sociological Account
of the Reformation. Ann Arbor, Mich.: University of Michigan Press.
x, 1844.295 p.
209
- Berger, Peter L: The Sacred Canopy: Elements of a
Sociological Theory of Religion (1967). Anchor Books 1990
paperback.
141
سيمس بانربيدع ( ،)William Sims Bainbridgeوروبرت واثناو( Robert
،)Wuthnowوكريستيان مسيث ( ،)Christian Smithوبريان ويلسون
(...201)Bryan R. Wilson
وعلى الرغم من هذا ،فمازالت الدراسات ،يف جمال سوسيولوجيا األديان ،قليلة وحمدودة،
سواء أكان ذلك يف العاملني :الغريب والعريب.
الميكن استجالء موضوع هذا املبحث إال بالتوقف عند بعض املراحل التارخيية للظاهرة
الدينية بالتحليل واملناقشة واملقارنة والتقومي على الوجه التايل:
لقد ارتبطت اجملتمعات التقليدية والبدائية والبسيطة بالتدين ،فالميكن لإلنسان البدائي أو
التقليدي االستغناء عن التدين؛ ألنه حمور احلياة العادية اليومية ،فقد وجد راحته النفسية يف
طقوسه ،وحتسس سعادته املطلقة يف العبادة ،وتقديس كل املوجودات اليت حتقق له األمن
والطمأنينة واهلدوء والسعادة ،ومتنح له الرزق .لذا ،عبد عناصر الطبيعة من مشس ،وقمر،
ومساء ،وحبر ،وكواكب وحوم ،وأرض ،ونباتات ،وأحجار ،وحيوانات.كما عبد من جهة
أخرى ،الكهنة ،والرهبان ،واألحبار ،واألولياء ،واألحبار ،وغريهم...
144
ويف هذا السياق ،يقول أنتوب غدنز( )A.Giddensيف كتابه (علم االجاي ع) ":وهناك
نوعان متميزان من االعتقاد الديين انتشرا يف اجملتمعات البدائية والبسيطة.ىم اكاشفت
اكطوطيي فا أ س ط قب ئل اكهنود اك ير فا أدر ت اكشي كي ،إال أن مصطلح الطوطم
استخدم يف مابعد لوصف أنواع من احليوانات والنباتات اليت تسبغ اجلماعة عليها قوة فوقية
استثنائية خارقة.وتتخذ كل من مجاعات القرابة أو العشائر يف اجملتمع طوطما خاصا سا
حتيطه بأشكال خمتلفة من املمارسات واألنشطة الشعائرية.وقد تبدو فكرة الطوطم غريبة كل
الغرابة يف اجلماعات الصناعية واملعاصرة ،إال أننا نتلمح بعض آثارها يف سياقات ضيقة
نسبيا يف جمتمعاتنا احلديثة ،عندما يتخذ بعض األفراد واجلماعات ،ورمبا املؤسسات ،رموزا
معينة يستبشرون سا ،ويعتربوهنا عنوانا للنجا سواء على الصعيد الشخصي ،أم الرياضي،
أم التجاري.
أما النوع االخر من االعتقاد الديين ،فهو االجتاه اإلحيائي ،وهو االعتقاد بوجود األروا
واألشبا تعيش بني البشر؛ ومنها ماهو محيد طيب ،ومنها الشرير الضار ،ويعتقد يف بعض
اجملتمعات أن مثل هذه األروا تسبب املرض أو اجلنون أو متس بعض األفراد ،وتتملكهم،
وتوجه سلوكهم .واليقتصر وجود مثل هذا االجتاه اإلحيائي على الثقافات الصغرية أو
املندثرة.وكان واسع االنتشار يف أوروبا يف العصور الوسطى ،وكان األفراد الذين يعانون هذا
املس يتعرضون لالضطهاد ،ويعتربون من السحرة واملشعوذين.كما أن املصابني سذه العلة
202
قد خيضعون للعالع أو للنبذ أو االضطهاد يف بعض اجملتمعات التقليدية واحلديثة".
وحد هذه الظاهرة الطوطمية واإلحيائية حىت يف جمتمعات التوحيد ،فمازالت اخلرافة
والشعوذة والسحر تدفع جمموعة من الناس األميني إىل ممارسة شعائر طوطمية وإحيائية
خمالفة للشرع الرباب ،حىت يف اجملتمعات اإلسالمية املعروفة بنله واحد .ويف هذا ،يقول
غدنز ":يشري أحد الباحثني البارزين يف علم االجتماع إيفان بريتشار (Evans-
213
-Evans-Pritchard, E.E: Nuer Religion, Oxford University Press.
Oxford, 1956.
- 202أنتويت غدنز :نفسه ،ص.170:
- 201أنتوب غدنز :نفسه ،ص.182:
146
اكيطلب اكث نا :اكد ن ت اكسي
يقصد بالديانات السماوية اليهودية واملسيحية واإلسالم .وتعد اليهودية أقدم ديانة مساوية،
وقد ارتبطت بكتاب التوراة ،وبالرسول موسى عليه السالم ،وبشعب اليهود الذين كانوا
يقتلون األنبياء والرسل .وقد عرفوا باملكر والغدر والنفاق ،وممارسة االحتكار والربا والتجارة
املشبوهة .يف حني ،اقكنت املسيحية بالرسول عيسى عليه السالم ،وبكتاب اإلحيل ،وملة
النصارى .أما اإلسالم ،فقد ارتبط بالرسول حممد (صلعم)؛ خاع األنبياء ،وبالقرآن الكرمي،
وباملسلمني املؤمنني .وإذا كان اليهود أشد عداوة للمسلمني ،فنن املسيحيني النصارى أقرب
مودة ورمحة من اليهود .ويف هذا ،يقول تعاىل يف سورة (املائدة) ":كاجدن أشد اكن س
عدا ة كلا ن آدنوا اكيهود اكا ن أشركوا كاجدن أقربهم دودة كلا ن آدنوا اكا ن ق كوا
ىن نص رى مكك بأن دنهم قسيسين رهب ن أنهم ال ساتبر ن " 206.
وبغية املقارنة بني هذه األديان السماوية الثالثة ،البد من االنطالق من هذا اجلدول:
اإلسالم املسيحية اليه ااودية
أكثر من بليون نسمة 02دليون سن 0883د بليون ومثامنائة وسبعون مليون
نسمة سنة 0888م
%03 %82 %3
الشرق األوسط ،ومشال أوروبا وآسيا الصغرى دشااون فا اكي كم
أفريقيا ،وشبه القارة اهلندية، وأسكاليا وأمريكا الشمالية
وبعض الدول األفريقية وأمريكا الالتينية وبعض
واآلسيوية الدول األفريقية واآلسيوية
- 206اآلية ،32من سورة املائدة ،القرآن الكرمي ،برواية ورش عن نافع .
147
ويعين هذا أن املسيحية أكثر انتشارا مقارنة باإلسالم واليهودية .يف حني ،تعد اليهودية أقدم
ديانة مساوية فوق األرض .بيد أن اإلسالم هو الدين املوحد هلل األحد .يف حني ،تعد
املسيحية ديانة متعددة لكوهنا تؤمن باألقانيم الثالثة.أما اليهودية ،فهي ديانة جمسمة
ومشبهة للذات الربانية .كما أن القرآن هو الكتاب السماوي الوحيد الذي حفظه اهلل من
اكا ْك َر َ ىِنَّ كَهُ
التزييف والتزوير واالنتحال والتحريف ،مصداقا لقوله تعاىل ":ىِنَّ نَ ْ ُن نَـ َّزكْنَ ِّ
كَ َ فِظُو َن".507
وعليه ،فلقد ظهرت اليهودية املوسوية يف مصر القدمية يف حدود القرن العاشر قبل امليالد،
وكان أتباع موسى يسمون بالعربانيني أو بين إسرائيل .وقد استعبدهم فرعون إىل أن حررهم
موسى عليه السالم من عبوديتهم وذهلم ومهانتهم .وعلى الرغم من ذلك ،يؤمنوا مبوسى،
و يؤمنوا كذلك بربه ،وال باألنبياء والرسل الذين جاؤوا بعد موسى ،وال بالكتب السماوية
اليت جاءت بعد التوارة.
وعليه ،يدل مفهوم التوراة على القانون والشريعة .أما الشرو الشفوية اليت قدمت للتوراة
من قبل األحبار واحلاخامات ،فقد مجعت يف كتاب (اكاليود) .ومن مث ،تسمى التوراة
بالعهد القدمي ،ويسمى اإلحيل بالعهد اجلديد .وتتعادل أمهية الكتب املقدسة املدونة
(اكاوارة) مع الشرو والتفسريات اليت يقدمها احلاخامات (اكاليود) .ومن هنا،
فالتلمودعبارة عن شريعة شفوية ،وشرو وتفسريات وتأويالت لقضايا فقهية ومعرفية
وعلمية .وقد ظهرت الحقا كتابات اكقب اله أ اكت ب ال( تلقا اك تي ) اليت سيطرت
على جزء من الفكر الديين اليهودي .ومن باب العلم ،تقام خمتلف عبادات اليهود يف
الكنيس ،ومجعه الكنس.
- 207اآلية التاسعة ،من سورة احلجر ،القرآن الكرمي برواية ورش عن نافع.
148
عالوة على ذلك ،فاليهودية جمموعة من الطوائف ،مثل :اليهودية األرثوذكسية ،واليهودية
اإلصالحية ،واليهودية احملافظة ،والصهيونية...
أما الديانة املسيحية ،فتنسب إىل املسيح؛ مبعىن املختار واملصطفى .وقد نشأت يف أرض
فلسطني .وبعد ذلك ،انتشرت يف بقاع األرض بسرعة ،وخاصة إبان الفكة الرومانية واملرحلة
االستعمارية احلديثة .ويعد اإلمرباطور الروماب قسطنطني أول من اعكف باملسيحية دينا
رمسيا لإلمرباطورية الرومانية يف القرن اخلامس امليالدي ،بعد مرحلة من االضطهاد العنيف
للمسيحيني أينما حلوا وارحتلوا .وقد مسي اإلحيل سذا االسم للداللة على البشارة .أي:
البشارة مبجيء املسيح بعد صلبه يف منظور املسيحيني الغالة .وإن كان املسيح يقتل و
يصلب ،ولكن شبه هلم ،مصداقا لقوله تعاىل ":ود قالوه د صلبوه كتن شبه
"
502
كهم.
وقد تفرقت املسيحية إىل طوائف عدة ،منها :الكاثوليكية ،والربوتستانتية ،واألرثوذكسية،
واألحليكانية ( ...)ecclesia Anglicanaوتؤدى عبادات املسيحيني يف الكنيسة،
ومجعها كنائس.
150
وينتشر اإلسالم يف الشرق األوسط ومشال أفريقيا ،وكذلك يف كثري من مناطق العا ،مثل:
أوروبا ،وأسكاليا ،وآسيا ،وأمريكا الالتينية ،وأمريكا الشمالية.
151
اكيطلب اكث كث :د ـ ن ت اكش ــرق األق ــصح
يعرف الشرق األقصى ديانات عقائدية إهلية كاهلندوسية اليت تعد أقدم هذه الديانات،
وتؤمن بتعدد اآلهلة ،وقد انتشرت بسرعة يف القارة اهلندية .وهناك ديانات أخالقية أخرى
تركز على اجلانب اخللقي والقيمي ،مثل :البوذية ،والكونفوشيوسية ،والطاوية.
تعد اهلندوسية أقدم الديانات املوجودة يف الشرق األقصى منذ ستة آالف سنة مضت.
ويعين هذا أهنا ظهرت منذ القرن اخلامس عشر قبل امليالد .وتسمى أيضا بالربامهية.
والتنسب اهلندوسية إىل شخص مؤسس معني ،فقد تشكلت عرب التاريخ ،وعرب قرون عدة.
وتعد ديانة ( فيدا ) أهم أصوهلا التارخيية.لذا ،تبقى اهلندوسية أقدم ديانة حية إىل يومنا
هذا .وترجع ،يف حفرياهتا األنكوبولوجية ،إىل العصر احلديدي.وما تتميز سا اهلندوسية أن
لكل منطقة أو ظاهرة أو عمل إهلا معينا .ويعين هذا أن اهلندوسية تؤمن بتعدد اآلهلة.
وبالتايل ،فهي ديانة وثنية التؤمن بالرب الواحد كما عند املسلمني .ومبا أن هذه الديانة تربو
على املليار نسمة ،فهي تعد ثالث أكرب ديانة بعد املسيحية واإلسالم .وتتميز هذه الديانة
بنمياهنا بتناسخ األروا ،وانتقال الرو من اإلنسان إىل اإلنسان اآلخر أو احليوان أو
احلشرات .وحترم هذه الديانة أكل اللحوم ،وخاصة حلم البقرة.
وعليه ،تنتشر هذه الديانة يف اهلند والنيبال وجزيرة بايل بأندونيسيا ،وقد انتقلت إىل الربوع
األخرى مع هجرة اهلندوس إىل تلك املناطق (جنوب أفريقيا ،وبريطانيا ،وكندا ،والواليات
املتحدة األمريكية ،وهولندا ،وسورينام ،وجويانا) .ويبلغ عدد اهلندوس 720.361.111
نسمة ،ويشكلون نسبة % 03.2من ساكنة العا .
152
ويف هذا السياق ،يقول أنتوب غدنز ":متثل اهلندوسية أقدم الديانات القائمة حىت اآلن من
الوجهة التارخيية؛ إذ تعود ،يف أصوهلا األوىل ،إىل ستة آالف سنة مضت .وتتميز اهلندوسية
بتعدد اآلهلة ،وبدرجة من التشعب والتنوع يف تفرعاهتا الداخلية دفعت بعض الدارسني إىل
اعتبارها عنقودا من الديانات املتداخلة ال ديانة واحدة .ويؤمن أغلب اهلندوس مببدإ
التناسخ ،وهو االعتقاد أن مجيع الكائنات احلية متثل جانبا من سريورة دائرية أبدية تعرب
مراحل امليالد ،واملوت وامليالد املتجدد .ومن املالمح األخرى اليت تتميز سا على الصعيد
االجتماعي نظام الكاست؛ أي االعتقاد بأن األفراد إمنا يولدون يف شرحية اجتماعية حمددة،
يف نسق اجتماعي وطقوسي معني ،وفقا لطبيعة األنشطة اليت كانوا يقومون سا يف حياة
سابقة .ولكل شرحية طبقية حمددة منظومة من الواجبات والشعائر اليت حيدد أداؤها مصري
الشخص يف احلياة املقبلة.ويتقبل اهلندوس إمكانية التحول واالنتقال بني عدة مذاهب دينية
خمتلفة ،واليضعون خطا فاصال بني املؤمنني وغري املؤمنني.وهناك ما يزيد على 721دليون
هندوسي يعيش أغلبهم يف شبه القارة اهلندية .ومن اخلصائص اليت يتمتع سا اهلندوسي أنه
اليسعى إىل التبشري مبعتقداته الجتذاب اآلخرين إليها على حنو ما يفعل املسيحيون
208
واملسلمون".
وهكذا ،يتبني لنا أن اهلندوسية هي أقدم ديانة بشرية ،وتنتشر يف القارة اهلندية بسرعة،
ويؤمن أتباعها بتناسخ األروا .
تعد الديانة البوذية ديانة أخالقية ،وليست ديانة ألوهية أو عقائدية .مبعىن أهنا فلسفة
أخالقية أكثر مما هي ديانة .وتنسب البوذية إىل غ ت د بودا(بالدال وليس بالذال) الذي
انشق عن تعاليم اهلندوسية ،وثار على احلركة الرهبانية الربامهانية ،واجتهت رسالته األخالقية
إىل العموم.أي :إىل الرجال والنساء ،وإىل كل الطبقات االجتماعية بدون استثناء .ويعين
هذا أن البوذية هي مبثابة تعاليم أخالقية سامية تركها بوذا أو املستنري أو املتيقظ ليتمثلها
عموم الناس.
وترتكز البوذية على أمور ثالثة هي :اإلميان ببوذا املعلم املستنري للعقيدة البوذية ،واإلميان
بدارما أو بتعاليم بوذا وحقائقه ،وتكوين اجملتمع البوذي.
وعدد البوذيني يف العا 330.115.111نسمة ،بنسبة %6من ساكنة العا .
وتنتشر البوذية يف اهلند ،والتبت ،وسرييالنكا ،والصني ،وتايالند ،وكامبوديا ،وبورما،
والالوس ،واليابان ،وكوريا ،ومنغوليا...
ومن املعلوم أن بوذا هو لقب ديين كسده رت جوت د امللقب ببوذا ،وقد ظهر يف فكة زمنية
ما بني 231 – 161ق.م .ويعين لفظ بودا ،كما قلنا سابقا ،املستنري أو املتيقظ أو
العا .ويلقب أيضا بستي دونا ،ومعناه املعتكف .ومثة روايات ختربنا أن بودا عاش حياة
األمراء املكفة يف بلدة على حدود نيبال .وقد زهد يف احلياة ،واتبع حياة التقشف واخللوة
والتصوف واالعتكاف ،متأمال يف احلياة ،بتهذيب النفس هتذيبا قاسيا ،وترويضها على
الصرب واحلكمة ،مع االبتعاد عن الشهوات والرذائل واملوبقات الدنيوية .وكان هدفه األساس
هو إنقاذ اإلنسان من آالمه اليت يكون أساسها االنسياق وراء الشهوات املضنية.لذا ،تبعه
كثري من الناس ،منبهرين بفلسفته األخالقية ،وحكمته التأملية النظرية ،وجتاربه يف رياضة
النفس وتطهريها.
154
وبعد وفاته ،انعقد مؤمتر لتدوين تعاليم بوذا من جهة ،وإزالة اخلالف بني أتباعه ،وكان ذلك
يف قرية راج جراه سنة 238ق.م .ومن أهم الذين كلفوا بتدوين املبادىء البوذية الشفوية
الراهب ك شي ب الذي اهتم باملسائل العقلية؛ وأ كا الذي اهتم بقواعد تطهري النفس
اإلنسانية؛ وأن ندا الذي اهتم جبمع احملاورات واألمثال.
تتوقف املعاناة اإلنسانية بكبح الشهوات ،وقمع النفس الشهوانية والغضبية باالستعانة
بالنريفانا (الصفاء الروحي)؛
مثة طرائق مثانية إليقاف املعاناة اإلنسانية ،وهي :الفهم السوي ،والتفكري السوي،
والقول السوي ،والفعل السوي ،واجلهد السوي ،واالرتزاق السوي ،واالنتباه السوي ،والككيز
السوي .وميكن توزيع هذه الطرائق النبيلة إىل ثالثة أقسام هي :الفضيلة ،واحلكمة ،والتأمل.
وعليه ،تقوم البوذية على ثالثة مرتكزات أساسية هي :بوذا املعلم الزاهد؛ والدارما أو
التعاليم البوذية اليت مجعت يف كتاب السوترا أو ما يسمى أيضا بالنصوص املقدسة؛
والسانغا وهي طائفة من الرهبان والراهبات.
ويف هذا السياق نفسه ،يقول أنتوب غدنز " ،تستمد البوذية مبادءها من تعليمات
سيده رت غوت د ،وهو البوذا (أي املستنري) الذي كان أمريا هندوسيا يف مملكة صغرية إىل
اجلنوب من نيبال يف القرن السادس قبل امليالد .وكان بوذا يرى أن يوسع البشر أن
يتخلصوا من دائرة التناسخ املفرغة عن طريق نبذ شهواهتم.ويتمثل سبل اخلالص يف ضبط
النفس ،والتأمل بعيدا عن مهمات العا اليومية.وهتدف البوذية آخر األمر إىل الوصول إىل
155
مرحلة النرفانا؛ أي الذوبان الروحي الكامل.وقد رفض بوذا الشعائر اهلندوسية والقيود
املشددة اليت يفرضها نظام الشرائح االجتماعية املتصلبة (الكاست).وتتسامح البوذية ،شأهنا
شأن اهلندوسية مع التنوع يف العقائد احمللية ،مبا فيها تعدد اآلهلة.ومتثل البوذية اليوم قوة
رئيسية فاعلة يف كثري من بلدان الشرق األقصى مثل :تايالند؛ وبورما؛ وسريالنكا؛ والصني؛
واليابان؛ وكوريا"221.
وهكذا ،يتبني لنا أن البوذية هي ديانة أخالقية ،مادام هدفها الرئيس هو هتذيب أخالق
الناس وتنقيتها وتطهريها دنيويا وأخرويا.
تعترب الكونفوشيوسية فلسفة أخالقية أكثر مما هي عقيدة دينية ،وتنسب إىل كونفوشيوس؛
احلكيم الصيين األول .ومن مث ،فالكونفوشيوسية هي أخالق وآداب وفضائل وسياسة يف
احلياة واحلكم .ويعين مصطلح الكونفوشيوسية املعلم أو احلكيم.أي :كان كونفوشيوس
معلما يلقن الناس آداب احلكمة والفضائل النبيلة اليت تنبين عليها احلياة احلقيقية .كما أن
الكونفوشيوسية هي مبادىء وتعاليم ومعتقدات فلسفية.وهي كذلك منهاع يف تدبري احلياة
االجتماعية .وقد ظهرت هذه الفلسفة يف الصني .ومن مث ،فهي اليت حتدد طبيعة حياة
الناس ،وطريقة التعامل مع بعضهم البعض داخل النسيج اجملتمعي.
و تكن الكونفوشيوسية عقيدة دينية ،و يكك كونفوشيوس رجال دين ينشرون عقائده
وتعاليمه الفلسفية واألخالقية .ويعين هذا أن الكونفوشيوسية ليست ديانة أو عقيدة ،و
يكن كونفوشيوس يسمي نفسه إهلا.لذلك ،يقدسه الناس ،و يعبدوه .وقد انتقلت
تعاليم كونفوشيوس شفويا.وبعد ذلك ،دونت يف نصوص ومؤلفات وكتب .ومن مث ،يتميز
يمص اكقول ،تلكم نظرة خمتصرة إىل أهم الديانات اليت عرفها العا ،وقد حتدثنا عن
املرحلة البدائية حيث كان اإلنسان مرتبطا مبجموعة من الظواهر والعقائد اخلرافية
158
واألسطورية والغيبية ،مثل :ظاهرة املانا ،وقانون املشاركة ،وظاهرة اإلحيائية ،وظاهرة
الطوطم ،وظاهرة الطابو.
وبعد ذلك ،ظهرت ثالث ديانات مساوية كربى هي :اليهودية ،واملسيحية ،واإلسالم .ومثة
ديانات أخرى جتمع بني الطابعني :األلوهي واألخالقي ،مثل :الكونفوشيوسية ،والبوذية،
واهلندوسية ،والطاوية...
اكيب ث اكث كث :اقـ ــع اكاد ــن ف ــا ع كي ــن اكيي ص ــر
الميكن فهم واقع التدين ،يف عاملنا املعاصر ،إال باالعتماد على اإلحصاءات العلمية
الدقيقة .ولكن هذا ال يتأتى لنا يف غياب أرقام حمايثة صحيحة .ويعين هذا أن املوضوع
الديين والالهويت حساس جدا ،وخاضع حلسابات دينية تبشريية ،وسياسية ،وعرقية،
وإيديولوجية ،وطائفية...ناهيك عن تفسريات وتأويالت تنطلق من قناعات دينية وطائفية
معينة؛ مما يؤثر سلبا يف املوضوعية املبتغاة.
هلذا ،سنعتمد على ما يوجد لدينا من أرقام ومعطيات إحصائية ،أحزت يف مراكز علمية
دولية متخصصة ،وأقسام سوسيولوجية رفيعة املستوى ،وخمتربات فكرية غربية ،ووكاالت
إخبارية عاملية ،على الرغم من طابعها النسيب واإليديولوجي.
با( ،)0.268.525.071بنسبة وعليه ،تعد املسيحية الديانة األوىل يف العا
.%33.2ومن مث ،يبلغ الكاثوليك املسيحيون ( ،)0.105.210.111بنسبة
.%02.7يف حني ،يبلغ عدد الربوتستانت أقل من الكاثوليك مبجموع
( ،)325.370.111بنسبة .%6.8أما عدد األرثودكس الشرقيون واملشرقيون ،فأقل
بكثري من الكاثوليك والربوتستانت مبجموع ( ،)073.261.111بنسبة .%3.0أما
األحليكان (كنائس أسقفية منشقة) ،فهم أقل عددا من هؤالء مبجموع
159
( ،) 72.207.111بنسبة .% 0.0ومثة مسيحيون آخرون الينتمون إىل هذه
الطوائف ،وعددهم ( ،)082.111.071بنسبة .% 3.2
وبعد الديانة املسيحية ،حيضر اإلسالم مبجموع ( ،)0.100.375.111وبنسبة 02.5
.%أما اليهود ،فيبلغ عددهم ( ،) 02.023.111بنسبة .% 1.3
أما عدد غري املتدينني ،فيبلغ عددهم ( ،)805.270.111بنسبة .% 06.0
ويشكل اهلندوس جمموع ( ،) 720.361.111بنسبة .% 03.2يف حني ،يبلغ عدد
البوذيني ( ،)330.115.111بنسبة .% 6.1بينما يبلغ عدد امللحدين
( )505.225.111بنسبة .% 0.3
وييبلغ عدد املقبلني على ديانات الصني الشعبية ( )001.826.111بنسبة .% 5.2
أما أتباع الديانات القبلية ،فعددهم ( ،)88.736.111بنسبة .% 5.2أما عدد
السيخ ،222فهو ( ،)08.223.111بنسبة .% 5.5أما اآلخرون ،فيبلغ عددهم
553
( ،)08.521.111بنسبة .% 0.1
- 222اكسيخي ديانة أكثر اعتداال من اهلندوسية ،مادامت تقوم على التوحيد ،والزواع من امرأة واحدة ،وحترمي
الرهبنة ،والدفاع عن املساواة .وقد بدأت يف مشايل اهلند يف القرن السادس عشر ،بالدعوة التباع تعليمات غورو
ناناك وخلفائه التسعة من الغورو البشر .ويعين لقب غورو باهلندية اكييلم .وتشتق كلمة "سيخية" من كلمة
"سيخ" السنسكريتية ،وتعين التلميذ ،وسبب انتشارها يف العا هو اعتماد اإلحليز على السيخ يف بعض احلروب،
وهجراهتم خارع بالدهم.
223
-Statistical abstract of United States, 1994, p: 855.
160
ويتضح لنا ،من خالل هذه املعطيات ،أن املسيحية هي الديانة األكثر انتشارا يف العا .
ويتبعها اإلسالم يف املرتبة الثانية .يف حني ،تعد الديانة اليهودية ديانة منغلقة على نفسها،
وعدد معتنقيها قليل جدا مقارنة بعدد املسيحيني واملسلمني .ويالحظ كذلك أن عدد غري
املتدينني كبري جدا بنسبة .% 06.0وهي نسبة عالية جدا .وتأيت بعد نسبة املسيحية
واإلسالم مباشرة .ويتبني لنا أيضا أن نسبة اإلحلاد مرتفعة جدا يف العا بنسبة .% 0.3
وتذهب وكالة ر ارز( )Reutersاكي كيي كألنب ء ىكح أن أفر قي قد تصدرت ق ئي
اكين طق اكاا تثر فيه اكياد نون فا اكي كم بييدل ،%28تلاه أدر ت اكمتيني
بييدل ،%20اكي كم اكيربا بييدل ،77%فا اكد ل اإلسمدي بييدل
.%73
علح اكرغم دن هاه اكييطي ت اكنسبي ،يد اإلسمد أكثر اناش را فا اكي كم سنو
بنسب .% 532بيده ،تأتا اكهند سي بنسب ،% 007اكبوم بنسب ،% 63
161
اكيسي ي بنسب ،%07اكيهود بنسب ن قص .%0ينا هاا أن اإلسمد ازا د
بسرع ه ئل بين اكن س فا اكي كم .فا ين ،تاراجع تيرة اإلقب ل علح اكيسي ي
اكيهود علح د سواء.
162
رى اكخبراء أن عدد اكيسليين سيصل ،فا 5131د ،ىكح 5.5دلي ر نسي .
ساتون نسباهم % 56.0دن س كن اكي كم .هاه نسب ع كي .ؤشر هاا علح
ددى تزا د عدد اكيسليين فا اكي كم دن عقد ىكح آير.
ينا هاا كله أن اإلسمد هو د ن اكيساقبل ،اكدكيل علح مكك ددى اناش ره
بسرع فا كل دن طق اكي كم ،ب كضب فا اكق رات اكاا ك نت تناشر فيه اكيسي ي
نفسه .
163
ىما أيان اكنسب اكي ئو كين يابر ن أنفسهم أشخ ص داد نين فا دجيوع دن
بلدان اكي كم د بين 5115 5111د ،فسنجد اكنا ئج اكا كي :222
83 مصر
80 حرييا
22 األردن
25 إيران
25 الواليات املتحدة
21 اهلند
72 تركيا
72 إسبانيا
62 املكسيك
60 روسيا
21 أملانيا
33 السويد
50 اليابان
165
-اإل ي ن ب هلل-
كندا و.م.أ إيطاليا السويد أحلكا أملانيا فرنسا
%82 %83 %82 %62 %38 %38 %77 الشيوخ
%31 %81 %38 %82 %68 الشباب %62 % 10
-اإل ي ن ب كر ح-
كندا و.م.أ إيطاليا السويد أحلكا أملانيا فرنسا
%33 %88 %30 %12 %78 %30 %62 الشيوخ
%30 %88 %78 %61 %61 الشباب %66 % 16
166
-االعاق د بوجود اكشيط ن-
كندا و.م.أ إيطاليا السويد أحلكا أملانيا فرنسا
%27 %68 %23 %02 %81 %21 %26 الشيوخ
%22 %78 %87 %08 %81 الشباب %02 % 03
167
يالحظ ،من خالل هذه املعطيات اإلحصائية ،أن الشيوخ ،يف الدول الغربية السبع ،أكثر
إميانا باهلل من الشباب بنسب عالية .وتعرف السويد وفرنسا ظاهرة اإلحلاد بني الشباب
بنسبة الفتة لالنتباه.
وفيما خيص اإلميان بالرو ،فالشيوخ أكثر إميانا سا مقارنة بالشباب ،باستثناء السويد حيث
الشباب أكثر نسبة من الشيوخ.
أما فيما يتعلق بوجود السماء ،فالشيوخ أكثر إميانا سا من الشباب ،باستثناء الواليات
املتحدة األمركية بفارق بسيط جدا.
أما فيما يتعلق بوجود النار ،فالشيوخ أكثر إميانا سا من الشباب ،باستثناء الواليات املتحدة
األمريكية ،حيث شباسا يؤمنون سا أكثر من الشيوخ.
أما يف ما خيص وجود الشيطان ،فالشيوخ أكثر إميانا به من الشباب ،باستثناء الواليات
املتحدة األمريكية ،حيث شباسا يؤمنون به أكثر من الشيوخ.
أما فيما يتعلق مبدى أمهية اهلل يف حياة اإلنسان ،فالشيوخ أكثر تعلقا باهلل من الشباب .يف
حني ،تعد السويد وبريطانيا وفرنسا وأملانيا من الدول اليت يكثر فيها اإلحلاد بكثرة بني
الشباب .وينطبق هذا احلكم كذلك على حمور جاذبية الدين يف هذه الدول ،باستثناء
إيطاليا اليت ينساق فيها الشباب وراء الدين أكثر من شيوخها.
وفيما خيص حمور أمهية الدين يف حياة اإلنسان ،فنسب الشيوخ أكثر بكثري من نسب
الشباب.
وتأسيسا على ما سبق ،يتبني لنا أن الشيوخ يقبلون على احلياة الدينية أكثر من الشباب،
يف كثري من الدول الغربية املسيحية ،اعتمادا على العينة املوجودة أمامنا ،إال أننا نالحظ أن
ظاهرة اإلحلاد بدأت تزداد بسرعة بني الشباب بنسب عالية ،وخاصة يف السويد ،وفرنسا،
وبريطانيا ،وأملانيا ،وإيطاليا ،وكندا ...ويعين هذا أن الدول الغربية تعاب من الفراغ الروحي،
بسبب الرخاء االقتصادي ،واكتسا املاديات للحياة اليومية ،واالنغماس يف الشهوات،
وانتشار اإلباحية يف خمتلف جماالت احلياة .ومن مث ،فاملسيحية عاجزة عن استقطاب هؤالء
168
الشباب ،وإنقاذهم من مهاوي الرذيلة واإلحلاد والكفر .يف حني ،يعد اإلسالم أكثر انتشارا
بني الشباب والشيوخ على حد سواء ،وإن كان ذلك بنسب متفاوتة من منطقة إىل أخرى.
ومن جهة أخرى ،هناك كثري من القضايا السوسيولوجية املتعلقة مبجال الدين ،مثل :قضية
العلمانية اليت تعين فصل الدين والدولة .وكان السوسيولوجيون األوائل ،أمثال :أوجست
كونت ،ودوركامي ،وماركس ،وفيرب ،وغريهم...يعتقدون أن الدين سينحسر يف املستقبل.
وبالتايل ،ستكون الغلبة للعلم والتكنولوجيا والتجريب .بل ميكن فصل السياسة عن الدين
خلدمة مصلحة اإلنسان بصفة خاصة ،ومصلحة الوطن بصفة عامة .بيد أن هناك من
يعارض هذا الطر ،ويرى أن للدين دورا مهما يف حتريك اجملتمع وتغيريه .ويتمتع بقوة التأثري
يف األفراد واجلماعات.
وبناء على ما سبق ،يالحظ أن اإليطاليني أكثر إقباال على دور العبادة مقارنة بالربيطانيني
والفرنسيني وسكان أوروبا الوسطى .وإذا كانت مؤسسات الدين يف أوروبا هلا أمهية يف
املاضي ،فلم تعد هلا -اليوم -تلك األمهية أو القيمة االجتماعية والسياسية.
و" يتجسد البعد الثالث للعلمنة يف التزام الناس مبنظومة من من العقائد والقيم؛ أي ما
يسمى ظاهرة التدين.ومن الواضح أن مستويات املشاركة يف شعائر العبادة أو اآلثار
االجتماعية للمؤسسة الدينية التعرب بالضرورة عن العقائد واملثل العليا اليت يتمسك سا
الناس .فكثري ممن يعتنقون مبادىء دينية معينة اليشاركون بالفعل يف اخلدمات ،والشعائر،
واالحتفاالت الدينية.كما أن املشاركة الفعلية التعين بالضرورة عمق إمياهنم سذه املبادىء؛
نظرا ألن مثل هذه املشاركة قد تتخذ طابع املمارسات االجتماعية أو العائلية ورمبا
226
السياسية".
وإىل جانب العلمانية ،ظهر ما يسمى بالصراع الديين بني اإلسالم واملسيحية ،ضمن ما
يسمى بصراع احلضارات ،كما يبدو جليا يف كتاب(صداد اك ض رات) لصمويل
- 227صمويل هنتغتون :صداد اك ض رات ىع دة بن ء اكنظ د اكي كيا ،ترمجة :مالك عبيد أبو شهيوة وحممود
حممد خلف ،الدار اجلماهريية مصراتة ،ليبيا ،الطبعة األوىل سنة 0888م.
170
الدول الغربية إىل تطبيق العلمانية بفصل الدين عن الدولة؛ مما جعل املؤسسة الدينية
المكانة هلا يف اجملتمع ،بل تراجع نفوذها بني الناس بصفة عامة.
بيد أن العا اإلسالمي أكثر تدينا شيوخا وشبابا مقارنة بالعا الغريب املسيحي ،ونسبة
الردة فيه ضئيلة جدا مقارنة بظاهرة اإلحلاد اليت تزداد بسرعة يف الدول الغربية ،والسيما
الربوتستاتية منها.فضال عن ذلك أن املستقبل لإلسالم حسب املعطيات اإلحصائية
االستشرافية واإلسكاتيجية ،والدليل على ذلك انتشاره اجلغرايف املتزايد من جهة ،ومنوه
الدميغرايف السريع من جهة أخرى.
ومن ناحية أخرى ،فقد عرف العا جمموعة من الظواهر الدينية الشاذة والالفتة لالنتباه إىل
جانب العلمانية ،كظاهرة الصراع احلضاري بني الشرق والغرب ،أو الصراع احملتدم بني
املسيحية واإلسالم .كما ازداد التطرف واإلرهاب عنفا وقسوة وخرابا ودمارا ،واحتد الصراع
بني األديان الكربى والعقائد الصغرى(اإلسالم والبوذية مثال) ،ناهيك عن اضطهاد
األقليات الدينية .والننسى كذلك الصراع الطائفي املختلق (الشيعة والسنة مثال) ،وظهور
اإلسالم السياسي من جهة ،واإلسالم " السياسوي" من جهة أخرى ،وانبثاق اجلماعات أو
احلركات أو األحزاب اإلسالمية املهادنة للدولة ،أو املعادية هلا ،أو املتحالفة معها.
171
اكيب ث اكرابــع :اكاص ــور اكنظ ــري
الميكن فهم سوسيولوجيا األديان -اليت تعىن بدراسة الديانات والعقائد والطقوس
واالحتفاالت الدينية واألنساق األخالقية كما وكيفا -إال بالتوقف عند بعض التصورات
النظرية والفكرية واإليديولوجية ،كما يتضح ذلك جليا عند كل من :ابن خلدون ،وأوغست
كونت ،وكارل ماركس ،وفريدريك أحلز ،وإميل دوركامي ،وماكس فيرب ،ومارسيل موس،
وروبرت بيال ،وطالل أسد... ،
واهلدف من هذا كله هو معرفة خمتلف النظريات االجتماعية اليت عاجلت ظاهرة األديان يف
عالقتها باجملتمع تأثرا وتأثريا ،وفق املقاربة السوسيولوجية ،مع االستفادة -طبعا -من
التصورات الفلسفية والنفسية والتارخيية واإلحصائية املعطاة من جهة أخرى.
إذا ،ما أهم هذه املنظورات السوسيولوجية جتاه الدين ،سواء أكانت كالسيكية أم معاصرةا
وما خلفياهتا اإليديولوجيةا هذا ماسوف نتعرف إليه يف املطالب التالية:
يعترب ابن خلدون املؤسس الفعلي لعلم االجتماع ،وقد ناقش جمموعة من احملاور اليت تندرع
ضمن علم االجتماع العام ،مثل :السياسة ،واملورفولوجيا ،والكبية ،وعلم االجتماع
احلضري ،وعلم االجتماع القروي .كما قدم ابن خلدون بعض التصورات حول اجلوانب
الدينية ،كما يبدو ذلك جليا يف نصنا هذا:
" مث إن هذا االجتماع إذا حصل للبشر كما قررناه وع عمران العا سم فال بد من وازع
يدفع بعضهم عن بعض ملا يف طباعهم احليوانية من العدوان والظلم وليست السال اليت
جعلت دافعة لعدوان احليوانات العجم عنهم كافية يف دفع العدوان عنهم ألهنا موجودة
172
جلميعهم فال بد من شيء آخر يدفع عدوان بعضهم عن بعض .وال يكون من غريهم
لقصور مجيع احليوانات عن مداركهم وإهلاماهتم فيكون ذلك الوازع واحدا منهم يكون له
عليهم الغلبة والسلطان واليد القاهرة حىت ال يصل أحد إىل غريه بعدوان وهذا هو معىن
امللك وقد تبني لك سذا أن لإلنسان خاصة طبيعية وال بد هلم منها وقد يوجد يف بعض
احليوانات العجم على ما ذكره احلكماء كما يف النحل واجلراد ملا استقرىء فيها من احلكم
واالنقياد واالتباع لرئيس من أشخاصها متميز عنهم يف خلقه وجثمانه إال أن ذلك موجود
لغري اإلنسان مبقتضى الفطرة واهلداية ال مبقتضى الفكرة والسياسة أعطى كل شيء خلقه مث
هدى وتزيد الفالسفة على هذا الربهان حيث حياولون إثبات النبوة بالدليل العقلي! وأهنا
خاصة طبيعية لإلنسان فيقررون هذا الربهان إىل غاية وأنه ال بد للبشر من احلكم الوازع مث
يقولون بعد ذلك وذلك احلكم يكون بشرع مفروض من عند اهلل يأيت به واحد من البشر
وأنه ال بد أن يكون متميزا عنهم مبا يودع اهلل فيه يف خواص هدايته ليقع التسليم له والقبول
منه حىت يتم احلكم فيهم وعليهم من غري إنكار وال تزيف وهذه القضية للحكماء غري
برهانية كما تراه إذ الوجود وحياة البشر قد تتم من دون ذلك مبا يفرضه احلاكم لنفسه أو
بالعصبية اليت يقتدر سا على قهرهم ومحلهم على جادته فأهل الكتاب واملتبعون لألنبياء
قليلون بالنسبة إىل اجملوس الذين ليس هلم كتاب فنهنم أكثر أهل العا ومع ذلك فقد
كانت هلم الدول واآلثار فضال عن احلياة وكذلك هي هلم هلذا العهد يف األقاليم املنحرفة يف
الشمال واجلنوب خبالف حياة البشر فوضى دون وازع هلم البتة فننه ميتنع وسذا يتبني لك
غلطهم يف وجوب النبوات وأنه ليس بعقلي وإمنا مدركه الشرع كما هو مذهب السلف من
األمة واهلل ويل التوفيق واهلداية".223
يتبني لنا ،من خالل هذا النص ،أن ابن خلدون قد قرر حقيقة أساسية أال وهي أن العمران
البشري قائم على االجتماع ،وأن اإلنسان حيوان مدب بالطبع .ومن مث ،يتقوى االجتماع
أكثر باحلكم والسياسة وامللك والعصبية والدين والنبوة .ومن هنا ،يتخذ االجتماع العمراب
- 223ابن خلدون :دقدد ابن يلد ن ،دار ابن اهليثم ،القاهرة ،مصر ،الطبعة األوىل سنة 2111م ،ص.81:
173
مظهرين متكاملني :مظهرا سياسيا ،ومظهرا دينيا .وقد بني ابن خلدون أمهية الوازع الديين
يف إبعاد العدوان عن البشر ،وحتقيق التجمع املدب .وأثبت أن النبوة شرط ضروري لتحقيق
اهلداية ،وتثبيت الوازع الديين يف نفوس البشر.إال أن هذه النبوة التدرك باالستدالل العقالب
أو الربهان املنطقي كما يقول الفالسفة ،بل تدرك بالنص أو الشرع كما يقول أهل السلف.
