You are on page 1of 34

‫المدخل لعلم السياسة‬

‫إنجاز‪ :‬د رشيد لبكر‬

‫مقدمة‬
‫لم يبرز علم السياسة كعلم قائم بذاته ضمن حقل العلوم االجتماعية إال في القرن ‪ ،20‬وقد تزامن‬
‫تشكله مع احتدام الخالف بين الباحثين حول مدى االعتراف بعلميته ‪ ،‬أي من حيث كونه " علما أم ال"‪،‬‬
‫قبل أن يتعقد اإلجماع طبعا على عمليته التي ال مراء فيها‪ ،‬وتوضيحا لهذا الخالف‪ ،‬نشير تعريفين مختلفين‬
‫كان قد أوردهما الفقيه الفرنسي "موريس دوفريجيه" في كتابه الشهير " المدخل لعلم السياسة"‪ ،‬أولهما‬
‫التعريف الذي جاء في معجم " ليترو" سنة ‪ 1870‬والذي يعرف السياسة بأنها" علم حكم الدول"‪،‬‬
‫وثانيهما التعريف الذي ورد في معجم " لوروبير" سنة ‪ ،1962‬والذي عرف السياسة بأنها " فن حكم‬
‫التجمعات اإلنسانية"‪.‬‬

‫ودون الدخول في التفاصيل التي ساقها دوفيرجيه للتعليق على كال التعريف والتوفيق بينهما‪ ،‬فقد‬
‫خلص إلى أن علم السياسة أضحى في عصرنا الحالي علم تعترف به كل جامعات العالم تقريبا‪ ،‬كما أن له‬
‫كراسي واساتذة وطالبا وأمواال ترصد للبحث فيه‪ ،‬وإن كانت مسألة عمليته القصوى مازالت رهينة بتعقد‬
‫الظواهر االجتماعية التي يشتغل عليها ورصدها بالتحليل والدراسة‪ ،‬فإذا كان العالم يملك اليوم قدرا‬
‫كبيرا من الوفرة واإلتقان على مستوى أدوات البحث في الحياة االجتماعية والسياسية ‪ ،‬فإنه يدرك أيضا‬
‫الحدود التي يقف عندها استعمال هذه األدوات‪ ،‬صحيح أن السياسة أقرب اآلن إلى العلم‪ ،‬إذ في وسع‬
‫رجال الدولة في هذه األيام استعمال إحصاءات كثيرة‪ ،‬ودراسات سبر توجهات الرأي العام‪ ،‬وأنظمة‬
‫معلوماتية متطورة‪ ،‬قادرة على إنتاج معطيات تمكن من قيادة الجماهير‪ ،‬ولكن ال بد من االعتراف أيضا‬
‫بأن قطاع هذه "السياسة العلم" أصغر من قطاع السياسة الفن التي تستند إلى أمور غير دقيقة ال يمكن‬
‫حسابها‪ ،‬أمور حدسية في الغالب وال عقلية‪ ،‬وهذا ما يضفي نوعا من النسبية على علمية السياسة‪ ،‬ذلك أن‬
‫القرارات السياسية ال تعتمد على معلومات موضوعية وتجريبية دقيقة مائة في المائة‪ ،‬ولكن على أحكام‬
‫تقييمية تخص اإلنسان والمجتمع حيث كثيرا ما تحيد المعطيات بشأنها عن موضوعيتها ألسباب متداخلة‬
‫سنقف عندها ال حقا‪.‬‬

‫عالوة على هذا‪ ،‬نجد االختالف قائما بين جمهور العلماء أيضا‪ ،‬على عدد من المفاهيم والقضايا‬
‫التي يعالجها هذا العلم وذلك بسبب تنوع وتداخل المعطيات المكونة للظاهرة أو للحدث السياسي من جهة‪،‬‬
‫أو بسبب انتماء الباحثين في السياسة إلى مذاهب فلسفية وايديولوجية مختلفة‪ ،‬أو نتيجة ما علق بمفهوم‬
‫السياسة من شوائب متعددة تعود إلى الممارسات السياسة الخاطئة من قبيل استخدامها وسيلة لتحقيق‬
‫مكاسب شخصية‪.‬‬

‫يبدو إذن‪ ،‬ومن خالل هذه التوطئة‪ ،‬أننا أمام إشكالية مفاهيمية بامتياز‪ ،‬ولكي نقترب أبعادها المختلفة‪ ،‬ال بد‬
‫من التطرق لعدد من اإلشكاليات الفرعية‪ ،‬نحاول من خاللها التعرف على ماهية العلم‪ ،‬ونشأة وتطور علم‬
‫السياسة وعالقته ببعض العلوم ‪ ،‬باإلضافة إلى دراسة عدد من الظواهر السياسية األخرى كالسلطة‬
‫السياسية والدولة وجماعات الضغط‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫الفصل األول‪ :‬مقاربات مفاهيمية لعلم السياسة‬
‫سنخصص هذا الفصل إلعطاء مقاربة اصطالحية حول علم السياسة من خالل تعريفه وبيان‬
‫مجال اشتغاله وتطوره التاريخي وعالقته ببعض المواد األخرى‪ ،‬وذلك انطالقا من مبحثين اثنين‪،‬‬
‫نخصص األول للتعريف بعلم السياسة‪ ،‬والثاني لدراسة تأثيره على النظم السياسية‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬تعريف علم السياسة‪.‬‬

‫نتناول هذا المبحث انطالقا من فرعين اثنين‪ :‬أولهما نخصصه إلبراز السمات العامة للعلم وعالقته‬
‫بالسياسة والثانية نعرض فيها عالقة علم السياسة ببعض العلوم األخرى‪..‬‬

‫الفرع األول‪ :‬بين السياسة وعلم السياسة‬

‫يدفعنا هذا الفرع إلى دراسته عبر أربع نقط اساسية‪ :‬نعرض في االولى السمات العامة لعلم‬
‫السياسة ونقدم في الثانية بعض المفاهيم لعلم السياسة في حين نخصص الثالثة الستعراض أهمية دراسة‬
‫علم السياسة على أن نخصص النقطة الرابعة للحديث عن علمية علم السياسة‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬السمات العامة للعلم‪:‬‬

‫إن كلمة السياسة في اإلنجليزية ‪ PolitiCs‬وفي الفرنسية ‪ Politique‬مشتقة من الكلمة اإلغريقية‬


‫‪ ، Polis‬وهذا ما يشبه اتفاق على المفهوم بين اإلنجليزية والفرنسية‪ ،‬وهي تعني الدولة ( أو دولة المدينة‬
‫التي كانت معروفة لدى اإلغريق في عصرهم)‪ ،‬وكانت السياسة تعني للمواطن اإلغريقي بأن واجبا وطنيا‬
‫وأخالقيا يحتم عليه ممارسة العمل السياسي وهو المساهمة في وظائف الدولة‪ .‬وقد عبر أرسطو بقوة عن‬
‫وجهة نظر اليونان قائال‪ " :‬السياسة هو كل ما من شأنه أن يحقق الحياة الخيرة في مجتمع متميز‪ ،‬أهمها‬
‫االستقرار والتنظيم الكفء واالكتفاء الذاتي)‪.‬‬

‫أما في العربية فقد تباينت معاني السياسة‪ ،‬فنراها ترمز إلى الحكم والقيادة والزعامة‪ ،‬وهذا ما ورد‬
‫في الصحيحين مسلم والبخاري عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪" :‬كانت بنو إسرائيل تسوسهم‬
‫األنبياء"‪ ،‬ومعنى ذلك األنبياء يحكمونهم‪.‬‬

‫ويشير قاموس العرب إلى السياسة بمعنى السوس أي الرياسة‪ ،‬وقد أخذت مظاهر السياسة تفرض‬
‫نفسها على الواقع االجتماعي‪ ،‬وبدأت ترتفع في أهميتها إلى مصاف أولويات هذا العصر‪ ،‬فقد أصبح الفرد‬
‫متأثرا بكل ما يدور حوله في هذا العالم من أحداث سياسية حتى أصبح القرن ‪ 21‬قرن سياسات بامتياز‪،‬‬
‫فكل ما فيه يشير إلى السياسة‪ ،‬حيث نقول مثال ( السياسة االقتصادية‪ ،‬السياسة الرياضية‪ ،‬السياسة‬
‫التعليمية‪ )....‬حتى أدرى هذا التكثيف في استعمال السياسة إلى بروز معضلة الخلط بين السياسة كممارسة‬
‫والسياسة كعلم ذو مناهج‪.‬‬

