You are on page 1of 347

1

‫اإلهـ ـ ــداء‬

‫أهدي هـاا اكتاـ إ ىكـح أ ـمد يـدا ي‪ ،‬ابنـ أيـا اكيز ـز د يـد‬
‫يدا ي‪ ،‬دايني كه اكنج ح اكاوفيق اكيجد اكيم‪ .‬آدين‪.‬‬

‫اكيؤكف‪ :‬جييل يدا ي‬


‫اكينوان‪ :‬دي د ن علم االجاي ع ( اكجزء األ ل)‪.‬‬
‫اكطبي األ كح‪5102:‬د‬
‫قوق اكطبع د فوظ كليؤكف‬

‫‪2‬‬
‫اكيقددـ ـ ـ ـ‬
‫من املعروف أن علم االجتماع أو السوسيولوجيا هو علم اجملتمع‪ .‬ومن مث‪ ،‬فهو يدرس‬
‫الظواهر والوقائع االجتماعية واألفعال اإلنسانية‪ ،‬يف ضوء مقاربات منهجية خمتلفة ومتنوعة‪،‬‬
‫بغية فهمها وتفسريها وتأويلها‪ .‬ويعين هذا أن علم االجتماع يهتم بدراسة األحداث‬
‫والظواهر اجملتمعية‪ ،‬والعمليات االجتماعية‪ ،‬والعالقات التفاعلية‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬ميكن احلديث عن علم اجتماع نظري يستعرض خمتلف التصورات النظرية‬
‫واملنهجية اليت يتكىء عليها علم االجتماع‪ .‬ويف املقابل‪ ،‬هناك علم اجتماع تطبيقي عبارة‬
‫عن ممارسات جتريبية وإجرائية وميدانية تستفيد من التصورات النظرية لعلم االجتماع‪.‬‬
‫عالوة على ذلك‪ ،‬ميكن احلديث عن علم اجتماع عام يدرس اجملتمع يف كليته‪ ،‬يف ضوء‬
‫منهجية علمية وضعية‪ .‬ويتميز مبرتكزات نظرية ومنهجية وتطبيقية واضحة ودقيقة‪ .‬بيد أن‬
‫مثة فروع تتفرع عن هذه الوحدة اليت ميثلها علم االجتماع العام‪ .‬وهذه الفروع عبارة عن‬
‫أغراض وميادين وجماالت وموضوعات ومستويات تطبق فيها مبادىء علم االجتماع العام‪،‬‬
‫مع وجود خصوصيات نوعية تتعلق بكل ميدان على حدة‪.‬‬
‫إذا‪ ،‬هناك وحدة وتنوع‪ ،‬والعالقة بينهما عالقة ترابطية وتكاملية ووظيفية‪ .‬بيد أن الذي‬
‫يوحد اجملموع هو صفة "اجملتمعي"‪ .‬يف حني‪ ،‬تتغري وتتنوع وختتلف جماالت التطبيق‬
‫والتجريب واالشتغال‪.‬‬
‫إذا‪ ،‬مااا علاام االجتماااعا ومااا أقسااامها ومااا فروعااه وميادينااه وأغراضااها وعلااى ماااذا ياادل هااذا‬
‫التعدد والتنوعا‬
‫تلكم هي األسئلة اليت سوف حناول رصدها يف كتابنا هذا الذي عنوناه با(دي د ن علم‬
‫االجاي ع)‪ ،‬بالتوقف عند علم االجتماع العام‪ ،‬مث تفريعه إىل خمتلف جماالته وميادينه‬
‫وأغراضه‪ ،‬نظريا وتطبيقيا‪.‬‬
‫وأرجو من اهلل عز وجل أن يلقى هذا الكتاب املتواضع رضا القراء‪ ،‬وأشكر اهلل شكرا كثريا‪،‬‬
‫وأمحده على علمه ونعمه وفضائله اليت التعد والحتصى‪.‬واهلل ويل التوفيق‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫اكفصل األ ل‬

‫علـ ـم االجايـ ـ ع اكي ـ ـ ـ د‬


‫يعد أوغست كونت (‪ )Auguste Comte‬أول من حنت مصطلح علم االجتماع‬
‫(‪ )Sociologie‬سنة ‪0381‬م‪ ،‬فهو يتكون لديه من لوغوس (‪ )logie‬مبعىن علم أو‬
‫معرفة‪ ،‬وكلمة (‪ )Société‬اليت تدل على اجملتمع‪ .‬وبذلك‪ ،‬يكون مفهوم علم االجتماع‬
‫هو علم اجملتمعات البشرية‪ ،‬أو علم دراسة جمتمع اإلنسان أو جمتمع الفرد واجلماعة‪ ،‬أو‬
‫دراسة الظواهر أو الوقائع أو احلقائق أو العمليات االجتماعية‪ ،‬يف ضوء رؤية علمية وضعية‬
‫وجتريبية‪ .‬وبعد ذلك‪ ،‬استقل علم االجتماع عن الفلسفة مع إميل دوركامي ( ‪Émile‬‬
‫‪ ،)Durkheim‬بعد صدور كتابه (قواعد اكينهج فا علم االجاي ع)‪ 0‬سنة‬
‫‪0381‬م‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬فتاريخ نشأة علم االجتماع الغريب هو القرن التاسع عشرامليالدي‪ .‬يف حني‪ ،‬ارتبط‬
‫علم االجتماع العريب بابن خلدون الذي أسس علم العمران البشري يف ضوء فلسفة التاريخ‬
‫والعلل العلمية والعقلية يف القرن الثامن اهلجري‪ ،‬كما يتبني ذلك جليا يف كتابه (اكيقدد )‪.2‬‬
‫وبذلك‪ ،‬سبق علم االجتماع العريب صنوه الغريب بأكثر من ستة قرون‪.‬‬
‫هااذا‪ ،‬يناادرع علاام االجتماااع ضاامن العلااوم اإلنسااانية بصاافة عامااة‪ ،‬والعلااوم االجتماعيااة بصاافة‬
‫خاصة‪ .‬واهلدف األساس الذي يسعى إليه هو دراسة اجملتماع اإلنسااب بصافة عاماة‪ ،‬ودراساة‬
‫التنظيمات واجلمعيات واجلماعات واملؤسسات السياسية اليت تنتمي إليها أو تشكلها مجاعاة‬
‫من األفراد بصفة خاصة‪ .‬مبعىن أن علم االجتماع يدرس اإلنسان يف حضان اجملتماع‪ ،‬ويرصاد‬
‫خمتلف العالقات االجتماعية اليت يسلكها اإلنسان مع اآلخارين داخال بنياة اجملتماع‪ ،‬باالككيز‬
‫علااى البعااد االجتماااعي فهمااا وتفساريا وتااأويال‪ .‬وكااذلك‪ ،‬ياادرس هااذا العلاام خمتلااف األنشااطة‬
‫‪1‬‬
‫‪-Émile Durkheim: Les Règles de la méthode sociologique, Paris,‬‬
‫‪Alcan.0381.‬‬
‫‪ - 2‬ابن خلدون‪ :‬دقدد ابن يلد ن‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبد اهلل حممد الدرويش‪ ،‬دار يعرب‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪2112‬م‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫ال اايت يق ااوم س ااا اإلنس ااان داخ اال اجملتم ااع‪ ،‬كاألنش ااطة السياس ااية‪ ،‬واالقتص ااادية‪ ،‬واالجتماعي ااة‪،‬‬
‫والثقافية‪ ،‬والكبوية ‪...8‬‬
‫وإذا كان علام الانفس يادرس سالوك الفارد‪ ،‬فانن علام االجتمااع يادرس الظاواهر اجملتمعياة الايت‬
‫تتصف بالعمومية‪ ،‬واالستمرار‪ ،‬واالطراد‪ ،‬واإللزامية‪ ،‬والقهر‪ ،‬واجلربية اجملتمعياة‪ .‬وهنااك‪ ،‬علام‬
‫النفس االجتماعي الذي يدرس اجلماعات الصغرية وخمتلاف التفااعالت الايت تاتم باني األفاراد‬
‫داخلها‪ ،‬سواء أكانت سلبية أم إجيابية‪.‬‬
‫وإذا كانت هناك دراسات سابقة حاولت فهم اجملتمع وتفسريه مع أفالطون‪ ،‬وأرسطو‪،‬‬
‫والفارايب‪ ،‬وميكيافيلي‪ ،‬ومونتيسكيو‪ ،‬وسان سيمون‪ ،‬وابن خلدون‪ ،‬فنهنا حماوالت تأميلية‬
‫وفلسفية ينقصها اجلانب العلمي والتجرييب‪ ،‬باستثناء مقدمة ابن خلدون اليت نعتربها أساس‬
‫علم االجتماع العمراب؛ ألهنا قائمة على دراسة العلل يف عالقتها بالنتائج‪ .‬ولكن يبقى كل‬
‫من أوجست كونت وإميل دوركامي مؤسسني حقيقيني لعلم االجتماع‪ .‬ومن مث‪ ،‬يرى دوركامي‬
‫أن علم االجتماع هو الدراسة العلمية للظواهر اجملتمعية‪ .‬ومن مث‪ ،‬يتسم هذا العلم بالطابع‬
‫العلمي املوضوعي الذي يتمثل يف التخلص من األفكار الشائعة واملسبقة على غرار‬
‫توجهات ابن اهليثم وديكارت‪ ،‬وااللتزام بالعلمية واحلياد والنزاهة يف دراسة الظواهر‬
‫االجتماعية‪ ،‬والتمييز بني الظواهر الفردية والظواهر اجملتمعية‪ ،‬واالعتماد على اإلحصاء يف‬
‫دراسة هذه الظواهر اجملتمعية‪.‬‬
‫إذا‪ ،‬فعلم االجتماع‪ ،‬مبفهومه العام‪ ،‬هو الذي يدرس الظواهر اجملتمعية يف ضوء املقاربة‬
‫العلمية املوضوعية‪ ،‬على أساس أهنا موضوعات ومواد وأشياء‪ .‬ويعين هذا أن علم االجتماع‬
‫يدرس اجملتمع دراسة وضعية خمتربية وميدانية‪ ،‬بالتوقف عند بعض الظواهر اجملتمعية القاهرة‬
‫أو امللزمة لإلنسان بالتحليل والدراسة والتشخيص والوصف فهما وتفسريا وتأويال‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫‪-SalvadorGiner:‬‬ ‫‪Sociologia,‬‬ ‫‪EdicionesPeninsula,‬‬ ‫‪Barcelona,‬‬
‫‪Espaňa, 1979, p: 11.‬‬
‫‪5‬‬
‫وعليه‪ ،‬فعلم االجتماع " هو الدراسة العلمية للسلوك االجتماعي لألفراد واألساليب اليت‬
‫ينتظم سا اجملتمع باتباع خطوات املنهج العلمي‪.‬‬
‫يالحظ الفرد داخل اجملتمع أن وسائل اإلعالم املختلفة تطالعه بأنباء وأخبار معينة‪ ،‬منها ما‬
‫يتعلق بكوارث طبيعية‪ ،‬وأخرى تتعلق بصراعات ومشكالت حتتاع إىل حلول‪ ،‬وقسم آخر‬
‫يتحدث عن قضايا العمل واضطرابات العمال‪ ،‬وقسم يتعرض الجتاهات مشجعي كرة‬
‫القدم‪ .‬مثل هذه األحداث‪ -‬إذا صح أن نطلق عليها هذه التسمية‪ -‬هي أحداث عامة‬
‫حتدث يف احلياة اليومية‪ .‬ولكن أحيانا يتساءل البعض ملاذا أصبح اآلن مشجعو كرة القدم‬
‫أكثر عنفا عما كانوا عليه يف املاضيا وملاذا جيد بعض األزواع أن احلياة الزوجية أصبحت‬
‫التطاقا فعندما نسأل أنفسنا هذه النوعية من األسئلة فنننا نسأل سؤاال اجتماعيا‪ ،‬مبعىن‬
‫أننا معنيون أو مهتمون بالطريقة اليت يسلك سا األفراد يف اجملتمع وتأثري ذلك السلوك يف‬
‫أنفسهم ويف اجملتمع‪ .‬معىن ذلك أن مفهوم "االجتماعي" هو املفهوم األساسي يف علم‬
‫االجتماع‪ ،‬ألن الفرد الميكن إال أن يكون كائنا اجتماعيا يعيش يف وسط اجتماعي‪ ،‬وعلى‬
‫اتصال مستمر ببقية أفراد اجملتمع‪ ،‬حيبث يندمج يف حميطهم ويتفاعل معهم بصورة‬
‫إجيابية‪.‬وهذا يؤكد أنه دون وجود تفاعل إنساب مستمر الميكن أن يطلق علينا ذوي صفة‬
‫‪2‬‬
‫"اجتماعية"‪".‬‬
‫ويعين هذا أن علم االجتماع اليهتم فقط بدراسة الظواهر اجملتمعية املرتبطة ببنية اجملتمع‪ ،‬بل‬
‫يهتم أيضا بدراسة أفعال األفراد‪ ،‬حينما يتفاعلون فيما بينهم ويتواصلون لفظيا أو بصريا‪.‬‬
‫وإذا كان إميل دوركامي قد ربط السوسيولوجيا بدراسة اجملتمع مبختلف ظواهره ووقائعه‬
‫وأحداثه وعملياته وحقائقه‪ ،‬فنن ماكس فيرب قد ركز على الفرد الفاعل أو الذات مبا تقوم به‬
‫من أفعال جتاه الذوات األخرى يف عالقة متاثلية مع بنية اجملتمع‪.‬أي‪ :‬هناك من يربط‬
‫السوسيولوجيا باجملتمع أو املوضوع (دوركامي)‪ ،‬وهناك من يربطه بالذات أو الفاعل(ماكس‬

‫‪ - 2‬حممد ياسر اخلواجة وحسني الدريين‪ :‬اكييجم اكيوجز فا علم االجاي ع‪ ،‬مصر العربية للنشر والوزيع‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪2100‬م‪ ،‬ص‪.00:‬‬
‫‪6‬‬
‫فيرب)‪.‬وهناك من جيمع بينهما يف عالقة متاثلية كماهو حال أنتوب غيدنز يف كتابه (علم‬
‫االجاي ع)‪.2‬‬
‫ومثة جمموعة من التعاريف اليت ختص علم االجتماع‪ ،‬فقد عرفه بيكمي سروكني بقوله‪ ":‬هو‬
‫ذلك املفهوم الذي يشري إىل مجيع املعلومات اخلاصة بالتشابه بني خمتلف اجلماعات‬
‫اإلنسانية وأمناط التفاعل املشكك بني خمتلف جوانب احلياة االجتماعية اإلنسانية‪ ،‬لذلك‬
‫عرفه بأنه العلم الذي يدرس الثقافة االجتماعية‪ .‬كما عرفه بأنه دراسة اخلصائص العامة‬
‫املشككة بني مجيع أنواع املظاهر االجتماعية‪".‬‬
‫أما رايت ميلز‪ ،‬فريى " أن علم االجتماع هو العلم الذي يدرس البناء االجتماعي‬
‫للمجتمع والعالقات املتبادلة بني أجزائه‪ ،‬وما يطرأ على ذلك من تغري"‪.‬‬
‫أما جورع ليندبرع فريى أن علم االجتماع" هو علم اجملتمع"‪ .‬بينما يرى ماكيفر " أنه العلم‬
‫الذي يدرس العالقات االجتماعية"‪.6‬‬
‫ويعرفه ماكس فيرب بقوله " هو العلم الذي يعىن بفهم النشاط االجتماعي وتأويله‪ ،‬وتفسري‬
‫حدثه ونتيجته سببيا‪".7‬‬
‫وعلى العموم‪ ،‬فعلم االجتماع هو ذلك العلم الذي يدرس الوقائع والظواهر واألحداث‬
‫واحلقائق االجتماعية من جهة أوىل‪ .‬ويدرس أفعال األفراد وتصرفاهتم وسلوكياهتم يف عالقة‬
‫باآلخرين‪ ،‬ضمن سياق تفاعلي اجتماعي معني من جهة ثانية‪ .‬ويدرس األنظمة‬
‫واملؤسسات االجتماعية من جهة ثالثة‪.‬‬

‫‪ - 11‬أنتوب غدينز‪ :‬علم االجاي ع‪ ،‬ترمجة‪ :‬فايز الصياغ‪ ،‬منشورات املنظمة العربية للكمجة‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل سنة ‪2111‬م‪.‬‬
‫‪ -‬حممد حامد يوسف‪ :‬علم االجاي ع‪ :‬اكنشأة اكيج الت‪ ،‬املكتب العلمي للنشر والتوزيع‪ ،‬اإلسكندرية‪،‬‬ ‫‪6‬‬

‫طبعة ‪0881‬م‪ ،‬ص‪.10-11:‬‬


‫‪7‬‬
‫‪-Max weber: Économie et société, Poquet, 1995, p. 28.‬‬
‫‪7‬‬
‫أما فيما خيص موضوع علم االجتماع‪ ،‬فننه يدرس ثالثة مواضيع أساسية كربى هي‪:‬‬
‫احلقائق االجتماعية‪ ،‬والعمليات االجتماعية‪ ،‬واحلقائق العلمية‪ .‬ويدرس كذلك العالقات‬
‫االجتماعية املتبادلة بني الناس عرب عمليات التفاعل االجتماعي من أجل معرفة مظاهر‬
‫التماثل واالختالف؛ ودراسة اجملتمع وظواهرة وبنائه ووظيفته؛ ودراسة مكونات األبنية‬
‫االجتماعية املختلفة‪ ،‬مثل اجلماعات العامة؛ واملقارنة بني الظواهر واحلقائق االجتماعية‬
‫املختلفة‪.3‬‬
‫وعلى أي حال‪ ،‬يدرس علم االجتماع اإلنسان داخل اجملتمع‪ ،‬والبنية االجتماعية‪،‬‬
‫والتفاعل بني األفراد واجلماعات‪ ،‬والسياق االجتماعي‪ ،‬واجلماعات اإلنسانية املختلفة‪...‬‬
‫إذا‪ ،‬ياادرس علاام االجتماااع العااام الظ اواهر اجملتمعيااة دراسااة علميااة ماان جهااة‪ .‬أو حياااول فهاام‬
‫الفعل اإلنساب وتأويله داخل بنية جمتمعية ما‪ ،‬برصد خمتلف الدالالت واملعاب واملقاصد اليت‬
‫يعرب عنها هذا الفعل أثناء عملية التفاعل والتواصل االجتماعي من جهة أخرى‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬تستعني املقاربة السوسيولوجية بالدراسات التارخيية والتطورية واملقارنة‬
‫واالجتماعية والسياسية واالقتصادية والثقافية واإلثنية والدينية واللسانية‪...‬إخل‪ .‬ويعين هذا أن‬
‫علم االجتماع يتداخل مع جمموعة من العلوم واملعارف املساعدة واملكملة‪ .‬ومن مث‪ ،‬يهدف‬
‫إىل بناء نظرية عامة لوصف اجملتمع ورصده بغية التحكم فيه أو إصالحه أو تغيريه أو‬
‫احلفاظ عليه‪.‬‬
‫ويالحاظ أن مثااة منهجااني مهيمنااني يف علاام االجتماااع‪ :‬منهجااا علميااا موضااوعيا يتكااىء علااى‬
‫التفسااري الساابيب والعلااي‪ ،‬ومنهجااا ذاتيااا إنشااائيا تأمليااا وأخالقيااا وتأويليااا يقااوم علااى الفهاام‪.‬‬
‫ويع ااين ه ااذا أن ثنائي ااة الذاتي ااة واملوض ااوعية حاض اارة يف جم ااال العل ااوم اإلنس ااانية بش ااكل الف اات‬
‫لالنتباااه‪ .‬ويف هااذا الصاادد‪ ،‬يقااول إدغااار مااوران(‪":)Edgar Morin‬هناااك منطااان ماان‬
‫السوس ا اايولوجيا يف جم ا ااال البح ا ااث االجتم ا اااعي‪ :‬سوس ا اايولوجيا أوىل ميك ا اان نعته ا ااا بالعلمي ا ااة‬
‫كسوسيولوجيا أوغيست كونت وإميال دوركاامي‪ ،‬وسوسايولوجيا أخارى ميكان نعتهاا باإلنشاائية‬

‫‪ - 3‬حممد ياسر اخلواجة وحسني الدريين‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.02:‬‬


‫‪8‬‬
‫كسوساايولوجيا ماااكس فياارب ويااورغ زمياال‪.‬وتعتاارب األوىل مبثابااة طليعااة السوساايولوجيا‪.‬يف حااني‪،‬‬
‫تعتاارب الثانيااة مبثابااة املااؤخرة الاايت تتحلاال‪ ،‬بشااكل مناسااب‪ ،‬ماان إسااار الفلساافة‪ ،‬وماان املقالااة‬
‫األدبي ااة‪ ،‬والتأم اال األخالق ااي‪ .‬يس ااتعري ال اانمط األول م اان السوس اايولوجيا منوذج ااا علمي ااا ك ااان‬
‫بالض اارورة ه ااو من ااوذع الفيزي اااء يف الق اارن التاس ااع عش اار‪ .‬وهل ااذا النم ااوذع ملمح ااان‪ ،‬فه ااو آيل‬
‫وحتمااي يف آن واحااد‪ ،‬إذ يتعلااق األماار‪ ،‬يف الواقااع‪ ،‬بتحديااد القاوانني والقواعااد الاايت تااؤثر‪ ،‬تبعااا‬
‫لعالقااات سااببية‪ ،‬خطيااة ومنتظمااة‪ ،‬يف موضااوع ع عزلااه‪ ،‬ويف مثاال هااذا النمااوذع يااتم اسااتبعاد‬
‫كاال ماااحييط باملوضااوع املاادروس ماان موضااوعات أخاارى‪ .‬يضاااف إىل ذلااك أن هااذا املوضااوع‬
‫املاادروس يااتم تصااوره كمااا لااو كااان مسااتقال اسااتقالال كليااا عاان شااروط مالحظته‪.‬والشااك أن‬
‫مثل هذا التصور يستبعد من احلقل السوسايولوجي كال إمكانياة لتصاور ذوات أو قاوى فاعلاة‬
‫أو مسؤولية الذوات وحريتها‪.‬‬
‫أمااا يف السوساايولوجيا اإلنشااائية‪ ،‬فاانن ذات الباحااث حتضاار‪ ،‬باملقاباال‪ ،‬يف موضااوع الباحااث‪،‬‬
‫فهاو ينطااق‪ ،‬أحيانااا‪ ،‬بضاامري املاتكلم‪ ،‬والياواري ذاته‪...‬لقااد كااان مفهاوم الااذات غااري مستساااغ‬
‫ماان قباال املعرفااة العلميااة؛ ألنااه كااان مفهومااا ميتافيزيقيااا ومتعاليااا‪...‬يف حااني‪ ،‬إن تقاادم املعرفااة‬
‫البيولوجية احلديثة‪ ،‬يسمح‪ ،‬اليوم‪ ،‬مبنح مفهوم الذات أساسا بيولوجيا‪ .‬فمااذا يعاين أن يكاون‬
‫اإلنس ااان ذات ااا‪ ،‬الي ااوما إن ااه يع ااين أن يض ااع اإلنس ااان نفس ااه يف قل ااب عامله‪...‬فال ااذات ه ااي‪،‬‬
‫‪8‬‬
‫باجلملة‪ ،‬املوجود الذي حييل على ذاته وإىل اخلارع والذي يتموضع يف مركز عامله‪".‬‬
‫وبناااء علااى مااا ساابق‪ ،‬يتأكااد لنااا أن مثااة ط اريقتني يف التعاماال مااع الظ اواهر اجملتمعيااة‪ ،‬إمااا أن‬
‫نتمثا اال الطريق ا ااة الوض ا ااعية التفس ا اريية يف تبي ا ااان العالقا ااات الثابت ا ااة ال ا اايت توج ا ااد ب ا ااني الظ ا اواهر‬
‫واملتغا اريات‪ ،‬وإم ااا أن نتمث اال طريق ااة الفه اام الس ااتجالء البع ااد اجملتمع ااي بفه اام أفع ااال ال ااذات‬
‫وتأويلها‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫‪-Edgar Morin: Sociologie, Fayard, Le Seuil, Points, Essais, 1984,‬‬
‫‪pp:11-18.‬‬
‫‪9‬‬
‫وعل ااى العم ااوم‪ ،‬يعتم ااد عل اام االجتماااع عل ااى ثالث ااة مبااادىء منهجي ااة أساس ااية ه ااي‪ :‬الفه اام‪،‬‬
‫والتفسري‪ ،‬والتأويل‪ .‬ويعين املبدأ املنهجاي األول فهام فعال الفارد يف إطاار نظرياة التاأثري والااتأثر‬
‫أو يف إطااار نظريااة التفاعاال االجتماااعي‪.‬أي‪ :‬فهاام املعاااب الاايت يتخااذها الفعاال الفااردي داخاال‬
‫اجملتمااع املعطااى‪ .‬وينسااجم هااذا املباادأ مااع العلااوم اإلنسااانية أو علااوم الثقافااة والاارو ‪ .‬ومبااا أن‬
‫اإلنسااان فاعاال فااردي ميلااك وعيااا‪ ،‬ويصاادر فعلااه عاان معااىن أو مقصاادية مااا‪ ،‬فماان الصااعب‬
‫دراسااته دراسااة علميااة سااببية وعليااة موضااوعية؛ألن ذلااك يتناااو مااع مباادإ الذاتيااة يف العلااوم‬
‫اإلنسانية‪ .‬وأكثر من هذا‪ ،‬فاإلنسان فرد واع وعاقل وحسااس الميكان مقاربتاه يف ضاوء علاوم‬
‫التفسااري؛ ألن النتااائج سااتكون‪ -‬بالريااب ‪ -‬نساابية لاايس إال‪ ،‬مهمااا حاولنااا أن نتمثاال العلميااة‬
‫واحلياد والنزاهة املوضوعية يف ذلك‪.‬‬
‫ويعين املبدأ املنهجي الثاب متثل التأويل يف إدراك حقيقة الواقع أو العا املوضوعي‪ .‬ويعين‬
‫هذا أن فهم فعل الفاعل الفردي الميكن أن يتحقق إال مبعرفة األحكام املسبقة‪ ،‬وحتديد‬
‫السياق اجملتمعي‪ ،‬واالنطالق من املعرفة اخللفية‪ ،‬والبحث عن مجيع املصادر اليت تساعدنا‬
‫على فهم ذلك الفعل‪ ،‬واستجالء املعىن الذي يصدر عنه‪ .‬وميكن االستعانة كذلك باألفكار‬
‫املسبقة‪ ،‬على الرغم من تعارض ذلك مع العلم‪ ،‬على أساس أهنا مصادر أولية تسعفنا يف‬
‫تفهم الفعل وتأويله‪ .‬ومن هنا‪ ،‬يتطلب الفهم ثقافة شخصية من جهة أوىل‪ ،‬ومعايشة‬
‫حقيقية للفاعل من جهة ثانية‪ ،‬ومشاركته يف بناء عوامله املوضوعية والواقعية من جهة ثالثة‪.‬‬
‫لذا‪ ،‬البد من التغلغل إىل عا الفرد لفهم املعىن الذي يلصقه على عامله من أجل فهمه‬
‫جيدا‪ ،‬وتأويل فعله وسلوكه حسب الظروف الظاهرة واحليثيات اليت يوجد فيها هذا الفعل‪،‬‬
‫والبحث عن العالقة التفاعلية املوجودة بني الذات واملوضوع‪ .‬وخيضع هذا التعامل كله‬
‫ملبدأين أساسيني مها‪ :‬املوضوعية العلمية واحلياد األخالقي‪ ،‬بعدم إصدار أحكام القيمة‪،‬‬
‫واالبتعاد‪ -‬قدر اإلمكان‪ -‬عن االعتقادات واآلراء الشخصية‪.‬‬
‫أما املبدأ املنهجي الثالث‪ ،‬فيقوم على التفسري السبيب والعلي كربط الفعل ببنية اجملتمع‪ ،‬أو‬
‫تفسري الظواهر اجملتمعية تفسريا ترابطيا وسببيا‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫هذا‪ ،‬ويتسم علم االجتماع بعدة خصائص ومميزات‪:‬‬
‫‪ ‬يعتمااد عل اام االجتماااع علااى املالحظ ااة الوص اافية والتجريبيااة وامليداني ااة‪ ،‬واالس ااتعانة بةلي ااة‬
‫املعايشة بغية بناء احلقائق االجتماعية‪ ،‬وفهم الوقائع والظواهر اإلنسانية واجملتمعياة‪ ،‬واالبتعااد‬
‫عاان املقاربااات الفلساافية وامليتافيزيقيااة الاايت تعيااق تطااور املعرفااة اإلنسااانية وتقاادمها وازدهارهااا‪،‬‬
‫واستبدال التاأمل الفلسفي بالتفسري العلمي واالستقراء السبيب والعلي والوضعي‪.‬‬
‫‪ ‬علم االجتماع علم تراكمي‪ ،‬إذ تبىن كل نظرية جديادة علاى النظرياات الساابقة يف جماال‬
‫السوس اايولوجيا‪ .‬وم اان مث‪ ،‬فهن اااك اس ااتمرارية وتط ااور وتا اراكم وقط ااائع إبس ااتمولوجية يف عملي ااة‬
‫التصحيح والتعديل والتطوير‪.‬‬
‫‪ ‬عل اام االجتم اااع ل اايس علم ااا أخالقي ااا أو قيمي ااا‪ ،‬فه ااو اليع ااىن ب اااحلكم عل ااى اجملتم ااع م اان‬
‫الناحيا ااة األخالقيا ااة أو حيكا اام علا ااى األفعا ااال االجتماعيا ااة با اااخلري أوالشا اار‪ ،‬فها ااو علا اام حمايا ااد‬
‫وموضوعي يصف الواقع ويشخصه وجيد احللول املالئمة لذلك‪.‬ولكن ينشد تفسري األخاالق‬
‫إذا كان هلا ارتباط وثيق بالوقائع اجملتمعية‪.01‬‬
‫وحيقق علم االجتماع جمموعة من األهداف األساسية اليت ميكن حصرها فيما يلي‪:‬‬
‫‪‬بناء معرفة علمية وموضوعية حول اجملتمع وبنياته الفرعية وعالقة ذلك باألفراد الفاعلني؛‬
‫‪‬التوصاال إىل جمموعااة ماان القواعااد والبااىن الثابتااة واملتغاارية الاايت تااتحكم يف اجملتمعااات بنيااة‬
‫وداللة ووظيفة؛‬
‫‪‬وص ااف اجملتم ااع وتشخيص ااه فهم ااا وتفسا اريا وت ااأويال بغي ااة احلف اااظ علي ااه أو إص ااالحه أو‬
‫تغيريه؛‬
‫‪ ‬إدارك الف اوارق بااني الثقافااات واجملتمعااات ملعرفااة أساالوب التعاماال مااع اآلخ ارين‪ ،‬وتفااادي‬
‫املشكالت الناجتة عن اختالف التجارب اجملتمعية‪ ،‬مثل‪ :‬االختالف بني البيض والسود؛‬
‫‪ ‬دراسة الوقاائع واحلقاائق والعملياات االجتماعياة دراساة علمياة بغياة االساتفادة منهاا علاى‬
‫صعيد وضع السياسة العامة للدولة أو اجملتمع؛‬

‫‪ - 01‬حممد ياسر اخلواجة وحسني الدريين‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.02:‬‬


‫‪11‬‬
‫‪ ‬تقومي نتائج املبادرات السياسية املتبعة يف إصال اجملتمع وتغيريه أو احلفاظ عليه؛‬
‫‪ ‬التنوير الذايت‪ ،‬وتعميق فهمنا ألنفسنا بشكل جيد؛‬
‫‪‬حل املشكالت اإلنسانية اليت يعاب من األفراد واجلماعات؛‬
‫‪ ‬بناء اإلنسان داخل اجملتمع بناء تكوينيا سليما‪ ،‬والسمو به يف مراتاب الفضايلة والساعادة‬
‫والكمال‪ ،‬والرفع من قيمته املادية واملعنوية واألخالقية‪ ،‬والزيادة يف درجة رفاهيته وازدهاره؛‬
‫‪ ‬دراسة أمناط السلوك االجتماعي وآثاره ودوافعه على الفرد واجلماعة‪.‬‬

‫وفيما خيص أقسام علم االجتماع‪ ،‬فيمكن احلديث ‪ -‬من جهة‪ -‬عن العلم االجتماع‬
‫النظري وعلم االجتماع التطبيقي‪ .‬ومن جهة أخرى‪ ،‬ميكن احلديث عن عدة ميادين لعلم‬
‫االجتماع العام‪ ،‬فهناك الفيزيولوجيا االجتماعية‪ ،‬واملورفولوجيا االجتماعية‪ ،‬وعلم االجتماع‬
‫احلضري‪ ،‬وعلم االجتماع القروي‪ ،‬وعلم االجتماع االقتصادي‪ ،‬وعلم االجتماع الثقايف‪،‬‬
‫وعلم االجتماع األخالقي‪ ،‬وعلم االجتماع اجلمايل‪ ،‬وعلم االجتماع اللغوي أو اللساب‪،‬‬
‫وعلم اجتماع احلروب‪ ،‬وعلم اجتماع البيئة‪ ،‬وعلم اجتماع الطب أو الصحة‪ ،‬وعلم‬
‫االجتماع املهين‪ ،‬وعلم االجتماع الصناعي‪ ،‬وعلم اجتماع األدب‪ ،‬وعلم االجتماع‬
‫السياسي‪ ،‬وعلم االجتماع اإلداري‪ ،‬وعلم اجتماع األسرة‪ ،‬وعلم اجتماع اجلمعيات‬
‫والتنظيمات‪ ،‬وعلم اجتماع الكبية‪ ،‬وعلم النفس االجتماعي‪ ،‬وعلم اجتماع املسر ‪ ،‬وعلم‬
‫اجتماع اإلعالم‪ ،‬وعلم االجتماع اجلنائي‪ ،‬وعلم اجتماع األديان‪ ،‬وعلم االجتماع القانوب‪،‬‬
‫وعلم اجتماع املعرفة‪...‬‬
‫ويع ا ااين ه ا ااذا أن عل ا اام االجتم ا اااع ه ا ااو عل ا اام ع ا ااام‪ ،‬يتض ا اامن العدي ا ااد م ا اان الف ا ااروع والش ا ااعب‬
‫والتخصصااات العلميااة‪ ،‬ويتااأرجح هااذا العلاام بااني ماااهو ذايت وموضااوعي‪ ،‬كمااا يتااأرجح علااى‬
‫املستوى املنهجي بني الفهم‪ ،‬والتفسري‪ ،‬والتأويل‪.‬‬
‫عااالوة علااى ذلااك‪ ،‬يسااتند علاام االجتماااع كااذلك إىل خط اوات املاانهج العلمااي كاإلحساااس‬
‫باملشكلة‪ ،‬وطر األسائلة واإلشاكاليات‪ ،‬ووضاع الفرضايات‪ ،‬وحتدياد املوضاوع‪ ،‬ورصاد بواعثاه‬

‫‪12‬‬
‫الذاتية واملوضوعية‪ ،‬وتبيان أهدافاه وأمهيتاه‪ ،‬واإلشاارة إىل الدراساات العلمياة الساابقة‪ ،‬وحتدياد‬
‫املتغاريات البشارية والزمانيااة واملكانيااة‪ ،‬وشاار املفاااهيم االصااطالحية‪ ،‬وطاار تصااميم الدراسااة‪،‬‬
‫مااع ذكاار الصااعوبات‪ ،‬والثناااء علااى ماان أساادى إىل الباحااث أيااة مساااعدة ماان قريااب أو ماان‬
‫بعيد‪.‬‬
‫يمص اكقول‪ ،‬فعلم االجتماع هو ذلك العلم الذي يدرس الوقائع االجتماعية واألفعال‬
‫والتنظيمات واملؤسسات االجتماعية‪ ،‬بالككيز على الوقائع واحلقائق والعمليات والعالقات‬
‫االجتماعية‪ ،‬ضمن السياق التفاعلي اللغوي والرمزي‪ ،‬باستخدام مناهج متنوعة إما وضعية‬
‫وإما تفهمية وإما تأويلية‪ ،‬بغية بناء نظرية عامة للمجتمع قصد وصفه وتشخيصه وتقوميه‪،‬‬
‫من أجل احلفاظ عليه أو إصالحه أو تغيريه جزئا أو كليا‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫اكفصل اكث نا‪:‬‬

‫علم اإلجاـ ـي ع اكسي سا‬

‫تتبلور العلوم السياسية (‪ )Sciences Politiques‬إال يف آواخر القرن التاسع‬


‫عشر امليالدي‪ ،‬بننشاء املدرسة احلرة يف العلوم السياسية يف باريس عام‪0372‬م‪ ،‬ومدرسة‬
‫لندن لعلم االقتصاد والسياسة‪ .‬وبعد ذلك‪ ،‬ازدهر هذا العلم يف جامعات أوروبا بصفة‬
‫عامة‪ ،‬وجامعات أمريكا بصفة خاصة‪ .‬أما علم االجتماع السياسي ( ‪Sociologie‬‬
‫‪ ،)politique‬فلم يظهر إال يف فكة متأخرة مقارنة بالعلوم السياسية‪ ،‬وبالضبط يف‬
‫أواخر النصف األول من القرن العشرين (‪0821‬م)‪.‬‬

‫ولكن مثة كتابات ومؤلفات قدمية تتضمن قرائن ومؤشرات وعالمات دالة على وجود علم‬
‫االجتماع السياسي‪ ،‬بطريقة من الطرائق‪ ،‬كما يبدو ذلك جليا عند أفالطون يف كتابه‬
‫(اكجيهور )‪ ،‬وأرسطو يف كتابه (اكسي س )؛ وكذلك عند املثقفني العرب الذين اهتموا‬
‫بالكتابات السلطانية أو مببادىء السياسية الشرعية‪ ،‬أمثال‪ :‬أمحد بن عبد اهلل األصبهاب يف‬
‫كتابه (تثبيت اإلد د ترتيب اكخمف )‪ ،‬والقلقشندي يف كتابه (دآثر اإلن ق فا دي كم‬
‫اكخمف )‪ ،‬وابن أيب الربيع يف كتابه ( سلوك اكي كك فا تدبير اكيي كك)‪ ،‬وخليل بن‬
‫شاهني الظاهري يف كتابه ( كا إ زبدة كشف اكيي كك بي ن اكطرق اكيس كك)‪،‬‬
‫واجلويين يف كتابه ( غي ث األدم فا اكاي ث اكظلم)‪ ،‬واملاروردي يف كتابيه‪( :‬األ ت د‬
‫اكسلط ني اكوال ت اكد ني ) و(قوانين اكوزارة سي س اكيلك)‪ ،‬وأبو يعلى الفراء يف‬
‫كتابه ( األ ت د اكسلط ني )‪ ،‬والقنوجي يف كتابه ( ىكليل اكتراد فا تبي ن دق صد‬
‫اإلد د )‪ ،‬وابن األزرق يف كتابه (بدائع اكسلك فا طب ئع اكيلك)‪ ،‬والغزايل يف كتابه (‬

‫‪14‬‬
‫فض ئح اكب طني )‪ ،00‬إىل جانب كتابات كل من‪ :‬الفارايب‪ ،‬وابن سينا‪ ،‬وابن طفيل‪،‬‬
‫والبريوب‪ ،‬وإخوان الصفا‪ ،‬وغريهم‪...‬‬
‫ومثة مفكرون غربيون آخرون تناولوا عالقة السياسة باجملتمع‪ ،‬أمثال‪ :‬سانت أوغيسطني‬
‫صاحب كتاب (دد ن اهلل)‪ ،‬وميكيافيلي يف كتابه (األدير)‪ ،‬وجيامباتيستيا فيكو يف كتابه‬
‫(اكيلم اكجد د)‪ ،‬ومونتيسكيو يف كتابه (ر ح اكقوانين)‪ ،‬وطوماس هوبز يف كتابه (اكانين)‪،‬‬
‫وجون لوك يف كتابه (اكيخاصر فا اك تود اكيدني )‪ ،‬وسبينوزا يف كتابه (اكيخاصر‬
‫اكسي سا)‪...‬‬
‫وعلى الرغم من ذلك‪ ،‬يتبلور علم االجتماع السياسي‪ ،‬على الصعيد األكادميي والعلمي‬
‫واملؤسسايت‪ ،‬إال يف منتصف القرن العشرين‪ ،‬إال أنه يتداخل كثريا مع العلوم السياسية إىل‬
‫درجة يصعب التفريق بينهما‪ ،02‬الشكاكهما يف كثري من املواضيع االجتماعية والسياسية‪،‬‬
‫مثل‪ :‬الدولة‪ ،‬واألنظمة التمثيلية‪ ،‬والدستور‪ ،‬والنخبة‪ ،‬واحلزب‪ ،‬والنقابة‪ ،‬ومجاعات الضغط‪،‬‬
‫والرأي العام‪ ،‬واملنظمات االجتماعية والسياسية‪ ...‬ويف هذا‪ ،‬يقول موريس دوفرجيه‬
‫(‪ )Maurice Duverger‬يف كتابه (علم اجاي ع اكسي س )‪ ":‬إن مفردات علم‬
‫السياسية وعلم االجتماع السياسي مكادفة تقريبا‪ .‬ففي الكثري من اجلامعات األمريكية‬
‫يتحدثون عن القضايا نفسها يف علم السياسة عندما تعاجل يف إطار قسم علم السياسة‪،‬‬
‫ويف علم االجتماع السياسي عندما تعاجل يف إطار قسم علم االجتماع‪.‬أما يف فرنسا‪ ،‬فنن‬
‫تعبري علم االجتماع السياسي يسجل غالبا قطيعة مع املناهج القانونية أو الفلسفية اليت‬

‫‪ -‬انظر‪ :‬حممد حممد أمزيان‪ :‬فا اكفقه اكسي سا‪ ،‬مطبعة النجا اجلديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة‬ ‫‪00‬‬

‫األوىل سنة ‪2110‬م‪.‬‬


‫‪12‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪Jean-Louis Cot, Jean Pierre Mounier, Pour une sociologie‬‬
‫‪politique, Point Seuil, 1974, T. 1, p. 11-25.‬‬
‫‪15‬‬
‫هيمنت طويال على علم السياسة‪ ،‬وإرادة حتليل بواسطة مناهج أكثر علمية‪.‬هذه الفوارق‬
‫‪08‬‬
‫ليس هلا أمهية عملية‪" .‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬فعلم السياسية هو علم عام وأوسع للظواهر السياسية‪ ،‬يدرسها ضمن جماالت‬
‫متداخلة ومتعددة‪ :‬قانونية‪ ،‬وتارخيية‪ ،‬وجغرافية‪ ،‬ودميغرافية‪ ،‬واقتصادية‪ ....‬يف حني‪ ،‬يدرس‬
‫علم االجتماع السياسي تلك الظواهر السياسية يف ضوء علم االجتماع فقط‪ ،‬أو يف ضوء‬
‫علم معني أو مقكب منهجي حمدد بدقة هو املقكب السوسيولوجي‪.‬‬

‫اكيب ث األ ل‪ :‬تير ف علم االجاي ع اكسي سا‬

‫إذا كان علم السياسية يبدأ موضوعه بدراسة الدولة‪ ،‬وكيف متارس تأثرياهتا يف اجملتمع‪ ،‬فنن‬
‫علم االجتماع السياسي يبدأ بدراسة اجملتمع‪ ،‬وكيف يؤثر ذلك يف الدولة‪ ،‬أو يدرس العالقة‬
‫املوجودة بني املواطنني والدولة ومؤسساهتا‪ ،‬أو يدرس العالقة اليت جتمع الرعية بالراعي‪ ،‬أو‬
‫يدرس أشكال اهليمنة اليت ميارسها األفراد ضد اجلماعات اإلنسانية‪ .‬ويعين هذا أن علم‬
‫االجتماع السياسي يدرس الظاهرة السياسية يف حضن اجملتمع‪ ،‬ويبني خمتلف التأثريات اليت‬
‫ميارسها اجملتمع يف الفعل السياسي‪ .‬مث تفسري الظواهر السياسية يف ظروفها االجتماعية‬
‫واالقتصادية والثقافية والتارخيية واحلضارية‪...‬‬
‫وإذا كان علم السياسية يدرس الدولة أو السلطة السياسية‪ ،02‬فنن علم االجتماع السياسي‬
‫يربز السياق االجتماعي للظواهر السياسية‪ .01‬وبتعبري آخر‪ ،‬يدرس القضايا واملشاكل‬

‫‪ - 08‬موريس دوفرجيه‪ :‬علم اجاي ع اكسي س ‪ ،‬ترمجة‪ :‬سليم حداد‪ ،‬املؤسسة اجلامعية للدراسات والنشر والتوزيع‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة الثانية ‪2110‬م‪ ،‬ص‪1:‬‬
‫‪ - 02‬حممد فايز عبد أسعيد‪ :‬األسس اكنظر كيلم االجاي ع اكسي سا‪ ،‬دار الطليعة‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية ‪0833‬م‪ ،‬ص‪.82-28:‬‬
‫‪16‬‬
‫واملواضيع والعالقات االجتماعية املؤثرة ذات الطبيعة السياسية‪ ،‬وخاصة ما يتعلق‬
‫باإليدولوجيات‪ ،‬وقوى الضغط‪ ،‬واألحزاب السياسية‪ ،‬والنقابات‪ ،‬والنخب‪ ،‬واالنتخابات‪.‬‬
‫وهنا‪ ،‬ميكن احلديث أيضا عن سوسيولوجيا التصويت أو االنتخاب أواالقكاع‪.‬‬
‫وإذا كان علم السياسة هو علم الدولة أو السلطة السياسية أودراسة النظم السياسية‪ ،‬فنن‬
‫علم االجتماع السياسي هو الذي يدرس الظواهر السياسية يف ضوء اجملتمع‪ ،‬أو اجملتمعات‬
‫الصغرية والكبرية‪ ،‬أو يف ضوء املقاربة االجتماعية أو علم االجتماع‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬ميكن القول بأن علم االجتماع السياسي هو الذي يدرس النظام السياسي أو النظم‬
‫السياسية وتأثريها يف اجملتمع‪ .‬و" املقصود بالنظام السياسي دراسة ظاهرة القوة وتوزعها يف‬
‫اجملتمع‪ ،‬سواء أكان هذا اجملتمع قبيلة أم دولة قومية أم إمرباطورية أم أي منط اجتماعي‬
‫آخر‪ ،‬باإلضافة إىل العالقة اليت تربط بشكل مباشر بعملية حتديد هذه القوة‪"06.‬‬
‫وعلى أي حال‪ ،‬فعلم االجتماع السياسي هو علم الدولة من جهة أوىل‪ ،‬وعلم السلطة‬
‫والقوة والنفوذ من جهة ثانية‪ ،‬وعلم النظم السياسية من جهة ثالثة‪.‬‬

‫اكيب ث اكث نا‪ :‬دواضييه‪ ،‬دف هييه‪ ،‬ر اده‬

‫يستند علم االجتماع السياسي إىل عدة مواضيع سياسية هلا عالقة باجملتمع تأثريا وتأثرا‪،‬‬
‫مثل‪ :‬موضوع القوة‪ ،‬وموضوع السلطة‪ ،‬وموضوع الدولة‪ ،‬وموضوع التطرف‪ ،‬وموضوع‬
‫العنف‪ ،‬وموضوع الثورة‪ ،‬وموضوع اإلرهاب‪ ،‬وموضوع التنشئة االجتماعية‪ ،‬وموضوع العوملة‪،‬‬
‫وموضوع الدميقراطية‪ ،‬وموضوع النخبة أو الصفوة‪ ،‬وموضوع املشاركة السياسية‪ ،‬وموضوع‬

‫‪ -01‬مولود زايد الطبيب‪ :‬علم االجاي ع اكسي سا‪ ،‬منشورات جامعة السابع من أبريل‪ ،‬الزاوية‪ ،‬ليبيا‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل سنة ‪2117‬م‪ ،‬ص‪.6:‬‬
‫‪ - 06‬حممود عودة‪ :‬أسس علم االجاي ع‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ص‪.283:‬‬
‫‪17‬‬
‫التنمية السياسية‪ ،‬وموضوع اإليديولوجيات‪ ،‬وموضوع مجاعات الضغط‪ ،‬وموضوع النقابات‪،‬‬
‫وموضوع الدستور‪ ،‬وموضوع طبيعة احلكم‪ ،‬وموضوع االنتخابات‪...‬‬
‫وعليه‪ ،‬ميكن القول بأن السوسيولوجيا السياسية املعاصرة ترتكز على أربعة مواضيع حمورية‬
‫هي‪:‬‬
‫‪ ‬دراسة النشأة السوسيوسياسية للدولة املعاصرة؛‬
‫‪ ‬حتليل موضوع اهليمنة أو احلكم‪ ،‬والتوقف عند الالمساواة االجتماعية املوجودة بني‬
‫الطبقات‪ ،‬والفئات‪ ،‬والنخب‪ ،‬واألعراق‪ ،‬واإلثنيات‪... ،‬وتأثريها يف جمال السياسية؛‬
‫‪ ‬تبيان األدوار اليت تقوم سا الشخصيات العامة واحلركات االجتماعية واملنظمات يف‬
‫ميدان السياسية؛‬
‫‪ ‬استكشاف عالقات اهليمنة واخلضوع داخل اجملموعات اجملتمعية‪.‬‬
‫وعلى العموم‪ ،‬ميكن التوقف كذلك عند بعض القضايا األساسية األخرى اليت يهتم سا علم‬
‫االجتماع السياسي‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫‪ ‬أنواع اكنظم اكسي سي ‪ :‬ودراستها من وجهة النظر السوسيولوجية (األنظمة الدميقراطية‪،‬‬
‫واألنظمة الدكتاتورية‪ ،‬واألنظمة األوليغارشية‪ ،‬واألنظمة امللكية‪ ،‬واألنظمة اجلمهورية‪،‬‬
‫واألنظمة الليربالية‪ ،‬واألنظمة االشكاكية‪ ،‬واألنظمة الدينية‪ ،‬واألنظمة املستبدة‪ ،‬والدول‬
‫البسيطة‪ ،‬والدول املركبة‪ ،‬والدول املوحدة‪ ،‬والدول الفيدرالية (االحتادية)‪.)...‬‬

‫ومن الذين اهتموا بتصنيف الدول واألنظمة السياسية نستحضر‪ ،‬على سبيل التمثيل‪،‬‬
‫أفالطون الذي صنف أنظمة احلكم‪ ،‬يف كتابه (اكجيهور ) إىل ثالثة‪ :‬الدولة املثالية‬
‫(اجلمهورية)‪ ،‬والدولة الدميقراطية‪ ،‬والدولة األوليغارشية‪ .‬وتبعه يف ذلك تلميذه أرسطو الذي‬
‫قسم الدول‪ ،‬يف كتابه (اكسي س )‪ ،‬إىل ستة أصناف‪ :‬ثالثة حتكم القانون وتتقيد به‪ ،‬وثالثة‬
‫ال تلتزم بالقانون‪ ،‬ومنها حكم األوليغارشية‪ .‬ومن مث‪ ،‬فاألوليغارشية عند أرسطو هي‬

‫‪18‬‬
‫حكومة األثرياء؛ ألهنا تتمتع بسلطة املال والثروة واجلاه وامللكية اخلاصة‪ .‬وكذلك ابن‬
‫خلدون الذي صنف احلكم إىل أنواع ثالثة‪:‬‬

‫‪ ‬اكيلك اكطبييا‪ :‬وهو محل الكافة على مقتضى الغرض والشهوة‪ .‬وتشكك فيه مجيع‬
‫األمم والشعوب اليت اليستند فيها احلكام ال إىل سياسة عقلية وال إىل سياسة شرعية‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫األنظمة املستبدة واألنظمة التيوقراطية؛‬

‫‪ ‬اكيلك اكسي سا‪ :‬وهو محل الكافة على مقتضى النظر العقلي يف جلب املصاحل‬
‫الدنيوية‪ ،‬ودفع املضار‪ .‬وقد عرف هذا النوع عند الفرس الذين كانوا يعتمدون فيه على‬
‫قوانني سياسية مفروضة من العقالء واحلكماء وأكابرالدولة وزعمائها؛‬

‫‪ ‬اكخمف ‪ :‬وهي الكافة على مقتضى النظر الشرعي يف مصاحلهم األخروية والدنيوية‬
‫الراجعة إليها‪ ...‬فهي يف احلقيقة خالفة عن صاحب الشرع يف حراسة الدين وسياسة‬
‫الدنيا‪ .07‬وينطبق هذا على نظام اإلسالم‪ ،‬قبل أن يتحول إىل نظام وراثي أو حكم ملكي‬
‫وسلطاب أو حكم قائم على العصبية والشوكة‪.03‬‬

‫ومن جهة أخرى‪ ،‬ميكن احلديث عن هربرت سبنسر الذي ميز بني الدول الصناعية والدول‬
‫العسكرية‪ .‬وميكن التوقف كذلك عند كارل ماركس الذي ميز بني جمموعة من األنظمة‬
‫السياسية املتتابعة‪ ،‬ضمن التصور املادي اجلديل‪ ،‬وحصرها يف جمموعة من اجملتمعات هي‪:‬‬
‫اجملتمع املشاعي‪ ،‬واجملتمع العبودي‪ ،‬واجملتمع اإلقطاعي‪ ،‬واجملتمع البورجوازي‪ ،‬واجملتمع‬
‫االشكاكي‪ ،‬واجملتمع الشيوعي‪.‬‬

‫‪ -‬ابن خلدون‪ :‬دقدد ابن يلد ن‪ ،‬اجلزء األول‪ ،‬حتقيق علي عبد الواحد وايف‪ ،‬جلنة البيان العريب‪ ،‬القاهرة‪،‬‬ ‫‪07‬‬

‫مصر‪ ،‬الطبعة الثانية ‪0861‬م‪ ،‬ص‪.108:‬‬


‫‪ - 03‬حممد عابد اجلابري‪ :‬فتر ابن يلد ن‪ :‬اكيصبي اكد ك ‪ ،‬دي كم نظر يلد ني فا اكا ر خ اإلسمدا‪،‬‬
‫دركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة الثامنة ‪2117‬م‪ ،‬ص‪.088-083:‬‬
‫‪19‬‬
‫‪ ‬اكد ك اكنظ د اكسي سا‪ :‬ويعين هذا تبيان عالقة النظام السياسي بالبنية االجتماعية‬
‫واالقتصادية‪ ،‬واستقراء املشاركة السياسية من خالل التنظيمات والنظم املختلفة هلذه‬
‫املشاركة‪ ،‬مث التوقف عند التغري السياسي من جهة‪ ،‬والصراع السياسي من جهة‬
‫أخرى‪.‬وبتعبري آخر‪ ،‬تعريف النشاطات السياسية‪ " ،‬بوصفها الصراع على القوة بني األفراد‬
‫واجلماعات يف ارتباطهم مبصاحلهم اخلاصة‪ ،‬الصراع من ناحية‪ ،‬وبالتنظيمات العامة للحياة‬
‫اجلمعية من ناحية أخرى‪ ،‬هذا الصراع الذي جيري يف كل جمتمع إنساب‪ ،‬وسذا املعىن يكون‬
‫لكل جمتمع نظامه السياسي الذي ينطوي على جمموعة من القواعد واملمارسات اليت قد‬
‫تكون غري رمسية أو غري حمددة حتديدا دقيقا‪ ،‬لكنها تشكل اإلطار العام الذي جتري فيه‬
‫الصراعات واملواجهات بني الناس واجلماعات االجتماعية‪.‬‬
‫لكن القول بأن كل جمتمع له نظام سياسي باملعىن احملدد يف الفقرة السابقة اليعين إطالقا أن‬
‫كل جمتمع له دولة‪.‬مبعىن أن يكون هلا جهاز سياسي منفصل ومتميز‪ ،‬فقد وجدت‬
‫جمتمعات تعرف الدولة كجهاز مستقل‪ ،‬كانت تربط فيها الصراعات السياسية والقرارات‬
‫السياسية بالعالقات القرابية أو التصورات الدينية والطقوس‪ ،‬وحيث يشارك مجيع أعضاء‬
‫اجملتمع يف النشاط السياسي والقرار السياسي‪ ،‬بدون وجود أي مجاعة متخصصة ومتفرغة‬
‫‪08‬‬
‫هلذا النشاط (الدولة)‪".‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬ينبين علم االجتماع السياسي على جمموعة من املفاهيم النظرية‬
‫والتطبيقية‪ ،‬مثل‪ :‬مفهوم القوة‪ ،‬ومفهوم السلطة‪ ،‬ومفهوم العنف‪ ،‬ومفهوم الثورة‪ ،‬ومفهوم‬
‫السيطرة‪ ،‬ومفهوم النفوذ‪ ،‬ومفهوم الضغط‪ ،‬ومفهوم النخبة‪...‬‬
‫أما فيما يتعلق برواد علم االجتماع السياسي‪ ،‬فالبد من استحضار البعض منهم‪ ،‬أمثال‪:‬‬
‫جورع يلينيك (‪ ،)Georges Jellinick‬ومرسيل بريلو(‪ ،)Marcel Prélot‬وجان‬
‫)‪ ،)Jean Dabin‬وجورع دايف(‪،)Georges Davy‬‬ ‫دابان‬
‫وصولتو(‪ ،)R.M.Soltau‬وألفرد دي غراسيا (‪ ،)Alfred de Gracia‬وماكس‬

‫‪ - 08‬حممود عودة‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.211-228:‬‬


‫‪20‬‬
‫فيرب (‪ ،)Max Weber‬ورميون آرون (‪ ،)R.Aron‬وهارولد‬
‫السويل(‪ ،)H.Lasswell‬وروبري دال(‪ ،)R.Dahl‬وجورع بوردو (‪،)G.Burdeau‬‬
‫وموريس دوفريجيه (‪ ،21)Maurice Duverger‬وفيليب برو (‪،20)P.Braud‬‬
‫والغروي (‪...22 ) Lagroye‬‬

‫اكيب ث اكث كث‪ :‬دنهج علم االجاي ع اكسي سا‬

‫يستند علم االجتماع السياسي إىل مجع الوقائع واملعطيات والبيانات حول ظاهرة سياسية‬
‫واقعية ما‪ ،‬هلا عالقة وثيقة باجملتمع تأثريا وتأثرا‪ .‬وبعد ذلك‪ ،‬البد من متثل املالحظة العلمية‬
‫املباشرة املوضوعية‪ ،‬مث استجماع األفكار حول ذلك املوضوع‪ ،‬وحتويلها إىل فرضية أساسية‪،‬‬
‫وتفريعها إىل أسئلة وإشكاليات وعناوين ووضعيات معقدة بغية اإلجابة عنها‪ .‬ويعين هذا أن‬
‫علم االجتماع السياسي يستلزم التحليل االستقرائي الشامل‪ ،‬واستخدام التجريب‬
‫االستقصائي الكلي أو اجلزئي‪ ،‬وتوظيف لغة حجاجية وبرهانية واستداللية منطقية‪،‬‬
‫واالستعانة أيضا مبنهجية إما استقرائية تنطلق من اخلاص واجلزء إىل الكل والعام‪ ،‬وإما‬
‫استنباطية تنطلق من العام والكل إىل اخلاص واجلزء‪ .‬وميكن كذلك توظيف املناهج الكمية‬
‫القائمة على اإلحصاء من جهة‪ ،‬أو املناهج الكيفية القائمة على دراسة املضمون‪ ،‬ودراسة‬
‫احلالة‪ ،‬واملقابلة‪ ،‬واملعايشة من جهة أخرى‪ .‬واهلدف من ذلك كله هو تصنيف املعطيات‬
‫ومنذجتها‪ ،‬ومعاجلتها إحصائيا ورياضيا إما بطريقة وصفية‪ ،‬وإما بطريقة استنتاجية‪ .‬دون أن‬

‫‪20‬‬
‫‪- Maurice Duverger: Sociologie de la politique, PUF.Paris.‬‬
‫‪21‬‬
‫‪- P.Braud: Sociologie politique, 10e edition, LGDJ, 2011‬‬

‫‪22‬‬
‫‪- J. Lagroye, Sociologie Politique, Presses de la F.N.S.P.-Dalloz,‬‬
‫‪Paris, 1991.‬‬

‫‪21‬‬
‫ننسى سرب الرأي‪ ،‬والتحقيق امليداب‪ ،‬وتثبيت الوقائع والتأكد منها‪ ،‬وتكوين معرفة‬
‫سوسيولوجية عميقة وميدانية حول الظواهر السياسية املطروحة للبحث والتحليل والنقاش‪،‬‬
‫واستخالص القوانني‪ ،‬وجتريد النظريات‪ ،‬وتعميمها بشكل كوب وعاملي‪.‬‬
‫ومن ناحية أخرى‪ ،‬ميكن تتبع الظاهرة السياسية‪ ،‬يف بعدها االجتماعي‪ ،‬عرب خطوات‬
‫منهجية متكاملة تتمثل يف‪ :‬الفهم‪ ،‬والتفسري‪ ،‬والتأويل‪ .‬ويعين هذا أن دراسة املوضوع‬
‫السياسي‪ ،‬من الوجهة السوسيولوجية‪ ،‬البد أن تتعدى مفهوم الوصف واملالحظة والتصنيف‬
‫والنمذجة وفهم املعطيات والبيانات إىل تفسريها وفق مبدإ العلية أو السببية‪ ،‬بربط املوضوع‬
‫السياسي اجملتمعي بعوامله الداخلية أو اخلارجية‪ .‬وبعد ذلك‪ ،‬البد من استعمال آليات‬
‫التأويل الذايت أو املرجعي أو اإليديولوجي‪.28‬‬

‫ول علم االجاي ع اكسي سا‬ ‫اكيب ث اكرابع‪ :‬تصورات نظر‬

‫هناك جمموعة من التصورات النظرية املتعلقة بعلم االجتماع السياسي‪ ،‬وميكن أن نتوقف‬
‫عند بعضها بالدراسة والتحليل والفحص على الوجه التايل‪:‬‬

‫اكيطلب األ ل‪ :‬ابن يلد ن اكيؤسس األ ل كيلم االجاي ع اكسي سا‬

‫يعد ابن خلدون املؤسس األول لعلم االجتماع السياسي؛ والدليل على ذلك أنه تناول يف‬
‫كتابه (اكيقدد ) معظم الظواهر االجتماعية اليت ترتكز عليها السوسيولوجيا‪ ،‬والسيما‬
‫الظواهر السياسية‪ ،‬واالقتصادية‪ ،‬واالجتماعية‪ ،‬والتارخيية‪ ،‬والدينية‪ ،‬والثقافية‪ ،‬والعلمية‪،‬‬

‫‪ - 28‬فيليب برو‪ :‬علم االجاي ع اكسي سا‪ ،‬ترمجة‪ :‬حممد عرب صاصيال‪ ،‬الشبكة العربية لألحباث والنشر‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪2102‬م‪ ،‬صص‪.162-100:‬‬
‫‪22‬‬
‫والكبوية‪ .‬ويعين هذا أن كتاب املقدمة يتضمن جمموعة من فروع علم االجتماع العام‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫قواعد املنهج يف علم االجتماع‪ ،‬وعلم االجتماع الريفي‪ ،‬وعلم االجتماع السياسي‪ ،‬وعلم‬
‫االجتماع احلضري‪ ،‬وعلم االجتماع االقتصادي‪ ،‬وعلم اجتماع املعرفة ‪.22‬‬
‫ويكفيه فخرا أنه أرسى دعائم علم االجتماع السياسي تصورا وتطبيقا‪ ،‬حينما قدم تفسريات‬
‫عمرانية لنشأة الدولة‪ ،‬بالككيز على العصبية والعقيدة‪ ،‬وحتديد أطوار الدولة وعمرها الزمين‬
‫والسياسي‪ ،‬مع التفصل يف طبيعة العالقة اليت ينبغي أن جتمع بني الراعي والرعية‪...‬‬
‫هذا‪ ،‬ومن " األفكار األساسية اليت تعد من خصائص الفكر اخللدوب هو نظريته السياسية‪،‬‬
‫وكيفية تغري أشكال السلطة وممارساهتا وآثار ذلك على مسرية اجملتمع وعملية تطورها‪ ،‬من‬
‫خالل طبيعة العالقة السائدة بني احلاكم والشعب(الرعية)‪.‬وكيف يتحول النظام السياسي‬
‫من املشاركة والتعاون بني مجلة الناس‪ ،‬إىل انفراد أحدهم باحلكم والرأي والسلطة‪ ،‬رابطا كل‬
‫ذلك بعمليات التحول اليت تصيب اجملتمع خالل أطواره املختلفة‪".21‬‬
‫ويبدو اهتمام ابن خلدون بعلم االجتماع السياسي واضحا وجليا يف كتابه (اكيقدد )‪،‬‬
‫وخاصة عندما يدرس الدولة السياسية وتشكلها‪ ،‬ضمن مقكب فلسفي واجتماعي‪ ،‬كما‬
‫يبدو ذلك جليا يف نصه هذا‪ ":‬اعلم أن الدولة تنتقل يف أطوار خمتلفة وحاالت متجددة‬
‫ويكتسب القائمون سا يف كل طور خلقا من أحوال ذلك الطور ال يكون مثله يف الطور‬
‫اآلخر ألن اخللق تابع بالطبع ملزاع احلال الذي هو فيه وحاالت الدولة وأطوارها ال تعدو‬
‫يف الغالب مخسة أطوار‪ .‬الطور األول طور الظفر بالبغية وغلب املدافع واملمانع واالستيالء‬
‫على امللك وانتزاعه من أيدي الدولة يف هذا الطور أسوة قومه يف اكتساب اجملد وجباية املال‬
‫واملدافعة عن احلوزة واحلماية ال ينفرد دوهنم بشيء ألن ذلك هو مقتضى العصبية اليت وقع‬

‫‪ -22‬حسن الساعايت‪ :‬علم االجاي ع اكخلد نا‪ ،‬قواعد اكينهج‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬طبعة‬
‫‪0872‬م‪ ،‬ص‪ 68:‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ -21‬كلثم علي الغامن وآخران‪ :‬دوجز ت ر خ اكفتر االجاي عا‪ ،‬سلسلة علم االجتماع‪ ،‬الكتاب الثاب‪ ،‬األهايل‬
‫للتوزيع‪ ،‬دمشق‪ ،‬سورية‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪2110‬م‪ ،‬ص‪.033:‬‬
‫‪23‬‬
‫سا الغلب وهي تزل بعد حباهلا‪ .‬الطور الثاب طور االستبداد على قومه واالنفراد دوهنم‬
‫بامللك وكبحهم عن التطاول للمسامهة واملشاركة ويكون صاحب الدولة يف هذا الطور معنيا‬
‫باصطناع الرجال واختاذ املواىل والصنائع واالستكثار من ذلك جلدع املوت أهل عصبيته‬
‫وعشريته املقامسني له يف نسبة الضاربني يف امللك مبثل سهمه فهو يدافعهم عن األمر‬
‫ويصدهم عن موارده ويردهم على أعقاسم‪ ،‬أن خيلصوا إليه حىت يقر األمر يف نصابه ويفرد‬
‫أهل بيته مبا يبين من جمده فيعاىن من مدافعتهم ومغالبتهم مثل ما عاناه األولون يف طلب‬
‫األمر أو أشد ألن األولني دافعوا األجانب فكان ظهراؤهم على مدافعتهم أهل العصبية‬
‫بأمجعهم وهذا يدافع األقارب ال يظاهره على مدافعتهم إال األقل من األباعد فريكب صعبا‬
‫من األمر‪ .‬الطور الثالث طور الفراغ والدعة لتحصيل مثرات امللك مما تنزع طباع البشر إليه‬
‫من حتصيل املال وختليد اآلثار وبعد الصيت فيستفرغ وسعه يف اجلباية وضبط الدخل واخلرع‬
‫وإحصاء النفقات والقصد فيها وتشييد املباب احلافلة واملصانع العظيمة واألمصار املتسعة‬
‫واهلياكل املرتفعة وإجازة الوفود من أشراف األمم ووجوه القبائل وبث املعروف يف أهله هذا‬
‫مع التوسعة على صنائعه وحاشيته يف أحواهلم باملال واجلاه واعكاض جنوده وإدرار أرزاقهم‬
‫وإنصافهم يف أعطياهتم لكل هالل حىت يظهر أثر ذلك عليهم يف مالبسهم وشكثهم‬
‫وشاراهتم يوم الزينة فيباهي سم الدول املساملة ويرهب الدول احملاربة وهذا الطور آخر أطوار‬
‫االستبداد من أصحاب الدولة ألهنم يف هذه األطوار كلها مستقلون بةرائهم بانون لعزهم‬
‫موضحون الطرق ملن بعدهم‪ .‬طور القنوع واملساملة ويكون صاحب الدولة يف هذا قانعا مبا‬
‫بىن أولوه سلما ألنظاره من امللوك وأقتاله مقلدا للماضني من سلفه فيتبع آثارهم حذو النعل‬
‫بالنعل ويقتفي طرقهم بأحسن مناهج االقتداء ويرى أن يف اخلروع عن تقليدهم فساد أمره‬
‫وأهنم أبصر مبا بنوا من جمده‪ .‬الطور اخلامس طور اإلسراف والتبذير ويكون صاحب الدولة‬
‫يف هذا الطور متلفا ملا مجع أولوه يف سبيل الشهوات واملالذ والكرم على بطانته ويف جمالسه‬
‫واصطناع أخدان السوء وخضراء الدمن وتقليدهم عظيمات األمور اليت ال يستقلون حبملها‬
‫وال يعرفون ما يأتون منها يذرون منها مستفسدا لكبار األولياء من قومه وصنائع سلفه حىت‬

‫‪24‬‬
‫يضطغنوا عليه ويتخاذلوا عن نصرته مضيعا من جنده مبا أنفق من أعطياهتم يف شهواته‬
‫وحجب عنهم وجه مباشرته وتفقده فيكون خمربا ملا كان سلفه يؤسسون وهادما ملا كانوا‬
‫يبنون ويف هذا الطور حتصل يف الدولة طبيعة اهلرم ويستويل عليها املرض املزمن الذي ال‬
‫تكاد ختلص منه وال يكون هلا معه برء إىل أن تنقرض كما نبينه يف األحوال اليت نسردها‬
‫‪26‬‬
‫واهلل خري الوارثني‪".‬‬
‫وهكذا‪ ،‬يتبني لنا أن ابن خلدون قد وضع األسس األوىل لعلم االجتماع السياسي نظرية‬
‫وتطبيقا وتأمال واستقراء‪ ،‬وإن كانت تصوراته‪ ،‬يف بعض األحيان‪ ،‬الميكن تطبيقها على‬
‫سائر الدول األخرى‪.‬‬
‫الفرع الثاب‪ :‬ماكس فيرب‬
‫يعااد ماااكس فياارب مؤسااس علاام اجتماااع السياسااة‪.‬ومن مث‪ ،‬تعااين السوساايولوجيا السياسااية إمااا‬
‫علم الدولة أو علم السلطة‪.‬بيد أن علم االجتماع السياسي عند مااكس فيارب يقصاد باه علام‬
‫السلطة واحلكومة والوالية والقيادة يف كل اجملتمعات ويف كل اجملموعات البشرية‪ ،‬وليس فقط‬
‫يف اجملتمع القومي‪ .27‬لذا‪ ،‬تنباين السوسايولوجيا السياساية عناد مااكس فيارب علاى جمموعاة مان‬
‫التصورات النظرية اليت ميكن حتديدها يف األفكار التالية‪:‬‬

‫اكفرع األ ل‪ :‬اكينف اكيشر ع أ اكيبرر‬


‫يقصد بالسياسة عند ماكس فيرب الدولة أو التجمع السياسي أو تلك التأثريات الايت متارساها‬
‫الدولااة يف األف اراد أو مااا ميااارس ضاادها ماان تااأثري‪ .‬وماان مث‪ ،‬ياارى فياارب أن الدولااة تتميااز بااالقوة‬
‫والعنااف ومتااارس مااا يساامى مبشااروعية العنااف‪ .‬ويعااين هااذا أن الفاارد لاايس لااه احلااق يف ممارسااة‬
‫العنااف مهمااا كاناات قيمتااه االجتماعيااة‪ ،‬ومكانتااه الوظيفيااة يف اجملتمااع‪ .‬فالدولااة هااي املؤسسااة‬
‫الوحياادة الاايت هلااا احلااق يف ممارسااة العنااف والقااوة باساام القااانون والتش اريع والدسااتور‪ .‬ويكااون‬

‫‪ -26‬ابن خلدون‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.020-021 :‬‬


‫‪ - 27‬موريس دوفرجيه‪ :‬علم اجاي ع اكسي س ‪ ،‬ص‪.20:‬‬
‫‪25‬‬
‫العنف املربر ‪ -‬هنا‪ -‬بالسجن‪ ،‬أو املراقبة أو معاقبة اجملرم‪ ،‬وإصدار اللوائح القانونية اليت جترم‬
‫الفعاال اإلجرامااي الااذي قااام بااه الفاعاال االجتماااعي‪ .‬ويف هااذا السااياق‪ ،‬يقااول ماااكس فياارب‪":‬‬
‫نعااين بكلمااة سياسااة إدارة التجمااع السياسااي الااذي نسااميه اليااوم " دولااة"‪ ،‬أو التااأثري الااذي‬
‫ميارس على هذه اإلدارة‪.‬‬
‫ولكان ماااهو التجمااع السياسااي ماان وجهااة نظاار عااا االجتماااعا ومااا الدولااةا الميكاان تعريااف‬
‫الدولة‪ ،‬من الناحية السوسايولوجية‪ ،‬مبحتاوى ماا تقاوم باه‪ ،‬إذ التوجاد تقريباا أياة مهماة يقام‬
‫سا‪ ،‬يف يوم من األيام‪ ،‬جتمع سياسي ماا؛ ومان جهاة أخارى التوجاد أيضاا مهماات ميكان أن‬
‫نقول عنها بأهنا كانت يف وقات ماا ختاص‪ ،‬علاى األقال بصافة حصارية‪ ،‬التجمعاات السياساية‬
‫الاايت نسااميها اليااوم دوال أو الاايت شااكلت تارخييااا أصااول الدولااة احلديثة‪.‬هااذه األخاارية الميكاان‬
‫تعريفهااا سوساايولوجيا إال بالوساايلة املمياازة اخلاصااة سااا‪ ،‬وأيضااا بكاال جتمااع سياسااي آخاار‪ ،‬أال‬
‫وهااو العنااف الفيزيائي‪.‬قااال تروتسااكي يومااا يف بريساات‪ -‬ليتوفسااك‪ ":‬كاال دولااة تنبااين علااى‬
‫القوة"‪.‬وهااذا أكيااد فعااال‪..‬إن العنااف لاايس بطبيعااة احلااال إال الوساايلة الوحياادة للدولااة‪ ،‬باادون‬
‫شك‪ ،‬ولكنه وسيلتها اخلاصة‪.‬ويف أيامنا هذه تعتارب العالقاة باني الدولاة والعناف عالقاة محيماة‬
‫ج اادا‪.‬كانت التجمع ااات السياس ااية مبختل ااف أنواعه ااا ه ااذه تعت اارب العن ااف الفيزي ااائي الوس اايلة‬
‫العاديااة للساالطة‪ ،‬وعلااى العكااس ماان ذلااك جيااب تصااور الدولااة املعاصاارة مجاعااة إنسااانية يف‬
‫ح اادود جم ااال جغ ارايف حم اادد تطال ااب بنج ااا وملص االحتها اخلاص ااة باحتك ااار العن ااف الفيزي ااائي‬
‫املشروع‪.‬وما هو بالفعل خاص بعصرنا هو أنه اليسمح للتجمعات األخرى أو لألفراد بااحلق‬
‫يف اللجوء إىل العنف إال عندما تسمح بذلك الدولة‪ :‬إذ تصبح هذه األخرية املصدر الوحياد‬
‫‪23‬‬
‫للحق يف العنف‪".‬‬

‫‪28‬‬
‫‪-Max Weber: Le savant et le politique, Plon 10/18, 1979, pp:99-‬‬
‫‪101.‬‬
‫‪26‬‬
‫واليقتصر العنف على الدول الديكتاتورية واملستبدة فحساب‪ ،‬بال متارساها الدولاة الدميقراطياة‬
‫أيضااا‪ ،‬لكاان يف نطاااق قااانوب وشاارعي ودسااتوري؛ إذ ختااول الدولااة ملؤسسااة األماان أن تتاادخل‬
‫حلماية مرافق التجمع السياسي‪.‬‬
‫يف حااني‪ ،‬تاارى جاااكلني روس(‪ )J.Russ‬أنااه الينبغااي للدولااة أن متااارس العنااف‪ ،‬بااأي شااكل‬
‫من األشكال‪ ،‬مهما كان شرعيا أو غري شرعي‪ ،‬بل ينبغاي أن تكاون الدولاة مؤسساة لضامان‬
‫احلري ااات والق اوانني واحلق ااوق‪ ،‬م ااع اإلق ارار بفص اال الس االط‪ ،‬واح اكام حق ااوق اإلنس ااان‪ ،‬ونش اار‬
‫العدالة‪ .‬ويف هذا النطاق‪ ،‬تقول جاكلني روس‪ " :‬إن دولة احلاق التتمثال يف الصاورة القانونياة‬
‫اجملردة فحسب‪ ،‬بل تتمثل فيما يتجسد بقوة يف جمتمعاتنا‪ ،‬ألن القرن العشارين يبلاور حاحهاا‬
‫ويعرب عنه‪..‬إن دولة احلق تاؤدي إىل ممارساة معقلناة لسالطة الدولاة‪ ،‬ممارساة تتشابث بالقاانون‪،‬‬
‫وب اااحكام احلري ااات‪ ،‬كم ااا ت ااؤدي إىل تنظ اايم سياس ااي متا اوازن ينف ااتح عل ااى جم ااال احلري ااات‬
‫العامة‪.‬لكن ماهي دولة احلقا إهنا دولة فيهاا حاق وفيهاا قاانون خيضاعان معاا إىل مبادأ احاكام‬
‫الشخص‪ ،‬وهي صيغة قانونية تضمن احلرياات الفردياة‪ ،‬وتتمساك بالكراماة اإلنساانية‪ ،‬وذلاك‬
‫ضااد كاال أن اواع العنااف والقااوة والتخويااف‪ ....‬إن ساالطة دولااة احل اق تتخااذ مالمااح ثالثااة‪:‬‬
‫القانون‪ ،‬واحلق‪ ،‬وفصل السلط‪ ،‬وتضمن مجيعها احكام الشخص‪ ،‬وتسهر على تأسايس هاذا‬
‫االحكام‪"28 .‬‬
‫وعليااه‪ ،‬فهناااك تصااوران متناقضااان‪ :‬تصااور ماااكس فياارب الااذي ياادافع عاان عنااف الدولااة املااربر‬
‫واملشروع‪ ،‬وتصور جاكلني روس الذي يرفض استعمال العنف‪ ،‬مهما كانت طبيعته وونوعيته‬
‫ومصدره‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫‪-Jacqueline Russ: Les théories du pouvoir, Librairie Générale‬‬
‫‪française, Coll. Poche, 1944, pp:90-94.‬‬
‫‪27‬‬
‫اكفرع اكث نا‪ :‬أشت ل اكسلط اكهيين‬
‫من املعروف أن الدولاة متاارس ضاد مواطنيهاا العناف املشاروع املاربر‪ .‬لاذا‪ ،‬خيضاع النااس لتلاك‬
‫الدولااة وفااق أسااباب داخليااة ثالثااة تااربر تلااك الساايطرة أوتلااك اهليمنااة السياسااية الاايت تفرضااها‬
‫الدولة على مواطنيها‪:‬‬
‫‪ ‬الس اابب األول ه ااو نفـ ــوم اكي ضـ ــا‪ ،‬وحييلن ااا ه ااذا عل ااى الع ااادات والتقالي ااد واألع ا اراف‬
‫والطق ااوس املقدس ااة ال اايت جتع اال الش اايخ أو الس اايد اإلقط اااعي يس اايطر عل ااى الس االطة‪ .‬وهن ااا‪،‬‬
‫نتحدث عن اكسلط اكاقليد ‪.‬‬
‫‪ ‬اكسبب اكث نا هو اكس ر اكشخصا اإلكه د اكخ رق‪.‬وحييلنا هذا علاى الازعيم البطال‬
‫أو الناايب أو القائااد امللهاام أو الاازعيم النقااايب الكبااري أو القيااادي احلاازيب املتميااز واحملنااك‪ .‬وهنااا‪،‬‬
‫نتحدث عن اكسلط اكت ر زدي ‪.‬‬
‫‪ ‬والس اابب الثال ااث ه ااو اال ات ـ ـ د ىكـ ــح اكشـ ــرعي ‪ .‬وحييلن ااا ه ااذا عل ااى الس االطة الش اارعية‬
‫العقالنيااة الاايت تقااوم علااى األسااس التاليااة‪ :‬الليرباليااة‪ ،‬واالنتخاااب‪ ،‬واالسااتحقاق‪ ،‬والعقالنيااة‪،‬‬
‫والش اارعية‪ ،‬والبريوقراطي ااة‪ ،‬واحا اكام األدوار والوظ ااائف‪ ،‬كم ااا يظه اار ذل ااك بين ااا يف اجملتمع ااات‬
‫احلديثة‪.‬‬
‫واآلن‪ ،‬ن ااورد قول ااة م اااكس في اارب ال اايت يوض ااح فيه ااا ه ااذه األفك ااار‪" :‬إن الدول ااة‪ ،‬مث اال ك اال‬
‫التجمعاات السياسااية الايت ساابقتها تارخيياا‪ ،‬تكماان يف عالقاة ساايادة االنساان علااى االنسااان‪،‬‬
‫مبنية علاى وسايلة العناف املشاروع ‪ -‬أي العناف املعتارب شارعيا ‪ ،-‬اذ ال ميكان " للدولاة " أن‬
‫توجاد إال بشارط خضاوع الرجاال املساودين للسالطة الايت يطالاب ساا األساياد‪ ،‬وعنادها تطار‬
‫األسائلة التالياة نفساها علاى بسااط البحاث‪:‬ألي شاروط خيضاعوناوملاذاا وعلاى أياة تربيارات‬
‫داخلية‪ ،‬أو وسائل خارجية تستند هذه السيطرةا‬
‫مبدئيا‪ ،‬هناك ثالثة أسباب داخلية تاربر السايطرة‪ ،‬ومان مث هنااك ثالثاة أساس للشارعية‪ ،‬أوال‪:‬‬
‫نفااوذ " األمااس األزيل "‪ .‬أي‪ :‬نفااوذ التقاليااد املقدسااة بصااالحيتها العريقااة‪ ،‬وبعااادة احكامهااا‬
‫املتجذرة يف االنسان‪ .‬هذه هي " السلطة التقليدية " اليت كان البطريك " الشيخ " أو السيد‬
‫‪28‬‬
‫االقطاااعي ميارساااهنا فيمااا مضااى‪ .‬وبالدرجااة الثانيااة‪ :‬النفااوذ املبااين علااى السااحر الشخصااي‬
‫والفائق لفرد ما‪ ،‬نفوذ حيظاى بثقاتهم بشخصاه نظارا ملاا يتفارد باه مان صافات خارقاة كالبطولاة‬
‫أو مبيزات أخرى مثالية جتعل منه زعيما‪ .‬هذه هي السلطة الكارزمية اليت كاان النايب ميارساها‪،‬‬
‫أو ميارساها ‪ -‬يف اجملااال السياساي ‪ -‬الاازعيم احلازيب املنتخااب أو الادمياغوجي الكبااري أو زعاايم‬
‫حازب سياساي‪ .‬هنااك أخاريا السالطة الثالثاة الايت تفارض نفساها بفضال " الشارعية "‪ ،‬بفضال‬
‫االميااان بصااالحية وضااع شاارعي وكفاااءة اجيابيااة مبنيااة علااى قواعااد عقالنيااة قائمااة‪ .‬وبتعااابري‬
‫أخرى‪ :‬السلطة املبنية على الطاعة اليت تؤدي الواجبات املطابقة للوضع القائم‪.‬‬
‫هاذه هااي السالطة كمااا ميارسااها " خاادم " الدولةاحلديثااة‪ ،‬وكاذلك كاال الااذين ميسااكون بزمااام‬
‫السلطة إىل جانبه"‪.81‬‬
‫ويعين هذا كله أن أمناط األفعال حتيلنا إىل منط آخر من أشكال السلطة واهليمنة السياسية‬
‫اليت تتمثل يف األنواع التالية‪:‬‬
‫‪ ‬اكهيين اكاقليد ‪ :‬تنبين على شرعية احلاكم التقليدي الذي حيكم العادات واألعراف‬
‫والتقاليد أثناء ممارسة سلطته السياسية‪ ،‬مثل‪ :‬السلطة األبوية يف اجملتمعات األبيسية‪ ،‬وسلطة‬
‫األسياد يف اجملتمع اإلقطاعي‪.‬‬
‫‪ ‬اكهيين اكت ر زدي ‪ :‬تنبين على هيبة الشخص احلاكم وصورته وصفاته اخلارقة(نابليون‬
‫واملسيح‪ -‬مثال‪.)-‬‬
‫‪ ‬اكهيين اكشرعي اكق نوني ‪ :‬تتمثل يف مدى احكام احلاكم لسلطة القوانني‪ ،‬ووصوله إىل‬
‫احلكم عن جدارة واستحقاق‪ ،‬مثل‪ :‬السلطة يف التنظيمات السياسية الغربية احلديثة‬
‫واملعاصرة‪.‬‬
‫طبعا‪ ،‬يدافع ماكس فيرب عن الفعل العقالب اهلادف‪ ،‬واهليمنة الشرعية القانونية‪ ،‬ومها أساس‬
‫الليربالية البريوقراطية العاقلة والراشدة‪ .‬ويف هذا الصدد‪ ،‬يقول ماكس فيرب‪ ":‬يتطلع كل علم‬

‫‪ - 81‬ماكس فيرب‪ :‬رجل اكيلم رجل اكسي س ‪ ،‬ترمجة‪ :‬نادر ذكرى‪ ،‬عن الفلسفة احلديثة‪ ،‬لعبد السالم بنعبد‬
‫العايل وحممد سبيال‪ ،‬دار األمان‪ ،‬الرباط‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪0880‬م‪ ،‬ص‪.278:‬‬
‫‪29‬‬
‫إىل احلقيقة‪.‬واحلقيقة اليت يتطلع إليها العلم تكون إما عقالنية ورياضية ومنطقية‪ ،‬وإما‬
‫العقالنية شعورية‪.‬واحلقيقة العقالنية‪ ،‬يف النشاط والفعل‪ ،‬هي‪ ،‬قبل كل شيء‪ ،‬فكرية‬
‫وواضحة ومتام الوضو (‪ .)2= 2+2‬وأما احلقيقة الالعقالنية والشعورية‪ ،‬يف النشاط والفعل‪،‬‬
‫فهي‪ ،‬قبل كل شيء‪ ،‬وجدانية‪...‬‬
‫إن الطريقة العلمية الفعالة لفهم العقالنية السلوك الشعورية‪ ،‬تقوم على اعتبارالالعقالنية‬
‫جمرد احنراف عن عقالنية السلوك اخلالصة‪.‬إن بناء العقالنية اخلالصة ميثل منطا (‪)Type‬‬
‫يوضع بتصرف عا االجتماع‪ ،‬سدف فهم حقيقة النشاط والفعل اجملتمعي الذي تفعل فيه‬
‫العقالنيات من كل األنواع واألشكال‪"80.‬‬
‫وعليه‪ ،‬يرتبط الفعل العقالب بالشرعية القانونية والنظام البريوقراطي‪ .‬وهذه هي األسس‬
‫احلقيقية لليربالية الرأمسالية املتقدمة واملزدهرة حسب ماكس فيرب‪.‬‬

‫وخالصة القول‪ ،‬يتبني لنا‪ ،‬مما سبق ذكره‪ ،‬أن علم االجتماع السياسي هو علم حديث‪،‬‬
‫يتبلور ويتشكل مؤسساتيا إال يف منتصف القرن العشرين‪ .‬وبالتايل‪ ،‬فهو فرع من فروع علم‬
‫االجتماع العام‪ ،‬ويهتم بدراسة الظواهر السياسية يف ضوء املقاربة االجتماعية‪ ،‬بالككيز على‬
‫الدولة أو السلطة أو النظم السياسية‪ ،‬باتباع منهجية الفهم أوالتفسري أوالتأويل‪.‬‬
‫كما يعىن علم االجتماع السياسي بدراسة السلطة وخصائصها وعالقتها بالسيطرة‬
‫واخلضوع؛ مث االهتمام بالدولة من حيث بنيتها‪ ،‬ووظائفها‪ ،‬وعالقتها بالسلطة السياسية؛‬
‫ودراسة النظم السياسية؛ والككيز على التكيف االجتماعي؛ ودراسة العمل اجلماعي‬
‫وجمموعات املصاحل؛ والتوقف عند املشاركة السياسية؛ واألحزاب السياسية؛ واملمثلني‬
‫واحلكام؛ والعمل السياسي‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫‪- Max Weber: Economie et société, introduction de Hinnerk‬‬
‫‪Bruhns, traduction par Catherine Colliot-Thélène et Françoise‬‬
‫‪Laroche, La Découverte, 1998, p:6.‬‬
‫‪30‬‬
‫ويستيعن علم االجتماع السياسي باملناهج الكمية من جهة‪ ،‬واملناهج الكيفية من جهة‬
‫أخرى‪ .‬كما ينبين على خطوات منهجية ثالث تتمثل يف‪ :‬الفهم‪ ،‬والتفسري‪ ،‬والتأويل‪.‬‬
‫وما يهمنا يف علم االجتماع السياسي هو إجياد احللول املناسبة للمشاكل اليت يعانيها‬
‫اجملتمعات اإلنسانية والبشرية اليوم‪ ،‬مثل‪ :‬مشكلة التلوث‪ ،‬ومشكلة احلروب‪ ،‬ومشكلة‬
‫التطرف‪ ،‬ومشكلة اإلرهاب‪ ،‬ومشكلة التمييز العنصري‪ ،‬ومشكلة الفقر‪ ،‬ومشكلة البطالة‪،‬‬
‫ومشكلة األمية‪ ،‬ومشكلة التخلف‪ ،‬ومشكلة االستبداد‪ ...‬وقد صدق حممد فايز عبد‬
‫أسعيد عندما قال‪":‬إن غاية علم االجتماع أن ميكن اإلنسان يوما من السيطرة على القوى‬
‫االجتماعية بدال من أن يكون‪ ،‬كما كان حىت اآلن رازحا حتت عبئها‪.‬وغايته أيضا وبنوع‬
‫خاص‪ ،‬أن يكبح مجاع النزوات اجلماعية اليت كثريا ما تتالعب باإلنسان‪ ،‬كما كبح غريه من‬
‫العلوم مجا الصاعقة وتغلب على اجلاذبية وعلى التيفوس‪.‬هذا ويتبىن علم السياسة وجهات‬
‫نظر علم االجتماع‪ ،‬يف عاملنا احلاضر املهدد بالويالت أكثر من أي زمن مضى‪.‬إن يف‬
‫أوضاع البشر يف القرن العشرين واحلادي والعشرين مشكلة ذات شعبتني‪ :‬مشكلة‬
‫الصراعات وخلفياهتا ومشكلة تزايد عدد السكان‪.‬ومصري البشرية متعلق حبل هاتني‬
‫املشكلتني‪.‬فنىل أين يسري عا اليوم وعا الغدا سؤال حمري‪ ،‬لدى التاريخ واألجيال القادمة‬
‫‪82‬‬
‫اجلواب عليه‪".‬‬

‫‪ - 82‬حممد فايز عبد أسعيد‪ :‬األسس اكنظر كيلم االجاي ع اكسي سا‪ ،‬ص‪.030-031:‬‬
‫‪31‬‬
‫اكفصل اكث كث‪:‬‬

‫علـ ـم االجاي ـ ـ ع اإلداري‬

‫يعد علم االجتماع اإلداري فرعا من فروع علم االجتماع العام‪ .‬ويدرس األنظمة اإلدارية‬
‫اليت ترتكز عليها الدولة أو احلكومة أو السلطة التنفيذية أو الوظيفة العمومية يف أداء‬
‫خدماهتا ومشاريعها وإحازاهتا‪ ،‬وممارسة سلطتها املرفقية‪ ،‬وإصدار القرارات اخلاصة بكل‬
‫واقعة إدارية على حدة‪ .‬ومن هنا‪ ،‬يهتم علم االجتماع اإلداري بدراسة اإلدارة باعتبارها‬
‫فضاء خمتربيا‪ ،‬يشتمل على جمموعة من املوظفني واملديرين ورؤساء اإلدارة‪ ،‬جتمعهم عالقات‬
‫وظيفية خمتلفة‪ ،‬ضمن نسق تراتيب وهريارشي بريوقراطي أو فيودايل أو دميقراطي‪ .‬ويعين هذا‬
‫أن علم االجتماع اإلداري يدرس البريوقراطية‪ ،‬والنخب اإلدارية‪ ،‬والنظم اإلدارية‪ ،‬واحلياة‬
‫الداخلية للوظيفة العمومية‪ ،‬والككيز على السلطة السياسية والقرارات اإلدارية‪...‬‬
‫إذا‪ ،‬ما علم االجتماع اإلداريا وما موضوعها وما تصوره النظري واملنهجيا هذا ما سوف‬
‫نتوقف عنده يف كل مطلب من املطالب التالية‪:‬‬

‫اكيب ث األ ل‪ :‬دفه ــود علــم االجايـ ع اإلداري‬

‫يقصد بعلم االجتماع اإلداري دراسة اإلدارة العمومية يف ضوء رؤية سوسيولوجية‪ ،‬بالككيز‬
‫على بنية اإلدارة واختصاصاهتا ووظائفها ودورها يف اجملتمع من جهة أوىل‪ ،‬ودراسة املوظفني‬
‫يف عالقتهم باإلدارة واجملتمع من جهة ثانية‪ ،‬ودراسة السلطة والقوة اإلدارية من جهة ثالثة‪.‬‬
‫ويعين هذا أن علم االجتماع اإلداري يهتم بالوظيفة العمومية‪ ،‬والقرارات السياسية واإلدارية‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬تعد اإلدارة خمتربا لتحليل جمموعة من الظواهر والقضايا والقرارات اإلدارية اليت‬
‫تتسم بالغىن والثراء وتنوع املضامني‪ ،‬كموضوع اإلدارة‪ ،‬وموضوع الوظيفة العمومية‪،‬‬
‫‪32‬‬
‫والبريوقراطية‪ ،‬والنخب اإلدارية‪ ،‬والكاتبية اإلدارية‪ ،‬واإلدارة املركزية والالمركزية‪ ،‬والسلطة‬
‫اإلدارية‪ ،‬والتقسيم الكايب‪ ،‬والقرارات السياسية‪ ،‬والتدبري اإلداري‪ ،‬وعالقة اإلدارة باجملتمع‪،‬‬
‫واحلكامة اجليدة‪ ،‬واإلدارة الدميقراطية واإلدارة الفيودالية‪ ،‬والصراع اإلداري‪ ،‬واخلدمات‬
‫اإلدارية‪ ،‬واإلدارة بني التسلط واحلرية‪ ،‬واملساواة اإلدارية‪...‬‬

‫اكيب ث اكث نا‪ :‬دنهجي علم االجاي ع اإلداري‬

‫يعتمد علم االجتماع اإلداري على مالحظة الظواهر اإلدارية اليت هلا طابع اجتماعي‪ ،‬أو هلا‬
‫عالقة باجملتمع من حيث التأثري والتأثر‪ .‬وبعد ذلك‪ ،‬تأيت عملية مجيع املعطيات والبيانات‬
‫والوقائع حول الظاهرة اإلدارية وتصنيفها ومنذجتها‪ ،‬وفق حقائق ومؤشرات ومنهجيات‬
‫معينة‪ .‬وميكن للباحث أن يلتجىء إىل التجريب واالستقراء واالستقصاء اجلزئي أو الكلي‪،‬‬
‫بغية معرفة القوانني اليت تتحكم يف اإلدارة بصفة عامة‪ ،‬واإلدارة العمومية بصفة خاصة‪ ،‬بغية‬
‫حتصيل النظريات وجتريدها وتعميمها علميا وكونيا‪ .‬ومن هنا‪ ،‬ميكن اتباع منهجية كمية‬
‫قائمة على اإلحصاء والرياضيات‪ ،‬أو منهجية كيفية قائمة على املقابلة‪ ،‬ودراسة احلالة‪،‬‬
‫ودراسة املضمون‪ ،‬واملعايشة‪ ،‬واملالحظة امليدانية املباشرة‪...‬‬
‫ومن ناحية أخرى‪ ،‬ميكن االستعانة باخلطوات املنهجية املعروفة يف علم االجتماع‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫الفهم الداخلي للظاهرة بوصفها واستقراء دالالهتا ومضامينها اإلدارية واجملتمعية‪ ،‬مث تفسريها‬
‫تفسريا سببيا أو عليا‪ ،‬بنرجاعها إىل عوامل داخلية أو خارجية‪ ،‬مث تأويلها تأويال ذاتيا أو‬
‫مرجعيا أو إيديولوجيا‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬يتخذ علم االجتماع اإلداري طابعا نظريا أو طابعا تطبيقيا فيما يتعلق بالظواهر‬
‫املتعلقة بأخذ القرار السياسي يف جمال اإلدارة‪ ،‬ودراسة حياة الوظيفة العمومية‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫ول علم االجاي ع اإلداري‬ ‫اكيب ث اكث كث‪ :‬تصورات نظر‬

‫مثة جمموعة من التصورات السوسيولوجية حول اإلدارة‪ ،‬ميكن التوقف عند بعضها على‬
‫النحو التايل‪:‬‬

‫اكيطلب األ ل‪ :‬أكتسيس توك ــفيل اإلدارة اكد يقراطي‬

‫يعد الفرنسي ألكسيس توكفيل (‪0318-0311()Alexis de Tocqueville‬م)‬


‫رائدا من رواد سوسيولوجيا اإلدارة حسب راميون بودون(‪)Raymond Boudon‬‬
‫وراميون آرون(‪ )Raymond Aron‬وغوي روشي (‪ .)Guy Rocher‬وأكثر من‬
‫هذا فهو كاتب‪ ،‬ومؤرخ‪ ،‬ورجل سياسية‪ ،‬وفيلسوف سياسي‪ .‬وقد اهتم بتحليل الثورة‬
‫الفرنسية‪ ،88‬ودراسة الدميقراطية األمريكية‪ ،82‬والككيز على تطور الدميقراطيات الغربية بصفة‬
‫عامة‪.81‬‬
‫وعليه‪ ،‬يشيد توكفيل بالنموذع الدميقراطي األمريكي القائم على احلرية واملساواة واالقتصاد‬
‫الليربايل احلر؛ نظرا لوجود ظروف جغرافية وبشرية جيدة‪ ،‬وقوانني مناسبة ومالئمة للحياة‬
‫الفردية واجلماعية‪ ،‬وعقلية اجتماعية ودينية متميزة‪ .‬عالوة على وجود إدارة مؤسساتية‬

‫‪33‬‬
‫‪-Alexis de Tocqueville: L'Ancien Régime et la Révolution. Paris,‬‬
‫‪Garnier-Flammarion, no 500 (édition F. Mélonio).‬‬
‫‪- Alexis de Tocqueville: De la démocratie en Amérique,‬‬
‫‪34‬‬

‫‪Schoenhofs Foreign Books (23 mai 1986), collection "Folio".‬‬


‫‪35‬‬
‫‪-Alexis de Tocqueville: De la démocratie en Amérique,‬‬
‫‪Souvenirs, l'Ancien Régime et la Révolution. Paris, coll.‬‬
‫‪Bouquins, Éditions Robert Laffont, 1986. 1 volume.‬‬
‫‪34‬‬
‫فيدرالية أساسها الالمركزية والالتركيز‪ .‬وقد نتج عن هذا وجود إدارات حملية فرعية يف كل‬
‫والية‪ ،‬تعىن بالشؤون احمللية للمواطنني يف أحسن الظروف املمكنة‪.‬‬
‫كما يتميز الدستور بفصل السلط (التنفيذية‪ ،‬والتشريعية‪ ،‬والقضائية)‪ ،‬واحلد من سلطات‬
‫الرئيس‪ ،‬وعدم تدخل الدولة يف االقتصاد واإلدارة‪ ،‬ووجود أحزاب سياسية حرة‪ ،‬تتناوب‬
‫على السلطة بطريقة دميقراطية‪ ،‬مدافعة عن إيديولوجيا برامجاتية ختدم مصاحل الشعب أو‬
‫األغلبية‪ .‬ومثة احكام كبري للقوانني الفيدرالية والوالئية واحمللية‪ .‬ويعين هذا حرية اإلدارة‪،‬‬
‫واحكام قوانني الوظيفة العمومية وتشريعاهتا‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬يرى توكفيل أن الدميقراطية الفرنسية دون مستوى الدميقراطية األمريكية‬
‫لغياب احلريات اخلاصة والعامة‪ ،‬وانعدام املساواة االجتماعية والثقافية واالقتصادية‪ ،‬ووجود‬
‫إدارة مركزية حمافظة التساير اجملتمع الدميقراطي الذي كان‪ ،‬يف فكة توكفيل‪ ،‬ينبين على قيم‬
‫البورجوازية‪ ،‬وبناء املصانع‪ ،‬وتشغيل العمال‪.‬ويعين هذا غياب القوانني اليت تنسجم مع النهج‬
‫الليربايل الدميقراطي اجملتمعي الذي هنجته البورجوازية الفرنسية‪ ،‬على الرغم من مواطن‬
‫ضعفها‪ .‬ويعين هذا وجود إدارة حمافظة‪ ،‬وجمتمع بورجوازي متقدم‪ .‬إذا‪ ،‬هناك مفارقة صارخة‬
‫وحادة وشائكة على املستوى اإلداري‪.‬‬
‫وبناء على ماسبق‪ ،‬أشاد ألكسيس توكفيل باإلدارة الدميقراطية األمريكية القائمة على احلرية‪،‬‬
‫واملساواة‪ ،‬والعدالة‪ ،‬واإلنصاف‪ ،‬وتطبيق الالمركزية‪ ،‬واحكام الدستور والقوانني‪ ،‬والفصل بني‬
‫السلط‪ ،‬واإلميان حبرية اإلعالم‪ ،‬واحلد من شطط السلطة اإلدارية‪ ،‬وحق املواطن أو املوظف‬
‫يف مقاضاهتا يف حالة املخالفة أو استعمال العنف الرمزي‪ ...‬لذلك‪ ،‬تعترب الدميقراطية‬
‫األمريكية أفضل منوذع ميثل الدميقراطية احلقيقية يف العا ‪ ،‬يف تلك الفكة اليت يتحدث فيها‬
‫توكفيل‪ .‬والسبب يف ذلك أهنا يف خدمة مجيع املواطنني بدون استثناء‪ .‬فضال عن كوهنا‬
‫مرتبطة باحلرية ارتباطا وثيقا‪ ،‬مع غياب لكل احلواجز والعراقيل اإلدارية والبريوقراطية اجلامدة؛‬
‫مما جعل اجملتمع األمريكي يتغري ويتحرك بسرعة‪ .‬فضال عن سعي الدولة دائما إىل حتسني‬
‫مستوى معيشة السكان بشكل جيد‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫وعلى الرغم من ذلك‪ ،‬انتقد توكفيل النظام األمريكي بشكل موضوعي‪ ،‬فحصر سلبياته يف‬
‫املبالغة يف الفردانية اليت قد تسبب مشاكل خطرية هتدد توازن اجملتمع ومتاسكه وانسجامه‪.‬‬
‫مث املبالغة يف احلرية اليت قد تدفع الفرد إىل انتهاك القيم والقواعد واالخالق بدون حسيب‬
‫والرقيب‪.‬لذا‪ ،‬البد من وضع القواعد الرادعة اليت تتحكم يف توجيه احلياة االجتماعية‪،‬‬
‫وااللتزام بالتنظيم االجتماعي‪ .‬ناهيك عن كون هذه الدميقراطية األمريكية التمثيلية خاضعة‬
‫للنخب السياسية والعسكرية واالقتصادية‪ .‬زد على ذلك أن األغلبية هي اليت تتحكم يف‬
‫القرار السياسي أو اإلداري‪ ،‬وتسيري قواعد الدولة الدميقراطية‪ .‬مبعىن أن الرأي العام هو الذي‬
‫يوجه احلياة السياسية واإلدارية األمريكية‪.‬‬
‫وعلى العموم‪ ،‬تعود أسباب حا الدميقراطية األمريكية ‪ -‬حسب توكفيل ‪ -‬إىل العوامل‬
‫اجلغرافية املالئمة (سعة األرض وامتدادها‪ ،‬وتنوع والياهتا ومنظماهتا)‪ ،‬والعوامل الثقافية‬
‫(دولة مجهورية دميقراطية تؤمن باحلرية الدينية والسياسية واالقتصادية)‪ ،‬والعوامل املؤسساتية‬
‫(أمهية اإلدارة الالمركزية يف اختاذ القرار‪ ،‬ووجود اإلدارة الفيدرالية)‪.‬‬
‫وقد متثل توكفيل‪ ،‬على الصعيد املنهجي‪ ،‬آليات البحث امليداب‪ ،‬واالستعانة باملقابلة احلية‬
‫واملباشرة‪ ،‬ومالحظة الظواهر اإلدارية والسياسية واجملتمعية واالقتصادية مالحظة علمية‬
‫منظمة وحمددة بدقة‪ ،‬ساعد على ذلك األسفار والرحالت والزيارات اليت قام سا توكفيل إىل‬
‫الواليات املتحدة‪ .‬عالوة على توظيف تقنية املعايشة املباشرة‪ ،‬ومشاركة املواطنني األمريكيني‬
‫يف حياهتم اإلدارية واجملتمعية‪ ،‬وتوثيق ذلك يف كتبه اليت خصصها للنظام الدميقراطي يف‬
‫الواليات املتحدة األمريكية‪ .‬وقد اعتمد توكفيل أيضا على الدراسة املقارنة بني النظامني‬
‫الفرنسي واألمريكي‪ ،‬ومتثل املنهج الفردي لفهم أفعال اجملموعات انطالقا من أفعال الفرد‬
‫بتفسريها وتأويلها جمتمعيا‪.‬‬
‫وإذا كان توكفيل قد قارب الظواهر السياسية واإلدارية‪ ،‬دون أن يكون على وعي تام‬
‫بالسوسيولوجيا اإلدارية أو السياسية‪ ،‬إال أنه قدم لنا ‪ -‬فعال‪ -‬دراسات سوسيولوجية‬

‫‪36‬‬
‫جملموعة من القضايا اإلدارية والسياسية واجملتمعية‪ ،‬مثل‪ :‬املواطنة‪ ،‬والدميقراطية‪ ،‬واحلريات‬
‫الفردية واجلماعية‪ ،‬واجملتمع املدب‪ ،‬واملساواة‪ ،‬واإلدارة‪...‬‬

‫اكيطلب اكث نا‪ :‬د كس فيب ــر اإلدارة اكبير قراطي‬

‫يعد الفيلسوف األملاب ماكس فيرب (‪ )Max Weber‬من مؤسسي علم اإلدارة احلديثة‪،‬‬
‫وقد حتدث كثريا عن جمموعة من املفاهيم اإلدارية والتنظيمية‪ ،‬مثل‪ :‬السلطة‪ ،‬والشرعية‪،‬‬
‫والبريوقراطية‪ ،‬واهلرمية اإلدارية‪ ،‬ومبدإ الكفاءة‪...‬ومن مث‪ ،‬فقد أدىل بتصورات مهمة حول‬
‫التنظيم واملنظمات‪ .‬وبذلك‪ " ،‬قدم فيرب أول تفسري منهجي لنشأة املنظمات احلديثة‪ .‬فهو‬
‫يعتربها سبيال لتنسيق أنشطة البشر وما ينتجونه من سلع بأسلوب مستقر ومستمر عرب‬
‫الزمان واملكان‪.‬وأكد فيرب أن منو املنظمات يعتمد على السيطرة على املعلومات‪ ،‬وشدد‬
‫على األمهية املركزية للكتابة يف هذه العملية‪ :‬فاملنظمة‪ ،‬يف رأيه‪ ،‬حتتاع إىل تدوين القواعد‬
‫والقوانني اليت تستهدي سا ألداء عملها‪ ،‬مثلما حتتاع إىل ملفات ختتزل فيها ذاكرهتا‪.‬ورأى‬
‫فيرب أن املنظمات تتميز بطبيعتها بنظام تراتيب ومراتيب يف الوقت نفسه مع تركز السلطة يف‬
‫‪86‬‬
‫مستوياته العليا‪".‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬البد من التوقف عند مفهوم إداري مهم‪ ،‬بالشر والتوضيح والتحليل‪ ،‬وهو‬
‫مفهوم البريوقراطية اإلدارية‪ .‬إذا‪ ،‬ما معىن البريوقراطيةا وإىل أي مدى تعد أساس احلداثة‬
‫العقالنيةا وما مظاهر ضعفهاا هذا ماسوف نوضحه يف األسطر التالية‪:‬‬
‫تعااين كلمااة البريوقراطيااة املكتااب أو املااوظفني اجلالسااني إىل مكاااتبهم لتأديااة خاادمات عامااة‪.‬‬
‫ولق ااد ظه اارت البريوقراطي ااة‪ ،‬يف الق اارن الس ااابع عش اار‪ ،‬لت اادل عل ااى املكات ااب احلكومي ااة‪ .‬وق ااد‬

‫‪ - 86‬أنتوب غدنز‪ :‬علم االجاي ع‪ ،‬ترمجة فايز الصياغ‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة‬
‫الرابعة‪2111 ،‬م‪ ،‬ص‪.213:‬‬
‫‪37‬‬
‫استعمل املصطلح من قبل الكاتب الفرنسي د غورنيه سنة ‪0721‬م الذي مجع بني مقطعاني‬
‫مهااا‪ :‬بااريو الااذي يعااين املكتااب‪ ،‬وكراتيااا الااذي يعااين احلكاام‪ .‬وبعااد ذلااك‪ ،‬أطلقاات البريوقراطيااة‬
‫علااى كاال مرافااق الدولااة ماان ماادارس‪ ،‬ومستشاافيات‪ ،‬وجامعااات‪ ،‬ومؤسسااات رمسيااة‪...‬كما‬
‫تدل كلمة البريوقراطية على القوة والسلطة والنفوذ والسايادة‪ .‬وقاد ظهارت البريوقراطياة لتنظايم‬
‫العما اال وتسا ااهيله وال ا اتحكم فيا ااه برجما ااة وختطيطا ااا وتا اادبريا وتوجيها ااا وقيا ااادة وإش ا ارافا وتقوميا ااا‪.‬‬
‫والبريوقراطية نتاع للرأمسالية والعقالنية واحلداثة الغربية‪ ،‬ونتاع لتقسيم العمل وتنظيمه إداريا‪.‬‬
‫وميكن احلديث عن مواقف ثالثة إزاء البريوقراطية‪:‬‬
‫‪ ‬دوقـ ــف س ـ ــلبا‪ :‬مفا اااده أن البريوقراطيا ااة تنظا اايم إداري روتي ا اين ومعقا ااد وبطا اايء يف أداء‬
‫اخلدمات العامة؛ مما دفع بلزاك إىل القول بأن البريوقراطية هي" السالطة الكاربى الايت ميارساها‬
‫األقزام"‪87‬؛‬
‫‪ ‬دوقــف ى ج ـ با‪ :‬ينظاار إىل البريوقراطيااة نظاارة متمياازة‪ ،‬علااى أساااس أهنااا طريقااة يف تنظاايم‬
‫العماال وتاادبريه وفااق خطااة عقالنيااة هادفااة‪.‬وماان مث‪ ،‬فهااي منااوذع للحاارص والدقااة والكفاااءة‬
‫والفعاليا ااة اإلداريا ااة‪ ،‬ما ااادام هنا اااك احتكا ااام إىل التعليما ااات واألواما اار واإلج ا اراءات التنظيميا ااة‬
‫الصارمة‪83‬؛‬
‫اعاـدال‪ :‬وميثلاه مااكس فيارب‪ ،‬إذ ذكار للبريوقراطياة إجيابياهتاا وسالبياهتا يف‬ ‫‪ ‬دوقف سـ‬
‫الوقاات نفسااه‪ .‬ويتخااوف أن حتيااد البريوقراطيااة عاان أهاادافها احلقيقيااة‪ ،‬فتصاابح أساالوبا ملمارسااة‬
‫القوة والتسلط والرقابة‪.‬‬
‫و اليااوم‪ ،‬ينظاار كثااري ماان الناااس إىل البريوقراطيااة نظاارة ساالبية؛ ألهنااا حتياال علااى الاابطء والااروتني‬
‫والفساااد اإلداري‪ ،‬وتعقيااد اإلج اراءات الشااكلية واملساااطر اإلداريااة‪ .‬يف حااني‪ ،‬يعتربهااا ماااكس‬
‫فيرب أساس العقالنية والتقادم واالزدهاار الرأمساايل احلاديث‪ .‬ويعاين هاذا أن مااكس فيارب يادافع‬

‫‪- 87‬أنتوب غيدنز‪ :‬علم االجاي ع‪ ،‬ص‪.218:‬‬


‫‪ - 83‬أنتوب غيدنز‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.218:‬‬
‫‪38‬‬
‫ع اان البريوقراطي ااة ال اايت تق ااوم عل ااى الش اارعية‪ ،‬والعقالني ااة‪ ،‬واحلداث ااة‪ ،‬والكف اااءة املهني ااة واحلرفي ااة‬
‫والعلمية‪.‬‬
‫وعليااه‪ ،‬فقااد وضااع فياارب منوذجااا " حياادد مفهومااا مثاليااا للبريقراطيااة يتفااق مااع التوجهااات الاايت‬
‫كاناات سااائدة يف عصااره‪ ،‬وقااد أصاابح هااذا النظااام ماان أكثاار األنظمااة اإلداريااة الشااائعة بعااد‬
‫الثااورة الصااناعية‪ ،‬فكااان البااد ماان وجااود نظااام إداري يسااتطيع التعاماال مااع التوسااع اهلائاال يف‬
‫اإلنت ا اااع الص ا ااناعي‪ ،‬وم ا ااا ح ا اام عن ا ااه م ا اان تض ا ااخيم يف املؤسس ا ااات االقتص ا ااادية والص ا ااناعية‬
‫واالجتماعيااة‪ ،‬ومااارافق ذلااك ماان تعقيااد يف احلياااة البشارية‪ ،‬وتبااني أناه ماان الصااعوبة مبكااان أن‬
‫يستطيع شخص واحد القيام بأعمال متعاددة ومعقادة يف آن واحاد‪ ،‬وهاذا كاان مان املاربرات‬
‫الاايت دفعاات فياارب إىل البحااث عاان تنظاايم إداري قااادر علااى ضاابط ومراقبااة املهمااات الصااناعية‬
‫املختلفة‪ ،‬فقام بتحديد املهام واألدوار والصالحيات لكل شخص ضمن نظام هرمي‪ ،‬حبياث‬
‫يك اون الفاارد ضاامن هااذا التنظاايم تابعااا ل ارئيس واحااد‪ ،‬ويتبعااه يف الوقاات نفسااه جمموعااة ماان‬
‫املرؤوس ااني‪ ،‬وح اادد في اارب مه ااام وص ااالحيات وأدوار املرؤوس ااني بدق ااة ض اامن ل اوائح وإج اراءات‬
‫وقواع ااد مكتوب ااة‪ ،‬وب ااذلك ت ااتحكم يف س االوك اجلماع ااة البريوقراطي ااة جمموع ااة ضا اوابط مقنن ااة‬
‫‪88‬‬
‫جامدة‪".‬‬
‫وما اان مث‪ ،‬تقا ااوم البريوقراطيا ااة علا ااى العالقا ااات السا االطوية‪ ،‬واح ا اكام جمموعا ااة ما اان اإلج ا اراءات‬
‫والقواعد الرمسية والتنظيمية اليت تتحكم يف العمل‪ ،‬ومراعااة السالم اإلداري‪ ،‬واألخاذ بالكاتبياة‬
‫اإلدارية اهلرمية (اهلريارشية) من الرئيس إىل املرؤوس‪ ،‬أو من القمة إىل القاعادة (البنياة الطويلاة‬
‫أو السااطحية)‪ ،‬أو ماان املركااز إىل غااري املركااز‪ ،‬واالحتكااام إىل اخلااربة والكفاااءة واالسااتحقاق‪،‬‬
‫دون اللجوء إىل العالقات اإلنسانية والشخصية‪ .‬أضف إىل ذلك األخذ باملستويات اإلدارية‬
‫(العليا‪ ،‬والوسطى‪ ،‬والدنيا)‪ ،‬واحكام التسلسل اإلداري‪ ،‬وهاذا كلاه مان أجال خدماة املصالحة‬
‫العامة‪ ،‬وجتويد املنتج‪ ،‬وحتسني األداء وتنظيمه كما وكيفا‪ .‬ويعين هاذا أن البريوقراطياة وجادت‬

‫‪ - 88‬إبراهيم بن عبد العزيز الدعيلج‪ :‬اإلدارة ق ئق تاجدد‪ ،‬مكة املكرمة‪ ،‬اململكة العربية السعودية‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل سنة ‪2102‬م‪ ،‬ص‪.32:‬‬
‫‪39‬‬
‫من أجل" تسريع العمل‪ ،‬وتقليل األخطاء‪ ،‬والدقة يف اإلحاز‪ ،‬واحملافظة على حقاوق املوظاف‬
‫والصاااحل العااام‪ ،‬وليساات بااالعكس‪ ،‬كمااا أصاابح حياادث يف أكثاار األحيااان علااى أرض الواقااع‪،‬‬
‫حبيااث إننااا نالحااظ إف ارازات ساالبية‪ ،‬إساااءات للبريوقراطيااة‪ ،‬واألهاام ماان ذلااك أهنااا أثاارت يف‬
‫الناااس يف ضااوء التعقيااد الااذي يلقونااه‪ .‬وإن ربااط التعقيااد بالقطاااع احلكااومي بشااكل أكاارب ماان‬
‫القطاع اخلاص صاحيح‪ ،‬هاذا واقاع ألن القطااع اخلااص حيارص فياه صااحب املؤسساة اخلاصاة‬
‫عل ااى عمل ااه‪ ،‬ألن ااه حيق ااق ه اادفا رحبي ااا وأحيان ااا س اريعا‪ ،‬وه ااو ح ااارس دائ اام وق اائم عل ااى عمل ااه‬
‫وموظفيااه باااحلوافز وباحلساام إذا احتاااع لااذلك‪ ،‬ولكاان احلااارس اإلداري يف القطاااع احلكااومي‬
‫لديه أولوياات ختتلاف بعاض الشايء‪ ،‬والرقاباة كاذلك ختتلاف بسابب اتسااع القطااع احلكاومي‬
‫وحجمه ومقياس اإلنتاع وربطه باحلوافز‪ ،‬وكما أن التقاومي بشاكل خمطاط وواضاح شابه غائاب‬
‫‪21‬‬
‫يف قطاعنا احلكومي‪".‬‬
‫وعليه‪ ،‬يعد ماكس فيرب رائاد األسالوب البريوقراطاي احلاديث‪ ،‬حياث ربطاه بالسالطة العقالنياة‬
‫الشرعية املنظمة من جهة‪ ،‬واهلريارشاية اهلرمياة مان القماة إىل القاعادة مان جهاة أخارى؛ ملاا هلاا‬
‫من فوائد عملية يف رفع اإلنتاع واملردودية الكمية والكيفية‪ ،‬وحتقيق الفاعلياة‪ ،‬واحاكام اللاوائح‬
‫القانونيااة والتنظيميااة غااري اخلاضااعة ملازاع الارئيس أو املاادبر اإلداري‪ ،‬عااالوة علااى وحاادة األماار‪،‬‬
‫ونطاق اإلشراف‪ ،‬ومبدأ التدرع اهلرمي‪...‬‬
‫واليعين هذا أن البريوقراطية مفهوم حديث العهد‪ ،‬بل عرفته الشعوب القدمية كذلك‪ .‬ويف‬
‫هذا الصدد‪ ،‬يقول أنتوب جيدنز(‪":)A.Giddens‬يعتقد فيرب أن بعض أنواع التنظيم‬
‫البريوقراطي قد نشأت وتطورت يف احلضارات التقليدية القدمية‪ .‬فاملسؤول البريوقراطي يف‬
‫الصني القدمية هو الذي كان يتوىل مسؤولية إدارة شؤون احلكومة‪ ،‬غري أن البريوقراطية‬
‫تتطور وتكتمل إال يف العصور احلديثة باعتبارها تشكل احملور الرئيسي لكشيد وعقلنة‬
‫اجملتمع‪.‬وقد ترك هذا الكشيد وتلك العقلنة آثارمها يف مجيع جوانب احلياة مبا فيها العلوم‬
‫والكبية واحلكم‪.‬وبدال من أن يعتمد الناس على املعتقدات والعادات التقليدية اليت درجوا‬

‫‪ - 21‬إبراهيم بن عبد العزيز الدعيلج‪ :‬اإلدارة ق ئق تاجدد‪ ،‬ص‪.36:‬‬


‫‪40‬‬
‫عليها‪ ،‬فقد بدأ الناس يف العصور احلديثة يتخذون قرارات عقالنية تستهدف حتقيق أهداف‬
‫وأغراض واضحة‪ ،‬وراحوا خيتارون السبل األكثر كفاءة للوصول إىل نتائج حمددة ألنشطتهم‪.‬‬
‫يكن مثة مناص‪ ،‬يف نظر فيرب‪ ،‬من انتشار البريوقراطية يف اجملتمعات احلديثة‪ ،‬فالسلطة‬
‫البريوقراطية هي األسلوب الوحيد للتعامل مع املتطلبات اإلدارية واألنساق االجتماعية‪.‬ومع‬
‫تزايد التعقد يف املهمات والواجبات غدا من الضروري تطوير أنظمة الضبط والسيطرة‬
‫واإلدارة ملعاجلتها‪.‬من هنا‪ ،‬فقد نشأت البريوقراطية باعتبارها االستجابة األرشد واألكفأ‬
‫لتلبية هذه االحتياجات‪.‬غري أن فيرب نبه إىل كثري من جوانب القصور واإلعاقة اليت حيملها‬
‫التنظيم البريوقراطي‪".20‬‬
‫ولتحديد البريوقراطية بشكل دقيق‪ ،‬التجأ ماكس فيرب إىل رسم منوذع مثايل جمرد‪ ،‬حيدد‬
‫مواصفات البريوقراطية األساسية واجلوهرية‪ ،‬ويستجلي مساهتا ومكوناهتا الشكلية يف النقط‬
‫التالية‪:‬‬
‫‪ ‬توز ع اكسلط فا شتل تراتبي هردي ‪ ،‬دراتب اض ‪ .‬ويعين هذا أن اإلدارة عبارة‬
‫عن شجرة مبجموعة من الفروع واملكاتب والرتب‪ .‬ومن مث‪ ،‬فهناك سلطة عليا تقوم مبهمة‬
‫إصدار القرارات واألوامر من القمة العليا إىل القاعدة الدنيا‪ .‬وتكون تلك األوامر عبارة عن‬
‫مهام وأداءات ينبغي تنفيذها من قبل الذين يوجدون يف الرتب الدنيا أو املكاتب الفرعية‪.‬‬
‫وبتعبري آخر‪ ،‬هناك سلطة مركزية تصدر األحكام والقرارات واألوامر والنواهي‪ ،‬وتوزع‬
‫األعمال واملهام على املرؤوسني لتنفيذها بشكل تراتيب وهرمي‪.‬‬
‫‪ ‬يضوع اإلدارة اكبير قراطي كلقوانين اكيتاوب اكايليي ت علح جييع اكيساو ت‬
‫األصيدة‪ .‬مبعىن أن اإلدارة تلتزم وتتقيد مبجموعة من التشريعات والقوانني الداخلية أو‬
‫اخلارجية على مستوى التدبري والتسيري والقيادة واإلشراف؛ مما جيعل هذه اإلدارة تشتغل‬
‫برتابة وروتني وبطء‪ .‬ويستلزم هذا نوعا من املرونة يف التسيري والقيادة وإصدار القرارات‬
‫املناسبة‪.‬‬

‫‪ - 20‬أنطوب غيدنز‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.201-218:‬‬


‫‪41‬‬
‫‪ ‬ييل اكيوظفون فا ىط ر اكبير قراطي بد اد ك دل‪ ،‬دع تق ض أجر تيو ض ت عن‬
‫اكييل‪ .‬ويعين هذا أن املوظف مرتبط بأوقات عمل حمددة قانويا‪.‬مث‪ ،‬حيصل على أجر‬
‫مقابل ذلك العمل‪ .‬ويتحدد األجر أو التعويضات حسب األقدمية أو الكفاءة‬
‫أواالستحقاق‪.‬‬
‫ي ته ي رجي ‪ .‬ويعين هذا أن املسؤول البريوقراطي‬ ‫‪ ‬اكفصل اكا د بين عيل اكيسؤ ل‬
‫يفصل بني العمل وحياته الشخصية‪ ،‬فال ينبغي أن خيلط بينهما‪.‬‬
‫اكي كي‬ ‫‪ ‬ىن اكيوظفين فا اكانظيي ت اكبير قراطي ال يلتون اكيوارد اكي د‬
‫اكيا ‪ ،‬بل جد نه عند اكد ك أ عند د كتا س ئل اإلنا ج‪ .‬ويعين هذا أن" منو‬
‫البريقراطية‪ ،‬على ما يرى فيرب‪ ،‬تفصل بني العاملني من جهة والسيطرة على وسائل اإلنتاع‪.‬‬
‫ففي اجملتمعات التقليدية‪ ،‬يسيطر املزارعون والصناع‪ ،‬يف العادة‪ ،‬على عمليات اإلنتاع‪،‬‬
‫وميتلكون األدوات اليت يستخدموهنا‪.‬أما يف التنظيمات البريوقراطية‪ ،‬فنن املواطنني الميتلكون‬
‫‪22‬‬
‫املكاتب اليت يعملون فيها والمايستخدمونه من معدات وجتهيزات‪".‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬فالبريوقراطية أساس احلداثة املتقدمة‪ ،‬وأساس الدولة املنظمة الراشدة اليت تؤمن‬
‫بالعقالنية‪ .‬وقد " كان فيرب يعتقد أن اقكاب املنظمة من النموذع املثال للبريوقراطية جيعلها‬
‫أكثر كفاءة يف مساعيها للوصول إىل األهداف اليت قامت من أجلها أساسا‪.‬كما أنه كان‬
‫يرى أن البريوقراطية تتفوق من الوجهة الفنية والتقنية على أشكال التنظيم األخرى كافة‪.‬‬
‫وكثريا ما أشار إىل البريوقراطية بوصفها باملاكنة املتقدمة؛ فالبريوقراطية هي اليت ترتقي‬
‫‪28‬‬
‫باملهارات إىل حدودها القصوى‪ ،‬وتشدد على الدقة والسرعة يف إحاز املهمات احملددة‪".‬‬
‫بيد أن النظرية البريوقراطية قد حتد من الطاقات اإلبداعية املوجودة لدى املوظفني‪ ،‬وجتعلهم‬
‫مثل روبوتات آلية‪ ،‬تتحكم فيهم عالقات ميكانيكية من األعلى حنو األسفل‪ .‬كما أن‬
‫العالقات اليت جتمع بني أعضاء التنظيم هي عالقات رمسية وإدارية أكثر مما هي عالقات‬

‫‪ - 22‬أنوتوب غيدنز‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.200-201:‬‬


‫‪ - 28‬أنتوب غيدنز‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.200:‬‬
‫‪42‬‬
‫إنسانية‪ .‬ويعين هذا أن أسلوب البريوقراطية اليراعي اجلوانب النفسية واإلنسانية لدى‬
‫املوظف‪ .‬كما تغيب رو املبادرة يف هذا التصور اإلداري‪ .‬فمن األفضل تطبيق املقاربة‬
‫التشاركية‪ ،‬وحتفيز املوظف ماديا ومعنويا‪ ،‬مث ترقيته على أساس املبادرة والقدرات الكفائية‪،‬‬
‫ومراعاة العالقات اإلنسانية اليت تتحكم يف العمل اإلداري‪ .‬وميكن‪ ،‬أن ينتج عن تعدد‬
‫املكاتب واللجان اإلدارية تعقيد يف املساطر اإلدارية‪ ،‬وتباطؤ يف تنفيذها‪ .‬يف حني‪ ،‬تطالب‬
‫اإلدارة باملرونة واليسر ملنافسة اإلدارات األخرى‪ ،‬والسيما اإلدارة ذات التوجه اخلصوصي‪.‬‬
‫ويف هذا الصدد‪ ،‬يقول أنتوب غيدنز‪ ":‬إن فيرب‪ ،‬يف حتليله للبريوقراطية‪ ،‬قد أوىل اهتمامه‬
‫الرئيسي للعالقات الرمسية اليت حتددها القواعد واألنظمة الداخلية يف املؤسسة‪ ،‬غري أنه‬
‫يتحدث عن الروابط الشخصية والعالقات اليت تدور يف نطاق ضيق بني اجلماعات يف مجيع‬
‫املنظمات‪.‬وتبني لنا من دراسات موسعة األساليب غري الرمسية ألنشطة املنظمات تتيح جماال‬
‫واسعا للمرونة‪ ،‬وتفسح الفرصة لتحقيق غايات املؤسسة بطرائق أخرى‪ .‬ويف مقدمة‬
‫الدراسات املرجعية اليت تناولت العالقات غري الرمسية تلك اليت أجراها بيك بلو‬
‫(‪ )Blau1963‬يف إحدى الدوائر احلكومية املختصة بتقصي املخالفات واالنتهاكات‬
‫لقوانني ضريبة الدخل‪ .‬ففي هذه الدائرة‪ ،‬كان على املوظفني والعاملني أن يناقشوا مثل هذه‬
‫املخالفات أو األمر مع رؤسائهم واملشرفني عليهم ويتجنبوا استشارة زمالئهم الذين مياثلوهنم‬
‫يف املرتبة الوظيفية‪ .‬غري أن هؤالء كانوا يتحاشون الرجوع إىل رؤسائهم يف مثل هذه القضايا‬
‫خشية أن يفسر ذلك باعتباره دليال على عدم كفاءهتم‪ ،‬ويقلل بالتايل من فرص ترقيتهم إىل‬
‫مرتبة أعلى‪ .‬ومن هنا‪ ،‬فقد درجوا على التشاور بني بعضهم البعض وخمالفة التعليمات‬
‫الرمسية سذا الصدد‪ .‬و يقتصر تصرفهم هذا على متكينهم من تقدمي حلول عملية ملموسة‬
‫ومباشرة لتلك القضايا‪ ،‬بل إنه خفف من املخاوف اليت كانت تنتاسم من جراء العمل‬
‫بصورة منفردة ومبعزل عن اآلخرين‪.‬وكان من نتائج ذلك أن نشأت وتعززت فيما بينهم‬
‫منظومة متماسكة من الوالءات على املستوى األويل للجماعات البشرية العاملة يف املرتبة‬
‫الوظيفية نفسها‪ ،‬ورمبا كانت األساليب اليت انتهجها هؤالء يف معاجلة القضايا واملشكالت‬

‫‪43‬‬
‫اليت واجهوها أكثر كفاءة وأسرع إحازا‪.‬فقد استطاعت اجملموعة أن تنمي بني أعضائها‬
‫سلسلة من اإلجراءات غري الرمسية تتفوق على القواعد الرمسية للمنظمة يف إذكاء رو‬
‫‪22‬‬
‫املبادرة واإلحساس باملسؤولية بني العاملني‪".‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬يرى روبرت مريتون(‪ )Robert Merton‬أن البريوقراطية أسلوب‬
‫إداري رتيب ومعيق للتطور واملنافسة والتقدم يف العمل‪ ،‬على أساس أن هذا األسلوب يلحق‬
‫الضرر باملؤسسة عاجال أو آجال‪ .‬ويف هذا‪ ،‬يقول أنتويت غيدنز‪ ":‬ووضع عا االجتماع‬
‫األمريكي روبرت مريتون (‪ 21)Robert Merton1957‬دراسة موسعة عن النموذع‬
‫املثال الذي طرحه فيرب عن املنظمة البريوقراطية‪ .‬وبني هذا الباحث‪ ،‬وهو من كبار الباحثني‬
‫يف املدرسة الوظيفية‪ ،‬أن البريوقراطية تنطوي على كثري من جوانب القصور والعناصر اليت قد‬
‫تفضي إىل إحلاق الضرر حىت يف نشاط املؤسسة نفسها‪.‬ومن مةخذ مريتون على البريوقراطية‬
‫أن موظفيها البريوقراطيني يدربون على االلتزام املتشدد بالقواعد واإلجراءات املكتوبة اليت‬
‫التكك هلم جماال للمرونة يف إصدار األحكام واختاذ القرارات‪ ،‬أو السعي إىل حلول وإجابات‬
‫مبتكرة ملعاجلة القضايا واملشكالت‪ .‬وقد يؤدي ذلك إىل تصلب ما يسمى الطقوس‬
‫البريوقراطية اليت تعلو فيها القواعد والقوانني على كل ماعداها من األمور واحللول احملتملة‪.‬‬
‫كما أن االلتزام املتزمت سذه القواعد رمبا خيفي أو يبدد األهداف الفعلية للمنظمة ويصبح‬
‫غاية حبد ذاته‪ ،‬وحيجب عن البصر الصورة الكلية ألنشطة املؤسسة‪ .‬وتوقع روبرت مريتون‬
‫نشوء حالة من التوتر والتناقض بني املؤسسات البريوقراطية‪ ،‬والسيما احلكومية والعامة منها‬
‫من جهة‪ ،‬ومجاهريها العريضة من جهة أخرى‪ ،‬ألن انشغال املسؤوليسن البريوقراطيني بأداء‬

‫‪ - 22‬أنتوب غيدنز‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.202-200:‬‬


‫‪45‬‬
‫‪- Robert Merton:The Sociology of Science ,Glencoe:free‬‬
‫‪Press,1957.‬‬
‫‪44‬‬
‫مهماهتم وفق الروتني اليومي الذي درجوا عليه قد خيلق فجوة بينهم وبني مصاحل الناس‬
‫‪26‬‬
‫واهتماماهتم واحتياجاهتم الفعلية‪".‬‬
‫ويرى مشيل فوكو (‪ )Michel Foucault‬أن البريوقراطية تعين السيطرة على الزمان‬
‫واملكان‪ .‬وبالتايل‪ ،‬فهي أداة ملراقبة األجساد والتنصت عليها مبختلف الوسائل واألجهزة‪.‬‬
‫واليتعلق هذا بالدول املستبدة فحسب‪ ،‬بل يتعدى ذلك إىل الدول الدميقراطية ككندا مثال‪.‬‬
‫ويرى فوكو اإلدارة رمزا للقوة والسلطة والكاتبية االجتماعية‪ ".‬فاملكاتب والرتب اليت وصفها‬
‫فيرب بصورة جمردة تتخذ هنا أشكاال معمارية‪ ،‬بل إن املباب اليت تضم الشركات الكربى تنظم‬
‫بصورة عامة تنظيما عموديا تكون فيه الطوابق العلوية خمصصة لذوي السلطة والقوة األعلى‬
‫يف املنظمة‪ .‬وكلما اقكب مكتب املوظف من قمة املبىن‪ ،‬ازدادت دالئل اقكابه من عملها‪،‬‬
‫والسيما يف احلاالت اليت يعتمد فيها النسق التنظيمي على العالقات غري الرمسية‪ .‬إن القرب‬
‫الفيزيقي ييسر التفاعل والتواصل ين اجلماعات األولية‪ .‬بينما يؤدي البعد املادي إىل‬
‫استقطاب اجملموعات‪ ،‬ووضع خطوط فاصلة بني " هم" و" حنن"‪ ،‬كما يؤدي إىل التباعد‬
‫بني دوائر املؤسسة وأقسامها‪ .‬التستطيع املنظمات أن تعمل بكفاءة إذا كانت أنشطة‬
‫العاملني فيها متداخلة على حنو عشوائي‪ .‬ففي الشركات التجارية‪ ،‬كما أوضح فيرب‪ ،‬تتوقع‬
‫من الناس أن يعملوا ساعات منتظمة‪ ،‬كما ينبغي التنسيق بني األشطة‪ ،‬من الوجهتني‬
‫الزمانية واملكانية‪ ،‬وذلك ما يتحقق إىل حد بعيد عن طريق التقسيم املادي ألماكن العمل‬
‫من جهة‪ ،‬وتنظيم اجلداول الزمنية ألداء املهمات‪ .‬ومن شأن ذلك‪ ،‬كما يرى فوكو‪ ،‬توزيع‬
‫األجسام؛ أي الناس بطريقة جتتمع فيها الكفاءة والفعالية‪ ،‬وبغري هذه الكتيبات تدخل‬
‫األنشطة اإلنسانية حالة من الفوضى املطبقة‪ .‬إن ترتيبات الغرف والقاعات والفضاءات‬
‫املفتوحة يف املبىن الذي تشغله املنظمة تعطينا مؤشرات أساسية عن األسلوب الذي يعمل به‬
‫نظام السلطة والقوة‪" 27.‬‬

‫‪ - 26‬أنتوب غيدنز‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.202-208:‬‬


‫‪ - 27‬أنتوب غيدنز‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.206:‬‬
‫‪45‬‬
‫وإذا كان األسلوب البريوقراطي يتسم باالستخدام السيء ملعيار التخصص؛ واالستخدام‬
‫السيء لإلجراءات الروتينية؛ واالستخدام اخلاطىء للتسلسل الرئاسي؛ واالستخدام احلريف‬
‫لألنظمة‪ ،‬وااللتزام اجلامد باللوائح والتعليمات‪ ،‬فنن البريوقراطية الفيبريية تتميز مبجموعة من‬
‫املواصفات واملقومات األساسية‪ ،‬مثل‪ :‬العقالنية‪ ،‬والعمل اهلادف‪ ،‬والتخصص‪ ،‬والكاتبية‪،‬‬
‫والتسلسل اإلداري‪ ،‬واملراقبة‪ ،‬والكفاءة‪ ،‬والتحفيز‪ ،‬وتنظيم العمل‪ ،‬واتباع الرمسيات‪ ،‬والاتأثري‬
‫القانوب‪ ،‬ووحدة السلطة والقرار (وحدة األمر)‪ ،‬والسلطة املركزية‪ ،‬ونطاق اإلشراف‪ ،‬ومبدأ‬
‫‪23‬‬
‫التدرع اهلرمي‪..‬‬
‫وعليه‪ ،‬يعد ماكس فيرب من أهم ممثلي املدرسة الكالسيكية يف جمال التدبري‪ ،‬وخاصة ذلك‬
‫االجتاه الذي ركز على السلطة يف جمال اإلدارة واالقتصاد‪ ،‬وتبيان أشكال تنظيمها‪ ،‬إىل‬
‫جانب ميشيل كروزيي)‪ .(Michel Crozier‬بيد أن ماكس فيرب متيز بتقسيم السلطة‬
‫إىل أنواع ثالثة‪ :‬السلطة الكاريزمية اليت تعود إىل شخصية املسؤول اآلسرة اليت جتعل اآلخرين‬
‫يلتزمون بأوامرها اقتناعا وإعجابا؛ والسلطة التقليدية القائمة على األعراف والتقاليد والوراثة؛‬
‫والسلطة الوظيفية الرمسية (البريوقراطية)‪.‬‬

‫‪ - 23‬إبراهيم بن عبد العزيز الدعيلج‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.80-33:‬‬


‫‪46‬‬
‫اكيطلب اكث كث‪ :‬غ ــوي ر شا اإلدارة اكيي صرة‬

‫من أهم علماء االجتماع‬ ‫‪28‬‬


‫يعد الباحث الكندي غوي روشي (‪)Guy Rocher‬‬
‫الذين تعاملوا مع الظواهر اإلدارية ووقائعها يف ضوء مقكب سوسيولوجي‪ ،‬بتقدمي جمموعة‬
‫من املالحظات العلمية والتجريبية حول وظائف اإلدارة العمومية‪ ،‬والبريوقراطية اإلدارية‪،‬‬
‫ومشاكل تطبيق السلطة السياسية‪.‬‬
‫وقد بني الباحث أن اإلدارة‪ ،‬يف الدولة املعاصرة‪ ،‬هلا حياة جمتمعية وقضائية داخلية متميزة‪،‬‬
‫ذات طابع بريوقراطي هرمي أو هريارشي‪ .‬وينتج عن ذلك صراعات سياسية وإدارية هلا‬
‫عالقة وثيقة بالسلطة والنفوذ من جهة‪ ،‬وأخذ القرارات السياسية واإلدارية من جهة أخرى‪.‬‬
‫وأشار الباحث إىل ألكسيس توكفيل (‪ )Alexis de Tocqueville‬الذي يعد‬
‫من الباحثني األوائل الذين درسوا اإلدارة الفرنسية العمومية‪ ،‬بالتوقف عند أدوارها الثابتة‬
‫والديناميكية‪ ،‬من الثورة الفرنسية حىت اجملتمع املعاصر يف القرن التاسع عشر امليالدي‪ .‬كما‬
‫استدعى الباحث سوسيولوجيا إداريا آخر أال وهو ماكس فيرب (‪ )Max Weber‬الذي‬
‫وضع نظرية عامة للبريوقراطية الغربية‪.‬‬
‫ومثة كتابات غربية أخرى اهتمت‪ ،‬بشكل من األشكال‪ ،‬باإلدارة العمومية‪ ،‬حتمل‪ ،‬يف‬
‫طياهتا‪ ،‬مضامني إدارية سوسيولوجية‪ ،‬وهي كتابات بيتا شريف (‪،11)Peta Sheriff‬‬

‫‪49‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪Guy‬‬ ‫‪Rocher: (Le sociologue‬‬ ‫‪et‬‬ ‫‪la‬‬ ‫‪sociologie‬‬
‫‪dans‬‬ ‫‪l’administration‬‬ ‫‪publique‬‬
‫‪et l’exercice du pouvoir politique), Un article publié dans la revue‬‬
‫‪Sociologie et Sociétés, vol. 12, no 2, octobre 1980, pp. 45-65.‬‬
‫‪Montréal: Les Presses de l’Université de Montréal.‬‬
‫‪50‬‬
‫‪- Peta Sheriff, « Sociology of Public Bureaucracies, 1965-1975 », la‬‬
‫‪Sociologie contemporaine, 24, 2, 1976, 175 p.‬‬
‫‪47‬‬
Ralph ( ‫ ورالف ميليباند‬،10)Michel Crozier( ‫وكتابات ميشيل كروزيي‬
John (‫ وجون بورتر‬،18)Ezra N. Suleiman(‫ وإيزرا سليمان‬،12)Miliband
‫ وباتريس جاران‬،11)Robert Presthus( ‫ وروبرت بريستوس‬،12)Porter
‫ ودانييل التوش‬،)Edouard Cloutier(‫ وإدوارد كلوتيي‬،16)Patrice Garant(
‫ وغريها من الكتابات املهمة اليت ركزت على البريوقراطية‬،17)Daniel Latouche(
…‫ واإلدارة يف اجملتمع الرأمسايل‬،‫ واخلدمات اإلدارية‬،‫ والنخبة اإلدارية‬،‫اإلدارية‬

51
- Michel Crozier, le Phénomène bureaucratique, Paris, Seuil,
1963, 413 p.
- Ralph Miliband, The State in Capitalist Society, Londres,
52

Weidenfeld et Nicolson, 1969, 292 p.