ومن هنا ،فقليل من أهل الكتاب ومن الناس من يتبع األنبياء.أما اجملوس؛ وهم أكثر الناس
يف هذا العا ،وبالضبط يف فكة ابن خلدون ،والذين كانوا يسكنون الشمال واجلنوب،
فنهنم بدون كتاب ديين ،وال علم هلم باألنبياء ،وحياهتم فوضى ،ودون وازع ديين .وعلى
الرغم من ذلك ،فلهم شأن كبري يف احلياة الدنيا ،فقد خلفوا دوال ،وتركوا آثارا .وهذا دليل
قاطع على أن النبوة التدرك بالعقل ،بل تدرك بالنص ،وإال ألدركها اجملوس بعقوهلم
وأذهاهنم واستدالالهتم املنطقية واالستقرائية.
اكيطلب اكث نا :أ جست كونت اكثورة علح اكفتر اكمهوتا
يعد أوجست كونت( )Auguste Comteمن أهم السوسيولوجيني الذين تبنوا منهج
التفسري يف دراسة الظواهر السوسيولوجية ،وفق أربعة إجراءات أساسية هي :املالحظة،
والتجربة ،واملقارنة ،واملنهج التارخيي ،مستلهما آليات الكيمياء والفيزيولوجيا.ومن جهة
أخرى ،يعترب كونت من رواد الوضعية ( )Positivismeالذين أسسوا علم االجتماع
على أسس علمية جتريبية .ويعرف كذلك بوضع قانون املراحل الثالث الذي يتمثل فيما
يلي:
ق ـ نون اكير ل ـ اكد ني ـ أ اكمهوتي ـ :كااان اإلنسااان ،يف هااذه املرحلااة ،يفكاار بطريقااة
خيالية ،وإحيائية ،وأسطورية ،وخرافية ،وسحرية ،وغيبية ،ودينية؛ وكان يفسار ظاواهر الطبيعاة
174
وف ااق ق ااوى خفي ااة مص اادرها األروا ،والش ااياطني ،والعفاري اات ،واآلهل ااة .و يك اان هن اااك أدىن
اعكاف باحلتمية التجريبية أو العلمية ،فالقانون الوحيد هو الصدفة فقط.
اكير ل ـ ـ اكييا فيز قي ـ ـ :انتقا اال اإلنسا ااان ،يف ها ااذه املرحلا ااة ،ما اان امليتا ااوس واخليا ااال إىل
اللوغ ا ااوس والفك ا اار اجمل ا اارد .وب ا اادأ يهت ا اادي بالتأم ا اال الفلس ا اافي ،واس ا ااتخدام العق ا اال واملنط ا ااق،
واالستدالل الربهاب ،واحلجاع اجلديل .وتواكب هذه املرحلة الفكر الفلسفي امليتاافيزيقي مان
مرحلاة الفلسافة اليونانياة حاىت القارن التاسااع عشار؛ قارن التجرياب واالختباار والوضاعية .وكااان
الفالسفة يرجعون الطبيعة إىل أصول ومبادىء كامنة يف تلك الظاواهر ،كتفساري ظااهرة النماو
يف النبات إىل قوة النماء ،وظاهرة االحكاق بنله النار...
اكير ل اكوضيي :يف هذه املرحلة ،جتاوز العقل اإلنساب مرحلة اخليال والتجرياد ،وبلاغ
درجااة كباارية ماان الااوعي العلمااي ،والنضااج التج ارييب .إذ أصاابح التجريااب أو التفسااري ماانهج
البحا ااث العلما ااي احلقيقا ااي ،مث االرتكا ااان إىل املعرفا ااة احلسا ااية العيانيا ااة ،وتك ا ارار االختبا ااارات
التجريبيااة ،وربااط املتغ اريات املسااتقلة باااملتغريات التابعااة ربطااا سااببيا ،يف ضااوء مباادإ احلتميااة أو
اجلربيااة العلميااة .وتعااد هااذه املرحلااة أفضاال مرحلااة عنااد أوجساات كوناات ،وهااي هنايااة تاااريخ
البشرية.
وتوافااق كاال مرحلااة ماان هااذه املراحاال تطااور اإلنسااان ماان الطفولااة حااىت الرجولااة؛ إذ تتوافااق
املرحلااة الالهوتيااة مااع مرحلااة النشااأة والطفولااة؛ وتتماثاال مرحلااة امليتافيزيقااا مااع مرحلااة الشااباب
واملراهقة؛ وتتطابق مرحلة الوضعية مع مرحلة النضج والرجولة واالكتمال.
وتبق ااى ه ااذه الص ااريورة التارخيي ااة ص ااريورة نس اابية وإيديولوجي ااة؛ ألن مجي ااع املراح اال واجملتمع ااات
اإلنسانية قد أخذت سذه األمنااط التفكريياة الثالثاة حاىت لادى الشاعوب القدمياة .وإذا أخاذنا
الفكر العريب يف العصار الوسايط ،فنجاد اهتماماا كباريا باالفكر الوضاعي التجارييب .ويف الوقات
نفسه ،كان الفكر الالهويت وامليتافيزيقي ساائدين ومتجااورين يف اجملتماع جنباا إىل جناب .مث،
الميكاان للفكاار أن يتوقااف يف حلظااة معينااة ،كتوقااف التاااريخ عنااد فوكويامااا ،أو توقااف اجملتمااع
البشااري عنااد كااارل ماااركس بوص اوله إىل املرحلااة الشاايوعية .وماان جهااة أخاارى ،فقااد سااامهت
175
الوضعية العقالنية يف ظهور فلسفات غري وضعية وغري عقالنية ،مثل :السريالية ،والفرويدياة،
والوجودية ،والتأويلية ،والذاتية...
ولكاان مااا يهمنااا يف هااذا الطاار هااو ثااورة أوغساات كوناات علااى الاادين أو الالهااوت ،علااى
أس اااس أن التفك ااري ال ااديين تفك ااري أس ااطوري وخا ارايف وغييب.وينبغ ااي جت اااوزه إىل م اااهو علم ااي
ووضااعي وجت ارييب .وهااذا دلياال علااى إنكااار كوناات للحياااة الدينيااة والعقائديااة عنااد اإلنسااان،
واستبداهلا باحلياة العلمية الوضعية القائمة على التجريب واملالحظة واالستقراء العلمي.
ويف هذا الصدد ،يقول حممد حممد أمزيان ":إن نقطة االنطالق يف التفكاري االجتمااعي عناد
كونت تكمن يف العقدة نفسها اليت وجهت املانهج الوضاعي عناد ساابقيه ،تلاك العقادة الايت
تكماان يف ضاارورة تنحيااة التفكااري الااديين الااذي مااازال ي ازاحم التفكااري العلمااي املمتااد إىل كاال
اجمل اااالت الطبيعي ااة واإلنس ااانية.لقد رأى كون اات أن ت ا ازامن ه ااذين النظ ااامني ه ااو أس اااس ك اال
اض ااطراب ،وليس اات حال ااة الفوض ااى االجتماعي ااة س ااوى انعك اااس هل ااذا النظ ااام ،وبتعب ااري ليف ااي
با ا اارول ":يرجا ا ااع السا ا اابب يف كا ا اال اضا ا ااطراب يف نظا ا اار كونا ا اات إىل االضا ا ااطراب العقلي.أما ا ااا
االضااطرابات األخاارى ،فليساات إال أعراضااا ،ذلااك أنااه تعااد العقااول تعااكف بوجااود نظااام
عام ،وقد عد الفرد نفسه حكما يف كل شيء يف الفلسفة واألخالق والسياسة والدين ،وهاو
يزعم أنه الخيضع إال لنفسه.وهذا التمزق يف العقول هو الاذي يطلاق علياه كونات اسام حالاة
الفوض ااى العقلي ااة" .إن حال ااة الفوض ااى العقلي ااة ه ااذه كان اات نتيج ااة طبيعي ااة للتح ااول الثق ااايف
املعاش.فقد كان الدين يقدم تصورا شامال تتوحد حتته كل العقاول ،وماع اهنياار النظاام الاديين
تالشات تلاك الوحادة النفسااية والعقلياة ،و يعاد يوجاد مقياااس موحاد يشاكل جمموعاة قواعااد
عامة خيضع هلا الناس يف طريقة تفكريهم ،وحتديد أخالقياهتم.ومع انعدام هذه الوحادة ،فاتح
الباااب علااى مصاراعيه أمااام املااذاهب الفلساافية ،وطغاات النزعااات الذاتيااة الاايت تشاابعت بااالرو
امليتافيزيقي ااة إىل جان ااب امت ااداد التفك ااري ال ااديين.وهل ااذا ،اعتق ااد كون اات ب ااأن مهمت ااه س ااتكون
مضاااعفة ،فماان جهااة عليااه أن حيااارب النظااام الالهااويت وامليتااافيزيقي معااا ،وماان جهااة أخاارى
176
عليااه أن يضااع البااديل الوضااعي "العلمااي" ،فنشااأت عنااده قناعااة بااأن مهمتااه مهمااة إصااالحية
228
أساسها إزالة هذا االضطراب ،وإعادة بناء نظام عام للتفكري".
وهكااذا ،يتضااح لنااا أن أوجساات كوناات بااىن سوساايولوجيته الوضااعية علااى أنقاااض الفك ارين:
الالهويت وامليتافيزيقي ،ببناء عا وضعي مادي ،أساسه العلم واملنطق والتجريب.
-حممد حممد أمزيان :دنهج اكب ث االجاي عا بين اكوضيي اكييي ر ،منشورات املعهد العاملي للفكر 228
اإلسالمي ،فريجينيا ،الواليات املتحدة األمريكية ،الطبعة األوىل سنة 0880م ،ص.21-22:
230
-Émile Durkheim: Le Suicide: Étude de sociologie, Paris, Presses
universitaires de France, coll. « Quadrige » (no 19), 1981, 463 p.
177
موضوعية ،كما يبدو ذلك جليا يف كتابه ( اكصور األ كي كل ي ة اكد نيـ ) الاذي ظهار سانة
0802م.280
و" الي ا اربط دورك ااامي ال اادين بالتف اااوت االجتم اااعي أو الس االطة ،ب اال ي اادرس عالقت ااه بطبيع ااة
املرؤسس ااات اجملتمعي ااة.ويرتكز عمل ااه عل ااى دراس ااة الطوطمي ااة ال اايت ميارس ااها س ااكان أسا اكاليا
األصليون باعتبارها متثل األشكال األولية للدين .فالطوطم حيوان أو نبات جيسد قيمة رمزية
للجماع ااة وحيظ ااى ب اااإلجالل واالحا اكام؛ ألن ل ااه طابع ااا مقدس ااا تتبل ااور حول ااه منظوم ااة م اان
األنشااطة الطقوسااية املتنوعااة.ويعرف دوركااامي الاادين عاان طريااق الفصاال بااني ماااهو مقاادس ماان
جه ااة ،وامل اادنس م اان جه ااة أخرى.ويتعام اال الن اااس م ااع األش ااياء والرم ااوز املقدس ااة مبع اازل ع اان
جوان ااب احلي اااة الروتيني ااة اليومي ااة ال اايت ت اادخل يف ب اااب امل اادنس.وحيظر يف ه ااذه احلال ااة أك اال
الطوطم من احليوان أو النباات إال يف مناسابات احتفالياة معيناة.كما أن النااس يسابغون علاى
الطااوطم خصااائص إهليااة متياازه عاان أن اواع احلي اوان األخاارى الاايت ميكاان اصااطيادها أو احملاصاايل
األخرى اليت ميكن التقاطها واستهالكها.
أمااا ساابب اعتبااار الطااوطم مقدسااا؛ فريجااع إىل أنااه ميثاال رم ازا للجماعااة نفسااها ،فهااو جيسااد
القاايم احملوريااة يف حياااة اجلماعااة أو اجملتمع.وليساات مشاااعر اإلجااالل واإلكبااار الاايت حيملهااا
أف اراد اجلماع ااة إزاء الط ااوطم إال تعب اريا ع اان اح اكامهم للق اايم االجتماعي ااة األساس ااية الس ااائدة
بينهم .إن موضاوع العباادة يف نظار دوركاامي هاو اجملتماع نفساه الاذي يساعى إىل أن يؤكاد ذاتاه
بذاته ،ويرسخ شرعيته وقيمه .من هنا ،فنن اآلهلة هي صاورة للمجتماع ،ولايس اجملتماع صاورة
لآلهلااة.ويشاادد دوركااامي علااى أن الااديانات التنحصاار يف املعتقاادات فحسااب ،باال تتجاوزهااا
لتش اامل جمموع ااة م اان األنش ااطة الطقوس ااية االحتفالي ااة الدوري ااة ال اايت يتجم ااع فيه ااا املؤمن ااون،
يعد كارل ماركس من أهم الفالسفة وعلماء االجتماع الذين أعطوا األمهية الكربى ملاهو
مادي واقتصادي يف تغيري العا ،بدل تفسريه وفهمه وتأويله .ومن مث ،فالبىن الفوقية من
فكر ،وأدب ،وفن ،ودين ،وإعالم ،وإيديولوجيا...تتحكم فيها البىن السفلى أو التحتية.
مبعىن أن الدين نتاع للصراع الطبقي ،والتفاوت االجتماعي ،وهو مظهر من مظاهر الصراع
حول السلطة .ومن هنا ،فالدين عبارة عن إيديولوجيا ،ووهم زائف ،واستالب للناس،
وممارسة اغكابية ،وعنف رمزي؛ مما دفع كارل ماركس إىل القول ":ىن اكد ن أفيون
اكشيوإ ".مبعىن أن الدين سال ذو حدين :يهدم ويبين يف الوقت نفسه .أي :ميكن أن
يكون الدين أداة للتطور والتقدم واالزدهار ،ووسيلة لتحقيق التنمية املستدامة ،وسال
للتحرر والتحرير ،ومنهج إجرائي للوقوف يف وجه الظلم والعبودية واالستبداد.
ولكن ميكن أن يوظف الدين توظيفا سلبيا الستغالل اإلنسان ،وجتهيله ،وتغريبه .ومن مث،
يصبح أداة للسيطرة واالستعباد واالستغالل البشع .وبالتايل ،يكون سببا يف شقاء اإلنسان
وبؤسه وتعاسته ،ويكون مسؤوال عن ضياعه واغكابه وختديره .وقد قامت الكنيسة املسيحية،
يف العصور الوسطى ،بدور سليب ،فقد كانت أداة البتزاز الناس واستالسم واستغالهلم،
والسيطرة على عقوهلم ،وسرقة أمواهلم ،وهنب ثرواهتم وممتلكاهتم .بل وقفت موقفا سيئا من
العلم والتقنية وحرية التفكري.
ومازال الدين ،إىل يومنا هذا ،ميارس هذه الوظيفة نفسها ،وخاصة الدين الطرقي أو دين
الزوايا أو الدين الذي يقدمه فقهاء السلطان على مقاس احلاكم؛ ذلك الدين الذي يتحول
إىل إيديولوجيا لتكريس التفاوت الطبقي من جهة ،وتثبيت سلطة الفئة احلاكمة ومناصرهتا
على ما تقوم به من أفعال شرعية وغري شرعية.
ولقد تأثر ماركس كثريا بأفكار الفيلسوف األملاب فيورباخ الذي ثار على الالهوت والفكر
الديين ،واستمد منه مصطلح االستالب أو االغكاب .ويف هذا ،يقول أنتوب غدنز ":إن
184
ماركس ،على الرغم من األثر الكبري الذي تركه يف هذا امليدان ،يدرس الدين حبد ذاته
بصورة تفصيلية ،بل استقى أكثر أفكاره حول هذا املوضوع من كتابات عدد من الفالسفة
واملفكرين يف القرن التاسع عشر.وكان من هؤالء لودفيغ فيورباخ ( )Feuerbachالذي
وضع كتابه الشهري املسمى (جوهر اكيسي ي )221؛ وطبع للمرة األوىل عام
.0320ويتكون الدين يف نظر فيورباخ من أفكار وقيم أنتجها البشر اليعرفون مصريهم متام
املعرفة ،فننه ينسبون إىل أنشطة اآلهلة ما سبق هلم أن أنتجوه يف جمتمعاهتم من قيم ومعايري.
من هنا ،فنن قصة الوصايا العشر اليت أنزهلا اهلل على موسى هي جمرد نسخة أسطورية
ألصول املبادىء األخالقية اليت كانت يف حياة اليهود القدماء مث املسيحيني.ويضيف
فيورباخ أنه طاملا ظل البشر عاجزين عن فهم الرموز الدينية اليت ابتدعوها ،فنهنم سيظلون
أسرى لقوى التاريخ اليت اليستطيعون التحكم فيها.ويستخدم فيورباخ مصطلح االستالب
أو االغكاب للداللة على خلق آهلة أو قوى إهلية متميزة عن البشر.ذلك أن القيم واألفكار
اإلنسانية تعزى يف هذه احلالة إىل كائنات غريبة ومستقلة.وقد ترك التغرب يف املاضي آثارا
سلبية ،غري أن فهم الناس للدين باعتباره اغكابا أو استالبا من شأنه أن يفتح أبواب األمل
يف املستقبل .وحاملا يتبني البشر أن القيم اليت يرجعوهنا إىل الدين إمنا هي إرجاؤها إىل احلياة
األخرى.وميكن البشر آنذاك أن يكتسبوا القوى اليت ينسبها املسيحيون إىل اهلل .فاحملبة
واخلري والقدرة على التحكم يف حياتنا موجودة ،كما يرى فيورباخ يف املؤسسات
220
االجتماعية ،وقد تؤيت مثارها حاملا ندرك ونتفهم طبيعتها احلقيقية" .
ويعد الدين عند ماركس وسيلة لالستغالل واالستعباد ،وأداة لنهب حقوق األفراد
واغتصاسا.كما يعد آلية للتخدير والتكليس واالستالب ،على الرغم من أمهية الدين يف زرع
240
- Feuerbach Ludwig: The essence of Christianity,Harper and
Row,New York,Firest pub.1841/1957.
- 220أنتوب غدنز :نفيسه ،ص.178:
185
األمل يف نفوس الناس دنيويا وأخرويا ،إال أن اآلخرين يستخدمونه للحفاظ على مصاحلهم
غري املشروعة ،والتمتع باملنافع الطبقية ،واالستحواذ على السلطة.
وهكذا ،يتفق ماركس " مع الفكرة القائلة :إن الدين ميثل حالة من االغكاب
اإلنساب.ويشيع االعتقاد -يف أغلب األحيان -أن ماركس كان يطالب بنبذ الدين
واستئصاله ،غري أن مثل هذا االعتقاد جيانب الصواب.فالدين ،يف نظره هو مبثابة القلب يف
عا القلب له ،وهو املالذ من قسوة الواقع اليومي .ويرى ماركس أن الدين بشكله
التقليدي سوف خيتفي ،بل البد من أن خيتفي؛ نظرا إىل أن القيم اإلجيابية اليت ميثلها الدين
قد تكون منوذجا هاديا لتحسني األوضاع البشرية على هذه األرض ،وليس ألن هذه املثل
والقيم العليا مغلوطة حبد ذاهتا.وعلينا ،يف نظر ماركس ،أالخنشى اآلهلة اليت صنعناها
بأنفسنا ،وأال نضفي عليها املثل والقيم العليا اليت ميكن البشر أنفسهم أن حيققوها.وأعلن
ماركس يف إحدى عباراته الشهرية أن الدين هو " أفيون الشعوب".فالدين يرجىء السعادة
واجلزاء إىل احلياة األخرى ،ويدعو الناس إىل القناعة والرضا بأوضاعهم يف هذه
احلياة.ويؤدي ذلك إىل صرف االنتباه عن املظا ووجوه التفاوت والالمساواة يف العا ،
وإهلاء الناس مبا ميكن أن يكون من نصيبهم يف عا اآلخرة .وينطوي الدين ،على مايرى
ماركس ،على عنصر إيديولوجي قوي :إذ إن املعتقدات والقيم الدينية تستخدم ،يف أكثر
األحيان ،لتربير جوانب الالمساواة يف جماالت الثروة والسلطة .إن عبارة مثل "الضعفاء
222
سريثون األرض" ،على سبيل املثال ،حتمل معىن اخلنوع ،وعدم التصدي للقمع".
وبناء على ما سبق " ،جيانب ماركس الصواب يف اعتقاده بأن للدين بعدا إديولوجيا خيدم
مصاحل الفئات احلاكمة ،ويربر سلوكها على حساب اآلخرين؛ وحيفل التاريخ مبئات من
الشواهد الصارخة على ذلك.ولنأخذ ،على سبيل املثال ،أثر املسيحية يف احلمالت
االستعمارية األوروبية إلخضاع الثقافات واحلضارات األخرى والسيطرة عليهما.ورمبا كان
املبشرون صادقني يف حماوالهتم الجتذاب الوثنيني ،واستمالتهم للمسيحية ،غري أن أنشطتهم
يعاد ماااكس فياارب ماان السااباقني إىل تأساايس سوسايولوجيا األديااان ،فقااد ركااز علااى الاكابط بااني
ال اادين والتغ ااري االجتم اااعي ،بدراس ااة الربوتس ااتانتية والكاثوليكي ااة واليهودي ااة والكونفوشيوس ااية
والفارس ا ااية واهلندوس ا ااية والطاوي ا ااة واإلس ا ااالم ".كم ا ااا أن في ا اارب يع ا ااارض املوق ا ااف ال ا ااذي اخت ا ااذه
ماااركس.إذ ياارى أن الاادين الميثاال بالضاارورة قااوة حمافظااة ،باال إن بعااض احلركااات والتوجهااات
الدينيا ااة الا اايت تس ااتلهم جانبا ااا م اان تع اااليم ال اادين قا ااد أحا اادثت حتا ااوالت اجتماعي ااة مثا اارية يف
اجملتمعااات الغربية.فقااد كاناات الربوتسااتانتية ،والساايما االجتاااه التطهااري البيوريتاااب منهااا ،املنبااع
األساسااي للنظاارة الرأمساليااة يف اجملتمعااات الغربيااة احلديثااة ،وكااان أوائاال املبااادرين باملشااروعات
التجاري ااة م اان أتب اااع ال اازعيم الربوتس ااتانيت كالفن.وك ااانوا يف ان اادفاعهم لتحقي ااق النج ااا ال ااذي
189
ويف النهاية ،فنن الفروق األكثر أمهية – مثل تلك القائمة بني الكالفينية واللوثرية -هي على
وجه اخلصوص حمددة بتأثر الظروف السياسية.
إن إحدى العناصر األساسية للرو الرأمسالية احلديثة ،وليس فقط هلاته بل للحضاارة احلديثاة
ذاهتا ااا أي السا االوك العقا ااالب القا ااائم علا ااى فكا اارة الشا ااغل كرسا ااالة قا ااد تولا ااد ما اان رو الزها ااد
226
املسيحي ،وهو ماحاول عرضنا هذا توضيحه".
أما فيما خيص الديانات الشرقية ،وخاصة اإلسالم ،فقد اعتربها ديانات العقالنياة ،تساودها
أفك ا ااار خرافي ا ااة وس ا ااحرية معادي ا ااة للعق ا اال واللوغ ا ااوس واملنطق.ول ا ااذلك ،تتط ا ااور األوض ا اااع
االقتصادية يف البلدان اليت تنتشر فيها هذه الديانات؛ نظرا الفتقادها -كما يزعم فيرب -إىل
العقالنية يف التخطيط والتدبري والتنظيم والتفكري ".واعترب فيرب دراساته ألدياان العاا مشاروعا
واحاادا متكامال.كمااا أن مناقشااته آلثااار الربوتسااتانتية يف التنميااة يف الغاارب كاناات متثاال جانبااا
واحاادا ماان حماوالتااه فهاام آثااار الاادين يف احلياااة االجتماعيااة واالقتصااادية يف سااياقات ثقافيااة
متنوعااة.وخلااص فياارب ماان حتليلااه لألديااان الشاارقية إىل القااول :إهنااا كاناات تنطااوي علااى حاواجز
عاليااة حتااول دون تنميااة الرأمساليااة الصااناعية الاايت شااهدها الغاارب.واليعين ذلااك أن احلضااارات
غري الغربية كانت متخلفة باأي وجاه مان الوجاوه ،بال يعاين ببسااطة أهناا حتمال منظوماات مان
القيم ختتلف عن تلك اليت كانت سائدة يف أوروبا.
ويش ااري في اارب إىل أن احلض ااارات التقليدي ااة يف الص ااني واهلن ااد ش ااهدت ،يف مراح اال معين ااة م اان
تارخيهااا ،مسااتويات عاليااة ماان النمااو يف جماااالت التجااارة والتصاانيع وانتشااار املراكااز احلضااارية.
غري أهنا تسفر عن إحداث أمناط من التغري االجتماعي اجلذري الذي نشاأت يف أحضاانه
الرأمساليااة الصااناعية يف الغاارب .لقااد عملاات الااديانات اآلساايوية الشاارقية علااى ىبط ـ ء عجل ـ
اكاغييــر.وياارى فياارب أن اهلندوسااية ،علااى ساابيل املثااال ،متثاال دياان العااا اآلخاار .أي :إن القاايم
العليا فيها تؤكد على ضرورة اهلروب من متاعب العا املادي ،والتحليق إىل مستويات عالياة
- 226ماكس فيرب :األيمق اكبر تسا ناي ر ح اكرأسي كي ،ترمجة:حممد علي مقلد وجورع أيب صاحل ،مركز
اإلمناء القومي ،بريوت ،لبنان ،الطبعة األوىل سنة 0881م ،ص.027-022:
190
ماان الوجااود الروحااي .كمااا أن املشاااعر والاادوافع اهلندوسااية التركااز علااى ضاارورة تشااكيل العااا
املااادي أو الساايطرة عليااه ،باال تعتاارب الواقااع املااادي حجابااا يسااك اهلمااوم احلقيقيااة الاايت ينبغااي
للبش ا ارية أن تتوجا ااه إليها ااا .وباملثا اال دعا اات الكونفوشيوسا ااية أيضا ااا إىل العا اازوف عا اان التنميا ااة
االقتصااادية كمااا يفهمهااا الغرب.وشااددت علااى ضاارورة االنسااجام مااع العااا ال إىل السااعي
النشط للسيطرة عليه .وعلى الارغم مان أن الصاني كانات متثال لعهاود طويلاة احلضاارة األقاوى
واألغااىن ثقافااة يف العااا ،إال أن القاايم الدينيااة املهيمنااة فيهااا كاناات مبثابااة الكااابح الااذي يلجاام
227
االلتزام القوي بالنماء االقتصادي بوصفه هدفا حبد ذاته".
عااالوة علااى ذلااك ،رأي فياارب " ،يف بعااض التيااارات داخاال املساايحية ،دينااا خالصاايا يتضاامن
االعتق اااد ب ااأن يوس ااع البش اار أن حيقق اوا اخل ااالص ،وينق ااذوا أنفس ااهم بانته اااع بع ااض املب ااادىء
الدينيااة األخالقيااة .وماان األمهيااة مبكااان يف هااذا السااياق اعتقاااد ماان يؤمنااون سااذه التعاااليم أن
العنايااة اإلهليااة سااتنقذهم ماان اخلطيئااة األصاالية.وتتولد عاان هااذا االعتقاااد درجااات عاليااة ماان
التااوتر النفسااي والاازخم الشااعوري الااذي تفتقاار إليااه الااديانات الشاارقية ،والااديانات اخلالصااية،
كما يرى فيارب ،تنطاوي علاى جاناب ثاوري يادعو إىل التمارد علاى األوضااع الراهناة ،ويطالاب
بتغيريه ااا .بينم ااا تنم ااي ال ااديانات الش اارقية ل اادى أتباعه ااا موقف ااا س االبيا ميي اال إىل تقب اال النظ ااام
223
اجلديد".
بي ااد أن ه ااذه النظ اارة الفيبريي ااة قاص اارة وغ ااري موض ااوعية؛ ألن التنمي ااة مرتبط ااة بسياس ااة الدول ااة
احلاكما ااة ،وما اادى رغبتها ااا يف التحا ااديث والتطا ااوير واإلقا ااالع االقتصا ااادي.وليس هلا ااا عالقا ااة
بالاادين.والاادليل علااى ذلااك أن الاادول اآلساايوية الاايت التعاارف املساايحية أو الاايت تااؤمن بالبوذيااة
أو اهلندوسية أو الكونفوشيوسية أو الطاوية قد حققت مستوى اقتصااديا متفوقاا علاى الادول
الغربيا ااة نفسا ااها الا اايت شا ااهدت الثا ااورة الصا ااناعية والتقنيا ااة املذهلا ااة يف الق ا ارنني التاسا ااع عشا اار
والعشرين .واليوم ،حتقق الصاني مناوا اقتصااديا حتققاه أوروباا أو الوالياات املتحادة األمريكياة
- 228حليم بركات :اكيجايع اكيربا فا اكقرن اكيشر ن :ب ث فا تغير األ وال اكيمق ت ،مركز دراسات
الوحدة العربية ،بريوت ،لبنان ،طبعة 2111م ،ص.223-226:
192
)Rodinsonيف كتاب ا ااه الق ا اايم (اإلسـ ـ ــمد اكرأسـ ـ ــي كي ) ال ا ااذي أثب ا اات في ا ااه أن ال ا اادين
اإلسااالمي ،ساواء كعقياادة أو تطبيااق ،يكاان املااانع ماان قيااام الرأمساليااة يف الاابالد اإلسااالمية،
ول ااذلك ف اانن أس ااباب قي ااام الرأمسالي ااة يف أوروب ااا ،وع اادم قيامه ااا يف ال اابالد العربي ااة اإلس ااالمية،
ظاهرة جيب أن يبحث عن عواملها يف مقتضيات الوضع االجتماعي العام ،تلك املقتضيات
اليت تلح عليها املاركسية إحلاحا خاصا"211.
ويضاايف الباحااث ":وأمااا القااول بااأن الربوتسااتانتية وأخالقهااا هااي الاايت كاناات العاماال يف قيااام
الرأمسالية يف أوروبا الغربية ،فهذا افكاض قابل للمناقشة إىل حد كبري.ميكن مثال أن نتسااءل:
هل كانت الرأمسالية نتيجة للربتستانتية كما ادعى فيرب ،أم أن الربوتستانتية نفسها هي نتيجاة
حتوالت اجتماعية واقتصادية كانت هي بداية الرأمساليةا وبعيارة أخرى :هل كانات الرأمسالياة
نتيجااة للربوتسااتانتية ،أم سااببا هلااا ،أم حاادثا مساااوقا هلااا ترجااع أساابابه إىل عواماال أخاارىا لقااد
الحااظ إحلااز يف مقدمااة الطبعااة اإلحليزيااة لكتابااه (االشاكاكية الطوباويااة واالشاكاكية العلميااة)
املؤرخااة بعااام ،0382الحااظ أن العقياادة الكالفينيااة كاناات تسااتجيب حلاجيااات البورجوازيااة
األكثاار تقاادما آنئااذ.وما نظريتهااا يف القضاااء والقاادر إال تعبااري ديااين للحقيقااة الواقعيااة التاليااة،
وهي أنه يف عا املنافسة التجارية ،يتوقف حا اإلنسان أو إخفاقه ،ال على حذقه وفطنتاه،
بل على الظروف املستقلة اليت ختضع ملراقبته.فالعقيدة الكالفينياة ساذا االعتباار ليسات عاامال
يف قيااام الرأمساليااة ،باال هااي نفسااها ،ماان نتاااع الظااروف املوضااوعية االجتماعيااة واالقتصااادية،
ظروف نشأة الرأمسالية ذاهتا"210.
وبناء على ماسبق ،يتضح لنا أن ماكس فيرب درس جمموعة من العقائد واألديان ،مثل:
املسيحية يف كتابه ( األيمق اكبر تسا ني ر ح اكرأسي كي ) ،واليهودية يف كتابه (اكيهود
-حممد عابد اجلابري :دن در س اكفلسف اكفتر اإلسمدا ،دار النشر املغربية ،الدار البيضاء ،املغرب، 211
252
- Max weber: Le Judaïsme antique (1917-1918), traduction par
Freddy Raphaël, Plon, 1970.
253
- Max weber: Hindouisme et Bouddhisme (1916), traduction par
Isabelle Kalinowski et Roland Lardinois, Flammarion, 2003.
254
- Max weber: Confucianisme et Taoïsme (1916), traduction par
Catherine Colliot-Thélène et Jean-Pierre Grossein, Gallimard, 2000.
- 211أنتوب غدنز :نفسه ،ص.131:
256
- Max weber: Sociologie des religions (choix de textes et
traduction par Jean-Pierre Grossein), Gallimard, 1996.
194
األسباب الوحيدة يف تطور االقتصاد ،بل مثة عوامل أخرى ،مثل :العقالنية ،والبحث
العلمي ،وتقدم الرياضيات ،وتقدم التعليم اجلامعي ،ومتثل الشرعية السياسية والقانونية
واحلقوقية ،واألخذ برو املقاولة أو املؤسسة .واهلدف من هذا كله هو فهم احلضارة الغربية
الليربالية ،ورصد سحر عاملها.
يع ااد مارس اايل م ااوس ( (1872-1950)217 )Marcel Maussاملؤس ااس احلقيق ااي
لألنكوبولوجيااا الفرنسااية .وقااد كااان مسااؤوال عاان قساام السوساايولوجيا الدينيااة .وقااد تااأثر مااوس
( )Maussبنميل دوركامي يف دراسة الظواهر الدينية ،باالعتماد على املقكب السوسايولوجي
يف" دراسااة يكملهااا خصصااها لدراسااة ظاااهرة الصااالة ،وقااد عمااد إىل الدراسااة الوراثيااة أو
التطوريااة الاايت تقااوم علااى تتبااع الظاااهرة يف تسلساالها التااارخيي ،وذلااك كطريااق وحيااد للوقااوف
213
على حقيقتها وأصوهلا وكيفية تطورها".
ويعااين هااذا أن الصااالة هلااا أمهيااة كااربى يف احلياااة الدينيااة لإلنسااان ،فهااي الاايت تقربااه ماان اهلل.
وهااي كااذلك وساايلة وواسااطة للتعبااري عاان مشاااعر اإلنسااان جتاااه املعبااود.ومن هنااا ،فالصااالة
عبارة عن خطاب لغوي يعرب عن أفكار اإلنساان ومعتقداتاه ومشااعره.ويعين هاذا أن الصاالة
فعل وسلوك طقوسي لغاوي بامتيااز .كماا أن الصاالة ممارساة ساردية كالمياة مليئاة بالادالالت
واملعاااب الرمزيااة مثاال األسااطورة .وبالتااايل ،فالصااالة هااي عالمااة أسااطورية ورمزيااة وس اايميائية
حتمل دالالت عقائدية ودينية ثرة .والصالة كذلك جزء مان العباادة ،علاى أساس أن الصاالة
عبااارة عاان أق اوال وأفعااال وحركااات ساالوكية دينيااة وروحانيااة ،مرتبطااة بع اوا فااوق طبيعيااة ،إمااا
257
- Marcel Mauss (1909), « La prière. » Texte extrait de La prière.
Paris: Félix Alcan, Éditeur, 1909, pp. 3 à 175.
- 213حممد حممد أمزيان :نفسه ،ص.33:
195
ذهنية وعقلية ،وإماا انفعالياة وجدانياة ،وإماا حساية جسادية .وتتخاذ الصاالة طابعاا فردياا مان
جهة ،أو طابعا مجاعيا من جهة أخرى.
وعليه ،فالصالة مبثابة طريق روحاب يوصل إىل اهلل ،وانتقال من املدنس (العاا الادنيوي) إىل
املق اادس (الع ااا األخ ااروي) ،ع اارب ترتي اال اآلي ااات الديني ااة ،أو ممارس ااة جمموع ااة م اان الطق ااوس
االحتفالية للتقرب من املعبود .وختضع الصالة جملموعة من القواعد الدينياة حساب كال دياناة
علااى حاادة .وتتطلااب نوعااا ماان الككيااز الااذهين والروحاااب والشااعوري.لذا ،فهاادف مارساايل
مورس هو تتبع تطور الصالة تارخييا ،واستعراض خمتلف التصورات والنظريات حول الصاالة،
وربطهااا بااالتغريات اجملتمعيااة ،ضاامن مقااكب سوساايولوجي.ومن مث ،تعااد الصااالة عنااد مااوس
ظاااهرة اجتماعيااة علااى غارار ماذهااب إليااه إمياال دوركااامي ،وليساات ظاااهرة روحانيااة فرديااة.ومن
مث ،تتخااذ الصااالة بعاادا اجتماعيااا ماان خااالل مضااامينها وأشااكاهلا.فثمة ماااهو مشااكك بااني
اجلمي ااع م اان حي ااث املعتق اادات واألقا اوال واحلرك ااات واملمارس ااات الطقوس ااية .ويع ااين ه ااذا أن
الصااالة نتاااع اجملتمااع والعالقااات االجتماعيااة القائمااة بااني الناااس .عااالوة علااى ذلااك ،تتخااذ
الصااالة طابعااا اجتماعيااا .وماان مث ،فهااي عبااارة عاان تقليااد مجاااعي وجمتمعااي ،حتقااق التضااامن
واالستقرار والتوازن اجملتمعي.كما أهنا مبثابة تعاقد جمتمعي أو عبارة عن أوامار تنفاذ مان جيال
إىل آخر ،والدليل على ذلك أن اآلباء يطالبون أبناءهم بتطبيق تلك األوامر وتنفيذها.
وعليه ،فالصالة عند مارسيل موس ظاهرة اجتماعية ومجاعياة ،وهاي نتااع العالقاات اجملتمعياة
املعقدة واملركبة.
196
اكيطلب اكس بع :ر برت بيم اكد ن اكيدنا
يارى ر بـرت بـيم ( 218)Robert N. Bellahأن التقاديس قاد يتجااوز مااهو غيايب
وروح اااب وعقائ اادي ليتخ ااذ طابع ااا م اادنيا ،كم ااا يف الوالي ااات املتح اادة األمريكي ااة ،فتنص اايب
ال ارئيس ،بطقوسااه االحتفاليااة ،ومراساايمه الزاهيااة ،نااوع ماان التقااديس غااري الضاامين .كمااا أن
اإلشااادة بضااحايا احلااروب والزعماااء هااو نااوع ماان التبجياال والتقااديس والتعظاايم املبااالغ فيااه.
ويتجل ااى ه ااذا واض ااحا يف ال اادول املس ااتبدة والدكتاتوري ااة ،حي ااث يتح ااول الا ارئيس إىل أيق ااون
للعبادة والتقديس والتربك ،ولو باستخدام القوة ،وجتويع الشعب وتركيعاه وإذاللاه .ويعاين هاذا
أن املقاادس قااد يتجاااوز مااا هااو ديااين إىل ماااهو ماادب .وماان هنااا ،ميكاان احلااديث عاان الاادين
املادب .ويف هاذا يقااول جاون سااكوت ( ":)Skottساعى روبارت باايال ( Robert N.
)Bellahوراء هذه الفكرة (املقدس) يف كتابه حول ما أمسااه (اكـد ن اكيـدنا) يف أمريكاا.