‫فما المقصود بالسياسة؟‬

‫نستطيع القول ابتداء أن المواقف أزاء موضوع السياسة غير موحدة‪ ،‬فهي تعكس بالضرورة‬
‫وجهات نظر شخصية وتجارب فردية ذاتية ‪ ،‬متأثرة بنسب متفاوتة بمؤثرات ومعطيات اجتماعية‬
‫واقتصادية ونفسية وفلسفية‪ ،‬وإزاء هذه الحقيقة نستطيع أن نلتمس اتجاهان‪ ،‬اتجاهان مثالي ال يرى في‬
‫السياسة إال الخير ويتزعمه رائد الفلسفة اإلغريقية أرسطو حيث يقول " إن السياسة هو كل ما من شأنه أن‬
‫‪2‬‬
‫يحقق الخيرية في الحياة"‪ ،‬ونجد كذلك طرحا مثاليا ولكنه مغرق في الخيال الفلسفي عند رائد علم االجتماع‬
‫العربي ( ابن خلدون) الذي يرى أن السياسة هي صناعة الخير العام‪.‬‬
‫أما االتجاه الثاني‪ ،‬فيمكن وصفه بالمتشائم أو المتطرف وطرحه أحادي الجانب كذلك‪ ،‬بحيث ال يرى هذا‬
‫االتجاه في السياسة إال الجانب السيئ واألسود‪ ،‬فالسياسة عند رواد هذا االتجاه ( لعبة قذرة)‪ ،‬وتحمل في‬
‫طياتها خطر الصراع المستمر وبكافة أشكاله المعروفة‪ ،‬فيصفها العالمة " ماكبرايد" بأنها " عمل قذر"‪،‬‬
‫وأكثر من ذلك فقد وصف السياسي بأنه " جامع نفايات"‪ ،‬وهذا أعنف وصف للسياسة‪.‬‬
‫أما المواقف الحديثة المعاصرة‪ ،‬فتنظر إلى السياسة نظرة عمومية‪ ،‬شاملة‪ ،‬متعددة الجوانب‪ ،‬اجتماعية‬
‫البعد‪ ،‬تضم الفرد والمجتمع في آن واحد‪ .‬حيث يطرحها بعض الدارسين على أنها تلك العمليات الصادرة‬
‫عن السلوك اإلنساني التي يتجلى فيها الصراع حول الخير العام من جهة‪ ،‬ومصالح الجماعات من جهة‬
‫أخرى‪.‬‬
‫كخالصة‪ ،‬نستنتج من خالل هذه التعاريف‪ ،‬أن "السياسة تعنى تدبير كل ما يتعلق بأمور الدولة وخطط‬
‫األفراد والجماعات"‪ ،‬أو أنها " العالقة بين الحاكم والمحكومين وكل ما يتعلق بهما من شؤون مختلفة"‪،‬‬
‫وهي أخيرا ‪ " :‬السلطة الكبرى في المجتمعات اإلنسانية"‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬مفهوم علم السياسة‪:‬‬

‫قبل التطلق لتحديث مدلول علم السياسة‪ ،‬يجدر بنا اإلشارة أوال إلى المحددات العامة للعلم‪ ،‬نوردها‬
‫كالتالي‪:‬‬

‫‪ ‬العمل مجموعة من المبادئ والقواعد التي أثبتت التجربة صحتها‪ ،‬والتي تتعلق بجانب معين من‬
‫جوانب الحياة المتعددة‬
‫‪ ‬العلم هو مجموعة متراكمة من المعرفة التي تمت البرهنة على صحتها موضوعيا‬
‫‪ ‬العلم هو األفكار المتتالية والمترابطة وكذلك الوسائل التي عن طريقها يتم الحصول على هذه‬
‫األفكار‬

‫بعد هذه التوطئة البسيطة لمفهوم العلم‪ ،‬يطرح السؤال التالي‪ :‬أين تظهر تجليات العلم في السياسة؟‬
‫أو متى تصبح السياسة علما؟‬

‫يعاني علم السياسة من خلط واضح في المصطلحات‪ ،‬وهذا يشكل في حد ذاته صعوبة في ميدان‬
‫العلوم االجتماعية وفي الدراسات السياسية بشكل خاص‪ ،‬ولهذا السبب فقد تفرعت آراء الباحثين إزاء‬
‫تحديد المصطلحات التي تستخدم في توضيح تلك المعاني‪.‬‬

‫وهكذا نجد من يركز على دراسة حكومة الدولة ومنهم الفقية " الزويل" الذي يعتبر أن علم‬
‫السياسة هو علم السلطة‪ ،‬فهو يدرس السلطة في المجتمع وكيفية ممارستها وما هي أهدافها ونتائجها‪ ،‬وهذا‬
‫االتجاه الذي يربط بين علم السياسة والسلطة‪ ،‬ظهر وانتشر في أوروبا خالل الفترة الفاصلة ما بين‬
‫الحربين العالميتين‪ ،‬حيث رأى هذا االتجاه استحالة الفصل بين السلطة والسياسة وأن شدة اتحادهما تتمتع‬
‫بدرجة عالية من القوة‪ ،‬و مهمة علم السياسة هو دراسة تجليات هذا االتحاد‪ ،‬وأسبابه ورهاناته وخلفياته‬
‫لفهم الواقع ولرسم معالم تطوره‪.‬‬

‫هكذا‪ ،‬فقد كانت من نتائج هذا االتجاه الذ ي تتزعمه أسماء كبيرة من الفقهاء في فرنسا أمثال‬
‫ريمون أرون وجورج فيديل وموريس دوفيرجيه الذي يتربع على رأس هذه القمة‪ ،‬أن ترسخت النظرة إلى‬
‫علم السياسة باعتباره أحد فروع العلوم االجتماعية والذي يختص بدراسة اصول تنظيم الحكومات وإدارة‬

‫‪3‬‬
‫شؤون الدولة‪ ،‬حتى إن قسما من علماء السياسة يعرفوه ب " علم الدولة"‪ ،‬وحتى المدرسة االشتراكية‬
‫حاولت إيجاد رابط في هذا المجال‪ ،‬من خالل تأكيدها على أن علم السياسة هو علم الدولة ‪.‬‬

‫يبدو اإلجماع قائما إذن‪ ،‬على هذا وجهة نظر هذا االتجاه‪ ،‬وعلى هذا األساس يمكن إيراد‬
‫مجموعة من التعاريف المختصرة التي ترى في علم السياسة العلم الذي يدرس كل ما يتصل بالسلطة أو‬
‫بعمل الجماعات داخل الدولة والتي تجعل من السلطة محور اشتغاله‪.‬‬

‫هكذا يعرف الفقيه " د يفيد إيستون" علم السياسة بأنه‪ " :‬دراسة عملية التوزيع السلطوي للقيم‬
‫المختلفة داخل المجتمع‪ ،‬أي أنه علم دراسة كيفية تقسيم الموارد في المجتمع عن طريق السلطة"‪.‬‬

‫أما " هارولد السويل" فيعرفه كالتالي‪ " :‬هو دراسة النفوذ وأصحاب النفوذ‪ ،‬أو أنه دراسة‬
‫السلطة التي تح دد من يحصل على ماذا من القيم المختلفة داخل المجتمع ومتى وكيف"‬

‫في حين يعرفه الفكر الشيوعي ب ‪ " :‬علم دراسة العالقات بين الطبقات‪ ،‬ودور السلطة في تحديد‬
‫نوعية هذه العالقة بالسيطرة أو بالصراع"‬

‫وبتطبيق مبادئ العلم السابق اإلشارة إليها‪ ،‬يمكن القول أخيرا بأن علم السياسة هو مجموعة من‬
‫المبادئ والقواعد التي أثبتت التجربة صحتها‪ ،‬والتي تتعلق بعملية صنع القرارات الملزمة بكل مجتمع‪،‬‬
‫تلك القرارات التي تتناول قيما مادية ومعنوية مختلفة‪ ،‬أي أنها مجموعة من المبادئ والقواعد التي أثبتت‬
‫التجربة صحتها‪ ،‬والتي تتعلق بالسلطة السياسية ‪ ،‬وما يتمخض عنها من مبادئ وقواعد تفيد في فهم عملية‬
‫صنع القرارات الملزمة لكل مجتمع"‪.‬‬

‫الفقرة الثالثة‪ :‬أهمية دراسات علم السياسة‬

‫تتلخص الغاية من دراسة علم السياسة في إحداث صورة منهجية للنظرة إلى السياسة وفي‬
‫ممارستنا لها‪ ،‬ألننا إذا أحسنا استعمال العقل السياسي المتحرر من أي إسقاطات قبلية وابتغينا المناهج‬
‫الموضوعية واألدوات العلمية في التحليل‪ ،‬كان باالستطاعة فهم السلطة و استنباط اآلليات المتحكمة في‬
‫تنظيم عالقة الحاكم بالمحكوم داخل الدولة‪ ،‬فالتحليل العقلي للمسلمات السياسية – الخاطئة في الغالب –‬
‫هو السبيل لتبيان الخاطئ فيها من الصواب‪.‬‬

‫لذلك‪ ،‬يتوجب علينا مراجعة مسلماتنا السياسية مراجعة منهجية مستمرة‪ ،‬منطلقين من الواقع‬
‫ومتدرجين فيه تدرجا هادئا‪ ،‬وصوال إلى أفكار جديدة‪ ،‬وعلم السياسة في هذا المستوى من التحليل‪ ،‬يعد‬
‫علم المراجعة المنهجية المستمرة‪ ،‬أو علم النقد المنهجي الدائم للمسلمات واألنظمة السياسية‪.‬‬