53
- Ezra N. Suleiman, Politics, Power, and Bureaucracy in
France: The Administrative Elite, Princeton, Princeton University
Press, 1974, 440 p.
54
- John Porter, The Vertical Mosaic, Toronto, University of
Toronto Press, 1965, 626 p.
55
-Robert Presthus, Elite Accomodation in Canadian Politics,
Toronto, MacMillan of Canada, 1973, 372 p .
56
- Patrice Garant, Essai sur le service public au Québec.
Élaboration d'une théorie générale et d'an droit moderne des
services publics (Droit administratif) an Québec, thèse de
doctorat, miméographiée, 1966, 503 p ; la Fonction publique
canadienne et québécoise, Québec, Les Presses de l'Université
Laval, 1973, 463 p.
57
- Edouard Cloutier et Daniel Latouche (sous la direction de), le
Système politique québécois, Montréal, Hurtubise H.M.H., 1979,
555 p.
48
‫وعليه‪ ،‬فقد توقف غوي روشي عند التدبري اإلداري‪ ،‬وتبيان دور املوظفني يف ذلك‪ ،‬وذكر‬
‫ما ينتظره املواطنون من هؤالء املوظفني اإلداريني‪ ،‬على الرغم من كون هؤالء اإلداريني‬
‫الميلكون احلق‪ ،‬يف كثري من األحيان‪ ،‬يف استصدار القرارات اإلدارية والسياسية‪.‬لذا‪ ،‬يطر‬
‫هذا الواقع قضايا من نوع ختليق اإلدارة‪ ،‬واجلودة‪ ،‬واإلتقان‪ ،‬والكفاءة‪ ،‬واملعاملة احلسنة مع‬
‫املواطنني‪ ،‬وخدمة املصلحة العامة بدل حتقيق املصاحل الشخصية‪ ،‬والتحكم اجليد يف ميزانية‬
‫اإلدارة‪ ،‬وترشيد مواردها املادية واملالية‪.‬‬
‫ويالحظ كذلك أن اإلدارة العمومية قد تتكون من موظفني متخصصني يف جمال اإلدارة‪،‬‬
‫وموظفني غري متخصصني يف هذا اجملال‪ ،‬وخنبة سياسية منتخبة تشرف على تسيري اإلدارة‬
‫وتدبريها‪.‬‬
‫وهناك إشكالية أخرى يف جمال التسيري اإلداري‪ ،‬فهناك تسري إداري حملي وجهوي ومركزي‪.‬‬
‫مبعىن أن مثة عالقة بني املوظف اإلداري واحلكومة التنفيذية‪ ،‬تتم إما يف إطار السياسة‬
‫املركزية‪ ،‬وإما يف إطار السياسة الالمركزية‪ ،‬أو سياسة الالتركيز‪.‬‬
‫ويالحظ غوي روشي أن اإلدارة ليست خاضعة دائما للتنظيم العقالب كما يرى ماكس‬
‫فيرب‪ ،‬بل قد تتضمن بعض املالمح من اجملتمع اإلقطاعي‪ ،‬والسيما يف اجملتمعات غري‬
‫الدميقراطية‪ .‬ويالحظ كذلك أن عالقة املوظف األدىن باملوظف األعلى خاضعة لعالقة‬
‫اهليمنة واخلضوع والتبعية‪ .‬مبعىن أن املدير أو املوظف الكبري يتحكم يف املوظف الصغري‪.‬ومن‬
‫مث‪ ،‬يؤثر حا الرئيس أو فشله يف وضعية املوظف الصغري سلبا أو إجيابيا‪.‬‬
‫أضف إىل ذلك أن كثريا من املوظفني اليستطيعون أن يصلوا إىل مناصب عليا أو مناصب‬
‫القوة والنفوذ والقرارات السياسية واإلدارية‪ ،‬على الرغم من امتالكهم للشهادات والدبلومات‬
‫العالية‪ ،‬وتوفرهم على الكفاءات العليا‪ ،‬باستثناء الذين يتقربون من رؤسائهم بالوالء‪،‬‬
‫واحلسب‪ ،‬والنسب‪ ،‬واملصاهرة‪ ،‬واخلضوع األعمى‪ ...‬فما ميكن أن يصلوا إليه سوى الظفر‬

‫‪49‬‬
‫باملناصب املتوسطة أو القريبة من املناصب العليا‪ .‬ويعين هذا كله غياب الدميقراطية احلقيقية‬
‫يف اإلدارة العمومية‪ ،‬وخضوعها للهريارشية اإلقطاعية واملزاجية والسياسية واحلزبية‪.‬‬
‫ويرى جريي جاكوب (‪ )Jerry Jacobs‬أن النموذع الويربي أو النمط املثايل للبريوقراطية‬
‫عند ماكس ويرب جمرد منوذع خيايل ورمزي‪.‬أما يف الواقع اإلداري‪ ،‬فالبريوقراطية املثالية تتحول‬
‫إىل فيودالية إقطاعية خاضعة لألهواء والوالءات واألمزجة واملصاحل الشخصية‪ ،‬والضغوطات‬
‫السياسية واحلزبية والنقابية ليس إال‪.13‬‬
‫والدليل على فيودالية اإلدارة تقسيمها إىل إدارات مركزية وغري مركزية من جهة أوىل‪ ،‬ووجود‬
‫الدواوين واملفتشيات والكتابات العامة واملديريات واألقسام واملصاحل واملكاتب من جهة‬
‫ثانية‪ ،‬وتنظيم اإلدارة الكابية إىل إدارة مركزية وجهوية وحملية من جهة ثالثة‪ ،‬وتقسيم اإلدارة‬
‫احمللية إىل مقاطعات حضرية وقروية من جهة رابعة‪.‬‬
‫وينتج عن هذا التقسيم اإلداري والتوزيع السياسي صراعات داخلية وخارجية‪ ،‬وتضارب‬
‫للمنافع واملصاحل‪ ،‬واختالف املنطلقات السياسية واإليديولوجية‪ .‬ويعين هذا وجود صراعات‬
‫ترابية وإدارية وتدبريية داخلية وخارجية‪ .‬ومن مث‪ ،‬يقوم كل وزير بندخال تغيريات جزئية أو‬
‫كلية على إدارته‪ ،‬ويطبق سياسات معينة وفق رؤيته احلزبية أو السياسية أو اإلدارية‪ .‬وقد‬
‫يتجاوز هذا الصراع إدارة الوظيفة العمومية إىل إدارات حكومية أخرى‪ ،‬فقد يتدخل الوزير‬
‫األول يف إدارة وزير الوظيفة العمومية‪ ،‬فيفرض عليه جمموعة من القرارات لتنفيذها إداريا‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬ختضع اإلدارة ملنطق الصراع والتنافس واالختالف والتفاوت اهلريارشي‪ .‬وقد يكون‬
‫الصراع بني املوظفني اإلداريني أنفسهم أفقيا وعموديا‪ ،‬أو قد يكون بني املوظفني ورؤساء‬
‫اإلدارة‪ ،‬أو بني املوظفني والوزارة املعنية‪ .‬وقد يكون الصراع بني النظامني اإلداريني‪:‬‬
‫البريوقراطي العقالب واإلقطاعي الروتيين‪ .‬وقد يكون الصراع إجيابيا ومثمرا لصاحل اإلدارة‪،‬‬
‫وقد يكون الصراع سلبيا يعيق تقدم اإلدارة وتطورها‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫‪-Jerry Jacobs, Symbolic Bureaucracy: A Case Study of a Social‬‬
‫‪'Welfare Agency, Social Forces, 47, 4, juin 1969, 413-423.‬‬
‫‪50‬‬
‫أما فيما خيص السلطة اإلدارية‪ ،‬يالحظ أن الدول الليربالية املتقدمة التعطي لإلدارة احلرية‬
‫التامة لتقوم بكل شيء‪ ،‬فسلطتها مقننة بقوانني وتشريعات قضائية ودستورية‪ ،‬بل ميكن‬
‫حماسبة هذه اإلدارة وحماكمتها قضائيا يف احملاكم اإلدارية‪ .‬أي‪ :‬الميكن للدولة أو اإلدارة‬
‫العمومية أن توظف سلطتها بشكل غري مسؤول‪ ،‬وإال اعترب ذلك شططا أو سوء استخدام‬
‫للقوة اإلدارية‪ .‬ومن هنا‪ ،‬ميكن للموظف أن يرفع دعوى ضد إدارته أو إدارة أخرى‬
‫ملقاضاهتا‪ ،‬سدف إلغاء قرار إداري أو حذفه أو تعديله أو إرجائه‪ ،‬أو تغيري وضعيته املادية أو‬
‫املالية أو املعنوية؛ وخاصة إذا كانت تلك الدولة دميقراطية‪ ،‬تؤمن حبقوق اإلنسان اخلاصة‬
‫والعامة‪.‬‬
‫أما الدولة االشكاكية‪ ،‬فاإلدارة العامة هي اليت تتحكم يف الوظيفة العمومية ومرافقها من‬
‫جهة‪ ،‬وتتحكم أيضا يف مصري املوظفني من جهة أخرى‪ ،‬كما هو حال اإلدارة يف االحتاد‬
‫السوفيايت سابقا‪ ،‬والصني االشكاكية‪ ،‬وكمبوديا والفيتنام‪...‬‬
‫ومن مث‪ ،‬تتحول اإلدارة االشكاكية ‪ -‬حسب لوي ألتوسري(‪ )Althusser‬وبوالنتزاس(‬
‫‪ - ) Poulantzas‬إىل وسيلة إيديولوجية الستيالب الناس وختديرهم وتكليسهم‪ ،‬إىل‬
‫جانب اآلليات األخرى‪ ،‬مثل‪ :‬التعليم‪ ،‬واإلعالم‪ ،‬والدين‪ ،‬والكبية‪ ،‬واجليش‪...‬‬
‫ومن ناحية أخرى‪ ،‬يرى غوي روشي أن للدولة املعاصرة حدودا داخلية وخارجية‪ ،‬تتحكم‬
‫فيها على الصعيد اإلداري‪ ،‬الميكن ختطيها أو جتاوزها أو إمهاهلا‪ ،‬مثل‪ :‬الضغوط اخلارجية‪،‬‬
‫وضغوط املعارضة‪ ،‬وضغوط األحزاب السياسية‪ ،‬والنقابات العمالية‪ ،‬واملنظمات غري‬
‫احلكومية‪ ،‬واجملتمع املدب‪ ،‬والنخب مبختلف أطيافها‪.‬‬
‫ويبدو أن الدولة الليربالية املعاصرة تعرف جدال صاخبا على مستوى اإلداري والسياسي‪،‬‬
‫وتعرف أيضا صراعا حادا حول السلطة والنفوذ واملنافع واملصاحل‪ ،‬باختالف الرؤى احلزبية‬
‫واإليديولوجية‪ .‬ومن مث‪ ،‬متيل اإلدارة املعاصرة إىل ترشيد النفقات‪ ،‬واالحتكام إىل جودة‬
‫اخلدمات‪ ،‬واإلتقان يف العمل‪ ،‬والتسريع يف تنفيذ األعمال واملأموريات اإلدارية‪ ،‬والتحكم يف‬

‫‪51‬‬
‫املصاريف‪ ،‬والتقليل من املوارد البشرية‪ ،‬والتكيف مع الظروف اإلدارية والتأقلم معها حسب‬
‫اإلمكانيات املتاحة‪.‬وهذا ما يسمى أيضا باحلكامة اجليدة‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬تقوم اإلدارة بوضع برامج تنموية مستدامة‪ ،‬وخوصصة بعض مرافقها وتفويضها‬
‫إىل مكاتب وشركات خاصة‪ ،‬وتسطري مشاريع هادفة يف جماالت خمتلفة ومتنوعة‪ :‬التعليم‪،‬‬
‫والصحة‪ ،‬والسكن‪ ،‬واالقتصاد‪ ،‬واإلدارة‪ ،‬والرياضة‪ ،‬والسياحة‪ ،‬والثقافة‪...‬والبحث عن‬
‫الكفاءات واملوارد املادية واملالية واملعنوية‪ ،‬واالقتصاد يف النفقات‪ ،‬والدخول يف شراكات‬
‫داخلية وخارجية‪ ،‬وحتفيز املوظفني ماديا وماليا ومعنويا‪ ،‬وخدمة املواطنني بشكل إجيايب‪،‬‬
‫بتوظيف املستجدات التقنية والرقمية‪ .‬ولن يتحقق هذا ‪ -‬فعال‪ -‬إال باملقاربة التشاركية‪،‬‬
‫واملقاربة املندجمة‪ ،‬واملقاربة اإلبداعية‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬ميكن احلديث‪ ،‬ضمن سياق الدول واحلكومات املعاصرة‪ ،‬عن إدارتني‬
‫متناقضتني‪ :‬إدارة حمافظة تكره التغيري والتجديد واإلبداع‪ ،‬وحتتكم إىل القواعد البريوقراطية‬
‫الفيودالية؛ وإدارة مبدعة تؤمن باالبتكار‪ ،‬والتجديد‪ ،‬واإلبداع‪ ،‬والتطوير‪ ،‬وتأخذ باملقاربة‬
‫البريوقراطية العقالنية واملنظمة‪.‬‬
‫ويف األخري‪ ،‬ميكن احلديث عن أنواع عدة من اإلدارة املعاصرة‪ ،‬كاإلدارة احلكومية (اإلدارة‬
‫الوزارية)‪ ،‬واإلدارة الربملانية‪ ،‬واإلدارة احلزبية‪ ،‬واإلدارة النقابية‪ ،‬واإلدارة املركزية‪ ،‬واإلدارة‬
‫اجلهوية‪ ،‬واإلدارة اإلقليمية‪ ،‬واإلدارة احلضرية‪ ،‬واإلدارة القروية‪ ،‬واإلدارة اجلماعاتية‪...‬‬
‫وسذا‪ ،‬يكون غوي روشي قد قدم تصورا سوسيولوجيا عاما لإلدارة أو الوظيفة العمومية يف‬
‫الدولة املعاصرة بسلبياهتا وإجيابياهتا‪ .‬كما وضح لنا أن اإلدارة املعاصرة مازالت تتعامل مع‬
‫شؤون اإلدارة من منطلق بريوقراطي إقطاعي ( فيودايل)‪.‬‬
‫يمص اكقول‪ ،‬يهتم علم االجتماع اإلداري بفهم اإلدارة يف عالقتها باجملتمع‪ ،‬وتفسري‬
‫وقائعها وظواهرها الفردية واجلماعية وتأويلها‪ .‬مبعىن أن هذا العلم فرع من فروع علم‬
‫االجتماع‪ ،‬ينصب اهتمامه‪ ،‬بشكل خاص‪ ،‬على مقاربة الوظيفة العمومية‪ ،‬بندارهتا ومرافقها‬
‫وأدوارها‪ ،‬وفق املقكب السوسيولوجي‪ .‬ومن مث‪ ،‬يتم الككيز على العالقات املوجودة بني‬

‫‪52‬‬
‫املوظف واإلدارة من جهة أوىل‪ ،‬وعالقة املوظف واملواطن من جهة ثانية‪ ،‬والعالقة املوجودة‬
‫بني املوظفني واحلكومة من جهة ثالثة‪.‬‬
‫كما يهتم علم االجتماع اإلداري بوصف احلياة اإلدارية وتفسري ظواهرها ووقائعها‬
‫وتصنيفها وحتليلها أفقيا وعموديا‪ ،‬واستجالء خمتلف القواعد والقوانني اليت تتحكم يف نسق‬
‫اإلدارة وتوجهها‪ ،‬واستقراء خمتلف األدوار والوظائف اليت تؤديها الوظيفة العمومية وإدارهتا‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬يهتم علم االجتماع اإلداري باإلدارة‪ ،‬وبنيتها‪ ،‬وأنواعها‪ ،‬ووظائفها‪ ،‬وتبيان خمتلف‬
‫العالقات اليت تتحكم يف اإلدارة‪ ،‬ودراسة األنظمة اإلدارية اإلقطاعية والبريوقراطية‬
‫والدميقراطية‪ ،‬وحتديد اخلدمات اإلدارية‪ ،‬والسلطة اإلدارية‪ ،‬واهلريارشية اإلدارية‪ ،‬والتنظيم‬
‫اإلداري‪ ،‬والقرارات السياسية واإلدارية‪ ،‬والنخب اإلدارية‪ ،‬وأدوار كل من املوظف والرئيس‬
‫واملسؤول األول عن اإلدارة‪ ،‬ودراسة شطط السلطة اإلدارية‪ ،‬وكيفية مقاضاهتا موضوعا‬
‫وشكال ومسطرة‪.‬‬
‫إذا‪ ،‬يهتم علم االجتماع اإلداري حبل املشاكل االجتماعية اليت تنتج عن اإلدارة‪ ،‬وفهم بنية‬
‫اإلدارة يف عالقة بالسلطة والقرار اإلداريني‪ .‬ومن مث‪ ،‬فمازالت الدراسات السوسيولوجية‪ ،‬يف‬
‫اجملال اإلداري‪ ،‬قليلة جدا‪ ،‬منذ كتابات كل من أليكس توكفيل وماكس فيرب‪ .‬حىت‬
‫الدراسات السوسيولوجية املعاصرة حول البريوقراطية اإلدارية هي أحباث جزئية وشذرات‬
‫مقطعة؛ والسبب يف ذلك صعوبة تناول البريوقراطية العمومية اليت تطر حتديات ثقافية‪.‬‬
‫أضف إىل ذلك ما تطرحه احلياة الداخلية للوظيفة العمومية من مشاكل وحاالت ووضعيات‬
‫صعبة ومعقدة‪ .‬لذلك‪ ،‬كانت هذه الدراسات تكتفي بتحليل ممارسات السلطة السياسية‬
‫واإلدارية‪ .‬ومازالت السوسيولوجيا اإلدارية‪ ،‬إىل يومنا هذا‪ ،‬يف حاجة ماسة إىل أدوات‬
‫منهجية ناجعة ملقاربة الظواهر اإلدارية بشكل دقيق‪ ،‬إما باستخدام املناهج الكمية‪ ،‬وإما‬
‫باستخدام املناهج الكيفية‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫اكفصل اكرابع‪:‬‬

‫علـ ـم االجاـ ـي ع االقاـ ـص دي‬

‫يعد علم االجتماع االقتصادي(‪ )La sociologie économique‬فرعا من‬


‫فروع علم االجتماع العام‪ .‬ويعين هذا التخصص دراسة الظواهر االقتصادية يف ضوء املقكب‬
‫السوسيولوجي‪ ،‬بفهم أشكال االقتصاد وتفسريها‪ ،‬وربط الصلة بني املنافع االقتصادية‬
‫والعالقات االجتماعية‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬فعلم االجتماع االقتصادي هو ذلك العلم الذي‬
‫يعىن بدراسة األنشطة االقتصادية‪ ،‬من إنتاع‪ ،‬وتوزيع‪ ،‬وتبادل‪ ،‬واستهالك‪.‬ومن مث‪،‬‬
‫فالسوسيولوجيا االقتصادية هي دراسة للنظام االقتصادي‪ ،‬يف خمتلف بنياته‪ ،‬وأشكاله‪،‬‬
‫وأنساقه‪ ،‬وأنشطته‪ ،‬ودوراته‪ ،‬ووظائفه‪ ،‬وعالقاته‪ ،‬مع الككيز على األفعال االقتصادية‬
‫العقالنية واهلادفة يف سياقاهتا اجملتمعية‪.‬‬
‫إذا‪ ،‬ما علم االجتماع االقتصاديا وما مواضيعها وما تارخيها وما رواده قدميا وحديثاا وما‬
‫تصوراته النظرية واملنهجيةا‬
‫هذا ماسوف نرصده يف مبحثنا هذا‪ ،‬على أساس أن علم االجتماع االقتصادي هو علم‬
‫مهم‪ ،‬يبحث عن العالقة اليت جتمع بني الظواهر االقتصادية وبنية اجملتمع‪ .‬ويعين هذا أن‬
‫اجملتمع اإلنساب يعرف مشاكل معقدة وعويصة جدا‪ ،‬والميكن معاجلتها أو تشخيصها إال‬
‫يف إطار اقتصادي‪ .‬والعكس صحيح أيضا‪ ،‬فكثري من الظواهر االقتصادية هلا ارتباط وثيق‬
‫باجملتمع من جهة‪ ،‬وبأفعال األفراد واجملتمعات من جهة أخرى‪ .‬ويعين هذا كله أن النشاط‬
‫االقتصادي يقوم به الفرد البشري بتعاون وتضامن وتبادل مع األفراد اآلخرين‪ ،‬ضمن سياق‬
‫جمتمعي معني‪ .‬لذلك‪ ،‬تتخذ الظواهر االقتصادية طابعا اجتماعيا‪ ،‬مادامت ترتبط برغبات‬
‫األفراد وحاجياهتم وحوافزهم وأنشطتهم‪ .‬كما أن االقتصاد يف خدمة توازن اجملتمع ومتاسكه‬
‫وانسجامه ليس إال‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫اكيب ث األ ل‪ :‬تير ف علم االجاي ع االقاص دي‬

‫من املعروف أن علم االقتصاد هو الدراسة العلمية لعمليات اإلنتاع والتوزيع والتبادل‬
‫واالستهالك اليت تتعلق بالسلع واخلدمات لتحقيق الرفاهية واالزدهار لألفراد‪ ،‬وحتسني‬
‫مستوى معيشتهم املادية واملالية واملعنوية‪ .‬وبتعبري آخر‪ ،‬يدرس هذا العلم الدورة االقتصادية‬
‫القائمة على أربع مراحل أساسية هي‪ :‬اإلنتاع‪ ،‬والتوزيع‪ ،‬والتبادل‪ ،‬واالستهالك‪ .‬وقد ارتبط‬
‫هذا العلم أيضا بالدولة‪ .‬لذا‪ ،‬مسي باالقتصاد السياسي إىل درجة يصعب الفصل بني‬
‫االقتصاد والسياسة للعالقة اجلدلية املوجودة بينهما‪.‬‬
‫بيد أن الثروات التقتصر على الدولة فقط‪ ،‬بل هي نتاع جهود األفراد فيما بينهم‪ ،‬داخل‬
‫سياق جمتمعي معني‪ .‬مبعىن أن األفراد هم الذين حيققون الثروة االقتصادية املثمرة‪ ،‬يف إطار‬
‫التعاون والتفاهم والتعاقد والتبادل املشكك‪ .‬ومن مث‪ ،‬يدرس علم االقتصاد األنشطة‬
‫االقتصادية ذات الطابع الفردي واالجتماعي‪ .‬وقد عرف بعضهم علم االقتصاد بأنه "‬
‫دراسة الكيفية اليت عليها ينظم الناس استخدام املوارد إلشباع رغباهتم وحاجاهتم‪ ،‬مبعىن أن‬
‫علم االقتصاد يهتم بدراسة التنظيم االقتصادي‪ ،‬وهذا يتطلب دراسة خمتلف النظم‬
‫‪18‬‬
‫االقتصادية‪ ،‬واملشكالت اليت تواجه كل نظام والطرائق املمكنة حلل هذه املشكالت‪".‬‬
‫إذا‪ ،‬يدرس علم االقتصاد خمتلف النظم االقتصادية اليت تساعد الناس على تلبية حاجياهتم‪،‬‬
‫وإشباع رغباهتم‪ ،‬وحتقيق املنافع واملصاحل‪ ،‬وحتقيق التوازن االقتصادي‪ ،‬واإلشباع املادي‪ .‬ومن‬
‫مث‪ ،‬حياول علم االقتصاد أن يبحث عن التوازن بني املداخيل واملصاريف‪ ،‬ويعاجل املشاكل‬
‫املادية بأحع السبل والطرائق االقتصادية املمكنة واملتاحة‪ ،‬يف إطار ما يسمى باحلكامة‬
‫اجليدة‪ .‬ويعين هذا أن علم االقتصاد يقدم لنا مجيع الوسائل واخلطط لتنظيم حياتنا‬
‫االقتصادية كما وكيفا‪ ،‬وحتقيق انسجامها وتوازهنا ومتاسكها‪ ،‬والسيما أن رغبات اإلنسان‬

‫‪ - 18‬حممد ياسر اخلواجة‪ :‬علم االجاي ع االقاص دي‪ ،‬األهايل للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل ‪0883‬م‪ ،‬ص‪.02:‬‬
‫‪55‬‬
‫وحاجياته كثرية وآمرة وملحة‪ ،‬لكن الوقت والنشاط واملوارد الطبيعية حمدودة‪.‬لذا‪ ،‬ينبغي‬
‫التحكم جيدا يف املوارد املوجودة‪ ،‬وترشيد النفقات واالستهالك‪ .‬كما أن هذا االقتصاد هو‬
‫سبيل لتحقيق الثروة وجتميعها وتكديسها أو استثمارها‪ .‬وقد قال آدم مسيث بأن االقتصاد‬
‫هو علم الثروة‪ .‬وهناك من يقول بأنه علم اإلثراء القائم على اجملهود البشري لبناء ثروة‬
‫األمة‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬فعلم االقتصاد هو الذي يعىن بدراسة النشاط االقتصادي الفردي أو اجلماعي من‬
‫أجل حتقيق املنافع أو املصاحل أو الرفاهية أو الثروة أو التوازن بني املداخيل واملصاريف‪.‬‬
‫وإذا كان علم االقتصاد يهدف إىل وضع قوانني رياضية وإحصائية وعلمية لتحقيق املنفعة‬
‫أو املصلحة أو التوازن االقتصادي أو الرفاهية املادية لألفراد واجلماعات‪ ،‬فنن علم االجتماع‬
‫االقتصادي يهدف إىل حتقيق العدالة اجملتمعية‪ ،‬وحتسني مستوى معيشة األفراد واجملموعات‬
‫داخل نسق جمتمعي معني‪ .‬مبعىن توجيه االقتصاد لتقدم البنيان االجتماعي‪ ،‬وحتقيق توازنه‬
‫وانسجامه وتكامله‪ ،‬أو حتسني األوضاع االقتصادية للمجتمع بأكمله‪ .‬ويف هذا‪ ،‬يقول‬
‫حممد ياسر اخلواجة‪ ":‬وتبدو الصلة أكثر وضوحا بني جمال االقتصاد وجمال االجتماع‪ .‬لكن‬
‫الذي جتدر اإلشارة إليه هنا أن علم االجتماع االقتصادي اليرمي من دراسته إىل الوصول‬
‫إىل قوانني اقتصادية حبتة أو الوصول إىل هذه القوانني بغرض ذايت‪ ،‬وإمنا يهدف إىل االنتفاع‬
‫سا يف االرتقاء باألوضاع والنظم واملستويات االقتصادية‪ ،‬فنذا كان االقتصاد يهتم باملنفعة‪،‬‬
‫فنن علم االجتماع االقتصادي يعىن بالعدالة‪ ،‬وإذا كان االقتصاد يضع القوانني اليت يستند‬
‫إليها النظام االقتصادي‪ ،‬فنن علم االجتماع االقتصادي يستنبط قوانني تقدم البنيان‬
‫االجتماعي من الناحية االقتصادية‪.‬‬
‫أي‪ :‬إن علم االجتماع االقتصادي يستطيع أن يساعدنا على معرفة أي النظم االقتصادية‬
‫ميكن أن تالئم هذا اجملتمع أم ذاك‪ ،‬وما الذي جيب االحتفاظ به‪ ،‬وما الذي جيب استبعاده‬
‫من وسائل النشاط أو االستغالل االقتصادي‪ ،‬ألنه يدرس النشاط االقتصادي بوصفه أحد‬
‫مظاهر النشاط االجتماعي‪ ،‬بل هو أهم ناحية من سلوك األفراد؛ ألنه يتصل بقوام البنيان‬

‫‪56‬‬
‫االجتماعي‪ ،‬وينظر إىل الظاهر نظرته إىل الظواهر االجتماعية التقل شأنا عن الظواهر‬
‫السياسية‪ ،‬والدينية‪ ،‬واألخالقية‪ ،‬واللغوية‪ ،‬وهي كلها ظواهر تنبع من طبيعة احلياة‬
‫االجتماعية‪ ،‬وما ينطوي عليه من تفاعل بني األفراد واحتكاك مشاعرهم‪ ،‬وتقابل رغباهتم‬
‫وخضوعهم لظروف بيئية واجتماعية تصهرهم مجيعا يف بوتقة واحدة‪.‬تتحد آثارها وتتداخل‬
‫‪61‬‬
‫العوامل املؤثرة فيها بالنتائج حبيث يصعب الوقوف عليها‪".‬‬
‫ويعرفه مسيلسر(‪ ،)N.Smelser‬يف كتابه (سوسيوكوجي اك ي ة االقاص د )‪ ،‬بأنه "‬
‫العلم الذي يقوم على تطبيق اإلطار املرجعي لعلم االجتماع ومناذجه التفسريية لدراسة‬
‫وحتليل األنشطة االقتصادية احلديثة اليت تعاجل عمليات اإلنتاع‪ ،‬والتوزيع‪ ،‬والتبادل‪،‬‬
‫واالستهالك للسلع واخلدمات النادرة‪"60.‬‬
‫إذا‪ ،‬فعلم االجتماع االقتصادي هو تطبيق املقاربة السوسيولوجية على الظواهر االقتصادية‬
‫‪ ،62‬أو هو الدراسة السوسيولوجية لالقتصاد‪ .68‬ويقصد بالظواهر االقتصادية العمليات‬
‫األربع‪ :‬اإلنتاع‪ ،‬والتوزيع‪ ،‬والتبادل‪ ،‬واالستهالك‪ ،62‬أو السلوك اإلنساب الذي يوفق بني‬

‫‪ - 61‬حممد ياسر اخلواجة‪ :‬علم االجاي ع االقاص دي‪ ،‬ص‪.06-01:‬‬


‫‪- Smelser,N:The sociology of economic life,prentice,Hall,New‬‬
‫‪61‬‬

‫‪Jerry1976,p:43.‬‬
‫‪62‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪Smelser N. J. et Swedberg R. (eds.), The Handbook of‬‬
‫‪Economic Sociology, Princeton, Russell Sage Foundation, 1994, p:‬‬
‫‪3.‬‬
‫‪63‬‬
‫‪- Swedberg R., 1987, Current Sociology, London, Sage‬‬
‫‪Publication ; trad. franç.1987 ; Une histoire de la sociologie‬‬
‫‪économique, Paris, Desclée de Brouwer,1994,p:221.‬‬
‫‪- Granovetter M,: Analyse économique des conventions, Paris,‬‬
‫‪64‬‬

‫‪PUF,1994,p:81.‬‬
‫‪57‬‬
‫الرغبات الكثرية وندرة املوارد أو حمدوديتها‪ .61‬وقد تعين الظواهر االقتصادية ما يسمى‬
‫بالفعل االقتصادي العقالب واهلادف عند ماكس فيرب (‪ )Max Weber‬أو فيلفريدو‬
‫باريتو )‪.(V.Pareto‬‬
‫إذا‪ ،‬يهتم علم االجتماع االقتصادي بدراسة الظواهر االقتصادية اليت هلا عالقة باجملتمع‪.‬‬
‫أي‪ :‬دراسة النظم االقتصادية‪ ،‬وحتليل وضعيات السوق‪ ،‬ووصف الدورة االقتصادية‪،‬‬
‫والتوقف عند اآلليات اليت تتحكم يف حتديد األمثان‪ ،‬ومناقشة سياسة العرض والطلب‪،‬‬
‫واستكشاف العالقات االجتماعية وصلتها بالعالقات التجارية واالقتصادية‪ ،‬وتناول‬
‫األسواق يف تأرجحها بني الربح والقيم‪...‬‬
‫وهكذا‪ ،‬فعلم االجتماع االقتصادي هو دراسة خمتلف الظواهر االقتصادية املتنوعة يف ضوء‬
‫مسبباهتا االجتماعية ونتائجها‪ ،‬من خالل املزع بني االقتصاد واجملتمع‪ .‬ومن مث‪ ،‬فعلم‬
‫االجتماع االقتصادي عبارة عن مقاربة سوسيولوجية للظواهر االقتصادية‪ ،‬وحتليلها يف ضوء‬
‫مقاربة اقتصادية جزئية أو كلية‪ ،‬بالككيز على البنيات االقتصادية وأدوارها ووظائفها‬
‫ومؤسساهتا‪ ،‬مع تبيان دور اجملتمع وتأثريه يف االقتصاد‪...‬‬

‫اكيب ث اكث نا‪ :‬دواضيع علم االجاي ع االقاص دي‬

‫يدرس علم االجتماع االقتصادي جمموعة من املواضيع املهمة‪ ،‬وميكن حصرها فيما يلي‪:‬‬
‫الدورة االقتصادية (اإلنتاع‪ ،‬والتوزيع‪ ،‬والتبادل‪ ،‬واالستهالك)‪ ،‬واملنفعة االقتصادية‪ ،‬والرفاهية‬
‫االقتصادية‪ ،‬والتوازن أو الالتوازن االقتصادي‪ ،‬والتبادل التجاري‪ ،‬والبؤس االجتماعي‪،‬‬
‫والفقر‪ ،‬والتسول‪ ،‬والثراء‪ ،‬والبطالة‪ ،‬واملساواة أو الالمساواة االجتماعية‪ ،‬والرأمسال‬
‫االقتصادي‪ ،‬والتنمية والتخلف‪ ،‬وامللكية اخلاصة‪ ،‬والعمل‪ ،‬واالستثمار‪ ،‬واألجور‪ ،‬وتوزيع‬

‫‪65‬‬
‫‪- Robbins L.,: An Essay on the Nature and Signification of‬‬
‫‪Economic Science, Londres, Macmillan, 1932, p: 30.‬‬
‫‪58‬‬
‫الدخل‪ ،‬واالقتصاد الكلي‪ ،‬والدخل القومي‪ ،‬ورأس املال‪ ،‬والربح‪ ،‬والريع‪ ،‬ونظرية القيمة‪،‬‬
‫والقروض‪ ،‬والتنافس االقتصادي‪ ،‬وحترير االقتصاد‪ ،‬والتضخم‪ ،‬والتبعية‪ ،‬والعوملة‪ ،‬واإلشباع‬
‫االقتصادي‪ ،‬ونقل التكنولوجيا‪ ،‬واألسواق‪ ،‬واألسهم‪ ،‬والبورصات‪ ،‬واألبناك‪ ،‬والشركات‬
‫متعددة اجلنسيات‪ ،‬واألزمات االقتصادية‪ ،‬واألنشطة االقتصادية‪ ،‬واملؤسسات واملقاوالت‬
‫االقتصادية‪ ،‬والتدبري االقتصادي‪ ،‬واإلفالس‪ ،‬والتجارة‪ ،‬وتقسيم العمل‪ ،‬وعالقة الدين‬
‫باالقتصاد‪ ،‬وعالقة االقتصاد باملشاكل االجتماعية‪ ،‬والتنمية االقتصادية املستدامة‪ ،‬وثورة‬
‫املعلومات‪ ،‬والثورة الرقمية‪ ،‬والتجارة الداخلية واخلارجية‪ ،‬والركود االقتصادي‪ ،‬والوضع‬
‫االقتصادي للرجل واملرأة معا‪ ،‬والضرائب املباشرة وغري املباشرة وأثرها يف االقتصاد واجملتمع‬
‫معا‪ ،‬واالقتصاد اجلزئي والكلي‪ ،‬والنمو الدميغرايف وعالقته باإلنتاع الغذائي والزراعي‪،‬‬
‫وفلسفة النقود‪ ،‬وتراكم رؤوس األموال‪ ،‬واألوراق املالية‪ ،‬وثنائية الطلب والعرض‪،‬‬
‫واخلوصصة‪ ،‬واالقتصاد املوجه‪ ،‬واالقتصاد املنفتح‪ ،‬والفوائد البنكية والربوية‪ ،‬والصراع‬
‫الطبقي‪ ،‬واملشاريع االقتصادية‪ ،‬وكثرة الرغبات واحلاجيات وندرة املوارد‪ ،‬واستغالل الطبيعة‪،‬‬
‫والبريوقراطية‪ ،‬والطبقات الطفيلية‪ ،‬وسوق العمل‪ ،‬والرأمسالية واالشكاكية‪ ،‬واالقتصاد‬
‫السياسي‪ ،‬وقيم التبادل واالستعمال‪ ،‬والتشييء واالغكاب‪ ،‬والتقنية واالستالب‪...‬‬

‫‪59‬‬
‫اكيب ث اكث كث‪ :‬ر اد علم االجاي ع االقاص دي‬

‫ميكن احلديث عن جمموعة من رواد علم االجتماع االقتصادي الذين اهتموا بالظواهر‬
‫االقتصادية قدميا وحديثا‪ ،‬إن على مستوى التنظري‪ ،‬وإن على مستوى التطبيق‪ .‬ومن أهم‬
‫هؤالء نذكر‪ :‬ابن خلدون‪ ،‬وألكسيس توكفيل(‪ ،)Tocqueville‬وآدم مسيث ( ‪Adam‬‬
‫‪ ،)Smith‬ودافيد ريكاردو (‪ ،)David Ricardou‬وكارل ماركس (‪،)K.Marx‬‬
‫وليون والراس (‪ ،)Léon Walras‬وماكس فيرب(‪ ،)Max Weber‬وإميل دروكامي‬
‫(‪ ،)E.Durkheim‬وجوزيف شومبك (‪ ،)Joseph Schumpeter‬وفيلفريدو‬
‫باريتو (‪ ،)Vilfredo Pareto‬وجورع زميل (‪ ،)Georg Simmel‬ومارك‬
‫غرانوفيك(‪ ،)Mark Granovetter‬وهاريسون وايت (‪،)Harrison White‬‬
‫وكارل بوالنيي (‪ ،)Karl Polanyi‬وبيري بورديو (‪ ،)Pierre Bourdieu‬ولوك‬
‫بولتانسكي (‪ ،)Luc Boltanski‬ولوران تيفلو (‪ ،)Laurent Thévenot‬وإيف‬
‫شيابلو (‪ ،)Ève Chiapello‬وألفرد مارشال (‪ ،)Alfred Marshall‬وجون‬
‫كينز(‪ ،)John Maynard Keynes‬وفريد بلوك (‪ ،)Fred L. Block‬وجيمس‬
‫كوملان(‪ ،)James S. Coleman‬وباوال إحالند(‪ ،)Paula England‬وبول‬
‫دمياجيو (‪ ،)Paul DiMaggio‬وجويل بودولين(‪ ،)Joel M. Podolny‬ولينيت‬
‫سبيلمان (‪ ،)Lynette Spillman‬وريشارد سويدبريع ( ‪Richard‬‬
‫‪ ،)Swedberg‬وفيفيانا زيليزير(‪ ،)Viviana Zelizer‬وكارلو ترجييليا ( ‪Carlo‬‬
‫‪ ،)Trigilia‬ولوك بولتانسكي(‪ ،)Luc Boltanski‬ودونال أنغوس‬
‫ماكينزي(‪ ،)Donald Angus MacKenzie‬ولوران تيفنو( ‪Laurent‬‬
‫‪ ،)Thévenot‬وجينس بيكري (‪ ،)Jens Beckert‬وأميتاي إتزيوب( ‪Amitai‬‬
‫‪ ،)Etzioni‬وشاك سابيل(‪ ،)Chuck Sabel‬وفولفغانغ سكيك ( ‪Wolfgang‬‬
‫‪ ،)Streeck‬ومكائيل موصو(‪…)Michael Mousseau‬‬

‫‪60‬‬
‫ومن جهة أخرى هناك دراسات سوسيولوجية ماركسية متميزة‪ ،‬تناولت النظام االقتصادي‬
‫الرأمسايل بالتحليل والنقد والتعرية والفضح‪ ،‬كما حد ذلك واضحا عند كل من‪ :‬جورع‬
‫لوكاش(‪ ،)Georg Lukács‬وتيودور أدورنو(‪ ،)Theodor Adorno‬وماكس‬
‫هوركامير(‪ ،)Max Horkheimer‬ووالك بنجامني (‪،)Walter Benjamin‬‬
‫وغوي دوبور (‪ ،)Guy Debord‬ولوي ألتوسري (‪ ،)Louis Althusser‬ونيكوس‬
‫بوالنتازاس(‪ ،)Nicos Poulantzas‬ورالف ميليباند (‪،)Ralph Miliband‬‬
‫ويورغان هابرماس(‪ ،)Jürgen Habermas‬وراميون ويليام( ‪Raymond‬‬
‫‪ ،)Williams‬وفريدريك جامسون (‪ ،)Fredric Jameson‬وأنتونيو‬
‫نيغري(‪ ،)Antonio Negri‬وستوار هال(‪ ،)Stuart Hall‬وغريهم‪...‬‬
‫ويالحظ أن هؤالء العلماء والباحثني واملفكرين تتحكم فيهم جمموعة من املرجعيات املختلفة‬
‫اليت كانت توجه اهتماماهتم االقتصادية‪ ،‬على الرغم من وجود عالقات متشابكة ومتداخلة‬
‫بني ماهو اقتصادي وماهو اجتماعي وسوسيولوجي‪ ،‬مثل‪ :‬املرجعية السياسية ( توكفيل)‪،‬‬
‫واملرجعية التارخيية والعمرانية (ابن خلدون)‪ ،‬واملرجعية الفلسفية (جورع زميل‪ ،‬وماركس‪،)...‬‬
‫واملرجعية االقتصادية ( أدم مسيث‪ ،‬ودافيد ريكاردو‪ ،‬وجون كينز‪ ،‬وفيلفريد باريتو‪،)...‬‬
‫واملرجعية السوسيولوجية (بيري بورديو)‪ ،‬واملرجعية العلمية أو الوضعية (إميل دوركامي)‪،‬‬
‫واملرجعية املنفتحة واملتنوعة واملتعددة احلقول واملعارف (ماكس فيرب)‪...‬‬

‫‪61‬‬
‫اكيب ث اكرابع‪ :‬ت ر خ علم االجاي ع االقاص دي‬

‫ارتبط علم االقتصاد باإلنسان منذ القدمي‪ .‬لذا‪ ،‬وجدنا اهتمامات وأفكارا اقتصادية نظرية‬
‫وعملية متميزة‪ .‬ويعلم الكل مدى حا السياسة االقتصادية اليت تبناها يوسف عليه السالم‬
‫فيما خيص ادخار احلبوب لسنوات عدة‪ ،‬والتحكم يف عمليات االستهالك والتوزيع‬
‫والتبادل‪ .‬وبعد ذلك‪ ،‬تبلور علم االقتصاد‪ ،‬وأصبحت له قواعد نظرية وتطبيقية وإسكاتيجية‪،‬‬
‫ختضع للرياضيات واإلحصاء واملناهج التجريية والعلمية الدقيقة‪ ،‬بتوظيف كل التقنيات‬
‫املستجدة اليت أتت سا التكنولوجيا احلديثة واملعاصرة‪ .‬ومن مث‪ ،‬فقد انقسم هذا العلم إىل‬
‫مذاهب اقتصادية عاملية (الليربالية واالشكاكية)‪ ،‬وتفرع إىل تصورات نظرية خمتلفة ومتنوعة‬
‫(نظرية كينز مثال)‪ ،‬وإىل أطروحات إيديولوجية متصارعة (االقتصاد االشكاكي املاركسي‬
‫مقابل االقتصاد الليربايل)‪.‬‬
‫وبعد أن تطور علم االقتصاد كثريا‪ ،‬ظهر ختصص جديد‪ ،‬يف منتصف القرن العشرين‪،‬‬
‫يسمى بعلم االجتماع االقتصادي الذي يبحث عن عالقة اجملتمع باالقتصاد‪ ،‬أو دور‬
‫االقتصاد يف حتريك عجلة اجملتمع أو توقيفها أو إعاقة منوها‪ .‬على الرغم من أن هذا‬
‫املصطلح قد ظهر يف القرن التاسع عشر امليالدي‪ ،‬وبالضبط يف سنة ‪0378‬م‪ ،‬واستعمله‬
‫اإلحليزي ويليام ستانلي جوفنز (‪ .)William Stanley Jevons‬وبعد ذلك‪،‬‬
‫استعمل هذا املصطلح يف كتابات إميل دوركامي‪ ،‬وماكس فيرب‪ ،‬وجورع زميل ما بني‬
‫‪0381‬و‪.0821‬‬
‫وقد تأسس هذا العلم يف جامعات الواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬مث انتقل إىل باقي جامعات‬
‫الغرب والشرق بعد ذلك‪ .‬وأصبح علم االجتماع االقتصادي ختصصا علميا جديدا‪ ،‬يتفرع‬
‫عن علم االجتماع العام‪ ،‬ويوظف أدواته وآلياته ومناهجه يف الفهم والتفسري والتأويل‪ .‬ويف‬
‫هذا‪ ،‬يقول حممد ياسر اخلواجة يف كتابه ( علم االجاي ع االقاص دي)‪ " :‬تبلورت اجلهود‬
‫األوىل لنشأة علم االجتماع االقتصادي يف الواليات املتحدة األمريكية مع اهتمامات‬
‫‪62‬‬
‫املدارس السوسيولوجية األمريكية‪ ،‬ومنها مدرسة شيكاغو وهارفارد وغريمها إىل تطوير‬
‫جماالت علم االجتماع االقتصادي‪ ،‬واالستعانة بالعديد من املداخل السوسيولوجية والنماذع‬
‫االقتصادية يف دراسة الظواهر السوسيواقتصادية‪.‬وذلك من منطلق أن النشاط االقتصادي‬
‫كأي نشاط آخر ميثل أحد الظواهر االجتماعية اليت الميكن فهمها وتفسريها تفسريا كامال‬
‫إال يف ضوء التفاعل والتأثري املتبادل بني كل من االقتصاد واجملتمع‪"66.‬‬
‫وبعد ذلك‪ ،‬توسعت مداخل علم االجتماع االقتصادي‪ ،‬وأصبح يعتمد على النظريات‬
‫االقتصادية ومذاهبها لتعميق الصلة بني الظواهر االقتصادية والظواهر اجملتمعية‪ .‬وأصبح هذا‬
‫العلم ختصصا أكادمييا يف شعبة االقتصاد أو علم االجتماع‪ ،‬و يدخل هذا التخصص‬
‫اجلامعات العربية إال يف العقود األخرية من القرن العشرين‪ ،‬ومازالت الدراسات فيه قليلة‬
‫جدا حىت يف بيئته الغربية‪.‬‬
‫و" على الرغم من أن علم االجتماع االقتصادي يعد علما حديث النشأة مبقارنته بعلم‬
‫االقتصاد الذي تطورت أقدامه كعلم موضوعي اكتسب الصيغة العلمية يف وقت كان فيه‬
‫علم االجتماع االقتصادي حياول أن يتحسس طريقه يف دراسة الظواهر االقتصادية بصورة‬
‫علمية ومنهجية من خالل استقطاب جمموعة من علماء االقتصاد يف األصل‪ ،‬ومنهم على‬
‫سبيل املثال ألفرد مارشال‪ ،‬وجون كينز‪ ،‬وفيلفريد باريتو‪ ،‬وجورع زميل حيث وجدوا من علم‬
‫االجتماع االقتصادي نقطة التقاء واقعية للعالقة الوثيقة بني كل من علمي االقتصاد‬
‫واالجتماع‪.‬إال أنه استطاع أن يشق طريقه بنجا كبري لفت أنظار مجيع الدوائر العلمية‬
‫واألكادميية يف كافة العلوم االجتماعية‪ ،‬ويشهد على ذلك مظاهر التطور اليت استطاع هذا‬
‫العلم اجلديد أن حيققها يف جمال حتديد موضوعه‪ ،‬وبلورة قضاياه النظرية‪ ،‬وتنمية منهجه‪،‬‬
‫ومتيز طريقته يف حتليل وتفسري الظواهر السوسيواقتصادية مثل‪ :‬امللكية‪ ،‬واإلنتاع‪ ،‬والعمل‪،‬‬
‫واالستهالك‪ ،‬والتوزيع‪ ،‬واالستثمار‪ ،‬واألجور‪ ،‬والبطالة‪ ،‬والفقر‪ ،‬والتضخم‪ ،‬والتبعية‪ ،‬وقضايا‬
‫املنفعة والرفاهية‪ ،‬واإلشباع االقتصادي‪ ،‬ونقل التكنولوجيا‪ ،‬واألسواق‪ ،‬والشركات متعددة‬

‫‪ - 66‬حممد ياسر اخلواجة‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.7:‬‬


‫‪63‬‬
‫اجلنسيات وغري ذلك من املوضوعات احلديثة املتعددة األخرى‪ .‬ويؤكد ذلك أيضا حرص‬
‫علماء االجتماع االقتصادي على توفري الشروط النظرية واملنهجية هلذا العلم الفرعي‪،‬‬
‫وتثبيت دعائم استقالله املعريف‪ ،‬ومتيزه عن جمموعة النظم الفكرية األخرى السوسيواقتصادية‬
‫بصورة حتليلية وواقعية‪"67.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬أصبح علم االجتماع االقتصادي ختصصا علميا مستقال‪ ،‬الميكن االستغناء عنه يف‬
‫دراسة الظواهر االجتماعية ذات الطبيعة االقتصادية‪.‬وأكثر من هذا فثمة جمموعة من‬
‫القضايا والظواهر االجتماعية اليت الميكن فهمها أو تفسريها أو تأويلها إال بالتوقف عند‬
‫العوامل االقتصادية اليت تكون السبب احلقيقي يف إفراز تلك الظواهر‪ ،‬بشكل من‬
‫األشكال‪.‬‬

‫اكيب ث اكخ دس‪ :‬اكاص ــور اكنظ ــري‬

‫الميكن فهم علم االجتماع االقتصادي واستيعابه إال بالتوقف عند بعض التصورات النظرية‬
‫اليت تندرع ضمن علم االقتصاد من جهة‪ ،‬أو علم االجتماع االقتصادي من جهة أخرى‪.‬‬

‫اكيطلب األ ل‪ :‬ابن يلد ن رائد علم االجاي ع االقاص دي‬

‫يعد ابن خلدون واضع علم االجتماع االقتصادي‪ ،‬حيث توقف‪ ،‬يف كتابه (اكيقدد )‪ ،‬عند‬
‫الكثري من الظواهر االقتصادية بالتحليل واملناقشة والتأمل العقالب والفلسفي‪ ،‬كتناوله للعمل‬
‫الذي جعله سعيا جادا لكسب الرزق‪ ،‬وأن اإلنسان الميكن أن يعيش بدون عمل‪ .‬ومن مث‪،‬‬

‫‪ - 67‬حممد ياسر اخلواجة‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.3-7:‬‬


‫‪64‬‬
‫ترتفع القيمة االقتصادية للمنتج وتنخفض حسب طبيعة العمل من حيث اجلودة والرداءة‪.‬‬
‫كما ينقص العمل ويضيع باهنيار العمران وخرابه‪ .‬ويف هذا‪ ،‬يقول ابن خلدون‪:‬‬
‫" اعلم أن الكسب إمنا يكون بالسعي يف االقتناء والقصد إىل التحصيل‪ ،‬فال بد يف الرزق‬
‫من سعي وعمل ولو يف تناوله وابتغائه من وجوهه‪ .‬قال تعاىل‪ " :‬فابتغوا عند اهلل الرزق "‪.‬‬
‫والسعي إليه إمنا يكون بأقدار اهلل تعاىل وإهلامه‪ ،‬فالكل من عند اهلل‪ .‬فال بد من األعمال‬
‫اإلنسانية يف كل مكسوب ومتمول‪ .‬ألنه إن كان عمال بنفسه مثل الصنائع فظاهر‪ ،‬وإن‬
‫كان مقتىن من احليوان أو النبات أو املعدن فال بد فيه من العمل اإلنساب كما تراه‪ ،‬وإال‬
‫حيصل و يقع به انتفاع‪.‬‬
‫مث إن اهلل تعاىل خلق احلجرين املعدنيني من الذهب والفضة قيمة لكل متمول‪ ،‬ومها الذخرية‬
‫والقنية ألهل العا يف الغالب‪ .‬وإن اقتىن سوامها يف بعض األحيان‪ ،‬فنمنا هو لقصد‬
‫حتصيلهما مبا يقع يف غريمها من حوالة األسواق‪ ،‬اليت مها عنها مبعزل‪ ،‬فهما أصل املكاسب‬
‫والقنية والذخرية‪ .‬وإذا تقرر هذا كله فاعلم أن ما يفيده اإلنسان ويقتنيه من املتموالت‪ ،‬إن‬
‫كان من الصنائع فاملفاد املقتىن منه هو قيمة عمله‪ ،‬وهو القصد بالقنية‪ ،‬إذ ليس هنالك إال‬
‫العمل وليس مبقصود بنفسه للقنية‪ .‬وقد يكون مع الصنائع يف بعضها غريها‪ .‬مثل النجارة‬
‫واحلياكة معهما اخلشب والغزل‪ ،‬إال أن العمل فيهما أكثر‪ ،‬فقيمته أكثر‪ .‬وإن كان من غري‬
‫الصنائع‪ ،‬فال بد يف قيمة ذلك املفاد والقنية من دخول قيمة العمل الذي حصلت به‪ ،‬إذ‬
‫لوال العمل حتصل قنيتها‪ .‬وقد تكون مالحظة العمل ظاهرة يف الكثري منها فتجعل له‬
‫حصة من القيمة عظمت أو صغرت‪ .‬وقد ختفى مالحظة العمل كما يف أسعار األقوات بني‬
‫الناس‪ ،‬فنن اعتبار األعمال والنفقات فيها مالحظ و أسعار احلبوب كما قدمناه‪ ،‬لكنه‬
‫خفي يف األقطار اليت عالع الفلح فيها ومؤونته يسرية‪ ،‬فال يشعر به إال القليل من أهل‬
‫الفلح‪ .‬فقد تبني أن املفادات واملكتسبات كلها أو أكثرها إمنا هي قيم األعمال اإلنسانية‪،‬‬
‫وتبني مسمى الرزق‪ ،‬وأنه املنتفع به‪ .‬فقد بان معىن الكسب والرزق وشر مسمامها‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫واعلم أنه إذا فقدت األعمال‪ ،‬أو قلت بانتقاص العمران‪ ،‬تأذن اهلل برفع الكسب‪.‬‬
‫أال ترى إىل األمصار القليلة الساكن‪ ،‬كيف يقل الرزق والكسب فيها‪ ،‬أو يفقد‪ ،‬لقلة‬
‫األعمال اإلنسانية‪ .‬وكذلك األمصار اليت يكون عمراهنا أكثر‪ ،‬يكون أهلها أوسع أحواال‬
‫وأشد رفاهية كما قدمناه قبل‪ .‬ومن هذا الباب تقول العامة يف البالد‪ ،‬إذا تناقص عمراهنا‬
‫إهنا قد ذهب رزقها‪ ،‬حىت أن األهنار والعيون ينقطع جريها يف القفر‪ ،‬ملا أن فور العيون إمنا‬
‫يكون باإلنباط واالمكاء الذي هو بالعمل اإلنساب‪ ،‬كاحلال يف ضروع األنعام‪ ،‬فما يكن‬
‫إنباط وال امكاء نضبت وغارت باجلملة‪ ،‬كما جيف الضرع إذا ترك امكاؤه‪ .‬وانظره يف البالد‬
‫اليت تعهد فيها العيون أليام عمراهنا‪ ،‬مث يأيت عليها اخلراب كيف تغور مياهها مجلة كأهنا‬
‫تكن‪ " .‬واهلل يقدر الليل والنهار‪" 63.‬‬
‫وبعد ذلك‪ ،‬فقد بني ابن خلدون أنواع العمل‪ ،‬فحصرها يف الكسب‪ ،‬والفالحة‪ ،‬والصناعة‪،‬‬
‫والتجارة‪ ،‬والصيد‪ ،‬واألنشطة االقتصادية‪ ،‬وحتصيل الضريبة‪ .‬ويف هذا‪ ،‬يقول ابن خلدون‪":‬‬
‫اعلم أن املعاش هو عبارة عن ابتغاء الرزق والسعي يف حتصيله‪ ،‬وهو مفعل من العيش‪ .‬كأنه‬
‫ملا كان العيش الذي هو احلياة ال حيصل إال سذه‪ ،‬جعلت موضعا له على طريق املبالغة‪ .‬مث‬
‫إن حتصيل الرزق وكسبه‪ :‬إما أن يكون بأخذه من يد الغري وانتزاعه باالقتدار عليه‪ ،‬على‬
‫قانون متعارف‪ ،‬ويسمى مغرما وجباية‪ ،‬وإما أن يكون من احليوان الوحشي باقتناصه وأخذه‬
‫برميه من الرب أو البحر‪ ،‬ويسمى اصطيادا‪ ،‬وإما أن يكون من احليوان الداجن باستخراع‬
‫فضوله املتصرفة بني الناس يف منافعهم‪ ،‬كاللنب من األنعام‪ ،‬واحلرير من دوده‪ ،‬والعسل من‬
‫حنله‪ ،‬أو يكون من النبات يف الزرع والشجر بالقيام عليه وإعداده الستخراع مثرته‪ .‬ويسمى‬
‫هذا كله فلحا ‪.‬وإما أن يكون الكسب من األعمال اإلنسانية‪ :‬إما يف مواد بعينها‪ ،‬وتسمى‬
‫الصنائع من كتابة وجتارة وخياطة وحياكة وفروسية وأمثال ذلك‪ ،‬أو يف مواد غري معينة‪ ،‬وهي‬

‫‪ - 63‬ابن خلدون‪ :‬دقدد ابن يلد ن‪ ،‬دار ابن اهليثم‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬الطبعة األوىل ‪2111‬م‪ ،‬ص‪.818:‬‬
‫‪66‬‬
‫مجيع االمتهانات والتصرفات‪ ،‬وإما أن يكون الكسب من البضائع وإعدادها لألعواض‪ ،‬إما‬
‫‪68‬‬
‫بالتقلب سا يف البالد أو احتكارها وارتقاب حوالة األسواق فيها‪ .‬ويسمى هذا جتارة‪".‬‬
‫ويعين هذا أن ابن خلدون قد تناول جمموعة من القضايا االقتصادية املهمة‪ ،‬مثل‪ :‬أمهية‬
‫العمل وقدسيته‪ ،‬وتقسيم العمل‪ ،‬ونظرية القيمة‪ ،‬والتجارة‪ ،‬والتنمية االقتصادية‪ .‬بيد أن ابن‬
‫خلدون كان يدرس هذه الظواهر االقتصادية يف عالقة بعلم العمران أو علم االجتماع‬
‫باملفهوم احلديث‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬يثبت ابن خلدون أن العمل هو مصدرالثروة واإلثراء‪ ،‬وحتصيل الرفاهية‪،‬‬
‫وحتقيق اجلاه‪ .‬ومن مث‪ ،‬تتعدد الطبقات االجتماعية ‪ -‬حبسب العمل واجلاه واحلظوة‪ -‬من‬
‫األسفل إىل أعلى طبقة هي طبقة امللوك‪ .‬بل ميكن القول بأن املال هو السبيل لتملك القوة‬
‫والسلطة والنفوذ‪ ،‬والوصول بسرعة إىل احلكم‪ .‬ويف هذا السياق‪ ،‬يقول ابن خلدون‪ ":‬إننا‬
‫حد أن صاحب اجلاه واحلظوة يف مجيع أصناف املعاش أكثر يسارا وثروة من فاقد اجلاه‪.‬‬
‫تقرب سا إليه يف سبيل التزلُّف‬ ‫خمدوم باألعمال يُ َّ‬
‫والسبب يف ذلك أن صاحب اجلاه ُ‬
‫واحلاجة إىل جاهه‪ ،‬فالناس ُمعينون له بأعماهلم يف مجيع حاجاته من ضروري أو حاجي أو‬
‫كمايل‪ .‬فتحصل قيم تلك األعمال كلها من كسبه‪ .‬ومجيع ما شأنه أن تبذل فيه األعواض‬
‫من العمل يستعمل فيها الناس من غري عوض‪ ،‬فتتوافر قيم تلك األعمال عليه‪ .‬فهو بني‬
‫قيم لألعمال يكتسبها‪ ،‬وقيم أخرى تدعوه الضرورة إىل إخراجها فتتوافر عليه‪ ،‬واألعمال‬
‫لصاحب اجلاه كثرية فتُفيد الغين ألقرب وقت ويزداد مع األيام يسارا وثروة ‪.‬وهلذا املعىن‬
‫كانت اإلمارة أحد أسباب املعاش كما قدمناه"‪ .‬واملقصود باجلاه هنا هو "القدرة احلاملة‬
‫للبشر على التصرف فيمن حتت أيديهم من أبناء جنسهم باإلذن واملنع والتسلط بالقهر‬
‫والغلبة"‪" .‬مث إن هذا اجلاه متوزع يف الناس ومكتب فيهم طبقة بعد طبقة‪ :‬ينتهي يف العلو‬
‫ضرا وال نفعا بني أبناء‬
‫إىل امللوك الذين ليس فوقهم يد عالية‪ ،‬ويف السفل إىل من ليس ميلك ّ‬
‫جنسه"‪ .‬على أن املال الذي حيصل لصاحب اجلاه‪ ،‬ليس مصدره‪ :‬التقرب إليه فقط‪ ،‬بل إن‬

‫‪ - 68‬ابن خلدون‪ :‬دقدد ابن يلد ن‪ ،‬ص‪.801:‬‬


‫‪67‬‬
‫أهم مصدر له هو استعمال السلطة والقهر يف مجع األموال مبختلف التحايالت‪ :‬الضرائب‪،‬‬
‫املغارم‪ ،‬اجلبايات‪ ،‬املصادرات بأنواعها املختلفة‪ ،‬واليت تشتد وطأهتا على الطبقات احملكومة‬
‫فاقدة اجلاه‪ ،‬كما سيبني فيما بعد ‪".71‬‬
‫يتبني لنا أن ابن خلدون كان سباقا إىل وضع اللبنات األوىل لعلم االجتماع االقتصادي‬
‫تصورا ونظرية واستقراء‪ .‬ويف هذا الصدد‪ ،‬يقول حممد ياسر اخلواجة‪":‬يتضح لنا مدى حس‬
‫ابن خلدون االقتصادي املرهف‪ ،‬للعديد من الظواهر والقضايا االقتصادية فكما يقول أحد‬
‫الباحثني أنه قد مارس حسا اقتصاديا كثريا‪ ،‬فيوجد لديه فكر واضح جدا عن تكوين القيم‪،‬‬
‫وعمل العرض والطلب‪ ،‬وقد خصص فصال لقيم األقوات والسلع يف املدن‪ ،‬كما تناول‬
‫بالبحث أيضا تأثري احلوادث السياسية يف احلياة االقتصادية‪.‬‬
‫كما كانت تصورات ابن خلدون االقتصادية‪ ،‬وخاصة تأكيده على أمهية االقتصاد احلر‪،‬‬
‫وعدم تدخل الدولة يف الشؤون االقتصادية إال من بعض اجملاالت اهلامة مثل الدفاع‪،‬‬
‫والدبلوماسية‪ ،‬والتمويل العام‪ ،‬واإلسكان‪ ،‬السبق العلمي املتميز والواقعي لكثري من رواد‬
‫علماء االقتصاد‪ ،‬وخاصة املفكر االقتصادي املعروف آدم سيمث‪ ،‬كما جاءت حتليالت‬
‫ابن خلدون معربة عن الواقع االجتماعي واالقتصادي والسياسي الذي عايشه وشاهده ابن‬
‫خلدون يف الدولة اإلسالمية من خالل االستخدام املميز ألسلوب الوصف والتحليل املقارن‬
‫عن الواقع امللموس‪ ،‬وهذا ما جعله موضوع اهتمام العديد من الباحثني والعلماء من‬
‫اجملتمعات الغربية والعربية على حد سواء‪ ،‬لذلك يعد ابن خدلون من أهم العلماء الذين‬
‫‪70‬‬
‫أرسوا دعائم أسس علم االجتماع االقتصادي‪".‬‬
‫فعال‪ ،‬لقد كان ابن خلدون سباقا إىل إرساء دعائم علم االجتماع االقتصادي‪ ،‬بل سبق‬
‫كذلك كارل ماركس إىل حتليل التفاوت الطبقي يف ضوء الرؤية االقتصادية املادية‪.‬‬

‫‪ - 71‬ابن خلدون‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.801:‬‬


‫‪ - 70‬حممد ياسر اخلواجة‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.88:‬‬
‫‪68‬‬
‫اكيطلب اكث نا‪ :‬آدد سييث تأسيس علم االقاص د اكسي سا‬

‫يعد آدم مسيث(‪ )0780-0728( )Adam Smith‬فيلسوفا بريطانيا‪ ،‬ورجل اقتصاد‬


‫ينتمي إىل عصر األنوار‪.‬ويعد أب العلوم االقتصادية احلديثة‪ ،‬كما يدل على ذلك كتابه‬
‫(ثر ة األدم) الذي يعد من أهم النصوص اليت تعكس توجهات الليربالية االقتصادية‪.‬‬
‫ويعترب كذلك آدم مسيث أبا حقيقيا لعلم االقتصاد السياسي‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬يعد مسيث من أهم الدعاة إىل احلرية االقتصادية(دعه مير‪ ،‬دعه يعمل)‪ ،‬على أساس‬
‫أن الدولة الينبغي أن تتدخل يف شؤون احلياة االقتصادية‪ ،‬كما كان األمر يف مرحلة املذهب‬
‫التجاري‪ ،‬بل عليها أن تكتفي خبدمة املواطنني يف خمتلف اجملاالت‪ ،‬مثل‪ :‬التعليم‪ ،‬والصحة‪،‬‬
‫وبناء الطرق‪ ،‬وحتقيق األمن الداخلي‪ ،‬وتويل مهمة الدفاع اخلارجي‪.‬‬
‫ويرى آدم مسيث أن اإلنسان تواق إىل احلرية‪ ،‬والعمل‪ ،‬وحتقيق الثراء‪ ،‬واإلحساس بالتوافق‪،‬‬
‫وامليل إىل املقايضة والتبادل‪ .72‬كما أن الدولة عاجزة عن حتقيق الرفاهية االقتصادية كما هو‬
‫حال النظام الطبيعي‪.‬فضال عن " أمهية تطبيق النظام الطبيعي‪ ،‬وضرورة إجياد توازن يف‬
‫‪78‬‬
‫الدوافع الطبيعية؛ ألهنا تؤدي إىل زيادة الفاعلية يف األنشطة االقتصادية‪".‬‬
‫ويرى أيضا أن كل من خيدم مصلحته اخلاصة‪ ،‬إمنا خيدم املصلحة العامة‪ .‬مبعىن أن األفراد‬
‫عندما يتبادلون املنافع واملصاحل واحلاجيات اخلاصة‪ ،‬فذلك كله خلدمة اجملتمع‪ ،‬وحتقيق‬
‫املصلحة العامة‪.‬‬
‫ومن مث‪ ،‬ينبين الفكر االقتصادي عند آدم مسيث على جمموعة من املبادىء العامة‪ ،‬وهي‬
‫املبادىء نفسها اليت يرتكز عليها الفكر االقتصادي الكالسيكي‪ ،‬مثل‪ :‬احلرية االقتصادية‪،‬‬
‫وتقسيم العمل‪ ،‬واألخذ بنظام السوق‪ ،‬واالرتكان إىل املصلحة الذاتية‪ ،‬واإلميان مبنطق‬
‫املنافسة‪ ،‬وحتقيق الكاكم الرأمسايل‪ ،‬واالسكشاد بنظرية القيمة‪...‬‬

‫‪ -‬خضر زكريا وآخران‪ :‬دوجز ت ر خ اكفتر االجاي عا‪ ،‬األهايل للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪،‬‬ ‫‪72‬‬

‫الطبعة األوىل ‪2110‬م‪ ،‬ص‪.288:‬‬


‫‪ - 78‬خضر زكريا وآخران‪ :‬دوجز ت ر خ اكفتر االجاي عا‪ ،‬ص‪.282:‬‬
‫‪69‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬يؤمن آدم مسيث بتقسيم العمل الذي حيقق املردودية واإلنتاجية بشكل يتحقق‬
‫معه الثروة‪ .‬كما ينبين ها التقسيم على التعاون والتضامن العضوي‪ ،‬على الرغم من اختالف‬
‫الناس فيما بينهم على مستوى املهن واألعمال والتخصصات؛ ألن ذلك مبثابة تكامل‬
‫جمتمعي واقتصادي وأخالقي‪ ،‬حيقق التوازن واالنسجام يف اجملتمع الليربايل‪ .‬ومن هنا‪ ،‬فقد "‬
‫فسر سيمث تقسيم العمل من خالل تصوره لفكرة النظام االجتماعي الطبيعي‪ ،‬من خالل‬
‫هذه العملية ميكن للفرد أن يزيد من إنتاجية عمله‪ ،‬دون أن يستقل عن اآلخرين‪ ،‬فهو حيقق‬
‫حاحه من خالل تعاونه مع أفراد اجملتمع اآلخرين‪.‬وإن إنتاجية العامل حتددها طبيعة تقسيم‬
‫العمل‪ .‬فتجزئة العملية اإلنتاجية تسمح بتخصص املهارات الالزمة هلا‪.‬ومبا أن تقسيم العمل‬
‫جيزىء العملية اإلنتاجية‪ ،‬فننه حيفز األفراد على اخكاع اآلالت‪ ،‬وتيسري استخدامها‪،‬‬
‫ويكتب على ذلك تطوير الفن اإلنتاجي‪ ،‬وزيادة يف اإلنتاع‪ .‬وهذا بدوره يتطلب جمتمعا‬
‫‪72‬‬
‫قائما على التبادل‪ ،‬ويتوقف على حجم التبادل درجة تقسيم العمل‪".‬‬
‫كما دافع مسيث عن احلرية االقتصادية وتوافق املصاحل‪ ،‬إذ اعترب الدولة غري قادرة على‬
‫تطوير االقتصاد وتنميته‪ ،‬مهما اعتقد التجاريون أن قوة الدولة يف ثروهتا‪ ،‬والتحكم يف‬
‫املبادالت التجارية‪ ،‬والسيطرة على األسواق‪ .‬بل ينبغي أن تكك الدولة السوق التبادلية‬
‫لرجال املال واألعمال‪ ،‬لتسيري دواليب االقتصاد وحتريكها يف صاحل األفراد واجملتمع على حد‬
‫سواء‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬وقد حتدث آدم مسيث عن قوانني اجملتمع احلر‪ ،‬مثل‪ :‬نظرية القيمة‪ ،‬ونظرية رأس املال‪،‬‬
‫وتوزيع الدخل‪ .‬ويعين هذا أن قيمة السلعة مرتبطة بقيمة العمل ومدته وجودته ورداءته‪ .‬ومن‬
‫مث‪ ،‬فهناك قيمة استعمالية للشيء‪ ،‬وقيمة تبادلية‪ .‬فالقيمة االستعمالية تعين منفعة شيء‬
‫معني‪.‬يف حني‪ ،‬يقصد بالقيمة التبادلية ما لشيء من منفعة من جهة‪ ،‬وقدرة على االستبدال‬
‫بأشياء أو سلع أخرى من جهة أخرى‪.‬‬

‫‪ - 72‬خضر زكريا وآخران‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.282:‬‬


‫‪70‬‬
‫وهكذا‪ ،‬ربط مسيث " القيمة بالعمل على أنه املصدر الوحيد للقيمة‪ ،‬فقيمة العمل املرتبطة‬
‫بكل سلعة تعد مقياسا لقيمتها الفعلية‪.‬‬
‫وأما تركيزه على حتليل القيمة املتبادلة‪ ،‬فهي مستمدة من احلقائق االجتماعية اليت ترتبط‬
‫بتقسيم العمل‪ .‬وقد جعل قيمة املبادلة القيمة الوحيدة اليت تتحدد على ضوئها القيمة ذاهتا‬
‫وترتب على ذلك أن يكون للسلعة مثنا امسيا على اعتبار الثمن تعبريا نقديا يتغري بتغري‬
‫أسعار الذهب والفضة‪ .‬يف حني‪ ،‬إن الثمن احلقيقي (القيمة) اليتغري مع تغري الزمن ألنه‬
‫يكمن يف العمل‪"71.‬‬
‫أضف إىل ذلك فقد ربط أدم مسيث قيمة السلعة باألجور واألربا والريع‪ .‬ومن هنا‪ ،‬يبىن‬
‫األجر على تفاعل العرض والطلب على العمل‪ .‬ومن مث‪ ،‬ترتفع األجورحسب العمل وظروفه‬
‫وخماطره وإتقانه‪ ،‬وما يستلزمه من وقت‪ ،‬وما يتطلبه من تكاليف وآليات وأدوات إلحازه‪...‬‬
‫وقد " فسر مسيث األربا كأحد أهم العناصر املكونة للثروة والدخل يف اجملتمع‪.‬وعرف‬
‫الربح على أنه اإليراد الكلي للمنظم‪ ،‬بعد حسم نفقات اإلنتاع‪ ،‬أو بأنه القيمة اليت تعود‬
‫على صاحب رأس املال بعد تسديد أجور العمالة‪ .‬ويتوقف ‪ -‬بالتايل‪ -‬حجم األربا على‬
‫حجم رأس املال الكلي املستخدم يف املشروعات‪".76‬‬
‫أما الريع‪ ،‬فهو مثن احتكاري يتقاضاه مالك األرض بدون بذل جمهود مقابل ذلك‪ ،‬فهو‬
‫فائض يكتب على سخاء الطبيعة‪ ،‬كما يبدو ذلك جليا يف معظم الدول العربية اليت تعتمد‬
‫على البكول‪ ،‬حيث يوزع العائد بطريقة سخية اعتمادا على اقتصاد الريع‪.‬‬
‫وقدم مسيث كذلك تصورات حول التنمية والسياسة االقتصادية لتحقيق السعادة اجملتمعية‬
‫والرفاهية احلقيقية‪ ،‬وقد أرجعها إىل العوامل الذاتية لألفراد‪ ،‬ومتثل فلسفة املذهب الليربايل يف‬
‫االقتصاد‪ ،‬واللجوء إىل تقسيم العمل‪ ،‬والسعي حنو التمدن‪ ،‬والتكامل بني القطاعني القروي‬
‫واملديين‪ .‬إضافة إىل عوامل أخرى‪ ،‬مثل‪ :‬التدرع يف حتقيق التنمية االقتصادية‪ ،‬ومراعاة حجم‬

‫‪ - 71‬خضر زكريا وآخران‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.281:‬‬


‫‪ - 76‬خضر زكريا وآخران‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.286:‬‬
‫‪71‬‬
‫القوى العاملة ومستوياهتا اإلنتاجية‪ ،‬وأخذ حجم السوق ودرجة التبادل بعني االعتبار‪،‬‬
‫والتأكد من مدى تراكم رأس املال‪ ،‬والتثبت من قوة االدخار الذي يعتمد بدوره على كل‬
‫‪77‬‬
‫من األجور واألربا ‪...‬‬
‫وهكذا‪ ،‬يتبني لنا أن آدم مسيث من رواد علم االقتصاد‪ ،‬وقد كانت له أفكار مهمة يف ما‬
‫يتعلق باالجتماع االقتصادي‪ .‬إذا‪ " ،‬فأفكار آدم مسيث‪ ،‬كما يرى بعض الدارسني‪ ،‬أمثال‪:‬‬
‫جاكوب فينر (‪ )J.Vinner‬وسويدبريع (‪ )Swedberg‬واليون مسول(‪،)A.Small‬‬
‫تدخل يف نطاق حبث علوم اجتماعية كاالقتصاد أساسا والعلوم السياسية وعلم االجتماع‬
‫وعلم النفس واألخالق‪.‬ومن مث‪ ،‬فنن كتاب (ثر ة األدم) واألفكار اليت جاءت فيه‬
‫والتفسريات االجتماعية والتحليالت االقتصادية والفلسفية والسياسية ميثل حتليال منظما‬
‫يربط بني اجلانبني االجتماعي واالقتصادي الذي يسعى إىل حتقيق املصاحل االجتماعية‬
‫االقتصادية‪.‬‬
‫ولكن النزعة التفاؤلية اليت ميزت فكر آدم مسيث تستمر طويال؛ إذ ظهرت بعدها‬
‫التناقضات يف اجملتمع الرأمسايل الصناعي‪.‬وظهرت النزعة التشاؤمية يف أفكار االقتصاديني‬
‫‪73‬‬
‫الذين جاؤوا بعد مسيث أمثال ريكاردو ومالتوس‪".‬‬
‫وعليه‪ ،‬يتبىن آدم مسيث النظرية االقتصادية الليربالية الكالسيكية‪ ،‬بالككيز على جمموعة من‬
‫املفاهيم االقتصادية ذات الطابع االجتماعي‪ ،‬مثل‪ :‬احلرية الليربالية‪ ،‬والكاكم االقتصادي‪،‬‬
‫ونظرية القيمة‪ ،‬وقدسية العمل‪ ،‬واألجور‪ ،‬واألربا ‪ ،‬والريع‪ ،‬والتنمية االقتصادية‪ ،‬والسياسة‬
‫االقتصادية‪ ،‬ونظرية رأس املال‪ ،‬وتوزيع الدخل‪ ،‬وتقسيم العمل‪...‬‬

‫‪ - 77‬خضر زكريا وآخران‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.287:‬‬


‫‪ - 73‬خضر زكريا وآخران‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.283-287:‬‬
‫‪72‬‬
‫اكيطلب اكث كث‪ :‬دافيــد ر ت رد توز ع اكديل اكقودا‬

‫يعد االقتصادي الربيطاب دافيد ريكاردو (‪0328-0772( )David Ricardo‬م)‬


‫من أهم املفكرين الذي أغنوا النظرية االقتصادية الليربالية الكالسيكية إىل جانب آدم مسيث‬
‫(‪ )Adam Smith‬وتوماس مالتوس(‪ .)Thomas Malthus‬ومن أهم مؤلفاته‪:‬‬
‫(دب دىء االقاص د اكسي سا كلضرائب)‪ ،‬و(اكاخطي إلق د بنك طنا)‪ ،‬و(دف ع عن‬
‫اكفم )‪ ،‬و(ب ث ول آث ر انخف ض أثي ن اكقيح فا أرب ح اكرأسي ل)‪...‬‬
‫ومن مث‪ ،‬يعد ريكاردو من أهم االقتصاديني الذين دافعوا عن الطبقة الرأمسالية‪ ،‬واحلرية‬
‫االقتصادية‪ " ،‬وعلى الرغم من أن ريكاردو حيصل على تعليم أكادميي حمدد إال أنه كان‬
‫مطلعا على كثري من الكتب واملؤلفات‪.‬وعمد إىل أسلوب التثقيف الذايت يف حتسني وضعه‬
‫العلمي‪ ،‬وقد أثر فيه مؤلف (ثر ة األدم) آلدم مسيث تأثريا ذا بعد اقتصادي‪ ،‬إذ منذ تلك‬
‫الفكة وهو مهتم بالقضايا االقتصادية‪ ،‬وترتب على ذلك أن أصبح أحد أهم املنظرين‬
‫االقتصاديني‪ ،‬وكانت كتاباته تعاجل مسائل اقتصادية واجتماعية معا‪.‬ومن ناحية أخرى‪ ،‬فقد‬
‫اعتمد على التنظري كمدخل أساسي لفهم الواقع االقتصادي‪ .‬وكانت نظرياته تعىن مبصاحل‬
‫الطبقة الرأمسالية من بعد نقدي جتريدي‪ .‬ونظرا ألن الفكة التارخيية اليت عاش فيها ريكاردو‬
‫شهدت أحداثا سياسية هامة كالثورة الفرنسية وحروب نابليون اليت ترتب عليها تغيريات‬
‫‪78‬‬
‫اجتماعية بارزة أصبح معنيا بدراسة التناقضات الطبقية بني خمتلف الفئات االجتماعية‪".‬‬
‫وعليه‪ ،‬فقد اهتم ريكاردو بتوزيع الدخل القومي يف االقتصاد‪ .‬مبعىن أن هدفه األساس هو‬
‫شر القوانني اليت تنظم توزيع الثروة‪ ،‬بالتوقف عند أشكال اإليرادات الثالثة‪ :‬الربح‪ ،‬والريع‪،‬‬
‫واألجر؛ وربطها أيضا بعناصر اإلنتاع الثالثة‪ :‬األرض‪ ،‬ورأس املال‪ ،‬والعمل‪.‬‬
‫وقد رأى ريكاردو أن مسؤولية التفاوت الطبقي يف اجملتمع الصناعي وخمتلف األزمات‬
‫االقتصادية اليت يعرفها سببه هو الريع‪ ،‬وليس الربح؛ ألن الريع هو الذي يكسبه صاحب‬

‫‪ - 78‬خضر زكريا وآخران‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.283:‬‬


‫‪73‬‬
‫األرض بدون جمهود يبذل‪ .‬يف حني‪ ،‬يعد الربح مكسبا صناعيا رأمساليا قائما على اجملهود‬
‫البشري‪.‬وبالتايل‪ ،‬فقيمة السلعة تتحد بقيمة العمل‪.‬أما الريع‪ ،‬فهو جمرد امتالك ملورد طبيعي‬
‫للثروة‪.‬‬
‫وعلى أي‪ ،‬فقد عرف ريكاردو بثالث نظريات اقتصادية كربى هي‪ :‬نظرية الريع‪ ،‬ونظرية‬
‫األجر والربح‪ ،‬ونظرية القيمة‪ .‬ويعين هذا أن االقتصاديني الذين سبقوا ريكاردو معنيني‬
‫باإلنتاع‪ ،‬والبحث يف طبيعة الثروة وأسباسا‪.‬أما ريكاردو‪ ،‬فكان يعنيه‪ ،‬بصفة خاصة‪،‬‬
‫موضوع التوزيع‪.‬أي‪ :‬حتديد النسب اليت يقسم سا الناتج الكلي بني عوامل اإلنتاع الثالثة‪:‬‬
‫مالك األراضي‪ ،‬والرأمساليني‪ ،‬والعمال‪ .‬وإذا كان الريع هو دخل صاحب األرض‪ ،‬فننه‬
‫بالنسبة لريكاردو الميثل تكلفة حقيقية‪ ،‬وهذا هو معىن قوله‪ :‬إن الريع نتيجة للثمن‪ ،‬وليس‬
‫مسببا له‪.‬وإمنا ميثل فائضا‪ .‬مبعىن أن مالك األرض حيصل على مبلغ أكرب من املبلغ الالزم‬
‫الستمراره يف اإلنتاع‪ .‬وهذا الريع اليعود إىل سخاء الطبيعة كما قال آدم مسيث‪ ،‬بل إىل‬
‫تقتريها‪ .‬ومن هنا‪ ،‬فالريع خمتلف عن دخل العمل ورأس املال‪ .‬فاألجور تعطى مقابل ما‬
‫يقدمه العامل من عمل وخدمات وجمهود‪ .‬أما الربح‪ ،‬فهو العائد الذي حيصل عليه رب‬
‫العمل نظري ما أنتجه من ثروة حقيقية‪ ،‬نظري رأس املال الذي وظفه يف العملية اإلنتاجية‪.‬‬
‫ويرى ريكاردو أن مثن السلعة تتحدد بكمية العمل الالزمة إلنتاجها (أي‪ :‬نفقة اإلنتاع) يف‬
‫أسوء الظروف‪ .‬أما الريع‪ ،‬فهو مبثابة فائض حيققه املنتج‪ ،‬زيادة عن املبلغ الالزم الستمراره‬
‫يف اإلنتاع‪ .‬ويرجع ذلك إىل اختالف مستوى األرض وطبيعتها من حيث اخلصوبة واإلنتاع‬
‫والوعورة‪ ،‬وهو ما يسمى بالريع الفرقي‪ ،‬وهو ليس رحبا‪ .‬بل هو فائض عن نفقة قيمة‬
‫إنتاجها‪ .‬ومن األساب اليت تدفع الدولة إىل اإلقبال على زراعة األراضي اخلصبة أو غري‬
‫اخلصبة هو توفري القمح للسكان الذين بدأوا يتزايدون بشكل سريع‪ ،‬وهذا اليتالءم مع بطء‬
‫اإلنتاع الغذائي حسب مالتوس‪ .‬وقد يؤثر هذا الالتوازن بني عدد السكان وقلة اإلنتاع‬
‫الزراعي يف عملية اإلنتاع‪ ،‬وارتفاع أسعار املواد الغذائية‪ .‬وسذا‪ ،‬يزداد مالكو األراضي غىن‬

‫‪74‬‬
‫وثراء وريعا‪ ،‬كلما ازداد امتداد اإلنتاع بارتفاع عدد السكان‪ .‬وكلما ارتفعت أسعار املواد‬
‫الغذائية‪ ،‬اخنفضت القدرة الشرائية‪ ،‬وازداد بؤس الطبقة العاملة وشقاؤها‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬قد يؤثر ارتفاع أمثان املواد الغذائية يف أصحاب الصناعات‪ ،‬حيث ترتفع‬
‫األجور النقدية‪ ،‬ويقل معدل الربح؛ ويسبب ذلك يف إضغاف احلافزية على الكاكم‬
‫الرأمسايل‪ ،‬مع احتمال الوصول إىل الدولة الراكدة‪.‬‬
‫وسذا‪ ،‬يقرر ريكاردو أن مصلحة مالكي األراضي تتعارض مع مصلحة اجملتمع‪ ،‬مع العلم‬
‫أن طبقة مالك األراضي هي اليت كانت تتحكم يف القرار السياسي الربيطاب يف الفكة اليت‬
‫عاش فيها ريكاردو‪ .‬لذا‪ ،‬فقد دعا إىل حرية التجارة اخلارجية‪ ،‬وإلغاء قوانني الغالل‪،31‬‬
‫وإدخال تقنيات حديثة يف عملية اإلنتاع‪.‬‬
‫أما فيما خيص نظرية املزايا‪ ،‬فقد أخذ آدم مسيث بنظرية املزايا املطلقة اليت هلا عالقة حبرية‬
‫التجارة اخلارجية‪ .‬ويعين هذا أن يتخصص كل بلد يف إنتاع السلعة وتصديرها‪ ،‬مادام يتوفر‬
‫فيها على ميزة طبيعية مطلقة‪ .‬أي‪ :‬تكلفة مطلقة قليلة‪ .‬وتكون النتيجة هي الفائدة واملنفعة‬
‫بالنسبة جلميع عناصر اجملموعة الدولية‪ .‬ويف بعض األحيان‪ ،‬يكون من صاحل دولة معينة أن‬
‫تستورد سلعة من اخلارع‪ ،‬على الرغم من إمكانية إنتاجها حمليا بتكلفة أقل من تكلفة‬
‫إنتاجها يف اخلارع‪ ،‬ويسمى هذا باملزايا املقارنة‪.‬‬
‫أما نظرية القيم الدولية‪ ،‬فهي تكملة لنظرية ريكاردو الذي جيب عن سؤال ملح هو كيف‬
‫ميكن توزيع أربا التجارة اخلارجية ومنافعهاا فالبنسبة لستيورات ميل(‪ ،)S.Mill‬يرى أن‬
‫الدول الغنية أقل استفادة من التجارة اخلارجية؛ ألهنا تستورد كمية كبرية من البضائع والسلع‬
‫من اخلارع؛ نظرا الرتفاع القدرة الشرائية للمستهلكني‪.‬وبذلك‪ ،‬حتصل على منافع أقل‬
‫مقارنة بالدول املصدرة الفقرية اليت ترغب يف احلصول على العملة األجنبية عرب التجارة‬
‫اخلارجية‪.‬‬

‫‪ - 31‬قوانين اكغمل‪ :‬عبارة عن رسوم مجركية متدرجة على القمح املستورد‪.‬‬


‫‪75‬‬
‫وبناء على ماسبق‪ " ،‬لقد اهتم ريكاردو اهتماما خاصا بالتجارة اخلارجية‪ ،‬مشريا إىل ضرورة‬
‫قيامها على أساس التخصص وتقسيم العمل‪.‬وأشار إىل أن التجارة اخلارجية تتأثر بأمناط‬
‫احلواجز اجلمركية والضريبة يف اجملتمعات املختلفة‪ .‬ومن مث‪ ،‬فنن التجارة اخلارجية تقوم بني‬
‫أي دولتني إذا متيزت إحداها قبل األخرى مبيزة نسبية يف إنتاع إحدى السلعتني موضع‬
‫التبادل‪.‬وهو سذا خيتلف عن مسيث الذي رأى أنه البد من أن يتمتع بلد ما مبيزة مطلقة يف‬
‫إنتاع سلعة معينة حىت تنشأ التجارة بينه وبني بلد آخر‪ ،‬وقد وجهت اعكاضات على نظرية‬
‫ريكاردو يف التجارة اخلارجية لككيزه على تباين إنتاجية العمل يف البلدين‪ ،‬دون أن يفسر‬
‫األسباب املؤدية إىل هذه الظاهرة‪ ،‬فال بد من معرفة العوامل اليت جتعل العمل يف بلد ما‬
‫أكثر إنتاجية من العمل يف بلد آخر‪ .‬ويف جمال تعرضه ملشكلة البطالة‪ ،‬نالحظ أنه ربطها‬
‫بتغريات الطلب على السلع الناتج عن تغري أذواق املستهلكني‪ ،‬ورأى أهنا بطالة مؤقتة‪ ،‬ومن‬
‫جانب آخر تنبه إىل أنه باإلمكان حدوث بطالة يف األجل الطويل نتيجة إلحالل اآلالت‬
‫حمل العمال الذي يضر مبصلحة الطبقة العاملة‪.‬‬
‫وهذا التصور للبطالة يلق قبوال كثريا من االقتصاديني احملافظني الذين جاؤوا بعده‪".30‬‬
‫وعليه‪ ،‬فقد ناقش ريكاردو كثريا من النظريات االقتصادية‪ ،‬مثل نظرية التجارة الدولية‪،‬‬
‫ونظرية توزيع الدخل‪ ،‬ونظرية التطور االقتصادي‪ ،‬ونظرية التوازن الدويل‪ .‬كما اهتم بنظم‬
‫النقد من الناحية االقتصادية‪ ،‬وتوقف كذلك عند نوعية األزمات االقتصادية واالجتماعية‬
‫اليت تؤثر يف عملية النشاط االقتصادي‪.‬‬
‫وسذا‪ ،‬يكون دافيد ريكاردو من أهم الباحثني الذين عاجلوا قضايا االقتصاد‪ ،‬وقد استفادوا‪،‬‬
‫بشكل أو بةخر‪ ،‬من التصورات االجتماعية يف مناقشة الظواهر االقتصادية‪ ،‬والسيما توزيع‬
‫الدخل‪ ،‬والصراع االجتماعي واالقتصادي بني طبقيت مالك األراضي وأرباب املصانع‪،‬‬
‫وقضية تزايد عدد السكان وتأثريه االقتصادي‪ ،‬والصراع الطبقي‪ ،‬وبؤس العمال وشقائهم‪...‬‬

‫‪ - 30‬خضر زكريا وآخران‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.220-221:‬‬


‫‪76‬‬
‫اكيطلب اكرابع‪ :‬جون دين رد كينز األزد االقاص د اكي كيي‬

‫يعد الربطاب جون مينارد كينز (‪-0338( )John Maynard Keynes‬‬


‫‪0826‬م) من كبار االقتصاديني املعاصرين‪.‬ويعود الفضل يف ذلك إىل نظريته الكنزية اليت‬
‫تركت تأثريا كبريا يف اقتصاد القرن العشرين‪ .‬ومن أهم مؤلفاته (اكنا ئج االقاص د‬
‫كلسمد)‪ ،‬و(اكنظر اكي د كلنقود اكف ئدة االساخداد)‪...‬وقد استثمرت أعماله كثريا يف‬
‫جمال االقتصاد بعد احلرب العاملية الثانية‪.‬‬
‫وما يعرف عن كينز أنه حول منهج التحليل االقتصادي من نظريات جزئية فردية تقليدية‬
‫إىل نظريات اقتصادية كلية وعامة‪.‬أي‪ :‬حول مسار االقتصاد من االقتصاد اجلزئي إىل‬
‫االقتصاد الكلي‪.‬ويعين هذا أن االقتصاديني التقليديني كانوا ينطلقون من مبدإ التوازن‪،‬‬
‫ويهتمون باألنشطة االقتصادية اليت يقوم سا األفراد‪ ،‬على أساس أن التصرفات الفردية هي‬
‫اليت تتحكم يف توازن االقتصاد على مستويي اإلنتاع واالستهالك‪ .‬أما النظرية الكينزية‪ ،‬فهي‬
‫تنطلق من اختالل التوازن‪ ،‬وتنطلق من النظرة الكلية إىل الظواهر االقتصادية أو جملموع‬
‫النشاط االقتصادي على مستوى الدولة واجملتمع‪ .‬ومن هنا‪ ،‬انصب االهتمام على االقتصاد‬
‫الكلي بدل االهتمام باالقتصاد اجلزئي (التاجر‪ ،‬والصانع‪ ،‬والفال ‪) ...‬؛ فأصبح احلديث‬
‫عن االقتصاد الوطين‪ ،‬واإلنتاع الوطين‪ ،‬واالستهالك الوطين‪ ،‬والدخل القومي‪ ،‬واملالية العامة‬
‫للدولة‪ ،‬والنظرية العامة للنقود واألمثان‪ .‬وقد اهتم كينز أيضا بالقطاعات االقتصادية‬
‫الكربى‪ ،‬مثل‪ :‬الفالحة‪ ،‬والصناعة التقليدية واملعاصرة‪ ،‬والتجارة الداخلية واخلارجية‪...‬‬
‫وإذا كان االقتصاديون السابقون قد ركزوا على ثنائية الطلب والعرض‪ ،‬فنن كينز اهتم‬
‫بالطلب بدل العرض‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬وقد ارتبطت النظرية الكينزية باألزمة العاملية االقتصادية لسنة ‪0828‬م‪ ،‬إذ قدم كينز‬
‫حتليال نقديا للنظام الرأمسايل يف حالة األزمة‪ ،‬وقد رأى أن تدخل الدولة ضروري لتوجيه‬
‫االقتصاد الليربايل‪ ،‬بعد أن كانت النظريات االقتصادية الليربالية الكالسيكية متنع الدولة من‬

‫‪77‬‬
‫التدخل يف االقتصاد‪ .‬بيد أن هذه احلرية االقتصادية املطلقة سامهت يف إفالس الدول‬
‫الدميقراطية الغربية‪ ،‬بسبب اهنيار البورصة‪ ،‬واخنفاض اإلنتاع‪ ،‬وانتشار البطالة‪ ،‬وإفالس‬
‫األبناك واملصانع والفالحني‪ .‬ويف هذا الصدد‪ ،‬يقول حممد ياسر اخلواجة" استطاع كينز أن‬
‫يشري إىل العديد من القضايا واملشكالت االقتصادية‪ ،‬وحيللها يف ضوء واقعها االجتماعي‬
‫والسياسي‪ ،‬فلقد عكست طبيعة األزمات اليت حدثت خالل العشرينيات والثالثينيات من‬
‫هذا القرن‪ ،‬أو ما أحدثته احلرب العاملية األوىل والكساد االقتصادي مع بداية الثالثينيات‬
‫العديد من املشكالت االجتماعية املتعددة اليت اهتم سا كينز يف حتليالته االقتصادية‪ ،‬لذا‬
‫فقد اختذ كينز من األزمات االقتصادية واالجتماعية اليت عاصرها‪ ،‬والسيما مشكلة الفقر‬
‫والبطالة والتوظيف بعدا أساسيا يف تقييم الفكر االقتصادي واالجتماعي الكالسيكي‪،‬‬
‫ويؤسس نظريته عن هذا اجملال‪ ،‬حينما ربط بني كل من العمالة والدخل‪ ،‬واالستهالك‪،‬‬
‫واالدخار‪ ،‬واالستثمار‪ ،‬ورأى عدم الفصل بينهما‪.‬‬
‫كما طر كينز بعض التصورات اليت تؤدي إىل حتقيق أعلى مستوى من العمالة‪ ،‬والتقليل‬
‫من حدة البطالة لعل من أمهها ضرورة أن تسعى احلكومة وسياستها االقتصادية حنو تشجيع‬
‫االستثمار اخلاص خالل فكة الكساد خلفض معدالت الفائدة‪ ،‬كما جيب توجيه السياسات‬
‫احلكومية إلنشاء املشروعات االستثمارية الكربى اليت عن طريقها ميكن استيعاب أعداد‬
‫كبرية من القوى العاملة‪ ،‬وخاصة مراحل األزمات‪ ،‬والكساد االقتصادي‪ ،‬كما أكد كينز‬
‫كثريا على أمهية احكام امللكية اخلاصة‪ ،‬ولكنه أعطى صالحيات كبرية للدولة يف توجيه‬
‫احلياة االقتصادية‪ ،‬وحتديد الفوائد اليت جيب أن يكتسبها أصحاب املال‪ ،‬فاحلياة االقتصادية‬
‫ككل الجيب أن تكون اشكاكية‪ ،‬ألن النظام الرأمسايل اليسمح بسوء استخدام‬
‫عوامل اإلنتاع‪ ،‬وبالتايل أكد على ضرورة تشجيع احلكومة وسياساهتا االقتصادية يف إعادة‬
‫توزيع الدخل من أجل زيادة حجم االستهالك‪ ،‬وميكن إجراء ذلك من خالل فرض ضرائب‬
‫عالية على الطبقات الغنية"‪.32‬‬

‫‪ - 32‬حممد ياسر اخلواجة‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.28-22:‬‬


‫‪78‬‬
‫وهكذا‪ ،‬فقد سامهت التصورات الكنزية يف تطوير النظريات االقتصادية قدما‪ ،‬وساعدت‬
‫كذلك على فهم الظواهر االقتصادية يف ضوء مقاربة اقتصادية كلية ومشولية‪ ،‬وخاصة يف‬
‫فكات األزمة‪ .‬وأهم ما يتميز به كينز هو إخراع الليربالية الرأمسالية من أزمتها االقتصادية يف‬
‫عهد روزفلت‪ ،‬بتقدمي جمموعة من االقكاحات العملية الواقعية‪ ،‬وأهم اقكا هو تدخل‬
‫الدولة يف توجيه االقتصاد‪ ،‬مع احكام امللكية اخلاصة‪.‬‬

‫اكيطلب اكخ دس‪ :‬ىديل د رك م تقسيم اكيي ــل‬

‫يعااد إمياال دوركااامي (‪ 38)Emile Durkheim‬ماان مؤسسااي علاام االجتماااع يف الثقافااة‬


‫الغربية‪ .‬ومن مث‪ ،‬فهو الذي دعا إىل استقاللية هذا العلم عن باقي العلوم واملعاارف األخارى‪.‬‬
‫كما يظهر ذلك جلياا يف كتاباه (قواعـد اكيـنهج فـا علـم االجايـ ع)‪ .‬ومان مث‪ ،‬فقاد أرساى‬
‫دوركااامي علاام االجتماااع علااى جمموعااة ماان القواعااد‪ ،‬مثاال‪ :‬مالحظااة الظ اواهر اجملتمعيااة علااى‬
‫أس اااس أهن ااا أش ااياء أو موض ااوعات مادي ااة‪ ،‬ميك اان إخض اااعها للمالحظ ااة اخلارجي ااة‪ .‬ويف ه ااذا‬
‫النط ا اااق‪ ،‬يق ا ااول دروك ا ااامي‪ " :‬إن الظ ا ا اواهر االجتماعي ا ااة تش ا ااكل أش ا ااياء‪ ،‬وجي ا ااب أن ت ا اادرس‬
‫كأشا ا ااياء‪..‬ألن كا ا اال ما ا ااا يعطا ا ااي لنا ا ااا أو يفا ا اارض نفسا ا ااه علا ا ااى املالحظا ا ااة يعتا ا اارب يف عا ا ااداد‬
‫األش ااياء‪...‬وإذا‪ ،‬جي ااب عين ااا أن ن اادرس الظ اواهر االجتماعي ااة يف ذاهت ااا‪ ،‬يف انفص ااال ت ااام ع اان‬
‫األف ا اراد ال ا اواعني الا ااذين يتمثلوهنا ااا فكريا ااا‪ ،‬ينبغا ااي أن ندرسا ااها ما اان اخلا ااارع كأشا ااياء منفصا االة‬
‫‪32‬‬
‫عنا‪...‬إن هذه القاعدة تنطبق على الواقع االجتماعي برمته وبدون استثناء‪".‬‬
‫من أهم الكتب اليت ركز فيها دوركامي على املوضوع االقتصادي كتابه (تقسيم اكييل‬
‫االجاي عا) الذي نشره سنة‪0388‬م‪ .31‬وقد بني فيه أن الفرد قد انتقل من اجملتمعات‬

‫‪ - 38‬إميل دوركامي سوسيولوجي فرنسي‪ ،‬ولد سنة ‪ ،0313‬وتويف سنة ‪0807‬م‪ ،‬وهو مؤسس علم االجتماع‪.‬‬
‫‪84‬‬
‫‪- E. Durkheim: Les règles de la méthode sociologique, éd‬‬
‫‪Flammarion, Paris, 1988, p:103-104.‬‬
‫‪85‬‬
‫‪-E. Durkheim, De la division du travail social, Paris, PUF, 2007.‬‬
‫‪79‬‬
‫التقليدية إىل اجملتمعات احلديثة عرب تقسيم العمل‪ .‬اي‪ :‬انتقل اإلنسان من اجملتمع‬
‫امليكانيكي اآليل‪ ،‬حيث كان األفراد متشاسني ومتماثلني يف أفعاهلم وتصرفاهتم‪ ،‬إىل اجملتمع‬
‫العضوي الذي أصبح األفراد فيه خمتلفني ومستقلني ومتخصصني بسبب تقسيم العمل‬
‫االجتماعي‪ .‬وهناك كذلك عالقات وظيفية وتكامل بني األفراد على صعيد املهن واألعمال‬
‫واالختصاصات‪ .‬ومن مث‪ ،‬ال يتخذ هذا التقسيم للعمل طابعا اقتصاديا فحسب‪ ،‬بل يتخذ‬
‫ملمحا اجتماعيا بارزا لضمان توازن اجملتمع وانسجامه من جهة‪ ،‬وحتقيق نسبة من املنافع‬
‫واملصاحل واألربا على مستوى املردودية واإلنتاجية من جهة أخرى‪ .‬ولكن ما يهم هو أن‬
‫األفراد يف هذا اجلتمع الرأمسايل الليربايل متضامنني ومتعاونني ومتكاملني‪ ،‬كل واحد حسب‬
‫عمله وختصصه ووظيفته‪ .‬وسذا‪ ،‬فدور الفرد اقتصادي‪ ،‬واجتماعي‪ ،‬وأخالقي‪.‬‬
‫وعليه‪ " ،‬يسلم دوركامي بعدة مبادىء تكدد بشكل أو بةخر يف كل كتبه‪ ،‬وخباصة كتاب‬
‫(تقسيم اكييل االجاي عا)‪ ،‬وكتاب(قواعد اكينهج فا علم االجاي ع)‪ ،‬كان هلا تأثري‬
‫قوي يف توجيه دراساته‪ ،‬يلخصها كلها يف حقيقة مسلمة اإلميان بضرورة توافر التوازن‪ ،‬وهي‬
‫تتمثل بأمجل صورها يف اجملتمع البدائي واجملتمعات الصغرية التقليدية‪.‬وإن املتغريات اليت‬
‫حتدث يف اجملتمع الصناعي تؤدي إىل تفكك الوحدات القدمية‪ ،‬وهو األمر الذي يستوجب‬
‫من اجملتمع أن يعثر على أساس جديد للتوازن حىت يستمر يف الوجود‪.‬وهذا األساس (من‬
‫خالل جلوئه إىل املماثلة العضوية السوسيولوجية استعارها من سبنسر بني اجملتمع اإلنساب‬
‫والكائن العضوي) هو التضامن العضوي‪ .‬إن توزع االختصاصات اليؤدي إىل الصراع‪ ،‬بل‬
‫يؤدي‪ ،‬على العكس من ذلك‪ ،‬إىل وحدة اجملتمع ومتاسكه وتكامله‪"36 .‬‬
‫وعندما يصاب التضامن العضوي أو التماسك اآليل بعطب أو خلل أو اضطراب ما‪،‬‬
‫فالميكن معاجلته ‪ -‬حسب نبيل السمالوطي‪ "-‬عن طريق الثورة كما يقول ماركس‪ ،‬أو عن‬
‫طريق اإلصال ‪ ،‬فبناء على تصور دوركامي‪ ،‬يعد اجملتمع حباجة إىل ثورة‪ ،‬أو إىل إعادة‬

‫‪ - 36‬وسيلة خزار‪ :‬اإل د كوجي علم االجاي ع‪ ،‬جدكي االنفص ل االتص ل‪ ،‬منتدى املعارف‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪،‬‬
‫الطبعة األوىل سنة ‪2108‬م‪ ،‬ص‪.022-020:‬‬
‫‪80‬‬
‫صياغة العالقات البنائية داخل اجملتمع‪ ،‬أو جتاوز األوضاع املعطاة‪ ،‬ذلك ألن التوازن‬
‫والتكامل والتضامن هي متغريات سوف تتحقق تلقائيا مع منو اجملتمع وتقدمه‪ ،‬أو منو ظاهرة‬
‫‪37‬‬
‫التخصص وتقسيم العمل‪".‬‬
‫وينطلق إميل دوركامي‪ ،‬يف كتابه (االنا ر)‪ ،33‬كذلك من نتيجاة أساساية‪ ،‬وهاي أن االنتحاار‬
‫ليست ظاهرة نفسية أو عضوية‪ ،‬بل هي ظاهرة جمتمعية واقتصاادية يف الوقات نفساه‪ ،‬مرتبطاة‬
‫بتقسيم العمل يف اجملتمع الرأمسايل الصناعي‪ .‬وبالتايل‪ ،‬يتحدد معدل االنتحاار حبساب درجاة‬
‫اندماع األفراد يف اجلماعة‪ ،‬والعالقة بينهما عالقة علية أو سببية‪.‬‬

‫اكيطلب اكس دس‪ :‬د كس فيبر أثر اكد ن فا االقاص د‬

‫يعتاارب كااارل إمياال ماكساايميليان‪ ،‬املعااروف باساام ماااكس فياارب (‪ ،38)Max Weber‬ماان‬
‫أهاام الفالساافة األمل اان‪ ،‬وماان أهاام علماااء القااانون واالجتماااع واإلدارة واالقتصاااد السياسااي‪.‬‬
‫ويعااد أيضااا ماان أهاام رواد السوساايولوجيا املعاصاارة‪ ،‬وماان األوائاال الااذين انتقاادوا احلداثااة‪ .‬وقااد‬
‫انس اااق كث ا اريا وراء السياس ااة بالتحلي اال والتنظ ااري والتقعي ااد‪ ،‬وك ااان م اان ب ااني احمل ااررين لدس ااتور‬
‫مجهورية ڤيمار سنة ‪0808‬م‪.‬‬

‫‪ -‬نبيل السمالوطي‪ :‬اإل د وكوجي أزد علم االجاي ع اكيي صر‪ ،‬دراس ت ليلي كليشتمت اكنظر‬ ‫‪37‬‬

‫اكينهجي ‪ ،‬اهليئة املصرية العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬طبعة ‪0871‬م‪ ،‬ص‪.016:‬‬
‫‪88‬‬
‫‪-Émile Durkheim: Le Suicide: Étude de sociologie, Paris, Presses‬‬
‫‪universitaires de France, coll. « Quadrige » (no 19), 1981, 463 p.‬‬
‫‪ - 38‬ولد ماكس فيرب بأملانيا سنة ‪ ،0362‬وتويف سنة ‪0821‬م‪ ،‬درس الفلسفة‪ ،‬والتاريخ‪ ،‬والقانون واالقتصاد‪.‬‬
‫ر ح اكرأسي كي )(‪0811-0812‬م)‪ ،‬و(االقاص د اكيجايع)‬ ‫ومن أهم كتبه( األيمق اكبر تسا تي‬
‫(‪0822‬م)‪.‬‬
‫‪81‬‬
‫ويعد ماكس فيرب أيضا من أهم السوسيولوجيني األملان الذين أرسوا دعائم السوسيولوجيا‬
‫التأويلية‪ ،‬بتجاوز التفسري العلمي حنو التأويل الذايت واإلنساب‪ .‬وبتعبري آخر‪ ،‬لقد أخرع فيرب‬
‫علم االجتماع من إسار التفسري حنو الفهم والتأويل‪ ،‬بالككيز على الفعل اجملتمعي بدل البنية‬
‫اجملتمعية‪ ،‬والتمييز بني العلوم الوضعية القائمة على التفسري السبيب والعلي‪ ،‬والعلوم اإلنسانية‬
‫والروحية املبنية على فهم الذات وتأويل جتارسا داخل العا املرصود‪ .‬ومن جهة أخرى‪،‬‬
‫يعترب ماكس فيرب من مؤسسي اإلدارة الليربالية احلديثة يف ضوء املنظور العقالب اهلادف‪.‬‬
‫وفيما خيص اجملال االقتصادي‪ ،‬يرجع ماكس فيرب ماهو مادي إىل ماهو ديين وفوقي‪ ،‬كما‬
‫وضح ذلك جليا يف كتابه ( األيمق اكبر تسا ناي ر ح اكرأسي كي )‪ ،81‬حيث بني أن‬
‫القيم الربوتستانتية الكالفانية هي اليت سامهت يف بروز الرأمسالية العقالنية‪ .‬أما كارل ماركس‪،‬‬
‫فقد ركز على العوامل املادية واالقتصادية يف ظهور هذه الرأمسالية‪ .80‬وإذا كان ماركس قد‬
‫ثار على الدين‪ ،‬فنن ماكس فيرب دافع عن فلسفة األديان‪ ،‬وخاصة الربوتستانتية‪ ،‬دعامة‬
‫العقالنية والبريوقراطية والرأمسالية واحلداثة الغربية‪ .‬ومن مث‪ ،‬تدعو الربوتستانتية إىل ابتغاء‬
‫الكسب املثمر‪ ،‬وتنمية الرأمسال وفق دوافع سيكولوجية ومبادىء أخالقية‪ ،‬مثل‪ :‬احلرص‪،‬‬
‫والشح‪ ،‬واالستثمار‪ ،‬وعدم التبذير‪ ،‬وحب العمل‪ ،‬والسيما أن املذهب الربوتستايت الذي‬
‫ظهر مع مارتن لوثر ميجد العمل باعتباره غاية للحياة وفريضة من اهلل‪ ".‬إن من اليعمل لن‬
‫يأكل" كما قال القديس بولس‪ .‬ولذلك‪ ،‬جيتهد الربوتستانيت يف العمل كي التلحقه لعنة‬
‫اهلل‪ .‬وكما متتاز األخالق الربوتستانتية بتمجيدها العمل‪ ،‬متتاز أيضا بدعوهتا إىل التقشف‬
‫واالستثمار واالدخار‪.‬وتلك هي األسس الرئيسية اليت قامت عليها الرأمسالية احلديثة‪...‬‬
‫‪90‬‬
‫‪-Max Weber: L'Éthique protestante et l'esprit du capitalisme‬‬
‫‪(1904-1905), traduction par Jacques Chavy, Plon, 1964 ; nouvelles‬‬
‫‪traductions par Isabelle Kalinowski, Flammarion 2000; Jean-Pierre‬‬
‫‪Grossein, Gallimard 2003.‬‬
‫‪91‬‬
‫‪- Catherine Colliot-Thélène: la sociologie de Max Weber, La‬‬
‫‪découverte, Paris, France, 2006, p:5.‬‬
‫‪82‬‬
‫وخالصة القول‪ :‬يرى فيرب أن املذهب الربوتستانيت‪ ،‬والسيما مذهب كالفني(‪،)Calvin‬‬
‫قد خلق ما يسمى " بأخالق املهنة" املعتمدة على نزعة صوفية جتتهد يف مجع النقود‬
‫واستثمارها يف املشروعات التجارية والصناعية‪ ،‬برو مطمئنة‪ ،‬تعترب النجا يف الدنيا دليال‬
‫‪82‬‬
‫على رضا من اهلل ورضوان‪.‬‬
‫إذا‪ ،‬فسر ماكس فيرب ظهور الرو الرأمسالية بتأثرها بدور األخالق الربوتستانتية‪ .‬واليعين‬
‫هذا أن السبب الديين (البنية الفوقية) هو العامل الوحيد لتفسري ظهور الرأمسالية الليربالية‪،‬‬
‫بل هناك أسباب أخرى من بينها العوامل االقتصادية نفسها (البنية التحتية)‪.‬‬

‫اكيطلب اكس بع‪ :‬ك رل د ركس االقاص د اكجدكا‬

‫تستند النظرية املاركسية إىل املادية اجلدلية القائمة على فكرة الصراع الكمي والكيفي‪،‬‬
‫واإلميان باجلدل الثالثي‪ :‬األطروحة‪ ،‬ونقيض األطروحة‪ ،‬والككيب‪ ،‬واالعتماد على املادية‬
‫التارخيية يف تفسري تطور اجملتمعات البشرية‪ .‬وقد تأثر ماركس تأثرا كبريا بأفكار‬
‫هيجل(‪.)Hegel‬إال أن مثالية هيجل املطلقة تعجب كارل ماركس‪ ،‬مادامت تؤمن‬
‫بأمهية الفكر يف تغيري الواقعي بشكل ديالكتيكي‪ .‬يف حني‪ ،‬قلب ماركس هذه املعادلة‬
‫اجلدلية املثالية ليصبح الواقع املادي هو أساس الفكر‪ ،‬له األسبقية والتأسيس والتوجيه‪ .‬ويف‬
‫هذا‪ ،‬يقول ماركس يف كتابه (رأس اكي ل)‪":‬إن منهجي الديالكتيكي الخيتلف عن املنهج‬
‫اجلديل اهليجيلي من حيث األساس وحسب‪ ،‬بل إنه الضد املقابل له مباشرة‪ .‬فالبنسبة‬
‫هليجل‪ :‬إن عملية تطور الفكر ومنوه‪ ،‬هذه العملية اليت يشخصها ويعتربها مستقلة‪ ،‬ويطلق‬
‫عليها اسم الفكرة‪ ،‬هي يف نظره خالقة الواقع‪.‬فما الواقع يف نظره إال املظهر اخلارجي للفكر‪.‬‬

‫‪ - 82‬حممد عابد اجلابري وآخران‪ :‬در س اكفلسف ‪ ،‬دار النشر املغربية‪ ،‬الدارالبيضاء‪ ،‬املغرب‪ ،‬طبعة ‪0870‬م‪،‬‬
‫ص‪.826:‬‬
‫‪83‬‬
‫أما بالنسبة يل‪ ،‬فنن عا األفكار ليس إال العا املادي منقوال إىل الذهن البشري ومكمجا‬
‫‪88‬‬
‫فيه‪".‬‬
‫ومن مث‪ ،‬فالديالكتيك عند هيجل" يسري على رأسه‪ .‬وتكفي إعادته على قدميه لكي نرى‬
‫له هيئة معقولة متاما‪"82.‬‬
‫وكان كارل ماركس قد كتب رسالة إىل أحد أصدقائه يقول فيها‪ ":‬إن منهجي يف التحليل‬
‫ليس هو منهج هيجل‪ ،‬ألنين مادي‪ ،‬وهيجل مثايل‪ .‬إن ديالكتيك هيجل هو الشكل‬
‫األساسي لكل ديالكتيك‪ ،‬ولكن بعد أن يتعرى من صورته الصوفية‪.‬وهذا بعينه ما مييز‬
‫منهجي‪"81.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬تتجاوز مادية كارل ماركس اجلدلية املاديات السابقة كاملادية األرسطية؛ واملادية‬
‫الذرية مع دميقريطيس؛ واملادية التجريبية اإلحليزية مع جون لوك‪ ،‬ودافيد هيوم‪ ،‬واستيوارت‬
‫ميل؛ واملادية امليكانيكية مع فيورباخ‪ .‬وهنا‪ ،‬تعطى األسبقية ملا هو مادي واقتصادي على‬
‫ماهو فكري وإيديولوجي‪ .‬كما أن البنية التحتية ذات الطبيعة املادية هي اليت تتحكم يف‬
‫البنية الفوقية القائمة على الفكر والدين والتصوف واألدب والفن واإليديولوجيا‪ ...‬ويف هذا‪،‬‬
‫يقول ماركس‪ ":‬ليس وعي الناس هو الذي حيدد وجودهم‪ ،‬بل على العكس من ذلك‪ ،‬إن‬
‫وجودهم االجتماعي هو الذي حيدد وعيهم"‪.86‬‬
‫ويعين هذا أن ما هو اقتصادي ومادي وجمتمعي هو الذي حيدد فكر الناس ووعيهم‬
‫ووجودهم‪ .‬واليعين هذا أن الفكر سليب‪ ،‬الدور له يف تغيري اجملتمع أو التأثري فيه‪ ،‬بل يؤمن‬
‫بفعاليته وخصوبته‪ ،‬وتأثريه يف اجملتمع املادي احملسوس‪ .‬ويف هذا‪ ،‬يقول ماركس‪ ":‬إن العيب‬
‫الرئيس للمادية السابقة كلها‪ ،‬مبا فيها مادية فيورباخ‪ ،‬هو أن الشيء‪ ،‬الواقع‪ ،‬العا‬

‫‪ - 88‬حممد عابد اجلابري‪ :‬دن در س اكفلسف اكفتر اإلسمدا‪ ،‬ص‪.80:‬‬


‫‪ - 82‬حممد عابد اجلابري‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.80:‬‬
‫‪ - 81‬حممد عابد اجلابري‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.80:‬‬
‫‪ - 86‬حممد عابد اجلابري‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.80:‬‬
‫‪84‬‬
‫احملسوس‪ ،‬الينظر إليه فيها إال على شكل موضوع تأمل وليس كفاعلية إنسانية مشخصة‪،‬‬
‫ليس كممارسة‪ ،‬وليس ذاتيا‪...‬إن املذهب املادي القائل إن الناس هم نتاع الظروف‬
‫والكبية‪ ،‬وأن الناس الذين تغريوا هم بالتايل نتاع ظروف أخرى وتربية تغريت‪ ،‬أن هذا‬
‫املذهب املادي ينسى أن الناس هم بالضبط الذين يغريون الظروف‪ ،‬وأن املريب نفسه هو يف‬
‫حاجة إىل أن يرىب‪".87‬‬
‫وعليه‪ ،‬فثمة عالقة جدلية أو عالقة تأثر وتأثري بني الفكر والواقع‪ ،‬بني الوعي واملادة‪ ،‬بني‬
‫البىن الفوقية والبىن التحتية‪.‬‬
‫أضف إىل ذلك أن املادة عند ماركس ليست ساكنة‪ ،‬بل متحركة وديناميكية‪ ،‬ويف حركة‬
‫دائمة‪.‬وهذه احلركات أنواع‪ :‬حركة ميكانيكية (يف املكان)‪ ،‬وحركة فيزيائية ( داخل املادة‬
‫نفسها)‪ ،‬وحركة كيماوية (تفاعالت)‪ ،‬وحركة بيولوجية (حركة األعضاء)‪ ،‬وحركة اجتماعية‬
‫(العالقات االجتماعية وتطور اجملتمع والتاريخ)‪...‬وتنتج هذه احلركات عن التناقضات‬
‫اجلدلية الداخلية واخلارجية‪ ،‬والتناقضات الكمية والكيفية‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فقد تبىن ماركس املادية التارخيية ذات األساس اجلديل‪ .‬وهي نظرية وفلسفة ومنهجية‬
‫وممارسة علمية وعملية‪ .‬ومن مث‪ ،‬ترفض املاركسية اجلدلية ميكانيكية فيورباخ‪ ،‬ومثالية هيجل‪،‬‬
‫والفلسفة الوضعية اليت تبوئ العلم مكانة كربى‪ .‬يف حني‪ ،‬ترى العا قائما على الصراع‬
‫اجلديل‪ ،‬أساسه التناقضات الداخلية واخلارجية‪ ،‬والتناقضات الكمية والكيفية‪ .‬ويعين هذا إذا‬
‫كانت الوضعية تقول بالنظام والتوازن والتكامل‪ ،‬فنن جدلية ماركس تقول بالصراع والتناقض‬
‫الديالكتيكي‪ .‬ومن مث‪ ،‬فاحلقائق ليست مطلقة أو هنائية‪ ،‬بل هي حتليل ملموس ملوقف‬
‫ملموس‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬فاملاركسية‪ ،‬إىل جانب كوهنا فلسفة ومنهجية‪ ،‬فهي عمل‬
‫وممارسة‪ ،‬أو كما يقول لينني دليل للعمل‪.‬وسذا‪ ،‬يكون الباركسيس أو العمل أو املمارسة‬
‫أفضل بكثري من النظريات اجملردة‪ .‬إذا‪ ،‬فالعملي أكثر أمهية من النظري‪ .‬ويؤكد ماوتسي‬
‫تونغ هذه الفكرة بقوله‪ ":‬إن ممارسة اإلنسان هي وحدها مقياس احلقيقة‪ .‬ألن املعرفة‬