حيث هو جمموعة من املعتقدات واملمارساات والقايم مكرساة يف اجملتماع األمريكاي ،مان دون
اعتم اااد عل ااى الدول ااة أو املؤسس اة الديني ااة.فالطقوس السياس ااية هل ااذا ال اادين امل اادب ،م اان قبي اال
مراساام تنصاايب الارئيس ،وتكاارمي ماان ضااحى بروحااه ،واالحتفاااء باملنتصارين ،تشاامل مااا يشاابه
االبتهااال والتوساال إىل رمااوز وأساااطري مقدسااة مبااا متثلااه ماان قاايم مشااككة .وعلااى العكااس ماان
دوركااامي ،يؤكااد باايال وغااريه ماان علماااء االجتماااع املعاصارين إمكانيااة أن تكااون تلااك الطقااوس
حمرك ااا للعص اايان االجتم اااعي ،متام ااا كم ااا ه ااي حم اارك حن ااو التماس ااك االجتماعي.ف ااالطقوس
واألساااطري والرمااوز املقدسااة ليساات باملعطاااة فحسااب ،باال ماان املمكاان أن يااتم التالعااب سااا
طلبا لتحقيق أجندة سياسية معينة ،من قبيل متجيد الديكتاتور ،أو شن محلاة ألجال احلقاوق
259
- Robert N. Bellah:( Civil Religion in America), An article reprinted
by permission from the Journal of the American Academy of Arts
and Sciences, Winter 1967.
197
املدنية.وق ااد كان اات هل ااا أمهيته ااا يف الثقاف ااة السياس ااية لالحت اااد الس ااوفيايت الس ااابق وغ ااريه م اان
261
األنظمة السياسية اليت تكن تعكف -رمسيا -بالدين".
ومن هنا ،فالدين نوعان :دين ألوهي واعتقادي وطقوسي ،ودين مادب يتعلاق بنظاام سياساي
وحضاري معني.
يف منظوري الشخصي ،أميز بني الدين اإلسالمي باعتباره عقيدة وشريعة ربانية مثالية،
التشوبه شائبة ،وبعيد عن املقايسات البشرية الدنيوية أو التصورات اإليدولوجية .وبالتايل،
فهو متعال عن اإلنسان ،والزمان ،واملكان .وميتاز هذا الدين باالحكام والتبجيل والقدسية
اخلاصة .ومثة دين آخر هو الدين الدنيوي واجملتمعي ختلقه مجاعات معينة من األفراد ،يف
سياقات معينة .وقد يكون هذا الدين كذلك جمرد تأويل وتفسري للدين السماوي األول،
وفهم بشري وجمتمعي له ،وفق تصورات جمتمعية معينة .ويعين هذا كله أن اجملتمع قد خيلق
دينه اخلاص للتعبري عن اخلوف والعجز واهلروب باملفهوم االجتماعي .ويقصد باخلوف أن
هناك نوعا من اخلوف اجلمعي والالشعوري من الطبيعة ،وأيضا من سلطة الدولة وقهرها
وجورها وعسفها ،وكذلك من مثبطات الواقع ومشاكله وصعوباته ووضعياته املعقدة .مبعىن
أن هناك فوبيا اجتماعية من القدر ،ومن الواقع ،ومن سلطة الدولة وشططها واستبدادها.
لذلك ،يتولد اخلوف عند الناس ،سواء أكان خوفا ذاتيا أم خوفا واقعيا موضوعيا .ومن مث،
تصبح حياة اجلماعة عبارة عن خوف دائم ،وفوبيا مستمرة بطريقة مجاعية .ومن هنا،
يلتجىء الناس إىل الدين لنسيان خوفهم أو إزالته أو االطمئنان على أنفسهم ،أو للبحث
عن خالص أو مالذ آخر .وعندما تعجز اجلماعة عن حتقيق رغباهتا وحاجياهتا ،أو تقف
عاجزة عن تغيري واقعها ،أو تفشل يف مواجهة السلطة القاهرة أو املستبدة ،ختلق دينها
اجلمعي ،أو تلتجىء إليه لتستمد منه القوة املادية واملعنوية .فتستحضر املقدس أو العلوي أو
األخروي ملواجهة الدنيوي املدنس ،وحتدي القوى املتغطرسة أو املستغلة .ويعين هذا أن
الدين تعبري رمزي وسيميائي عن اخلوف من جهة ،وتعبري عن اإلحساس بالعجز اجلماعي
من جهة أخرى .وأكثر من هذا يصبح الدين نوعا من اهلروب من الذات والواقع ،وقد
يكون ذلك اهلروب من املدنس حنو املقدس رغبة يف التسامي والتعايل والتحرر من ضغوط
200
اجملتمع ،والتخلص من قهر السلطة وبطشها وعنفها الرمزي .وقد يكون اهلروب كذلك من
دين السلطة وأفيوهنا املستلب.
وهكذا ،نتوصل إىل أن الدين ،كما ميارس جمتمعيا من قبل األفراد واجلماعات ،ظاهرة
اجتماعية بامتياز ،مادام اجملتمع هو الذي خيلق هذا الدين بتلك الطقوس والتعاليم
واملمارسات واالعتقادات .ويعين هذا أن اجملتمع قد يؤول الدين انطالقا من قناعاته ليحقق
نوعا من التوازن الداخلي واخلارجي .لكن هذا الدين هو تعبري عن ثالث حاالت جمتمعية
هي :اخلوف ،والعجز ،واهلروب.
يتوسل الباحث ،يف سوسيولوجيا األديان ،بالدراسات الكمية القائمة على الدراسات
الوضعية والعلمية القائمة على التعداد ،والقياس ،واإلحصاء ،والرياضيات ،والفيزياء ،بغية
وصف الظواهر الدينية والطقوسية والعقائدية وتفسريها وتأويلها ،واستشراف النتائج
املستقبلية اعتمادا على تلك املعطيات العلمية املعطاة .كما يستند املنهج الكمي أيضا إىل
التحاليل التجريبية واالستقرائية واالستقصائية ،باستخدام الرياضيات واإلحصاء الوصفي
واالستنتاجي ،واالعتماد على استطالعات الرأي ،ومتثل التحليل الدميغرايف واجلغرايف،
201
واالستعانة باجلداول واخلرائط واألشكال اهلندسية واملبيانات واملنحنيات والدوائر وأنصاف
الدوائر واألسطوانات القياسية ،واستخدام الروائز االجتماعية القائمة على املعطيات الرقمية
واإلحصائية... ،
وهكذا ،فاملناهج الكمية ،يف جمال سوسيولوجيا األديان ،هي اليت تعتمد على العد والقياس
واستخدام األرقام واألشكال اهلندسية يف معاجلة الظواهر الدينية وتفسريها والتنبؤ باملستقبل.
ومن هنا ،فالبحث الكمي يستخدم اللغة الرقمية ،ويرتكز على احلسابات الدقيقة ،ويصنف
املعطيات ،وحيدد خصائص الظاهرة الدينية ،ويبين النماذع والربديغمات اإلحصائية لتفسري
ما هو مالحظ ومرصود يف الواقع املشخص.
يعتمد الباحث ،يف بناء موضوعه السوسيولوجي املتعلق مبمارسة دينية أو معتقد طقوسي
وأخالقي ،على جمموعة من املناهج الكيفية اليت تبتعد عن املقاييس الكمية واإلحصائية
والرياضية والفيزيائية ،كاالستعانة باملالحظة املباشرة ،وتوظيف االستمارة بأسئلتها املغلقة
واملفتوحة ،وإحاز حبوث تقريرية موثقة ،والنزول إىل امليدان ،وإجراء مقابالت حوارية ،وتنظيم
ندوات ولقاءات مباشرة وغري مباشرة ،واالشتغال يف فرق مركزة ضمن خمتربات ومراكز
معينة ،قصد مجع املعلومات والبيانات واملعطيات وتوثيقها وأرشفتها ،واالستعانة بدراسة
احلالة ،أو حتليل املضمون ،أو حتليل املواد التارخيية والوثائقية ،ودراسة السري والوثائق
وحتقيقها وأرشفتها ،أو اللجوء إىل مفهوم املعايشة أو املشاركة اإلثنوغرافية أو األنكوبولوجية،
واالستعانة باإلعالميات واحلواسيب والكومبيوتر يف إحاز البحوث وكتابة التقارير الوصفية
أو التفسريية أو التأويلية.
202
عالوة على ذلك ،ميكن للباحث أن يلتجىء إىل التاريخ لرصد تطور الظاهرة الدينية ،وتتبع
صريورهتا بنية وداللة ووظيفة ،أو متثل طريقة املقارنة ملعرفة أوجه التشابه واالختالف بني
العقائد واألديان املختلفة ،كأن نقارن بني األديان السماوية الثالثة ،أو نقارن هذه األديان
بالديانات الطوطمية أو األخالقية (الطاوية ،والبوذية ،واهلندوسية ،والسيخية،
والكونفوشيوسية).ومن جهة أخرى ،ميكن االستعانة باإلثنولوجيا واألنكوبولوجيا لفهم كثري
من الظواهر الدينية وتفسريها وتأويلها.
وعليه ،فاملناهج الكيفية ،يف سوسيولوجيا األديان ،هي اليت تعتمد على البيانات الشفوية
أواملعطيات اللفظية ،ومجع املعطيات وتدوينها وقراءهتا وفق مقاربات تأويلية ذاتية أو
انطباعية أو تشخيصية .ومن هنا ،فاهلدف هو وصف موضوع البحث بطريقة كلية شاملة
أو مفصلة ،ضمن سياق حتليل استكشايف.
يمص اكقول ،إذا كان بعض الباحثني يف جمال علم اجتماع األديان ،يعتمدون على
املناهج الكمية ،فهناك من يعتمد على املناهج الكيفية ،وهناك من يزاوع بني املناهج
الكمية والكيفية على حد سواء ،سدف وصف الظاهرة الدينية وتفسريها وتأويلها ،وتتبع
مسارها التارخيي ،ومقارنتها مبختلف الظواهر األخرى حبثا عن املتشابه واملختلف.
يمص اكقول ،نستنتج ،مما سبق قوله ،أن علم اجتماع األديان هو دراسة املمارسات
واألنشطة واالحتفاالت والطقوس والعبادات واملعتقدات الدينية يف ضوء املقاربة
السوسيولوجية .وميكن تعريفه أيضا بأنه دراسة الظواهر والوقائع واملمارسات الدينية ،ليس
على أساس أهنا ظواهر فردية أو غيبية أو أفكار الهوتية خرافية وأسطورية ،بل على أساس
أهنا ظواهر جمتمعية .فالدين هو نتاع اجملتمع أو هو اجملتمع نفسه .والدليل على ذلك أن
مجيع الكاتيل الدينية واملمارسات االحتفالية واألفعال الطقوسية تعرب عن التحام جمتمعي ،أو
203
حتمل دالالت اجتماعية ثرة ،تعكس مدى ترابط اجملتمع وتضامنه واحتاده ماديا ومعنويا.
كما يدل ذلك على توازن املؤسسة اجملتمعية ومتاسكها وانسجامها.
أضف إىل ذلك أن الدين مؤسسة اجتماعية ،مثل باقي املؤسسات األخرى ،ينصهر فيها
أفراد أو مجاعات ضمن سياق اجتماعي معني ،بداللة حمددة .عالوة على ذلك ،حياول
علم اجتماع األديان أن يبحث عن التأثري الذي ميارسه الدين يف اجملتمع ،والعكس صحيح
أيضا .كما يبحث عن الشروط االجتماعية النتشار األديان يف اجملتمعات املختلفة ،مع
الككيز على اجلماعة الدينية باعتبارها جزءا من اجملتمع ،ورصد ظروف تكوهنا وتشكلها،
وتبيان اآلليات اليت تتحكم يف تأسيسها وانتشارها وتطورها وتوسعها ،وحتديد أمناط الفعل
والسلوك اليت تدعمها أو ترفضها.
هذا ،وقد مرت الظاهرة الدينية مبراحل عدة ،منها :مرحلة الطقوس واالحتفاالت التقليدية
اليت كانت تعرب عن االنتقال من املدنس إىل املقدس ،كما يظهر ذلك جليا يف الطوطم،
واملانا ،والطابو .وبعد ذلك ،ظهرت األديان السماوية الكربى ،مثل :اليهودية ،واملسيحية،
واإلسالم .وأعقبتها ديانات أخالقية يف جنوب شرق آسيا ،مثل :الكونفوشيوسية ،والبوذية،
والطاوية ،واهلندوسية...
ويالحظ أن هناك ديانات تنتشر ،وديانات تتقلص .ومن ناحية أخرى ،هناك تدين ملحوظ
يف مناطق وبلدان معينة ،وإحلاد وكفر وعلمانية دينية يف مناطق أخرى .واليوم ،أصبح
احلديث عن كثري من الظواهر الدينية الشاذة ،مثل :انتشار الفكر األصويل املتشدد ،وتزايد
التطرف واإلرهاب ،واضطهاد األقليات الدينية ،وصراع احلضارات باسم الدين ،وتكاثر
اإلحلاد يف الدول املسيحية مع انتشار الثراء املادي ،واإلحساس بالفراغ الروحي ،وهيمنة
العلمانية على أنظمة احلكم ،والسيما يف الدول الغربية اليت تؤمن بالعلم والتقنية والوضعية
اجلديدة.
ومثة منظورات خمتلفة ومتنوعة يف إطار سوسيولوجيا األديان ،سواء أكانت كالسيكية أم
معاصرة ،كما يبدو ذلك جليا عند كل من :إميل دوركامي) ،(E.Durkheimوأوجست
204
كونت ( ،)A.Comteوماكس فيرب( ،(Max Weberومارسيل
موس) ،(M.Maussولودفيغ فيورباخ) ،(Ludwig Feuerbachوكارل
وألكسيس أحلز)،(F.Engeles وفردريك ماركس(،)Marx
توكفيل) ،(A.Toquevilleوبيك بريجر ( ،)Peter Bergerوأوليفيي
روي( ،)Olivier Royوراميون بودون( ،)R.Boudonوروبرت بيال( Robert
،)N. Bellahوتوماس لوكمان( ،)Thomas Luckmannورودب
ستارك( ،)Rodney Starkوويليام سيمس بانربيدع ( William Sims
،)Bainbridgeوروبرت واثناو( ،)Robert Wuthnowوكريستيان مسيث
( ،)Christian Smithوبريان ويلسون (...)Bryan R. Wilson
205
اكفصل اكس بع:
206
هذا ماسوف نرصده يف فصلنا هذا الذي عنوناه با(سوسيوكوجي األدإ اكنقد) ،على
أساس أن علم اجتماع األدب ختصص سوسيولوجي مهم لدراسة الظواهر األدبية والفنية
واجلمالية واإلبداعية ،يف ضوء النظريات واملقاربات واملنظورات السوسيولوجية املختلفة ،بغية
مقاربة األنساق االجتماعية اليت تتحكم يف اآلداب فهما وشرحا وتفسريا وتأويال.
يرتكن املنهج االجتماعي إىل حتليل األدب يف ضوء سياقه الواقعي بكل معطياته السياسية
واالقتصادية واالجتماعية والثقافية والتارخيية والدينية واإليديولوجية ،بربط اإلبداع األديب
والفين بواقعه االجتماعي بطريقة مباشرة أو غري مباشرة.
و من املعروف أن الظواهر الفنية واجلمالية هي وقائع تارخيية ،حيث يتكفل علم التاريخ
بتحقيبها وفهمها ووصفها وفق الصريورة الزمنية والدياكرونية ،بينما علم االجتماع يتوىل
فهمها وشرحها وتفسريها وتأويلها يف ضوء املقكب السوسيولوجي كما وكيفا .وهكذا،
اعتربت الظواهر األدبية بىن فوقية ،تتحكم فيها البىن السفلية اليت تتمثل يف وسائل اإلنتاع،
والظروف السوسيو إقتصادية والتارخيية والثقافية .وبالتايل ،فاألدب والفن معا يعكسان
دائما ،بطريقة مباشرة أو غري مباشرة ،خمتلف التحوالت والتغريات االجتماعية ،كأن األدب
مرآة تعكس لنا كل العناصر املتحركة يف اجملتمع ،ديناميكية كانت أم ستاتيكية« .إن األدب
هو بالتأكيد "فن التعبري" عن التجارب البشرية وفق شروط أدبية معينة .وال نقصد بالشروط
األدبية -هنا -معناها امليتافيزيقي الواسع .إمنا نقصد به تلك الشروط اليت ختضع هلا اآلثار
الفنية يف مرحلة تارخيية معينة .فاآلثار اليت ال ختضع هلذه الشروط األدبية ال تعترب فنا بكل
ما حتمله هذه اللفظة من معىن إبداعي وإنساب ،فال يصبح األثر فنا إال إذا فهمناه فنا
207
مشروطا بشروط مجالية ،وتارخيية معينة .وبناء على ذلك ينبغي أن نؤكد -أوال -على أن
268
كل شرط أديب ال بد أن يكون مرتبطا مبراحل تارخيية وثقافية معينة »
وبناء على هذا ،حتتوي النظرية األدبية ،يف تصوراهتا الفكرية واإلجرائية ،جوانب
سوسيولوجية معينة ،ما دامت تسعى ،يف فهمها للبنية اجلمالية ،إىل استقراء الظروف
التارخيية واالجتماعية واالقتصادية والسياسية والبيوغرافية للمبدع .وهكذا ،فنن األعمال
القيمة يف اجملال األديب غنية بالقيم التارخيية واإلنسانية اليت كان يزخر سا اجملتمع الذي
كانت تعرب عنه.
وعليه ،يقصد بسوسيولوجيا األدب التعامل مع الظواهر والوقائع األدبية تعامال اجتماعيا
فهما وتفسريا وتأويال ،بربط األدب باملؤسسات االجتماعية ،ودراسة اإلبداعات الفنية
واجلمالية يف ضوء سياقها اجملتمعي ،ورصد خمتلف العالقات املباشرة وغري املباشرة اليت تصل
األدب باجملتمع.
ومن جهة أخرى ،هتدف سوسيولوجيا األدب والنقد إىل" ممارسة قراءة ذات طابع
خصوصي إزاء النص األديب ،حتكم استقالليته باعتباره شكال مجاليا ،ويف الوقت نفسه،
تنصت إىل الطرائق اليت بواسطتها يتضمن هذا الشكل مايربطه بشكل آخر أو باآلخر
االجتماعي .فاألمر -إذا -يتعلق بالقيام سذه املمارسة ،شريطة أال يتدخل أي نظام
خارجي ليفرض أي انزيا عن فهم النص ،أو ليقلب الرهانات .وعلى العكس من ذلك،
سنقول :يتحدث رميون ماهيو( -)Raymond Mahieuإن املكتوب األديب الذي
هو نتيجة متفردة لفاعلية إنتاجية تقع يف زمان ومكان معينني ،الميكن أن يتأسس إذا كان
سيقرأ خارع أي معرفة مبا يربز عالقاته مع واقع متعدد ،يتجنبه هذا املكتوب ،ويشتغل به،
مثلما يتأسس عليه .ومثل هذا االستبعاد الذي اليعطي للمتخيل الذي ينبثق منه النص إال
- 563مسري حجازي :قض اكنقد األدبا اكيي صر ،دار اآلفاق العربية ،القاهرة ،مصر ،الطبعة األوىل سنة
2117م ،ص.11-28 :
208
فضاء إجرائيا منقحا بشكل اعتباطي ،وكمونا من عدد معني من املواد العضوية بالنسبة
262
إليه ،يؤدي إىل قراءة ميكن لنا أن نصفها عن حق بالقراءة املشوهة ،بل واملؤسطرة".
ويعين هذا أن القراءة السوسيولوجية هي اليت تربط األدب باجملتمع ،ولكن ليس يف ضوء
االنعكاس املباشر ،بل تقرؤه بطريقة مجالية مستقلة ،يف عالقة بالواقع املعطى .ومن مث ،يرى
كلود دوشيه( )Claude Duchetأن القراءة السوسيونقدية هي اليت جتمع بني النصية
أو اجلمالية األدبية والواقع االجتماعي.أي :متزع بني األدب كبنية مجالية مستقلة واملعطى
السوسيولوجي ،كما هو حال البنيوية التكوينية للوسيان كولدمان الذي مياثل بني البنية
األدبية املستقلة والبنية االجتماعية املستقلة بدورها عن طريق االنعكاس غري املباشر .ومن
هنا ،ترى كايار( )F.Gaillardأن" تدوين النص االجتماعي يف النص الروائي...اليقرأ
من خالل األقوال اإليديولوجية بشكل ظاهر ...بل من خالل تضمني هذه األقوال يف
261
السرد ،وذلك وفق منط إدماجي يقوم بعملية التحويل".
وهكذا ،يتبني لنا أن سوسيولوجيا األدب تتعامل مع الالوعي االجتماعي داخل املتخيل
األديب من خالل اجلمع بني النصية واالجتماعية.وهنا ،يتم التشديد على اخللفيات التارخيية
واالجتماعية واالقتصادية والسياسية والثقافية ضمن الوعي اجتماعي ،يتشكل داخل النص
األديب فنيا ومجاليا.
ومن مث ،تنطلق هذه السوسيولوجيا من املقاربة االجتماعية يف دراسة الظواهر األدبية فهما
وشرحا وتفسريا وتأويال.
-262روالن بارت وآخرون :نظر ت اكقراءة ،ترمجة :عبد الرمحن بوعلي ،دار احلوار ،الالدقية ،سورية ،الطبعة
األوىل سنة 2118م ،ص.62-68:
-261روالن بارت وآخرون :نظر ت اكقراءة ،ص.72:
209
اكيب ث اكث نا :تطـ ــور سوسيوكوجــي األدإ اكنق ــد
متيزت الدراسات السوسيولوجية لألدب ،منذ انطالقها التارخيي ،بطابعني مميزين .فهناك
دراسات اختذت طابعا تأمليا مع األحباث الفلسفية وامليتافيزيقية ،كما هو الشأن مع
أفالطون ،وأرسطو ،وتوما االكويين ،ومدام دي ستايل ،وهيجل ،وكارل ماركس ،وجان
جيو...
وهناك دراسات اختذت طابعا علميا ووضعيا ،فاستهدفت بذلك دراسة الظاهرة األدبية يف
إطار سوسيولوجي علمي ،كما يبدو ذلك واضحا عند لوسيان كولدمان
) ،(Goldmannوجاك لينهاردت ) ،(J. Lenhardtوروبريت إسكاربيت
) ،(Escarpitوبيري جوزا (...)P.JOZA
وعليه ،فلقد أخذت الصلة بني األدب واجملتمع ،كما قلنا سالفا ،طابعا تأمليا فلسفيا
وميتافيزيقيا قائما على مفهوم احملاكاة .ولقد أخذت هذه العالقة احملاكاتية -اليت تعتمد
على التقليد واملماثلة املباشرة -تربز يف كتابات الفالسفة اليونانيني بصفة عامة ،وكتابات
أرسطو وأفالطون بصفة خاصة .إن مفهوم احملاكاة « الذي كان بالنسبة ألفالطون
مستعمال يف معناه الواسع جدا ،حيث يقتصر على الشعر وحده ،كما سيظهر عند
أرسطو من بعد ......بل مشل كل نسق إنساب أو طبيعي أو كوب أو إهلي .وهكذا ،ظل
معناه األساسي يعين ما هو كائن ظاهرا بالنسبة ملا هو كائن حقيقة .أما عند أرسطو،
فتتخذ احملاكاة (وهي هنا حماكاة األدب للواقع) بعدا آخر .وذلك لسببني :األول أن
أرسطو جيعل من النصوص نقطة ارتكاز .والثاب ،أن منهجه يف تناول الشعر منهج كامل،
وليس جزءا من منهج كما هو عند أفالطون .ولذلك ،يأيت استخدامه للمحاكاة يف التعبري
210
عن مفهوم الشعر .فالشعر عنده حماكاة للطبيعة .ووظيفة احملاكاة عنده وظيفة حمددة ،متيز
الفنون العملية واجلميلة من ناحية عن العلوم الطبيعية من ناحية أخرى».266
ومن هنا ،تستند احملاكاة األرسطية إىل املادية الواقعية .يف حني ،تتميز احملاكاة األفالطونية
باملثالية « .وعلى هذا األساس ،يكون على الفن أن حياكي الطبيعة اإلنسانية ،وليس عا
املثل أو ظواهر األشياء .وباملثل ،فلن حياكي الفن أفكار الفنان ،وإمنا أعمال الناس .ومن
هنا نالحظ االختالف البني بني أرسطووأفالطون يف حتديدمها للمحاكاة ،من حيث إن
األول أكسبها الداللة األدبية احملض ،فجعلها مقصورة على الفن اإلنساب ال تتعداه إىل
سواه ،وجعلها أيضا أبعد ما تكون عن التقليد ،فأصبحت تصويرا فنيا لإلنسان .ومعىن
هذا أهنا ليست وسيلة لنقل الطبيعة ،وإمنا هي وسيلة لدفع الطبيعة خطوات إىل األمام يف
طريق البحث عن هدف ،وحماولة تكملة ما تركته الطبيعة ناقصا».267
ويتمثل مفهوم احملاكاة يف تراثنا العريب القدمي يف القول الشائع «األديب ابن بيئته »؛ ألن
األديب يعرب عن البيئة اليت ولد فيها ونشأ .وبالتايل ،فهو حياكيها وينقلها عرب الوصف
والتشبيه واالستعارة ،مادامت هذه البيئة تتحكم فيه جبربياهتا الصارمة.
أما الدراسة السوسيولوجية لألدب ،مبفهومها احلقيقي ،فهي حديثة العهد نسبيا « ،وما
زالت منجزاهتا متواضعة حىت وقتنا هذا ،وميكن وصف هذا اجملال بأنه وجهة نظر أو موقف
معني جتاه األدب ،أكثر منه ميدانا معكفا به ضمن ميادين الدراسة املستقلة اليت هلا أساليب
حبث معكف سا .ووجهة النظر السوسيولوجية لألدب ال تتميز عن أية وجهة نظر أخرى،
حيث تقف جنبا إىل جنب مع وجهات النظر املعيارية وامليتافيزيقية ،ذلك ألهنا ال تستند
263
إىل مصدر ذايت .وإمنا حتاول االستناد إىل بعض مفاهيم النظرية األدبية والفلسفية».
-عبد الرمحن بوعلي( :البىن األدبية وبنية الواقع والظاهرة الروائية) ،دجل اكو دة ،حمور اجلمالية واجلمالية 266
- 270آمال أنطوان عرموب( :علم احتماع األدب وعلم االجتماع) ،سوسيوكوجي األدإ ،روبري إسكاربيت،
منشورات عويدات بريوت -باريس ،الطبعة الثانية 0838م ،ص.8-3 :
213
يستطع أحد إدراجه ضمن جمموع نظري نصية إيديولوجية خصوصية أكرب رغبة
272
متماسك».
ويعين هذا أن النقد السوسيولوجي األورويب كان ينطلق من خلفية تارخيية وعلمية ،فقد
عرف تطورات مهمة متواصلة إىل حد اآلن ،وعرف عدة قطائع معرفية ونظرية ومنهجية،
منذ القرن التاسع عشر ،إبان ظهور الواقعية ،والثورة على الرومانسية ،والتنديد بالتسلط
الفردي الربجوازي ،والسعي اجلاد من أجل إنزال األدب من برجه العاجي ملعانقة مهوم
اجملتمع ،إىل أن غدا النثر والرواية أدايت الواقعية ،بعد أن كانت الرومانسية تستخدم الشعر
الغنائي الذايت أداة هلا .عالوة على ذلك ،أصبحت الرواية ذات طابع واقعي طبيعي وجترييب
بامتياز ،تناهض الطبقات املستغلة ،وتدافع عن العمال والشرائح املستضعفة ،وتصور القيم
اجملتمعية املهكئة تصويرا فجائعيا؛ بسبب سيطرة البورجوازية على وسائل اإلنتاع ،والتحكم
يف رقاب الطبقات الدنيا واملهمشة .وهكذا صور فلوبري ،وستندال ،وبلزاك ،وإميل زوال،
ودوستويفسكي ،وتولوستوي ،وماكسيم جوركي ،وتشيكوف ،وشارل ديكنز ...هذا الصراع
االجتماعي بني طبقتني مها :طبقة الربوليتاريا وطبقة البورجوازية.
ويف إطار الواقعية ذاهتا ،تولدت جمموعة من املفاهيم األدبية والنقدية السوسيولوجية ،مثل:
األدب االنعكاسي ،ومرآتية األدب ،والعالقة االجتماعية ،والوعي االجتماعي ،والصراع
الطبقي ،والتفاوت االجتماعي ،والرؤية إىل العا ،وااللتزام الواقعي ،باإلضافة إىل مفهوم
الطبقة االجتماعية...
ويعين هذا أن األدب الواقعي هو السبب الرئيسي يف ظهور سوسيولوجيا األدب والنقد ،إىل
جانب الفلسفات الواقعية واملادية واملاركسية ،والسيما مع لودفيغ فيورباخ ،وفريدريك أحلز،
وهيجل ،وكارل ماركس ،وغريهم...
ميكن احلديث عن جمموعة من الروافد اليت كانت وراء ظهور النقد السوسيولوجي يف جمال
األدب والنقد .وميكن حصرها يف ما يلي:
األدإ اكواقيا :لقد ساهم األدب الواقعي ،كما يبدو ذلك يف روايات فلوبري
وستاندال وبلزاك -مثال -يف ظهور النقد السوسيولوجي الذي يربط األدب باجملتمع ،يف
خمتلف ترابطاته وعالقاته املباشرة وغري املباشرة؛
األدإ اكطبييا :قام األدب الطبيعي ،كما يتجلى ذلك واضحا عند إميل زوال ،يف
تقوية الصالت االجتماعية اليت توجد بني األدب والواقع اجملتمعي ،ورصد العالقات الطبيعية
اليت تتحكم يف البنيتني األدبية واالجتماعية؛
اكفلسف ت اكي د :تعد الفلسفات املادية والواقعية واملاركسية واجلدلية ،كما يبدو
ذلك واضحا عند أرسطو وفيورباخ وماركس ،من األسباب اليت دفعت النقاد لتبين النقد
االجتماعي يف مقاربة الظواهر األدبية والفنية واجلمالية؛
218
علم االجاي ع اكوضيا :ساهم علم االجتماع الوضعي ،كما عند أوجست كونت
وإميل دوركامي ،يف تطوير النقد األديب ،باالنتقال من النقد االنطباعي التأثري إىل النقد
االجتماعي الوضعي ،بربط األدب بسياقه اجملتمعي؛
علم االجاي ع األكي نا :يعد علم االجتماع األملاب رافدا من روافد النقد
السوسيولوجي ،كما يبدو ذلك بينا عند جورع زميل )،)0803-0317((G.Simmel
وماكس فيرب) ،)0801-0362( (M.Weberوكارل ماهنامي )(K. Mannheim
( .)0827-0380فقد كان هلؤالء أثر واضح يف املؤسس الفعلي لسوسيولوجيا األدب أال
وهو جورع لوكاش ،من خالل توقفهم عند عالقة األدب باجملتمع واإليديولوجيا واليوطوبيا؛
ددرس فرانتفورت اكسوسيوكوجي :سامهت هذه املدرسة يف تطوير النقد
السوسيولوجي ،وخاصة يف حقل النقد االجتماعي أو التارخيي أو األديب واجلمايل ،وميثلها
أدورنو ) ،)0868-0818( (W.Adornoوهوركامير) (Horkeimer ،وولك
بنجامني (..(W.Benjamin).)0821-0382
ميكن احلديث عن ثالثة اجتاهات سائدة يف جمال سوسيولوجيا األدب والنقد .وميكن
حتديدها فيما يلي:
االتج ه اكاجر با األدپـر قا :ميثله السوسيولوجي الفرنسي روبري إسكاربيت
) (R.Escarpitالذي يقسم الظاهرة األدبية ،وفق الرؤية االجتماعية واالقتصادية ،إىل
ثالثة عناصر مستقلة ومتتابعة ومتكاملة هي :اإلنتاع ،والتوزيع ،واالستهالك .وينتج عن
ذلك سوسيولوجيا الكتاب ،وسوسيولوجيا الكتاب ،وسوسيولوجيا اجلمهور.
219
االتج ه اكبنيوي اكاتو نا :ميثله لوسيان كولدمان ) ،(Goldmannويعتمد هذا
االجتاه على مفهوم التماثل بني البىن اجلمالية املستقلة نسبيا وبني الواقع الذي أفرز املبدع
املنتج ،ووعيه الطبقي واالجتماعي ،ورؤيته للعا .
االتج ه اكي دي اكا ر خا اكجدكا :ميثله الفيلسوف اجملري جورع لوكاتش (G.
) ،Lukácsواملنظر اإليطايل أنطونيو جرامشي ) ،(A. Gramsciوغريهم...
وعلى الرغم من هذه االجتاهات الثالثة ،فهناك تيارات سابقة كان يغلب عليها التأمل
االجتماعي والفلسفي امليتافيزيقي يف إطار ما يسمى بالواقعية واملادية واجلدلية ،وقد تعرضنا
هلا سابقا.
يقصد بالسوسيولوجيا التجريبية دراسة الظواهر والوقائع األدبية والفنية واجلمالية يف ضوء
مقاربة اجتماعية علمية موضوعية ،تستعني بةليات التجريب العلمي ،واستعمال اإلحصاء
والرياضيات والفيزياء ،واألخذ باالستقراء الوصفي واملقارن واالستنتاجي ،واالنطالق من
الفرضيات والتجريب عليها سدف الوصول إىل نتائج يقينية ،مع االستعانة باجلداول والرسوم
واألشكال اهلندسية لتوضيح املعطيات وتبياهنا وتفسريها وحتليلها ومعاجلتها.
ويعين هذا أن السوسيوجيا التجريبية هي منهجية كمية قائمة على التجربة من جهة،
واإلحصاء من جهة أخرى .كما تقوم على املالحظة العلمية الدقيقة ،وبلورة الفرضيات اليت
تستوجبها الظاهرة األدبية أو اجلمالية واإلبداعية ،مث التجريب جبمع البيانات واملعطيات
وتدوينها مث تصنيفها ،مع إخضاعها لعمليات اإلحصاء واملقارنة سدف حتديد القوانني
والنظريات.
220
وهكذا ،فنن هذا االجتاه الكمي هو تيار إمبرييقي ووضعي وعلمي ،يستعني بالرياضيات
واإلحصاء والفيزياء وعلوم الطبيعة ملقاربة الظواهر األدبية وتفسريها وتأويلها .واهلدف من
ذلك هو الوصول إىل نتائج علمية يقينية واقعيا وجتريبيا.
ويف هذا الصدد ،ميكن احلديث عن جمموعة من الباحثني والدارسني الذين اهتموا
بالسوسيولوجيا التجربية يف جمال األدب والنقد ،منذ منتصف القرن املاضي إىل غاية سنوات
الستني من القرن نفسه .ومن بني هؤالء األملانيان :فوجن ) (Fügenوسيلربمان
) ،(Silbermannوالفرنسي روبري إسكاربيت ( ،)Robert Escarpitوأعضاء
مدرسة بوردو الفرنسية ،والسويدي روزحرين ) ،(Rosengrenفضال عن جاك
لينهاردت( )J.LEENHARDTوبيري جوزا(...)P.JOZA
هذا ،ويعد روبريت إسكاربيت ( )Robert Escarpitمن أهم رواد السوسيولوجيا
التجريبية يف جمال األدب والنقد واإلعالم والصحافة .وقد أسس خمتربا لسوسيولوجيا
الظواهر األدبية سنة 0861م ،وكان هذا املخترب عامال أساسيا يف تأسيس مدرسة بوردو
السوسيولوجية .وقد ألف كتابا يف (سوسيوكوجي األدإ) سنة 0813م .272ويعد من أهم
الكتب النظرية والتطبيقية يف جمال سوسيولوجيا األدب.
وعليه ،فقد ركز روبرت إسكاربيت على ثالثة عناصر يف دراسة األدب جتريبيا ،وهي:
اإلنتاع ،والتوزيع ،واالستهالك .ويعين هذا أن روبريت إسكاربيت يتعامل مع األدب يف
ضوء رؤية سوسيولوجية اقتصادية مادية .فاليهمه يف حبثه هذا الككيز على احملتويات أو
املضامني ،أو العناية باألشكال الفنية واجلمالية ،بل مهه الوحيد هو استقراء وضعية األدب
يف اجملتمع إنتاجا وتوزيعا واستهالكا ،اعتمادا على املعطيات اإلحصائية واالقتصادية
والتجريبية .ويف هذا السياق ،يقول إسكاربيت معلنا منهجه يف دراسة األدب ":إن كل
حدث أديب يفكض وجود مؤلفني وكتب وقراء ،أو بقول أعم يقتضي وجود مبدعني وآثار
272
-Robert Escarpit: Sociologie de la littérature, Paris, Presses
Universitaires de France, 1958.
221
ومجهور.وهو يكون ميدان تبادل يربط بوسيلة معقدة جدا من الفن والتكنولوجيا والتجارة،
أفرادا حمددين إىل مجاعة مغفلة إىل حد ما ،وإن كانت حمدودة.
ويف مناحي هذا امليدان مجيعا يطر وجود أفراد مبدعني مشاكل يف التأويل النفساب
واألخالقي والفلسفي.كما تطر اآلثار نفسها مشاكل مجالية وأسلوبية ولغوية وتقنية.أما
وجود اجلماعة -اجلمهور فيطر مشاكل ذات طابع تارخيي وسياسي واجتماعي ،بل
واقتصادي أيضا .وبقول آخر هناك على األقل ثالثة آالف طريقة الرتياد احلدث األديب
ودراسته.
إن انتماء األدب املثلث الوجوه إىل عا األذهان الفردية واألشكال اجملردة والبنيات
اجلماعية جيعل دراسته عسرية .ويصعب علينا أن نتصور هذه الظواهر يف أبعاد ثالثة،
وخباصة عندما يكون علينا أن نرجع إىل تارخيها.والواقع أن التاريخ األديب نفسه اعتمد لعدة
ومايزال يعتمد غالبا على دراسة اإلنسان واآلثار فقط -السرية الذهنية وتفسري قرون
املتون -معتربا البيئة اجلماعية نوعا من الزخرف أو الزينة مكوكا لفضول مؤرخي السياسة.
إننا لنلمس عدم وجود رؤية اجتماعية حقيقية حىت يف أفضل خمتصرات كتب التاريخ األديب
من النوع التقليدي .وحيدث أن يعي الكتاب بعدا اجتماعيا ،وحياولوا أن يعطوه شكال،
ولكن باتباعهم أسلوبا دقيقا ومتوافقا مع هذه الغاية ،يظلون غالبا أسرى النظرة التقليدية
لإلنسان واآلثار.فتصبح أعماق التاريخ مطموسة كأهنا عكست على شاشة ذات بعدين،
ويعكي احلدث األديب تشوبه كالذي حيصل لصورة العا املعكوسة يف خريطة
مسطحة.وكما حد على الكرة األرضية اليت يرمسها الطالب بشكل خاطىء أالسكا واسعة
األرجاء إىل جانب مكسيك يف غاية الصغر ،كذلك فنن اثنيت عشرة أو مخس عشرة سنة
من تاريخ قصر فرساي تطمس ستني سنة من احلياة األدبية الفرنسية يف القرن السابع
عشر.
إننا لن نزيل متاما هذه الصعوبات .لئن كان من املستحيل تقدمي عرض كامل ،فاملهم هو
أن يكون كتاب السري أو الشرا واملؤرخون أو النقاد رؤية متكاملة وغري مشوهة عن
222
احلدث األديب احلاضر أو املاضي.واليغيب عن بال الناس أن الكتابة هي اليوم مهنة -أو
على األقل هي عمل رابع -متارس يف إطار النظم االقتصادية اليت اليستهان بتأثريها يف
الناس .وإن الكتاب هو إنتاع مصنوع ليوزع جتاريا.وبالتايل ،خيضع لقانون العرض
والطلب.وعلى العموم ،والخيفى أن األدب هو -باإلضافة إىل أشياء أخرى بديهية" -الفرع
271
املنتج" يف صناعة الكتاب كما أن القراءة هي الفرع " املستهلك"".
ويالحظ أن إسكاربيت يدرس األدب على أساس أنه إنتاع ،وتوزيع ،واستهالك .وسذا،
يكون قد انطلق ،يف دراسته السوسيولوجية ،من خلفيات صناعية ،وجتارية ،ومهنية،
واقتصادية.
وعليه ،فقد اعتمد روبريت إسكاربيت ،يف دراسته السوسيولوجية ،على جمموعة من
املعطيات اإلحصائية الكمية ،باستعمال اجملموع العددي ،والنسب املائوية ،والتحديد
السنوي ،واألشكال اهلندسية ،واملبيانات اإلحصائية .فضال عن جمموعة من اآلليات
املنهجية ،مثل :آلية التصنيف ،وآلية التأريخ ،وآلية التحليل ،وآلية املعاجلة ،وآلية الوصف،
وآلية املقارنة ،وآلية التكميم...