‫يستهدف علم السياسة فهم حقيقة عالقة الحاكم بالمحكوم وفق قوانين العقل الصارمة‪ ،‬التي ال‬
‫محاباة فيها وال انحياز إال إلى الحقيقة‪ ،‬وهو بذلك يساهم في رد االعتبار اإلنساني لكل إنسان‪ ،‬حاكما كان‬
‫أو محكوما‪ ،‬وهذا مكمن األهمية التي يكتسيها هذا العلم‪ ،‬وهو من جهة أخرى‪ ،‬األداة التي تمكن من كشف‬
‫العلل واألسباب التي تقف وراء استئثار فرد أو جماعة من األفراد بالقوة واالستبداد والسلطة دون سواهم‪.‬‬
‫ألجل هذا‪ ،‬نفهم لماذا اهتمت الدول األوربية بعد الثورة الفرنسية وانتشار فكر األنوار بتعليم السياسة‬
‫وتشجيع الفكر السياسي‪ ،‬لما ل ه من بعد تحرري وحس ثوري ضد التسلط واالستبداد‪ ،‬حتى إن‬
‫اإلصالحات التي تمت في كل من السويد وإنجلترا والواليات المتحدة األمريكية بعد الحرب العالمية‬
‫الثانية لتكشف بجالء األهمية التي أعطتها هذه الدول للتكوين في مجال العلوم السياسية‪ ،‬من خالل‬
‫إخضاع كبار موظفيها لتكوينات في هذا العلم بل وفي فروع العلوم االجتماعي بشكل عام‪،‬وقد كان لتأسيس‬

‫‪4‬‬
‫معهد العلوم السياسية في فرنسا بعد الحرب العالمية الثانية ارتباط وثيق بإصالح الوظيفة العمومية‪ ،‬وذلك‬
‫لتمكين المواطنين من فهم صيرورة األحداث داخل المجتمع وسبر أسبابها ومعلالتها‪ ،‬إذ من المؤكد‪ ،‬أن‬
‫علم السياسة هو " الحل السحري" بالنسبة ألولئك الذين يتطلعون إلى االهتمام باألحداث الوطنية والقومية‬
‫والدولية‪.‬‬

‫ونشير في هذا اإلطار‪ ،‬إلى أن طالبا في العلوم السياسية يبدو أكثر قدرة على تفهم القضايا‬
‫المعاصرة وعلى تفهم ميكانيزمات اشتغال نظام سياسي معين و سلوك حكومة معينة ومجمل النشاطات‬
‫التي تضطلع بها‪ ،‬لهذا السبب‪ ،‬فإن الحكومة الديمقراطية سيكون لها أوفر حظ في أن تتقدم في البلدان التي‬
‫يشكل فيها علم السياسة جزءا من التثقيف العام مما هو عليه في البلدان التي ال يعترف له فيها بمثل هذه‬
‫المكانة‪.‬‬

‫إن دارسي ع لم السياسة هم األكثر تأهيال في االشتراك بشكل فعال في المناقشات العمومية وفي‬
‫التمييز بين الدعاية والحقيقة واستخالص المعيار الالزم والمالئم لتقييم نشاط الحكومة‪.‬‬

‫الفقرة الرابعة‪ :‬علمية علم السياسة‬

‫عندما يناقش موضوع علمية علم السياسة‪ ،‬فإن جدال واسعا وخالفا يطفو على سطح العلوم‬
‫االجتماعية‪ ،‬كون هذا العلم حديث مقارنة ببقية العلوم اإلنسانية األخرى‪ ،‬وكونه لم يستقر ولم يأخذ أبعاده‬
‫المنهجية بعد‪ ،‬لذا يبدو من المفيد إلزالة الخلط بين مفهوم السياسة من جانب وعلم السياسة من جانب آخر‪،‬‬
‫فعندما نتكلم عن علم السياسة ال نعني أ ن ممارسة الحكم تتم على يد العلماء أو أنها تمارس بالضرورة طبقا‬
‫لمعرفة علمية دقيقة‪.‬‬

‫فالسياسة والحكام كثيرا ما يتخذون قراراتهم على أساس الرأي وليس على أساس معرفة معينة‪،‬‬
‫فالسياسة كما يقال في أحيان كثيرة فن‪ ،‬وقد يتم التوصل إلى قرارات بأساليب تقديرية‪ ،‬أو عن طريق‬
‫اإللهام أو استخدام معادالت وحسابات رياضية ربما معطياتها األولى أو منطلقاتها غير دقيقة تماما‪.‬‬
‫وبمقدار ما تعتمد السياسة هذا االعتماد‪ ،‬تصبح مفاهيمها نسبية بحسب مذاهب تقييمية معينة‪ ،‬بحيث‬
‫تستطيع مثال تصور السياسة في وصبغتها الماركسية أو الليبرالية أو المحافظة إلخ‪...‬ولكن ليس بالمقدور‬
‫منح السياسة وجها موضوعيا تماما يسري على جميع هذه األوجه‪.‬‬

‫إن في وسع علم السياسة أن يفصل العناصر الموضوعية عن العناصر التي ليس كذلك‪ ،‬وأن ينتقد‬
‫بذلك مذهب من المذاهب‪ ،‬كما في وسعه أن يحدد درجات ارتباط المذاهب المختلفة بعصر معين‪ ،‬وأن‬
‫يحدد تطورها‪ ،‬كما بإمكانه أيضا إذا هو قابل هذه المذاهب بعضها ببعض‪ ،‬أن يكمل بعضها ببعض أو أن‬
‫ينقد بعضها ببعض‪ ،‬وعليه فوراء جميع المذاهب السياسية التقييمية‪ ،‬نجد موقفين أساسيين على وجه‬
‫العموم‪ ،‬فالناس منذ أن فكروا في السياسة يتأرجحون بين تأويلين متعارضين تعارضا تاما‪ ،‬فبعضهم يرى‬
‫أن السياسة صراع وكفاح أمام السلطة التي تتيح لألفراد والفئات التي تملكها أن تؤمن سيطرتها على‬
‫المجتمع وأن تستفيد من هذه السيطرة‪ ،‬وبعضهم يرى أن السياسة جهدا يبذل في سبيل إقرار األمن‬
‫والعدالة‪ ،‬وعليه يفهم من هذا التمييز بين االتجاهي ن‪ ،‬أن أصحاب االتجاه األول يرون أن وظيفة السياسة‬
‫هي اإلبقاء على امتيازات تتمتع بها أقلية وتحرم منها األكثرية‪ ،‬و أصحاب االتجاه الثاني‪ ،‬يرون بأن‬
‫السياسة وسيلة لتحقيق تكامل جميع األفراد في الجماعة‪ ،‬وخلق المدينة العادلة التي تحدث عنها أرسطو‬
‫كما سبقت اإلشارة‪.‬‬

‫واالنتماء إلى هذا الرأي أو داك يحدده الوضع االجتماعي‪ ،‬فاألفراد والطبقات المضطهدة‬
‫والبئيسة ال يمكن أن ترى السلطة حامية النظام ومقررة األمن‪ ،‬وإنما تراها آداة قهر وقمع تتقنع بها‬

‫‪5‬‬
‫سيطرة أصحاب االمتيازات‪ ،‬وبالتالي فالسياسة في رأيها صراع‪ ،‬أما األفراد والطبقات المترفة والغنية‬
‫فترى أن المجتمع منسجم وأن السلطة تحقق أمنا ونظاما صادقين وبالتالي فالسياسة عندها اندماج وتكامل‪،‬‬
‫وكثيرا ما يستطيع أصحاب هذا الرأي حسب ما ذهب إليه الفقيه "دوفيرجيه" في إقناع أصحاب الرأي‬
‫األول بأن الصراعات السياسية سيئة وضارة وبأن المشتركين فيها ال يهدفون إال إلى المصالح األنانية‬
‫بأساليب مشبوهة‪ ،‬وبذلك يتمكنون – أي أصحاب هذا الرأي‪ -‬من إخراج خصومهم من المعركة‪ ،‬وغني‬
‫عن البيان القول إن كل إبعاد عن السياسة ينفع النظام القا ئم‪ ،‬ويشجع الجمود‪ ،‬ويقوي نزعة المحافظة‪.‬‬

‫على أن هذين الموقفين ال يعبران طبعا إال عن جزء من الواقع‪ ،‬فحتى أكثر المحافظين تفاؤال‪ ،‬ال‬
‫يستطيعون نكران أن السياسة‪ ،‬ولو كان هدفها تحقيق التكامل االجتماعي‪ ،‬فإنها قلما تبلغ هذا الهدف على‬
‫نحو مرض‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬عالقة علم السياسة بعلوم أخرى‬