‫‪ - 87‬حممد عابد اجلابري‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.82:‬‬


‫‪85‬‬
‫اإلنسانية التثبت صحتها إال حني يتوصل اإلنسان إىل النتائج املقدرة سلفا بواسطة عملية‬
‫املمارسة‪ ،‬إن عملية املعرفة تبدأ باملمارسة وتبلغ املستوى النظري بواسطة املمارسة‪ ،‬ومن مثة‬
‫ينبغي هلا أن ترجع إىل املمارسة‪...‬إن مشكلة معرفة ما إذا كانت النظرية صحيحة‪ ،‬متفقة‬
‫مع احلقائق املوضوعية‪ ،‬الحتل متاما إال بنعادة توجيه املعرفة العقلية إىل املمارسة االجتماعية‪،‬‬
‫وتطبيق النظرية على املمارسة للتحقق مما إذا كانت تستطيع أن حتقق النتائج املرتقبة‪"83...‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬أهم شيء يف املادية التارخيية هو منهجها الدياليكتيكي الذي يتحكم يف‬
‫املمارسة بالتعديل والتصحيح والتغيري‪ .‬ومن مث‪ ،‬فقوانني الديالكتيك املادي ‪ -‬حسب‬
‫فردريك أحلز(‪ -88)Friedrich Engels‬ثالثة هي‪:‬‬
‫دة اكيان قض ت صراعه ‪ .‬مبعىن أن املتناقضات اجلدلية توجد داخل الشيء‬ ‫‪‬ق نون‬
‫الواحد‪ ،‬وأنه الميكن الفصل بني الشيء وتناقضه‪ ،‬أو الفصل بني األطراف املتناقضة عن‬
‫بعضها البعض‪ .‬كما أن أشياء العا تتكون من املواد اجلامدة واحلية‪ .‬وعلى الرغم من تنافر‬
‫الضدين وتناقضهما فهما متالزمان جدليا‪ ،‬وهذا التناقض أو الصراع هو أساس التطور‬
‫والنمو‪ .‬ويقول لينني‪ ":‬إن النمو هو صراع األضداد"‪ .‬ومن مث‪ ،‬فهناك نوعان من‬
‫التناقضات‪ :‬تن قض ت دايلي تقع داخل الشيء الواحد‪ ،‬تن قض ت ي رجي مبثابة صراع‬
‫الشيء مع حميطه اخلارجي‪ .‬لذلك‪ ،‬فالتناقضات الداخلية أهم من اخلارجية‪.‬ويف هذا‪ ،‬يقول‬
‫ماوتسي تونغ‪":‬يعترب الديالكتيك املادي أن األسباب اخلارجية ها شرط اكابدل‪،‬‬
‫واألسباب الداخلية هي أس س اكابدل‪.‬واألسباب اخلارجية إمنا تفعل فعلها عن طريق‬
‫األسباب الداخلية‪.‬فالبيضة تتبدل يف درجة حرارة مالئمة فتصري كتكوتا‪ ،‬ولكن احلرارة‬

‫‪ - 83‬حممد عابد اجلابري‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.82:‬‬


‫‪ -‬فردر ك ىنجلز (‪0282-0251‬د) فيلسوف أملاب ورجل صناعة‪ ،‬وضع أسس املاركسية مع صديقه‬ ‫‪88‬‬

‫كارل ماركس‪ .‬نشر كتابه ( ك اكطبق اكي دل فا ىنجلارا)‪ ،‬وأصدر مع ماركس بياهنما املعروف ببيان احلزب‬
‫الشيوعي‪.‬‬
‫‪86‬‬
‫التستطيع أن حتول احلجر إىل كتكوت‪ ،‬ألن أساس التبدل يف األول خيتلف عنه يف‬
‫الثاب‪".011‬‬
‫كما متيز املادية اجلدلية بني التناقضات الداخلية واخلارجية‪ ،‬متيز أيضا بني التناقض‬
‫األساسية والتناقضات الثانوية‪.‬فالتناقض األساس هو الذي يقوم بالدور احلاسم واملؤثر يف‬
‫الصراع‪ .‬يف حني‪ ،‬يعد دور التناقض الثانوي مكمال وهامشيا‪ .‬ويف هذا الصدد‪ ،‬يقول‬
‫ماوتسي تونغ‪ ":‬مثة تناقضات عديدة يف عملية تطور شيء معقد‪ .‬ومنها تناقض هو‬
‫بالضرورة التناقض الرئيسي الذي حيدد وجوده وتطوره‪ ،‬وجود التناقضات األخرى أو يؤثر‬
‫فيها‪"010.‬‬
‫ويعين هذا أن التناقض الرئيسي (أ) قد يكون له دور كبري يف فكة زمنية معينة إىل جانب‬
‫التناقضات الثانوية (ب) و(ع)‪ .‬لكن مع تغري الظروف التارخيية والتطورية والنمائية‪ ،‬قد‬
‫يصبح تناقض(ب) أكثر أمهية من تناقض (أ)‪.‬‬
‫ومن ناحية أخرى‪ ،‬قد ينتج عن التناقضات صراع من نوع صراع األضداد‪ ،‬مثل‪ :‬صراع‬
‫البورجوازية مع العمال ينتج عنه صراع الطبقات‪ .‬وقد الينتج عن تلك التناقضات أي‬
‫صراع‪ ،‬مثل‪ :‬التناقضات داخل الطبقة العمالية نفسها اليت ختتفي باملمارسة الثورية‪ ،‬وعملية‬
‫النقد الذايت‪.‬‬
‫‪ ‬ق نون ت ول اكتم ىكح كيف‪ :‬ويعين هذا أن التحوالت الكمية قد تنتج عنها حتوالت‬
‫كيفية‪ ،‬مثل‪ :‬غليان املاء يف درجة معينة على مستوى الكم‪ ،‬ينتج عنه حتول كيفي باالنتقال‬
‫من املاء إىل البخار‪ .‬وقد حيدث التحول الكيفي إما بشكل مباغت ومفاجىء‪ ،‬وإما بشكل‬
‫طفرة أو قفزة يف شكل دفعة واحدة أو دفعات متعاقبة‪ ،‬وإما بشكل تدرجيي‪ .‬ومن مث‪،‬‬
‫فداللة قانون حتول الكم إىل الكيف يعين" أن التزايد التدرجيي يف التغريات اليت ختلق الكم‪،‬‬
‫واليت تكون أول األمر ضعيفة غري مشاهدة‪ ،‬تؤدي عندما تصل درجة معينة‪ ،‬إىل تغريات‬

‫‪ - 011‬حممد عابد اجلابري‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.81:‬‬


‫‪ - 010‬حممد عابد اجلابري‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.81:‬‬
‫‪87‬‬
‫كيفية جذرية ختتفي معها الكيفية القدمية لتحل حملها كيفية جديدة‪ ،‬ينتج عنها بدورها‬
‫تغريات كمية‪"012.‬‬
‫ويعين هذا كله أن الكاكم الكمي ينتج عنه حتول كيفي بصيغ متعددة وخمتلفة ومتنوعة‪.‬‬
‫ويقول ماركس‪ ":‬إنه يف مرحلة ما من مراحل التطور‪ ،‬يؤدي التغري البسيط يف الكم الذي‬
‫بلغ درجة معينة‪ ،‬إىل اختالفات يف الكيفية‪" 018.‬‬
‫‪ ‬ق نون نفا اكنفا‪ :‬يقصد بنفي النفي نقيض األطروحة ونفيها‪ .‬مبعىن أن الشيء له‬
‫أطروحة (‪ ،)Thèse‬ونقيض(‪ ،)Antithèse‬وتركيب)‪ .)Synthèse‬فظهور الشيء‬
‫اجلديد من القدمي يعترب نفيا للقدمي‪ .‬ولكن هذا اجلديد بدوره يصبح قدميا‪ ،‬فيأيت جديد آخر‬
‫ليصبح نفيا للنفي‪ .‬والبد من االحتفاظ‪ ،‬أثناء عملية نفي النفي‪ ،‬باجلوانب اإلجيابية يف‬
‫املنفي‪ ،‬وتفادي سلبياته؛ ألن عملية نفي النفي تساعد على النمو والتقدم واالزدهار‪ ،‬وإال‬
‫أدى ذلك إىل التكرار والوقوف عند حدود دائرة مغلقة‪ .‬ومن هنا‪ ،‬فالتاريخ‪ ،‬يف املنظور‬
‫اجلديل‪ ،‬يسري يف خط مستقيم بشكل تصاعدي من األدىن إىل األعلى‪ ،‬يف إطار تطور‬
‫جديل ديالكتيكي‪ ،‬يتصارع فيه القدمي واجلديد‪ ،‬ويتم هذا التقدم التارخيي يف شكل حركة‬
‫لولبية‪ ،‬ولكن تظهر من حني ألخرى بعض احلوادث اليت تتخذ طابعا تكراريا‪ ،‬فنقول‪ :‬إن‬
‫التاريخ يعيد نفسه‪ :‬لكن هذا اليؤثر يف مسار التاريخ وتقدمه وتطوره إىل األمام‪.‬‬
‫اكي د اكا ر خي ) عام‬ ‫وقد صاغ ستالني أربعة قوانني يف كتابه ( اكي د اكجدكي‬
‫‪0883‬م‪ ،‬حيث أضاف قانونا رابعا على الوجه التايل‪:‬‬
‫‪ ‬قانون الكابط العام بني الظواهر؛‬
‫‪‬قانون احلركة والتطور يف الطبيعة واجملتمع؛‬
‫‪‬قانون التحول من الكم إىل الكيف؛‬
‫‪‬قانون صراع املتناقضات‪.‬‬

‫‪ - 012‬حممد عابد اجلابري‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.86:‬‬


‫‪ - 018‬حممد عابد اجلابري‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.86:‬‬
‫‪88‬‬
‫بيد أن املفكرين اإليديولوجيني يف االحتاد السوفيايت عادوا‪ ،‬بعد وفاة ستالني‪ ،‬إىل قوانني‬
‫إحلز الثالثة‪.‬‬
‫يمص اكقول‪ ،‬فالسوسيولوجيا املاركسية مرتبطة بكارل ماركس من جهة‪ ،‬وأحلز من‬
‫جهة أخرى‪ .‬وتؤمن السوسيولوجيا املاركسية بأمهية العمل وأسبقيته على الفكر النظري‪.‬‬
‫وبالتايل‪ ،‬فاملمارسة العملية أو الرباكسيسية أساس تطور اجملتمعات‪ .‬كما أن األساس املادي‬
‫واالقتصادي واجملتمعي أهم من البىن الفوقية‪ .‬ومن مث‪ ،‬تنبين السوسيولوجيا املاركسية على‬
‫املنهج اجلديل القائم على القوانني الثالثة‪ ،‬ووحدة صراع املتناقضات‪ ،‬وقانون الكم والكيف‪،‬‬
‫وقانون نفي النفي‪.‬‬
‫وما يالحظ على هذه السوسيولوجيا أهنا رؤية ثورية تقويضية وراديكالية أساسها التغيري‬
‫اجلديل انطالقا من املادية التارخيية‪ ،‬لكن يغلب عليها الطابع امليتافيزيقي‪ ،‬والرؤية الشعرية‬
‫احلاملة‪ ،‬والطوباوية اخليالية‪ ،‬وانفصال النظرية عن الواقع‪ ،‬وفشل التنبؤات املاركسية يف حتقيق‬
‫غاياهتا ومراميها وأهدافها البعيدة‪ .‬والدليل على ذلك أن حتولت الدول االشكاكية إىل دول‬
‫رأمسالية أو دول اقتصاد السوق بدال من حتوهلا إىل دول شيوعية‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫اكيطلب اكث دن‪ :‬جورج ز يل فلسف اكنقود‬

‫من أهم السوسيولوجيني األملان إىل‬ ‫‪012‬‬


‫يعد جورع زميل (‪)Georg Simmel‬‬
‫جانب ماكس فيرب‪ ،‬ونوربرت إلياس‪ ،‬وكارل ماركس‪ ،‬وغريهم‪...‬وقد عرف بالسوسيولوجيا‬
‫التفاعلية من جهة‪ ،‬وبسوسيولوجيا األشكال من جهة أخرى‪.‬‬
‫وقد اهتم زميل مبواضيع اجتماعية مثرية والفتة لالنتباه‪ ،‬مثل‪ :‬النقود‪ ،‬واملوضة‪ ،‬واملرأة‪،‬‬
‫والطائفة‪ ،‬واملظاهر‪ ،‬والفن‪ ،‬واملدينة‪ ،‬والغريب‪ ،‬والفقراء‪ ،‬والفرد‪ ،‬واجملتمع‪ ،‬والتفاعل‪ ،‬والرابط‬
‫االجتماعي‪ ،‬والتنشئة االجتماعية‪...‬‬
‫ويعد كتابه (فلسف اكنقود) الذي نشره سنة ‪0811‬م من أهم الكتب السوسيولوجية‬
‫املتميزة يف تاريخ علم االجتماع احلديث واملعاصر‪011‬؛ إذ يقارب النقود‪ ،‬باعتبارها ظاهرة‬
‫اقتصادية‪ ،‬من زاوية سوسيولوجية وسيميائية وفلسفية وأخالقية‪ .‬ومن هنا‪ ،‬يرى جورع زميل‬
‫أن النقود أداة ضرورية للتبادل التجاري‪ ،‬تسهل النمو االقتصادي‪ ،‬لكنها يف الوقت ذاته‪،‬‬
‫تسجن األفراد ضمن عالقات اجتماعية ضعيفة‪ .‬ويف الواقع‪ ،‬مع تكاثر هذا النمط من‬
‫التفاعل االقتصادي‪ ،‬يتقلص الرباط االجتماعي بشكل متزايد‪ ،‬ليصبح جمرد عالقات‬
‫شخص‪ /‬نقود‪ /‬شخص‪ ،‬خاضعة للحساب ولإلسكاتيجيات‪.‬هذا امليل الثابت لتشييء‬
‫الرباط االجتماعي يقع يف قلب اإلسكاتيجية الثقافية للحداثة‪.‬‬
‫وأكثا اار ما اان ها ااذا فا ااالنقود مؤسسا ااة رمسيا ااة مجاعيا ااة‪ .‬مبعا ااىن أن" النقا ااود أكثا اار ما اان جما اارد أداة‬
‫اقتصااادية‪.‬هي أيضااا مؤسسااة‪ .‬فهااي الختااص فقااط الشخصااني املعنيااني باملبادلااة‪ ،‬لكاان وماان‬
‫خااالل صاافتها كمعااادل عااام‪ ،‬تضااع الفاارد يف مواجهااة جمماال اجلاليااة‪.‬فلكي حتصاال املبادلااة‪،‬‬
‫جيااب عل ااى كام اال اجملتمااع أن يع ااكف للنق ااود بالقيم ااة ذاهتااا‪.‬لكن ه ااذا الي ااتم إال إذا وجاادت‬

‫‪ - 012‬ولد السوسيولوجي األملاب زميل سنة ‪0313‬م‪ ،‬وتويف سنة ‪0803‬م‪.‬‬


‫‪105‬‬
‫‪- Georg Simmel: Philosophie de l'argent, traduit par Sabine‬‬
‫‪Cornille et Philippe Ivernel P.U.F., Paris, 1987.‬‬
‫‪90‬‬
‫مؤسس ا ااات وش ا اابكة م ا اان العالق ا ااات االجتماعي ا ااة‪ ،‬فه ا ااي إذا من ا ااتج حاص ا اال م ا اان البني ا ااات‬
‫االجتماعياة‪.‬وعلى العكااس‪ ،‬تااؤثر النقاود يف البنيااة االجتماعيااة ماان خاالل تشااجيع ظهااور زماار‬
‫‪016‬‬
‫اجتماعية جديدة مثل املصرفيني أو املوظفني‪"...‬‬
‫وهكذا‪ ،‬يرى جورع زميل أن النقود " قد خدمت مان الناحياة التارخيياة يف حتدياد‪ ،‬لايس فقاط‬
‫قيمااة األشااياء‪ ،‬باال كااذلك الناس‪.‬لقااد سااامهت النقااود يف احلريااة الفرديااة‪ ،‬لكاان أصاابحت غايااة‬
‫بااذاهتا‪ ،‬وهااي تساااهم كااذلك يف تراجيااديا الثقافااة احلديثااة‪ ،‬حيااث قيمااة األشااياء تفااوق قيمااة‬
‫‪017‬‬
‫األشخاص‪".‬‬
‫وم اان هن ااا‪ ،‬ي اارى زمي اال أن للنق ااود قيم ااة اقتص ااادية عل ااى مس ااتوى املقايض ااة والتب ااادل‪ ،‬وتس ااعري‬
‫املنتوجات والسلع والبضائع املوجهة إىل السوق‪ .‬ومان مث‪ ،‬فاالنقود هاي الايت حاررت الفارد مان‬
‫العبودية‪ .‬بيد أن هلذه النقود تأثرياهتا السالبية يف العالقاات البشارية‪ ،‬إذ أخرجات اإلنساان مان‬
‫طابعااه الكيفااي والقيمااي إىل طابعااه الكمااي واملااادي‪ ،‬وسااببت القلااق والتااوتر واخلااوف واملااوت‪،‬‬
‫وسااامهت يف خلااق هااوة فاصاالة بااني ماااهو مااادي وماااهو معنااوي‪.‬ومن جهااة أخاارى‪ ،‬أفاارزت‬
‫ماهو إجيايب‪ ،‬كظهور الفرد احلر‪ ،‬وانبثاق الدميقراطية‪ ،‬وتشكل النظاام الرأمساايل اللياربايل الاذي‬
‫يعتمااد علااى احلريااة االقتصااادية‪ ،‬واملبااادرة الفرديااة‪ ،‬وحريااة السااوق‪ ،‬واخلضااوع ملنطااق الطلااب‬
‫والعرض‪...‬‬
‫ومن ناحية أخرى‪ ،‬يرى زميل أن النقاود قاد أفارزت طبقاة اجتماعياة جديادة هاي طبقاة الغربااء‬
‫أو املنبااوذين‪ .‬ويقصااد سااا فئااة اليهااود الاايت كاناات متااارس الربااا‪ ،‬وقااد سااامهت‪ ،‬بكاال جديااة‪ ،‬يف‬
‫بناااء االقتصاااد الرأمسااايل العاااملي‪ ،‬واحتكرتااه ماديااا واقتصاااديا وسياساايا‪ ،‬إىل أن فقاادت النقااود‬
‫طابعه ااا اإلنس اااب‪ ،‬فش اايأت البش اار‪ ،‬مث حول اات األفا اراد إىل أرق ااام ومع ااادالت وآالت ونق ااود‬
‫وفوائد ربوية القيمة هلا مان الناحياة الروحياة واألخالقياة‪ .‬ومان هناا‪ " ،‬حيتال الغرياب‪ -‬حساب‬

‫‪ 016‬فيليب كابان وجان فرانسوا دورتييه‪ :‬علم االجاي ع‪ ،‬ترمجة‪ :‬إياس حسن‪ ،‬دار الفرقد‪ ،‬دمشق‪ ،‬سورية‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل ‪2101‬م‪ ،‬ص‪.77-76:‬‬
‫‪ - 017‬فيليب كابان وجان فرانسوا دورتييه‪ :‬علم االجاي ع‪ ،‬ص‪.71:‬‬
‫‪91‬‬
‫زميل‪ -‬مكانا خاصا يف العالقات النقدية‪ ،‬فالغريب هاو الاذي ينتماي وال ينتماي يف آن واحاد‬
‫إىل الزماارة ( مثلااه مثاال املنبااوذ واألقلااوي)‪ ،‬وحتدياادا املضاااربني والتجااار اليهااود (الااذين اسااتثنوا‬
‫تارخييا من حتارمي الرباا يف القارون الوساطى)‪.‬ويف الواقاع‪ ،‬إن املهااجر كاالنقود‪ ،‬يتصافان يف نظار‬
‫اجلاليااة حبركتهمااا وغرابتهمااا (أو جتردمهااا ماان العالقااة الشخصااية)‪.‬وهكذا ميكاان أن نتااذكر دور‬
‫اليهااود يف انطالقااة الرأمساليااة يف بدايااة القاارن‪ ،‬واحلركااات املعاديااة للسااامية الاايت ظهاارت حينئااذ‪:‬‬
‫معارضااة الشااعب لكبااار العااائالت تااكجم‪ ،‬فيمااا يتجاااوز بغااض الغريااب‪ ،‬اخلااوف ماان عقلنااة‬
‫العا وميلاه للتجرياد واملوضاوعية‪.‬وهلذا مان األمهياة حبياث إناه بالنسابة لزميال جياب علاى صاورة‬
‫‪013‬‬
‫الغريب أن تنمو مع اتساع املبادالت‪ ،‬وجتردها من العالقات الشخصية‪".‬‬
‫ويالحظ أن زميل يدافع عن اليهود باعتبارهم رمز العقالنياة والرأمسالياة واالقتصااد املوضاوعي‪.‬‬
‫وإن كااان اليه ااود‪ ،‬يف احلقيق ااة‪ ،‬رم ااز للمك اار واخليان ااة واخل ااداع والش اار وخ اراب العااا ؛ بس اابب‬
‫انسياقهم وراء التجارة الربوية املشبوهة واحملرمة اليت أدخلت العا ‪ ،‬إىل يومنا هذا‪ ،‬يف حاروب‬
‫دامية‪ ،‬تستفيد منها شرذمة مان الغربااء اليهاود‪ .‬لاذلك‪ ،‬فاالنقود هاي تعباري عان فلسافة اليهاود‬
‫التشييئية واملادية والتقويضية‪ ،‬وتشخيص لعا ربوي فقد إنسانيته‪ ،‬وضل طريقه الصحيح‪.‬‬
‫وعليااه‪ ،‬فااالنقود وساايلة عامليااة مصااممة لكافااة االسااتخدامات الغرضااية‪.‬فهااي وساايلة لتحصاايل‬
‫املنا ااافع واملصا اااحل‪ ،‬وحتقيا ااق احلاجيا ااات والرغبا ااات‪ ،‬وإشا ااباع احل ا اوافز الشا ااعورية والالشا ااعورية‪،‬‬
‫والوصول إىل الغايات الذاتية واملوضوعية‪ ،‬وفتح إمكانات جديادة للفعال‪ .‬وتسااعد النقاود ‪-‬‬
‫أيضا‪ -‬على اإلبداع‪ ،‬واإلقبال على احلياة‪ ،‬وتوطني الكدد عند الفرد‪ ،‬وتطاوير ملكاات الفكار‬
‫واحلس اااب‪ .‬وم اان هن ااا‪ ،‬فق ااد حتول اات النق ااود إىل وس اايلة وغاي ااة عل ااى ح ااد س ا اواء‪ .‬وب ااذلك‪،‬‬
‫تعارضت النقود مع القيم والعائلة والدين‪.‬‬
‫عالوة على ذلك‪ ،‬فقد سامهت النقود يف توليد قيم سلبية‪ ،‬مثل‪ :‬اجلشاع‪ ،‬والبخال‪ ،‬والتباذير‪،‬‬
‫والفقاار‪ ،‬والعااوز‪ ...‬ويعااين هااذا أن النقااود " تشااارك يف تأساايس أساالوب حياااة للمجتمعااات‪،‬‬
‫يصفه زميل بتعابري ثالثة‪ :‬البعاد‪ ،‬واإليقااع‪ ،‬والتنااظر‪ .‬فاالنقود‪ ،‬وبسابب صافتها املتحركاة وغاري‬

‫‪ - 013‬فيليب كابان وجان فرانسوا دورتييه‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.77:‬‬


‫‪92‬‬
‫الشخصااية‪ ،‬متياال إىل تشااجيع املشاااركات عاان بعااد‪ ،‬وتسااتند إىل فوائااد حمصااورة جاادا (واحلالااة‬
‫األكث اار منوذجي ااة ه ااي الش ااركات املغفل ااة)‪ ،‬وجتع اال م اان املمك اان التواج ااد املش ااكك للتك ااتالت‬
‫الكربى‪ ،‬حيث من الضروري أال يورط املرء كامل شخصيته يف املبادالت االجتماعية‪.‬‬
‫لكنها على العكس‪ ،‬تدمر العالقات اليت يلتزم سا املرء بالكامال مان بااب أهناا التعاف ساوى‬
‫عاان العائلااة والصااداقة‪ ،‬ويف الطاارف اآلخاار‪ ،‬اجلاليااات الكااربى (الااوطن أو البش ارية)‪.‬عدا عاان‬
‫ذلك ستمتد لتسريع وتنظيم اإليقاع اخلاص بااجملتمع‪ ،‬حتديادا يف النطااق االقتصاادي‪ ،‬وذلاك‬
‫يف املكاان األول بسابب أن خلاق النقاود سيساارع املباادالت‪ ،‬ويساهل ركاوب املخااطر‪ .‬إضااافة‬
‫لذلك‪ ،‬ومن خالل جعل األسواق متجانسة عن طريق ختفيض نسيب لسعر ممتلكات الباذخ‪،‬‬
‫ستشارك يف التقارب بني الطبقاات االجتماعياة‪ ،‬وتضاخم مان ظاواهر التقلياد والتميياز‪ ،‬وتزياد‬
‫‪018‬‬
‫النموذجية للمجتمعات املتحضرة‪".‬‬ ‫من تأثريات املوضة‬
‫إذا‪ ،‬يق ااارب زمي اال النق ااود مقارب ااة فلس اافية وس اايميائية واجتماعي ااة‪ ،‬م اادافعا ع اان قيم ااة النق ااود‬
‫التجاريااة والتبادليااة‪ ،‬وعاان دورهااا يف حترياار الفاارد نفساايا وماديااا‪ ،‬ويف انبثاااق الرأمساليااة الليرباليااة‪.‬‬
‫بي ااد أن النق ااود ق ااد حطم اات الق اايم اإلنس ااانية واألخالقي ااة‪ ،‬واس ااتعبدت اإلنس ااان‪ ،‬وه ااددت‬
‫العناص اار الكيفي ااة‪ ،‬مث اال‪ :‬الثقاف ااة‪ ،‬واجلس ااد‪ ،‬والكرام ااة البشا ارية‪ .‬مبع ااىن أن النق ااود ق ااد حول اات‬
‫اإلنسان إىل سلعة مادية استعمالية وتبادلية‪.‬ومن هنا‪ ،‬كانت النقاود ساببا يف تراجياديا الثقافاة‬
‫البشرية‪.‬‬
‫ويف هاذا الساياق‪ ،‬يقاول تياريي روجال(‪ ":)Thierry Rogel‬يف صاميم أطروحاة زميال‬
‫هناااك هااذا التناااقض اخلصوصااي باجملتمعااات احلديثااة‪ ،‬إن ظهااور تقساايم العماال‪ ،‬واالسااتهالك‬
‫الكثيااف واالقتصاااد النقاادي‪ ،‬قااد مسااح بتحريراإلنسااان ماان ضااغوط اجملتمعااات التقليديااة مؤمنااا‬
‫بذلك أكرب حرية للفرد‪.‬‬
‫لكاان تاانجم عاان ذلااك تراجيااديا الثقافااة‪ .‬مبعااىن أن ذاتيااة كاال واحااد تصااطدم باألشااكال الاايت‬
‫اكتساابت الصاافة املوضااوعية (التشااييئية ) يف اجملتمااع‪ :‬العاماال مفصااول عاان مثاارة عملااه‪ ،‬والعااا‬

‫‪ - 018‬فيليب كابان وجان فرانسوا دورتييهك نفسه‪ ،‬ص‪.73:‬‬


‫‪93‬‬
‫يبتعد عن مثال الرجال الشاريف‪ ،‬واملساتهلك يعاد بنمكاناه أن يطباع شخصايته علاى العادد‬
‫الفااائض ماان األغ اراض املتاحااة أمامااه‪.‬أخريا‪ ،‬إن إكساااب الصاافة املوضااوعية للحياااة‪ ،‬املعااززة‬
‫باسااتخدام النقااود‪ ،‬يااؤدي بنااا‪ ،‬وحناان نص ابح أح ارارا أكثاار فااأكثر أمااام كاال شااخص أو غاارض‬
‫بشااكل خاااص‪ ،‬إىل أن نصاابح معتماادين أكثاار فااأكثر علااى األغ اراض مبجملهااا وعلااى كاماال‬
‫البشر‪" 001 .‬‬
‫وبناء على ماسبق‪ ،‬يتضح لنا أن جاورع زميال أدىل بتصاورات اقتصاادية نظرياة مهماة‪ ،‬انطالقاا‬
‫من فلسفة النقود‪ ،‬حتمل‪ ،‬يف طياهتا‪ ،‬مالمح سوسيولوجية وسيميائية وفلسفية‪.‬‬

‫اكيطلب اكا سع‪ :‬فيلفر د ب ر او اكاوازن االقاص دي‬

‫إذا كان ابن خلدون اليفصل بني التاريخ وعلم االجتماع‪ ،‬وإذا كان هربرت سبنسر أيضا‬
‫اليفصل علم االجتماع عن البيولوجيا‪ ،‬فنن فيلفريدو باريتو اليفصل علم االجتماع عن علم‬
‫االقتصاد‪ .‬ويعين هذا أن باريتو من دعاة علم االقتصاد االجتماعي‪ .‬ومن مث‪ ،‬فهو مييز بني‬
‫األفعال املنطقية اليت يدرسها علم االقتصاد‪ ،‬واألفعال غري املنطقية اليت يدرسها علم‬
‫االجتماع‪ ،‬كما يتضح ذلك جليا يف كتابه (دخاصر علم االجاي ع ) الذي صدر سنة‬
‫‪0806‬م‪.000‬‬
‫إذا كان باريتو قد درس االقتصاد دراسة علمية عميقة‪ ،‬وفق منهجية علمية جتريبية‬
‫وإحصائية‪ ،‬وتوصل إىل جمموعة من النظريات االقتصادية املتميزة واملقكنة بامسه‪ ،‬فنن هذا‬
‫العلم الميكن تفسريه إال يف حدود ضيقة‪ ،‬فالبد من االستعانة بالتفسري االجتماعي لطابعه‬

‫‪110-Thierry‬‬ ‫‪Rogel: (La philosophie de l’argent), Revue Sciences‬‬


‫‪Humaines, n° 67 –Décembre 1997.‬‬
‫‪111‬‬
‫‪-Vilfredo Pareto:Trattato di sociologia generale, Firenze, G.‬‬
‫‪Barbéra, 1916.‬‬
‫‪94‬‬
‫العام‪ .‬وهذا إن دل على شيء‪ ،‬فنمنا يدل على مدى التداخل املوجود بني علم االقتصاد‬
‫وعلم االجتماع‪ ،‬فكل واحد يفسر اآلخر؛ إذ مثة عالقة وطيدة بني ما هو خاص مبا هو‬
‫عام‪ .‬وهكذا‪ ،‬فعلم االقتصاد علم خاص‪ .‬يف حني‪ ،‬يعد علم االجتماع علما عاما‪.‬‬
‫ويرى باريتو أن اجملتمع بناء كلي مركب ومعقد من العالقات املتبادلة بني الناس‪ .‬ومن مث‪،‬‬
‫فهناك من حياول هدمه‪ ،‬وهناك من حياول بناءه لتحقيق نوع من التوازن االجتماعي‪.‬كما‬
‫أن لألفراد رغبات يريدون حتقيقها وإشباعها‪ .‬ويف الوقت نفسه‪ ،‬هناك موانع وعراقيل متنع‬
‫هؤالء األفرد من حتقيقها‪ .‬وهذا خيلق نوعا من التوتر بني الذات الراغبة يف حتقيق املوضوع‬
‫ذي القيمة‪ ،‬وعدم القدرة على امتالك ذلك املوضوع‪ .‬ومن هنا‪ ،‬حيدث الصراع االجتماعي‬
‫الداخلي أو املوضوعي‪ .‬وهكذا‪ ،‬فاجملتمع خاضع ملنطق الصراع من جهة‪ ،‬ومنطق التوازن‬
‫والتوافق من جهة أخرى‪ .‬ويف هذا الصدد‪ ،‬يقول أمحد اخلشاب‪ ":‬وتعترب هذه النظرة‬
‫(التوازن االجتماعي) امتدادا آلرائه يف االقتصاد‪ ،‬فهناك دائما صراع بني رغباتنا اليت تريد أن‬
‫تشبع‪ ،‬وبني العقبات اليت تعكض سبل إشباعها‪ ،‬ولكن الصراع اليلبث أن يتحول إىل توافق‬
‫أو توازن بني رغباتنا وبني الظروف اخلارجية‪ ،‬واجملتمع جيري على نفس النظام‪ ،‬حتدث فيه‬
‫عملية توافق تؤدي إىل التوازن االجتماعي؛ أما القوة اليت تعمل يف اجملتمع مناظرة لرغبات‬
‫الفرد‪ ،‬فهي ميل الناس إىل االلتجاء إىل األفعال غري املنطقية يف ميدان القوى اليت تعمل‬
‫مناظرة للعقبات اليت تنشأ يف وجه الفرد إلشباع رغباته‪ ،‬وهي ميل الناس إلخفاء الطابع غري‬
‫املنطقي يف أفعاهلم وحماوالهتم إظهاره بصورة منطقية معقولة‪ ،‬واألفعال غري املنطقية ختتلف‬
‫من زمان إىل زمان‪ ،‬ومن مكان إىل مكان‪ ،‬إال أنه بالرغم من ذلك فثمة عنصر أساسي‬
‫فيها اليتغري بتغري األزمنة واختالف األمكنة‪ ،‬وهذا العنصر الثابت هو اجلدير بالدراسة‪ ،‬وهو‬
‫أهم موضوع لعلم االجتماع عند باريتو‪ ،‬وهو العامل األساسي الذي يؤثر يف طبيعة النظام‬
‫‪002‬‬
‫االجتماعي‪".‬‬

‫‪ - 002‬أمحد اخلشاب‪ :‬اكافتير االجاي عا‪ :‬دراس تت دلي كلنظر االجاي عي ‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫لبنان‪ ،‬طبعة ‪0830‬م‪ ،‬ص‪.627:‬‬
‫‪95‬‬
‫وعليه‪ ،‬يتأثر النظام االجتماعي بعوامل داخلية وخارجية‪ ،‬وكذلك بتاريخ اجملتمع نفسه الذي‬
‫يندرع ضمن العوامل اخلارجية‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فنظرية التوازن هي تلك النظرية اليت تؤكد على أن األنساق االجتماعية تستعيد‬
‫توازهنا إذا ما طرأ عليها اختالل أو اضطراب‪.‬‬
‫تعد نظرية املنفعة من أهم النظريات اليت ركز عليها باريتو يف نظريته السوسيولوجية‬
‫واالقتصادية‪ ،‬فقد حلل نظرية املنفعة االجتماعية " يف ضوء اهتمامه بدراسة الفعل املنطقي‬
‫أو غري املنطقي‪.‬ويقصد باألفعال املنطقية تلك األفعال اليت تتوجه حنو غاية ميكن حتقيقها‬
‫موضوعيا‪ ،‬ومن خالل استخدام أفضل للوسائل املتاحة موضوعيا‪ .‬ويكاد باريتو يقصر‬
‫األفعال املنطقية الرشيدة على اجملاالت االقتصادية والعلمية‪ ،‬مث يستبعد أية متعة منطقية‬
‫على أي سلوك آخر‪ .‬أما األفعال غري املنطقية‪ ،‬فهي اليت تفشل يف حتقيق هذين املعيارين‬
‫(الوسائل والغايات)‪ ،‬مستخدما يف ذلك مفهومني مها‪ :‬اإلشباع (‪)Satisfaction‬‬
‫واملنفعة (‪ )Utility‬وحتدد اإلشباعات االقتصادية اليت حيصل عليها الفرد تبعا لكاتبية‬
‫لألولويات اليت يفضلها هو نفسه‪ .‬أما املنفعة فتشري إىل اإلشباع مبفهوم اجتماعي أوسع‪،‬‬
‫وتفكض اإلشباعات انعدام القابلية للمقارنة بني رغبات الفرد‪.‬‬
‫وبذلك يتبني ‪ -‬كما يقول جوزيف شومبيك‪ -‬أن باريتو مييز بني نوعني من حتقيق احلد‬
‫األقصى من املنفعة‪ :‬األول احلد األقصى من املنفعة لصاحل اجلماعة الذي يشري إىل حتقيق‬
‫احلد األقصى من املنفعة للجماعة أو اجملتمع ككل وليس لألفراد‪.‬‬
‫يف حني‪ ،‬إن النوع الثاب وهو املنفعة ألجل املصاحل اخلاصة يشري إىل حتقيق حد أعلى من‬
‫اإلشباع اخلاص‪ ،‬وفسر باريتو عملية شراء السلع واقتنائها على أساس الرجوع إىل عنصرين‬
‫أساسيني ومها‪ :‬أوال‪ :‬عملية التفضيل من جانب الفرد وثانيا‪ :‬إىل املستوى الذايت للسلعة‬
‫ذاهتا‪"008.‬‬

‫‪ - 008‬حممد ياسر اخلواجة‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.68-62:‬‬


‫‪96‬‬
‫وهكذا‪ ،‬الميكن احلديث عن نظرية املنفعة االجتماعية إال بدراسة الفعل املنطقي وغري‬
‫املنطقي‪ ،‬وتبيان أمهية السلوك غري املنطقي يف احلياة االجتماعية‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فلباريتو نقط إجيابية يف جمايل علم االجتماع واالقتصاد‪ .‬ويكفيه فخرا أنه من‬
‫املؤسسني الفعليني للسوسيولوجيا االقتصادية‪ ،‬وعلم االجتماع السياسي‪ ،‬وسوسيولوجيا‬
‫النخبة‪ ،‬وقد زاوع بني الطر الفيبريي بدراسة الفعل اهلادف وغري اهلادف‪ ،‬واستعمال املنهج‬
‫التجرييب االستقرائي يف دراسة الظواهر االجتماعية من جهة‪ ،‬واألفعال املنطقية وغري املنطقية‬
‫من جهة أخرى‪.‬‬
‫ويتبني لنا أن" إسهامات باريتو متعددة ومتنوعة يف جمال علم االقتصاد واالجتماع بشكل‬
‫عام‪ ،‬فلقد كشف عن العديد من القضايا االقتصادية واالجتماعية‪ ،‬فحلل نظرية التوازن اليت‬
‫تؤكد على أن األنساق االجتماعية تستعيد توازهنا إذا ما طرأ عليها اختالل‪ ،‬ونظرية املنفعة‬
‫االجتماعية يف ضوء دراسته للفعل املنطقي وغري املنطقي‪ ،‬وتأكيده على أمهية السلوك غري‬
‫املنطقي يف احلياة االجتماعية‪ ،‬ونظرية اإلنتاع وحتليله للعالقة بني علميات اإلنتاع‬
‫واالستهالك‪ ،‬والتوزيع وحتليله لالجتاهات حنو امللكية والطابع الدوري للتغري االجتماعي‪ .‬كل‬
‫هذه القضايا ميكن اعتبارها صياغات جديدة ورائدة تتمشى عموما مع الظروف االجتماعية‬
‫الواقعية‪ ،‬لكن معاجلته للرواسب واملشتقات كانت تتميز بالغموض الشديد‪ ،‬حيث إنه‬
‫‪002‬‬
‫يوضح لنا متاما كيف حتدد الرواسب أمناط السلوك املختلفة على حنو حمدد‪".‬‬
‫وعليه‪ ،‬يعد باريتو من أهم السوسيولوجيني الغربيني الذين ربطوا علم االجتماع بعلم‬
‫االقتصاد‪ ،‬بل كان من املؤسسني الفعليني لعلم االجتماع االقتصادي‪.‬‬

‫‪ - 002‬حممد ياسر اخلواجة‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.62:‬‬


‫‪97‬‬
‫اكيطلب اكي شر‪ :‬بيير بورد و اكرأسي ل اكيايدد‬

‫إذا ك ااان ك ااارل م اااركس ي اارى أن أس اااس الصا اراع ب ااني الطبق ااات االجتماعي ااة‪ ،‬والس اايما ب ااني‬
‫البورجوازية والربوليتارية قوامه الرأمسال االقتصادي‪ ،‬فبيري بورديو‪ ،‬على غرار ماكس فيارب‪ ،‬يارى‬
‫أن الصراع اليتخذ دائما طابعاا اقتصااديا‪ ،‬فقاد يكاون صاراعا ثقافياا‪ .‬ومان مث‪ ،‬فثماة رأمسااالن‬
‫مهمان يف حتريك جمتمعاتنا املعاصرة مها‪ :‬الرأمسال الثقايف والرأمسال االقتصادي‪.‬‬
‫وبناااء علااى مااا ساابق‪ ،‬فقااد حاادد بيااري بورديااو أربعااة أمناااط خمتلفااة ماان الرأمسااال الااذي ميلكااه‬
‫الفاعل اجملتمعي‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪‬اكرأسـ ــي ل االقاص ـ ـ دي ه ااو ال ااذي يق اايس م ا اوارد الف اارد املادي ااة واملالي ااة‪ ،‬ويرص ااد ثروات ااه‬
‫وممتلكاته‪ ،‬وحيدد دخله الشهري والسنوي‪.‬‬
‫‪‬اكرأسي ـ ـ ل اكثق فـ ــا‪ :‬يقاايس ماوارد الفاارد الثقافيااة‪ ،‬مثاال‪ :‬الاادبلومات والشااهادات العلميااة‬
‫واملهنيااة‪ ،‬واملنتااوع الثقاايف ماان مقاااالت وكتااب ودراسااات وأعمااال إبداعيااة وثقافيااة وفنيااة‪ ،‬ومااا‬
‫ميلكه من مهارات وكفاءات ومواهب وقدرات معرفية ومهنية وحرفية يف جمال الثقافة‪.‬‬
‫‪ ‬اكرأس ـ ــي ل االجايـ ـ ـ عا‪ :‬يقا اايس ما ااا ميلكا ااه الفا اارد ما اان عالقا ااات اجتماعيا ااة ومعا ااارف‬
‫وصااداقات‪ ،‬تعااود إىل ذكائااه االجتماااعي الااذي يسااتثمره ل اربط جمموعااة ماان صااال ت الاارحم‬
‫والقرابة والصداقة والزمالة‪.‬‬
‫‪ ‬اكرأسي ـ ـ ـ ـ ل اكرد ـ ــزي‪ :‬ويتض ا اامن الرأمس ا ااال االقتص ا ااادي‪ ،‬والرأمس ا ااال الثق ا ااايف‪ ،‬والرأمس ا ااال‬
‫االجتماعي‪ ،‬وسذه األمناط يتميز الفرد جمتمعيا عن باقي األفراد اآلخرين‪.‬‬
‫وقااد أضاااف بيااري بورديااو رأمساااال آخاار يف كتابااه (أس ـ ل اكسوســيوكوجي )‪ ،‬مساااه ب كرأســي ل‬
‫اكلغوي؛ ألن سذا الرأمسال تساتطيع مجاعاة ماا أن تفارض نفساها وإنيتهاا ووجودهاا‪ .‬وبالتاايل‪،‬‬
‫تستفيد من السلطة ومن امتيازات مادية ومالية وثقافياة ورمزياة‪ .‬وأكثار مان هاذا‪ ،‬فمان ميتلاك‬
‫الرأمسااال اللغااوي األجناايب يف الاادول العربيااة‪ ،‬فننااه يسااتطيع أن حيظااى مبكانااة ثقافيااة واقتصااادية‬
‫كربى يف اجملتمع‪ .‬ويف هذا السياق‪ ،‬يقول بورديو‪ ":‬يعاين الرأمساال اللغاوي الاتحكم يف آلياات‬

‫‪98‬‬
‫تشكل األسعار اللغوية‪ ،‬وكذا القدرة على جعل قوانني تشكل األسعار تعمل لصاحل صاحبه‬
‫(أي الرأمسااال)‪ ،‬والقاادرة علااى اسااتخالص فااائض القيمااة النااوعي‪ .‬إن أي عمليااة تفاعاال‪ ،‬وأي‬
‫عملية تواصل لغوي‪ ،‬ولو بني شخصني أو بني صاديقني أو باني طفال وصاديقته‪ ،‬واختصاار‪،‬‬
‫إن كل عمليات التواصل اللغوي هي أنواع من األسواق الصاغرى الايت تبقاى دوماا حتات رمحاة‬
‫البنيات اإلمجالية‪"001.‬‬
‫ويع ااين ه ااذا أن الرمس ااأل اللغ ااوي خاض ااع ب اادوره لق اايم اهليمن ااة والتن ااافس والص اراع‪ ،‬ول ااه عالق اة‬
‫جدلية بباقي األمناط األخرى من الرأمسال الرمزي‪.‬‬
‫بيااد أن بوردي ااو يغ ااض الط اارف عاان رأمس ااال آخ اار أكث اار أمهي ااة‪ ،‬يف جمتمعاتن ااا اإلس ااالمية‪ ،‬م اان‬
‫األمناااط اخلمسااة املااذكورة وهااو اكرأســي ل اكقييــا أ اكــد نا‪ ،‬فهااو الرأمسااال املهاام لإلنسااان‪،‬‬
‫إذا متلكااه اإلنسااان ربااح الاادنيا واآلخاارة‪ .‬وبالتااايل‪ ،‬فأحساان جتااارة ينبغااي أن يسااعى إليهااا الفاارد‬
‫جاهدا هي التجارة مع اهلل يف جمال العبادة والتدين واإلحسان وفعل اخلري‪.‬‬
‫وعليااه‪ ،‬يسااتطيع الفاارد سااذه امل اوارد الرأمساليااة املختلفااة (االقتصااادية‪ ،‬والثقافيااة‪ ،‬واالجتماعيااة‪،‬‬
‫والثقافي ااة‪ ،‬واللغوي ااة) أن حيق ااق أرباح ااا ومن ااافع جمتمعي ااة‪ ،‬والس اايما أن الرأمس ااالني‪ :‬االقتص ااادي‬
‫والثقايف مها أكثر أمهياة يف جمتمعاتناا املعاصارة حساب بياري بوردياو‪ .‬ومهاا اللاذان يشاكالن بنياة‬
‫اجملتم ااع‪ ،‬ويتحكم ااان يف أفع ااال األفا اراد‪ ،‬وجيع اال ك اال حق اال جم ااايل فض اااء للتن ااافس والصا اراع‬
‫والتطاحن االجتماعي والطبقي‪.‬‬

‫‪115‬‬
‫‪- Pierre Bourdieu: Question de sociologie,Minuit,1984.‬‬
‫‪99‬‬
‫اكيب ث اكرابع‪ :‬اكاصـ ــور اكينهجـ ــا‬

‫إذا كان علماء السوسيولوجيا خيتارون املناهج الكيفية يف دراسة الظواهر االجتماعية فهما‬
‫وتفسريا وتأويال‪ ،‬باالعتماد على املالحظة العلمية الدقيقة‪ ،‬ودراسة احلالة‪ ،‬أو دراسة‬
‫املضمون‪ ،‬أو املقابلة املباشرة‪ ،‬أو املعايشة‪ ،‬فنن علماء االقتصاد‪ ،‬يف دراسة الظواهر‬
‫االقتصادية‪ ،‬يرتكزون على املناهج التجريبية الكمية‪ ،‬بتوظيف الرياضيات‪ ،‬والفيزياء‪،‬‬
‫واإلحصاء‪ ،‬والعلوم الطبيعية للوصول إىل احلقائق‪ ،‬ووضع النظريات والنماذع اجملردة لوصف‬
‫الواقع االقتصادي بشكل علمي دقيق‪.‬‬
‫لكن السوسيولوجيني يدرسون األنشطة االقتصادية الفردية واالجتماعية بغية فهمها يف‬
‫سياق اجتماعي معني‪ ،‬بعيدا عن النظريات الكمية اليت ينساق وراءها االقتصاديون‬
‫الرياضيون أو التجريبيون‪ .‬ويعين هذا أن علماء االجتماع ينطلقون من األفعال االقتصادية‬
‫لألفراد واجلماعات لدراستها وحتليلها‪ ،‬وتبيان آثارها يف اجملتمع أو أثر اجملتمع يف تلك‬
‫األنشطة أو التصرفات أو األفعال‪ .‬وهناك علماء اجتماع آخرون يهتمون باملقاربات‬
‫التارخيية واملقارنة والتحليلية لدراسة الظواهر االقتصادية ذات الطابع االجتماعي يف سياقها‬
‫الزماب واملكاب‪ ،‬يتقدمي تأويالت ذاتية وموجهة‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬إذا كانت منهجية االقتصاديني‪ ،‬يف تعاملهم مع الظواهر االقتصادية املختلفة‬
‫واملتنوعة‪ ،‬منهجية استنباطية وجمردة‪ ،‬فنن منهجية علماء االجتماع منهجية استقرائية‬
‫وتارخيية ومقارنة ووصفية‪ ،‬تنطلق من املقاربة السوسيولوجية يف دراسة الظواهر‬
‫االقتصادية‪.‬ويعين هذا أن املقاربة السوسيولوجية مقاربة واقعية ونقدية للمجتمع االقتصادي‪.‬‬
‫ويرى شتاينر)‪ (Steiner‬أن علم االجتماع االقتصادي " يدرس الوقائع االقتصادية يف ضوء‬
‫التحليل السوسيولوجي‪.‬ويعين هذا تطبيق مناهج خمتلفة عن تلك اليت تطبق يف النظرية‬

‫‪100‬‬
‫االقتصادية‪ ،‬كاستعمال التحقيقات‪ ،‬وامليل إىل التصنيف‪ ،‬واالستعانة مبناهج املقارنة‪ ،‬وحتليل‬
‫الشبكة‪." 006‬‬
‫وعليه‪ ،‬يستفيد علم االجتماع االقتصادي من مجيع التقنيات واملناهج والطرائق اليت تسعف‬
‫الباحث يف بناء موضوعه االقتصادي يف ضوء املقكب السوسيولوجي‪ ،‬سواء استخدم‬
‫الباحث يف ذلك منهجية كمية قائمة على التحليل الرياضي واإلحصائي يف دراسة الظواهر‬
‫االقتصادية أم استخدم منهجية كيفية مبنية على املالحظة‪ ،‬والبحث امليداب‪ ،‬واملقابلة احلرة‪،‬‬
‫واملعايشة‪ ،‬والتحقيق‪ ،‬والسري الذاتية‪ ،‬والوثائق الشخصية‪ ،‬وحتليل املضمون‪...‬فاملهم هو بناء‬
‫الظاهرة االقتصادية يف ثوب اجتماعي وسوسيولوجي‪ ،‬حيكم مبادىء البحث العلمي‪،‬‬
‫ويتمثل خمتلف شروطه املوضوعية والشكلية واملنهجية‪.‬‬
‫يمص اكقول‪ ،‬يتبني لنا‪ ،‬مما سبق ذكره‪ ،‬أن علم االجتماع االقتصادي فرع من فروع علم‬
‫االجتماع العام‪ .‬وقد ظهر حديثا يف منتصف القرن العشرين‪ ،‬على الرغم من جذوره‬
‫القدمية‪ .‬ومن مث‪ ،‬فهذا العلم يدرس الظواهر االقتصادية يف ضوء املقاربة السوسيولوجية‪.‬أي‪:‬‬
‫يدرس الدورة االقتصادية‪ :‬اإلنتاع‪ ،‬والتوزيع‪ ،‬والتبادل‪ ،‬واالستهالك‪ ،‬أو يدرس طبيعة السلوك‬
‫اإلنساب بني كثرة الرغبات وقلة املوارد وندرهتا وحمدوديتها‪ ،‬أو حيلل الفعل االقتصادي‬
‫اهلادف والعقالب‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فثمة جمموعة من النظريات االقتصادية‪ ،‬منذ ابن خلدون إىل يومنا هذا‪ ،‬تندرع‪،‬‬
‫بشكل أو بةخر‪ ،‬ضمن علم االجتماع االقتصادي‪ .‬فابن خلدون يعد املنظر األول لعلم‬
‫االجتماع االقتصادي‪ ،‬حينما حتدث عن أمهية العمل وقدسيته وقيمته االقتصادية‪ .‬وبعد‬
‫ذلك‪ ،‬تعترب املدرسة الكالسيكية أول مدرسة اقتصادية يف أوروبا‪ ،‬كما يبدو ذلك جليا عند‬
‫آدم مسيث الذي دافع عن احلرية االقتصادية‪ ،‬وساهم يف انبثاق املذهب االقتصادي‬
‫الليربايل‪ ،‬والسيما يف كتابه (ثر ة األدم)‪ .‬أما دافيد ريكاردو‪ ،‬فقد أعاد النظر يف كثري من‬

‫‪- Steiner P., 1999, La sociologie économique, Paris, La‬‬


‫‪116‬‬

‫‪Découverte, coll. « Repères » (nouv. éd. 2005)، p:3.‬‬


‫‪101‬‬
‫التصورات االقتصادية الكالسيكية‪ ،‬فيما خيص األجر‪ ،‬والربح‪ ،‬والريع‪ .‬وما كان يهمه‪ ،‬يف‬
‫احلقيقة‪ ،‬هو البحث عن الطرائق املمكنة لتوزيع الدخل القومي‪ ،‬وتأسيس اقتصاد كلي‬
‫ومشويل‪.‬‬
‫أما النظرية الكينزية اإلحليزية‪ ،‬فتحسب على النظريات االقتصادية املعاصرة اليت مهها الوحيد‬
‫هو إخارع االقتصاد العاملي من أزماته واختالالته الدورية‪ ،‬بتقدمي جمموعة من احللول‬
‫العملية‪ ،‬ومن أمهها ضرورة تدخل الدولة يف االقتصاد لتوجيهه وجهة حسنة‪ ،‬مع احكام‬
‫امللكية اخلاصة‪.‬‬
‫وإذا كان دوركامي قد اهتم بتقسيم العمل يف أثناء حديثه عن اجملتمع العضوي‪ ،‬فماكس فيرب‬
‫قد أعطى األولوية للجانب الديين والروحي يف ظهور الرأمسالية‪.‬أما كارل ماركس‪ ،‬فريجع‬
‫مجيع الظواهر الفوقية إىل ماهو اقتصادي‪ ،‬ضمن نظريته املادية اجلدلية‪.‬‬
‫ويعد فيلفريدو باريتو من أهم علماء االجتماع الذين ربطوا علم االقتصاد بعلم االجتماع‬
‫لتكاملهما بشكل كبري‪ .‬يف حني‪ ،‬اهتم جورع زميل بفلسفة النقود‪ ،‬باستجالء طابعها‬
‫االجتماعي‪ .‬أما بيري بورديو‪ ،‬فقد وسع الرأمسال املادي االقتصادي‪ ،‬ليشمل أنواعا أخرى‬
‫كالرأمسال الثقايف‪ ،‬والرأمسال الرمزي‪ ،‬والرأمسال اللغوي‪...‬‬
‫وإذا كانت منهجية النظريات االقتصادية منهجية كمية استنباطية تنبين على الرياضيات‬
‫واإلحصاء والفيزياء‪ ،‬فنن مناهج علماء االجتماع كيفية بامتياز؛ لكوهنا تقوم على التحقيق‪،‬‬
‫والتأريخ‪ ،‬والتوثيق‪ ،‬والبحث امليداب‪ ،‬واملالحظة العلمية الدقيقة‪ ،‬واملقابلة املباشرة‪ ،‬واملقارنة‪،‬‬
‫والتصنيف‪...‬‬

‫‪102‬‬
‫اكفصل اكخ دس‪:‬‬

‫علم االجاي ع اكاربوي‬

‫الميكن حتديد مفهوم علم اجتماع الكبية أو سوسيولوجيا املدرسة إال بالتوقف عند جمموعة‬
‫من املطالب على النحو التايل‪:‬‬

‫اكيب ث األ ل‪ :‬دفهود علم اجاي ع اكاربي‬

‫يدرس علم اجتماع الكبية (‪ )La sociologie de l’éducation‬أو علم اجتماع‬


‫املدرسة (‪ )La sociologie de l’école‬الكبية أو املدرسة على حد سواء‪ ،‬على‬
‫أساس أن املدرسة ظاهرة اجتماعية أو مؤسسة اجتماعية هلا ثوابتها ومتغرياهتا‪.‬أي‪ :‬تدرس‬
‫سوسيولوجيا الكبية أو املدرسة كل الظواهر املتعلقة مبجال الكبية والتعليم واملؤسسة الدراسية‬
‫يف عالقة تامة باجملتمع‪ .‬ويعين هذا أن املدرسة تعكس حميطها االجتماعي بشكل مباشر أو‬
‫غري مباشر‪ .‬ومن مث‪ ،‬تركز هذه السوسيولوجيا على دراسة املؤسسة الكبوية من الداخل‬
‫واخلارع‪ ،‬بدراسة مكوناهتا وعناصرها ونسقها الوظيفي الكلي‪ ،‬برصد خمتلف األنشطة اليت‬
‫تقوم سا املؤسسة التعليمية‪ ،‬سواء كانت أنشطة مادية أم معنوية‪ .‬مث رصد خمتلف العالقات‬
‫التفاعلية اليت جتريها املؤسسة مع اجملتمع اخلارجي‪ ،‬بالتوقف عند ثوابتها ومتغرياهتا‪،‬‬
‫واستجالء خصائصها ووظائفها وأدوارها اجملتمعية‪ ،‬ومدى مسامهتها يف توعية اجملتمع وتنويره‬
‫وقيادته تنمويا واقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وثقافيا وحضاريا‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬تتوقف‬
‫سوسيولوجيا الكبية عند مكونات املدرسة وعناصرها الفاعلة والوظيفية‪ ،‬كالتوقف‪ -‬مثال‪-‬‬
‫عند التالميذ‪ ،‬واملدرسني‪ ،‬ورجال اإلدارة‪ ،‬واألعوان واملساعدين‪ ،‬واملشرفني الكبويني‪،‬‬

‫‪103‬‬
‫ومجعيات اآلباء واألمهات‪ ،‬بالتحليل والدراسة والرصد واستكشاف مهام هؤالء والوظائف‬
‫املنوطة سم‪.‬‬
‫هااذا‪ ،‬ويعاارف أمحااد أوزي سوساايولوجيا الكبيااة بقولااه‪ ":‬يقااوم علاام االجتماااع الكبااوي بدراسااة‬
‫أشا ااكال األنشا ااطة الكبويا ااة للمؤسسا ااات‪ ،‬كأنشا ااطة املدرسا ااني والتالميا ااذ واإلداريا ااني داخا اال‬
‫املؤسسات املدرسية‪ .‬كما يقوم بوصف طبيعة العالقات واألنشطة اليت تتم بينهم‪ .‬كماا يهاتم‬
‫عل اام االجتم اااع الكب ااوي بدراس ااة العالق ااات ال اايت ت ااتم ب ااني املدرس ااة وب ااني مؤسس ااات أخ اارى‪،‬‬
‫كاألسرة‪ ،‬واملسجد‪ ،‬والنادي‪ .‬كما يهتم بالشروط االقتصادية والطبيعية اليت تعيش فيها هاذه‬
‫املؤسسات‪ ،‬وتؤثر يف شروط وجودها وتعاملها‪"007.‬‬
‫أم ااا عب ااد الك اارمي غري ااب‪ ،‬فيعرفه ااا بقول ااه‪ ":‬عل اام ي اادرس التا ااأثريات االجتماعي ااة ال اايت ت ااؤثر يف‬
‫املسااتقبل الدراسااي لألفاراد؛ كمااا هااو الشااأن بالنساابة لتنظاايم املنظومااة املدرسااية‪ ،‬وميكانيزمااات‬
‫التوجي ااه‪ ،‬واملس ااتوى السوس اايوثقايف ألس اار املتمدرس ااني‪ ،‬وتوقع ااات املدرس ااني واآلب اااء‪ ،‬وإدم اااع‬
‫املعايري والقيم االجتماعية من طرف التالميذ‪ ،‬وخمرجات األنظمة الكبوية‪...‬‬
‫ميكن حتديد موضوع سوسيولوجيا الكبية يف التساؤل العلمي حول نوعية الروابط القائمة باني‬
‫املؤسسااات الكبويااة املختلفااة وبااني باااقي البنيااات واألطاار االجتماعيااة األخاارى‪ :‬ماااهي الوظيفااة‬
‫الاايت تقااوم سااا تلااك املؤسسااات داخاال جمتمااع مااا؛ وماماادى مسااامهتها يف تنشاائة األفارادا وإىل‬
‫أي ح ااد حت اادث تع ااديالت يف اهلرمي ااة االجتماعي ااة القائم ااة (احلركي ااة االجتماعي ااة)؛ ومام اادى‬
‫تأثريها يف البنيات الثقافية وماعالقتهاا بالبنياات املهنياة والثقافياة املوجاودةا‪ ...‬إخل‪ .‬تلاك أهام‬
‫التسا اااؤالت الا اايت تطما ااح سوسا اايولوجيا الكبيا ااة لإلجابا ااة عنها ااا‪ ،‬ما ااع األخا ااذ بعا ااني االعتبا ااار‬
‫‪003‬‬
‫االختالفات القائمة بني اجملتمعات املتنوعة‪".‬‬

‫‪ -007‬أمحد أوزي‪ :‬اكييجم اكيوسوعا كيلود اكاربي ‪ ،‬مطبعة النجا اجلديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل سنة ‪2116‬م‪ ،‬ص‪.067:‬‬
‫‪ -003‬عبد الكرمي غريب‪ :‬اكينهل اكاربوي‪ ،‬اجلزء الثاب‪ ،‬منشورات عا الربية‪ ،‬منشورات عا الكبية‪ ،‬مطبعة‬
‫النجا اجلديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل ‪2116‬م‪ ،‬ص‪.362:‬‬
‫‪104‬‬
‫ويعرف علي احلوات علم االجتماع الكبوي بقوله‪ " :‬هو العلم الذي خيتص بدراسة اإلنساان‬
‫حينما يدخل يف عالقة مع إنسان آخر يف إطار تربوي يهدف إىل تكاوين اخلاربة‪ ،‬أو املعرفاة‪،‬‬
‫أو الثقافااة‪ ،‬أو التعلاايم‪ ،‬أو التاادريب"‪.‬أي‪ :‬العالقااات الاايت تااتم بااني األفاراد يف اإلطااار الكبااوي‬
‫(التعليمي التعلمي)‪ ،‬سواء أكانت هذه العالقات بني تلميذ وآخر‪ ،‬أو بني تلميذ ومعلم‪ ،‬مث‬
‫بني التالميذ واملعلمني ككل‪ ،‬وبني كل من يف املؤسسة الكبوية‪ ،‬والنظام الكبوي بشكل عام‪،‬‬
‫‪.008‬‬
‫وبني كل من يف اإلطار الكبوي واملؤسسات االجتماعية األخرى يف اجملتمع الكبري‪".‬‬
‫وعليااه‪ ،‬فسوساايوبوجيا الكبيااة هااي الاايت تعااىن بدراسااة املدرسااة يف عالقتهااا مبحيطهااا اجملتمعااي‪،‬‬
‫ودراسااة خمتلااف التفاااعالت االجتماعيااة داخاال املؤسسااة الكبويااة نفسااها‪ ،‬واالهتمااام مبختلااف‬
‫األنش ااطة واألدوار ال اايت تق ااوم س ااا املدرس ااة الكبوي ااة‪ ،‬م ااع الككي ااز عل ااى جمموع ااة م اان الظا اواهر‬
‫االجتماعي ااة الكبوي ااة‪ ،‬مث اال‪ :‬س االطة املدرس ااة‪ ،‬والنج ااا واإلخف اااق‪ ،‬واالنتق اااء أو االص ااطفاء‬
‫الكبااوي‪ ،‬ودور املدرس اة يف انتخاااب النخبااة‪ ،‬والف اوارق االجتماعيااة والطبقيااة داخاال املؤسسااة‪،‬‬
‫واهل اادر املدرس ااي‪ ،‬وديناميكي ااة اجلماع ااات‪ ،‬ومش ااروع املؤسس ااة‪ ،‬والشا اراكة الكبوي ااة‪ ،‬والتوجي ااه‬
‫الكب ااوي‪ ،‬واملس ااالك املهني ااة‪ ،‬ودميقراطي ااة التعل اايم‪ ،‬وتف اااعالت املدرس ااة الداخلي ااة واخلارجي ااة‪،‬‬
‫وقضااية الالمساااواة الطبقيااة‪ ،‬واملدرسااة واإلعااالم أو موقااف املدرسااة ماان التحااديات اإلعالميااة‬
‫للتلفزيون واألنكنيت‪ ،‬والتفاعال الكباوي داخال املؤسساة أو الفصال الدراساي‪ ،‬وطبيعاة العالقاة‬
‫بني املدرسة واألسرة‪ ،‬وقضية االنتماء االجتماعي‪ ،‬والتحصيل الدراسي‪ ،‬والنجا املدرسي‪.‬‬
‫وياارى حممااد الشاارقاوي أن سوساايولوجية الكبيااة تعااىن بدراسااة أنظمااة التعلاايم‪ ،‬ودراسااة الظاواهر‬
‫املدرساية‪ ،‬مااع دراساة خمتلااف العالقاات الاايت تكاون بااني املدرساة وخملااف املؤسساات األخاارى‪،‬‬
‫مثل‪ :‬األسرة‪ ،‬والسياساة‪ ،‬واالقتصااد‪ .‬أي‪ ":‬دراساة اآللياات املدرساية كاملادخالت والعملياات‬
‫واملخرجات‪ .‬وتتمثل املدخالت يف التالميذ واملدرسني واإلدارة‪ .‬ويتميز تالميذ املدرسة‪ ،‬على‬
‫أسا اااس أهنا اام سا اااكنة املدرسا ااة‪ ،‬خبصا ااائص فيزيولوجيا ااة‪ ،‬ونفسا ااية‪ ،‬واجتماعيا ااة‪ ،‬عا ااالوة علا ااى‬
‫الس اامات التالي ااة‪ :‬الس اان‪ ،‬واجل اانس‪ ،‬واملس ااتوى الثق ااايف‪ ،‬واألص اال االجتماعي‪.‬أم ااا املدرس ااون‬

‫‪ - 008‬علي احلوات‪ :‬أسس علم االجاي ع اكاربوي‪ ،‬جامعة الفاتح‪ ،‬طرابلس‪ ،‬ليبيا‪ ،‬طبعة ‪0878‬م‪ ،‬ص‪.32:‬‬
‫‪105‬‬
‫واإلداريون‪ ،‬فيتميزون باملتغريات املهنياة واحلرفياة والسياساية والنقابياة‪ ،‬مثال‪ :‬مساتوى التكاوين‪،‬‬
‫وطريقة التوظيف‪ ،‬والوضعية داخل البنية اجملتمعية‪ ،‬والتوجهات السياسية والنقابية‪.‬‬
‫أم ااا املخرج ااات‪ ،‬فتتمث اال يف النت ااائج ال اايت تكت ااب ع اان توظي ااف آلي ااات التطبي ااع االجتم اااعي‬
‫واالصطفاء‪.‬أي‪ :‬توظيف خمتلف املعارف واملهارات من أجل حتقيق النجا الدراسي‪ ،‬ورصاد‬
‫خمتلف آثار التعلم يف أساليب احلياة‪ ،‬أو يف السلوك السياسي أو القانون اجملتعي النهائي‪.‬‬
‫وترتكااز العمليااات علااى نقاال القاايم األخالقيااة واملعااارف‪ ،‬مث االهتمااام بالبيااداغوجيا‪ ،‬مث قواعااد‬
‫التق ااومي‪ .‬ويع ااين ه ااذا أن وظيف ااة املدرس ااة ه ااي نق اال املع ااارف والق اايم وف ااق قواع ااد بيداغوجي ااة‬
‫وديدكتيكية معينة‪ ،‬مع االهتمام بأنظمة التقومي‪.‬‬
‫ويتضااح‪ ،‬ممااا ساابق‪ ،‬أن جمااال علاام االجتماااع املدرسااي هااو رصااد التحااول الااذي ينتاااب الفاارد‪،‬‬
‫وه ا ااو ينتق ا اال م ا اان ك ا ااائن بيول ا ااوجي غري ا اازي إىل ك ا ااائن بيول ا ااوجي إنس ا اااب وثق ا ااايف‪ .‬وم ا اان مث‪،‬‬
‫فسوساايولوجيا الكبيااة لااديها الكثااري ممااا تقولااه‪ .‬وماان مث‪ ،‬فعلاام االجتماااع الكبااوي جمااال واسااع‬
‫ورحااب‪ ،‬ومتعاادد املواضاايع والقضااايا‪ ،‬وأن املدرسااة جمتمااع مصااغر‪ .‬وبالتااايل‪ ،‬تزخاار بكثااري ماان‬
‫الظواهر واجملتمعية اليت تنقلها من احمليط الذي حيوم سا‪.021‬‬
‫ولكن ينبغي لسوسيولوجيا الكبية أن تتوسع وتتجاوز إطار املدرسة إىل أشكال ضمنية أخرى‬
‫من التعلم‪ ،‬كأن تتوقف عند األسرة واحمليط وغريها من املواضيع املرتبطة بالتعلم‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬فسوسيولوجيا الكبياة هتاتم بالعالقاات االجتماعياة داخال املؤسساة الكبوياة‪ ،‬ودراساة‬
‫املؤسس ا ااات ال ا اايت تق ا ااوم بوظيف ا ااة التنش ا اائة الكبوي ا ااة واالجتماعي ا ااة‪ ،‬ورب ا ااط التك ا ااوين بوظيفت ا ااه‬
‫االجتماعية واإليديولوجية‪ ،‬والككيز على وظيفة التنشئة االجتماعية ووظيفة التمدرس‪.‬‬
‫وعلى العموم‪ ،‬هتتم سوسيولوجيا الكبية بدراساة األنظماة الكبوياة يف عالقتهاا بااجملتمع‪ ،‬وتبياان‬
‫دوره ااا يف التغي ااري االجتم اااعي‪ ،‬والس اايما أن الكبي ااة تس ااعى إىل حتوي اال ك ااائن غ ااري اجتم اااعي‬

‫‪- Mohamed Cherkaoui: Sociologie de l'éducation, Que sais-je,‬‬


‫‪120‬‬

‫‪PUF, 5 edition 1999, pp: 3-5.‬‬


‫‪106‬‬
‫ليص اابح اجتماعي ااا‪.020‬وم اان مث‪ ،‬فسوس اايولوجيا الكبي ااة مفه ااوم ع ااام ي اادرس خمتل ااف األنش ااطة‬
‫اإلنسااانية‪ ،‬وخاصااة الكبويااة منهااا‪ .‬وإذا كاناات سوساايولوجيا الكبيااة تاادرس الظ اواهر املدرسااية‪،‬‬
‫فلها أيضا عالقة وثيقة باألسارة والسياساة واالقتصااد‪.‬ويعين هاذا أهناا تادرس ماا يتعلاق بالكبياة‬
‫بالككيز على ثالثة عناصر رئيسية‪ ،‬وهي‪ :‬مداخل الكبية (املتمدرسون‪ ،‬ورجال التعلايم‪ ،‬وأطار‬
‫اإلدارة‪ ،‬واآلب ا ا ا ا اااء‪ ،‬واملقا ا ا ا ا ااررون‪ ،‬واملفتشا ا ا ا ا ااون‪ ،)...‬وآلياهتا ا ا ا ا ااا البيداغوجيا ا ا ا ا ااة والديدكتيكيا ا ا ا ا ااة‬
‫والسوسيولوجية‪ ،‬وخمارجها(التقومي‪ ،‬واالنتقاء‪ ،‬واالصطفاء‪.)...‬‬
‫وهن اااك تعري ااف آخ اار هل ااذا احلق اال املع ااريف مف اااده أن عل اام االجتم اااع الكب ااوي يق ااوم" بدراس ااة‬
‫أشا ااكال األنشا ااطة الكبويا ااة للمؤسسا ااات‪ ،‬كأنشا ااطة املدرسا ااني والتالميا ااذ واإلداريا ااني داخا اال‬
‫املؤسسات املدرسية‪.‬كما يقوم بوصف طبيعة العالقات واألنشطة الايت تاتم بينهم‪.‬كماا يهاتم‬
‫عل اام االجتم اااع الكب ااوي بدراس ااة العالق ااات ال اايت ت ااتم ب ااني املدرس ااة وب ااني مؤسس ااات أخ اارى‪،‬‬
‫كاألسرة‪ ،‬واملسجد‪ ،‬والنادي‪.‬كما يهتم بالشروط االقتصادية والطبيعية اليت تعيش فيها هاذه‬
‫املؤسسات‪ ،‬وتؤثر يف شروط وجودها وتعاملها‪"022.‬‬
‫وهناك من يعرف سوسيولوجيا الكبية بأهنا مبثابة علم" يدرس التأثريات االجتماعياة الايت تاؤثر‬
‫يف املسا ا ااتقبل الدراسا ا ااي لألف ا ا اراد؛ كما ا ااا ها ا ااو الشا ا ااأن بالنسا ا اابة لتنظا ا اايم املنظوما ا ااة املدرسا ا ااية‪،‬‬
‫وميكانيزما ااات التوجيا ااه‪ ،‬واملسا ااتوى السوسا اايوثقايف ألسا اار املتمدرسا ااني‪ ،‬وتوقعا ااات املدرسا ااني‬
‫واآلبا ا اااء‪ ،‬وإدما ا اااع املعا ا ااايري والقا ا اايم االجتماعيا ا ااة ما ا اان قبا ا اال التالميا ا ااذ‪ ،‬وخمرجا ا ااات األنظما ا ااة‬
‫الكبوية‪"028.‬‬
‫وبناااء علااى م اا ساابق‪ ،‬يقصااد بسوساايولوجيا الكبيااة ذلااك احلقاال املعااريف الااذي يسااتعني بعلاام‬
‫االجتماع يف دراسة القضايا الكبوياة‪ ،‬يف عالقاة مبختلاف املؤسساات اجملتمعياة األخارى‪ ،‬علاى‬
‫‪121‬‬
‫‪-Mohamed Cherkaoui: Sociologie de l’éducation, PUF, Paris,‬‬
‫‪France, 1 édition 1986, p: .8‬‬
‫‪ -022‬أمحد أوزي‪ :‬اكييجم اكيوسوعا كيلود اكاربي ‪ ،‬ص‪.067:‬‬
‫‪ -028‬عبد الكرمي غريب‪ :‬اكينهل اكاربوي‪ ،‬اجلزء الثاب‪ ،‬ص‪.368:‬‬
‫‪107‬‬
‫أساااس أن املؤسسااة التعليميااة جمتمااع مصااغر يعكااس‪ ،‬يف جااوهره‪ ،‬خمتلااف التناقضااات اجلدليااة‬
‫اليت يتضمنها اجملتمع األكرب‪ .‬وأهم ما تعىن به سوسيولوجيا الكبية دراسة املؤسساة التعليمياة‪،‬‬
‫م ااع حتدي ااد دوره ااا يف بن اااء اجملتم ااع‪ ،‬سا اواء أك ااان ذل ااك ع اارب التكيي ااف االن اادماجي أم ع اارب‬
‫عمليا ا ااات التغيا ا ااري‪ .‬أضا ا ااف إىل ذلا ا ااك أهنا ا ااا هتا ا ااتم بفها ا اام املدرسا ا ااة باعتبارها ا ااا بنيا ا ااة وداللا ا ااة‬
‫ومقصا اادية‪.‬أي‪ :‬ترصا ااد دورها ااا يف التغيا ااري االجتما اااعي‪ .‬كما ااا هتا ااتم بتبيا ااان خمتلا ااف وظائفها ااا‬
‫وأدوارها ااا‪ ،‬واستكش ا اااف عالق ا ااة املدرس ا ااة باألس ا اارة والسياس ا ااة واالقتص ا اااد‪ ،‬ووص ا ااف خمتل ا ااف‬
‫الصراعات الطبقية واالجتماعية اليت تعج سا املؤسسة التعليمياة‪ ،‬والككياز علاى أهام الفااعلني‬
‫يف حتريك هذه املؤسسة الكبوية‪ ،‬وتفسري دور املدرسة يف اجملتمع الليربايل‪ ،‬من حيث حتقيقها‬
‫لفرص النجا والفشل‪ ،‬وعالقة ذلك باألصول الطبقية واالجتماعية‪.‬‬
‫وهكااذا‪ ،‬فقااد اسااتفادت الكبيااة كثاريا ماان املقاربااة السوساايولوجية يف دراسااة الفشاال الدراسااي‪،‬‬
‫وافتح اااص املنظوم ااة الكبوي ااة يف خمتل ااف مس ااتوياهتا وأبعاده ااا‪ ،‬بع ااد أن ارتبط اات مل اادة طويل ااة‬
‫باملقاربة السيكولوجية اليت كانت تعاىن بدراساة الظاواهر الفردياة‪ ،‬كاالنمو‪ ،‬والاذكاء‪ ،‬والاذاكرة‪،‬‬
‫والتعلم‪...‬‬

‫اكيب ث اكث نا‪ :‬أهيي سوسيوكوجي اكاربي‬

‫ماان املعلااوم أن لسوساايولوجيا الكبيااة أمهيااة كااربى يف فهاام األنظمااة الكبويااة وتفسااريها‪ .‬فهااي ‪-‬‬
‫أوال ‪ -‬تتج اااوز املقارب ااة الس اايكولوجية ال اايت هت ااتم بدراس ااة الظ ا اواهر الفردي ااة لته ااتم ب ااالظواهر‬
‫االجتماعيااة‪.‬ويعين هااذا أهنااا تنشاار نوعااا ماان الااوعي االجتماااعي يف مقاربااة الظ اواهر الكبويااة‪.‬‬
‫كمااا تؤكااد سوساايولوجيا الكبيااة ماادى ارتباااط الكبيااة بالسياسااة واجملتمااع واالقتصاااد‪.‬ومن جهااة‬
‫أخرى‪ ،‬تستكشف مدى تغلغل االجتمااعي والسياساي يف املنظوماة الكبوياة‪ ،‬ماع اإلشاارة إىل‬
‫أن املدرسا ااة ليسا اات مؤسسا ااة حمايا اادة‪ ،‬با اال ختضا ااع للتوجها ااات السياسا ااية واحلزبيا ااة والنقابيا ااة‬
‫‪108‬‬
‫واإليديولوجية‪ .‬وهتدف هذه السوسيولوجيا إىل التقليل من مسؤولية األفراد‪ ،‬وخاصة يف جماال‬
‫الفشل الدراسي‪ ،‬لتحمل اجملتمع وبنياتاه نتاائج ذلاك‪ .‬وال ننساى أن سوسايولوجيا الكبياة هتاتم‬
‫بالتش ااديد عل ااى دور املدرس ااة يف تغي ااري اجملتم ااع‪ ،‬وحتقي ااق التنمي ااة البش ارية املس ااتدامة‪ ،‬وتأهي اال‬
‫االقتصاااد‪ ،‬وتطااوير اجملتمااع‪ ،‬وحتقيااق التقاادم واالزدهااار‪ ،‬وحتقيااق الدميقراطيااة واملساااواة والعدالااة‬
‫االجتماعيااة‪ ،‬والقضاااء علااى األميااة‪.‬ومن هنااا‪ ،‬أصاابح التعلاايم مشااروعا جمتمعيااا كبااريا يف جمااال‬
‫التنافس بني األمم‪ ،‬والسيما يف زمن العوملة واملعلومات الرقمية‪.‬‬

‫اكيب ث اكث كث‪ :‬عمق علم االجاي ع اكاربوي بيلم االجاي ع اكي د‬

‫يعااد علاام االجتماااع الكبااوي فرعااا ماان فااروع علاام االجتماااع العااام‪ ،‬ومياادانا ماان أهاام ميادينااه‬
‫امليكرو جمتمعية؛ نظرا لعالقة املدرسة باجملتمع والتنمية والتخلف‪ .‬وأكثر مان هاذا‪ ،‬فثماة تاأثري‬
‫وتا ااأثر متبا ااادل با ااني ها ااذين العلما ااني‪ ،‬إذ يشا ااتغل علا اام االجتما اااع الكبا ااوي علا ااى التصا ااورات‬
‫االجتماعية واملقاربات املنهجية والتطبيقية اليت يرتكن إليها علام االجتمااع العاام‪ .‬ويف الوقات‬
‫نفسااه‪ ،‬يسااتفيد علاام االجتماااع العااام ماان قضااايا علاام االجتماااع الكبااوي‪ ،‬ونتائجااه املختربيااة‬
‫وامليدانية والتحليلية‪.‬‬
‫كم ا ااا يس ا ااتفيد عل ا اام االجتم ا اااع الكب ا ااوي م ا اان معظ ا اام النظري ا ااات واملقارب ا ااات ال ا اايت اعتم ا اادهتا‬
‫السوس اايولوجيا العام ااة‪ ،‬مث اال‪ :‬املادي ااة التارخيي ااة (ك ااارل م اااركس)‪ ،‬والبنيوي ااة (ل ااوي ألتوس ااري)‪،‬‬
‫والبنيوية الوظيفية (بارسنز ومريتون)‪ ،‬والنسقية (كومبس وبودون وفالو)‪...‬‬
‫وم اان جه ااة أخ اارى‪ ،‬يس ااتعمل ه ااذا العل اام األدوات واملف اااهيم نفس ااها ال اايت يس ااتخدمها عل اام‬
‫االجتماااع العااام‪ ،‬ويناااقش املوضااوعات والقضااايا الاايت يناقشااها علاام االجتماااع العااام‪ ،‬مثاال‪:‬‬
‫عالق ااة النظ ااام الكب ااوي ب اااجملتمع الكل ااي‪ .‬وم اان مث‪ ،‬التكتف ااي سوس اايولوجيا املدرسا اة باملقارب ااة‬
‫امليكروجمتمعيااة علااى أساااس أن املدرسااة جمتمااع مصااغر‪ ،‬باال تتعاادى ذلااك إىل التعاماال معهااا‬

‫‪109‬‬
‫ضاامن املقاربااة املاكروسوساايولوجيا‪ ،‬بااالتوقف عنااد عالقااة املؤسسااة الكبويااة بباااقي التنظيمااات‬
‫اجملتمعيااة األخاارى‪ .‬والتعااىن فقااط بدراسااة املدرسااة أو املؤسسااة الكبويااة فقااط‪ ،‬باال هتااتم كااذلك‬
‫بدراسا ااة املمارسا ااات الكبوي ا ااة‪ ،‬واسا ااتجالء خمتلا ااف العالقا ااات االجتماعيا ااة الا اايت ت ا ااتحكم يف‬
‫تصرفات الفاعلني داخل املؤسسة الكبوية‪.‬‬
‫ولعم االجتماع الكبوي عالقة بالعلوم األخرى‪ ،‬كالعلوم االجتماعية ( علم النفس‪ ،‬والتااريخ‪،‬‬
‫واالقتص اااد‪ ،‬واألنكوبولوجي ااا‪ ،‬والسياس ااة)‪ ،‬والعل ااوم اإلنس ااانية (اللغ ااات‪ ،‬والفلس اافة‪ ،‬والفن ااون‪،‬‬
‫والديانات)‪ ،‬والعلوم التطبيقية (الرياضيات‪ ،‬والفلك واهلندسة‪ ،‬والطب‪ ،‬والكبية)‪.‬‬

‫اكيب ث اكرابع‪ :‬أس ل ـ ـ سوسيوكوجي اكاربي قض ه‬

‫طرحت سوسيولوجيا املدرساة‪ ،‬مناذ ظهورهاا يف أواخار القارن التاساع عشار املايالدي وبادايات‬
‫القاارن العشارين‪ ،‬عادة أساائلة وقضااايا‪ ،‬مثاال‪ :‬ساؤال االنضااباط االجتماااعي أو دور املدرسااة يف‬
‫التنش اائة االجتماعي ااة م ااع إمي اال دورك ااامي‪ .‬وبع ااد ذل ااك‪ ،‬ط اار س اؤال الالمس اااواة من ااذ س اانوات‬
‫الستني مان القارن املاضاي ماع بياري بوردياو‪ ،‬وكلاود باسارون‪ ،‬وبريزنشاتاين‪ ،‬وغاريهم‪...‬مث‪ ،‬طار‬
‫سؤال آخر هو سؤال العنف وقلة األدب ماع إرياك ديبااربيو(‪ .)Éric Debarbieux‬مث‬
‫ط اار س اؤال يتعل ااق بتص ارفات امل ااتعلم وس االوكياته داخ اال املدرس ااة؛ وس اؤال عالق ااات املدرس ااة‬
‫بأولي اااء األم ااور؛ وس اؤال اهل اادر املدرس ااي؛ وس اؤال اجل ااودة بع ااد تع اااظم دور املدرس ااة الكمي ااة؛‬
‫وسؤال بطالة أصحاب الشهادت العليا؛ وسؤال التكوين الكبوي؛ وسؤال املدرسة باني منطاق‬
‫الطل ااب والع اارض؛ وسا اؤال املفاض االة واملقارن ااة ب ااني املدرس ااة العمومي ااة واملدرس ااة اخلصوص ااية؛‬
‫وساؤال النجااا واإلخفاااق املدرساايني؛ وساؤال التوجيااه الكبااوي أو املدرسااي أو املهااين؛ وساؤال‬
‫األقسام املشاككة؛ وساؤال العالقاات التفاعلياة باني املدرساة واجملتماع كماا يظهار ذلاك واضاحا‬
‫عن ا ا ا ااد السوس ا ا ا اايولوجي األمريك ا ا ا ااي بارس ا ا ا ااونز (‪ ،)Parson‬؛ وسا ا ا ا اؤال الغ ا ا ا ااش وتسا ا ا ا اربات‬

‫‪110‬‬
‫االمتحانات؛ وسؤال الكفااءة التعلمياة والتعليمياة واملهنياة؛ وساؤال الكفااءة والتأهيال‪ ،‬وساؤال‬
‫عالقة املدرسة بسوق الشغل‪...‬‬
‫وتنص ااب سوس اايولوجيا الكبي ااة أو املدرس ااة عل ااى دراس ااة العالقااات الكبوي ااة؛ واألدوار الكبوي ااة؛‬
‫واجلماعااات الكبويااة‪ ،‬لاايس يف بلااد معااني‪ ،‬باال يف العااا كلااه‪ ،‬ويف خمتلااف اجملتمعااات القدميااة‬
‫واحلديثااة‪ ،‬ضاامن رؤيااة علميااة موضااوعية‪ .‬بيااد أن املدرسااة باعتبارهااا مؤسسااة تربويااة الميكاان‬
‫دراسااتها دراسااة مسااتقلة‪ ،‬باال هلااا عالقااة باملؤسسااات األخاارى‪ ،‬كمؤسسااة األساارة‪ ،‬ومؤسسااة‬
‫االقتصاد‪ ،‬ومؤسسة الدين‪ ،‬ومؤسسة اإلدارة‪ ،‬ومؤسسة السياسة‪...‬‬
‫وعلي ااه‪ ،‬تع ااىن سوس اايولوجيا الكبي ااة بوص ااف النس ااق الكب ااوي يف عالقت ااه ب اااجملتمع‪ ،‬وتش ااخيص‬
‫خمتلااف األدواء الاايت يعاااب منهااا هااذا النسااق‪ ،‬مااع إجياااد احللااول املمكنااة جلاال املشاااكل الاايت‬
‫تطرحها الكبية أو املؤسسة التعليمية‪ ،‬وتقدمي مقكحاات استشارافية ملعاجلاة الظااهرة الكبوياة يف‬
‫منظور املقكب السوسيولوجي‪.‬‬

‫اكيب ث اكخ دس‪ :‬دنهجي اكاي دل دع سوسيوكوجي اكاربي‬

‫ميكاان احلااديث عاان منهجااني يف دراسااة الظ اواهر الكبويااة‪ :‬ماانهج كمااي وماانهج كيفااي‪ .‬ويعااين‬
‫هااذا أن مثااة أحباثااا وكتبااا ودراسااات اعتماادت علااى املناااهج التجريبيااة‪ ،‬واملقاااييس املوضااوعية‪،‬‬
‫واإلحصاااء السوساايولوجي‪.‬أي‪ :‬متثلاات التحلياال التج ارييب القااائم علااى اإلحساااس باملشااكلة‪،‬‬
‫وتك ااوين الفرض اايات‪ ،‬وجتريا ااب املتغ ا اريات املس ااتقلة والتابع ااة‪ ،‬وتك ا ارار االختب ااارات‪ ،‬وإص اادار‬
‫القانون‪ ،‬وتعميم النظريات‪ .‬ويعين هاذا أن علام االجتمااع الكباوي قاد تعامال ماع موضاوعات‬
‫النسا ااق الكبا ااوي علا ااى أهنا ااا أشا ااياء وم ا اواد‪ ،‬ميكا اان إخضا اااعها للدراسا ااة العلميا ااة املوضا ااوعية‪،‬‬
‫باالعتم اااد عل ااى املالحظ ااة التجريبي ااة املنظم ااة القائم ااة عل ااى املعاين ااة املخربي ااة‪ ،‬والبح ااث ع اان‬
‫العالقا ااات االرتباطيا ااة با ااني املتغ ا اريات املسا ااتقلة والتابعا ااة‪ ،‬اعتما ااادا علا ااى اإلحصا اااء الوصا اافي‬
‫واإلحصاااء االسااتنتاجي‪ ،‬كمااا يتبااني ذلااك جليااا يف املاادارس السوساايولوجية األمريكيااة‪ .‬ويعااين‬
‫‪111‬‬
‫هااذا أن سوساايولوجيا الكبيااة أمريكيااة أكثاار ممااا هااي بريطانيااة وفرنسااية وأملانيااة؛ بساابب كثاارة‬
‫الصا ااحف واجملا ااالت والدراسا ااات والكتا ااب واألحبا اااث واملخت ا اربات الا اايت تعا ااىن مبشا اااكل علا اام‬
‫االجتماع الكبوي‪.‬‬
‫و يقتصر البحث املوضوعي على التجريب فقط‪ ،‬بل تعادى ذلاك إىل الوصاف والتشاخيص‬
‫واملقارن ااة‪ ،‬وق ااد ع الككي ااز عل ااى العالق ااات الكبوي ااة‪ ،‬واجلماع ااات الكبوي ااة‪ ،‬واألدوار الكبوي ااة‪،‬‬
‫ودراسااة املدرسااة يف عالقتهااا باااجملتمع‪ ،‬واألساارة‪ ،‬والاادين‪ ،‬واألخااالق‪ ،‬والسياسااة‪ ،‬واالقتصاااد‪،‬‬
‫واإلدارة‪...‬بااالككيز علااى البنيااة (املدرسااة البنيويااة) والوظيفااة (املدرسااة الوظيفيااة)‪ .‬ويف املقاباال‪،‬‬
‫هنا اااك دراسا ااات اعتما اادت علا ااى دراسا ااة احلالا ااة‪ ،‬وحتليا اال املضا اامون‪ ،‬واالسا ااتمارة‪ ،‬واملقابلا ااة‪،‬‬
‫واملعايشة‪ ،‬واملالحظة‪...‬‬
‫وعليه‪ ،‬يتأرجح علم االجتماع الكبوي بني البعد الذايت والبعد العلمي املوضاوعي‪ .‬ويساتند ‪-‬‬
‫منهجيا‪ -‬إىل الفهم‪ ،‬والتشخيص‪ ،‬والتفسري‪ ،‬والاتأويل‪.‬‬

‫اكيب ث اكس دس‪ :‬تط ــور سوسيوكوجي ـ ـ اكاربي ـ ـ‬

‫من املعلوم أن سوسيولوجيا الكبية أو سوسيولوجيا املدرسة فرع من فروع علم االجتماع‬
‫العام‪ .‬ومن مث‪ ،‬يهتم هذا الفرع بدراسة عالقة املدرسة باجملتمع‪ ،‬يف ضوء مقكب‬
‫سوسيولوجي علمي أو تفاعلي تفهمي‪ .‬ويعين هذا أن هذه السوسيولوجيا تقارب الكبية‬
‫بصفة عامة‪ ،‬واملدرسة بصفة خاصة‪ ،‬يف سياقها الواقعي واالجتماعي‪ ،‬وظروفها السياسية‬
‫واالقتصادية والتارخيية والدينية والثقافية واحلضارية‪ .‬فضال عن كوهنا هتتم بدراسة املدرسة من‬
‫الداخل باعتبارها نسقا بنيويا وظيفيا‪ ،‬تقوم بأدوار عدة من أجل احلفاظ على نظام‬
‫املؤسسة‪ ،‬وحتقيق توازهنا املطلوب‪ .‬ومن جهة أخرى‪ ،‬تدرسها من اخلارع على أساس أن‬
‫املدرسة قاطرة للتنمية اجملتمعية املستدامة‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫ومن مث‪ ،‬فما يهمنا يف هذا املوضوع هو التوقف عند تطور سوسيولوجيا الكبية أو‬
‫سوسيولوجيا املدرسة يف العاملني‪ :‬الغريب والعريب بالدراسة والتحليل والتوثيق‪.‬‬

‫اكيطلب األ ل‪ :‬تطــور سوسيوكوجيـ ـ اكاربي فا اكغ ــرإ‬

‫ميكاان احلااديث عاان جمموعااة ماان املراحاال الاايت عرفتهااا سوساايولوجيا الكبيااة‪ ،‬وميكاان حصاارها يف‬
‫مرحل ااة البداي ااة والتأسا اايس ال اايت متتا ااد ح ااىت ح اادود احلا اارب العامليا ااة الثانيا ااة؛ ومرحلا ااة التطا ااور‬
‫واالزدهار إبان سنوات الستني والسبعني من القرن املاضي؛ ومرحلا ااة املراجعة والتجااوز ماا‬
‫با ااني سا اانوات السا اابعني والثما ااانني؛ واملرحلا ااة السوسا اايولوجيا املعاصا اارة إبا ااان سا اانوات‬
‫التسعني؛ ومرحلة األلفية الثالثة‪...‬‬

‫اكفرع األ ل‪ :‬در لـ ـ اكر دة اكاأسيس‬

‫من املعلوم أن سوسيولوجيا الكبية تظهر إال يف أواخر القرن التاسع عشر مع إميال دوركاامي‬
‫الااذي يعااد ماان الاارواد األوائاال الااذين اهتم اوا بسوساايولوجيا الكبيااة منااذ أواخاار القاارن التاسااع‬
‫عشاار‪ ،‬حينمااا كااان حياضاار يف جامعااة بااوردو‪ ،‬ضاامن الاادروس البيداغوجيااة ال ايت كااان يقاادمها‬
‫للمدرسااني‪ .‬وقااد اهااتم أيضااا بالتنشاائة االجتماعيااة الاايت تقااوم سااا املدرسااة‪ ،‬مااع التساااؤل عاان‬
‫طريقة تكوين اجملتمعات لشباسا‪ ،‬ودور املدرسة يف اجملتمع‪ .‬بيد أن حماضراته وكتاباته جتمع‬
‫إال بعد موته‪.‬‬

‫‪113‬‬
‫وماان أهاام كتبااه‪ ،‬يف هااذا اجملااال‪ ،‬نااذكر‪ :‬كتاااب (اكاربي ـ األيمقي ـ )‪ 022‬الااذي نشاار مااا بااني‬
‫ساانيت ‪0812‬و‪0818‬م‪ ،‬حيااث تناااول فيااه بعااض املواضاايع املتعلقااة بالكبيااة‪ ،‬مثاال‪ :‬علمانيااة‬
‫األخاالق‪ ،‬وعناصار األخاالق‪ ،‬ورو االنضاباط‪ ،‬واالرتبااط باجلماعاات اجملتمعياة‪ ،‬واسااتقاللية‬
‫اإلرادة‪ ،‬والكبي ا ااة األخالقي ا ااة عن ا ااد املتعلم ا ااني‪ ،‬واالنض ا ااباط املدرس ا ااي‪ ،‬وس ا اايكولوجيا امل ا ااتعلم‪،‬‬
‫والعقوب ااة املدرس ااية‪ ،‬والطف اال والغ ااري‪ ،‬وت ااأثريات الوس ااط الكب ااوي‪ ،‬وت اادريس العل ااوم‪ ،‬والثقاف ااة‬
‫اجلمالية‪ ،‬والتعليم التارخيي‪.‬‬
‫مث أعقبااه كتاااب آخاار هااو (اكاربي ـ علــم االجاي ـ ع )‪ ،021‬وقااد نشاار ساانة ‪0822‬م‪ ،‬حيااث‬
‫أورد تعريفااات للكبيااة يف ضااوء املقااكب السوساايولوجي‪ ،‬مااع الككيااز علااى الطااابع االجتماااعي‬
‫للكبي ااة‪ ،‬ودور الدول ااة يف جم ااال الكبي ااة‪ ،‬وس االطة الكبي ااة ووس ااائل العم اال‪ ،‬وطبيع ااة البي ااداغوجيا‬
‫ومنهجيتها‪ ،‬والبيداغوجيا والسوسيولوجيا‪ ،‬وتطور التعليم الثانوي يف فرنسا ودوره‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬يرى دوركامي أن املدرسة تساهم يف التنشئة االجتماعياة بنقال قايم األجاداد إىل األبنااء‬
‫واألحفاد‪ .‬كما تعمل على إدماع األفاراد داخال اجملتماع الكبري‪.‬ويعاين هاذا أن املدرساة جمتماع‬
‫مصا ااغر تكيا ااف املتعلما ااني ليتا ااأقلموا ما ااع احملا اايط اجملتمعا ااي وقيما ااه وعاداتا ااه وقوانينا ااه وأعرافا ااه‬
‫وتشا اريعاته‪ .‬وبتعب ااري آخ اار‪ ،‬للمدرس ااة وظيف ااة التبيئ ااة االجتماعي ااة‪ ،‬وخل ااق ما اواطنيني ص اااحلني‬
‫قااادرين علاى التكيااف مااع اجملتمااع اخلااارجي‪ .‬لااذا‪ ،‬تقااوم الكبيااة األخالقيااة باادور هااام يف جمااال‬
‫التنش اائة االجتماعي ااة‪ ،‬وتطبي ااع امل ااتعلم اجتماعي ااا للتكي ااف م ااع الوض ااعيات املعط اااة‪ ،‬وتك ااوين‬
‫أشخاص مستقلني حيكمون ثقافة اجملتمع العام‪...‬‬

‫‪124‬‬
‫‪-Émile‬‬ ‫‪Durkheim,‬‬ ‫‪L'éducation‬‬ ‫‪morale,‬‬ ‫‪1902-‬‬
‫‪1903,PUF,nouv.éd.1963.‬‬
‫‪125‬‬
‫‪- Émile Durkheim, Éducation et sociologie, 1922. PUF,‬‬
‫‪nouv.éd.1966.‬‬
‫‪114‬‬
‫وال ننسااى كتابااه اآلخاار (اكاطــور اكبيــداغوجا فــا فرنس ـ )‪ 056‬الااذي ص ادر ساانة ‪0883‬م‪،‬‬
‫ويهتم بالتطور التارخيي للممارسة البيداغوجية الفرنسية يف عالقتها ببنيتها اجملتمعية‪.‬‬
‫بي ااد أن عل ااي أس ااعد وطف ااة وعل ااي جاس اام الش ااهاب ي ااذهبان‪ ،‬يف كتاسم ااا (عل ــم االجايـ ـ ع‬
‫اكيدرس ـ ــا)‪ ،‬إىل أن ج ا ااون دي ا ااوي ه ا ااو رائ ا ااد عل ا اام االجتم ا اااع الكب ا ااوي بكتاب ا ااه (اكيدرسـ ـ ـ‬
‫اكيجايع) الذي نشره سنة ‪0388‬م‪ ،027‬حيث ركز فيه على املبادىء التالية‪:‬‬
‫‪ ‬ربط املدرسة باجملتمع‪.‬‬
‫‪ ‬الكبية عملية حياتية‪ ،‬وليست عملية إعداد للمستقبل‪.‬‬
‫‪ ‬االهتمام باملوضوعات العملية واملهنية ومببدإ الفعالية بصورة عامة‪.‬‬
‫‪ ‬العالقة بني الدميقراطية والكبية‪.023‬‬
‫ويقاول الباحثاان عان جاون دياوي‪ ":‬لقاد شاكلت أعماال جاون دياوي(‪)John Dewey‬‬
‫)‪ (1859-1952‬املنطلق األساسي لوالدة علم االجتماع املدرسي احلديث يف هناية القرن‬
‫العش ارين‪ ،‬حيااث متكاان بعبقريتااه الكبويااة املعهااودة‪ ،‬يف نسااق ماان أعمالااه املت اواترة‪ ،‬أن يؤسااس‬
‫منهجية علمياة رصاينة للبحاث يف جماال املؤسساة الكبوياة‪ .‬كاان دياوي أول مان أساس مدرساة‬
‫جتريبيااة يف عااام ‪ ،0386‬واسااتطاع عاارب جتربتااه هااذه أن ينشاار أعماااال عظيمااة يف جمااال الكبيااة‬
‫املدرسااية‪ ،‬حيااث نشاار كتابااه (عقيــدتا اكاربو ـ ) عااام ‪My Pedagogic (0387‬‬
‫‪The‬‬ ‫‪ ،))Creed‬مث نش اار كتاب ااه املش ااهور (اكيدرسـ ـ اكيجاي ــع) ع ااام ‪( 0388‬‬
‫‪ ،)School and Society‬ويشار يف هذا الصدد إىل كتابه املعروف (اكد يقراطيـ‬

‫‪126‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪Émile‬‬ ‫‪Durkheim:‬‬ ‫‪L'évolution‬‬ ‫‪pédagogique‬‬ ‫‪en‬‬
‫‪France,Paris,PUF,nouv.édition 1969.‬‬
‫‪ - 027‬جون ديوي‪ :‬اكيدرس اكيجايع‪ ،‬ترمجة‪ :‬أمحد حسن الرحيم‪ ،‬دار مكتبة احلياة للطباعة والنشر‪ ،‬بغداد‪،‬‬
‫العراق‪ ،‬الطبعة الثانية ‪0873‬م‪.‬‬
‫‪ - 023‬جون ديوي‪ :‬اكيدرس اكيجايع‪ ،‬ص‪.21:‬‬
‫‪115‬‬
‫اكاربيـ ـ ) ع ااام ‪0806‬م ( ‪Democracy and Education: an‬‬
‫‪058‬‬
‫‪".)introduction to the philosophy of education‬‬
‫وبعد هذين الرائدين‪ ،‬ظهارت كتاب أخارى‪ ،‬هناا وهنااك‪ ،‬هتاتم باملدرساة يف أبعادهاا اجملتمعياة‪،‬‬
‫مثل‪ :‬دراسة ألفرد بينيه (‪ )A.Binet‬حول البيداغوجيا التجريبياة الايت تساعى إىل تشاخيص‬
‫الفش اال الدراس ااي‪ ،‬ووض ااع مق اااييس ال ااذكاء‪ .‬وق ااد اه ااتم ألفا اارد بيني ااه‪ ،‬يف كتابا ااه ( األفت ـ ـ ر‬
‫اكيي صـ ـ ــرة ـ ـ ــول األطف ـ ـ ـ ل)‪ ،081‬بالتشا ا ااخيص التج ا ا ارييب لإلخفا ا اااق املدرسا ا ااي‪ ،‬ودراسا ا ااة‬
‫الدوسيمولوجيا يف تقومي فعالية املقررات الدراسية‪..‬‬

‫وميكن احلديث أيضا عن جمموعة من الدارسني والفالسفة والباحثني الذين اهتموا‬


‫بسوسيولوجيا املدرسة إما بشكل صريح‪ ،‬وإما بشكل ضمين‪ ،‬أمثال‪ :‬كارل ماركس( ‪Karl‬‬
‫‪ )marx‬يف كتابه(رأس اكي ل)‪ ،030‬وماكس فيرب(‪ )Max Weber‬يف كتابه‬
‫يف كتابه(اكيدرس‬ ‫‪088‬‬
‫(االقاص د اكيجايع)‪ ،082‬وبول اليپي(‪)Paul Lapie‬‬

‫‪ - 028‬علي أسعد وظفة وعلي جاسم الشهاب‪ :‬علم االجاي ع اكيدرسا‪ ،‬املؤسسة اجلامعية للدراسات والنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪2112‬م‪ ،‬ص‪.8-3:‬‬
‫‪130‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪A.Binet:‬‬ ‫‪Les idées modernes sur les enfants, Paris,‬‬
‫‪Flammarion. Réédité en 1973 avec une préface de Jean Piaget. 1919.‬‬
‫‪131‬‬
‫‪-K.Marx: Le capital, M. Lachâtre (Paris) 1872.‬‬
‫‪132‬‬
‫‪- Max Weber: Economie et société, introduction de Hinnerk‬‬
‫‪Bruhns, traduction par Catherine Colliot-Thélène et Françoise‬‬
‫‪Laroche, La Découverte, 1998.‬‬
‫‪133‬‬
‫‪- LAPIE. P., École et société, textes choisis, introduits et‬‬
‫‪présesentés par Hervé Terral, Paris, L’Harmattan, coll. "Logiques‬‬
‫‪sociales", 2003.‬‬
‫‪116‬‬
‫يف كتابه (اكايليم اكي كا‬ ‫‪082‬‬
‫اكيجايع)‪ ،‬وثورستاين فيبلني (‪(Thorstein veblen‬‬
‫يف كتابه (سوسيوكوجي اكادر س)‪...‬وقد امتدت هذه‬ ‫‪081‬‬
‫فا أدر ت )‪ ،‬ووالر(‪)Waller‬‬
‫املرحلة إىل غاية سنوات اخلمسني من القرن العشرين‪.‬‬

‫وبع ااد احل اارب العاملي ااة الثاني ااة‪ ،‬تط ااورت املؤسس ااة الكبوي ااة بتط ااور النم ااو ال اادميغرايف‪ ،‬وارتباطه ااا‬
‫بالعواماال االقتصااادية واالجتماعيااة والسياسااية‪ ،‬وأضااحت مشاااكل املؤسسااة التعليميااة متفاقمااة‬
‫بتزايااد اإلقبااال علااى املدرسااة‪ ،‬والسااعي حنااو تقويااة هااذه املؤسسااة‪ ،‬والبحااث عاان اسااتقالليتها‬
‫املادي ااة واملالي ااة واملعنوي ااة‪ .‬ويف الوقا ات نفس ااه‪ ،‬تط ااورت سوس اايولوجيا املدرس ااة بش ااكل الف اات‬
‫لالنتباه‪ ،‬بفضل تعدد مراكز البحث واملختربات العلمية اليت تعىن بدراسة املدرسة يف عالقتها‬
‫باحمليط اجملتمعي‪ ،‬ونشارت آالف مان الكتاب يف هاذا النطااق‪ ،‬وخاصاة ماا كتباه كاارل ماهناامي‬
‫(‪ ،086)Karl Manheim‬مثل‪( :‬اكسوسيوكوجي كسي س كلاربي )‪...‬‬
‫بيد أن علام االجتمااع الكباوي لاه تااريخ آخار يف الوالياات املتحادة األمريكياة‪ ،‬فقاد اساتخدم‬
‫مص ااطلح سوس اايولوجيا الكبي ااة (‪ ")Educational Sociology‬ألول م اارة يف كلي ااة‬
‫املعلمني جبامعة كولومبيا مبديناة نيوياورك يف الوالياات املتحادة األمريكياة عاام ‪0801‬م‪ ،‬كعلام‬
‫ي اادرس يف املعاه ااد العلي ااا عل ااى ي ااد الربوفس ااور هن ااري س ااوزالو (‪،)Henry Sozzallo‬‬
‫واسااتخدم هااذا املصااطلح فيمااا بعااد هااذا التاااريخ كعلاام مسااتقل‪ ،‬ومااا أن جاااء عااام ‪0802‬م‬

‫‪134‬‬
‫‪- VEBLEN T. [1918] The Higher Learning in America. A‬‬
‫‪Memorandum on the Conduct of Universities by Business Men,‬‬
‫‪Stanford, Academic Reprints.1954.‬‬
‫& ‪- Waller W.: The Sociology of Teaching, New York, Russel‬‬
‫‪135‬‬

‫‪Russel, 1932.‬‬
‫‪136‬‬
‫‪- Karl Mannheim, Sociology as Political Education. (Edited and‬‬
‫‪translated, with Colin Loader). New Brunswick: Transaction Publishers‬‬
‫‪2001.‬‬
‫‪117‬‬
‫وصار هناك حوايل ‪ 06‬جامعة أمريكية تدرس مواد بعنوان علم االجتماع الكبوي‪ ،‬ويف حاني‬
‫كااان هناااك حاوايل ‪ 61‬جامعااة يف أمريكااا تاادرس علاام االجتماااع العااام وفروعااه املختلفااة (غااري‬
‫الكبوي)‪.‬‬
‫ومااا أن جاااء عااام ‪0888‬م حااىت ع تأساايس وتنظاايم اجلمعيااة الوطنيااة لدراسااة علاام االجتماااع‬
‫الكبوي‪ ،‬وقامت هذه اجلمعية بنشر ثالثة كتاب سانوية خاالل األعاوام ‪0880-0888‬م‪ ،‬مث‬
‫توقف ا ا اات ها ا ا ااذه النش ا ا ا ارات عا ا ا اان الصا ا ا اادور‪ ،‬ألن نشا ا ا اارة أخا ا ا اارى أسسا ا ا ااها الربوفسا ا ا ااور با ا ا ااني‬
‫(‪ )E.G.Payne‬عام ‪0823‬م‪ ،‬أصبحت هي النشرة الرمسية للجمعية بعد ذلك‪.‬‬
‫ومع مرور األيام صاار علمااء االجتمااع املهتماون بالكبياة يلتقاون يف اجتماعاات سانوية باسام‬
‫فرع علم االجتماع الكبوي للجميعة األمريكية لعلم االجتماع‪.‬‬
‫وكان تدريس علم االجتماع الكبوي يتأرجح بني االزدهاار والكاجاع‪ ،‬وذلاك الساتبدال بعاض‬
‫املؤسسات الكبوية مان كلياات الكبياة ومعاهاد املعلماني تادريس ماواد اجتماعياة بأمسااء أخارى‬
‫باادال ماان اساام علاام االجتماااع الكبااوي‪.‬وعلى الاارغم ماان ذلااك اسااتمر تاادريس هااذا العلاام يف‬
‫املعاهااد العليااا واجلامعااات‪ ،‬وصااارت تعطااى سااذا العلاام الاادرجات العلمياة العليااا يف املاجسااتري‬
‫والاادكتوراه‪ ،‬واليازال علاام االجتماااع الكبااوي ياادرس يف اجلامعااات األمريكيااة واألوروبيااة‪ ،‬ولكاان‬
‫‪087‬‬
‫دخوله للجامعات العربية جاء متأخرا‪".‬‬
‫ويع ااين ه ااذا كل ااه أن سوس اايولوجيا الكبي ااة ظه اارت ‪ -‬أوال‪ -‬يف الوالي ااات املتح اادة األمريكي ااة‪،‬‬
‫ففرنسا ثانيا‪ ،‬مث انتقلت إىل باقي البلدان األخرى‪.‬‬

‫‪ - 087‬إبراهيم ناصر‪ :‬علم االجاي ع اكاربوي‪ ،‬دار اجليل بريوت‪ ،‬لبنان؛ مكتبة الرائد العلمية عمان األردن‪،،‬‬
‫ب‪.‬ت‪ ،‬ص‪.3-7:‬‬
‫‪118‬‬
‫ در لـ ـ اكاط ــور االزدهـ ـ ر‬:‫اكفرع اكث نا‬

‫تعرف سوسيولوجيا الكبية تطورها احلقيقي إال يف سنوات الستني من القرن املاضي؛ إذ‬
‫كانت هذه الفكة مرحلة التطور واالزدهار العلمي واملنهجي هلذه السوسيولوجيا مع جمموعة‬
‫ وكلود‬،083(Pierre Bourdieu)‫ بيري بورديو‬:‫ الفرنسيني‬:‫ أمثال‬،‫من الباحثني‬
(Raymond ‫ وراميون بودون‬،088(Jean-Claude Passeron)‫باسرون‬
‫وكريستيان‬ ،(Roger Establet)020‫وإستابليت‬ ،021Boudon)
،028(Bernstein)‫؛ والربيطاب برينشتاين‬022)Christian Baudelot(‫بودلو‬
...021 )Gintis(‫ وجينتيس‬،022)Bowles( ‫ باولز‬:‫واألمريكيني‬

138
- Pierre Bourdieu et Jean-Claude Passeron, Les héritiers: les
étudiants et la culture, Paris, Les Éditions de Minuit, coll. « Grands
documents » (no 18), 1964, 183 p.
-Pierre Bourdieu et Jean-Claude Passeron, Les héritiers: les
139

étudiants et la culture, Paris, Les Éditions de Minuit, coll. « Grands


documents » (no 18), 1964, 183 p.
- Raymond Boudon: L'inégalité des chances, Paris, Armand
140

Colin, 1973 (publication poche: Hachette, Pluriel, 1985).


141
-Roger Establet et Christian Baudelot, L'école capitaliste en
France, Paris, Maspero, 1971.
- Roger Establet et Christian Baudelot, L'école capitaliste en
142

France, Paris, Maspero, 1971.


- Bernstein B., Class, codes and control, London, Routledge &
143

Kegan Paul, 3 vol., 1971-1975.


- Bowles S., Gintis H., Schooling in Capitalist America, New
144

York, Basic Books, 1976.