هذا ،وقد توقف روبري إسكاربيت عند مفهوم الكتاب املطبعي وارتباطه باملطبعة ،ودراسة
الكتاب املنتجني ،وتصنيفهم وفق مقولة الفرق واألجيال األدبية ،ودراستهم حسب أصوهلم
االجتماعية ،مع اإلشارة إىل إشكالية التمويل اليت تعكض املبدعني واملثقفني ،والتعريف
حبقوق املؤلف اخلاصة والعامة ،وتبيان أمهية اجلوائز األدبية ،والتشديد على مهنة األدب.
وبعد ذلك ،درس إسكاربيت عملية النشر والتوزيع ،ونسبة الكتب اليت يبيعها األديب،
وعدد طبعات الكتاب ،مع حتديد مفهوم الناشر وعملية النشر ،وتبيان حدود التوزيع،
كاحلديث عن التوزيع احمللي ،والتوزيع اجلهوي ،والتوزيع الوطين ،والتوزيع الدويل ،مث حتدث
أيضا عن الدائرة املثقفة ،والدائرة الشعبية ،وفئة احملتكرين.
224
إىل نشر أعماله .ومن هنا ،رأى إسكاربيت أن حياة األعمال األدبية تبدأ من اللحظة اليت
276
تنشر فيها ،إذ هي ،يف ذلك احلني تقطع صلتها بكاتبها لتبدأ رحلتها مع القراء".
عالوة على ذلك ،فقد قدم جاك لينهاردت وبيري جوزا حبثا جتريبيا يف موضوع القراءة ،يف
ضوء سوسيولوجية األدب والقراءة التجريبية امليدانية .277ومن هنا ،فسوسيولوجيا األدب
والنقد هي قراءة جتريبية للمنتوع األديب أقرب إىل املنظور االقتصادي والتجاري واإلحصائي
منه إىل املنظور النصي واجلمايل.
يقصد بالسوسيولوجيا اجلدلية تلك املقاربة املاركسية القائمة على اجلدل من جهة ،واملادية
التارخيية من جهة أخرى .ويعين هذا أن السوسيولوجيا اجلدلية تدرس الظواهر والوقائع
األدبية والفنية واجلمالية واإلبداعية يف ضوء النظرية املاركسية اجلدلية أو النظرية املادية
التارخيية القائمة على مبدإ الصراع اجلديل ،واملادية التارخيية ،وترجيح كفة ماهو مادي
واقتصادي على ماهو فكري وثقايف.ومن مث ،تتخذ هذه النظرية توجها ماديا واقتصاديا
حمضا.
وترتبط السوسيولوجيا اجلدلية ،على مستوى التصور النظري ،بكارل ماركس من جهة،
وأحلز من جهة أخرى .وتؤمن السوسيولوجيا اجلدلية بأمهية العمل التطبيقي ،وأسبقيته على
الفكر النظري .وبالتايل ،فاملمارسة العملية أو الرباكسيسية أساس تطور اجملتمعات .كما أن
األساس املادي واالقتصادي واجملتمعي أهم من البىن الفوقية .ومن مث ،تنبين السوسيولوجيا
-276حسني الواد :فا دن هج اكدراس ت األدبي ،منشورات اجلامعة ،املغرب ،الطبعة الثانية سنة ،0831
ص.78:
277
- J.LEENHARDT et P.JOZA: LIRE LA LECTURE,
Lasycomore, Paris, 1982.
225
اجلدلية على املنهج اجلديل القائم على القوانني الثالثة (األطروحة ،ونقيضها ،وتركيبها)،
ووحدة صراع املتناقضات ،وقانون الكم والكيف ،وقانون نفي النفي.
وما يالحظ على السوسيولوجيا اجلدلية أهنا حتمل رؤية ثورية تقويضية وراديكالية ،أساسها
التغيري اجلديل انطالقا من املادية التارخيية ،لكن يغلب عليها الطابع امليتافيزيقي ،والرؤية
الشعرية احلاملة ،والطوباوية اخليالية ،وانفصال النظرية عن الواقع ،وفشل التنبؤات املاركسية
يف حتقيق غاياهتا ومراميها وأهدافها البعيدة.
ومن هنا ،حتاول السوسيولوجيا اجلدلية أن تربط األدب باجملتمع يف ضوء التصور اجلديل،
والصراع الدياليكتيكي ،بغية استخالص خمتلف التناقضات اجلدلية اليت يعرفها اجملتمع على
املستويات السياسية ،واالجتماعية ،واالقتصادية ،والتارخيية ،والثقافية...أي :تتوجه املناهج
السوسيولوجيا اجلدلية إىل النص األديب بغية دراسة بنياته اللغوية واألسلوبية والداللية ،يف
ضوء املادية التارخية ،والفلسفة اجلدلية ،ومتثل التصورات النظرية جملموعة من املنظرين
اجلدليني ،أمثال :هيجل ،وماركس ،وأحلز ،ولينني ،وماوتسي تونغ ....أي :تقوم
السوسيولوجيا اجلدلية املاركسية على حتليل النص قصد فهمه وتفسريه وتأويله دياليكتيكيا أو
جدليا ،يف ضوء جمموعة من الظروف السياسية واالقتصادية واالجتماعية والثقافية
والتارخيية.
ومن بني أهم النقاد الذين تبنوا املنهج اجلديل نذكر جورع لوكاش ،وبليخانوف ،وماكسيم
جوركي ،ورواد مدرسة فرانكفورت النقدية...
226
اكفرع األ ل :جورج كوكـ ـ ش
يعد جورع لوكاش من أهم النماذع املعربة عن السوسيولوجيا اجلدلية ،كما يبدو ذلك جليا
يف كتاباته العديدة ،وخاصة كتابه (نظر اكر ا ) الذي اختذ طابعا هيجيليا ،حيث نظر إىل
الرواية على أهنا "ملحمة البورجوازية"؛ لكوهنا تصور نثرية العالقات االجتماعية ،وضياع
اإلنسان واهنياره .كما تعرب عن الكدد املشتت لإلنسان بني الذات واملوضوع ،على عكس
ما كانت تنشده امللحمة القدمية اليت كانت تعرب عن الكلية التامة بني الذات واملوضوع ،يف
إطار مثايل سعيد .يف حني ،تصور الرواية مدى االنشقاق املوجود بني الذات واملوضوع.
ومن مث ،فالرواية -حسب لوكاتش -تعبري عن وضع مأساوي وتراجيدي .بيد أن اهليجيلية
ما زالت حمتفظة يف كتابات لوكاتش األخرية ،كما هو حال كتايب (دراس ت فا اكواقيي
األ ربي ) و(اكر ا اكا ر خي ) ،حيث يثبت يف هذين الكتابني أن « الفنانني العظام هم
أولئك الذين يلتقطون املتناغم أو املنسجم يف احلياة ،ليعيدوا خلق الوحدة الشاملة للحياة
اإلنسانية ،ويف جمتمع يزيد فيه االغكاب الرأمسايل من هوة االنقسام بني العام واخلاص ،وبني
التصوري واحلسي ،وبني االجتماعي والفردي ،يصل الكاتب العظيم وصال جدليا بني هذه
العناصر املنقسمة ،ويوجد بينها يف وحدة شاملة مركبة األبعاد ،فتقدم قصته صورة مصغرة
من الوحدة الشاملة املركبة للمجتمع .ومبثل ذلك ،يقاوم الفن العظيم اغكاب اجملتمع
الرأمسايل وجتزأه ،مقدما صورة ثرية متعددة اجلوانب للوحدة اإلنسانية الشاملة».273
ويسمي لوكاتش هذا النوع من الفن "بالواقعية" اليت ميثل هلا باإلغريق ،وشكسبري ،وبلزاك،
وتولوستوي .وهكذا ،فحقب الواقعية الفنية حمصورة يف اليونان وعصر النهضة ،وفرنسا يف
أوائل القرن التاسع عشر .واألثر الواقعي عند لوكاتش ثري من حيث القيمة الفنية واألدبية؛
ألنه ينطوي على رؤية للعا كلية ومنسجمة مكابطة العالقات بني اإلنسان والطبيعة
- 273تريي اجييلتون :اكي ركسي اكنقد األدبا ،ترمجة :جابر عصفور ،عيون املقاالت ،الدار البيضاء ،املغرب،
الطبعة الثانية سنة 0836م ،ص.82 :
227
والتاريخ .وتساهم هذه العالقات يف جتسيد النمطي يف مرحلة معينة من مراحل التاريخ.
ولقد وظف لوكاتش مفاهيم هيجيلية أكثر مما هي ماركسية خالصة ،كمفهوم الوحدة
الشاملة ،والعا التارخيي .ومن هنا ،يشيد لوكاتش كثريا بالكتابات الواقعية؛ ألهنا ركزت
على األوضاع التارخيية اليت خلقتها.ولكنه يندد بالطبيعية والشكلية اللتني أسقطتا الواقعية
يف الدرك األسفل.
ويصف لوكاتش ) (Lukacsطبيعية إميل زوال بكوهنا تشويها للواقعية؛ ألن ذلك التشويه
يقوم على جمرد التصوير الفوتوغرايف لسطح الظواهر االجتماعية ،بدل النفاذ إىل جوهرها
الدال؛ وعلى حنو حتل فيه التفاصيل احلرفية حمل تصوير املالمح النمطية ،وتتقهقر العالقات
اجلدلية بني البشر وعاملهم لتسيطر موضوعات ميتة عارضة ليست وثيقة الصلة
بالشخصيات ،وتذعن الشخصية الواقعية "املمثلة" لعبادة العادي ،وحيتل علم النفس وعلم
وظائف األعضاء مكانة التاريخ؛ العا احلقيقي الذي حيدد الفعل الفردي .إن الطبيعية
رؤية مغكبة عن الواقع يتحول معها الكاتب عن كونه مشاركا فعاال يف التاريخ ليغدو جمرد
مالحظ أكلينيكي .ويستوي عجز الطبيعة عن فهم "النمطي" مع عجزها عن خلق الوحدة
الشاملة الدالة بني العناصر ،وعلى حنو تنهار معه امللحمة املتكاملة واألحداث الدرامية اليت
تصاعدت سا الواقعية ،فتهوي إىل هوة من االهتمامات الذاتية اخلالصة».278
كما واجه جورع لوكاتش املدرسة الشكلية اليت تبتعد عن الواقع ،وتنحو منحا فنيا ،ويرى
فيها ضياعا لإلنسان والتاريخ واجملتمع .وهكذا ،فالطبيعية لدى لوكاتش نوع من املوضوعية
اجملردة .بينما الشكلية هي جتريد ذايت ،وكالمها احنراف عن اجلدلية األصيلة يف الفن
الواقعي.
هذا ،وقد صنف جورع لوكاش اجلنس الروائي تصنيفا اجتماعيا وتارخييا على الوجه التايل:
ر ا اكيث كي اكيجردة :كان ظهورها مع نشأة اجملتمع الرأمسايل ،ومن أمثلتها رواية
(د ن كيشوت) لسرفانتيس ،Cervantesحيث فشل بطل الرواية يف حتقيق قيمه
229
والواقع الرأمسايل الذي ضاع فيه اإلنسان ،وغاب عنه اإلله .واتسم األسلوب بالواقعية
الفانطاستيكية .وقد عاجلت الرواية احلقائق االجتماعية برو من التهكم والسخرية.
غز اكواقع اكيودا :حتقق هذا يف األدب اإلحليزي مع مسولت وفيلدنغ ،حيث
سيطرت الطبقة الربجوازية على زمام أمور اجملتمع ،وامتلكت وسائل اإلنتاع ،وسيطرت على
إدارات املؤسسات .فتغريت النظرة الروائية اهلجائية لتعانق الواقع بكل حدة ودقة ،وكانت
طموحاهتا أن ترسم بطال ملحميا ،لكنها خلقت لنا بطال إجيابيا بورجوازيا .بيد أن هناك
من صور العا البورجوازي الرأمسايل بوحشية شرسة.
شير اكسلط اكر ي اك يواني :ملا اتضحت تناقضات اجملتمع الرأمسايل للجميع،
دخلت الطبقة العمالية ( الربوليتاريا ) املعركة النضالية ضد الطبقة البورجوازية بغية احلد من
أوهامها البطولية .يف الوقت الذي ححت فيه الثورة الفرنسية اليت كانت تتغىن بالقيم املثلى،
مثل :األخوة ،واحملبة ،واملساواة.
ز ال اكشتل اكر ائا :متثل هذه الفكة شيخوخة اإلديولوجيا الربجوازية، اكطبييي
حيث اشتد الصراع الربوليتاري والطبقي منذ جوان ،0383وظهرت الطبقة العمالية
باعتبارها قوة مستقلة ومنظمة .ويعد إميل زوال خري من عرب عن هذه املرحلة برواياته
الطبيعية ،والسيما روايته املتميزة (جيردين ل ،(Germinal /وقد اتسم أسلوسا الروائي
بالذاتية واملوضوعية والتجريبية املصطنعة .ومن مث ،فقد صور األدباء الطبيعيون عا الصراع
تصويرا فيزيولوجيا وطبيعيا ،معتمدين على التحليل والوصف بدل السرد ،وكان عاملهم
املصور عاملا ثابتا وهنائيا .كما اعتمدوا على الرجل املتوسط ،وابتعدوا عن النماذع الفردية
وامللحمية .وهكذا ،افتقدت هذه الرواية الطابع امللحمي والسرد الواقعي احلقيقي واإلنساب.
آف ق اكواقيي االشاراكي :ظهرت هذه الرواية مع اضمحالل البورجوازية ،وسيطرة
الربوليتاريا على وسائل اإلنتاع ،وهيمنتها على زمام األمور ،باإلضافة إىل مرحلة تشييد
االشكاكية ،فلم يعد احلديث عن نثرية الرواية والبطل الفردي اإلشكايل ،بل استبدل ذلك
البطل باجملموعة اإلشكالية مع رواية (األد) ملاكسيم كوركي ) ،(Korkiو(اكد ن اكه دئ)
230
لشولوخوف ) .(Cholokhovوأصبحت هذه الرواية ذات الطابع الواقعي االشكاكي
تتغىن بعا هومريوس امللحمي ) ،(Homèreحيث السعادة املثلى ،والعدالة االجتماعية،
والتالحم املطلق بني الذات واملوضوع.
وعلى العموم ،يعد جورع لوكاش من أهم رواد السوسيولوجيا اجلدلية يف األدب والنقد ،إذ
كان يقارب كثريا من الظواهر األدبية والفنية واجلمالية واإلبداعية يف ضوء املقكب
السوسيولوجي ،مستفيدا من تصورات هيجل ،وماركس ،وأحلز...
يعد تيودور أدورنو من أهم رواد النظرية النقدية األملانية ،ومن املؤسسني الفعليني ملدرسة
فرانكفورت ،وقد انصب اهتمامه على جمال الثقافة ،وخباصة املوسيقا ،والتحليل النفسي،
ونظرية علم اجلمال ،متأثرا يف ذلك بوالك بنيامني ،و يعرف بالنظرية اجلدلية ،بقدر ماعرف
باجلدل السليب يف نقده للنظريات الفلسفية والنظريات االجتماعية ،كأنه يعيدنا سذه
األفكار السلبية إىل مذاهب الشك والنسبية .وإذا كان هوركامير وماركوز هلما صياغة
اجتماعية إجيابية على أساس التصور اهليغلي للعقل ،فنن آراء أدورنو كانت بعيدة عن
املاركسية ،على الرغم من كونه يدعي أن فلسفته مادية جدلية .وقد انتقد أدورنو مرات
عديدة أفكار ماركس ،وخاصة علم التاريخ واملادية التارخيية ،و يهتم حبال من األحوال
بتحليل ماركس االقتصادي ،وعالقته بنظريته عن الطبقات ،بل أخذ من جورع لوكاش
املستوى السليب من النقد اإليديولوجي يف نقد الوعي الطبقي البورجوازي .وقد ساهم يف
بلورة النقد الثقايف ،كما يبدو ذلك واضحا يف حبثه الذي كتبه مع هوركامير بعنوان( جدل
اكانو ر) (0822م) ،حيث انتقد فيه العقل العلمي الوضعي الذي يقدم حقائق زائفة عن
الوضع البشري ،وانتقد العلم والتقنية ،وكان يرامها سببا يف استالب اإلنسان واستغالله،
231
وأهنما وهم إيديولوجي زائف ليس إال .كما انتقد الثقافة اجلماهريية الساذجة اليت تساعد
على انتشار اإليدولوجيا الوامهة.
ومن جهة أخرى ،رفض أدورنو نظرية لوكاش الواقعية اليت تقوم على االنعكاس املباشر،
حيث يتحول األدب أو الفن ،يف منظوره ،إىل مرآة تعكس بطريقة مباشرة مايقع يف الواقع
حماكاة ومتثال ونقال وتصورا .وقد اهتم أدورنو باجلمال اهتماما الفتا لالنتباه ،ويعد أدورنو
كذلك من رواد نظرية اجلمالية اجلديدة ،حيث ألف كتابا حتت عنوان( نظر اكجي ل)،
حيث يعطي مفهوما جديدا للفن واجلمال خمالفا للتصور املاركسي الذي يرى اجلمال متثال
للعا وانعكاسا له .بينما يرى أدورنو اجلمال أو الفن وسيلة هروب غامضة .و" هكذا،
يرفض أدورنو نظرة لوكاش إىل الواقعية ،مؤكدا أن األدب اليتصل اتصاال مباشرا بالواقع على
حنو مايفعل العقل ،فتباعد الفن عن الواقع هو الذي يكسبه قوته وداللته اخلاصة .ويتوقف
أدورنو عند الطرائق اليت يستخدم سا املسرحي صمويل بيكيت الشكل ،واملوسيقار شوبنربع
231
الثورة الالنغمية ،ليصور خواء الثقافة احلديثة".
ويعين هذا أن شعرية األدب التكمن يف مفهوم احملاكاة ،بل يف االنزيا واالبتعاد عن مفهوم
االنعكاس املباشر .كما يتخذ الفن عند أدورنو موقفا نقديا وسلبيا من العا .ويف هذا
السياق ،يقول دافيد كارتر ( ":)David karterانتقد أدورنو نظرية لوكاش القائلة :إن
للفن عالقة مباشرة مع الواقع .وبالنسبة ألدورنو ،إن الفن ،مبا يف ذلك األدب ،معزول عن
الواقع ،وهذا هو مصدر قوته متاما .إن أشكال الفن الشعيب تؤكد فقط ،على مطابقة قواعد
اجملتمع ،وختضع لتلك القواعد أيضا ،ولكن الفن احلقيقي يتخذ موقفا نقديا ،يف منأى عن
- 231توم بوتومور :ددرس فرانتفورت ،ترمجة :سعد هجرس ،دار أويا ،دار الكتب الوطنية ،ليبيا ،الطبعة الثانية
سنة 2112م ،ص.033:
232
العا الذي أنشأه " :الفن هو املعرفة السلبية للعا الفعلي" .ورأى أدورنو االغكاب واضحا
230
يف كتابات بروست وبيكيت على أهنا تثبت هذه املعرفة السلبية للعا احلديث".
ومن هنا ،فالنظرية النقدية -حسب أدورنو -هي نقد للواقعية املاركسية االنعكاسية
الساذجة اليت تعقد الصلة املباشرة بني األدب واجملتمع ،يف جل تناقضاته السياسية
واالجتماعية واالقتصادية والثقافية والتارخيية.
ويف األخري " ،ير أدورنو إمكانية لتحرير الفرد من التسلط واهليمنة ،ال يف ظهور مجاعات
معارضة جديدة ،وال يف التحرر اجلنسي ،وإمنا ارتأى هذه اإلمكانية باألحرى يف عمل
الفنان األصيل الذي يواجه الواقع املعطى بالتلميح إىل ماميكن أن يكون .وعلى هذا ،فنن
الفن األصيل ميتلك قوة غالبة ،لدرجة يضعه أدورنو يف مواجهة العلم الذي يعكس الواقع
املوجود فحسب ،فيما ميثل الفن األصيل شكال أعلى من أشكال املعرفة ،وسعيا متجها إىل
232
املستقبل وراء احلق".
إذا ،ما مييز أدورنو هو اهتمامه باألدب والفن ،على أساس أن الفن هو الذي حيرر اإلنسان
من اهليمنة والسيطرة واالستبداد.
يعد والك بنيامني (0821-0382م) من رواد مدرسة فرانكفورت ،وقد تأثر بكتابات كارل
ماركس وأفكار جورع لوكاش الواقعية ،وتكمن أمهيته يف كونه قدم أفضل الصيغ يف الفكر
النقدي لألدب ،وقد سامهت نظريته ،بشكل أو بةخر ،يف ظهور البنيوية التكوينية عند
لوسيان كولدمان .وقد اهتم بالفن كأدورنو اهتماما الفتا لالنتباه ،حيث درس األدب يف
-ديفيد كارتر :اكنظر األدبي ،ترمجة :باسل املسامله ،دار التكوين ،دمشق ،سوريا ،الطبعة األوىل سنة 230
2101م ،ص.68:
- 232توم بوتومور :نفسه ،ص.38-33:
233
ضوء مفاهيم ماركسية ،حيث اعترب الفن واإلبداع األديب إنتاجا واملؤلف منتجا ،كما يتضح
ذلك جليا يف كتابه( اكيؤكف دناج) (0882م) .وقد طالب بنيامني أن يكون اإلنتاع
ثوريا ،وعامال فعاال يف خلق عالقات اجتماعية جديدة بينه وبني املتلقي .ويعين هذا أنه
يدعو إىل الفن الثوري الذي يغري اجملتمع شكال ومضمونا ،وينوره بشكل إجيايب عرب مترير
رسائل ثورية .ومن هنا ،يعتمد الفن عند والك بنيامني " على تقنيات معينة من اإلنتاع،
شأنه يف ذلك شأن غريه من أشكال اإلنتاع.أي :يعتمد على أمناط معينة يف الرسم والنشر
والعرض املسرحي...إخل.هذه األمناط جزء من القوى اإلنتاجية للفن ،وجانب من مرحلة من
مراحل تطور اإلنتاع الفين ،تتضمن مجاعا من العالقات االجتماعية بني الفنان املنتج
238
واملتلقي املستهلك".
ومن جهة أخرى ،يرى بنيامني أن االستنساخ الصناعي قد قضى على الفن الراقي
والسامي ،وحوله إىل كليشيهات الحياة فيها والرو .وهكذا ،يقول بنيامني ،يف مقاله(
اكييل اكفنا فا عصر االسانس خ اكصن عا) (0888م) ": ،إن األعمال الكاثية يف الفن
كانت حتيط سا هالة من التفرد والتميز والتباعد والدميومة .ولكن االستنساخ اآليل للرسم،
مثال ،قضى على هذا التفرد ،وأحل حمل اللوحة الفريدة نسخا شعبية ،فحطم بذلك من
هالة الفن املتوحد املغكب ،وأتا للمشاهد أن يرى اللوحة حيث يشاء ،وحني يشاء .وإذا
كان البورتريه حيافظ على تباعده عن املوضوع ،فنن آلة التصوير تنفذ إىل املوضوع ،وتقارب
بينه وبني املشاهد إنسانيا ومكانيا إىل أبعد حد ،فتقضي على أي سحر غامض ينطوي
عليه املوضوع .يضاف إىل ذلك أن الفيلم يف آلة التصوير جيعل الناس مجيعا خرباء ،ماظلوا
232
قادرين على التقاط الصور الفوتوغرافية؛ فتتهدم الشعرية التقليدية ملا مسي بالفن الراقي".
وهكذا ،فقد كان والك بنيامني املمهد الفعلي النبثاق البنيوية التكوينية اليت كانت جتمع بني
الفهم والتفسري.
- 236ولد لوسيان ڭولدمان يف رومانيا سنة 0808م ،وتويف سنة 0871م بفرنسا .وهو باحث يف سوسيولوجيا
األدب.
235
وقد ركز لوسيان ڭولدمان على جمموعة من املفاهيم اإلجرائية ،مثل :التماثل ،والكلية،
والبطل اإلشكايل ،والوعي ،والرؤية إىل العا ،والفهم ،والتفسري ،واالنسجام.237
إذا كان املنهج االجتماعي الوضعي يعقد ربطا آليا بني مضامني األدب واجملتمع ،على
أساس أن األديب ال يعكس سوى بيئته ووسطه االجتماعي ،فنن البنيوية التكوينية تعقد
متاثال من نوع آخر ،ليس بني مضمون األدب واجملتمع ،بل بني األشكال األدبية وتطور
اجملتمع بطريقة غري آلية .ويتم هذا الكابط بواسطة التناظر أو التماثل بني البىن اجلمالية أو
الفنية والبىن االجتماعية .وميكن التمييز كذلك بني بنيوية تكوينية وظيفية ميثلها لوسيان
كولدمان ،وبنيوية شكالنية غري تكوينية ميثلها كل من جاكبسون ،وكلود لفي شكاوش،
وروالن بارت ،وكرمياس ،وألتوسري ،وفوكو ،والكان.....
هذا ،وإن البنيوية التكوينية عبارة عن تصور علمي حول احلياة اإلنسانية ضمن بعدها
االجتماعي .ومتتح تصوراهتا النفسية من آراء فرويد ،ومفاهيمها اإلبستيمولوجية من
نظريات هيااجل ،وماركس ،وماكس فيرب ،وجورع زميل ،وبيري بورديو ،وجان بياجي .أما
على املستوى التارخيي واالجتماعي ،فتعود تصوراهتا النظرية إىل آراء هيجل ،وماركس،
وكرامشي ،ولوكاتش ،واملاركسية ذات الطابع اللوكاتشي.
ويستهدف لوسيان كولدمان ،يف إطار بنيويته التكوينية ،رصد رؤى العا يف األعمال
األدبية اجليدة ،انطالقا من عملييت الفهم والتفسري ،بعد حتديد البىن الدالة يف شكل
مقوالت ذهنية وفلسفية .ويعد املبدع ،يف النص األديب ،فاعال مجاعيا بامتياز ،يعرب عن
وعي طبقة اجتماعية ينتمي إليها ،وهي تتصارع مع طبقة اجتماعية أخرى هلا تصوراهتا
اخلاصة للعا .أي :إن هذا الفاعل اجلماعي يكجم آمال الطبقة االجتماعية وتطلعاهتا
236
املستقبلية؛ والسيما أن املبدع قد ترعرع يف أحضاهنا ،ويصيغ منظور هذه الطبقة أورؤية
العا اليت تعرب عنها بصيغة فنية ومجالية تتناظر مع معادهلا املوضوعي "الواقع".
وتنبين منهجية لوسيان كولدمان السوسيولوجية على كلية العمل األديب أو الفين ،ودراسته
على أساس أنه بنية دالة كلية .ويستلزم هذا حتليل النص بطريقة مشولية ،بتحليل بنياته
الصغرى والكربى ،بدءا برصد عناصره الفونولوجية والككيبية والداللية والبالغية والسردية
والسيميولوجية ،دون أن نضيف ما ال عالقة له بالنص ،إذ علينا أن نلتزم مبضامني النص
الكلية دون تأويله أو التوسع فيه .وبعد ذلك ،حندد البنية الدالة ،وهي مقولة ذهنية
وفلسفية تستخلص من كلية العمل األديب عرب توارد تيماته املتواترة .ويشكل هذا كله
عملية الفهم( .)COMPREHENSION LAوعندما حندد البنية الدالة
والرؤية للعا املنبثقة عن الوعي املمكن ،نفسر تلك الرؤية خارجيا أومايسمى لدى
كولدمان( ،) EXPLICATIONبتحديد العوامل املؤثرة يف هذه البنية ،وكيف
تشكلت من خالهلا رؤية العا .ويعين هذا أنه من الضروري االنتقال إىل خطوة أساسية
وهي تفسري النص خارجيا ،بعد فهمه داخليا ،بالككيز على العوامل التارخيية واالجتماعية
والسياسية والثقافية .ويعين هذا كله أن البنية الدالة ،ذات الطابع الفلسفي ،ال ميكن أن
تبقى ساكنة ،بل ال بد من إدراجها ضمن بنية أكثر تطورا ملعرفة مولداهتا ،وأسباب
تكوينها؛ لذلك مسيت بالبنيوية التكوينية (.)Structuralisme génétique
وتعتمد البنيوية التكوينية على مصطلحات إجرائااية ال بد من التسلح سا لتحليل النص
األديب حتليال سوسيولوجيا لألشكال األدبية .وميكن حصر هذه املصطلحات فيما يلي:
237
اكفهم اكافسيرLa compréhension et l’éxplixation :
إذا كان الفهم هو الككيز على النص ككل دون أن نضيف إليه شيئا من تأويلنا أو شرحنا،
فنن التفسري هو الذي يسمح بفهم البنية بطريقة أكثر انسجاما مع جمموع النص املدروس.
ويستلزم التفسري استحضار العوامل اخلارجية إلضاءة البنية الدالة.233
اكرؤ ـ كلي كمLa vision du monde :
يقصد بالرؤية للعا " جمموعة من األفكار واملعتقدات والتطلعات واملشاعر اليت تربط
أعضاء مجاعة إنسانية (مجاعة تتضمن ،يف معظم احلاالت ،وجود طبقة اجتماعية)،
وتضعهم يف موقع التعارض يف جمموعااات إنسانية أخرى".238
ويعين هذا أن الرؤية للعا هي تلك األحالم والتطلعات املمكنة واملستقبلية واألفكار
املثالية اليت حيلم بتحقيقها جمموعة أفراد جمموعة اجتماعية معينة.
إهنا باختصار تلك الفلسفة اليت تنظر سا طبقة اجتماعية إىل العا والوجود واإلنسان
والقيم .وتكون خمالفة ،بالطبع ،لفلسفة أو رؤية طبقة اجتماعية أخرى .فمثال ،حد رؤية
الطبقة الربجوازية للعا خمتلفة كليا عن رؤية الطبقة الربوليتارية .كما أن رؤية شعراء التيار
اإلسالمي خمتلفة جذريا عن رؤية شعراء التيار االشكاكي يف أدبنا العريب املعاصر.
اكاي ثـ ــل Homologie
ليست العالقة بني األدب واجملتمع عالقة آلية أوانعكاسية أو عالقة سببية دائما ،بل على
العكس ،فنهنا عالقة ذات تفاعل متبادل بني اجملتمع واألدب.وبتعبري آخر ،تتماثل
األشكال األدبية -وليست حمتويات األدب -مع تطور البنيات االجتماعية واالقتصادية
والتارخيية .ويعين هذا أن هناك تناظرا بني البنية اجلمالية والبنية االجتماعية بطريقة غري
-581صاحل سليمان عبد العظيم :سوسيوكوجي اكر ا اكسي سي ،اهليئة املصرية العامة للكتاب ،القاهرة ،مصر،
الطبعة األوىل ،0883ص.12:
-280صاحل سليمان عبد العظيم :سوسيوكوجي اكر ا اكسي سي ،ص.17:
239
" وإذا كان الوعي الفعلي يرتبط باملشكالت اليت تعانيها الطبقة أو اجملموعة االجتماعية،
من حيث عالقاهتا املتعارضة ببقية الطبقات أو اجملموعات ،فنن هذا الوعي املمكن يرتبط
باحللول اجلذرية اليت تطرحها الطبقة لتنفي مشكالهتا ،وتصل إىل درجة من التوازن يف
العالقات مع غريها من الطبقات أو اجملموعات ".282
وعليه ،ميكن احلديث -إذا -عن أمناط ثالثة من الوعي لدى الشخصية الروائية -حسب
كولدمان -الوعي الزائف ،والوعي القائم ،والوعي املمكن .ويعد الوعي املمكن أفضل هذه
األمناط كلها.
اكبني اكداك ـ ـ أ اكدالكي Structure signifiante
البنية الدالة هي عبارة عن مقولة ذهنية أو تصور فلسفي يتحكم يف جمموع العمل األديب.
وتتحدد من خالل التواتر الداليل ،وتكرار بنيات ملحة على نسيج النص اإلبداعي ،وهي
اليت تشكل حلمته ومنظوره ونسقه الفكري .وحتمل بىن العا اإلبداعي دالالت وظيفية
متعددة وثرة ،تعرب عن انسجام هذا العا ومتاسكه دالليا وتصوريا يف التعبري عن
الطموحات االجتماعية والسياسية واإليديولوجية للجماعة .وحيدد كولدمان الدور املزدوع
للبنية الدالة باعتباره مفهوما إجرائيا باألساس .فهو" من جهة األداة األساسية اليت متكننا
من فهم طبيعة األعمال اإلبداعية ودالالهتا ،ومن جهة أخرى ،فهو املعيار الذي يسمح لنا
بأن حنكم على قيمتها الفلسفية واألدبية أواجلمالية ،فالعمل اإلبداعي يكون ذا صالحية
فلسفية أو أدبية أو مجالية مبقدار ما يعرب عن رؤية منسجمة عن العا إما على مستوى
املفاهيم ،وإما على مستوى الصور الكالمية أو احلسية .وإننا لنتمكن من فهم تلك
األعمال وتفسريها تفسريا موضوعيا مبقدار ما نستطيع أن نربز الرؤية اليت تعرب عنها ".288
اكر ا اكيربي ،املركز الثقايف العريب ،الدار البيضاء ،املغرب ،الطبعة -282نقال عن فيصل دراع :نظر اكر ا
األوىل سنة ،0888ص.21:
اكر ا اكيربي ،ص.20: -281فيصل دراع :نظر اكر ا
241
بطل يعيش اضطرابا مأساويا ،ومأزقا جيعله يكدد بني الذات واملوضوع ،بني الفرد واجلماعة.
وبالتايل ،يفشل يف حتقيق أهدافه وقيمه األصيلة يف جمتمع ال يعكف بالقيم الكيفية ،وال
يؤمن إال بقيم التبادل والسلع واملعايري املادية.
وعلى العموم ،ينطلق لوسيان كولدمان ،على املستوى املنهجي ،من املنهجية البنيوية
التكوينية .ويعين هذا املصطلح وجود مفهومني أساسيني مها :البنية من جهة ،والتوليد أو
التكون من جهة ثانية .واملقصود سذا أن األدب بنية مجالية وفنية مستقلة بنفسها .بيد أن
هذه البنية ختضع لصريورة تطورية تارخيية أو دياكرونية تتماثل مع تطور اجملتمع يف خمتلف
بناه السياسية واالقتصادية واالجتماعية والثقافية والتارخيية.
وقد وضح كولدمان منهجيته النقدية بشكل جيد يف كتابه (دن أجل سوسيوكوجي
اكر ا ) ،حيث بني أن الرواية عبارة عن حبث منحط عن قيم أصيلة يف عا منحط
بدوره .ويعين هذا أن مثة بطال إشكاليا يكدد بني الذات والواقع ،حيمل قيما أصيلة ،لكنه
يفشل يف حتقيقها يف الواقع املنحط .لذلك ،يصبح هذا البطل مثاليا وشخصية غري منجزة،
عندما ينهزم أمام شراسة الواقع؛ ويكون رومانسيا عندما يكون وعيه الذايت أكرب من الواقع؛
ويكون بطال متصاحلا مع الواقع املوضوعي ،عندما يفرض عليه الواقع الشرس منطق
التكيف والتأقلم لتحقيق التوازن النفسي واالجتماعي.
ومن هنا ،متلك كل شخصية يف الرواية وعيا معينا ،فقد يكون وعيا وامها وزائفا وخادعا ،أو
وعيا واقعيا عاديا وطبيعيا ،أو وعيا استشرافيا ممكنا .ومن مث ،البد على الباحث
السوسيولوجي أن حيلل الرواية يف ضوء عملية الفهم (،)Comprehension
باستيعاب دالالت النص أو العمل بشكل كلي ،دون إضافة أي شيء ،مث حتديد البنية
الذهنية أو املقولة الفلسفية اليت حتيط بكل جوانب النص .وبعد ذلك ،تفسر تلك البنية
الدالة يف ضوء بنية أوسع ترتبط بالتفسري ( ،)Explicationباالنفتا على ماهو
سياسي ،واقتصادي ،واجتماعي ،وتارخيي ،وثقايف .وبعد ذلك ،حيدد الدارس نوع الوعي،
ويرصد طبيعة رؤية العا املهيمنة يف النص.
242
ومن جهة أخرى ،تناول كولدمان ،يف الكتاب نفسه ،الرواية الفرنسية اجلديدة كما عند
آالن روب غرييه ) ،(Grilletوريكاردو ) ،(Ricardouوناتايل ساروت
) ،(Sarrauteوميشيل بوتور ) ،(Boutourوكلود سيمون )...(C.Simon؛
باحثا عن مدى متاثلها مع الواقع املادي ،منطلقا من فرضية أساسية أال وهي أن الرواية
اجلديدة اليت ظهرت يف فرنسا إبان اخلمسينيات ،عن دار منتصف الليل -Minuit -
ليست جمرد رواية أشياء شكلية ،بل حتمل يف طياهتا محوالت واقعية وسوسيولوجية.
وهكذا ،يتبحر كولدمان يف فضاء الرواية اجلديدة ،منطلقا من سوسيولوجيا األشكال،
حيث يعد الرواية جمرد سعي زائف ،يقوم به البطل لتحقيق قيم أصيلة ،يف جمتمع زائف
ومنحط .وبالتايل ،جتمع الرواية بني مستني من مسات الكاجيديا وامللحمة .فامللحمة هي
تالحم كلي بني البطل والعا املوضوعي ،بينما الكاجيديا هي انفصال تام بني البطل
الزائف .أما الرواية ،فهي تعبري عن صراع بني عاملني :عا القيم اخلفية ،والعا الزائف
(الظاهر) .ويسمى البطل الذي يعيش هذا الصراع الكاجيدي وامللحمي البطل اإلشكايل،
وهو بطل إجيايب وسليب يف الوقت نفسه؛ فهو إجيايب ألنه حيمل قيما أصيلة؛ وسليب ألنه
يفشل يف حتقيقها يف أرض الواقع.
هذا ،وقد قارب كولدمان األشكال الروائية الغربية ،بعقد مماثلة بني األشكال والبىن األدبية
286
والروائية والتطور اجملتمعي على الشكل التايل:
- 286انظر :لوسيان كولدمان وآخرون :اكر ا اكواقع ،ترمجة :رشيد بنحدو ،عيون املقاالت ،الدار البيضاء،
املغرب ،الطبعة األوىل سنة ،0833ص.60-86 :
243
البنية القصصية أو الروائية البنية االقتصادية الرأمسالية
در ل االقاص د اك ر أ اكليبراكي اكشتل اكر ائا اكبيوغرافا (اكر ا
االقاص د (ىكح أ اير اكقرن 08أ ائل اكتمسيتي )
اكقرن ،51قد دده اكيلي ء فا سن
.)0801
(ك فت م ب ن اكشخصي اكير ل اإلدبر كي ،تياد دن سن ر ا
-Kafka 0802س رتر – Sartreك دو ىكح سن 0805تقر ب
ها در ل -Camusجورج -Joyceفرجينب (االقاص د اإلدبر كا)،
كف ،(Werginia Wolfأ د ادا زت باطور اكار سا ت.
اكينوكوجي ،أ ر ا ت سيح ب كر ا
تي ر اكوعا.
در ل االقاص د اكرأسي كا اكينظم اكر ا اكجد دة أ ر ا األشي ء.
(اكاتنوقراطي اآلكي ) ،دع تديل اكد ك
فا اكشؤ ن االقاص د .قد ناج عن
مكك االساهمك ،االسامإ ،اكاشيؤ،
االغاراإ.
أما فيما يتعلق بكتابه (اإلكه اكخفا) ،287فقد حاول كولدمان فهم أعمال ومسرحيات
كل من ) (Corneilleوراسني ) (Racineوباسكال ) ،(Pascalبالتوقف عند
مقوالت معينة تتوارد بكثرة هي :اهلل ،والعا ،واإلنسان .وحتدد هذه املقوالت عالقة الغياب
287
- Lucien Goldmann: Le dieu caché ; étude sur la vision tragique
dans les Pensées de Pascal et dans le théâtre de Racine, Paris,
Gallimard, 1955.
244
اإلالهي ،وضياع البشر ،واهنيار القيم .وبالتايل ،فرؤية هؤالء للعا هي الرؤية الكاجيدية.