‫إن علم السياسة هو أحد العلوم االجتماعية وبالتالي فهو يشترك مع بقية العولم االجتماعية األخرى‬
‫بصالت واسعة باعتبار أن القاسم المشترك بينها جميعا هو الظاهرة اإلنسانية‪ ،‬وبالرغم من احتفاظ كل علم‬
‫من هذه العلوم بخصوصيته باعتباره يتناول جانبا من فعل اإلنسان‪ ،‬فإن لعلم السياسة روابط مشتركة‬
‫كثيرة تجمعها بها‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪:‬عالقة علم السياسة بعلم الجغرافيا‬

‫يعنى علم الجغرافيا بدراسة األنشطة اإلنسانية في سياقها المكاني والتأثيرات الممكنة بين هذه‬
‫األنشطة والسياقات‪ ،‬وبالتالي فإذا كان اهتمام علم الجغرافية منصبا على كل ما له عالقة باألرض والجو‬
‫أي المحيط المادي الذي يعيش فيه وحوله اإلنسان‪ ،‬فإن هذين العنصرين‪ ،‬أي األرض واإلنسان‪،‬‬
‫يعتبران محل اهتمام علم السياسة‪ ،‬باعتبار أن اإلنسان يتأثر سلبيا أو إيجابيا بالمحيط الطبيعي الذي يعيش‬
‫فيه وخاصة التضاري س األرضية والمساحات المائية واليابسة والمناخ ومصادر الثورة الطبيعية‪ ،‬وغير‬
‫خاف اآلن مدى األهمية الذي أصبحت تحظى به البيئة أو ظاهرة التغيرات المناخية في التأثير على‬
‫األجندات السياسية لدى الدول‪ ،‬وأصبح االهتمام بالبيئة إحدى المقومات األساسية في إي خطاب سياسي‬
‫إصالحي أو برنامج انتخابي يستهدف الحكم‪.‬‬

‫ألجل ذلك فقد أضحى موضوع العالقة بين الجغرافيين والسياسية تحظى بأهمية كبيرة عند دراسة‬
‫العالقات الدولية ونشاط الحكومات‪ ،‬وال أدل على ذلك من قيام علم جديد أخذ يستقطب اهتمام جميع‬
‫المعنيين بشؤون السياسة الخارجية والعالقات الدولية واالستراتيجيات العسكرية وهو الجيوبولتكس الذي‬
‫يهتم بدراسة التأثير الجغرافي على السياسة الدولية‪.‬‬

‫بمعنى أن الجيوبوليتكس يهتم بدراسة تأثير الموقع الجغرافي على عالقات الدول بعضها بالبعض‬
‫اآلخر‪ .‬وفي رسم حدودها بناء على نهر مثال أو مصدر مياه‪ ،‬ولنا في النزاع القائم بين أثيوبيا والسودان‬
‫ومصر حول التصرف في مياه النيل خير دليل‪ ،‬فضال عن احتكار الكيان الصهيوني لغالبية مياه األردن‬
‫لشد الخناق على السلطة الفلسطينية وحرمانها بالتالي من أهم مقوم من مقومات الحياة‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬عالقة السياسة باألنثربلوجيا‬

‫تعرف االنثربلوجيا اختصارا بأنها‪ ،‬هي عل ُم اإلنسان‪.‬أي الدراسة العلمية لإلنسان‪ ،‬في الماضي‬
‫والحاضر‪ ،‬وقد اشتق المصطلح من كلمتين يونانيتين هما ‪ anthropos‬ومعناها "اإلنسان" و ‪logos‬‬
‫ومعناها "علم"‪ .‬وعليه فإن المعنى اللفظي الصطالح باألنثربلوجيا )‪ (anthropologie‬هو عل ُم اإلنسان‪.‬‬

‫و قد درج العلماء والفالسفة في كل مكان وزمان عبر التاريخ اإلنساني‪ ،‬على وضع نظريات عن‬
‫طبيعة المجتمعات البشرية‪ ،‬وما يدخل في نسيجها وأبنيتها من دين أو ساللة‪ ،‬ومن ث ّم تقسيم ك ّل مجتمع إلى‬
‫طبقات بحسب عاداتها ومشاعرها ومصالحها‪ .‬وبذلك يصبح معنى االنثربلوجيا من حيث اللفظ " علم‬
‫اإلنسان " أي العلم الذي يدرس اإلنسان‪ ،‬من حيث هو كائن عضوي حي‪ ،‬يعيش في مجتمع تسوده نظم‬
‫وأنساق اجتماعية في ظ ّل ثقافة معيّنة ‪ ..‬ويقوم بأعمال متعدّدة‪ ،‬ويسلك سلوكا ً محدّداً؛ وهو أيضا ً العلم الذي‬
‫يدرس الحياة البدائية‪ ،‬والحياة الحديثة المعاصرة‪ ،‬ويحاول التنبّؤ بمستقبل اإلنسان معتمدا ً على ّ‬
‫تطوره عبر‬
‫متطورا ً‪.‬‬
‫ّ‬ ‫التاريخ اإلنساني الطويل‪ . .‬ولذا يعتبر علم دراسة اإلنسان (األنثروبولوجيا) علما ً‬

‫منذ أن طرح الفيلسوف اإلغريقي أرسطو مقولته الشهيرة‪ " :‬اإلنسان حيوان سياسي" وعززها‬
‫داروين بنظريته المعروفة عن "أصل األنواع"‪ ،‬والباحثون يؤكدون صلة علم السياسة‬
‫ب"األنثروبولوجيا"‪ ،‬ذلك من خالل النتائج التي تم الت وصل إليها في دراسة اإلنسان‪ ،‬وخاصة فيما يتعلق‬
‫باللون والجنس واألعراق حتى ظهرت نظريات سياسية خطيرة حاولت الدفاع عن فكرة التفوق البشري‪،‬‬
‫من خالل وضع الجنس اآلري في المرتبة األعلى باعتباره الجنس المتفوق على بقية األجناس‪،‬الشيء الذي‬
‫ولد فلسفات مقتنعة بهذا الطرح ومن ثم بروز الفكر العنصري بالواليات المتحدة األمريكية ومنه الفلسفة‬
‫النازية التي اقتنعت بها النازية وحاولت تطبيقها‪ ،‬بل هناك من المفكرين من أسسوا لنظرية تقول بأنه على‬
‫مر التاريخ كان شمال العالم ( أوروبا وما يليها) هو األقوى والسيد في حين أن الجنوب هو الفقير المستبعد‬
‫وربط ذلك قوة الطبيعة التي تجعل ذلك من الرجل األبيض هو األقوى واألقدر على اإلنتاج بحكم المناخ‬
‫البارد في حين أن الرجل األسود‪ ،‬في المناطق الحارة يميل دائما إلى الكسل والخمول و القابلية لالستهالك‬
‫واالستعباد‪.‬‬

‫ألجل ذلك‪ ،‬كانت هناك عالقة بين األنثروبول وجيا وعلم السياسة‪ ،‬على اعتبار أنهما يلتقيان في‬
‫حقل واحد هو حقل االنثرب لوجيا السياسية التي تتحدد اهتماماته في دراسة مصادر الصراع اإلنساني‬
‫ومجاالت تالحم االختالفات اإلنسانية وقانون الطبيعة‪ ،‬فاإلنسان إذن يشكل القاسم المشترك بين العلمين‪،‬‬
‫ورغم اختالفهما في موق فهما منه و مجال اهتمامهما به‪ ،‬فإن األنثروبولوجيا السياسية توحدهما من خالل‬
‫دراسة كيفية تأثير المحددات العامة التاريخية والطبيعية والعادات والعالقات اإلنسانية على السياسة وكيف‬
‫يمكن لعلم السياسية بناء على كل ذلك من تقديم تفسير لعالقة الحاكم بالمحكوم في مجتمع معين‪.‬‬

‫الفقرة الثالثة‪ :‬عالقة علم السياسة بعلم التاريخ‪:‬‬

‫يشير التاريخ بمعناه العام إلى األنساق المنظمة لألحداث الماضية‪ ،‬ولذلك يصبح لكل شيء تاريخ‪،‬‬
‫إال أن علم السياسة ال يهتم بكل أبحاث المؤرخين‪ ،‬ولكن يحصر اهتمامه بها في حدود الوقائع التي يرويها‬
‫التاريخ عن النشاط السياسي لإلنسان فيصبح التاريخ بهذا المعنى مصدرا أساسيا من مصادر المعلومة‬
‫السياسية‪ ،‬وقد قيل بأن علم السياسة ثمرة التاريخ‪ ،‬بمعنى أن السياسة هي التي تصنع التاريخ‪ ،‬كما قيل‬
‫أيضا أن التاريخ هو جذور علم السياسة‪ .‬فهو المتضمن لسجل األحداث البشرية والمستقصي في أسبابها‬
‫والمدون لمختلف التطورات التي عرفتها الشعوب في جميع المناحي االقتصادية والفكرية وغيره‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫لذلك يمكن القول إن العالقة بينهما عالقة تالزمية وحتمية‪ ،‬بحيث تصبح دراسة التاريخ عقيمة وال‬
‫معنى لها إذا لم تأخذ بعين االعتبار التيارات والعوامل السياسية التي ساهمت في تحريك مجرى األحداث‬
‫وخلفياتها الفكرية واإليديولوجية‪.‬‬