119
‫وميك اان الق ااول‪:‬إن بي ااري بوردي ااو وكل ااود باس اارون مه ااا الل ااذان أعطي ااا والدة ثاني ااة لسوس اايولوجيا‬
‫الكبية‪ ،‬وقد انطلقا مان فرضاية سوسايولوجية أساساية هاي‪ :‬الميلاك املتعلماون احلظاوظ نفساها‬
‫يف حتقيا ااق النجا ااا املدرسا ااي‪ .‬وقا ااد ترتا ااب عا اان ها ااذا االخا ااتالف يف احلظا ااوظ تنا ااوع طبقا ااي‬
‫وجمتمعي‪ ،‬ووجاود فاوارق فردياة داخال الفصال الدراساي نفساه‪ .‬ومان مث‪ ،‬فقاد قاادت األحبااث‬
‫السوسيولوجية واإلحصائية اليت أجراها كل مان بوردياو وباسارون إىل اساتنتاع أساساي هاو أن‬
‫الثقافة الايت يتلقاهاا املاتعلم‪ ،‬يف املدرساة الفرنساية الرأمسالياة‪ ،‬ليسات ثقافاة موضاوعية وحمايادة‪،‬‬
‫باال هااي تعبااري عاان الثقافااة املهيمنااة أو ثقافااة الطبقااة احلاكمااة‪ .‬وماان مث‪ ،‬فالتنشاائة االجتماعيااة‬
‫ليساات حتريارا للمااتعلم‪ ،‬باال إدماجااا لااه يف اجملتمااع يف إطااار ثقافااة التوافااق والتطبيااع واالنضااباط‬
‫اجملتمع ااي‪.‬ومن مث‪ ،‬تعي ااد لن ااا املدرس ااة الطبق ااات االجتماعي ااة نفس ااها ع اان طري ااق االص ااطفاء‬
‫واالنتقاء واالنتخاب‪.‬ومن مث‪ ،‬فهي مدرسة الالمساواة االجتماعية بامتياز‪.‬‬
‫ويعين هذا كله أن سوسيولوجيا الكبية النقدية قد عرفت منحىن مهماا يف سانوات الساتني إىل‬
‫غاية سنوات السبعني‪ ،‬واختذت بعدا علميا أكثر مما هو سياساي‪ ،‬بعاد أن توساعت اهلاوة باني‬
‫النظرية والتطبيق‪ ،‬أو باني املؤسساة الكبوياة واجملتماع‪ ،‬وخاصاة بعاد حتاول املدرساة الرأمسالياة إىل‬
‫فضااء للتطااحن والصاراعات االجتماعيااة والطبقياة‪ ،‬أو حتوهلاا إىل مؤسسااة تنعادم فيهاا العدالااة‬
‫الطبقية‪ ،‬وتغيب فيها املساواة على مستوى الفارص واحلظاوظ؛ حياث الفشال واإلخفااق ماةل‬
‫أبنااء الطبقااات الشااعبية‪ .‬يف حااني‪ ،‬يكااون النجااا حليااف أبناااء الطبقااات الغنيااة وأبناااء الطبقااة‬
‫احلكمة‪.‬أي‪ :‬أصبحت مدرسة فارقية بامتياز أو مدرسة لالنتقاء واالصاطفاء الطبقاي والتميياز‬
‫االجتماعي‪.‬‬
‫ويعااين هااذا أن الساؤال الااذي ركاازت عليااه سوساايولوجيا الكبيااة‪ ،‬يف ساانوات السااتني والساابعني‪،‬‬
‫هو سؤال الالمسااواة املدرساية الايت تعكاس الالمسااواة الطبقياة واالجتماعياة‪ .‬وتعكاس مادى‬

‫‪145‬‬
‫‪- Bowles S., Gintis H., Schooling in Capitalist America, New‬‬
‫‪York, Basic Books, 1976.‬‬

‫‪120‬‬
‫اختالف أبناء الطبقاات العمالياة عان أبنااء الطبقاات احملظوطاة‪ ،‬واخاتالف املساتوى التعليماي‬
‫الطوياال الااذي يرتاااده أبناااء الطبقااات احملظوظااة‪ ،‬والتعلاايم القصااري الااذي يكااون مان حااظ أبناااء‬
‫الطبقات الدنيا‪ ،‬والسيما أبناء الطبقات العمالية وأبناء املهاجرين‪.‬لاذا‪ ،‬كاان التوجاه املاركساي‬
‫النقاادي اجلديااد يغلااب علااى هااذه السوساايولوجيا الصاراعية‪ .‬والاادليل علااى ذلااك الثااورة العارمااة‬
‫عل ااى املدرس ااة الرأمسالي ااة ال اايت كان اات مدرس ااة طبقي ااة بامتي اااز‪ ،‬وخاص ااة ث ااورة ‪0863‬م‪ .‬وك ااان‬
‫البا ااديل ها ااو دمقرطا ااة التعلا اايم‪ ،‬وحتقيا ااق املسا اااواة االجتماعيا ااة الشا اااملة‪ ،‬واحلا ااد ما اان الف ا اوارق‬
‫البيداغوجيااة والديدكتيكيااة والثقافيااة والطبقيااة واجملتمعيااة‪ ،‬وخلااق مدرسااة موحاادة حتقااق النجااا‬
‫جلميع املتعلمني بدون متييز أو انتقاء أو اصطفاء‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬ميكن القول‪ :‬إن دراسات بياري بوردياو هاي‪ ،‬يف احلقيقاة‪ ،‬نقاد للدراساات الكالسايكية‬
‫حااول سوساايولوجيا الكبيااة؛ إذ اعتماادت علااى املقاربااة املاركسااية اجلدياادة يف دراسااة املدرسااة‬
‫الفرنسااية بصاافة خاصااة‪ ،‬واملدرسااة الرأمساليااة بصاافة عامااة‪ ،‬بغيااة الاادفاع عاان مشااروع التعلاايم‬
‫الدميوقراطي‪.‬‬
‫وما اان أها اام البا اااحثني السوسا اايولوجيني املعاص ا ارين الا ااذين ترك ا اوا بصا اامات واضا ااحة يف جما ااال‬
‫سوساايولوجيا الكبيااة نااذكر‪ :‬ببااري بورديااو ( ‪ )P.Bourdieu‬وكلااود باساارون(‪)Passeron‬‬
‫يف كتابيهمااا (اكورث ـ )‪ ،026‬و(ىعـ دة اإلنا ـ ج)‪ ،027‬وراميااون بااودون يف كتابااه (عــدد اكيس ـ اة‬
‫فــا اك ظ ــو )‪ ،023‬وكلااود ڭرينيااون(‪ ) Claude Grignon028‬يف كتابااه( نظـ ـ د‬

‫‪146‬‬
‫‪-Pierre Bourdieu et Jean-Claude Passeron, Les héritiers: les‬‬
‫‪étudiants et la culture, Paris, Les Éditions de Minuit, coll. « Grands‬‬
‫‪documents » (no 18), 1964, 183 p‬‬
‫‪147‬‬
‫‪-Pierre Bourdieu et Jean-Claude Passeron, La reproduction:‬‬
‫‪Éléments d’une théorie du système d’enseignement, Les Éditions‬‬
‫‪de Minuit, coll. « Le sens commun », 1970, 284 p‬‬
‫‪- Bodoun: L'inégalité des chances, Paris, Armand Colin, 1973‬‬
‫‪148‬‬

‫‪(publication poche: Hachette, Pluriel, 1985).‬‬


‫‪121‬‬
‫) يف كتاباه (اكلغـ اكطبقـ ت‬Basil Bernstein( ‫ والربيطااب بازيال برينشاتاين‬،)‫األشي ء‬
،010) ‫ (سوسـيوكوجي اكاربيـ‬:‫ مثال‬،‫ وحمماد الشارقاوي يف جمموعاة مان كتباه‬،011) ‫االجاي عي‬
‫ وفيفيااان‬،018)‫ و(دف رق ـ ت اكنج ـ ح اكيدرســا‬،012) ‫و(ت ــوالت اكنظ ـ د اكاربــوي بفرنس ـ‬
‫) يف كتابيهاا( أزدـ ت اكيجايـع‬Viviane Isambert-Jamati( ‫إيازامبري مجاايت‬
‫ وجااان‬،011)‫ و(اإلصــمح اكاربــوي اكفرنســا فــا اكايلــيم األس ســا‬،012)‫أزد ـ ت اكايلــيم‬
،‫ اكاوجي ــه‬، ‫) يف كتاب ااه (اكيدرسـ ـ‬Jean-Michel Berthelot( ‫ميش اايل بريتيل ااو‬

028
-Claude Grignon: L’Ordre des choses, les fonctions sociales de
l'enseignement technique, Minuit, Paris, 1971
150
-Basil Bernstein, Langage et classes sociales – Codes socio-
linguistiques et contrôle social, Paris, Éditions de Minuit, 1975
151
- Mohamed Cherkaoui: Sociologie de l'éducation, Que sais-je,
PUF, 5 édition 1999.
152
- Mohamed Cherkaoui:Les changements du système éducatif en
France 1950-1980, PUF, 1982.
153
- Mohamed Cherkaoui: Les paradoxes de la réussite scolaire,
PUF, "L'éducateur", 1985 .
154
-Viviane Isambert-Jamati: Crises de la société, crises de
l'enseignement: sociologie de l'enseignement secondaire
français, Presses universitaires de France, coll. « Bibliothèque de
sociologie contemporaine », Paris, 1970
155
- Viviane Isambert-Jamati: La Réforme de l'enseignement du
français à l'école élémentaire, Éditions du CNRS, coll. « Actions
thématiques programmées: sciences humaines », Paris, 1977.
122
‫‪ )Baudelot‬يف كتاسم ااا‬ ‫‪et‬‬ ‫اكيجايـ ــع) ‪ ،016‬وبودل ااو وإس ااتابليت(‪Establet‬‬
‫(اكيدرسـ اكرأسـي كي فـا فرسـ )‪ ،017‬وآن فاان هايشات(‪ )Anne Van Haecht‬يف‬
‫كتاسا (اكيدرس فا د ك اكسوسيوكوجي أ سوسيوكوجي اكاربي تطوراته )‪ ،013‬وماري‬
‫دورو باايال وأناايس ڤااان زانتااني ( ‪Marie Duru-Bellat, Agnès Van‬‬
‫‪ )Zanten‬يف كتاسما (سوسيوكوجي اكيدرس )‪...018‬‬

‫اكفرع اكث كث‪ :‬در ل ـ ـ اكيراجي اكاج ز‬

‫ومااع ساانوات الساابعني ماان القاارن املاضااي‪ ،‬ظهاارت سوساايولوجيا تربويااة يف الواليااات املتحاادة‬
‫األمريكي ا ااة تعتم ا ااد عل ا ااى ال ا ااتفهم أو املن ا اااهج التأويلي ا ااة واملقارب ا ااة اهلرمونيطيقي ا ااة ذات املنح ا ااى‬
‫الفينومينولوجي واإلثنومنهجي‪ ،‬فركازت جال أعماهلاا وأحباثهاا النظرياة والتطبيقياة علاى الظاواهر‬
‫الكبوي ااة امليكروجمتمعي ااة ب اادل الظ اواهر املاكروجمتمعي ااة‪ .‬وق ااد ج اااءت رد فع اال عل ااى املقارب ااات‬
‫املعياري ا ااة والوظيفي ا ااة واملاركس ا ااية اجلدي ا اادة‪ .‬مث اعتم ا اادت عل ا ااى اإلثنوغرافي ا ااا‪ ،‬وعل ا اام ال ا اانفس‬
‫االجتماااعي‪ ،‬والتاااريخ‪ ،‬ونظريااات التنشاائة االجتماعيااة‪ ،‬وكاناات البنيويااة الوصاافية مهيمنااة يف‬

‫‪156‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪Jean-Michel‬‬ ‫‪Berthelot:‬‬ ‫‪École,‬‬ ‫‪orientation,‬‬ ‫‪société‬‬
‫‪(Pédagogie d'aujourd'hui),Paris,PUF,1993.‬‬
‫‪157‬‬
‫‪- Baudelot et Roger Establet: L'école capitaliste en France,‬‬
‫‪Éditions Maspero, 1971.‬‬
‫‪158‬‬
‫‪-Anne Van Haecht:L'école à l'épreuve de la sociologie,‬‬
‫‪Collection: Ouvertures sociologiques ,De Boeck Supérieur,Bruxelles,‬‬
‫‪2006.‬‬
‫‪159‬‬
‫‪-Marie Duru-Bellat, Agnès Van Zanten: Sociologie de l'école,‬‬
‫‪Collection:U, Cycles M et D, UNIVERSITE,2012.‬‬
‫‪123‬‬
‫هذه الدراسات‪ .‬وقد ركزت هذه السوسيولوجيا على أبنية األدوار‪ ،‬ومصري املدرساة‪ ،‬واملنااهج‬
‫الكبوية‪ ،‬وتطور املؤسسة التعليمية‪...‬‬
‫وبعا ااد النظا اارة السا ااوداوية املتشا ااائمة إىل املدرسا ااة الرأمساليا ااة‪ ،‬ظها اارت دراسا ااات جملموعا ااة ما اان‬
‫الباحثني متسمة بطابع التفاؤل‪ ،‬بعد النجا النسيب لألنظمة الكبوية الغربية‪ ،‬ووضو املعاايري‬
‫والقوانني‪ ،‬كما يبدو ذلك جليا يف كتابات كل من‪ :‬حممد الشارقاوي(‪،061)Cherkaoui‬‬
‫وروت اار (‪ ،060)Rutter‬وهالس ااي(‪ ،062)Halsey‬وكومل ااان (‪ ،068)Coleman‬وش ااوب‬
‫ومو (‪...062)Chubb et Moe‬‬

‫اكفرع اكرابع‪ :‬اكير لـ ـ اكسوسيوكوجي اكيي صرة‬

‫متت ااد املرحل ااة السوس اايولوجية املعاص اارة م اان س اانوات الثم ااانني م اان الق اارن املاض ااي ح ااىت أواخ اار‬
‫ساانوات التسااعني‪ .‬فقااد انصااب االهتمااام علااى املناااهج الدراسااية‪ ،‬وإعااادة النظاار يف احملتويااات‬

‫‪-Cherkaoui M., Les Paradoxes de la réussite scolaire, Sociologie‬‬


‫‪160‬‬

‫‪comparée des systèmes d’enseignement, Paris, PUF, 1979.‬‬


‫‪161‬‬
‫‪- Rutter M., Fifteen Thousand Hours, Secondary schools and‬‬
‫‪their effects on children, Cambridge, Harvard University Press,‬‬
‫‪1979.‬‬
‫‪162‬‬
‫‪- Halsey A.H., Heath A.F., Ridge J.M., Origins and‬‬
‫‪Destinations. Family, Class, and Education in Modern Britain,‬‬
‫‪Oxford, Clarendon Press, 1980.‬‬
‫‪163‬‬
‫‪- Coleman J.S., Equality and Achievement in Education, San‬‬
‫‪Francisco,Westview Press, 1990.‬‬
‫‪164‬‬
‫‪- Chubb J.E. et Moe T.M., Politics, Markets and America’s‬‬
‫‪Schools, Washington D.C., The Brookings Institution, 1990.‬‬
‫‪124‬‬
‫واملقااررات الدراسااية‪ ،‬ورصااد تاااريخ املعااارف‪ ،‬واالهتمااام باملؤسسااات التعليميااة ماان جهااة أوىل‪،‬‬
‫والعنايااة بااالطرائق البيداغوجيااة ماان جهااة ثانيااة‪ ،‬والككيااز علااى املدرسااني ماان جهااة ثالثااة‪ .‬ويعااين‬
‫ه ااذا كل ااه ض اارورة تش ااخيص العملي ااة الديدكتيكي ااة أو العملي ااة التعليمي ااة‪-‬التعلمي ااة بوص اافها‬
‫وحتليله ااا وتقوميه ااا‪ ،‬بتحدي ااد س االبياهتا وإجيابياهت ااا‪ ،‬بعي اادا ع اان التص ااورات الذاتي ااة والسياس ااية‬
‫واإليديولوجية‪.‬‬
‫وقااد عرفاات هااذه املرحلااة جمموعااة ماان الكتابااات السوساايولوجية الاايت ارتبطاات بالكبيااة‬
‫واملدرسة على حد سواء‪ ،‬منها كتاباات البااحثني السويساريني فيلياب بريناود وكليوبااترا‬
‫مونتاناادون (‪)Philippe Perrenoud et Cléopâtre Montandon,‬‬
‫اللااذين كتبااا جمموعااة ماان الدراسااات واألحباااث عاان صااعوبات التواصاال بااني املدرسااني‬
‫واآلباء‪ ،‬والسيما املنحدرين مان أصاول شاعبية‪ ،‬كماا يتضاح ذلاك جلياا يف كتاسماا (‬
‫اك وار اكيسا يل بين اآلب ء اكيدرسين)‪061‬؛ ورجيني ساريوتا (‪)Régine Sirota‬‬
‫يف كتاساا ( وديـ ت اكيدرسـ االبادائيـ )‪ ،066‬حياث ركازت الباحثاة علاى التصارفات اليوميااة‬
‫للم اادرس يف عالقات ااه بتالمذت ااه (كث اارة النظ اار‪ ،‬واالبتس ااامات‪ ،‬والته اااب‪ ،‬واألس اائلة)‪،‬‬
‫وعالقة ذلك جبذورهم االجتماعية‪.‬‬

‫أمااا فرانس اوا دويب (‪ ،)François Dubet‬فيهااتم حبياااة تالميااذ التعلاايم الثااانوي‪ ،‬ورصااد‬
‫معاناااهتم داخاال املدرسااة‪ ،‬كمااا يتبااني ذلااك جليااا يف كتابااه (تمديــا اكثـ نوي) الااذي ألفااه ساانة‬
‫‪0880‬م‪ .067‬ويصااف الباحااث كااذلك احلياااة املدرسااية الاايت يعيشااها املراهااق داخاال املؤسسااة‬

‫‪165‬‬
‫‪- Philippe Perrenoud et Cléopâtre Montandon: Entre parents et‬‬
‫‪enseignants, un dialogue impossible, Berne, Peter Lang.1987.‬‬
‫‪166‬‬
‫‪- Sirota R. (1988): L'Ecole primaire au quotidien coll. Pédagogie‬‬
‫‪d'aujourd'hui, ed. Presses universitaires de France, 200 pages‬‬
‫‪167‬‬
‫‪- François Dubet: Les Lycéens, Seuil,Paris, 1991.‬‬
‫‪125‬‬
‫الكبوية‪ ،‬وخاصة يف كتابه( ىكح اكيدرسـ ‪ :‬سوسـيوكوجي اكاجربـ اكيدرسـي ) الاذي ألفاه ماع‬
‫دانيلااو مارتيشااويل (‪ )Danilo Martuccelli‬ساانة ‪0886‬م‪ .063‬ويركااز الباحثااان معااا‬
‫علااى الفجااوة املوجااودة بااني ذاتيااة املراهااق ذي األصااول الشااعبية وعمليااة التطبيااع االجتماااعي‪،‬‬
‫ومساافة التاوتر الايت توجااد باني احلاالتني‪ .‬أي‪ :‬بااني الثقافاة الشاعبية للعائلااة وثقافاة املدرساة؛ ممااا‬
‫خيلق نوعا من الفشل يف االندماع وحتقيق النجا ‪ .‬وهنااك آن باارير (‪)Anne Barrère‬‬
‫يف كتاسااا (عيــل تمديــا اكث ـ نوي ) الااذي نش ارته ساانة ‪0887‬م‪ ،‬وقااد حتاادث الكتاااب عاان‬
‫العمل املدرسي يف ضوء سوسيولوجيا الشغل ‪.068‬‬
‫ومثااة جمموعااة ماان الباااحثني الااذين عمق اوا إشااكالية العماال املدرسااي‪ ،‬أمثااال‪ :‬إليزابياات بااويت‪،‬‬
‫وبرن ااار ش ااارلو‪ ،‬وج ااان إي ااف روش ااي ( ‪(Elisabeth Bautier, Bernard‬‬
‫‪ ،)Charlot et Jean-Yves Rochex‬يف كتاسم (املدرسة املعرفة يف الضواحي‬
‫وغريها)‪ ،‬وقد نشر سنة‪0882‬م‪...071‬‬

‫‪168‬‬
‫‪- François Dubet: À l'école. Sociologie de l'expérience scolaire‬‬
‫‪avec Danilo Martuccelli, Seuil, 1996.‬‬
‫‪169‬‬
‫‪- Anne Barrère, Les lycéens au travail, Paris, PUF, 1997 (262‬‬
‫)‪pages‬‬
‫‪170‬‬
‫‪- Charlot Bernard, Bautier Elisabeth, Rochex Jean-Yves: Ecole et‬‬
‫‪savoir dans les banlieues... et ailleurs. Éd. Armand Colin Coll.‬‬
‫‪Formation des enseignants. 1993.‬‬

‫‪126‬‬
‫اكفرع اكخ دس‪ :‬در ل ـ ـ األكفي ـ ـ اكث كثـ ـ‬

‫أصاابحت املدرسااة‪ ،‬يف ساانوات األلفيااة الثالثااة‪ ،‬ظاااهرة مركبااة ومعقاادة‪ ،‬وماان الااالزم أن تقااوم‬
‫بااأدوار أخاارى غااري األدوار الاايت كاناات تقاوم سااا سااابقا‪ ،‬فباإلضااافة إىل دور اإلدماااع والتنشاائة‬
‫االجتماعية‪ ،‬وتقدمي ثقافة موحدة ومعممة‪ ،‬أصبح هم املدرساة األسااس هاو تأهيال املتعلماني‬
‫تااأهيال جياادا للتوافااق مااع قااانون الطلااب والعاارض الااذي تسااتوجبه السااوق الرأمساليااة‪ ،‬بتطااوير‬
‫كفاااءاهتم املهنيااة واألدائيااة واإلحازيااة‪ ،‬وتنميااة مهاااراهتم التطبيقيااة لالناادماع يف سااوق الشااغل‪،‬‬
‫خبلااق جمموعااة ماان الوضااعيات املشااكالت إلجياااد حلااول مناساابة هلااا‪ .‬ويعااين هااذا أن الااتعلم‬
‫بالوض ااعيات ه ااو الش اااغل األس اااس للبي ااداغوجيا املعاص اارة‪ ،‬وأص اابح االهتم ااام منص اابا عل ااى‬
‫بيااداغوجيا الكفايااات‪ ،‬واألخااذ بالشااهادات الكفائيااة باادل الشااهادات املعرفيااة النظريااة‪ ،‬عااالوة‬
‫على االهتمام بالتكوين املهين واالحكايف‪ .‬ويعين هاذا أن وظيفاة املدرساة الرئيساية هاي وظيفاة‬
‫التكااوين والتأهياال والتمهااري‪ ،‬وخلااق الكفاااءات املتمكنااة القااادرة علااى التااأقلم مااع الوضااعيات‬
‫احلياتية املعقدة والصعبة‪.‬‬
‫وهك ااذا‪ ،‬فعل ااى " امت ااداد الق اارن العش ا ارين تفج اارت ين ااابيع البح ااث السوس اايولوجي يف جم ااال‬
‫املدرس ااة واملؤسس ااات األخ اارى الكبوي ااة‪ ،‬وج اااء حص اااد ه ااذه األعم ااال بل ااورة لعل اام االجتم اااع‬
‫املدرسااي بوصاافه الن اواة احلقيقيااة لعلاام االجتماااع الكبوي‪.‬لقااد تقاااطرت الدراسااات واألحباااث‬
‫السوسيولوجية يف ميدان املدرسة واملؤسسات املدرسية وشكلت نتائجها نظاما متماسكا من‬
‫املق ااوالت واملف اااهيم والنظري ااات السوس اايولوجية ومن اااهج البح ااث ال اايت تؤس ااس لعل اام اجتم اااع‬
‫خاااص هااو علاام االجتماااع املدرسااي‪ .‬وهناااك آالف مؤلفااة ماان الكتااب والدراسااات واألحباااث‬
‫املكثفة اليت عاجلات جواناب احليااة املدرساية بتفاعالهتاا وأنظمتهاا الداخلياة وقضااياها الكبوياة‬
‫‪070‬‬
‫واالجتماعية‪".‬‬

‫‪ - 070‬علي أسعد وطفة وعلي جاسم الشهاب‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.01-8:‬‬


‫‪127‬‬
‫وخنل ااص ماان ه ااذا كل ااه إىل أن سوس اايولوجيا الكبي ااة أو املدرس ااة ق ااد عرف اات‪ ،‬يف الغ اارب‪ ،‬أرب ااع‬
‫مراحال كاربى هاي‪ :‬مرحلاة التأسايس مان القارن التاساع عشار إىل سانوات اخلمساني مان القاارن‬
‫العش ا ارين؛ ومرحل ااة التط ااور واالزده ااار م ااابني س اانوات الس ااتني والس اابعني؛ ومرحل ااة املراجع ااة‬
‫والتجاااوز مااا بااني الساابعني والثمااانني؛ ومرحلااة السوساايولوجيا املعاصاارة يف ساانوات التسااعني؛‬
‫ومرحلة سنوات األلفية الثالثة‪.‬‬

‫اكيطلب اكث نا‪ :‬سوسيوكوجي اكاربي فا اكوطن اكيربا‬

‫مثااة جمموعااة ماان الكتااب‪ ،‬علااى الصااعيد العااريب‪ ،‬الاايت تناولاات سوساايولوجيا الكبيااة أو املدرسااة‪،‬‬
‫إمااا بشااكل جزئااي‪ ،‬وإمااا بشااكل كلااي‪ .‬وماان أهاام هااذه الكتااب نااذكر‪ :‬كتاااب (دراسـ ت فــا‬
‫سوســيوكوجي اكاربي ـ ) لعلااي أسااعد وطفااة وعبااد اهلل مشاات اجملياادل ‪ ،072‬و(علــم االجاي ـ ع‬
‫اكيدرســا) لعلااي أسااعد وطفااة وعلااي جاساام الشااهاب‪ ،078‬و(اكاربيـ اإل د وكوجيـ ) لشاابل‬
‫ب ا ا اادران‪ ،072‬وف ا ا ااايز ما ا ا اراد دن ا ا اادش يف كتاب ا ا ااه (عل ـ ـ ــم اإلجايـ ـ ـ ـ ع اكارب ـ ـ ــوي ب ـ ـ ــين اكا ـ ـ ــأكيف‬
‫اكاــدر س )‪ ،071‬وفاديااة عماار اجلااوالب يف كتاسااا (علــم االجاي ـ ع اكاربــوي)‪ ،076‬ومحاادي‬
‫علااي أمحااد يف كتابااه (دقدد ـ فــا علــم اجايـ ع اكاربي ـ )‪ ،077‬وعبااد السااميع الساايد أمحااد يف‬

‫‪ -072‬أسعد وطفة وعبد اهلل مشت اجمليدل‪ :‬دراس ت فا سوسيوكوجي اكاربي ‪ ،‬دار اإلعصار العلمي‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل سنة ‪2101‬م‪.‬‬
‫‪ -078‬علي أسعد وطفة وعلي جاسم الشهاب‪ :‬علم االجاي ع اكيدرسا‪ ،‬املؤسسة اجلامعية للدراسات والنشر‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة األوىل سنة‪2112‬م‪.‬‬
‫‪ -072‬شبل بدران‪ :‬اكاربي اإل د وكوجي ‪ ،‬النجا اجلديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل سنة‪0880‬م‪.‬‬
‫‪ -‬فايز مراد دندش‪ :‬علم اإلجاي ع اكاربوي بين اكاأكيف اكادر س‪ ،‬دار الوفاء لدنيا الطبع والنشر‪،‬‬ ‫‪071‬‬

‫اإلسكندرية‪ ،‬مصر‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪2112‬م‪.‬‬


‫‪ -076‬فادية عمر اجلوالب‪ :‬علم االجاي ع اكاربوي‪ ،‬مركز االسكندرية للكتاب‪ .‬طبعة ‪0887‬م‬
‫‪ -077‬محدي علي أمحد‪ :‬دقدد فا علم اجاي ع اكاربي ‪ ،‬دار املعرفة اجلامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪ .‬طبعة ‪0881‬م‪.‬‬
‫‪128‬‬
‫كتابه (دراسـ ت فـا علـم االجايـ ع اكاربـوي)‪ ،073‬وعلاي السايد الشاخييب يف كتاباه ( علـم‬
‫اجايـ ع اكاربيـ اكيي صــر)‪ ،078‬وعبااد اهلل الرشاادان يف كتابااه (علــم االجايـ ع اكاربــوي)‪،031‬‬
‫وحساان حسااني الباابالوي يف كتابااه (اإلصــمح اكاربــوي فــا اكي ـ كم اكث كــث)‪ ،030‬وعبااد اهلل‬
‫رشاادان يف كتابااه (علــم اجاي ـ ع اكاربي ـ )‪ ،032‬ومسيااة أمحااد الساايد يف كتاااب (علــم اجاي ـ ع‬
‫اكاربي ـ )‪ ،‬وفرحااان حساان ب اريخ يف كتابااه (اكيدرس ـ اكيجايــع)‪ ،038‬ورنااده خلياال سااا يف‬
‫كتاسا(اكيدرس اكيجايع)‪ ،032‬وحسن أمحد الطعاب يف كتابه (دفـ هيم تربو ـ ‪ :‬اكيدرسـ‬
‫اكيجايع)‪ ،031‬وإبراهيم ناصر يف كتابه (علم االجاي ع اكاربوي)‪...026‬إخل‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬ميكن احلاديث عان جمموعاة مان الكتاب والدراساات املتعلقاة بسوسايولوجيا‬
‫الكبيااة أحزهااا باااحثون مغاربااة أمثااال‪ :‬حممااد عابااد اجلااابري يف كتابيااه (أضــواء علــح دشــتل‬
‫اكايليم ب كيغرإ‪ ( )037‬رؤ تقددي كبيض دشتمتن اكفتر اكاربو ـ )‪ ،033‬وخالاد املاري‬

‫‪ -073‬عبد السميع سيد أمحد‪ :‬دراس ت فا علم االجاي ع اكاربوي‪ ،‬دار املعرفة اجلامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬مصر‪،‬‬
‫طبعة ‪0888‬م‪.‬‬
‫‪ -078‬علي السيد الشخييب‪ :‬علم اجاي ع اكاربي اكيي صر‪ ،‬دار الفكر العريب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬طبعة ‪2112‬م‪.‬‬
‫‪ -031‬عبد اهلل الرشدان‪ :‬علم االجاي ع اكاربوي‪ ،‬دار عمان للتوزيع والنشر‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬طبعة ‪0836‬م‪.‬‬
‫‪ -030‬حسن حسني الببالوي‪ :‬اإلصمح اكاربوي فا اكي كم اكث كث‪ ،‬عا الكتب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬طبعة‬
‫‪0833‬م‪.‬‬
‫‪ -032‬عبد اهلل رشدان‪ :‬فا علم اجاي ع اكاربي ‪ ،‬دار الشروق للنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪2113‬م‪.‬‬
‫‪ -038‬فرحان حسن بريخ‪ :‬اكيدرس اكيجايع‪ ،‬دار أسامة للنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪2102‬م‪.‬‬
‫‪ -032‬رنده خليل سا ‪ :‬اكيدرس اكيجايع‪ ،‬مكتبة اجملتمع العريب‪ ،‬الطبعة األوىل ‪2101‬م‪.‬‬
‫‪ -031‬حسن أمحد الطعاب‪ :‬دف هيم تربو ‪ :‬اكيدرس اكيجايع‪ ،‬رؤ دي صرة‪ ،‬دار الشروق للنشر والتوزيع‪،‬‬
‫الطبعة األوىل سنة ‪2108‬م‪.‬‬
‫‪ -‬إبراهيم ناصر‪ :‬علم االجاي ع اكاربوي‪ ،‬دار اجليل بريوت‪ ،‬لبنان؛ ومكتبة الرائد العلمية‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪،‬‬ ‫‪036‬‬

‫د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ -037‬حممد عابد اجلابري‪ :‬أضواء علح دشتل اكايليم ب كيغرإ‪ ،‬دار النشر املغربية‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪،‬‬
‫الطبعة األوىل سنة ‪0878‬م‪.‬‬
‫‪129‬‬
‫ظ ئفهـ )‪،038‬‬ ‫وإدريس قامسي وآخرون يف كتاسم( أهيي سوسـيوكوجي اكاربيـ ‪ ،‬اكيدرسـ‬
‫والص ااديق الص ااادقي العم اااري يف كتابا اه ( اكاربيـ ـ اكانييـ ـ ت ــد ت اكيس ــاقبل‪ :‬دق ربـ ـ‬
‫سوسـ ــيوكوجي )‪ ،081‬وعب ااد الن ااور إدري ااس (سوسـ ــيوكوجي اكاي ز‪:‬ظ ـ ـ هرة اكهـ ــدر اكدراسـ ــا‬
‫ب ـ ـ ـ كيغرإ)‪ ،080‬وعبا ا ااد الكا ا اارمي غريا ا ااب يف (سوسـ ـ ــيوكوجي اكاربي ـ ـ ـ ) ‪082‬و(سوسـ ـ ــيوكوجي‬
‫اكيدرسـ ـ )‪ ،083‬وحمم ااد فاوب ااار يف كتاب ااه ( سوس ــيوكوجي اكايل ــيم ب كوسـ ـ اكق ــر ي)‪،082‬‬
‫ومص ااطفى حمس اان يف كتب ااه (اإلط ـ ـ ر اكسوسـ ــيوكوجا اكي ـ ـ د كلنظ ـ ـ د اكاربـ ــوي)‪ 081‬و( فـ ــا‬
‫اكيسأك اكاربو ‪ ،‬ن و دنظور سوسيوكوجا دنفاح)‪ 086‬و( اكخط إ اإلصـم ا اكاربـوي‬

‫‪ -033‬حممد عابد اجلابري‪ :‬رؤ تقددي كبيض دشتمتن اكفتر اكاربو ‪ ،‬دار النشر املغربية‪ ،‬الدار البيضاء‪،‬‬
‫املغرب‪0877 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -038‬خالد املري وإدريس قامسي وآخرون‪ :‬أهيي سوسيوكوجي اكاربي ‪ ،‬اكيدرس ظ ئفه ‪ ،‬سلسلة التكوين‬
‫الكبوي‪ ،‬العدد ‪ ،8‬مطبعة النجا اجلديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة الثانية سنة ‪0881‬م‪.‬‬
‫‪ -081‬الصديق الصادقي العماري‪:‬اكاربي اكانيي ت د ت اكيساقبل‪ :‬دق رب سوسيوكوجي ‪ ،‬مطبعة بلفقيه‪،‬‬
‫الرشيدية‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪2108‬م‪.‬‬
‫‪ -080‬عبد النور إدريس‪ :‬سوسيوكوجي اكاي ز‪:‬ظ هرة اكهدر اكدراسا ب كيغرإ‪ ،‬دار دفاتر االختالف‪ ،‬مكناس‪،‬‬
‫املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪2113‬م‪.‬‬
‫‪ -082‬عبد الكرمي غريب‪ :‬سوسيوكوجي اكاربي ‪ ،‬مطبعة دار النجا اجلديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل‬
‫سنة ‪2111‬م‪.‬‬
‫‪ -088‬عبد الكرمي غريب‪ :‬سوسيوكوجي اكيدرس ‪ ،‬مطبعة دار النجا اجلديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل سنة ‪2118‬م‪.‬‬
‫‪ -082‬حممد فاوبار‪ :‬سوسيوكوجي اكايليم ب كوس اكقر ي‪ ،‬مطبعة النجا اجلديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪،‬‬
‫الطبعة األوىل سنة ‪2110‬م‪.‬‬
‫‪ -081‬مصطفى حمسن‪ :‬اإلط ر اكسوسيوكوجا اكي د كلنظ د اكاربوي‪ ،‬سلسلة من أجل كتاب تربوي نفسي‬
‫واجتماعي مغريب‪ ،‬منشورات جملة الكبية والتعليم‪ ،‬الرباط‪ ،‬ملحق بالعدد‪ ،07‬الطبعة األوىل سنة ‪0881‬م‪.‬‬
‫‪ -086‬مصطفى حمسن‪ :‬فا اكيسأك اكاربو ‪ ،‬ن و دنظور سوسيوكوجا دنفاح‪ ،‬شركة بابل للطباعة والنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬الرباط‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪0882‬م‪.‬‬
‫‪130‬‬
‫بين أس ل األزد ت د ت اكا ول اك ض ري‪ ،‬رؤ سوسـيوكوجي نقد ـ ‪ )087‬و(ددرسـ‬
‫اكيســاقبل)‪ 083‬و(ره ن ـ ت تنيو ـ ‪ -‬رؤى سوســيوتربو ثق في ـ نقد ـ )‪ ،088‬واملصااطفى‬
‫حدية يف كتابه (اكشب إ‪ ،‬اكاربي اكاغيير االجاي عا)‪ ،211‬وهلم جرا‪...‬‬

‫يمص ـ اكقــول‪ ،‬إذا كاناات سوساايولوجيا الكبيااة‪ ،‬يف العااا الغااريب‪ ،‬قااد حظياات بدراسااات‬
‫ومؤلف ااات وكت ااب ومق اااالت كث اارية‪ ،‬ومبنهجي ااات خمتلف ااة‪ ،‬وض اامن م اادارس متنوع ااة‪ ،‬فمازال اات‬
‫سوس اايولوجيا الكبي ااة‪ ،‬يف وطنن ااا الع ااريب‪ ،‬عال ااة عل ااى نظريهت ااا الغربي ااة‪ ،‬وذل ااك بتتب ااع خطواهت ااا‬
‫العلمية‪ ،‬ودراسة املواضيع واملشاكل والقضايا واحملاور نفسها اليت ناقشتها سوسيولوجيا الكبياة‬
‫يف الغرب‪ ،‬مع متثل نظرياهتا ومناهجها وطرائقها إما بشكل جزئي وإما بشكل كلي‪.‬‬

‫‪ -087‬مصطفى حمسن‪ :‬اكخط إ اإلصم ا اكاربوي بين أس ل األزد ت د ت اكا ول اك ض ري‪ ،‬رؤ‬
‫سوسيوكوجي نقد ‪ ،‬املركز الثقايف العريب‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪0888‬م‪.‬‬
‫‪ -083‬مصطفى حمسن‪ :‬ددرس اكيساقبل‪ ،‬ره ن اإلصمح اكاربوي فا ع كم داغير‪ ،‬منشورات الزمن‪ ،‬سلسلة‬
‫شرفات رقم ‪ ،26‬مطبعة النجا اجلديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪2118‬م‪.‬‬
‫ثق في ني ئي ‪ ،‬منشورات الزمن‪ ،‬سلسلة شرفات‬ ‫‪ -088‬مصطفى حمسن‪ :‬ره ن ت تنيو ‪ ،‬رؤى سوسيوتربو‬
‫رقم ‪ ،88‬مطبعة النجا اجلديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪2100‬م‪.‬‬
‫‪- Elmostafa Haddiya: Jeunesse, éducation et changement social,‬‬
‫‪200‬‬

‫‪Rabatnet, Rabat, Maroc, 1édition 2014.‬‬


‫‪131‬‬
‫اكفصل اكس دس‪:‬‬
‫سوسيوكوجي ـ ـ األد ـ ـ ن‬

‫يعد علم اجتماع األديان ( ‪ )Sociologie de la religion‬فرعا من فروع علم‬


‫االجتماع العام‪ .‬ويهتم هذا التخصص بدراسة املعتقدات والطقوس واملمارسات‬
‫واالحتفاالت الدينية يف ضوء املقاربة السوسيولوجية‪ ،‬باستخدام املنهجية الكمية من جهة‪،‬‬
‫أو املنهجية الكيفية من جهة أخرى‪ ،‬أو مها معا‪ .‬ويعين هذا أن الدين جزء من اجملتمع‪ ،‬أو‬
‫هو مبثابة مؤسسة جمتمعية كباقي املؤسسات األخرى اليت هلا دور هام داخل النسق‬
‫االجتماعي الوظيفي‪ .‬ومن مث‪ ،‬فالدين له تأثري كبري يف اجملتمع‪.‬كما للمجتمع تأثريه اخلاص‬
‫يف الدين‪.‬إذا‪ ،‬هناك عملية تأثري وتأثر متبادلة‪ .‬ومن مث‪ ،‬فالدين هو نتاع احلياة اجملتمعية‬
‫القائمة على التالحم‪ ،‬والتضامن‪ ،‬والتعاون‪ ،‬والتةزر‪ ،‬والتسامح‪ ،‬والتعايش‪ ...‬وبالتايل‪ ،‬يعرب‬
‫الدين عما هو جمتمعي‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬يعكس الدين ‪ -‬حسب كارل ماركس‪ -‬الصراع‬
‫الطبقي‪ ،‬والتفاوت االجتماعي‪ ،‬ويعرب عن استالب اإلنسان واغكابه وضياعه يف جمتمع‬
‫البؤس والشقاء واالستغالل‪ .‬مبعىن أن الدين أفيون الشعوب‪ ،‬وأداة لتخدير الناس‬
‫وتكليسهم‪ ،‬ووسيلة إيديولوجية لدفع الناس إىل القناعة والرضا واالقتناع مبا قسم اهلل هلم‪،‬‬
‫وحثهم على انتظار اآلخرة حىت يظفروا مبا أعد اهلل هلم من جزاء‪ ،‬يعوضهم عن مةسي‬
‫الدنيا ومعاناهتا‪.‬‬
‫ومن مث‪ ،‬يهدف علم اجتماع األديان إىل تصنيف املعتقدات والديانات حسب األولوية‬
‫واألمهية العددية واجلغرافية‪ ،‬وجتميعها يف وثائق أو نصوص أو جذاذات وجداول حسب‬
‫عدد املنتمني إليها‪ ،‬ونسبة االنتماء؛ مث تبيان مكانة كل ديانة أو عقيدة على حدة؛‬
‫واستجالء منوها وتطورها ومدى انتشارها؛ وحتديد مرتكزاهتا النظرية‪ ،‬واستكشاف آليات‬
‫ممارستها‪ ،‬واستعراض خمتلف املواقف الرافضة أو املؤيدة أو املعارضة لتلك الديانات أو‬

‫‪132‬‬
‫املعتقدات‪ ،‬دون أن ننسى دراسة الظروف االجتماعية اليت أفرزت تلك الديانات والعقائد‪،‬‬
‫واستجالء خمتلف الصعوبات والعراقيل اليت تواجهها كل ديانة أو عقيدة إلثبات نفسها يف‬
‫تربة جغرافية معية‪.‬‬
‫إذا‪ ،‬ما مفهوم الدينا وما صريورته التارخييةا وما علم اجتماع األديانا وما موضوعها وما‬
‫أعالمه قدميا وحديثاا وما تصوراته النظرية واملنهجيةا‬
‫هذا ماسوف نرصده يف فصلنا هذا الذي عنوناه با(سوسيوكوجي األد ن)‪ ،‬على أساس أن‬
‫علم اجتماع األديان ختصص سوسيولوجي مهم لدراسة العقائد واألديان‪ ،‬يف ضوء‬
‫النظريات واملقاربات واملنظورات السوسيولوجية املختلفة‪ ،‬بغية فهم األنساق االجتماعية اليت‬
‫تتحكم يف هذه العقائد والديانات وتفسريها وتأويلها كما وكيفا‪.‬‬

‫اكيب ث األ ل‪ :‬دفه ــود عل ــم اجايـ ـ ع األد ـ ـ ن‬

‫قبل تعريف علم اجتماع األديان‪ ،‬علينا أن نعرف الدين أوال‪ ،‬مث تعريف علم اجتماع‬
‫األديان ثانيا‪.‬‬

‫اكيطلب األ ل‪ :‬تير ــف دفه ــود اكد ــن‬

‫من املعروف أن الدين قضية إشكالية معقدة‪ ،‬يصعبب تعريفها وحتديدها وضبطها بدقة‪.‬‬
‫كما أهنا مقولة جمردة أزعجت املفكرين والعلماء والباحثني بصفة عامة‪ ،‬وعلماء االجتماع‬
‫بصفة خاصة؛ نظرا لتعدد تعاريف الدين وتناقضها واختالفها‪ ،‬وتضارب مفاهيمها‬
‫ومضامينها وتأويالهتا من عا إىل آخر‪ .‬وعلى الرغم من ذلك‪ ،‬فالدين ظاهرة ثقافية أكثر‬

‫‪133‬‬
‫مما هي طبيعية‪ .‬ومن مث‪ ،‬فالدين عبارة عن هبة ربانية أو منحة أو نعمة أنعمها اهلل على‬
‫عبده‪.‬‬
‫وميكن تعريف الدين بكونه جمموعة من املعتقدات املتعالية عن املكان والزمان احلسيني‪ .‬وهو‬
‫أيضا عبارة عن جمموعة من األفكار الغيبية اخلارقة واملمارسات االحتفالية والطقوسية اليت هلا‬
‫عالقة باإلميان واالعتقاد ومتثل القيم الفضلى‪ .‬وبالتايل‪ ،‬يتميز السلوك الديين باالنتقال من‬
‫املدنس حنو املقدس‪ ،‬أو االنتقال من الدنيوي إىل األخروي أو الروحاب‪ ،‬وحترمي املساس‬
‫باملقدس أو انتهاكه أو اإلساءة إليه‪ .‬ومن مث‪ ،‬فالدين مبثابة طابو الميكن خرقه أو جتاوزه أو‬
‫التمرد عنه‪ .‬ومن مث‪ ،‬فالدين هو " اإلميان بقوة علوية سامية تأمر الناس بقيم أخالقية وأمناط‬
‫سلوكية معينة‪ ،‬وتبشرهم حبياة أخرى‪" 210.‬‬
‫ويعين هذا أن الدين جمموعة من الطقوس والشعائر والعبادات واملمارسات االحتفالية‬
‫والقربانية‪ ،‬حتمل يف طياهتا دالالت رمزية‪ ،‬تعرب عن ارتباط اإلنسان خبالقه‪ ،‬سواء أكان هذا‬
‫اخلالق هو اهلل املنزه عند املسلمني‪ ،‬أم الذات املتعددة عند املسيحيني‪ ،‬أم شخصيات حمكمة‬
‫ومقدسة كبوذا وكونفشيوس‪ ،‬أم أوثانا وأصناما ومتاثيل ونريانا وحيوانات وأحجارا ونباتات‬
‫كما عند الوثنيني واجملوس وامللحدين والكفار‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬يتضمن الدين وظيفة ذاتية ووظيفة اجتماعية‪ .‬ففيما خيص الوظيفة‬
‫األوىل‪ ،‬يغرس الدين يف اإلنسان احلب والصفاء والوفاء واإلخالص وحب اهلل‪ ،‬واحكام‬
‫املقدس‪ .‬كما يرحيه ذهنيا ونفسيا ووجدانيا وجسديا‪.‬أي‪ :‬حيقق توازنه الشعوري والالشعوري‪،‬‬
‫ويهبه السعادة العقلية والروحية والبدنية‪ .‬أما فيما خيص الوظيفة الثانية‪ ،‬يدفعه الدين إىل‬
‫االنصهار يف اجملتمع‪ ،‬وخضوعه لقواعده وعاداته وتقاليده ومعتقداته‪ ،‬ضمن روابط التضامن‬
‫وااللتحام والتماسك االجتماعي‪.‬‬

‫‪ - 210‬أنتوب غدنز‪ :‬علم االجاي ع‪ ،‬ترمجة‪ :‬فايز الصياغ‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل ‪2111‬م‪ ،‬ص‪.168:‬‬
‫‪134‬‬
‫وعليه‪ " ،‬يعد الدين مقولة مزعجة لكل من املشرعني وعلماء االجتماع‪ ،‬وذلك ألن املفاهيم‬
‫الدنيوية التتوافق مع تلك غري الدنيوية‪.‬ومن األسباب ذات الصلة بذلك أن الدين خيرق‬
‫بصورة جذرية ذلك الفارق القاطع بني الثقافة والطبيعة‪ .‬يتعامل عا االجتماع مع الدين‬
‫باعتباره ظاهرة ثقافية‪ ،‬وهذا اليتوافق ورأي معتنقي األديان‪ .‬الدين يف نظر املسيحي‬
‫واليهودي واملسلم وغريهم هبة من الرب‪ ،‬خالق كل شيء‪.‬وكلمة دين‪ .‬مبا حتويه من معان‬
‫ثقافية‪ -‬إشكالية بالنسبة إىل العديد من املؤمنني‪ ،‬حيث يفضلون يف األغلب احلديث عن‬
‫معتقدهم‪.‬وهو ما قد يفسر سبب الرأي الديين واملسيحي املعارض جدا للمثلية اجلنسية‪:‬‬
‫ففي ذلك نقض ليس ألوامر الرب فحسب‪ ،‬بل كذلك للنظام الطبيعي الذي وضعه‪.‬وميكن‬
‫مقارنة هذا بتعامل اإلسالم مع االرتداد عن الدين اإلسالمي‪ -‬فهو إمث اليغتفر‪ .‬فعندما‬
‫يعتنق الفرد اإلسالم اليقال إنه حتول إىل اإلسالم‪ ،‬بل عاد إىل اإلسالم‪ ،‬وهذا ألن املنظور‬
‫‪212‬‬
‫اإلسالمي يرى أن فطرة املرء هي اإلسالم‪".‬‬
‫وبناء على ما سبق‪ ،‬يتبني لنا أن ما مييز الدين هو الطابع الطقوسي اجلماعي‪ ،‬واستعمال‬
‫وسائط سلوكية أو شعورية أو الشعورية‪ .‬ويف هذا‪ ،‬يقول أنتوب غدنز(‪":)A.Giddens‬‬
‫كما أن مثة تنوعا كبريا يف ممارسة الطقوس املرتبطة بالدين‪.‬وقد تتضمن هذه الشعائر أمناطا‬
‫سلوكية أو شعورية مثل‪ :‬الصالة‪ ،‬والقراءة‪ ،‬والكتيل‪ ،‬أو الغناء‪ ،‬أو احلركة اجلسمانية؛ أو‬
‫تناول أطعمة معينة؛ أو االمتناع عنها يف أوقات حمددة‪ .‬ورمبا تكتسب بعض هذه العناصر‬
‫والشعائر طابع السلوك الفردي الشخصي الذي قد يقوم به املرء مبفرده‪.‬غري أن مثة إمجاعا‬
‫بني العلماء االجتماعيني على أن السلوك االحتفايل اجلمعي هو من أبرز خصائص‬
‫املعتقدات الدينية اليت متيزه عن ممارسات أخرى مثل السحر‪.‬ويرى واحد من أبرز علماء‬

‫‪ - 212‬جون سكوت‪ :‬علم االجاي ع‪ ،‬اكيف هيم األس سي ‪ ،‬الشبكة العربية لألحباث والنشر‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪،‬‬
‫الطبعة الثانية ‪2108‬م‪ ،‬ص‪.217:‬‬
‫‪135‬‬
‫االجتماع واألنكوبولوجيا احملدثني (مالينوفسكي‪ 218)0832 / Malinowski‬إىل أن‬
‫اجلماعة يف جمتمع الكوبرياند البدائي يف احمليط اهلادي تقيم مثل هذه الطقوس اجلماعية‬
‫بصورة شبه دينية قبل أن يغادر أحد القوارب الشاطىء حممال بأبناء القبيلة يف رحلة حمفوفة‬
‫باملخاطر‪.‬لكنهم اليقيمون مثل هذه الشعائر اجلمعية إذا ما ركب أحدهم زورقه الصغري‬
‫‪212‬‬
‫لصيد السمك"‪.‬‬
‫وإذا كانت اجملتمعات احلديثة‪ ،‬والسيما العلمانية منها‪ ،‬التعطي أمهية تذكر للدين‪ ،‬فنن‬
‫اجملتمعات التقليدية الميكن أن تعيش بدون الدين‪ .‬لذا‪ ،‬فهي تقدس زعماءها وأولياءها‬
‫وكهنتها ورهباهنا وأحبارها‪ .‬ويف هذا‪ ،‬يقول غدنز‪ ":‬وميثل الدين يف اجملتمعات التقليدية حمورا‬
‫مركزيا يف حياة الناس‪.‬وكثريا ما تندمج الرموز الدينية والطقسية‪ ،‬وتتغلغل يف تضاعيف احلياة‬
‫العادية والروحية والثقافية والفنية يف اجملتمعات التقليدية‪ ،‬وإىل حد أقل يف اجملتمعات‬
‫احلديثة‪ .‬وقد تكاو الرموز والزعامات املمثلة لالنتماء الديين بني القيادات املعروفة على‬
‫الصعيد العام يف احلياة املعاصرة من جهة‪ ،‬ومفهوم الويل أو الشامان أو الكاهن القدمي الذي‬
‫كان شائعا يف اجملتمعات البدائية والتقليدية بوصفه‪ ،‬حبسب املزاعم اليت تربر وجوده‬
‫‪211‬‬
‫وممارساته‪ ،‬قادرا على التوسط بني الناس وقوى سحرية فوقية‪".‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬فالدين ضرورة اجتماعية وسيكولوجية وميتافيزيقية‪ ،‬يقدم إجابات وافية عن أسئلة‬
‫ماورائية وجمتمعية حمرية ومثرية ومقلقة‪ ،‬مثل‪ :‬األ ‪ ،‬واحلياة‪ ،‬واملوت‪ ،‬والبعث‪ ،‬واجلزاء‪...‬‬
‫ويعين هذا أن الدين عبارة عن إجابات نسقية شاملة وكلية حول الوجود‪ ،‬واهلل‪ ،‬واإلنسان‪،‬‬
‫واملعرفة‪ ،‬والعا ‪ ،‬واألخالق‪ ،‬واملصري‪ ،‬والعدالة‪ ...‬وأكثر من هذا فالدين هو الذي حيقق‬
‫السعادة النسبية أو املطلقة لإلنسان‪ .‬ومن هنا‪ ،‬فاهلل فكرة نافعة لإلنسان حسب‬

‫‪203‬‬
‫‪-Malinowski: Magic, science and religion, and other essays,‬‬
‫‪London. Souvenir Press, 1982.‬‬
‫‪ - 212‬أنتوب غدنز‪ :‬علم االجاي ع‪ ،‬ص‪.171:‬‬
‫‪ - 211‬أنتوب غدنز‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.171:‬‬
‫‪136‬‬
‫فولتري(‪ .)Voltaire‬وإن كان سارتر )‪ (Sartre‬يرى‪ ،‬عكس ذلك‪ ،‬أن اهلل فكرة مضرة‪.‬‬
‫أضف إىل ذلك أن الدين هو مصدر املعارف واحلقائق الدنيوية والكونية‪ ،‬ومرجع أنطولوجي‬
‫إلنية اإلنسان ووجوده يف عالقة بذاته‪ ،‬أو بالعا الذي يوجد فيه‪ ،‬أو يف عالقته اجلوانية‬
‫باهلل أو الصنم الذي يعبده ويقدسه أو يتقرب إليه‪ .‬كما يتضمن الدين حقائق معرفية حسية‬
‫وعقلية وخارقة‪ .‬وحيوي قيما أخالقية مثلى تتحقق سا الفضيلة والكمال والسعادة القصوى‪.‬‬
‫إذا‪ ،‬فالدين هو تفسري شامل للعا ‪ ،‬وإجابة عن خمتلف مشاكل اإلنسان ومهومه‪ ،‬وما يؤرقه‬
‫من أسئلة واقعية‪ ،‬وغيبية‪ ،‬وميتافيزيقية‪ ،‬ودينية‪ ،‬وعقائدية‪ ،‬وتشريعية‪...‬كما يوطد الدين‬
‫العالقات البشرية األخوية واجملتمعية‪ ،‬ويعطي معىن للحياة‪...‬‬
‫ويرى السوسيولوجي الفرنسي ى ف الدبير (‪ )Yves Lambert‬أن الدين ينبين على‬
‫ثالثة معايري أساسية هي‪:‬‬
‫‪ ‬مييز الدين بني واقع جترييب دنيوي حسي ميكن مقاربته علميا‪ ،‬وواقع غييب وأخروي‬
‫متعال عن اإلنسان‪ ،‬الميكن إدراكه بالعقل واحلواس والتجربة؛ ألنه يتجاوز نطاق الطبيعة‬
‫وقدرات اإلنسان العقلية احملدودة؛‬
‫‪ ‬تتحقق التجربة الدينية بتواجد اإلنسان يف عالقة مع اهلل أو مع العوا املتعالية‪ .‬وتتأكد‬
‫هذه التجربة الروحية عرب جمموعة من الوساطات الرمزية (الصالة‪ ،‬والقراءة‪ ،‬والكتيل‪،‬‬
‫والتضحية‪ ،‬والتقليد‪ ،‬والعادات‪ ،‬والفداء‪ ،‬والقربان‪ ،‬إخل)؛‬
‫‪ ‬الدين عبارة عن طقوس مجاعية أو نظام من املعتقدات واملمارسات املرتبطة بعوا غيبية‬
‫متعالية عن اإلنسان‪ ،‬متارس عرب وسائط رمزية للتقرب من اهلل أو املعبود الذي خيتاره‬
‫اإلنسان حسب معتقده الديين‪.216‬‬

‫‪206‬‬
‫‪- Yves Lambert:La naissance des religions: De la préhistoire‬‬
‫‪aux religions universalistes, Armand Colin, 2007 ; Dieu change en‬‬
‫‪Bretagne: La religion à Limerzel de 1900 à nos jours, Cerf, 1985.‬‬
‫‪137‬‬
‫هذا‪ ،‬ويستند التفكري الديين إىل جمموعة من املبادىء واملرتكزات واألفكار النظرية اليت ميكن‬
‫حصرها فيما يلي‪:‬‬
‫‪ ‬فترة اكربوبي ‪.‬أي‪ :‬االعتقاد بوجود إله أو رب واحد سرمدي‪ ،‬ومطلق الكمال؛‬
‫‪ ‬فترة بدء اكخلق‪ ،‬ويعين هذا أن اهلل خلق مجيع املوجودات اليت توجد يف هذا العا ‪،‬‬
‫وهذه املوجودات خلقت من عدم؛‬
‫‪ ‬فترة اكو ا اليت مفادها أن احلقائق اليت جاء سا األنبياء والرسل هي حقائق يقينية‬
‫وصادقة‪ ،‬الميكن التشكيك أو الطعن فيها؛‬
‫‪‬فترة اإل ي ن القائمة على تلك العالقة اخلالصة والصادقة اليت تربط العبد باهلل‪ ،‬ومركز‬
‫اإلميان هو القلب ال العقل؛‬
‫‪ ‬اكد ن عقيدة شر ي ‪ :‬يعين هذا أن الدين اعتقاد وعمل‪ ،‬إميان وسلوك‪ ،‬وربط وثيق‬
‫بني النظري والعملي؛‬
‫‪‬اكد ن بن ء عيران تطور كليجايع‪ .‬ويعين هذا أن اهلل خلق اإلنسان ليعمر الكون‪،‬‬
‫ويستخلفه فيه من أجل البناء والتنمية وحتقيق التقدم واالزدهار؛‬
‫‪ ‬فترة اكوسطي ‪ :‬ينبين الدين احلق على الوسطية واالعتدال‪ ،‬ونبذ التشدد والتطرف‬
‫والكراهية واملبالغة‪ ،‬والسعي من أجل احلق والعدالة وعدم جمانبة الصواب؛‬
‫‪ ‬فترة اكاوازن‪ :‬يستند الدين إىل حتقيق التوازن بني ماهو مادي وروحاب‪ ،‬بني ماهو‬
‫دنيوي وأخروي؛‬
‫‪ ‬فترة اإلنس ني ‪ :‬يعين هذا أن الدين عقيدة إنسانية خلدمة اإلنسان أينما حل وارحتل‪.‬‬
‫يمص اكقول‪ ،‬فالدين مفهوم معقد وغامض‪ ،‬يطر إشكاليات عويصة يف خمتلف‬
‫اجملاالت املعرفية والعلمية‪ .‬ومن مث‪ ،‬ميكن القول بأن الدين عبارة عن نسق من املعتقدات‬
‫واملمارسات واملشاعر الروحية واالحتفاالت الطقوسية والكاتيل اليت يلتجىء إليها اإلنسان‬
‫للتقرب من املعبود لنيل رضاه وبركته وعطفه‪ ،‬أو لتحقيق أمنياته وأغراضه ومةربه‪ ،‬وقضاء‬
‫حاجياته املادية واملعنوية‪.‬‬
‫‪138‬‬
‫هذا‪ ،‬وميكن احلديث عن أنواع عدة من الدين‪ ،‬فهناك اكد ن اكطوطيا الذي يتخذ طابع‬
‫السحر واخلرافة والشعوذة‪ ،‬ويعرب عن رغبات نفسية مكبوتة أو رغبات اجتماعية حمرومة‪.‬‬
‫وهناك أيضا اكد ن اإل ي ئا الذي جيعل املخلوقات الغيبية واألخروية تعيش مع اإلنسان‬
‫وحتيا معه؛واكد ن اكشخوصا الذي يرتبط بعبادة األشخاص والتربك سم‪ ،‬مثل‪ :‬تقديس‬
‫الشخصيات العامة البارزة‪ ،‬أو تقديس احلكماء والقديسني والشيوخ‪....‬وهناك اكد ن‬
‫األيمقا املرتبطة بالكونفوشيوسية والبوذية والطاوية‪.‬بيد أن هذه الديانات خاضعة للنسق‬
‫القيمي أو األخالقي‪ .‬أي‪ :‬هدفها هو تعليم الناس األخالق النبيلة والفضائل املثلى‪ .‬وهناك‬
‫اكد ن األ قونا الذي يعتمد على التماثيل واألصنام واألوثان‪ ،‬وتدخل فيه املعبودات‬
‫احلجرية واحليوانية والنباتية واحلديدية‪ .‬وهناك اكد ن اكربوبا الذي يتعلق بالرب أو اإلله‪.‬‬
‫ويف األخري‪ ،‬هناك اكد ن اكيدنا الذي يتعلق بتقديس الشخصيات املدنية ورؤساء الدولة‪،‬‬
‫واالحتفاء بالزعماء واملنتصرين والضحايا‪ ،‬وخاصة يف الدميقراطيات الغربية أو الدول‬
‫املستبدة‪...‬‬

‫‪139‬‬
‫اكيطلب اكث نا‪ :‬تير ف علم اجاي ع األد ن‬

‫يقصد بعلم اجتماع الدين ( ‪ )Sociologie de la religion‬أو علم اجتماع‬


‫األديان (‪ )La sociologie des religions‬ذلك العلم الذي يعىن بالظواهر‬
‫ذات الطبيعة الدينية أو املقدسة‪ ،‬أو ذلك املبحث الذي يهتم بالعالقة اليت جتمع اإلنسان‬
‫باهلل أو مبجموعة من املعبودات اليت جتسد الذات اإلهلية حسب معتقدات اإلنسان العابد‪.‬‬
‫وقد يقصد به أيضا دراسة خمتلف املعتقدات واألفكار السحرية والدينية اليت يؤمن سا‬
‫اإلنسان‪ ،‬وما له عالقة بالوثنية‪ ،‬والكفر‪ ،‬واإلحلاد‪ ،‬والعلمانية‪ ،‬والتطرف‪ ،‬وا ٍإلرهاب‪ ،‬والفكر‬
‫األصويل‪...‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬يطر علم اجتماع األديان عاملني مفارقني وخمتلفني‪ :‬عا األرض مقابل عا‬
‫السماء‪ ،‬وعا الدنيا مقابل عا اآلخرة‪ ،‬وعا الرؤية مقابل عا الرؤيا‪ ،‬والعا الطبيعي‬
‫مقابل العا اخلارق‪ ،‬والعا املادي مقابل العا الروحاب‪ ،‬والعا اإلنساب مقابل العا‬
‫املالئكي‪ ،‬وعا اجلسد مقابل عا الرو ‪ ،‬وعا البشر مقابل عا اهلل‪...‬‬
‫فعليه‪ ،‬فعلم اجتماع األديان هو الذي يدرس املقدس يف عالقته باملدنس‪ ،‬أو يتناول خمتلف‬
‫الظواهر والوقائع واالحتفاالت واملمارسات الدينية يف ضوء املقاربة السوسيولوجية كما أو‬
‫كيفا‪ .‬مبعىن أن سوسيولوجيا األديان تدرس خمتلف التأثريات اليت ميارسها الدين يف اجملتمع‬
‫إجيابا أو سلبا‪ ،‬مع التعريف باملعتقد أو الديانة‪ ،‬والتمييز بني ماهو ديانة إهلية وعقائدية‬
‫(الديانات السماوية الثالث)‪ ،‬وما هو عبارة عن توجيهات وطقوس أخالقية وتوجيهية‬
‫(الكونفوشيوسية‪ ،‬والبوذية‪ ،‬والطاوية)‪ ،‬والبحث عن أسباب نشأهتا‪ ،‬ومراحل تكوهنا‬
‫وتشكلها وتطورها وتوسعها‪ ،‬وتبيان مبادئها وأسسها النظرية والتطبيقية‪ ،‬وموقف اجملتمع‬
‫منها‪ ،‬سواء أكان موقف رفض أم تأييد‪.‬‬
‫وتنطلق سوسيولوجيا األديان من أن الدين جزء من اجملتمع‪ ،‬أو هو مؤسسة كباقي‬
‫املؤسسات االجتماعية األخرى‪ ،‬هلا أدوارها ووظائفها داخل النسق اجملتمعي الكلي‪ .‬بل‬
‫‪140‬‬
‫ميكن القول بأن الدين هو اجملتمع‪ ،‬مادام يعكس خمتلف العالقات االجتماعية اليت جتمع‬
‫بني األفراد‪ ،‬مثل‪ :‬االلتحام‪ ،‬واملساواة‪ ،‬والتضامن‪ ،‬والتعاون‪ ،‬واإلحساس املشكك‪...‬ويعين‬
‫هذا أن الدين هو اجملتمع‪ ،‬واجملتمع هو الدين نفسه‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فعلم اجتماع األديان هو دراسة املعتقدات واملمارسات والطقوس وأشكال التنظيم‬
‫الديين‪ ،‬إما وفق املنهجية الكمية‪ ،‬وإما وفق املنهجية الكيفية‪.‬‬
‫و يتبلور علم اجتماع األديان إال يف القرن التاسع عشر امليالدي‪ .‬وبعد ذلك‪ ،‬تطور هذا‬
‫العلم نظرية وتطبيقا ورؤية مع جمموعة من السوسيولوجيني واألنكوبولوجيني الكالسيكيني‬
‫واملعاصرين‪ ،‬أمثال‪ :‬إميل دوركامي)‪ ،(E.Durkheim‬وأوجست كونت‬
‫(‪ ،)A.Comte‬وماكس فيرب‪ ،(Max Weber)217‬ومارسيل موس)‪،(M.Mauss‬‬
‫ولودفيغ فيورباخ)‪ ،(Ludwig Feuerbach‬وكارل ماركس‪،(K.Marx)213‬‬
‫وفردريك أحلز)‪ ،(F.Engeles‬وألكسيس توكفيل)‪ ،(A.Toqueville‬وبيك بريجر‬
‫(‪ ،218)Peter Berger‬وأوليفيي روي(‪ ،)Olivier Roy‬وراميون‬
‫بودون(‪ ،)R.Boudon‬وروبرت بيال(‪ ،)Robert N. Bellah‬وتوماس‬
‫لوكمان(‪ ،)Thomas Luckmann‬ورودب ستارك(‪ ،)Rodney Stark‬وويليام‬

‫‪207‬‬
‫‪-Weber, Max: The Protestant Ethic and the Spirit of‬‬
‫‪Capitalism. Los Angeles: Roxbury Company, 2002‬‬
‫‪208‬‬
‫‪-Marx, Karl: A Contribution to the Critique of Hegel's‬‬
‫*‪Philosophy of Right, Deutsch-Französische Jahrbücher, February.‬‬
‫‪Swanson, Guy E. (1967). Religion and Regime: a Sociological Account‬‬
‫‪of the Reformation. Ann Arbor, Mich.: University of Michigan Press.‬‬
‫‪x, 1844.295 p.‬‬
‫‪209‬‬
‫‪- Berger, Peter L: The Sacred Canopy: Elements of a‬‬
‫‪Sociological Theory of Religion (1967). Anchor Books 1990‬‬
‫‪paperback.‬‬
‫‪141‬‬
‫سيمس بانربيدع (‪ ،)William Sims Bainbridge‬وروبرت واثناو( ‪Robert‬‬
‫‪ ،)Wuthnow‬وكريستيان مسيث (‪ ،)Christian Smith‬وبريان ويلسون‬
‫(‪...201)Bryan R. Wilson‬‬
‫وعلى الرغم من هذا‪ ،‬فمازالت الدراسات‪ ،‬يف جمال سوسيولوجيا األديان‪ ،‬قليلة وحمدودة‪،‬‬
‫سواء أكان ذلك يف العاملني‪ :‬الغريب والعريب‪.‬‬

‫اكيب ث اكث نا‪ :‬ت ر ـ ــخ اكظ ه ــرة اكد نيـ ـ‬

‫الميكن استجالء موضوع هذا املبحث إال بالتوقف عند بعض املراحل التارخيية للظاهرة‬
‫الدينية بالتحليل واملناقشة واملقارنة والتقومي على الوجه التايل‪:‬‬

‫اكيب دات اكوثني‬ ‫اكيطلب األ ل‪ :‬اكيجايي ت اكاقليد‬

‫لقد ارتبطت اجملتمعات التقليدية والبدائية والبسيطة بالتدين‪ ،‬فالميكن لإلنسان البدائي أو‬
‫التقليدي االستغناء عن التدين؛ ألنه حمور احلياة العادية اليومية‪ ،‬فقد وجد راحته النفسية يف‬
‫طقوسه‪ ،‬وحتسس سعادته املطلقة يف العبادة‪ ،‬وتقديس كل املوجودات اليت حتقق له األمن‬
‫والطمأنينة واهلدوء والسعادة‪ ،‬ومتنح له الرزق‪ .‬لذا‪ ،‬عبد عناصر الطبيعة من مشس‪ ،‬وقمر‪،‬‬
‫ومساء‪ ،‬وحبر‪ ،‬وكواكب وحوم‪ ،‬وأرض‪ ،‬ونباتات‪ ،‬وأحجار‪ ،‬وحيوانات‪.‬كما عبد من جهة‬
‫أخرى‪ ،‬الكهنة‪ ،‬والرهبان‪ ،‬واألحبار‪ ،‬واألولياء‪ ،‬واألحبار‪ ،‬وغريهم‪...‬‬

‫‪-Wilson, Bryan: Religion in Sociological Perspective, Oxford,‬‬


‫‪210‬‬

‫‪Oxford University Press,1982.‬‬


‫‪142‬‬
‫ويعين هذا أن الدين يوجد " يف مجيع اجملتمعات املعروفة اليوم‪ ،‬على الرغم من تعدد العقائد‬
‫واملمارسات الدينية وتنوعها بني ثقافة وأخرى‪ .‬وتنطوي مجيع الديانات على منظومة من‬
‫الرموز اليت تستوجب االحكام واإلجالل‪ ،‬وترتبط بسلسلة من الشعائر الطقوسية اليت تشكك‬
‫‪200‬‬
‫فيها مجاعة املؤمنني‪".‬‬
‫وقد متيز الفكر الديين‪ ،‬عند اإلنسان التقليدي‪ ،‬بامليل حنو الفكر الغييب واألسطوري‬
‫والسحري‪ ،‬وممارسة الشعوذة‪ ،‬واإلميان بقوى خفية غري مرئية كاألروا والشياطني واجلن‬
‫والعفاريت‪ .‬ومن مث‪ ،‬فقد كان يفسر مشاكله النفسية والواقعية بقوى خفية غيبية‪ ،‬وبأسباب‬
‫سحرية وخرافية وسحرية‪ ،‬تنقصها العمليات العقلية واملنطقية على مستوى التحليل والربهنة‬
‫واالستدالل‪ .‬و يكن هذا اإلنسان‪ ،‬يف تعامله مع الظواهر الطبيعية والكسمولوجية‪ ،‬يهتم‬
‫بالعلل واألسباب األوىل كما يفعل الفالسفة‪ ،‬بل يلتجىء إىل تفسريات خيالية وخرافية‬
‫وسحرية وغيبية‪.‬‬
‫وقد آمن التقليديون مبجموعة من الظواهر الدينية‪ ،‬مثل‪ :‬ق نون اكيش رك ( ‪Loi de‬‬
‫‪ )participation‬كما لدى ليفي برول(‪ .)Lévy-Bruhl‬ويعين هذا أن البدائي‬
‫يعتقد بوجود قوى غيبية متعددة تشكك مع اإلنسان يف عوامله الداخلية ومشاكله ومهومه‪،‬‬
‫وقد تكون تلك القوى اخلفية عبارة عن شياطني أو حيوانات أو نباتات أو كائنات أخرى‪.‬‬
‫ومن مث‪ ،‬فذات اإلنسان تتداخل فيها عمليات متشابكة وذوات أخرى غيبية‪.‬فنذا أصيب‬
‫اإلنسان بأ أو أذى من حيوان أو حجر‪ ،‬اعتقد أن مصدر ذلك هو الساحر الذي‬
‫تقمص رو ذلك احليوان أو جلده‪ .‬ويعين هذا أن الساحر يشارك حياة احليوان أو حياة‬
‫اإلنسان نفسه‪ .‬ومن مث‪ ،‬فاألروا الشريرة تشارك اإلنسان أو احليوان تقمصا وحلوال‬
‫ومساكنة‪.‬‬
‫وهناك ظ هرة اإل ي ئي ‪ ،‬ويقصد سا أن اإلنسان البدائي يؤنسن الطبيعة‪ ،‬ويشخصها‬
‫تشخيصا حيا‪ ،‬وجيعلها تتحرك مثل اإلنسان خريا وشرا‪ .‬مبعىن أنه يسبغ عليها صفات‬

‫‪ - 200‬أنتويت غدنز‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.182:‬‬


‫‪143‬‬
‫اإلنسان احلية‪ ،‬وجيعلها تتصرف مثل تصرفات اإلنسان السلبية واإلجيابية‪ .‬وهنا‪ ،‬يقكب‬
‫املعبود من اإلنسان العابد‪ .‬ويكون التقديس والتربك والعبادة فيها نوع من املماثلة الندية‬
‫على مستوى الصفة اإلحيائية‪.‬‬
‫وهناك ظ هرة قوة اكي ن (‪ ،)Mana‬وتعين وجود قوة خفية تكون وراء حا اإلنسان‬
‫البدائي يف حياته وعمله‪ ،‬وتكاثر ماشيته‪ ،‬وإحاب أوالده‪ ،‬والصمود يف وجه الريا‬
‫والعواصف واملخاطر يف أثناء السفر أو اهلجرة‪ .‬وتسمى هذه القوة الغيبية اخلفية عند أهل‬
‫ماليزيا باملانا‪ ،‬ويطلق عليها أوريند (‪ )Orend‬أو واكان)‪ (Wakan‬أو مانيتا‬
‫(‪ )Manita‬عند هنود أمريكا الشمالية‪.‬‬
‫ومازالت هذه الظاهرة متارس يف جمتمعاتنا احلديثة اليت تؤمن بالظواهر اخلرافية والغيبية‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫زيارة القبور للتربك باألولياء الصاحلني‪ ،‬والبحث عن الربكة بعبادة األحجار‪ ،‬أو تزيني‬
‫األشجار باخليوط‪ ،‬أو زيارة األحجار واألشجار‪ ،‬أو أي نوع من أنواع الكاب ملالمسته؛‬
‫ألن يف ذلك بركة وشفاء من األمراض‪ ،‬أو حاة من املوت‪ ،‬أووقاية من عيون الناس‪.‬‬
‫وهناك ظاهرة دينية أخرى تسمى بظ هرة اكط بو اكطوطم‪.‬ويعين هذا أن أن كل عشرية أو‬
‫قبيلة تتخذ لنفسها طوطما‪ ،‬وغالبا ما يكون حيوانا أو نباتات‪ ،‬فيتربكون به إىل درجة‬
‫التقديس والعبادة‪ ،‬ويدورون حوله يف شكل طقوس رقصية واحتفالية ودينية‪ .‬ويتسمى أفراد‬
‫العشرية باسم ذلك الطوطم‪ ،‬فنذا كان ذئبا‪ ،‬فالقبيلة كلها تتخذ الذئب لقبا هلا‪ .‬ومن هنا‪،‬‬
‫يتربكون سذا احليوان‪.‬ويعين هذا أن اإلنسان قد حتول إىل حيوان كما هو يف قانون املشاركة‬
‫واملانا‪ ،‬أو أن احليوان هو الذي أصبح كائنا إنسانيا‪ .‬ومن مث‪ ،‬يصبح الطوطم شريعة حمكمة‬
‫عند مجيع أهل القبيلة أو العشرية‪ ،‬يكنون له كل التعظيم والتقديس والتربيك‪.‬وقد يتحول‬
‫هذا الطوطم العشريي إىل طابو أو قانون التحرمي أو الالمساس‪ .‬ويعين هذا عدم انتهاك‬
‫حمرمات الطوطم‪ ،‬كعدم الزواع من داخل القبيلة‪ ،‬وحترمي زواع اإلخوة واألقارب‪ ،‬وعدم‬
‫معاشرة املرأة يف أثناء حيضها‪ .‬لذلك‪ ،‬يعترب الدم والشعر من أهم العناصر املقدسة يف‬
‫فلسفة العشري الطوطمي‪.‬‬

‫‪144‬‬
‫ويف هذا السياق‪ ،‬يقول أنتوب غدنز(‪ )A.Giddens‬يف كتابه (علم االجاي ع)‪ ":‬وهناك‬
‫نوعان متميزان من االعتقاد الديين انتشرا يف اجملتمعات البدائية والبسيطة‪.‬ىم اكاشفت‬
‫اكطوطيي فا أ س ط قب ئل اكهنود اك ير فا أدر ت اكشي كي ‪ ،‬إال أن مصطلح الطوطم‬
‫استخدم يف مابعد لوصف أنواع من احليوانات والنباتات اليت تسبغ اجلماعة عليها قوة فوقية‬
‫استثنائية خارقة‪.‬وتتخذ كل من مجاعات القرابة أو العشائر يف اجملتمع طوطما خاصا سا‬
‫حتيطه بأشكال خمتلفة من املمارسات واألنشطة الشعائرية‪.‬وقد تبدو فكرة الطوطم غريبة كل‬
‫الغرابة يف اجلماعات الصناعية واملعاصرة‪ ،‬إال أننا نتلمح بعض آثارها يف سياقات ضيقة‬
‫نسبيا يف جمتمعاتنا احلديثة‪ ،‬عندما يتخذ بعض األفراد واجلماعات‪ ،‬ورمبا املؤسسات‪ ،‬رموزا‬
‫معينة يستبشرون سا‪ ،‬ويعتربوهنا عنوانا للنجا سواء على الصعيد الشخصي‪ ،‬أم الرياضي‪،‬‬
‫أم التجاري‪.‬‬
‫أما النوع االخر من االعتقاد الديين‪ ،‬فهو االجتاه اإلحيائي‪ ،‬وهو االعتقاد بوجود األروا‬
‫واألشبا تعيش بني البشر؛ ومنها ماهو محيد طيب‪ ،‬ومنها الشرير الضار‪ ،‬ويعتقد يف بعض‬
‫اجملتمعات أن مثل هذه األروا تسبب املرض أو اجلنون أو متس بعض األفراد‪ ،‬وتتملكهم‪،‬‬
‫وتوجه سلوكهم‪ .‬واليقتصر وجود مثل هذا االجتاه اإلحيائي على الثقافات الصغرية أو‬
‫املندثرة‪.‬وكان واسع االنتشار يف أوروبا يف العصور الوسطى‪ ،‬وكان األفراد الذين يعانون هذا‬
‫املس يتعرضون لالضطهاد‪ ،‬ويعتربون من السحرة واملشعوذين‪.‬كما أن املصابني سذه العلة‬
‫‪202‬‬
‫قد خيضعون للعالع أو للنبذ أو االضطهاد يف بعض اجملتمعات التقليدية واحلديثة‪".‬‬
‫وحد هذه الظاهرة الطوطمية واإلحيائية حىت يف جمتمعات التوحيد‪ ،‬فمازالت اخلرافة‬
‫والشعوذة والسحر تدفع جمموعة من الناس األميني إىل ممارسة شعائر طوطمية وإحيائية‬
‫خمالفة للشرع الرباب‪ ،‬حىت يف اجملتمعات اإلسالمية املعروفة بنله واحد‪ .‬ويف هذا‪ ،‬يقول‬
‫غدنز‪ ":‬يشري أحد الباحثني البارزين يف علم االجتماع إيفان بريتشار (‪Evans-‬‬

‫‪ - 202‬أنتوب غدنز‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.170-171:‬‬


‫‪145‬‬
‫‪ )Pritchard,1956208‬إىل أن الطوطمية واإلحيائية متثالن نظما معقدة ومركبة من‬
‫املعتقدات الدينية‪ ،‬بل إن بعضها‪ ،‬كما هي احلال لدى قبائل النوير يف جنوب السودان‪،‬‬
‫يشتمل على منظومة واسعة من األفكار واملفاهيم اليت تدور حول إله أعظم أو رو مساوية‪.‬‬
‫وإذا ما أخذنا اجملتمعات البشرية الراهنة من الوجهة العددية‪ ،‬وبصرف النظر عن طبيعتها‪،‬‬
‫ومستوى تقدمها الصناعي أو االقتصادي‪ ،‬وجدنا أن قلة قليلة منها تعتنق األديان‬
‫‪202‬‬
‫الوحدانية‪ ،‬بينما تشيع يف أوساط أكثرها شعائر دينية ترتبط بتعدد اآلهلة‪".‬‬
‫ومن مث‪ " ،‬تشيع الديانات الطوطمية واإلحيائية يف الثقافات الصغرية احلجم‪ ،‬على الرغم‬
‫من أن بعض ممارساهتا قد تركت آثارها يف احلياة االجتماعية والسياسية يف اجملتمعات‬
‫احلديثة‪ ،‬وتتمثل الطوطمية يف االعتقاد بأن بعض احليوانات أو النباتات ميتلك قدرة‬
‫استثنائية للعادة‪.‬أما اإلحيائية‪ ،‬فهي اإلميان بأن األروا واألشبا ‪ ،‬ومنها الطيب والشرير‪،‬‬
‫تعيش بني الناس‪ ،‬وقد تتملكهم وتؤثر يف حياهتم‪".201‬‬
‫وهكذا‪ ،‬نصل إىل أن الشعوب التقليدية القدمية عرفت أنواعا من الدين‪ ،‬مثل‪ :‬الدين‬
‫الطوطمي‪ ،‬والدين اإلحيائي‪ ،‬ودين التناسخ‪ ،‬ودين املشاركة‪...‬‬

‫‪213‬‬
‫‪-Evans-Pritchard, E.E: Nuer Religion, Oxford University Press.‬‬
‫‪Oxford, 1956.‬‬
‫‪ - 202‬أنتويت غدنز‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.170:‬‬
‫‪ - 201‬أنتوب غدنز‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.182:‬‬
‫‪146‬‬
‫اكيطلب اكث نا‪ :‬اكد ن ت اكسي‬

‫يقصد بالديانات السماوية اليهودية واملسيحية واإلسالم‪ .‬وتعد اليهودية أقدم ديانة مساوية‪،‬‬
‫وقد ارتبطت بكتاب التوراة‪ ،‬وبالرسول موسى عليه السالم‪ ،‬وبشعب اليهود الذين كانوا‬
‫يقتلون األنبياء والرسل‪ .‬وقد عرفوا باملكر والغدر والنفاق‪ ،‬وممارسة االحتكار والربا والتجارة‬
‫املشبوهة‪ .‬يف حني‪ ،‬اقكنت املسيحية بالرسول عيسى عليه السالم‪ ،‬وبكتاب اإلحيل‪ ،‬وملة‬
‫النصارى‪ .‬أما اإلسالم‪ ،‬فقد ارتبط بالرسول حممد (صلعم)؛ خاع األنبياء‪ ،‬وبالقرآن الكرمي‪،‬‬
‫وباملسلمني املؤمنني‪ .‬وإذا كان اليهود أشد عداوة للمسلمني‪ ،‬فنن املسيحيني النصارى أقرب‬
‫مودة ورمحة من اليهود‪ .‬ويف هذا‪ ،‬يقول تعاىل يف سورة (املائدة)‪ ":‬كاجدن أشد اكن س‬
‫عدا ة كلا ن آدنوا اكيهود اكا ن أشركوا كاجدن أقربهم دودة كلا ن آدنوا اكا ن ق كوا‬
‫ىن نص رى مكك بأن دنهم قسيسين رهب ن أنهم ال ساتبر ن ‪" 206.‬‬
‫وبغية املقارنة بني هذه األديان السماوية الثالثة‪ ،‬البد من االنطالق من هذا اجلدول‪:‬‬
‫اإلسالم‬ ‫املسيحية‬ ‫اليه ااودية‬
‫أكثر من بليون نسمة‬ ‫‪02‬دليون سن ‪0883‬د بليون ومثامنائة وسبعون مليون‬
‫نسمة سنة ‪0888‬م‬
‫‪%03‬‬ ‫‪%82‬‬ ‫‪%3‬‬
‫الشرق األوسط‪ ،‬ومشال‬ ‫أوروبا وآسيا الصغرى‬ ‫دشااون فا اكي كم‬
‫أفريقيا‪ ،‬وشبه القارة اهلندية‪،‬‬ ‫وأسكاليا وأمريكا الشمالية‬
‫وبعض الدول األفريقية‬ ‫وأمريكا الالتينية وبعض‬
‫واآلسيوية‬ ‫الدول األفريقية واآلسيوية‬

‫‪ - 206‬اآلية ‪ ،32‬من سورة املائدة‪ ،‬القرآن الكرمي‪ ،‬برواية ورش عن نافع ‪.‬‬
‫‪147‬‬
‫ويعين هذا أن املسيحية أكثر انتشارا مقارنة باإلسالم واليهودية‪ .‬يف حني‪ ،‬تعد اليهودية أقدم‬
‫ديانة مساوية فوق األرض‪ .‬بيد أن اإلسالم هو الدين املوحد هلل األحد‪ .‬يف حني‪ ،‬تعد‬
‫املسيحية ديانة متعددة لكوهنا تؤمن باألقانيم الثالثة‪.‬أما اليهودية‪ ،‬فهي ديانة جمسمة‬
‫ومشبهة للذات الربانية‪ .‬كما أن القرآن هو الكتاب السماوي الوحيد الذي حفظه اهلل من‬
‫اكا ْك َر َ ىِنَّ كَهُ‬
‫التزييف والتزوير واالنتحال والتحريف‪ ،‬مصداقا لقوله تعاىل‪ ":‬ىِنَّ نَ ْ ُن نَـ َّزكْنَ ِّ‬
‫كَ َ فِظُو َن‪".507‬‬
‫وعليه‪ ،‬فلقد ظهرت اليهودية املوسوية يف مصر القدمية يف حدود القرن العاشر قبل امليالد‪،‬‬
‫وكان أتباع موسى يسمون بالعربانيني أو بين إسرائيل‪ .‬وقد استعبدهم فرعون إىل أن حررهم‬
‫موسى عليه السالم من عبوديتهم وذهلم ومهانتهم‪ .‬وعلى الرغم من ذلك‪ ،‬يؤمنوا مبوسى‪،‬‬
‫و يؤمنوا كذلك بربه‪ ،‬وال باألنبياء والرسل الذين جاؤوا بعد موسى‪ ،‬وال بالكتب السماوية‬
‫اليت جاءت بعد التوارة‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬يدل مفهوم التوراة على القانون والشريعة‪ .‬أما الشرو الشفوية اليت قدمت للتوراة‬
‫من قبل األحبار واحلاخامات‪ ،‬فقد مجعت يف كتاب (اكاليود)‪ .‬ومن مث‪ ،‬تسمى التوراة‬
‫بالعهد القدمي‪ ،‬ويسمى اإلحيل بالعهد اجلديد‪ .‬وتتعادل أمهية الكتب املقدسة املدونة‬
‫(اكاوارة) مع الشرو والتفسريات اليت يقدمها احلاخامات (اكاليود)‪ .‬ومن هنا‪،‬‬
‫فالتلمودعبارة عن شريعة شفوية‪ ،‬وشرو وتفسريات وتأويالت لقضايا فقهية ومعرفية‬
‫وعلمية‪ .‬وقد ظهرت الحقا كتابات اكقب اله أ اكت ب ال( تلقا اك تي ) اليت سيطرت‬
‫على جزء من الفكر الديين اليهودي‪ .‬ومن باب العلم‪ ،‬تقام خمتلف عبادات اليهود يف‬
‫الكنيس‪ ،‬ومجعه الكنس‪.‬‬

‫‪ - 207‬اآلية التاسعة‪ ،‬من سورة احلجر‪ ،‬القرآن الكرمي برواية ورش عن نافع‪.‬‬
‫‪148‬‬
‫عالوة على ذلك‪ ،‬فاليهودية جمموعة من الطوائف‪ ،‬مثل‪ :‬اليهودية األرثوذكسية‪ ،‬واليهودية‬
‫اإلصالحية‪ ،‬واليهودية احملافظة‪ ،‬والصهيونية‪...‬‬
‫أما الديانة املسيحية‪ ،‬فتنسب إىل املسيح؛ مبعىن املختار واملصطفى‪ .‬وقد نشأت يف أرض‬
‫فلسطني‪ .‬وبعد ذلك‪ ،‬انتشرت يف بقاع األرض بسرعة‪ ،‬وخاصة إبان الفكة الرومانية واملرحلة‬
‫االستعمارية احلديثة‪ .‬ويعد اإلمرباطور الروماب قسطنطني أول من اعكف باملسيحية دينا‬
‫رمسيا لإلمرباطورية الرومانية يف القرن اخلامس امليالدي‪ ،‬بعد مرحلة من االضطهاد العنيف‬
‫للمسيحيني أينما حلوا وارحتلوا‪ .‬وقد مسي اإلحيل سذا االسم للداللة على البشارة‪ .‬أي‪:‬‬
‫البشارة مبجيء املسيح بعد صلبه يف منظور املسيحيني الغالة‪ .‬وإن كان املسيح يقتل و‬
‫يصلب‪ ،‬ولكن شبه هلم‪ ،‬مصداقا لقوله تعاىل‪ ":‬ود قالوه د صلبوه كتن شبه‬
‫"‬
‫‪502‬‬
‫كهم‪.‬‬
‫وقد تفرقت املسيحية إىل طوائف عدة‪ ،‬منها‪ :‬الكاثوليكية‪ ،‬والربوتستانتية‪ ،‬واألرثوذكسية‪،‬‬
‫واألحليكانية (‪ ...)ecclesia Anglicana‬وتؤدى عبادات املسيحيني يف الكنيسة‪،‬‬
‫ومجعها كنائس‪.‬‬

‫‪ - 203‬اآلية ‪ ،017‬من سورة النساء‪ ،‬القرآن الكرمي‪ ،‬برواية ورش عن نافع‪.‬‬


‫‪149‬‬
‫أما اإلسالم‪ ،‬فهو آخر األديان السماوية الثالثة‪ ،‬ويقوم على أركان مخسة هي‪ :‬الشهادتان‬
‫(أشهد أن ال إله إال اهلل‪ ،‬وأن حممدا رسول اهلل)‪ ،‬والصالة‪ ،‬والزكاة‪ ،‬وصوم رمضان‪ ،‬وحج‬
‫بيت اهلل من استطاع إليه سبيال‪.‬‬
‫أما أركان اإلميان‪ ،‬فتتمثل يف اإلميان باهلل عز وجل‪ ،‬واإلميان باملالئكة‪ ،‬واإلميان بالكتب‬
‫السماوية‪ ،‬واإلميان باألنبياء والرسل‪ ،‬واإلميان باليوم اآلخر‪ ،‬واإلميان بالقدر خريه وشره‪.‬‬
‫وتقام الصلوات اخلمس يف املساجد مجاعة لنيل رضا اهلل تعاىل‪ ،‬والتقام يف البيت إال‬
‫لضرورة قصوى‪ .‬وقد انقسم املسلمون إىل عدة طوائف أمهها‪ :‬السنة‪ ،‬والشيعة‪ ،‬واخلوارع‪،‬‬
‫واملرجئة‪ ،‬واملاتريدية‪...‬‬

‫‪150‬‬
‫وينتشر اإلسالم يف الشرق األوسط ومشال أفريقيا‪ ،‬وكذلك يف كثري من مناطق العا ‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫أوروبا‪ ،‬وأسكاليا‪ ،‬وآسيا‪ ،‬وأمريكا الالتينية‪ ،‬وأمريكا الشمالية‪.‬‬

‫‪151‬‬
‫اكيطلب اكث كث‪ :‬د ـ ن ت اكش ــرق األق ــصح‬

‫يعرف الشرق األقصى ديانات عقائدية إهلية كاهلندوسية اليت تعد أقدم هذه الديانات‪،‬‬
‫وتؤمن بتعدد اآلهلة‪ ،‬وقد انتشرت بسرعة يف القارة اهلندية‪ .‬وهناك ديانات أخالقية أخرى‬
‫تركز على اجلانب اخللقي والقيمي‪ ،‬مثل‪ :‬البوذية‪ ،‬والكونفوشيوسية‪ ،‬والطاوية‪.‬‬

‫اكفرع األ ل‪ :‬اكد ـ ن اكهند سي‬

‫تعد اهلندوسية أقدم الديانات املوجودة يف الشرق األقصى منذ ستة آالف سنة مضت‪.‬‬
‫ويعين هذا أهنا ظهرت منذ القرن اخلامس عشر قبل امليالد‪ .‬وتسمى أيضا بالربامهية‪.‬‬
‫والتنسب اهلندوسية إىل شخص مؤسس معني‪ ،‬فقد تشكلت عرب التاريخ‪ ،‬وعرب قرون عدة‪.‬‬
‫وتعد ديانة ( فيدا ) أهم أصوهلا التارخيية‪.‬لذا‪ ،‬تبقى اهلندوسية أقدم ديانة حية إىل يومنا‬
‫هذا‪ .‬وترجع‪ ،‬يف حفرياهتا األنكوبولوجية‪ ،‬إىل العصر احلديدي‪.‬وما تتميز سا اهلندوسية أن‬
‫لكل منطقة أو ظاهرة أو عمل إهلا معينا‪ .‬ويعين هذا أن اهلندوسية تؤمن بتعدد اآلهلة‪.‬‬
‫وبالتايل‪ ،‬فهي ديانة وثنية التؤمن بالرب الواحد كما عند املسلمني‪ .‬ومبا أن هذه الديانة تربو‬
‫على املليار نسمة‪ ،‬فهي تعد ثالث أكرب ديانة بعد املسيحية واإلسالم‪ .‬وتتميز هذه الديانة‬
‫بنمياهنا بتناسخ األروا ‪ ،‬وانتقال الرو من اإلنسان إىل اإلنسان اآلخر أو احليوان أو‬
‫احلشرات‪ .‬وحترم هذه الديانة أكل اللحوم‪ ،‬وخاصة حلم البقرة‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬تنتشر هذه الديانة يف اهلند والنيبال وجزيرة بايل بأندونيسيا‪ ،‬وقد انتقلت إىل الربوع‬
‫األخرى مع هجرة اهلندوس إىل تلك املناطق (جنوب أفريقيا‪ ،‬وبريطانيا‪ ،‬وكندا‪ ،‬والواليات‬
‫املتحدة األمريكية‪ ،‬وهولندا‪ ،‬وسورينام‪ ،‬وجويانا)‪ .‬ويبلغ عدد اهلندوس ‪720.361.111‬‬
‫نسمة‪ ،‬ويشكلون نسبة ‪ % 03.2‬من ساكنة العا ‪.‬‬

‫‪152‬‬
‫ويف هذا السياق‪ ،‬يقول أنتوب غدنز‪ ":‬متثل اهلندوسية أقدم الديانات القائمة حىت اآلن من‬
‫الوجهة التارخيية؛ إذ تعود‪ ،‬يف أصوهلا األوىل‪ ،‬إىل ستة آالف سنة مضت‪ .‬وتتميز اهلندوسية‬
‫بتعدد اآلهلة‪ ،‬وبدرجة من التشعب والتنوع يف تفرعاهتا الداخلية دفعت بعض الدارسني إىل‬
‫اعتبارها عنقودا من الديانات املتداخلة ال ديانة واحدة‪ .‬ويؤمن أغلب اهلندوس مببدإ‬
‫التناسخ‪ ،‬وهو االعتقاد أن مجيع الكائنات احلية متثل جانبا من سريورة دائرية أبدية تعرب‬
‫مراحل امليالد‪ ،‬واملوت وامليالد املتجدد‪ .‬ومن املالمح األخرى اليت تتميز سا على الصعيد‬
‫االجتماعي نظام الكاست؛ أي االعتقاد بأن األفراد إمنا يولدون يف شرحية اجتماعية حمددة‪،‬‬
‫يف نسق اجتماعي وطقوسي معني‪ ،‬وفقا لطبيعة األنشطة اليت كانوا يقومون سا يف حياة‬
‫سابقة‪ .‬ولكل شرحية طبقية حمددة منظومة من الواجبات والشعائر اليت حيدد أداؤها مصري‬
‫الشخص يف احلياة املقبلة‪.‬ويتقبل اهلندوس إمكانية التحول واالنتقال بني عدة مذاهب دينية‬
‫خمتلفة‪ ،‬واليضعون خطا فاصال بني املؤمنني وغري املؤمنني‪.‬وهناك ما يزيد على ‪ 721‬دليون‬
‫هندوسي يعيش أغلبهم يف شبه القارة اهلندية‪ .‬ومن اخلصائص اليت يتمتع سا اهلندوسي أنه‬
‫اليسعى إىل التبشري مبعتقداته الجتذاب اآلخرين إليها على حنو ما يفعل املسيحيون‬
‫‪208‬‬
‫واملسلمون‪".‬‬
‫وهكذا‪ ،‬يتبني لنا أن اهلندوسية هي أقدم ديانة بشرية‪ ،‬وتنتشر يف القارة اهلندية بسرعة‪،‬‬
‫ويؤمن أتباعها بتناسخ األروا ‪.‬‬

‫‪ - 208‬أنتوب غدنز‪ :‬نفسه‪ ،‬صص‪.171-172:‬‬


‫‪153‬‬
‫اكفرع اكث نا‪ :‬اكد نـ ـ اكبوم ـ‬

‫تعد الديانة البوذية ديانة أخالقية‪ ،‬وليست ديانة ألوهية أو عقائدية‪ .‬مبعىن أهنا فلسفة‬
‫أخالقية أكثر مما هي ديانة‪ .‬وتنسب البوذية إىل غ ت د بودا(بالدال وليس بالذال) الذي‬
‫انشق عن تعاليم اهلندوسية‪ ،‬وثار على احلركة الرهبانية الربامهانية‪ ،‬واجتهت رسالته األخالقية‬
‫إىل العموم‪.‬أي‪ :‬إىل الرجال والنساء‪ ،‬وإىل كل الطبقات االجتماعية بدون استثناء‪ .‬ويعين‬
‫هذا أن البوذية هي مبثابة تعاليم أخالقية سامية تركها بوذا أو املستنري أو املتيقظ ليتمثلها‬
‫عموم الناس‪.‬‬
‫وترتكز البوذية على أمور ثالثة هي‪ :‬اإلميان ببوذا املعلم املستنري للعقيدة البوذية‪ ،‬واإلميان‬
‫بدارما أو بتعاليم بوذا وحقائقه‪ ،‬وتكوين اجملتمع البوذي‪.‬‬
‫وعدد البوذيني يف العا ‪ 330.115.111‬نسمة‪ ،‬بنسبة ‪ %6‬من ساكنة العا ‪.‬‬
‫وتنتشر البوذية يف اهلند‪ ،‬والتبت‪ ،‬وسرييالنكا‪ ،‬والصني‪ ،‬وتايالند‪ ،‬وكامبوديا‪ ،‬وبورما‪،‬‬
‫والالوس‪ ،‬واليابان‪ ،‬وكوريا‪ ،‬ومنغوليا‪...‬‬

‫ومن املعلوم أن بوذا هو لقب ديين كسده رت جوت د امللقب ببوذا‪ ،‬وقد ظهر يف فكة زمنية‬
‫ما بني ‪ 231 – 161‬ق‪.‬م‪ .‬ويعين لفظ بودا‪ ،‬كما قلنا سابقا‪ ،‬املستنري أو املتيقظ أو‬
‫العا ‪ .‬ويلقب أيضا بستي دونا‪ ،‬ومعناه املعتكف‪ .‬ومثة روايات ختربنا أن بودا عاش حياة‬
‫األمراء املكفة يف بلدة على حدود نيبال‪ .‬وقد زهد يف احلياة‪ ،‬واتبع حياة التقشف واخللوة‬
‫والتصوف واالعتكاف‪ ،‬متأمال يف احلياة‪ ،‬بتهذيب النفس هتذيبا قاسيا‪ ،‬وترويضها على‬
‫الصرب واحلكمة‪ ،‬مع االبتعاد عن الشهوات والرذائل واملوبقات الدنيوية‪ .‬وكان هدفه األساس‬
‫هو إنقاذ اإلنسان من آالمه اليت يكون أساسها االنسياق وراء الشهوات املضنية‪.‬لذا‪ ،‬تبعه‬
‫كثري من الناس‪ ،‬منبهرين بفلسفته األخالقية‪ ،‬وحكمته التأملية النظرية‪ ،‬وجتاربه يف رياضة‬
‫النفس وتطهريها‪.‬‬

‫‪154‬‬
‫وبعد وفاته‪ ،‬انعقد مؤمتر لتدوين تعاليم بوذا من جهة‪ ،‬وإزالة اخلالف بني أتباعه‪ ،‬وكان ذلك‬
‫يف قرية راج جراه سنة ‪ 238‬ق‪.‬م‪ .‬ومن أهم الذين كلفوا بتدوين املبادىء البوذية الشفوية‬
‫الراهب ك شي ب الذي اهتم باملسائل العقلية؛ وأ كا الذي اهتم بقواعد تطهري النفس‬
‫اإلنسانية؛ وأن ندا الذي اهتم جبمع احملاورات واألمثال‪.‬‬

‫وتستند أفكار بوذا إىل أربع حقائق جوهرية نبيلة هي‪:‬‬

‫‪ ‬احلياة اإلنسانية معاناة وشقاء متواصل؛‬

‫‪ ‬إن االنسياق وراء الشهوات هو أصل املعاناة اإلنسانية؛‬

‫‪ ‬تتوقف املعاناة اإلنسانية بكبح الشهوات‪ ،‬وقمع النفس الشهوانية والغضبية باالستعانة‬
‫بالنريفانا (الصفاء الروحي)؛‬

‫‪ ‬مثة طرائق مثانية إليقاف املعاناة اإلنسانية‪ ،‬وهي‪ :‬الفهم السوي‪ ،‬والتفكري السوي‪،‬‬
‫والقول السوي‪ ،‬والفعل السوي‪ ،‬واجلهد السوي‪ ،‬واالرتزاق السوي‪ ،‬واالنتباه السوي‪ ،‬والككيز‬
‫السوي‪ .‬وميكن توزيع هذه الطرائق النبيلة إىل ثالثة أقسام هي‪ :‬الفضيلة‪ ،‬واحلكمة‪ ،‬والتأمل‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬تقوم البوذية على ثالثة مرتكزات أساسية هي‪ :‬بوذا املعلم الزاهد؛ والدارما أو‬
‫التعاليم البوذية اليت مجعت يف كتاب السوترا أو ما يسمى أيضا بالنصوص املقدسة؛‬
‫والسانغا وهي طائفة من الرهبان والراهبات‪.‬‬

‫ويف هذا السياق نفسه‪ ،‬يقول أنتوب غدنز‪ " ،‬تستمد البوذية مبادءها من تعليمات‬
‫سيده رت غوت د ‪ ،‬وهو البوذا (أي املستنري) الذي كان أمريا هندوسيا يف مملكة صغرية إىل‬
‫اجلنوب من نيبال يف القرن السادس قبل امليالد‪ .‬وكان بوذا يرى أن يوسع البشر أن‬
‫يتخلصوا من دائرة التناسخ املفرغة عن طريق نبذ شهواهتم‪.‬ويتمثل سبل اخلالص يف ضبط‬
‫النفس‪ ،‬والتأمل بعيدا عن مهمات العا اليومية‪.‬وهتدف البوذية آخر األمر إىل الوصول إىل‬
‫‪155‬‬
‫مرحلة النرفانا؛ أي الذوبان الروحي الكامل‪.‬وقد رفض بوذا الشعائر اهلندوسية والقيود‬
‫املشددة اليت يفرضها نظام الشرائح االجتماعية املتصلبة (الكاست)‪.‬وتتسامح البوذية‪ ،‬شأهنا‬
‫شأن اهلندوسية مع التنوع يف العقائد احمللية‪ ،‬مبا فيها تعدد اآلهلة‪.‬ومتثل البوذية اليوم قوة‬
‫رئيسية فاعلة يف كثري من بلدان الشرق األقصى مثل‪ :‬تايالند؛ وبورما؛ وسريالنكا؛ والصني؛‬
‫واليابان؛ وكوريا‪"221.‬‬

‫وهكذا‪ ،‬يتبني لنا أن البوذية هي ديانة أخالقية‪ ،‬مادام هدفها الرئيس هو هتذيب أخالق‬
‫الناس وتنقيتها وتطهريها دنيويا وأخرويا‪.‬‬

‫اكفرع اكث كث‪ :‬اكد ن ـ ـ اكتونفوشيوسي‬

‫تعترب الكونفوشيوسية فلسفة أخالقية أكثر مما هي عقيدة دينية‪ ،‬وتنسب إىل كونفوشيوس؛‬
‫احلكيم الصيين األول‪ .‬ومن مث‪ ،‬فالكونفوشيوسية هي أخالق وآداب وفضائل وسياسة يف‬
‫احلياة واحلكم‪ .‬ويعين مصطلح الكونفوشيوسية املعلم أو احلكيم‪.‬أي‪ :‬كان كونفوشيوس‬
‫معلما يلقن الناس آداب احلكمة والفضائل النبيلة اليت تنبين عليها احلياة احلقيقية‪ .‬كما أن‬
‫الكونفوشيوسية هي مبادىء وتعاليم ومعتقدات فلسفية‪.‬وهي كذلك منهاع يف تدبري احلياة‬
‫االجتماعية‪ .‬وقد ظهرت هذه الفلسفة يف الصني‪ .‬ومن مث‪ ،‬فهي اليت حتدد طبيعة حياة‬
‫الناس‪ ،‬وطريقة التعامل مع بعضهم البعض داخل النسيج اجملتمعي‪.‬‬
‫و تكن الكونفوشيوسية عقيدة دينية‪ ،‬و يكك كونفوشيوس رجال دين ينشرون عقائده‬
‫وتعاليمه الفلسفية واألخالقية‪ .‬ويعين هذا أن الكونفوشيوسية ليست ديانة أو عقيدة‪ ،‬و‬
‫يكن كونفوشيوس يسمي نفسه إهلا‪.‬لذلك‪ ،‬يقدسه الناس‪ ،‬و يعبدوه‪ .‬وقد انتقلت‬
‫تعاليم كونفوشيوس شفويا‪.‬وبعد ذلك‪ ،‬دونت يف نصوص ومؤلفات وكتب‪ .‬ومن مث‪ ،‬يتميز‬

‫‪ - 221‬أنتوب غدنز‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.171:‬‬


‫‪156‬‬
‫فكر كونفوشيوس بالطابع األخالقي‪ ،‬بدفاعه عن الوفاء واإلخالص واإليثار وحمبة اآلخرين‪،‬‬
‫والتوجه حنو صفة اإلخالص جتاه الذات وجتاه اآلخرين؛ ومتثل العدالة االجتماعية‪ ،‬والدفاع‬
‫عن وحدة الصني‪ ،‬واإلقرار بسيادة األمة‪ ،‬والدعوة إىل توحيد شعوب العا ‪ ،‬إال أنه كان‬
‫يدافع عن حكم األباطرة األوتوقراطيني املستبدين‪.‬‬
‫وقد انتشرت الكونفوشيوسية يف الصني‪ ،‬واليابان‪ ،‬وكوريا‪ ،‬والفيتنام‪ ،‬بل أصبحت ثقافة‬
‫رئيسية يف دول شرق آسيا‪ ،‬وانتقلت كذلك إىل الدول الغربية‪ ،‬وأصبحت فلسفة مثرية‬
‫للفالسفة واملبدعني واملفكرين واملتصوفة والرياضيني‪...‬‬
‫إذا‪ ،‬فقد " كانت الكونفوشيوسية هي األساس الثقايف للفئات احلاكمة يف الصني‬
‫القدمية‪.‬وقد عاش كونفوشيوس يف الوقت الذي عاش فيه بوذا؛ أي يف القرن السادس قبل‬
‫امليالد‪ ،‬فكان مثل الوتسو‪ ،‬مؤسس الطاوية يعمل يف جمال التدريس‪ ،‬و يكن يعترب نفسه‬
‫رسوال أو نبيا‪ ،‬كما أن أتباعه اليوم اليعتربونه واحدا من الرموز املقدسة‪ ،‬بل ينظرون إليه‬
‫بوصفه أحكم احلكماء‪.‬وتسعى الكونفوشيوسية إىل تكيف احلياة البشرية‪ ،‬وانسجامها مع‬
‫عا الطبيعة الداخلي‪ ،‬مع التشديد على إجالل اآلباء واألجداد األقدمني‪.‬وتدعو الطاوية‬
‫إىل مبادىء مماثلة‪ ،‬مع الككيز على التأمل‪ ،‬وعدم استعمال العنف لتحقيق مستويات سامية‬
‫من احلياة‪ .‬وعلى الرغم من أن كثريا من عناصر الكونفوشيوسية والطاوية مازالت باقية يف‬
‫عقائد الكثري من الصينيني وممارساهتم‪ ،‬إال أن هاتني الديانتني قد فقدتا اجلانب األكرب من‬
‫النفوذ واألثر‪ ،‬نتيجة للحظر الرمسي الذي فرضته احلكومة يف الصني عليهما منذ‬
‫‪220‬‬
‫اخلمسينيات من القرن املاضي‪".‬‬
‫وهكذا‪ ،‬يبدو لنا أن الكونفوشيوسية ديانة أخالقية بامتياز‪ ،‬هدفها هو هتذيب أخالق‬
‫الناس وتطهريها من شوائب الشهوات ورذائلها ومنغصاهتا‪.‬‬

‫‪ - 220‬أنتوب غدنز‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.176-171:‬‬


‫‪157‬‬
‫اكفرع اكرابع‪ :‬اكد نـ ـ اكط ـ ـ‬
‫تعد الطاوية من الديانات األخالقية‪ ،‬وقد ظهرت يف القرن السادس قبل امليالد‪ .‬والتعد‬
‫الطاوية ديانة عقدية أو ألوهية‪ ،‬بل هي جمرد تعاليم ومعتقدات ومبادىء فلسفية وأخالقية‬
‫متداخلة مع جمموعة من العقائد واألفكار والشائعات اليت عرفتها الصني منذ القدمي على‬
‫غرار الديانة الكونفوشيوسية‪.‬ومن مث‪ ،‬تعين الطاوية اهلدي أو الطريق أو الطريقة‪ ،‬وأصحاب‬
‫هذه الديانة يسمون باملهديني الذين يتبعون طريق اهلدي‪.‬‬
‫والطاوية مذهبان‪ :‬فاملذهب األول فلسفي تبلور ‪ -‬تارخييا‪ -‬إبان حكم ساللة تشو يف‬
‫الصني؛ واملذهب الثاب ديين تطورت مبادؤه بعد املذهب األول ألكثر من مخسة قرون‪،‬‬
‫وبالضبط يف عهد حكم ساللة هان‪.‬ويطلق على املذهبني الطاوية الفلسفية والطاوية‬
‫الدينية‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬ويعد الوتسي أو الوتسو (‪ )Laotse‬أحد حكماء املدرسة الدينية اليت كان هلا‬
‫انتشار واسع يف الثقافة الشعبية الصينية‪ .‬ومتتاز هذه الطاوية مبزيج من املعتقدات الدينية‬
‫القدمية‪ ،‬وأفكار الغيب والسحر والشعوذة والتأمالت الفلسفية والغنوصية‪.‬‬
‫وتنبين هذه الطاوية الفلسفية على نزعة التأمل والتفلسف‪ ،‬واإلميان بوحدة الوجود‪ ،‬والقول‬
‫باحللولية‪ ،‬واإلميان بالقانون السماوي األعظم‪ ،‬وامليل إىل التصوف والعبادة واخللوة‬
‫واالعتكاف‪ ،‬واالنعزال عن احلياة العامة‪ ،‬واالهتمام باليوغا‪ ،‬واالعتقاد مببدإ الوجود قبل اهلل‪،‬‬
‫والدعوة إىل احلياة الطبيعية الفطرية‪ ،‬ومتلك قوة احلكمة‪ ،‬واحملافظة على الصحة العقلية‬
‫واجلسمية والنفسية‪...‬‬
‫ومن أهم املناطق اليت انتشرت فيها الطاوية الصني‪ ،‬واليابان‪ ،‬وتايوان‪ ،‬وماليزيا‪ ،‬وسنغافورة‪،‬‬
‫وبانكوك‪ ،‬وبينيانغ‪...‬‬

‫يمص اكقول‪ ،‬تلكم نظرة خمتصرة إىل أهم الديانات اليت عرفها العا ‪ ،‬وقد حتدثنا عن‬
‫املرحلة البدائية حيث كان اإلنسان مرتبطا مبجموعة من الظواهر والعقائد اخلرافية‬

‫‪158‬‬
‫واألسطورية والغيبية‪ ،‬مثل‪ :‬ظاهرة املانا‪ ،‬وقانون املشاركة‪ ،‬وظاهرة اإلحيائية‪ ،‬وظاهرة‬
‫الطوطم‪ ،‬وظاهرة الطابو‪.‬‬
‫وبعد ذلك‪ ،‬ظهرت ثالث ديانات مساوية كربى هي‪ :‬اليهودية‪ ،‬واملسيحية‪ ،‬واإلسالم‪ .‬ومثة‬
‫ديانات أخرى جتمع بني الطابعني‪ :‬األلوهي واألخالقي‪ ،‬مثل‪ :‬الكونفوشيوسية‪ ،‬والبوذية‪،‬‬
‫واهلندوسية‪ ،‬والطاوية‪...‬‬

‫اكيب ث اكث كث‪ :‬اقـ ــع اكاد ــن ف ــا ع كي ــن اكيي ص ــر‬

‫الميكن فهم واقع التدين‪ ،‬يف عاملنا املعاصر‪ ،‬إال باالعتماد على اإلحصاءات العلمية‬
‫الدقيقة‪ .‬ولكن هذا ال يتأتى لنا يف غياب أرقام حمايثة صحيحة‪ .‬ويعين هذا أن املوضوع‬
‫الديين والالهويت حساس جدا‪ ،‬وخاضع حلسابات دينية تبشريية‪ ،‬وسياسية‪ ،‬وعرقية‪،‬‬
‫وإيديولوجية‪ ،‬وطائفية‪...‬ناهيك عن تفسريات وتأويالت تنطلق من قناعات دينية وطائفية‬
‫معينة؛ مما يؤثر سلبا يف املوضوعية املبتغاة‪.‬‬
‫هلذا‪ ،‬سنعتمد على ما يوجد لدينا من أرقام ومعطيات إحصائية‪ ،‬أحزت يف مراكز علمية‬
‫دولية متخصصة‪ ،‬وأقسام سوسيولوجية رفيعة املستوى‪ ،‬وخمتربات فكرية غربية‪ ،‬ووكاالت‬
‫إخبارية عاملية‪ ،‬على الرغم من طابعها النسيب واإليديولوجي‪.‬‬
‫با(‪ ،)0.268.525.071‬بنسبة‬ ‫وعليه‪ ،‬تعد املسيحية الديانة األوىل يف العا‬
‫‪ .%33.2‬ومن مث‪ ،‬يبلغ الكاثوليك املسيحيون (‪ ،)0.105.210.111‬بنسبة‬
‫‪ .%02.7‬يف حني‪ ،‬يبلغ عدد الربوتستانت أقل من الكاثوليك مبجموع‬
‫(‪ ،)325.370.111‬بنسبة ‪ .%6.8‬أما عدد األرثودكس الشرقيون واملشرقيون‪ ،‬فأقل‬
‫بكثري من الكاثوليك والربوتستانت مبجموع (‪ ،)073.261.111‬بنسبة ‪ .%3.0‬أما‬
‫األحليكان (كنائس أسقفية منشقة)‪ ،‬فهم أقل عددا من هؤالء مبجموع‬

‫‪159‬‬
‫(‪ ،) 72.207.111‬بنسبة‪ .% 0.0‬ومثة مسيحيون آخرون الينتمون إىل هذه‬
‫الطوائف‪ ،‬وعددهم (‪ ،)082.111.071‬بنسبة ‪.% 3.2‬‬
‫وبعد الديانة املسيحية‪ ،‬حيضر اإلسالم مبجموع (‪ ،)0.100.375.111‬وبنسبة ‪02.5‬‬
‫‪ .%‬أما اليهود‪ ،‬فيبلغ عددهم (‪ ،) 02.023.111‬بنسبة ‪.% 1.3‬‬
‫أما عدد غري املتدينني‪ ،‬فيبلغ عددهم (‪ ،)805.270.111‬بنسبة ‪.% 06.0‬‬
‫ويشكل اهلندوس جمموع (‪ ،) 720.361.111‬بنسبة ‪ .% 03.2‬يف حني‪ ،‬يبلغ عدد‬
‫البوذيني (‪ ،)330.115.111‬بنسبة ‪ .% 6.1‬بينما يبلغ عدد امللحدين‬
‫(‪ )505.225.111‬بنسبة ‪.% 0.3‬‬
‫وييبلغ عدد املقبلني على ديانات الصني الشعبية (‪ )001.826.111‬بنسبة ‪.% 5.2‬‬
‫أما أتباع الديانات القبلية‪ ،‬فعددهم (‪ ،)88.736.111‬بنسبة ‪ .% 5.2‬أما عدد‬
‫السيخ‪ ،222‬فهو (‪ ،)08.223.111‬بنسبة ‪ .% 5.5‬أما اآلخرون‪ ،‬فيبلغ عددهم‬
‫‪553‬‬
‫(‪ ،)08.521.111‬بنسبة ‪.% 0.1‬‬

‫‪ - 222‬اكسيخي ديانة أكثر اعتداال من اهلندوسية‪ ،‬مادامت تقوم على التوحيد‪ ،‬والزواع من امرأة واحدة‪ ،‬وحترمي‬
‫الرهبنة‪ ،‬والدفاع عن املساواة‪ .‬وقد بدأت يف مشايل اهلند يف القرن السادس عشر‪ ،‬بالدعوة التباع تعليمات غورو‬
‫ناناك وخلفائه التسعة من الغورو البشر‪ .‬ويعين لقب غورو باهلندية اكييلم ‪ .‬وتشتق كلمة "سيخية" من كلمة‬
‫"سيخ" السنسكريتية‪ ،‬وتعين التلميذ‪ ،‬وسبب انتشارها يف العا هو اعتماد اإلحليز على السيخ يف بعض احلروب‪،‬‬
‫وهجراهتم خارع بالدهم‪.‬‬
‫‪223‬‬
‫‪-Statistical abstract of United States, 1994, p: 855.‬‬
‫‪160‬‬
‫ويتضح لنا‪ ،‬من خالل هذه املعطيات‪ ،‬أن املسيحية هي الديانة األكثر انتشارا يف العا ‪.‬‬
‫ويتبعها اإلسالم يف املرتبة الثانية‪ .‬يف حني‪ ،‬تعد الديانة اليهودية ديانة منغلقة على نفسها‪،‬‬
‫وعدد معتنقيها قليل جدا مقارنة بعدد املسيحيني واملسلمني‪ .‬ويالحظ كذلك أن عدد غري‬
‫املتدينني كبري جدا بنسبة ‪ .% 06.0‬وهي نسبة عالية جدا‪ .‬وتأيت بعد نسبة املسيحية‬
‫واإلسالم مباشرة‪ .‬ويتبني لنا أيضا أن نسبة اإلحلاد مرتفعة جدا يف العا بنسبة ‪.% 0.3‬‬
‫وتذهب وكالة ر ارز(‪ )Reuters‬اكي كيي كألنب ء ىكح أن أفر قي قد تصدرت ق ئي‬
‫اكين طق اكاا تثر فيه اكياد نون فا اكي كم بييدل ‪ ،%28‬تلاه أدر ت اكمتيني‬
‫بييدل ‪ ،%20‬اكي كم اكيربا بييدل ‪ ،77%‬فا اكد ل اإلسمدي بييدل‬
‫‪.%73‬‬
‫علح اكرغم دن هاه اكييطي ت اكنسبي ‪ ،‬يد اإلسمد أكثر اناش را فا اكي كم سنو‬
‫بنسب ‪ .% 532‬بيده‪ ،‬تأتا اكهند سي بنسب ‪ ،% 007‬اكبوم بنسب ‪،% 63‬‬
‫‪161‬‬
‫اكيسي ي بنسب ‪ ،%07‬اكيهود بنسب ن قص‪ .%0‬ينا هاا أن اإلسمد ازا د‬
‫بسرع ه ئل بين اكن س فا اكي كم‪ .‬فا ين‪ ،‬تاراجع تيرة اإلقب ل علح اكيسي ي‬
‫اكيهود علح د سواء‪.‬‬

‫م ظ أن اإلسمد ناشر بسرع سنو ‪ ،‬ي ص فا أساراكي بنسب ‪،% 527‬‬


‫أ ر ب بنسب ‪ ،% 005‬أدر ت بنسب ‪ ،% 52‬آسي بنسب ‪ ،% 05.6‬أفر قي‬
‫بنسب ‪.% 5.5‬‬

‫‪162‬‬
‫رى اكخبراء أن عدد اكيسليين سيصل‪ ،‬فا ‪ 5131‬د‪ ،‬ىكح ‪5.5‬دلي ر نسي ‪.‬‬
‫ساتون نسباهم ‪ % 56.0‬دن س كن اكي كم‪ .‬هاه نسب ع كي ‪ .‬ؤشر هاا علح‬
‫ددى تزا د عدد اكيسليين فا اكي كم دن عقد ىكح آير‪.‬‬
‫ينا هاا كله أن اإلسمد هو د ن اكيساقبل‪ ،‬اكدكيل علح مكك ددى اناش ره‬
‫بسرع فا كل دن طق اكي كم‪ ،‬ب كضب فا اكق رات اكاا ك نت تناشر فيه اكيسي ي‬
‫نفسه ‪.‬‬

‫‪163‬‬
‫ىما أيان اكنسب اكي ئو كين يابر ن أنفسهم أشخ ص داد نين فا دجيوع دن‬
‫بلدان اكي كم د بين ‪5115 5111‬د‪ ،‬فسنجد اكنا ئج اكا كي ‪:222‬‬

‫‪83‬‬ ‫مصر‬
‫‪80‬‬ ‫حرييا‬
‫‪22‬‬ ‫األردن‬
‫‪25‬‬ ‫إيران‬
‫‪25‬‬ ‫الواليات املتحدة‬
‫‪21‬‬ ‫اهلند‬
‫‪72‬‬ ‫تركيا‬
‫‪72‬‬ ‫إسبانيا‬
‫‪62‬‬ ‫املكسيك‬
‫‪60‬‬ ‫روسيا‬
‫‪21‬‬ ‫أملانيا‬
‫‪33‬‬ ‫السويد‬
‫‪50‬‬ ‫اليابان‬

‫م ظ ‪ -‬ىما‪ -‬أن هن ك د ال داد ن بدرج كبيرة‪ ،‬دثل‪ :‬دصر‪ ،‬نيجير ‪ ،‬األردن‪،‬‬


‫ى ران‪ ،‬اكوال ت اكيا دة األدر تي ‪ ،‬اكهند‪ ،‬تركي ‪ ،‬ىسب ني ‪ .‬هن ك د ل داوسط‬
‫‪224‬‬
‫‪- Mansoor Moaddel and Taqui Azadarmaki, In: Ronald‬‬
‫‪Inglehart,ed,Human Values and Social Change:Findings from the‬‬
‫‪values Syrveys, International Studies In Sociology and Social‬‬
‫‪Anthropology;89,Leiden:Brill,2003,p:75.‬‬
‫‪164‬‬
‫دن يث اكاد ن‪ ،‬دثل‪ :‬اكيتسيك‪ ،‬ر سي ‪ ،‬أكي ني ‪ .‬فا ين‪ ،‬هن ك د ل أقل دن‬
‫اكياوس دن يث اكاد ن‪ ،‬دثل‪ :‬اكسو د‪ ،‬اكي ب ن‪.‬‬
‫وقد كشف استبيان عاملي أجراه معهد غ كوإ ‪ /‬ن(‪ – )WIN/Gallup‬مؤخرا‪-‬‬
‫حول اإلميان واإلحلاد حول العا ‪ ،‬أن مثة دوال بدأت تنحدر حنو اإلحلاد‪ ،‬مثل‪ :‬إيرلندا‬
‫الكاثوليكية بنسبة أسوأ مما يعتقد لتصبح أسرع الدول يف االحندار حنو اإلحلاد بنسبة‬
‫‪ %.07‬من املتدينني‪ ،‬بعد أن كانت النسبة ‪ %68‬عام ‪ ،2111‬والفيتنام بنسبة ‪53‬‬
‫‪ %‬من املتدينني‪ ،‬بعد أن كانت النسبة هناك ‪ %23‬من املتدينني‪.‬‬
‫وقد تزايدت نسبة اإلحلاد مع ارتفاع معدالت الثراء؛ إذ وصل متوسط املتديني يف سبعة‬
‫ومخسني بلدا حول العا إىل ‪ 59%‬يف تراجع مبعدل تسع نقط عما كان حاهلم عام‬
‫‪2111‬؛ إذ كانت النسبة وقتها ‪ ،%66‬لريتفع عدد من جياهرون باإلحلاد مبعدل ‪،%7‬‬
‫بعد أن كان معدل زيادهتم عام ‪ 2005‬جمرد ‪ .%0‬وتعد فرنسا أكثر الدول األوروبية‬
‫إقباال على اإلحلاد‪ ،‬بعد إجراء مقابالت مع أكثر من مخسني ألف شخص من سبعة‬
‫ومخسني بلدا‪.‬‬
‫وقد أجرى السوسيولوجي الفرنسي راميون بودون (‪ )R.Boudon‬حبثا ميدانيا حول‬
‫قضية الدين يف سبع دول غربية مسيحية‪ ،‬وهي‪ :‬الواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬وكندا‪،‬‬
‫وبريطانيا‪ ،‬وفرنسا‪ ،‬وأملانيا‪ ،‬وإيطاليا‪ ،‬والسويد‪ ،‬واهلدف من ذلك كله هو التثبت من اإلميان‬
‫واالعتقاد الديين عند الشباب والشيوخ على حد سواء‪ ،‬منطلقا من جمموعة من العناصر‬
‫األساسية هي‪ :‬اإلميان باهلل‪ ،‬واإلميان بالرو ‪ ،‬واالعتقاد بوجود السماء‪ ،‬واإلميان بوجود‬
‫النار‪ ،‬واالعتقاد بوجود الشيطان‪ ،‬واهلل مهم يف حيايت‪ ،‬والدين مهم يف حيايت‪ ،‬ووجود الراحة‬
‫يف جاذبية الدين‪.221‬‬

‫‪- Raymond BOUDON: Croire et savoir. Penser le politique, le‬‬


‫‪225‬‬

‫‪moral et le religieux, Paris, PUF,2102 , 324 p.‬‬

‫‪165‬‬
‫‪ -‬اإل ي ن ب هلل‪-‬‬
‫كندا‬ ‫و‪.‬م‪.‬أ‬ ‫إيطاليا‬ ‫السويد‬ ‫أحلكا‬ ‫أملانيا‬ ‫فرنسا‬
‫‪%82‬‬ ‫‪%83‬‬ ‫‪%82‬‬ ‫‪%62‬‬ ‫‪%38‬‬ ‫‪%38‬‬ ‫‪%77‬‬ ‫الشيوخ‬
‫‪%31‬‬ ‫‪%81‬‬ ‫‪%38‬‬ ‫‪%82‬‬ ‫‪%68‬‬ ‫الشباب ‪%62 % 10‬‬

‫‪ -‬اإل ي ن ب كر ح‪-‬‬
‫كندا‬ ‫و‪.‬م‪.‬أ‬ ‫إيطاليا‬ ‫السويد‬ ‫أحلكا‬ ‫أملانيا‬ ‫فرنسا‬
‫‪%33‬‬ ‫‪%88‬‬ ‫‪%30‬‬ ‫‪%12‬‬ ‫‪%78‬‬ ‫‪%30‬‬ ‫‪%62‬‬ ‫الشيوخ‬
‫‪%30‬‬ ‫‪%88‬‬ ‫‪%78‬‬ ‫‪%61‬‬ ‫‪%61‬‬ ‫الشباب ‪%66 % 16‬‬

‫‪ -‬االعاق د بوجود اكسي ء‪-‬‬


‫كندا‬ ‫و‪.‬م‪.‬أ‬ ‫إيطاليا‬ ‫السويد‬ ‫أحلكا‬ ‫أملانيا‬ ‫فرنسا‬
‫‪%78‬‬ ‫‪%33‬‬ ‫‪%68‬‬ ‫‪%86‬‬ ‫‪%63‬‬ ‫‪%10‬‬ ‫‪%20‬‬ ‫الشيوخ‬
‫‪%72‬‬ ‫‪%38‬‬ ‫‪%11‬‬ ‫‪%23‬‬ ‫‪%23‬‬ ‫الشباب ‪%26 % 23‬‬

‫‪ -‬اإل ي ن بوجود اكن ر‪-‬‬


‫كندا‬ ‫و‪.‬م‪.‬أ‬ ‫إيطاليا‬ ‫السويد‬ ‫أحلكا‬ ‫أملانيا‬ ‫فرنسا‬
‫‪%22‬‬ ‫‪%70‬‬ ‫‪%10‬‬ ‫‪%18‬‬ ‫‪%23‬‬ ‫‪%20‬‬ ‫‪%22‬‬ ‫الشيوخ‬
‫‪%28‬‬ ‫‪%72‬‬ ‫‪%81‬‬ ‫‪%13‬‬ ‫‪%23‬‬ ‫الشباب ‪%18 % 02‬‬

‫‪166‬‬
‫‪ -‬االعاق د بوجود اكشيط ن‪-‬‬
‫كندا‬ ‫و‪.‬م‪.‬أ‬ ‫إيطاليا‬ ‫السويد‬ ‫أحلكا‬ ‫أملانيا‬ ‫فرنسا‬
‫‪%27‬‬ ‫‪%68‬‬ ‫‪%23‬‬ ‫‪%02‬‬ ‫‪%81‬‬ ‫‪%21‬‬ ‫‪%26‬‬ ‫الشيوخ‬
‫‪%22‬‬ ‫‪%78‬‬ ‫‪%87‬‬ ‫‪%08‬‬ ‫‪%81‬‬ ‫الشباب ‪%02 % 03‬‬

‫‪ -‬ىكها دهم فا ي تا‪-‬‬


‫كندا‬ ‫و‪.‬م‪.‬أ‬ ‫إيطاليا‬ ‫السويد‬ ‫أحلكا‬ ‫أملانيا‬ ‫فرنسا‬
‫‪%76‬‬ ‫‪%32‬‬ ‫‪%71‬‬ ‫‪%81‬‬ ‫‪%12‬‬ ‫‪%18‬‬ ‫‪%28‬‬ ‫الشيوخ‬
‫‪%10‬‬ ‫‪%63‬‬ ‫‪%13‬‬ ‫‪%08‬‬ ‫‪%06‬‬ ‫الشباب ‪%21 % 01‬‬

‫فا ج مبي اكد ن‪-‬‬ ‫‪ -‬جود اكرا‬


‫كندا‬ ‫و‪.‬م‪.‬أ‬ ‫إيطاليا‬ ‫السويد‬ ‫أحلكا‬ ‫أملانيا‬ ‫فرنسا‬
‫‪%78‬‬ ‫‪%37‬‬ ‫‪%32‬‬ ‫‪%83‬‬ ‫‪%61‬‬ ‫‪%68‬‬ ‫‪%12‬‬ ‫الشيوخ‬
‫‪%11‬‬ ‫‪%72‬‬ ‫‪%61‬‬ ‫‪%28‬‬ ‫‪%21‬‬ ‫الشباب ‪%26 % 26‬‬

‫‪ -‬اكد ن دهم فا ي تا‪-‬‬


‫كندا‬ ‫و‪.‬م‪.‬أ‬ ‫إيطاليا‬ ‫السويد‬ ‫أحلكا‬ ‫أملانيا‬ ‫فرنسا‬
‫‪%27‬‬ ‫‪%60‬‬ ‫‪%28‬‬ ‫‪%02‬‬ ‫‪%27‬‬ ‫‪%28‬‬ ‫‪%28‬‬ ‫الشيوخ‬
‫‪%20‬‬ ‫‪%26‬‬ ‫‪%21‬‬ ‫‪%13‬‬ ‫‪%16‬‬ ‫الشباب ‪%11 % 13‬‬

‫‪167‬‬
‫يالحظ‪ ،‬من خالل هذه املعطيات اإلحصائية‪ ،‬أن الشيوخ‪ ،‬يف الدول الغربية السبع‪ ،‬أكثر‬
‫إميانا باهلل من الشباب بنسب عالية‪ .‬وتعرف السويد وفرنسا ظاهرة اإلحلاد بني الشباب‬
‫بنسبة الفتة لالنتباه‪.‬‬
‫وفيما خيص اإلميان بالرو ‪ ،‬فالشيوخ أكثر إميانا سا مقارنة بالشباب‪ ،‬باستثناء السويد حيث‬
‫الشباب أكثر نسبة من الشيوخ‪.‬‬
‫أما فيما يتعلق بوجود السماء‪ ،‬فالشيوخ أكثر إميانا سا من الشباب‪ ،‬باستثناء الواليات‬
‫املتحدة األمركية بفارق بسيط جدا‪.‬‬
‫أما فيما يتعلق بوجود النار‪ ،‬فالشيوخ أكثر إميانا سا من الشباب‪ ،‬باستثناء الواليات املتحدة‬
‫األمريكية‪ ،‬حيث شباسا يؤمنون سا أكثر من الشيوخ‪.‬‬
‫أما يف ما خيص وجود الشيطان‪ ،‬فالشيوخ أكثر إميانا به من الشباب‪ ،‬باستثناء الواليات‬
‫املتحدة األمريكية‪ ،‬حيث شباسا يؤمنون به أكثر من الشيوخ‪.‬‬
‫أما فيما يتعلق مبدى أمهية اهلل يف حياة اإلنسان‪ ،‬فالشيوخ أكثر تعلقا باهلل من الشباب‪ .‬يف‬
‫حني‪ ،‬تعد السويد وبريطانيا وفرنسا وأملانيا من الدول اليت يكثر فيها اإلحلاد بكثرة بني‬
‫الشباب‪ .‬وينطبق هذا احلكم كذلك على حمور جاذبية الدين يف هذه الدول‪ ،‬باستثناء‬
‫إيطاليا اليت ينساق فيها الشباب وراء الدين أكثر من شيوخها‪.‬‬
‫وفيما خيص حمور أمهية الدين يف حياة اإلنسان‪ ،‬فنسب الشيوخ أكثر بكثري من نسب‬
‫الشباب‪.‬‬
‫وتأسيسا على ما سبق‪ ،‬يتبني لنا أن الشيوخ يقبلون على احلياة الدينية أكثر من الشباب‪،‬‬
‫يف كثري من الدول الغربية املسيحية‪ ،‬اعتمادا على العينة املوجودة أمامنا‪ ،‬إال أننا نالحظ أن‬
‫ظاهرة اإلحلاد بدأت تزداد بسرعة بني الشباب بنسب عالية‪ ،‬وخاصة يف السويد‪ ،‬وفرنسا‪،‬‬
‫وبريطانيا‪ ،‬وأملانيا‪ ،‬وإيطاليا‪ ،‬وكندا‪ ...‬ويعين هذا أن الدول الغربية تعاب من الفراغ الروحي‪،‬‬
‫بسبب الرخاء االقتصادي‪ ،‬واكتسا املاديات للحياة اليومية‪ ،‬واالنغماس يف الشهوات‪،‬‬
‫وانتشار اإلباحية يف خمتلف جماالت احلياة‪ .‬ومن مث‪ ،‬فاملسيحية عاجزة عن استقطاب هؤالء‬

‫‪168‬‬
‫الشباب‪ ،‬وإنقاذهم من مهاوي الرذيلة واإلحلاد والكفر‪ .‬يف حني‪ ،‬يعد اإلسالم أكثر انتشارا‬
‫بني الشباب والشيوخ على حد سواء‪ ،‬وإن كان ذلك بنسب متفاوتة من منطقة إىل أخرى‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬هناك كثري من القضايا السوسيولوجية املتعلقة مبجال الدين‪ ،‬مثل‪ :‬قضية‬
‫العلمانية اليت تعين فصل الدين والدولة‪ .‬وكان السوسيولوجيون األوائل‪ ،‬أمثال‪ :‬أوجست‬
‫كونت‪ ،‬ودوركامي‪ ،‬وماركس‪ ،‬وفيرب‪ ،‬وغريهم‪...‬يعتقدون أن الدين سينحسر يف املستقبل‪.‬‬
‫وبالتايل‪ ،‬ستكون الغلبة للعلم والتكنولوجيا والتجريب‪ .‬بل ميكن فصل السياسة عن الدين‬
‫خلدمة مصلحة اإلنسان بصفة خاصة‪ ،‬ومصلحة الوطن بصفة عامة‪ .‬بيد أن هناك من‬
‫يعارض هذا الطر ‪ ،‬ويرى أن للدين دورا مهما يف حتريك اجملتمع وتغيريه‪ .‬ويتمتع بقوة التأثري‬
‫يف األفراد واجلماعات‪.‬‬
‫وبناء على ما سبق‪ ،‬يالحظ أن اإليطاليني أكثر إقباال على دور العبادة مقارنة بالربيطانيني‬
‫والفرنسيني وسكان أوروبا الوسطى‪ .‬وإذا كانت مؤسسات الدين يف أوروبا هلا أمهية يف‬
‫املاضي‪ ،‬فلم تعد هلا ‪ -‬اليوم‪ -‬تلك األمهية أو القيمة االجتماعية والسياسية‪.‬‬
‫و" يتجسد البعد الثالث للعلمنة يف التزام الناس مبنظومة من من العقائد والقيم؛ أي ما‬
‫يسمى ظاهرة التدين‪.‬ومن الواضح أن مستويات املشاركة يف شعائر العبادة أو اآلثار‬
‫االجتماعية للمؤسسة الدينية التعرب بالضرورة عن العقائد واملثل العليا اليت يتمسك سا‬
‫الناس‪ .‬فكثري ممن يعتنقون مبادىء دينية معينة اليشاركون بالفعل يف اخلدمات‪ ،‬والشعائر‪،‬‬
‫واالحتفاالت الدينية‪.‬كما أن املشاركة الفعلية التعين بالضرورة عمق إمياهنم سذه املبادىء؛‬
‫نظرا ألن مثل هذه املشاركة قد تتخذ طابع املمارسات االجتماعية أو العائلية ورمبا‬
‫‪226‬‬
‫السياسية‪".‬‬
‫وإىل جانب العلمانية‪ ،‬ظهر ما يسمى بالصراع الديين بني اإلسالم واملسيحية‪ ،‬ضمن ما‬
‫يسمى بصراع احلضارات‪ ،‬كما يبدو جليا يف كتاب(صداد اك ض رات) لصمويل‬

‫‪ - 226‬أنتتوب جدنز‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.137:‬‬


‫‪169‬‬
‫هنتغتون‪ .227‬كما ظهر الفكر األصويل املتشدد مع ظهور حركة طالبان يف أفغانستان‪ .‬ومن‬
‫جهة أخرى‪ ،‬انتشرت احلركات الدينية السياسية بشكل كبري يف خمتلف بقاع العا‬
‫اإلسالمي إىل يومنا هذا‪ ،‬والسيما مع قيام اجلمهورية اإليرانية اإلسالمية‪ .‬ومن مث‪ ،‬ظهرت‬
‫تيارات سياسية خمتلفة‪ ،‬ميكن جتميعها يف ثالثة تيارات‪ :‬التيار العلماب‪ ،‬والتيار اليساري‬
‫مبختلف اجتاهاته‪ ،‬والتيار اإلسالمي‪.‬‬
‫وبعد ذلك‪ ،‬انتشر التطرف الديين يف خمتلف بقاع العا ‪ ،‬ومس أقليات دينية معينة‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫األقلية املسلمة يف بعض الدول اآلسيوية‪ ،‬أو األقلية املسيحية يف بعض الدول العربية‬
‫اإلسالمية كسوريا والعراق‪ .‬وتفشى اإلرهاب الديين كثريا يف العا العريب واإلسالمي‪ ،‬حيث‬
‫انتقلت عدواه إىل خمتلف بقاع العا ‪ ،‬ألسباب دينية وجمتمعية وسياسية وحضارية‪ .‬وقد‬
‫جتاوز ذلك إىل صراع داخلي بني احلركات الدينية والدولة‪ .‬كما يبدو ذلك جليا يف اجلزائر‪،‬‬
‫وتونس‪ ،‬ومصر‪ ،‬وسوريا‪ ،‬والعراق‪ ،‬واملغرب‪ ،‬واألردن‪ ،‬وموريطانيا؛ ويف بعض الدول األفريقية‬
‫كنجرييا اليت أعلنت فيها حركة (بوكو راد) احلرب على الدولة‪ .‬واليقتصر الصراع على‬
‫الدينات والعقائد الكربى (اإلسالم‪ -‬املسيحية‪ -‬اهلندوسية‪ -‬البوذية‪ ،)...‬بل يتجاوز ذلك‬
‫إىل صراع طائفي (السنة والشيعة)‪ ،‬أو صراع سياسي وحزيب (احلركات واجلمعيات واألحزاب‬
‫اإلسالمية مع السلطة احلاكمة (اإلخوان املسلمون مع حكومة السيسي‪ ،‬واجلبهة اإلسالمية‬
‫لإلنقاذ مع السلطة اجلزائرية‪ ،‬وحزب حركة النهضة مع السلطة التونسية)‪...‬‬
‫وخالصة القول‪ ،‬يتبني لنا‪ ،‬مما سبق قوله‪ ،‬أن واقع التدين خيتلف من بيئة جغرافية إىل‬
‫أخرى‪ .‬ويعين هذا أن الشيوخ‪ ،‬يف العا الغريب‪ ،‬أكثر تدينا من الشباب‪ .‬وتعد فرنسا‬
‫والسويد وإحلكا من الدول اليت بدأ فيها اإلحلاد ينتشر بشكل سريع؛ بسبب الرخاء املادي‪،‬‬
‫والفراغ الديين الذي تركته املسيحية يف نفوس الشباب بصفة خاصة‪ .‬وأكثر من هذا متيل‬

‫‪ - 227‬صمويل هنتغتون‪ :‬صداد اك ض رات ىع دة بن ء اكنظ د اكي كيا‪ ،‬ترمجة‪ :‬مالك عبيد أبو شهيوة وحممود‬
‫حممد خلف‪ ،‬الدار اجلماهريية مصراتة‪ ،‬ليبيا‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪0888‬م‪.‬‬
‫‪170‬‬
‫الدول الغربية إىل تطبيق العلمانية بفصل الدين عن الدولة؛ مما جعل املؤسسة الدينية‬
‫المكانة هلا يف اجملتمع‪ ،‬بل تراجع نفوذها بني الناس بصفة عامة‪.‬‬
‫بيد أن العا اإلسالمي أكثر تدينا شيوخا وشبابا مقارنة بالعا الغريب املسيحي‪ ،‬ونسبة‬
‫الردة فيه ضئيلة جدا مقارنة بظاهرة اإلحلاد اليت تزداد بسرعة يف الدول الغربية‪ ،‬والسيما‬
‫الربوتستاتية منها‪.‬فضال عن ذلك أن املستقبل لإلسالم حسب املعطيات اإلحصائية‬
‫االستشرافية واإلسكاتيجية‪ ،‬والدليل على ذلك انتشاره اجلغرايف املتزايد من جهة‪ ،‬ومنوه‬
‫الدميغرايف السريع من جهة أخرى‪.‬‬
‫ومن ناحية أخرى‪ ،‬فقد عرف العا جمموعة من الظواهر الدينية الشاذة والالفتة لالنتباه إىل‬
‫جانب العلمانية‪ ،‬كظاهرة الصراع احلضاري بني الشرق والغرب‪ ،‬أو الصراع احملتدم بني‬
‫املسيحية واإلسالم‪ .‬كما ازداد التطرف واإلرهاب عنفا وقسوة وخرابا ودمارا‪ ،‬واحتد الصراع‬
‫بني األديان الكربى والعقائد الصغرى(اإلسالم والبوذية مثال)‪ ،‬ناهيك عن اضطهاد‬
‫األقليات الدينية‪ .‬والننسى كذلك الصراع الطائفي املختلق (الشيعة والسنة مثال)‪ ،‬وظهور‬
‫اإلسالم السياسي من جهة‪ ،‬واإلسالم " السياسوي" من جهة أخرى‪ ،‬وانبثاق اجلماعات أو‬
‫احلركات أو األحزاب اإلسالمية املهادنة للدولة‪ ،‬أو املعادية هلا‪ ،‬أو املتحالفة معها‪.‬‬

‫‪171‬‬
‫اكيب ث اكرابــع‪ :‬اكاص ــور اكنظ ــري‬

‫الميكن فهم سوسيولوجيا األديان ‪ -‬اليت تعىن بدراسة الديانات والعقائد والطقوس‬
‫واالحتفاالت الدينية واألنساق األخالقية كما وكيفا‪ -‬إال بالتوقف عند بعض التصورات‬
‫النظرية والفكرية واإليديولوجية‪ ،‬كما يتضح ذلك جليا عند كل من‪ :‬ابن خلدون‪ ،‬وأوغست‬
‫كونت‪ ،‬وكارل ماركس‪ ،‬وفريدريك أحلز‪ ،‬وإميل دوركامي‪ ،‬وماكس فيرب‪ ،‬ومارسيل موس‪،‬‬
‫وروبرت بيال‪ ،‬وطالل أسد‪... ،‬‬
‫واهلدف من هذا كله هو معرفة خمتلف النظريات االجتماعية اليت عاجلت ظاهرة األديان يف‬
‫عالقتها باجملتمع تأثرا وتأثريا‪ ،‬وفق املقاربة السوسيولوجية‪ ،‬مع االستفادة‪ -‬طبعا ‪ -‬من‬
‫التصورات الفلسفية والنفسية والتارخيية واإلحصائية املعطاة من جهة أخرى‪.‬‬
‫إذا‪ ،‬ما أهم هذه املنظورات السوسيولوجية جتاه الدين‪ ،‬سواء أكانت كالسيكية أم معاصرةا‬
‫وما خلفياهتا اإليديولوجيةا هذا ماسوف نتعرف إليه يف املطالب التالية‪:‬‬