ولقد ربط كولدمان هذه الرؤية املأساوية باحلركة الدينية الفرنسية اجلنسينية« .ويفسر
اجلنسينية بوصفها نتيجة إزاحة جمموعة اجتماعية بعينها ،يف فرنسا ،يف القرن السابع عشر،
هي جمموعة " نبالة الرداء " من موظفي البالط الذين اعتمدوا اقتصاديا على امللك ،والذين
تضاءلت قوهتم مع تزايد احلكم املطلق له .ويتجلى التعبري عن املوقف املتناقض هلذه
اجلماعة ،أي احلاجة إىل "التاع" ،ومعارضته سياسيا يف آن واحد ،يف رفض اجلنسينية
للعا ،بل رفضها ألية رغبة يف التعبري التارخيي له .وينطوي هذا املوقف على داللة "عا
تارخيي " ،عند كولدمان ،ألن نبالء الرداء كانوا أعضاء جددا يف الطبقة الربجوازية؛ أعضاء
ميثلون إخفاق الربجوازية يف كسر حدة احلكم املطلق للملكية ،وتأسيس أوضاع تساعد
283
التطور الرأمسايل »
أما يف كتابه (فتر عصر األنوار) ،288فقد كان يبحث عن األسس االجتماعية لفلسفة
التنوير ،مع دراسة للموسوعة الفلسفية .وقد ركز كولدمان على مبادئ الفلسفة من علم
ومعرفة ،وتوصل إىل رؤية العا اليت كانت تتحكم يف عصر األنوار وهي الرؤية العقالنية اليت
ظهرت خالل القرن السادس عشر .أي :مع بداية قيام الرأمسالية التجارية .ويف احلقيقة ،إن
« ما يبحث عنه كولدمان -على هذا النحو -هو مجاع من العالقات البنيوية بني النص
األديب ورؤية العا والتاريخ نفسه ،ليظهر الكيفية اليت يتحول سا املوقف التارخيي جملموعة أو
طبقة اجتماعية إىل بنية عمل أديب ،عن طريق رؤية للعا عند هذه اجملموعة أو الطبقة ،وال
يكفي البدء بالنص أو العمل لكي ننطلق منهما إىل التاريخ أو العكس ،كي حنقق هذه
الغاية ،فما يلزمنا هو منهج جديل يتحرك دوما بني النص ورؤية العا والتاريخ ،حبيث
811
يكيف املنهج كل واحد منها مع اآلخر ،وينظر إىل كل واحد منها يف ضوء اآلخر».
-810رينيه جريار :اكتاب اكر د نسي اك قيق اكر ائي ،ترمجة :رضوان ظاظا ،مركز دراسات الوحدة العربية،
بريوت ،لبنان ،الطبعة األوىل سنة 2113م.
- 315حممد ساري :اكب ث عن اكنقد األدبا اكجد د ،دار احلداثة للطباعة والنشر ،بريوت ،لبنان ،الطبعة
األوىل سنة 0832م ،ص.12 :
246
(الفهم عملية حمايثة للنص ،فعملية (الشر ) هي وضع هذا األخري يف عالقة مع واقع خارع
عنه ».818
إذا ،فثمة عالقة منهجية متكاملة ومكابطة بني الفهم والتفسري ،عالقة داخل خبارع ،أو
عالقة داللة مبقصدية ووظيفة .وهكذا « يتكامل املستويان أثناء التحليل ،ويبقى الفرز على
املستوى النظري ،إما يف الدراسة التطبيقية ،ال ميكن الفصل فصال حمددا بني املستويني.
فهما متداخالن أثناء كل حبث ،لكننا نفصل يف النتائج .ما يصدر عن النص يبقى على
812
مستوى الفهم ،وما يصدر خارع النص يعود إىل مستوى الشر ».
وإذا متعنا يف هذا املنهج النقدي كثريا ،مبختلف تصوراته النظرية ،ومفاهيمه النقدية املتنوعة،
فهو مستوحى ،بشكل أو بةخر ،من جورع لوكاتش يف كتابه (نظر اكر ا ) 811الذي نشر
سنة 0806م ،حيث يقابل فيه بني امللحمة والرواية ،بني الصراع الداخلي والصراع
اخلارجي ،بني الصراع والتالحم ،بني الذات واملوضوع ،بني البطل امللحمي اإلجيايب والبطل
اإلشكايل.
وعلى الرغم من أمهية البنيوية التكوينية يف قراءة النصوص األدبية يف ضوء بناها الداخلية
واخلارجية ،فهما وتفسريا ،فنن هذا املنهج يضحي بالفهم من أجل التفسري ،أو يضحي
بالداخل من أجل اخلارع .ويعين هذا أن كولدمان يعطي أمهية كربى ملا هو مرجعي
وخارجي وإيديولوجي مقارنة مبا هو نصي وداخلي.
ومن جهة أخرى ،فما يهم كولدمان هو البحث عن رؤى العا اإليدولوجية ،وليس دراسة
النص يف أبعاده اللغوية واألسلوبية والنصية والسردية .لذلك ،يعتربها بعض الدارسني
هيجيلية جديدة .ويف هذا ،يقول الباحث املغريب عبد اجلليل األزدي «:إن مقولة الكلية
- 316عبد اجلليل األزدي( :لوسيان كولدمان :ماركسية أم هيجيلية جديدة ) ،عيون اكيق الت ،الدار البيضاء،
املغرب ،العددان ،0881 ،01-02ص.081 :
248
( ن و علم اجاي ع اكر ا ) ( ،)0862فيتحول إىل جمرد صياغة آلية لعالقة البنية الفوقية
817
بالبنية التحتية يف الرواية»
وينتقد بيري زميا ) (Zimaكولدمان يف مفهوم البنية الداللية الكلية ،حيث يقول» :
وهكذا ،فنن املفهوم املركزي " للبنية الداللية" يفسح اجملال لبعض األسئلة اليت ال حتمل
صفة تقنية خاصة مثل :ما هو بالتحديد معىن البنية الدالليةا هل هناك نظرية للداللة -
-Sémantiqueتسمح بتعريف البنية الداللية يف نص أديب أو فلسفيا وكيف خنتزل
النص املتعدد املعىن ) (Polysémiqueإىل بنية مفهومية واحدة (Structure
)( conceptuelleأي بنية املدلوالت .)Signifiésأليس من األفضل التوصل إىل
بىن داللية متعددة مع القراءات املختلفة للنص واليت ال تكف عن التناقض والتنافسا
وختص مجيع هذه األسئلة البنية الداللية للنص :خاصيته املتعددة (متعددة املعىن)
وتناقضاته :ألنه ليس مؤكدا أبدا ،كما يظن كولدمان أن مجيع «األعمال العظيمة ميكن
اختزاهلا إىل أنظمة مفهومية (بىن داللية أو عقلية) أحادية».813
على الرغم من هذه االنتقادات السديدة والوجيهة ،يبقى عمل لوسيان كولدمان عمال
منهجيا سوسيولوجيا رصينا ،يتكامل فيه الداخل واخلارع ،ويتقاطع فيه الفهم والتفسري،
الستخالص البىن الدالة ورؤى العا .
من املعلوم أن كثريا من الدارسني والنقاد العرب قد أقبلوا على املنهج السوسيولوجي بصفة
عامة ،واملنهج البنيوي التكويين بصفة خاصة.
250
وال أستطيع أن أدعي بأب كنت وفيا حلدود وقوانني هذا املنهج من األلف إىل الياء ،وبأن
استخدامي له ع على حنو ال أمت فيه والعوع.إن مثل هذا االدعاء ملما تنوء بوزره
818
صفحات هذا الكتاب ،وتكذبه الشك شواهده".
الذي خصص فيه فصال 801
وقد وظفه حيب العويف أيضا يف كتابه ( جدل اكقراءة )
للمسر املغريب حتت عنوان( اكيسرح اكيغربا :ب نوراد ت ر خي ) ،ينطلق فيه من
مرجعيات سوسيولوجية ومنطلقات إيديولوجية ،بربط املسر املغريب يف تطوره بتطور الواقع
املغريب انعكاسا وحماكاة وأدجلة .والدليل على ذلك ما يورده حيب العويف يف كتابه من
فقرات متنوعة قصرا وطوال ،حتمل يف طياهتا أبعادا سوسيولوجية وإيديولوجية ،تربط املسر
بالرؤى الطبقية اليت تعرب عن التفاوت االجتماعي داخل اجملتمع املغريب .ومن مث ،تصدر
أحكاما نقدية قريبة من اإليديولوجيا اإلسقاطية منها إىل التحليل النقدي املوضوعي " ،إن
الفن املسرحي كان وما يزال يتسم حبساسية فكرية وإيديولوجية فائقة ،وذلك ملباشرته
وعالقته احلية والدينامية باجلمهور ،متعلما كان أم أميا ،حبيث تبدو املسافة بني الوجه
والقناع ،بني املشهد والداللة ،مسافة دقيقة وشفافة ،يسهل اخكاقها وإلغاؤها .هلذا ،تبدو
الكتابة املسرحية مرآة مصقولة تعكس بوضو املشارب اإليديولوجية واملصاحل الطبقية.أي:
إن الكتابة املسرحية تصبح على هذا األساس ،سالحا إيديولوجيا هاما يف جمال الصراع
االجتماعي ،حتاول كل طبقة أن تستغله ملصلحتها وأهدافها.وهكذا ،تبدو اخلريطة املسرحية
يف املغرب موزعة على حنو مأساوي بني السلطة الرمسية من جهة مبؤسساهتا وطوابريها ،وبني
السلطة املضادة واملقموعة ،بتناقضاهتا واختالفاهتا من جهة ثانية.ويف املسافة الواقعة بني
السلطتني ،تقوم فئات ثالثة بلعبة األكروبات االنتهازية على خشبة املسر املغريب" 800.
-818حيب العويف :درج اكوعا فا اكتا ب ،طبع ونشر دار النشر املغربية ،الدار البيضاء ،املغرب ،الطبعة
األوىل سنة 0831م ،ص.81-28:
-801حيب العويف :جدل اكقراءة ،دار النشر املغربية ،الدار البيضاء ،املغرب ،الطبعة األوىل سنة 0838م.
-800حيب العويف :جدل اكقراءة ،ص.032-061:
251
هذا ،ويقرأ حيب العويف ،يف إحدى دراساته املنشورة يف كتابه (ظواهر نصي ) ،القصيدة
العربية قراءة سوسيولوجية جدلية تربط بني القصيدة العربية وواقعها السوسيوثقايف":
والنموذع القدمي الذي ينبغي أن حياكى وحيتذى ،وفق هذا املنظور ،مائل هناك يف املاضي
ومتمثل يف النص اجلاهلي .متاما كما فعل هوراس الروماب مع النص اإلغريقي ،حني اعتربه
النموذع األعلى للمحاكاة واالحتذاء .هو إذن صراع بني الثبات والتحول ،بني تكريس
البنيات السوسيوثقافية واجلمود عليها وخلخلة هذه البنيات واخكاقها وصوال إىل اخليبء
واملنشود.وقد كان عمود الشعر الذي أقام املرزوقي دعائمه النهائية ،معادال لعمود السياسة
ومدعما له .كالمها سلطة آمرة وملزمة ،وكالمها قوام الشيء الذي ال يدوم إال به...
وعلى الرغم من احملاوالت الدائبة اليت قام سا دعاة التجديد واالبتداع لزعزعة هذا " العمود
احلديدي" ،إال أن رسوخه كان أقوى من حماوالهتم وطموحاهتم وكانوا مضطرين ،آخر
املطاف ،إىل أن يعودوا ليستظلوا بسقفه ويطوفوا حوله.ذلك أن البنية السوسيوثقافية كانت
قد تشكلت واختذت صيغتها النهائية منذ صعود اخلالفة األموية ،وظلت حمتفظة بصيغتها
هذه حىت سقوط اخلالفة العثمانية.
و تتخلخل هذه البنية بعمق وتفقد توازهنا إال بعد الصدمة الكولونيالية واإلمربيالية احلديثة
بدءا من دوي مدافع نابليون ،إىل الدوي األشد ملدافع متعددة اجلنسيات والطلقات.
لقد حتطم العمود السياسي القدمي بأجماده وانتكاساته ،وحتطم معه العمود الشعري القدمي
بأجماده وانتكاساته أيضا .تفتت الكيان التارخيي واحلضاري الذي مبثابة البنيان الشامخ
املرصوص ،إىل ما يشبه بفسيفساء السريالية ،بل إىل ما يشبه لوحة الشطرنج ،حيركها
العبون مهرة .فكانت القصيدة احلديثة بتشكيلها العروضي التفعيلي وسندستها املعمارية
املفتوحة على االحتماالت واملفاجةت ،كانت القصيدة احلديثة صك إدانة ومشروع
802
تأسيس".
متثل جمموعة من الدارسني والنقاد العرب البنيوية التكوينية ،إال أن املغاربة قد سبقوا املشارقة
إىل تطبيقها منذ سنوات الستني من القرن املاضي مع الباحث السوسيولوجي املتميز عبد
الكبري اخلطييب يف كتابه (اكر ا اكيغربي ).
ومن أهم الباحثني الذي قاربوا األدب والنقد يف ضوء البنيوية التكوينية هم :السيد يس يف
كتابه( اكا ليل االجاي عا كألدإ) ،808ومجال شحيد يف كتابه( فا اكبنيو اكاركيبي ،
دراس فا دنهج كوسي ن كوكدد ن) ،802وطاهر لبيب يف دراسته( سوسيوكوجي اكغزل
اكيربا) ،801وصاحل سليمان عبد العظيم يف( سوسيوكوجي اكر ا اكسي سي -وسف
اكقييد نيومج ،806 )-ورفيف رضا صيداوي يف كتابيها( اكنظرة اكر ائي ىكح اك رإ
-808السيد يس :اكا ليل االجاي عا كألدإ ،مكتبة األحلو املصرية ،القاهرة ،مصر ،الطبعة األوىل سنة
0871م.
-802مجال شحيد :فا اكبنيو اكاركيبي ،دراس فا دنهج كوسي ن كوكدد ن ،دار ابن رشد ،بريوت ،لبنان،
الطبعة األوىل سنة 0832م.
-801طاهر لبيب :سوسيوكوجي اكغزل اكيربا :اكشير اكياري نيومج ،مركز دراسات الوحدة العربية ،بريوت،
لبنان ،الطبعة األوىل سنة 2118م.
-806صاحل سليمان عبد العظيم :سوسيوكوجيب اكر ا اكسي سي ،اهليئة املصرية العامة للكتاب ،القاهرة ،مصر،
الطبعة األوىل سنة 0883م.
253
اكلبن ني ،307)0882-0872و(اكر ا اكيربي بين اكواقع اكاخييل) ،803وحممد
ساري يف كتابه (اكب ث عن اكنقد األدبا اكجد د)..808.
وإذا انتقلنا إىل الدارسني املغاربة ،فقد طبقوا املنهج البنيوي التكويين ،منذ سنوات الستني
من القرن املاضي ،على خمتلف األجناس األدبية .ويف هذا اجملال ،نذكر عبد الكبري اخلطييب
اإل د وكوجي فا اكيغرإ يف كتابه(اكر ا اكيغربي ) ،351وسعيد علوش يف كتابه( اكر ا
رؤ اكواقع االجاي عا) ،822وعبد اكيربا) ،820ومحيد حلميداب يف(اكر ا اكيغربي
الرمحن بوعلي يف كتابيه( اكر ا اكيربي اكجد دة) 828و( اكيغ درة اكر ائي ) ،350حممد
برادة يف كتابه( د يد دند ر تنظير اكنقد اكيربا) ،821وإدريس بلمليح يف دراسته (
-807رفيف رضا الصيداوي :اكنظرة اكر ائي ىكح اك رإ اكلبن ني ،0882-0872دار الفارايب ،بريوت،
لبنان ،الطبعة األوىل سنة 2118م.
-803رفيف رضا صيداوي :اكر ا اكيربي بين اكواقع اكاخييل ،دار الفارايب ،بريوت ،لبنان ،الطبعة األوىل سنة
2113م.
-808حممد ساري :اكب ث عن اكنقد األدبا اكجد د ،دار احلداثة للطباعة والنشر ،بريوت ،لبنان ،الطبعة
األوىل سنة 0832م.
-821عبد الكبري اخلطييب :اكر ا اكيغربي ،ترمجة :حممد برادة ،منشورات املركز اجلامعي للبحث العلمي،
عدد ،2:الرباط ،الطبعة األوىل سنة 0870م.
اإل د وكوجي فا اكيغرإ اكيربا ،دار الكلمة ،بريوت ،لبنان ،الطبعة األوىل سنة -820سعيد علوش :اكر ا
0830م.
-822محيد حلميداب :اكر ا اكيغربي رؤ اكواقع االجاي عا ،دراس بنيو تتو ني ،دار الثقافة ،الدار
البيضاء ،املغرب ،الطبعة األوىل سنة 0831م.
-828عبد الرمحن بوعلي:اكر ا اكيربي اكجد دة ،منشورات جامعة حممد األول ،كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية
بوجدة ،رقم ،87:الطبعة األوىل سنة 2110م.
-822عبد الرمحن بوعلي :اكيغ درة اكر ائي ،منشورات ضفاف رقم ،2:مؤسسة النخلة للكتاب ،وجدة ،املغرب،
الطبعة األوىل سنة 2112م.
-821حممد برادة :د يد دند ر تنظير اكنقد اكيربا ،منشورات دار اآلداب ،بريوت ،لبنان ،الطبعة األوىل
سنة.0878
254
اكرؤ اكبي ني كدى اكج ظ) ،356حيب العويف يف كتابه( دق رب اكواقع فا اكقص
اكقصيرة اكيغربي :دن اكاأسيس ىكح اكاجنيس) ،827وحممد بنيس يف كتابه( ظ هرة
اكشير اكيي صر ب كيغرإ) ،823وعبد اهلل راجع يف كتابه( اكقصيدة اكيغربي اكيي صرة:
بني اكشه دة االساشه د) ،828وبنعيسى بومحالة يف كتابه(اكنزع اكزنجي فا اكشير
اكيي صر :د يد اكفياوري نيومج ) ،331وعبد الرمحن عبد الوايف يف رسالته اجلامعية (
صورة اكبطل فا اكيسرح اكيغربا دن اكبدا ت ىكح اكثي نيني ت) ،330عبد الرمحن
335
بوعلي كتابه( فا نقد اكين هج اكيي صرة)
ويالحظ الباحث املغريب عبد الرمحن بوعلي أن جمموعة من الدراسات النقدية العربية عاجزة
عن فهم حقيقي للنقد السوسيولوجي ،والسيما النقد البنيوي التكويين ،مثل :كتاب(
اكا ليل االجاي عا كألدإ) للسيد يس ،وكتاب( سوسيوكوجي اكنقد اكيربا اك د ث)
اإل د وكوجي فا اكيغرإ اكيربا) لسعيد علوش ،و(ظ هرة لغايل شكري ،وكتاب(اكر ا
-826إدريس بلمليح :اكرؤ اكبي ني عند اكج ظ ،دار الثقافة ،الدار البيضاء ،املغرب ،الطبعة األوىل سنة
0832م.
-827حيب العويف :دق رب اكواقع فا اكقص اكقصيرة اكيغربي :دن اكاأسيس ىكح اكاجنيس ،املركز الثقايف
العريب ،الدار البيضاء ،الطبعة األوىل سنة 0837م.
-823حممد بنيس :ظ هرة اكشير اكيي صر ب كيغرإ ،دق رب بنيو تتو ني ،دار العودة ،بريوت لبنان ،الطبعة
األوىل سنة 0878م.
-828عبد اهلل راجع :اكقصيدة اكيغربي اكيي صرة :بني اكشه دة االساشه د ،جزءان ،دار قرطبة ،الدار
البيضاء ،املغرب ،الطبعة األوىل سنة 0837م.
-331بنعيسى بومحالة :اكنزع اكزنجي فا اكشير اكيي صر :د يد اكفياوري نيومج ،منشورات احتاد كتاب
املغرب ،الطبعة األوىل سنة 2112م.
-880انظر عبد الرمحن عبد الوايف :فصول دن دأس اة أيت فا اهلل اسيه س را يفو ،ديوان شعر ،منشورات
الفرقان ،الدار البيضاء ،املغرب ،الطبعة األوىل سنة 0888من الغالف اخلارجي اخللفي.
-882عبد الرمحن بوعلي :فا نقد اكين هج اكيي صرة :،اكبنيو اكاتو ني ،مطبعة املعارف اجلديدة ،الرباط،
الطبعة األوىل سنة 0882م.
255
اكشير اكيي صر ب كيغرإ) حملمد بنيس .ويف هذا الصدد ،يقول الباحث ":إن النقد
السوسيولوجي كما هو منجز يف الكثري من األحباث واملؤلفات النقدية العربية يشكو من
عجز كبري".888
ويعود هذا العجز عند الدارس إىل عدم فهم النظرية السوسيولوجية يف األدب تصورا وتطبيقا
واصطالحا وترمجة ":ومن املؤكد أن مالمح العجز هاته اليت كثريا مانصادفها يف الكثري من
املمارسات النقدية السوسيولوجية ،وبدرجة أقل يف النماذع اليت استعرضناها -يقول
الباحث -ناشئة بالدرجة األوىل عن قلة االطالع ،وضعف مواكبة مايصدر يف املنهج ،وعن
ندرة ماترجم إىل العربية من نصوص يف النقد السسوسيولوجي ،إضافة بطبيعة احلال إىل
مشاكل الكمجة نفسها".882
وبناء على هذه املالحظات ،فاملنهج السوسيولوجي ،يف الساحة النقدية الثقافية العربية،
قليل جدا على مستوى احلضور والتمثل والتصور ،و يتم تطبيقه بشكل جيد .ومن مث،
يالحظ غياب حقيقي للمنهج السوسيولوجي احلقيقي نظرية ومنهجا وتطبيقا واصطالحا":
إن أول مالحظة تبادر إىل الذهن هي أن الدراسات النقدية العربية ذات املنحى
السوسيولوجي التعرب من حيث العدد عن اتساع رقعة النقد السوسيولوجي.وبالتايل ،فهي
التعرب عن ازدهار النقد يف العا العريب .هذا إذا يكن ذلك العدد القليل من الدراسات
881
عالمة على غياب النقد السوسيولوجي".
وعليه ،فما زالت سوسيولوجيا األدب والنقد غائبة يف معاهدنا وخمترباتنا وأقسامنا وجامعاتنا
بشكل أو بةخر .وما أشد حاجتنا إىل هذه السوسيولوجيا يف أقسام األدب وعلم
االجتماع ،يف جامعاتنا العربية واملغربية ،لتعميق فهمنا بالظواهر األدبية والفنية واجلمالية
-333عبد الرمحن بوعلي :فا نقد اكين هج اكيي صرة :،اكبنيو اكاتو ني ،ص.88:
-882عبد الرمحن بوعلي :نفسه ،ص.88:
-881عبد الرمحن بوعلي :نفسه ،ص.83:
256
وتفسريها يف ضوء املقاربة االجتماعية مبختلف مستوياهتا وحقوهلا ،إن مبناهج كمية ،وإن
مبناهج كيفية!
هتاا ،نخلص إىل أن سوسيولوجيا األدب والنقد هي اليت تدرس الظواهر اإلبداعية
واألدبية والفنية واجلمالية يف ضوء املقاربة االجتماعية ،بالككيز على خمتلف الصالت اليت
جتمع بني األدب واجملتمع .ويعين هذا أن بيئة املبدع هي اليت تولد األدب وتنتجه .ومن هنا،
فاألدب يعكس خمتلف التناقضات السياسية واالجتماعية واالقتصادية والسياسية والتارخيية.
بيد أن هذا االنعكاس قد يكون مباشرا أو يكون غري مباشر بواسطة التماثل.
هذا ،وقد ظهرت سوسيولوجيا األدب يف أوروبا يف القرن الثامن عشر امليالدي .ومن أهم
الوجوه البارزة يف هذا اجملال :مونتيسكيو ،وفيكو ،ومدام دوستايل ،وتني ،وسانت بيف،
وجوستاف النسون ،وبرونوتيري ،والشكالنيون الروس ،وبليخانوف ،وماكسيم كوركي،
ومدرسة فرانكفورت ،وغري ذلك من األمساء الالمعة يف ميدان السوسيولوجيا بصفة عامة،
وسوسيولوجيا األدب بصفة خاصة.
ومثة جمموعة من الروافد اليت سامهت يف ظهور سوسيولوجيا األدب ،منها :الواقعية،
والطبيعية ،وعلم االجتماع الوضعي ،وعلم االجتماع األملاب مع جورع زميل وماكس فيرب،
واملاركسية اجلدلية...
ومن هنا ،ميكن احلديث عن ثالثة اجتاهات سوسيولوجية كربى هي :االجتاه التجرييب مع
روبري إسكاربيت ،واالجتاه اجلديل مع جورع لوكاش ومدرسة فرانكفورت النقدية ،واالجتاه
البنيوي التكويين مع لوسيان كولدمان.
أما الدراسات السوسيولوجية يف العا العريب ،فمازالت تقليدية وتابعة للمرجعية الغربية ،و
تستطع ،إىل يومنا هذا ،أن تبلور نظرياهتا النقدية أو املفاهيمية اخلاصة سا يف مقاربة الظواهر
األدبية ،بل اكتفت بالكمجة واالقتباس والتعريف باإلنتاع السوسيولوجي الغريب ،أو متثل
مناهجها النقدية نظرية وتطبيقا ورؤية.
257
اكفصل اكث دن:
ميكان احلااديث عاان مقاربااات لسااانية خارجيااة تنادرع ضاامن اللسااانيات العامااة أو تتقاباال مااع
اللسانيات البنيوية الشكلية ،ناذكر منهاا ،علاى سابيل اخلصاوص ،اللساانيات االجتماعياة ،أو
علم االجتماع اللغوي ،أو علام اللغاة االجتمااعي ،أو السوسيولساانيات ... ،هاي مساميات
اصطالحية خمتلفة لعلم يدرس اللغة يف ضوء علم االجتماع ،أو يربط امللفوظ اللغوي بسياقه
التواصلي واالجتماعي والطبقي.
ومهما تعمقنا يف الفوارق املوجودة بني اللسانيات وعلم االجتماع اللغوي ،فالحد فرقا كبريا
بينهما؛ ألن هدفهما واحد يتمثل يف ربط اللغة بوظيفتها التواصلية والسياقية ،واالرتباط
بالسياق االجتماعي .وأكثر من هذا تصبح اللغة حدثا اجتماعيا بامتياز .لذا ،فاللسانيات،
يف احلقيقة ،هي اللسانيات االجتماعية ،مادامت اللغة نتاجا اجتماعيا بامتياز.
وعليه ،ترتبط اللسانيات االجتماعية بعلم االجتماع من جهة أوىل ،واإلثنولسانية من جهة
ثانية ،وسوسيولوجية اللغة من جهة ثالثة ،واجلغرافيا اللسانية من جهة رابعة ،وعلم اللهجات
من جهة خامسة .ويعين هذا أن اللسانيات االجتماعية تستعمل آليات علم االجتماع
وأدواته يف التحليل ،وربط اللغة بالسياق اجملتمعي ،على أساس أن اللغة نتاع اجتماعي ،أو
تعبري عما هو جمتمعي.
كما تستعني اللسانيات االجتماعية باإلثنوغرافيا يف دراسة اللغة لكابطها بالعرق واهلوية
والثقافة؛ مع استحضار املعيار اجلغرايف يف دراسة التبدالت والتغريات والتنوع اللغوي
واللهجي.
كما للسانيات االجتماعية عالقة وثيقة بعلم اللهجات؛ ألهنا هدفها هو املقارنة بني
اللهجات واللغة املعيارية من حيث الفونيتيك(علم األصوات) ،والفونولوجيا (علم وظائف
258
األصوات) ،والصرف ،والككيب ،والداللة ،والسياق التداويل أو التواصلي .بل ميكن
احلديث عن التخطيط اللساب الذي يهتم مبشاكل التخطيط اللغوي ،وبالضبط يف الدول
السائرة يف النمو اليت التعرف وحدة لسانية ،بالككيز على اللغات واللهجات املعكف سا
رمسيا ،مبراقبة تغرياهتا الصوتية أو التحكم فيها.
إذا ،ما اللسانيات االجتماعيةا وما موضوعهاا وما أهم الباحثني يف هذا اجملالا وما أهم
تصوراهتم النظرية والتطبيقيةا وما أهم التغريات اليت تدرسها اللسانيات االجتماعيةا وما
أهداف هذا التخصص اللساب اجلديد وغاياته وقيمته العلميةا هذا ما سوف نتناوله يف
موضوعنا هذا.
تعد اللغة ظاهرة اجتماعية بامتياز .والدليل على ذلك أن اجملتمع هو الذي خلق هذه اللغة
باالتفاق واالصطال والتواضع .وهذا ما دفع ابن جين ،يف كتابه (اكخص ئص) إىل
القول ":د اكلغ أصوات يبر به كل قود عن أغراضهم".336
ويرى فرديناند دوسوسري) (F.De Saussureأيضا أن العالقة بني الدال واملدلول هي
عالقة اتفاقية ( .)Arbitraireويعين هذا أن اللغة نتاع اجتماعي ،تعرب عن أفكار القوم
وأغراضهم ومصاحلهم ومنافعهم وعواطفعم وانفعاالهتم الشعورية والالشعورية .ومبا أن اللغة
ظاهرة جمتمعية ،فنهنا متتاز بقواعد مجاعية مشككة ،تعرب عن الشعور مجعي .وبالتايل،
الميكن للفرد أن يتصرف يف هذه اللغة بالزيادة أو النقصان أو التغيري إال ضمن تفاعل أو
اتفاق اجتماعي .فمن خيطىء يف اللغة ،أو يرتكب هفوة ما يف انتهاك معايريها اللسانية،
- 886ابن جين :اكخص ئص ،اجلزء األول ،حتقيق حممد علي النجار ،اهليئة املصرية العامة للكتاب ،القاهرة،
الطبعة الرابعة سنة 0888م ،ص.82:
259
فننه يتعرض لعقوبات مادية ومعنوية ،كالسخرية من أخطائه ،أو معاقبته بعدم النجا ،إذا
كان اخلطأ متعلقا بامتحان مصريي ما .ويف هذا الصدد ،يقول علي عبد الواحد وايف":
فاللغة يف كل جمتمع نظام عام يشكك األفراد يف اتباعه ،ويتخذونه أساسا للتعبري عما جيول
خبواطرهم ،ويف تفامههم بعضهم مع بعض.
واللغة ليست من األمور اليت يصنعها فرد معني أو أفراد معينون ،وإمنا ختلقها طبيعة
االجتماع ،وتنبعث ،عن احلياة اجلمعية ،وما تقتضيه هذه احلياة من تعبري عن اخلواطر،
وتبادل لألفكار وكل فرد منا ينشأ ،فيجد بني يديه نظاما لغويا يسري عليه جمتمعه ،فيتلقاه
عنه تلقيا بطريق التعليم واحملاكاة ،كما يتلقى عنه سائر النظم االجتماعية األخرى ،ويصب
أصواته يف قوالبه ،وحيتذيه يف تفامهه وتعبريه.
واللغة من األمور اليت يرى كل فرد نفسه مضطرا إىل اخلضوع ملا ترمسه.وكل خروع على
نظامها ،ولوكان عن خطن أو جهل ،يلقى من اجملتمع مقاومة تتفل رد األدور ىكح نص به
اكص يح .وتأخذ املخالف ببعض أنواع اجلزاء.فنذا أخطأ فرد يف نطق كلمة ما ،أو
استخدمها يف غري مدلوهلا ،أو خرع يف تركيب عبارته عن القواعد اليت ترمسها لغته ،كان
حديثه موضع سخرية وازدراء من مستمعيه ،ورموه بالغفلة واجلهل ،وقد حيول ذلك دون
فهمهم ملا يريد التعبري عنه .وليس هذا مقصورا على اخلطن الذي يسع الناطق إصالحه ،بل
إن اخلطأ الذي الميكنه إصالحه ،لنشأته مثال عن خلل طبيعي يف أعضاء النطق ،قد يثري
هو نفسه لدى السامعني بعض ما يثريه غريه من األخطاء .وجير على صاحبه بعض آالم
ومتاعب يف تعبريه وتفامهه .وإذا حاول فرد أن خيرع كل اخلروع على النظام اللغوي ،بأن
خيكع لنفسه لغة يتفاهم سا ،فنن عمله هذا يصبح ضربا من ضروب العبث العقيم ،إذ لن
887
جيد من يفهم حديثه ،ولن يستطيع إىل نشر خمكعه هذا سبيال".
- 887علي عبد الواحد وايف :اكلغ اكيجايع ،دار هنضة مصر للطبع والنشر ،القهرة ،مصر ،الطبعة األوىل سنة
0870م ،ص.1-2:
260
وليست اللغة ،يف منظور اللسانيات االجتماعية ،ظاهرة فردية وراثية أو عقلية ،والظاهرة
توقيفية خلقها اهلل أو جاء سا الوحي ،وليست أيضا حماكاة طبيعية ،بل هي ظاهرة
اجتماعية ،خلقها اجملتمع للتعبري عن حاجياته ورغباته ومهومه وتطلعاته وآمانيه وآماله
وطموحاته...
وما يهم اللسانيات االجتماعية هو دراسة القوانني الثابتة واملطردة واملعيارية اليت تتحكم يف
اللغة اجملتمعية ،برصد نشأهتا وتطورها وما يعتورها من شؤون؛ واستكشاف مبلغ تأثرها
مباعداها من الظواهر االجتماعية األخرى.883
وهنا ،ينبغي التنبيه إىل أن اللغة اإلنسانية تتأثر مبجموعة من العوامل االجتماعية ،والعوامل
النفسية ،والعوامل اجلغرافية ،والعوامل السياسية ،والعوامل التارخيية ،والعوامل الدينية،
والعوامل احلضارية ،والعوامل التقنية ،والعوامل االقتصادية ،والعوامل الفيزيولوجية
والوراثية...وهذه العوامل كلها هي اليت ختلق هجنتها وبوليفونيتها اللسانية واجملتمعية.
339
- Jean Dubois et autres: Dictionnaire de Linguistique, Larousse,
Paris,1991,p444.
340
- Lyons: Language and linguistics: An Introduction.
Cambridge: Cambridge University Press 1981, p: 267.
-820عبد الكرمي بوفرة :علم اكلغ االجاي عا ،دقدد نظر ،مطبوع جامعي ،جامعة حممد األول ،كلية
اآلداب والعلوم اإلنسانية ،وجدة ،املغرب ،املوسم اجلامعي2102-2100م ،ص.00:
262
ومن ناحية أخرى ،التدرس اللسانيات االجتماعية البنيات اللغوية الداخلية فقط ،بل تنفتح
على البنيات اللغوية اخلارجية املرتبطة بالسياق التواصلي .ومن مث ،تعىن اللسانيات
االجتماعية بتطور اللغة يف سياق اجتماعي معني ،بالككيز على التغريات الصوتية
والفونولوجية ،والتغريات الصرفية ،والتغريات الككيبية ،والتغريات الداللية ،والتغريات
الوظائفية.
ومن هنا ،هتتم الللسانيات االجتماعية بالككيب والداللة على املستوى الداخلي ،وبعوامل
خارجية هلا آثارها الواضحة يف تطور اللغة ،مثل :العوامل االقتصادية ،والعوامل الدميغرافية،
والعوامل االجتماعية ،إخل...
وإذا كانت العوامل الداخلية واخلارجية منفصلة عن بعضها البعض يف الدراسات السابقة،
فاآلن ،الميكن الفصل بينها إطالقا يف إطار اللسانيات االجتماعية ،فالواحدة منها تكمل
األخرى.
عالوة على ذلك ،ميكن للسانيات االجتماعية أن تدرس الشبكات االجتماعية اليت توجد
ضمنها اللغة املتلفظة ،إما يف ضوء مقاربة كلية شاملة (الدولة أو املدينة) ،وإما يف ضوء
مقاربة جزئية (األسرة -مثال)...
ومن املعلوم أن اللغة عبارة عن هلجة ،وقد حتولت إىل اللغة بامتالكها للسلطة السياسية
والقوة االقتصادية .وبعد ذلك ،فرضت نفسها مؤسساتيا ولسانيا وجمتمعيا ،وأضحت لغة
رمسية معيارية بقواعدها الرصينة.بيد أن هذه اللغة ميكن أن تتفرع ،مع مرور الزمان ،إىل
هلجات حملية وجغرافية واجتماعية وطبقية وفئوية وإثنية ،ختضع بدورها لتغريات وتبدالت
لسانية فونولوجية ،وصرفية ،وداللية ،وتركيبية .أو تنتج تلك التغريات عن عوامل سياسية،
واجتماعية ،واقتصادية ،وتارخيية ،وثقافية ،وحضارية ،ودينية .ويعين هذا أن اللسانيات
االجتماعية هي اليت تدرس تلك التغريات اللغوية واللهجية يف خمتلف جتلياهتا الصوتية،
والصرفية ،والككيبية ،والداللية ،مبراعاة السياق اجملتمعي ،واإلنصات إىل التفاعالت اخلارجية
العائدة إىل السن ،والنوع ،والطبقة االجتماعية ،واإلثنية العرقية...
263
وأكثر من هذا تعىن اللسانيات االجتماعية بدراسة تطور اللغة يف سياقها االجتماعي
الدياكروب التعاقيب ،مبعرفة ما تغري من الظواهر اللسانية للهجة أو لغة ما ،سواء أكان هذا
التغيري جزئيا أم كليا ،وأيضا ما بقي ثابتا يتغري؛ مع رصد خمتلف العوامل اليت تتحكم يف
هذا التغري والثبات معا.
وسذا ،يكون هدف اللسانيات االجتماعية هو دراسة التبدالت والتغريات اللسانية للغة أو
هلجة ما .ولكن هذه التغريات اللسانية التكون دائما دياكرونية تطورية ،بل ميكن أن تكون
سانكرونية ،بدراستها بنيويا يف إطار لغة أو هلجة ما.أي :دراستها دراسة داخلية حمايثة،
دون ربطها بتطوراهتا التارخيية .وسذا ،تنبين اللسانيات االجتماعية على منهجيتني
متكاملتني :منهجية دياكرونية تعىن بتتبع الظاهرة اللسانية االجتماعية يف خمتلف مراحلها
التارخيية؛ ومنهجية سانكرونية هتتم بدراسة اللغة يف إطارها البنيوي الداخلي.
تدرس اللسانيات االجتماعية جمموعة من املواضيع هلا عالقة مباهو لساب وماهو
جمتمعي يف الوقت نفسه ،مثل :اللغة واجملتمع ،ومواصفات اللغة املعيارية ،واهليمنة
اللغوية ،والسلطة اللغوية ،واحلروب اللغوية ،واللهجات احمللية واجلغرافية
واالجتماعية ،والتطور اللغوي ،والصراع اللغوي ،واالحتكاك اللغوي ،وتفرع اللغات
إىل اللهجات ،واالزدواجية اللغوية ،والتعددية اللغوية ،والتخطيط اللغوي ،والتغريات
والتبدالت اللسانية ،وموت اللغات ،والدخيل اللغوي ،والتداخل اللغوي ،والتهجني
أو اخللط اللغوي ،والبوليفونية اللغوية واألسلوبية والصوتية ،والتنضيد الطبقي،
واللغات واللهجات ،وتصحيح اللغة ،وجودة اللغة ،وتقعيد اللغة ،والتلوث اللغوي،
واألمان اللغوي ،والسياسية اللغوية ،ونشأة اللغة وتطورها وانقراضها ،واللغة والبيئة
264
اللسانية واالجتماعية ،واللغة واهلوية ،واللغة األم ،ومحاية اللغة ،والتواصل اللغوي،
والتفاعل اللساب واجملتمعي ،ولسانيات التلفظ ،وتعليم اللغات ،والتأثر اللغوي،
واللغة واستعماالهتا االجتماعية ،واإلقصاء اللغوي ،والتجديد اللغوي......
تسعى اللسانيات االجتماعية إىل دراسة اللغة يف ضوء املقاربة االجتماعية أو
السوسيولوجية ،بربط اللغة بسياقها التواصلي والتفاعلي والتلفظي.أي :ربط اللغة باجملتمع.
ومن مث ،فهدف هذه اللسانيات هو وصف خمتلف التغريات والتبدالت الصوتية اليت تعرفها
اللغات واللهجات احمللية واجلغرافية والطبقية واإلثنية ،واملقارنة بينها ،والبحث عما هو
مشكك وخمتلف ،والبحث عن عوامل هذا التبدل يف ضوء املقاربة السوسيولوجية .ويعين هذا
دراسة اجلملة يف سياقها التلفظي أو التداويل أو التواصلي أو التفاعلي أو االجتماعي أو
الوظيفي .ومن مث ،العمل على اجلمع بني سياق اجلملة والسياق الثقايف .فضال عن فهم
التنوع اللغوي واللهجي وتفسريه حسب السن ،واجلنس ،والطبقات االجتماعية ،واإلثنيات.
وعليه ،فهدف اللسانيات االجتماعية هو تقدمي وصف منظم للتنوع اللغوي واللساب يف
عالقته بالتنوع االجتماعي ،ودراسة الكفاءة التواصلية يف أبعادها السياقية االجتماعية
والثقافية والتفاعلية.