‫فعالم السياسة‪ ،‬باعتباره باحثا عن الحقيقة وثائرا ضد المسلمات‪ ،‬ال يأخذ المعطيات التاريخية كما‬
‫يسردها المؤرخ‪ ،‬بل وظيفته البحث عن ما وراء هذه المعطيات‪ ،‬وكيف توظيف أحيانا لخدمة سرد‬
‫تاريخي قد ال يكون هو المعبر فعال عن الحقيقة‪ ،‬ومن هنا يجب التنبيه‪ ،‬إلى أن مجال االهتمام الرئيسي‬
‫لعالم السياسة بالتاريخ ينصب على دراسة تطور ونمو المؤسسات السياسية والحقائق التي تؤثر بصورة‬
‫مباشرة أو غير مباشرة على قرارات الدولة و وتصرفات الحكومة‪ ،‬كما كانت وليس كما يريدها التاريخ‬
‫الرسمي أن تكون‪.‬‬

‫ونظرا لالرتباط القائم بين علم التاريخ وعلم السياسة‪ ،‬فقد تشكل فرع دراسي مستقل ينهل من‬
‫العلمين معا هو علم دراسة الفكر السياسي أو الوقائع السياسية‪ ،‬و هو علم حديث يعنى بمسائلة الظروف‬
‫العامة المنتجة للحدث أو الفكرة السياسية وبالكشف عن أوجه الحقيقة المغيبة فيها ومن المستفيد من هذا‬
‫التغييب ولماذا‪.‬‬

‫الفقرة الرابعة‪ :‬عالقة علم السياسة بالقانون‬

‫من المعلوم أن القانون هو مجموعة من القواعد القانونية التي تنظم سلوك األفراد داخل المجتمع‬
‫بما سينه من قواعد ملزمة ترتب جزاءات عن المخالفين لها‪ .‬والقانون قسمان‪ ،‬قانون خاص وهو الذي‬
‫ينظم العالقات المدنية بين األفراد الطبيعيين‪ ،‬و قانون عام وهو الذي ينظم العالقة بين األفراد والدولة أو‬
‫أي عالقة تكون إدارة الدولة عنصرا فيها‪ ،‬وهذا النوع هو الذي له مع علم السياسية عالقة وطيدة وال‬
‫سيما فيما يخص القانون الدولي والقانون الدستوري‪.‬‬

‫فاألول يشير إلى طبيعة العالقة القائمة بين الدول وإلى كيفية تطبيقها‪ ،‬في حين يسعى الثاني إلى‬
‫تبيان شكل الدولة وعالقة الحاكم بالمحكوم فيها والحقوق والواجبات التي يتمتع بها األفراد داخل الدولة أو‬
‫يما يعرف بحقوق المواطنة‪.‬‬

‫نستطيع ال قول إذن ‪ ،‬أن القانون الدستوري هو أكثر القوانين ارتباطا بعلم السياسة‪ ،‬بحيث نجد‬
‫بينهما تشابها كبيرا إلى حد التطابق فيما يخص المصطلحات المستعلمة و مواضيع االهتمام فكالهما‬
‫يبحثان في صيغة الحكم القائم وفي الشرعية التي يتمتع بها وفي المبادئ المنظمة لتدخل السلطات‬
‫الحكومية ولعالقة الحكومات باألجهزة المحلية ولحماية حقوق األفراد وحرياتهم وممتلكاتهم و فصل‬
‫السلط‪ .‬وغيرها من مواضيع حدت ببعض الباحثين إلى التأكيد على استحالة التفريق بينهما‪.‬‬

‫ال يعفي هذا التقارب الكبير‪ ،‬مع ذلك‪ ،‬وجود اختالف بينهما ال سيما على مستوى اختصاص‬
‫وشمول أي طرف منهما‪.‬‬

‫فإذا كان القانون الدستوري‪ ،‬يسعى إلى الكشف عن القواعد القانونية التي تخص السلطة‪ ،‬فإن علم‬
‫السياسة يتجاوز ذلك‪ ،‬إلى مستوى البحث عن كافة الجوانب المحركة آلداء السلطة‪ ،‬اجتماعية كانت أو‬
‫سياسية أو اقتصادية‪ ،‬وتفسيرها وتحليلها وإعطاء رأيه في ذلك‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫الفقرة الخامسة‪ :‬عالقة علم السياسة بعلم االقتصاد‪:‬‬

‫من المسلم به في عالم اليوم‪ ،‬أن وظيفة الدولة لم تعد مقتصرة على حفظ األمن والنظام‪ ،‬إن الدولة‬
‫أضحت مطالبة بتهيئة الظروف المناسبة لتحسين رفاهية األفراد وإعطاء الجميع فرصا متساوية لتنمية‬
‫مواهبهم وكفاءاتهم‪ ،‬بما يحقق مبادئ العدالة والمساواة لمصلحة المجتمع كله‪ ،‬وليس هناك اآلن من دولة‬
‫يمكن أن تهمل مبادئ االقتصاد وأسس توزيع الدخل العام ووسائل اإلنتاج والسياسات المالية والنقدية‪،‬‬
‫لذلك فقد أضحى من الصعب وضع خط فاصل تماما بين األنشطة السياسية واالقتصادية‪ ،‬فنحن عندما‬
‫نحاول فحص الدور المالئم للحكومة في الحياة االقتصادية‪ ،‬سنجد أن السياسة واالقتصاد يلتحمان ببعضهما‬
‫البعض التحاما كامال‪ ،‬لدرجة أدت إلى ظهور محاوالت تبني تحليلها لمعطيات السياسة العامة للدولة على‬
‫ضوء نتائج البحوث االقتصادية‪ .‬ألنها تتحكم كثيرا في تحديدها كما تسهم في تقييمها‪.‬‬

‫فال غرابة إذن‪،‬أن أصبح هذ ان العلمان يدرسان معا في إطار تخصص واحد هو علم " االقتصاد‬
‫السياسي" على اعتبار أن كالهما يكمل اآلخر‪ ،‬و هما معا مرتبطان في حقل العلوم االجتماعية وبالتالي‬
‫يهدفان إلى دراسة وضعية اإلنسان داخل المجتمع‪ ،‬وتحقيق سعادته ورفاهيته‪.‬‬

‫هذه الرفاهية التي ال تتحقق بالضرورة إال في إطار مجتمع منظم تسوده عالقات حق وقانون بين‬
‫حاكم ومحكوم و ذلك مجال علم السياسة الذي يبحث في كيفيات تنظيم هذه العالقة وفق أسس شرعية ال‬
‫استبداد فيها وال مصادرة للحقوق‪ ،‬ومنها حق األفراد والمجتمع في ممارسة أنشطة اقتصادية مدرة للدخل‬
‫وخالقة للثروة وجالبة للنفع العام وتلك وظيفة علم االقتصاد‪.‬‬

‫الفقرة السادسة‪ :‬علم السياسة وعلم االجتماع‪:‬‬

‫يمكن النظر إلى علم االجتماع باعتباره األب الروحي لكافة العلوم االجتماعية األخرى على أنه‬
‫العلم الذي يبحث في أصل وتطور الوظائف االجتماعية للجماعات البشرية وكذلك أشكالها وقوانينها‬
‫وعاداتها ومؤسساتها وأنماط حياتها فكرا وعمال وكذلك مدى مساهمتها في الثقافة والحضارة اإلنسانية‪.‬‬
‫لذلك‪ ،‬ال يمكن ما لعلم االجتماع من تأثير واضح في أسلوب معظم علماء السياسة الذين يقرون بأن‬
‫الظواهر السياسية ال تعد أ ن تكون مجرد أحداث اجتماعية ومن تم يتعين معالجتها على ضوء البيئة التي‬
‫تؤثر فيها وتكيفها على اعتبار أن الحدث هو وليد تلك البيئة‪ ،‬وتأسيسا على ذلك‪ ،‬فإن دراسة المجتمع‬
‫والبيئة التي ظهرت وتطورت فيهما الظاهرة السياسية موضوع البحث هو أمر ضروري وحيوي لغرض‬
‫تفهم المشكلة من كافة أوجهها‪.‬‬

‫في السنوات األخيرة ظهر فرع جديد من العلوم االجتماعية بين علم السياسة وعلم االجتماع عرف‬
‫ب " علم االجتماع السياسي" والذي يعرفه علماء االجتماع على أنه العلم الذي يهتم باألسلوب والنتائج‬
‫االجتماعية المرتبطة بتوزيع القوة على نحو معين في نظا م الجماعات أو فيما بينهما‪ .‬فضال عن اهتمامه‬
‫بالصراعات االجتماعية والسياسية والتي تؤدي إلى تغيير في نوع القوة‪.‬أما علماء السياسة فيعرفونه على‬
‫أنه ذلك الفرع من علم السياسة الذي يتناول بالدراسة والتحليل العالقات المترابطة والمتبادلة بين السلطة‬
‫السياسية والمج تمع‪ ،‬وبالذات دراسة عملية التأثير والتأثر المتبادل بين هذين القطبين ( السلطة والمجتمع)‬
‫دراسة تحليلية للوقائع والظواهر االجتماعية الناتجة عن هذه العالقة سلبيا وإيجابيا‪ ،‬كما ونوعا‪.‬‬