‫اكيطلب األ ل‪ :‬ابن يلد ن نظر ـ ـ اكد ن اكنبــوة‬

‫يعترب ابن خلدون املؤسس الفعلي لعلم االجتماع‪ ،‬وقد ناقش جمموعة من احملاور اليت تندرع‬
‫ضمن علم االجتماع العام‪ ،‬مثل‪ :‬السياسة‪ ،‬واملورفولوجيا‪ ،‬والكبية‪ ،‬وعلم االجتماع‬
‫احلضري‪ ،‬وعلم االجتماع القروي‪ .‬كما قدم ابن خلدون بعض التصورات حول اجلوانب‬
‫الدينية‪ ،‬كما يبدو ذلك جليا يف نصنا هذا‪:‬‬
‫" مث إن هذا االجتماع إذا حصل للبشر كما قررناه وع عمران العا سم فال بد من وازع‬
‫يدفع بعضهم عن بعض ملا يف طباعهم احليوانية من العدوان والظلم وليست السال اليت‬
‫جعلت دافعة لعدوان احليوانات العجم عنهم كافية يف دفع العدوان عنهم ألهنا موجودة‬

‫‪172‬‬
‫جلميعهم فال بد من شيء آخر يدفع عدوان بعضهم عن بعض‪ .‬وال يكون من غريهم‬
‫لقصور مجيع احليوانات عن مداركهم وإهلاماهتم فيكون ذلك الوازع واحدا منهم يكون له‬
‫عليهم الغلبة والسلطان واليد القاهرة حىت ال يصل أحد إىل غريه بعدوان وهذا هو معىن‬
‫امللك وقد تبني لك سذا أن لإلنسان خاصة طبيعية وال بد هلم منها وقد يوجد يف بعض‬
‫احليوانات العجم على ما ذكره احلكماء كما يف النحل واجلراد ملا استقرىء فيها من احلكم‬
‫واالنقياد واالتباع لرئيس من أشخاصها متميز عنهم يف خلقه وجثمانه إال أن ذلك موجود‬
‫لغري اإلنسان مبقتضى الفطرة واهلداية ال مبقتضى الفكرة والسياسة أعطى كل شيء خلقه مث‬
‫هدى وتزيد الفالسفة على هذا الربهان حيث حياولون إثبات النبوة بالدليل العقلي! وأهنا‬
‫خاصة طبيعية لإلنسان فيقررون هذا الربهان إىل غاية وأنه ال بد للبشر من احلكم الوازع مث‬
‫يقولون بعد ذلك وذلك احلكم يكون بشرع مفروض من عند اهلل يأيت به واحد من البشر‬
‫وأنه ال بد أن يكون متميزا عنهم مبا يودع اهلل فيه يف خواص هدايته ليقع التسليم له والقبول‬
‫منه حىت يتم احلكم فيهم وعليهم من غري إنكار وال تزيف وهذه القضية للحكماء غري‬
‫برهانية كما تراه إذ الوجود وحياة البشر قد تتم من دون ذلك مبا يفرضه احلاكم لنفسه أو‬
‫بالعصبية اليت يقتدر سا على قهرهم ومحلهم على جادته فأهل الكتاب واملتبعون لألنبياء‬
‫قليلون بالنسبة إىل اجملوس الذين ليس هلم كتاب فنهنم أكثر أهل العا ومع ذلك فقد‬
‫كانت هلم الدول واآلثار فضال عن احلياة وكذلك هي هلم هلذا العهد يف األقاليم املنحرفة يف‬
‫الشمال واجلنوب خبالف حياة البشر فوضى دون وازع هلم البتة فننه ميتنع وسذا يتبني لك‬
‫غلطهم يف وجوب النبوات وأنه ليس بعقلي وإمنا مدركه الشرع كما هو مذهب السلف من‬
‫األمة واهلل ويل التوفيق واهلداية‪".223‬‬
‫يتبني لنا‪ ،‬من خالل هذا النص‪ ،‬أن ابن خلدون قد قرر حقيقة أساسية أال وهي أن العمران‬
‫البشري قائم على االجتماع‪ ،‬وأن اإلنسان حيوان مدب بالطبع‪ .‬ومن مث‪ ،‬يتقوى االجتماع‬
‫أكثر باحلكم والسياسة وامللك والعصبية والدين والنبوة‪ .‬ومن هنا‪ ،‬يتخذ االجتماع العمراب‬

‫‪ - 223‬ابن خلدون‪ :‬دقدد ابن يلد ن‪ ،‬دار ابن اهليثم‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪2111‬م‪ ،‬ص‪.81:‬‬
‫‪173‬‬
‫مظهرين متكاملني‪ :‬مظهرا سياسيا‪ ،‬ومظهرا دينيا‪ .‬وقد بني ابن خلدون أمهية الوازع الديين‬
‫يف إبعاد العدوان عن البشر‪ ،‬وحتقيق التجمع املدب‪ .‬وأثبت أن النبوة شرط ضروري لتحقيق‬
‫اهلداية‪ ،‬وتثبيت الوازع الديين يف نفوس البشر‪.‬إال أن هذه النبوة التدرك باالستدالل العقالب‬
‫أو الربهان املنطقي كما يقول الفالسفة‪ ،‬بل تدرك بالنص أو الشرع كما يقول أهل السلف‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬فقليل من أهل الكتاب ومن الناس من يتبع األنبياء‪.‬أما اجملوس؛ وهم أكثر الناس‬
‫يف هذا العا ‪ ،‬وبالضبط يف فكة ابن خلدون‪ ،‬والذين كانوا يسكنون الشمال واجلنوب‪،‬‬
‫فنهنم بدون كتاب ديين‪ ،‬وال علم هلم باألنبياء‪ ،‬وحياهتم فوضى‪ ،‬ودون وازع ديين‪ .‬وعلى‬
‫الرغم من ذلك‪ ،‬فلهم شأن كبري يف احلياة الدنيا‪ ،‬فقد خلفوا دوال‪ ،‬وتركوا آثارا‪ .‬وهذا دليل‬
‫قاطع على أن النبوة التدرك بالعقل‪ ،‬بل تدرك بالنص‪ ،‬وإال ألدركها اجملوس بعقوهلم‬
‫وأذهاهنم واستدالالهتم املنطقية واالستقرائية‪.‬‬

‫اكيطلب اكث نا‪ :‬أ جست كونت اكثورة علح اكفتر اكمهوتا‬

‫يعد أوجست كونت(‪ )Auguste Comte‬من أهم السوسيولوجيني الذين تبنوا منهج‬
‫التفسري يف دراسة الظواهر السوسيولوجية‪ ،‬وفق أربعة إجراءات أساسية هي‪ :‬املالحظة‪،‬‬
‫والتجربة‪ ،‬واملقارنة‪ ،‬واملنهج التارخيي‪ ،‬مستلهما آليات الكيمياء والفيزيولوجيا‪.‬ومن جهة‬
‫أخرى‪ ،‬يعترب كونت من رواد الوضعية (‪ )Positivisme‬الذين أسسوا علم االجتماع‬
‫على أسس علمية جتريبية‪ .‬ويعرف كذلك بوضع قانون املراحل الثالث الذي يتمثل فيما‬
‫يلي‪:‬‬
‫‪ ‬ق ـ نون اكير ل ـ اكد ني ـ أ اكمهوتي ـ ‪ :‬كااان اإلنسااان‪ ،‬يف هااذه املرحلااة‪ ،‬يفكاار بطريقااة‬
‫خيالية‪ ،‬وإحيائية‪ ،‬وأسطورية‪ ،‬وخرافية‪ ،‬وسحرية‪ ،‬وغيبية‪ ،‬ودينية؛ وكان يفسار ظاواهر الطبيعاة‬

‫‪174‬‬
‫وف ااق ق ااوى خفي ااة مص اادرها األروا ‪ ،‬والش ااياطني‪ ،‬والعفاري اات‪ ،‬واآلهل ااة‪ .‬و يك اان هن اااك أدىن‬
‫اعكاف باحلتمية التجريبية أو العلمية‪ ،‬فالقانون الوحيد هو الصدفة فقط‪.‬‬
‫‪‬اكير ل ـ ـ اكييا فيز قي ـ ـ ‪ :‬انتقا اال اإلنسا ااان‪ ،‬يف ها ااذه املرحلا ااة‪ ،‬ما اان امليتا ااوس واخليا ااال إىل‬
‫اللوغ ا ااوس والفك ا اار اجمل ا اارد‪ .‬وب ا اادأ يهت ا اادي بالتأم ا اال الفلس ا اافي‪ ،‬واس ا ااتخدام العق ا اال واملنط ا ااق‪،‬‬
‫واالستدالل الربهاب‪ ،‬واحلجاع اجلديل‪ .‬وتواكب هذه املرحلة الفكر الفلسفي امليتاافيزيقي مان‬
‫مرحلاة الفلسافة اليونانياة حاىت القارن التاسااع عشار؛ قارن التجرياب واالختباار والوضاعية‪ .‬وكااان‬
‫الفالسفة يرجعون الطبيعة إىل أصول ومبادىء كامنة يف تلك الظاواهر‪ ،‬كتفساري ظااهرة النماو‬
‫يف النبات إىل قوة النماء‪ ،‬وظاهرة االحكاق بنله النار‪...‬‬
‫‪‬اكير ل اكوضيي ‪ :‬يف هذه املرحلة‪ ،‬جتاوز العقل اإلنساب مرحلة اخليال والتجرياد‪ ،‬وبلاغ‬
‫درجااة كباارية ماان الااوعي العلمااي‪ ،‬والنضااج التج ارييب‪ .‬إذ أصاابح التجريااب أو التفسااري ماانهج‬
‫البحا ااث العلما ااي احلقيقا ااي‪ ،‬مث االرتكا ااان إىل املعرفا ااة احلسا ااية العيانيا ااة‪ ،‬وتك ا ارار االختبا ااارات‬
‫التجريبيااة‪ ،‬وربااط املتغ اريات املسااتقلة باااملتغريات التابعااة ربطااا سااببيا‪ ،‬يف ضااوء مباادإ احلتميااة أو‬
‫اجلربيااة العلميااة‪ .‬وتعااد هااذه املرحلااة أفضاال مرحلااة عنااد أوجساات كوناات‪ ،‬وهااي هنايااة تاااريخ‬
‫البشرية‪.‬‬
‫وتوافااق كاال مرحلااة ماان هااذه املراحاال تطااور اإلنسااان ماان الطفولااة حااىت الرجولااة؛ إذ تتوافااق‬
‫املرحلااة الالهوتيااة مااع مرحلااة النشااأة والطفولااة؛ وتتماثاال مرحلااة امليتافيزيقااا مااع مرحلااة الشااباب‬
‫واملراهقة؛ وتتطابق مرحلة الوضعية مع مرحلة النضج والرجولة واالكتمال‪.‬‬
‫وتبق ااى ه ااذه الص ااريورة التارخيي ااة ص ااريورة نس اابية وإيديولوجي ااة؛ ألن مجي ااع املراح اال واجملتمع ااات‬
‫اإلنسانية قد أخذت سذه األمنااط التفكريياة الثالثاة حاىت لادى الشاعوب القدمياة‪ .‬وإذا أخاذنا‬
‫الفكر العريب يف العصار الوسايط‪ ،‬فنجاد اهتماماا كباريا باالفكر الوضاعي التجارييب‪ .‬ويف الوقات‬
‫نفسه‪ ،‬كان الفكر الالهويت وامليتافيزيقي ساائدين ومتجااورين يف اجملتماع جنباا إىل جناب‪ .‬مث‪،‬‬
‫الميكاان للفكاار أن يتوقااف يف حلظااة معينااة‪ ،‬كتوقااف التاااريخ عنااد فوكويامااا‪ ،‬أو توقااف اجملتمااع‬
‫البشااري عنااد كااارل ماااركس بوص اوله إىل املرحلااة الشاايوعية‪ .‬وماان جهااة أخاارى‪ ،‬فقااد سااامهت‬

‫‪175‬‬
‫الوضعية العقالنية يف ظهور فلسفات غري وضعية وغري عقالنية‪ ،‬مثل‪ :‬السريالية‪ ،‬والفرويدياة‪،‬‬
‫والوجودية‪ ،‬والتأويلية‪ ،‬والذاتية‪...‬‬
‫ولكاان مااا يهمنااا يف هااذا الطاار هااو ثااورة أوغساات كوناات علااى الاادين أو الالهااوت‪ ،‬علااى‬
‫أس اااس أن التفك ااري ال ااديين تفك ااري أس ااطوري وخا ارايف وغييب‪.‬وينبغ ااي جت اااوزه إىل م اااهو علم ااي‬
‫ووضااعي وجت ارييب‪ .‬وهااذا دلياال علااى إنكااار كوناات للحياااة الدينيااة والعقائديااة عنااد اإلنسااان‪،‬‬
‫واستبداهلا باحلياة العلمية الوضعية القائمة على التجريب واملالحظة واالستقراء العلمي‪.‬‬
‫ويف هذا الصدد‪ ،‬يقول حممد حممد أمزيان‪ ":‬إن نقطة االنطالق يف التفكاري االجتمااعي عناد‬
‫كونت تكمن يف العقدة نفسها اليت وجهت املانهج الوضاعي عناد ساابقيه‪ ،‬تلاك العقادة الايت‬
‫تكماان يف ضاارورة تنحيااة التفكااري الااديين الااذي مااازال ي ازاحم التفكااري العلمااي املمتااد إىل كاال‬
‫اجمل اااالت الطبيعي ااة واإلنس ااانية‪.‬لقد رأى كون اات أن ت ا ازامن ه ااذين النظ ااامني ه ااو أس اااس ك اال‬
‫اض ااطراب‪ ،‬وليس اات حال ااة الفوض ااى االجتماعي ااة س ااوى انعك اااس هل ااذا النظ ااام‪ ،‬وبتعب ااري ليف ااي‬
‫با ا اارول‪ ":‬يرجا ا ااع السا ا اابب يف كا ا اال اضا ا ااطراب يف نظا ا اار كونا ا اات إىل االضا ا ااطراب العقلي‪.‬أما ا ااا‬
‫االضااطرابات األخاارى‪ ،‬فليساات إال أعراضااا‪ ،‬ذلااك أنااه تعااد العقااول تعااكف بوجااود نظااام‬
‫عام‪ ،‬وقد عد الفرد نفسه حكما يف كل شيء يف الفلسفة واألخالق والسياسة والدين‪ ،‬وهاو‬
‫يزعم أنه الخيضع إال لنفسه‪.‬وهذا التمزق يف العقول هو الاذي يطلاق علياه كونات اسام حالاة‬
‫الفوض ااى العقلي ااة"‪ .‬إن حال ااة الفوض ااى العقلي ااة ه ااذه كان اات نتيج ااة طبيعي ااة للتح ااول الثق ااايف‬
‫املعاش‪.‬فقد كان الدين يقدم تصورا شامال تتوحد حتته كل العقاول‪ ،‬وماع اهنياار النظاام الاديين‬
‫تالشات تلاك الوحادة النفسااية والعقلياة‪ ،‬و يعاد يوجاد مقياااس موحاد يشاكل جمموعاة قواعااد‬
‫عامة خيضع هلا الناس يف طريقة تفكريهم‪ ،‬وحتديد أخالقياهتم‪.‬ومع انعدام هذه الوحادة‪ ،‬فاتح‬
‫الباااب علااى مصاراعيه أمااام املااذاهب الفلساافية‪ ،‬وطغاات النزعااات الذاتيااة الاايت تشاابعت بااالرو‬
‫امليتافيزيقي ااة إىل جان ااب امت ااداد التفك ااري ال ااديين‪.‬وهل ااذا‪ ،‬اعتق ااد كون اات ب ااأن مهمت ااه س ااتكون‬
‫مضاااعفة‪ ،‬فماان جهااة عليااه أن حيااارب النظااام الالهااويت وامليتااافيزيقي معااا‪ ،‬وماان جهااة أخاارى‬

‫‪176‬‬
‫عليااه أن يضااع البااديل الوضااعي "العلمااي"‪ ،‬فنشااأت عنااده قناعااة بااأن مهمتااه مهمااة إصااالحية‬
‫‪228‬‬
‫أساسها إزالة هذا االضطراب‪ ،‬وإعادة بناء نظام عام للتفكري‪".‬‬
‫وهكااذا‪ ،‬يتضااح لنااا أن أوجساات كوناات بااىن سوساايولوجيته الوضااعية علااى أنقاااض الفك ارين‪:‬‬
‫الالهويت وامليتافيزيقي‪ ،‬ببناء عا وضعي مادي‪ ،‬أساسه العلم واملنطق والتجريب‪.‬‬

‫اكيطلب اكث كث‪ :‬اكد ن ظ هرة اجاي عي عند ىديل د رك م‬

‫اهتم السوسيولوجي الفرنسي إميل دوركامي (‪ )E.Durkheim‬باجلوانب الدينية مناذ سانة‬


‫‪0387‬م‪ ،‬عناادما انطلااق‪ ،‬يف كتابااه (االنا ـ ر)‪ ،281‬ماان نتيجااة أساسااية‪ ،‬وهااي أن االنتحااار‬
‫ليست ظاهرة نفسية أو عضوية‪ ،‬بال هاي ظااهرة جمتمعياة واقتصاادية بامتيااز‪ ،‬مرتبطاة بتقسايم‬
‫العمل يف اجملتمع الرأمسايل الصناعي‪ .‬وبالتايل‪ ،‬يتحدد معادل االنتحاار حبساب درجاة انادماع‬
‫األفراد يف اجلماعة‪ ،‬والعالقة بينهما عالقة علية أو سببية‪.‬‬
‫ويف هااذا الكتاااب بالااذات‪ ،‬عاااجل قضااية االنتحااار يف ضااوء املعتقااد الااديين‪ ،‬بعقااد مقارنااة بااني‬
‫االنتحااار عنااد السااكان الكاثوليااك‪ ،‬واالنتحااار عنااد السااكان الربوتسااتانت‪ .‬وماان هنااا‪ ،‬كاناات‬
‫البداية احلقيقية لعلم اجتماع األديان‪.‬‬
‫وم اان جه ااة أخ اارى‪ ،‬رف ااض دورك ااامي أي تفس ااري للظ اااهرة الديني ااة م اان الوجه ااات‪ :‬الفردي ااة‪ ،‬أو‬
‫النفسية‪ ،‬أو الالهوتية‪ ،‬أو الفلسفية‪ ،‬فاعتربها ظاهرة اجتماعية‪ ،‬ميكان دراساتها دراساة علمياة‬

‫‪ -‬حممد حممد أمزيان‪ :‬دنهج اكب ث االجاي عا بين اكوضيي اكييي ر ‪ ،‬منشورات املعهد العاملي للفكر‬ ‫‪228‬‬

‫اإلسالمي‪ ،‬فريجينيا‪ ،‬الواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪0880‬م‪ ،‬ص‪.21-22:‬‬
‫‪230‬‬
‫‪-Émile Durkheim: Le Suicide: Étude de sociologie, Paris, Presses‬‬
‫‪universitaires de France, coll. « Quadrige » (no 19), 1981, 463 p.‬‬
‫‪177‬‬
‫موضوعية‪ ،‬كما يبدو ذلك جليا يف كتابه ( اكصور األ كي كل ي ة اكد نيـ ) الاذي ظهار سانة‬
‫‪0802‬م‪.280‬‬
‫و" الي ا اربط دورك ااامي ال اادين بالتف اااوت االجتم اااعي أو الس االطة‪ ،‬ب اال ي اادرس عالقت ااه بطبيع ااة‬
‫املرؤسس ااات اجملتمعي ااة‪.‬ويرتكز عمل ااه عل ااى دراس ااة الطوطمي ااة ال اايت ميارس ااها س ااكان أسا اكاليا‬
‫األصليون باعتبارها متثل األشكال األولية للدين‪ .‬فالطوطم حيوان أو نبات جيسد قيمة رمزية‬
‫للجماع ااة وحيظ ااى ب اااإلجالل واالحا اكام؛ ألن ل ااه طابع ااا مقدس ااا تتبل ااور حول ااه منظوم ااة م اان‬
‫األنشااطة الطقوسااية املتنوعااة‪.‬ويعرف دوركااامي الاادين عاان طريااق الفصاال بااني ماااهو مقاادس ماان‬
‫جه ااة‪ ،‬وامل اادنس م اان جه ااة أخرى‪.‬ويتعام اال الن اااس م ااع األش ااياء والرم ااوز املقدس ااة مبع اازل ع اان‬
‫جوان ااب احلي اااة الروتيني ااة اليومي ااة ال اايت ت اادخل يف ب اااب امل اادنس‪.‬وحيظر يف ه ااذه احلال ااة أك اال‬
‫الطوطم من احليوان أو النباات إال يف مناسابات احتفالياة معيناة‪.‬كما أن النااس يسابغون علاى‬
‫الطااوطم خصااائص إهليااة متياازه عاان أن اواع احلي اوان األخاارى الاايت ميكاان اصااطيادها أو احملاصاايل‬
‫األخرى اليت ميكن التقاطها واستهالكها‪.‬‬
‫أمااا ساابب اعتبااار الطااوطم مقدسااا؛ فريجااع إىل أنااه ميثاال رم ازا للجماعااة نفسااها‪ ،‬فهااو جيسااد‬
‫القاايم احملوريااة يف حياااة اجلماعااة أو اجملتمع‪.‬وليساات مشاااعر اإلجااالل واإلكبااار الاايت حيملهااا‬
‫أف اراد اجلماع ااة إزاء الط ااوطم إال تعب اريا ع اان اح اكامهم للق اايم االجتماعي ااة األساس ااية الس ااائدة‬
‫بينهم‪ .‬إن موضاوع العباادة يف نظار دوركاامي هاو اجملتماع نفساه الاذي يساعى إىل أن يؤكاد ذاتاه‬
‫بذاته‪ ،‬ويرسخ شرعيته وقيمه‪ .‬من هنا‪ ،‬فنن اآلهلة هي صاورة للمجتماع‪ ،‬ولايس اجملتماع صاورة‬
‫لآلهلااة‪.‬ويشاادد دوركااامي علااى أن الااديانات التنحصاار يف املعتقاادات فحسااب‪ ،‬باال تتجاوزهااا‬
‫لتش اامل جمموع ااة م اان األنش ااطة الطقوس ااية االحتفالي ااة الدوري ااة ال اايت يتجم ااع فيه ااا املؤمن ااون‪،‬‬

‫‪- Durkheim, Émile. Les formes élémentaires de la vie religieuse,‬‬


‫‪231‬‬

‫‪Presses Universitaires de France, 5e édition, 2003. p. 604.‬‬


‫‪178‬‬
‫ويلتق ا ااون س ا اانويا‪.‬ويف ه ا ااذه االحتف ا اااالت اجلمعي ا ااة يتأك ا ااد ويكس ا ااخ اإلحس ا اااس بالتض ا ااامن‬
‫‪282‬‬
‫االجتماعي‪".‬‬
‫وبع ااد ذل ااك‪ ،‬ق اادم دورك ااامي تعريف ااا لل اادين عل ااى أس اااس جمتمع ااي‪ ،‬ال عل ااى أس اااس اله ااويت أو‬
‫عقائ اادي أو أل ااوهي‪ ،‬حي ااث يق ااول‪ ":‬ال اادين نس ااق موح ااد م اان املعتق اادات واملمارس ااات ذات‬
‫الصلة بأشياء مقدسة‪ ،‬مبعىن أهنا أشياء متفردة ذات حرمة ‪ -‬معتقدات وممارساات تتوحاد يف‬
‫جمتمع أخالقي واحد يسمى دار العبادة‪ ،‬أفراده هم أتباع هذه الدار‪"288.‬‬
‫ويعااين هااذا أن الاادين جمموعااة ماان املعتقاادات واملمارسااات واالحتفاااالت الطقوسااية املوحاادة‪،‬‬
‫تع اارب ع اان ص ااريورة االنتق ااال م اان امل اادنس إىل املق اادس‪ ،‬وتتخ ااذ ه ااذه األش ااياء املقدس ااة ط ااابع‬
‫التحرمي‪ ،‬ومتارس يف أماكن العبادة‪ ،‬وتتميز بالبعد األخالقي والقيمي‪ .‬وهنا‪ ،‬يتحدث دوركامي‬
‫عاان املعبااودات الطوطميااة أو األصاانام والتماثياال الاايت خيلقهااا اإلنسااان‪ ،‬ولكاان اليتحاادث عاان‬
‫اإلله الواحد أو تعدد اآلهلة‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فقد توصل دوركامي إىل أن التدين ظاهرة مجاعية؛ ألن فكرة املقدس موجاودة يف مجياع‬
‫العقائ ااد واألدي ااان‪ .‬وم اان مث‪ ،‬فاملق اادس نت اااع احلي اااة اجلماعي ااة‪ .‬وبالت ااايل‪ ،‬فال اادين ه ااو اجملتم ااع‬
‫نفسااه‪ .‬ويعااين هااذا أن اجملتمااع هااو الااذي يولااد طبيعااة التفكااري الااديين لاادى الفاارد‪ .‬وماان مث‪،‬‬
‫يكادف الدين مع اجملتمع‪ .‬ومن مث‪ ،‬فاألشكال الدينية هي تعبري عن األشكال اجملتمعية‪.‬‬
‫وقااد اعتاارب دوركااامي" أن كااال ماان الاادين واملقاادس مسااة اجتماعيااة بالضاارورة‪.‬أي‪ :‬إن املعتقاادات‬
‫واملمارسا ااات الفرديا ااة أما اار يا ااأيت يف املرتبا ااة الثانيا ااة‪ ،‬وما اان مث وضا ااع فارقا ااا صا ااارما با ااني الا اادين‬
‫والس ااحر‪.‬حيث مي ااارس رج ااال ال اادين س االطاهتم عل ااى جمتم ااع م ااا‪ ،‬بينم ااا للس ااحرة مري ااديهم‬
‫الباااحثون عاان حلااول معينااة ملشاااكلهم ورغباااهتم الشخصااية‪ .‬وعلااى النقاايض ماان السااحر‪ ،‬فاانن‬
‫الاادين‪ -‬ب ارأي دوركااامي‪ -‬يقااوم علااى الواجااب والطوعيااة بالضاارورة‪.‬فالدين يفاارض علينااا قوتااه‬

‫‪ - 282‬أنتوب غيدنز‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.130-131:‬‬


‫‪ - 288‬نقال عن جون سكوت‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.218:‬‬
‫‪179‬‬
‫التقليدية ‪ -‬باعتباره سطوة اجملتمع‪.‬ومن هنا‪ ،‬توصل دوركاامي إىل طرحاه القائال‪ :‬إن الادين هاو‬
‫‪282‬‬
‫اجملتمع يعبد ذاته‪".‬‬
‫وي اارى دورك ااامي أن املق اادس (ال ااديين) وامل اادنس (ال اادنيوي)‪ ،‬واجملتم ااع والف اارد قس اامان" الراب ااط‬
‫بينهما‪.‬على أن من املمكن التعايل سما من خالل الطقوس‪.‬فاالطقوس أفعاال حتكمهاا قواعاد‬
‫مش اابعة بالرمزي ااة وبق ااوة‪.‬وحنن م اان خ ااالل ه ااذه الطق ااوس نص اال إىل تواص اال مح اايم م ااع س ااطوة‬
‫‪281‬‬
‫املقدس‪".‬‬
‫عالوة على ذلاك‪ ،‬فالادين هاو جمموعاة مان املعتقادات واملمارساات املرتبطاة باملقادس‪ ،‬وتتمياز‬
‫بطابعهااا الروحاااب اجملاارد‪.‬ويف هااذا اجملااال‪ ،‬قاادم دوركااامي دراسااات إثنولوجيااة ختااص قبائاال بدائيااة‬
‫بأسكاليا‪ ،‬وقبائل اهلنود احلمر بأمريكا‪ .‬ويعين هذا أنه أجارى أحباثاه علاى اجملتمعاات التقليدياة‬
‫الصااغرية احلجاام‪ .‬وماان مث‪ ،‬توصاال إىل ماااهو مشااكك يف ساالوكياهتم الدينيااة‪ ،‬والااذي يتمثاال يف‬
‫املق اادس أو الطاق ااة العقائدي ااة ال اايت تس اامى باملان ااا‪ .‬ويع ااين ه ااذا كل ااه أن املعب ااود واملق اادس ه ااو‬
‫اجملتمااع‪ .‬ويف هااذا‪ ،‬يقااول حممااد حممااد أمزيااان‪ ":‬لقااد رفااض دوركااامي االنطااالق ماان كاال فكاارة‬
‫مسا اابقة يف دراسا ااة الظا اااهرة الدينيا ااة‪ .‬فالوضا ااعية العلميا ااة تقتضا ااي تطبيا ااق القواعا ااد املنهجيا ااة‬
‫الصارمة‪.‬ولذلك‪ ،‬فهو اليرى سبيال إىل الدراسة املوضوعية للظااهرة الدينياة إال باالتعرف علاى‬
‫أشااكاهلا األوليااة‪ ،‬وكيفيااة نشااأهتا عنااد الشااعوب البدائيااة‪ ،‬وهااي الدراسااة الاايت سااجلها يف كتابااه‬
‫الضخم عن الصور األولية للحياة الدينية‪.‬‬
‫لقااد اجتااه دوركااامي إىل العشااائر األس اكالية باعتبارهااا شااعوبا بدائيااة متثاال صااورة اجملتمااع الباادائي‬
‫ال ااذي الي ازال حي ااتفظ باملظ اااهر الديني ااة األوىل‪ ،‬وق ااد اعتق ااد دورك ااامي أن ااه وج ااد الص ااورة األوىل‬
‫للنظام الديين يف عبادة الطوطم‪ ،‬وهو رمز تتخذه اجلماعة أو العشارية لنفساها‪ ،‬وهلاذا فحينماا‬
‫تتجه العشرية بالعباادة حناو الطاوطم‪ ،‬فهاي تتجاه يف الواقاع عان طريقاه إىل العشارية نفساها أي‬

‫‪ - 282‬جون سكوت‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.212:‬‬


‫‪ - 281‬جون سكوت‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.211-212:‬‬
‫‪180‬‬
‫عب ااادة نفس ااها‪ ،‬ف اااجملتمع ه ااو املعب ااود‪ ،‬والعاطف ااة الديني ااة جم اارد ص ااورة جمس اادة م اان العاطف ااة‬
‫االجتماعية‪ .‬أي‪ :‬جمرد صورة تأليه للجماعة‪.‬‬
‫لقد قدم دوركامي أدلة على صحة استدالالته‪ ،‬ولسنا يف حاجة إىل ذكر هذه األدلة‪ ،‬ولكن‬
‫نذكر فقط أن الثابت هو أن النظام الطوطمي ليس نظاما دينيا كما أكد ذلك عا‬
‫االجتماع الديين روجي باستيد‪ ،‬ولكن ذلك مينع دوركامي من تشييد نظريته العلمية يف‬
‫دراسة الظاهرة الدينية‪ ،‬و مينعه من أن يقرر أن اهلل هو اجملتمع نفسه‪ ،‬وله كل خصائص‬
‫األلوهية‪.‬فهو الذي جيرنا إىل خارع أنفسنا‪ ،‬ويلزمنا بالتوافق مع مصاحل أخرى غري مصاحلنا‪،‬‬
‫وهو الذي علمنا كيف نسيطر على شهواتنا وغرائزنا‪ ،‬وأن نضع هلا القوانني‪ ،‬وهو الذي‬
‫‪286‬‬
‫علمنا أن نتضايق وأن منتنع وأن نضحي وأن خنضع غاياتنا لغايات أكثر مسوا‪".‬‬
‫وعليه‪ ،‬فقد بني دوركامي أن الدين‪ ،‬بطقوسه واحتفاالته املقدسة‪ ،‬تعبري عن الكابط اجملتمعي‪،‬‬
‫وجتسيد لتضامن اجملتمع ومتاسكه وتوازنه وانسجامه‪.‬والدليل على ذلك أن يف مثل هذه‬
‫التجمعات" ينأى أفراد اجلماعة بأنفسهم عن املشاغل اليومية يف احلياة االجتماعية‪،‬‬
‫ويرتقون بأنفسهم إىل مرتبة عليا يشعرون معها بالتواصل مع قوى علوية‪.‬وهذه القوى العلوية‬
‫املنسوبة إىل الطوطم وإىل اآلهلة أو املؤثرات السماوية إمنا هي‪ ،‬يف واقع األمر‪ ،‬تعبري عن‬
‫غلبة الرو اجلماعية على النزعة الفردية‪ .‬ومن منظور دوركامي أن هذه الشعائر واالحتفاالت‬
‫تربط أفراد اجلماعة بعضهم ببعض‪ .‬واليتمثل ذلك يف جتمعات العبادة املنتظمة فحسب‪،‬‬
‫بل يتجلى يف مراحل االنتقال واألزمات املتنوعة اليت متر سا حياة األفراد واجلماعات مثل‬
‫امليالد؛ والزواع؛ واملوت‪.‬ويعتقد دوركامي أن هذه الشعائر الطقوسية اليت متارسها مجيع‬
‫اجملتمعات‪ ،‬إمنا تؤكد التضامن االجتماعي يف األوقات اليت جيد فيها الناس أنفسهم مرغمني‬
‫على التكيف مع التغريات األساسية يف حياهتم‪.‬فاجلنازات‪ ،‬على سبيل املثال‪ ،‬متثل تعبريا‬
‫عن دميومة اجلماعة بعد رحيل الفرد‪ ،‬وهي بالتايل تعني املفجوعني من أهل البيت على‬
‫التكيف مع الظروف املتغرية‪ .‬كما أن احلداد ليس تعبريا عفويا عن احلزن ممن الميتون بقرابة‬

‫‪ - 286‬حممد حممد أمزيان‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.68-62:‬‬


‫‪181‬‬
‫مباشرة للموتى‪ ،‬بل هو‪ ،‬يف واقع األمر‪ ،‬واجب تفرضه اجلماعة‪.‬ويف الثقافات التقليدية‬
‫الصغرية يتغلغل الدين يف جيمع جوانب احلياة‪.‬كما أن االحتفاالت الدينية تكون جماال‬
‫لتوليد أفكار جديدة أو تكريس القيم القائمة‪.‬وليس الدين سلسلة من املشاعر واألنشطة؛‬
‫بل هو القالب الذي تتحرك فيه أمناط التفكري لدى األفراد يف الثقافات التقليدية‪ ،‬مبا يف‬
‫ذلك املفاهيم املتصلة باملكان والزمان‪ .‬حىت إن مفهوم الزمان نفسه قد نشأ يف هذه‬
‫‪287‬‬
‫اجملتمعات للداللة على الفكة اليت تنقضي بني احتفال شعائري وآخر‪".‬‬
‫وإذا كان الدين‪ -‬حسب دوركامي‪ -‬قد ظهر يف اجملتمعات التقليدية‪ ،‬إال أنه سيتوقف مع‬
‫اجملتمعات احلديثة اليت تؤمن بالعلم واملنطق والتجريب‪.‬أي‪ :‬ما يسمى مبجتمعات املرحلة‬
‫الوضعية‪.‬وبذلك‪ ،‬يعلن دوركامي هناية الدين كما أعلنها من قبل أوجست كونت يف قانون‬
‫املراحل الثالث‪ .‬وتبقى دعوة دوركامي إيدولوجية ليس إال‪ .‬فاجملتمع اإلنساب‪ ،‬سواء أكان‬
‫قدميا أم حديثا‪ ،‬الميكن أن يعيش بدون دين؛ فهو الذي حيقق توازن اإلنسان العقلي‬
‫والنفسي واجلسدي‪ ،‬ومتاسكه االجتماعي والدنيوي واألخروي‪ .‬ويف هذا الصدد‪ ،‬يقول‬
‫أنتوب غدنز يف كتابه (علم االجاي ع)‪ ":‬وكان دوركامي يعتقد أن تأثري الدين سينحسر مع‬
‫تطور اجملتمعات احلديثة‪ ،‬وسيحل مكانه التفكري العلمي‪ ،‬ويشكك دوركامي مع ماركس يف‬
‫الرأي بأن الدين التقليدي‪ ،‬أي اإلميان بةهلة أو قوى علوية‪ ،‬هو على وشك االختفاء‪.‬‬
‫ويقول دوركامي يف إحدى عباراته املشهورة‪ ":‬لقد ماتت اآلهلة القدمية"‪.‬غري أنه يعكف أن‬
‫الدين قد يستمر‪ ،‬وإن كان ذلك بأشكال بديلة أخرى‪.‬ومازالت اجملتمعات احلديثة تعتمد‬
‫على املمارسات الطقوسية لتأكيد متاسكها االجتماعي وقيمها األساسية‪ .‬و يتخذ دوركامي‬
‫موقفا واضحا من األشكال البديلة احملتملة للعقائد التقليدية‪ ،‬غري أنه أملح أكثر من مرة إىل‬
‫أن الشعائر البديلة ستدور حول القيم اإلنسانية والسياسية‪ ،‬مثل‪ :‬احلرية‪ ،‬واملساواة‪ ،‬والتعاون‬
‫‪283‬‬
‫االجتماعي‪".‬‬

‫‪ - 287‬أنتوب غدنز‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.130:‬‬


‫‪ - 283‬أنتوب غدنز‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.132-130:‬‬
‫‪182‬‬
‫ومن أهم االنتقادات املوجهة إىل دوركامي أنه يعترب الدين آلية لتحقيق التضامن والتماسك‬
‫اجملتمعي‪.‬وميكن أن يكون الدين كذلك وسيلة الضطراب اجملتمع واختالله‪ ،‬وسببا يف‬
‫اندالع احلروب‪ ،‬وإثارة الفنت‪ ،‬كما يبدو ذلك جليا يف العراق واليمن وسوريا ولبنان بني‬
‫السنة والشيعة‪ ،‬أو يف بعض الدول اآلسيوية بني املسلمني والبوذيني‪ ...‬ويعين هذا أن‬
‫دوركامي" شدد على أمهية القيم الدينية ومايرتبط سا من شعائر احتفالية يف تعزيز التضامن‬
‫والتماسك بني أفراد اجلماعات البشرية‪.‬ومن اجلدير بالذكر أن هذه املفاهيم اليت طرحها‬
‫دوركامي حول دور الدين هي مما ميكن استخدامه لدراسة دور الدين يف إذكاء النزاعات‬
‫والصراعات بني اجلماعات‪ .‬والدين‪ ،‬يف هذه احلالة يؤدي دورا تضامنيا داخليا مثلما يقوم‬
‫بدور فاعل يف تأليب مجاعة ما ضد مجاعة أخرى‪ .‬وينبغي أال نغفل على أمهية األفكار‬
‫والتصورات النظرية اليت طرحها دركامي عن دور املمارسات الشعائرية يف حشد مشاعر الناس‬
‫يف جوانب احلياة النفسية‪ ،‬واالجتماعية‪ ،‬والدينية‪ ،‬والسياسية‪ ،‬أو يف االنتقال عرب ما يسمى‬
‫‪288‬‬
‫دورة احلياة يف حاالت امليالد‪ ،‬والبلوغ‪ ،‬والزواع‪ ،‬واملوت‪".‬‬
‫وهكذا‪ ،‬يتضح لنا أن إميل دوركامي اليعكف بالدين العقائدي أو األلوهي‪ ،‬وإمنا يعتربه جمرد‬
‫انعكاس للمؤسسة اجملتمعية القائمة على التضامن والكابط والتوازن واالنسجام والتماسك‪.‬‬
‫وبالتايل‪ ،‬فالطقوس واالحتفاالت العقائدية تعبري عن التحام اجملتمع وترابطه ملواجهة الظروف‬
‫املتغرية والطارئة‪ .‬ولكن السؤال األساسي‪ :‬كيف ميكن للمقدس (الدين) أن يعكس ماهو‬
‫مدنس (اجملتمع)ا !! وبالتايل‪ ،‬فالدين ليس تعبريا عن تضامن اجتماعي‪ ،‬بقدر ماهو رغبة‬
‫عارمة لتحقيق التوازن النفسي‪ ،‬وجتاوز اجملتمع املدنس حنو عوا غيبية لالرتباط مباهو‬
‫روحاب وأخروي قصد حتقيق السعادة والفضيلة والكمال‪ .‬ومن مث‪ ،‬فالدين العالقة له‬
‫باجملتمع‪ ،‬بل هو خرق له‪ ،‬وتعال عنه‪ ،‬وتسام إىل ماهو فوقي وعلوي وروحاب‪.‬‬

‫‪ - 288‬أنتوب غدنز‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.316-131:‬‬


‫‪183‬‬
‫اكيطلب اكرابع‪ :‬ك رل د ركس أ اكد ن أفيون اكشيوإ‬

‫يعد كارل ماركس من أهم الفالسفة وعلماء االجتماع الذين أعطوا األمهية الكربى ملاهو‬
‫مادي واقتصادي يف تغيري العا ‪ ،‬بدل تفسريه وفهمه وتأويله‪ .‬ومن مث‪ ،‬فالبىن الفوقية من‬
‫فكر‪ ،‬وأدب‪ ،‬وفن‪ ،‬ودين‪ ،‬وإعالم‪ ،‬وإيديولوجيا‪...‬تتحكم فيها البىن السفلى أو التحتية‪.‬‬
‫مبعىن أن الدين نتاع للصراع الطبقي‪ ،‬والتفاوت االجتماعي‪ ،‬وهو مظهر من مظاهر الصراع‬
‫حول السلطة‪ .‬ومن هنا‪ ،‬فالدين عبارة عن إيديولوجيا‪ ،‬ووهم زائف‪ ،‬واستالب للناس‪،‬‬
‫وممارسة اغكابية‪ ،‬وعنف رمزي؛ مما دفع كارل ماركس إىل القول‪ ":‬ىن اكد ن أفيون‬
‫اكشيوإ‪ ".‬مبعىن أن الدين سال ذو حدين‪ :‬يهدم ويبين يف الوقت نفسه‪ .‬أي‪ :‬ميكن أن‬
‫يكون الدين أداة للتطور والتقدم واالزدهار‪ ،‬ووسيلة لتحقيق التنمية املستدامة‪ ،‬وسال‬
‫للتحرر والتحرير‪ ،‬ومنهج إجرائي للوقوف يف وجه الظلم والعبودية واالستبداد‪.‬‬
‫ولكن ميكن أن يوظف الدين توظيفا سلبيا الستغالل اإلنسان‪ ،‬وجتهيله‪ ،‬وتغريبه‪ .‬ومن مث‪،‬‬
‫يصبح أداة للسيطرة واالستعباد واالستغالل البشع‪ .‬وبالتايل‪ ،‬يكون سببا يف شقاء اإلنسان‬
‫وبؤسه وتعاسته‪ ،‬ويكون مسؤوال عن ضياعه واغكابه وختديره‪ .‬وقد قامت الكنيسة املسيحية‪،‬‬
‫يف العصور الوسطى‪ ،‬بدور سليب‪ ،‬فقد كانت أداة البتزاز الناس واستالسم واستغالهلم‪،‬‬
‫والسيطرة على عقوهلم‪ ،‬وسرقة أمواهلم‪ ،‬وهنب ثرواهتم وممتلكاهتم‪ .‬بل وقفت موقفا سيئا من‬
‫العلم والتقنية وحرية التفكري‪.‬‬
‫ومازال الدين‪ ،‬إىل يومنا هذا‪ ،‬ميارس هذه الوظيفة نفسها‪ ،‬وخاصة الدين الطرقي أو دين‬
‫الزوايا أو الدين الذي يقدمه فقهاء السلطان على مقاس احلاكم؛ ذلك الدين الذي يتحول‬
‫إىل إيديولوجيا لتكريس التفاوت الطبقي من جهة‪ ،‬وتثبيت سلطة الفئة احلاكمة ومناصرهتا‬
‫على ما تقوم به من أفعال شرعية وغري شرعية‪.‬‬
‫ولقد تأثر ماركس كثريا بأفكار الفيلسوف األملاب فيورباخ الذي ثار على الالهوت والفكر‬
‫الديين‪ ،‬واستمد منه مصطلح االستالب أو االغكاب‪ .‬ويف هذا‪ ،‬يقول أنتوب غدنز‪ ":‬إن‬
‫‪184‬‬
‫ماركس‪ ،‬على الرغم من األثر الكبري الذي تركه يف هذا امليدان‪ ،‬يدرس الدين حبد ذاته‬
‫بصورة تفصيلية‪ ،‬بل استقى أكثر أفكاره حول هذا املوضوع من كتابات عدد من الفالسفة‬
‫واملفكرين يف القرن التاسع عشر‪.‬وكان من هؤالء لودفيغ فيورباخ (‪ )Feuerbach‬الذي‬
‫وضع كتابه الشهري املسمى (جوهر اكيسي ي )‪221‬؛ وطبع للمرة األوىل عام‬
‫‪.0320‬ويتكون الدين يف نظر فيورباخ من أفكار وقيم أنتجها البشر اليعرفون مصريهم متام‬
‫املعرفة‪ ،‬فننه ينسبون إىل أنشطة اآلهلة ما سبق هلم أن أنتجوه يف جمتمعاهتم من قيم ومعايري‪.‬‬
‫من هنا‪ ،‬فنن قصة الوصايا العشر اليت أنزهلا اهلل على موسى هي جمرد نسخة أسطورية‬
‫ألصول املبادىء األخالقية اليت كانت يف حياة اليهود القدماء مث املسيحيني‪.‬ويضيف‬
‫فيورباخ أنه طاملا ظل البشر عاجزين عن فهم الرموز الدينية اليت ابتدعوها‪ ،‬فنهنم سيظلون‬
‫أسرى لقوى التاريخ اليت اليستطيعون التحكم فيها‪.‬ويستخدم فيورباخ مصطلح االستالب‬
‫أو االغكاب للداللة على خلق آهلة أو قوى إهلية متميزة عن البشر‪.‬ذلك أن القيم واألفكار‬
‫اإلنسانية تعزى يف هذه احلالة إىل كائنات غريبة ومستقلة‪.‬وقد ترك التغرب يف املاضي آثارا‬
‫سلبية‪ ،‬غري أن فهم الناس للدين باعتباره اغكابا أو استالبا من شأنه أن يفتح أبواب األمل‬
‫يف املستقبل‪ .‬وحاملا يتبني البشر أن القيم اليت يرجعوهنا إىل الدين إمنا هي إرجاؤها إىل احلياة‬
‫األخرى‪.‬وميكن البشر آنذاك أن يكتسبوا القوى اليت ينسبها املسيحيون إىل اهلل‪ .‬فاحملبة‬
‫واخلري والقدرة على التحكم يف حياتنا موجودة‪ ،‬كما يرى فيورباخ يف املؤسسات‬
‫‪220‬‬
‫االجتماعية‪ ،‬وقد تؤيت مثارها حاملا ندرك ونتفهم طبيعتها احلقيقية‪" .‬‬
‫ويعد الدين عند ماركس وسيلة لالستغالل واالستعباد‪ ،‬وأداة لنهب حقوق األفراد‬
‫واغتصاسا‪.‬كما يعد آلية للتخدير والتكليس واالستالب‪ ،‬على الرغم من أمهية الدين يف زرع‬

‫‪240‬‬
‫‪- Feuerbach Ludwig: The essence of Christianity,Harper and‬‬
‫‪Row,New York,Firest pub.1841/1957.‬‬
‫‪ - 220‬أنتوب غدنز‪ :‬نفيسه‪ ،‬ص‪.178:‬‬
‫‪185‬‬
‫األمل يف نفوس الناس دنيويا وأخرويا‪ ،‬إال أن اآلخرين يستخدمونه للحفاظ على مصاحلهم‬
‫غري املشروعة‪ ،‬والتمتع باملنافع الطبقية‪ ،‬واالستحواذ على السلطة‪.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬يتفق ماركس " مع الفكرة القائلة‪ :‬إن الدين ميثل حالة من االغكاب‬
‫اإلنساب‪.‬ويشيع االعتقاد‪ -‬يف أغلب األحيان‪ -‬أن ماركس كان يطالب بنبذ الدين‬
‫واستئصاله‪ ،‬غري أن مثل هذا االعتقاد جيانب الصواب‪.‬فالدين‪ ،‬يف نظره هو مبثابة القلب يف‬
‫عا القلب له‪ ،‬وهو املالذ من قسوة الواقع اليومي‪ .‬ويرى ماركس أن الدين بشكله‬
‫التقليدي سوف خيتفي‪ ،‬بل البد من أن خيتفي؛ نظرا إىل أن القيم اإلجيابية اليت ميثلها الدين‬
‫قد تكون منوذجا هاديا لتحسني األوضاع البشرية على هذه األرض‪ ،‬وليس ألن هذه املثل‬
‫والقيم العليا مغلوطة حبد ذاهتا‪.‬وعلينا‪ ،‬يف نظر ماركس‪ ،‬أالخنشى اآلهلة اليت صنعناها‬
‫بأنفسنا‪ ،‬وأال نضفي عليها املثل والقيم العليا اليت ميكن البشر أنفسهم أن حيققوها‪.‬وأعلن‬
‫ماركس يف إحدى عباراته الشهرية أن الدين هو " أفيون الشعوب"‪.‬فالدين يرجىء السعادة‬
‫واجلزاء إىل احلياة األخرى‪ ،‬ويدعو الناس إىل القناعة والرضا بأوضاعهم يف هذه‬
‫احلياة‪.‬ويؤدي ذلك إىل صرف االنتباه عن املظا ووجوه التفاوت والالمساواة يف العا ‪،‬‬
‫وإهلاء الناس مبا ميكن أن يكون من نصيبهم يف عا اآلخرة‪ .‬وينطوي الدين‪ ،‬على مايرى‬
‫ماركس‪ ،‬على عنصر إيديولوجي قوي‪ :‬إذ إن املعتقدات والقيم الدينية تستخدم‪ ،‬يف أكثر‬
‫األحيان‪ ،‬لتربير جوانب الالمساواة يف جماالت الثروة والسلطة‪ .‬إن عبارة مثل "الضعفاء‬
‫‪222‬‬
‫سريثون األرض"‪ ،‬على سبيل املثال‪ ،‬حتمل معىن اخلنوع‪ ،‬وعدم التصدي للقمع‪".‬‬
‫وبناء على ما سبق‪ " ،‬جيانب ماركس الصواب يف اعتقاده بأن للدين بعدا إديولوجيا خيدم‬
‫مصاحل الفئات احلاكمة‪ ،‬ويربر سلوكها على حساب اآلخرين؛ وحيفل التاريخ مبئات من‬
‫الشواهد الصارخة على ذلك‪.‬ولنأخذ‪ ،‬على سبيل املثال‪ ،‬أثر املسيحية يف احلمالت‬
‫االستعمارية األوروبية إلخضاع الثقافات واحلضارات األخرى والسيطرة عليهما‪.‬ورمبا كان‬
‫املبشرون صادقني يف حماوالهتم الجتذاب الوثنيني‪ ،‬واستمالتهم للمسيحية‪ ،‬غري أن أنشطتهم‬

‫‪ - 222‬أنتوب غدنز‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.131-178:‬‬


‫‪186‬‬
‫قد آلت إىل تدمري الثقافات واحلضارات التقليدية‪ ،‬وفرض هيمنة الرجل األبيض عليها‪.‬كما‬
‫أن املذاهب والطوائف املسيحية‪ ،‬بشىت أنواعها‪ ،‬كانت تتساهل‪ ،‬بل تصادق على جتارة‬
‫العبيد يف الواليات املتحدة وأماكن أخرى يف العا حىت هناية القرن التاسع عشر‪ ،‬بل إن‬
‫بعض املذاهب كانت تربر العبودية اعتمادا على قوانني إهلية‪ ،‬حىت إن العبيد املتمردين كانوا‬
‫‪228‬‬
‫يتهمون بأهنم‪ ،‬يف عصياهنم ألسيادهم‪ ،‬يرتكبون معصية حبق اهلل‪".‬‬
‫وعليه‪ ،‬يعد كارل ماركس من الفالسفة وعلماء االجتماع السباقني إىل كشف القناع عن‬
‫الدين الزائف‪ ،‬كما كانت متارسه الكنيسة اإلقطاعية يف العصور الوسطى‪ ،‬وقد ارتبط الدين‬
‫باإليديولوجيا واالستالب واالغكاب والوهم والوعي الزائف‪.‬‬

‫اكيطلب اكخ دس‪ :‬د كس فيبر عمق اكرأسي كي ب كبرتسا ناي‬

‫يعاد ماااكس فياارب ماان السااباقني إىل تأساايس سوسايولوجيا األديااان‪ ،‬فقااد ركااز علااى الاكابط بااني‬
‫ال اادين والتغ ااري االجتم اااعي‪ ،‬بدراس ااة الربوتس ااتانتية والكاثوليكي ااة واليهودي ااة والكونفوشيوس ااية‬
‫والفارس ا ااية واهلندوس ا ااية والطاوي ا ااة واإلس ا ااالم‪ ".‬كم ا ااا أن في ا اارب يع ا ااارض املوق ا ااف ال ا ااذي اخت ا ااذه‬
‫ماااركس‪.‬إذ ياارى أن الاادين الميثاال بالضاارورة قااوة حمافظااة‪ ،‬باال إن بعااض احلركااات والتوجهااات‬
‫الدينيا ااة الا اايت تس ااتلهم جانبا ااا م اان تع اااليم ال اادين قا ااد أحا اادثت حتا ااوالت اجتماعي ااة مثا اارية يف‬
‫اجملتمعااات الغربية‪.‬فقااد كاناات الربوتسااتانتية‪ ،‬والساايما االجتاااه التطهااري البيوريتاااب منهااا‪ ،‬املنبااع‬
‫األساسااي للنظاارة الرأمساليااة يف اجملتمعااات الغربيااة احلديثااة‪ ،‬وكااان أوائاال املبااادرين باملشااروعات‬
‫التجاري ااة م اان أتب اااع ال اازعيم الربوتس ااتانيت كالفن‪.‬وك ااانوا يف ان اادفاعهم لتحقي ااق النج ااا ال ااذي‬

‫‪ - 228‬أنتوب غدنز‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.131:‬‬


‫‪187‬‬
‫أسهم يف انطالق التنمية االقتصادية الغربية‪ ،‬يصادرون عان رغباة يف خدماة اهلل‪.‬وكاان النجاا‬
‫‪222‬‬
‫املادي املايل بالنسبة إليهم عالمة من عالمات العناية اإلهلية‪".‬‬
‫وياارى فياارب أن الاادين الربوتسااتانيت‪ ،‬باعتباااره بنيااة فوقيااة‪ ،‬هااو الااذي ساااهم يف ظهااور النظااام‬
‫الرأمسااايل يف أوروبااا الغربيااة؛ ألن الربوتسااتانتية‪ ،‬والساايما مااذهب كااالفني(‪ ،)Calvin‬تاادعو‬
‫إىل العمل واملبادرة والتناافس واالكتسااب املثمار‪ ،‬وتنمياة الرأمساال‪ ،‬واإلقباال علاى احليااة بكال‬
‫مباهجهاا ومتعهاا‪ ،‬ومجااع الثاروات لتحقيااق الغاىن‪ ،‬وفااق دوافاع ساايكولوجية ومباادىء أخالقيااة‪،‬‬
‫مثاال‪ :‬احلاارص‪ ،‬والشااح‪ ،‬واالسااتثمار‪ ،‬واالقتصاااد‪ ،‬واالدخااار‪ ،‬وحااب العماال‪...‬إن ماان اليعماال‬
‫لاان يأكاال كمااا قااال القااديس بولااوس‪.‬يف حااني‪ ،‬تبعااد الكاثوليكيااة اإلنسااان عاان الاادنيا‪ ،‬وحتثااه‬
‫علااى الزهااد والرهبانيااة واالعتكاااف الااديين‪ ،‬بعياادا عاان مشاااغل احلياااة ومشاااكلها املاديااة‪ .‬وماان‬
‫هنااا‪ ،‬فقااد كااان اإلصااال الااديين الااذي قاااده مااارتن لااوثر ماان العواماال الرئيسااية الاايت شااجعت‬
‫علااى منااو العقليااة الليرباليااة الرأمساليااة‪ ،‬وتبلااور البريوقراطيااة العقالنيااة علااى املسااتوى االقتصااادي‪،‬‬
‫ويتضح هذا جليا يف كتابه (األيـمق اكبر تسـا ناي ر ح اكرأسـي ) ‪ .221‬ويف هاذا‪ ،‬يقاول‬
‫ماكس فيرب‪ ":‬إن الفكرة اليت مؤداها أن لإلنسان واجبات جتاه الثروات املوكولة له واليت ينذر‬
‫نفسااه هلااا كمسااري مطيااع‪ ،‬باال كةلااة الكتساااب الثااروات‪ ،‬فكاارة جتااثم بكاال ثقلهااا علااى حياااة‬
‫الفرد‪.‬وكلمااا كاناات املمتلكااات كثاارية كااان الشااعور باملسااؤولية جتاههااا وواجااب احلفاااظ عليهااا‪،‬‬
‫بل ومضاعفتها بواسطة العمل الدؤوب‪ ،‬كبريا‪ ،‬وذلك إذا ما كان الشعور الزهادي قاادرا علاى‬
‫الصمود‪ .‬إن أصل هذا األسلوب يف احلياة يعود إىل العصور الوسطى يف بعض جاذوره‪ ،‬مثال‬

‫‪ - 222‬أنتوب غدنز‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.132:‬‬


‫‪245‬‬
‫‪- Max Weber: L'Éthique protestante et l'esprit du capitalisme‬‬
‫‪(1904-1905), traduction par Jacques Chavy, Plon, 1964 ; nouvelles‬‬
‫‪traductions par Isabelle Kalinowski, Flammarion 2000; Jean-Pierre‬‬
‫‪Grossein, Gallimard 2003.‬‬
‫‪188‬‬
‫ع اادد م اان عناص اار ال اارو الرأمسالي ااة احلديث ااة‪ ،‬لكن ااه جي ااد مب اادأه األخالق ااي املالئ اام إال يف‬
‫األخالق الربوتستاتية‪.‬إن داللته بالنسبة لتطور الرأمسالية أمر بديهي‪...‬‬
‫لكن نلخص ما قلنا‪ ،‬إىل اآلن‪ ،‬نقاول إن الزهاد الربوتساتانيت عاارض بفعالياة كبارية االساتمتاع‬
‫التلقائي بالثروات‪ ،‬وحد مان االساتهالك‪ ،‬وخاصاة اساتهالك املوضاوعات الفااخرة‪ .‬وباملقابال‪،‬‬
‫فق ا ااد كان ا اات نتيجت ا ااه النفس ا ااية ه ا ااي ختل ا اايص الرغب ا ااة يف الكس ا ااب م ا اان حترمي ا ااات األخ ا ااالق‬
‫التقليدية‪.‬فقد قطع السالسل الايت كانات تعاوق مثال هاذا امليال إىل الكساب‪ ،‬الفقاط بنضافاء‬
‫املشروعية على الكسب‪ ،‬بل أيضا باعتباره أمرا مطابقا إلرادة اهلل‪...‬‬
‫وفيمااا يتعلااق بننتاااع اخل اريات املاديااة اخلاصااة‪ ،‬فاانن املااذهب الزهاادي حيااارب يف الوقاات نفسااه‬
‫سوء التدبري والغش واجلشع الغريازي‪ ،‬فهاو يادين البحاث عان الثاروة لاذاهتا‪.‬ألن الثاروة يف حاد‬
‫ذاهتا غواية واحنراف‪ .‬لكن املذهب الزهدي كان هنا مبثابة القوة اليت حتب اخلري دوماا‪ ،‬وختلاق‬
‫الشاار دومااا علااى حااد قااول غوتااه يف فاوساات‪ ،‬هااذا الشاار الااذي كااان ميثلااه‪ ،‬بالنساابة لااه‪ ،‬الثااروة‬
‫وغواياهتا‪.‬واتفاق مع العهد القدمي‪ ،‬فنن املذهب الزهدي يعترب اجلري وراء الثروة لذاهتا أمرا يف‬
‫غاية الرذالة‪ ،‬ويعترب يف الوقات نفساه مان آياات الرضاا الربااب اعتباار الثاروة مثارة العمال املهاين‪.‬‬
‫وقد رفعت وجهة النظر الدينية أيضا من قيمة العمل الدؤوب واملستمر واملانظم‪ ،‬ضامن مهناة‬
‫دنيويا ا ااة‪ ،‬واعتربتا ا ااه األداة الزهديا ا ااة األعلا ا ااى واألكثا ا اار ضا ا اامانة واألكثا ا اار تعب ا ا اريا عا ا اان اإلميا ا ااان‬
‫احلقيقي‪.‬وقد شكل ذلك األداة األقوى يف التعبري عن التصور للحيااة الاذي دعونااه هناا رو‬
‫الرأمسالية‪.‬‬
‫بالنسبة ألولئك الميكن لوعيهم العلي الطيب أن يتجاوز التأويل االقتصادي (أو املادي كماا‬
‫يقال مع األسف) أؤكد أنين أنسب أمهية كبرية لتأثري التطور االقتصادي على مصري األفكاار‬
‫الديني ااة؛ وس ااأحاول فيم ااا بع ااد أن أع اارض كي ااف تش ااكلت‪ ،‬يف الوض ااع احلاض اار‪ ،‬عملي ااات‬
‫التكيااف والعالقااات املتبادلااة‪.‬لكن األفكااار الدينيااة التسااتنتج تلقائيااا وببساااطة ماان الظااروف‬
‫االقتصااادية؛ إهنااا بالضاابط ‪ -‬وهااذا أماار النسااتطيع حيالااه شاايئا‪ -‬العناصاار األكثاار عمقااا يف‬
‫تشكيل الذهنية الوطنية‪ ،‬وهي حتمل يف ذاهتا قانون تطورها ومتتلك قدرة ضاغطة خاصة سا‪.‬‬

‫‪189‬‬
‫ويف النهاية‪ ،‬فنن الفروق األكثر أمهية – مثل تلك القائمة بني الكالفينية واللوثرية‪ -‬هي على‬
‫وجه اخلصوص حمددة بتأثر الظروف السياسية‪.‬‬
‫إن إحدى العناصر األساسية للرو الرأمسالية احلديثة‪ ،‬وليس فقط هلاته بل للحضاارة احلديثاة‬
‫ذاهتا ااا أي السا االوك العقا ااالب القا ااائم علا ااى فكا اارة الشا ااغل كرسا ااالة قا ااد تولا ااد ما اان رو الزها ااد‬
‫‪226‬‬
‫املسيحي‪ ،‬وهو ماحاول عرضنا هذا توضيحه‪".‬‬
‫أما فيما خيص الديانات الشرقية‪ ،‬وخاصة اإلسالم‪ ،‬فقد اعتربها ديانات العقالنياة‪ ،‬تساودها‬
‫أفك ا ااار خرافي ا ااة وس ا ااحرية معادي ا ااة للعق ا اال واللوغ ا ااوس واملنطق‪.‬ول ا ااذلك‪ ،‬تتط ا ااور األوض ا اااع‬
‫االقتصادية يف البلدان اليت تنتشر فيها هذه الديانات؛ نظرا الفتقادها ‪ -‬كما يزعم فيرب‪ -‬إىل‬
‫العقالنية يف التخطيط والتدبري والتنظيم والتفكري‪ ".‬واعترب فيرب دراساته ألدياان العاا مشاروعا‬
‫واحاادا متكامال‪.‬كمااا أن مناقشااته آلثااار الربوتسااتانتية يف التنميااة يف الغاارب كاناات متثاال جانبااا‬
‫واحاادا ماان حماوالتااه فهاام آثااار الاادين يف احلياااة االجتماعيااة واالقتصااادية يف سااياقات ثقافيااة‬
‫متنوعااة‪.‬وخلااص فياارب ماان حتليلااه لألديااان الشاارقية إىل القااول‪ :‬إهنااا كاناات تنطااوي علااى حاواجز‬
‫عاليااة حتااول دون تنميااة الرأمساليااة الصااناعية الاايت شااهدها الغاارب‪.‬واليعين ذلااك أن احلضااارات‬
‫غري الغربية كانت متخلفة باأي وجاه مان الوجاوه‪ ،‬بال يعاين ببسااطة أهناا حتمال منظوماات مان‬
‫القيم ختتلف عن تلك اليت كانت سائدة يف أوروبا‪.‬‬
‫ويش ااري في اارب إىل أن احلض ااارات التقليدي ااة يف الص ااني واهلن ااد ش ااهدت‪ ،‬يف مراح اال معين ااة م اان‬
‫تارخيهااا‪ ،‬مسااتويات عاليااة ماان النمااو يف جماااالت التجااارة والتصاانيع وانتشااار املراكااز احلضااارية‪.‬‬
‫غري أهنا تسفر عن إحداث أمناط من التغري االجتماعي اجلذري الذي نشاأت يف أحضاانه‬
‫الرأمساليااة الصااناعية يف الغاارب‪ .‬لقااد عملاات الااديانات اآلساايوية الشاارقية علااى ىبط ـ ء عجل ـ‬
‫اكاغييــر‪.‬وياارى فياارب أن اهلندوسااية‪ ،‬علااى ساابيل املثااال‪ ،‬متثاال دياان العااا اآلخاار‪ .‬أي‪ :‬إن القاايم‬
‫العليا فيها تؤكد على ضرورة اهلروب من متاعب العا املادي‪ ،‬والتحليق إىل مستويات عالياة‬

‫‪ - 226‬ماكس فيرب‪ :‬األيمق اكبر تسا ناي ر ح اكرأسي كي ‪ ،‬ترمجة‪:‬حممد علي مقلد وجورع أيب صاحل‪ ،‬مركز‬
‫اإلمناء القومي‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪0881‬م‪ ،‬ص‪.027-022:‬‬
‫‪190‬‬
‫ماان الوجااود الروحااي‪ .‬كمااا أن املشاااعر والاادوافع اهلندوسااية التركااز علااى ضاارورة تشااكيل العااا‬
‫املااادي أو الساايطرة عليااه‪ ،‬باال تعتاارب الواقااع املااادي حجابااا يسااك اهلمااوم احلقيقيااة الاايت ينبغااي‬
‫للبش ا ارية أن تتوجا ااه إليها ااا‪ .‬وباملثا اال دعا اات الكونفوشيوسا ااية أيضا ااا إىل العا اازوف عا اان التنميا ااة‬
‫االقتصااادية كمااا يفهمهااا الغرب‪.‬وشااددت علااى ضاارورة االنسااجام مااع العااا ال إىل السااعي‬
‫النشط للسيطرة عليه‪ .‬وعلى الارغم مان أن الصاني كانات متثال لعهاود طويلاة احلضاارة األقاوى‬
‫واألغااىن ثقافااة يف العااا ‪ ،‬إال أن القاايم الدينيااة املهيمنااة فيهااا كاناات مبثابااة الكااابح الااذي يلجاام‬
‫‪227‬‬
‫االلتزام القوي بالنماء االقتصادي بوصفه هدفا حبد ذاته‪".‬‬
‫عااالوة علااى ذلااك‪ ،‬رأي فياارب‪ " ،‬يف بعااض التيااارات داخاال املساايحية‪ ،‬دينااا خالصاايا يتضاامن‬
‫االعتق اااد ب ااأن يوس ااع البش اار أن حيقق اوا اخل ااالص‪ ،‬وينق ااذوا أنفس ااهم بانته اااع بع ااض املب ااادىء‬
‫الدينيااة األخالقيااة‪ .‬وماان األمهيااة مبكااان يف هااذا السااياق اعتقاااد ماان يؤمنااون سااذه التعاااليم أن‬
‫العنايااة اإلهليااة سااتنقذهم ماان اخلطيئااة األصاالية‪.‬وتتولد عاان هااذا االعتقاااد درجااات عاليااة ماان‬
‫التااوتر النفسااي والاازخم الشااعوري الااذي تفتقاار إليااه الااديانات الشاارقية‪ ،‬والااديانات اخلالصااية‪،‬‬
‫كما يرى فيارب‪ ،‬تنطاوي علاى جاناب ثاوري يادعو إىل التمارد علاى األوضااع الراهناة‪ ،‬ويطالاب‬
‫بتغيريه ااا‪ .‬بينم ااا تنم ااي ال ااديانات الش اارقية ل اادى أتباعه ااا موقف ااا س االبيا ميي اال إىل تقب اال النظ ااام‬
‫‪223‬‬
‫اجلديد‪".‬‬
‫بي ااد أن ه ااذه النظ اارة الفيبريي ااة قاص اارة وغ ااري موض ااوعية؛ ألن التنمي ااة مرتبط ااة بسياس ااة الدول ااة‬
‫احلاكما ااة‪ ،‬وما اادى رغبتها ااا يف التحا ااديث والتطا ااوير واإلقا ااالع االقتصا ااادي‪.‬وليس هلا ااا عالقا ااة‬
‫بالاادين‪.‬والاادليل علااى ذلااك أن الاادول اآلساايوية الاايت التعاارف املساايحية أو الاايت تااؤمن بالبوذيااة‬
‫أو اهلندوسية أو الكونفوشيوسية أو الطاوية قد حققت مستوى اقتصااديا متفوقاا علاى الادول‬
‫الغربيا ااة نفسا ااها الا اايت شا ااهدت الثا ااورة الصا ااناعية والتقنيا ااة املذهلا ااة يف الق ا ارنني التاسا ااع عشا اار‬
‫والعشرين‪ .‬واليوم‪ ،‬حتقق الصاني مناوا اقتصااديا حتققاه أوروباا أو الوالياات املتحادة األمريكياة‬

‫‪ - 227‬أنتوب غدنز‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.138:‬‬


‫‪ - 223‬أنتوب غدنز‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.138:‬‬
‫‪191‬‬
‫ال اايت ب اادأت تع اااب عجا ازا اقتص اااديا كبا اريا‪ .‬وقا اد أص اابحت اهلن ااد أيض ااا م اان ال اادول الص ااناعية‬
‫املتقدمااة‪ ،‬وخاصااة يف جمااال الرقميااات والصااناعة اإلعالميااة والسااينمائية‪ .‬ويعااين هااذا كلااه أن‬
‫التنمية الصناعية أو الرأمسالية العالقة هلا بالدين إطالقا‪.‬‬
‫أمااا فيمااا خيااص باإلسااالم‪ ،‬فقااد " قااال فياارب‪ :‬إن دعااوة الناايب الاايت اكتساابت أمهيااة اجتماعيااة‬
‫خاصا ااة‪ ،‬بعا ااد أن أقبا اال عليها ااا شا اايوخ القبائا اال البدويا ااة‪ ،‬فعا اادلوها يف ضا ااوء منا ااط معيشا ااتهم‬
‫ومصاحلهم االقتصادية‪.‬بذلك اعترب فيرب أن القيم واملعتقدات اإلساالمية جااءت متناساقة ماع‬
‫احلاجات املادية للطبقة احملاربة‪.‬وبكالم أدق‪ ،‬اعترب فيرب أن اإلساالم زاوع باني القايم التجارياة‬
‫والقيم الفروسية البدوية والقيم الصوفية املعربة عن عواطاف اجلمااهري وحاجاهتاا‪ .‬ونتيجاة هلاذه‬
‫املزاوجة الثالثة‪ ،‬وجهت الطبقة احملاربة اإلسالم باجتااه اجلهااد واألخالقياة العساكرية‪ ،‬ووجهتاه‬
‫الطبقااة التجاريااة يف املاادن باجتاااه التش اريع والتعاقااد يف خمتلااف أوجااه احلياااة اليوميااة‪ ،‬ووجهتااه‬
‫اجلماهري املستضعفة باالجتاه الصويف واهلرب الضبايب‪.‬‬
‫وقااد سااامهت هااذه القاايم التقليديااة باسااتمرار نزعااة الااوالء القبلااي األبااوي لشااخص الساالطان‪،‬‬
‫ولاايس للمؤسسااات والساالطة اإلسااالمية اجلدياادة‪ ،‬أي مااا أمساااه فياارب مصااطلح الااوالء والطاعااة‬
‫للساالطان ‪/‬احلاااكم الااذي حيصاار الق ارارات بشخصااه ماادعيا أنااه ظاال اهلل علااى األرض‪ ،‬األماار‬
‫ال ااذي يتع ااارض م ااع الق اايم العقالني ااة والقا اوانني املدني ااة‪.‬بكالم آخ اار‪ ،‬رأى في اارب تعارض ااا ب ااني‬
‫اإلسااالم ورو الرأمساليااة ونشااوء املؤسسااات بساابب تااأثره بااالقيم البدويااة‪ ،‬ونشااوء حتااالف بااني‬
‫‪228‬‬
‫السلطان وعلماء الدين‪".‬‬
‫ويرى حمماد عاباد اجلاابري أن نظارة مااكس فيارب نظارة متهافتاة مان ناوا عادة‪ ،‬حياث يقاول‪":‬‬
‫إن ادعاااءه اخلاااص بكااون املساايحية‪ ،‬مبااا فيهااا ماان بروتسااتاتية وكالفينيااة‪ ،‬أكثاار عقالنيااة ماان‬
‫اإلس ااالم ادعا اااء الأس اااس له‪.‬فاإلسا ااالم بش ااهادة كث ااري م اان املستشا اارقني أكث اار عقالنيا ااة م اان‬
‫املس اايحية مبختل ااف مذاهبها‪.‬وه ااذا م ااا أك ااده األس ااتاذ ماكس اايم رودنس ااون ( ‪Maxim‬‬

‫‪ - 228‬حليم بركات‪ :‬اكيجايع اكيربا فا اكقرن اكيشر ن‪ :‬ب ث فا تغير األ وال اكيمق ت‪ ،‬مركز دراسات‬
‫الوحدة العربية‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬طبعة ‪2111‬م‪ ،‬ص‪.223-226:‬‬
‫‪192‬‬
‫‪ )Rodinson‬يف كتاب ا ااه الق ا اايم (اإلسـ ـ ــمد اكرأسـ ـ ــي كي ) ال ا ااذي أثب ا اات في ا ااه أن ال ا اادين‬
‫اإلسااالمي‪ ،‬ساواء كعقياادة أو تطبيااق‪ ،‬يكاان املااانع ماان قيااام الرأمساليااة يف الاابالد اإلسااالمية‪،‬‬
‫ول ااذلك ف اانن أس ااباب قي ااام الرأمسالي ااة يف أوروب ااا‪ ،‬وع اادم قيامه ااا يف ال اابالد العربي ااة اإلس ااالمية‪،‬‬
‫ظاهرة جيب أن يبحث عن عواملها يف مقتضيات الوضع االجتماعي العام‪ ،‬تلك املقتضيات‬
‫اليت تلح عليها املاركسية إحلاحا خاصا‪"211.‬‬
‫ويضاايف الباحااث‪ ":‬وأمااا القااول بااأن الربوتسااتانتية وأخالقهااا هااي الاايت كاناات العاماال يف قيااام‬
‫الرأمسالية يف أوروبا الغربية‪ ،‬فهذا افكاض قابل للمناقشة إىل حد كبري‪.‬ميكن مثال أن نتسااءل‪:‬‬
‫هل كانت الرأمسالية نتيجة للربتستانتية كما ادعى فيرب‪ ،‬أم أن الربوتستانتية نفسها هي نتيجاة‬
‫حتوالت اجتماعية واقتصادية كانت هي بداية الرأمساليةا وبعيارة أخرى‪ :‬هل كانات الرأمسالياة‬
‫نتيجااة للربوتسااتانتية‪ ،‬أم سااببا هلااا‪ ،‬أم حاادثا مساااوقا هلااا ترجااع أساابابه إىل عواماال أخاارىا لقااد‬
‫الحااظ إحلااز يف مقدمااة الطبعااة اإلحليزيااة لكتابااه (االشاكاكية الطوباويااة واالشاكاكية العلميااة)‬
‫املؤرخااة بعااام ‪ ،0382‬الحااظ أن العقياادة الكالفينيااة كاناات تسااتجيب حلاجيااات البورجوازيااة‬
‫األكثاار تقاادما آنئااذ‪.‬وما نظريتهااا يف القضاااء والقاادر إال تعبااري ديااين للحقيقااة الواقعيااة التاليااة‪،‬‬
‫وهي أنه يف عا املنافسة التجارية‪ ،‬يتوقف حا اإلنسان أو إخفاقه‪ ،‬ال على حذقه وفطنتاه‪،‬‬
‫بل على الظروف املستقلة اليت ختضع ملراقبته‪.‬فالعقيدة الكالفينياة ساذا االعتباار ليسات عاامال‬
‫يف قيااام الرأمساليااة‪ ،‬باال هااي نفسااها‪ ،‬ماان نتاااع الظااروف املوضااوعية االجتماعيااة واالقتصااادية‪،‬‬
‫ظروف نشأة الرأمسالية ذاهتا‪"210.‬‬
‫وبناء على ماسبق‪ ،‬يتضح لنا أن ماكس فيرب درس جمموعة من العقائد واألديان‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫املسيحية يف كتابه ( األيمق اكبر تسا ني ر ح اكرأسي كي )‪ ،‬واليهودية يف كتابه (اكيهود‬

‫‪ -‬حممد عابد اجلابري‪ :‬دن در س اكفلسف اكفتر اإلسمدا‪ ،‬دار النشر املغربية‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪،‬‬ ‫‪211‬‬

‫الطبعة األوىل سنة ‪2101‬م‪ ،‬ص‪.017:‬‬


‫‪ - 210‬حممد عابد اجلابري‪ :‬دن در س اكفلسف اكفتر اإلسمدا‪ ،‬ص‪.017:‬‬
‫‪193‬‬
‫اكبوم )‪ ،218‬والكونفشيوسية‬ ‫اكقد ي )‪ ،525‬واهلندوسية والبوذية يف كتابه (اكهند سي‬
‫والطاوية يف كتابه (اكتونفشيوسي اكط )‪...212‬وسذا‪ ،‬يكون ماكس فيرب قد أسس‪-‬‬
‫فعال‪ -‬سوسيولوجيا األديان نظرية وتطبيقا‪.‬‬
‫وقد كان فيرب على حق" عندما اعترب أن لبعض النماذع والتيارات الدينية آثارا ثورية يف‬
‫النظر إىل النظم االجتماعية القائمة‪ .‬إذ كانت بعض العقائد الدينية مبنزلة احملرك الرئيسي‬
‫للعديد من احلركات االجتماعية الرامية إىل اإلطاحة بأنظمة احلكم اجلائرة‪ ،‬كما حدث يف‬
‫حركات احلقوق املدنية اليت تزعمها مارتن لوثر كنغ يف الواليات املتحدة يف الستينيات‪،‬‬
‫‪211‬‬
‫والثورة اإلسالمية يف إيران يف الثمانينات من القرن املاضي‪".‬‬
‫وعليه‪ ،‬ترتكز سوسيولوجيا األديان ‪216‬عند ماكس فيرب على ثالثة تصورات جوهرية هي‪:‬‬
‫‪‬أثر األفكار الدينية يف األنشطة االقتصادية؛‬
‫‪‬العالقات املوجودة بني الكاتبية االجتماعية واألفكار الدينية؛ ‪‬اخلصائص املميزة‬
‫للحضارة الغربية‪.‬‬
‫كما أن اهلدف األساس من دراساته هو معرفة التطور الذي أصاب الثقافة الغربية والشرقية‪.‬‬
‫وقد توصل فيرب إىل أن األفكار املسيحية كان هلا تأثري إجيايب يف تطور االقتصاد الرأمسايل يف‬
‫أوروبا الغربية والواليات املتحدة األمريكية‪ .‬لكن ليست العوامل الروحية والدينية هي‬

‫‪252‬‬
‫‪- Max weber: Le Judaïsme antique (1917-1918), traduction par‬‬
‫‪Freddy Raphaël, Plon, 1970.‬‬
‫‪253‬‬
‫‪- Max weber: Hindouisme et Bouddhisme (1916), traduction par‬‬
‫‪Isabelle Kalinowski et Roland Lardinois, Flammarion, 2003.‬‬
‫‪254‬‬
‫‪- Max weber: Confucianisme et Taoïsme (1916), traduction par‬‬
‫‪Catherine Colliot-Thélène et Jean-Pierre Grossein, Gallimard, 2000.‬‬
‫‪ - 211‬أنتوب غدنز‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.131:‬‬
‫‪256‬‬
‫‪- Max weber: Sociologie des religions (choix de textes et‬‬
‫‪traduction par Jean-Pierre Grossein), Gallimard, 1996.‬‬
‫‪194‬‬
‫األسباب الوحيدة يف تطور االقتصاد‪ ،‬بل مثة عوامل أخرى‪ ،‬مثل‪ :‬العقالنية‪ ،‬والبحث‬
‫العلمي‪ ،‬وتقدم الرياضيات‪ ،‬وتقدم التعليم اجلامعي‪ ،‬ومتثل الشرعية السياسية والقانونية‬
‫واحلقوقية‪ ،‬واألخذ برو املقاولة أو املؤسسة‪ .‬واهلدف من هذا كله هو فهم احلضارة الغربية‬
‫الليربالية‪ ،‬ورصد سحر عاملها‪.‬‬

‫اكيطلب اكس دس‪ :‬اكصمة ظ هرة اجاي عي عند د رسيل دوس‬

‫يع ااد مارس اايل م ااوس (‪ (1872-1950)217 )Marcel Mauss‬املؤس ااس احلقيق ااي‬
‫لألنكوبولوجيااا الفرنسااية‪ .‬وقااد كااان مسااؤوال عاان قساام السوساايولوجيا الدينيااة‪ .‬وقااد تااأثر مااوس‬
‫(‪ )Mauss‬بنميل دوركامي يف دراسة الظواهر الدينية‪ ،‬باالعتماد على املقكب السوسايولوجي‬
‫يف" دراسااة يكملهااا خصصااها لدراسااة ظاااهرة الصااالة‪ ،‬وقااد عمااد إىل الدراسااة الوراثيااة أو‬
‫التطوريااة الاايت تقااوم علااى تتبااع الظاااهرة يف تسلساالها التااارخيي‪ ،‬وذلااك كطريااق وحيااد للوقااوف‬
‫‪213‬‬
‫على حقيقتها وأصوهلا وكيفية تطورها‪".‬‬
‫ويعااين هااذا أن الصااالة هلااا أمهيااة كااربى يف احلياااة الدينيااة لإلنسااان‪ ،‬فهااي الاايت تقربااه ماان اهلل‪.‬‬
‫وهااي كااذلك وساايلة وواسااطة للتعبااري عاان مشاااعر اإلنسااان جتاااه املعبااود‪.‬ومن هنااا‪ ،‬فالصااالة‬
‫عبارة عن خطاب لغوي يعرب عن أفكار اإلنساان ومعتقداتاه ومشااعره‪.‬ويعين هاذا أن الصاالة‬
‫فعل وسلوك طقوسي لغاوي بامتيااز‪ .‬كماا أن الصاالة ممارساة ساردية كالمياة مليئاة بالادالالت‬
‫واملعاااب الرمزيااة مثاال األسااطورة‪ .‬وبالتااايل‪ ،‬فالصااالة هااي عالمااة أسااطورية ورمزيااة وس اايميائية‬
‫حتمل دالالت عقائدية ودينية ثرة‪ .‬والصالة كذلك جزء مان العباادة‪ ،‬علاى أساس أن الصاالة‬
‫عبااارة عاان أق اوال وأفعااال وحركااات ساالوكية دينيااة وروحانيااة‪ ،‬مرتبطااة بع اوا فااوق طبيعيااة‪ ،‬إمااا‬
‫‪257‬‬
‫‪- Marcel Mauss (1909), « La prière. » Texte extrait de La prière.‬‬
‫‪Paris: Félix Alcan, Éditeur, 1909, pp. 3 à 175.‬‬
‫‪ - 213‬حممد حممد أمزيان‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.33:‬‬
‫‪195‬‬
‫ذهنية وعقلية‪ ،‬وإماا انفعالياة وجدانياة‪ ،‬وإماا حساية جسادية‪ .‬وتتخاذ الصاالة طابعاا فردياا مان‬
‫جهة‪ ،‬أو طابعا مجاعيا من جهة أخرى‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فالصالة مبثابة طريق روحاب يوصل إىل اهلل‪ ،‬وانتقال من املدنس (العاا الادنيوي) إىل‬
‫املق اادس (الع ااا األخ ااروي)‪ ،‬ع اارب ترتي اال اآلي ااات الديني ااة‪ ،‬أو ممارس ااة جمموع ااة م اان الطق ااوس‬
‫االحتفالية للتقرب من املعبود‪ .‬وختضع الصالة جملموعة من القواعد الدينياة حساب كال دياناة‬
‫علااى حاادة‪ .‬وتتطلااب نوعااا ماان الككيااز الااذهين والروحاااب والشااعوري‪.‬لذا‪ ،‬فهاادف مارساايل‬
‫مورس هو تتبع تطور الصالة تارخييا‪ ،‬واستعراض خمتلف التصورات والنظريات حول الصاالة‪،‬‬
‫وربطهااا بااالتغريات اجملتمعيااة‪ ،‬ضاامن مقااكب سوساايولوجي‪.‬ومن مث‪ ،‬تعااد الصااالة عنااد مااوس‬
‫ظاااهرة اجتماعيااة علااى غارار ماذهااب إليااه إمياال دوركااامي‪ ،‬وليساات ظاااهرة روحانيااة فرديااة‪.‬ومن‬
‫مث‪ ،‬تتخااذ الصااالة بعاادا اجتماعيااا ماان خااالل مضااامينها وأشااكاهلا‪.‬فثمة ماااهو مشااكك بااني‬
‫اجلمي ااع م اان حي ااث املعتق اادات واألقا اوال واحلرك ااات واملمارس ااات الطقوس ااية‪ .‬ويع ااين ه ااذا أن‬
‫الصااالة نتاااع اجملتمااع والعالقااات االجتماعيااة القائمااة بااني الناااس‪ .‬عااالوة علااى ذلااك‪ ،‬تتخااذ‬
‫الصااالة طابعااا اجتماعيااا‪ .‬وماان مث‪ ،‬فهااي عبااارة عاان تقليااد مجاااعي وجمتمعااي‪ ،‬حتقااق التضااامن‬
‫واالستقرار والتوازن اجملتمعي‪.‬كما أهنا مبثابة تعاقد جمتمعي أو عبارة عن أوامار تنفاذ مان جيال‬
‫إىل آخر‪ ،‬والدليل على ذلك أن اآلباء يطالبون أبناءهم بتطبيق تلك األوامر وتنفيذها‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فالصالة عند مارسيل موس ظاهرة اجتماعية ومجاعياة‪ ،‬وهاي نتااع العالقاات اجملتمعياة‬
‫املعقدة واملركبة‪.‬‬

‫‪196‬‬
‫اكيطلب اكس بع‪ :‬ر برت بيم اكد ن اكيدنا‬

‫يارى ر بـرت بـيم (‪ 218)Robert N. Bellah‬أن التقاديس قاد يتجااوز مااهو غيايب‬
‫وروح اااب وعقائ اادي ليتخ ااذ طابع ااا م اادنيا‪ ،‬كم ااا يف الوالي ااات املتح اادة األمريكي ااة‪ ،‬فتنص اايب‬
‫ال ارئيس‪ ،‬بطقوسااه االحتفاليااة‪ ،‬ومراساايمه الزاهيااة‪ ،‬نااوع ماان التقااديس غااري الضاامين‪ .‬كمااا أن‬
‫اإلشااادة بضااحايا احلااروب والزعماااء هااو نااوع ماان التبجياال والتقااديس والتعظاايم املبااالغ فيااه‪.‬‬
‫ويتجل ااى ه ااذا واض ااحا يف ال اادول املس ااتبدة والدكتاتوري ااة‪ ،‬حي ااث يتح ااول الا ارئيس إىل أيق ااون‬
‫للعبادة والتقديس والتربك‪ ،‬ولو باستخدام القوة‪ ،‬وجتويع الشعب وتركيعاه وإذاللاه‪ .‬ويعاين هاذا‬
‫أن املقاادس قااد يتجاااوز مااا هااو ديااين إىل ماااهو ماادب‪ .‬وماان هنااا‪ ،‬ميكاان احلااديث عاان الاادين‬
‫املادب‪ .‬ويف هاذا يقااول جاون سااكوت (‪ ":)Skott‬ساعى روبارت باايال ( ‪Robert N.‬‬
‫‪ )Bellah‬وراء هذه الفكرة (املقدس) يف كتابه حول ما أمسااه (اكـد ن اكيـدنا) يف أمريكاا‪.‬‬
‫حيث هو جمموعة من املعتقدات واملمارساات والقايم مكرساة يف اجملتماع األمريكاي‪ ،‬مان دون‬
‫اعتم اااد عل ااى الدول ااة أو املؤسس اة الديني ااة‪.‬فالطقوس السياس ااية هل ااذا ال اادين امل اادب‪ ،‬م اان قبي اال‬
‫مراساام تنصاايب الارئيس‪ ،‬وتكاارمي ماان ضااحى بروحااه‪ ،‬واالحتفاااء باملنتصارين‪ ،‬تشاامل مااا يشاابه‬
‫االبتهااال والتوساال إىل رمااوز وأساااطري مقدسااة مبااا متثلااه ماان قاايم مشااككة‪ .‬وعلااى العكااس ماان‬
‫دوركااامي‪ ،‬يؤكااد باايال وغااريه ماان علماااء االجتماااع املعاصارين إمكانيااة أن تكااون تلااك الطقااوس‬
‫حمرك ااا للعص اايان االجتم اااعي‪ ،‬متام ااا كم ااا ه ااي حم اارك حن ااو التماس ااك االجتماعي‪.‬ف ااالطقوس‬
‫واألساااطري والرمااوز املقدسااة ليساات باملعطاااة فحسااب‪ ،‬باال ماان املمكاان أن يااتم التالعااب سااا‬
‫طلبا لتحقيق أجندة سياسية معينة‪ ،‬من قبيل متجيد الديكتاتور‪ ،‬أو شن محلاة ألجال احلقاوق‬

‫‪259‬‬
‫‪- Robert N. Bellah:( Civil Religion in America), An article reprinted‬‬
‫‪by permission from the Journal of the American Academy of Arts‬‬
‫‪and Sciences, Winter 1967.‬‬
‫‪197‬‬
‫املدنية‪.‬وق ااد كان اات هل ااا أمهيته ااا يف الثقاف ااة السياس ااية لالحت اااد الس ااوفيايت الس ااابق وغ ااريه م اان‬
‫‪261‬‬
‫األنظمة السياسية اليت تكن تعكف ‪ -‬رمسيا ‪ -‬بالدين‪".‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬فالدين نوعان‪ :‬دين ألوهي واعتقادي وطقوسي‪ ،‬ودين مادب يتعلاق بنظاام سياساي‬
‫وحضاري معني‪.‬‬

‫اكيطلب اكث دن‪ :‬طمل أسد سلط اكد ن‬

‫يعد طالل أسد (‪ )-0882( )Talal Asad‬من أهم الباحثني األنكوبولوجيني‬


‫النمساويني الذين حيملون جنسيات متعددة‪ .‬ويعد الباحث من أهم املنتقدين للحضارة‬
‫الغربية يف إطار نظرية ما بعد االستعمار إىل جانب إدوارد سعيد وآخرين‪ .‬وقد كرس‬
‫دراساته ملناقشة قضايا دينية وثقافية تتعلق باإلسالم واملسيحية‪ .‬وقد تأثر كثريا بأفكار‬
‫فريدريك نيتشه وميشيل فوكو‪ .260‬ومن أهم مؤلفاته (أصول اكد ن‪ :‬أسب إ اكقوة‬
‫انضب طه فا اإلسمد اكيسي ي )‪.‬‬
‫يثبت طالل أسد مدى صعوبة تعريف الدين على غرار ماكس فيرب الذي أعلن أنه لن‬
‫يعرف الدين إال حني انتهائه من كتابه الذي خصه للعالقة القائمة بني الربتستانتية‬
‫والرأمسالية‪ .‬ويف آخر املطاف‪ ،‬يقدم فيرب أي تعريف للدين‪ .‬ومن مث‪ ،‬يستمد طالل أسد‬
‫مفهوم السلطة من مشيل فوكو ليعلن أن الدين مكون أساسي لتثبيت السلطة وتقويتها‪.‬‬
‫كما أن الدين ميارس سلطته وسيطرته على باقي التجمعات الدينية األخرى‪ .‬ومن مث‪ ،‬فهذه‬
‫السلطة الدينية هي اليت تضفي الشرعية على الزائف والباطل والكاذب‪ ،‬ومتارس اإلقصاء‬

‫‪ - 261‬جون سكوت‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.211:‬‬


‫‪261‬‬
‫‪- Talal Asad: Genealogies of Religion: Discipline and Reasons‬‬
‫‪of Power in Christianity and Islam. The Johns Hopkins University‬‬
‫‪Press, 1993‬‬
‫‪198‬‬
‫واالنتقاء‪ ،‬ومتارس قوهتا يف منع الشعائر املضادة هلا‪ .‬ويف هذا‪ ،‬يقول جون سكوت‪":‬على‬
‫وترية موقف فيرب الالماهوي نفسها‪ ،‬يرفض طالل أسد تعريفات الدين اليت تتعامل معه على‬
‫أنه ثابت يف كل الثقافات والفكات التارخيية‪ .‬وهو يستند إىل ميشيل فوكو يف رؤيته أن الدين‬
‫مكون رئيسي يف الصياغات االستطرادية للسلطة‪ :‬فهو مكون اجتماعي يفيد يف إضفاء‬
‫الشرعية على الفوارق بني املزاعم الصادقة وتلك الزائفة‪ .‬كالفوارق بني الدين احلقيقي والفرق‬
‫الدينية الزائفة‪ ،‬وبني املعجزات واحليل‪ ،‬وبني املسيحية احلقة وتلك االمسية‪ .‬واهتمت األمم‬
‫بتلك الفوارق بغرض حتديد مدى احلقوق اليت متنحها انتقائيا إىل خمتلف التجمعات الدينية‬
‫الواقعة حتت سيطرهتا‪ .‬فنجد أن اهليئة الدينية داخل السجون الربيطانية تعترب أن طوائف‬
‫الساينتولوجي وأمة اإلسالم والرساتافارينية أديان ال ميكن السما سا‪.‬وبالتايل‪ ،‬الحيق‬
‫للمسجونني ممارسة تلك املعتقدات‪.‬أما يف أملانيا‪ ،‬فاألديان املعكف سا تتمتع مبميزات‬
‫قانونية؛ وهو ما ال تتمتع به شهود يهوه وال الساينتولوجي‪.‬وميكن تفسري هذه املقاربة‬
‫األملانية من خالل املاضي النازي‪ ،‬حيث حيوي الدستور جمموعة من األحكام اليت صيغت‬
‫‪262‬‬
‫بغرض منع احلركات الفاشية من ختريب املؤسسات الدميقراطية‪".‬‬
‫وهكذا‪ ،‬يلبس طالل أسد الدين ثوب السلطة والقوة يف ممارسة سيطرته على مجيع اهليئات‬
‫الدينية والسياسية واالجتماعية‪ ،‬وإن كانت تلك السلطة باسم الوهم والزيف واالنتقاء‬
‫واإلقصاء وتغريب اآلخرين‪.‬‬

‫‪ - 262‬جون سكوت‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.216:‬‬


‫‪199‬‬
‫اكيطلب اكا سع‪ :‬اكد ن تيبير اجاي عا عن اكخوف اكيجز اكهر إ‬

‫يف منظوري الشخصي‪ ،‬أميز بني الدين اإلسالمي باعتباره عقيدة وشريعة ربانية مثالية‪،‬‬
‫التشوبه شائبة‪ ،‬وبعيد عن املقايسات البشرية الدنيوية أو التصورات اإليدولوجية‪ .‬وبالتايل‪،‬‬
‫فهو متعال عن اإلنسان‪ ،‬والزمان‪ ،‬واملكان‪ .‬وميتاز هذا الدين باالحكام والتبجيل والقدسية‬
‫اخلاصة‪ .‬ومثة دين آخر هو الدين الدنيوي واجملتمعي ختلقه مجاعات معينة من األفراد‪ ،‬يف‬
‫سياقات معينة‪ .‬وقد يكون هذا الدين كذلك جمرد تأويل وتفسري للدين السماوي األول‪،‬‬
‫وفهم بشري وجمتمعي له‪ ،‬وفق تصورات جمتمعية معينة‪ .‬ويعين هذا كله أن اجملتمع قد خيلق‬
‫دينه اخلاص للتعبري عن اخلوف والعجز واهلروب باملفهوم االجتماعي‪ .‬ويقصد باخلوف أن‬
‫هناك نوعا من اخلوف اجلمعي والالشعوري من الطبيعة‪ ،‬وأيضا من سلطة الدولة وقهرها‬
‫وجورها وعسفها‪ ،‬وكذلك من مثبطات الواقع ومشاكله وصعوباته ووضعياته املعقدة‪ .‬مبعىن‬
‫أن هناك فوبيا اجتماعية من القدر‪ ،‬ومن الواقع‪ ،‬ومن سلطة الدولة وشططها واستبدادها‪.‬‬
‫لذلك‪ ،‬يتولد اخلوف عند الناس‪ ،‬سواء أكان خوفا ذاتيا أم خوفا واقعيا موضوعيا‪ .‬ومن مث‪،‬‬
‫تصبح حياة اجلماعة عبارة عن خوف دائم‪ ،‬وفوبيا مستمرة بطريقة مجاعية‪ .‬ومن هنا‪،‬‬
‫يلتجىء الناس إىل الدين لنسيان خوفهم أو إزالته أو االطمئنان على أنفسهم‪ ،‬أو للبحث‬
‫عن خالص أو مالذ آخر‪ .‬وعندما تعجز اجلماعة عن حتقيق رغباهتا وحاجياهتا‪ ،‬أو تقف‬
‫عاجزة عن تغيري واقعها‪ ،‬أو تفشل يف مواجهة السلطة القاهرة أو املستبدة‪ ،‬ختلق دينها‬
‫اجلمعي‪ ،‬أو تلتجىء إليه لتستمد منه القوة املادية واملعنوية‪ .‬فتستحضر املقدس أو العلوي أو‬
‫األخروي ملواجهة الدنيوي املدنس‪ ،‬وحتدي القوى املتغطرسة أو املستغلة‪ .‬ويعين هذا أن‬
‫الدين تعبري رمزي وسيميائي عن اخلوف من جهة‪ ،‬وتعبري عن اإلحساس بالعجز اجلماعي‬
‫من جهة أخرى‪ .‬وأكثر من هذا يصبح الدين نوعا من اهلروب من الذات والواقع‪ ،‬وقد‬
‫يكون ذلك اهلروب من املدنس حنو املقدس رغبة يف التسامي والتعايل والتحرر من ضغوط‬

‫‪200‬‬
‫اجملتمع‪ ،‬والتخلص من قهر السلطة وبطشها وعنفها الرمزي‪ .‬وقد يكون اهلروب كذلك من‬
‫دين السلطة وأفيوهنا املستلب‪.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬نتوصل إىل أن الدين‪ ،‬كما ميارس جمتمعيا من قبل األفراد واجلماعات‪ ،‬ظاهرة‬
‫اجتماعية بامتياز‪ ،‬مادام اجملتمع هو الذي خيلق هذا الدين بتلك الطقوس والتعاليم‬
‫واملمارسات واالعتقادات‪ .‬ويعين هذا أن اجملتمع قد يؤول الدين انطالقا من قناعاته ليحقق‬
‫نوعا من التوازن الداخلي واخلارجي‪ .‬لكن هذا الدين هو تعبري عن ثالث حاالت جمتمعية‬
‫هي‪ :‬اخلوف‪ ،‬والعجز‪ ،‬واهلروب‪.‬‬

‫اكيب ث اكخ دس‪ :‬اكاص ــور اكينه ــجا‬

‫ميكن أن يستعني علم اجتماع األديان باملناهج الكمية ( ‪Les méthodes‬‬


‫‪ )quantitatives‬من جهة‪ ،‬أو باملناهج الكيفية ( ‪Les méthodes‬‬
‫‪ )qualitatives‬من جهة أخرى‪ ،‬أو سما معا‪.‬‬

‫اكفرع األ ل‪ :‬اكين هــج اكتيي ـ‬

‫يتوسل الباحث‪ ،‬يف سوسيولوجيا األديان‪ ،‬بالدراسات الكمية القائمة على الدراسات‬
‫الوضعية والعلمية القائمة على التعداد‪ ،‬والقياس‪ ،‬واإلحصاء‪ ،‬والرياضيات‪ ،‬والفيزياء‪ ،‬بغية‬
‫وصف الظواهر الدينية والطقوسية والعقائدية وتفسريها وتأويلها‪ ،‬واستشراف النتائج‬
‫املستقبلية اعتمادا على تلك املعطيات العلمية املعطاة‪ .‬كما يستند املنهج الكمي أيضا إىل‬
‫التحاليل التجريبية واالستقرائية واالستقصائية‪ ،‬باستخدام الرياضيات واإلحصاء الوصفي‬
‫واالستنتاجي‪ ،‬واالعتماد على استطالعات الرأي‪ ،‬ومتثل التحليل الدميغرايف واجلغرايف‪،‬‬

‫‪201‬‬
‫واالستعانة باجلداول واخلرائط واألشكال اهلندسية واملبيانات واملنحنيات والدوائر وأنصاف‬
‫الدوائر واألسطوانات القياسية‪ ،‬واستخدام الروائز االجتماعية القائمة على املعطيات الرقمية‬
‫واإلحصائية‪... ،‬‬
‫وهكذا‪ ،‬فاملناهج الكمية‪ ،‬يف جمال سوسيولوجيا األديان‪ ،‬هي اليت تعتمد على العد والقياس‬
‫واستخدام األرقام واألشكال اهلندسية يف معاجلة الظواهر الدينية وتفسريها والتنبؤ باملستقبل‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬فالبحث الكمي يستخدم اللغة الرقمية‪ ،‬ويرتكز على احلسابات الدقيقة‪ ،‬ويصنف‬
‫املعطيات‪ ،‬وحيدد خصائص الظاهرة الدينية‪ ،‬ويبين النماذع والربديغمات اإلحصائية لتفسري‬
‫ما هو مالحظ ومرصود يف الواقع املشخص‪.‬‬

‫اكفرع اكث نا‪ :‬اكين ه ــج اكتيفيـ ـ‬

‫يعتمد الباحث‪ ،‬يف بناء موضوعه السوسيولوجي املتعلق مبمارسة دينية أو معتقد طقوسي‬
‫وأخالقي‪ ،‬على جمموعة من املناهج الكيفية اليت تبتعد عن املقاييس الكمية واإلحصائية‬
‫والرياضية والفيزيائية‪ ،‬كاالستعانة باملالحظة املباشرة‪ ،‬وتوظيف االستمارة بأسئلتها املغلقة‬
‫واملفتوحة‪ ،‬وإحاز حبوث تقريرية موثقة‪ ،‬والنزول إىل امليدان‪ ،‬وإجراء مقابالت حوارية‪ ،‬وتنظيم‬
‫ندوات ولقاءات مباشرة وغري مباشرة‪ ،‬واالشتغال يف فرق مركزة ضمن خمتربات ومراكز‬
‫معينة‪ ،‬قصد مجع املعلومات والبيانات واملعطيات وتوثيقها وأرشفتها‪ ،‬واالستعانة بدراسة‬
‫احلالة‪ ،‬أو حتليل املضمون‪ ،‬أو حتليل املواد التارخيية والوثائقية‪ ،‬ودراسة السري والوثائق‬
‫وحتقيقها وأرشفتها‪ ،‬أو اللجوء إىل مفهوم املعايشة أو املشاركة اإلثنوغرافية أو األنكوبولوجية‪،‬‬
‫واالستعانة باإلعالميات واحلواسيب والكومبيوتر يف إحاز البحوث وكتابة التقارير الوصفية‬
‫أو التفسريية أو التأويلية‪.‬‬

‫‪202‬‬
‫عالوة على ذلك‪ ،‬ميكن للباحث أن يلتجىء إىل التاريخ لرصد تطور الظاهرة الدينية‪ ،‬وتتبع‬
‫صريورهتا بنية وداللة ووظيفة‪ ،‬أو متثل طريقة املقارنة ملعرفة أوجه التشابه واالختالف بني‬
‫العقائد واألديان املختلفة‪ ،‬كأن نقارن بني األديان السماوية الثالثة‪ ،‬أو نقارن هذه األديان‬
‫بالديانات الطوطمية أو األخالقية (الطاوية‪ ،‬والبوذية‪ ،‬واهلندوسية‪ ،‬والسيخية‪،‬‬
‫والكونفوشيوسية)‪.‬ومن جهة أخرى‪ ،‬ميكن االستعانة باإلثنولوجيا واألنكوبولوجيا لفهم كثري‬
‫من الظواهر الدينية وتفسريها وتأويلها‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فاملناهج الكيفية‪ ،‬يف سوسيولوجيا األديان‪ ،‬هي اليت تعتمد على البيانات الشفوية‬
‫أواملعطيات اللفظية‪ ،‬ومجع املعطيات وتدوينها وقراءهتا وفق مقاربات تأويلية ذاتية أو‬
‫انطباعية أو تشخيصية‪ .‬ومن هنا‪ ،‬فاهلدف هو وصف موضوع البحث بطريقة كلية شاملة‬
‫أو مفصلة‪ ،‬ضمن سياق حتليل استكشايف‪.‬‬

‫يمص اكقول‪ ،‬إذا كان بعض الباحثني يف جمال علم اجتماع األديان‪ ،‬يعتمدون على‬
‫املناهج الكمية‪ ،‬فهناك من يعتمد على املناهج الكيفية‪ ،‬وهناك من يزاوع بني املناهج‬
‫الكمية والكيفية على حد سواء‪ ،‬سدف وصف الظاهرة الدينية وتفسريها وتأويلها‪ ،‬وتتبع‬
‫مسارها التارخيي‪ ،‬ومقارنتها مبختلف الظواهر األخرى حبثا عن املتشابه واملختلف‪.‬‬

‫يمص اكقول‪ ،‬نستنتج‪ ،‬مما سبق قوله‪ ،‬أن علم اجتماع األديان هو دراسة املمارسات‬
‫واألنشطة واالحتفاالت والطقوس والعبادات واملعتقدات الدينية يف ضوء املقاربة‬
‫السوسيولوجية‪ .‬وميكن تعريفه أيضا بأنه دراسة الظواهر والوقائع واملمارسات الدينية‪ ،‬ليس‬
‫على أساس أهنا ظواهر فردية أو غيبية أو أفكار الهوتية خرافية وأسطورية‪ ،‬بل على أساس‬
‫أهنا ظواهر جمتمعية‪ .‬فالدين هو نتاع اجملتمع أو هو اجملتمع نفسه‪ .‬والدليل على ذلك أن‬
‫مجيع الكاتيل الدينية واملمارسات االحتفالية واألفعال الطقوسية تعرب عن التحام جمتمعي‪ ،‬أو‬

‫‪203‬‬
‫حتمل دالالت اجتماعية ثرة‪ ،‬تعكس مدى ترابط اجملتمع وتضامنه واحتاده ماديا ومعنويا‪.‬‬
‫كما يدل ذلك على توازن املؤسسة اجملتمعية ومتاسكها وانسجامها‪.‬‬
‫أضف إىل ذلك أن الدين مؤسسة اجتماعية‪ ،‬مثل باقي املؤسسات األخرى‪ ،‬ينصهر فيها‬
‫أفراد أو مجاعات ضمن سياق اجتماعي معني‪ ،‬بداللة حمددة‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬حياول‬
‫علم اجتماع األديان أن يبحث عن التأثري الذي ميارسه الدين يف اجملتمع‪ ،‬والعكس صحيح‬
‫أيضا‪ .‬كما يبحث عن الشروط االجتماعية النتشار األديان يف اجملتمعات املختلفة‪ ،‬مع‬
‫الككيز على اجلماعة الدينية باعتبارها جزءا من اجملتمع‪ ،‬ورصد ظروف تكوهنا وتشكلها‪،‬‬
‫وتبيان اآلليات اليت تتحكم يف تأسيسها وانتشارها وتطورها وتوسعها‪ ،‬وحتديد أمناط الفعل‬
‫والسلوك اليت تدعمها أو ترفضها‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬وقد مرت الظاهرة الدينية مبراحل عدة‪ ،‬منها‪ :‬مرحلة الطقوس واالحتفاالت التقليدية‬
‫اليت كانت تعرب عن االنتقال من املدنس إىل املقدس‪ ،‬كما يظهر ذلك جليا يف الطوطم‪،‬‬
‫واملانا‪ ،‬والطابو‪ .‬وبعد ذلك‪ ،‬ظهرت األديان السماوية الكربى‪ ،‬مثل‪ :‬اليهودية‪ ،‬واملسيحية‪،‬‬
‫واإلسالم‪ .‬وأعقبتها ديانات أخالقية يف جنوب شرق آسيا‪ ،‬مثل‪ :‬الكونفوشيوسية‪ ،‬والبوذية‪،‬‬
‫والطاوية‪ ،‬واهلندوسية‪...‬‬
‫ويالحظ أن هناك ديانات تنتشر‪ ،‬وديانات تتقلص‪ .‬ومن ناحية أخرى‪ ،‬هناك تدين ملحوظ‬
‫يف مناطق وبلدان معينة‪ ،‬وإحلاد وكفر وعلمانية دينية يف مناطق أخرى‪ .‬واليوم‪ ،‬أصبح‬
‫احلديث عن كثري من الظواهر الدينية الشاذة‪ ،‬مثل‪ :‬انتشار الفكر األصويل املتشدد‪ ،‬وتزايد‬
‫التطرف واإلرهاب‪ ،‬واضطهاد األقليات الدينية‪ ،‬وصراع احلضارات باسم الدين‪ ،‬وتكاثر‬
‫اإلحلاد يف الدول املسيحية مع انتشار الثراء املادي‪ ،‬واإلحساس بالفراغ الروحي‪ ،‬وهيمنة‬
‫العلمانية على أنظمة احلكم‪ ،‬والسيما يف الدول الغربية اليت تؤمن بالعلم والتقنية والوضعية‬
‫اجلديدة‪.‬‬
‫ومثة منظورات خمتلفة ومتنوعة يف إطار سوسيولوجيا األديان‪ ،‬سواء أكانت كالسيكية أم‬
‫معاصرة‪ ،‬كما يبدو ذلك جليا عند كل من‪ :‬إميل دوركامي)‪ ،(E.Durkheim‬وأوجست‬

‫‪204‬‬
‫كونت (‪ ،)A.Comte‬وماكس فيرب(‪ ،(Max Weber‬ومارسيل‬
‫موس)‪ ،(M.Mauss‬ولودفيغ فيورباخ)‪ ،(Ludwig Feuerbach‬وكارل‬
‫وألكسيس‬ ‫أحلز)‪،(F.Engeles‬‬ ‫وفردريك‬ ‫ماركس(‪،)Marx‬‬
‫توكفيل)‪ ،(A.Toqueville‬وبيك بريجر (‪ ،)Peter Berger‬وأوليفيي‬
‫روي(‪ ،)Olivier Roy‬وراميون بودون(‪ ،)R.Boudon‬وروبرت بيال( ‪Robert‬‬
‫‪ ،)N. Bellah‬وتوماس لوكمان(‪ ،)Thomas Luckmann‬ورودب‬
‫ستارك(‪ ،)Rodney Stark‬وويليام سيمس بانربيدع ( ‪William Sims‬‬
‫‪ ،)Bainbridge‬وروبرت واثناو(‪ ،)Robert Wuthnow‬وكريستيان مسيث‬
‫(‪ ،)Christian Smith‬وبريان ويلسون (‪...)Bryan R. Wilson‬‬

‫‪205‬‬
‫اكفصل اكس بع‪:‬‬

‫سوسيوكوجي األدإ اكنقد‬

‫يعد علم اجتماع األدب ( ‪ )Sociologie de la littérature‬فرعا من فروع‬


‫علم االجتماع العام‪ .‬ويهتم هذا التخصص بدراسة الظواهر األدبية والفنية واجلمالية يف‬
‫ضوء املقاربة السوسيولوجية‪ ،‬باستخدام املنهجية الكمية من جهة‪ ،‬أو املنهجية الكيفية من‬
‫جهة أخرى‪ ،‬أو مها معا‪ .‬ويعين هذا أن األدب يعكس اجملتمع‪ ،‬أو هو مبثابة مؤسسة‬
‫جمتمعية كباقي املؤسسات األخرى اليت هلا دور هام داخل النسق االجتماعي الوظيفي‪ .‬ومن‬
‫مث‪ ،‬فاألدب له تأثري كبري يف اجملتمع‪ .‬كما للمجتمع تأثريه اخلاص يف األدب‪.‬إذا‪ ،‬هناك‬
‫عملية تأثري وتأثر متبادلة‪ .‬ومن مث‪ ،‬فاألدب هو نتاع بيئة املبدع وظروفه السياسية‬
‫واالقتصادية واالجتماعية والثقافية والدينية واحلضارية‪ .‬وهو كذلك إفراز من إفرازات احلياة‬
‫اجملتمعية القائمة على التناقضات اجلدلية‪ ،‬والصراع الطبقي‪ ،‬والتفاوت االجتماعي‪ .‬وبالتايل‪،‬‬
‫يعرب األدب عما هو جمتمعي‪ .‬مبعىن أن األدب وثيقة اجتماعية صادقة‪ ،‬تستجلي كل الوقائع‬
‫واألحداث اليت يعرفها اجملتمع‪ ،‬ويعرب عنها املبدع بأسلوبه الفين والبالغي اجلميل‪ .‬وأكثر من‬
‫هذا فاألدب هو سجل جمتمعي يلتقط تفاصيل احلياة اليومية والواقعية‪ ،‬بكل جزئياهتا‬
‫املختلفة واملتنوعة‪ ،‬إما بطريقة انعكاسية مباشرة‪ ،‬وإما بطريقة ضمنية قائمة على التماثل‪.‬‬
‫إذا‪ ،‬ما مفهوم علم اجتماع األدبا وما أهم حمطاته التارخييةا وما روافدها وما أهم‬
‫اجتاهاتها وما أهم تصوراته النظرية واملنهجيةا وما واقع سوسيولوجيا األدب يف الساحة‬
‫الثقافية والنقدية العربية احلديثة واملعاصرةا‬

‫‪206‬‬
‫هذا ماسوف نرصده يف فصلنا هذا الذي عنوناه با(سوسيوكوجي األدإ اكنقد)‪ ،‬على‬
‫أساس أن علم اجتماع األدب ختصص سوسيولوجي مهم لدراسة الظواهر األدبية والفنية‬
‫واجلمالية واإلبداعية‪ ،‬يف ضوء النظريات واملقاربات واملنظورات السوسيولوجية املختلفة‪ ،‬بغية‬
‫مقاربة األنساق االجتماعية اليت تتحكم يف اآلداب فهما وشرحا وتفسريا وتأويال‪.‬‬

‫اكيب ث األ ل‪ :‬تير ف سوسيوكوجي األدإ‬

‫يرتكن املنهج االجتماعي إىل حتليل األدب يف ضوء سياقه الواقعي بكل معطياته السياسية‬
‫واالقتصادية واالجتماعية والثقافية والتارخيية والدينية واإليديولوجية‪ ،‬بربط اإلبداع األديب‬
‫والفين بواقعه االجتماعي بطريقة مباشرة أو غري مباشرة‪.‬‬
‫و من املعروف أن الظواهر الفنية واجلمالية هي وقائع تارخيية‪ ،‬حيث يتكفل علم التاريخ‬
‫بتحقيبها وفهمها ووصفها وفق الصريورة الزمنية والدياكرونية‪ ،‬بينما علم االجتماع يتوىل‬
‫فهمها وشرحها وتفسريها وتأويلها يف ضوء املقكب السوسيولوجي كما وكيفا‪ .‬وهكذا‪،‬‬
‫اعتربت الظواهر األدبية بىن فوقية‪ ،‬تتحكم فيها البىن السفلية اليت تتمثل يف وسائل اإلنتاع‪،‬‬
‫والظروف السوسيو إقتصادية والتارخيية والثقافية‪ .‬وبالتايل‪ ،‬فاألدب والفن معا يعكسان‬
‫دائما‪ ،‬بطريقة مباشرة أو غري مباشرة‪ ،‬خمتلف التحوالت والتغريات االجتماعية‪ ،‬كأن األدب‬
‫مرآة تعكس لنا كل العناصر املتحركة يف اجملتمع‪ ،‬ديناميكية كانت أم ستاتيكية‪« .‬إن األدب‬
‫هو بالتأكيد "فن التعبري" عن التجارب البشرية وفق شروط أدبية معينة‪ .‬وال نقصد بالشروط‬
‫األدبية ‪ -‬هنا‪ -‬معناها امليتافيزيقي الواسع‪ .‬إمنا نقصد به تلك الشروط اليت ختضع هلا اآلثار‬
‫الفنية يف مرحلة تارخيية معينة‪ .‬فاآلثار اليت ال ختضع هلذه الشروط األدبية ال تعترب فنا بكل‬
‫ما حتمله هذه اللفظة من معىن إبداعي وإنساب‪ ،‬فال يصبح األثر فنا إال إذا فهمناه فنا‬

‫‪207‬‬
‫مشروطا بشروط مجالية‪ ،‬وتارخيية معينة‪ .‬وبناء على ذلك ينبغي أن نؤكد ‪ -‬أوال‪ -‬على أن‬
‫‪268‬‬
‫كل شرط أديب ال بد أن يكون مرتبطا مبراحل تارخيية وثقافية معينة »‬
‫وبناء على هذا‪ ،‬حتتوي النظرية األدبية‪ ،‬يف تصوراهتا الفكرية واإلجرائية‪ ،‬جوانب‬
‫سوسيولوجية معينة‪ ،‬ما دامت تسعى‪ ،‬يف فهمها للبنية اجلمالية‪ ،‬إىل استقراء الظروف‬
‫التارخيية واالجتماعية واالقتصادية والسياسية والبيوغرافية للمبدع‪ .‬وهكذا‪ ،‬فنن األعمال‬
‫القيمة يف اجملال األديب غنية بالقيم التارخيية واإلنسانية اليت كان يزخر سا اجملتمع الذي‬
‫كانت تعرب عنه‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬يقصد بسوسيولوجيا األدب التعامل مع الظواهر والوقائع األدبية تعامال اجتماعيا‬
‫فهما وتفسريا وتأويال‪ ،‬بربط األدب باملؤسسات االجتماعية‪ ،‬ودراسة اإلبداعات الفنية‬
‫واجلمالية يف ضوء سياقها اجملتمعي‪ ،‬ورصد خمتلف العالقات املباشرة وغري املباشرة اليت تصل‬
‫األدب باجملتمع‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬هتدف سوسيولوجيا األدب والنقد إىل" ممارسة قراءة ذات طابع‬
‫خصوصي إزاء النص األديب‪ ،‬حتكم استقالليته باعتباره شكال مجاليا‪ ،‬ويف الوقت نفسه‪،‬‬
‫تنصت إىل الطرائق اليت بواسطتها يتضمن هذا الشكل مايربطه بشكل آخر أو باآلخر‬
‫االجتماعي‪ .‬فاألمر ‪ -‬إذا‪ -‬يتعلق بالقيام سذه املمارسة‪ ،‬شريطة أال يتدخل أي نظام‬
‫خارجي ليفرض أي انزيا عن فهم النص‪ ،‬أو ليقلب الرهانات‪ .‬وعلى العكس من ذلك‪،‬‬
‫سنقول‪ :‬يتحدث رميون ماهيو(‪ -)Raymond Mahieu‬إن املكتوب األديب الذي‬
‫هو نتيجة متفردة لفاعلية إنتاجية تقع يف زمان ومكان معينني‪ ،‬الميكن أن يتأسس إذا كان‬
‫سيقرأ خارع أي معرفة مبا يربز عالقاته مع واقع متعدد‪ ،‬يتجنبه هذا املكتوب‪ ،‬ويشتغل به‪،‬‬
‫مثلما يتأسس عليه‪ .‬ومثل هذا االستبعاد الذي اليعطي للمتخيل الذي ينبثق منه النص إال‬

‫‪ - 563‬مسري حجازي‪ :‬قض اكنقد األدبا اكيي صر‪ ،‬دار اآلفاق العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬الطبعة األوىل سنة‬
‫‪2117‬م‪ ،‬ص‪.11-28 :‬‬
‫‪208‬‬
‫فضاء إجرائيا منقحا بشكل اعتباطي‪ ،‬وكمونا من عدد معني من املواد العضوية بالنسبة‬
‫‪262‬‬
‫إليه‪ ،‬يؤدي إىل قراءة ميكن لنا أن نصفها عن حق بالقراءة املشوهة‪ ،‬بل واملؤسطرة‪".‬‬
‫ويعين هذا أن القراءة السوسيولوجية هي اليت تربط األدب باجملتمع‪ ،‬ولكن ليس يف ضوء‬
‫االنعكاس املباشر‪ ،‬بل تقرؤه بطريقة مجالية مستقلة‪ ،‬يف عالقة بالواقع املعطى‪ .‬ومن مث‪ ،‬يرى‬
‫كلود دوشيه(‪ )Claude Duchet‬أن القراءة السوسيونقدية هي اليت جتمع بني النصية‬
‫أو اجلمالية األدبية والواقع االجتماعي‪.‬أي‪ :‬متزع بني األدب كبنية مجالية مستقلة واملعطى‬
‫السوسيولوجي‪ ،‬كما هو حال البنيوية التكوينية للوسيان كولدمان الذي مياثل بني البنية‬
‫األدبية املستقلة والبنية االجتماعية املستقلة بدورها عن طريق االنعكاس غري املباشر‪ .‬ومن‬
‫هنا‪ ،‬ترى كايار(‪ )F.Gaillard‬أن" تدوين النص االجتماعي يف النص الروائي‪...‬اليقرأ‬
‫من خالل األقوال اإليديولوجية بشكل ظاهر‪ ...‬بل من خالل تضمني هذه األقوال يف‬
‫‪261‬‬
‫السرد‪ ،‬وذلك وفق منط إدماجي يقوم بعملية التحويل‪".‬‬
‫وهكذا‪ ،‬يتبني لنا أن سوسيولوجيا األدب تتعامل مع الالوعي االجتماعي داخل املتخيل‬
‫األديب من خالل اجلمع بني النصية واالجتماعية‪.‬وهنا‪ ،‬يتم التشديد على اخللفيات التارخيية‬
‫واالجتماعية واالقتصادية والسياسية والثقافية ضمن الوعي اجتماعي‪ ،‬يتشكل داخل النص‬
‫األديب فنيا ومجاليا‪.‬‬
‫ومن مث‪ ،‬تنطلق هذه السوسيولوجيا من املقاربة االجتماعية يف دراسة الظواهر األدبية فهما‬
‫وشرحا وتفسريا وتأويال‪.‬‬

‫‪ -262‬روالن بارت وآخرون‪ :‬نظر ت اكقراءة‪ ،‬ترمجة‪ :‬عبد الرمحن بوعلي‪ ،‬دار احلوار‪ ،‬الالدقية‪ ،‬سورية‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل سنة ‪2118‬م‪ ،‬ص‪.62-68:‬‬
‫‪ -261‬روالن بارت وآخرون‪ :‬نظر ت اكقراءة‪ ،‬ص‪.72:‬‬
‫‪209‬‬
‫اكيب ث اكث نا‪ :‬تطـ ــور سوسيوكوجــي األدإ اكنق ــد‬

‫متيزت الدراسات السوسيولوجية لألدب‪ ،‬منذ انطالقها التارخيي‪ ،‬بطابعني مميزين‪ .‬فهناك‬
‫دراسات اختذت طابعا تأمليا مع األحباث الفلسفية وامليتافيزيقية‪ ،‬كما هو الشأن مع‬
‫أفالطون‪ ،‬وأرسطو‪ ،‬وتوما االكويين‪ ،‬ومدام دي ستايل‪ ،‬وهيجل‪ ،‬وكارل ماركس‪ ،‬وجان‬
‫جيو‪...‬‬
‫وهناك دراسات اختذت طابعا علميا ووضعيا‪ ،‬فاستهدفت بذلك دراسة الظاهرة األدبية يف‬
‫إطار سوسيولوجي علمي‪ ،‬كما يبدو ذلك واضحا عند لوسيان كولدمان‬
‫)‪ ،(Goldmann‬وجاك لينهاردت )‪ ،(J. Lenhardt‬وروبريت إسكاربيت‬
‫)‪ ،(Escarpit‬وبيري جوزا (‪...)P.JOZA‬‬
‫وعليه‪ ،‬فلقد أخذت الصلة بني األدب واجملتمع‪ ،‬كما قلنا سالفا‪ ،‬طابعا تأمليا فلسفيا‬
‫وميتافيزيقيا قائما على مفهوم احملاكاة‪ .‬ولقد أخذت هذه العالقة احملاكاتية ‪ -‬اليت تعتمد‬
‫على التقليد واملماثلة املباشرة‪ -‬تربز يف كتابات الفالسفة اليونانيني بصفة عامة‪ ،‬وكتابات‬
‫أرسطو وأفالطون بصفة خاصة‪ .‬إن مفهوم احملاكاة « الذي كان بالنسبة ألفالطون‬
‫مستعمال يف معناه الواسع جدا‪ ،‬حيث يقتصر على الشعر وحده‪ ،‬كما سيظهر عند‬
‫أرسطو من بعد‪ ......‬بل مشل كل نسق إنساب أو طبيعي أو كوب أو إهلي‪ .‬وهكذا‪ ،‬ظل‬
‫معناه األساسي يعين ما هو كائن ظاهرا بالنسبة ملا هو كائن حقيقة‪ .‬أما عند أرسطو‪،‬‬
‫فتتخذ احملاكاة (وهي هنا حماكاة األدب للواقع) بعدا آخر‪ .‬وذلك لسببني‪ :‬األول أن‬
‫أرسطو جيعل من النصوص نقطة ارتكاز‪ .‬والثاب‪ ،‬أن منهجه يف تناول الشعر منهج كامل‪،‬‬
‫وليس جزءا من منهج كما هو عند أفالطون‪ .‬ولذلك‪ ،‬يأيت استخدامه للمحاكاة يف التعبري‬

‫‪210‬‬
‫عن مفهوم الشعر‪ .‬فالشعر عنده حماكاة للطبيعة‪ .‬ووظيفة احملاكاة عنده وظيفة حمددة‪ ،‬متيز‬
‫الفنون العملية واجلميلة من ناحية عن العلوم الطبيعية من ناحية أخرى»‪.266‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬تستند احملاكاة األرسطية إىل املادية الواقعية‪ .‬يف حني‪ ،‬تتميز احملاكاة األفالطونية‬
‫باملثالية‪ « .‬وعلى هذا األساس‪ ،‬يكون على الفن أن حياكي الطبيعة اإلنسانية‪ ،‬وليس عا‬
‫املثل أو ظواهر األشياء‪ .‬وباملثل‪ ،‬فلن حياكي الفن أفكار الفنان‪ ،‬وإمنا أعمال الناس‪ .‬ومن‬
‫هنا نالحظ االختالف البني بني أرسطووأفالطون يف حتديدمها للمحاكاة‪ ،‬من حيث إن‬
‫األول أكسبها الداللة األدبية احملض‪ ،‬فجعلها مقصورة على الفن اإلنساب ال تتعداه إىل‬
‫سواه‪ ،‬وجعلها أيضا أبعد ما تكون عن التقليد‪ ،‬فأصبحت تصويرا فنيا لإلنسان‪ .‬ومعىن‬
‫هذا أهنا ليست وسيلة لنقل الطبيعة‪ ،‬وإمنا هي وسيلة لدفع الطبيعة خطوات إىل األمام يف‬
‫طريق البحث عن هدف‪ ،‬وحماولة تكملة ما تركته الطبيعة ناقصا»‪.267‬‬
‫ويتمثل مفهوم احملاكاة يف تراثنا العريب القدمي يف القول الشائع «األديب ابن بيئته »؛ ألن‬
‫األديب يعرب عن البيئة اليت ولد فيها ونشأ‪ .‬وبالتايل‪ ،‬فهو حياكيها وينقلها عرب الوصف‬
‫والتشبيه واالستعارة‪ ،‬مادامت هذه البيئة تتحكم فيه جبربياهتا الصارمة‪.‬‬
‫أما الدراسة السوسيولوجية لألدب‪ ،‬مبفهومها احلقيقي‪ ،‬فهي حديثة العهد نسبيا‪ « ،‬وما‬
‫زالت منجزاهتا متواضعة حىت وقتنا هذا‪ ،‬وميكن وصف هذا اجملال بأنه وجهة نظر أو موقف‬
‫معني جتاه األدب‪ ،‬أكثر منه ميدانا معكفا به ضمن ميادين الدراسة املستقلة اليت هلا أساليب‬
‫حبث معكف سا‪ .‬ووجهة النظر السوسيولوجية لألدب ال تتميز عن أية وجهة نظر أخرى‪،‬‬
‫حيث تقف جنبا إىل جنب مع وجهات النظر املعيارية وامليتافيزيقية‪ ،‬ذلك ألهنا ال تستند‬
‫‪263‬‬
‫إىل مصدر ذايت‪ .‬وإمنا حتاول االستناد إىل بعض مفاهيم النظرية األدبية والفلسفية‪».‬‬

‫‪ -‬عبد الرمحن بوعلي‪( :‬البىن األدبية وبنية الواقع والظاهرة الروائية)‪ ،‬دجل اكو دة‪ ،‬حمور اجلمالية واجلمالية‬ ‫‪266‬‬

‫العربية‪ ،‬الرباط‪ ،‬املغرب‪0836 ،‬م‪ ،‬ص‪.86-81 :‬‬


‫‪ - 267‬عبد الرمحن بوعلي‪( :‬البىن األدبية وبنية الواقع والظاهرة الروائية)‪ ،‬ص‪.86 :‬‬
‫‪ - 562‬مسري حجازي‪ :‬قض اكنقد األدبا اكيي صر‪ ،‬ص‪.18 :‬‬
‫‪211‬‬
‫ومازالت األحباث األدبية السوسيولوجية يف تشكلها وتطورها وحداثتها النسبية‪ ،‬و تأخذ‬
‫مكاهنا الالئق واحملكم يف املعاهد واجلامعات املعاصرة إىل حد اآلن‪ ،‬على الرغم من أمهيتها‬
‫ومكانتها العلمية‪« .‬فاحلديث عن سوسيولوجيا األدب كاجتاه ضمن االجتاهات النقدية‬
‫املعاصرة ال يعين أنه اجتاه شائع يف النظرية املعاصرة لألدب‪.‬‬
‫فالتصنيفات اليت أجراها ويليك يف دراسته عن االجتاهات النقدية املعاصرة‪ ،‬توضح لنا أن‬
‫النقد السوسيولوجي لألدب ليس له مكان يف هذا التصنيف (النقد املاركسي‪ ،‬النقد النفسي‬
‫التحليلي‪ ،‬النقد اللغوي واألسلويب‪ ،‬الشكلية العضوية اجلديدة اليت تعتمد على النظرية‬
‫البنائية‪ ،‬مث أخريا النقد األسطوري والوجودي »‪.268‬‬
‫إذا‪ ،‬يركز رونيه ويليك )‪ (R.Wellek‬على االجتاهات العامة كاالجتاه الوجودي‬
‫والشكلي‪ ،‬ويتجاهل االجتاه السوسيولوجي الذي أصبح منطا من الدراسة احلديثة‪ ،‬ويهدف‬
‫إىل دراسة الظواهر األدبية واجلمالية دراسة موضوعية يف سياقها السوسيو‪ -‬تارخيي‪ .‬وقد‬
‫اعتمد ويليك‪ ،‬يف تصنيفه النظري‪ ،‬على االجتاهات النقدية الشائعة يف اخلمسينيات من‬
‫القرن املاضي‪ ،‬على الرغم من بروز النقد املاركسي اجلديل يف ذلك العهد‪ .‬بيد أنه يعد‬
‫منهجا ديناميا يف حتليل مشكالت الظواهر األدبية احلديثة‪ .‬والدليل على ذلك أنه « يرى‬
‫أن دراسة جورع لوكاتش للرواية التارخيية طريفة ونافعة‪ ،‬ولكنها هتتم بالقيم األدبية ذاهتا‪.‬‬
‫والواقع أن ذلك الرأي ال خيلو من تعسف نظرا؛ ألن لوكاتش يف دراسته للرواية التارخيية قد‬
‫اهتم بصورة معينة بقضية القيم األدبية‪ .‬ويظهر هذا بوجه خاص عندما تناول مسألة‬
‫الشكل الفين‪ ،‬بككيزه على عدد من الشخصيات يف روايات بلزاك‪ .‬هذا إىل جانب أن‬
‫ويليك قد أغفل دور التأثري الفعلي للماركسية احلديثة يف الدراسات األدبية‪ ،‬والذي تزايد‬
‫‪271‬‬
‫بوضو يف ستينيات القرن املاضي»‪.‬‬