265
اكيب ث اكخ دس :ظهــور اكلس ني ت االجاي عيـ ـ
ظهرت اللسانيات االجتماعية إبان سنوات اخلمسني والستني من القرن العشرين رد فعل
على اللسانيات البنيوية املغلقة واملنطوية على ذاهتا ،وخاصة اللسانيات السوسريية اليت
كانت ترى أن اللغة موحدة ومتشاسة من حيث البنية .ويكتب على هذا أن اللغة نظام
نسقي موحد ،اليعرف التنوع وال التعدد .ومن مث ،فاللغة هلا قواعد لسانية معينة .وبالتايل،
فقد أقصى فرديناند دوسوسري العوامل املرجعية واخلارجية يف دراسة اللغة ،كالعوامل النفسية،
والعوامل االجتماعية ،والعوامل املرجعية .ولكن كيف ميكن أن نتحدث عن التطور اللغوي
واجملتمعي ،إذا كانت اللغة موحدة ومنسجمة وبسيطة وخالية من التعدد والتنوع البوليفوب
واللسابا !!!
وقد ظهرت اللسانيات االجتماعية كذلك رد فعل على اللسانيات التوليدية التحويلية لنوام
شومسكي ( )N.Chomskyاليت تنادي إىل حنو كلي كوب وعاملي ،مشيدة بدور الفرد
املتكلم ،معتمدة يف ذلك على قواعد مثالية جمردة افكاضية وصورية ،بعيدا عن الواقع
والسياق التواصلي .ويعين هذا أن اللغة -حسب نوام شومسكي -ذات طبيعة عقلية
وفردية وراثية .يف حني ،ترى اللسانيات االجتماعية أن اللغة ظاهرة اجتماعية مكتسبة.
و تتبلور اللسانيات االجتماعية يف الواليات املتحدة األمريكية إال يف سنوات الستني من
القرن املاضي مع وليام البوف ( )William Labovالذي يعد األب احلقيقي
للسانيات االجتماعية .يف حني ،يعد فرديناند دوسيوسري األب احلقيقي للسانيات العامة.
هذا ،و تتبوأ اللسانيات االجتماعية مكانتها احلقيقية يف فرنسا إال بفضل الدراسات
واملراكز واملختربات اللسانية املاركسية ،كما هو احلال مع جان بابتيست مارسيليسي
( )Jean-Baptiste Marcellesiوأعضاء التيار األلتوسريي؛ نسبة إىل لوي
ألتوسري(.)L.Althusser
266
هذا ،وقد انصبت اللسانيات االجتماعية الفرنكفونية على جمموعة من الظواهر اللسانية،
مثل :التعددية اللغوية ،والتغريات اللسانية ،واالحتكاك اللغوي ،والصراع اللغوي ،وتعليم
اللغات ،والتأثر اللغوي ،وتفرع اللغة املعيارية إىل هلجات ولغات ،والتطور اللغوي،
ومواصفات اللغة املعيارية ،واللغة واستعماالهتا االجتماعية ،واإلقصاء اللغوي ،والتجديد
اللغوي ،والتخطيط اللغوي ،والتلوث اللغوي ،والبيئة اللغوية...
ومن الباحثني اآلخرين الذين اهتموا بعلم االجتماع اللغوي نذكر :بازيل برينشتاين( Basil
،828)Bernsteinوفيليب بالنشي( ،822)Philippe Blanchetوماري لويز
مورو( ،)Marie-Louise Moreauولويس جان كالفي( Louis-Jean
،)Calvetوديل هيمس( ،)Dell Hymesوميشيل فرانكار( Michel
مثة عدة عوامل متنوعة وخمتلفة ومتعددة تساهم يف تطور اللغة سانكرونيا ودياكرونيا ،وميكن
حصرها يف:
اكيوادل االجاي عي اليت تتمثل يف حضارة األمة ،ونظمها ،وعاداهتا ،وتقاليدها،
وأعرافها ،وعقائدها ،وأنشطتها ،وثقافتها العامة ،واجتاهاهتا الفكرية والعقلية والوجدانية.
ويعين هذا أن اللغة تتطور بتطور األمة حضاريا ،كأن تنتقل من مرحلة البداوة حنو حضارة
العمران واملدنية ،أو تنتقل من مرحلة الطبيعة والغاب إىل مرحلة الدولة والقانون.ويكتب
على ذلك تغري يف اللغة على مجيع املستويات :الصوتية ،والصرفية ،والككيبية ،والداللية،
والتداولية.
فعندما انتقلت األمة العربية من اجلاهلية حنو اإلسالم ،تغريت كثري من العادات واألعراف
والسلوكيات االجتماعية .كما وقع تطور على مستوى اللغة .ويظهر هذا جليا على مستوى
345
- Hudson, R.A: Sociolinguistics, Cambridge [England]; New
York, NY, USA: Cambridge University Press.1996.
346
- Trudgill, Peter: Sociolinguistics: an introduction to language
and society, London, England: New York, N.Y., USA:
Penguin.1995.
268
الشعر.فقد أصبحت اللغة الشعرية ،يف صدر اإلسالم ،لغة مهذبة ونقية وصافية وحمتشمة،
تطفح باملعجم الديين اإلسالمي الذي نقحه القرآن الكرمي واحلديث النبوي الشريف .وقد
شهد العصر العباسي أيضا تطورا لغويا واضحا بعد االنتقال من حياة البداوة حنو حياة
احلضارة ،ووقع انفتا واسع على الشعوب اجملاورة.ومن مث ،تطورت اللغة العربية ،فتأثرت
باللغة الفارسية ،واللغة اهلندية ،واللغة الككية ،واللغة األمازيغية ،ولغات الروم...
تأثر اكلغ ب كلغ ت األيرى اكيج رة .ويعين هذا أن اللغات واللهجات تتعرض
للتطور عرب االحتكاك اللغوي ،فتنتقل ألفاظ لغة أو هلجة ما إىل لغة أو هلجة جماورة ،بفعل
التقارب واالحتكاك والتواصل والتفاعل والتبادل التجاري واحلروب السياسية ،وبفعل الغلبة
واهليمنة والسيطرة ،وبفعل الدين كذلك .فاللغة اإلحليزية -مثال -قد أخذت الكثري من
اللغة النورماندية القريبة .كما تأثرت اللغة األمازيغية باللغة العربية أثناء الفتوحات اإلسالمية،
وتأثرت اللهجات اجلزائرية باللغة الفرنسية تأثرا واضحا ،يتجلى ذلك يف املعجم اللغوي،
والتعابري الككيبية املوظفة .وتتضمن اللغة العربية كثريا من املفردات من أصل فارسي،
وهندي ،وأعجمي ،وعربي...
اكيوادل األدبي اإلبداعي اليت ختدم اللغة مبا تنتجه من ألفاظ وتعابري وتراكيب؛
وتقوم معاهد التعليم واجملامع اللغوية بدور كبري يف محاية اللغة وترقيتها وتطويرها .ويعين هذا
أن اإلبداع األديب بصفة خاصة ،والتأليف بصفة عامة ،هلما دور مهم يف تطوير اللغة
وتنميتها وترقيتها اقتباسا ،وتوليدا ،واقكاضا ،وحنتا ،واشتقاقا ،واستعماال .وبالتايل ،فاألدباء
واملفكرون يطورون اللغة عرب االحتكاك بثقافات الشعوب اجملاورة أو البعيدة ،وترمجة آثارهم
الفكرية واألدبية والفنية والعلمية ،وتلخيص كتاباهتم ،والتعريف بنبداعاهتم ،والتأثر مبدارسهم
واجتاهاهتم األدبية والفنية والفكرية .وللتمثيل ،فقد ساهم األدب اجلزائري املكتوب بالفرنسية
يف تطوير اللغة الفرنسية املعيارية .وينطبق هذا احلكم كذلك على األدب األفريقي الذي
خدم األدب الفرنسي خدمات جلى .وساهم كذلك األدب األمريكي الالتيين يف تطوير
األدب اإلسباب لغة وبنية وتركيبا وتداوال ومعجما.
269
اناق ل اكلغ دن اكسلف ىكح اكخلف ،ويعين هذا أن اللغة تتطور وختتلف من السلف
إىل اخللف ،أو من جيل إىل آخر عن طريق احملاكاة والتعلم واالبتكار واإلبداع ،وتغري
الظروف السياسية واالجتماعية واالقتصادية والثقافية.ومن مث ،فليست لغة األجداد الكاثية
هي لغة األبناء واألحفاد املعاصرين.
اكيوادل اكطبييي اكجغرافي اكفيز وكوجي اإلثنوكوجي .ويعين هذا أن اللغة ختتلف
من مكان جغرايف إىل آخر ،أو ختتلف حسب طبيعة الشعوب الوراثية وطبيعة أعضاء
النطق .فثمة فوارق لغوية كبرية بني لغة البادية ولغة احلضر ،أوبني لغة اجلبال ولغة السهول،
أوبني لغات املناطق احلارة واملناطق الباردة واملعتدلة ...ومثة شعوب التستطيع أن تنطق
اجليم ،مثل :إسبانيا اليت تنطقها خاء .وهناك شعوب التعرف حرف الذال العربية كالشعب
الفرنسي...
اكيوادل اكلغو ...ويقصد سا تلك العوامل " اليت تؤثر يف تطور األصوات فريجع
أمهها إىل ثالثة أمور :أحدها تفاعل أصوات الكلمة بعضها مع بعض؛ وثانيها موقع
827
الصوت يف الكلمة؛ وثالثها تناوب األصوات وحلول بعضها حمل بعض".
هذه أهم العوامل اليت تساهم يف نشأة اللغة وتطورها داخليا وخارجيا ،وقد حصرناها يف
العوامل االجتماعية ،والعوامل اللسانية ،والعوامل الطبيعية واجلغرافية والفيزيولوجية
واإلثنوغرافية ،والعوامل األدبية واإلبداعية ،وانتقال اللغة من السلف إىل اخللف ،وعامل
التأثري والتأثر ،وعامل االحتكاك باللغات اجملاورة.
يعد قانون الصراع اللغوي من أهم القوانني األساسية اليت ختضع هلا اللغة إىل جانب قانون
التطور ،وقانون االحتكاك ،وقانون التبدل والتغري...ويعين هذا أن اللغة قد تفرض نفسها
على لغة أو لغات أخرى بعد انتصارها وغلبتها .وقد تندحر اللغة بعد اهنزامها ،أو تقصى
وهتمش بعد فقدان أمهيتها السياسية ،والعسكرية ،واالقتصادية.
إذا " ،حيدث بني اللغات ما حيدث بني أفراد الكائنات احلية ومجاعاهتا من احتكاك وصراع
وتنازع على البقاء ،وسعي وراء الغلب والسيطرة.وختتلف نتائج هذا الصراع باختالف
األحوال.فتارة ترجح كفة أحد املتنازعني ،فيسارع إىل القضاء على اآلخر مستخدما يف
ذلك وسائل القسوة والعنف ،ويتعقب فلوله فاليكاد يبقى على أثر من آثاره.وتارة ترجح
كفة أحدمها كذلك ،ولكنه ميهل اآلخر ،وينتقص بالتدريج من قوته ونفوذه ،ويعمل على
خضد شوكته شيئا فشيئا حىت يتم له النصر.وأحيانا تتكافأ قوامها أو تكاد فتظل احلرب
823
بينهما سجاال ،ويظل كل منهما يف أثنائهما حمتفظا بشخصيته ومميزاته".
وقد ينتج هذا الصراع اللغوي عن االحتكاك اللغوي من جهة ،أو هجرة أقوام إىل البلد
املضيف ينطقون لغة غري لغة القوم من جهة أخرى .ويعين هذا إما أن يقع نزو عناصر
أجنبية إىل البلد عرب الفتوحات أو احلروب أو االستعمار أو اهلجرة ،فيقع صراع بني اللغة
احمللية ولغة الناز ،فتنتصر اللغة اليت هلا الغلبة والقوة والسلطة والنفوذ ،وتضمحل لغة
الضعيف ،وتتضاءل قيمتها أمام لغة العدو .وقد يكون الصراع بني اللغة الراقية واللغة
املتدنية ،أو يكون الصراع بني لغة متقدمة علميا (اللغة اإلحليزية) ولغة متخلفة يف ذلك
اجملال(اللغة اإلسبانية أو الربتغالية) .وقد تنقرض لغة إما بطريقة سريعة ومفاجئة ،وإما بطريقة
متدرجة حسب طبيعة ضعف الدولة وتقهقرها احلضاري.
من املعروف أن الفصيلة اللغوية تتفرع إىل جمموعة من اللغات ،وتتفرع كل لغة على حدة
إىل هلجات متنوعة .ومن هنا ،فاللغة املعيارية األصلية ()La langue Standard
تتفرع إىل عدة هلجات حملية ( )Dialectes Locauxوهلجات اجتماعية
(.)Dialectes sociauxفيقصد باألوىل انقسام اللغة إىل جمموعة من اللهجات
اجلغرافية احمللية .يف حني ،تدل الثانية على انقسام اللغة إىل جمموعة من الطبقات
االجتماعية أو فئات وطوائف وطبقات سكانية واجتماعية.
هذا ،ويعود انتشار اللغة إىل عوامل الصراع اللغوي ،وعامل اهلجرة والنزو واحلروب ،وعامل
االحتكاك اللغوي بني املناطق املتجاورة ،وقد تنتشر اللغة بفضل النمو الدميغرايف ،وتطور
عمراهنا البشري .وكلما اتسع عدد أفراد املتكلمني بلغة معينة ،وتوسعت الرقعة اجلغرافية ،قد
تنفصل منطقة جغرافية ما عن سلطة املركز ،فتكون لنفسها لغة خاصة سا حتافظ على بعض
القواعد املوجودة يف اللغة األصلية .وبعد ذلك ،تزداد الفوارق بشكل تدرجيي .والدليل على
ذلك انقسام الفصائل اللغوية إىل لغات مث إىل هلجات .كما أن تفرق أمازيغ املغرب يف
البالد أدى إىل وجود ثالث هلجات خمتلفة يف كثري من املالمح اللسانية واالجتماعية ،وهي:
اللهجة الريفية مبنطقة الريف ،وهلجة تاشلحيت يف خمتلف مناطق سوس ،وهلجة تامازيغت
باألطلس املتوسط.
ومثة عوامل أخرى تقوم بدور هام يف تفريع اللغة إىل هلجات ،مثل :العوامل السياسية،
والعوامل االجتماعية ،والعوامل اإلثنية والعرقية ،والعوامل اجلغرافية ،والعوامل الشعبية،
والعوامل النفسية واملزاجية...وبذلك ،حتدث اختالفات صوتية ،وصرفية ،وتركيبية ،وداللية.
273
اكيب ث اكي شر :اكاغيرات اكابدالت اكلس ني
-811عبد الكرمي بوفرة :علم اكلغ االجاي عا ،دقدد نظر ،ص.02:
274
عمرية (لغة األطفال ولغة الشباب ولغة الشيوخ) ،وتبدالت دينية (لغة املثقفني العصريني
ولغة املثقفني من رجال الدين) ،وتبدالت سياسية (لغة النخبة السياسية ولغة العامة)...
وعليه ،تستند اللسانيات االجتماعية إىل دراسة جمموعة من املكونات االجتماعية ،مثل:
السن ،واجلنس ،والطبقة االجتماعية ،واإلثنية أو العرق.
ونالحظ يف اجملتمع الواحد جمموعة من العاميات واللهجات واللغات الطبقية املتنوعة
واملختلفة ( )sociolectesاليت تفرعت عن اللغة األم املعيارية ،وميكن حصرها -
مثال -يف :لغة األطفال ،ولغة الشباب ،ولغة الرجال ،ولغة النساء ،ولغة الطلبة ،ولغة
املتعلمني ،ولغة األسياد ،ولغة أصحاب الشهادات والدبلومات ،ولغة األغنياء ،ولغة
الفقراء ،ولغة العلماء ،ولغة الفالحني ،ولغة السياسيني ،ولغة املهنيني...
ميكن احلديث عن جمموعة من التصورات النظرية والتطبيقية اليت تندرع ضمن اللسانيات
االجتماعية ،وميكن التوقف عند بعضها الستجالء خمتلف مرتكزاهتا النظرية واملفاهيمية
وآلياهتا املنهجية والتطبيقية على الوجه التايل:
275
اكيطلب األ ل :ش رل فيركسون االزد اجي اكلغو
351
- Charles A. Ferguson, Diglossia. Word 15, 1959, p. 325-340.
352
-Charles A. Ferguson, The Ethiopian Language Area, in
Language In Ethiopia, Lionel Bender (en) (ed.), J. Donald Bowen, R.L.
Cooper, Charles A. Ferguson, Oxford University Press, Oxford, 1976,
p. 63–76.
276
منط شعيب وعامي منط راق وعال احلالة
املواعظ يف املسجد أو الكنيسة
التعليمات للخدم والعمال والكتبة
الرسائل الشخصية
حماضرات اجلامعة
اخلطبة يف جملس األمة؛ احلديث
السياسي
احلديث مع الزمالء واألصدقاء وأفراد
العائلة
إذاعة األخبار
التمثيليات االجتماعية يف اإلذاعة
افتتاحية الصحف ،أخبار الصحف
والعناوين
التعليق على الكاريكاتور
الشعر
األدب الشعيب
277
واألملانية السويسرية ،وفرنسية هاييت املهجنة واملختلطة .ومن مث ،فهناك مستوى لغوي
مفضل ،ومستوى لغوي مستهجن.
ويرى الباحث املغريب عبد الكرمي بوفرة أن ويليام البوف" أغفل حقيقة لغوية اجتماعية
أخرى التقل أمهية عن جممل نظريته اللغوية –االجتماعية عموما ،وهي إمكانية وجود
اختالط وتداخل بني املستويني اللغويني داخل جزر هاييت نفسها على لسان أفراد حمليني
من مستوى ثقايف عال.ويكون عبارة عن مجع بني اللغة الفرنسية واهلجنة احمللية لدرجة ميكن
احلديث فيها عن ( )Une Interlangueباملعىن اللساب -االجتماعي للكلمة.عالوة
على هذا كله ،حياول التصور أعاله االنطالق من فكرة خاطئة تقوم على إمكانية تصور
818
التغريات الصوتية قارة وثابتة .أي :غري قابلة للتحول أو التغيري".
وعليه ،تعد االزدواجية اللغوية من أهم القضايا اليت اهتمت سا اللسانيات االجتماعية،
وخاصة يف احلقل اللساب الغريب ،وبالضبط مع شارل فريكسون.
354
-Jean-Baptiste Marcellesi et Bernard Gardin: Introduction à la
sociolinguistique – La linguistique sociale, Larousse, Paris, 1974.
355
-Jean-Baptiste Marcellesi :Sociolinguistique française, combien
d'années ? Dans Cahiers de sociolinguistique 2003/1 (n° 8).
280
اكيطلب اكرابع :أنطوان دييا اكبيد االجاي عا كلس ني ت
http://cloud.lib.wfu.edu/wiki/modernfrench/index.php/Qu%27est-
ce_que_la_sociolinguistique%3F
358
- Antoine Millet: Introduction à l'étude comparative des
langues indo-européennes, 1903 (1re éd.), Hachette, Paris, 1912 (3e
)éd.
281
اكيطلب اكخ دس :االتج ه اكي ركسا اكبيد االجاي عا كلغ
تبىن كثري من الباحثني اللسانيني املنظور املاركسي يف حتليل اللغة بربطها باجملتمع ،اعتمادا
على تصورات كارل ماركس( ،)Marxوفريدريك أحلز(...)Engels
ومن أهم هؤالء الباحثني مارسيل كوهن( ،)Marcel Cohenوبول الفارع ( Paul
)Lafargeالذي درس اللغة الفرنسية يف عالقتها بالثورة الفرنسية؛ إذ رصد خمتلف
التغيريات اللغوية واملعجمية اليت نتجت عن تلك الثورة.
ويعين هذا أن مثة جدلية بني اللغة والفكر .وبالتايل ،فاللغة نتاع اجملتمع أو نتاع الصراع
االجتماعي والتفاوت الطبقي .ومن مث ،تعرب اللغة عن وعي طبقي لكل فئة اجتماعية على
حدة .عالوة على ذلك ،ترتبط اللغة بالظروف االجتماعية واملادية واالقتصادية ،وتتأثر سا
إجيابا أو سلبا .فلغة الطبقة البورجوازية -مثال -ختتلف عن لغة الطبقة الربوليتارية.
وهناك باحثون آخرون حيسبون على هذا االجتاه ،مثل :ميخائيل باختني(،)Bakhtine
ورومان جاكبسون( ،)Jacobsonونيكوالي مار( )Nicolaï Marrالذي كان يدعو
إىل لغة عاملية واحدة؛ مثل :اللغة االصطناعية (اإلسبريانتو .)Esperantoوقد قسم هذا
الباحث الروسي اللغات ،من حيث نشأهتا التارخيية ،إىل أربع مراحل حسب املقاطع
الصوتية األربعة اليت كان يستعملها الكهنة والسحرة ()Sal,Ber,Yôn,Roch
املرحلة األوىل :اللغة الصينية واللغات األفريقية؛
املرحلة الثانية :اللغات الطورانية واللغة الككية؛
املرحلة الثالثة :اللغات القوقازية واللغات احلامية؛
املرحلة الرابعة :اللغات اهلند-أوروبية واللغات السامية.
ويعترب كل مرحلة من هذه املراحل اللغوية داللة على تقدم معني .وحتمل هذه النظرية ،يف
جوهرها ،رؤية عنصرية ماركسية ،هدفها توحيد اللغات ضمن لغة واحدة ،والقضاء على
األخرى ،كالقضاء على الصراع الطبقي ووجود الدولة .وقد حتولت النظرية املاركسية للغة،
282
يف االحتاد السوفيايت ،إىل (اكنظر اكلس ني اكجد دة) ،واستمرت إىل غاية سنوات
اخلمسني من القرن املاضي.
وقد متيزت النظرية البوليفونية عند ميخائيل باختني بطابعها اللساب االجتماعي .وتعين
البوليفونية تعددية يف األصوات ،وتعددية يف اللغات واللهجات ،وتعددية يف الرواة والسراد،
وتعددية يف الرؤى إىل العا ،وتعددية يف الفضاءات ،وتعددية يف األساليب ،وتعددية يف
الطبقات االجتماعية .وهنا ،نتحدث عن مفهوم التهجني ،ومفهوم األسلبة ،ومفهوم
التنضيد الطبقي...
انتشرت اللسانيات االجتماعية يف الواليات املتحدة األمركية بشكل الفت لالنتباه؛ بسبب
تواجد الكثري من اجلاليات األجنبية .ومن مث ،فقد ارتبطت مبجال الكبية والتعليم ارتباطا
وثيقا ،كما عند بازيل برنشتاين ( )Basil Bernsteinالذي حتدث عن شفرتني لغويينت
اجتماعيني متقابلتني :لغة ضيقة ومفككة وضعيفة عند أبناء الفقراء ،ولغة غنية وموسعة
عند أبناء األغنياء.ويف هذا الصدد ،يقول عبد الكرمي بوفرة ":انتبه برنشتاين إىل العالقة
املباشرة بني اإلنتاجات اللغوية الواقعية وبني الوضعية االجتماعية للمتكلمني أو الناطقني
اللغويني .وانطلق من هذه املالحظة لكي يصل إىل استنتاع عام ،مفاده أن أبناء الشرائح
االجتماعية املتواضعة يعرفون نسب فشل دراسي أكرب من أولئك املنتمني إىل طبقات
اجتماعية مستقرة ماديا .ويتميز هذا التفاوت بالفرق بني نظامني لغويني اثنني :واحد ضيق،
واآلخر متسع...
- 862ابن رشد املعتمد وخريص حممد :ددارس علم اكلغ ت ،املكتبة الثقافية الدارالبيضاء ،ومكتبة املعرفة وجدة،
املغرب ،الطبعة األوىل سنة 0888م ،ص.62-60:
285
وملعرفة حجم الفرق بني النظامني أعاله ع إخضاع تالميذ املستويني االجتماعيني املختلفني
لتجربة مثرية لالهتمام .فقد طلب منهم التعليق كتابة على جمموعة من الرسوم املتحركة
الصامتة .فماذا كانت النتيجةا
كان جواب الفئة األوىل (تالميذ الطبقة االجتماعية املتواضعة) على الشكل التايل:
" هم يلعبون بالكرة ،قذف ،تكسر الزجاع"...
بينما كان تعليق الفئة الثانية (تالميذ الطبقة الغنية) سذا األسلوب:
" كان األطفال يلعبون بالكرة ،قذف واحد منهم الكرة ،ومرت عرب النافذة ،وكسرت
الزجاع"...
ويكمن الفرق بني النظامني يف شكل التعبري من الناحية اللغوية ،أي من حيث قواعد النحو
والككيب أوال .ففي احلالة األوىل ،حد مجال قصرية ،تفتقر إىل ضمائر الربط مع معجم
حمدود جدا.لذا ،جيد أولئك التالميذ صعوبة كربى يف التعبري .فهم عاجزون عن التعلم،
وعن رؤية العا .
868
وهذا يعين أن التعلم والتنشئة االجتماعية تنشأ يف األسرة ،وليس يف املدرسة".
وعلي ااه ،فأطروح ااة ب ااازل برنش ااتاين 862ذات ط ااابع لغ ااوي ولس اااب .مبع ااىن أن املدرس ااة فض اااء
للصاراع اللغااوي واللساااب .فلغااة أبناااء الطبقااة الوسااطى والعليااا تتساام باخلصااوبة ،واالسكسااال،
واملرونة ،والكابط املنطقاي واحلجااجي .ومتيال أيضاا إىل التجرياد ،والكمياز ،والصاورنة املنطقياة.
عالوة على استعماهلا للجمل الطويلة اليت تعج بالنعوت واألوصاف واملصادر املؤولاة وأدوات
الوصل والفصل.يف حني ،تتسم لغة أبناء الطبقة الدنيا باستعمال شفرة لغوية ضيقة وحمادودة
ومشخصااة حساايا.كما أهنااا لغااة مفككااة ومهلهلااة ،غااري خاضااعة لعمليااات التحلياال والتااأليف
املنطقي استقراء واستنتاجا.
يعد جان لوي كالفي( )Louis-Jean Calvetمن أهم اللسانيني الفرنسيني الذين
اهتموا بالعالقة املوجودة بني اللغة واجملتمع .وقد أعد أطروحة جامعية حول (اكلغ ،
مفهوم الغلبة أو اهليمنة أو السيطرة اكيجايع) .وقد طر اكجسد،
( )glottophagieيف كتابه (اكلس ني ت االسايي ر) .866ويتناول الكتاب العالقة
املوجودة بني اخلطاب االستعماري واخلطاب اللساب حول اللغات.وبتعبري آخر ،يرى كالفي
أن اخلطاب اإلمربيايل جيعل لغة املستعمر أفضل من لغة املسيطر عليه ،على أساس أن لغة
االستعمار حتمل ثقافة راقية.يف حني ،تعد لغة املسيطر عليه لغة القيمة هلا ،وال أمهية هلا
على مستوى التواصل والتعبري واإلبداع واالبتكار .ويعين هذا أن الكولونيالية هلا تأثري يف
اللغة ،وخاصة فيما يتعلق بالتغريات اليت هلا عالقة بالسلطة.وقد تأثر الباحث كذلك مبشيل
فوكو( )M. Foucaultفيما خيص بديناميكية السلطة اليت ميلكها املتكلمون يف أثناء
التفاعل والتواصل ،وآثار ذلك يف املستمعني.
كما ناقش الدارس عالقة اللغة بالسلطة يف كتابه ( رإ اكلغ ت0827د) ،ودور
اللسانيات يف املدينة (أصوات اكيد ن ).367ومن جهة أخرى ،أرسى دعائم اللسانيات
االجتماعية الفرنسية على أسس علمية متينة .863وانصب اهتمامه أيضا على األقليات
اإلثنية يف منظور اللسانيات االجتماعية.
366
-Louis-Jean Calvet: Linguistique et colonialisme, petit traité de
glottophagie.Payot,0872.
-Louis-Jean Calvet: Les Voix de la ville, Introduction à la
367
تنطلق اللسانيات االجتماعية من فرضية أساسية هي أن مثة تنوعا لسانيا وتغريات وتبدالت
لغوية يف مستوى لغوي معني أو يف مستويات متعددة راجعة إىل التبدالت االجتماعية.مبعىن
ضرورة ربط املتكلم بالسياق التلفظي التواصلي اخلارجي أو التداويل.ومن مث ،يصف الباحث
البنيات اللسانية للغة أو هلجة ما ،بتحديد تغرياهتا وتبدالهتا املتنوعة على الصعيد الصويت،
والصريف ،والككييب ،والداليل ،والتداويل ،وتعليل ذلك مبسبباهتا االجتماعية أو اجلغرافية أو
السياسية أو االقتصادية أو التارخيية أو الثقافية أو الدينية أو احلضارية ،انطالقا من
مقاربتني :سانكرونية داخلية حمايثة ،ومقاربة تارخيية ودياكرونية تطورية لرصد خمتلف
التطورات اليت شهدها التبدل اللساب عرب خمتلف املراحل الزمانية واملكانية واجلغرافية.
289
ومن مث ،يدمج الباحث اللساب املتكلم أو املتلفظ داخل سياق تواصلي جمتمعي .مبعىن أن
املتلفظ هو نتاع جمتمع معني ،والدليل على ذلك اهلوية اليت ينتمي إليها ،واجلنس الذي
حيدد طبيعته ،واملهنة اليت يزاوهلا ،والطبقة االجتماعية اليت ينتمي إليها ،وطبيعة سنه أو عمره
( طفل أو شاب أو عجوز) .وبالتايل ،الميكن أن تكون الدراسة ناجعة إال باختيار عينة أو
مدونة لسانية لالشغال عليها ( .)Corpusوالبد من استحضار املخاطب عرب اخلطاب
التلفظي املوجه إىل املستمع /املتلقي.
وعند دراسة املدونة أو العينة اللغوية ،البد من حتديد أطراف التلفظ أو التواصل ،وتبيان
مكان التلفظ وزمانه ،واملؤشرات اللغوية الدالة على ذلك ،ورصد خمتلف التبدالت اللسانية
وتنوعها مقارنة باللغة املعيارية ،ووصف هذه التبدالت يف ضوء القواعد اللسانية الرمسية،
والبحث عن أسباب هذا التبدل والتنوع اللغوي أو اللهجي.
واليقتصر هدف اللسانيات االجتماعية على حتديد التبدالت اللغوية فحسب ،بل هتتم
كذلك مبضامني امللفوظات ذات احلمولة االجتماعية ،والككيز على املعىن أو املعجم
املوظف ،كتحديد طبيعة املعجم ،وحقوله الداللية ،وطبيعة اخلطاب الذي ينتمي إليه هذا
املعجم.
وترتكز اللسانيات االجتماعية كثريا على السياق التواصلي االجتماعي الذي يتحكم يف
التلفظ وأطراف التواصل التلفظي.أي :حتديد خمتلف شروط التلفظ الزمانية واملكانية اليت
تتحكم يف التواصل بني املتكلم والسامع ،بدراسة نوع اخلطاب ،وأمناط التلفظ (السرد،
واحلوار ،واملنولوع ،واملناجاة).
وميكن تطبيق هذه املنهجية على لغة التالميذ ،ولغة األطفال ،ولغات الشباب ،ولغات
املهاجرين ،ولغات وسائل اإلعالم ،ولغات املهنيني واحلرفيني ،وحتليل اخلطاب :خطاب
السياسيني ،وخطاب العمال واحلرفيني ،وخطاب الرجال ،وخطاب النساء؛ واالهتمام
بلغات األقليات أو اإلثنيات؛ والتقومي االجتماعي للهجات احمللية يف املقررات املدرسية.
290
ومن هنا ،تنبين اللسانيات االجتماعية على جمموعة من اخلطوات املنهجية اليت ميكن
حصرها يف اإلجراءات املنهجية التالية:
مالحظة البيئة اللغوية املتنوعة ،بالنزول إىل الواقع امليداب ،مرفقا باألدوات املساعدة؛
مجع املدونة اللغوية واختيار األمثلة والشواهد املناسبة؛
حتديد فرضية الدراسة وإشكالياهتا املتنوعة؛
تبيان أهداف البحث وغاياته وأمهيته العلمية؛
وصف الظاهرة اللغوية املتنوعة يف عالقتها بالتنوع االجتماعي؛
حتديد التبدالت والتغريات الصوتية وتصنيفها ودراستها داخليا وخارجيا؛
فهم هذه التبدالت والتغريات وتفسريها بالعوامل الداخلية واخلارجية؛
املقارنة بني خمتلف هذه الظواهر الصوتية واالجتماعية سانكرونيا ودياكرونيا؛
استخراع القواعد والقوانني والعالقات اليت تتحكم يف العينة املرصودة للدراسة والوصف
والتقومي؛
وضع النظريات وتعميمها.
يمص اكقول ،هتتم اللسانيات االجتماعية بدراسة احتكاك اللغات ،ورصد الدخيل
والتداخل واخللط اللغوي ،ودراسة البوليفونية اللغوية واللهجية ،ومقاربة األسلبة والتنضيد
والتهجني اللغوي ،ومناقشة الثنائية والتعددية اللغوية ،ومعرفة عالقة اللغات باللهجات.
فضال عن االهتمام بتصحيح اللغة ،وجودة اللغة ،وتقعيد اللغة ،واألمان اللغوي ،والتلوث
اللغوي ،والسياسة اللغوية ،والتخطيط اللغوي...أي :دراسة اللغات يف عالقتها باألفراد،
واجملتمعات ،واملؤسسات.
هذا ،وقد جتاوزت اللسانيات االجتماعية مثالية اللسانيات السوسريية والشومسكاوية
القائمة على االستنباط والطابع االفكاضي الصوري اجملرد ،باالنتقال إىل الطابع التجرييب
291
االستقرائي امليداب واملختربي.أي :مثة انتقال من اللسانيات البنيوية الشكلية إىل اللسانيات
االجتماعية ،أو انتقال من بنية اللغة إىل بنية اجملتمع ،أو انتقال من الداخل اللساب إىل
اخلارع اللساب.
292
اكفصل اكا سع:
293
خمتلف التأثريات اليت ميارسها اجملتمع أو تنظيماته يف األفراد والكائنات البشرية
واإلنسانية.868
إذا ،ما علم النفس االجتماعيا وما مواضيعه اليت يدرسهاا وما مصادره املعرفيةا وما أمهيته
العلميةا وما نشأته وتطوره التارخييا وما أهم أعالمها وأهم ما تصوراته املنهجيةا
369
- Y. Castellan: Initiation à la psychologie sociale, Paris, 1970.
370
-J. Maisonneuve, Introduction à la psychosociologie, PUF,
1973.
294
الفرد مبثابة ذات عالئقية أو ذات متفاعلة مع الذوات األخرى ضمن سياق اجتماعي
معني.
ويعرف الباحث املصري خليل ميخائيل معوض علم النفس االجتماعي بقوله ":علم النفس
االجتماعي فرع من فروع علم النفس ،يتناول سلوك األفراد واجلماعات وتفاعلهم خالل
املواقف االجتماعية املختلفة ،ودراسة العوامل اليت تؤثر يف هذا التفاعل والعمليات النفسية
اليت حتدث أثناء هذا التفاعل ،وما يكتب على هذا التفاعل من اكتساب الفرد الجتاهات
وقيم وأساليب سلوكية معينة ترضى عنها اجلماعة ،وأثناء عمليات التفاعل االجتماعي يتم
تأثري متبادل بني األفراد بعضهم مع بعض ،وبني اجلماعات بعضها مع بعض ،وبني األفراد
872
واجلماعات".
إذ ،يالحظ تداخل واضح بني علم النفس وعلم االجتماع ،فنذا كان العلم األول يدرس
األفراد سلوكيا وشعوريا والشعوريا ومعرفيا ،فنن الثاب يدرس الظواهر اجملتمعية على أهنا
أشياء .كما ينصب هذا العلم على رصد خمتلف األفعال والتصرفات اليت يقوم سا األفراد
واجلماعات ضمن وضعية جمتمعية ما ،مع استجالء خمتلف العوامل النفسية واالجتماعية
اليت تتحكم يف خمتلف العالقات التفاعلية اليت حتدث بني األفراد واجلماعات ،ضمن سياق
اجتماعي ما ،مع الككيز على التنشئة االجتماعية ،واستكشاف خمتلف التأثريات املتبادلة
اليت حتدث بني األفراد واجلماعات.
وعليه ،فعلم النفس االجتماعي هو علم الفعل أو السلوك ،أوهو التطبيق التدخلي لفهم
األفراد داخل احلياة االجتماعية .مبعىن أنه عبارة عن مقاربة إجرائية عملية عالجية ،تسعى
إىل فهم الظواهر النفسية الشائنة لدى األفراد ،وتفسريها ومداواهتا حبلول اجتماعية .ومن
371
- Serge Moscovici, Psychologie des minorités actives, PUF,
1979.
-872خليل ميخائيل معوض :علم اكنفس االجاي عا ،دار النشر املغربية ،الدار البيضاء ،املغرب ،الطبعة األوىل
سنة 0832م ،ص.08:
295
هنا ،يصبح علم النفس االجتماعي مبثابة طريقة يف عالع األمراض النفسية الفردية ،بنعادة
إدماع األفراد مرة ثانية يف اجملتمع أو داخل اجملموعات من أجل التكيف والتأقلم وحتصيل
التوازن النفسي.
وعلى أي حال ،فعلم النفس االجتماعي هو الذي يدرس الفرد يف صورته األكثر
اجتماعية ،ويرصد احلاالت النفسية لتنمية الفئات االجتماعية ،وحتسني مستواها النفسي
واالجتماعي ،ودراسة سلوك الفرد يف تفاعله أو تواصله مع اآلخرين ،ضمن بيئة اجتماعية
معينة .ويقصد به كذلك أنه العلم الذي يدرس خمتلف الظواهر النفسية ذات الطابع
االجتماعي ،واليت تكون حمفزاهتا فردية ،أو هو الذي يدرس التفاعل املوجود بني الظواهر
النفسية والظواهر االجتماعية .عالوة على ذلك ،فهو العلم الذي يدرس العالقات النفسية
االجتماعية املتبادلة يف سياق اجتماعي تفاعلي وتواصلي .ويعين هذا أنه يدرس الفرد يف
عالقته جبماعة واحدة أو مجاعتني أو مجاعات متعددة ،أو دراسته يف حضن اجملتمع ،أو
دراسة اجملموعات أو اجلماعات فيما بينها دراسة سيكولوجية.
وإذا كان علم النفس يدرس الفرد ،وعلم االجتماع يدرس اجملتمع ،واألنكوبولوجيا تدرس
تأثري الثقافة يف الفرد ،فنن علم النفس االجتماعي يدرس التفاعل املوجود بني الفرد
واجملتمع.
وخالصة القول ،إن علم النفس الفردي الذي بلوره فرويد ويونغ وأدلر يتناول الظواهر
النفسية الفردية الشعورية والالشعورية .بينما علم االجتماع الذي تأسس مع أوجست
كونت ودوركامي وليفي برول يهتم بالظواهر االجتماعية .أما علم النفس االجتماعي الذي
هو يف احلقيقة جزء من علم النفس ،فننه يعىن بدراسة أثر الفرد يف اجلماعة ،وأثر اجلماعة
يف الفرد .كما يرتكز على دراسة اجلماعة وتصنيفها وتبيان أدوارها وأهدافها وخصائصها،
وحتديد تفاعالهتا ووظائفها داخل اجملتمع .ومن مث ،فهو مبثابة الدراسة العلمية لإلنسان
باعتباره كائنا اجتماعيا ،يعيش يف جمتمع يتخذ له فيه أصدقاء ،فيتفاعل معهم ،ويتأثر سم.
ويف الوقت نفسه ،يؤثر فيهم.
296
ومثة جمموعة من التعاريف لتحديد علم النفس االجتماعي ،إذ يرى هوبرت بونر
( )Hubert Bonnerأن " علم النفس االجتماعي هو فرع دن اكيلود االجاي عي
الذي يتناول سلوك األفراد داخل اجلماعات اإلنسانية."878
ويعين هذا التعريف أن علم النفس االجتماعي هو جزء من علم االجتماع العام ،وليس
جزءا من علم النفس كما يرى كثري من الدارسني السيكولوجيني .وأكثر من هذا فهو يركز
على دراسة السلوك الفردي داخل اجلماعات اإلنسانية أو البشرية.
وهناك من يعرف علم النفس االجتماعي بأنه " دراسة علمية خلربة الفرد وسلوكه يف
872
عالقتهما باملواقف االجتماعية".