‫الفقرة السابعة‪ :‬العالقة بين علم النفس وعلم السياسة‬

‫يقول رأي ألحد علماء النفس في دراسته للديمقراطية الحديثة‪ ،‬أن السياسة تستمد جذورها من علم‬
‫النفس الذي يشمل دراسة عادات اإلنسان وأفكاره واتجاهاه‪ ،‬ويؤكد علماء السياسة على فائدة علم النفس في‬

‫‪9‬‬
‫تفسير بعض الظواهر الخاصة بالسلوك السياسي‪ ،‬ذلك إن دراسة بعض الموضوعات مثل القيادة السياسية‬
‫والرأي العام والتوترات العالمية تحتاج لخبرة واستبصار عالم النفس‪.‬‬

‫إذا كان علم النفس ‪ -‬وهو الذي يجمع إلى حد ما بين علم النفس وعلم االجتماع ‪ -‬يهتم في المقام‬
‫األول بدراسة سلوك اإلنسان‪ ،‬فهو يوضح كذلك بالتفصيل ما يفعله اإلنسان‪ ،‬فإنه يهتم كذلك‪ ،‬وبصفة‬
‫خاصة‪ ،‬بدراسة سلوك األفراد داخل الجماعة والتفاعل الذي يحدث داخل وبين الجماعات‪ ،‬وكذا اتجاهات‬
‫القيم داخلها‪ ،‬إلى جانب موضوع مهم من الموضوعات التي ال يمكن لدارسي السياسة إهمالها وتجنب‬
‫التعمق في بحثها‪ ،‬وهو القيادة ودورها وآثارها وكيف تنشأ وكيف يمكن تنميتها‪.‬‬

‫لذا فقد أضحى التشابك والتداخل بين علم السياسة وعلم النفس‪ ،‬أمرا مسلما به في الدراسات‬
‫الحديثة‪ ،‬اقتناعا بأن العوامل النفسية تتدخل في جميع جوانب السياسة‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬حقل علم السياسة‬

‫هناك العديد من المجاالت التي تتفاعل في تشكيل الفعل السياسي داخل المجتمعات‪ ،‬وتسطر في مجموعة‬
‫دائرة اشتغال علم السياسة‪ ،‬أو ما يعرف بالحقل السياسي‪ ،‬إال أنه أهم هذا المجاالت هي‪ :‬الثقافة السياسة‪،‬‬
‫التنشئة السياسية‪ ،‬التنمية السياسية‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬الثقافة السياسية‬
‫ستناول هذا المفهوم انطالقا من تعريفه‪ ،‬خصائصه‪ ،‬تنوع الثقافات السياسية ثم تأثير الثقافة‬
‫السياسية على النظام السياسي‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬تعريف الثقافة السياسية‬


‫يعرف مفهوم الثقافة السياسة على أنه التاريخ الجمعي للنظام السياسي ولتاريخ األفراد الذين‬
‫يكونونه‪ ،‬فهو مجموعة االتجاهات والمعتقدات والمشاعر التي تعطي نظاما ومعنى للعملية السياسية‪.‬‬
‫لذلك فقد عرفها البعض بأنها موقف الجماهير في مجتمع معين من النظام السياسي القائم فيه‪،‬‬
‫والعناصر األساسية التي تتكون منها‪ ،‬وهو ما يعني كيفية تقييم أوسع الجماهير من المواطنين لمؤسساتهم‬
‫السياسية الرسمية‪ ،‬والشعبية‪ ،‬أي أن الثقافة هنا تؤخذ على محمل كونها وسائل اندماج وتالحم بين األفراد‬
‫ضمن النظام القائم‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬خصائص الثقافة السياسية‬


‫من خصائص الثقافة السياسية تبعا للمفهوم الذي أوردناه في المطلب األول‪ ،‬ما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬الثقافة السياسية ثقافة فرعين أو جزء من الثقافة العامة للمجتمع‪ ،‬وعلى الرغم من أنها مستقلة‪ ،‬بدرجة‬
‫ما‪ ،‬عن النظام الثقافي العام إال أنها تتأثر به‬
‫‪ -‬تتسم الثقافة السياسية بكونها نتاج لتاريخ المجتمع من ناحية ولخبرات أفراده المكتسبة عن طريق‬
‫عمليات التنشئة من ناحية أخرى‬
‫‪ -‬ال تعرف الثقافة السياسية ألي مجتمع ثباتا مطلقا بمعنى أنها تتعرض للتغيير‪ ،‬و يتوقف حجم التغيير‬
‫على عدة عوامل من بينها‪ ،‬مدى ومعدل التغيير في األبنية االقتصادية واالجتماعية والسياسية‪ ،‬درجة‬
‫اهتمام النخبة الحاكمة بقضية التغيير الثقافي ومدى رسوخ قيم ثقافية معينة في نفوس األفراد‬
‫‪ -‬ال يعني القول بوجود ثقافة سياسية للجتمع تماثل عناصرها بالنسبة لسائر أفراده‪ ،‬إذ أن هناك دوما‬
‫هامشا لالختالف الثقافي تفرضه عوامل معينة كاألصل العنصري والديانة ومحل اإلقامة والمهنة و‬
‫المستوى االقتصادي والحالة التعليمية وعملية التنشئة االجتماعية‪.‬‬
‫‪10‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬تنوع الثقافات السياسية‬

‫تعد الثقافة السياسية نتاج تأريخ النظام السياسي كما أنها نتاج األفراد الذين يعيشون في ظل ذلك‬
‫النظام‪ ،‬وعليه فإن الثقافة السياسية متأصلة في الوقائع العامة وكذلك في التجربة الشخصية لهؤالء األفراد‪،‬‬
‫و لمعرفة طبيعة تنوع الثقافات السياسية في مجتمع واحد ينبغي دراسة التطور التاريخي للمجتمع بكليته‪ ،‬و‬
‫كذلك حياة األفراد الذين يجسدون ثقافة المجتمع‪ ،‬ومن خالل الدراسة التاريخية لتطور المؤسسات والقيم‬
‫التي تكون الثقافة السياسية‪ ،‬وكذلك في دراسة عملية التنشئة االجتماعية السياسية التي من خاللها يلج‬
‫األفراد في الثقافة يمكن معرفة أنماط الثقافات والعالقات بين المؤسسات وأفراد المجتمع‪.‬‬
‫لذا يمكن تقسيم الثقافة السياسية حسب التقسيم المعروف ل " ماكس فيبر" إلى األنواع الثالثة التالية‪:‬‬

‫‪ -1‬الثقافة التقليدية‪ :‬وتوجد في المجتمعات القديمة والضئيلة التطور وفيها تكون توجهات المواطن‬
‫نحو المواقع السياسية ضعيفة بسبب ضعف الوعي السياسي وضآلة تطور عناصر التالحم‬
‫واالندماج‪ ،‬وكذلك عدم رغبة المواطنين في االرتباط وعبر أي طريقة إيجابية بالمؤسسات‬
‫السياسية الوطنية‪ ،‬والواقع أن الثقافة التقليدية ليست إال وضعا لثقافات سياسية محلية قائمة على‬
‫أساس القرية واألسرة والجماعة اإلثنية والمنطقة وغير ذلك‪.‬‬

‫‪ -2‬ثقافة الخضوع‪ :‬يكون في ظلها المواطن واعيا على نحو قوي بالنظام السياسي وما يصدر عنه‬
‫من أعمال‪ ،‬ولكن ليس له إال شعور ضئيل بالمؤسسات التي تأخذ على عاتقها تحقيق المطالب‬
‫االجتماعية وكذلك شعور مجرد من فعاليته السياسية شخصيا‪ ،‬وتكون المؤسسات في مثل هذه‬
‫الثقافة ضئيلة االستجابة لحاجات الفرد‪ .‬ويذكر موريس دوفرجيه‪ " :‬في ثقافة الخضوع يعترف‬
‫أعضاء النظام بوجوده‪ ،‬ولكنهم يظلون سلبيين اتجاهه‪ ،‬فهو خارجي نوعا ما بالنسبة إليهم وهو‬
‫ي نتظرون منه تقديم خدمات لهم ويخشون عقابه‪ ،‬ولكنهم ال يفكرون بأنهم يستطيعون تغيير عمليات‬
‫النظام على نحو ملموس‪.‬‬