‫‪ - 268‬مسري حجازي‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.12:‬‬


‫‪ - 271‬مسري حجازي‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.12:‬‬
‫‪212‬‬
‫و تظهر الدراسات السوسيولوجية يف جمال األدب والنقد إال يف القرن التاسع عشر مع‬
‫كتابات الفرنسية مدام دي ستايل()‪،)Madame de Staël (1766-1817‬‬
‫عندما ربطت األدب‪ ،‬من حيث عالقاته‪ ،‬باملؤسسات االجتماعية‪ « .‬غري أن مدام دو‬
‫ستايل ظلت بعيدة عن مفهوم "سوسيولوجيا األدب" باملعىن العلمي احلديث‪ ،‬إذ قصرت‬
‫مهها يف كتاسا هذا‪ ،‬كما حددته هي نفسها‪ ،‬يف خطاسا التمهيدي على البحث يف مدى‬
‫تأثري الدين والعادات والقوانني يف األدب‪ ،‬ومدى تأثري األدب يف الدين والعادات والقوانني‪.‬‬
‫من هنا‪ ،‬إن تلك احملاولة كانت جمرد بارقة طليعية لسوسيولوجيا األدب‪ ،‬إمنا غابت عنها‬
‫عناصر أساسية هلذا العلم املستحدث‪ .‬إذ بقيت الناحية االقتصادية وقضية القراء‪ ،‬على‬
‫هامش البحث‪ ،‬ناهيك مبسائل أخرى لقضية انتماء الكتاب االجتماعي ووسعهم الثقايف‪،‬‬
‫وحقوق املؤلف واجلمعيات األدبية إخل‪ ...‬وال حاجة للككيز على أن أية سوسيولوجيا‪ ،‬ال‬
‫ميكن أن يتم هلا استخالص نتائج وتأكيد مبادئ وقوانني سوسيولوجية‪ ،‬إن تنطلق من‬
‫وقائع معينة‪ ،‬وتستند إىل إحصاءات دقيقة‪ ،‬خصوصا بنظر إنسان العصر‪ ،‬واملكان والزمان‪،‬‬
‫‪270‬‬
‫من جهة ثانية‪ ،‬مقولتان ال غىن عنهما للتعرف إىل أي كائن أو أية ظاهرة»‪.‬‬
‫إذا‪ ،‬لقد أفاد علم االجتماع األدب كثريا عندما درسه دراسة علمية موضوعية وجتريبية وفق‬
‫مقاييس إحصائية‪ ،‬وفرضيات واضحة‪ ،‬واستدالالت برهانية مقنعة‪ ،‬والدخول يف عالقات‬
‫بنيوية قائمة على التماثل‪ ،‬واالستقراء التجرييب‪ ،‬واالستفادة من اإلديولوجيا النصية‪ .‬وكما‬
‫قال جاك لينهارد )‪ « :(J.Leenhardt‬تقدم النظرية السوسيولوجية لألدب وجها‬
‫متفردا‪ .‬فمن جهة بلورت مع لوسيان كولدمان )‪ (Lucien Goldmann‬أداة‬
‫دياليكتيكية عميقة لتحليل النص حيث تدخل يف عالقة دالة‪ ،‬كل البىن واملعاب األدبية‪،‬‬
‫والبىن اإليديولوجية واالجتماعية‪ ،‬ومن جهة أخرى‪ ،‬يشكل نظام األدب نفسه كممارسة‬

‫‪ - 270‬آمال أنطوان عرموب‪( :‬علم احتماع األدب وعلم االجتماع)‪ ،‬سوسيوكوجي األدإ‪ ،‬روبري إسكاربيت‪،‬‬
‫منشورات عويدات بريوت ‪ -‬باريس‪ ،‬الطبعة الثانية ‪0838‬م‪ ،‬ص‪.8-3 :‬‬
‫‪213‬‬
‫يستطع أحد إدراجه ضمن جمموع نظري‬ ‫نصية إيديولوجية خصوصية أكرب رغبة‬
‫‪272‬‬
‫متماسك»‪.‬‬
‫ويعين هذا أن النقد السوسيولوجي األورويب كان ينطلق من خلفية تارخيية وعلمية‪ ،‬فقد‬
‫عرف تطورات مهمة متواصلة إىل حد اآلن‪ ،‬وعرف عدة قطائع معرفية ونظرية ومنهجية‪،‬‬
‫منذ القرن التاسع عشر‪ ،‬إبان ظهور الواقعية‪ ،‬والثورة على الرومانسية‪ ،‬والتنديد بالتسلط‬
‫الفردي الربجوازي‪ ،‬والسعي اجلاد من أجل إنزال األدب من برجه العاجي ملعانقة مهوم‬
‫اجملتمع‪ ،‬إىل أن غدا النثر والرواية أدايت الواقعية‪ ،‬بعد أن كانت الرومانسية تستخدم الشعر‬
‫الغنائي الذايت أداة هلا‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬أصبحت الرواية ذات طابع واقعي طبيعي وجترييب‬
‫بامتياز‪ ،‬تناهض الطبقات املستغلة‪ ،‬وتدافع عن العمال والشرائح املستضعفة‪ ،‬وتصور القيم‬
‫اجملتمعية املهكئة تصويرا فجائعيا؛ بسبب سيطرة البورجوازية على وسائل اإلنتاع‪ ،‬والتحكم‬
‫يف رقاب الطبقات الدنيا واملهمشة‪ .‬وهكذا صور فلوبري‪ ،‬وستندال‪ ،‬وبلزاك‪ ،‬وإميل زوال‪،‬‬
‫ودوستويفسكي‪ ،‬وتولوستوي‪ ،‬وماكسيم جوركي‪ ،‬وتشيكوف‪ ،‬وشارل ديكنز‪ ...‬هذا الصراع‬
‫االجتماعي بني طبقتني مها‪ :‬طبقة الربوليتاريا وطبقة البورجوازية‪.‬‬
‫ويف إطار الواقعية ذاهتا‪ ،‬تولدت جمموعة من املفاهيم األدبية والنقدية السوسيولوجية‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫األدب االنعكاسي‪ ،‬ومرآتية األدب‪ ،‬والعالقة االجتماعية‪ ،‬والوعي االجتماعي‪ ،‬والصراع‬
‫الطبقي‪ ،‬والتفاوت االجتماعي‪ ،‬والرؤية إىل العا ‪ ،‬وااللتزام الواقعي‪ ،‬باإلضافة إىل مفهوم‬
‫الطبقة االجتماعية‪...‬‬
‫ويعين هذا أن األدب الواقعي هو السبب الرئيسي يف ظهور سوسيولوجيا األدب والنقد‪ ،‬إىل‬
‫جانب الفلسفات الواقعية واملادية واملاركسية‪ ،‬والسيما مع لودفيغ فيورباخ‪ ،‬وفريدريك أحلز‪،‬‬
‫وهيجل‪ ،‬وكارل ماركس‪ ،‬وغريهم‪...‬‬

‫‪J.Leenhardt:Lecture politique du roman, éd. Minuit, - 575‬‬


‫‪Paris,1973.p.11.‬‬
‫‪214‬‬
‫هذا‪ ،‬وقد بدأ التفكري السوسيولوجي يف األدب والنقد‪ ،‬يف القرن الثامن عشر امليالدي‪ ،‬مع‬
‫مونتيسكيو (‪)Montesquieu‬؛ صاحب كتاب (ر ح اكقوانين‪L'Esprit des /‬‬
‫‪ ) lois‬الذي ألفه سنة ‪0723‬م‪ ،‬وكان مونتيسكيو ينظر إىل األدب على أساس أنه ظاهرة‬
‫اجتماعية بامتياز‪.‬‬
‫وبعد ذلك‪ ،‬توطد النقد السوسيولوجي‪ ،‬يف أوائل القرن التاسع عشر‪ ،‬مع مدام‬
‫دوستايل)‪ ،(Germaine de Staël‬حيث كان كتاسا ( فا األدإ عمق ته‬
‫ب كيؤسس ت االجاي عي ‪De la littérature considérée dans ses /‬‬
‫‪ )rapports avec les institutions‬الذي ألفته سنة ‪0311‬م أول حماولة‬
‫سوسيولوجية جادة يف دراسة األدب‪ ،‬بالككيز على العالقات املوجودة بني األدب‬
‫واملؤسسات االجتماعية من حيث التأثري والتأثر‪.‬‬
‫ويعين هذا أن مدام دوستال تقارب الظواهر األدبية من الوجهة االجتماعية‪ ،‬بالبحث عن‬
‫خمتلف العالقات املوجودة بني األدب واملؤسسات االجتماعية والسياسية‪ ،‬وحماولتها تفهم‬
‫اخللفيات السياقية احملركة لألدب على املستوى السياسي واالجتماعي واالقتصادي والثقايف‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬يعد الفيلسوف اإليطايل جان بابتيست فيكو( ‪Giovan‬‬
‫‪ )0722 – 0663( )Battista Vico‬أول من فسر العمل األديب تفسريا‬
‫سوسيولوجيا ماديا‪ ،‬معتمدا يف ذلك على العالقات املوجودة بني الظواهر األدبية اجلمالية‬
‫وبني اجملتمع‪ ،‬حيث انتهى به البحث إىل التقرير بأن اجملتمع ال يقدم ببساطة مسرحيات‬
‫وأشعارا وروايات‪ ،‬لكنه ينمي أدبا وأدباء يستخلصون أعماهلم ومهاراهتم الفنية ونظرياهتم‬
‫منه‪ .‬ويعين هذا أن الواقع االجتماعي هو مصدر اإلبداع الفين واجلمايل‪.‬‬
‫ومع انبثاق السوسيولوجيا الوضعية مع أوغست كونت )‪(Auguste comte‬‬
‫(‪ ،)0317-0738‬وإميل دوركامي (‪ ،)E.Durkheim‬وسان سيمون (‪،)S.Simon‬‬
‫وهربرت سبنسر(‪ ،)H.Spencer‬ألفينا جمموعة من النقاد يستلهمون علم االجتماع يف‬
‫دراساهتم األدبية والنقدية‪ ،‬مثل‪ :‬سانت بيڤ )‪)0368-0312( (Sainte Beuve‬‬
‫‪215‬‬
‫الذي ركز على دراسة املبدعني دراسة بيوغرافية تصنيفية‪ ،‬وفق مميزاهتم الفزيولوجية والعقلية‬
‫واألخالقية واملزاجية‪ ،‬انطالقا من أوساطهم االجتماعية والعائلية واملادية‪ .‬ويقكب تصنيفه‬
‫كثريا من صنوه يف جمال العلوم الطبيعية‪ .‬أما هيبوليت تني )‪-0321( (H. Taine‬‬
‫‪ ،)0388‬فقد تبىن املنهج السوسيولوجي يف كتابه (ت ر خ األدإ اإلنجليزي) سنة‬
‫‪0331‬م‪ .‬ومن مث‪ ،‬فقد كانت نظريته االجتماعية مرآوية بامتياز‪ ،‬تعتمد على االنعكاس‬
‫احلتمي واجلربي يف ضوء املعايري الثالثة‪ :‬اجلنس‪ ،‬والبئية‪ ،‬والعصر‪.‬‬
‫أما برونوتيري (‪ ،)0816-0328( )Brunetière‬فقد تأثر بنظريات داروين البيولوجية‪،‬‬
‫وخاصة تأثره مبفهوم التطور واالرتقاء‪ .‬وقد وظف برونوتيري‪ ،‬يف دراسة تطور األجناس‬
‫األدبية‪ ،‬خمتلف املفاهيم البيولوجية والتصورات الداروينية‪ ،‬مركزا على عوامل البيئة والعصر‬
‫والوراثة االجتماعية للكاتب‪.‬‬
‫وال ننسى كذلك جوستاف النسون (‪ )Gustave Lanson‬الذي اهتم كثريا باملقاربة‬
‫السوسيولوجية يف دراسة األدب‪ ،‬وخاصة مع تأسيس السوربون اجلديدة سنة ‪0386‬م‪.‬‬
‫أضف إىل ذلك جمموعة من الشكالنيني الروس الذين اهتموا باملقاربة االجتماعية والتارخيية‬
‫يف دراسة األدب وأجناسه منذ سنة ‪0801‬م‪ ،‬مستفيدين من التصورات املاركسية‪ ،‬مع متثل‬
‫املادية اجلدلية يف ربط األدب باجملتمع‪ .‬و تعرف فرنسا أحباث الشكالنيني الروس إال يف‬
‫منتصف القرن العشرين‪.‬‬
‫ويعد ميخائيل باختني من أهم الباحثني الذين مجعوا بني السوسيولوجيا واألسلوبية يف دراسة‬
‫األدب‪ ،‬وبالضبط يف جنس الرواية‪ ،‬وقد استخلص تصورا نقديا جديدا مساه ب ا (اكر ا‬
‫اكبوكيفوني )‪.‬‬
‫و" مبا أن االقتصاد هو علم إنساب‪ ،‬فقد كان ميكننا أن ننتظر من املاركسية فعالية أكثر من‬
‫نظرية تني‪ .‬والواقع هو أن أول واضعي النظريات املاركسية ظهروا شديد احلذر حول املسائل‬
‫األدبية‪.‬واملؤلف الذي مجعت فيه كتابات ماركس وإحلز ( ول األدإ اكفن) جاء خميبا‬
‫لآلمال‪.‬ومنذ مطلع القرن العشرين ومع بليخانوف (‪ )Plekhanov‬بدأت تتكون نظرية‬
‫‪216‬‬
‫ماركسية حقيقية حول األدب الذي هو بالطبع يف أساسه اجتماعي‪ .‬واالهتمام بالفعالية‬
‫السياسية فيما بعد قاد النقد األديب السوفيايت ومعه النقد الشيوعي إىل تعمد إبراز الشهادة‬
‫االجتماعية اليت أتت سا األعمال األدبية‪.‬‬
‫ويفسر إيدانوف (‪ )Idanov‬هذا املوقف عام ‪ 0816‬على الشكل التايل‪ ":‬جيب أن ينظر‬
‫إىل األدب يف عالقته غري املنفصلة عن حياة اجملتمع‪ ،‬ويف خلفية العناصر التارخيية‬
‫واالجتماعية اليت تؤثر يف األدب‪ .‬هذا كان دائما املبدأ املوجه يف األحباث األدبية‬
‫السوفياتية‪ ،‬وهو يرتكز على املنهج املاركسي‪ -‬اللينيين يف إدراك احلقيقة وحتليلها‪ ،‬ويستبعد‬
‫وجهة النظر الذاتية واالعتباطية اليت تعترب كل كتاب كيانا مستقال منعزال‪.‬األدب هو ظاهرة‬
‫اجتماعية‪ ،‬هو اإلدراك احلسي للحقيقة غري املصورة اخلالقة"‪.‬‬
‫أما النتيجة املنهجية هلذا املوقف‪ ،‬فهي" أن مبدأ املنهج التارخيي الذي هو أساس البحث‬
‫األديب السوفيايت يعتمد كمعيار أويل ألي عمل فين درجة إخالصه يف عرض احلقيقة‬
‫مبختلف عقدها‪"278.‬‬
‫ومع اندحار املدرسة الدوركاميية يف علم االجتماع إبان سنوات الثالثني من القرن املاضي‪،‬‬
‫اهتم الكتاب السرياليون بالسيكولوجيا الالشعورية الفرويدية‪ .‬بيد أن االهتمام بالنقد‬
‫السوسيولوجي كان سنة ‪0822‬م مع لوسيان فيرب (‪ )Lucien Febvre‬الذي درس‬
‫تاريخ العقليات‪ ،‬بالككيز على رابليه (‪ .)Rabelais‬وبعد ذلك‪ ،‬تطور النقد‬
‫السوسيولوجي إبان سنوات الستني مع جورع برييك (‪ )Georges Perec‬الذي درس‬
‫العوا املعاصرة يف اإلبداع األديب‪.‬‬
‫ومثة جمموعة من الدارسني الذين كرسوا حياهتم خلدمة النقد السوسيولوجي‪ ،‬بشكل أو‬
‫بةخر‪ ،‬أمثال‪ :‬جورع لوكاش(‪ ،)Lukács‬وأنطونيو غرامشي(‪،)Antonio Gramsci‬‬
‫وأرنولد هوسري (‪ ،)Arnold Hauser‬وروبري إسكاربيت(‪ ،)R.Escarpit‬ولوسيان‬
‫وروالن‬ ‫لينهاردت(‪،)J.Leenhardt‬‬ ‫وجاك‬ ‫كولدمان(‪،)Goldmann‬‬

‫‪ -278‬روبريت إسكاربيت‪ :‬سوسيوكوجي األدإ‪ ،‬ص‪.82-80:‬‬


‫‪217‬‬
‫بارت(‪ ،)R.Barthes‬وكلود دوشي(‪ ،)Claude Duchet‬وهنري‬
‫ميكان(‪ ،)H.Mitterand‬وجوليا كريستيفا(‪ ،)Kristeva‬وبيري بورديو( ‪Pierre‬‬
‫‪ ،)Bourdieu‬وبيري ماشري(‪ ،)Pierre Macherey‬وريشار هوغارت‬
‫(‪ ،)Richard Hoggart‬وراميون ويليام (‪ ،)Raymond Williams‬وجاك‬
‫دوبوا (‪ ،)acques Dubois‬وإتيمار ابن زهر (‪... ،)Itamar Even-Zohar‬‬
‫وال ننسى مدرسة فرانكفورت األملانية اليت قدمت الكثري للنقد السوسيولوجي يف جمال‬
‫األدب والنقد‪ ،‬والسيما تيودور أدورنو (‪...)Theodor W. Adorno‬‬

‫اكيب ث اكث كث‪ :‬ر افد سوسيوكوجي األدإ اكنقد‬

‫ميكن احلديث عن جمموعة من الروافد اليت كانت وراء ظهور النقد السوسيولوجي يف جمال‬
‫األدب والنقد‪ .‬وميكن حصرها يف ما يلي‪:‬‬
‫‪ ‬األدإ اكواقيا‪ :‬لقد ساهم األدب الواقعي‪ ،‬كما يبدو ذلك يف روايات فلوبري‬
‫وستاندال وبلزاك ‪ -‬مثال‪ -‬يف ظهور النقد السوسيولوجي الذي يربط األدب باجملتمع‪ ،‬يف‬
‫خمتلف ترابطاته وعالقاته املباشرة وغري املباشرة؛‬
‫‪ ‬األدإ اكطبييا‪ :‬قام األدب الطبيعي‪ ،‬كما يتجلى ذلك واضحا عند إميل زوال‪ ،‬يف‬
‫تقوية الصالت االجتماعية اليت توجد بني األدب والواقع اجملتمعي‪ ،‬ورصد العالقات الطبيعية‬
‫اليت تتحكم يف البنيتني األدبية واالجتماعية؛‬
‫‪ ‬اكفلسف ت اكي د ‪ :‬تعد الفلسفات املادية والواقعية واملاركسية واجلدلية‪ ،‬كما يبدو‬
‫ذلك واضحا عند أرسطو وفيورباخ وماركس‪ ،‬من األسباب اليت دفعت النقاد لتبين النقد‬
‫االجتماعي يف مقاربة الظواهر األدبية والفنية واجلمالية؛‬

‫‪218‬‬
‫‪ ‬علم االجاي ع اكوضيا‪ :‬ساهم علم االجتماع الوضعي‪ ،‬كما عند أوجست كونت‬
‫وإميل دوركامي‪ ،‬يف تطوير النقد األديب‪ ،‬باالنتقال من النقد االنطباعي التأثري إىل النقد‬
‫االجتماعي الوضعي‪ ،‬بربط األدب بسياقه اجملتمعي؛‬

‫‪ ‬علم االجاي ع األكي نا‪ :‬يعد علم االجتماع األملاب رافدا من روافد النقد‬
‫السوسيولوجي‪ ،‬كما يبدو ذلك بينا عند جورع زميل )‪،)0803-0317((G.Simmel‬‬
‫وماكس فيرب)‪ ،)0801-0362( (M.Weber‬وكارل ماهنامي )‪(K. Mannheim‬‬
‫(‪ .)0827-0380‬فقد كان هلؤالء أثر واضح يف املؤسس الفعلي لسوسيولوجيا األدب أال‬
‫وهو جورع لوكاش‪ ،‬من خالل توقفهم عند عالقة األدب باجملتمع واإليديولوجيا واليوطوبيا؛‬
‫‪‬ددرس فرانتفورت اكسوسيوكوجي ‪ :‬سامهت هذه املدرسة يف تطوير النقد‬
‫السوسيولوجي‪ ،‬وخاصة يف حقل النقد االجتماعي أو التارخيي أو األديب واجلمايل‪ ،‬وميثلها‬
‫أدورنو )‪ ،)0868-0818( (W.Adorno‬وهوركامير)‪ (Horkeimer ،‬وولك‬
‫بنجامني (‪..(W.Benjamin).)0821-0382‬‬

‫اكيب ث اكرابع‪ :‬اتج ه ت سوسيوكوجي األدإ اكنقد‬

‫ميكن احلديث عن ثالثة اجتاهات سائدة يف جمال سوسيولوجيا األدب والنقد‪ .‬وميكن‬
‫حتديدها فيما يلي‪:‬‬
‫‪ ‬االتج ه اكاجر با األدپـر قا‪ :‬ميثله السوسيولوجي الفرنسي روبري إسكاربيت‬
‫)‪ (R.Escarpit‬الذي يقسم الظاهرة األدبية‪ ،‬وفق الرؤية االجتماعية واالقتصادية‪ ،‬إىل‬
‫ثالثة عناصر مستقلة ومتتابعة ومتكاملة هي‪ :‬اإلنتاع‪ ،‬والتوزيع‪ ،‬واالستهالك‪ .‬وينتج عن‬
‫ذلك سوسيولوجيا الكتاب‪ ،‬وسوسيولوجيا الكتاب‪ ،‬وسوسيولوجيا اجلمهور‪.‬‬

‫‪219‬‬
‫‪ ‬االتج ه اكبنيوي اكاتو نا‪ :‬ميثله لوسيان كولدمان )‪ ،(Goldmann‬ويعتمد هذا‬
‫االجتاه على مفهوم التماثل بني البىن اجلمالية املستقلة نسبيا وبني الواقع الذي أفرز املبدع‬
‫املنتج‪ ،‬ووعيه الطبقي واالجتماعي‪ ،‬ورؤيته للعا ‪.‬‬
‫‪ ‬االتج ه اكي دي اكا ر خا اكجدكا‪ :‬ميثله الفيلسوف اجملري جورع لوكاتش ‪(G.‬‬
‫)‪ ،Lukács‬واملنظر اإليطايل أنطونيو جرامشي )‪ ،(A. Gramsci‬وغريهم‪...‬‬
‫وعلى الرغم من هذه االجتاهات الثالثة‪ ،‬فهناك تيارات سابقة كان يغلب عليها التأمل‬
‫االجتماعي والفلسفي امليتافيزيقي يف إطار ما يسمى بالواقعية واملادية واجلدلية‪ ،‬وقد تعرضنا‬
‫هلا سابقا‪.‬‬

‫اكيطلب األ ل‪ :‬اكسوسيوكوجي اكاجر بي‬

‫يقصد بالسوسيولوجيا التجريبية دراسة الظواهر والوقائع األدبية والفنية واجلمالية يف ضوء‬
‫مقاربة اجتماعية علمية موضوعية‪ ،‬تستعني بةليات التجريب العلمي‪ ،‬واستعمال اإلحصاء‬
‫والرياضيات والفيزياء‪ ،‬واألخذ باالستقراء الوصفي واملقارن واالستنتاجي‪ ،‬واالنطالق من‬
‫الفرضيات والتجريب عليها سدف الوصول إىل نتائج يقينية‪ ،‬مع االستعانة باجلداول والرسوم‬
‫واألشكال اهلندسية لتوضيح املعطيات وتبياهنا وتفسريها وحتليلها ومعاجلتها‪.‬‬
‫ويعين هذا أن السوسيوجيا التجريبية هي منهجية كمية قائمة على التجربة من جهة‪،‬‬
‫واإلحصاء من جهة أخرى‪ .‬كما تقوم على املالحظة العلمية الدقيقة‪ ،‬وبلورة الفرضيات اليت‬
‫تستوجبها الظاهرة األدبية أو اجلمالية واإلبداعية‪ ،‬مث التجريب جبمع البيانات واملعطيات‬
‫وتدوينها مث تصنيفها‪ ،‬مع إخضاعها لعمليات اإلحصاء واملقارنة سدف حتديد القوانني‬
‫والنظريات‪.‬‬

‫‪220‬‬
‫وهكذا‪ ،‬فنن هذا االجتاه الكمي هو تيار إمبرييقي ووضعي وعلمي‪ ،‬يستعني بالرياضيات‬
‫واإلحصاء والفيزياء وعلوم الطبيعة ملقاربة الظواهر األدبية وتفسريها وتأويلها‪ .‬واهلدف من‬
‫ذلك هو الوصول إىل نتائج علمية يقينية واقعيا وجتريبيا‪.‬‬
‫ويف هذا الصدد‪ ،‬ميكن احلديث عن جمموعة من الباحثني والدارسني الذين اهتموا‬
‫بالسوسيولوجيا التجربية يف جمال األدب والنقد‪ ،‬منذ منتصف القرن املاضي إىل غاية سنوات‬
‫الستني من القرن نفسه‪ .‬ومن بني هؤالء األملانيان‪ :‬فوجن )‪ (Fügen‬وسيلربمان‬
‫)‪ ،(Silbermann‬والفرنسي روبري إسكاربيت (‪ ،)Robert Escarpit‬وأعضاء‬
‫مدرسة بوردو الفرنسية‪ ،‬والسويدي روزحرين )‪ ،(Rosengren‬فضال عن جاك‬
‫لينهاردت(‪ )J.LEENHARDT‬وبيري جوزا(‪...)P.JOZA‬‬
‫هذا‪ ،‬ويعد روبريت إسكاربيت (‪ )Robert Escarpit‬من أهم رواد السوسيولوجيا‬
‫التجريبية يف جمال األدب والنقد واإلعالم والصحافة‪ .‬وقد أسس خمتربا لسوسيولوجيا‬
‫الظواهر األدبية سنة ‪0861‬م‪ ،‬وكان هذا املخترب عامال أساسيا يف تأسيس مدرسة بوردو‬
‫السوسيولوجية‪ .‬وقد ألف كتابا يف (سوسيوكوجي األدإ) سنة ‪0813‬م‪ .272‬ويعد من أهم‬
‫الكتب النظرية والتطبيقية يف جمال سوسيولوجيا األدب‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فقد ركز روبرت إسكاربيت على ثالثة عناصر يف دراسة األدب جتريبيا‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫اإلنتاع‪ ،‬والتوزيع‪ ،‬واالستهالك‪ .‬ويعين هذا أن روبريت إسكاربيت يتعامل مع األدب يف‬
‫ضوء رؤية سوسيولوجية اقتصادية مادية‪ .‬فاليهمه يف حبثه هذا الككيز على احملتويات أو‬
‫املضامني‪ ،‬أو العناية باألشكال الفنية واجلمالية‪ ،‬بل مهه الوحيد هو استقراء وضعية األدب‬
‫يف اجملتمع إنتاجا وتوزيعا واستهالكا‪ ،‬اعتمادا على املعطيات اإلحصائية واالقتصادية‬
‫والتجريبية‪ .‬ويف هذا السياق‪ ،‬يقول إسكاربيت معلنا منهجه يف دراسة األدب‪ ":‬إن كل‬
‫حدث أديب يفكض وجود مؤلفني وكتب وقراء‪ ،‬أو بقول أعم يقتضي وجود مبدعني وآثار‬

‫‪272‬‬
‫‪-Robert Escarpit: Sociologie de la littérature, Paris, Presses‬‬
‫‪Universitaires de France, 1958.‬‬
‫‪221‬‬
‫ومجهور‪.‬وهو يكون ميدان تبادل يربط بوسيلة معقدة جدا من الفن والتكنولوجيا والتجارة‪،‬‬
‫أفرادا حمددين إىل مجاعة مغفلة إىل حد ما‪ ،‬وإن كانت حمدودة‪.‬‬
‫ويف مناحي هذا امليدان مجيعا يطر وجود أفراد مبدعني مشاكل يف التأويل النفساب‬
‫واألخالقي والفلسفي‪.‬كما تطر اآلثار نفسها مشاكل مجالية وأسلوبية ولغوية وتقنية‪.‬أما‬
‫وجود اجلماعة‪ -‬اجلمهور فيطر مشاكل ذات طابع تارخيي وسياسي واجتماعي‪ ،‬بل‬
‫واقتصادي أيضا‪ .‬وبقول آخر هناك على األقل ثالثة آالف طريقة الرتياد احلدث األديب‬
‫ودراسته‪.‬‬
‫إن انتماء األدب املثلث الوجوه إىل عا األذهان الفردية واألشكال اجملردة والبنيات‬
‫اجلماعية جيعل دراسته عسرية‪ .‬ويصعب علينا أن نتصور هذه الظواهر يف أبعاد ثالثة‪،‬‬
‫وخباصة عندما يكون علينا أن نرجع إىل تارخيها‪.‬والواقع أن التاريخ األديب نفسه اعتمد لعدة‬
‫ومايزال يعتمد غالبا على دراسة اإلنسان واآلثار فقط‪ -‬السرية الذهنية وتفسري‬ ‫قرون‬
‫املتون‪ -‬معتربا البيئة اجلماعية نوعا من الزخرف أو الزينة مكوكا لفضول مؤرخي السياسة‪.‬‬
‫إننا لنلمس عدم وجود رؤية اجتماعية حقيقية حىت يف أفضل خمتصرات كتب التاريخ األديب‬
‫من النوع التقليدي‪ .‬وحيدث أن يعي الكتاب بعدا اجتماعيا‪ ،‬وحياولوا أن يعطوه شكال‪،‬‬
‫ولكن باتباعهم أسلوبا دقيقا ومتوافقا مع هذه الغاية‪ ،‬يظلون غالبا أسرى النظرة التقليدية‬
‫لإلنسان واآلثار‪.‬فتصبح أعماق التاريخ مطموسة كأهنا عكست على شاشة ذات بعدين‪،‬‬
‫ويعكي احلدث األديب تشوبه كالذي حيصل لصورة العا املعكوسة يف خريطة‬
‫مسطحة‪.‬وكما حد على الكرة األرضية اليت يرمسها الطالب بشكل خاطىء أالسكا واسعة‬
‫األرجاء إىل جانب مكسيك يف غاية الصغر‪ ،‬كذلك فنن اثنيت عشرة أو مخس عشرة سنة‬
‫من تاريخ قصر فرساي تطمس ستني سنة من احلياة األدبية الفرنسية يف القرن السابع‬
‫عشر‪.‬‬
‫إننا لن نزيل متاما هذه الصعوبات‪ .‬لئن كان من املستحيل تقدمي عرض كامل‪ ،‬فاملهم هو‬
‫أن يكون كتاب السري أو الشرا واملؤرخون أو النقاد رؤية متكاملة وغري مشوهة عن‬

‫‪222‬‬
‫احلدث األديب احلاضر أو املاضي‪.‬واليغيب عن بال الناس أن الكتابة هي اليوم مهنة‪ -‬أو‬
‫على األقل هي عمل رابع‪ -‬متارس يف إطار النظم االقتصادية اليت اليستهان بتأثريها يف‬
‫الناس‪ .‬وإن الكتاب هو إنتاع مصنوع ليوزع جتاريا‪.‬وبالتايل‪ ،‬خيضع لقانون العرض‬
‫والطلب‪.‬وعلى العموم‪ ،‬والخيفى أن األدب هو‪ -‬باإلضافة إىل أشياء أخرى بديهية‪" -‬الفرع‬
‫‪271‬‬
‫املنتج" يف صناعة الكتاب كما أن القراءة هي الفرع " املستهلك"‪".‬‬
‫ويالحظ أن إسكاربيت يدرس األدب على أساس أنه إنتاع‪ ،‬وتوزيع‪ ،‬واستهالك‪ .‬وسذا‪،‬‬
‫يكون قد انطلق‪ ،‬يف دراسته السوسيولوجية‪ ،‬من خلفيات صناعية‪ ،‬وجتارية‪ ،‬ومهنية‪،‬‬
‫واقتصادية‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فقد اعتمد روبريت إسكاربيت‪ ،‬يف دراسته السوسيولوجية‪ ،‬على جمموعة من‬
‫املعطيات اإلحصائية الكمية‪ ،‬باستعمال اجملموع العددي‪ ،‬والنسب املائوية‪ ،‬والتحديد‬
‫السنوي‪ ،‬واألشكال اهلندسية‪ ،‬واملبيانات اإلحصائية‪ .‬فضال عن جمموعة من اآلليات‬
‫املنهجية‪ ،‬مثل‪ :‬آلية التصنيف‪ ،‬وآلية التأريخ‪ ،‬وآلية التحليل‪ ،‬وآلية املعاجلة‪ ،‬وآلية الوصف‪،‬‬
‫وآلية املقارنة‪ ،‬وآلية التكميم‪...‬‬
‫هذا‪ ،‬وقد توقف روبري إسكاربيت عند مفهوم الكتاب املطبعي وارتباطه باملطبعة‪ ،‬ودراسة‬
‫الكتاب املنتجني‪ ،‬وتصنيفهم وفق مقولة الفرق واألجيال األدبية‪ ،‬ودراستهم حسب أصوهلم‬
‫االجتماعية‪ ،‬مع اإلشارة إىل إشكالية التمويل اليت تعكض املبدعني واملثقفني‪ ،‬والتعريف‬
‫حبقوق املؤلف اخلاصة والعامة‪ ،‬وتبيان أمهية اجلوائز األدبية‪ ،‬والتشديد على مهنة األدب‪.‬‬
‫وبعد ذلك‪ ،‬درس إسكاربيت عملية النشر والتوزيع‪ ،‬ونسبة الكتب اليت يبيعها األديب‪،‬‬
‫وعدد طبعات الكتاب‪ ،‬مع حتديد مفهوم الناشر وعملية النشر‪ ،‬وتبيان حدود التوزيع‪،‬‬
‫كاحلديث عن التوزيع احمللي‪ ،‬والتوزيع اجلهوي‪ ،‬والتوزيع الوطين‪ ،‬والتوزيع الدويل‪ ،‬مث حتدث‬
‫أيضا عن الدائرة املثقفة‪ ،‬والدائرة الشعبية‪ ،‬وفئة احملتكرين‪.‬‬

‫‪ -271‬روبريت إسكاربيت‪ :‬سوسيوكوجي األدإ‪.23-26 ،‬‬


‫‪223‬‬
‫مث انتقل إىل احلديث عن عملية االستهالك‪ ،‬بالككيز على عالقة األثر األديب باجلمهور‪،‬‬
‫ودور املطالعة يف التثقيف والتعلم والتكوين الذايت‪ ،‬مث التوقف عند حا الكتاب أو فشله‪.‬‬
‫ويعين هذا كله أن األديب‪ ،‬يف الواقع الرأمسايل املعاصر‪ ،‬قد أصبح أديبا ممتهنا وحرفيا‬
‫بامتياز‪ ،‬خيضع لشروط اإلنتاع والتوزيع واالستهالك‪.‬‬
‫يمص اكقول‪ ،‬يتبني لنا‪ ،‬من هذا كله‪ ،‬أن سوسيولوجيا القراءة التجريبية هي البحث يف‬
‫الشروط املادية والنفسية واملؤسسية ملباشرة القراءة‪ ،‬بالككيز على اإلنتاع‪ ،‬والتوزيع‪،‬‬
‫واالستهالك‪ .‬مبعىن أن القراءة السوسيولوجية هي قراءة جتريبية‪ ،‬تدرس ثالثة مكونات مهمة‬
‫يف عملية اإلبداع هي‪ :‬اإلنتاع‪ ،‬والتوزيع‪ ،‬واالستهالك‪ .‬وميثل هذه السوسيولوجيا ر بير‬
‫ىست ربيت(‪ )Robert Escarpit‬الذي يتتبع سري الكتاب واملبدعني‪ ،‬برصد‬
‫أصوهلم االجتماعية واملهنية واألسرية‪ .‬كما يناقش هذا الدارس االعتبارات املادية ومشكل‬
‫التمويل يف ارتباطها بالكتابة والنشر والتوزيع‪ .‬وقد بني الدارس أن باريس هي أكرب مدينة‬
‫استوعبت جمموعة كبرية من املبدعني والكتاب واملثقفني‪ .‬ويذهب أيضا إىل أن الكاتب‬
‫يعيش عن طريق التمويل الذايت‪ ،‬والتمتع حبقوق الطبع والنشر‪ ،‬واالستفادة من التمويل‬
‫اخلارجي الذي يتمثل يف اجلوائز ومؤسسات رعاية اآلداب‪ .‬أما على مستوى النشر‪ ،‬فهناك‬
‫عمليات ثالث‪ :‬عملية اختيار الكتاب من قبل جلن القراءة؛ وعملية الطبع اليت ترتكن إىل‬
‫جمموعة من التقنيات اجلمالية واالصطناعية اليت تسمح بتسويق الكتاب؛ وعملية التوزيع‬
‫اليت ترافقها عمليات اإلشهار واإلعالن‪ .‬أما االستهالك‪ ،‬فريتبط باجلمهور‪ ،‬فهناك‬
‫اجلمهوراملثقف يف مقابل اجلمهور الشعيب العادي‪.‬‬
‫ويعتقد روبري إسكاربيت أن الكاتب إمنا" يكتب لقارئ أو جلمهور من القراء‪ ،‬فهو عندما‬
‫يضع أثره األديب‪ ،‬يدخل به يف حوار مع القارئ‪ .‬وللكاتب من هذا احلوار نوايا مبيتة يريد‬
‫إدراكها‪ ،‬فهو يرمي إىل اإلقناع أو إىل املد باألخبار أو اإلثارة أو التشكيك أو زرع األمل‬
‫أواليأس‪ .‬ومما يربهن على أن الكاتب يرمي باإلنشاء األديب إىل ربط الصلة بالقارئ أنه يعمد‬

‫‪224‬‬
‫إىل نشر أعماله‪ .‬ومن هنا‪ ،‬رأى إسكاربيت أن حياة األعمال األدبية تبدأ من اللحظة اليت‬
‫‪276‬‬
‫تنشر فيها‪ ،‬إذ هي‪ ،‬يف ذلك احلني تقطع صلتها بكاتبها لتبدأ رحلتها مع القراء"‪.‬‬
‫عالوة على ذلك‪ ،‬فقد قدم جاك لينهاردت وبيري جوزا حبثا جتريبيا يف موضوع القراءة‪ ،‬يف‬
‫ضوء سوسيولوجية األدب والقراءة التجريبية امليدانية ‪ .277‬ومن هنا‪ ،‬فسوسيولوجيا األدب‬
‫والنقد هي قراءة جتريبية للمنتوع األديب أقرب إىل املنظور االقتصادي والتجاري واإلحصائي‬
‫منه إىل املنظور النصي واجلمايل‪.‬‬

‫اكيطلب اكث نا‪ :‬اكسوسيوكوجي اكجدكي‬

‫يقصد بالسوسيولوجيا اجلدلية تلك املقاربة املاركسية القائمة على اجلدل من جهة‪ ،‬واملادية‬
‫التارخيية من جهة أخرى‪ .‬ويعين هذا أن السوسيولوجيا اجلدلية تدرس الظواهر والوقائع‬
‫األدبية والفنية واجلمالية واإلبداعية يف ضوء النظرية املاركسية اجلدلية أو النظرية املادية‬
‫التارخيية القائمة على مبدإ الصراع اجلديل‪ ،‬واملادية التارخيية‪ ،‬وترجيح كفة ماهو مادي‬
‫واقتصادي على ماهو فكري وثقايف‪.‬ومن مث‪ ،‬تتخذ هذه النظرية توجها ماديا واقتصاديا‬
‫حمضا‪.‬‬
‫وترتبط السوسيولوجيا اجلدلية‪ ،‬على مستوى التصور النظري‪ ،‬بكارل ماركس من جهة‪،‬‬
‫وأحلز من جهة أخرى‪ .‬وتؤمن السوسيولوجيا اجلدلية بأمهية العمل التطبيقي‪ ،‬وأسبقيته على‬
‫الفكر النظري‪ .‬وبالتايل‪ ،‬فاملمارسة العملية أو الرباكسيسية أساس تطور اجملتمعات‪ .‬كما أن‬
‫األساس املادي واالقتصادي واجملتمعي أهم من البىن الفوقية‪ .‬ومن مث‪ ،‬تنبين السوسيولوجيا‬

‫‪ -276‬حسني الواد‪ :‬فا دن هج اكدراس ت األدبي ‪ ،‬منشورات اجلامعة‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة الثانية سنة ‪،0831‬‬
‫ص‪.78:‬‬
‫‪277‬‬
‫‪- J.LEENHARDT et P.JOZA: LIRE LA LECTURE,‬‬
‫‪Lasycomore, Paris, 1982.‬‬
‫‪225‬‬
‫اجلدلية على املنهج اجلديل القائم على القوانني الثالثة (األطروحة‪ ،‬ونقيضها‪ ،‬وتركيبها)‪،‬‬
‫ووحدة صراع املتناقضات‪ ،‬وقانون الكم والكيف‪ ،‬وقانون نفي النفي‪.‬‬
‫وما يالحظ على السوسيولوجيا اجلدلية أهنا حتمل رؤية ثورية تقويضية وراديكالية‪ ،‬أساسها‬
‫التغيري اجلديل انطالقا من املادية التارخيية‪ ،‬لكن يغلب عليها الطابع امليتافيزيقي‪ ،‬والرؤية‬
‫الشعرية احلاملة‪ ،‬والطوباوية اخليالية‪ ،‬وانفصال النظرية عن الواقع‪ ،‬وفشل التنبؤات املاركسية‬
‫يف حتقيق غاياهتا ومراميها وأهدافها البعيدة‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬حتاول السوسيولوجيا اجلدلية أن تربط األدب باجملتمع يف ضوء التصور اجلديل‪،‬‬
‫والصراع الدياليكتيكي‪ ،‬بغية استخالص خمتلف التناقضات اجلدلية اليت يعرفها اجملتمع على‬
‫املستويات السياسية‪ ،‬واالجتماعية‪ ،‬واالقتصادية‪ ،‬والتارخيية‪ ،‬والثقافية‪...‬أي‪ :‬تتوجه املناهج‬
‫السوسيولوجيا اجلدلية إىل النص األديب بغية دراسة بنياته اللغوية واألسلوبية والداللية‪ ،‬يف‬
‫ضوء املادية التارخية‪ ،‬والفلسفة اجلدلية‪ ،‬ومتثل التصورات النظرية جملموعة من املنظرين‬
‫اجلدليني‪ ،‬أمثال‪ :‬هيجل‪ ،‬وماركس‪ ،‬وأحلز‪ ،‬ولينني‪ ،‬وماوتسي تونغ‪ ....‬أي‪ :‬تقوم‬
‫السوسيولوجيا اجلدلية املاركسية على حتليل النص قصد فهمه وتفسريه وتأويله دياليكتيكيا أو‬
‫جدليا‪ ،‬يف ضوء جمموعة من الظروف السياسية واالقتصادية واالجتماعية والثقافية‬
‫والتارخيية‪.‬‬
‫ومن بني أهم النقاد الذين تبنوا املنهج اجلديل نذكر جورع لوكاش‪ ،‬وبليخانوف‪ ،‬وماكسيم‬
‫جوركي‪ ،‬ورواد مدرسة فرانكفورت النقدية‪...‬‬

‫‪226‬‬
‫اكفرع األ ل‪ :‬جورج كوكـ ـ ش‬

‫يعد جورع لوكاش من أهم النماذع املعربة عن السوسيولوجيا اجلدلية‪ ،‬كما يبدو ذلك جليا‬
‫يف كتاباته العديدة‪ ،‬وخاصة كتابه (نظر اكر ا ) الذي اختذ طابعا هيجيليا‪ ،‬حيث نظر إىل‬
‫الرواية على أهنا "ملحمة البورجوازية"؛ لكوهنا تصور نثرية العالقات االجتماعية‪ ،‬وضياع‬
‫اإلنسان واهنياره‪ .‬كما تعرب عن الكدد املشتت لإلنسان بني الذات واملوضوع‪ ،‬على عكس‬
‫ما كانت تنشده امللحمة القدمية اليت كانت تعرب عن الكلية التامة بني الذات واملوضوع‪ ،‬يف‬
‫إطار مثايل سعيد‪ .‬يف حني‪ ،‬تصور الرواية مدى االنشقاق املوجود بني الذات واملوضوع‪.‬‬
‫ومن مث‪ ،‬فالرواية ‪ -‬حسب لوكاتش ‪ -‬تعبري عن وضع مأساوي وتراجيدي‪ .‬بيد أن اهليجيلية‬
‫ما زالت حمتفظة يف كتابات لوكاتش األخرية‪ ،‬كما هو حال كتايب (دراس ت فا اكواقيي‬
‫األ ربي ) و(اكر ا اكا ر خي )‪ ،‬حيث يثبت يف هذين الكتابني أن « الفنانني العظام هم‬
‫أولئك الذين يلتقطون املتناغم أو املنسجم يف احلياة‪ ،‬ليعيدوا خلق الوحدة الشاملة للحياة‬
‫اإلنسانية‪ ،‬ويف جمتمع يزيد فيه االغكاب الرأمسايل من هوة االنقسام بني العام واخلاص‪ ،‬وبني‬
‫التصوري واحلسي‪ ،‬وبني االجتماعي والفردي‪ ،‬يصل الكاتب العظيم وصال جدليا بني هذه‬
‫العناصر املنقسمة‪ ،‬ويوجد بينها يف وحدة شاملة مركبة األبعاد‪ ،‬فتقدم قصته صورة مصغرة‬
‫من الوحدة الشاملة املركبة للمجتمع‪ .‬ومبثل ذلك‪ ،‬يقاوم الفن العظيم اغكاب اجملتمع‬
‫الرأمسايل وجتزأه‪ ،‬مقدما صورة ثرية متعددة اجلوانب للوحدة اإلنسانية الشاملة»‪.273‬‬
‫ويسمي لوكاتش هذا النوع من الفن "بالواقعية" اليت ميثل هلا باإلغريق‪ ،‬وشكسبري‪ ،‬وبلزاك‪،‬‬
‫وتولوستوي‪ .‬وهكذا‪ ،‬فحقب الواقعية الفنية حمصورة يف اليونان وعصر النهضة‪ ،‬وفرنسا يف‬
‫أوائل القرن التاسع عشر‪ .‬واألثر الواقعي عند لوكاتش ثري من حيث القيمة الفنية واألدبية؛‬
‫ألنه ينطوي على رؤية للعا كلية ومنسجمة مكابطة العالقات بني اإلنسان والطبيعة‬

‫‪ - 273‬تريي اجييلتون‪ :‬اكي ركسي اكنقد األدبا‪ ،‬ترمجة‪ :‬جابر عصفور‪ ،‬عيون املقاالت‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪،‬‬
‫الطبعة الثانية سنة ‪0836‬م‪ ،‬ص‪.82 :‬‬
‫‪227‬‬
‫والتاريخ‪ .‬وتساهم هذه العالقات يف جتسيد النمطي يف مرحلة معينة من مراحل التاريخ‪.‬‬
‫ولقد وظف لوكاتش مفاهيم هيجيلية أكثر مما هي ماركسية خالصة‪ ،‬كمفهوم الوحدة‬
‫الشاملة‪ ،‬والعا التارخيي‪ .‬ومن هنا‪ ،‬يشيد لوكاتش كثريا بالكتابات الواقعية؛ ألهنا ركزت‬
‫على األوضاع التارخيية اليت خلقتها‪.‬ولكنه يندد بالطبيعية والشكلية اللتني أسقطتا الواقعية‬
‫يف الدرك األسفل‪.‬‬
‫ويصف لوكاتش )‪ (Lukacs‬طبيعية إميل زوال بكوهنا تشويها للواقعية؛ ألن ذلك التشويه‬
‫يقوم على جمرد التصوير الفوتوغرايف لسطح الظواهر االجتماعية‪ ،‬بدل النفاذ إىل جوهرها‬
‫الدال؛ وعلى حنو حتل فيه التفاصيل احلرفية حمل تصوير املالمح النمطية‪ ،‬وتتقهقر العالقات‬
‫اجلدلية بني البشر وعاملهم لتسيطر موضوعات ميتة عارضة ليست وثيقة الصلة‬
‫بالشخصيات‪ ،‬وتذعن الشخصية الواقعية "املمثلة" لعبادة العادي‪ ،‬وحيتل علم النفس وعلم‬
‫وظائف األعضاء مكانة التاريخ؛ العا احلقيقي الذي حيدد الفعل الفردي‪ .‬إن الطبيعية‬
‫رؤية مغكبة عن الواقع يتحول معها الكاتب عن كونه مشاركا فعاال يف التاريخ ليغدو جمرد‬
‫مالحظ أكلينيكي‪ .‬ويستوي عجز الطبيعة عن فهم "النمطي" مع عجزها عن خلق الوحدة‬
‫الشاملة الدالة بني العناصر‪ ،‬وعلى حنو تنهار معه امللحمة املتكاملة واألحداث الدرامية اليت‬
‫تصاعدت سا الواقعية‪ ،‬فتهوي إىل هوة من االهتمامات الذاتية اخلالصة»‪.278‬‬
‫كما واجه جورع لوكاتش املدرسة الشكلية اليت تبتعد عن الواقع‪ ،‬وتنحو منحا فنيا‪ ،‬ويرى‬
‫فيها ضياعا لإلنسان والتاريخ واجملتمع‪ .‬وهكذا‪ ،‬فالطبيعية لدى لوكاتش نوع من املوضوعية‬
‫اجملردة‪ .‬بينما الشكلية هي جتريد ذايت‪ ،‬وكالمها احنراف عن اجلدلية األصيلة يف الفن‬
‫الواقعي‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬وقد صنف جورع لوكاش اجلنس الروائي تصنيفا اجتماعيا وتارخييا على الوجه التايل‪:‬‬
‫‪ ‬ر ا اكيث كي اكيجردة‪ :‬كان ظهورها مع نشأة اجملتمع الرأمسايل‪ ،‬ومن أمثلتها رواية‬
‫(د ن كيشوت) لسرفانتيس ‪ ،Cervantes‬حيث فشل بطل الرواية يف حتقيق قيمه‬

‫‪ - 578‬تريي إجيلتون‪ :‬اكي ركسي اكنقد األدبا‪ ،‬ص‪.87-86 :‬‬


‫‪228‬‬
‫األصيلة يف الواقع املنهار؛ بسبب مثاليته وسذاجته ونبل قيمه‪ .‬ويعين هذا أن الواقع وجربوته‬
‫وفساده أكرب من مغامرات البطل وقيمه األصيلة وأكثر شراسة من البطل‪.‬‬
‫‪‬اكر ا اكسيتوكوجي (أ ر ا ر د نسي األ ه د)‪ :‬ظهرت هذه الرواية مابني القرن‬
‫(‪ )03‬والنصف األول من القرن (‪ .)08‬وتتناول صراعا بني الذات واملوضوع اخلارجي‪ .‬بيد‬
‫أن للذات أكرب األثر والسيطرة على املوضوع وجتاوزه بعد ذلك‪ ،‬بانطواء الذات على‬
‫نفسها‪ ،‬واحتواء العا اخلارجي املوضوعي‪ .‬وميثل هذا النمط رواية (اكاربي اكي طيفي )‬
‫لفلوبري )‪.(Flaubert‬‬
‫‪‬اكر ا اكايلييي ‪ :‬ال تتجه هذه الرواية مباشرة حنو تغيري العا املنحط‪ ،‬بل جتمع بني‬
‫املغامرة والتأمل‪ .‬وبالتايل‪ ،‬فهي رواية التكيف ومصاحلة الذات مع املوضوع‪ .‬وعلى الرغم من‬
‫هذا التجاوز‪ ،‬فنن مصري البطل دائما هو الفشل الذريع‪ ،‬نظرا لكدي القيم األصيلة اليت‬
‫حيملها البطل اإلشكايل لتثبيتها يف عا منحط مزيف‪ .‬وتعد رواية (فيلهم ديسار‪/‬‬
‫‪ (Welhelm Meister‬جلوته (‪ )Goethe‬منوذجا للرواية املتصاحلة مع الواقع‪.‬‬
‫وما يالحظ على هذه املراحل الثالث وجود البطل الفردي السليب الذي يتصارع مع واقع‬
‫العا الرأمسايل املتناقض جدليا‪ ،‬من خالل رؤية مأساوية تتخلل هذا الصراع الكاجيدي‪.‬‬
‫وفيما بعد‪ ،‬أعقبتها نظرة تفاؤلية مع روايات تولوستوي )‪ (Tolostoi‬ودوستويفسكي‬
‫)‪ (Doestevski‬اليت بشرت بعصر جديد هو عصر البطولة امللحمية‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬درس لوكاتش تاريخ الرواية الغربية دراسة بنيوية تكوينية‪ ،‬بتقسيمها إىل‬
‫مخسة مراحل تارخيية أساسية هي‪:‬‬
‫‪ ‬الدة اكر ا ‪ :‬ظهرت الرواية الغربية بقيام اجملتمع الرأمسايل‪ ،‬والدليل على ذلك روايات‬
‫رابلي وسرييفانتيس‪ .‬وقد عربت هذه الروايات عن استعباد إنسان العصور الوسطى‪ .‬ومن‬
‫مث‪ ،‬متثل احلرية الفردية املثل األعلى لدى الروائيني‪ .‬وأكثر من هذا فقد اضطر الروائيون إىل‬
‫التعبري عن واقعني‪ :‬واقع العصور الوسطى الذي كان يتسم باإلقطاع والطابع العبودي؛‬

‫‪229‬‬
‫والواقع الرأمسايل الذي ضاع فيه اإلنسان‪ ،‬وغاب عنه اإلله‪ .‬واتسم األسلوب بالواقعية‬
‫الفانطاستيكية‪ .‬وقد عاجلت الرواية احلقائق االجتماعية برو من التهكم والسخرية‪.‬‬
‫‪‬غز اكواقع اكيودا‪ :‬حتقق هذا يف األدب اإلحليزي مع مسولت وفيلدنغ‪ ،‬حيث‬
‫سيطرت الطبقة الربجوازية على زمام أمور اجملتمع‪ ،‬وامتلكت وسائل اإلنتاع‪ ،‬وسيطرت على‬
‫إدارات املؤسسات‪ .‬فتغريت النظرة الروائية اهلجائية لتعانق الواقع بكل حدة ودقة‪ ،‬وكانت‬
‫طموحاهتا أن ترسم بطال ملحميا‪ ،‬لكنها خلقت لنا بطال إجيابيا بورجوازيا‪ .‬بيد أن هناك‬
‫من صور العا البورجوازي الرأمسايل بوحشية شرسة‪.‬‬
‫‪‬شير اكسلط اكر ي اك يواني ‪ :‬ملا اتضحت تناقضات اجملتمع الرأمسايل للجميع‪،‬‬
‫دخلت الطبقة العمالية ( الربوليتاريا ) املعركة النضالية ضد الطبقة البورجوازية بغية احلد من‬
‫أوهامها البطولية‪ .‬يف الوقت الذي ححت فيه الثورة الفرنسية اليت كانت تتغىن بالقيم املثلى‪،‬‬
‫مثل‪ :‬األخوة‪ ،‬واحملبة‪ ،‬واملساواة‪.‬‬
‫ز ال اكشتل اكر ائا‪ :‬متثل هذه الفكة شيخوخة اإلديولوجيا الربجوازية‪،‬‬ ‫‪‬اكطبييي‬
‫حيث اشتد الصراع الربوليتاري والطبقي منذ جوان ‪ ،0383‬وظهرت الطبقة العمالية‬
‫باعتبارها قوة مستقلة ومنظمة‪ .‬ويعد إميل زوال خري من عرب عن هذه املرحلة برواياته‬
‫الطبيعية‪ ،‬والسيما روايته املتميزة (جيردين ل‪ ،(Germinal /‬وقد اتسم أسلوسا الروائي‬
‫بالذاتية واملوضوعية والتجريبية املصطنعة‪ .‬ومن مث‪ ،‬فقد صور األدباء الطبيعيون عا الصراع‬
‫تصويرا فيزيولوجيا وطبيعيا‪ ،‬معتمدين على التحليل والوصف بدل السرد‪ ،‬وكان عاملهم‬
‫املصور عاملا ثابتا وهنائيا‪ .‬كما اعتمدوا على الرجل املتوسط‪ ،‬وابتعدوا عن النماذع الفردية‬
‫وامللحمية‪ .‬وهكذا‪ ،‬افتقدت هذه الرواية الطابع امللحمي والسرد الواقعي احلقيقي واإلنساب‪.‬‬
‫‪‬آف ق اكواقيي االشاراكي ‪ :‬ظهرت هذه الرواية مع اضمحالل البورجوازية‪ ،‬وسيطرة‬
‫الربوليتاريا على وسائل اإلنتاع‪ ،‬وهيمنتها على زمام األمور‪ ،‬باإلضافة إىل مرحلة تشييد‬
‫االشكاكية‪ ،‬فلم يعد احلديث عن نثرية الرواية والبطل الفردي اإلشكايل‪ ،‬بل استبدل ذلك‬
‫البطل باجملموعة اإلشكالية مع رواية (األد) ملاكسيم كوركي )‪ ،(Korki‬و(اكد ن اكه دئ)‬
‫‪230‬‬
‫لشولوخوف )‪ .(Cholokhov‬وأصبحت هذه الرواية ذات الطابع الواقعي االشكاكي‬
‫تتغىن بعا هومريوس امللحمي )‪ ،(Homère‬حيث السعادة املثلى‪ ،‬والعدالة االجتماعية‪،‬‬
‫والتالحم املطلق بني الذات واملوضوع‪.‬‬
‫وعلى العموم‪ ،‬يعد جورع لوكاش من أهم رواد السوسيولوجيا اجلدلية يف األدب والنقد‪ ،‬إذ‬
‫كان يقارب كثريا من الظواهر األدبية والفنية واجلمالية واإلبداعية يف ضوء املقكب‬
‫السوسيولوجي‪ ،‬مستفيدا من تصورات هيجل‪ ،‬وماركس‪ ،‬وأحلز‪...‬‬

‫اكفرع اكث نا‪ :‬تيود ر أد رنو‬

‫يعد تيودور أدورنو من أهم رواد النظرية النقدية األملانية‪ ،‬ومن املؤسسني الفعليني ملدرسة‬
‫فرانكفورت‪ ،‬وقد انصب اهتمامه على جمال الثقافة‪ ،‬وخباصة املوسيقا‪ ،‬والتحليل النفسي‪،‬‬
‫ونظرية علم اجلمال‪ ،‬متأثرا يف ذلك بوالك بنيامني‪ ،‬و يعرف بالنظرية اجلدلية‪ ،‬بقدر ماعرف‬
‫باجلدل السليب يف نقده للنظريات الفلسفية والنظريات االجتماعية‪ ،‬كأنه يعيدنا سذه‬
‫األفكار السلبية إىل مذاهب الشك والنسبية‪ .‬وإذا كان هوركامير وماركوز هلما صياغة‬
‫اجتماعية إجيابية على أساس التصور اهليغلي للعقل‪ ،‬فنن آراء أدورنو كانت بعيدة عن‬
‫املاركسية‪ ،‬على الرغم من كونه يدعي أن فلسفته مادية جدلية‪ .‬وقد انتقد أدورنو مرات‬
‫عديدة أفكار ماركس‪ ،‬وخاصة علم التاريخ واملادية التارخيية‪ ،‬و يهتم حبال من األحوال‬
‫بتحليل ماركس االقتصادي‪ ،‬وعالقته بنظريته عن الطبقات‪ ،‬بل أخذ من جورع لوكاش‬
‫املستوى السليب من النقد اإليديولوجي يف نقد الوعي الطبقي البورجوازي‪ .‬وقد ساهم يف‬
‫بلورة النقد الثقايف‪ ،‬كما يبدو ذلك واضحا يف حبثه الذي كتبه مع هوركامير بعنوان( جدل‬
‫اكانو ر) (‪0822‬م)‪ ،‬حيث انتقد فيه العقل العلمي الوضعي الذي يقدم حقائق زائفة عن‬
‫الوضع البشري‪ ،‬وانتقد العلم والتقنية‪ ،‬وكان يرامها سببا يف استالب اإلنسان واستغالله‪،‬‬

‫‪231‬‬
‫وأهنما وهم إيديولوجي زائف ليس إال‪ .‬كما انتقد الثقافة اجلماهريية الساذجة اليت تساعد‬
‫على انتشار اإليدولوجيا الوامهة‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬رفض أدورنو نظرية لوكاش الواقعية اليت تقوم على االنعكاس املباشر‪،‬‬
‫حيث يتحول األدب أو الفن‪ ،‬يف منظوره‪ ،‬إىل مرآة تعكس بطريقة مباشرة مايقع يف الواقع‬
‫حماكاة ومتثال ونقال وتصورا‪ .‬وقد اهتم أدورنو باجلمال اهتماما الفتا لالنتباه‪ ،‬ويعد أدورنو‬
‫كذلك من رواد نظرية اجلمالية اجلديدة‪ ،‬حيث ألف كتابا حتت عنوان( نظر اكجي ل)‪،‬‬
‫حيث يعطي مفهوما جديدا للفن واجلمال خمالفا للتصور املاركسي الذي يرى اجلمال متثال‬
‫للعا وانعكاسا له‪ .‬بينما يرى أدورنو اجلمال أو الفن وسيلة هروب غامضة‪ .‬و" هكذا‪،‬‬
‫يرفض أدورنو نظرة لوكاش إىل الواقعية‪ ،‬مؤكدا أن األدب اليتصل اتصاال مباشرا بالواقع على‬
‫حنو مايفعل العقل‪ ،‬فتباعد الفن عن الواقع هو الذي يكسبه قوته وداللته اخلاصة‪ .‬ويتوقف‬
‫أدورنو عند الطرائق اليت يستخدم سا املسرحي صمويل بيكيت الشكل‪ ،‬واملوسيقار شوبنربع‬
‫‪231‬‬
‫الثورة الالنغمية‪ ،‬ليصور خواء الثقافة احلديثة‪".‬‬
‫ويعين هذا أن شعرية األدب التكمن يف مفهوم احملاكاة‪ ،‬بل يف االنزيا واالبتعاد عن مفهوم‬
‫االنعكاس املباشر‪ .‬كما يتخذ الفن عند أدورنو موقفا نقديا وسلبيا من العا ‪ .‬ويف هذا‬
‫السياق‪ ،‬يقول دافيد كارتر (‪ ":)David karter‬انتقد أدورنو نظرية لوكاش القائلة‪ :‬إن‬
‫للفن عالقة مباشرة مع الواقع‪ .‬وبالنسبة ألدورنو‪ ،‬إن الفن‪ ،‬مبا يف ذلك األدب‪ ،‬معزول عن‬
‫الواقع‪ ،‬وهذا هو مصدر قوته متاما‪ .‬إن أشكال الفن الشعيب تؤكد فقط‪ ،‬على مطابقة قواعد‬
‫اجملتمع‪ ،‬وختضع لتلك القواعد أيضا‪ ،‬ولكن الفن احلقيقي يتخذ موقفا نقديا‪ ،‬يف منأى عن‬

‫‪ - 231‬توم بوتومور‪ :‬ددرس فرانتفورت‪ ،‬ترمجة‪ :‬سعد هجرس‪ ،‬دار أويا‪ ،‬دار الكتب الوطنية‪ ،‬ليبيا‪ ،‬الطبعة الثانية‬
‫سنة ‪2112‬م‪ ،‬ص‪.033:‬‬
‫‪232‬‬
‫العا الذي أنشأه‪ " :‬الفن هو املعرفة السلبية للعا الفعلي"‪ .‬ورأى أدورنو االغكاب واضحا‬
‫‪230‬‬
‫يف كتابات بروست وبيكيت على أهنا تثبت هذه املعرفة السلبية للعا احلديث‪".‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬فالنظرية النقدية ‪ -‬حسب أدورنو ‪ -‬هي نقد للواقعية املاركسية االنعكاسية‬
‫الساذجة اليت تعقد الصلة املباشرة بني األدب واجملتمع‪ ،‬يف جل تناقضاته السياسية‬
‫واالجتماعية واالقتصادية والثقافية والتارخيية‪.‬‬
‫ويف األخري‪ " ،‬ير أدورنو إمكانية لتحرير الفرد من التسلط واهليمنة‪ ،‬ال يف ظهور مجاعات‬
‫معارضة جديدة‪ ،‬وال يف التحرر اجلنسي‪ ،‬وإمنا ارتأى هذه اإلمكانية باألحرى يف عمل‬
‫الفنان األصيل الذي يواجه الواقع املعطى بالتلميح إىل ماميكن أن يكون‪ .‬وعلى هذا‪ ،‬فنن‬
‫الفن األصيل ميتلك قوة غالبة‪ ،‬لدرجة يضعه أدورنو يف مواجهة العلم الذي يعكس الواقع‬
‫املوجود فحسب‪ ،‬فيما ميثل الفن األصيل شكال أعلى من أشكال املعرفة‪ ،‬وسعيا متجها إىل‬
‫‪232‬‬
‫املستقبل وراء احلق‪".‬‬
‫إذا‪ ،‬ما مييز أدورنو هو اهتمامه باألدب والفن‪ ،‬على أساس أن الفن هو الذي حيرر اإلنسان‬
‫من اهليمنة والسيطرة واالستبداد‪.‬‬

‫اكفرع اكث كث‪ :‬اكار بني دين‬

‫يعد والك بنيامني (‪0821-0382‬م) من رواد مدرسة فرانكفورت‪ ،‬وقد تأثر بكتابات كارل‬
‫ماركس وأفكار جورع لوكاش الواقعية‪ ،‬وتكمن أمهيته يف كونه قدم أفضل الصيغ يف الفكر‬
‫النقدي لألدب‪ ،‬وقد سامهت نظريته‪ ،‬بشكل أو بةخر‪ ،‬يف ظهور البنيوية التكوينية عند‬
‫لوسيان كولدمان‪ .‬وقد اهتم بالفن كأدورنو اهتماما الفتا لالنتباه‪ ،‬حيث درس األدب يف‬

‫‪ -‬ديفيد كارتر‪ :‬اكنظر األدبي ‪ ،‬ترمجة‪ :‬باسل املسامله‪ ،‬دار التكوين‪ ،‬دمشق‪ ،‬سوريا‪ ،‬الطبعة األوىل سنة‬ ‫‪230‬‬

‫‪2101‬م‪ ،‬ص‪.68:‬‬
‫‪ - 232‬توم بوتومور‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.38-33:‬‬
‫‪233‬‬
‫ضوء مفاهيم ماركسية‪ ،‬حيث اعترب الفن واإلبداع األديب إنتاجا واملؤلف منتجا‪ ،‬كما يتضح‬
‫ذلك جليا يف كتابه( اكيؤكف دناج) (‪0882‬م)‪ .‬وقد طالب بنيامني أن يكون اإلنتاع‬
‫ثوريا‪ ،‬وعامال فعاال يف خلق عالقات اجتماعية جديدة بينه وبني املتلقي‪ .‬ويعين هذا أنه‬
‫يدعو إىل الفن الثوري الذي يغري اجملتمع شكال ومضمونا‪ ،‬وينوره بشكل إجيايب عرب مترير‬
‫رسائل ثورية‪ .‬ومن هنا‪ ،‬يعتمد الفن عند والك بنيامني " على تقنيات معينة من اإلنتاع‪،‬‬
‫شأنه يف ذلك شأن غريه من أشكال اإلنتاع‪.‬أي‪ :‬يعتمد على أمناط معينة يف الرسم والنشر‬
‫والعرض املسرحي‪...‬إخل‪.‬هذه األمناط جزء من القوى اإلنتاجية للفن‪ ،‬وجانب من مرحلة من‬
‫مراحل تطور اإلنتاع الفين‪ ،‬تتضمن مجاعا من العالقات االجتماعية بني الفنان املنتج‬
‫‪238‬‬
‫واملتلقي املستهلك‪".‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬يرى بنيامني أن االستنساخ الصناعي قد قضى على الفن الراقي‬
‫والسامي‪ ،‬وحوله إىل كليشيهات الحياة فيها والرو ‪ .‬وهكذا‪ ،‬يقول بنيامني‪ ،‬يف مقاله(‬
‫اكييل اكفنا فا عصر االسانس خ اكصن عا) (‪0888‬م)‪ ": ،‬إن األعمال الكاثية يف الفن‬
‫كانت حتيط سا هالة من التفرد والتميز والتباعد والدميومة‪ .‬ولكن االستنساخ اآليل للرسم‪،‬‬
‫مثال‪ ،‬قضى على هذا التفرد‪ ،‬وأحل حمل اللوحة الفريدة نسخا شعبية‪ ،‬فحطم بذلك من‬
‫هالة الفن املتوحد املغكب‪ ،‬وأتا للمشاهد أن يرى اللوحة حيث يشاء‪ ،‬وحني يشاء‪ .‬وإذا‬
‫كان البورتريه حيافظ على تباعده عن املوضوع‪ ،‬فنن آلة التصوير تنفذ إىل املوضوع‪ ،‬وتقارب‬
‫بينه وبني املشاهد إنسانيا ومكانيا إىل أبعد حد‪ ،‬فتقضي على أي سحر غامض ينطوي‬
‫عليه املوضوع‪ .‬يضاف إىل ذلك أن الفيلم يف آلة التصوير جيعل الناس مجيعا خرباء‪ ،‬ماظلوا‬
‫‪232‬‬
‫قادرين على التقاط الصور الفوتوغرافية؛ فتتهدم الشعرية التقليدية ملا مسي بالفن الراقي‪".‬‬
‫وهكذا‪ ،‬فقد كان والك بنيامني املمهد الفعلي النبثاق البنيوية التكوينية اليت كانت جتمع بني‬
‫الفهم والتفسري‪.‬‬

‫‪ - 238‬تريي إجيلتون‪ :‬اكي ركسي اكنقد األدبا‪ ،‬ص‪.62:‬‬


‫‪ -232‬تريي إجيلتون‪ ،‬نفسه‪ ،،‬ص‪.62-68:‬‬
‫‪234‬‬
‫اكيطلب اكث كث‪ :‬اكسوسيوكوجي اكاتو نيـ ـ‬

‫يعترب لوسيان ڭولدمان (‪ 231 )Lucien Goldmann‬من أهم السوسيولوجيني الذين‬


‫مجعوا بني الفهم والتفسري يف دراسة األثر األديب والثقايف‪ ،‬ضمن ما يسمى بسوسيولوجيا‬
‫األدب والنقد‪ .‬وتسمى منهجيته السوسيولوجية بالبنيوية التكوينية ( ‪structuralisme‬‬
‫‪ .)Génetique‬واهلدف من هذه املقاربة هو دراسة األعمال األدبية والفنية واجلمالية‬
‫بغية حتديد رؤى العا ‪ ،‬باالعتماد على خطوتني إجرائيتني متكاملتني مها‪ :‬الفهم‬
‫(‪ )Compréhension‬والتفسري(‪ .)Explication‬ويعين الفهم دراسة األثر األديب‬
‫أوالفين يف كليته‪ ،‬دون أن نضيف إليه شيئا‪ .‬وأكثر من هذا‪ ،‬البحث عن البنية الدالة‬
‫واخلاصية الداللية لسلوك الفاعل اجلماعي‪ .‬مبعىن البحث عن املعىن البنيوي احملايث املوجود‬
‫داخل املنت أو النص أو العمل‪ ،‬وإضاءة اخلاصية الداللية لألثر الثقايف‪ .‬مث‪ ،‬إدماع هذه‬
‫البنية الدالة ضمن بنية أوسع قصد استخالص رؤية العا ‪ ،‬ولن يتم ذلك إال بتفسري األثر‬
‫األديب والفين والثقايف مبعطياته السياسية‪ ،‬واالجتماعية‪ ،‬واالقتصادية‪ ،‬والتارخيية‪ ،‬والثقافية‪،‬‬
‫وحتديد أمناط الوعي( الوعي الزائف‪ ،‬والوعي القائم‪ ،‬والوعي املمكن)‪.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬يوفق لوسيان ڭولدمان‪ 236‬بني علوم الطبيعة (التفسري)‪ ،‬وعلوم اإلنسان(الفهم)‪،‬‬
‫ويوفق بني نظرية إميل دوركامي التفسريية‪ ،‬ونظرية ماكس فيرب التفهمية‪ ،‬ضمن بوتقة منهجية‬
‫واحدة مساها البنيوية التكوينية‪ .‬ويعين هذا أن ليس هناك أي تعارض حقيقي بني منهج‬
‫الفهم ومنهج التفسري‪.‬‬

‫‪- Lucien Goldmann: Sciences humaines et philosophie. PUF, 231‬‬


‫‪Paris, 1951.‬‬

‫‪ - 236‬ولد لوسيان ڭولدمان يف رومانيا سنة ‪0808‬م‪ ،‬وتويف سنة ‪0871‬م بفرنسا‪ .‬وهو باحث يف سوسيولوجيا‬
‫األدب‪.‬‬
‫‪235‬‬
‫وقد ركز لوسيان ڭولدمان على جمموعة من املفاهيم اإلجرائية‪ ،‬مثل‪ :‬التماثل‪ ،‬والكلية‪،‬‬
‫والبطل اإلشكايل‪ ،‬والوعي‪ ،‬والرؤية إىل العا ‪ ،‬والفهم‪ ،‬والتفسري‪ ،‬واالنسجام‪.237‬‬
‫إذا كان املنهج االجتماعي الوضعي يعقد ربطا آليا بني مضامني األدب واجملتمع‪ ،‬على‬
‫أساس أن األديب ال يعكس سوى بيئته ووسطه االجتماعي‪ ،‬فنن البنيوية التكوينية تعقد‬
‫متاثال من نوع آخر‪ ،‬ليس بني مضمون األدب واجملتمع‪ ،‬بل بني األشكال األدبية وتطور‬
‫اجملتمع بطريقة غري آلية‪ .‬ويتم هذا الكابط بواسطة التناظر أو التماثل بني البىن اجلمالية أو‬
‫الفنية والبىن االجتماعية‪ .‬وميكن التمييز كذلك بني بنيوية تكوينية وظيفية ميثلها لوسيان‬
‫كولدمان‪ ،‬وبنيوية شكالنية غري تكوينية ميثلها كل من جاكبسون‪ ،‬وكلود لفي شكاوش‪،‬‬
‫وروالن بارت‪ ،‬وكرمياس‪ ،‬وألتوسري‪ ،‬وفوكو‪ ،‬والكان‪.....‬‬
‫هذا‪ ،‬وإن البنيوية التكوينية عبارة عن تصور علمي حول احلياة اإلنسانية ضمن بعدها‬
‫االجتماعي‪ .‬ومتتح تصوراهتا النفسية من آراء فرويد‪ ،‬ومفاهيمها اإلبستيمولوجية من‬
‫نظريات هيااجل‪ ،‬وماركس‪ ،‬وماكس فيرب‪ ،‬وجورع زميل‪ ،‬وبيري بورديو‪ ،‬وجان بياجي‪ .‬أما‬
‫على املستوى التارخيي واالجتماعي‪ ،‬فتعود تصوراهتا النظرية إىل آراء هيجل‪ ،‬وماركس‪،‬‬
‫وكرامشي‪ ،‬ولوكاتش‪ ،‬واملاركسية ذات الطابع اللوكاتشي‪.‬‬
‫ويستهدف لوسيان كولدمان‪ ،‬يف إطار بنيويته التكوينية‪ ،‬رصد رؤى العا يف األعمال‬
‫األدبية اجليدة‪ ،‬انطالقا من عملييت الفهم والتفسري‪ ،‬بعد حتديد البىن الدالة يف شكل‬
‫مقوالت ذهنية وفلسفية‪ .‬ويعد املبدع‪ ،‬يف النص األديب‪ ،‬فاعال مجاعيا بامتياز‪ ،‬يعرب عن‬
‫وعي طبقة اجتماعية ينتمي إليها‪ ،‬وهي تتصارع مع طبقة اجتماعية أخرى هلا تصوراهتا‬
‫اخلاصة للعا ‪ .‬أي‪ :‬إن هذا الفاعل اجلماعي يكجم آمال الطبقة االجتماعية وتطلعاهتا‬

‫‪-‬‬ ‫‪Lucien Goldmann:‬‬ ‫‪Pour une sociologie du roman.‬‬ ‫‪237‬‬

‫‪Gallimard, Paris, 1964.‬‬

‫‪236‬‬
‫املستقبلية؛ والسيما أن املبدع قد ترعرع يف أحضاهنا‪ ،‬ويصيغ منظور هذه الطبقة أورؤية‬
‫العا اليت تعرب عنها بصيغة فنية ومجالية تتناظر مع معادهلا املوضوعي "الواقع"‪.‬‬
‫وتنبين منهجية لوسيان كولدمان السوسيولوجية على كلية العمل األديب أو الفين‪ ،‬ودراسته‬
‫على أساس أنه بنية دالة كلية‪ .‬ويستلزم هذا حتليل النص بطريقة مشولية‪ ،‬بتحليل بنياته‬
‫الصغرى والكربى‪ ،‬بدءا برصد عناصره الفونولوجية والككيبية والداللية والبالغية والسردية‬
‫والسيميولوجية‪ ،‬دون أن نضيف ما ال عالقة له بالنص‪ ،‬إذ علينا أن نلتزم مبضامني النص‬
‫الكلية دون تأويله أو التوسع فيه‪ .‬وبعد ذلك‪ ،‬حندد البنية الدالة‪ ،‬وهي مقولة ذهنية‬
‫وفلسفية تستخلص من كلية العمل األديب عرب توارد تيماته املتواترة‪ .‬ويشكل هذا كله‬
‫عملية الفهم( ‪ .)COMPREHENSION LA‬وعندما حندد البنية الدالة‬
‫والرؤية للعا املنبثقة عن الوعي املمكن‪ ،‬نفسر تلك الرؤية خارجيا أومايسمى لدى‬
‫كولدمان( ‪ ،) EXPLICATION‬بتحديد العوامل املؤثرة يف هذه البنية‪ ،‬وكيف‬
‫تشكلت من خالهلا رؤية العا ‪ .‬ويعين هذا أنه من الضروري االنتقال إىل خطوة أساسية‬
‫وهي تفسري النص خارجيا‪ ،‬بعد فهمه داخليا‪ ،‬بالككيز على العوامل التارخيية واالجتماعية‬
‫والسياسية والثقافية‪ .‬ويعين هذا كله أن البنية الدالة‪ ،‬ذات الطابع الفلسفي‪ ،‬ال ميكن أن‬
‫تبقى ساكنة‪ ،‬بل ال بد من إدراجها ضمن بنية أكثر تطورا ملعرفة مولداهتا‪ ،‬وأسباب‬
‫تكوينها؛ لذلك مسيت بالبنيوية التكوينية (‪.)Structuralisme génétique‬‬
‫وتعتمد البنيوية التكوينية على مصطلحات إجرائااية ال بد من التسلح سا لتحليل النص‬
‫األديب حتليال سوسيولوجيا لألشكال األدبية‪ .‬وميكن حصر هذه املصطلحات فيما يلي‪:‬‬

‫‪237‬‬
‫‪‬اكفهم اكافسير‪La compréhension et l’éxplixation :‬‬
‫إذا كان الفهم هو الككيز على النص ككل دون أن نضيف إليه شيئا من تأويلنا أو شرحنا‪،‬‬
‫فنن التفسري هو الذي يسمح بفهم البنية بطريقة أكثر انسجاما مع جمموع النص املدروس‪.‬‬
‫ويستلزم التفسري استحضار العوامل اخلارجية إلضاءة البنية الدالة‪.233‬‬
‫‪‬اكرؤ ـ كلي كم‪La vision du monde :‬‬
‫يقصد بالرؤية للعا " جمموعة من األفكار واملعتقدات والتطلعات واملشاعر اليت تربط‬
‫أعضاء مجاعة إنسانية (مجاعة تتضمن‪ ،‬يف معظم احلاالت‪ ،‬وجود طبقة اجتماعية)‪،‬‬
‫وتضعهم يف موقع التعارض يف جمموعااات إنسانية أخرى"‪.238‬‬
‫ويعين هذا أن الرؤية للعا هي تلك األحالم والتطلعات املمكنة واملستقبلية واألفكار‬
‫املثالية اليت حيلم بتحقيقها جمموعة أفراد جمموعة اجتماعية معينة‪.‬‬
‫إهنا باختصار تلك الفلسفة اليت تنظر سا طبقة اجتماعية إىل العا والوجود واإلنسان‬
‫والقيم‪ .‬وتكون خمالفة‪ ،‬بالطبع‪ ،‬لفلسفة أو رؤية طبقة اجتماعية أخرى‪ .‬فمثال‪ ،‬حد رؤية‬
‫الطبقة الربجوازية للعا خمتلفة كليا عن رؤية الطبقة الربوليتارية‪ .‬كما أن رؤية شعراء التيار‬
‫اإلسالمي خمتلفة جذريا عن رؤية شعراء التيار االشكاكي يف أدبنا العريب املعاصر‪.‬‬
‫‪ ‬اكاي ثـ ــل ‪Homologie‬‬
‫ليست العالقة بني األدب واجملتمع عالقة آلية أوانعكاسية أو عالقة سببية دائما‪ ،‬بل على‬
‫العكس‪ ،‬فنهنا عالقة ذات تفاعل متبادل بني اجملتمع واألدب‪.‬وبتعبري آخر‪ ،‬تتماثل‬
‫األشكال األدبية ‪ -‬وليست حمتويات األدب‪ -‬مع تطور البنيات االجتماعية واالقتصادية‬
‫والتارخيية‪ .‬ويعين هذا أن هناك تناظرا بني البنية اجلمالية والبنية االجتماعية بطريقة غري‬

‫‪Ed.‬‬ ‫‪.Sciences huumaines et philosophie :Lucien Goldmann-233‬‬


‫‪Gonthier, 1966, Paris.P:160.‬‬
‫‪ -238‬نقال عن ميجان الرويلي وسعد البازغي‪ :‬دكيل اكن قد األدبا‪ ،‬املركز الثقايف العريب‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية ‪ ،2111‬ص‪.28:‬‬
‫‪238‬‬
‫مباشرة وال شعورية‪ ،‬وأي قول باالنعكاس بينهما جيعل األدب حماكاة واستنساخا وتصويرا‬
‫جافا للواقع‪ ،‬ويعدم يف األدب رو اإلبداع والتاخييل واالستيتيقا الفنية‪ .‬إذا‪ " ،‬هناك تناظر‬
‫دائم يف كل عمل إبداعي‪ ...‬بني واقعه وموضوعه‪ ،‬بني بنية شكلية ظاهرة‪ ،‬وبنية موضوعية‬
‫عميقة‪ ،‬بني اللحظة التارخيية واالجتماعية واللحظة اإلبداعية‪ ،‬بني سياقية اجلدل الروائي‪،‬‬
‫‪281‬‬
‫وسياقية اجلدل االجتماعي "‪.‬‬
‫إذا‪ ،‬فأساس األدب هو التماثل مع اجملتمع ضمن املنظور البنيوي التكويين‪.‬‬
‫‪‬اكوعا اكق ئم اكوعا اكييتن‪La conscience réelle et la :‬‬
‫‪conscience possible‬‬
‫الوعي القائم هو الوعي الواقعي املوجود لدى الشخص يف احلاضر‪ .‬وهو الوعي املوجود‬
‫جتريبيا على مستوى السلب‪ .‬ويعين هذا أن الوعي القائم هو " وعي آب حلظي وفعلي‪ ،‬من‬
‫املمكن أن يعي مشاكله اليت يعيشها‪ ،‬لكنه الميلك لنفسه حلوال يف مواجهتها‪ ،‬والعمل‬
‫‪280‬‬
‫على جتاوزها"‪.‬‬
‫أي‪ :‬إنه وعي ظريف‪ ،‬فكل جمموعة اجتماعية حتاول فهم الواقع وتفسريه‪ ،‬انطالقا من‬
‫ظروفها االجتماعية والسياسية واالقتصادية والفكرية والدينية والكبوية‪ ،‬دون أن يكون هلا‬
‫تصور مستقبلي وإيديولوجيا القكا بديل إجيايب ومثايل حلياهتا املعيشية‪ .‬وإذا كان الوعي‬
‫القائم هو وعي احلاضر واآلب واملرحلي‪ ،‬فنن الوعي املمكن هو وعي إيديولوجي مستقبلي‬
‫بامتياز‪ ،‬يتجاوز جدال الوعي القائم والوعي الزائف املغلوط‪ .‬وإذا كان الوعي القائم هو‬
‫وعي التكيف واحملافظة على الواقع‪ ،‬فنن الوعي املمكن هو وعي التغيري والتطوير‪ ،‬ويصبح‬
‫الوعي املمكن يف كلية العمل األديب املنسجم رؤية للعا وتصورا فلسفيا وإيديولوجيا للطبقة‬
‫االجتماعية‪.‬‬

‫‪ -581‬صاحل سليمان عبد العظيم‪ :‬سوسيوكوجي اكر ا اكسي سي ‪ ،‬اهليئة املصرية العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪،‬‬
‫الطبعة األوىل ‪ ،0883‬ص‪.12:‬‬
‫‪ -280‬صاحل سليمان عبد العظيم‪ :‬سوسيوكوجي اكر ا اكسي سي ‪ ،‬ص‪.17:‬‬
‫‪239‬‬
‫" وإذا كان الوعي الفعلي يرتبط باملشكالت اليت تعانيها الطبقة أو اجملموعة االجتماعية‪،‬‬
‫من حيث عالقاهتا املتعارضة ببقية الطبقات أو اجملموعات‪ ،‬فنن هذا الوعي املمكن يرتبط‬
‫باحللول اجلذرية اليت تطرحها الطبقة لتنفي مشكالهتا‪ ،‬وتصل إىل درجة من التوازن يف‬
‫العالقات مع غريها من الطبقات أو اجملموعات "‪.282‬‬
‫وعليه‪ ،‬ميكن احلديث ‪ -‬إذا‪ -‬عن أمناط ثالثة من الوعي لدى الشخصية الروائية ‪ -‬حسب‬
‫كولدمان‪ -‬الوعي الزائف‪ ،‬والوعي القائم‪ ،‬والوعي املمكن‪ .‬ويعد الوعي املمكن أفضل هذه‬
‫األمناط كلها‪.‬‬
‫‪‬اكبني اكداك ـ ـ أ اكدالكي ‪Structure signifiante‬‬
‫البنية الدالة هي عبارة عن مقولة ذهنية أو تصور فلسفي يتحكم يف جمموع العمل األديب‪.‬‬
‫وتتحدد من خالل التواتر الداليل‪ ،‬وتكرار بنيات ملحة على نسيج النص اإلبداعي‪ ،‬وهي‬
‫اليت تشكل حلمته ومنظوره ونسقه الفكري‪ .‬وحتمل بىن العا اإلبداعي دالالت وظيفية‬
‫متعددة وثرة‪ ،‬تعرب عن انسجام هذا العا ومتاسكه دالليا وتصوريا يف التعبري عن‬
‫الطموحات االجتماعية والسياسية واإليديولوجية للجماعة‪ .‬وحيدد كولدمان الدور املزدوع‬
‫للبنية الدالة باعتباره مفهوما إجرائيا باألساس‪ .‬فهو" من جهة األداة األساسية اليت متكننا‬
‫من فهم طبيعة األعمال اإلبداعية ودالالهتا‪ ،‬ومن جهة أخرى‪ ،‬فهو املعيار الذي يسمح لنا‬
‫بأن حنكم على قيمتها الفلسفية واألدبية أواجلمالية‪ ،‬فالعمل اإلبداعي يكون ذا صالحية‬
‫فلسفية أو أدبية أو مجالية مبقدار ما يعرب عن رؤية منسجمة عن العا إما على مستوى‬
‫املفاهيم‪ ،‬وإما على مستوى الصور الكالمية أو احلسية‪ .‬وإننا لنتمكن من فهم تلك‬
‫األعمال وتفسريها تفسريا موضوعيا مبقدار ما نستطيع أن نربز الرؤية اليت تعرب عنها "‪.288‬‬

‫‪ -282‬صاحل سليمان عبد العظيم‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.13:‬‬


‫‪ -288‬نقال عن عمر حممد الطالب‪:‬دن هج اكدراس ت األدبي اك د ث ‪ ،‬دار اليسر‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪،‬‬
‫الطبعة األوىل سنة ‪ ،0833‬ص‪.228-222:‬‬
‫‪240‬‬
‫إذا‪ ،‬فالبنية الدالة هي اليت تسعفنا يف إضاءة النص األديب وفهمه‪ .‬كما تساعدنا فلسفيا‬
‫وذهنيا على حتديد رؤية املبدع للعا ‪ ،‬ضمن تصور مجاعي ومقواليت‪.‬‬
‫‪‬اكبطل اإلشت كا‪Le héro problématique‬‬
‫ورد هذا املفهوم عند جورع لوكاتش يف نظرية الرواية‪ ،‬وهذا البطل ليس سلبيا وال إجيابيا‪،‬‬
‫فهو بطل مكدد بني عاملي الذات والواقع‪ ،‬يعيش متزقا يف عا فض‪ .‬إذ حيمل البطل قيما‬
‫أصيلة يفشل يف تثبيتها يف عا منحط يطبعه التشيؤ واالستالب والتبادل الكمي‪ .‬لذلك‪،‬‬
‫يصبح حبثه منحطا بدوره الجدوى منه‪ .‬ويصبح هذا البطل مثاليا عندما يكون الواقع أكرب‬
‫من الذات كرواية (د ن كيشوط) لسريفانتيس‪ .‬كما يكون البطل رومانسيا عندما تكون‬
‫الذات أكرب من الواقع‪ ،‬وخاصة يف الروايات الرومانسية؛ ويكون كذلك بطال متصاحلا مع‬
‫الواقع عندما تتكيف الذات مع الواقع‪ ،‬والسيما يف الروايات التعليمية‪ .‬وهذا التصنيف‬
‫أساس نظرية الرواية جلورع لوكاتش‪ ،‬وقد استفاد منه كولدمان كثريا‪ ،‬وخاصة يف كتابه (‬
‫اإلبداع اكثق فا فا اكيجايع اك د ث) الذي يقول فيه عن هذا البطل‪ ":‬يتمتع هذا‬
‫الشكل ‪ -‬رواية البطل اإلشكايل ا بوضع خاص يف تاريخ اإلبداع الثقايف‪ :‬إهنا حكاية‬
‫البحث املتدهور لبطل ال يعي القيم اليت يبحث عنها داخل جمتمع جيهل القيم‪ ،‬ويكاد أن‬
‫ينسى ذكراها تقريبا‪ .‬فالرواية‪ ،‬رمبا‪ ،‬كانت األوىل بني األشكال األدبية الكبرية املسيطرة يف‬
‫نظام اجتماعي‪ ،‬واليت محلت‪ ،‬يف جوهرها‪ ،‬طبيعة نقدية‪.282"...‬‬
‫ويضيف أيضا " من خالل حبثه املضطرب ينتهي البطل إىل وعي استحالة الوصول‬
‫‪281‬‬
‫وإعطاء معىن للحياة "‪.‬‬
‫إذا‪ ،‬ليس البطل اإلشكايل بطال إجيابيا مثل البطل امللحمي الذي حده يف اإللياذة‬
‫أواألوديسا لدى هومريوس‪ ،‬حيث تتحقق الوحدة الكلية بني الذات واملوضوع‪ ،‬بل هو‬

‫اكر ا اكيربي ‪ ،‬املركز الثقايف العريب‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة‬ ‫‪ -282‬نقال عن فيصل دراع‪ :‬نظر اكر ا‬
‫األوىل سنة ‪ ،0888‬ص‪.21:‬‬
‫اكر ا اكيربي ‪ ،‬ص‪.20:‬‬ ‫‪ -281‬فيصل دراع‪ :‬نظر اكر ا‬
‫‪241‬‬
‫بطل يعيش اضطرابا مأساويا‪ ،‬ومأزقا جيعله يكدد بني الذات واملوضوع‪ ،‬بني الفرد واجلماعة‪.‬‬
‫وبالتايل‪ ،‬يفشل يف حتقيق أهدافه وقيمه األصيلة يف جمتمع ال يعكف بالقيم الكيفية‪ ،‬وال‬
‫يؤمن إال بقيم التبادل والسلع واملعايري املادية‪.‬‬
‫وعلى العموم‪ ،‬ينطلق لوسيان كولدمان‪ ،‬على املستوى املنهجي‪ ،‬من املنهجية البنيوية‬
‫التكوينية‪ .‬ويعين هذا املصطلح وجود مفهومني أساسيني مها‪ :‬البنية من جهة‪ ،‬والتوليد أو‬
‫التكون من جهة ثانية‪ .‬واملقصود سذا أن األدب بنية مجالية وفنية مستقلة بنفسها‪ .‬بيد أن‬
‫هذه البنية ختضع لصريورة تطورية تارخيية أو دياكرونية تتماثل مع تطور اجملتمع يف خمتلف‬
‫بناه السياسية واالقتصادية واالجتماعية والثقافية والتارخيية‪.‬‬
‫وقد وضح كولدمان منهجيته النقدية بشكل جيد يف كتابه (دن أجل سوسيوكوجي‬
‫اكر ا )‪ ،‬حيث بني أن الرواية عبارة عن حبث منحط عن قيم أصيلة يف عا منحط‬
‫بدوره‪ .‬ويعين هذا أن مثة بطال إشكاليا يكدد بني الذات والواقع‪ ،‬حيمل قيما أصيلة‪ ،‬لكنه‬
‫يفشل يف حتقيقها يف الواقع املنحط‪ .‬لذلك‪ ،‬يصبح هذا البطل مثاليا وشخصية غري منجزة‪،‬‬
‫عندما ينهزم أمام شراسة الواقع؛ ويكون رومانسيا عندما يكون وعيه الذايت أكرب من الواقع؛‬
‫ويكون بطال متصاحلا مع الواقع املوضوعي‪ ،‬عندما يفرض عليه الواقع الشرس منطق‬
‫التكيف والتأقلم لتحقيق التوازن النفسي واالجتماعي‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬متلك كل شخصية يف الرواية وعيا معينا‪ ،‬فقد يكون وعيا وامها وزائفا وخادعا‪ ،‬أو‬
‫وعيا واقعيا عاديا وطبيعيا‪ ،‬أو وعيا استشرافيا ممكنا‪ .‬ومن مث‪ ،‬البد على الباحث‬
‫السوسيولوجي أن حيلل الرواية يف ضوء عملية الفهم (‪،)Comprehension‬‬
‫باستيعاب دالالت النص أو العمل بشكل كلي‪ ،‬دون إضافة أي شيء‪ ،‬مث حتديد البنية‬
‫الذهنية أو املقولة الفلسفية اليت حتيط بكل جوانب النص‪ .‬وبعد ذلك‪ ،‬تفسر تلك البنية‬
‫الدالة يف ضوء بنية أوسع ترتبط بالتفسري (‪ ،)Explication‬باالنفتا على ماهو‬
‫سياسي‪ ،‬واقتصادي‪ ،‬واجتماعي‪ ،‬وتارخيي‪ ،‬وثقايف‪ .‬وبعد ذلك‪ ،‬حيدد الدارس نوع الوعي‪،‬‬
‫ويرصد طبيعة رؤية العا املهيمنة يف النص‪.‬‬

‫‪242‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬تناول كولدمان‪ ،‬يف الكتاب نفسه‪ ،‬الرواية الفرنسية اجلديدة كما عند‬
‫آالن روب غرييه )‪ ،(Grillet‬وريكاردو )‪ ،(Ricardou‬وناتايل ساروت‬
‫)‪ ،(Sarraute‬وميشيل بوتور )‪ ،(Boutour‬وكلود سيمون )‪...(C.Simon‬؛‬
‫باحثا عن مدى متاثلها مع الواقع املادي‪ ،‬منطلقا من فرضية أساسية أال وهي أن الرواية‬
‫اجلديدة اليت ظهرت يف فرنسا إبان اخلمسينيات‪ ،‬عن دار منتصف الليل ‪-Minuit -‬‬
‫ليست جمرد رواية أشياء شكلية‪ ،‬بل حتمل يف طياهتا محوالت واقعية وسوسيولوجية‪.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬يتبحر كولدمان يف فضاء الرواية اجلديدة‪ ،‬منطلقا من سوسيولوجيا األشكال‪،‬‬
‫حيث يعد الرواية جمرد سعي زائف‪ ،‬يقوم به البطل لتحقيق قيم أصيلة‪ ،‬يف جمتمع زائف‬
‫ومنحط‪ .‬وبالتايل‪ ،‬جتمع الرواية بني مستني من مسات الكاجيديا وامللحمة‪ .‬فامللحمة هي‬
‫تالحم كلي بني البطل والعا املوضوعي‪ ،‬بينما الكاجيديا هي انفصال تام بني البطل‬
‫الزائف‪ .‬أما الرواية‪ ،‬فهي تعبري عن صراع بني عاملني‪ :‬عا القيم اخلفية‪ ،‬والعا الزائف‬
‫(الظاهر)‪ .‬ويسمى البطل الذي يعيش هذا الصراع الكاجيدي وامللحمي البطل اإلشكايل‪،‬‬
‫وهو بطل إجيايب وسليب يف الوقت نفسه؛ فهو إجيايب ألنه حيمل قيما أصيلة؛ وسليب ألنه‬
‫يفشل يف حتقيقها يف أرض الواقع‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬وقد قارب كولدمان األشكال الروائية الغربية‪ ،‬بعقد مماثلة بني األشكال والبىن األدبية‬
‫‪286‬‬
‫والروائية والتطور اجملتمعي على الشكل التايل‪:‬‬

‫‪ - 286‬انظر‪ :‬لوسيان كولدمان وآخرون‪ :‬اكر ا اكواقع‪ ،‬ترمجة‪ :‬رشيد بنحدو‪ ،‬عيون املقاالت‪ ،‬الدار البيضاء‪،‬‬
‫املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪ ،0833‬ص‪.60-86 :‬‬
‫‪243‬‬
‫البنية القصصية أو الروائية‬ ‫البنية االقتصادية الرأمسالية‬
‫‪‬در ل االقاص د اك ر أ اكليبراكي ‪‬اكشتل اكر ائا اكبيوغرافا (اكر ا‬
‫االقاص د (ىكح أ اير اكقرن ‪ 08‬أ ائل اكتمسيتي )‬
‫اكقرن ‪ ،51‬قد دده اكيلي ء فا سن‬
‫‪.)0801‬‬
‫(ك فت‬ ‫م ب ن اكشخصي‬ ‫‪ ‬اكير ل اإلدبر كي ‪ ،‬تياد دن سن ‪ ‬ر ا‬
‫‪ -Kafka 0802‬س رتر ‪ – Sartre‬ك دو‬ ‫ىكح سن‬ ‫‪ 0805‬تقر ب‬
‫ها در ل ‪ -Camus‬جورج ‪ -Joyce‬فرجينب‬ ‫(االقاص د اإلدبر كا)‪،‬‬
‫كف ‪ ،(Werginia Wolf‬أ د‬ ‫ادا زت باطور اكار سا ت‪.‬‬
‫اكينوكوجي ‪ ،‬أ ر ا ت‬ ‫سيح ب كر ا‬
‫تي ر اكوعا‪.‬‬
‫‪‬در ل االقاص د اكرأسي كا اكينظم ‪‬اكر ا اكجد دة أ ر ا األشي ء‪.‬‬
‫(اكاتنوقراطي اآلكي )‪ ،‬دع تديل اكد ك‬
‫فا اكشؤ ن االقاص د ‪ .‬قد ناج عن‬
‫مكك االساهمك‪ ،‬االسامإ‪ ،‬اكاشيؤ‪،‬‬
‫االغاراإ‪.‬‬
‫أما فيما يتعلق بكتابه (اإلكه اكخفا) ‪ ،287‬فقد حاول كولدمان فهم أعمال ومسرحيات‬
‫كل من )‪ (Corneille‬وراسني )‪ (Racine‬وباسكال )‪ ،(Pascal‬بالتوقف عند‬
‫مقوالت معينة تتوارد بكثرة هي‪ :‬اهلل‪ ،‬والعا ‪ ،‬واإلنسان‪ .‬وحتدد هذه املقوالت عالقة الغياب‬

‫‪287‬‬
‫‪- Lucien Goldmann: Le dieu caché ; étude sur la vision tragique‬‬
‫‪dans les Pensées de Pascal et dans le théâtre de Racine, Paris,‬‬
‫‪Gallimard, 1955.‬‬
‫‪244‬‬
‫اإلالهي‪ ،‬وضياع البشر‪ ،‬واهنيار القيم‪ .‬وبالتايل‪ ،‬فرؤية هؤالء للعا هي الرؤية الكاجيدية‪.‬‬
‫ولقد ربط كولدمان هذه الرؤية املأساوية باحلركة الدينية الفرنسية اجلنسينية‪« .‬ويفسر‬
‫اجلنسينية بوصفها نتيجة إزاحة جمموعة اجتماعية بعينها‪ ،‬يف فرنسا‪ ،‬يف القرن السابع عشر‪،‬‬
‫هي جمموعة " نبالة الرداء " من موظفي البالط الذين اعتمدوا اقتصاديا على امللك‪ ،‬والذين‬
‫تضاءلت قوهتم مع تزايد احلكم املطلق له‪ .‬ويتجلى التعبري عن املوقف املتناقض هلذه‬
‫اجلماعة‪ ،‬أي احلاجة إىل "التاع"‪ ،‬ومعارضته سياسيا يف آن واحد‪ ،‬يف رفض اجلنسينية‬
‫للعا ‪ ،‬بل رفضها ألية رغبة يف التعبري التارخيي له‪ .‬وينطوي هذا املوقف على داللة "عا‬
‫تارخيي "‪ ،‬عند كولدمان‪ ،‬ألن نبالء الرداء كانوا أعضاء جددا يف الطبقة الربجوازية؛ أعضاء‬
‫ميثلون إخفاق الربجوازية يف كسر حدة احلكم املطلق للملكية‪ ،‬وتأسيس أوضاع تساعد‬
‫‪283‬‬
‫التطور الرأمسايل »‬
‫أما يف كتابه (فتر عصر األنوار)‪ ،288‬فقد كان يبحث عن األسس االجتماعية لفلسفة‬
‫التنوير‪ ،‬مع دراسة للموسوعة الفلسفية‪ .‬وقد ركز كولدمان على مبادئ الفلسفة من علم‬
‫ومعرفة‪ ،‬وتوصل إىل رؤية العا اليت كانت تتحكم يف عصر األنوار وهي الرؤية العقالنية اليت‬
‫ظهرت خالل القرن السادس عشر‪ .‬أي‪ :‬مع بداية قيام الرأمسالية التجارية‪ .‬ويف احلقيقة‪ ،‬إن‬
‫« ما يبحث عنه كولدمان‪ -‬على هذا النحو ‪ -‬هو مجاع من العالقات البنيوية بني النص‬
‫األديب ورؤية العا والتاريخ نفسه‪ ،‬ليظهر الكيفية اليت يتحول سا املوقف التارخيي جملموعة أو‬
‫طبقة اجتماعية إىل بنية عمل أديب‪ ،‬عن طريق رؤية للعا عند هذه اجملموعة أو الطبقة‪ ،‬وال‬
‫يكفي البدء بالنص أو العمل لكي ننطلق منهما إىل التاريخ أو العكس‪ ،‬كي حنقق هذه‬
‫الغاية‪ ،‬فما يلزمنا هو منهج جديل يتحرك دوما بني النص ورؤية العا والتاريخ‪ ،‬حبيث‬
‫‪811‬‬
‫يكيف املنهج كل واحد منها مع اآلخر‪ ،‬وينظر إىل كل واحد منها يف ضوء اآلخر‪».‬‬

‫‪ - 283‬تريي إجيلتون‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.88 :‬‬


‫‪288‬‬

‫‪ - 811‬تريي إجيلتون‪ :‬نفسه ص ‪.88‬‬


‫‪245‬‬
‫هذا‪ ،‬وتعتمد البنيوية التكوينية على مفاهيم ومصطلحات إجرائية ذات جذور هيجيلية‬
‫وماركسية ولوكاتشية وفيبريية‪ ،‬كالفهم والتفسري‪ ،‬والبنية الدالة‪ ،‬والرؤية للعا ‪ ،‬والفاعل‬
‫االجتماعي‪ ،‬والبطل اإلشكايل‪ ،‬والوعي الزائف‪ ،‬والوعي القائم‪ ،‬والوعي املمكن‪.‬‬
‫أما التصور النظري الكولدماب‪ ،‬فهو مبين على أطروحات لوكاتش‪ ،‬وماكس فيرب‪ ،‬وجان‬
‫بياجي‪ ،‬وبيري بورديو‪ ،‬وجورع زميل‪ ،‬وروب جريار صاحب مفهوم (اكوس ط ) الذي استلهمه‬
‫من أعمال فلوبري وستاندال وسرييفانتيس‪.810‬‬
‫وعليه‪ ،‬تتميز سوسيولوجيا األدب والنقد عند لوسيان كولدمان بتجاوز مفهوم االنعكس‬
‫املباشر‪ ،‬واستبداله مبفهوم التماثل القائم على اجلمع بني الفاعل واجملتمع أو الذات واملوضوع‬
‫ضمن وحدة كلية متاثلية‪ .‬ومن مث‪ ،‬فهي تستند إىل علميتني منهجيتني حموريتني مها‪ :‬الفهم‬
‫والتفسري‪ .‬فالفهم «عملية فكرية تتمثل يف الوصف الدقيق للبناء الداليل الصادر عن العمل‬
‫اإلبداعي املدروس فقط‪ .‬على هذا املستوى يتسىن للباحث استخراع منوذع بنيوي دال‪،‬‬
‫يكون بسيطا نوعا ما‪ ،‬ويتكون من عدد حمصور من العناصر والعالقات بني هذه العناصر‬
‫اليت متكن من إعطاء صورة إمجالية لكل نص‪ ،‬بشرط أن يؤخذ النص وحدة متكاملة دون‬
‫إضافة من أي نوع»‪.812‬‬
‫أما التفسري أو ما يسمى بعملية الشر ‪ ،‬فهي « إدراع العمل املدروس كعنصر مكون‬
‫ووظيفي يف إطار بناء شامل‪ ،‬وال يدرس الباحث يف البناء األخري إال ما يساعده على‬
‫كشف أصل العمل الذي يدرسه‪ .‬ميكن الشر من وضع عالقة وظيفية للشكل النموذجي‬
‫املكون للعمل األديب مع بناء أكثر مشولية‪ .‬يدخل النص كعنصر وظيفي ودال‪ .‬إذا‪ ،‬إذا كان‬

‫‪ -810‬رينيه جريار‪ :‬اكتاب اكر د نسي اك قيق اكر ائي ‪ ،‬ترمجة‪ :‬رضوان ظاظا‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪2113‬م‪.‬‬
‫‪ - 315‬حممد ساري‪ :‬اكب ث عن اكنقد األدبا اكجد د‪ ،‬دار احلداثة للطباعة والنشر‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل سنة ‪0832‬م‪ ،‬ص‪.12 :‬‬
‫‪246‬‬
‫(الفهم عملية حمايثة للنص‪ ،‬فعملية (الشر ) هي وضع هذا األخري يف عالقة مع واقع خارع‬
‫عنه »‪.818‬‬
‫إذا‪ ،‬فثمة عالقة منهجية متكاملة ومكابطة بني الفهم والتفسري‪ ،‬عالقة داخل خبارع‪ ،‬أو‬
‫عالقة داللة مبقصدية ووظيفة‪ .‬وهكذا « يتكامل املستويان أثناء التحليل‪ ،‬ويبقى الفرز على‬
‫املستوى النظري‪ ،‬إما يف الدراسة التطبيقية‪ ،‬ال ميكن الفصل فصال حمددا بني املستويني‪.‬‬
‫فهما متداخالن أثناء كل حبث‪ ،‬لكننا نفصل يف النتائج‪ .‬ما يصدر عن النص يبقى على‬
‫‪812‬‬
‫مستوى الفهم‪ ،‬وما يصدر خارع النص يعود إىل مستوى الشر »‪.‬‬
‫وإذا متعنا يف هذا املنهج النقدي كثريا‪ ،‬مبختلف تصوراته النظرية‪ ،‬ومفاهيمه النقدية املتنوعة‪،‬‬
‫فهو مستوحى‪ ،‬بشكل أو بةخر‪ ،‬من جورع لوكاتش يف كتابه (نظر اكر ا )‪ 811‬الذي نشر‬
‫سنة ‪ 0806‬م‪ ،‬حيث يقابل فيه بني امللحمة والرواية‪ ،‬بني الصراع الداخلي والصراع‬
‫اخلارجي‪ ،‬بني الصراع والتالحم‪ ،‬بني الذات واملوضوع‪ ،‬بني البطل امللحمي اإلجيايب والبطل‬
‫اإلشكايل‪.‬‬
‫وعلى الرغم من أمهية البنيوية التكوينية يف قراءة النصوص األدبية يف ضوء بناها الداخلية‬
‫واخلارجية‪ ،‬فهما وتفسريا‪ ،‬فنن هذا املنهج يضحي بالفهم من أجل التفسري‪ ،‬أو يضحي‬
‫بالداخل من أجل اخلارع‪ .‬ويعين هذا أن كولدمان يعطي أمهية كربى ملا هو مرجعي‬
‫وخارجي وإيديولوجي مقارنة مبا هو نصي وداخلي‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬فما يهم كولدمان هو البحث عن رؤى العا اإليدولوجية‪ ،‬وليس دراسة‬
‫النص يف أبعاده اللغوية واألسلوبية والنصية والسردية‪ .‬لذلك‪ ،‬يعتربها بعض الدارسني‬
‫هيجيلية جديدة‪ .‬ويف هذا‪ ،‬يقول الباحث املغريب عبد اجلليل األزدي‪ «:‬إن مقولة الكلية‬

‫‪ - 818‬حممد ساري‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.12-18 :‬‬


‫‪ - 812‬حممد ساري‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.12 :‬‬
‫‪Georg Lukács: La Théorie du roman,trad.fr 1920 (ré-éd. Denoël, -811‬‬
‫‪1968 ; Gallimard, 1989).‬‬
‫‪247‬‬
‫تسربت إىل اخلطاب السوسيولوجي الكولدماب من النسق اهليجيلي ‪ -‬والتسرب ع طبعا‬
‫عرب لوكاتش ‪ -‬وظلت حمتفظة حبمولتها الداللية املرجعية‪ ،‬على الرغم من أهنا هاجرت من‬
‫نسق جديل مثايل إىل نسق جديل مادي‪ .‬وهلذا االعتبار‪ ،‬كما العتبارات أخرى سنعلن‬
‫عنها الحقا‪ ،‬ندرع سوسيولوجيا كولدمان يف تلك اهليجيلية اجلديدة‪ .‬وضمن هذا السياق‪،‬‬
‫تتموضع ردود الفعل العنيفة اليت استهدفت املنهج الكولدماب‪ ،‬ونفذت منه‪ ،‬واليت اختذ فيها‬
‫بيري ماشري‪ ،‬تلميذ ألتوسري )‪ ،(Altusser‬ونظريته يف اإلنتاع األديب‪ ،‬موقع النصل من‬
‫‪816‬‬
‫الرمح»‪.‬‬
‫بل أعتربها شخصيا نوعا من اللوكاشية اجلديدة؛ ألهنا أعاد كثريا من املبادىء والتصورات‬
‫النظرية واملنهجية اليت عاجلها جورع لوكاش يف كتابه (نظر اكر ا )‪ ،‬مثل‪ :‬تصنيف الرواية‬
‫الغربية‪ ،‬واستخدام البطل اإلشكايل‪ ،‬وتوظيف مفهوم رؤى العا ‪ ،‬واستثمار مصطلحي‬
‫الفهم والتفسري‪ ،‬واالستعانة باملادية اجلدلية‪ ،‬وإن ع ذلك بطريقة ضمنية غري مباشرة‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬وقد تعرض لوسيان كولدمان النتقادات كثرية‪ ،‬سواء من قبل البنيويني الشكالنيني أم‬
‫من قبل املاركسيني أنفسهم‪ .‬أما تريي إجيلتون‪ ،‬فقد حدد جمموعة من االعكاضات‪،‬‬
‫وبالضبط يف كتابه (اكي ركسي اكنقد األدبا)‪ ،‬حيث يقول‪« :‬وبالرغم من تسليمي بأمهية‬
‫اجلهد النقدي الذي بذله كولدمان‪ ،‬فنن هناك جمموعة من النواقص حتيط مبنهجه؛‬
‫فمفهومه عن الوعي اجلماعي ‪ -‬مثال‪ -‬مفهوم هيجيلي أكثر منه ماركسي‪ ،‬أعين أنه ينظر‬
‫إىل الوعي االجتماعي بوصفه تعبريا مباشرا عن الطبقة االجتماعية‪ ،‬وعلى حنو يغدو معه‬
‫العمل األديب تعبريا مباشرا عن الوعي‪ .‬والنموذع الذي يطرحه املنهج كله منوذع بالغ‬
‫السيمكية‪ ،‬عاجز عن التوفيق بني الصراعات اجلدلية والتعقيدات‪ ،‬وبني التفاوت واالنقطاع‪،‬‬
‫أي بني كل ما مييز عالقة األدب باجملتمع‪ ،‬ولذلك ينحدر املنهج يف كتاب كولدمان األخري‬

‫‪ - 316‬عبد اجلليل األزدي‪( :‬لوسيان كولدمان‪ :‬ماركسية أم هيجيلية جديدة )‪ ،‬عيون اكيق الت‪ ،‬الدار البيضاء‪،‬‬
‫املغرب‪ ،‬العددان ‪ ،0881 ،01-02‬ص‪.081 :‬‬
‫‪248‬‬
‫( ن و علم اجاي ع اكر ا ) (‪ ،)0862‬فيتحول إىل جمرد صياغة آلية لعالقة البنية الفوقية‬
‫‪817‬‬
‫بالبنية التحتية يف الرواية»‬
‫وينتقد بيري زميا )‪ (Zima‬كولدمان يف مفهوم البنية الداللية الكلية‪ ،‬حيث يقول‪» :‬‬
‫وهكذا‪ ،‬فنن املفهوم املركزي " للبنية الداللية" يفسح اجملال لبعض األسئلة اليت ال حتمل‬
‫صفة تقنية خاصة مثل‪ :‬ما هو بالتحديد معىن البنية الدالليةا هل هناك نظرية للداللة ‪-‬‬
‫‪ -Sémantique‬تسمح بتعريف البنية الداللية يف نص أديب أو فلسفيا وكيف خنتزل‬
‫النص املتعدد املعىن )‪ (Polysémique‬إىل بنية مفهومية واحدة ‪(Structure‬‬
‫)‪( conceptuelle‬أي بنية املدلوالت ‪ .)Signifiés‬أليس من األفضل التوصل إىل‬
‫بىن داللية متعددة مع القراءات املختلفة للنص واليت ال تكف عن التناقض والتنافسا‬
‫وختص مجيع هذه األسئلة البنية الداللية للنص‪ :‬خاصيته املتعددة (متعددة املعىن)‬
‫وتناقضاته‪ :‬ألنه ليس مؤكدا أبدا‪ ،‬كما يظن كولدمان أن مجيع «األعمال العظيمة ميكن‬
‫اختزاهلا إىل أنظمة مفهومية (بىن داللية أو عقلية) أحادية»‪.813‬‬
‫على الرغم من هذه االنتقادات السديدة والوجيهة‪ ،‬يبقى عمل لوسيان كولدمان عمال‬
‫منهجيا سوسيولوجيا رصينا‪ ،‬يتكامل فيه الداخل واخلارع‪ ،‬ويتقاطع فيه الفهم والتفسري‪،‬‬
‫الستخالص البىن الدالة ورؤى العا ‪.‬‬

‫‪ - 317‬تريي إجيلتون‪ :‬نفسه ص ‪.21-88‬‬


‫‪ - 813‬بيري زميا‪ :‬نفسه ص ‪.38‬‬
‫‪249‬‬
‫اكيب ث اكخ دس‪ :‬اقع اكسوسيوكوجي اكيربي فا األدإ اكنقد‬

‫من املعلوم أن كثريا من الدارسني والنقاد العرب قد أقبلوا على املنهج السوسيولوجي بصفة‬
‫عامة‪ ،‬واملنهج البنيوي التكويين بصفة خاصة‪.‬‬

‫اكيطلب األ ل‪ :‬اكينهج االجاي عا‬


‫هناك جمموعة من النقاد العرب الذين متثلوا املنهج االجتماعي يف دراسة األدب ونقده‪،‬‬
‫باالستعانة بنظريات سانت بيف‪ ،‬وتني‪ ،‬وبرونوتيري‪ ،‬وكوستاف النسون‪ ،‬وإميل دوركامي‪،‬‬
‫وأوجست كونت‪ ،‬وجورع لوكاش‪ ،‬وبليخانوف‪ ،‬ومكسيم كوركي‪ ،‬ومتثل الفلسفة اجلدلية‬
‫املاركسية‪ ،‬كما حذ ذلك واضحا عند كل من‪ :‬طه حسني‪ ،‬وعباس حممود العقاد‪ ،‬وسالمة‬
‫موسى‪ ،‬وعبد العظيم أنيس‪ ،‬وحممود أمني العا ‪ ،‬وحممد مندور‪ ،‬وحسني مروة‪ ،‬وحممد‬
‫برادة‪ ،‬وإدريس الناقوري‪ ،‬وعبد القادر الشاوي‪ ،‬وحيب العويف‪ ،‬وحممد أقضاض‪ ،‬وحممد‬
‫ساري‪ ،‬وغايل شكري‪...‬‬
‫ويعد حيب العويف من أهم النقاد املغاربة الذين متثلوا املنهج االجتماعي اجلديل‪ ،‬كما يظهر‬
‫ذلك جليا يف كتابه (درج اكوعا فا اكتا ب ) الذي صر فيه بوضو بأنه يتبىن املنهج‬
‫الواقعي اجلديل‪ ":‬إن املنهج املكرس يف هذا الكتاب هو املنهج الواقعي اجلديل‪.‬هذا املنهج‬
‫الذي أثبت وما يفتأ يثبت‪ ،‬عرب أهم وأملع املمارسات اليت جتلى عربها‪ ،‬قدرته الفائقة على‬
‫احتواء النص والواقع معا‪ ،‬بل وقدرته الطيعة على التجدد املستمر واالغتناء بكافة اخلربات‬
‫والتجارب الفكرية‪ ،‬دون أية حساسية دوغمائية ومن غري أن يفقد بريقه ومناعته أو يتعرض‬
‫المتحان صعب يثري حوله الشبهة ويشكك يف فعاليته ومصداقيته‪.‬‬

‫‪250‬‬
‫وال أستطيع أن أدعي بأب كنت وفيا حلدود وقوانني هذا املنهج من األلف إىل الياء‪ ،‬وبأن‬
‫استخدامي له ع على حنو ال أمت فيه والعوع‪.‬إن مثل هذا االدعاء ملما تنوء بوزره‬
‫‪818‬‬
‫صفحات هذا الكتاب‪ ،‬وتكذبه الشك شواهده‪".‬‬
‫الذي خصص فيه فصال‬ ‫‪801‬‬
‫وقد وظفه حيب العويف أيضا يف كتابه ( جدل اكقراءة )‬
‫للمسر املغريب حتت عنوان( اكيسرح اكيغربا‪ :‬ب نوراد ت ر خي )‪ ،‬ينطلق فيه من‬
‫مرجعيات سوسيولوجية ومنطلقات إيديولوجية‪ ،‬بربط املسر املغريب يف تطوره بتطور الواقع‬
‫املغريب انعكاسا وحماكاة وأدجلة‪ .‬والدليل على ذلك ما يورده حيب العويف يف كتابه من‬
‫فقرات متنوعة قصرا وطوال‪ ،‬حتمل يف طياهتا أبعادا سوسيولوجية وإيديولوجية‪ ،‬تربط املسر‬
‫بالرؤى الطبقية اليت تعرب عن التفاوت االجتماعي داخل اجملتمع املغريب‪ .‬ومن مث‪ ،‬تصدر‬
‫أحكاما نقدية قريبة من اإليديولوجيا اإلسقاطية منها إىل التحليل النقدي املوضوعي‪ " ،‬إن‬
‫الفن املسرحي كان وما يزال يتسم حبساسية فكرية وإيديولوجية فائقة‪ ،‬وذلك ملباشرته‬
‫وعالقته احلية والدينامية باجلمهور‪ ،‬متعلما كان أم أميا‪ ،‬حبيث تبدو املسافة بني الوجه‬
‫والقناع‪ ،‬بني املشهد والداللة‪ ،‬مسافة دقيقة وشفافة‪ ،‬يسهل اخكاقها وإلغاؤها‪ .‬هلذا‪ ،‬تبدو‬
‫الكتابة املسرحية مرآة مصقولة تعكس بوضو املشارب اإليديولوجية واملصاحل الطبقية‪.‬أي‪:‬‬
‫إن الكتابة املسرحية تصبح على هذا األساس‪ ،‬سالحا إيديولوجيا هاما يف جمال الصراع‬
‫االجتماعي‪ ،‬حتاول كل طبقة أن تستغله ملصلحتها وأهدافها‪.‬وهكذا‪ ،‬تبدو اخلريطة املسرحية‬
‫يف املغرب موزعة على حنو مأساوي بني السلطة الرمسية من جهة مبؤسساهتا وطوابريها‪ ،‬وبني‬
‫السلطة املضادة واملقموعة‪ ،‬بتناقضاهتا واختالفاهتا من جهة ثانية‪.‬ويف املسافة الواقعة بني‬
‫السلطتني‪ ،‬تقوم فئات ثالثة بلعبة األكروبات االنتهازية على خشبة املسر املغريب‪" 800.‬‬

‫‪ -818‬حيب العويف‪ :‬درج اكوعا فا اكتا ب ‪ ،‬طبع ونشر دار النشر املغربية‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل سنة ‪0831‬م‪ ،‬ص‪.81-28:‬‬
‫‪ -801‬حيب العويف‪ :‬جدل اكقراءة‪ ،‬دار النشر املغربية‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪0838‬م‪.‬‬
‫‪ -800‬حيب العويف‪ :‬جدل اكقراءة‪ ،‬ص‪.032-061:‬‬
‫‪251‬‬
‫هذا‪ ،‬ويقرأ حيب العويف‪ ،‬يف إحدى دراساته املنشورة يف كتابه (ظواهر نصي )‪ ،‬القصيدة‬
‫العربية قراءة سوسيولوجية جدلية تربط بني القصيدة العربية وواقعها السوسيوثقايف‪":‬‬
‫والنموذع القدمي الذي ينبغي أن حياكى وحيتذى‪ ،‬وفق هذا املنظور‪ ،‬مائل هناك يف املاضي‬
‫ومتمثل يف النص اجلاهلي‪ .‬متاما كما فعل هوراس الروماب مع النص اإلغريقي‪ ،‬حني اعتربه‬
‫النموذع األعلى للمحاكاة واالحتذاء‪ .‬هو إذن صراع بني الثبات والتحول‪ ،‬بني تكريس‬
‫البنيات السوسيوثقافية واجلمود عليها وخلخلة هذه البنيات واخكاقها وصوال إىل اخليبء‬
‫واملنشود‪.‬وقد كان عمود الشعر الذي أقام املرزوقي دعائمه النهائية‪ ،‬معادال لعمود السياسة‬
‫ومدعما له‪ .‬كالمها سلطة آمرة وملزمة‪ ،‬وكالمها قوام الشيء الذي ال يدوم إال به‪...‬‬
‫وعلى الرغم من احملاوالت الدائبة اليت قام سا دعاة التجديد واالبتداع لزعزعة هذا " العمود‬
‫احلديدي"‪ ،‬إال أن رسوخه كان أقوى من حماوالهتم وطموحاهتم وكانوا مضطرين‪ ،‬آخر‬
‫املطاف‪ ،‬إىل أن يعودوا ليستظلوا بسقفه ويطوفوا حوله‪.‬ذلك أن البنية السوسيوثقافية كانت‬
‫قد تشكلت واختذت صيغتها النهائية منذ صعود اخلالفة األموية‪ ،‬وظلت حمتفظة بصيغتها‬
‫هذه حىت سقوط اخلالفة العثمانية‪.‬‬
‫و تتخلخل هذه البنية بعمق وتفقد توازهنا إال بعد الصدمة الكولونيالية واإلمربيالية احلديثة‬
‫بدءا من دوي مدافع نابليون‪ ،‬إىل الدوي األشد ملدافع متعددة اجلنسيات والطلقات‪.‬‬
‫لقد حتطم العمود السياسي القدمي بأجماده وانتكاساته‪ ،‬وحتطم معه العمود الشعري القدمي‬
‫بأجماده وانتكاساته أيضا‪ .‬تفتت الكيان التارخيي واحلضاري الذي مبثابة البنيان الشامخ‬
‫املرصوص‪ ،‬إىل ما يشبه بفسيفساء السريالية‪ ،‬بل إىل ما يشبه لوحة الشطرنج‪ ،‬حيركها‬
‫العبون مهرة‪ .‬فكانت القصيدة احلديثة بتشكيلها العروضي التفعيلي وسندستها املعمارية‬
‫املفتوحة على االحتماالت واملفاجةت‪ ،‬كانت القصيدة احلديثة صك إدانة ومشروع‬
‫‪802‬‬
‫تأسيس‪".‬‬

‫‪ -802‬حيب العويف‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.32-386:‬‬


‫‪252‬‬
‫وهكذا‪ ،‬يتبني لنا أن حيب العويف كان يقرأ املشهد اإلبداعي العريب بصفة عامة‪ ،‬واملشهد‬
‫الثقايف املغريب بصفة خاصة‪ ،‬انطالقا من رؤية واقعية جدلية‪ ،‬قوامها التأويل السوسيولوجي‬
‫الذي يتسم بالنزعة اإليديولوجية من جهة‪ ،‬والربط بني البنية األدبية والواقع االجتماعي ربطا‬
‫مرآويا من جهة أخرى‪.‬‬

‫اكيطلب اكث نا‪ :‬اكبنيو اكاتو ني‬

‫متثل جمموعة من الدارسني والنقاد العرب البنيوية التكوينية‪ ،‬إال أن املغاربة قد سبقوا املشارقة‬
‫إىل تطبيقها منذ سنوات الستني من القرن املاضي مع الباحث السوسيولوجي املتميز عبد‬
‫الكبري اخلطييب يف كتابه (اكر ا اكيغربي )‪.‬‬
‫ومن أهم الباحثني الذي قاربوا األدب والنقد يف ضوء البنيوية التكوينية هم‪ :‬السيد يس يف‬
‫كتابه( اكا ليل االجاي عا كألدإ)‪ ،808‬ومجال شحيد يف كتابه( فا اكبنيو اكاركيبي ‪،‬‬
‫دراس فا دنهج كوسي ن كوكدد ن)‪ ،802‬وطاهر لبيب يف دراسته( سوسيوكوجي اكغزل‬
‫اكيربا)‪ ،801‬وصاحل سليمان عبد العظيم يف( سوسيوكوجي اكر ا اكسي سي ‪ -‬وسف‬
‫اكقييد نيومج ‪ ،806 )-‬ورفيف رضا صيداوي يف كتابيها( اكنظرة اكر ائي ىكح اك رإ‬

‫‪ -808‬السيد يس‪ :‬اكا ليل االجاي عا كألدإ‪ ،‬مكتبة األحلو املصرية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬الطبعة األوىل سنة‬
‫‪0871‬م‪.‬‬
‫‪ -802‬مجال شحيد‪ :‬فا اكبنيو اكاركيبي ‪ ،‬دراس فا دنهج كوسي ن كوكدد ن‪ ،‬دار ابن رشد‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪،‬‬
‫الطبعة األوىل سنة ‪0832‬م‪.‬‬
‫‪ -801‬طاهر لبيب‪ :‬سوسيوكوجي اكغزل اكيربا‪ :‬اكشير اكياري نيومج ‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫لبنان‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪2118‬م‪.‬‬
‫‪ -806‬صاحل سليمان عبد العظيم‪ :‬سوسيوكوجيب اكر ا اكسي سي ‪ ،‬اهليئة املصرية العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪،‬‬
‫الطبعة األوىل سنة ‪0883‬م‪.‬‬
‫‪253‬‬
‫اكلبن ني ‪ ،307)0882-0872‬و(اكر ا اكيربي بين اكواقع اكاخييل)‪ ،803‬وحممد‬
‫ساري يف كتابه (اكب ث عن اكنقد األدبا اكجد د)‪..808.‬‬
‫وإذا انتقلنا إىل الدارسني املغاربة‪ ،‬فقد طبقوا املنهج البنيوي التكويين‪ ،‬منذ سنوات الستني‬
‫من القرن املاضي‪ ،‬على خمتلف األجناس األدبية‪ .‬ويف هذا اجملال‪ ،‬نذكر عبد الكبري اخلطييب‬
‫اإل د وكوجي فا اكيغرإ‬ ‫يف كتابه(اكر ا اكيغربي )‪ ،351‬وسعيد علوش يف كتابه( اكر ا‬
‫رؤ اكواقع االجاي عا)‪ ،822‬وعبد‬ ‫اكيربا)‪ ،820‬ومحيد حلميداب يف(اكر ا اكيغربي‬
‫الرمحن بوعلي يف كتابيه( اكر ا اكيربي اكجد دة) ‪ 828‬و( اكيغ درة اكر ائي )‪ ،350‬حممد‬
‫برادة يف كتابه( د يد دند ر تنظير اكنقد اكيربا)‪ ،821‬وإدريس بلمليح يف دراسته (‬