ويعين هذا أن علم النفس االجتماعي هو الذي يوظف املنهج العلمي لدراسة خربات الفرد
وجتاربه وتعلماته وموارده املكتسبة ،يف أثناء مواجهته للوضعيات أو املواقف االجتماعية
املختلفة واملتنوعة .أي :يدمج الفرد كل ما لديه من قدرات وخربات وتعلمات وجتارب
وموارد مكتسبة من أجل مواجهة موقف جمتمعي ،أو التكيف مع وضعية اجتماعية معقدة،
يتصدى لظرفية أو مشكلة صعبة.
عالوة على ذلك ،اليقتصر علم النفس االجتماعي على اجلوانب النفسية للفرد فقط ،بل
يتعدى ذلك إىل استحضارعامل احمليط أو البيئة أو اجلماعة أو اجملتمع ،مع تبيان عالقات
التأثري والتأثر القائمة بني الفرد واجملتمع ،ودراسة خمتلف املواقف االجتماعية والثقافية اليت
871
يكون الفرد بصدد مواجهتها.
376
- David Krech, Richard S. Crutchfield: Theory and Problems of
Social Psychology, McGraw-Hill Book Co., 1948 - 639 pages.
377
-William McDougall: Une introduction à la psychologie
social,1908,( 2nd ed.), London: Methuen & Co.
- 873أمحد عزت راجح :أصول علم اكنفس ،املكتب املصري احلديث ،اإلسكندرية ،مصر ،الطبعة الثامنة
0871م ،ص.82:
298
واالجتماعية اليت حتدث بني أعضاء هذه اجلماعة ،ووصف النسق االجتماعي الذي جيمع
هؤالء األفراد ،ضمن مجاعة موحدة ،بأهداف وخصائص ومسات مشككة .واهلدف من
تواجدها هو حتقيق التوافق االجتماعي ،وبناء اهلوية اجلماعية ،وحتصيل التوازن النفسي
واالجتماعي.
يدرس علم النفس االجتماعي جمموعة من املواضيع اليت هلا طابع نفسي من جهة ،وطابع
اجتماعي من جهة أخرى .ومن بني هذه املواضيع الدراسة العلمية لسلوك الفرد يف أثناء
تفاعله داخل مجاعات يتأثر سا ،ويؤثر فيها عرب مواقف اجتماعية خمتلفة؛ وتبيان خمتلف
مناهج البحث الكمية والكيفية اليت تستعمل يف جمال علم النفس االجتماعي لدراسة
الظواهر اجملتمعية؛ وتبيان خمتلف العالقات التفاعلية اليت حتدث بني األفراد داخل
اجلماعات؛ ودراسة اجلماعات من حيث بناؤها ،وأنواعها ،وأغراضها ،وأنشطتها،
ومتاسكها ،وتنافرها ،وديناميكيتها ،ومشكالهتا ،والتأثريات اليت متارسها يف األفراد ،وما
ميارسه األفراد من تأثريات يف تلك اجلماعات؛ ودراسة التنشئة االجتماعية أو التطبيع
االجتماعي ،وما يتعلمه األفراد من قيم ومعايري واجتاهات وميول النسجام مع اجملتمع
والتكيف معه والتأقلم معه انسجاما واندماجا وانصهارا؛ والككيز كذلك على االجتاهات
والقيم ،وكيفية تكوينها ،وطبيعتها ،ووظائفها؛ والتوقف عند دراسة التعصب -مثال-
باستجالء مفهومه ،وطبيعته ،ومظاهره ،وصوره ،وجماالته ،وأسبابه ،ونظرياته؛ ودراسة القيادة
ونظرياهتا ،والتوقف عند القيادة الدميقراطية ،والقيادة الديكتاتورية ،والقيادة السائبة ،وكيفية
اختيار القادة ،والتدريب على القيادة؛ ودراسة خمتلف املشاكل واألمراض النفسية
االجتماعية اليت تتعلق بالسلوك املضاد للمجتمع ،مثل :اإلجرام ،واإلرهاب ،والتطرف،
299
والتعصب ،واجلنو ،والسلوك العدواب ،والتنافر ،والبغاء ،وإدمان اخلمور واملخدرات،
والتمييز العنصري.
وال ننسى أيضا االجتاه التطبيقي لعلم النفس االجتماعي املعاصر الذي يهتم بدراسة
السلوك السياسي على املستويات :احمللية ،واجلهوية ،والوطنية ،والدولية.878
وعليه ،يدرس علم النفس االجتماعي السلوك الفردي واجلمعي واجملتمعي؛ وديناميكية
اجلماعات؛ وأمناط القيادة؛ والتنشئة االجتماعية؛ واالجتاهات االجتماعية؛ والعقل أو الفكر
اجلمعي؛ ودراسة السلوك السوي والسلوك الشاذ بالنسبة حلياة اجلماعة ،مثل :حاالت
االحنراف اخللقي ،وحاالت اإلجرام ،وعوامل التفكك االجتماعي املختلفة .إىل جانب
دراسة عدد كبري من الظواهر االجتماعية كاحلروب ،وحاالت اإلضراب والثورة واالنقالبات
العسكرية والسياسية ،وحاالت التعصب واملنافسة يف اجملاالت االجتماعية؛ فضال عن
دراسة وسائل االتصال اجلمعي ،وأساليب التفاهم بني أفراد اجلماعة عن طريق اللغة والدوال
والعالمات السيميائية واإلشارات احلركية ،ووسائل نشر الثقافة البصرية ،مثل :التلفزة،
والسينما ،واإلذاعة ،واملسر ،والصحافة.831...
301
اكيب ث اكرابع :أه ــيي علم اكنفس االجاي عا
يعد علم النفس االجتماعي من العلوم املهمة يف معرفة الظواهر النفسية واالجتماعية فهما
وتفسريا وتأويال .إذ يساعدنا على معاجلة الظواهر املرضية اليت يعانيها األفراد داخل
اجلماعات أو البيئة اجملتمعية ،بفهم خمتلف التفاعالت النفسية االجتماعية اليت حتدث بني
األفراد وبيئتهم اجملتمعية .أي :دراسة السمات النفسية السلبية أو اإلجيابية اليت تتحكم يف
سلوك األفراد داخل الفرق أو اجملموعات أو داخل اجملتمع نفسه .ويف الوقت نفسه ،ميدنا
بطرائق عالجية تطبيقية إجرائية للحد من املشاكل النفسية واالجتماعية اليت تؤرق مضجع
األفراد داخل بيئتهم االجتماعية.
كما يدرس علم النفس االجتماعي موضوعات وثيقة الصلة مبشكالت اجملتمع واحلياة
الواقعية لألفراد ،مع البحث اجلاد عن احللول املمكنة للحد من االضطرابات النفسية
الشاذة ،وإعادة بناء توازن شخصياهتم يف أحسن األجواء النفسية واجملتمعية.
ومن بني املواضيع اليت يعاجلها علم النفس االجتماعي ،وهلا عالقة وثيقة باألفراد
واجملموعات ،موضوع العدوان ،والكراهية ،والتعصب ،والتطرف ،والعنف ،والنفور ،والصراع،
واإلرهاب ،والتشدد ،وما يرتبط بذلك من حروب نفسية ودعايات مغرضة وشائعات تافهة.
ولعلم النفس االجتماعي أمهية تطبيقية يف جمال علم الكبية ،حيث ينبغي الككيز على
العالقة املوجودة بني املدرس واملتعلم ،واستجالء خمتلف التفاعالت السيكوسوسيولوجية اليت
حتدث أثناء العملية الديدكتيكية ،ضمن أدوار قيادية دميقراطية أو سائبة أو استبدادية.
وحتضر أمهية هذا العلم يف اجملال العسكري ،فالبد من تشخيص طبيعة العالقات املوجودة
بني القائد وجنده ،وطبيعة العالقات التفاعلية على مستوى القيادة والتحفيز والتوجيه إلحاز
العمليات احلربية أو أداء األدوار العسكرية.
وحتضر أمهيته كذلك يف جمال الشغل ،بالتوقف عند خمتلف العالقات النفسية واالجتماعية
اليت جتمع بني العمال داخل مؤسسة أو مقاولة أو شركة أو مصنع حتت قيادة مدير أو مدبر
302
أو رب العمل ،وتبيان آليات التحفيز ،وحل خمتلف املشاكل اليت يواجهها العمال داخل
مشغلهم .وتتجلى أمهيته كذلك يف اجملال اإلرشادي واإلكلينيكي أو العيادي ،بالتوقف عند
العالقة اليت جتمع بني املرشد واملعاجل ،وكذلك يف اجملال اجلنائي برصد خمتلف العالقات اليت
جتمع بني السجان والسجني...
وعليه ،فعلم النفس االجتماعي" له دور وقيمة يف جمال حياتنا اليومية ،ويف جمال نشاطنا
املتعدد األوجه ،فدارسو علم النفس االجتماعي يأخذون يف االعتبار جانبا جوهريا وأساسيا
عندما يدرسون املشكالت املتعددة يف حياتنا اليومية يف جماالت النشاط املتعدد ،يف
الصناعة والتجارة ،والكبية والتعليم ،والصحة النفسية والعالع ،واخلدمات االجتماعية ،ويف
مجاعات النشاط األخرى الثقافية واالجتماعية والدينية يف املؤسسات املختلفة .وهذا
830
اجلانب األساسي هو اكاوافق االجاي عا مع األفراد واجلماعات اليت تتعامل معها".
ومن هنا ،حيس الفرد جتاه اجلماعة إما بالرضى والقبول ،وإما بالرفض والنفور " .والشك أن
الفرد حيس باألمن والسعادة إذا ما تقبله اآلخرون ،فيقبل على اآلخرين باستجابات الود
والتعاطف واحلب والتقدير واالستعداد للتعاون وبذل اجلهذ ،وتنعكس هذه العالقات
االجتماعية املرغوب فيها يف صورة إنتاع مثمر وصحة نفسية سليمة.يف حني ،يشقى
اإلنسان ويبتئس عندما حيس أن عالقاته مع اآلخرين يسودها عدم الثقة واملعاملة السيئة
والتشكيك وعدم التقدير.فيؤدي هذا إىل أساليب سلوكية غري مرغبوب فيها كالعدوان أو
832
االنسحاب ،والشك أن هذا يؤثر يف إنتاع الفرد الذي يتناسب مع قدراته".
ويالحظ أن األفراد خيتلفون يف إدراك املواقف واالستجابات جتاه املوضوعات واألفراد
اآلخرين ،ضمن عمليات التفاعل االجتماعي ،يف سياق اجتماعي معني.ويعين هذا أننا"
حنكم على عمليات التوافق االجتماعي من خالل التفاعل االجتماعي الذي يتم بني فرد
وجمموعة من األفراد على أساس إحساس الفرد الذي حنكم عليه ال على أساس من يصدر
من يتأمل تاريخ علم النفس االجتماعي ،فقد كان هذا العلم ،مثل باقي العلوم واملعارف
األخرى ،تابعا للفلسفة منذ املرحلة اليونانية إىل القرن العشرين؛ إذ استقل علم النفس
االجتماعي عن الفلسفة من جهة ،واستقل أيضا عن علم النفس وعلم االجتماع منذ
منتصف القرن العشرين .ويعين هذا أن هذا العلم قد نشأ " نشأة فلسفية كسائر العلوم
اإلنسانية األخرى .فكثري من قضايا علم النفس االجتماعي اليت تتعلق بطبيعة اإلنسان
وتفاعله مع اآلخرين وعالقاته االجتماعية ،وعالقة األفراد باجملتمع والدولة ،وغرائز الفرد
307
مورينو ( )Morenoدعائم االختبار السوسيومكي( .882)la sociométrieكما
وضع األملاب مويد ( )W. Moedeوالفرنسي ألفرد بينيه ( )Alfred Binetأسس
علم النفس االجتماعي التجرييب.
و يظهر علم النفس االجتماعي سذا االسم إال مع كتابني حيمالن العنوان نفسه (علم
اكنفس االجاي عا)Psychologie sociale /سنة 0813م ،واحد ألفه
روس األمريكي ألفه والثاب
اإلحليزي ماجدوكال(،)W. McDougall
(.)E. A. Ross
وقد قدم علماء النفس السلوكيون ،منذ سنوات الثالثني من القرن املاضي ،الشيء الكثري
لعلم النفس االجتماعي؛ إذ وجهوا حبوثهم لدراسة عالقة السلوك اإلنساب بالبيئة احمليطة.
وميثل هذه املدرسة جمموعة من الباحثني كاألمريكيني واطسون (-0373()Watson
0813م) وسكينر (0881-0812( )Skinnerم) ،والطبيب الفيزيولوجي الروسي
بافلوف ( ،)0868-0328()Pavlovوثورندايك (...)Thorndike
وقااد تااأثرت هااذه املدرسااة بالوضااعية العلميااة وفلساافة الواليااات املتحاادة األمريكيااة يف بدايااة
القرن العشرين ،وقد ركزت على فكرتني أساسايتني مهاا :السالوك املالحاظ والبيئاة ،ماع إقصااء
الذات والعواطف الشعوية والعمليات الذهنية والعقلية والفكرية الداخلية.
391
- K. Lewin, Psychologie dynamique (A Dynamic Theory of
Personality, 1935), trad. M. et C. Faucheux, éd. rev. J.-M. Lemaine,
Paris, 1959.
392
- J. L. Moreno, Fondements de la sociométrie (Who Shall
Survive ? Foundations of Sociometry, 1953), trad. d'après la 2e éd.
américaine par H. Lesage et P.-H. Maucorps, Paris, 1954.
308
والغا ا اارض ما ا اان ها ا ااذه املدرسا ا ااة ها ا ااو دراسا ا ااة السا ا االوك اخلا ا ااارجي لإلنسا ا ااان السا ا ااوي ،بربطا ا ااه
باملثري( )Stimilusواالستجابة ( .)Réponseويعين هذا أن السلوك اإلنساب هو نتاع
للتعلم ،أو هو رد فعل على جمموعة من املنبهات اليت تأتينا من العا اخلارجي.
وماان هااا ،فقااد ظهاارت الساالوكية ساانة 0808م ،يف الواليااات املتحاادة االمركيااة ،مااع واطسااون
لدراسااة ساالوك خمتلااف الكائنااات احليااة يف ارتباااط بالبيئااة أو احملاايط اخلااارجي .وماان مث ،فقااد
اسااتبعدت هااذه املدرسااة كاال ماااهو داخلااي ،س اواء أكااان شااعورا أم الشااعورا .ويعااين هااذا أن
الساالوكية مدرسااة ساايكولوجية جتريبيااة وعلميااة ،هاادفها دراسااة الساالوك اخلااارجي املالحااظ يف
عالقة باملثري واالستجابة.لذا ،فقد أجرت جتارسا األوىل على احليوانات ،من كالب ،وفئاران،
وقطط ،ومحام ،بغية تطبيقها على اإلنسان.
وللتوضاايح أكثاار ،فاإلنسااان يصاادر ساالوكه اخلااارجي حينمااا ي ارتبط ذلااك مبحفااز واسااتجابة.
مثال ،حينما حيس اإلنسان بالعطش ،يسمى هذا حافزا ،فنناه يتجاه حناو املكاان الاذي يوجاد
فيه املاء ،ويسمى هذا بالسلوك اخلارجي ،فيشرب املاء ،ويسمى هذا استجابة .وينطباق هاذا
علااى حااافز اجلااوع وحااافز ال اتعلم وحااافز اخلااوف وغريهااا ماان املث اريات اخلارجيااة املدركااة.وإذا
كانت املدرسة الشعورية تدرس الشعور الداخلي ،فانن السالوكية التعاىن إال مبالحظاة السالوك
اخلارجي القابل للدراسة والرصد والتجريب.
وماان هنااا ،فكلمااا كااان هناااك مثااري أو حااافز أو منبااه خااارجي ،كاناات هناااك اسااتجابة ساالوكية
مبثابااة رد فعاال علااى هااذا املنبااه البيئااي أو احمليطااي .وقااد كااان هااذا القااانون الساايكولوجي نتيجااة
جمموعة من التجارب اليت أجريت على احليواناات يف ظاروف ووضاعيات جتريبياة خمتلفاة ،بغياة
معرفة عالقة االرتباط املوجودة بني املثري املدروس واالستجابة املتوقعة.
وأكث اار م اان ه ااذا ،هت ااتم الس االوكية بدراس ااة الوق ااائع الذهني ااة والوجداني ااة املالحظ ااة (الصا اراخ،
الضا ا ااحك ،)...والتعا ا ااىن بدراسا ا ااة احلا ا اااالت غا ا ااري املالحظا ا ااة أو املدركا ا ااة (الفا ا اار ،واحلا ا اازن،
والغضااب.)...كما تاادرس عناصاار البيئااة احلسااية ،مثاال :احلارارة ،وعاادد األفاراد ...وماان هنااا،
فالوضعيات البيئية هي اليت ختلق حوافر الفرد ،وتستدعي ردود أفعاله واستجاباته.
309
وإذا كان بافلوف قد اهتم بدراسة االنعكاس املشاروط ،بدراساة ردود الفعال لادى احلياوان يف
عالقتااه باااحمليط الااذي يوجااد فيااه ،فاانن واطسااون " أراد أن يبااين نظريااة الساالوك اإلنساااب علااى
وحاادة بساايطة هااي الفعاال املاانعكس ،ودرس الفعاال املاانعكس يف احليوان اات الدنيئااة البساايطة
والراقية ،واعترب سلوك اإلنسان جمموعة من األفعال املنعكسة الشرطية املعقدة"888.
ويع ااد إدوارد ثورن اادايك(0828-0372( )Edward Thorndikeم)م اان العلم اااء
األم ا اريكيني الا ااذين حيسا اابون علا ااى التيا ااار السا االوكي ،وكا ااان سا ااباقا إىل وضا ااع معادلا ااة املثا ااري
واالستجابة إطارا مرجعيا للتعلم وسيكولوجية السلوك ،وقاد طار تصاورا ترابطياا للاتعلم .وقاد
عرف بنظرية التعلم باحملاولة واخلطأ ،عالوة على قانون األثر الذي ارتبط بامسه.
ومن جهة أخرى ،يالحظ أن علم النفس االجتماعي يدرس يف مسلك علم النفس يف
بعض اجلامعات الغربية ،وقد يدرس يف مسلك السوسيولوجيا يف جامعات أخرى ،أو قد
يكون تابعا للمسلكني معا يف كثري من اجلامعات العاملية.
وبذلك ،تعد الواليات املتحدة األمريكية البلد األكثر اهتماما بعلم النفس االجتماعي؛
بسبب كثرة املشاكل اإلثنية واجلنائية اليت تستلزم حلوال نفسية واجتماعية يف الوقت نفسه.
ومع سنوات الستني ،تطور علم النفس االجتماعي يف فرنسا ،وانتشرت مبادؤه النظرية
والتطبيقية يف خمتلف اجلامعات العاملية .وأصبح علما يدرس يف اجلامعات ،ضمن شعبة علم
النفس أو شعبة علم االجتماع.
وبعد ذلك ،عقدت لقاءات وندوات وملتقيات هتتم بعلم النفس االجتماعي ،وتشكلت
مجعيات وخمتربات ومنظمات يف هذا اجملال ،وظهرت جمالت وكتب ومؤلفات هتتم بعلم
النفس االجتماعي عرب ربوع العا .
يمص اكقول ،لقد عرف علم النفس االجتماعي مراحل عدة يف مساره النشوئي ،وميكن
حتديدها يف املرحلة الفلسفية التأملية مع جمموعة من الفالسفة ،أمثال :أفالطون ،وأرسطو،
- 888عبد العزيز القوصي :علم اكنفس :أسسه تطبيق ته ،الطبعة األوىل سنة 0812م ،ص.76:
310
والفارايب ،وابن خلدون ،وهوبز ،وروسو ،وجون لوك ،وبنتهام ،وأوجستني...؛ واملرحلة
البيولوجية مع شارلز داروين؛ واملرحلة األنكوبولوجية مع الزاروس ،وستينتال ،ومالينوفسكي،
وبواس ،وغريهم؛ واملرحلة السيكولوجية مع فوندت؛ واملرحلة االجتماعية مع سبنسر،
وأوجست كونت ،وإميل دوركامي ،وآخرين؛ واملرحلة العلمية اليت جعلت علم النفس
االجتماعي علما حقيقيا يعىن بدراسة الفرد يف اجلماعة.ومن أهم ممثلي هذه املرحلة:
غابرييل تارد ( ،882)Tardeوإدوارد روس( ،)Rossووليم ماجدوكال( W Mx
،)Dougalوكريت لوين ( ،)Lewinومورينو (...)Moreno
ومن أهم املواضيع اليت ركزت عليها هذه الدراسات :اجلماعة ،والقيادة ،والسلوك القيادي،
واالجتاهات االجتماعية ،والتنشئة االجتماعية ،والتمثالت االجتماعية ،والسلوك اإلجرامي،
والقيم ،والتعصب ،والدعاية ،والعنف ،والتطرف ،واجلنو ،وديناميكية اجلماعات...
يستعني علم النفس االجتماعي باملنهج العلمي يف دراسة الظواهر النفسية ذات البعد
االجتماعي فهما وتفسريا وتأويال ،باالبتعاد قدر اإلمكان عن احلدس واملعرفة الشعورية
املباشرة .واهلدف من ذلك كله هو الوصول إىل النتائج اليقينية عرب جمموعة من املراحل
العلمية اليت تبدأ با د د اكيشتل اكي ور ،بطر جمموعة من األسئلة واإلشكاليات
حول القضية الرئيسية يف املوضوع املراد دراسته؛ مث طر الفرضية أو جمموعة من الفروض
لدراستها والتجريب عليها؛ وتبيان أمهية البحث وأهدافه وغاياته الكربى؛ واستعراض خمتلف
الدراسات السابقة اليت تناولت املوضوع بالتحليل والدرس واملناقشة والتقومي ،مع تبيان
فرضياهتا ،وأدواهتا ،ومفاهيمها ،وأساليبها اإلحصائية ،ونتائجها.
311
وبعد ذلك ،يلتجىء الباحث إىل التأطري النظري املوسع ،بتعريف املوضوع لغة واصطالحا،
مث حتديد املصطلحات واملفاهيم اإلجرائية ،وتبيان مرتكزات الظاهرة املدروسة وخمتلف
مقوماهتا ،وتبيان كل ما يتعلق حبيثياهتا وشروطها وأسباسا وجتلياهتا ونتائجها.
وبعد التأطري النظري ،ينتقل الدارس إىل التجريب التطبيقي ،بتحديد العينة وتعريفها ،وذكر
طبيعتها ونوعيتها ومواصفاهتا ،وذلك كله يف عالقة باجملتمع األصلي .وبعد ذلك ،حيدد
الباحث املنهج املستعمل يف البحث (املنهج الوصفي أو املنهج التفسريي أو املنهج التجرييب
أو املنهج املقارن أو املنهج التارخيي .)...مث حيدد الدارس نوع اإلحصاء الذي يستعمله يف
تفريع البيانات واملعطيات ،فهل سيتبىن اإلحصاء الوصفي أم يتعدى ذلك إىل اإلحصاء
االستنتاجيا
والبد من إخضاع البحث للتجريب والوصف واملقارنة وتكرار االختبارات والفحوص.
واهلدف من ذلك كله هو حتصيل النتائج والقوانني ،والتثبت من صدق مجيع الفرضيات أو
بعضها لتعميمها يف شكل نظريات .وهناك من الباحثني من يتخوف من التعميم .ويف
هذا ،يقول خليل ميخائيل معوض ":الجيب أن نلجأ إىل التعميم عند دراسة أي ظاهرة
اجتماعية أو سلوك إنساب .فالتعميمات حتتاع إىل درجة عالية من الصدق .فالجيب أن
يغايل الباحث يف التعميمات بالنسبة للعلوم اإلنسانية عامة ،وعلم النفس االجتماعي
881
خاصة؛ ألن مثل هذه الدراسات تدور حول سلوك اإلنسان املركب املعقد واملتغري".
وعليه ،البد أن يتميز املنهج يف علم النفس االجتماعي بالتنبؤية ،والقياسية ،والتكرارية،
والتحكم يف املتغريات املستقلة والتابعة.
ومن هنا ،فنن وحدات التحليل يف علم النفس االجتماعي هي :السلوك ،والفرد ،واجلماعة،
واجملتمع ،والتفاعل ،واحلضور النفسي املباشر وغري املباشر .أي :دراسة حاالت األفراد
النفسية وتفاعلهم مع اآلخرين ،ضمن سياق اجتماعي معني .عالوة على الككيز على
أقواهلم ،وأفعاهلم ،وحركاهتم .وهنا ،ميكن احلديث عن السلوك العقلي الذهين ،والسلوك
396
- G. & J.-M. Lemaine: Psychologie sociale et expérimentation,
Paris, 1969.
- J. Stoetzel: La Psychologie sociale, Paris, 1963.
397
398
- Otto KLINEBERG: « PSYCHOLOGIE SOCIALE »,
Encyclopædia Universalis [en ligne], consulté le 22 août 2015. URL:
http://www.universalis.fr/encyclopedie/psychologie-sociale/
313
الدولية اليت تتخذ طابعا تفاعليا إنسانيا ،888مثل :السوسيوميكية ،والسوسيودراما،
والسيكودراما ،والطرائق العالجية ،وديناميكية اجلماعة ،ولعبة األدوار...
ومن جهة أخرى ،وظف علم النفس االجتماعي منهج االستبطان والتأمل الذايت .كما
استخدم املنهج التارخيي ،واملنهج املقارن ،وتسجيل تاريخ احلياة اليومية ،إىل جانب جمموعة
من األدوات العلمية يف البحث واالستقراء واالستقصاء ،وفهم الظواهر النفسية واالجتماعية
وتفسريها وتأويلها ،كاستعمال املالحظة العلمية ،واالستعانة باملنهج الوصفي ،واللجوء إىل
املسح االجتماعي ،وتطبيق االختبار السوسيومكي...
يتبني لنا ،مما سبق ذكره ،أن علم النفس االجتماعي هو فرع من فروع يمص اكقول،
علم النفس العام أو فرع من علم االجتماع العام .ويعين هذا أن هذا العلم وسيط مركب
من علمني مها :علم النفس من جهة ،وعلم االجتماع من جهة أخرى .ومن مث ،يدرس
هذا العلم الفرد داخل اجلماعة .وبتعبري آخر ،ينصب علم النفس االجتماعي على دراسة
سلوك األفراد داخل اجلماعة ،سواء أكانت تلك اجلماعة صغرية أم متوسطة أم كبرية ،برصد
خمتلف التفاعالت النفسية واالجتماعية اليت تقوم بني األفراد داخل تلك اجلماعة املوحدة.
كما يعىن هذا العلم بدراسة خمتلف العالقات التأثريية والتفاعلية والتبادلية القائمة بني
األفراد داخل اجلماعة.
314
وعليه ،يدرس علم النفس االجتماعي اجلماعة باعتبارها نسقا بنيويا منظما كليا ،حيوي
جمموعة من األفراد أو العناصر ،جتمعهم مسات ومواصفات وأهداف مشككة ،ويعملون
مجيعا لتحقيق أهداف مشككة ،حبضورهم اجلماعي املوحد .عالوة على حتقيق التوافق
االجتماعي ،وبناء اهلوية االجتماعية؛ وإشباع احلاجيات والرغبات الشعورية والالشعورية.
وبناء على ما سبق ،يظهر علم النفس االجتماعي إال يف منتصف القرن العشرين ،متأثرا
يف ذلك بالفلسفة ،والبيولوجيا ،وعلم النفس ،وعلم االجتماع ،واألنكوبولوجيا ...وقد
سبقته دراسات متهيدية تتضمن جمموعة من املالمح الشبيهة مبالمح علم النفس
االجتماعي.
ويدرس علم النفس االجتماعي جمموعة من املواضيع ذات اهلوية االجتماعية والنفسية،
مثل :اجلماعة ،والتنشئة االجتماعية ،والتمثالت االجتماعية ،وديناميكية اجلماعات،
واالجتاهات االجتماعية ،والشخصية االجتماعية ،والسلوك االجتماعي السوي والشاذ،
والسيكودراما ،والسوسيودراما ،والتفاعل االجتماعي ،والتوافق االجتماعي...إخل
أضف إىل ذلك يستعمل علم النفس االجتماعي جمموعة من املناهج يف الدراسة والبحث
والتحقيق ،سواء أكانت كمية أم كيفية ،مثل :املنهج الوصفي ،واملنهج التارخيي ،واملنهج
التجرييب ،واملنهج املقارن...كما يستعني مبجموعة من اآلليات اإلجرائية ،مثل :املالحظة،
واالستمارة ،واملقابلة ،واالستبطان ،واملعايشة ،والسرية الذاتية اليومية ،والروائز ،وحتليل
املضمون ،واستنطاق الوثائق ،وسرب الرأي...
315
اكفصل اكي شر:
الميكن احلديث عن الظاهرة االجتماعية إال باستحضار طبيعة التجمعات اإلنسانية أو
البشرية .ومن املعلوم أن شكل هذا التجمع هو الذي يكيف الظاهرة االجتماعية بنية
وداللة ووظيفة ،ويؤثر يف مالحمها وقسماهتا وصورهتا الداخلية واخلارجية .ومن مث ،حييلنا
شكل التجمع وبنيته وصورته على ما يسمى باملورفولوجيا االجتماعية
( ،)Morphologie socialeوهو فرع من الفروع الرئيسية لعلم االجتماع
العام( .)La sociologie Généraleويدرس هذا الفرع التجمعات البشرية من
حيث املكان اجلغرايف الذي حتتله ،وحجم السكان ،وعدد األفراد ،ونسبة النمو الدميغرايف،
ورصد طبيعة الكثافة السكانية يف مساحة جتمعية ما.
وبتعبري آخر ،يهتم الباحث االجتماعي بعدد السكان ،وكيفية توزيعهم ،ونسبة الكثافة،
وحالة النمو الدميغرايف ،ومقدار املواليد والوفيات ،ونسبة الشبان مقارنة بنسبة الشيوخ،
ونسبة الذكور مقارنة بنسبة النساء .ويساعد هذا كله الباحث االجتماعي يف تفهم القضايا
والظواهر االجتماعية وتفسريها وتأويلها .فمثال ،يعترب علماء االجتماع نسبة الكثافة
املتزايدة عامال من عوامل تقسيم العمل يف اجملتمعات الرأمسالية والصناعية .كما أن كثريا من
اجلرائم واالحنرافات وظواهر الشذوذ والتطرف حتدث يف املناطق املكتظة بالسكان ،والسيما
املدن اليت ختتلط فيها األجناس واألعراق والسالالت واإلثنيات املختلفة واملتنوعة ،وتتباين
فيها مستويات احلياة والعيش واالقتصاد.
إذا ،ما املورفولوجيا االجتماعيةا وما مقوماهتاا وما أهم تصوراهتا النظرية واملنهجيةا هذا ما
سوف نتعرف إليه يف مباحثنا التالية:
316
اكيب ث األ ل :دف ـهـ ــود اكيورفوكوجي االجاي عي
317
ويف هذا السياق ،ميكن احلديث عن نوع الساكنة حسب اجلنس والسن ،فهناك الذكور
واإلناث ،والعالقات بني اجلنسني هي التقابل والتكامل .وهناك األطفال والشبان والشيوخ.
وتعرب هذه املستويات العمرية عن املراحل اليت مير سا اجملتمع أو التنظيم يف مساره البيولوجي
واالجتماعي.
ويعد هذا العلم أيضا من أهم فروع علم االجتماع العام .ويعىن بالبنية املادية والشكلية
للمجتمع ،كالككيز على مساحة اجملتمع أو الدولة أو اإلقليم ،وتبيان عدد سكانه ،وطرائق
توزيعه ،ونسبة كثافته الدميغرافية ،وطبيعة اجملتمع املناخية واإلقليمية ،وبيئته اجلغرافية ،وطرق
املواصالت ،وبنية التجارة...أي :يهتم هذا العلم بدراسة البيئة اجلغرافية والبيئة السكانية
وأثر ذلك يف التنظيم االجتماعي .وبتعبري آخر ،املورفولوجيا االجتماعية هي دراسة البيئة،
واجلنس ،والسكان ،والظواهر اجلغرافية.
ومن هنا ،فاملورفولوجيا االجتماعية عند مارسيل موس( ")Maussهي دراسة بن ء
اكيجايع دن يث دظهره اكي دي اكخ رجا .أي :من حيث السكان وتكوينهم
وتوزيعهم وثقافتهم وحركة تنقالهتم وهجرهتم اخلارجية والداخلية من الريف ومن املدن،
وموقع بالدهم وضيقها أو سعتها ،وقرسا من البحر أو بعدها عنها ،وطرق املواصالت اليت
211
تربطها بغريها".
ومن جهة أخرى ،يعرف علي عبد الواحد وايف علم االجتماع املورفولوجي بقوله ":يدرس
نظم اكاتال االجاي عا ،أي الطرق ايل يتجمع سا األفراد بعضهم مع بعض ،كتزايد
السكان ،واملناهج االجتماعية اليت تنجم عنها ظواهر التكاثف والتخلخل يف السكان
بالنسبة إىل املساحة اليت يسكنوهنا ،والقواعد اليت تنظم شؤون اهلجرة من القرى إىل املدن،
ومن املدن إىل القرى ،ومن الدولة إىل خارجها ،باعتبار اهلجرة من األمور اليت تطرأ على
التكتل نفسه فتغري من أوضاعه .والنظم اليت يسري عليها اجملتمع يف إنشاء مواطن التجمع
- 211أمحد زكي بدوي :ديجم دصطل ت اكرع اكانيي االجاي عي ،دار الكتاب املصري القاهرة ،ودار
الكتاب اللبناب ،بريوت ،الطبعة األوىل سنة 0837م ،ص.221:
318
كالقرى واملدن واملساكن والطرق اليت يتبعها يف أشكاهلا ومرافقها ووظائفها ومواقعها بالنسبة
210
إىل اجلبال والبحار واألهنار والبحريات...ومجيع ما يتصل سذه الشؤون".
ويعين هذا أن املورفولوجيا االجتماعية هتتم بالتكتل البشري يف جمتمع معني ،بدراسة مساحة
املكان ،وتوزيع السكان ،ودراسة النمو الدميغرايف ،ونسبة الكثافة السكانية ،ودراسة البيئة
اجلغرافية واملناخية ،والككيز على اهلجرة الداخلية واخلارجية ،والتوقف عند البوادي واملدن
واألحياء واملناطق اليت يقل فيها السكان أو يكتظون.
كما تدرس املورفولوجيا االجتماعية البىن البدوية والبىن احلضرية ،وكيفية انقسام اإلقليم أو
الدولة إىل جمموعة من البوادي واملدن احلضرية؛ والكيفية اليت تتوزع سا املدن إىل أحياء،
وأزقة ،وشوارع ،وعمران ،وساكنة ،ومناطق فالحية وصناعية وجتارية وإدارية وخدماتية .لذا،
فاهلدف من ذلك كله هو معرفة آثار هذه املورفولوجيا يف اجملتمع وتنظيماته املتنوعة
واملختلفة.
وإذا كانت الفيزيولوجيا االجتماعية( )Physiologie socialeتعين بدراسة خمتلف
األنشطة االجتماعية واملمارسات اجملتمعية والعمليات الديناميكية للمجتمع كالعقيدة
واألخالق ،فنن املورفولوجيا االجتماعية تطلق على الككيب اجلغرايف وكثافة السكان ،وطبيعة
اجملتمع ،وكيانه االجتماعي ،ودراسة الوحدات أو اجلماعات اليت يتكون منها اجملتمع،
وعالقة البيئة بالتنظيم االجتماعي .كما هتتم بدراسة السكان وتوزيعهم على األرض،
وحتديد نسبة كثافتهم وجتمعاهتم ،واخلصائص الطبيعية للمجتمع ،وعالقات الكابط بينهم.
أي :تدرس املورفولوجيا االجتماعية تلك الظواهر اجلغرافية والدميوغرافية اليت تتكون منها
البنية املادية للمجتمع كمساحة الدولة أو اإلقليم ،ونسبة عدد السكان ،ونسبة كثافته
السكانية ،وطرق املواصالت ،ومنو التبادل التجاري.ومن هنا ،تدرس املورفولوجيا
االجتماعية جغرافية البيئة وعالقتها بالتنظيم االجتماعي ،وتدرس كذلك خمتلف الظواهر
اجلغرافية وأثرها يف العمران أو اجملتمع ،ودراسة السكان من حيث التخلخل والتوزيع على
- 210علي عبد الواحد وايف:علم االجاي ع ،هنضة مصر ،القاهرة ،مصر ،ص.23:
319
املساحة .ويعين هذا كله أن املورفولوجيا االجتماعية هي مبثابة البنيات املادية للمجتمع أو
هي دراسة األجزاء والوحدات الطبيعية واجلغرافية والدميوغرافية ضمن الكل أو ضمن نسق
اجملتمع.
تستند املورفولوجيا االجتماعية إىل جمموعة من الركائز واملقومات األساسية اليت ميكن
حصرها فيما يلي:
األرض اليت ميتد فوقها السكان عددا وحجما واتساعا .وقد تكون تلك األرض اليت
ينتظم فوقها السكان قارات ،وبلدانا ،ومدنا ،وأريافا ،ومناطق ،وأحياء ،وأزقة ،وشوارع...
ويعين هذا أنه من املستحيل احلديث عن السكان بدون احلديث عن األرض أو اإلقليم أو
الرقعة اجلغرافية أو مكان االمتداد والتواجد والسيادة؛
اكبني اكست ني من حيث عدد األفراد ،وعدد الزجيات ،ونسبة املواليد والوفيات ،وكيفية
توزيع السكان يف األرض والقارات ،وطبيعتهم من حيث اجلنس والسن والعرق ،ونسبة
الكثافة السكانية؛
دورفوكوجي اكيدن واكتظاظها بفعل اهلجرة من البوادي حنو احلواضر املتمدنة أو
املكتظة؛
رك ت اكهجرة اكدايلي اكخ رجي يف عالقة بالنمو الدميغرايف ،مثل :دراسة املستوى
الثقايف عند املهاجرين ،ورصد حركة اهلجرة من األرياف إىل املدن ،أو اهلجرة من بلد إىل
آخر؛
اكين يي اليت ميتد فيها السكان.أي :االهتمام بالظواهر دراسة اكبي اكجغرافي
اجلغرافية؛
320
دراسة طرق اكيواصمت ،وطبيعة هذه الطرق ،ودورها يف التبادل التجاري؛
حتديد أني ط اكستن اكيس كن؛
مورفولوجيا البيئة أو احمليط اإليكولوجي؛
مورفولوجيا التكنولوجيا أو التقنية؛
مورفولوجيا احلياة احلضرية.212
وعليه ،ميكن احلديث عن أنواع عدة من املورفولوجيا ،كاملورفولوجيا السكانية ،واملورفولوجيا
اجلغرافية ،واملورفولوجيا البدوية ،واملورفولوجيا احلضرية ،واملورفولوجيا الدينية ،واملورفولوجيا
االقتصادية ،واملورفولوجيا السياسية ،واملورفولوجيا االتصالية واإلعالمية ،واملورفولوجيا
218
الصناعية ،واملورفولوجيا التجارية...
للمورفولوجيا االجتماعية أمهية كربى يف جمال علم االجتماع؛ إذ تساعدنا على فهم جمموعة
من القضايا والظواهر االجتماعية املتعلقة باإلقليم أو املساحة أو السكان أو اجلنس أو
النمو الدميغرايف أو البيئة اجلغرافية واملناخية ،وتبيان موقع التجمع البشري أو السكاب ،وفهم
اهلجرة الداخلية واخلارجية...على أساس أن هذه املعطيات املورفولوجية تسعفنا يف تفسري
الظواهر اجملتمعية وفهمها وتأويلها؛ ألن هذه املعطيات ذات أساس مادي.
402
-HAMMAN Philippe: Sociologie urbaine et développement
durable, Bruxelles, De Boeck, coll. Ouvertures sociologiques, 2012.
403
- Maurice Halbwachs: Morphologie sociale, Armand Collins,
Paris 1938.
321
عالوة على ذلك ،تساعدنا املورفولوجيا االجتماعية على فهم القرية واملدينة ،ورصد خمتلف
الظواهر االجتماعية اليت تنتشر فيهما بنية وداللة ووظيفة.
كما تقوم املورفولوجيا االجتماعية بدور هام يف احلياة االجتماعية ،وخاصة يف تفسري
الظواهر االجتماعية األخرى212؛ ألن البيئة اجلغرافية أو السكانية أو املادية متارس تأثريا
واضحا يف اجملتمع ،وما يلحق ذلك من تغيريات جزئية أو كلية ،مع دراسة خمتلف العالقات
املرتبطة باإلنسان يف عالقة مبحيطه االجتماعي.