‫‪ -3‬ثقافة المساهمة‪ :‬يكون المواطن فيها على مستوى عال من الوعي باألمور السياسية ويقوم‬
‫بدور فعال فيها‪ ،‬ومن تم يؤثر في النظام السياسي بطرق مختلفة كالمساهمة االنتخابية أو‬
‫المظاهرات أو تقديم االحتجاجات فضال عن ممارسة نشاط سياسي من خالل عضوية حزب‬
‫سياسي أو جماعة ضغط‪.‬‬

‫تجدر اإلشارة إلى أن األنواع الثالثة المذكورة من الثقافة السياسية‪ ،‬تنسجم مع بنى سياسية معينة‪،‬‬
‫فالنوع األول من الثقافات المذكورة يتالئم مع البنيات التقليدية ال ممركزة‪ ،‬وتتالءم ثقافة الخضوع مع بنية‬
‫سلطوية ممركزة‪ ،‬وأخيرا تتالءم ثقافة المساهمة مع بنية سياسية ديمقراطية‪.‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬تأثيرات الثقافة السياسية على النظام السياسي‬


‫ال شك أن أي نظام سياسي تالزمه ثقافة سياسية معينة تغذيه وتعبر عن فلسفته وتحافظ عليه‪،‬‬
‫فالحكم الفردي على سبيل المثال توائمه ثقافة سياسية تتمحور عناصرها في الخوف من السلطة واإلذعان‬
‫لها‪ ،‬وضعف الميل إلى المشاركة وفتور اإليمان بكرامة وذاتية اإلنسان وعدم السماح للمعارضة ومصادرة‬
‫حقها في التعبير عن نفسها‪.‬‬

‫وعلى خالف ذلك‪ ،‬فإن الحكم الديمقر اطي ينطوي على ثقافة لسياسة تعكس اإليمان بقيم وقناعات‬
‫بأن للفرد حرية ال يمكن للحاكم أن ينال منها مع االستعداد للدفاع عنها فيما لو استهدفتها مؤسسات السلطة‬
‫أو هددت باستهدافها‪ ،‬واألمر بمجمله هنا‪ ،‬يتطلب قدرا من الثقافة السياسية المتبادلة بين القوى السياسية‬
‫‪11‬‬
‫وا لتي ترتبط بالثقة االجتماعية‪ ،‬كذلك ال بد من االستعداد لقبول الرأي اآلخر واالتجاه المخالف‪ ،‬إضافة إلى‬
‫التزام متأصل باحترام قواعد اللعبة السياسية أو قواعد التنافس السياسي‪.‬‬

‫وكما تتأثر القيادات السياسية بالثقافة السائدة‪ ،‬تؤثر األخيرة كذلك على عالقة األفراد بالعملية‬
‫السياسية‪ ،‬فبعض المجتمعات تتميز بقوة الشعور بالوالء القومي والمواطنة والمواطنة المسؤولة ومشاركة‬
‫األفراد بالحياة العامة‪ ،‬في حين يتسم سلوك األفراد إزاء األنظمة السياسية في بعض المجتمعات‪،‬‬
‫بالالمباالة واالغتراب وعدم الشعور بالمسؤولية وقد يشك األفراد في السلطة السياسية ويعتبرونها مجرد‬
‫أداة لتحقيق مصالح القائمين ليس إال‪.‬‬

‫وفضال عن ما تقدم‪ ،‬يعتد االستقرار السياسي واالنسجام االجتماعي جزئيا على الثقافة السياسية‪،‬‬
‫فالتجانس الثقافي والتوافق بين النخبة والجماهير الواسعة يعززان االستقرار ويدعمانه‪ ،‬أما التباين الثقافي‬
‫واالختالف بين عقلية النخبة وعقلية الجماهير فيعكس بدرجة أخرى مصدر تهديد الستقرار النظام‬
‫السياسي‪.‬‬

‫إن الثقافة السياسية بهذا المعنى تؤثر بال ريب في الحياة السياسية بصورة عامة وعلى النظام‬
‫السياسي القائم بصورة خاصة‪ ،‬ولكن القوى السياسية ال تقف مكتوفة األيدي في انتظار ردة فعل‬
‫الجماهير‪ ،‬فالعفوية والتلقائية غير مقبولة من قبل هذه األحوال‪ ،‬ولذلك فالقوى السياسية المختلفة بما فيها‬
‫قوى النظام السياسي تعمل على تحريك وصياغة مواقف الجماهير انطالقا من المعطيات الثقافية السائدة‬
‫في المجتمع ومدى تأثيرها في سلوك األفراد والجماعات‪ ،‬وعلى مستوى آخر إن القوى السياسية المختلفة‬
‫تسعى إلى رفع الوعي لدى جماهيرها أوال ثم بلورته بشكل آراء ومواقف تنسجم مع اتجاهاتها وأهدافها‬
‫السياسية‪ ،‬ومن هذه الناحية يأتي ارتباط الثقافة السياسية بالتنشئة السياسية‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬التنشئة السياسية‬


‫يتوقف تماسك كل مجتمع إنساني على فهم أفراده لقيمه وقواعده المشتركة‪ ،‬أي كل تنطوي عليه‬
‫فكرة الثقافة في الواقع‪ ،‬وهذا الفهم المشترك ال يكتسبه الفرد عند والدته ولكن يحصل عليه خالل مراحل‬
‫حياته المختلفة‪ ،‬والعملية التي يكتسب بها التعلم االجتماعي يطلق عليها التنشئة االجتماعية‪ ،‬وتتضمن‬
‫الوسائل التي يكتسب بواسطتها األفراد المعرفة والمهارات وقواعد التصرف التي تؤهلهم للمساهمة‬
‫كأعضاء فاعلين نوعا ما في نشاطات الجماعات المتنوعة والمجتمع الشامل‪.‬‬
‫أما التنشئة السياسية‪ ،‬فتنطوي هي األخرى على أهمية خاصة ال سيما في عملية ربط الفرد‬
‫بأهداف النظام السياسي وتفاعله مع قرارات السلطة السياسية‪ ،‬والمشاركة في صياغة السياسة العامة‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬تعريف التنشئة السياسية‬

‫اتسع االهتمام بالتنشئة السياسية بعد ازدياد عدد الدول المستقلة التي تحاول بناء نظام فكري‬
‫واقتصادي خاص بكل دولة‪ .‬يحقق تفاعل المواطنين مع النظام السياسي‪ ،‬لذا فقد بذلت العديد من الدول‬
‫جهودا مضنية على صعيد تغيير القيم وبناء المؤسسات وعقلنة السلطة السياسية وترشيد آداء النظم‬
‫السياسية‪ ،‬وذلك بهدف الحد من تأثيرات إشكالية الوحدة الوطنية أو عدم االندماج القومي من خالل خلق‬
‫قيم مشتركة‪ ،‬وتنظيم االتجاهات‪ ،‬أو بمعنى آخر خلق شعور عام وقوي بالهوية القومية‪.‬‬
‫ولقد تعددت تعريفات مفهوم التنشئة السياسية بقدر تعدد من تناولوها بالدراسة‪ ،‬وانطالقا من حقيقة أن‬
‫التنشئة السياسية تمثل العملية التي يتعرف بها الفرد على النظام السياسي والتي تقرر مداركه للسياسة‬
‫وردود أفعاله اتجاه الظاهرة السياسية‪ ،‬يمكن التمييز بين اتجاهين رئيسيين بصدد تعريف مفهوم التنشئة‬
‫السياسية‪.‬‬
‫‪12‬‬
‫‪ -‬االتجاه األول‪ :‬وهو األكثر شيوعا‪ ،‬نظر إلى التنشئة السياسية كعملية يتم بمقتضاها تلقين المرء‬
‫مجموعة القيم والمعايير السياسية المستقرة في ضمير المجتمع بما يضمن بقاءها واستمرارها عبر‬
‫الزمن‪.‬‬
‫‪ -‬االتجاه الثاني‪ :‬ينظر إل التنشئة السياسية كميكانيزم لتعديل الثقافة السياسية في المجتمع وخلق ثقافة‬
‫سياسية جديدة‪ ،،‬تراها النخبة الحاكمة ضرورية للعبور بالمجتمع من حالة إلى حالة أكثر تفدم‪ .‬أي أن‬
‫التركيز في هذا التعريف ال ينصب على االستمرارية والتوافق ولكن على التغيير واالختالف‪.‬‬

‫فاستنادا إلى هاذين التعريفين‪ ،‬يمكن استخراج عدد من عناصر التنشئة السياسية نوردها كالتالي‪:‬‬

‫‪ -‬التنشئة السياسية تمثل عملية تلقين لقيم واتجاهات سياسي‬


‫‪ -‬التنشئة السياسية عملية مستمرة يتعرض لها اإلنسان طيلة حياته منذ الطفولة وتستر معه‬
‫‪ -‬التنشئة السياسية لها أدوار رئيسية ثالثة‪ :‬نقل الثقافة السياسية عبر األجيال‪ ،‬خلق الثقافة السياسية‪ ،‬ثم تغيير‬
‫الثقافة السياسية‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬وظائف التنشئة السياسية‬