‫‪ -807‬رفيف رضا الصيداوي‪ :‬اكنظرة اكر ائي ىكح اك رإ اكلبن ني ‪ ،0882-0872‬دار الفارايب‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫لبنان‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪2118‬م‪.‬‬
‫‪ -803‬رفيف رضا صيداوي‪ :‬اكر ا اكيربي بين اكواقع اكاخييل‪ ،‬دار الفارايب‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة األوىل سنة‬
‫‪2113‬م‪.‬‬
‫‪ -808‬حممد ساري‪ :‬اكب ث عن اكنقد األدبا اكجد د‪ ،‬دار احلداثة للطباعة والنشر‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل سنة ‪0832‬م‪.‬‬
‫‪ -821‬عبد الكبري اخلطييب‪ :‬اكر ا اكيغربي ‪ ،‬ترمجة‪ :‬حممد برادة‪ ،‬منشورات املركز اجلامعي للبحث العلمي‪،‬‬
‫عدد‪ ،2:‬الرباط‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪0870‬م‪.‬‬
‫اإل د وكوجي فا اكيغرإ اكيربا‪ ،‬دار الكلمة‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة األوىل سنة‬ ‫‪ -820‬سعيد علوش‪ :‬اكر ا‬
‫‪0830‬م‪.‬‬
‫‪ -822‬محيد حلميداب‪ :‬اكر ا اكيغربي رؤ اكواقع االجاي عا‪ ،‬دراس بنيو تتو ني ‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬الدار‬
‫البيضاء‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪0831‬م‪.‬‬
‫‪ -828‬عبد الرمحن بوعلي‪:‬اكر ا اكيربي اكجد دة‪ ،‬منشورات جامعة حممد األول‪ ،‬كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية‬
‫بوجدة‪ ،‬رقم‪ ،87:‬الطبعة األوىل سنة ‪2110‬م‪.‬‬
‫‪ -822‬عبد الرمحن بوعلي‪ :‬اكيغ درة اكر ائي ‪ ،‬منشورات ضفاف رقم‪ ،2:‬مؤسسة النخلة للكتاب‪ ،‬وجدة‪ ،‬املغرب‪،‬‬
‫الطبعة األوىل سنة ‪2112‬م‪.‬‬
‫‪ -821‬حممد برادة‪ :‬د يد دند ر تنظير اكنقد اكيربا‪ ،‬منشورات دار اآلداب‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة األوىل‬
‫سنة‪.0878‬‬
‫‪254‬‬
‫اكرؤ اكبي ني كدى اكج ظ)‪ ،356‬حيب العويف يف كتابه( دق رب اكواقع فا اكقص‬
‫اكقصيرة اكيغربي ‪ :‬دن اكاأسيس ىكح اكاجنيس) ‪ ،827‬وحممد بنيس يف كتابه( ظ هرة‬
‫اكشير اكيي صر ب كيغرإ)‪ ،823‬وعبد اهلل راجع يف كتابه( اكقصيدة اكيغربي اكيي صرة‪:‬‬
‫بني اكشه دة االساشه د)‪ ،828‬وبنعيسى بومحالة يف كتابه(اكنزع اكزنجي فا اكشير‬
‫اكيي صر‪ :‬د يد اكفياوري نيومج )‪ ،331‬وعبد الرمحن عبد الوايف يف رسالته اجلامعية (‬
‫صورة اكبطل فا اكيسرح اكيغربا دن اكبدا ت ىكح اكثي نيني ت)‪ ،330‬عبد الرمحن‬
‫‪335‬‬
‫بوعلي كتابه( فا نقد اكين هج اكيي صرة)‬
‫ويالحظ الباحث املغريب عبد الرمحن بوعلي أن جمموعة من الدراسات النقدية العربية عاجزة‬
‫عن فهم حقيقي للنقد السوسيولوجي‪ ،‬والسيما النقد البنيوي التكويين‪ ،‬مثل‪ :‬كتاب(‬
‫اكا ليل االجاي عا كألدإ) للسيد يس‪ ،‬وكتاب( سوسيوكوجي اكنقد اكيربا اك د ث)‬
‫اإل د وكوجي فا اكيغرإ اكيربا) لسعيد علوش‪ ،‬و(ظ هرة‬ ‫لغايل شكري‪ ،‬وكتاب(اكر ا‬

‫‪ -826‬إدريس بلمليح‪ :‬اكرؤ اكبي ني عند اكج ظ‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل سنة‬
‫‪0832‬م‪.‬‬
‫‪ -827‬حيب العويف‪ :‬دق رب اكواقع فا اكقص اكقصيرة اكيغربي ‪ :‬دن اكاأسيس ىكح اكاجنيس‪ ،‬املركز الثقايف‬
‫العريب‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪0837‬م‪.‬‬
‫‪ -823‬حممد بنيس‪ :‬ظ هرة اكشير اكيي صر ب كيغرإ‪ ،‬دق رب بنيو تتو ني ‪ ،‬دار العودة‪ ،‬بريوت لبنان‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل سنة ‪0878‬م‪.‬‬
‫‪ -828‬عبد اهلل راجع‪ :‬اكقصيدة اكيغربي اكيي صرة‪ :‬بني اكشه دة االساشه د‪ ،‬جزءان‪ ،‬دار قرطبة‪ ،‬الدار‬
‫البيضاء‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪0837‬م‪.‬‬
‫‪ -331‬بنعيسى بومحالة‪ :‬اكنزع اكزنجي فا اكشير اكيي صر‪ :‬د يد اكفياوري نيومج ‪ ،‬منشورات احتاد كتاب‬
‫املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪2112‬م‪.‬‬
‫‪ -880‬انظر عبد الرمحن عبد الوايف‪ :‬فصول دن دأس اة أيت فا اهلل اسيه س را يفو‪ ،‬ديوان شعر‪ ،‬منشورات‬
‫الفرقان‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪0888‬من الغالف اخلارجي اخللفي‪.‬‬
‫‪ -882‬عبد الرمحن بوعلي‪ :‬فا نقد اكين هج اكيي صرة‪ :،‬اكبنيو اكاتو ني ‪ ،‬مطبعة املعارف اجلديدة‪ ،‬الرباط‪،‬‬
‫الطبعة األوىل سنة ‪0882‬م‪.‬‬
‫‪255‬‬
‫اكشير اكيي صر ب كيغرإ) حملمد بنيس‪ .‬ويف هذا الصدد‪ ،‬يقول الباحث‪ ":‬إن النقد‬
‫السوسيولوجي كما هو منجز يف الكثري من األحباث واملؤلفات النقدية العربية يشكو من‬
‫عجز كبري"‪.888‬‬
‫ويعود هذا العجز عند الدارس إىل عدم فهم النظرية السوسيولوجية يف األدب تصورا وتطبيقا‬
‫واصطالحا وترمجة‪ ":‬ومن املؤكد أن مالمح العجز هاته اليت كثريا مانصادفها يف الكثري من‬
‫املمارسات النقدية السوسيولوجية‪ ،‬وبدرجة أقل يف النماذع اليت استعرضناها‪ -‬يقول‬
‫الباحث‪ -‬ناشئة بالدرجة األوىل عن قلة االطالع‪ ،‬وضعف مواكبة مايصدر يف املنهج‪ ،‬وعن‬
‫ندرة ماترجم إىل العربية من نصوص يف النقد السسوسيولوجي‪ ،‬إضافة بطبيعة احلال إىل‬
‫مشاكل الكمجة نفسها"‪.882‬‬
‫وبناء على هذه املالحظات‪ ،‬فاملنهج السوسيولوجي‪ ،‬يف الساحة النقدية الثقافية العربية‪،‬‬
‫قليل جدا على مستوى احلضور والتمثل والتصور‪ ،‬و يتم تطبيقه بشكل جيد‪ .‬ومن مث‪،‬‬
‫يالحظ غياب حقيقي للمنهج السوسيولوجي احلقيقي نظرية ومنهجا وتطبيقا واصطالحا‪":‬‬
‫إن أول مالحظة تبادر إىل الذهن هي أن الدراسات النقدية العربية ذات املنحى‬
‫السوسيولوجي التعرب من حيث العدد عن اتساع رقعة النقد السوسيولوجي‪.‬وبالتايل‪ ،‬فهي‬
‫التعرب عن ازدهار النقد يف العا العريب‪ .‬هذا إذا يكن ذلك العدد القليل من الدراسات‬
‫‪881‬‬
‫عالمة على غياب النقد السوسيولوجي‪".‬‬
‫وعليه‪ ،‬فما زالت سوسيولوجيا األدب والنقد غائبة يف معاهدنا وخمترباتنا وأقسامنا وجامعاتنا‬
‫بشكل أو بةخر‪ .‬وما أشد حاجتنا إىل هذه السوسيولوجيا يف أقسام األدب وعلم‬
‫االجتماع‪ ،‬يف جامعاتنا العربية واملغربية‪ ،‬لتعميق فهمنا بالظواهر األدبية والفنية واجلمالية‬

‫‪ -333‬عبد الرمحن بوعلي‪ :‬فا نقد اكين هج اكيي صرة‪ :،‬اكبنيو اكاتو ني ‪ ،‬ص‪.88:‬‬
‫‪ -882‬عبد الرمحن بوعلي‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.88:‬‬
‫‪ -881‬عبد الرمحن بوعلي‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.83:‬‬
‫‪256‬‬
‫وتفسريها يف ضوء املقاربة االجتماعية مبختلف مستوياهتا وحقوهلا‪ ،‬إن مبناهج كمية‪ ،‬وإن‬
‫مبناهج كيفية!‬

‫هتاا‪ ،‬نخلص إىل أن سوسيولوجيا األدب والنقد هي اليت تدرس الظواهر اإلبداعية‬
‫واألدبية والفنية واجلمالية يف ضوء املقاربة االجتماعية‪ ،‬بالككيز على خمتلف الصالت اليت‬
‫جتمع بني األدب واجملتمع‪ .‬ويعين هذا أن بيئة املبدع هي اليت تولد األدب وتنتجه‪ .‬ومن هنا‪،‬‬
‫فاألدب يعكس خمتلف التناقضات السياسية واالجتماعية واالقتصادية والسياسية والتارخيية‪.‬‬
‫بيد أن هذا االنعكاس قد يكون مباشرا أو يكون غري مباشر بواسطة التماثل‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬وقد ظهرت سوسيولوجيا األدب يف أوروبا يف القرن الثامن عشر امليالدي‪ .‬ومن أهم‬
‫الوجوه البارزة يف هذا اجملال‪ :‬مونتيسكيو‪ ،‬وفيكو‪ ،‬ومدام دوستايل‪ ،‬وتني‪ ،‬وسانت بيف‪،‬‬
‫وجوستاف النسون‪ ،‬وبرونوتيري‪ ،‬والشكالنيون الروس‪ ،‬وبليخانوف‪ ،‬وماكسيم كوركي‪،‬‬
‫ومدرسة فرانكفورت‪ ،‬وغري ذلك من األمساء الالمعة يف ميدان السوسيولوجيا بصفة عامة‪،‬‬
‫وسوسيولوجيا األدب بصفة خاصة‪.‬‬
‫ومثة جمموعة من الروافد اليت سامهت يف ظهور سوسيولوجيا األدب‪ ،‬منها‪ :‬الواقعية‪،‬‬
‫والطبيعية‪ ،‬وعلم االجتماع الوضعي‪ ،‬وعلم االجتماع األملاب مع جورع زميل وماكس فيرب‪،‬‬
‫واملاركسية اجلدلية‪...‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬ميكن احلديث عن ثالثة اجتاهات سوسيولوجية كربى هي‪ :‬االجتاه التجرييب مع‬
‫روبري إسكاربيت‪ ،‬واالجتاه اجلديل مع جورع لوكاش ومدرسة فرانكفورت النقدية‪ ،‬واالجتاه‬
‫البنيوي التكويين مع لوسيان كولدمان‪.‬‬
‫أما الدراسات السوسيولوجية يف العا العريب‪ ،‬فمازالت تقليدية وتابعة للمرجعية الغربية‪ ،‬و‬
‫تستطع‪ ،‬إىل يومنا هذا‪ ،‬أن تبلور نظرياهتا النقدية أو املفاهيمية اخلاصة سا يف مقاربة الظواهر‬
‫األدبية‪ ،‬بل اكتفت بالكمجة واالقتباس والتعريف باإلنتاع السوسيولوجي الغريب‪ ،‬أو متثل‬
‫مناهجها النقدية نظرية وتطبيقا ورؤية‪.‬‬

‫‪257‬‬
‫اكفصل اكث دن‪:‬‬

‫علـ ـم االجاي ـ ع اكلغـ ـوي‬

‫ميكان احلااديث عاان مقاربااات لسااانية خارجيااة تنادرع ضاامن اللسااانيات العامااة أو تتقاباال مااع‬
‫اللسانيات البنيوية الشكلية‪ ،‬ناذكر منهاا‪ ،‬علاى سابيل اخلصاوص‪ ،‬اللساانيات االجتماعياة‪ ،‬أو‬
‫علم االجتماع اللغوي‪ ،‬أو علام اللغاة االجتمااعي‪ ،‬أو السوسيولساانيات‪ ... ،‬هاي مساميات‬
‫اصطالحية خمتلفة لعلم يدرس اللغة يف ضوء علم االجتماع‪ ،‬أو يربط امللفوظ اللغوي بسياقه‬
‫التواصلي واالجتماعي والطبقي‪.‬‬
‫ومهما تعمقنا يف الفوارق املوجودة بني اللسانيات وعلم االجتماع اللغوي‪ ،‬فالحد فرقا كبريا‬
‫بينهما؛ ألن هدفهما واحد يتمثل يف ربط اللغة بوظيفتها التواصلية والسياقية‪ ،‬واالرتباط‬
‫بالسياق االجتماعي‪ .‬وأكثر من هذا تصبح اللغة حدثا اجتماعيا بامتياز‪ .‬لذا‪ ،‬فاللسانيات‪،‬‬
‫يف احلقيقة‪ ،‬هي اللسانيات االجتماعية‪ ،‬مادامت اللغة نتاجا اجتماعيا بامتياز‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬ترتبط اللسانيات االجتماعية بعلم االجتماع من جهة أوىل‪ ،‬واإلثنولسانية من جهة‬
‫ثانية‪ ،‬وسوسيولوجية اللغة من جهة ثالثة‪ ،‬واجلغرافيا اللسانية من جهة رابعة‪ ،‬وعلم اللهجات‬
‫من جهة خامسة‪ .‬ويعين هذا أن اللسانيات االجتماعية تستعمل آليات علم االجتماع‬
‫وأدواته يف التحليل‪ ،‬وربط اللغة بالسياق اجملتمعي‪ ،‬على أساس أن اللغة نتاع اجتماعي‪ ،‬أو‬
‫تعبري عما هو جمتمعي‪.‬‬
‫كما تستعني اللسانيات االجتماعية باإلثنوغرافيا يف دراسة اللغة لكابطها بالعرق واهلوية‬
‫والثقافة؛ مع استحضار املعيار اجلغرايف يف دراسة التبدالت والتغريات والتنوع اللغوي‬
‫واللهجي‪.‬‬
‫كما للسانيات االجتماعية عالقة وثيقة بعلم اللهجات؛ ألهنا هدفها هو املقارنة بني‬
‫اللهجات واللغة املعيارية من حيث الفونيتيك(علم األصوات)‪ ،‬والفونولوجيا (علم وظائف‬
‫‪258‬‬
‫األصوات)‪ ،‬والصرف‪ ،‬والككيب‪ ،‬والداللة‪ ،‬والسياق التداويل أو التواصلي‪ .‬بل ميكن‬
‫احلديث عن التخطيط اللساب الذي يهتم مبشاكل التخطيط اللغوي‪ ،‬وبالضبط يف الدول‬
‫السائرة يف النمو اليت التعرف وحدة لسانية‪ ،‬بالككيز على اللغات واللهجات املعكف سا‬
‫رمسيا‪ ،‬مبراقبة تغرياهتا الصوتية أو التحكم فيها‪.‬‬
‫إذا‪ ،‬ما اللسانيات االجتماعيةا وما موضوعهاا وما أهم الباحثني يف هذا اجملالا وما أهم‬
‫تصوراهتم النظرية والتطبيقيةا وما أهم التغريات اليت تدرسها اللسانيات االجتماعيةا وما‬
‫أهداف هذا التخصص اللساب اجلديد وغاياته وقيمته العلميةا هذا ما سوف نتناوله يف‬
‫موضوعنا هذا‪.‬‬

‫اكيب ث األ ل‪ :‬دفهود اكلغ فا دنظور اكلس ني ت االجاي عي‬

‫تعد اللغة ظاهرة اجتماعية بامتياز‪ .‬والدليل على ذلك أن اجملتمع هو الذي خلق هذه اللغة‬
‫باالتفاق واالصطال والتواضع‪ .‬وهذا ما دفع ابن جين‪ ،‬يف كتابه (اكخص ئص) إىل‬
‫القول‪ ":‬د اكلغ أصوات يبر به كل قود عن أغراضهم‪".336‬‬
‫ويرى فرديناند دوسوسري)‪ (F.De Saussure‬أيضا أن العالقة بني الدال واملدلول هي‬
‫عالقة اتفاقية (‪ .)Arbitraire‬ويعين هذا أن اللغة نتاع اجتماعي‪ ،‬تعرب عن أفكار القوم‬
‫وأغراضهم ومصاحلهم ومنافعهم وعواطفعم وانفعاالهتم الشعورية والالشعورية‪ .‬ومبا أن اللغة‬
‫ظاهرة جمتمعية‪ ،‬فنهنا متتاز بقواعد مجاعية مشككة‪ ،‬تعرب عن الشعور مجعي‪ .‬وبالتايل‪،‬‬
‫الميكن للفرد أن يتصرف يف هذه اللغة بالزيادة أو النقصان أو التغيري إال ضمن تفاعل أو‬
‫اتفاق اجتماعي‪ .‬فمن خيطىء يف اللغة‪ ،‬أو يرتكب هفوة ما يف انتهاك معايريها اللسانية‪،‬‬

‫‪ - 886‬ابن جين‪ :‬اكخص ئص‪ ،‬اجلزء األول‪ ،‬حتقيق حممد علي النجار‪ ،‬اهليئة املصرية العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫الطبعة الرابعة سنة ‪0888‬م‪ ،‬ص‪.82:‬‬
‫‪259‬‬
‫فننه يتعرض لعقوبات مادية ومعنوية‪ ،‬كالسخرية من أخطائه‪ ،‬أو معاقبته بعدم النجا ‪ ،‬إذا‬
‫كان اخلطأ متعلقا بامتحان مصريي ما‪ .‬ويف هذا الصدد‪ ،‬يقول علي عبد الواحد وايف‪":‬‬
‫فاللغة يف كل جمتمع نظام عام يشكك األفراد يف اتباعه‪ ،‬ويتخذونه أساسا للتعبري عما جيول‬
‫خبواطرهم‪ ،‬ويف تفامههم بعضهم مع بعض‪.‬‬
‫واللغة ليست من األمور اليت يصنعها فرد معني أو أفراد معينون‪ ،‬وإمنا ختلقها طبيعة‬
‫االجتماع‪ ،‬وتنبعث‪ ،‬عن احلياة اجلمعية‪ ،‬وما تقتضيه هذه احلياة من تعبري عن اخلواطر‪،‬‬
‫وتبادل لألفكار وكل فرد منا ينشأ‪ ،‬فيجد بني يديه نظاما لغويا يسري عليه جمتمعه‪ ،‬فيتلقاه‬
‫عنه تلقيا بطريق التعليم واحملاكاة‪ ،‬كما يتلقى عنه سائر النظم االجتماعية األخرى‪ ،‬ويصب‬
‫أصواته يف قوالبه‪ ،‬وحيتذيه يف تفامهه وتعبريه‪.‬‬
‫واللغة من األمور اليت يرى كل فرد نفسه مضطرا إىل اخلضوع ملا ترمسه‪.‬وكل خروع على‬
‫نظامها‪ ،‬ولوكان عن خطن أو جهل‪ ،‬يلقى من اجملتمع مقاومة تتفل رد األدور ىكح نص به‬
‫اكص يح‪ .‬وتأخذ املخالف ببعض أنواع اجلزاء‪.‬فنذا أخطأ فرد يف نطق كلمة ما‪ ،‬أو‬
‫استخدمها يف غري مدلوهلا‪ ،‬أو خرع يف تركيب عبارته عن القواعد اليت ترمسها لغته‪ ،‬كان‬
‫حديثه موضع سخرية وازدراء من مستمعيه‪ ،‬ورموه بالغفلة واجلهل‪ ،‬وقد حيول ذلك دون‬
‫فهمهم ملا يريد التعبري عنه‪ .‬وليس هذا مقصورا على اخلطن الذي يسع الناطق إصالحه‪ ،‬بل‬
‫إن اخلطأ الذي الميكنه إصالحه‪ ،‬لنشأته مثال عن خلل طبيعي يف أعضاء النطق‪ ،‬قد يثري‬
‫هو نفسه لدى السامعني بعض ما يثريه غريه من األخطاء‪ .‬وجير على صاحبه بعض آالم‬
‫ومتاعب يف تعبريه وتفامهه‪ .‬وإذا حاول فرد أن خيرع كل اخلروع على النظام اللغوي‪ ،‬بأن‬
‫خيكع لنفسه لغة يتفاهم سا‪ ،‬فنن عمله هذا يصبح ضربا من ضروب العبث العقيم‪ ،‬إذ لن‬
‫‪887‬‬
‫جيد من يفهم حديثه‪ ،‬ولن يستطيع إىل نشر خمكعه هذا سبيال‪".‬‬

‫‪ - 887‬علي عبد الواحد وايف‪ :‬اكلغ اكيجايع‪ ،‬دار هنضة مصر للطبع والنشر‪ ،‬القهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬الطبعة األوىل سنة‬
‫‪0870‬م‪ ،‬ص‪.1-2:‬‬
‫‪260‬‬
‫وليست اللغة‪ ،‬يف منظور اللسانيات االجتماعية‪ ،‬ظاهرة فردية وراثية أو عقلية‪ ،‬والظاهرة‬
‫توقيفية خلقها اهلل أو جاء سا الوحي‪ ،‬وليست أيضا حماكاة طبيعية‪ ،‬بل هي ظاهرة‬
‫اجتماعية‪ ،‬خلقها اجملتمع للتعبري عن حاجياته ورغباته ومهومه وتطلعاته وآمانيه وآماله‬
‫وطموحاته‪...‬‬
‫وما يهم اللسانيات االجتماعية هو دراسة القوانني الثابتة واملطردة واملعيارية اليت تتحكم يف‬
‫اللغة اجملتمعية‪ ،‬برصد نشأهتا وتطورها وما يعتورها من شؤون؛ واستكشاف مبلغ تأثرها‬
‫مباعداها من الظواهر االجتماعية األخرى‪.883‬‬
‫وهنا‪ ،‬ينبغي التنبيه إىل أن اللغة اإلنسانية تتأثر مبجموعة من العوامل االجتماعية‪ ،‬والعوامل‬
‫النفسية‪ ،‬والعوامل اجلغرافية‪ ،‬والعوامل السياسية‪ ،‬والعوامل التارخيية‪ ،‬والعوامل الدينية‪،‬‬
‫والعوامل احلضارية‪ ،‬والعوامل التقنية‪ ،‬والعوامل االقتصادية‪ ،‬والعوامل الفيزيولوجية‬
‫والوراثية‪...‬وهذه العوامل كلها هي اليت ختلق هجنتها وبوليفونيتها اللسانية واجملتمعية‪.‬‬

‫اكيب ث اكث نا‪ :‬تير ف اكلس ني ت االجاي عي‬

‫من املعلوم أن هناك نوعني من اللسانيات‪ :‬لسانيات شكلية داخلية‬


‫)‪ (Linguistique‬هتتم باللغة يف حد ذاهتا‪ ،‬مبراعاة مستوياهتا الثابتة (املستوى‬
‫الفونولوجي‪ ،‬واملستوى الصريف‪ ،‬واملستوى الداليل‪ ،‬واملستوى الككييب)؛ ولسانيات خارجية‬
‫(‪ )Extralinguistique‬تعين بدراسة اللغة يف ضوء سياقها التلفظي واالجتماعي‬
‫أو بعدها السيكولوجي‪.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬فنن اللسانيات االجتماعية (‪ )la sociolinguistique‬هي اليت تعىن‬
‫بدراسة التنوع املشكك بني الظواهر اللسانية واجملتمعية‪ ،‬ورصد العالقات املوجودة بني هذه‬

‫‪ - 883‬علي عبد الواحد وايف‪ :‬اكلغ اكيجايع‪ ،‬ص‪.6:‬‬


‫‪261‬‬
‫الظواهر بتحديد السبب والنتيجة‪ .‬ويعين هذا ضرورة البحث عن أسباب التغريات اليت‬
‫حتدث على املستوى اللساب‪ ،‬وربطها مبسبباهتا االجتماعية أو سياقها التلفظي‬
‫والتواصلي‪.888‬ويعرفها جون الينز (‪ )John Lyons‬قائال‪ ":‬هي دراسة اللغة من حيث‬
‫‪821‬‬
‫عالقتها باجملتمع"‬
‫ومن هنا‪ ،‬فاللسانيات االجتماعية هي اليت تركز على الوظيفة االجتماعية للغة‪.‬أي‪ :‬تدرس‬
‫خمتلف التبدالت االجتماعية للغة يف عالقتها باملتكلمني الناطقني‪ ،‬من حيث السن‪،‬‬
‫واجلنس‪ ،‬والفئة االجتماعية‪ ،‬والوسط‪ ،‬واملستوى املهين‪ ،‬واملستوى التعليمي؛ وحتليل العالقة‬
‫القائمة بني اللغة واملمارسات االجتماعية (العائلية‪ ،‬والدراسية‪ ،‬والوظيفية‪ .)...‬مث تفسري‬
‫الوظيفة االجتماعية للغة‪ ،‬واالهتمام بقضايا لغوية واجتماعية كربى تتعلق باللغة األم‪،‬‬
‫وموت اللغات‪ ،‬وعالقة اللغة باللهجة والفصيلة‪ ،‬والثنائية والتعددية اللغوية‪ ،‬واألنظمة اللغوية‬
‫‪820‬‬
‫املركبة واملعقدة‪ ،‬وتدبري التعدد اللغوي‪ ،‬والسياسات اللغوية‪ ،‬والتخطيط اللغوي‪...‬‬
‫وإذا كانت اللسانيات البنيوية السوسريية هتتم بدراسة اللغة يف حد ذاهتا‪ ،‬ضمن ما يسمى‬
‫باللسانيات البنيوية الشكلية(‪ ،)Linguistique formelle‬فنن اللسانيات‬
‫االجتماعية تدرس الكالم أوالتلفظ يف عالقته بالسياق التواصلي االجتماعي‪ .‬وطبعا‪ ،‬هذا‬
‫له عالقة وطيدة بلسانيات التلفظ عند باختني(‪،)Bakhtine‬‬
‫وبنفنست(‪ ،)Benevinste‬ودوكرو(‪ ،)Ducrot‬وأوريكشيوب(‪،)Orecchioni‬‬
‫ومانغونو(‪ ،)Maingueneau‬وآخرين‪...‬‬

‫‪339‬‬
‫‪- Jean Dubois et autres: Dictionnaire de Linguistique, Larousse,‬‬
‫‪Paris,1991,p444.‬‬
‫‪340‬‬
‫‪- Lyons: Language and linguistics: An Introduction.‬‬
‫‪Cambridge: Cambridge University Press 1981, p: 267.‬‬
‫‪ -820‬عبد الكرمي بوفرة‪ :‬علم اكلغ االجاي عا‪ ،‬دقدد نظر ‪ ،‬مطبوع جامعي‪ ،‬جامعة حممد األول‪ ،‬كلية‬
‫اآلداب والعلوم اإلنسانية‪ ،‬وجدة‪ ،‬املغرب‪ ،‬املوسم اجلامعي‪2102-2100‬م‪ ،‬ص‪.00:‬‬
‫‪262‬‬
‫ومن ناحية أخرى‪ ،‬التدرس اللسانيات االجتماعية البنيات اللغوية الداخلية فقط‪ ،‬بل تنفتح‬
‫على البنيات اللغوية اخلارجية املرتبطة بالسياق التواصلي‪ .‬ومن مث‪ ،‬تعىن اللسانيات‬
‫االجتماعية بتطور اللغة يف سياق اجتماعي معني‪ ،‬بالككيز على التغريات الصوتية‬
‫والفونولوجية‪ ،‬والتغريات الصرفية‪ ،‬والتغريات الككيبية‪ ،‬والتغريات الداللية‪ ،‬والتغريات‬
‫الوظائفية‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬هتتم الللسانيات االجتماعية بالككيب والداللة على املستوى الداخلي‪ ،‬وبعوامل‬
‫خارجية هلا آثارها الواضحة يف تطور اللغة‪ ،‬مثل‪ :‬العوامل االقتصادية‪ ،‬والعوامل الدميغرافية‪،‬‬
‫والعوامل االجتماعية‪ ،‬إخل‪...‬‬
‫وإذا كانت العوامل الداخلية واخلارجية منفصلة عن بعضها البعض يف الدراسات السابقة‪،‬‬
‫فاآلن‪ ،‬الميكن الفصل بينها إطالقا يف إطار اللسانيات االجتماعية‪ ،‬فالواحدة منها تكمل‬
‫األخرى‪.‬‬
‫عالوة على ذلك‪ ،‬ميكن للسانيات االجتماعية أن تدرس الشبكات االجتماعية اليت توجد‬
‫ضمنها اللغة املتلفظة‪ ،‬إما يف ضوء مقاربة كلية شاملة (الدولة أو املدينة)‪ ،‬وإما يف ضوء‬
‫مقاربة جزئية (األسرة ‪ -‬مثال)‪...‬‬
‫ومن املعلوم أن اللغة عبارة عن هلجة‪ ،‬وقد حتولت إىل اللغة بامتالكها للسلطة السياسية‬
‫والقوة االقتصادية‪ .‬وبعد ذلك‪ ،‬فرضت نفسها مؤسساتيا ولسانيا وجمتمعيا‪ ،‬وأضحت لغة‬
‫رمسية معيارية بقواعدها الرصينة‪.‬بيد أن هذه اللغة ميكن أن تتفرع‪ ،‬مع مرور الزمان‪ ،‬إىل‬
‫هلجات حملية وجغرافية واجتماعية وطبقية وفئوية وإثنية‪ ،‬ختضع بدورها لتغريات وتبدالت‬
‫لسانية فونولوجية‪ ،‬وصرفية‪ ،‬وداللية‪ ،‬وتركيبية‪ .‬أو تنتج تلك التغريات عن عوامل سياسية‪،‬‬
‫واجتماعية‪ ،‬واقتصادية‪ ،‬وتارخيية‪ ،‬وثقافية‪ ،‬وحضارية‪ ،‬ودينية‪ .‬ويعين هذا أن اللسانيات‬
‫االجتماعية هي اليت تدرس تلك التغريات اللغوية واللهجية يف خمتلف جتلياهتا الصوتية‪،‬‬
‫والصرفية‪ ،‬والككيبية‪ ،‬والداللية‪ ،‬مبراعاة السياق اجملتمعي‪ ،‬واإلنصات إىل التفاعالت اخلارجية‬
‫العائدة إىل السن‪ ،‬والنوع‪ ،‬والطبقة االجتماعية‪ ،‬واإلثنية العرقية‪...‬‬

‫‪263‬‬
‫وأكثر من هذا تعىن اللسانيات االجتماعية بدراسة تطور اللغة يف سياقها االجتماعي‬
‫الدياكروب التعاقيب‪ ،‬مبعرفة ما تغري من الظواهر اللسانية للهجة أو لغة ما‪ ،‬سواء أكان هذا‬
‫التغيري جزئيا أم كليا‪ ،‬وأيضا ما بقي ثابتا يتغري؛ مع رصد خمتلف العوامل اليت تتحكم يف‬
‫هذا التغري والثبات معا‪.‬‬
‫وسذا‪ ،‬يكون هدف اللسانيات االجتماعية هو دراسة التبدالت والتغريات اللسانية للغة أو‬
‫هلجة ما‪ .‬ولكن هذه التغريات اللسانية التكون دائما دياكرونية تطورية‪ ،‬بل ميكن أن تكون‬
‫سانكرونية‪ ،‬بدراستها بنيويا يف إطار لغة أو هلجة ما‪.‬أي‪ :‬دراستها دراسة داخلية حمايثة‪،‬‬
‫دون ربطها بتطوراهتا التارخيية‪ .‬وسذا‪ ،‬تنبين اللسانيات االجتماعية على منهجيتني‬
‫متكاملتني‪ :‬منهجية دياكرونية تعىن بتتبع الظاهرة اللسانية االجتماعية يف خمتلف مراحلها‬
‫التارخيية؛ ومنهجية سانكرونية هتتم بدراسة اللغة يف إطارها البنيوي الداخلي‪.‬‬

‫اكيب ث اكث كث‪ :‬دوضوع اكلس ني ت االجاي عي‬

‫تدرس اللسانيات االجتماعية جمموعة من املواضيع هلا عالقة مباهو لساب وماهو‬
‫جمتمعي يف الوقت نفسه‪ ،‬مثل‪ :‬اللغة واجملتمع‪ ،‬ومواصفات اللغة املعيارية‪ ،‬واهليمنة‬
‫اللغوية‪ ،‬والسلطة اللغوية‪ ،‬واحلروب اللغوية‪ ،‬واللهجات احمللية واجلغرافية‬
‫واالجتماعية‪ ،‬والتطور اللغوي‪ ،‬والصراع اللغوي‪ ،‬واالحتكاك اللغوي‪ ،‬وتفرع اللغات‬
‫إىل اللهجات‪ ،‬واالزدواجية اللغوية‪ ،‬والتعددية اللغوية‪ ،‬والتخطيط اللغوي‪ ،‬والتغريات‬
‫والتبدالت اللسانية‪ ،‬وموت اللغات‪ ،‬والدخيل اللغوي‪ ،‬والتداخل اللغوي‪ ،‬والتهجني‬
‫أو اخللط اللغوي‪ ،‬والبوليفونية اللغوية واألسلوبية والصوتية‪ ،‬والتنضيد الطبقي‪،‬‬
‫واللغات واللهجات‪ ،‬وتصحيح اللغة‪ ،‬وجودة اللغة‪ ،‬وتقعيد اللغة‪ ،‬والتلوث اللغوي‪،‬‬
‫واألمان اللغوي‪ ،‬والسياسية اللغوية‪ ،‬ونشأة اللغة وتطورها وانقراضها‪ ،‬واللغة والبيئة‬
‫‪264‬‬
‫اللسانية واالجتماعية‪ ،‬واللغة واهلوية‪ ،‬واللغة األم‪ ،‬ومحاية اللغة‪ ،‬والتواصل اللغوي‪،‬‬
‫والتفاعل اللساب واجملتمعي‪ ،‬ولسانيات التلفظ‪ ،‬وتعليم اللغات‪ ،‬والتأثر اللغوي‪،‬‬
‫واللغة واستعماالهتا االجتماعية‪ ،‬واإلقصاء اللغوي‪ ،‬والتجديد اللغوي‪......‬‬

‫اكيب ث اكرابع‪ :‬أهداف اكلس ني ت االجاي عي‬

‫تسعى اللسانيات االجتماعية إىل دراسة اللغة يف ضوء املقاربة االجتماعية أو‬
‫السوسيولوجية‪ ،‬بربط اللغة بسياقها التواصلي والتفاعلي والتلفظي‪.‬أي‪ :‬ربط اللغة باجملتمع‪.‬‬
‫ومن مث‪ ،‬فهدف هذه اللسانيات هو وصف خمتلف التغريات والتبدالت الصوتية اليت تعرفها‬
‫اللغات واللهجات احمللية واجلغرافية والطبقية واإلثنية‪ ،‬واملقارنة بينها‪ ،‬والبحث عما هو‬
‫مشكك وخمتلف‪ ،‬والبحث عن عوامل هذا التبدل يف ضوء املقاربة السوسيولوجية‪ .‬ويعين هذا‬
‫دراسة اجلملة يف سياقها التلفظي أو التداويل أو التواصلي أو التفاعلي أو االجتماعي أو‬
‫الوظيفي‪ .‬ومن مث‪ ،‬العمل على اجلمع بني سياق اجلملة والسياق الثقايف‪ .‬فضال عن فهم‬
‫التنوع اللغوي واللهجي وتفسريه حسب السن‪ ،‬واجلنس‪ ،‬والطبقات االجتماعية‪ ،‬واإلثنيات‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فهدف اللسانيات االجتماعية هو تقدمي وصف منظم للتنوع اللغوي واللساب يف‬
‫عالقته بالتنوع االجتماعي‪ ،‬ودراسة الكفاءة التواصلية يف أبعادها السياقية االجتماعية‬
‫والثقافية والتفاعلية‪.‬‬

‫‪265‬‬
‫اكيب ث اكخ دس‪ :‬ظهــور اكلس ني ت االجاي عيـ ـ‬

‫ظهرت اللسانيات االجتماعية إبان سنوات اخلمسني والستني من القرن العشرين رد فعل‬
‫على اللسانيات البنيوية املغلقة واملنطوية على ذاهتا‪ ،‬وخاصة اللسانيات السوسريية اليت‬
‫كانت ترى أن اللغة موحدة ومتشاسة من حيث البنية‪ .‬ويكتب على هذا أن اللغة نظام‬
‫نسقي موحد‪ ،‬اليعرف التنوع وال التعدد‪ .‬ومن مث‪ ،‬فاللغة هلا قواعد لسانية معينة‪ .‬وبالتايل‪،‬‬
‫فقد أقصى فرديناند دوسوسري العوامل املرجعية واخلارجية يف دراسة اللغة‪ ،‬كالعوامل النفسية‪،‬‬
‫والعوامل االجتماعية‪ ،‬والعوامل املرجعية‪ .‬ولكن كيف ميكن أن نتحدث عن التطور اللغوي‬
‫واجملتمعي‪ ،‬إذا كانت اللغة موحدة ومنسجمة وبسيطة وخالية من التعدد والتنوع البوليفوب‬
‫واللسابا !!!‬
‫وقد ظهرت اللسانيات االجتماعية كذلك رد فعل على اللسانيات التوليدية التحويلية لنوام‬
‫شومسكي (‪ )N.Chomsky‬اليت تنادي إىل حنو كلي كوب وعاملي‪ ،‬مشيدة بدور الفرد‬
‫املتكلم‪ ،‬معتمدة يف ذلك على قواعد مثالية جمردة افكاضية وصورية‪ ،‬بعيدا عن الواقع‬
‫والسياق التواصلي‪ .‬ويعين هذا أن اللغة ‪ -‬حسب نوام شومسكي‪ -‬ذات طبيعة عقلية‬
‫وفردية وراثية‪ .‬يف حني‪ ،‬ترى اللسانيات االجتماعية أن اللغة ظاهرة اجتماعية مكتسبة‪.‬‬
‫و تتبلور اللسانيات االجتماعية يف الواليات املتحدة األمريكية إال يف سنوات الستني من‬
‫القرن املاضي مع وليام البوف (‪ )William Labov‬الذي يعد األب احلقيقي‬
‫للسانيات االجتماعية‪ .‬يف حني‪ ،‬يعد فرديناند دوسيوسري األب احلقيقي للسانيات العامة‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬و تتبوأ اللسانيات االجتماعية مكانتها احلقيقية يف فرنسا إال بفضل الدراسات‬
‫واملراكز واملختربات اللسانية املاركسية‪ ،‬كما هو احلال مع جان بابتيست مارسيليسي‬
‫(‪ )Jean-Baptiste Marcellesi‬وأعضاء التيار األلتوسريي؛ نسبة إىل لوي‬
‫ألتوسري(‪.)L.Althusser‬‬

‫‪266‬‬
‫هذا‪ ،‬وقد انصبت اللسانيات االجتماعية الفرنكفونية على جمموعة من الظواهر اللسانية‪،‬‬
‫مثل‪ :‬التعددية اللغوية‪ ،‬والتغريات اللسانية‪ ،‬واالحتكاك اللغوي‪ ،‬والصراع اللغوي‪ ،‬وتعليم‬
‫اللغات‪ ،‬والتأثر اللغوي‪ ،‬وتفرع اللغة املعيارية إىل هلجات ولغات‪ ،‬والتطور اللغوي‪،‬‬
‫ومواصفات اللغة املعيارية‪ ،‬واللغة واستعماالهتا االجتماعية‪ ،‬واإلقصاء اللغوي‪ ،‬والتجديد‬
‫اللغوي‪ ،‬والتخطيط اللغوي‪ ،‬والتلوث اللغوي‪ ،‬والبيئة اللغوية‪...‬‬

‫اكيب ث اكس دس‪ :‬أعمد اكلس ني ت االجاي عي‬

‫يعد اللساب األمريكي ويليام البوف (‪ )William Labov‬املؤسس احلقيقي لعلم‬


‫االجتماع اللغوي املعاصر(‪ )la sociolinguistique‬بكتابه الذي نشره سنة ‪0866‬م‬
‫حتت عنوان (اكانضيد االجاي عا كإلنجليز فا نيو ورك)‪.305‬‬

‫ومن الباحثني اآلخرين الذين اهتموا بعلم االجتماع اللغوي نذكر‪ :‬بازيل برينشتاين( ‪Basil‬‬
‫‪ ،828)Bernstein‬وفيليب بالنشي(‪ ،822)Philippe Blanchet‬وماري لويز‬
‫مورو(‪ ،)Marie-Louise Moreau‬ولويس جان كالفي( ‪Louis-Jean‬‬
‫‪ ،)Calvet‬وديل هيمس(‪ ،)Dell Hymes‬وميشيل فرانكار( ‪Michel‬‬

‫‪- William Labov: The Social Stratification of English in New‬‬


‫‪342‬‬

‫‪York City Department Stores, Washington, D.C., Center for‬‬


‫‪Applied Linguistics, 1966, 485 p.‬‬
‫‪343‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪Bernstein Basil, 1971, Class, Codes and Control, Londres,‬‬
‫‪Routedge & Kegan Paul (trad. fr: Langage et classes sociales. Codes‬‬
‫)‪sociolinguistiques et contrôle social, Paris, Éditions de Minuit, 1975‬‬
‫‪344‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪Philippe Blanchet: Le provençal, essai de description‬‬
‫‪sociolinguistique et différentielle, Institut de Linguistique de‬‬
‫‪Louvain, Louvain, Peeters, 1992.‬‬
‫‪267‬‬
‫‪ ،)Francard‬وجان بابتيست مارسيليسي(‪،)Jean-Baptiste Marcellesi‬‬
‫وديبورا تانني (‪ ،)Deborah Tannen‬وجاكلني بيليي(‪،)Jacqueline Billiez‬‬
‫وتريي بولو(‪ ،)Thierry Bulot‬وخوصي ماريا سانشيز كاريون ( ‪José María‬‬
‫‪ ،)Sánchez Carrión‬وتوليو دي مورو(‪ ،)Tulio Di Mauro‬وهنري‬
‫بوير(‪ ،)Henri Boyer‬وجاكي سيمونان(‪ ،)Jacky Simonin‬وهودسون‬
‫(‪ ،821)Hudson‬وبيك ترودجيل (‪...826)Trudgill, Peter‬‬

‫اكيب ث اكس بع‪ :‬تطـ ــور اكلغـ ـ‬

‫مثة عدة عوامل متنوعة وخمتلفة ومتعددة تساهم يف تطور اللغة سانكرونيا ودياكرونيا‪ ،‬وميكن‬
‫حصرها يف‪:‬‬
‫‪ ‬اكيوادل االجاي عي اليت تتمثل يف حضارة األمة‪ ،‬ونظمها‪ ،‬وعاداهتا‪ ،‬وتقاليدها‪،‬‬
‫وأعرافها‪ ،‬وعقائدها‪ ،‬وأنشطتها‪ ،‬وثقافتها العامة‪ ،‬واجتاهاهتا الفكرية والعقلية والوجدانية‪.‬‬
‫ويعين هذا أن اللغة تتطور بتطور األمة حضاريا‪ ،‬كأن تنتقل من مرحلة البداوة حنو حضارة‬
‫العمران واملدنية‪ ،‬أو تنتقل من مرحلة الطبيعة والغاب إىل مرحلة الدولة والقانون‪.‬ويكتب‬
‫على ذلك تغري يف اللغة على مجيع املستويات‪ :‬الصوتية‪ ،‬والصرفية‪ ،‬والككيبية‪ ،‬والداللية‪،‬‬
‫والتداولية‪.‬‬
‫فعندما انتقلت األمة العربية من اجلاهلية حنو اإلسالم‪ ،‬تغريت كثري من العادات واألعراف‬
‫والسلوكيات االجتماعية‪ .‬كما وقع تطور على مستوى اللغة‪ .‬ويظهر هذا جليا على مستوى‬

‫‪345‬‬
‫‪- Hudson, R.A: Sociolinguistics, Cambridge [England]; New‬‬
‫‪York, NY, USA: Cambridge University Press.1996.‬‬
‫‪346‬‬
‫‪- Trudgill, Peter: Sociolinguistics: an introduction to language‬‬
‫‪and society,‬‬ ‫‪London,‬‬ ‫‪England:‬‬ ‫‪New‬‬ ‫‪York,‬‬ ‫‪N.Y.,‬‬ ‫‪USA:‬‬
‫‪Penguin.1995.‬‬
‫‪268‬‬
‫الشعر‪.‬فقد أصبحت اللغة الشعرية‪ ،‬يف صدر اإلسالم‪ ،‬لغة مهذبة ونقية وصافية وحمتشمة‪،‬‬
‫تطفح باملعجم الديين اإلسالمي الذي نقحه القرآن الكرمي واحلديث النبوي الشريف‪ .‬وقد‬
‫شهد العصر العباسي أيضا تطورا لغويا واضحا بعد االنتقال من حياة البداوة حنو حياة‬
‫احلضارة‪ ،‬ووقع انفتا واسع على الشعوب اجملاورة‪.‬ومن مث‪ ،‬تطورت اللغة العربية‪ ،‬فتأثرت‬
‫باللغة الفارسية‪ ،‬واللغة اهلندية‪ ،‬واللغة الككية‪ ،‬واللغة األمازيغية‪ ،‬ولغات الروم‪...‬‬
‫‪‬تأثر اكلغ ب كلغ ت األيرى اكيج رة‪ .‬ويعين هذا أن اللغات واللهجات تتعرض‬
‫للتطور عرب االحتكاك اللغوي‪ ،‬فتنتقل ألفاظ لغة أو هلجة ما إىل لغة أو هلجة جماورة‪ ،‬بفعل‬
‫التقارب واالحتكاك والتواصل والتفاعل والتبادل التجاري واحلروب السياسية‪ ،‬وبفعل الغلبة‬
‫واهليمنة والسيطرة‪ ،‬وبفعل الدين كذلك‪ .‬فاللغة اإلحليزية ‪ -‬مثال‪ -‬قد أخذت الكثري من‬
‫اللغة النورماندية القريبة‪ .‬كما تأثرت اللغة األمازيغية باللغة العربية أثناء الفتوحات اإلسالمية‪،‬‬
‫وتأثرت اللهجات اجلزائرية باللغة الفرنسية تأثرا واضحا‪ ،‬يتجلى ذلك يف املعجم اللغوي‪،‬‬
‫والتعابري الككيبية املوظفة‪ .‬وتتضمن اللغة العربية كثريا من املفردات من أصل فارسي‪،‬‬
‫وهندي‪ ،‬وأعجمي‪ ،‬وعربي‪...‬‬
‫‪‬اكيوادل األدبي اإلبداعي اليت ختدم اللغة مبا تنتجه من ألفاظ وتعابري وتراكيب؛‬
‫وتقوم معاهد التعليم واجملامع اللغوية بدور كبري يف محاية اللغة وترقيتها وتطويرها‪ .‬ويعين هذا‬
‫أن اإلبداع األديب بصفة خاصة‪ ،‬والتأليف بصفة عامة‪ ،‬هلما دور مهم يف تطوير اللغة‬
‫وتنميتها وترقيتها اقتباسا‪ ،‬وتوليدا‪ ،‬واقكاضا‪ ،‬وحنتا‪ ،‬واشتقاقا‪ ،‬واستعماال‪ .‬وبالتايل‪ ،‬فاألدباء‬
‫واملفكرون يطورون اللغة عرب االحتكاك بثقافات الشعوب اجملاورة أو البعيدة‪ ،‬وترمجة آثارهم‬
‫الفكرية واألدبية والفنية والعلمية‪ ،‬وتلخيص كتاباهتم‪ ،‬والتعريف بنبداعاهتم‪ ،‬والتأثر مبدارسهم‬
‫واجتاهاهتم األدبية والفنية والفكرية‪ .‬وللتمثيل‪ ،‬فقد ساهم األدب اجلزائري املكتوب بالفرنسية‬
‫يف تطوير اللغة الفرنسية املعيارية‪ .‬وينطبق هذا احلكم كذلك على األدب األفريقي الذي‬
‫خدم األدب الفرنسي خدمات جلى‪ .‬وساهم كذلك األدب األمريكي الالتيين يف تطوير‬
‫األدب اإلسباب لغة وبنية وتركيبا وتداوال ومعجما‪.‬‬

‫‪269‬‬
‫‪ ‬اناق ل اكلغ دن اكسلف ىكح اكخلف‪ ،‬ويعين هذا أن اللغة تتطور وختتلف من السلف‬
‫إىل اخللف‪ ،‬أو من جيل إىل آخر عن طريق احملاكاة والتعلم واالبتكار واإلبداع‪ ،‬وتغري‬
‫الظروف السياسية واالجتماعية واالقتصادية والثقافية‪.‬ومن مث‪ ،‬فليست لغة األجداد الكاثية‬
‫هي لغة األبناء واألحفاد املعاصرين‪.‬‬
‫‪‬اكيوادل اكطبييي اكجغرافي اكفيز وكوجي اإلثنوكوجي ‪.‬ويعين هذا أن اللغة ختتلف‬
‫من مكان جغرايف إىل آخر‪ ،‬أو ختتلف حسب طبيعة الشعوب الوراثية وطبيعة أعضاء‬
‫النطق‪ .‬فثمة فوارق لغوية كبرية بني لغة البادية ولغة احلضر‪ ،‬أوبني لغة اجلبال ولغة السهول‪،‬‬
‫أوبني لغات املناطق احلارة واملناطق الباردة واملعتدلة‪ ...‬ومثة شعوب التستطيع أن تنطق‬
‫اجليم‪ ،‬مثل‪ :‬إسبانيا اليت تنطقها خاء‪ .‬وهناك شعوب التعرف حرف الذال العربية كالشعب‬
‫الفرنسي‪...‬‬
‫‪‬اكيوادل اكلغو ‪ ...‬ويقصد سا تلك العوامل " اليت تؤثر يف تطور األصوات فريجع‬
‫أمهها إىل ثالثة أمور‪ :‬أحدها تفاعل أصوات الكلمة بعضها مع بعض؛ وثانيها موقع‬
‫‪827‬‬
‫الصوت يف الكلمة؛ وثالثها تناوب األصوات وحلول بعضها حمل بعض"‪.‬‬
‫هذه أهم العوامل اليت تساهم يف نشأة اللغة وتطورها داخليا وخارجيا‪ ،‬وقد حصرناها يف‬
‫العوامل االجتماعية‪ ،‬والعوامل اللسانية‪ ،‬والعوامل الطبيعية واجلغرافية والفيزيولوجية‬
‫واإلثنوغرافية‪ ،‬والعوامل األدبية واإلبداعية‪ ،‬وانتقال اللغة من السلف إىل اخللف‪ ،‬وعامل‬
‫التأثري والتأثر‪ ،‬وعامل االحتكاك باللغات اجملاورة‪.‬‬

‫‪ - 827‬علي عبد الواحد وايف‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.32:‬‬


‫‪270‬‬
‫اكيب ث اكث دن‪ :‬اكصـ ـراع اكلغـ ــوي‬

‫يعد قانون الصراع اللغوي من أهم القوانني األساسية اليت ختضع هلا اللغة إىل جانب قانون‬
‫التطور‪ ،‬وقانون االحتكاك‪ ،‬وقانون التبدل والتغري‪...‬ويعين هذا أن اللغة قد تفرض نفسها‬
‫على لغة أو لغات أخرى بعد انتصارها وغلبتها‪ .‬وقد تندحر اللغة بعد اهنزامها‪ ،‬أو تقصى‬
‫وهتمش بعد فقدان أمهيتها السياسية‪ ،‬والعسكرية‪ ،‬واالقتصادية‪.‬‬
‫إذا‪ " ،‬حيدث بني اللغات ما حيدث بني أفراد الكائنات احلية ومجاعاهتا من احتكاك وصراع‬
‫وتنازع على البقاء‪ ،‬وسعي وراء الغلب والسيطرة‪.‬وختتلف نتائج هذا الصراع باختالف‬
‫األحوال‪.‬فتارة ترجح كفة أحد املتنازعني‪ ،‬فيسارع إىل القضاء على اآلخر مستخدما يف‬
‫ذلك وسائل القسوة والعنف‪ ،‬ويتعقب فلوله فاليكاد يبقى على أثر من آثاره‪.‬وتارة ترجح‬
‫كفة أحدمها كذلك‪ ،‬ولكنه ميهل اآلخر‪ ،‬وينتقص بالتدريج من قوته ونفوذه‪ ،‬ويعمل على‬
‫خضد شوكته شيئا فشيئا حىت يتم له النصر‪.‬وأحيانا تتكافأ قوامها أو تكاد فتظل احلرب‬
‫‪823‬‬
‫بينهما سجاال‪ ،‬ويظل كل منهما يف أثنائهما حمتفظا بشخصيته ومميزاته‪".‬‬
‫وقد ينتج هذا الصراع اللغوي عن االحتكاك اللغوي من جهة‪ ،‬أو هجرة أقوام إىل البلد‬
‫املضيف ينطقون لغة غري لغة القوم من جهة أخرى‪ .‬ويعين هذا إما أن يقع نزو عناصر‬
‫أجنبية إىل البلد عرب الفتوحات أو احلروب أو االستعمار أو اهلجرة‪ ،‬فيقع صراع بني اللغة‬
‫احمللية ولغة الناز ‪ ،‬فتنتصر اللغة اليت هلا الغلبة والقوة والسلطة والنفوذ‪ ،‬وتضمحل لغة‬
‫الضعيف‪ ،‬وتتضاءل قيمتها أمام لغة العدو‪ .‬وقد يكون الصراع بني اللغة الراقية واللغة‬
‫املتدنية‪ ،‬أو يكون الصراع بني لغة متقدمة علميا (اللغة اإلحليزية) ولغة متخلفة يف ذلك‬
‫اجملال(اللغة اإلسبانية أو الربتغالية)‪ .‬وقد تنقرض لغة إما بطريقة سريعة ومفاجئة‪ ،‬وإما بطريقة‬
‫متدرجة حسب طبيعة ضعف الدولة وتقهقرها احلضاري‪.‬‬

‫‪ - 823‬علي عبد الواحد وايف‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.001:‬‬


‫‪271‬‬
‫وقصارى القول‪ ":‬مىت اجتمع لغتان يف بلد واحد المناص من تأثر كل منهما باألخرى‪،‬‬
‫سواء أتغلبت إحدامها أم كتب لكلتيهما البقاء‪ .‬غري أن هذا التأثر خيتلف يف مبلغه ومنهجه‬
‫ونواحي ظهوره ونتائجه يف احلالة األوىل عنه يف احلالة الثانية‪.‬‬
‫فنذا كان الغلب كتب إلحدامها نراها تسيغ كل ما تأخذه من األخرى مهما كثرت كميته‪،‬‬
‫فيستحيل إىل عناصر من نوع عناصرها‪ ،‬فتزداد به قوة ونشاطا؛ بدون أن تدع له جماال‬
‫للتأثري يف بنيتها أو تغيري تكوينها األصلي؛ على حني إن املغلوبة التقوى على مقاومة ما‬
‫تقذفها به الغالبة من مفردات وقواعد وأساليب‪ ،‬وال تكاد تسيغ ما تتجرعه منها‪ ،‬فيتخمها‬
‫ويضعف بنيتها‪ ،‬فتخور قواها وتفىن أنسجتها األصلية شيئا فشيئا حىت تزول‪ :‬كما كان‬
‫شأن اإلحليزية الغالبة مع النورماندية املغلوبة‪.‬‬
‫وإذا كان البقاء قد كتب لكلتيهما تعمد كل منهما إىل ما تأخذه من األخرى فتسيغه‬
‫وتفيض عليه من حيويتها وتقاوم آثاره اهلدامة‪ ،‬فتبقى كل منهما متميزة الشخصية وموفورة‬
‫القوى سليمة البناء‪ :‬كما كان شأن الفارسية مع العربية‪"828.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬يتضح لنا أن الصراع اللغوي مظهر من مظاهر احلياة اللغوية الطبيعية يف اجملتمع‬
‫اإلنساب‪.‬‬

‫‪ - 828‬علي عبد الواحد وايف‪ :‬نفسه ص‪.080-081:‬‬


‫‪272‬‬
‫اكيب ث اكا سع‪ :‬اكانوع اكلغوي اكلهجا‬

‫من املعروف أن الفصيلة اللغوية تتفرع إىل جمموعة من اللغات‪ ،‬وتتفرع كل لغة على حدة‬
‫إىل هلجات متنوعة‪ .‬ومن هنا‪ ،‬فاللغة املعيارية األصلية (‪)La langue Standard‬‬
‫تتفرع إىل عدة هلجات حملية (‪ )Dialectes Locaux‬وهلجات اجتماعية‬
‫(‪.)Dialectes sociaux‬فيقصد باألوىل انقسام اللغة إىل جمموعة من اللهجات‬
‫اجلغرافية احمللية‪ .‬يف حني‪ ،‬تدل الثانية على انقسام اللغة إىل جمموعة من الطبقات‬
‫االجتماعية أو فئات وطوائف وطبقات سكانية واجتماعية‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬ويعود انتشار اللغة إىل عوامل الصراع اللغوي‪ ،‬وعامل اهلجرة والنزو واحلروب‪ ،‬وعامل‬
‫االحتكاك اللغوي بني املناطق املتجاورة‪ ،‬وقد تنتشر اللغة بفضل النمو الدميغرايف‪ ،‬وتطور‬
‫عمراهنا البشري‪ .‬وكلما اتسع عدد أفراد املتكلمني بلغة معينة‪ ،‬وتوسعت الرقعة اجلغرافية‪ ،‬قد‬
‫تنفصل منطقة جغرافية ما عن سلطة املركز‪ ،‬فتكون لنفسها لغة خاصة سا حتافظ على بعض‬
‫القواعد املوجودة يف اللغة األصلية‪ .‬وبعد ذلك‪ ،‬تزداد الفوارق بشكل تدرجيي‪ .‬والدليل على‬
‫ذلك انقسام الفصائل اللغوية إىل لغات مث إىل هلجات‪ .‬كما أن تفرق أمازيغ املغرب يف‬
‫البالد أدى إىل وجود ثالث هلجات خمتلفة يف كثري من املالمح اللسانية واالجتماعية‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫اللهجة الريفية مبنطقة الريف‪ ،‬وهلجة تاشلحيت يف خمتلف مناطق سوس‪ ،‬وهلجة تامازيغت‬
‫باألطلس املتوسط‪.‬‬
‫ومثة عوامل أخرى تقوم بدور هام يف تفريع اللغة إىل هلجات‪ ،‬مثل‪ :‬العوامل السياسية‪،‬‬
‫والعوامل االجتماعية‪ ،‬والعوامل اإلثنية والعرقية‪ ،‬والعوامل اجلغرافية‪ ،‬والعوامل الشعبية‪،‬‬
‫والعوامل النفسية واملزاجية‪...‬وبذلك‪ ،‬حتدث اختالفات صوتية‪ ،‬وصرفية‪ ،‬وتركيبية‪ ،‬وداللية‪.‬‬

‫‪273‬‬
‫اكيب ث اكي شر‪ :‬اكاغيرات اكابدالت اكلس ني‬

‫تدرس اللسانيات االجتماعية جمموعة من التغريات والتبدالت اللغوية الناجتة عن العوامل‬


‫واآلثار االجتماعية‪.‬أي‪ :‬تصف خمتلف التغريات اليت تطرأ على اللغة داخل اجملتمع‪ ،‬وهي‬
‫على أربعة أصناف‪:‬‬
‫" ‪ ‬تغيريات تارخيية مرتبطة بعامل الزمن‪.‬‬
‫‪‬تغيريات مكانية تتصل بالتوزيع اجلغرايف للغة‪ ،‬وحبسب املناطق واجلهات‪.‬‬
‫‪‬تغيريات ذات صلة بأشكال استعماالت اللغة ومستوياهتا بالنظر إىل الطبيعة‬
‫االجتماعية‪ -‬االقتصادية للناطقني بتلك اللغة‪.‬‬
‫‪‬تغيريات يتحكم فيها السياق االجتماعي‪ ،‬ما يضعنا أمام سجالت خمتلفة للغة مرتبطة‬
‫مبناسبة احلديث واملستوى الثقايف للمتلكم اللغوي‪".811‬‬
‫ويتحدث وليام البوف عن تغريات دياكرونية‪ ،‬وتغريات جغرافية‪ ،‬وتغريات هلا عالقة‬
‫بالسجالت أو الطبقات اللغوية‪ ،‬وتغريات هلا عالقة بالطبقات االجتماعية‪ .‬وبتعبري آخر‪،‬‬
‫هناك تغريات لسانية سانكرونية‪ ،‬وتغريات دياكرونية‪ ،‬وتغريات يف اللغة املعيارية‪ ،‬وتغريات‬
‫يف اللهجات احمللية‪ ،‬وتغريات يف اللهجات االجتماعية والفئوية والطبقية‪...‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬تنبين اللسانيات االجتماعية على مفاهيم إجرائية أساسية هي‪ :‬املعيارية‪ ،‬والتنوع‪،‬‬
‫والتبدل أو التغري‪ ،‬وأنواع التغري‪ ،‬والسياق االجتماعي‪ ،‬وأسباب التبدل ونتائجه‪...‬‬
‫وعلى العموم‪ ،‬ختضع اللغات لتبدالت وتغريات لسانية (اللغة املعيارية يف مقابل اللهجة)‪،‬‬
‫وتبدالت جغرافية ( لغة العاصمة ولغة املدن األخرى)‪ ،‬وتبدالت فضائية حملية ( لغة املدينة‬
‫ولغة البادية)‪ ،‬وتبدالت طبقية اجتماعية (لغة الفقراء ولغة األغنياء)‪ ،‬وتبدالت إثنية (لغة‬
‫األمازيغ ولغة الباسك أو األكراد)‪ ،‬وتبدالت جنسية (لغة النساء ولغة الرجال)‪ ،‬وتبدالت‬

‫‪ -811‬عبد الكرمي بوفرة‪ :‬علم اكلغ االجاي عا‪ ،‬دقدد نظر ‪ ،‬ص‪.02:‬‬
‫‪274‬‬
‫عمرية (لغة األطفال ولغة الشباب ولغة الشيوخ)‪ ،‬وتبدالت دينية (لغة املثقفني العصريني‬
‫ولغة املثقفني من رجال الدين)‪ ،‬وتبدالت سياسية (لغة النخبة السياسية ولغة العامة)‪...‬‬
‫وعليه‪ ،‬تستند اللسانيات االجتماعية إىل دراسة جمموعة من املكونات االجتماعية‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫السن‪ ،‬واجلنس‪ ،‬والطبقة االجتماعية‪ ،‬واإلثنية أو العرق‪.‬‬
‫ونالحظ يف اجملتمع الواحد جمموعة من العاميات واللهجات واللغات الطبقية املتنوعة‬
‫واملختلفة (‪ )sociolectes‬اليت تفرعت عن اللغة األم املعيارية‪ ،‬وميكن حصرها ‪-‬‬
‫مثال‪ -‬يف‪ :‬لغة األطفال‪ ،‬ولغة الشباب‪ ،‬ولغة الرجال‪ ،‬ولغة النساء‪ ،‬ولغة الطلبة‪ ،‬ولغة‬
‫املتعلمني‪ ،‬ولغة األسياد‪ ،‬ولغة أصحاب الشهادات والدبلومات‪ ،‬ولغة األغنياء‪ ،‬ولغة‬
‫الفقراء‪ ،‬ولغة العلماء‪ ،‬ولغة الفالحني‪ ،‬ولغة السياسيني‪ ،‬ولغة املهنيني‪...‬‬

‫اكيب ث اك دي عشر‪ :‬تصورات كس ني اجاي عي دخالف‬

‫ميكن احلديث عن جمموعة من التصورات النظرية والتطبيقية اليت تندرع ضمن اللسانيات‬
‫االجتماعية‪ ،‬وميكن التوقف عند بعضها الستجالء خمتلف مرتكزاهتا النظرية واملفاهيمية‬
‫وآلياهتا املنهجية والتطبيقية على الوجه التايل‪:‬‬

‫‪275‬‬
‫اكيطلب األ ل‪ :‬ش رل فيركسون االزد اجي اكلغو‬

‫يعد األمريكي شارل فركسون (‪ )Charles Ferguson‬من أهم رواد اللسانيات‬


‫االجتماعية‪ .‬وقد ركز كثريا على االزدواجية اللغوية‪ 810‬واحتكاك اللغات‪ .‬كما اهتم‬
‫بالوضعية اللسانية يف إثيوبيا‪...812‬‬
‫واملقصود باالزدواجية اللغوية (‪ )La diglossie‬هو استعمال مستويني لغويني خمتلفني‪:‬‬
‫أحدمها من مستوى فصيح‪ ،‬والثاب عامي‪ .‬وقد تعين االزدواجية اللغوية التنافس بني لغة‬
‫رمسية مكتوبة ومدونة ولغة عامية شعبية‪ .‬أما شارل فريكسون‪ ،‬فيعرفها بأهنا حالة لغوية ثابتة‬
‫وقارة‪ ،‬تتضمن منطني لغويني‪ :‬منطا لغويا عاليا وراقيا ورفيعا معكفا به‪ ،‬يتعلمه الناس يف‬
‫املدارس احلكومية‪ ،‬ويتخذ طابعا رمسيا ومؤسساتيا‪ ،‬ويستخدم ألغراض كتابية وتواصلية‪،‬‬
‫وأيضا يف احملادثات الرمسية‪ ،‬كاللغة العربية الفصحى‪ -‬مثال‪-‬؛ ومنطا عاميا وشعبيا متدنيا‪،‬‬
‫يستعمله الناس ألغراض تواصلية شفوية عادية‪ .‬كما يستعمل داخل املنزل واألسرة والشارع‪،‬‬
‫كما هو حال الدارجة أو العامية احمللية‪.‬‬
‫وقد درس فريكسون أربغ لغات هي‪ :‬العربية‪ ،‬واليونانية‪ ،‬واألملانية السويسرية‪ ،‬واللغة اهلجينة‬
‫يف هاييت‪ ،‬بغية معاجلة ظاهرة االزدواجية اللغوية‪ .‬ومن هنا‪ ،‬فقد ميز مستويات هذه اللغات‬
‫وأمناطها الراقية والشعبية يف اجلدول التايل‪:‬‬

‫‪351‬‬
‫‪- Charles A. Ferguson, Diglossia. Word 15, 1959, p. 325-340.‬‬
‫‪352‬‬
‫‪-Charles A. Ferguson, The Ethiopian Language Area, in‬‬
‫‪Language In Ethiopia, Lionel Bender (en) (ed.), J. Donald Bowen, R.L.‬‬
‫‪Cooper, Charles A. Ferguson, Oxford University Press, Oxford, 1976,‬‬
‫‪p. 63–76.‬‬
‫‪276‬‬
‫منط شعيب وعامي‬ ‫منط راق وعال‬ ‫احلالة‬
‫‪‬‬ ‫املواعظ يف املسجد أو الكنيسة‬
‫‪‬‬ ‫التعليمات للخدم والعمال والكتبة‬
‫‪‬‬ ‫الرسائل الشخصية‬
‫‪‬‬ ‫حماضرات اجلامعة‬
‫اخلطبة يف جملس األمة؛ احلديث ‪‬‬
‫السياسي‬
‫‪‬‬ ‫احلديث مع الزمالء واألصدقاء وأفراد‬
‫العائلة‬
‫‪‬‬ ‫إذاعة األخبار‬
‫‪‬‬ ‫التمثيليات االجتماعية يف اإلذاعة‬
‫افتتاحية الصحف‪ ،‬أخبار الصحف ‪‬‬
‫والعناوين‬
‫‪‬‬ ‫التعليق على الكاريكاتور‬
‫‪‬‬ ‫الشعر‬
‫‪‬‬ ‫األدب الشعيب‬

‫إذا‪ ،‬يتحدث شارل فريكسون عن ظاهرة الطبقات اللغوية يف عالقتها بالطبقات‬


‫االجتماعية‪ ،‬مع التمييز بني اجلملة املعيارية واجلملة الشعبية‪ .‬كما حتدث شارل فريكسون‬
‫(‪ )Charles Ferguson‬عن مستويني من اللغة‪ :‬املستوى العايل(العربية الفصحى ‪-‬‬
‫مثال‪ ،) -‬واملستوى املتدب (العاميات واللهجات املتفرعة عن العربية الفصحى‪ -‬مثال‪-‬‬
‫)‪.‬ويعين هذا أن فركسون مييز بني العربية الفصحى والعاميات العربية‪ ،‬واألملانية املعيارية‬

‫‪277‬‬
‫واألملانية السويسرية‪ ،‬وفرنسية هاييت املهجنة واملختلطة‪ .‬ومن مث‪ ،‬فهناك مستوى لغوي‬
‫مفضل‪ ،‬ومستوى لغوي مستهجن‪.‬‬
‫ويرى الباحث املغريب عبد الكرمي بوفرة أن ويليام البوف" أغفل حقيقة لغوية اجتماعية‬
‫أخرى التقل أمهية عن جممل نظريته اللغوية –االجتماعية عموما‪ ،‬وهي إمكانية وجود‬
‫اختالط وتداخل بني املستويني اللغويني داخل جزر هاييت نفسها على لسان أفراد حمليني‬
‫من مستوى ثقايف عال‪.‬ويكون عبارة عن مجع بني اللغة الفرنسية واهلجنة احمللية لدرجة ميكن‬
‫احلديث فيها عن (‪ )Une Interlangue‬باملعىن اللساب‪ -‬االجتماعي للكلمة‪.‬عالوة‬
‫على هذا كله‪ ،‬حياول التصور أعاله االنطالق من فكرة خاطئة تقوم على إمكانية تصور‬
‫‪818‬‬
‫التغريات الصوتية قارة وثابتة‪ .‬أي‪ :‬غري قابلة للتحول أو التغيري‪".‬‬
‫وعليه‪ ،‬تعد االزدواجية اللغوية من أهم القضايا اليت اهتمت سا اللسانيات االجتماعية‪،‬‬
‫وخاصة يف احلقل اللساب الغريب‪ ،‬وبالضبط مع شارل فريكسون‪.‬‬

‫اكيطلب اكث نا‪ :‬ج ن ب بايست د رسيليسا اكاف عل اكلس نا‬

‫يعد جان ماري مارسيليسي(‪ )Jean-Baptiste Marcellesi‬من أهم مؤسسي‬


‫اللسانيات االجتماعية يف فرنسا‪ ،‬وقد اهتم بالتفاعل اللساب باعتباره حدثا ديناميكيا مهما‪.‬‬
‫كما اهتم بالثنائية اللغوية‪ ،‬واختار هلجة كورسيكا منوذجا تطبيقيا لذلك من أجل‬
‫استكشاف منطق الصراع والسلطة واهليمنة‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬فقد اهتم الباحث بنبستمولوجيا اللسانيات االجتماعية‪ ،‬بالتوقف عند‬
‫نظرياهتا‪ ،‬وأفكارها‪ ،‬ومفاهيمها‪ ،‬وتارخيها‪ ،‬ومنهجياهتا‪ .‬كما انصب اهتمامه على اللهجات‬
‫احمللية‪ ،‬والسيما تغريات هلجة جزيرة كورسيكا‪ .‬ويعين هذا أنه مهتم باللهجات احمللية‬

‫‪ - 818‬عبد الكرمي بوفرة‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪07:‬‬


‫‪278‬‬
‫املتعددة ‪ ،812‬ولغة األم‪ ،‬وبناء ميتودولوجيا اللسانيات االجتماعية‪ ،‬والعناية بلغات‬
‫األقليات‪ ،‬والتمييز بني اللسانيات الشكلية واللسانيات االجتماعية‪ .811‬وقد أشرف على‬
‫جملة (دف تر اكلس ني ت االجاي عي ) منذ عشرين سنة‪.‬‬
‫وعلى أي حال‪ ،‬فقد درس ج ن د ري د رسيليسا جمموعة من اللهجات احمللية‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫الكورسيكية‪ ،‬والفالمانية‪ ،‬والباسكية‪ ،‬والربوتانية‪ ،‬وجرمانية األلزاس واألكيتان‪ ...‬بوصف‬
‫خمتلف التعارضات والتقابالت اللسانية واالجتماعية املوجودة بني اللغة املعيارية (اللغة‬
‫الفرنسية) وتلك اللهجات التابعة للغة الفرنسية‪ ،‬مع الككيز على خمتلف التأثريات اخلارجية‬
‫اليت خضعت هلا هذه اللهجات املختلفة واملتنوعة‪.816‬‬

‫اكيطلب اكث كث‪ :‬د ل هييس اكنسق اكاواصلا االجاي عا‬

‫يعد األمريكي ديل هاتاواي هيمس(‪(1927-)Dell Hathaway Hymes‬‬


‫)‪ 2009‬من أهم رواد اللسانيات االجتماعية‪ .‬وقد اهتم باألنكوبولوجيا والفلكلور‪ .‬وقد‬
‫انصب اهتمامه على لغات الشمال الغريب للمحيط اهلادي‪ .‬وعرف بالكفاءة التواصلية‬
‫وبنموذع ‪ .S.P.E.A.K.I.N.G‬ويعين هذا أن اللسانيات االجتماعية تعىن بالكفاية‬

‫‪354‬‬
‫‪-Jean-Baptiste Marcellesi‬‬ ‫‪et Bernard Gardin: Introduction à la‬‬
‫‪sociolinguistique – La linguistique sociale, Larousse, Paris, 1974.‬‬
‫‪355‬‬
‫‪-Jean-Baptiste Marcellesi :Sociolinguistique française, combien‬‬
‫‪d'années ? Dans Cahiers de sociolinguistique 2003/1 (n° 8).‬‬

‫‪- Jean-Baptiste Marcellesi et autres: SOCIOLINGUISTIQUE‬‬


‫‪356‬‬

‫‪Epistémologie, Langues régionales, Polynomie.En collaboration‬‬


‫‪avec Thierry Bulot et Philippe Blanchet. Espaces discursifs‬‬
‫‪LINGUISTIQUE.2003.‬‬
‫‪279‬‬
‫التواصلية‪ ،‬بربط اللغة مبحيطها اجملتمعي‪ ،‬وفق مثانية عناصر أساسية تشكل اخلطاب‬
‫التواصلي االجتماعي‪ ،‬وفق حروف (‪ .)S.P.E.A.K.I.N.G‬وهذه العناصر هي‪:‬‬
‫‪ ‬اإلطار ( ‪ ،)cadre /Setting‬يتحدد باملكان‪ ،‬والزمان وأجواء اخلطاب؛‬
‫‪‬املشاركون (‪ :)Participants ou participants‬الشخصيات احلاضرة‪ ،‬وليس‬
‫بالطبع الشخصيات املتلفظة؛‬
‫‪‬األهداف أو الغايات( ‪ :) finalités /Ends‬هدف اللقاء؛‬
‫‪ ‬األفعال أو املنتوع( ‪ :) produits /Acts‬الرسائل نفسها؛‬
‫‪ ‬املفاتيح أو اإليقاعات (‪ :) tonalites/Keys‬اخلصائص اإليقاعية والتنغيمية‬
‫للرسائل‪ ،‬مثل‪ :‬الصوت‪ ،‬والنغمة‪...‬؛‬
‫‪‬الوسائل التواصلية ( ‪Instrumentalities ou moyens de la‬‬
‫‪ :)communication‬اللغة املكتوبة‪ ،‬واللغة املغناة‪ ،‬واللغة الشفوية‪ ،‬واللهجات‪،‬‬
‫ومستويات اللغة‪ ،‬إخل‪...‬؛‬
‫‪‬املعايري ( ‪ :)Norms ou normes‬معايري التفاعل وقواعده اليت تتحكم يف‬
‫الكالم والتأويل‪ ،‬وتأثري اخللفيات املعرفية والثقافية واالجتماعية؛‬
‫‪‬األجناس أو أنواع اخلطاب()‪( )Genres ou types de discours‬احلكايات‪،‬‬
‫والتاريخ‪ ،‬واملالحم‪ ،‬واملةسي‪.)...‬‬
‫ويتضح مما‪ ،‬سبق قوله‪ ،‬أن اللغة تعرف تغريات متنوعة وخمتلفة‪.‬ومن مث‪ ،‬فما مييزها خاصية‬
‫التعقيد على مستوى التفاعل وبناء اخلطاب‪.‬ومن مث‪ ،‬لكل جمتمع قواعده اخلاصة يف‬
‫التواصل‪.817‬‬

‫‪- A regarder: Qu'est-ce que la sociolinguistique ? Moderne,‬‬


‫‪357‬‬

‫‪Wake Forest University,‬‬

‫‪280‬‬
‫اكيطلب اكرابع‪ :‬أنطوان دييا اكبيد االجاي عا كلس ني ت‬

‫يعترب أنطوان مييي(‪ (1857-1936))Antoine Millet‬؛ تلميذ فرديناند‬


‫دوسوسري)‪ ،(F.De.Saussure‬من اللغويني الفرنسيني األوائل الذين اهتموا باللسانيات‬
‫املقارنة‪ ،‬ودراسة اللغات اهلندو أوروبية وتارخيها‪ .813‬ومن مث‪ ،‬فقد حتدث عن الطابع‬
‫االجتماعي للغة‪ ،‬وقد اعترب اللغة حدثا اجتماعيا متميزا‪ ،‬متأثرا يف ذلك بنميل‬
‫دوركامي(‪ .)Emile Durkheim‬وقد أثبت أن الدراسة اللسانية احلقيقية هي اليت جتمع‬
‫بني ماهو سانكروب وماهو دياكروب‪.‬أي‪ :‬بني ماهو لغوي وماهو اجتماعي تارخيي تطوري‪،‬‬
‫ضمن نظام متكامل جيمع بني اللغة وظواهر اجملتمع‪.‬‬
‫ويرى أنطوان مييي أن اللغة واقعة أو ظاهرة اجتماعية‪ ،‬ويكتب على ذلك أن اللسانيات من‬
‫العلوم االجتماعية‪ .‬وبالتايل‪ ،‬فهي اليت تدرس التغري اللغوي أو اللساب الذي يعكس بدوره‬
‫التغري االجتماعي‪.‬‬

‫‪http://cloud.lib.wfu.edu/wiki/modernfrench/index.php/Qu%27est-‬‬
‫‪ce_que_la_sociolinguistique%3F‬‬

‫‪358‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪Antoine Millet: Introduction à l'étude comparative des‬‬
‫‪langues indo-européennes, 1903 (1re éd.), Hachette, Paris, 1912 (3e‬‬
‫)‪éd.‬‬
‫‪281‬‬
‫اكيطلب اكخ دس‪ :‬االتج ه اكي ركسا اكبيد االجاي عا كلغ‬

‫تبىن كثري من الباحثني اللسانيني املنظور املاركسي يف حتليل اللغة بربطها باجملتمع‪ ،‬اعتمادا‬
‫على تصورات كارل ماركس(‪ ،)Marx‬وفريدريك أحلز(‪...)Engels‬‬
‫ومن أهم هؤالء الباحثني مارسيل كوهن(‪ ،)Marcel Cohen‬وبول الفارع ( ‪Paul‬‬
‫‪ )Lafarge‬الذي درس اللغة الفرنسية يف عالقتها بالثورة الفرنسية؛ إذ رصد خمتلف‬
‫التغيريات اللغوية واملعجمية اليت نتجت عن تلك الثورة‪.‬‬
‫ويعين هذا أن مثة جدلية بني اللغة والفكر‪ .‬وبالتايل‪ ،‬فاللغة نتاع اجملتمع أو نتاع الصراع‬
‫االجتماعي والتفاوت الطبقي‪ .‬ومن مث‪ ،‬تعرب اللغة عن وعي طبقي لكل فئة اجتماعية على‬
‫حدة‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬ترتبط اللغة بالظروف االجتماعية واملادية واالقتصادية‪ ،‬وتتأثر سا‬
‫إجيابا أو سلبا‪ .‬فلغة الطبقة البورجوازية ‪ -‬مثال‪ -‬ختتلف عن لغة الطبقة الربوليتارية‪.‬‬
‫وهناك باحثون آخرون حيسبون على هذا االجتاه‪ ،‬مثل‪ :‬ميخائيل باختني(‪،)Bakhtine‬‬
‫ورومان جاكبسون(‪ ،)Jacobson‬ونيكوالي مار(‪ )Nicolaï Marr‬الذي كان يدعو‬
‫إىل لغة عاملية واحدة؛ مثل‪ :‬اللغة االصطناعية (اإلسبريانتو‪ .)Esperanto‬وقد قسم هذا‬
‫الباحث الروسي اللغات‪ ،‬من حيث نشأهتا التارخيية‪ ،‬إىل أربع مراحل حسب املقاطع‬
‫الصوتية األربعة اليت كان يستعملها الكهنة والسحرة (‪)Sal,Ber,Yôn,Roch‬‬
‫املرحلة األوىل‪ :‬اللغة الصينية واللغات األفريقية؛‬
‫املرحلة الثانية‪ :‬اللغات الطورانية واللغة الككية؛‬
‫املرحلة الثالثة‪ :‬اللغات القوقازية واللغات احلامية؛‬
‫املرحلة الرابعة‪ :‬اللغات اهلند‪-‬أوروبية واللغات السامية‪.‬‬
‫ويعترب كل مرحلة من هذه املراحل اللغوية داللة على تقدم معني‪ .‬وحتمل هذه النظرية‪ ،‬يف‬
‫جوهرها‪ ،‬رؤية عنصرية ماركسية‪ ،‬هدفها توحيد اللغات ضمن لغة واحدة‪ ،‬والقضاء على‬
‫األخرى‪ ،‬كالقضاء على الصراع الطبقي ووجود الدولة‪ .‬وقد حتولت النظرية املاركسية للغة‪،‬‬

‫‪282‬‬
‫يف االحتاد السوفيايت‪ ،‬إىل (اكنظر اكلس ني اكجد دة)‪ ،‬واستمرت إىل غاية سنوات‬
‫اخلمسني من القرن املاضي‪.‬‬
‫وقد متيزت النظرية البوليفونية عند ميخائيل باختني بطابعها اللساب االجتماعي‪ .‬وتعين‬
‫البوليفونية تعددية يف األصوات‪ ،‬وتعددية يف اللغات واللهجات‪ ،‬وتعددية يف الرواة والسراد‪،‬‬
‫وتعددية يف الرؤى إىل العا ‪ ،‬وتعددية يف الفضاءات‪ ،‬وتعددية يف األساليب‪ ،‬وتعددية يف‬
‫الطبقات االجتماعية‪ .‬وهنا‪ ،‬نتحدث عن مفهوم التهجني‪ ،‬ومفهوم األسلبة‪ ،‬ومفهوم‬
‫التنضيد الطبقي‪...‬‬

‫اكيطلب اكس دس‪ :‬لي د البوف اكي دل اكطبقا‬

‫أثبت العا االجتماعي األمريكي وليام البوف (‪ )William Labov‬صعوبة فصل‬


‫اللغة عن املكون االجتماعي األساسي فيها‪ .‬ومن مث‪ ،‬أشار إىل أمهية ربط بنية اللغة من‬
‫اللغات بالسياق االجتماعي العام الذي تنشأ فيه تلك اللغات‪ ،‬لدرجة استبعد فيها أي‬
‫إمكانية للفصل بني اللسانيات وعلم اللغة االجتماعي‪.‬وإذا كانت اللغة ظاهرة اجتماعية‪،‬‬
‫فنن اللسانيات ذات بعد اجتماعي‪.818‬‬
‫و " قد انتقد وليام البوف كثريا نظرية نوام شومسكي القائمة حسب رأيه على فكرة مثالية‬
‫عن اللغة باعتبارها ملكا للفرد واملتلكم باللغة‪ .‬ومرد هذا النقد اعتبار البوف للغة اإلنسانية‬
‫وسيلة اجتماعية يف التواصل؛ مما جيعلنا أمام نظرية مادية لوظيفة اللغة اإلنسانية داخل‬
‫اجملتمع‪.‬فاملهم بالنسبة إليه هو اللغة داخل اجملموعة اللسانية املتكلمة سا‪ ،‬وليس اللغة كما‬
‫‪861‬‬
‫هي على لسان الفرد‪".‬‬

‫‪ -818‬عبد الكرمي بوفرة‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.08:‬‬


‫‪ -861‬عبد الكرمي بوفرة‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.06:‬‬
‫‪283‬‬
‫ويعين هذا أن اللغة ‪ -‬حسب نوام شومسكي‪ -‬ذات طبيعة عقلية وفردية وراثية‪ .‬يف حني‪،‬‬
‫ترى اللسانيات االجتماعية أن اللغة ظاهرة اجتماعية مكتسبة‪.‬‬
‫ويرى وليام البوف أن التغريات اللسانية وتبدالهتا من شخص إىل آخر تعود إىل الطبقة‬
‫االجتماعية‪ .‬ومن هنا‪ ،‬توقف عند نطق الفونيم الراء(‪ )R‬يف اللغة اإلحليزية مبدينة نيويورك‪.‬‬
‫منطلقا من فرضية أساسية هي أن التغري الصويت راجع إىل الطبقة االجتماعية اليت ينتمي‬
‫إليها املتكلم‪ .‬وقد وضح هذا يف كتابه ( اكانضيد االجاي عا كلغ اإلنجليز فا‬
‫نيو ورك)‪.860‬‬
‫وقد متيز حبثة باخلاصية امليدانية‪ ،‬إذ اختار جمموعة من متاجر اللباس اليت يرتادها الفقراء‬
‫واألغنياء‪.‬ويعين هذا أن الباحث قد اختار عينات خمتلفة حسب الطبقات االجتماعية اليت‬
‫تعيش يف نيويورك‪.‬أي‪ :‬متاجر فخمة‪ ،‬ومتاجر متوسطة‪ ،‬ومتاجر شعبية‪ .‬وقد وضعت ألبسة‬
‫النيلون يف الطبق الرابع من املتجر‪ ،‬وكان البوف يسأل كل زبون عن هذا اللباس مستخدما‬
‫املسجلة‪ ،‬وهدفه من ذلك هو مالحظة نطق حرف( الراء)‪ ،‬ودراسة هذا املتغري الصويت عند‬
‫مجيع الفئات االجتماعية‪.‬‬
‫وقد توصل الباحث إىل أن الطبقة االجتماعية الفاخرة هي اليت حتافظ على نطق الراء‪،‬‬
‫وتعىن بكتابته‪ ،‬وتتثبت من تصحيحه ذاتيا‪ .‬يف حني‪ ،‬يوظف اآلخرون هذا احلرف يف‬
‫سياقات تقريبا غري موجودة‪.‬‬
‫ويف هذا الصدد‪ ،‬يقول الباحثان املغربيان ابن رشد املعتمد وخريص حممد إن‪":‬وليام البوف‬
‫لساب أمريكي برز امسه يف اللسانيات االجتماعية على اخلصوص‪.‬اهتم بدراسة حاالت‬
‫وجود حرف [‪ ]r‬أو غيابه ملا يكون مسبوقا حبرف صائت ومتبوعا حبرف ساكن‪ ،‬مثل ما يف‬
‫(‪ ،)farm‬يف كالم سكان مدينة نيويورك‪ .‬فتوصل إىل جمموعة من االستنتاجات اليت تفيد‬

‫‪- William Labov: The Social Stratification of English in New‬‬


‫‪361‬‬

‫‪York City Department Stores, Washington, D.C., Center for‬‬


‫‪Applied Linguistics, 1966, 485 p.‬‬
‫‪284‬‬
‫بوجود عالقة بني تنوع النطق أو اللهجة من جهة‪ ،‬والوضع االجتماعي لألفراد من جهة‬
‫أخرى‪ .‬ومنها أن األشخاص الذين الينطقون عادة حرف[‪ ]r‬يف السياق املذكور يكثر‬
‫احتمال نطقهم له يف املناسبات الرمسية رغبة يف إخفاء الفرق االجتماعي الذي ينتمون إليه‬
‫(وغالبا ما يكونون من الشرحية األدىن يف الطبقة الوسطى) أو تعبريا عن طموحهم إىل‬
‫‪862‬‬
‫االرتباط مبركز اجتماعي أفضل‪".‬‬
‫وهكذا‪ ،‬فقد درس وليام البوف التفاوت الطبقي واالجتماعي يف اجملتمع االمريكي يف ضوء‬
‫التفاوت اللساب واللغوي‪.‬‬

‫اكيطلب اكس بع‪ :‬ب زل برنشا ن اكمدس اة اكلغو فا اكيدرس‬

‫انتشرت اللسانيات االجتماعية يف الواليات املتحدة األمركية بشكل الفت لالنتباه؛ بسبب‬
‫تواجد الكثري من اجلاليات األجنبية‪ .‬ومن مث‪ ،‬فقد ارتبطت مبجال الكبية والتعليم ارتباطا‬
‫وثيقا‪ ،‬كما عند بازيل برنشتاين (‪ )Basil Bernstein‬الذي حتدث عن شفرتني لغويينت‬
‫اجتماعيني متقابلتني‪ :‬لغة ضيقة ومفككة وضعيفة عند أبناء الفقراء‪ ،‬ولغة غنية وموسعة‬
‫عند أبناء األغنياء‪.‬ويف هذا الصدد‪ ،‬يقول عبد الكرمي بوفرة‪ ":‬انتبه برنشتاين إىل العالقة‬
‫املباشرة بني اإلنتاجات اللغوية الواقعية وبني الوضعية االجتماعية للمتكلمني أو الناطقني‬
‫اللغويني‪ .‬وانطلق من هذه املالحظة لكي يصل إىل استنتاع عام‪ ،‬مفاده أن أبناء الشرائح‬
‫االجتماعية املتواضعة يعرفون نسب فشل دراسي أكرب من أولئك املنتمني إىل طبقات‬
‫اجتماعية مستقرة ماديا‪ .‬ويتميز هذا التفاوت بالفرق بني نظامني لغويني اثنني‪ :‬واحد ضيق‪،‬‬
‫واآلخر متسع‪...‬‬

‫‪ - 862‬ابن رشد املعتمد وخريص حممد‪ :‬ددارس علم اكلغ ت‪ ،‬املكتبة الثقافية الدارالبيضاء‪ ،‬ومكتبة املعرفة وجدة‪،‬‬
‫املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪0888‬م‪ ،‬ص‪.62-60:‬‬
‫‪285‬‬
‫وملعرفة حجم الفرق بني النظامني أعاله ع إخضاع تالميذ املستويني االجتماعيني املختلفني‬
‫لتجربة مثرية لالهتمام‪ .‬فقد طلب منهم التعليق كتابة على جمموعة من الرسوم املتحركة‬
‫الصامتة‪ .‬فماذا كانت النتيجةا‬
‫كان جواب الفئة األوىل (تالميذ الطبقة االجتماعية املتواضعة) على الشكل التايل‪:‬‬
‫" هم يلعبون بالكرة‪ ،‬قذف‪ ،‬تكسر الزجاع‪"...‬‬
‫بينما كان تعليق الفئة الثانية (تالميذ الطبقة الغنية) سذا األسلوب‪:‬‬
‫" كان األطفال يلعبون بالكرة‪ ،‬قذف واحد منهم الكرة‪ ،‬ومرت عرب النافذة‪ ،‬وكسرت‬
‫الزجاع‪"...‬‬
‫ويكمن الفرق بني النظامني يف شكل التعبري من الناحية اللغوية‪ ،‬أي من حيث قواعد النحو‬
‫والككيب أوال‪ .‬ففي احلالة األوىل‪ ،‬حد مجال قصرية‪ ،‬تفتقر إىل ضمائر الربط مع معجم‬
‫حمدود جدا‪.‬لذا‪ ،‬جيد أولئك التالميذ صعوبة كربى يف التعبري‪ .‬فهم عاجزون عن التعلم‪،‬‬
‫وعن رؤية العا ‪.‬‬
‫‪868‬‬
‫وهذا يعين أن التعلم والتنشئة االجتماعية تنشأ يف األسرة‪ ،‬وليس يف املدرسة‪".‬‬
‫وعلي ااه‪ ،‬فأطروح ااة ب ااازل برنش ااتاين‪ 862‬ذات ط ااابع لغ ااوي ولس اااب‪ .‬مبع ااىن أن املدرس ااة فض اااء‬
‫للصاراع اللغااوي واللساااب‪ .‬فلغااة أبناااء الطبقااة الوسااطى والعليااا تتساام باخلصااوبة‪ ،‬واالسكسااال‪،‬‬
‫واملرونة‪ ،‬والكابط املنطقاي واحلجااجي‪ .‬ومتيال أيضاا إىل التجرياد‪ ،‬والكمياز‪ ،‬والصاورنة املنطقياة‪.‬‬
‫عالوة على استعماهلا للجمل الطويلة اليت تعج بالنعوت واألوصاف واملصادر املؤولاة وأدوات‬
‫الوصل والفصل‪.‬يف حني‪ ،‬تتسم لغة أبناء الطبقة الدنيا باستعمال شفرة لغوية ضيقة وحمادودة‬
‫ومشخصااة حساايا‪.‬كما أهنااا لغااة مفككااة ومهلهلااة‪ ،‬غااري خاضااعة لعمليااات التحلياال والتااأليف‬
‫املنطقي استقراء واستنتاجا‪.‬‬

‫‪-868‬عبد الكرمي بوفرة‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.21-22:‬‬


‫‪364‬‬
‫‪-Bernestein.B: Langage et classes sociales. Ed. De minuit, Paris,‬‬
‫‪1975.‬‬
‫‪286‬‬
‫بيااد أن هااذه النظريااة الميكاان تعميمهااا بشااكل علمااي ومنطقي‪.‬فثمااة أبناااء ماان الطبقااة الفقاارية‬
‫يس ا ااتعملون اللغ ا ااة بش ا ااكل حي ا ااوي‪ ،‬وحيقق ا ااون درج ا ااات م ا اان النج ا ااا والتق ا اادم يف مس ا ااتواهم‬
‫الدراسااي‪ ،‬عل ااى ال اارغم ماان فق اار بيئ ااتهم االجتماعيااة‪ .‬كمااا أن املدرس ااة ليس اات دائم ااا مكانااا‬
‫للصراع الطبقي واالجتماعي والسياساي واللغاوي واإلياديولوجي‪ ،‬بال ميكان أن تكاون املدرساة‬
‫فضاء للتعايش والتواصل واالستقرار‪.‬‬

‫اكيطلب اكث دن‪ :‬لي د بر ت اكهو االجاي عي كليالقا‬

‫ساهم عا اللغة االجتماعي األمريكي ويليام بريت(‪ 861)William Bright‬يف تطوير‬


‫اللسانيات الوصفية من جهة‪ ،‬واللسانيات االجتماعية من جهة أخرى‪ ،‬بالككيز على لغات‬
‫جنوب آسيا ولغات اهلنود احلمر األمريكيني‪ .‬وقد مجع الباحث بني اللسانيات‬
‫واألنكوبولوجيا‪ .‬وقد درس السلطة يف اللغات والثقافات األم يف كاليفورنيا‪ ،‬وربط اهلوية‬
‫االجتماعية للمتكلم باهلوية االجتماعية للمتلقي‪ ،‬ضمن سياق لغوي تواصلي معني‪ .‬ومن‬
‫مث‪ ،‬فقد استعمل ثالثة مفاهيم‪( :‬امللقي‪ ،‬واملتلقي‪ ،‬والسياق)‪.‬‬

‫‪-William Bright: Language variation in South Asia (Oxford‬‬


‫‪365‬‬

‫‪University Press, 1990.‬‬


‫‪287‬‬
‫اكيطلب اكا سع‪ :‬ج ن كو س ك كفا اكلس ني ت االجاي عي اك ضر‬

‫يعد جان لوي كالفي(‪ )Louis-Jean Calvet‬من أهم اللسانيني الفرنسيني الذين‬
‫اهتموا بالعالقة املوجودة بني اللغة واجملتمع‪ .‬وقد أعد أطروحة جامعية حول (اكلغ ‪،‬‬
‫مفهوم الغلبة أو اهليمنة أو السيطرة‬ ‫اكيجايع)‪ .‬وقد طر‬ ‫اكجسد‪،‬‬
‫(‪ )glottophagie‬يف كتابه (اكلس ني ت االسايي ر)‪ .866‬ويتناول الكتاب العالقة‬
‫املوجودة بني اخلطاب االستعماري واخلطاب اللساب حول اللغات‪.‬وبتعبري آخر‪ ،‬يرى كالفي‬
‫أن اخلطاب اإلمربيايل جيعل لغة املستعمر أفضل من لغة املسيطر عليه‪ ،‬على أساس أن لغة‬
‫االستعمار حتمل ثقافة راقية‪.‬يف حني‪ ،‬تعد لغة املسيطر عليه لغة القيمة هلا‪ ،‬وال أمهية هلا‬
‫على مستوى التواصل والتعبري واإلبداع واالبتكار‪ .‬ويعين هذا أن الكولونيالية هلا تأثري يف‬
‫اللغة‪ ،‬وخاصة فيما يتعلق بالتغريات اليت هلا عالقة بالسلطة‪.‬وقد تأثر الباحث كذلك مبشيل‬
‫فوكو(‪ )M. Foucault‬فيما خيص بديناميكية السلطة اليت ميلكها املتكلمون يف أثناء‬
‫التفاعل والتواصل‪ ،‬وآثار ذلك يف املستمعني‪.‬‬
‫كما ناقش الدارس عالقة اللغة بالسلطة يف كتابه ( رإ اكلغ ت‪0827‬د)‪ ،‬ودور‬
‫اللسانيات يف املدينة (أصوات اكيد ن )‪.367‬ومن جهة أخرى‪ ،‬أرسى دعائم اللسانيات‬
‫االجتماعية الفرنسية على أسس علمية متينة‪ .863‬وانصب اهتمامه أيضا على األقليات‬
‫اإلثنية يف منظور اللسانيات االجتماعية‪.‬‬

‫‪366‬‬
‫‪-Louis-Jean Calvet: Linguistique et colonialisme, petit traité de‬‬
‫‪glottophagie.Payot,0872.‬‬
‫‪-Louis-Jean Calvet: Les Voix de la ville, Introduction à la‬‬
‫‪367‬‬

‫‪sociolinguistique urbaine, Essais Payot0882.‬‬


‫‪368‬‬
‫‪Louis-Jean Calvet: La Sociolinguistique, PUF (coll. Que sais-je ?,‬‬
‫‪n° 2731) ,1993.‬‬
‫‪288‬‬
‫هذا‪ ،‬وقد اهتم علماء آخرون بدراسة املدينة باعتبارها فضاء للتطاحن اللغوي‪ ،‬اعتمادا على‬
‫منهج وصفي قائم على املالحظة‪ ،‬والتتبع‪ ،‬واالستقراء‪ ،‬واملسح‪ ،‬واملعايشة‪ .‬ويسمى هذا‬
‫عند الباحث الفرنسي جان لويس كالفي (‪ )Louis- jean Calvet‬باللسانيات‬
‫االجتماعية احلضرية أو باللسانيات االمجاعية املتعلقة باملدينة ( ‪Sociolinguistique‬‬
‫‪)urbaine ou linguistique de la ville‬‬
‫ويعين هذا أن اللسانيات االجتماعية احلضرية تدرس اللغة احلضرية‪ ،‬بالككيز على األسئلة‬
‫التالية‪( :‬من يتكلما ماذاا مع منا مىتا أينا ملاذاا وملاذاا)‬
‫وهكذا‪ ،‬يبدو لنا أن هذه اللسانيات االجتماعية‪ ،‬والسيما احلضرية منها‪ ،‬جاءت رد فعل‬
‫على النحو الكلي عند نوام شومسكي الذي يؤمن بلغة واحدة‪ ،‬وإحاز لغوي واحد‪ .‬يف‬
‫حني‪ ،‬تؤمن اللسانيات االجتماعية بالتنوع اللغوي‪ ،‬وتعدد األلسنة واللغات‪ ،‬والككيز على‬
‫بعدها االجتماعي التواصلي والتفاعلي‪.‬‬

‫اكيب ث اكث نا عشر‪ :‬دنهجي اكلس ني ت االجاي عي‬

‫تنطلق اللسانيات االجتماعية من فرضية أساسية هي أن مثة تنوعا لسانيا وتغريات وتبدالت‬
‫لغوية يف مستوى لغوي معني أو يف مستويات متعددة راجعة إىل التبدالت االجتماعية‪.‬مبعىن‬
‫ضرورة ربط املتكلم بالسياق التلفظي التواصلي اخلارجي أو التداويل‪.‬ومن مث‪ ،‬يصف الباحث‬
‫البنيات اللسانية للغة أو هلجة ما‪ ،‬بتحديد تغرياهتا وتبدالهتا املتنوعة على الصعيد الصويت‪،‬‬
‫والصريف‪ ،‬والككييب‪ ،‬والداليل‪ ،‬والتداويل‪ ،‬وتعليل ذلك مبسبباهتا االجتماعية أو اجلغرافية أو‬
‫السياسية أو االقتصادية أو التارخيية أو الثقافية أو الدينية أو احلضارية‪ ،‬انطالقا من‬
‫مقاربتني‪ :‬سانكرونية داخلية حمايثة‪ ،‬ومقاربة تارخيية ودياكرونية تطورية لرصد خمتلف‬
‫التطورات اليت شهدها التبدل اللساب عرب خمتلف املراحل الزمانية واملكانية واجلغرافية‪.‬‬

‫‪289‬‬
‫ومن مث‪ ،‬يدمج الباحث اللساب املتكلم أو املتلفظ داخل سياق تواصلي جمتمعي‪ .‬مبعىن أن‬
‫املتلفظ هو نتاع جمتمع معني‪ ،‬والدليل على ذلك اهلوية اليت ينتمي إليها‪ ،‬واجلنس الذي‬
‫حيدد طبيعته‪ ،‬واملهنة اليت يزاوهلا‪ ،‬والطبقة االجتماعية اليت ينتمي إليها‪ ،‬وطبيعة سنه أو عمره‬
‫( طفل أو شاب أو عجوز)‪ .‬وبالتايل‪ ،‬الميكن أن تكون الدراسة ناجعة إال باختيار عينة أو‬
‫مدونة لسانية لالشغال عليها (‪ .)Corpus‬والبد من استحضار املخاطب عرب اخلطاب‬
‫التلفظي املوجه إىل املستمع ‪ /‬املتلقي‪.‬‬
‫وعند دراسة املدونة أو العينة اللغوية‪ ،‬البد من حتديد أطراف التلفظ أو التواصل‪ ،‬وتبيان‬
‫مكان التلفظ وزمانه‪ ،‬واملؤشرات اللغوية الدالة على ذلك‪ ،‬ورصد خمتلف التبدالت اللسانية‬
‫وتنوعها مقارنة باللغة املعيارية‪ ،‬ووصف هذه التبدالت يف ضوء القواعد اللسانية الرمسية‪،‬‬
‫والبحث عن أسباب هذا التبدل والتنوع اللغوي أو اللهجي‪.‬‬
‫واليقتصر هدف اللسانيات االجتماعية على حتديد التبدالت اللغوية فحسب‪ ،‬بل هتتم‬
‫كذلك مبضامني امللفوظات ذات احلمولة االجتماعية‪ ،‬والككيز على املعىن أو املعجم‬
‫املوظف‪ ،‬كتحديد طبيعة املعجم‪ ،‬وحقوله الداللية‪ ،‬وطبيعة اخلطاب الذي ينتمي إليه هذا‬
‫املعجم‪.‬‬
‫وترتكز اللسانيات االجتماعية كثريا على السياق التواصلي االجتماعي الذي يتحكم يف‬
‫التلفظ وأطراف التواصل التلفظي‪.‬أي‪ :‬حتديد خمتلف شروط التلفظ الزمانية واملكانية اليت‬
‫تتحكم يف التواصل بني املتكلم والسامع‪ ،‬بدراسة نوع اخلطاب‪ ،‬وأمناط التلفظ (السرد‪،‬‬
‫واحلوار‪ ،‬واملنولوع‪ ،‬واملناجاة)‪.‬‬
‫وميكن تطبيق هذه املنهجية على لغة التالميذ‪ ،‬ولغة األطفال‪ ،‬ولغات الشباب‪ ،‬ولغات‬
‫املهاجرين‪ ،‬ولغات وسائل اإلعالم‪ ،‬ولغات املهنيني واحلرفيني‪ ،‬وحتليل اخلطاب‪ :‬خطاب‬
‫السياسيني‪ ،‬وخطاب العمال واحلرفيني‪ ،‬وخطاب الرجال‪ ،‬وخطاب النساء؛ واالهتمام‬
‫بلغات األقليات أو اإلثنيات؛ والتقومي االجتماعي للهجات احمللية يف املقررات املدرسية‪.‬‬

‫‪290‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬تنبين اللسانيات االجتماعية على جمموعة من اخلطوات املنهجية اليت ميكن‬
‫حصرها يف اإلجراءات املنهجية التالية‪:‬‬
‫‪‬مالحظة البيئة اللغوية املتنوعة‪ ،‬بالنزول إىل الواقع امليداب‪ ،‬مرفقا باألدوات املساعدة؛‬
‫‪ ‬مجع املدونة اللغوية واختيار األمثلة والشواهد املناسبة؛‬
‫‪ ‬حتديد فرضية الدراسة وإشكالياهتا املتنوعة؛‬
‫‪ ‬تبيان أهداف البحث وغاياته وأمهيته العلمية؛‬
‫‪‬وصف الظاهرة اللغوية املتنوعة يف عالقتها بالتنوع االجتماعي؛‬
‫‪ ‬حتديد التبدالت والتغريات الصوتية وتصنيفها ودراستها داخليا وخارجيا؛‬
‫‪ ‬فهم هذه التبدالت والتغريات وتفسريها بالعوامل الداخلية واخلارجية؛‬
‫‪‬املقارنة بني خمتلف هذه الظواهر الصوتية واالجتماعية سانكرونيا ودياكرونيا؛‬
‫‪ ‬استخراع القواعد والقوانني والعالقات اليت تتحكم يف العينة املرصودة للدراسة والوصف‬
‫والتقومي؛‬
‫‪ ‬وضع النظريات وتعميمها‪.‬‬

‫يمص اكقول‪ ،‬هتتم اللسانيات االجتماعية بدراسة احتكاك اللغات‪ ،‬ورصد الدخيل‬
‫والتداخل واخللط اللغوي‪ ،‬ودراسة البوليفونية اللغوية واللهجية‪ ،‬ومقاربة األسلبة والتنضيد‬
‫والتهجني اللغوي‪ ،‬ومناقشة الثنائية والتعددية اللغوية‪ ،‬ومعرفة عالقة اللغات باللهجات‪.‬‬
‫فضال عن االهتمام بتصحيح اللغة‪ ،‬وجودة اللغة‪ ،‬وتقعيد اللغة‪ ،‬واألمان اللغوي‪ ،‬والتلوث‬
‫اللغوي‪ ،‬والسياسة اللغوية‪ ،‬والتخطيط اللغوي‪...‬أي‪ :‬دراسة اللغات يف عالقتها باألفراد‪،‬‬
‫واجملتمعات‪ ،‬واملؤسسات‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬وقد جتاوزت اللسانيات االجتماعية مثالية اللسانيات السوسريية والشومسكاوية‬
‫القائمة على االستنباط والطابع االفكاضي الصوري اجملرد‪ ،‬باالنتقال إىل الطابع التجرييب‬

‫‪291‬‬
‫االستقرائي امليداب واملختربي‪.‬أي‪ :‬مثة انتقال من اللسانيات البنيوية الشكلية إىل اللسانيات‬
‫االجتماعية‪ ،‬أو انتقال من بنية اللغة إىل بنية اجملتمع‪ ،‬أو انتقال من الداخل اللساب إىل‬
‫اخلارع اللساب‪.‬‬

‫‪292‬‬
‫اكفصل اكا سع‪:‬‬

‫علم اكنفـ ـس االجايـ ـ عا‬

‫يعد علم النفس االجتماعي (‪ )La psychosociologie‬العلم الذي يتقامسه علم‬


‫النفس وعلم االجتماع معا‪ ،‬على أساس أن مثة ظواهر نفسية فردية ميكن دراستها دراسة‬
‫سوسيولوجية‪ .‬أي‪ :‬ميكن دراسة سلوك الفرد داخل اجلماعة بصفة خاصة‪ ،‬واجملتمع بصفة‬
‫عامة‪ .‬ويعين هذا أن كثريا من املشاكل النفسية الفردية‪ ،‬مثل‪ :‬االنطواء‪ ،‬واخلجل‪ ،‬والعنف‪،‬‬
‫والعدوان‪ ،‬والكراهية‪ ،‬والنفور‪ ،‬والتعصب‪ ،‬والتطرف‪ ،‬والرفض‪ ،‬والتمرد‪ ،‬واالنعزال‪...‬ميكن‬
‫القضاء عليها بشكل تدرجيي‪ ،‬بندماع األفراد داخل اجملموعات‪ ،‬وإخضاعهم للعالع املباشر‬
‫وغري املباشر‪ ،‬أو إدخاهلم ضمن نسق اجملتمع سدف مداواهتم نفسيا واجتماعيا‪ ،‬أو سدف‬
‫احلد من اضطراسم النفسي‪ ،‬أو قصد التحكم يف سلوكهم املختل‪ ،‬مهما كانت طبيعته‪.‬‬
‫وكذلك‪ ،‬ميكن رصد خمتلف العالقات النفسية الشعورية والالشعورية اليت جتمع بني األفراد‬
‫داخل اجملموعات الصغرية واملتوسطة والكبرية‪ .‬ومن مث‪ ،‬جيمع هذا العلم املركب بني الفرد‬
‫واجملتمع‪ ،‬أو بني علم النفس وعلم االجتماع‪ .‬وليس هذا امليدان قاصرا على علماء النفس‬
‫وعلماء االجتماع واحملللني النفسانيني فحسب‪ ،‬بل يتعدى ذلك إىل البيداغوجيني الذين‬
‫يدرسون اجلوانب النفسية والكبوية واالجتماعية لدى املتعلمني داخل مجاعات وفرق الفصل‬
‫الكبوي‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬فعلم النفس االجتماعي هو الذي يدرس التفاعل االجتماعي‪ ،‬أو ينكب على‬
‫فهم سلوك الفرد داخل اجملتمع وتفسريه ضمن املقكبني‪ :‬السوسيولوجي والسيكولوجي‪ ،‬أو‬
‫هو ذلك العلم الذي يعىن بدراسة األفراد ضمن وضعيات جمتمعية متنوعة وخمتلفة‪ ،‬مع رصد‬

‫‪293‬‬
‫خمتلف التأثريات اليت ميارسها اجملتمع أو تنظيماته يف األفراد والكائنات البشرية‬
‫واإلنسانية‪.868‬‬
‫إذا‪ ،‬ما علم النفس االجتماعيا وما مواضيعه اليت يدرسهاا وما مصادره املعرفيةا وما أمهيته‬
‫العلميةا وما نشأته وتطوره التارخييا وما أهم أعالمها وأهم ما تصوراته املنهجيةا‬

‫اكيب ث األ ل‪ :‬دفه ــود علم اكنفس االجاي عا‬

‫من املعلوم أن علم النفس االجتماعي(‪ )La psychosociologie‬فرع من فروع‬


‫علم النفس العام‪ ،‬وهو يدرس خمتلف التفاعالت اليت حتدث بني األفراد داخل اجلماعات‬
‫أو اجملتمع‪ .871‬مبعىن أن علم النفس االجتماعي اليضع حدودا فاصلة بني ماهو فردي‬
‫وماهو جمتمعي‪ ،‬بل جيمع بينهما ضمن مقاربة ينصهر فيها البعدان النفسي واجملتمعي‪.‬‬
‫أضف إىل ذلك أن هذا العلم يدرس التصرفات اإلنسانية‪ ،‬وخمتلف التفاعالت الفردية‬
‫والسيكولوجية داخل بنية اجملتمع‪ .‬ومن هنا‪ ،‬يتم الككيز على العالقات والتفاعالت‬
‫السيكواجتماعية‪ .‬وبالتايل‪ ،‬يستحيل الفصل ‪ -‬هنا‪ -‬بني ماهو نفسي وماهو‬
‫اجتماعي‪.‬أي‪ :‬يدرس هذا العلم التفاعالت الذهنية والوجدانية والنفسية اليت حتدث بني‬
‫األفراد داخل اجلماعة‪ ،‬أو يهتم بدراسة سيكولوجيا األقليات النشيطة‪ .870‬ومن مث‪ ،‬يصبح‬

‫‪369‬‬
‫‪- Y. Castellan: Initiation à la psychologie sociale, Paris, 1970.‬‬

‫‪370‬‬
‫‪-J. Maisonneuve, Introduction à la psychosociologie, PUF,‬‬
‫‪1973.‬‬

‫‪294‬‬
‫الفرد مبثابة ذات عالئقية أو ذات متفاعلة مع الذوات األخرى ضمن سياق اجتماعي‬
‫معني‪.‬‬
‫ويعرف الباحث املصري خليل ميخائيل معوض علم النفس االجتماعي بقوله‪ ":‬علم النفس‬
‫االجتماعي فرع من فروع علم النفس‪ ،‬يتناول سلوك األفراد واجلماعات وتفاعلهم خالل‬
‫املواقف االجتماعية املختلفة‪ ،‬ودراسة العوامل اليت تؤثر يف هذا التفاعل والعمليات النفسية‬
‫اليت حتدث أثناء هذا التفاعل‪ ،‬وما يكتب على هذا التفاعل من اكتساب الفرد الجتاهات‬
‫وقيم وأساليب سلوكية معينة ترضى عنها اجلماعة‪ ،‬وأثناء عمليات التفاعل االجتماعي يتم‬
‫تأثري متبادل بني األفراد بعضهم مع بعض‪ ،‬وبني اجلماعات بعضها مع بعض‪ ،‬وبني األفراد‬
‫‪872‬‬
‫واجلماعات‪".‬‬
‫إذ‪ ،‬يالحظ تداخل واضح بني علم النفس وعلم االجتماع‪ ،‬فنذا كان العلم األول يدرس‬
‫األفراد سلوكيا وشعوريا والشعوريا ومعرفيا‪ ،‬فنن الثاب يدرس الظواهر اجملتمعية على أهنا‬
‫أشياء‪ .‬كما ينصب هذا العلم على رصد خمتلف األفعال والتصرفات اليت يقوم سا األفراد‬
‫واجلماعات ضمن وضعية جمتمعية ما‪ ،‬مع استجالء خمتلف العوامل النفسية واالجتماعية‬
‫اليت تتحكم يف خمتلف العالقات التفاعلية اليت حتدث بني األفراد واجلماعات‪ ،‬ضمن سياق‬
‫اجتماعي ما‪ ،‬مع الككيز على التنشئة االجتماعية‪ ،‬واستكشاف خمتلف التأثريات املتبادلة‬
‫اليت حتدث بني األفراد واجلماعات‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فعلم النفس االجتماعي هو علم الفعل أو السلوك‪ ،‬أوهو التطبيق التدخلي لفهم‬
‫األفراد داخل احلياة االجتماعية‪ .‬مبعىن أنه عبارة عن مقاربة إجرائية عملية عالجية‪ ،‬تسعى‬
‫إىل فهم الظواهر النفسية الشائنة لدى األفراد‪ ،‬وتفسريها ومداواهتا حبلول اجتماعية‪ .‬ومن‬

‫‪371‬‬
‫‪- Serge Moscovici, Psychologie des minorités actives, PUF,‬‬
‫‪1979.‬‬

‫‪ -872‬خليل ميخائيل معوض‪ :‬علم اكنفس االجاي عا‪ ،‬دار النشر املغربية‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل‬
‫سنة ‪0832‬م‪ ،‬ص‪.08:‬‬
‫‪295‬‬
‫هنا‪ ،‬يصبح علم النفس االجتماعي مبثابة طريقة يف عالع األمراض النفسية الفردية‪ ،‬بنعادة‬
‫إدماع األفراد مرة ثانية يف اجملتمع أو داخل اجملموعات من أجل التكيف والتأقلم وحتصيل‬
‫التوازن النفسي‪.‬‬
‫وعلى أي حال‪ ،‬فعلم النفس االجتماعي هو الذي يدرس الفرد يف صورته األكثر‬
‫اجتماعية‪ ،‬ويرصد احلاالت النفسية لتنمية الفئات االجتماعية‪ ،‬وحتسني مستواها النفسي‬
‫واالجتماعي‪ ،‬ودراسة سلوك الفرد يف تفاعله أو تواصله مع اآلخرين‪ ،‬ضمن بيئة اجتماعية‬
‫معينة‪ .‬ويقصد به كذلك أنه العلم الذي يدرس خمتلف الظواهر النفسية ذات الطابع‬
‫االجتماعي‪ ،‬واليت تكون حمفزاهتا فردية‪ ،‬أو هو الذي يدرس التفاعل املوجود بني الظواهر‬
‫النفسية والظواهر االجتماعية‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬فهو العلم الذي يدرس العالقات النفسية‬
‫االجتماعية املتبادلة يف سياق اجتماعي تفاعلي وتواصلي‪ .‬ويعين هذا أنه يدرس الفرد يف‬
‫عالقته جبماعة واحدة أو مجاعتني أو مجاعات متعددة‪ ،‬أو دراسته يف حضن اجملتمع‪ ،‬أو‬
‫دراسة اجملموعات أو اجلماعات فيما بينها دراسة سيكولوجية‪.‬‬
‫وإذا كان علم النفس يدرس الفرد‪ ،‬وعلم االجتماع يدرس اجملتمع‪ ،‬واألنكوبولوجيا تدرس‬
‫تأثري الثقافة يف الفرد‪ ،‬فنن علم النفس االجتماعي يدرس التفاعل املوجود بني الفرد‬
‫واجملتمع‪.‬‬
‫وخالصة القول‪ ،‬إن علم النفس الفردي الذي بلوره فرويد ويونغ وأدلر يتناول الظواهر‬
‫النفسية الفردية الشعورية والالشعورية‪ .‬بينما علم االجتماع الذي تأسس مع أوجست‬
‫كونت ودوركامي وليفي برول يهتم بالظواهر االجتماعية‪ .‬أما علم النفس االجتماعي الذي‬
‫هو يف احلقيقة جزء من علم النفس‪ ،‬فننه يعىن بدراسة أثر الفرد يف اجلماعة‪ ،‬وأثر اجلماعة‬
‫يف الفرد‪ .‬كما يرتكز على دراسة اجلماعة وتصنيفها وتبيان أدوارها وأهدافها وخصائصها‪،‬‬
‫وحتديد تفاعالهتا ووظائفها داخل اجملتمع‪ .‬ومن مث‪ ،‬فهو مبثابة الدراسة العلمية لإلنسان‬
‫باعتباره كائنا اجتماعيا‪ ،‬يعيش يف جمتمع يتخذ له فيه أصدقاء‪ ،‬فيتفاعل معهم‪ ،‬ويتأثر سم‪.‬‬
‫ويف الوقت نفسه‪ ،‬يؤثر فيهم‪.‬‬

‫‪296‬‬
‫ومثة جمموعة من التعاريف لتحديد علم النفس االجتماعي‪ ،‬إذ يرى هوبرت بونر‬
‫(‪ )Hubert Bonner‬أن " علم النفس االجتماعي هو فرع دن اكيلود االجاي عي‬
‫الذي يتناول سلوك األفراد داخل اجلماعات اإلنسانية‪."878‬‬
‫ويعين هذا التعريف أن علم النفس االجتماعي هو جزء من علم االجتماع العام‪ ،‬وليس‬
‫جزءا من علم النفس كما يرى كثري من الدارسني السيكولوجيني‪ .‬وأكثر من هذا فهو يركز‬
‫على دراسة السلوك الفردي داخل اجلماعات اإلنسانية أو البشرية‪.‬‬
‫وهناك من يعرف علم النفس االجتماعي بأنه " دراسة علمية خلربة الفرد وسلوكه يف‬
‫‪872‬‬
‫عالقتهما باملواقف االجتماعية"‪.‬‬
‫ويعين هذا أن علم النفس االجتماعي هو الذي يوظف املنهج العلمي لدراسة خربات الفرد‬
‫وجتاربه وتعلماته وموارده املكتسبة‪ ،‬يف أثناء مواجهته للوضعيات أو املواقف االجتماعية‬
‫املختلفة واملتنوعة‪ .‬أي‪ :‬يدمج الفرد كل ما لديه من قدرات وخربات وتعلمات وجتارب‬
‫وموارد مكتسبة من أجل مواجهة موقف جمتمعي‪ ،‬أو التكيف مع وضعية اجتماعية معقدة‪،‬‬
‫يتصدى لظرفية أو مشكلة صعبة‪.‬‬
‫عالوة على ذلك‪ ،‬اليقتصر علم النفس االجتماعي على اجلوانب النفسية للفرد فقط‪ ،‬بل‬
‫يتعدى ذلك إىل استحضارعامل احمليط أو البيئة أو اجلماعة أو اجملتمع‪ ،‬مع تبيان عالقات‬
‫التأثري والتأثر القائمة بني الفرد واجملتمع‪ ،‬ودراسة خمتلف املواقف االجتماعية والثقافية اليت‬
‫‪871‬‬
‫يكون الفرد بصدد مواجهتها‪.‬‬

‫‪- Hubert B: Social Psychology, an interdisciplinary approach,‬‬


‫‪373‬‬

‫‪New Delhi, Eurasia Publishing House LTD, 1965, pp: 1-15.‬‬


‫‪374‬‬
‫‪-Sherif, Muzafer and Sherif Carolyn:‬‬ ‫‪An outline of social‬‬
‫‪psychology. New York: Harper, 1956.‬‬
‫‪ - 871‬خليل ميخائيل معوض‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.02 :‬‬
‫‪297‬‬
‫ويرى كريتيش وكريتشفيلد)‪ (Cretech and Cretchfeild‬أن علم النفس‬
‫االجتماعي هو دراسة علمية منظمة لسلوك الفرد داخل اجلماعة‪ ،‬سواء أكانت تلك‬
‫اجلماعة أسرة أم مدرسة أم مجاعة النادي أم رفاق اللعب‪.‬أي‪ :‬دراسة الفرد داخل‬
‫اجلماعات‪.876‬‬
‫ويرى ويليام ماجدوكال (‪)William McDougall‬؛ صاحب نظرية الغرائز‪ ،‬أن‬
‫اجملتمع يؤثر يف الفرد‪ ،‬فيكسبه خلقا وطبعا معينا‪ .‬مبعىن أن الفرد خاضع للتنشئة‬
‫‪877‬‬
‫االجتماعية‪.‬ومن مث‪ ،‬فعلم النفس االجتماعي هو عملية التنشئة االجتماعية نفسها‪.‬‬
‫وعلى أي حال‪ ،‬فعلم النفس االجتماعي ‪ -‬كما يعرفه أمحد عزت راجح يف كتابه (أصول‬
‫علم اكنفس)‪ -‬هو " العلم الذي يدرس سلوك األفراد واجلماعات‪ ،‬وهم حتت تأثري املواقف‬
‫االجتماعية املختلفة‪ .‬وبعبارة أخرى‪ ،‬فهو يدرس الصور املختلفة للتفاعل االجتماعي‪ -‬أي‬
‫التأثري املتبادل‪ -‬بني األفراد بعضهم وبعض‪ ،‬وبني اجلماعات بعضها وبعض‪ ،‬وبني األفراد‬
‫واجلماعات‪ :‬بني اآلباء واألبناء‪ ،‬بني التالميذ واملدرسني‪ ،‬بني العمال وصاحب العمل‪ ،‬أو‬
‫بني العمال بعضهم وبعض‪ ،‬بني املعاجل واملريض‪ ،‬بني الرئيس ومرؤوسه‪ ..‬وجيب التمييز بينه‬
‫وبني علم االجتماع الذي يدرس حياة اجلماعة والتنظيم االجتماعي خاصة يف اجملتمعات‬
‫‪873‬‬
‫الالأمية‪ ،‬كما يهتم بدراسة املشكالت االجتماعية وطرق حلها وإصالحها‪".‬‬
‫وهكذا‪ ،‬يتبني لنا أن تعاريف علم النفس االجتماعي متعددة‪ ،‬وإن كانت تشكك يف كون‬
‫هذا العلم يدرس سلوك الفرد داخل اجلماعة‪ ،‬مع رصد خمتلف العالقات التفاعلية النفسية‬

‫‪376‬‬
‫‪- David Krech, Richard S. Crutchfield: Theory and Problems of‬‬
‫‪Social Psychology, McGraw-Hill Book Co., 1948 - 639 pages.‬‬

‫‪377‬‬
‫‪-William McDougall: Une introduction à la psychologie‬‬
‫‪social,1908,( 2nd ed.), London: Methuen & Co.‬‬
‫‪ - 873‬أمحد عزت راجح‪ :‬أصول علم اكنفس‪ ،‬املكتب املصري احلديث‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬مصر‪ ،‬الطبعة الثامنة‬
‫‪0871‬م‪ ،‬ص‪.82:‬‬
‫‪298‬‬
‫واالجتماعية اليت حتدث بني أعضاء هذه اجلماعة‪ ،‬ووصف النسق االجتماعي الذي جيمع‬
‫هؤالء األفراد‪ ،‬ضمن مجاعة موحدة‪ ،‬بأهداف وخصائص ومسات مشككة‪ .‬واهلدف من‬
‫تواجدها هو حتقيق التوافق االجتماعي‪ ،‬وبناء اهلوية اجلماعية‪ ،‬وحتصيل التوازن النفسي‬
‫واالجتماعي‪.‬‬

‫اكيب ث اكث نا‪ :‬دواضيع علم اكنفس االجاي عا‬

‫يدرس علم النفس االجتماعي جمموعة من املواضيع اليت هلا طابع نفسي من جهة‪ ،‬وطابع‬
‫اجتماعي من جهة أخرى‪ .‬ومن بني هذه املواضيع الدراسة العلمية لسلوك الفرد يف أثناء‬
‫تفاعله داخل مجاعات يتأثر سا‪ ،‬ويؤثر فيها عرب مواقف اجتماعية خمتلفة؛ وتبيان خمتلف‬
‫مناهج البحث الكمية والكيفية اليت تستعمل يف جمال علم النفس االجتماعي لدراسة‬
‫الظواهر اجملتمعية؛ وتبيان خمتلف العالقات التفاعلية اليت حتدث بني األفراد داخل‬
‫اجلماعات؛ ودراسة اجلماعات من حيث بناؤها‪ ،‬وأنواعها‪ ،‬وأغراضها‪ ،‬وأنشطتها‪،‬‬
‫ومتاسكها‪ ،‬وتنافرها‪ ،‬وديناميكيتها‪ ،‬ومشكالهتا‪ ،‬والتأثريات اليت متارسها يف األفراد‪ ،‬وما‬
‫ميارسه األفراد من تأثريات يف تلك اجلماعات؛ ودراسة التنشئة االجتماعية أو التطبيع‬
‫االجتماعي‪ ،‬وما يتعلمه األفراد من قيم ومعايري واجتاهات وميول النسجام مع اجملتمع‬
‫والتكيف معه والتأقلم معه انسجاما واندماجا وانصهارا؛ والككيز كذلك على االجتاهات‬
‫والقيم‪ ،‬وكيفية تكوينها‪ ،‬وطبيعتها‪ ،‬ووظائفها؛ والتوقف عند دراسة التعصب‪ -‬مثال‪-‬‬
‫باستجالء مفهومه‪ ،‬وطبيعته‪ ،‬ومظاهره‪ ،‬وصوره‪ ،‬وجماالته‪ ،‬وأسبابه‪ ،‬ونظرياته؛ ودراسة القيادة‬
‫ونظرياهتا‪ ،‬والتوقف عند القيادة الدميقراطية‪ ،‬والقيادة الديكتاتورية‪ ،‬والقيادة السائبة‪ ،‬وكيفية‬
‫اختيار القادة‪ ،‬والتدريب على القيادة؛ ودراسة خمتلف املشاكل واألمراض النفسية‬
‫االجتماعية اليت تتعلق بالسلوك املضاد للمجتمع‪ ،‬مثل‪ :‬اإلجرام‪ ،‬واإلرهاب‪ ،‬والتطرف‪،‬‬

‫‪299‬‬
‫والتعصب‪ ،‬واجلنو ‪ ،‬والسلوك العدواب‪ ،‬والتنافر‪ ،‬والبغاء‪ ،‬وإدمان اخلمور واملخدرات‪،‬‬
‫والتمييز العنصري‪.‬‬
‫وال ننسى أيضا االجتاه التطبيقي لعلم النفس االجتماعي املعاصر الذي يهتم بدراسة‬
‫السلوك السياسي على املستويات‪ :‬احمللية‪ ،‬واجلهوية‪ ،‬والوطنية‪ ،‬والدولية‪.878‬‬
‫وعليه‪ ،‬يدرس علم النفس االجتماعي السلوك الفردي واجلمعي واجملتمعي؛ وديناميكية‬
‫اجلماعات؛ وأمناط القيادة؛ والتنشئة االجتماعية؛ واالجتاهات االجتماعية؛ والعقل أو الفكر‬
‫اجلمعي؛ ودراسة السلوك السوي والسلوك الشاذ بالنسبة حلياة اجلماعة‪ ،‬مثل‪ :‬حاالت‬
‫االحنراف اخللقي‪ ،‬وحاالت اإلجرام‪ ،‬وعوامل التفكك االجتماعي املختلفة‪ .‬إىل جانب‬
‫دراسة عدد كبري من الظواهر االجتماعية كاحلروب‪ ،‬وحاالت اإلضراب والثورة واالنقالبات‬
‫العسكرية والسياسية‪ ،‬وحاالت التعصب واملنافسة يف اجملاالت االجتماعية؛ فضال عن‬
‫دراسة وسائل االتصال اجلمعي‪ ،‬وأساليب التفاهم بني أفراد اجلماعة عن طريق اللغة والدوال‬
‫والعالمات السيميائية واإلشارات احلركية‪ ،‬ووسائل نشر الثقافة البصرية‪ ،‬مثل‪ :‬التلفزة‪،‬‬
‫والسينما‪ ،‬واإلذاعة‪ ،‬واملسر ‪ ،‬والصحافة‪.831...‬‬

‫‪ -878‬خليل ميخائيل معوض‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.06-01:‬‬


‫‪ - 831‬كامل حممد حممد عويضة‪ :‬دديل ىكح علم اكنفس‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة األوىل سنة‬
‫‪0886‬م‪ ،‬ص‪.61-18:‬‬
‫‪300‬‬
‫اكيب ث اكث كث‪ :‬دص در علم اكنفس االجاي عا‬