لقد سبق ابن يلد ن ،يف كتابه (اكيقدد ) ،إميل دوركامي إىل االهتمام باملورفولوجيا
االجتماعية بطريق أو بةخر .فهو املؤسس احلقيقي لعلم االجتماع والعمران البشري ،وقد
كان أول من وضع لبنات علم االجتماع القروي ،وعلم االجتماع احلضري .كما وضع
أسس الدميغرافيا واجلغرافيا السكانية ،وربط أحوال الناس باملناخ وتغريات طبيعة اجلو ،بل
كانت له آراء وجيهة يف علم االجتماع السياسي .عالوة على ذلك ،فقد ركز ابن خلدون،
يف الباب الرابع املخصص لنشأة املدن واألمصار ومواطن التجمع اإلنساب ،على شعبة
- 212إميل دوركامي :قواعد اكينهج فا علم االجاي ع ،ترمجة :حممود قاسم والسيد حممد بدوي ،دار املعرفة
اجلامعية ،اإلسكندرية ،مصر ،طبعة 0833م ،ص.227:
322
مساها إميل دوركامي باملورفولوجيا االجتماعية ( )La morphologie socialeأو
علم البنية االجتماعية "وظن هو وأعضاء مدرسته أهنم أول من عىن بدراسة مسائلها ،وأول
من فطن إىل خواصها االجتماعية ،وأول من أدخلها يف مسائل علم االجتماع ،و يدروا
أنه قد سبقهم إىل ذلك ابن خلدون بأكثر من مخسة قرون ،وأنه قد وقف على هذه الشعبة
211
زهاء بابني كاملني يف مقدمته".
وعليه ،يعد ابن خلدون املؤسس الفعلي واحلقيقي للمورفولوجيا االجتماعية ،وخاصة
عدندما حتدث عن املورفولوجيا البدوية واحلضرية من جهة أوىل ،واجلغرافيا البشرية واملناخية
من جهة ثانية ،والساكنة الدميوغرافية من جهة ثالثة.
-211علي عبد الواحد وايف :علم االجاي ع ،هنضة مصر ،د.ت ،ص.78:
-Durkheim [1894]: Les Règles de la méthode sociologique,
406
Paris, puf..0882
323
البوادي إىل املدن ،أو اهلجرة اخلارجية من دولة إىل أخرى...أو ما يسمى بككيب البيئة
االجتماعية الداخلية.
وقد أثبت دوركامي أن الكثافة السكانية أو املادية قد سامهت يف تقسيم العمل.ويف هذا
الصدد ،يقول الباحث ":ولقد بينا يف موضع آخر أن كل زيادة يف حجم اجملتمع ويف كثافته
الديناميكية تؤدي إىل تشعب احلياة االجتماعية ،وذلك ألهنا توسع األفق الذي يستطيع
الفرد أن حييط به بفكره أو ميأله بنشاطه العملي ويفضي كال هذين العاملني إىل تغيري
217
الشروط األسساية للحياة االجتماعية تغيريا كامال".
ويعين هذا أن املورفولوجيا االجتماعية عند دوركامي هي الدراسة الشكلية املادية
للمجتمعات ،بالككيز على وحدات اجملتمع وأجزائه العددية والنوعية ،والكيفية اليت رتبت
سا ووزعت فوق األرض .لذا ،تنصب هذه املورفولوجيا على األشياء واألشخاص على حد
سواء ،يف ضوء مقاربة كمية هتتم بالعدد ،واحلجم ،والكثافة ،والنوع ،واالمتداد ،واحلركات،
واملالمح القابلة للعد والقياس...
ومن هنا ،فاجملتمع أو األسرة أو املؤسسة الكبوية أو الدولة أو املقاولة الصناعية هلا بنيتها
الشكلية املادية اليت تتحكم فيها ،والسيما ما يسمى بالساكنة .ومن هنا ،يعد عنصر
السكان من أهم املواد البنائية املادية اليت تشكل هوية اجملتمع أو ما يشبهه.
وعليه ،يعد إميل دوركامي أول من حنت مصطلح (اكيورفوكوجي االجاي عي ) لتمييزه عن
مفهوم الفيزيولوجيا االجتماعية ،مع حصره يف دراسة البنيات املادية األساسية للمجتمع.
-فليب كابان وفرانسوا دوتريو :علم االجاي ع ،ترمجة :إياس حسن ،دار الفرقد ،دمشق ،سورية ،الطبعة 218
اه ااتم مارس اايل م ااوس ( )Maussباملورفولوجي ااا االجتماعي ااة كم ااا اه ااتم س ااا أس ااتاذه إمي اال
دوركامي .وقد اعتربها أساس السوسيولوجيا ،وهي اليت تسبغ عليها صفة العلمياة واملوضاوعية،
ماداماات املورفولوجيااا هااي عبااارة عاان بااىن شااكلية ماديااة خارجيااة ،تقاادم نتااائج أكثاار علميااة
وحاعة؛ ألهنا تعتمد على معطيات الكم والعدد واإلحصاء واملقاييس البيانية.
وقااد اعتاارب مارساايل مااوس املورفولوجيااا االجتماعيااة فرعااا اجتماعيااا مسااتقال .بيااد أن مارساايل
مورس يقسم السوسيولوجيا ،مثل دوركامي ،إىل قسمني :الفيزيولوجيا االجتماعية واملورفولوجياا
االجتماعيا ا ااة ،فا ا اااألوىل تا ا اادرس األنشا ا ااطة االجتماعيا ا ااة ،واملمارسا ا ااات واألفعا ا ااال اجملتمعيا ا ااة،
واملؤسساات والعواطااف واملشاااعر االجتماعيااة .يف حااني ،هتااتم الثانيااة بااالبىن املاديااة الاايت تتعلااق
بتوزيااع الساااكنة فااوق األرض .وبعااد ذلااك ،خيصااص املورفولوجيااا االجتماعيااة بدراسااة الوقااائع
االجتماعي ااة املادي ااة ،عل ااى عك ااس الفيزيولوجي ااا االجتماعي ااة ال اايت ت اادرس الوق ااائع والظ ا اواهر
األخالقية واملعنوية.
وم اان جه ااة أخ اارى ،رك ااز مارس اايل م ااوس أحباث ااه السوس اايولوجية عل ااى تغا اريات الس ااكن عن ااد
اإلسااكيمو ( )l'Eskimoحسااب الفصااول املومسيااة ،ضاامن رؤيااة مورفولوجيااة اجتماعيااة
وصفية دقيقة ،أو ضمن رؤية أنكوبولوجية جغرافية شاملة.
وهكذا ،فقد الحظ موس مدى تفرق اإلسكيمو يف اخليام ،بشكل كبري ،يف فصل الصايف.
يف حاني ،يتجمعااون داخاال منااازل واسااعة وكبارية يف فصاال الصاايف.لذلك ،درس مااوس هااذين
النااوعني ماان التجمعااني حسااب فصاال الشااتاء وفصاال الصاايف .ويعااين هااذا أن هناااك خيامااا
تسااكنها عااائالت اإلسااكيمو مقاباال منااازل طويلااة وواسااعة جاادا تقطنهااا العااائالت يف فصاال
الش ااتاء .وم اان مث ،فق ااد وص ااف م ااوس خص ااائص ه ااذين الس ااكنني :اخليم ااة الص اايفية واملن اازل
الشااتوي الطوياال .و يتوقااف مااوس عنااد عمليااة الوصااف فحسااب ،باال انتقاال إىل اسااتجالء
328
خمتلاف األسااباب الدافعااة ،واسااتجالء التفساريات املمكنااة الاايت تشاار طبيعااة هااذين التجمعااني
السكنني املختلفني ،مع حتديد خمتلف النتائج اليت هلا عالقة بالدين ،والقضاء ،والقيم.
ويف األخ ااري ،ي اارى مارس اايل م ااوس أن املورفولوجي ااا االجتماعي ااة عل اام يص ااف البني ااات املادي ااة
للمجتما ااع ،ويفسا اارها يف ضا ااوء أشا ااكاهلا اخلارجيا ااة ،بدراسا ااة األرض ،والسا ااكان ،واحلجا اام،
والكثاف ا ااة ،وطريق ا ااة التوزي ا ااع ،عل ا ااى أس ا اااس أهن ا ااا جمموع ا ااة م ا اان األش ا ااياء ال ا اايت تك ا ااون الك ا اال
اجملتمعي.202
412
- Mauss M., [1906]: « Essai sur les variations saisonnières des sociétés
Eskimos », L’Année sociologique, 9,2002.
413
?- Remi Lenoir: Halbwachs: démographie ou morphologie sociale
Revue européenne des sciences sociales T. 42, No. 129, La
sociologie durkheimienne: tradition et actualité (2004), pp. 199-218.
-
329
األرض ،وحج اام ه ااذه الس اااكنة وس ااعتها وكثافته ااا وامت اادادها ،م ااع رص ااد مجي ااع األش ااياء ال اايت
تتحكم يف العالقات االجتماعية .عالوة على استحضار خمتلف الظواهر اجلغرافية ،والظواهر
الدميوغرافية ،وما يتعلق بالثروات والتقنيات اليت تغري املكان لصاحل الساكنة.
ويف األخري ،توصل هالبواك إىل نتائج معينة تتعلق بتعارض الثابت واملتغري ومتايزمهاا .202ومان
مث ،يقتصر اهتمام موريس هالبواك علاى مااهو ماادي وجمتمعاي ،بال جتااوز ذلاك إىل وضاع
أسس املورفولوجيا البيئية أو اإليكولوجية.
وماان هنااا ،فاملورفولوجيااا االجتماعيااة ،عنااد مااوريس هااالبواك ،عبااارة عاان وحاادات بنيويااة ماديااة
تشااكل احلياااة اجملتمعيااة الكليااة .وماان مث ،تعتمااد علااى املعطيااات الفيزيائيااة املاديااة (اجلغرافيااا
واهلندس ااة) ،واملعطيااات االقتصااادية (اإلنتاااع ،والتوزي ااع ،والتبااادل ،واالس ااتهالك) ،واألنش ااطة
اإلنسااانية (األفعااال واملمارسااات اإلنسااانية).ومن هنااا ،فاملورفولوجيااا االجتماعي ااة عبااارة عاان
ظ اواهر ماديااة يتأسااس عليهااا اجملتمااع.وماان مث ،فهااي توزيااع للساااكنة فااوق األرض يف مناااطق،
ومدن ،وأحياء ،إخل.أي :توزيع جغرايف ودميوغرايف أكثر مماهو توزيع حساب اجلانس أو السان
أو اجلماعااات االجتماعيااة أو املؤسسااات .ويعااين هااذا أن هااذه الظاواهر املاديااة حسااية ومرئيااة
وملموس ااة هل ااا آث ااار واض ااحة وجلي ااة يف اجملتم ااع .ل ااذا ،فاملورفولوجي ااا االجتماعي ااة عب ااارة ع اان
دميوغرافيا وجغرافيا بشرية.
414
- Halbwachs M: Population and Society, Introduction to
Social Morphology, traduit et présenté par O. D. Duncan and H.
W. Pfautz, Glencoe, Ill., the Free Press, 1960.
330
اكيب ث اكس دس :اكاص ــور اكينه ــجا
ينطلق الباحث االجتماعي ،يف أحباثه املركزة حول املورفولوجيا االجتماعية ،من جمموعة من
األسئلة واإلشكاليات اجلوهرية اليت يبلورها يف فرضية أو فرضيات خمتلفة ،سواء أكانت كلية
أم جزئية .مث حيدد أهداف البحث وغاياته وأمهيته ،ويستقري خمتلف الدراسات السابقة
مبختلف معطياهتا ونتائجها الكمية والكيفية .مث يضع الباحث تصميمه أو خطته النظرية،
فيوضح خمتلف آليات الوصف والتجريب ،بتحديد العينة أو جمتمع الدراسة أو حقل املعرفة،
مث يشري إىل أسلوب اإلحصاء والطرائق والتقنيات املعتمدة عليها يف التجريب والفحص
واالختبار.
ويعين هذا كله أن الباحث ينطلق من عملية الفهم ،لينتقل -بعد ذلك -إىل عملييت
التفسري والتأويل ،باستخدام جمموعة من اآلليات الكمية والكيفية ،مثل :آلية املالحظة
العلمية ،وآلية املسح امليداب ،وآلية التوثيق ،وآلية التدوين ومجع البيانات واملعطيات ،وآلية
التنظيم ،وآلية التصنيف ،وآلية التأريخ ،وآلية املقارنة ،وآلية الوصف ،وآلية الفهم والتحليل،
وآلية الشر والتفسري ،وآلية التأويل ،وآلية تفريغ النتائج ،وآلية االستنتاع ،وآلية التجريب،
وآلية التقنني ،وآلية التعميم على الرغم من صعوبتها يف العلوم اإلنسانية بصفة خاصة.
يمص اكقول ،إذا كانت الفيزيولوجيا االجتماعية تعىن باحلياة االجتماعية أوالفعل
االجتماعي أو احلياة االجتماعية نفسها ،فنن املورفولوجيا االجتماعية هتتم بصور األشياء
وأشكاهلا وبنياهتا املادية ،أو هتتم بأشكال اجملتمعات واختالفها عن بعضها البعض ،أو هي
دراسة البىن املادية للمجتمع ،مثل :األرض ،والسكان ،واهلجرة ،وطرق املواصالت ،والبيئة
اجلغرافية...
331
وعليه ،ميكن احلديث عن املورفولوجيا االجتماعية ،واملورفولوجيا السكانية ،واملورفولوجيا
التكنولوجية ،واملورفولوجيا اإليكولوجية ،بل ميكن احلديث أيضا عن مورفولوجيا الفعل
االجتماعي...201
ومن مث ،تتخذ املورفولوجيا االجتماعية مظهرا ماديا أو بيولوجيا أو بيئيا (إيكولوجيا) .ويعين
هذا أن مثة أسس تقوم عليها هذه املورفولوجيا وهي :التنظيمات االجتماعية ،والسكان،
والتقنية ،والبيئة .ومن مث ،البد من رصد هذه العملية التفاعلية اليت جتمع هذه العناصر
األربعة كلها.
واليوم ،قد حتولت املورفولوجيا االجتماعية إىل جمرد مقاربة جغرافية أو مقاربة اجتماعية
دميوغرافية ليس إال.206
وقد حان األوان للمورفولوجيا االجتماعية أن هتتم ،مثل :اإليكولوجيا املعاصرة ،بتفاعل
املنظمات االجتماعية مع السكان من جهة أوىل ،والتكنولوجيا من جهة ثانية ،ومحاية البيئة
من جهة ثالثة.207
415
- Castells M.,: The Information Age: Economy, Society and
Culture. Vol. I: The Rise of the Network Society, Malden
(Mass)/Oxford, Blackwell, 1996, p: 496.
416
- Baechler J: Les Morphologies Sociales, Paris, puf,2005.
417
- Mol A. P. J., Spaargaren G.: «Towards Sociology of
Environmental Flows. A New Agenda for Twenty-First-Century
& Environmental Sociology », 39-82 in Spaargaren G., Mol A. P. J.
Buttel F. H., eds, Governing Environmental Flows. Global Challenges
for Social Theory, Cambridge, Mass, mit, 2006.
332
اكخ تيـ ـ ـ
من املعلوم أن علم االجتماع هو ذلك العلم الذي يدرس الوقائع االجتماعية واألفعال
والتنظيمات واملؤسسات االجتماعية ،بالككيز على الوقائع واحلقائق والعمليات والعالقات
االجتماعية ،ضمن السياق التفاعلي اللغوي والرمزي ،باستخدام مناهج متنوعة إما وضعية
وإما تفهمية وإما تأويلية ،بغية بناء نظرية عامة للمجتمع قصد وصفه وتشخيصه وتقوميه،
من أجل احلفاظ عليه أو إصالحه أو تغيريه جزئا أو كليا.
ويتفرع علم االجتماع العام إىل عدة ميادين وفروع ،منها :علم االجتماع السياسي ،وعلم
االجتماع اإلداري ،وعلم االجتماع االقتصادي ،وعلم االجتماع الكبوي ،وعلم االجتماع
اللغوي ،وعلم النفس االجتماعي ،واملورفولوجيا االجتماعية ،وسوسيولوجيا األدب والنقد،
وعلم االجتماع األديان...
وعليه ،فعلم االجتماع السياسي هو علم حديث ،يتبلور ويتشكل مؤسساتيا إال يف
منتصف القرن العشرين .وبالتايل ،فهو فرع من فروع علم االجتماع العام ،ويهتم بدراسة
الظواهر السياسية يف ضوء املقاربة االجتماعية ،بالككيز على الدولة أو السلطة أو النظم
السياسية ،باتباع منهجية الفهم أوالتفسري أوالتأويل.
كما يعىن علم االجتماع السياسي بدراسة السلطة وخصائصها وعالقتها بالسيطرة
واخلضوع؛ مث االهتمام بالدولة من حيث بنيتها ،ووظائفها ،وعالقتها بالسلطة السياسية؛
ودراسة النظم السياسية؛ والككيز على التكيف االجتماعي؛ ودراسة العمل اجلماعي
وجمموعات املصاحل؛ والتوقف عند املشاركة السياسية؛ واألحزاب السياسية؛ واملمثلني
واحلكام؛ والعمل السياسي.
333
أما علم االجتماع اإلداري ،فيهتم بدراسة اإلدارة يف عالقتها باجملتمع ،وتفسري وقائعها
وظواهرها الفردية واجلماعية وتأويلها .مبعىن أن هذا العلم فرع من فروع علم االجتماع،
ينصب اهتمامه ،بشكل خاص ،على مقاربة الوظيفة العمومية ،بندارهتا ومرافقها وأدوارها،
وفق املقكب السوسيولوجي .ومن مث ،يتم الككيز على العالقات املوجودة بني املوظف
واإلدارة من جهة أوىل ،وعالقة املوظف واملواطن من جهة ثانية ،والعالقة املوجودة بني
املوظفني واحلكومة من جهة ثالثة.
كما يهتم علم االجتماع اإلداري بوصف احلياة اإلدارية وتفسري ظواهرها ووقائعها
وتصنيفها وحتليلها أفقيا وعموديا ،واستجالء خمتلف القواعد والقوانني اليت تتحكم يف نسق
اإلدارة وتوجهها ،واستقراء خمتلف األدوار والوظائف اليت تؤديها الوظيفة العمومية وإدارهتا.
إذا ،يهتم علم االجتماع اإلداري حبل املشاكل االجتماعية اليت تنتج عن اإلدارة ،وفهم بنية
اإلدارة يف عالقة بالسلطة والقرار اإلداريني.
ويعد علم االجتماع االقتصادي فرعا من فروع علم االجتماع العام .وقد ظهر حديثا يف
منتصف القرن العشرين ،على الرغم من جذوره القدمية .ومن مث ،يدرس هذا العلم الظواهر
االقتصادية يف ضوء املقاربة السوسيولوجية.أي :يدرس الدورة االقتصادية :اإلنتاع ،والتوزيع،
والتبادل ،واالستهالك ،أو يدرس طبيعة السلوك اإلنساب بني كثرة الرغبات وقلة املوارد
وندرهتا وحمدوديتها ،أو حيلل الفعل االقتصادي اهلادف والعقالب.
ه ااذا ،ويقص ااد بسوس اايولوجيا الكبي ااة ذل ااك احلق اال املع ااريف ال ااذي يس ااتعني بعل اام االجتم اااع يف
دراسااة القضااايا الكبويااة ،يف عالقااة مبختلااف املؤسسااات اجملتمعيااة األخاارى ،علااى أساااس أن
املؤسسا ااة التعليميا ااة جمتما ااع مصا ااغر يعكا ااس ،يف جا ااوهره ،خمتلا ااف التناقضا ااات اجلدليا ااة الا اايت
يتضمنها اجملتمع األكرب .وأهم ما تعىن باه سوسايولوجيا الكبياة دراساة املؤسساة التعليمياة ،ماع
حتديااد دورهااا يف بناااء اجملتمااع ،ساواء أكااان ذلااك عاارب التكييااف االناادماجي أم عاارب عمليااات
التغيري .أضف إىل ذلاك أهناا هتاتم بفهام املدرساة باعتبارهاا بنياة وداللاة ومقصادية.أي :ترصاد
دورها يف التغيري االجتماعي .كما هتتم بتبيان خمتلاف وظائفهاا وأدوارهاا ،واستكشااف عالقاة
334
املدرسااة باألساارة والسياسااة واالقتصاااد ،ووصااف خمتلااف الصاراعات الطبقيااة واالجتماعيااة الاايت
تعااج سااا املؤسسااة التعليميااة ،والككيااز علااى أهاام الفاااعلني يف حتريااك هااذه املؤسسااة الكبويااة،
وتفسري دور املدرسة يف اجملتمع الليربايل ،من حيث حتقيقهاا لفارص النجاا والفشال ،وعالقاة
ذلك باألصول الطبقية واالجتماعية.
أما علم اجتماع األديان ،فهو دراسة املمارسات واألنشطة واالحتفاالت والطقوس
والعبادات واملعتقدات الدينية يف ضوء املقاربة السوسيولوجية .وميكن تعريفه أيضا بأنه دراسة
الظواهر والوقائع واملمارسات الدينية ،ليس على أساس أهنا ظواهر فردية أو غيبية أو أفكار
الهوتية خرافية وأسطورية ،بل على أساس أهنا ظواهر جمتمعية .فالدين هو نتاع اجملتمع أو
هو اجملتمع نفسه .والدليل على ذلك أن مجيع الكاتيل الدينية واملمارسات االحتفالية
واألفعال الطقوسية تعرب عن التحام جمتمعي ،أو حتمل دالالت اجتماعية ثرة ،تعكس مدى
ترابط اجملتمع وتضامنه واحتاده ماديا ومعنويا .كما يدل ذلك على توازن املؤسسة اجملتمعية
ومتاسكها وانسجامها.
أضف إىل ذلك أن الدين ممارسة اجتماعية ،مثل باقي املمارسات األخرى ،ميارسها أفراد أو
مجاعات ضمن سياق اجتماعي معني ،بداللة حمددة .عالوة على ذلك ،حياول علم
اجتماع األديان أن يبحث عن التأثري الذي ميارسه الدين يف اجملتمع ،والعكس صحيح
أيضا .كما يبحث عن الشروط االجتماعية النتشار األديان يف اجملتمعات املختلفة ،مع
الككيز على اجلماعة الدينية باعتبارها جزءا من اجملتمع ،ورصد ظروف تكوهنا وتشكلها،
وتبيان اآلليات اليت تتحكم يف تأسيسها وانتشارها وتطورها وتوسعها ،وحتديد أمناط الفعل
والسلوك اليت تدعمها أو ترفضها.
وهتتم اللسانيات االجتماعية بدراسة احتكاك اللغات ،ورصد الدخيل والتداخل واخللط
اللغوي ،ودراسة البوليفونية اللغوية واللهجية ،ومقاربة األسلبة والتنضيد والتهجني اللغوي،
ومناقشة الثنائية والتعددية اللغوية ،ومعرفة عالقة اللغات باللهجات .فضال عن االهتمام
335
بتصحيح اللغة ،وجودة اللغة ،وتقعيد اللغة ،واألمان اللغوي ،والتلوث اللغوي ،والسياسة
اللغوية ،والتخطيط اللغوي...أي :دراسة اللغات يف عالقتها باألفراد ،واجملتمعات،
واملؤسسات.
أما سوسيولوجيا األدب والنقد ،فهي اليت تدرس الظواهر اإلبداعية واألدبية والفنية واجلمالية
يف ضوء املقاربة االجتماعية ،بالككيز على خمتلف الصالت اليت جتمع بني األدب واجملتمع.
ويعين هذا أن بيئة املبدع هي اليت تولد األدب وتنتجه .ومن هنا ،فاألدب يعكس خمتلف
التناقضات السياسية واالجتماعية واالقتصادية والسياسية والتارخيية .بيد أن هذا االنعكاس
قد يكون مباشرا أو يكون غري مباشر بواسطة التماثل.
ومن جهة أخرى ،يعد علم النفس االجتماعي فرعا من فروع علم النفس العام أو فرعا من
علم االجتماع العام .ويعين هذا أن هذا العلم وسيط مركب من علمني مها :علم النفس من
جهة ،وعلم االجتماع من جهة أخرى .ومن مث ،يدرس هذا العلم الفرد داخل اجلماعة.
وبتعبري آخر ،ينصب علم النفس االجتماعي على دراسة سلوك األفراد داخل اجلماعة،
سواء أكانت تلك اجلماعة صغرية أم متوسطة أم كبرية ،برصد خمتلف التفاعالت النفسية
واالجتماعية اليت تقوم بني األفراد داخل تلك اجلماعة املوحدة .كما يعىن هذا العلم بدراسة
خمتلف العالقات التأثريية والتفاعلية والتبادلية القائمة بني األفراد داخل اجلماعة.
وعليه ،يدرس علم النفس االجتماعي اجلماعة باعتبارها نسقا بنيويا منظما كليا ،حيوي
جمموعة من األفراد أو العناصر ،جتمعهم مسات ومواصفات وأهداف مشككة ،ويعملون
مجيعا لتحقيق أهداف مشككة ،حبضورهم اجلماعي املوحد .عالوة على حتقيق التوافق
االجتماعي ،وبناء اهلوية االجتماعية؛ وإشباع احلاجيات والرغبات الشعورية والالشعورية.
وإذا كانت الفيزيولوجيا االجتماعية تعىن باحلياة االجتماعية أوالفعل االجتماعي أو احلياة
االجتماعية نفسها ،فنن املورفولوجيا االجتماعية هتتم بصور األشياء وأشكاهلا وبنياهتا
املادية ،أو هتتم بأشكال اجملتمعات واختالفها عن بعضها البعض ،أو هي دراسة البىن املادية
للمجتمع ،مثل :األرض ،والسكان ،واهلجرة ،وطرق املواصالت ،والبيئة اجلغرافية...
336
وقد حان األوان للمورفولوجيا االجتماعية أن هتتم ،مثل :اإليكولوجيا املعاصرة ،بتفاعل
املنظمات االجتماعية مع السكان من جهة أوىل ،والتكنولوجيا من جهة ثانية ،ومحاية البيئة
.
من جهة ثالثة
337
اكفهرسـ ـ ـ ـ
338
املبحث األول :تعريف علم االجتماع االقتصادي 11 ........................................
املبحث الثاب :مواضيع علم االجتماع االقتصادي 13 ........................................
املبحث الثالث :رواد علم االجتماع االقتصادي 61 ..........................................
املبحث الرابع :تاريخ علم االجتماع االقتصادي 62 ..........................................
املبحث اخلامس :التص ااور النظ ااري 62 ......................................................
املطلب األول :ابن خلدون رائد علم االجتماع االقتصادي 62 ................................
املطلب الثاب :آدم مسيث وتأسيس علم االقتصاد السياسي 68 ................................
املطلب الثالث :دافيااد ريكاردو وتوزيع الدخل القومي 78 .....................................
املطلب الرابع :جون مينارد كينز واألزمة االقتصادية العاملية77 .................................
املطلب اخلامس :إميل دوركامي وتقسيم العم اال 78 ...........................................
املطلب السادس :ماكس فيرب وأثر الدين يف االقتصاد 30 .....................................
املطلب السابع :كارل ماركس واالقتصاد اجلديل 38 ..........................................
املطلب الثامن :جورع زميل وفلسفة النقود 81 ...............................................
املطلب التاسع :فيلفريدو باريتو والتوازن االقتصادي 82 .......................................
املطلب العاشر :بيري بورديو والرأمسال املتعدد 83 .............................................
املبحث الرابع :التصا ااور املنهجا ااي 011 .....................................................
الفصل اخلامس :علم االجتماع الكبوي 018 ...............................................
املبحث األول :مفهوم علم اجتماع الكبية 018 .............................................
املبحث الثاب :أمهية سوسيولوجيا الكبية 013 ...............................................
املبحث الثالث :عالقة علم االجتماع الكبوي بعلم االجتماع العام 018 .......................
املبحث الرابع :أسئلا ااة سوسيولوجيا الكبية وقضاياها001 .....................................
املبحث اخلامس :منهجية التعامل مع سوسيولوجيا الكبية 000 ................................
339
املبحث السادس :تط ااور سوسيولوجيا ااا الكبيا ااة 002 ..........................................
املطلب األول :تطااور سوسيولوجي ااا الكبية يف الغ اارب 008 ....................................
الفرع األول :مرحل ااة الريادة والتأسيس 008 .................................................
الفرع الثاب :مرحل ااة التط ااور واالزده ااار 008 ................................................
الفرع الثالث :مرحلا ااة املراجعة والتجاوز 028 ................................................
الفرع الرابع :املرحل ااة السوسيولوجية املعاصرة 022 ............................................
الفرع اخلامس :مرحلا ااة األلفيا ااة الثالث ااة 027 .................................................
املطلب الثاب :سوسيولوجيا الكبية يف الوطن العريب 023 .....................................
املبحث األول :مفه ااوم عل اام اجتم اااع األدي ااان088 ..........................................
املطلب األول :تعري ااف مفه ااوم الدي اان 088 .................................................
املطلب الثاب :تعريف علم اجتماع األديان 021 ............................................
املبحث الثاب :تاريا ااخ الظاه اارة الديني ااة 022 ................................................
املطلب األول :اجملتمعات التقليدية والعبادات الوثنية 022 ....................................
املطلب الثاب :الديانات السماوية 027 ....................................................
املطلب الثالث :ديااانات الش اارق األق ااصى 012 .............................................
الفرع األول :الديااانة اهلندوسية 012 .......................................................
الفرع الثاب :الديان ااة البوذيااة 012 ..........................................................
الفرع الثالث :الديانا ااة الكونفوشيوسية 016 .................................................
الفرع الرابع :الديان ااة الطاويا ااة 013 .........................................................
املبحث الثالث :واقا ااع التدي اان ف ااي عامل اانا املعاص اار 018 ......................................
املبحث الرابااع :التص ااور النظ ااري 072 ......................................................
املطلب األول :ابن خلدون ونظري ااة الدين والنبااوة 072 .......................................
340
املطلب الثاب :أوجست كونت والثورة على الفكر الالهويت 072 ..............................
املطلب الثالث :الدين ظاهرة اجتماعية عند إميل دوركامي 077 ................................
املطلب الرابع :كارل ماركس أو الدين أفيون الشعوب 032 ...................................
املطلب اخلامس :ماكس فيرب وعالقة الرأمسالية بالربتستانتية 037 ..............................
املطلب السادس :الصالة ظاهرة اجتماعية عند مارسيل موس 081 ............................
املطلب السابع :روبرت بيال والدين املدب 087 .............................................
املطلب الثامن :طالل أسد وسلطة الدين 083 ..............................................
املطلب التاسع :الدين تعبري اجتماعي عن اخلوف والعجز واهلروب 211 .......................
املبحث اخلامس :التص ااور املنه ااجي 210 ...................................................
الفرع األول :املناهااج الكميااة 210 .........................................................
الفرع الثاب :املناه ااج الكيفي ااة 212 ........................................................
الفصل السابع :سوسيولوجيا األدب والنقد216 .............................................
املبحث األول :تعريف سوسيولوجيا األدب 217 ............................................
املبحث الثاب :تطا ااور سوسيولوجاايا األدب والنق ااد 201 ......................................
املبحث الثالث :روافد سوسيولوجيا األدب والنقد 203 ......................................
املبحث الرابع :اجتاهات سوسيولوجيا األدب والنقد 208 .....................................
املطلب األول :السوسيولوجيا التجريبية 221 ................................................
املطلب الثاب :السوسيولوجيا اجلدلية 221 ..................................................
الفرع األول :جورع لوك اااش 227 ..........................................................
الفرع الثاب :تيودور أدورنو 280 ...........................................................
الفرع الثالث :والك بنيامني 288 ...........................................................
املطلب الثالث :السوسيولوجيا التكويني ااة281 ...............................................
341
املبحث اخلامس :واقع السوسيولوجيا العربية يف األدب والنقد 211 ............................
املطلب األول :املنهج االجتماعي211 .....................................................
املطلب الثاب :البنيوية التكوينية218 .......................................................
الفصل الثامن :عل اام االجتماااع اللغ ااوي 213 ................................................
املبحث األول :مفهوم اللغة يف منظور اللسانيات االجتماعية 218 ............................
املبحث الثاب :تعريف اللسانيات االجتماعية 260 ..........................................
املبحث الثالث :موضوع اللسانيات االجتماعية 262 ........................................
املبحث الرابع :أهداف اللسانيات االجتماعية 261 .........................................
املبحث اخلامس :ظهااور اللسانيات االجتماعي ااة 266 ........................................
املبحث السادس :أعالم اللسانيات االجتماعية 267 ........................................
املبحث السابع :تطا ااور اللغ ااة 263 .........................................................
املبحث الثامن :الصا اراع اللغا ااوي 270 ......................................................
املبحث التاسع :التنوع اللغوي واللهجي 278 ...............................................
املبحث العاشر :التغريات والتبدالت اللسانية272 ...........................................
املبحث احلادي عشر :تصورات لسانية اجتماعية خمتلفة271 .................................
املطلب األول :شارل فريكسون واالزدواجية اللغوية 276 ......................................
املطلب الثاب :جان بابتيست مارسيليسي والتفاعل اللساب273 ..............................
املطلب الثالث :ديل هيمس والنسق التواصلي االجتماعي 278 ...............................
املطلب الرابع :أنطوان مييي والبعد االجتماعي للسانيات 230 ................................
املطلب اخلامس :االجتاه املاركسي والبعد االجتماعي للغة 232 ...............................
املطلب السادس :ويليام البوف والعامل الطبقي 238 ........................................
املطلب السابع :بازل برنشتاين والالمساواة اللغوية يف املدرسة 231 ............................
342
املطلب الثامن :ويليام بريت واهلوية االجتماعية للمتلقي 237 .................................
املطلب التاسع :جان لويس كالفي واللسانيات االجتماعية احلضرية 233 ......................
املبحث الثاب عشر :منهجية اللسانيات االجتماعية 238 ....................................
الفصل التاسع :علم النف ااس االجتم اااعي288 ...............................................
املبحث األول :مفه ااوم علم النفس االجتماعي 282 .........................................
املبحث الثاب :مواضيع علم النفس االجتماعي 288 ........................................
املبحث الثالث :مصادر علم النفس االجتماعي810 ........................................
املبحث الرابع :أه اامية علم النفس االجتماعي812 ..........................................
املبحث اخلامس :تاريخ علم النفس االجتماعي 812 ........................................
املبحث السادس :التصا ااور املنهجا ااي 800 ..................................................
الفصل العاشر :املورفولااوجيا االجتماعي ااة 806 ...............................................
املبحث األول :مف اها ااوم املورفولوجيا االجتماعية 807 ........................................
املبحث الثاب :مقومات املورفولوجيا االجتماعية 821 ........................................
املبحث الثالث :أمهية املورفولوجيا االجتماعية 820 ..........................................
املبحث الرابع :التصا ااور النظ ا ااري 822 ......................................................
املطلب األول :ابن خلدون وتأسيس املورفولوجيا االجتماعية 822 .............................
املطلب الثاب :إميل دوركامي وحنت مصطلح املورفولوجيا االجتماعية 828 ......................
املطلب الثالث :جورع زميل وسوسيولوجيا األشكال 821 .....................................
املطلب الرابع :مارسيل موس ومورفولوجيا السكن والساكنة 823 ..............................
املطلب اخلامس :موريس هالبواك واملورفولوجيا االدميوغرافية828 ...............................
املبحث السادس :التص ااور املنه ااجي 880 ...................................................
اخلامت ا ااة 888 ............................................................................
343
اكس ـ ــيرة اكااتيـ ـ ـ :
344
-رئيس مجعية اجلسور للبحث يف الثقافة والفنون.
-رئيس خمترب املسر األمازيغي.
-عضو اجلمعية العربية لنقاد املسر .
-عضو رابطة األدب اإلسالمي العاملية.
-عضو احتاد كتاب العرب.
-عضو احتاد كتاب اإلنكنت العرب.
-عضو احتاد كتاب املغرب.
-من منظري فن القصة القصرية جدا وفن الكتابة الشذرية.
-خبري يف البيداغوجيا والثقافة األمازيغية.
-ترمجت مقاالته إىل اللغة الفرنسية واللغة الكردية.
-ش ا ااارك يف مهرجان ا ااات عربي ا ااة ع ا اادة يف ك ا اال م ا اان :اجلزائ ا اار ،وت ا ااونس ،ومص ا اار ،واألردن،
والسعودية ،والبحرين ،والعراق ،واإلمارات العربية املتحدة... ،
-مستشار يف جمموعة من الصحف واجملالت واجلرائد والدوريات الوطنية والعربية.
-وم اان أه اام كتب ااه :الش ااذرات ب ااني النظري ااة والتطبي ااق ،والقص ااة القص اارية ج اادا ب ااني التنظ ااري
والتطبيق ،والرواية التارخيية ،تصورات تربوية جديادة ،واإلساالم باني احلداثاة وماا بعاد احلداثاة،
وجماازءات التكااوين ،وماان ساايميوطيقا الااذات إىل ساايميوطيقا التااوتر ،والكبيااة الفنيااة ،وماادخل
إىل األدب السااعودي ،واإلحصاااء الكبااوي ،ونظريااات النقااد األديب يف مرحلااة مابعااد احلداثااة،
ومقوم ااات القص ااة القص اارية ج اادا عن ااد مج ااال ال اادين اخلض ااريي ،وأن ا اواع املمث اال يف التي ااارات
املساارحية الغربيااة والعربيااة ،ويف نظريااة الروايااة :مقاربااات جدياادة ،وأنطولوجيااا القصااة القصاارية
جاادا باااملغرب ،والقصاايدة الكونكريتيااة ،وماان أجاال تقنيااة جدياادة لنقااد القصااة القصاارية جاادا،
والسيميولوجيا بني النظرية والتطبيق ،واإلخراع املسرحي ،ومدخل إىل الساينوغرافيا املسارحية،
واملس اار األم ااازيغي ،ومس اار الش ااباب ب اااملغرب ،وامل اادخل إىل اإلخا اراع املس اارحي ،ومس اار
الطفاال بااني التااأليف واإلخ اراع ،ومساار األطفااال باااملغرب ،ونصااوص مساارحية ،وماادخل إىل
345
السينما املغربية ،ومناهج النقد العريب ،واجلديد يف الكبية والتعليم ،وببليوغرافيا أدب األطفاال
باملغرب ،ومدخل إىل الشعر اإلسالمي ،واملدارس العتيقة بااملغرب ،وأدب األطفاال بااملغرب،
والقصااة القصاارية جاادا باااملغرب ،والقصااة القصاارية جاادا عنااد السااعودي علااي حساان البط اران،
وأعالم الثقافة األمازيغية...
-عنوان الباحث :مجيل محداوي ،صندوق الربيد ،0788الناظور ،62111املغرب.
-اهلاتف النقال1672812883:
-اهلاتف املنزيل1186888233:
-اإلمييلHamdaouidocteur@gmail.com:
Jamilhamdaoui@yahoo.fr
346
كلي ت اكغمف اكخ رجا:
من املعروف أن علم االجتماع أو السوسيولوجيا هو علم اجملتمع .ومن مث ،فهو يدرس
الظواهر والوقائع االجتماعية واألفعال اإلنسانية ،يف ضوء مقاربات منهجية خمتلفة ومتنوعة،
بغية فهمها وتفسريها وتأويلها .ويعين هذا أن علم االجتماع يهتم بدراسة األحداث
والظواهر اجملتمعية ،والعمليات االجتماعية ،والعالقات التفاعلية.
ومن جهة أخرى ،ميكن احلديث عن علم اجتماع نظري يستعرض خمتلف التصورات النظرية
واملنهجية اليت يتكىء عليها علم االجتماع .ويف املقابل ،هناك علم اجتماع تطبيقي عبارة
عن ممارسات جتريبية وإجرائية وميدانية تستفيد من التصورات النظرية لعلم االجتماع.
عالوة على ذلك ،ميكن احلديث عن علم اجتماع عام يدرس اجملتمع يف كليته ،يف ضوء
منهجية علمية وضعية .ويتميز مبرتكزات نظرية ومنهجية وتطبيقية واضحة ودقيقة .بيد أن
مثة فروع تتفرع عن هذه الوحدة اليت ميثلها علم االجتماع العام .وهذه الفروع عبارة عن
أغراض وميادين وجماالت وموضوعات ومستويات تطبق فيها مبادىء علم االجتماع العام،
مع وجود خصوصيات نوعية تتعلق بكل ميدان على حدة.
إذا ،هناك وحدة وتنوع ،والعالقة بينهما عالقة ترابطية وتكاملية ووظيفية .بيد أن الذي
يوحد اجملموع هو صفة "اجملتمعي" .يف حني ،تتغري وتتنوع وختتلف جماالت التطبيق
والتجريب واالشتغال.
347