‫لقد استفاد علم النفس االجتماعي (‪ )La psychosociologie‬من تصورات علم‬


‫االجتماع كما عند إميل دوركامي(‪ ،)Émile Durkheim‬وماكس فيرب( ‪Max‬‬
‫وكورنيليوس‬ ‫‪،)Norbert‬‬ ‫إلياس(‪Elias‬‬ ‫ونوربرت‬ ‫‪،)Weber‬‬
‫كاستورياديس(‪ ،)Cornelius Castoriadis‬وجورع زميل(‪،)Georg Simmel‬‬
‫وغريهم‪...‬‬
‫وقد استفاد أيضا من الدراسات السيكواجتماعية كما متثلها كل من‪ :‬كورت لوين ( ‪Kurt‬‬
‫‪ ،)Lewin‬وغابرييل تارد(‪ .)Gabriel Tarde‬واستفاد كذلك من علم النفس‬
‫اإلنساب مع أبراهام ماسلو(‪ )Abraham Maslow‬وكارل روجرز( ‪Carl‬‬
‫‪...)Rogers‬‬
‫وتأثر كذلك بعلم النفس االجتماعي الثقايف مع جريوم برونر(‪)Jérôme Bruner‬؛‬
‫دون أن ننسى االستفادة من الدراسات النفسية العيادية والسريرية والعالجية مع جورع‬
‫ديفرو (‪)Georges Devereux‬؛ واالستفادة من التحليل النفسي مع سيغموند‬
‫فرويد (‪ )Sigmund Freud‬وويلفريد بيون (‪)Wilfred Bion‬؛ واالستفادة‬
‫كذلك من لعبة األدوار أو السيكودراما مع جاكوب ليفي مورينو ( ‪Jacob Levy‬‬
‫‪.)Moreno‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬تأثر علم النفس االجتماعي بالتفاعلية الرمزية كما عند األمريكي إرفينغ‬
‫كوفمان (‪...)Erving Goffman‬‬
‫وعليه‪ ،‬يستند علم النفس االجتماعي إىل جمموعة من العلوم واملعارف‪ ،‬مثل‪ :‬الفلسفة‪،‬‬
‫وعلم النفس‪ ،‬والبيولوجيا‪ ،‬وعلم االجتماع‪ ،‬واألنكوبولوجيا‪ ،‬واإلثنولوجيا‪...‬‬

‫‪301‬‬
‫اكيب ث اكرابع‪ :‬أه ــيي علم اكنفس االجاي عا‬

‫يعد علم النفس االجتماعي من العلوم املهمة يف معرفة الظواهر النفسية واالجتماعية فهما‬
‫وتفسريا وتأويال‪ .‬إذ يساعدنا على معاجلة الظواهر املرضية اليت يعانيها األفراد داخل‬
‫اجلماعات أو البيئة اجملتمعية‪ ،‬بفهم خمتلف التفاعالت النفسية االجتماعية اليت حتدث بني‬
‫األفراد وبيئتهم اجملتمعية‪ .‬أي‪ :‬دراسة السمات النفسية السلبية أو اإلجيابية اليت تتحكم يف‬
‫سلوك األفراد داخل الفرق أو اجملموعات أو داخل اجملتمع نفسه‪ .‬ويف الوقت نفسه‪ ،‬ميدنا‬
‫بطرائق عالجية تطبيقية إجرائية للحد من املشاكل النفسية واالجتماعية اليت تؤرق مضجع‬
‫األفراد داخل بيئتهم االجتماعية‪.‬‬
‫كما يدرس علم النفس االجتماعي موضوعات وثيقة الصلة مبشكالت اجملتمع واحلياة‬
‫الواقعية لألفراد‪ ،‬مع البحث اجلاد عن احللول املمكنة للحد من االضطرابات النفسية‬
‫الشاذة‪ ،‬وإعادة بناء توازن شخصياهتم يف أحسن األجواء النفسية واجملتمعية‪.‬‬
‫ومن بني املواضيع اليت يعاجلها علم النفس االجتماعي‪ ،‬وهلا عالقة وثيقة باألفراد‬
‫واجملموعات‪ ،‬موضوع العدوان‪ ،‬والكراهية‪ ،‬والتعصب‪ ،‬والتطرف‪ ،‬والعنف‪ ،‬والنفور‪ ،‬والصراع‪،‬‬
‫واإلرهاب‪ ،‬والتشدد‪ ،‬وما يرتبط بذلك من حروب نفسية ودعايات مغرضة وشائعات تافهة‪.‬‬
‫ولعلم النفس االجتماعي أمهية تطبيقية يف جمال علم الكبية‪ ،‬حيث ينبغي الككيز على‬
‫العالقة املوجودة بني املدرس واملتعلم‪ ،‬واستجالء خمتلف التفاعالت السيكوسوسيولوجية اليت‬
‫حتدث أثناء العملية الديدكتيكية‪ ،‬ضمن أدوار قيادية دميقراطية أو سائبة أو استبدادية‪.‬‬
‫وحتضر أمهية هذا العلم يف اجملال العسكري‪ ،‬فالبد من تشخيص طبيعة العالقات املوجودة‬
‫بني القائد وجنده‪ ،‬وطبيعة العالقات التفاعلية على مستوى القيادة والتحفيز والتوجيه إلحاز‬
‫العمليات احلربية أو أداء األدوار العسكرية‪.‬‬
‫وحتضر أمهيته كذلك يف جمال الشغل‪ ،‬بالتوقف عند خمتلف العالقات النفسية واالجتماعية‬
‫اليت جتمع بني العمال داخل مؤسسة أو مقاولة أو شركة أو مصنع حتت قيادة مدير أو مدبر‬
‫‪302‬‬
‫أو رب العمل‪ ،‬وتبيان آليات التحفيز‪ ،‬وحل خمتلف املشاكل اليت يواجهها العمال داخل‬
‫مشغلهم‪ .‬وتتجلى أمهيته كذلك يف اجملال اإلرشادي واإلكلينيكي أو العيادي‪ ،‬بالتوقف عند‬
‫العالقة اليت جتمع بني املرشد واملعاجل‪ ،‬وكذلك يف اجملال اجلنائي برصد خمتلف العالقات اليت‬
‫جتمع بني السجان والسجني‪...‬‬
‫وعليه‪ ،‬فعلم النفس االجتماعي" له دور وقيمة يف جمال حياتنا اليومية‪ ،‬ويف جمال نشاطنا‬
‫املتعدد األوجه‪ ،‬فدارسو علم النفس االجتماعي يأخذون يف االعتبار جانبا جوهريا وأساسيا‬
‫عندما يدرسون املشكالت املتعددة يف حياتنا اليومية يف جماالت النشاط املتعدد‪ ،‬يف‬
‫الصناعة والتجارة‪ ،‬والكبية والتعليم‪ ،‬والصحة النفسية والعالع‪ ،‬واخلدمات االجتماعية‪ ،‬ويف‬
‫مجاعات النشاط األخرى الثقافية واالجتماعية والدينية يف املؤسسات املختلفة‪ .‬وهذا‬
‫‪830‬‬
‫اجلانب األساسي هو اكاوافق االجاي عا مع األفراد واجلماعات اليت تتعامل معها‪".‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬حيس الفرد جتاه اجلماعة إما بالرضى والقبول‪ ،‬وإما بالرفض والنفور‪ " .‬والشك أن‬
‫الفرد حيس باألمن والسعادة إذا ما تقبله اآلخرون‪ ،‬فيقبل على اآلخرين باستجابات الود‬
‫والتعاطف واحلب والتقدير واالستعداد للتعاون وبذل اجلهذ‪ ،‬وتنعكس هذه العالقات‬
‫االجتماعية املرغوب فيها يف صورة إنتاع مثمر وصحة نفسية سليمة‪.‬يف حني‪ ،‬يشقى‬
‫اإلنسان ويبتئس عندما حيس أن عالقاته مع اآلخرين يسودها عدم الثقة واملعاملة السيئة‬
‫والتشكيك وعدم التقدير‪.‬فيؤدي هذا إىل أساليب سلوكية غري مرغبوب فيها كالعدوان أو‬
‫‪832‬‬
‫االنسحاب‪ ،‬والشك أن هذا يؤثر يف إنتاع الفرد الذي يتناسب مع قدراته‪".‬‬
‫ويالحظ أن األفراد خيتلفون يف إدراك املواقف واالستجابات جتاه املوضوعات واألفراد‬
‫اآلخرين‪ ،‬ضمن عمليات التفاعل االجتماعي‪ ،‬يف سياق اجتماعي معني‪.‬ويعين هذا أننا"‬
‫حنكم على عمليات التوافق االجتماعي من خالل التفاعل االجتماعي الذي يتم بني فرد‬
‫وجمموعة من األفراد على أساس إحساس الفرد الذي حنكم عليه ال على أساس من يصدر‬

‫‪ - 830‬خليل ميخائيل معوض‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.22:‬‬


‫‪ - 832‬خليل ميخائيل معوض‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.22:‬‬
‫‪303‬‬
‫احلكم‪ ،‬فالذي يهمنا يف الدرجة األوىل هو إحساس الفرد ذاته‪ ،‬فقد يبدو لنا أن طفال‬
‫يعامل معاملة قاسية من أفراد أسرته‪ .‬يف حني‪ ،‬إن هذا الطفل الحيس سذا‪ ،‬واليبدو على‬
‫سلوكه اآلثار السيئة اليت تركته املعاملة القاسية‪ .‬وقد نرى أن طفال آخر يعامل معاملة حسنة‬
‫من أبويه‪ ،‬ولكن استجاباته التظهر لنا هذه املعاملة احلسنة‪.‬وقد ننظر هلؤالء بدهشة‬
‫وعجب‪.‬ولكن علم النفس االجتماعي يعلمنا أال نسرف يف إصدار األحكام غري‬
‫املوضوعية‪ ،‬فنحن النعجب مما سبق عندما نعلم أن كل شخص يدرك املوقف بصورة‬
‫‪838‬‬
‫ختتلف عن إدراك شخص آخر وفق ما مر به من خربات ومواقف‪".‬‬
‫وهكذا‪ ،‬يسعفنا علم النفس االجتماعي يف إجياد اآلليات النفسية واالجتماعية لتحقيق‬
‫التوافق االجتماعي‪ ،‬وفهم خمتلف املواقف واالجتاهات لدى األفراد جتاه اآلخرين أو‬
‫املوضوعات واملشاكل املطروحة‪.‬‬

‫اكيب ث اكخ دس‪ :‬ت ر خ علم اكنفس االجاي عا‬

‫من يتأمل تاريخ علم النفس االجتماعي‪ ،‬فقد كان هذا العلم‪ ،‬مثل باقي العلوم واملعارف‬
‫األخرى‪ ،‬تابعا للفلسفة منذ املرحلة اليونانية إىل القرن العشرين؛ إذ استقل علم النفس‬
‫االجتماعي عن الفلسفة من جهة‪ ،‬واستقل أيضا عن علم النفس وعلم االجتماع منذ‬
‫منتصف القرن العشرين‪ .‬ويعين هذا أن هذا العلم قد نشأ " نشأة فلسفية كسائر العلوم‬
‫اإلنسانية األخرى‪ .‬فكثري من قضايا علم النفس االجتماعي اليت تتعلق بطبيعة اإلنسان‬
‫وتفاعله مع اآلخرين وعالقاته االجتماعية‪ ،‬وعالقة األفراد باجملتمع والدولة‪ ،‬وغرائز الفرد‬

‫‪ - 838‬خليل ميخائيل معوض‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.22:‬‬


‫‪304‬‬
‫وعاداته وغري ذلك من األمور اليت يعاجلها علم النفس االجتماعي‪ ،‬بعد تبلوره واستقراره‪،‬‬
‫‪832‬‬
‫كانت موضوعات لتأمالت فلسفية‪".‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬فثمة مالمح لعلم النفس االجتماعي عند أفالطون وأرسطو عندما اعتربا الفرد أو‬
‫اإلنسان نتاجا للمجتمع أو البيئة اجملتمعية‪ .‬فقد حتدث أفالطون عن مجاعة احلشد وموقفها‬
‫من القضايا اليت تؤرقها إما باالستحسان وإما باالستهجان‪.‬كما حتدث عن عالقة الفرد‬
‫باجملتمع‪ ،‬وحتدث كذلك عن ثالث طبقات اجتماعية هي‪ :‬طبقة احلكام‪ ،‬وطبقة اجلنود‪،‬‬
‫وطبقة العاملني‪ ،‬برصد أدوار كل طبقة على حدة‪ .‬كما حتدث أفالطون عن القيادة‬
‫والزعامة‪ ،‬وبني‪ ،‬يف كتابه (اكجيهور )‪ ،‬كيفية بناء هذه القيادة وتشكيلها‪.831‬‬
‫أما املعلم األول أرسطو‪ ،‬فقد أرجع النظم االجتماعية إىل عوامل بيولوجية وعقلية تأثرا بأبيه‬
‫الطبيب الذي انشغل كثريا بالبيولوجيا وعلم احلياة‪ .‬ويعين هذا أن أرسطو كان يفسر سلوك‬
‫األفراد بالنظرية احليوية أو بالعوامل الوراثية والبيولوجية‪ .‬كما حتدث عن بعض القضايا يف‬
‫ضوء املقكب السيكوسوسيولوجي كدراسته للخطبة يف عالقتها بالسياق النفسي‬
‫واالجتماعي‪ ،‬وكذلك ما يتعلق بالقيام بأفعالنا‪ ،‬وتقدير الذات‪ ،‬وتفسري سلوك اجملرمني‪،‬‬
‫ونظرية الصداقة‪...‬‬
‫وبعد ذلك‪ ،‬توالت الدراسات اليت تعىن بقضايا علم النفس االجتماعي‪ ،‬كما يبدو ذلك‬
‫واضحا عند املسلمني‪ ،‬والسيما الذين كتبوا يف جمال السياسية الشرعية واألحكام‬
‫السلطانية‪ ،‬أمثال‪ :‬الفارايب‪ ،‬وابن سينا‪ ،‬وابن خلدون‪...‬‬
‫هذا‪ ،‬وقد اتضحت معا هذا العلم يف أوروبا الغربية مع الفيلسوف اإلحليزي توماس هوبز‬
‫(‪ )Hobbes‬والفرنسي جان جاك روسو (‪ )Rousseau‬اللذين حتدثا عن الطبيعة‬

‫‪ - 832‬خليل ميخائيل معوض‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.81:‬‬


‫‪ - 831‬مصطفى سويف‪ :‬دقدد فا علم اكنفس االجاي عا‪ ،‬مكتبة األحلومصرية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة الثالثة‬
‫‪0871‬م‪ ،‬ص‪.021-022:‬‬
‫‪305‬‬
‫اإلنسانية والبشرية‪ ،‬وعالقة الفرد باجملتمع‪.‬إال أن هوبز يرى‪ ،‬يف كتابه (اكانين)‪ ،‬أن اإلنسان‬
‫كائن شرير وعدواب على غرار فرويد‪ .‬لذا‪ ،‬جيب قمعه عن طريق إدماجه يف اجلماعة‪.‬‬
‫أما روسو فريى‪ ،‬يف كتابه (اكيقد االجاي عا)‪ ،‬أن اإلنسان كائن بريء وخري‪ ،‬فاجملتمع هو‬
‫الذي حيوله إىل كائن شرير وعدواب‪ .‬وقد ساهم داروين(‪ ،)Darwin‬يف كتابه (أصل‬
‫اإلنس ن)‪ ،‬يف تطوير الدراسات السيكواجتماعية بدراساته البيولوجية التطورية اليت أجريت‬
‫على السلوك اإلنساب‪ ،‬ومقارنته بالسلوك احليواب‪ ،‬والسيما نظريته املعروفة (اكبق ء كألقوى‬
‫األصلح)‪ ،‬ونظرية (االياي ر أ االناق ء أ االصطف ء أ االناخ إ اكطبييا)‪.‬‬
‫و" يعتقد جون لوك(‪ )J.Locke‬أن الطفل يولد وعقله صفحة بيضاء‪ .‬وبنمو الطفل‪،‬‬
‫يكتسب الكثري من اخلربات واملعايري االجتماعية املتعددة اليت ترتبط باملواقف االجتماعية‬
‫اليت مير سا‪ ،‬فيتأثر اإلنسان باملواقف واملؤثرات اليت متر به يف حياته‪.‬‬
‫وقد اهتم كل من لوك وأوجستني (‪ )Augustine‬وبنتام(‪ )Bentham‬مبشكلة الفرد‬
‫واجلماعة‪.‬واألمهية النسبية لكل منهما‪ ،‬واعتربوا أن تغليب حقوق الفرد على اجلماعة يؤدي‬
‫إىل الفوضى‪ ،‬وتغليب حقوق اجلماعة على الفرد يؤدي إىل االستبداد‪ .‬يف حني‪ ،‬إن املوازنة‬
‫بني الفرد واجلماعة تؤدي إىل الدميقراطية‪."836‬‬
‫وقد تأثر علم النفس االجتماعي بالبيولوجيا (داروين)‪ ،‬واألنكوبولوجيا (موريتز‬
‫الزاروس(‪ )lazarus‬وهرمان ستينتال(‪ ،))Steinthal‬وعلم النفس التجرييب‬
‫(فوندت‪...) Wundt‬‬
‫هذا‪ ،‬ويعد فوندت األملاب أول من ربط علم النفس التجرييب باألنكوبولوجيا‪ ،‬وأوجد‬
‫‪837‬‬
‫العالقات اليت تربط بينهما‪ ،‬كما يبدو ذلك جليا يف كتابه (علم نفس اكشيوإ)‪.‬‬

‫‪ - 836‬خليل ميخائيل معوض‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.88:‬‬


‫‪ - 837‬أمحد عبد العزيز سالمة وعبد السالم عبد الغفار‪ :‬علم اكنفس االجاي عا‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬طبعة‬
‫‪0871‬م‪ ،‬ص‪.83-28:‬‬
‫‪306‬‬
‫وقد تنبأ هربرت سبنسر بعلم النفس االجتماعي يف القرن التاسع عشر‪ ،‬عندما ربط الفرد‬
‫باجلماعة العضوية‪ .‬ويف هذا‪ ،‬يقول خليل ميخائيل معوض‪":‬أما هربرت‬
‫سبنسر(‪ ،)Spencer‬فقد استخدم األفكار اليت نادى سا دارون مطبقا إياها يف احلياة‬
‫االجتماعية واجلوانب الثقافية‪ ،‬ففسر التفاعل االجتماعي تفسريا بيولوجيا‪ ،‬ومصورا اجملتمع‬
‫تصويرا حيويا على أساس عضوي‪ .‬وقد نادى سبنسر بضرورة استخدام املنهج العلمي‪ ،‬وقد‬
‫تنبأ بظهور علم اجتماعي يدرس الفرد‪ ،‬وكيف يصبح الفرد عضوا يف اجلماعة‪ ،‬وكيف تصبح‬
‫اجلماعة وحدة عضوية‪.‬أي‪ :‬إنه تنبأ بظهور علم النفس االجتماعي خالل القرن التاسع‬
‫عشر‪ ،‬ومهد لكثري من الباحثني بعده لدراسة هذه املوضوعات‪"833.‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬ساهم كثري من السوسيولوجيني واإلثنولوجيني الفرنسيني واألمريكيني يف‬
‫تطوير احلقل السيكواجتماعي بدراسة التفاعل االجتماعي‪ ،‬وتبيان أثر الثقافة يف سوك‬
‫األفراد‪ ،‬كما يتبني لنا ذلك جليا عند إميل دوركامي(‪ ،)Durkheim‬وأوجست كونت‬
‫(‪ ،)Comte‬وتشارلز كويل (‪ ،)CH.Cooley‬وتارد (‪ ،)Tarde‬وميد( ‪G. H.‬‬
‫‪ ،)Mead‬وبواس (‪ ،)Boas‬وسابري(‪ ،)Sapir‬وبنيديكت(‪ ،)Benedict‬ورالف‬
‫‪،)Margaret‬‬ ‫ميد(‪Mead‬‬ ‫ومارغريت‬ ‫(‪،838)Linton‬‬ ‫لينتون‬
‫ومالينوفسكي(‪ ،)Malinowski‬وآخرين‪...‬‬
‫هذا‪ ،‬وقد اهتم غوستاف لوبون (‪ )Le Bon‬باجلماعات‪ ،‬وخاصة يف كتابه (سيتوكوجي‬
‫اكجي ع ت)‪ .881‬يف حني‪ ،‬اهتم لوين (‪ )Lewin‬بديناميكية اجلماعات‪ .880‬بينما أرسى‬

‫‪ - 833‬خليل ميخائيل معوض‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.81:‬‬


‫‪389‬‬
‫‪-R. Linton, Le Fondement culturel de la personnalité (The‬‬
‫‪Cultural Background of Personality, 1958), trad. J.-C. Filloux, Paris,‬‬
‫‪1959 .‬‬
‫‪- Gustave Le Bon: La Psychologie des foules ,1895.‬‬
‫‪390‬‬

‫‪307‬‬
‫مورينو (‪ )Moreno‬دعائم االختبار السوسيومكي(‪ .882)la sociométrie‬كما‬
‫وضع األملاب مويد (‪ )W. Moede‬والفرنسي ألفرد بينيه (‪ )Alfred Binet‬أسس‬
‫علم النفس االجتماعي التجرييب‪.‬‬
‫و يظهر علم النفس االجتماعي سذا االسم إال مع كتابني حيمالن العنوان نفسه (علم‬
‫اكنفس االجاي عا‪)Psychologie sociale /‬سنة ‪0813‬م‪ ،‬واحد ألفه‬
‫روس‬ ‫األمريكي‬ ‫ألفه‬ ‫والثاب‬
‫اإلحليزي ماجدوكال(‪،)W. McDougall‬‬
‫(‪.)E. A. Ross‬‬
‫وقد قدم علماء النفس السلوكيون‪ ،‬منذ سنوات الثالثني من القرن املاضي‪ ،‬الشيء الكثري‬
‫لعلم النفس االجتماعي؛ إذ وجهوا حبوثهم لدراسة عالقة السلوك اإلنساب بالبيئة احمليطة‪.‬‬
‫وميثل هذه املدرسة جمموعة من الباحثني كاألمريكيني واطسون (‪-0373()Watson‬‬
‫‪0813‬م) وسكينر (‪0881-0812( )Skinner‬م)‪ ،‬والطبيب الفيزيولوجي الروسي‬
‫بافلوف (‪ ،)0868-0328()Pavlov‬وثورندايك (‪...)Thorndike‬‬
‫وقااد تااأثرت هااذه املدرسااة بالوضااعية العلميااة وفلساافة الواليااات املتحاادة األمريكيااة يف بدايااة‬
‫القرن العشرين‪ ،‬وقد ركزت على فكرتني أساسايتني مهاا‪ :‬السالوك املالحاظ والبيئاة‪ ،‬ماع إقصااء‬
‫الذات والعواطف الشعوية والعمليات الذهنية والعقلية والفكرية الداخلية‪.‬‬

‫‪391‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪K. Lewin, Psychologie dynamique (A Dynamic Theory of‬‬
‫‪Personality, 1935), trad. M. et C. Faucheux, éd. rev. J.-M. Lemaine,‬‬
‫‪Paris, 1959.‬‬
‫‪392‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪J. L. Moreno, Fondements de la sociométrie (Who Shall‬‬
‫‪Survive ? Foundations of Sociometry, 1953), trad. d'après la 2e éd.‬‬
‫‪américaine par H. Lesage et P.-H. Maucorps, Paris, 1954.‬‬
‫‪308‬‬
‫والغا ا اارض ما ا اان ها ا ااذه املدرسا ا ااة ها ا ااو دراسا ا ااة السا ا االوك اخلا ا ااارجي لإلنسا ا ااان السا ا ااوي‪ ،‬بربطا ا ااه‬
‫باملثري(‪ )Stimilus‬واالستجابة (‪ .)Réponse‬ويعين هذا أن السلوك اإلنساب هو نتاع‬
‫للتعلم‪ ،‬أو هو رد فعل على جمموعة من املنبهات اليت تأتينا من العا اخلارجي‪.‬‬
‫وماان هااا‪ ،‬فقااد ظهاارت الساالوكية ساانة ‪0808‬م‪ ،‬يف الواليااات املتحاادة االمركيااة‪ ،‬مااع واطسااون‬
‫لدراسااة ساالوك خمتلااف الكائنااات احليااة يف ارتباااط بالبيئااة أو احملاايط اخلااارجي‪ .‬وماان مث‪ ،‬فقااد‬
‫اسااتبعدت هااذه املدرسااة كاال ماااهو داخلااي‪ ،‬س اواء أكااان شااعورا أم الشااعورا‪ .‬ويعااين هااذا أن‬
‫الساالوكية مدرسااة ساايكولوجية جتريبيااة وعلميااة‪ ،‬هاادفها دراسااة الساالوك اخلااارجي املالحااظ يف‬
‫عالقة باملثري واالستجابة‪.‬لذا‪ ،‬فقد أجرت جتارسا األوىل على احليوانات‪ ،‬من كالب‪ ،‬وفئاران‪،‬‬
‫وقطط‪ ،‬ومحام‪ ،‬بغية تطبيقها على اإلنسان‪.‬‬
‫وللتوضاايح أكثاار‪ ،‬فاإلنسااان يصاادر ساالوكه اخلااارجي حينمااا ي ارتبط ذلااك مبحفااز واسااتجابة‪.‬‬
‫مثال‪ ،‬حينما حيس اإلنسان بالعطش‪ ،‬يسمى هذا حافزا‪ ،‬فنناه يتجاه حناو املكاان الاذي يوجاد‬
‫فيه املاء‪ ،‬ويسمى هذا بالسلوك اخلارجي‪ ،‬فيشرب املاء‪ ،‬ويسمى هذا استجابة‪ .‬وينطباق هاذا‬
‫علااى حااافز اجلااوع وحااافز ال اتعلم وحااافز اخلااوف وغريهااا ماان املث اريات اخلارجيااة املدركااة‪.‬وإذا‬
‫كانت املدرسة الشعورية تدرس الشعور الداخلي‪ ،‬فانن السالوكية التعاىن إال مبالحظاة السالوك‬
‫اخلارجي القابل للدراسة والرصد والتجريب‪.‬‬
‫وماان هنااا‪ ،‬فكلمااا كااان هناااك مثااري أو حااافز أو منبااه خااارجي‪ ،‬كاناات هناااك اسااتجابة ساالوكية‬
‫مبثابااة رد فعاال علااى هااذا املنبااه البيئااي أو احمليطااي‪ .‬وقااد كااان هااذا القااانون الساايكولوجي نتيجااة‬
‫جمموعة من التجارب اليت أجريت على احليواناات يف ظاروف ووضاعيات جتريبياة خمتلفاة‪ ،‬بغياة‬
‫معرفة عالقة االرتباط املوجودة بني املثري املدروس واالستجابة املتوقعة‪.‬‬
‫وأكث اار م اان ه ااذا‪ ،‬هت ااتم الس االوكية بدراس ااة الوق ااائع الذهني ااة والوجداني ااة املالحظ ااة (الصا اراخ‪،‬‬
‫الضا ا ااحك‪ ،)...‬والتعا ا ااىن بدراسا ا ااة احلا ا اااالت غا ا ااري املالحظا ا ااة أو املدركا ا ااة (الفا ا اار ‪ ،‬واحلا ا اازن‪،‬‬
‫والغضااب‪.)...‬كما تاادرس عناصاار البيئااة احلسااية‪ ،‬مثاال‪ :‬احلارارة‪ ،‬وعاادد األفاراد‪ ...‬وماان هنااا‪،‬‬
‫فالوضعيات البيئية هي اليت ختلق حوافر الفرد‪ ،‬وتستدعي ردود أفعاله واستجاباته‪.‬‬

‫‪309‬‬
‫وإذا كان بافلوف قد اهتم بدراسة االنعكاس املشاروط‪ ،‬بدراساة ردود الفعال لادى احلياوان يف‬
‫عالقتااه باااحمليط الااذي يوجااد فيااه‪ ،‬فاانن واطسااون " أراد أن يبااين نظريااة الساالوك اإلنساااب علااى‬
‫وحاادة بساايطة هااي الفعاال املاانعكس‪ ،‬ودرس الفعاال املاانعكس يف احليوان اات الدنيئااة البساايطة‬
‫والراقية‪ ،‬واعترب سلوك اإلنسان جمموعة من األفعال املنعكسة الشرطية املعقدة‪"888.‬‬
‫ويع ااد إدوارد ثورن اادايك(‪0828-0372( )Edward Thorndike‬م)م اان العلم اااء‬
‫األم ا اريكيني الا ااذين حيسا اابون علا ااى التيا ااار السا االوكي‪ ،‬وكا ااان سا ااباقا إىل وضا ااع معادلا ااة املثا ااري‬
‫واالستجابة إطارا مرجعيا للتعلم وسيكولوجية السلوك‪ ،‬وقاد طار تصاورا ترابطياا للاتعلم‪ .‬وقاد‬
‫عرف بنظرية التعلم باحملاولة واخلطأ‪ ،‬عالوة على قانون األثر الذي ارتبط بامسه‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬يالحظ أن علم النفس االجتماعي يدرس يف مسلك علم النفس يف‬
‫بعض اجلامعات الغربية‪ ،‬وقد يدرس يف مسلك السوسيولوجيا يف جامعات أخرى‪ ،‬أو قد‬
‫يكون تابعا للمسلكني معا يف كثري من اجلامعات العاملية‪.‬‬
‫وبذلك‪ ،‬تعد الواليات املتحدة األمريكية البلد األكثر اهتماما بعلم النفس االجتماعي؛‬
‫بسبب كثرة املشاكل اإلثنية واجلنائية اليت تستلزم حلوال نفسية واجتماعية يف الوقت نفسه‪.‬‬
‫ومع سنوات الستني‪ ،‬تطور علم النفس االجتماعي يف فرنسا‪ ،‬وانتشرت مبادؤه النظرية‬
‫والتطبيقية يف خمتلف اجلامعات العاملية‪ .‬وأصبح علما يدرس يف اجلامعات‪ ،‬ضمن شعبة علم‬
‫النفس أو شعبة علم االجتماع‪.‬‬
‫وبعد ذلك‪ ،‬عقدت لقاءات وندوات وملتقيات هتتم بعلم النفس االجتماعي‪ ،‬وتشكلت‬
‫مجعيات وخمتربات ومنظمات يف هذا اجملال‪ ،‬وظهرت جمالت وكتب ومؤلفات هتتم بعلم‬
‫النفس االجتماعي عرب ربوع العا ‪.‬‬

‫يمص اكقول‪ ،‬لقد عرف علم النفس االجتماعي مراحل عدة يف مساره النشوئي‪ ،‬وميكن‬
‫حتديدها يف املرحلة الفلسفية التأملية مع جمموعة من الفالسفة‪ ،‬أمثال‪ :‬أفالطون‪ ،‬وأرسطو‪،‬‬

‫‪ - 888‬عبد العزيز القوصي‪ :‬علم اكنفس‪ :‬أسسه تطبيق ته‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪0812‬م‪ ،‬ص‪.76:‬‬
‫‪310‬‬
‫والفارايب‪ ،‬وابن خلدون‪ ،‬وهوبز‪ ،‬وروسو‪ ،‬وجون لوك‪ ،‬وبنتهام‪ ،‬وأوجستني‪...‬؛ واملرحلة‬
‫البيولوجية مع شارلز داروين؛ واملرحلة األنكوبولوجية مع الزاروس‪ ،‬وستينتال‪ ،‬ومالينوفسكي‪،‬‬
‫وبواس‪ ،‬وغريهم؛ واملرحلة السيكولوجية مع فوندت؛ واملرحلة االجتماعية مع سبنسر‪،‬‬
‫وأوجست كونت‪ ،‬وإميل دوركامي‪ ،‬وآخرين؛ واملرحلة العلمية اليت جعلت علم النفس‬
‫االجتماعي علما حقيقيا يعىن بدراسة الفرد يف اجلماعة‪.‬ومن أهم ممثلي هذه املرحلة‪:‬‬
‫غابرييل تارد (‪ ،882)Tarde‬وإدوارد روس(‪ ،)Ross‬ووليم ماجدوكال( ‪W Mx‬‬
‫‪ ،)Dougal‬وكريت لوين (‪ ،)Lewin‬ومورينو (‪...)Moreno‬‬
‫ومن أهم املواضيع اليت ركزت عليها هذه الدراسات‪ :‬اجلماعة‪ ،‬والقيادة‪ ،‬والسلوك القيادي‪،‬‬
‫واالجتاهات االجتماعية‪ ،‬والتنشئة االجتماعية‪ ،‬والتمثالت االجتماعية‪ ،‬والسلوك اإلجرامي‪،‬‬
‫والقيم‪ ،‬والتعصب‪ ،‬والدعاية‪ ،‬والعنف‪ ،‬والتطرف‪ ،‬واجلنو ‪ ،‬وديناميكية اجلماعات‪...‬‬

‫اكيب ث اكس دس‪ :‬اكاصـ ــور اكينهجـ ــا‬

‫يستعني علم النفس االجتماعي باملنهج العلمي يف دراسة الظواهر النفسية ذات البعد‬
‫االجتماعي فهما وتفسريا وتأويال‪ ،‬باالبتعاد قدر اإلمكان عن احلدس واملعرفة الشعورية‬
‫املباشرة‪ .‬واهلدف من ذلك كله هو الوصول إىل النتائج اليقينية عرب جمموعة من املراحل‬
‫العلمية اليت تبدأ با د د اكيشتل اكي ور ‪ ،‬بطر جمموعة من األسئلة واإلشكاليات‬
‫حول القضية الرئيسية يف املوضوع املراد دراسته؛ مث طر الفرضية أو جمموعة من الفروض‬
‫لدراستها والتجريب عليها؛ وتبيان أمهية البحث وأهدافه وغاياته الكربى؛ واستعراض خمتلف‬
‫الدراسات السابقة اليت تناولت املوضوع بالتحليل والدرس واملناقشة والتقومي‪ ،‬مع تبيان‬
‫فرضياهتا‪ ،‬وأدواهتا‪ ،‬ومفاهيمها‪ ،‬وأساليبها اإلحصائية‪ ،‬ونتائجها‪.‬‬

‫‪-Gabriel Tarde: L'Opinion et la foule, PUF, 1989 (1re éd. 1901).‬‬


‫‪394‬‬

‫‪311‬‬
‫وبعد ذلك‪ ،‬يلتجىء الباحث إىل التأطري النظري املوسع‪ ،‬بتعريف املوضوع لغة واصطالحا‪،‬‬
‫مث حتديد املصطلحات واملفاهيم اإلجرائية‪ ،‬وتبيان مرتكزات الظاهرة املدروسة وخمتلف‬
‫مقوماهتا‪ ،‬وتبيان كل ما يتعلق حبيثياهتا وشروطها وأسباسا وجتلياهتا ونتائجها‪.‬‬
‫وبعد التأطري النظري‪ ،‬ينتقل الدارس إىل التجريب التطبيقي‪ ،‬بتحديد العينة وتعريفها‪ ،‬وذكر‬
‫طبيعتها ونوعيتها ومواصفاهتا‪ ،‬وذلك كله يف عالقة باجملتمع األصلي‪ .‬وبعد ذلك‪ ،‬حيدد‬
‫الباحث املنهج املستعمل يف البحث (املنهج الوصفي أو املنهج التفسريي أو املنهج التجرييب‬
‫أو املنهج املقارن أو املنهج التارخيي‪ .)...‬مث حيدد الدارس نوع اإلحصاء الذي يستعمله يف‬
‫تفريع البيانات واملعطيات‪ ،‬فهل سيتبىن اإلحصاء الوصفي أم يتعدى ذلك إىل اإلحصاء‬
‫االستنتاجيا‬
‫والبد من إخضاع البحث للتجريب والوصف واملقارنة وتكرار االختبارات والفحوص‪.‬‬
‫واهلدف من ذلك كله هو حتصيل النتائج والقوانني‪ ،‬والتثبت من صدق مجيع الفرضيات أو‬
‫بعضها لتعميمها يف شكل نظريات‪ .‬وهناك من الباحثني من يتخوف من التعميم‪ .‬ويف‬
‫هذا‪ ،‬يقول خليل ميخائيل معوض‪ ":‬الجيب أن نلجأ إىل التعميم عند دراسة أي ظاهرة‬
‫اجتماعية أو سلوك إنساب‪ .‬فالتعميمات حتتاع إىل درجة عالية من الصدق‪ .‬فالجيب أن‬
‫يغايل الباحث يف التعميمات بالنسبة للعلوم اإلنسانية عامة‪ ،‬وعلم النفس االجتماعي‬
‫‪881‬‬
‫خاصة؛ ألن مثل هذه الدراسات تدور حول سلوك اإلنسان املركب املعقد واملتغري‪".‬‬
‫وعليه‪ ،‬البد أن يتميز املنهج يف علم النفس االجتماعي بالتنبؤية‪ ،‬والقياسية‪ ،‬والتكرارية‪،‬‬
‫والتحكم يف املتغريات املستقلة والتابعة‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬فنن وحدات التحليل يف علم النفس االجتماعي هي‪ :‬السلوك‪ ،‬والفرد‪ ،‬واجلماعة‪،‬‬
‫واجملتمع‪ ،‬والتفاعل‪ ،‬واحلضور النفسي املباشر وغري املباشر‪ .‬أي‪ :‬دراسة حاالت األفراد‬
‫النفسية وتفاعلهم مع اآلخرين‪ ،‬ضمن سياق اجتماعي معني‪ .‬عالوة على الككيز على‬
‫أقواهلم‪ ،‬وأفعاهلم‪ ،‬وحركاهتم‪ .‬وهنا‪ ،‬ميكن احلديث عن السلوك العقلي الذهين‪ ،‬والسلوك‬

‫‪ - 881‬خليل ميخائيل معوض‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.26:‬‬


‫‪312‬‬
‫الوجداب االنفعايل‪ ،‬والسلوك اللفظي احلركي‪ .‬وسذا‪ ،‬يكون علم النفس االجتماعي حلقة‬
‫علمية وسطى بني املعارف النفسية السلوكية والشعورية والالشعورية والذهنية‪ ،‬واملعارف‬
‫االجتماعية مبختلف جتلياهتا وأنواعها املختلفة‪ .‬وبتعبري آخر‪ ،‬يعد علم النفس االجتماعي‬
‫مبثابة حبر تصب فيه أهنار السيكولوجيا والسوسيولوجيا مبختلف روافدمها‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬يستعني علم النفس االجتماعي مبناهج كمية جتريبية‪ 886‬وموضوعية يف دراسة سلوك‬
‫الفرد يف حضن اجلماعة أو داخل اجملتمع‪ ،‬باستعمال منهج املقارنة العلمية‪ ،‬برصد خمتلف‬
‫التغريات اليت تطرأ على السلوك الفردي يف عالقة باجملتمع والثقافة‪ ،‬بغية إجياد حلول تطبيقية‬
‫ملختلف املشاكل اليت ختص العالقات اإلنسانية‪.‬‬
‫ومن أجل سرب آراء األفراد‪ ،‬استعان علماء النفس االجتماعي باالستمارات التجريبية اليت‬
‫تتخذ طابعا كميا وموضوعيا إىل حد ما‪ ،‬كما يبدو ذلك واضحا عند‬
‫ستوتزل(‪ .887)Stoetzel‬واعتمدوا كذلك على املقابالت املباشرة القريبة من اللقاء‬
‫اإلكلينيكي لفهم السلوك على طبيعته احلية‪.883‬‬
‫واستعملت تقنيات تطبيقية أخرى يف جمال علم النفس االجتماعي‪ ،‬يف أثناء دراسة تأثري‬
‫االنتخابات والصفقات االقتصادية ووسائل اإلعالم واإلشهار يف األفراد‪ ،‬ودراسة العالقات‬

‫‪396‬‬
‫‪- G. & J.-M. Lemaine: Psychologie sociale et expérimentation,‬‬
‫‪Paris, 1969.‬‬
‫‪- J. Stoetzel: La Psychologie sociale, Paris, 1963.‬‬
‫‪397‬‬

‫‪398‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪Otto‬‬ ‫‪KLINEBERG:‬‬ ‫‪« PSYCHOLOGIE‬‬ ‫‪SOCIALE‬‬ ‫‪»,‬‬
‫‪Encyclopædia Universalis [en ligne], consulté le 22 août 2015. URL:‬‬
‫‪http://www.universalis.fr/encyclopedie/psychologie-sociale/‬‬
‫‪313‬‬
‫الدولية اليت تتخذ طابعا تفاعليا إنسانيا‪ ،888‬مثل‪ :‬السوسيوميكية‪ ،‬والسوسيودراما‪،‬‬
‫والسيكودراما‪ ،‬والطرائق العالجية‪ ،‬وديناميكية اجلماعة‪ ،‬ولعبة األدوار‪...‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬وظف علم النفس االجتماعي منهج االستبطان والتأمل الذايت‪ .‬كما‬
‫استخدم املنهج التارخيي‪ ،‬واملنهج املقارن‪ ،‬وتسجيل تاريخ احلياة اليومية‪ ،‬إىل جانب جمموعة‬
‫من األدوات العلمية يف البحث واالستقراء واالستقصاء‪ ،‬وفهم الظواهر النفسية واالجتماعية‬
‫وتفسريها وتأويلها‪ ،‬كاستعمال املالحظة العلمية‪ ،‬واالستعانة باملنهج الوصفي‪ ،‬واللجوء إىل‬
‫املسح االجتماعي‪ ،‬وتطبيق االختبار السوسيومكي‪...‬‬

‫يتبني لنا‪ ،‬مما سبق ذكره‪ ،‬أن علم النفس االجتماعي هو فرع من فروع‬ ‫يمص اكقول‪،‬‬
‫علم النفس العام أو فرع من علم االجتماع العام‪ .‬ويعين هذا أن هذا العلم وسيط مركب‬
‫من علمني مها‪ :‬علم النفس من جهة‪ ،‬وعلم االجتماع من جهة أخرى‪ .‬ومن مث‪ ،‬يدرس‬
‫هذا العلم الفرد داخل اجلماعة‪ .‬وبتعبري آخر‪ ،‬ينصب علم النفس االجتماعي على دراسة‬
‫سلوك األفراد داخل اجلماعة‪ ،‬سواء أكانت تلك اجلماعة صغرية أم متوسطة أم كبرية‪ ،‬برصد‬
‫خمتلف التفاعالت النفسية واالجتماعية اليت تقوم بني األفراد داخل تلك اجلماعة املوحدة‪.‬‬
‫كما يعىن هذا العلم بدراسة خمتلف العالقات التأثريية والتفاعلية والتبادلية القائمة بني‬
‫األفراد داخل اجلماعة‪.‬‬

‫‪- O. Klineberg: The Human Dimension in International‬‬


‫‪399‬‬

‫‪Relations, New York, 1964,Psychologie sociale (Social Psychology,‬‬


‫‪1954), trad. R. Avigdor-Coryell, 3e éd., 2 vol., Paris, 1967,« Face à la‬‬
‫‪pensée raciste d'aujourd'hui », in Le Courrier, U.N.E.S.C.O., vol.‬‬
‫‪XXIV, 1971.‬‬

‫‪314‬‬
‫وعليه‪ ،‬يدرس علم النفس االجتماعي اجلماعة باعتبارها نسقا بنيويا منظما كليا‪ ،‬حيوي‬
‫جمموعة من األفراد أو العناصر‪ ،‬جتمعهم مسات ومواصفات وأهداف مشككة‪ ،‬ويعملون‬
‫مجيعا لتحقيق أهداف مشككة‪ ،‬حبضورهم اجلماعي املوحد‪ .‬عالوة على حتقيق التوافق‬
‫االجتماعي‪ ،‬وبناء اهلوية االجتماعية؛ وإشباع احلاجيات والرغبات الشعورية والالشعورية‪.‬‬
‫وبناء على ما سبق‪ ،‬يظهر علم النفس االجتماعي إال يف منتصف القرن العشرين‪ ،‬متأثرا‬
‫يف ذلك بالفلسفة‪ ،‬والبيولوجيا‪ ،‬وعلم النفس‪ ،‬وعلم االجتماع‪ ،‬واألنكوبولوجيا‪ ...‬وقد‬
‫سبقته دراسات متهيدية تتضمن جمموعة من املالمح الشبيهة مبالمح علم النفس‬
‫االجتماعي‪.‬‬
‫ويدرس علم النفس االجتماعي جمموعة من املواضيع ذات اهلوية االجتماعية والنفسية‪،‬‬
‫مثل‪ :‬اجلماعة‪ ،‬والتنشئة االجتماعية‪ ،‬والتمثالت االجتماعية‪ ،‬وديناميكية اجلماعات‪،‬‬
‫واالجتاهات االجتماعية‪ ،‬والشخصية االجتماعية‪ ،‬والسلوك االجتماعي السوي والشاذ‪،‬‬
‫والسيكودراما‪ ،‬والسوسيودراما‪ ،‬والتفاعل االجتماعي‪ ،‬والتوافق االجتماعي‪...‬إخل‬
‫أضف إىل ذلك يستعمل علم النفس االجتماعي جمموعة من املناهج يف الدراسة والبحث‬
‫والتحقيق‪ ،‬سواء أكانت كمية أم كيفية‪ ،‬مثل‪ :‬املنهج الوصفي‪ ،‬واملنهج التارخيي‪ ،‬واملنهج‬
‫التجرييب‪ ،‬واملنهج املقارن‪...‬كما يستعني مبجموعة من اآلليات اإلجرائية‪ ،‬مثل‪ :‬املالحظة‪،‬‬
‫واالستمارة‪ ،‬واملقابلة‪ ،‬واالستبطان‪ ،‬واملعايشة‪ ،‬والسرية الذاتية اليومية‪ ،‬والروائز‪ ،‬وحتليل‬
‫املضمون‪ ،‬واستنطاق الوثائق‪ ،‬وسرب الرأي‪...‬‬

‫‪315‬‬
‫اكفصل اكي شر‪:‬‬

‫اكيورفوك ـوجي االجاي عيـ ـ‬

‫الميكن احلديث عن الظاهرة االجتماعية إال باستحضار طبيعة التجمعات اإلنسانية أو‬
‫البشرية‪ .‬ومن املعلوم أن شكل هذا التجمع هو الذي يكيف الظاهرة االجتماعية بنية‬
‫وداللة ووظيفة‪ ،‬ويؤثر يف مالحمها وقسماهتا وصورهتا الداخلية واخلارجية‪ .‬ومن مث‪ ،‬حييلنا‬
‫شكل التجمع وبنيته وصورته على ما يسمى باملورفولوجيا االجتماعية‬
‫(‪ ،)Morphologie sociale‬وهو فرع من الفروع الرئيسية لعلم االجتماع‬
‫العام(‪ .)La sociologie Générale‬ويدرس هذا الفرع التجمعات البشرية من‬
‫حيث املكان اجلغرايف الذي حتتله‪ ،‬وحجم السكان‪ ،‬وعدد األفراد‪ ،‬ونسبة النمو الدميغرايف‪،‬‬
‫ورصد طبيعة الكثافة السكانية يف مساحة جتمعية ما‪.‬‬
‫وبتعبري آخر‪ ،‬يهتم الباحث االجتماعي بعدد السكان‪ ،‬وكيفية توزيعهم‪ ،‬ونسبة الكثافة‪،‬‬
‫وحالة النمو الدميغرايف‪ ،‬ومقدار املواليد والوفيات‪ ،‬ونسبة الشبان مقارنة بنسبة الشيوخ‪،‬‬
‫ونسبة الذكور مقارنة بنسبة النساء‪ .‬ويساعد هذا كله الباحث االجتماعي يف تفهم القضايا‬
‫والظواهر االجتماعية وتفسريها وتأويلها‪ .‬فمثال‪ ،‬يعترب علماء االجتماع نسبة الكثافة‬
‫املتزايدة عامال من عوامل تقسيم العمل يف اجملتمعات الرأمسالية والصناعية‪ .‬كما أن كثريا من‬
‫اجلرائم واالحنرافات وظواهر الشذوذ والتطرف حتدث يف املناطق املكتظة بالسكان‪ ،‬والسيما‬
‫املدن اليت ختتلط فيها األجناس واألعراق والسالالت واإلثنيات املختلفة واملتنوعة‪ ،‬وتتباين‬
‫فيها مستويات احلياة والعيش واالقتصاد‪.‬‬
‫إذا‪ ،‬ما املورفولوجيا االجتماعيةا وما مقوماهتاا وما أهم تصوراهتا النظرية واملنهجيةا هذا ما‬
‫سوف نتعرف إليه يف مباحثنا التالية‪:‬‬
‫‪316‬‬
‫اكيب ث األ ل‪ :‬دف ـهـ ــود اكيورفوكوجي االجاي عي‬

‫تتكون كلمة املورفولوجيا االجتماعية (‪ )Morphologie sociale‬من كلمة‬


‫(‪ )Morphe‬اليت تدل على البنية أو الشكل أو الصيغة أو الصورة أو اهليئة أو احلالة؛‬
‫وكلمة (‪ )Logie/ Logos‬اليت تعين علم أو دراسة أو لغة‪ .‬ومن مث‪ ،‬تعين كلمة‬
‫املورفولوجيا العلم الذي يدرس بنية الكائنات احلية أو شكلها أو صورهتا العضوية‪ .‬ومن هنا‪،‬‬
‫فتعريفها االصطالحي هو العلم الذي يدرس شكل الكائنات احلية وتكويناهتا وصورها‬
‫وأشكال أجسادها ومساحتها ونسب أعضائها وبنيتها الداخلية‪ ،‬وهذا كله من أجل التمييز‬
‫بني السالالت واألجناس واألعراق والشعوب ضمن علم األنكوبولوجيا‪.‬‬
‫وقد يقصد سا تلك العناصر اخلارجية ملختلف األشياء املعدنية أوخمتلف الكائنات البيولوجية‬
‫أو النباتية أو احليوانية‪ .‬أي‪ :‬مظهرها‪ ،‬وشكلها‪ ،‬وتنظيمها‪ ،‬وترتيبها‪ ،‬وتوزيعها‪ ،‬وموقعها‪،...‬‬
‫بنبراز العناصر املادية ووصفها انطالقا من مواصفاهتا ومالحمها وخصائصها وأشكاهلا‬
‫اخلارجية‪.‬‬
‫أما املورفولوجيا االجتماعية‪ ،‬فهو مصطلح يستخدم يف احلقل العلمي املادي أو العلوم‬
‫الطبيعية أكثر مما يستعمل يف حقل العلوم اإلنسانية‪ .‬لذا‪ ،‬ع نقله إىل حقل علم االجتماع‪،‬‬
‫من باب التجاوز ليس إال‪ ،‬للداللة على البنية والشكل والصورة اخلارجية املادية‪ .‬ومن هنا‪،‬‬
‫تدرس املورفولوجيا االجتماعية بنية اجملتمع أو شكله أو هيئته أو حالته البنيوية أو الشكلية‪،‬‬
‫كدراسة توزيع السكان فوق األرض‪ ،‬ووصف الظروف املكانية واجلغرافية اليت ترتبط سا‬
‫الساكنة الدميغرافية‪ .‬وبالتايل‪ ،‬فاملورفولوجيا االجتماعية هي جممل الظروف املادية األساسية‬
‫اليت تنبين عليها احلياة االجتماعية‪ ،‬وهي اليت تتحكم يف قيم اجملتمع وتصرفاته وأفعاله‪.‬‬

‫‪317‬‬
‫ويف هذا السياق‪ ،‬ميكن احلديث عن نوع الساكنة حسب اجلنس والسن‪ ،‬فهناك الذكور‬
‫واإلناث‪ ،‬والعالقات بني اجلنسني هي التقابل والتكامل‪ .‬وهناك األطفال والشبان والشيوخ‪.‬‬
‫وتعرب هذه املستويات العمرية عن املراحل اليت مير سا اجملتمع أو التنظيم يف مساره البيولوجي‬
‫واالجتماعي‪.‬‬
‫ويعد هذا العلم أيضا من أهم فروع علم االجتماع العام‪ .‬ويعىن بالبنية املادية والشكلية‬
‫للمجتمع‪ ،‬كالككيز على مساحة اجملتمع أو الدولة أو اإلقليم‪ ،‬وتبيان عدد سكانه‪ ،‬وطرائق‬
‫توزيعه‪ ،‬ونسبة كثافته الدميغرافية‪ ،‬وطبيعة اجملتمع املناخية واإلقليمية‪ ،‬وبيئته اجلغرافية‪ ،‬وطرق‬
‫املواصالت‪ ،‬وبنية التجارة‪...‬أي‪ :‬يهتم هذا العلم بدراسة البيئة اجلغرافية والبيئة السكانية‬
‫وأثر ذلك يف التنظيم االجتماعي‪ .‬وبتعبري آخر‪ ،‬املورفولوجيا االجتماعية هي دراسة البيئة‪،‬‬
‫واجلنس‪ ،‬والسكان‪ ،‬والظواهر اجلغرافية‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬فاملورفولوجيا االجتماعية عند مارسيل موس(‪ ")Mauss‬هي دراسة بن ء‬
‫اكيجايع دن يث دظهره اكي دي اكخ رجا‪ .‬أي‪ :‬من حيث السكان وتكوينهم‬
‫وتوزيعهم وثقافتهم وحركة تنقالهتم وهجرهتم اخلارجية والداخلية من الريف ومن املدن‪،‬‬
‫وموقع بالدهم وضيقها أو سعتها‪ ،‬وقرسا من البحر أو بعدها عنها‪ ،‬وطرق املواصالت اليت‬
‫‪211‬‬
‫تربطها بغريها‪".‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬يعرف علي عبد الواحد وايف علم االجتماع املورفولوجي بقوله‪ ":‬يدرس‬
‫نظم اكاتال االجاي عا‪ ،‬أي الطرق ايل يتجمع سا األفراد بعضهم مع بعض‪ ،‬كتزايد‬
‫السكان‪ ،‬واملناهج االجتماعية اليت تنجم عنها ظواهر التكاثف والتخلخل يف السكان‬
‫بالنسبة إىل املساحة اليت يسكنوهنا‪ ،‬والقواعد اليت تنظم شؤون اهلجرة من القرى إىل املدن‪،‬‬
‫ومن املدن إىل القرى‪ ،‬ومن الدولة إىل خارجها‪ ،‬باعتبار اهلجرة من األمور اليت تطرأ على‬
‫التكتل نفسه فتغري من أوضاعه‪ .‬والنظم اليت يسري عليها اجملتمع يف إنشاء مواطن التجمع‬

‫‪ - 211‬أمحد زكي بدوي‪ :‬ديجم دصطل ت اكرع اكانيي االجاي عي ‪ ،‬دار الكتاب املصري القاهرة‪ ،‬ودار‬
‫الكتاب اللبناب‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪0837‬م‪ ،‬ص‪.221:‬‬
‫‪318‬‬
‫كالقرى واملدن واملساكن والطرق اليت يتبعها يف أشكاهلا ومرافقها ووظائفها ومواقعها بالنسبة‬
‫‪210‬‬
‫إىل اجلبال والبحار واألهنار والبحريات‪...‬ومجيع ما يتصل سذه الشؤون‪".‬‬
‫ويعين هذا أن املورفولوجيا االجتماعية هتتم بالتكتل البشري يف جمتمع معني‪ ،‬بدراسة مساحة‬
‫املكان‪ ،‬وتوزيع السكان‪ ،‬ودراسة النمو الدميغرايف‪ ،‬ونسبة الكثافة السكانية‪ ،‬ودراسة البيئة‬
‫اجلغرافية واملناخية‪ ،‬والككيز على اهلجرة الداخلية واخلارجية‪ ،‬والتوقف عند البوادي واملدن‬
‫واألحياء واملناطق اليت يقل فيها السكان أو يكتظون‪.‬‬
‫كما تدرس املورفولوجيا االجتماعية البىن البدوية والبىن احلضرية‪ ،‬وكيفية انقسام اإلقليم أو‬
‫الدولة إىل جمموعة من البوادي واملدن احلضرية؛ والكيفية اليت تتوزع سا املدن إىل أحياء‪،‬‬
‫وأزقة‪ ،‬وشوارع‪ ،‬وعمران‪ ،‬وساكنة‪ ،‬ومناطق فالحية وصناعية وجتارية وإدارية وخدماتية‪ .‬لذا‪،‬‬
‫فاهلدف من ذلك كله هو معرفة آثار هذه املورفولوجيا يف اجملتمع وتنظيماته املتنوعة‬
‫واملختلفة‪.‬‬
‫وإذا كانت الفيزيولوجيا االجتماعية(‪ )Physiologie sociale‬تعين بدراسة خمتلف‬
‫األنشطة االجتماعية واملمارسات اجملتمعية والعمليات الديناميكية للمجتمع كالعقيدة‬
‫واألخالق‪ ،‬فنن املورفولوجيا االجتماعية تطلق على الككيب اجلغرايف وكثافة السكان‪ ،‬وطبيعة‬
‫اجملتمع‪ ،‬وكيانه االجتماعي‪ ،‬ودراسة الوحدات أو اجلماعات اليت يتكون منها اجملتمع‪،‬‬
‫وعالقة البيئة بالتنظيم االجتماعي‪ .‬كما هتتم بدراسة السكان وتوزيعهم على األرض‪،‬‬
‫وحتديد نسبة كثافتهم وجتمعاهتم‪ ،‬واخلصائص الطبيعية للمجتمع‪ ،‬وعالقات الكابط بينهم‪.‬‬
‫أي‪ :‬تدرس املورفولوجيا االجتماعية تلك الظواهر اجلغرافية والدميوغرافية اليت تتكون منها‬
‫البنية املادية للمجتمع كمساحة الدولة أو اإلقليم‪ ،‬ونسبة عدد السكان‪ ،‬ونسبة كثافته‬
‫السكانية‪ ،‬وطرق املواصالت‪ ،‬ومنو التبادل التجاري‪.‬ومن هنا‪ ،‬تدرس املورفولوجيا‬
‫االجتماعية جغرافية البيئة وعالقتها بالتنظيم االجتماعي‪ ،‬وتدرس كذلك خمتلف الظواهر‬
‫اجلغرافية وأثرها يف العمران أو اجملتمع‪ ،‬ودراسة السكان من حيث التخلخل والتوزيع على‬

‫‪ - 210‬علي عبد الواحد وايف‪:‬علم االجاي ع‪ ،‬هنضة مصر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ص‪.23:‬‬
‫‪319‬‬
‫املساحة‪ .‬ويعين هذا كله أن املورفولوجيا االجتماعية هي مبثابة البنيات املادية للمجتمع أو‬
‫هي دراسة األجزاء والوحدات الطبيعية واجلغرافية والدميوغرافية ضمن الكل أو ضمن نسق‬
‫اجملتمع‪.‬‬

‫اكيب ث اكث نا‪ :‬دقود ت اكيورفوكوجي االجاي عي‬

‫تستند املورفولوجيا االجتماعية إىل جمموعة من الركائز واملقومات األساسية اليت ميكن‬
‫حصرها فيما يلي‪:‬‬
‫‪ ‬األرض اليت ميتد فوقها السكان عددا وحجما واتساعا‪ .‬وقد تكون تلك األرض اليت‬
‫ينتظم فوقها السكان قارات‪ ،‬وبلدانا‪ ،‬ومدنا‪ ،‬وأريافا‪ ،‬ومناطق‪ ،‬وأحياء‪ ،‬وأزقة‪ ،‬وشوارع‪...‬‬
‫ويعين هذا أنه من املستحيل احلديث عن السكان بدون احلديث عن األرض أو اإلقليم أو‬
‫الرقعة اجلغرافية أو مكان االمتداد والتواجد والسيادة؛‬
‫‪‬اكبني اكست ني من حيث عدد األفراد‪ ،‬وعدد الزجيات‪ ،‬ونسبة املواليد والوفيات‪ ،‬وكيفية‬
‫توزيع السكان يف األرض والقارات‪ ،‬وطبيعتهم من حيث اجلنس والسن والعرق‪ ،‬ونسبة‬
‫الكثافة السكانية؛‬
‫‪ ‬دورفوكوجي اكيدن واكتظاظها بفعل اهلجرة من البوادي حنو احلواضر املتمدنة أو‬
‫املكتظة؛‬
‫‪ ‬رك ت اكهجرة اكدايلي اكخ رجي يف عالقة بالنمو الدميغرايف‪ ،‬مثل‪ :‬دراسة املستوى‬
‫الثقايف عند املهاجرين‪ ،‬ورصد حركة اهلجرة من األرياف إىل املدن‪ ،‬أو اهلجرة من بلد إىل‬
‫آخر؛‬
‫اكين يي اليت ميتد فيها السكان‪.‬أي‪ :‬االهتمام بالظواهر‬ ‫‪ ‬دراسة اكبي اكجغرافي‬
‫اجلغرافية؛‬

‫‪320‬‬
‫‪ ‬دراسة طرق اكيواصمت‪ ،‬وطبيعة هذه الطرق‪ ،‬ودورها يف التبادل التجاري؛‬
‫‪ ‬حتديد أني ط اكستن اكيس كن؛‬
‫‪‬مورفولوجيا البيئة أو احمليط اإليكولوجي؛‬
‫‪‬مورفولوجيا التكنولوجيا أو التقنية؛‬
‫‪ ‬مورفولوجيا احلياة احلضرية‪.212‬‬
‫وعليه‪ ،‬ميكن احلديث عن أنواع عدة من املورفولوجيا‪ ،‬كاملورفولوجيا السكانية‪ ،‬واملورفولوجيا‬
‫اجلغرافية‪ ،‬واملورفولوجيا البدوية‪ ،‬واملورفولوجيا احلضرية‪ ،‬واملورفولوجيا الدينية‪ ،‬واملورفولوجيا‬
‫االقتصادية‪ ،‬واملورفولوجيا السياسية‪ ،‬واملورفولوجيا االتصالية واإلعالمية‪ ،‬واملورفولوجيا‬
‫‪218‬‬
‫الصناعية‪ ،‬واملورفولوجيا التجارية‪...‬‬

‫اكيب ث اكث كث‪ :‬أهيي اكيورفوكوجي االجاي عي‬

‫للمورفولوجيا االجتماعية أمهية كربى يف جمال علم االجتماع؛ إذ تساعدنا على فهم جمموعة‬
‫من القضايا والظواهر االجتماعية املتعلقة باإلقليم أو املساحة أو السكان أو اجلنس أو‬
‫النمو الدميغرايف أو البيئة اجلغرافية واملناخية‪ ،‬وتبيان موقع التجمع البشري أو السكاب‪ ،‬وفهم‬
‫اهلجرة الداخلية واخلارجية‪...‬على أساس أن هذه املعطيات املورفولوجية تسعفنا يف تفسري‬
‫الظواهر اجملتمعية وفهمها وتأويلها؛ ألن هذه املعطيات ذات أساس مادي‪.‬‬

‫‪402‬‬
‫‪-HAMMAN Philippe: Sociologie urbaine et développement‬‬
‫‪durable, Bruxelles, De Boeck, coll. Ouvertures sociologiques, 2012.‬‬
‫‪403‬‬
‫‪- Maurice Halbwachs: Morphologie sociale, Armand Collins,‬‬
‫‪Paris 1938.‬‬
‫‪321‬‬
‫عالوة على ذلك‪ ،‬تساعدنا املورفولوجيا االجتماعية على فهم القرية واملدينة‪ ،‬ورصد خمتلف‬
‫الظواهر االجتماعية اليت تنتشر فيهما بنية وداللة ووظيفة‪.‬‬
‫كما تقوم املورفولوجيا االجتماعية بدور هام يف احلياة االجتماعية‪ ،‬وخاصة يف تفسري‬
‫الظواهر االجتماعية األخرى‪212‬؛ ألن البيئة اجلغرافية أو السكانية أو املادية متارس تأثريا‬
‫واضحا يف اجملتمع‪ ،‬وما يلحق ذلك من تغيريات جزئية أو كلية‪ ،‬مع دراسة خمتلف العالقات‬
‫املرتبطة باإلنسان يف عالقة مبحيطه االجتماعي‪.‬‬

‫اكيب ث اكرابع‪ :‬اكاصـ ــور اكنظ ـ ــري‬

‫ميكن احلديث عن جمموعة من التصورات النظرية املتعلقة باملورفولوجيا االجتماعية‪ ،‬وميكن‬


‫حصرها يف التصورات التالية‪:‬‬

‫اكيطلب األ ل‪ :‬ابن يلد ن تأسيس اكيورفوكوجي االجاي عي‬

‫لقد سبق ابن يلد ن‪ ،‬يف كتابه (اكيقدد )‪ ،‬إميل دوركامي إىل االهتمام باملورفولوجيا‬
‫االجتماعية بطريق أو بةخر‪ .‬فهو املؤسس احلقيقي لعلم االجتماع والعمران البشري‪ ،‬وقد‬
‫كان أول من وضع لبنات علم االجتماع القروي‪ ،‬وعلم االجتماع احلضري‪ .‬كما وضع‬
‫أسس الدميغرافيا واجلغرافيا السكانية‪ ،‬وربط أحوال الناس باملناخ وتغريات طبيعة اجلو‪ ،‬بل‬
‫كانت له آراء وجيهة يف علم االجتماع السياسي‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬فقد ركز ابن خلدون‪،‬‬
‫يف الباب الرابع املخصص لنشأة املدن واألمصار ومواطن التجمع اإلنساب‪ ،‬على شعبة‬

‫‪- 212‬إميل دوركامي‪ :‬قواعد اكينهج فا علم االجاي ع‪ ،‬ترمجة‪ :‬حممود قاسم والسيد حممد بدوي‪ ،‬دار املعرفة‬
‫اجلامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬مصر‪ ،‬طبعة ‪0833‬م‪ ،‬ص‪.227:‬‬
‫‪322‬‬
‫مساها إميل دوركامي باملورفولوجيا االجتماعية (‪ )La morphologie sociale‬أو‬
‫علم البنية االجتماعية "وظن هو وأعضاء مدرسته أهنم أول من عىن بدراسة مسائلها‪ ،‬وأول‬
‫من فطن إىل خواصها االجتماعية‪ ،‬وأول من أدخلها يف مسائل علم االجتماع‪ ،‬و يدروا‬
‫أنه قد سبقهم إىل ذلك ابن خلدون بأكثر من مخسة قرون‪ ،‬وأنه قد وقف على هذه الشعبة‬
‫‪211‬‬
‫زهاء بابني كاملني يف مقدمته‪".‬‬
‫وعليه‪ ،‬يعد ابن خلدون املؤسس الفعلي واحلقيقي للمورفولوجيا االجتماعية‪ ،‬وخاصة‬
‫عدندما حتدث عن املورفولوجيا البدوية واحلضرية من جهة أوىل‪ ،‬واجلغرافيا البشرية واملناخية‬
‫من جهة ثانية‪ ،‬والساكنة الدميوغرافية من جهة ثالثة‪.‬‬

‫اكيطلب اكث نا‪ :‬ىديل د رك م ن ت دصطلح اكيورفوكوجي االجاي عي‬

‫أول من استخدم مصطلح‬ ‫‪016‬‬


‫يعد إميل دوركامي (‪)Emile Durkheim‬‬
‫املورفولوجيا االجتماعية يف كتابه (قواعد اكينهج فا علم االجاي ع)‪ ،‬إذ قسم‬
‫السوسيولوجيا إىل املورفولوجيا االجتماعية اليت تدرس البنيات املادية للمجتمع؛ والفيزيولوجيا‬
‫االجتماعية اليت تدرس األنشطة االجتماعية أو احلياة االجتماعية نفسها‪.‬‬
‫واملقصود مبصطلح املورفولوجيا االجتماعية عند دوركامي هو توزيع األشخاص واألشياء يف‬
‫املكان أو الفضاء املادي‪ .‬أي‪ :‬دراسة املظهر املادي للمجتمع‪ ،‬كاملوقع اجلغرايف‪ ،‬ونسبة‬
‫عدد السكان‪ ،‬والكثافة السكانية واملادية‪ ،‬وطرق املواصالت‪ ،‬وخطوط السكك احلديدية‪،‬‬
‫ومنو التبادل التجاري‪ ،‬والككيز املادي‪ ،‬والبيئة اإلنسانية أو االجتماعية‪ ،‬واهلجرة الداخلية من‬

‫‪ -211‬علي عبد الواحد وايف‪ :‬علم االجاي ع‪ ،‬هنضة مصر‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬ص‪.78:‬‬
‫‪-Durkheim [1894]: Les Règles de la méthode sociologique,‬‬
‫‪406‬‬

‫‪Paris, puf..0882‬‬
‫‪323‬‬
‫البوادي إىل املدن‪ ،‬أو اهلجرة اخلارجية من دولة إىل أخرى‪...‬أو ما يسمى بككيب البيئة‬
‫االجتماعية الداخلية‪.‬‬
‫وقد أثبت دوركامي أن الكثافة السكانية أو املادية قد سامهت يف تقسيم العمل‪.‬ويف هذا‬
‫الصدد‪ ،‬يقول الباحث‪ ":‬ولقد بينا يف موضع آخر أن كل زيادة يف حجم اجملتمع ويف كثافته‬
‫الديناميكية تؤدي إىل تشعب احلياة االجتماعية‪ ،‬وذلك ألهنا توسع األفق الذي يستطيع‬
‫الفرد أن حييط به بفكره أو ميأله بنشاطه العملي ويفضي كال هذين العاملني إىل تغيري‬
‫‪217‬‬
‫الشروط األسساية للحياة االجتماعية تغيريا كامال‪".‬‬
‫ويعين هذا أن املورفولوجيا االجتماعية عند دوركامي هي الدراسة الشكلية املادية‬
‫للمجتمعات‪ ،‬بالككيز على وحدات اجملتمع وأجزائه العددية والنوعية‪ ،‬والكيفية اليت رتبت‬
‫سا ووزعت فوق األرض‪ .‬لذا‪ ،‬تنصب هذه املورفولوجيا على األشياء واألشخاص على حد‬
‫سواء‪ ،‬يف ضوء مقاربة كمية هتتم بالعدد‪ ،‬واحلجم‪ ،‬والكثافة‪ ،‬والنوع‪ ،‬واالمتداد‪ ،‬واحلركات‪،‬‬
‫واملالمح القابلة للعد والقياس‪...‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬فاجملتمع أو األسرة أو املؤسسة الكبوية أو الدولة أو املقاولة الصناعية هلا بنيتها‬
‫الشكلية املادية اليت تتحكم فيها‪ ،‬والسيما ما يسمى بالساكنة‪ .‬ومن هنا‪ ،‬يعد عنصر‬
‫السكان من أهم املواد البنائية املادية اليت تشكل هوية اجملتمع أو ما يشبهه‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬يعد إميل دوركامي أول من حنت مصطلح (اكيورفوكوجي االجاي عي ) لتمييزه عن‬
‫مفهوم الفيزيولوجيا االجتماعية‪ ،‬مع حصره يف دراسة البنيات املادية األساسية للمجتمع‪.‬‬

‫‪ - 217‬إميل دوركامي‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.282:‬‬


‫‪324‬‬
‫اكيطلب اكث كث‪ :‬جورج ز يل سوسيوكو ج األشت ل‬

‫يعااد األملاااب جــورج ز يــل (‪ )George Simmel‬ماان أهاام الباااحثني االجتماااعيني‬


‫الااذين اهتم اوا باملورفولوجيااا االجتماعيااة‪ ،‬وأسس اوا سوساايولوجيا األشااكال يف أثناااء متيياازه بااني‬
‫مضمون الفعل وشكله‪ .‬ويعين هذا أن الشكل االجتماعي هاو عباارة عان مؤسساة اجتماعياة‬
‫ثابتااة‪ ،‬مثاال‪ :‬الكنسااية‪ ،‬واملؤسسااة‪ ،‬واإلدارة‪ ،‬والدولااة‪ ،‬والشااركة‪ ،‬واملقاولااة‪...‬ويسااتلزم كاال إطااار‬
‫أو شااكل مؤسسااايت حياااة مجاعيااة مشااككة‪ .‬ويعااين هااذا وجااود مؤسسااات سياسااية واقتصااادية‬
‫ودينية‪ .‬ومان مث‪ ،‬فالشاكل االجتمااعي هاو كال إطاار مؤسساايت ثابات وحمادد‪ .‬يف حاني‪ ،‬يعاد‬
‫املضاامون كاال ماااهو متحاارك وغااري حماادد‪ .‬فاملوضااة شااكل اجتماااعي‪.‬يف حااني‪ ،‬يعااد التمااايز‬
‫االجتماااعي‪ ،‬وديناميااة احلياااة االجتماعيااة‪ ،‬والسااعي حنااو الظهااور‪ ،‬والتفاااوت الطبقااي دالالت‬
‫تصب كلها يف مضمون الفعل (املوضة)‪.‬‬
‫وهكااذا‪ ،‬مييااز زمياال بااني مضاامون الفعاال اجملتمعااي (الاادوافع الاايت توجااه الفعاال البشااري) وشااكله‬
‫(املوضة ‪ -‬مثال‪ .)-‬ويقصد بشكل الفعل ما ينتج عن األفعال االجتماعية يف أثناء عمليات‬
‫التفاعل أو التبادل اجملتمعي‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فثمة أربعة أمناط من األشكال االجتماعية عند زميل‪:213‬‬
‫‪ ‬األش ــت ل اكياص ــف ب كد يودـ ـ ‪ :‬العائل ااة‪ ،‬والدول ااة‪ ،‬والكنيس ااة‪ ،‬واملنش ااةت‪ ،‬واألحا ازاب‬
‫السياسية‪ ،..‬وتسمى هذه األشكال باملؤسسات‪.‬‬
‫‪ ‬األشــت ل اكاــا هــا تصــييي ت دبنيـ دســبق ‪ ،‬تافــرع عنهـ اكينظيـ ت اكا بيـ كهـ ‪:‬‬
‫الكاتبية‪ ،‬والتنافس‪ ،‬والصراع‪ ،‬واملغامرة‪ ،‬واإلقصاء‪ ،‬واملارياث‪ ،‬والتقلياد‪ ،...‬وتسامى باألشاكال‬
‫التكوينية‪.‬‬
‫‪ ‬األش ــت ل اكا ــا تت ــون اإلطـ ـ ر اكيـ ـ د اك ــاي ت ــدث ض ــينه اكانشـ ـ االجاي عيـ ـ ‪:‬‬
‫السياسة‪ ،‬واالقتصاد‪ ،‬والقانون‪ ،‬والتعليم‪ ،‬والدين‪...‬وتسمى بأشكال التوافق‪.‬‬
‫‪408‬‬
‫‪- J.Freund:Philosophie et sociologie, Cabay,1984.‬‬
‫‪325‬‬
‫‪ ‬األشت ل اكي برة اكاا تؤسس كلطقوس اكيودي ‪ :‬العادات‪ ،‬والطعاام املشاكك‪ ،‬والنزهاات‬
‫‪218‬‬
‫املشككة‪ ،‬والتهذيب‪ ،‬والكياسة‪...‬‬
‫وللتمثيل‪ ،‬يتوقف زميل عند شكل اجتماعي مثاله (اكيوض ) لدراسته‪.‬لذا‪ ،‬يعتربها تعبريا عان‬
‫النزعة الليربالية الفردية‪ ،‬و" دون أن تتوقف مع ذلك عن فضح الفوارق الطبقية‪ ،‬تكشف رمبا‬
‫بش ااكل أفضاال‪ ،‬ماان أي ش ااكل آخ اار‪ ،‬ج ااوهر دينامي ااة االجتماعي‪.‬تس اامح املوض ااة يف الواق ااع‬
‫بالتفرد (احلاجة إىل التمياز)‪ ،‬دون االنفصاال عان مجاعاات االنتمااء (احلاجاة إىل التماساك)‪.‬‬
‫فهي شكل للحياة‪ ،‬من بني أشكال أخرى كثرية؛ يسمح بأن جيتمع يف فعل موحاد امليال إىل‬
‫املساواة االجتماعية‪ ،‬وامليل إىل التمايز الفردي‪ .‬أي‪ :‬إىل التنوع‪.‬‬
‫أخريا تعيش املوضة من هاذه املفارقاة اخلاصاة حباداثتها‪ ،‬إهناا شاكل دائام‪ .‬يف حاني‪ ،‬إن سابب‬
‫وجودها هو التبدل املستمر‪ .‬ومن دون ثورة مستمرة يف األفكاار واألذواق‪ ،‬لان تكاون املوضاة‬
‫‪201‬‬
‫سوى شكل اجتماعي عابر‪".‬‬
‫وهكااذا‪ ،‬فاألشااكال هااي منتجااات لإلنسااان وللتفااعالت الاايت تربطهااا مااع بعضااها" فهااي متياال‬
‫أيضااا ألن تصاابح موضااوعات أو أغراضااا (‪ )Objets‬جتااد بنفسااها ق اوانني تطورهااا اخلاصااة‬
‫سااا‪.‬إن عمليااة التجريااد هااذه جتعاال األشااكال االجتماعيااة تعماال مبنطااق اسااتقالل ذايت لدرجااة‬
‫جتعلهااا غريبااة عاان األشااخاص الااذين أوجدوها‪.‬كااذلك يشااري زمياال إىل أنااه‪ ،‬مبجاارد مااا تنشااأ ‪-‬‬
‫ح ا ا ااىت مبس ا ا اااعدة حساس ا ا اايتنا الفردي ا ا ااة املب ا ا ااالغ فيه ا ا ااا‪ -‬ف ا ا اانن األغ ا ا ا اراض القانوني ا ا ااة والفني ا ا ااة‬
‫االعتياديااة‪...‬تفلت منااا لدرجااة أننااا نعااد أباادا أساايادا علااى التااأثريات الاايت قااد حتاارض عليهااا‬
‫هذه األغراض‪.‬ومع ذلك‪ ،‬تظل األشكال االجتماعياة عناصار حمايثاة حلياتناا اليومياة مان بااب‬
‫أهنا تشارك يف إدارة العالقات بني األفراد‪.‬وهذه هي حال النقود‪ ،‬فهي كأداة ضرورية للتبادل‬
‫التجاااري‪ ،‬تسااهل النمااو االقتصااادي‪ ،‬لكنهااا يف الوقاات ذاتااه‪ ،‬تسااجن األفاراد ضاامن عالقااات‬

‫‪ -‬فليب كابان وفرانسوا دوتريو‪ :‬علم االجاي ع‪ ،‬ترمجة‪ :‬إياس حسن‪ ،‬دار الفرقد‪ ،‬دمشق‪ ،‬سورية‪ ،‬الطبعة‬ ‫‪218‬‬

‫األوىل ‪2101‬م‪ ،‬ص‪.78-72:‬‬


‫‪ - 201‬فليب كابان وفرانسوا دوتريو‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪78:‬‬
‫‪326‬‬
‫اجتماعية ضعيفة‪ .‬ويف الواقع‪ ،‬مع تكاثر هذا النمط من التفاعل االقتصادي‪ ،‬يتقلص الربااط‬
‫االجتما اااعي بشا ااكل متزايا ااد‪ ،‬ليصا اابح جما اارد عالقا ااات شا ااخص‪ /‬نقا ااود‪ /‬شا ااخص‪ ،‬خاضا ااعة‬
‫للحس اااب ولإلس ا اكاتيجيات‪.‬هذا امليا اال الثابا اات لتشا ااييء الرب اااط االجتما اااعي يقا ااع يف قلا ااب‬
‫اإلسكاتيجية الثقافية للحداثة‪.‬‬
‫لكن إذا ما كان مثة إسكاتيجية‪ ،‬فهذا قبال كال شايء‪ ،‬ألن النااس اليساتطيعون أن يقللاوا مان‬
‫األشااكال االجتماعيااة‪ .‬ويف الواقااع‪ ،‬إذا نظرنااا إىل الفاان أو التقنيااة أو العلاام أو األخالق‪.‬فكاال‬
‫ها ا ا ااذه األشا ا ا ااكال عناصا ا ا اار ضا ا ا اارورية إلنتا ا ا اااع ثقافا ا ا ااة معينا ا ا ااة‪.‬فهي تقا ا ا اادم إطا ا ا ااارا للا ا ا ااروابط‬
‫االجتماعية‪.‬وحتسن الغىن الفردي واجلماعي‪...‬وعلى الارغم مان أهناا تصابح شايئا فشايئا غريباة‬
‫عنا‪.‬فهي األساس احلميم‪ ،‬ليس فقط حلياتنا الشخصية (إذا فكرنا بادور العائلاة)‪ ،‬بال كاذلك‬
‫لكامل احلياة يف اجملتمع‪.‬فمن جهة أوىل‪ ،‬إن األشكال هاي الوسايلة الضارورية لتثماني الذاتياة‪.‬‬
‫وما اان جها ااة أخا اارى‪ ،‬يعما اال ها ااذا التا اادريب اخلشا اان علا ااى جلا اام كا اال تلقائيا ااة فعليا ااة جملتمعنا ااا‬
‫‪200‬‬
‫الفردي‪.‬تلكم هي املفارقة املركزية جملتمعاتنا احلديثة‪".‬‬
‫وعلياه‪ ،‬تبقاى سوساايولوجيا األشاكال عنااد زمياال غامضااة ومعقادة وملتبسااة‪ ،‬حتتاااع إىل توضاايح‬
‫دقيق‪ ،‬وتطبيق إجرائي عملي أكثر بساطة وكفاية ومرونة‪.‬‬

‫‪ - 200‬فليب كابان وفرانسوا دوتريو‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.72-78:‬‬


‫‪327‬‬
‫اكيطلب اكرابع‪ :‬د رسيل دوس دورفوكوجي اكستن اكس كن‬

‫اه ااتم مارس اايل م ااوس (‪ )Mauss‬باملورفولوجي ااا االجتماعي ااة كم ااا اه ااتم س ااا أس ااتاذه إمي اال‬
‫دوركامي‪ .‬وقد اعتربها أساس السوسيولوجيا‪ ،‬وهي اليت تسبغ عليها صفة العلمياة واملوضاوعية‪،‬‬
‫ماداماات املورفولوجيااا هااي عبااارة عاان بااىن شااكلية ماديااة خارجيااة‪ ،‬تقاادم نتااائج أكثاار علميااة‬
‫وحاعة؛ ألهنا تعتمد على معطيات الكم والعدد واإلحصاء واملقاييس البيانية‪.‬‬
‫وقااد اعتاارب مارساايل مااوس املورفولوجيااا االجتماعيااة فرعااا اجتماعيااا مسااتقال‪ .‬بيااد أن مارساايل‬
‫مورس يقسم السوسيولوجيا‪ ،‬مثل دوركامي‪ ،‬إىل قسمني‪ :‬الفيزيولوجيا االجتماعية واملورفولوجياا‬
‫االجتماعيا ا ااة‪ ،‬فا ا اااألوىل تا ا اادرس األنشا ا ااطة االجتماعيا ا ااة‪ ،‬واملمارسا ا ااات واألفعا ا ااال اجملتمعيا ا ااة‪،‬‬
‫واملؤسساات والعواطااف واملشاااعر االجتماعيااة‪ .‬يف حااني‪ ،‬هتااتم الثانيااة بااالبىن املاديااة الاايت تتعلااق‬
‫بتوزيااع الساااكنة فااوق األرض‪ .‬وبعااد ذلااك‪ ،‬خيصااص املورفولوجيااا االجتماعيااة بدراسااة الوقااائع‬
‫االجتماعي ااة املادي ااة‪ ،‬عل ااى عك ااس الفيزيولوجي ااا االجتماعي ااة ال اايت ت اادرس الوق ااائع والظ ا اواهر‬
‫األخالقية واملعنوية‪.‬‬
‫وم اان جه ااة أخ اارى‪ ،‬رك ااز مارس اايل م ااوس أحباث ااه السوس اايولوجية عل ااى تغا اريات الس ااكن عن ااد‬
‫اإلسااكيمو (‪ )l'Eskimo‬حسااب الفصااول املومسيااة‪ ،‬ضاامن رؤيااة مورفولوجيااة اجتماعيااة‬
‫وصفية دقيقة‪ ،‬أو ضمن رؤية أنكوبولوجية جغرافية شاملة‪.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬فقد الحظ موس مدى تفرق اإلسكيمو يف اخليام‪ ،‬بشكل كبري‪ ،‬يف فصل الصايف‪.‬‬
‫يف حاني‪ ،‬يتجمعااون داخاال منااازل واسااعة وكبارية يف فصاال الصاايف‪.‬لذلك‪ ،‬درس مااوس هااذين‬
‫النااوعني ماان التجمعااني حسااب فصاال الشااتاء وفصاال الصاايف‪ .‬ويعااين هااذا أن هناااك خيامااا‬
‫تسااكنها عااائالت اإلسااكيمو مقاباال منااازل طويلااة وواسااعة جاادا تقطنهااا العااائالت يف فصاال‬
‫الش ااتاء‪ .‬وم اان مث‪ ،‬فق ااد وص ااف م ااوس خص ااائص ه ااذين الس ااكنني‪ :‬اخليم ااة الص اايفية واملن اازل‬
‫الشااتوي الطوياال‪ .‬و يتوقااف مااوس عنااد عمليااة الوصااف فحسااب‪ ،‬باال انتقاال إىل اسااتجالء‬

‫‪328‬‬
‫خمتلاف األسااباب الدافعااة‪ ،‬واسااتجالء التفساريات املمكنااة الاايت تشاار طبيعااة هااذين التجمعااني‬
‫السكنني املختلفني‪ ،‬مع حتديد خمتلف النتائج اليت هلا عالقة بالدين‪ ،‬والقضاء‪ ،‬والقيم‪.‬‬
‫ويف األخ ااري‪ ،‬ي اارى مارس اايل م ااوس أن املورفولوجي ااا االجتماعي ااة عل اام يص ااف البني ااات املادي ااة‬
‫للمجتما ااع‪ ،‬ويفسا اارها يف ضا ااوء أشا ااكاهلا اخلارجيا ااة‪ ،‬بدراسا ااة األرض‪ ،‬والسا ااكان‪ ،‬واحلجا اام‪،‬‬
‫والكثاف ا ااة‪ ،‬وطريق ا ااة التوزي ا ااع‪ ،‬عل ا ااى أس ا اااس أهن ا ااا جمموع ا ااة م ا اان األش ا ااياء ال ا اايت تك ا ااون الك ا اال‬
‫اجملتمعي‪.202‬‬

‫اكيطلب اكخ دس‪ :‬دور س ه كبواك اكيورفوكوجي ااكد يوغرافي‬

‫ياارى دــور س ه ـ كبواك( ‪ )Maurice Halbwachs‬أن املورفولوجيااا االجتماعيااة‪،‬‬


‫مبفهومه ااا الواس ااع‪ ،‬تتج اااوز املفه ااوم ال اادوركاميي الض اايق إىل املورفولوجي ااا الديني ااة واالقتص ااادية‬
‫والسياسية‪ .‬وبالتايل‪ ،‬فاملورفولوجيا االجتماعية‪ ،‬يف مفهومها احلق‪ ،‬هي علم الساكان‪ ،208‬مباا‬
‫فيااه األرض (القااارات والبلاادان)‪ ،‬والكثافااة السااكانية‪ ،‬واهلجاارة الداخليااة واخلارجيااة‪ ،‬والتوزيااع‬
‫حس ااب الساان واجل اانس‪ ،‬وإحص اااء املوالي ااد والزجيااات والوفي ااات‪ ،‬وتط ااور السااكان وجت ااددهم‪،‬‬
‫وعالقة السكان باملؤن‪.‬‬
‫ويعين هذا أن هالبواك يرى أن املورفولوجياا االجتماعياة هاي القاعادة املادياة للمجتماع‪ .‬ومان‬
‫مث‪ ،‬تتش ااكل ه ااذه القاع اادة م اان األف اراد أو الس ااكان‪.‬وبعد ذل ااك‪ ،‬يب ااني طريق ااة ت ااوزيعهم ف ااوق‬

‫‪412‬‬
‫‪- Mauss M., [1906]: « Essai sur les variations saisonnières des sociétés‬‬
‫‪Eskimos », L’Année sociologique, 9,2002.‬‬
‫‪413‬‬
‫?‪- Remi Lenoir: Halbwachs: démographie ou morphologie sociale‬‬
‫‪Revue européenne des sciences sociales T. 42, No. 129, La‬‬
‫‪sociologie durkheimienne: tradition et actualité (2004), pp. 199-218.‬‬
‫‪-‬‬
‫‪329‬‬
‫األرض‪ ،‬وحج اام ه ااذه الس اااكنة وس ااعتها وكثافته ااا وامت اادادها‪ ،‬م ااع رص ااد مجي ااع األش ااياء ال اايت‬
‫تتحكم يف العالقات االجتماعية‪ .‬عالوة على استحضار خمتلف الظواهر اجلغرافية‪ ،‬والظواهر‬
‫الدميوغرافية‪ ،‬وما يتعلق بالثروات والتقنيات اليت تغري املكان لصاحل الساكنة‪.‬‬
‫ويف األخري‪ ،‬توصل هالبواك إىل نتائج معينة تتعلق بتعارض الثابت واملتغري ومتايزمهاا‪ .202‬ومان‬
‫مث‪ ،‬يقتصر اهتمام موريس هالبواك علاى مااهو ماادي وجمتمعاي‪ ،‬بال جتااوز ذلاك إىل وضاع‬
‫أسس املورفولوجيا البيئية أو اإليكولوجية‪.‬‬
‫وماان هنااا‪ ،‬فاملورفولوجيااا االجتماعيااة‪ ،‬عنااد مااوريس هااالبواك‪ ،‬عبااارة عاان وحاادات بنيويااة ماديااة‬
‫تشااكل احلياااة اجملتمعيااة الكليااة‪ .‬وماان مث‪ ،‬تعتمااد علااى املعطيااات الفيزيائيااة املاديااة (اجلغرافيااا‬
‫واهلندس ااة)‪ ،‬واملعطيااات االقتصااادية (اإلنتاااع‪ ،‬والتوزي ااع‪ ،‬والتبااادل‪ ،‬واالس ااتهالك)‪ ،‬واألنش ااطة‬
‫اإلنسااانية (األفعااال واملمارسااات اإلنسااانية)‪.‬ومن هنااا‪ ،‬فاملورفولوجيااا االجتماعي ااة عبااارة عاان‬
‫ظ اواهر ماديااة يتأسااس عليهااا اجملتمااع‪.‬وماان مث‪ ،‬فهااي توزيااع للساااكنة فااوق األرض يف مناااطق‪،‬‬
‫ومدن‪ ،‬وأحياء‪ ،‬إخل‪.‬أي‪ :‬توزيع جغرايف ودميوغرايف أكثر مماهو توزيع حساب اجلانس أو السان‬
‫أو اجلماعااات االجتماعيااة أو املؤسسااات‪ .‬ويعااين هااذا أن هااذه الظاواهر املاديااة حسااية ومرئيااة‬
‫وملموس ااة هل ااا آث ااار واض ااحة وجلي ااة يف اجملتم ااع‪ .‬ل ااذا‪ ،‬فاملورفولوجي ااا االجتماعي ااة عب ااارة ع اان‬
‫دميوغرافيا وجغرافيا بشرية‪.‬‬

‫‪414‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪Halbwachs M: Population and Society, Introduction to‬‬
‫‪Social Morphology, traduit et présenté par O. D. Duncan and H.‬‬
‫‪W. Pfautz, Glencoe, Ill., the Free Press, 1960.‬‬
‫‪330‬‬
‫اكيب ث اكس دس‪ :‬اكاص ــور اكينه ــجا‬

‫ينطلق الباحث االجتماعي‪ ،‬يف أحباثه املركزة حول املورفولوجيا االجتماعية‪ ،‬من جمموعة من‬
‫األسئلة واإلشكاليات اجلوهرية اليت يبلورها يف فرضية أو فرضيات خمتلفة‪ ،‬سواء أكانت كلية‬
‫أم جزئية‪ .‬مث حيدد أهداف البحث وغاياته وأمهيته‪ ،‬ويستقري خمتلف الدراسات السابقة‬
‫مبختلف معطياهتا ونتائجها الكمية والكيفية‪ .‬مث يضع الباحث تصميمه أو خطته النظرية‪،‬‬
‫فيوضح خمتلف آليات الوصف والتجريب‪ ،‬بتحديد العينة أو جمتمع الدراسة أو حقل املعرفة‪،‬‬
‫مث يشري إىل أسلوب اإلحصاء والطرائق والتقنيات املعتمدة عليها يف التجريب والفحص‬
‫واالختبار‪.‬‬
‫ويعين هذا كله أن الباحث ينطلق من عملية الفهم‪ ،‬لينتقل ‪ -‬بعد ذلك‪ -‬إىل عملييت‬
‫التفسري والتأويل‪ ،‬باستخدام جمموعة من اآلليات الكمية والكيفية‪ ،‬مثل‪ :‬آلية املالحظة‬
‫العلمية‪ ،‬وآلية املسح امليداب‪ ،‬وآلية التوثيق‪ ،‬وآلية التدوين ومجع البيانات واملعطيات‪ ،‬وآلية‬
‫التنظيم‪ ،‬وآلية التصنيف‪ ،‬وآلية التأريخ‪ ،‬وآلية املقارنة‪ ،‬وآلية الوصف‪ ،‬وآلية الفهم والتحليل‪،‬‬
‫وآلية الشر والتفسري‪ ،‬وآلية التأويل‪ ،‬وآلية تفريغ النتائج‪ ،‬وآلية االستنتاع‪ ،‬وآلية التجريب‪،‬‬
‫وآلية التقنني‪ ،‬وآلية التعميم على الرغم من صعوبتها يف العلوم اإلنسانية بصفة خاصة‪.‬‬

‫يمص اكقول‪ ،‬إذا كانت الفيزيولوجيا االجتماعية تعىن باحلياة االجتماعية أوالفعل‬
‫االجتماعي أو احلياة االجتماعية نفسها‪ ،‬فنن املورفولوجيا االجتماعية هتتم بصور األشياء‬
‫وأشكاهلا وبنياهتا املادية‪ ،‬أو هتتم بأشكال اجملتمعات واختالفها عن بعضها البعض‪ ،‬أو هي‬
‫دراسة البىن املادية للمجتمع‪ ،‬مثل‪ :‬األرض‪ ،‬والسكان‪ ،‬واهلجرة‪ ،‬وطرق املواصالت‪ ،‬والبيئة‬
‫اجلغرافية‪...‬‬

‫‪331‬‬
‫وعليه‪ ،‬ميكن احلديث عن املورفولوجيا االجتماعية‪ ،‬واملورفولوجيا السكانية‪ ،‬واملورفولوجيا‬
‫التكنولوجية‪ ،‬واملورفولوجيا اإليكولوجية‪ ،‬بل ميكن احلديث أيضا عن مورفولوجيا الفعل‬
‫االجتماعي‪...201‬‬
‫ومن مث‪ ،‬تتخذ املورفولوجيا االجتماعية مظهرا ماديا أو بيولوجيا أو بيئيا (إيكولوجيا)‪ .‬ويعين‬
‫هذا أن مثة أسس تقوم عليها هذه املورفولوجيا وهي‪ :‬التنظيمات االجتماعية‪ ،‬والسكان‪،‬‬
‫والتقنية‪ ،‬والبيئة‪ .‬ومن مث‪ ،‬البد من رصد هذه العملية التفاعلية اليت جتمع هذه العناصر‬
‫األربعة كلها‪.‬‬
‫واليوم‪ ،‬قد حتولت املورفولوجيا االجتماعية إىل جمرد مقاربة جغرافية أو مقاربة اجتماعية‬
‫دميوغرافية ليس إال‪.206‬‬
‫وقد حان األوان للمورفولوجيا االجتماعية أن هتتم‪ ،‬مثل‪ :‬اإليكولوجيا املعاصرة‪ ،‬بتفاعل‬
‫املنظمات االجتماعية مع السكان من جهة أوىل‪ ،‬والتكنولوجيا من جهة ثانية‪ ،‬ومحاية البيئة‬
‫من جهة ثالثة‪.207‬‬

‫‪415‬‬
‫‪- Castells M.,: The Information Age: Economy, Society and‬‬
‫‪Culture. Vol. I: The Rise of the Network Society, Malden‬‬
‫‪(Mass)/Oxford, Blackwell, 1996, p: 496.‬‬
‫‪416‬‬
‫‪- Baechler J: Les Morphologies Sociales, Paris, puf,2005.‬‬
‫‪417‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪Mol A. P. J., Spaargaren G.: «Towards Sociology of‬‬
‫‪Environmental Flows. A New Agenda for Twenty-First-Century‬‬
‫& ‪Environmental Sociology », 39-82 in Spaargaren G., Mol A. P. J.‬‬
‫‪Buttel F. H., eds, Governing Environmental Flows. Global Challenges‬‬
‫‪for Social Theory, Cambridge, Mass, mit, 2006.‬‬
‫‪332‬‬
‫اكخ تيـ ـ ـ‬

‫من املعلوم أن علم االجتماع هو ذلك العلم الذي يدرس الوقائع االجتماعية واألفعال‬
‫والتنظيمات واملؤسسات االجتماعية‪ ،‬بالككيز على الوقائع واحلقائق والعمليات والعالقات‬
‫االجتماعية‪ ،‬ضمن السياق التفاعلي اللغوي والرمزي‪ ،‬باستخدام مناهج متنوعة إما وضعية‬
‫وإما تفهمية وإما تأويلية‪ ،‬بغية بناء نظرية عامة للمجتمع قصد وصفه وتشخيصه وتقوميه‪،‬‬
‫من أجل احلفاظ عليه أو إصالحه أو تغيريه جزئا أو كليا‪.‬‬
‫ويتفرع علم االجتماع العام إىل عدة ميادين وفروع‪ ،‬منها‪ :‬علم االجتماع السياسي‪ ،‬وعلم‬
‫االجتماع اإلداري‪ ،‬وعلم االجتماع االقتصادي‪ ،‬وعلم االجتماع الكبوي‪ ،‬وعلم االجتماع‬
‫اللغوي‪ ،‬وعلم النفس االجتماعي‪ ،‬واملورفولوجيا االجتماعية‪ ،‬وسوسيولوجيا األدب والنقد‪،‬‬
‫وعلم االجتماع األديان‪...‬‬
‫وعليه‪ ،‬فعلم االجتماع السياسي هو علم حديث‪ ،‬يتبلور ويتشكل مؤسساتيا إال يف‬
‫منتصف القرن العشرين‪ .‬وبالتايل‪ ،‬فهو فرع من فروع علم االجتماع العام‪ ،‬ويهتم بدراسة‬
‫الظواهر السياسية يف ضوء املقاربة االجتماعية‪ ،‬بالككيز على الدولة أو السلطة أو النظم‬
‫السياسية‪ ،‬باتباع منهجية الفهم أوالتفسري أوالتأويل‪.‬‬
‫كما يعىن علم االجتماع السياسي بدراسة السلطة وخصائصها وعالقتها بالسيطرة‬
‫واخلضوع؛ مث االهتمام بالدولة من حيث بنيتها‪ ،‬ووظائفها‪ ،‬وعالقتها بالسلطة السياسية؛‬
‫ودراسة النظم السياسية؛ والككيز على التكيف االجتماعي؛ ودراسة العمل اجلماعي‬
‫وجمموعات املصاحل؛ والتوقف عند املشاركة السياسية؛ واألحزاب السياسية؛ واملمثلني‬
‫واحلكام؛ والعمل السياسي‪.‬‬

‫‪333‬‬
‫أما علم االجتماع اإلداري‪ ،‬فيهتم بدراسة اإلدارة يف عالقتها باجملتمع‪ ،‬وتفسري وقائعها‬
‫وظواهرها الفردية واجلماعية وتأويلها‪ .‬مبعىن أن هذا العلم فرع من فروع علم االجتماع‪،‬‬
‫ينصب اهتمامه‪ ،‬بشكل خاص‪ ،‬على مقاربة الوظيفة العمومية‪ ،‬بندارهتا ومرافقها وأدوارها‪،‬‬
‫وفق املقكب السوسيولوجي‪ .‬ومن مث‪ ،‬يتم الككيز على العالقات املوجودة بني املوظف‬
‫واإلدارة من جهة أوىل‪ ،‬وعالقة املوظف واملواطن من جهة ثانية‪ ،‬والعالقة املوجودة بني‬
‫املوظفني واحلكومة من جهة ثالثة‪.‬‬
‫كما يهتم علم االجتماع اإلداري بوصف احلياة اإلدارية وتفسري ظواهرها ووقائعها‬
‫وتصنيفها وحتليلها أفقيا وعموديا‪ ،‬واستجالء خمتلف القواعد والقوانني اليت تتحكم يف نسق‬
‫اإلدارة وتوجهها‪ ،‬واستقراء خمتلف األدوار والوظائف اليت تؤديها الوظيفة العمومية وإدارهتا‪.‬‬
‫إذا‪ ،‬يهتم علم االجتماع اإلداري حبل املشاكل االجتماعية اليت تنتج عن اإلدارة‪ ،‬وفهم بنية‬
‫اإلدارة يف عالقة بالسلطة والقرار اإلداريني‪.‬‬
‫ويعد علم االجتماع االقتصادي فرعا من فروع علم االجتماع العام‪ .‬وقد ظهر حديثا يف‬
‫منتصف القرن العشرين‪ ،‬على الرغم من جذوره القدمية‪ .‬ومن مث‪ ،‬يدرس هذا العلم الظواهر‬
‫االقتصادية يف ضوء املقاربة السوسيولوجية‪.‬أي‪ :‬يدرس الدورة االقتصادية‪ :‬اإلنتاع‪ ،‬والتوزيع‪،‬‬
‫والتبادل‪ ،‬واالستهالك‪ ،‬أو يدرس طبيعة السلوك اإلنساب بني كثرة الرغبات وقلة املوارد‬
‫وندرهتا وحمدوديتها‪ ،‬أو حيلل الفعل االقتصادي اهلادف والعقالب‪.‬‬
‫ه ااذا‪ ،‬ويقص ااد بسوس اايولوجيا الكبي ااة ذل ااك احلق اال املع ااريف ال ااذي يس ااتعني بعل اام االجتم اااع يف‬
‫دراسااة القضااايا الكبويااة‪ ،‬يف عالقااة مبختلااف املؤسسااات اجملتمعيااة األخاارى‪ ،‬علااى أساااس أن‬
‫املؤسسا ااة التعليميا ااة جمتما ااع مصا ااغر يعكا ااس‪ ،‬يف جا ااوهره‪ ،‬خمتلا ااف التناقضا ااات اجلدليا ااة الا اايت‬
‫يتضمنها اجملتمع األكرب‪ .‬وأهم ما تعىن باه سوسايولوجيا الكبياة دراساة املؤسساة التعليمياة‪ ،‬ماع‬
‫حتديااد دورهااا يف بناااء اجملتمااع‪ ،‬ساواء أكااان ذلااك عاارب التكييااف االناادماجي أم عاارب عمليااات‬
‫التغيري‪ .‬أضف إىل ذلاك أهناا هتاتم بفهام املدرساة باعتبارهاا بنياة وداللاة ومقصادية‪.‬أي‪ :‬ترصاد‬
‫دورها يف التغيري االجتماعي‪ .‬كما هتتم بتبيان خمتلاف وظائفهاا وأدوارهاا‪ ،‬واستكشااف عالقاة‬
‫‪334‬‬
‫املدرسااة باألساارة والسياسااة واالقتصاااد‪ ،‬ووصااف خمتلااف الصاراعات الطبقيااة واالجتماعيااة الاايت‬
‫تعااج سااا املؤسسااة التعليميااة‪ ،‬والككيااز علااى أهاام الفاااعلني يف حتريااك هااذه املؤسسااة الكبويااة‪،‬‬
‫وتفسري دور املدرسة يف اجملتمع الليربايل‪ ،‬من حيث حتقيقهاا لفارص النجاا والفشال‪ ،‬وعالقاة‬
‫ذلك باألصول الطبقية واالجتماعية‪.‬‬

‫أما علم اجتماع األديان‪ ،‬فهو دراسة املمارسات واألنشطة واالحتفاالت والطقوس‬
‫والعبادات واملعتقدات الدينية يف ضوء املقاربة السوسيولوجية‪ .‬وميكن تعريفه أيضا بأنه دراسة‬
‫الظواهر والوقائع واملمارسات الدينية‪ ،‬ليس على أساس أهنا ظواهر فردية أو غيبية أو أفكار‬
‫الهوتية خرافية وأسطورية‪ ،‬بل على أساس أهنا ظواهر جمتمعية‪ .‬فالدين هو نتاع اجملتمع أو‬
‫هو اجملتمع نفسه‪ .‬والدليل على ذلك أن مجيع الكاتيل الدينية واملمارسات االحتفالية‬
‫واألفعال الطقوسية تعرب عن التحام جمتمعي‪ ،‬أو حتمل دالالت اجتماعية ثرة‪ ،‬تعكس مدى‬
‫ترابط اجملتمع وتضامنه واحتاده ماديا ومعنويا‪ .‬كما يدل ذلك على توازن املؤسسة اجملتمعية‬
‫ومتاسكها وانسجامها‪.‬‬
‫أضف إىل ذلك أن الدين ممارسة اجتماعية‪ ،‬مثل باقي املمارسات األخرى‪ ،‬ميارسها أفراد أو‬
‫مجاعات ضمن سياق اجتماعي معني‪ ،‬بداللة حمددة‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬حياول علم‬
‫اجتماع األديان أن يبحث عن التأثري الذي ميارسه الدين يف اجملتمع‪ ،‬والعكس صحيح‬
‫أيضا‪ .‬كما يبحث عن الشروط االجتماعية النتشار األديان يف اجملتمعات املختلفة‪ ،‬مع‬
‫الككيز على اجلماعة الدينية باعتبارها جزءا من اجملتمع‪ ،‬ورصد ظروف تكوهنا وتشكلها‪،‬‬
‫وتبيان اآلليات اليت تتحكم يف تأسيسها وانتشارها وتطورها وتوسعها‪ ،‬وحتديد أمناط الفعل‬
‫والسلوك اليت تدعمها أو ترفضها‪.‬‬
‫وهتتم اللسانيات االجتماعية بدراسة احتكاك اللغات‪ ،‬ورصد الدخيل والتداخل واخللط‬
‫اللغوي‪ ،‬ودراسة البوليفونية اللغوية واللهجية‪ ،‬ومقاربة األسلبة والتنضيد والتهجني اللغوي‪،‬‬
‫ومناقشة الثنائية والتعددية اللغوية‪ ،‬ومعرفة عالقة اللغات باللهجات‪ .‬فضال عن االهتمام‬

‫‪335‬‬
‫بتصحيح اللغة‪ ،‬وجودة اللغة‪ ،‬وتقعيد اللغة‪ ،‬واألمان اللغوي‪ ،‬والتلوث اللغوي‪ ،‬والسياسة‬
‫اللغوية‪ ،‬والتخطيط اللغوي‪...‬أي‪ :‬دراسة اللغات يف عالقتها باألفراد‪ ،‬واجملتمعات‪،‬‬
‫واملؤسسات‪.‬‬
‫أما سوسيولوجيا األدب والنقد‪ ،‬فهي اليت تدرس الظواهر اإلبداعية واألدبية والفنية واجلمالية‬
‫يف ضوء املقاربة االجتماعية‪ ،‬بالككيز على خمتلف الصالت اليت جتمع بني األدب واجملتمع‪.‬‬
‫ويعين هذا أن بيئة املبدع هي اليت تولد األدب وتنتجه‪ .‬ومن هنا‪ ،‬فاألدب يعكس خمتلف‬
‫التناقضات السياسية واالجتماعية واالقتصادية والسياسية والتارخيية‪ .‬بيد أن هذا االنعكاس‬
‫قد يكون مباشرا أو يكون غري مباشر بواسطة التماثل‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬يعد علم النفس االجتماعي فرعا من فروع علم النفس العام أو فرعا من‬
‫علم االجتماع العام‪ .‬ويعين هذا أن هذا العلم وسيط مركب من علمني مها‪ :‬علم النفس من‬
‫جهة‪ ،‬وعلم االجتماع من جهة أخرى‪ .‬ومن مث‪ ،‬يدرس هذا العلم الفرد داخل اجلماعة‪.‬‬
‫وبتعبري آخر‪ ،‬ينصب علم النفس االجتماعي على دراسة سلوك األفراد داخل اجلماعة‪،‬‬
‫سواء أكانت تلك اجلماعة صغرية أم متوسطة أم كبرية‪ ،‬برصد خمتلف التفاعالت النفسية‬
‫واالجتماعية اليت تقوم بني األفراد داخل تلك اجلماعة املوحدة‪ .‬كما يعىن هذا العلم بدراسة‬
‫خمتلف العالقات التأثريية والتفاعلية والتبادلية القائمة بني األفراد داخل اجلماعة‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬يدرس علم النفس االجتماعي اجلماعة باعتبارها نسقا بنيويا منظما كليا‪ ،‬حيوي‬
‫جمموعة من األفراد أو العناصر‪ ،‬جتمعهم مسات ومواصفات وأهداف مشككة‪ ،‬ويعملون‬
‫مجيعا لتحقيق أهداف مشككة‪ ،‬حبضورهم اجلماعي املوحد‪ .‬عالوة على حتقيق التوافق‬
‫االجتماعي‪ ،‬وبناء اهلوية االجتماعية؛ وإشباع احلاجيات والرغبات الشعورية والالشعورية‪.‬‬
‫وإذا كانت الفيزيولوجيا االجتماعية تعىن باحلياة االجتماعية أوالفعل االجتماعي أو احلياة‬
‫االجتماعية نفسها‪ ،‬فنن املورفولوجيا االجتماعية هتتم بصور األشياء وأشكاهلا وبنياهتا‬
‫املادية‪ ،‬أو هتتم بأشكال اجملتمعات واختالفها عن بعضها البعض‪ ،‬أو هي دراسة البىن املادية‬
‫للمجتمع‪ ،‬مثل‪ :‬األرض‪ ،‬والسكان‪ ،‬واهلجرة‪ ،‬وطرق املواصالت‪ ،‬والبيئة اجلغرافية‪...‬‬

‫‪336‬‬
‫وقد حان األوان للمورفولوجيا االجتماعية أن هتتم‪ ،‬مثل‪ :‬اإليكولوجيا املعاصرة‪ ،‬بتفاعل‬
‫املنظمات االجتماعية مع السكان من جهة أوىل‪ ،‬والتكنولوجيا من جهة ثانية‪ ،‬ومحاية البيئة‬
‫‪.‬‬
‫من جهة ثالثة‬

‫‪337‬‬
‫اكفهرسـ ـ ـ ـ‬

‫اإلها ا ااداء ‪2...............................................................................‬‬


‫املقدم ا ا ااة ‪8...............................................................................‬‬
‫الفصل األول عل اام االجتم اااع العا ا ااام ‪2......................................................‬‬
‫الفصل الثاب‪ :‬علم اإلجت ااماع السياسي ‪02 ..................................................‬‬
‫املبحث األول‪ :‬تعريف علم االجتماع السياسي ‪06 ..........................................‬‬
‫املبحث الثاب‪ :‬مواضيعه‪ ،‬ومفاهيمه‪ ،‬ورواده ‪07 ..............................................‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬منهج علم االجتماع السياسي ‪20 ..........................................‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬تصورات نظرية حول علم االجتماع السياسي ‪22 ..............................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬ابن خلدون املؤسس األول لعلم االجتماع السياسي ‪22 ........................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬العنف املشروع أو املربر ‪21 ....................................................‬‬
‫الفرع الثاب‪ :‬أشكال السلطة واهليمنة ‪23 ....................................................‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬عل اام االجتم ا ااع اإلداري ‪82 .................................................‬‬
‫املبحث األول‪ :‬مفه ااوم علاام االجتمااع اإلداري ‪82 ...........................................‬‬
‫املبحث الثاب‪ :‬منهجية علم االجتماع اإلداري ‪88 ...........................................‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬تصورات نظرية حول علم االجتماع اإلداري ‪82 ..............................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬ألكسيس توك اافيل واإلدارة الدميقراطية‪82 ......................................‬‬
‫املطلب الثاب‪ :‬ماكس فيب اار واإلدارة البريوقراطية‪87 ...........................................‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬غ ااوي روشي واإلدارة املعاصرة ‪27 ...........................................‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬عل اام االجت ااماع االقت ااصادي ‪12 ...............................................‬‬

‫‪338‬‬
‫املبحث األول‪ :‬تعريف علم االجتماع االقتصادي ‪11 ........................................‬‬
‫املبحث الثاب‪ :‬مواضيع علم االجتماع االقتصادي ‪13 ........................................‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬رواد علم االجتماع االقتصادي ‪61 ..........................................‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬تاريخ علم االجتماع االقتصادي ‪62 ..........................................‬‬
‫املبحث اخلامس‪ :‬التص ااور النظ ااري ‪62 ......................................................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬ابن خلدون رائد علم االجتماع االقتصادي ‪62 ................................‬‬
‫املطلب الثاب‪ :‬آدم مسيث وتأسيس علم االقتصاد السياسي ‪68 ................................‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬دافيااد ريكاردو وتوزيع الدخل القومي ‪78 .....................................‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬جون مينارد كينز واألزمة االقتصادية العاملية‪77 .................................‬‬
‫املطلب اخلامس‪ :‬إميل دوركامي وتقسيم العم اال ‪78 ...........................................‬‬
‫املطلب السادس‪ :‬ماكس فيرب وأثر الدين يف االقتصاد ‪30 .....................................‬‬
‫املطلب السابع‪ :‬كارل ماركس واالقتصاد اجلديل ‪38 ..........................................‬‬
‫املطلب الثامن‪ :‬جورع زميل وفلسفة النقود ‪81 ...............................................‬‬
‫املطلب التاسع‪ :‬فيلفريدو باريتو والتوازن االقتصادي ‪82 .......................................‬‬
‫املطلب العاشر‪ :‬بيري بورديو والرأمسال املتعدد ‪83 .............................................‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬التصا ااور املنهجا ااي ‪011 .....................................................‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬علم االجتماع الكبوي ‪018 ...............................................‬‬
‫املبحث األول‪ :‬مفهوم علم اجتماع الكبية ‪018 .............................................‬‬
‫املبحث الثاب‪ :‬أمهية سوسيولوجيا الكبية ‪013 ...............................................‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬عالقة علم االجتماع الكبوي بعلم االجتماع العام ‪018 .......................‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬أسئلا ااة سوسيولوجيا الكبية وقضاياها‪001 .....................................‬‬
‫املبحث اخلامس‪ :‬منهجية التعامل مع سوسيولوجيا الكبية ‪000 ................................‬‬
‫‪339‬‬
‫املبحث السادس‪ :‬تط ااور سوسيولوجيا ااا الكبيا ااة ‪002 ..........................................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬تطااور سوسيولوجي ااا الكبية يف الغ اارب ‪008 ....................................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬مرحل ااة الريادة والتأسيس ‪008 .................................................‬‬
‫الفرع الثاب‪ :‬مرحل ااة التط ااور واالزده ااار ‪008 ................................................‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬مرحلا ااة املراجعة والتجاوز ‪028 ................................................‬‬
‫الفرع الرابع‪ :‬املرحل ااة السوسيولوجية املعاصرة ‪022 ............................................‬‬
‫الفرع اخلامس‪ :‬مرحلا ااة األلفيا ااة الثالث ااة ‪027 .................................................‬‬
‫املطلب الثاب‪ :‬سوسيولوجيا الكبية يف الوطن العريب ‪023 .....................................‬‬
‫املبحث األول‪ :‬مفه ااوم عل اام اجتم اااع األدي ااان‪088 ..........................................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬تعري ااف مفه ااوم الدي اان ‪088 .................................................‬‬
‫املطلب الثاب‪ :‬تعريف علم اجتماع األديان ‪021 ............................................‬‬
‫املبحث الثاب‪ :‬تاريا ااخ الظاه اارة الديني ااة ‪022 ................................................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬اجملتمعات التقليدية والعبادات الوثنية ‪022 ....................................‬‬
‫املطلب الثاب‪ :‬الديانات السماوية ‪027 ....................................................‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬ديااانات الش اارق األق ااصى ‪012 .............................................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬الديااانة اهلندوسية ‪012 .......................................................‬‬
‫الفرع الثاب‪ :‬الديان ااة البوذيااة ‪012 ..........................................................‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬الديانا ااة الكونفوشيوسية ‪016 .................................................‬‬
‫الفرع الرابع‪ :‬الديان ااة الطاويا ااة ‪013 .........................................................‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬واقا ااع التدي اان ف ااي عامل اانا املعاص اار ‪018 ......................................‬‬
‫املبحث الرابااع‪ :‬التص ااور النظ ااري ‪072 ......................................................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬ابن خلدون ونظري ااة الدين والنبااوة ‪072 .......................................‬‬
‫‪340‬‬
‫املطلب الثاب‪ :‬أوجست كونت والثورة على الفكر الالهويت ‪072 ..............................‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬الدين ظاهرة اجتماعية عند إميل دوركامي ‪077 ................................‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬كارل ماركس أو الدين أفيون الشعوب ‪032 ...................................‬‬
‫املطلب اخلامس‪ :‬ماكس فيرب وعالقة الرأمسالية بالربتستانتية ‪037 ..............................‬‬
‫املطلب السادس‪ :‬الصالة ظاهرة اجتماعية عند مارسيل موس ‪081 ............................‬‬
‫املطلب السابع‪ :‬روبرت بيال والدين املدب ‪087 .............................................‬‬
‫املطلب الثامن‪ :‬طالل أسد وسلطة الدين ‪083 ..............................................‬‬
‫املطلب التاسع‪ :‬الدين تعبري اجتماعي عن اخلوف والعجز واهلروب ‪211 .......................‬‬
‫املبحث اخلامس‪ :‬التص ااور املنه ااجي ‪210 ...................................................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬املناهااج الكميااة ‪210 .........................................................‬‬
‫الفرع الثاب‪ :‬املناه ااج الكيفي ااة ‪212 ........................................................‬‬
‫الفصل السابع‪ :‬سوسيولوجيا األدب والنقد‪216 .............................................‬‬
‫املبحث األول‪ :‬تعريف سوسيولوجيا األدب ‪217 ............................................‬‬
‫املبحث الثاب‪ :‬تطا ااور سوسيولوجاايا األدب والنق ااد ‪201 ......................................‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬روافد سوسيولوجيا األدب والنقد ‪203 ......................................‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬اجتاهات سوسيولوجيا األدب والنقد ‪208 .....................................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬السوسيولوجيا التجريبية ‪221 ................................................‬‬
‫املطلب الثاب‪ :‬السوسيولوجيا اجلدلية ‪221 ..................................................‬‬
‫الفرع األول‪ :‬جورع لوك اااش ‪227 ..........................................................‬‬
‫الفرع الثاب‪ :‬تيودور أدورنو ‪280 ...........................................................‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬والك بنيامني ‪288 ...........................................................‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬السوسيولوجيا التكويني ااة‪281 ...............................................‬‬
‫‪341‬‬
‫املبحث اخلامس‪ :‬واقع السوسيولوجيا العربية يف األدب والنقد ‪211 ............................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬املنهج االجتماعي‪211 .....................................................‬‬
‫املطلب الثاب‪ :‬البنيوية التكوينية‪218 .......................................................‬‬
‫الفصل الثامن‪ :‬عل اام االجتماااع اللغ ااوي ‪213 ................................................‬‬
‫املبحث األول‪ :‬مفهوم اللغة يف منظور اللسانيات االجتماعية ‪218 ............................‬‬
‫املبحث الثاب‪ :‬تعريف اللسانيات االجتماعية ‪260 ..........................................‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬موضوع اللسانيات االجتماعية ‪262 ........................................‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬أهداف اللسانيات االجتماعية ‪261 .........................................‬‬
‫املبحث اخلامس‪ :‬ظهااور اللسانيات االجتماعي ااة ‪266 ........................................‬‬
‫املبحث السادس‪ :‬أعالم اللسانيات االجتماعية ‪267 ........................................‬‬
‫املبحث السابع‪ :‬تطا ااور اللغ ااة ‪263 .........................................................‬‬
‫املبحث الثامن‪ :‬الصا اراع اللغا ااوي ‪270 ......................................................‬‬
‫املبحث التاسع‪ :‬التنوع اللغوي واللهجي ‪278 ...............................................‬‬
‫املبحث العاشر‪ :‬التغريات والتبدالت اللسانية‪272 ...........................................‬‬
‫املبحث احلادي عشر‪ :‬تصورات لسانية اجتماعية خمتلفة‪271 .................................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬شارل فريكسون واالزدواجية اللغوية ‪276 ......................................‬‬
‫املطلب الثاب‪ :‬جان بابتيست مارسيليسي والتفاعل اللساب‪273 ..............................‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬ديل هيمس والنسق التواصلي االجتماعي ‪278 ...............................‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬أنطوان مييي والبعد االجتماعي للسانيات ‪230 ................................‬‬
‫املطلب اخلامس‪ :‬االجتاه املاركسي والبعد االجتماعي للغة ‪232 ...............................‬‬
‫املطلب السادس‪ :‬ويليام البوف والعامل الطبقي ‪238 ........................................‬‬
‫املطلب السابع‪ :‬بازل برنشتاين والالمساواة اللغوية يف املدرسة ‪231 ............................‬‬
‫‪342‬‬
‫املطلب الثامن‪ :‬ويليام بريت واهلوية االجتماعية للمتلقي ‪237 .................................‬‬
‫املطلب التاسع‪ :‬جان لويس كالفي واللسانيات االجتماعية احلضرية ‪233 ......................‬‬
‫املبحث الثاب عشر‪ :‬منهجية اللسانيات االجتماعية ‪238 ....................................‬‬
‫الفصل التاسع‪ :‬علم النف ااس االجتم اااعي‪288 ...............................................‬‬
‫املبحث األول‪ :‬مفه ااوم علم النفس االجتماعي ‪282 .........................................‬‬
‫املبحث الثاب‪ :‬مواضيع علم النفس االجتماعي ‪288 ........................................‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬مصادر علم النفس االجتماعي‪810 ........................................‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬أه اامية علم النفس االجتماعي‪812 ..........................................‬‬
‫املبحث اخلامس‪ :‬تاريخ علم النفس االجتماعي ‪812 ........................................‬‬
‫املبحث السادس‪ :‬التصا ااور املنهجا ااي ‪800 ..................................................‬‬
‫الفصل العاشر‪ :‬املورفولااوجيا االجتماعي ااة ‪806 ...............................................‬‬
‫املبحث األول‪ :‬مف اها ااوم املورفولوجيا االجتماعية ‪807 ........................................‬‬
‫املبحث الثاب‪ :‬مقومات املورفولوجيا االجتماعية ‪821 ........................................‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬أمهية املورفولوجيا االجتماعية ‪820 ..........................................‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬التصا ااور النظ ا ااري ‪822 ......................................................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬ابن خلدون وتأسيس املورفولوجيا االجتماعية ‪822 .............................‬‬
‫املطلب الثاب‪ :‬إميل دوركامي وحنت مصطلح املورفولوجيا االجتماعية ‪828 ......................‬‬
‫املطلب الثالث‪ :‬جورع زميل وسوسيولوجيا األشكال ‪821 .....................................‬‬
‫املطلب الرابع‪ :‬مارسيل موس ومورفولوجيا السكن والساكنة ‪823 ..............................‬‬
‫املطلب اخلامس‪ :‬موريس هالبواك واملورفولوجيا االدميوغرافية‪828 ...............................‬‬
‫املبحث السادس‪ :‬التص ااور املنه ااجي ‪880 ...................................................‬‬
‫اخلامت ا ااة ‪888 ............................................................................‬‬
‫‪343‬‬
‫اكس ـ ــيرة اكااتيـ ـ ـ ‪:‬‬

‫‪ -‬مجيل محداوي من مواليد مدينة الناظور (املغرب)‪.‬‬


‫‪ -‬حاصل على دبلوم الدراسات العليا سنة ‪0886‬م‪.‬‬
‫‪ -‬حاصل على دكتوراه الدولة سنة ‪2110‬م‪.‬‬
‫‪ -‬حاصل على إجازتني‪:‬األوىل يف األدب العريب‪ ،‬والثانية يف الشريعة والقانون‪.‬‬
‫‪ -‬أستاذ التعليم العايل باملركز اجلهوي ملهن الكبية والتكوين بالناظور‪.‬‬
‫‪ -‬أستاذ األدب العريب‪ ،‬ومناهج البحث الكبوي‪ ،‬واإلحصااء الكباوي‪ ،‬وعلاوم الكبياة‪ ،‬والكبياة‬
‫الفنية‪ ،‬واحلضارة األمازيغية‪ ،‬وديداكتيك التعليم األويل‪...‬‬
‫‪-‬أديب ومبدع وناقد وباحث‪ ،‬يشتغل ضمن رؤية أكادميية موسوعية‪.‬‬
‫‪ -‬حص اال عل ااى ج ااائزة مؤسس ااة املثق ااف الع ااريب (سيدب‪/‬أس ا اكاليا) لع ااام ‪2100‬م يف النق ااد‬
‫والدراسات األدبية‪.‬‬
‫‪ -‬حاصل على جائزة ناجي النعمان األدبية سنة‪2102‬م‪.‬‬
‫‪ -‬رئيس الرابطة العربية للقصة القصرية جدا‪.‬‬
‫‪ -‬رئيس املهرجان العريب للقصة القصرية جدا‪.‬‬
‫‪ -‬رئيس اهليئة العربية لنقاد القصة القصرية جدا‪.‬‬
‫‪ -‬رئيس اهليئة العربية لنقاد الكتابة الشذرية ومبدعيها‪.‬‬

‫‪344‬‬
‫‪ -‬رئيس مجعية اجلسور للبحث يف الثقافة والفنون‪.‬‬
‫‪ -‬رئيس خمترب املسر األمازيغي‪.‬‬
‫‪ -‬عضو اجلمعية العربية لنقاد املسر ‪.‬‬
‫‪-‬عضو رابطة األدب اإلسالمي العاملية‪.‬‬
‫‪ -‬عضو احتاد كتاب العرب‪.‬‬
‫‪-‬عضو احتاد كتاب اإلنكنت العرب‪.‬‬
‫‪-‬عضو احتاد كتاب املغرب‪.‬‬
‫‪ -‬من منظري فن القصة القصرية جدا وفن الكتابة الشذرية‪.‬‬
‫‪ -‬خبري يف البيداغوجيا والثقافة األمازيغية‪.‬‬
‫‪ -‬ترمجت مقاالته إىل اللغة الفرنسية واللغة الكردية‪.‬‬
‫‪ -‬ش ا ااارك يف مهرجان ا ااات عربي ا ااة ع ا اادة يف ك ا اال م ا اان‪ :‬اجلزائ ا اار‪ ،‬وت ا ااونس‪ ،‬ومص ا اار‪ ،‬واألردن‪،‬‬
‫والسعودية‪ ،‬والبحرين‪ ،‬والعراق‪ ،‬واإلمارات العربية املتحدة‪... ،‬‬
‫‪ -‬مستشار يف جمموعة من الصحف واجملالت واجلرائد والدوريات الوطنية والعربية‪.‬‬
‫‪ -‬وم اان أه اام كتب ااه‪ :‬الش ااذرات ب ااني النظري ااة والتطبي ااق‪ ،‬والقص ااة القص اارية ج اادا ب ااني التنظ ااري‬
‫والتطبيق‪ ،‬والرواية التارخيية‪ ،‬تصورات تربوية جديادة‪ ،‬واإلساالم باني احلداثاة وماا بعاد احلداثاة‪،‬‬
‫وجماازءات التكااوين‪ ،‬وماان ساايميوطيقا الااذات إىل ساايميوطيقا التااوتر‪ ،‬والكبيااة الفنيااة‪ ،‬وماادخل‬
‫إىل األدب السااعودي‪ ،‬واإلحصاااء الكبااوي‪ ،‬ونظريااات النقااد األديب يف مرحلااة مابعااد احلداثااة‪،‬‬
‫ومقوم ااات القص ااة القص اارية ج اادا عن ااد مج ااال ال اادين اخلض ااريي‪ ،‬وأن ا اواع املمث اال يف التي ااارات‬
‫املساارحية الغربيااة والعربيااة‪ ،‬ويف نظريااة الروايااة‪ :‬مقاربااات جدياادة‪ ،‬وأنطولوجيااا القصااة القصاارية‬
‫جاادا باااملغرب‪ ،‬والقصاايدة الكونكريتيااة‪ ،‬وماان أجاال تقنيااة جدياادة لنقااد القصااة القصاارية جاادا‪،‬‬
‫والسيميولوجيا بني النظرية والتطبيق‪ ،‬واإلخراع املسرحي‪ ،‬ومدخل إىل الساينوغرافيا املسارحية‪،‬‬
‫واملس اار األم ااازيغي‪ ،‬ومس اار الش ااباب ب اااملغرب‪ ،‬وامل اادخل إىل اإلخا اراع املس اارحي‪ ،‬ومس اار‬
‫الطفاال بااني التااأليف واإلخ اراع‪ ،‬ومساار األطفااال باااملغرب‪ ،‬ونصااوص مساارحية‪ ،‬وماادخل إىل‬

‫‪345‬‬
‫السينما املغربية‪ ،‬ومناهج النقد العريب‪ ،‬واجلديد يف الكبية والتعليم‪ ،‬وببليوغرافيا أدب األطفاال‬
‫باملغرب‪ ،‬ومدخل إىل الشعر اإلسالمي‪ ،‬واملدارس العتيقة بااملغرب‪ ،‬وأدب األطفاال بااملغرب‪،‬‬
‫والقصااة القصاارية جاادا باااملغرب‪ ،‬والقصااة القصاارية جاادا عنااد السااعودي علااي حساان البط اران‪،‬‬
‫وأعالم الثقافة األمازيغية‪...‬‬
‫‪ -‬عنوان الباحث‪ :‬مجيل محداوي‪ ،‬صندوق الربيد‪ ،0788‬الناظور‪ ،62111‬املغرب‪.‬‬
‫‪ -‬اهلاتف النقال‪1672812883:‬‬
‫‪ -‬اهلاتف املنزيل‪1186888233:‬‬
‫‪ -‬اإلمييل‪Hamdaouidocteur@gmail.com:‬‬
‫‪Jamilhamdaoui@yahoo.fr‬‬

‫‪346‬‬
‫كلي ت اكغمف اكخ رجا‪:‬‬

‫من املعروف أن علم االجتماع أو السوسيولوجيا هو علم اجملتمع‪ .‬ومن مث‪ ،‬فهو يدرس‬
‫الظواهر والوقائع االجتماعية واألفعال اإلنسانية‪ ،‬يف ضوء مقاربات منهجية خمتلفة ومتنوعة‪،‬‬
‫بغية فهمها وتفسريها وتأويلها‪ .‬ويعين هذا أن علم االجتماع يهتم بدراسة األحداث‬
‫والظواهر اجملتمعية‪ ،‬والعمليات االجتماعية‪ ،‬والعالقات التفاعلية‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬ميكن احلديث عن علم اجتماع نظري يستعرض خمتلف التصورات النظرية‬
‫واملنهجية اليت يتكىء عليها علم االجتماع‪ .‬ويف املقابل‪ ،‬هناك علم اجتماع تطبيقي عبارة‬
‫عن ممارسات جتريبية وإجرائية وميدانية تستفيد من التصورات النظرية لعلم االجتماع‪.‬‬
‫عالوة على ذلك‪ ،‬ميكن احلديث عن علم اجتماع عام يدرس اجملتمع يف كليته‪ ،‬يف ضوء‬
‫منهجية علمية وضعية‪ .‬ويتميز مبرتكزات نظرية ومنهجية وتطبيقية واضحة ودقيقة‪ .‬بيد أن‬
‫مثة فروع تتفرع عن هذه الوحدة اليت ميثلها علم االجتماع العام‪ .‬وهذه الفروع عبارة عن‬
‫أغراض وميادين وجماالت وموضوعات ومستويات تطبق فيها مبادىء علم االجتماع العام‪،‬‬
‫مع وجود خصوصيات نوعية تتعلق بكل ميدان على حدة‪.‬‬
‫إذا‪ ،‬هناك وحدة وتنوع‪ ،‬والعالقة بينهما عالقة ترابطية وتكاملية ووظيفية‪ .‬بيد أن الذي‬
‫يوحد اجملموع هو صفة "اجملتمعي"‪ .‬يف حني‪ ،‬تتغري وتتنوع وختتلف جماالت التطبيق‬
‫والتجريب واالشتغال‪.‬‬

‫‪347‬‬

You might also like