‫تعتبر التنشئة السياسية ذات أهمية كبيرة‪ ،‬ألنها تهدف إلى تأهيل األفراد وإكسابهم اتجاهات وقيم‬
‫سياسية تؤدي بهم إلى االنخراط بدرجات مختلفة في النظام السياسي القائم وفي المساهمة السياسية‪،‬‬
‫وبمعنى آخر‪ ،‬تحقيق اندماج األفراد وبالتالي اشتراكهم في فعاليات النظام السياسي وفي صنع السياسات‬
‫العامة‪ .‬وهي بالنتيجة ال تقتصر على نقل الثقافة بين األجيال بل اكتساب الثقافة والقيم في إطار عملية‬
‫إحالل قيم جديدة بدال من القيم التقليدية‪ ،‬وهذا ما يؤثر في السلوك السياسي لالفراد‪ ،‬ويوسع من دائرة‬
‫المشاركة في صنع القرار‪.‬‬

‫‪ -‬بلورة قيم العمل الجماعي والمسؤولية المشتركة‪ :‬بمعنى بناء الجماعة السياسية‪ ،‬فالتربية والتعليم‪،‬‬
‫يعدان أدوات سياسية لتنظيم الوالء للسلطة والطاعة إلرادة الجماعة السياسية واإليمان بأهدافها المشتركة‪،‬‬
‫فالتنشئة السياسية هنا هي التي تمنع الجماعة من التفكك وتجنبها مخاطر التجزئة‬
‫‪ -‬توسيع المشاركة السياسية‪ :‬تقوم التنشئة السياسية بتعميق روح اإلقدام والمبادرة والعمل الجماعي في‬
‫بنية اإلنسان من خالل بناء المؤسسات وتطوير قنوات للتعبير السياسي‪ ،‬وتنمية دوافع الفرد للمشاركة في‬
‫الحياة السياسية ووضع مناهج تقلل من ظاهرة االتجاهات االنعزالية أو السلبية في الحياة السياسية‪ .‬هكذا‪،‬‬
‫فإن المعارف والقيم واالتجاهات التي تتجمع لدى الفرد نتيجة لعملية التنشئة المبكرة تسهم في تطوير‬
‫استجابته لمختلف المؤثرات السياسية وبالتالي تؤثر على مدى مشاركته في الحياة السياسية‪ ،‬فالشخص‬
‫الذي ينشأ في بيئة قوامها التحاور والمشاركة في اتخاذ القرارات يكون أكثر ميل للمشاركة السياسية من‬
‫الشخص الذي يخضع لتنشئة اجتماعية سلطوية‪ ،‬ذلك ألن السلوك السياسي امتداد للسلوك االجتماعي‬
‫وكلما كان المر ء مشاركا على الصعيد االجتماعي كلما كان احتمال مشاركته في األنشطة السياسية أكبر‬
‫والعكس بالعكس‪.‬‬
‫‪ -‬بناء نمط مشترك من التفكير‪ :‬نظرا ألن شاغلي المراكز السياسية ينحدرون غالبا من ثقافات فرعية‬
‫مختلفة‪ ،‬تصبح التنشئة السياسية الفعالة حيوية لنشر القيم واالتجاهات ولتزويدهم بالمعارف والمهارات‬
‫السياسية‪ ،‬وهو ما يقود إلى بناء نمط مشترك من التفكير ويؤدي إلى تنظيم الجهود وتحقيق التماثل في‬
‫اإلمكانات لضمان قدر مالئم من االنسجام في حركة الدولة ومؤسساتها‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫‪ -‬تأمين االستقرار السياسي‪ :‬يشير االستقرار السياسي إلى قدرة النظام السياسي على أن يحفظ ذاته عبر‬
‫الزمن‪ ،‬اي أن يظل في حالة تكامل‪ ،‬وهو ما ال يتأتى إال إذا اضطلعت أبنيته المختلفة بوظائفها ومنها‬
‫وظيفة التنشئة السياسية‪ .‬يتوقف ذلك على قدرة التنشئة على تعميق احترام الدستور والقوانين النافذة‬
‫والنظام العام لدى أفراد المجتمع وزيادة حماسهم للمشاركة في حياة األحزاب السياسية وتطوير فعاليتها في‬
‫إطار آليات النظام وهذا ما يدعم االستقرار السياسي‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬مراحل التنشئة السياسية‬


‫تعتبر التنشئة السياسية عملية مستمرة‪ ،‬تبدأ من الطفولة وتستمر إلى المراحل الالحقة عبر المراهقة‬
‫والنضج‪ ،‬وأن جوهر السلوك السياسي للفرد يتحدد في مرحلة النضج اعتمادا على خبرات التنشئة التي‬
‫يكتسب ها الفرد في مرحلتي الطفولة والمراهقة‪ ،‬لذا فإن مراحل التنشئة السياسية هي مرحلة الطفولة‪،‬‬
‫مرحلة المراهقة‪ ،‬مرحلة النضج‬

‫‪ -1‬مرحلة الطفولة‪ :‬يكتسب األطفال نظم المعرفة والقيم والمعتقدات السياسية السائدة في المجتمع‬
‫والتي قد تؤثر في سلوكهم السياسي في مرحلة النضج وهي المرحلة التي تقتضي مساهمة‬
‫المواطنين بأدوار في إطار العملية السياسية‪ ،‬لكي يتسنى للنظام السياسي االستمرار عبر الزمن‬
‫وأن يؤقلم ذاته للظروف المتغيرة‪ ،‬ال محيد عن االهتمام بالتربية السياسية للنشىء الجديد‪.‬‬
‫‪ -2‬مرحلة المراهقة‪ :‬تتميز مرحلة المراهقة ببروز متغيرات في حياة المرء أبرزها‪ :‬تطور القدرات‬
‫اإلدراكية‪ ،‬نمو اإلحساس بروح الجماعة‪ ،‬تبلور األطر الفكرية‪ ،‬وفضال عن ذلك‪ ،‬فإن المرء خالل‬
‫هذه المرحلة يبدأ تحمل بعض مهمات المواطنة مثل االشتراك في التصويت وممارسة األدوار‬
‫القيادية في البيئة المدرسية أو االجتماعية‪ ،‬وآداء الخدمة العسكرية‪ ،‬ومن ناحية أخرى يتعلم الفرد‬
‫أثناءها قيما وأفكارا سياسية جديدة قد يتناقض بعضها مع قيم األسرة‪.‬‬
‫‪ -3‬مرحلة النضج‪ :‬يتحدد السلوك السياسي للمواطن في هذه المرحلة من خالل ما تراكم لديه من‬
‫معارف وقيم واتجاهات أثناء مرحلتي الطفولة والمرهقة‪ ،‬وكذلك من خالل القيم والمعارف التي‬
‫يكتسبها أثناء مرحلة النضج‪ ،‬وقد تكون التنشئة في مرحلة النضج استمرارا للتنشئة في مرحلتي‬
‫الطفولة والمراهقة وهو ما يؤدي إلى تعزيز القيم واالتجاهات المبكرة‪ ،‬وفي أحيان أخرى قد‬
‫يعايش المواطن أبنية جديدة تلقنه مفاهيم واتجاهات تختلف مع أنماط التنشئة األولية بالشكل الذي‬
‫يقود إلى إحداث تغييرات جوهرية في السلوك السياسي‪ ،‬فعلى سبيل المثال يخضع النائب في‬
‫البرلمان لعملية تنشئة بعد انتخابه ويتحدد سلوكه التشريعي بمعارفه واتجاهاته السابقة على انتخابه‬
‫ثم بالخبرات التي يكتسبها مع عمله داخل البرلمان‪.‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬أدوات التنشئة السياسية‬

‫يمكن التمييز فيها بين ثالث أدوات‪ :‬األسرة‪ ،‬المدرسة‪ ،‬وسائل اإلعالم‪ ،‬األصناف اإلبداعية‪:‬‬

‫‪ -1‬األسرة‪ :‬وهي واحدة من أبرز مؤسسات التنشئة السياسية‪ ،‬ويبدأ الفرد في داخلها اكتساب‬
‫االتجاهات والمعتقدات السائدة في المجتمع‪ ،‬فهي تعكس نظاما للقيم يستوعبه الطفل ويختزنه في‬
‫ذاكرته‪ ،‬واألسرة أول نمط للسلطة يعايشه الفرد لذا فإن المعتقدات واالتجاهات التي يكتسيها الطفل‬
‫داخل األسرة ال ترجع فقط إلى التلقين المستمر للمعارف السياسية واالجتماعية‪ ،‬وإنما أيضا إلى‬
‫األسلوب الذي تنهجه في تربيته‪.‬‬
‫‪14‬‬
‫‪ -2‬المدرسة‪ :‬تعلب دورا هاما في عملية التنشئة‪ ،‬سواء عبر التثقيف السياسي من ناحية أو عبر‬
‫طبيعة النظام المدرسي من ناحية أخرى‪ ،‬وتعتبر المدارس من أبرز األبنية التي يعول عليها‬
‫النظام السياسي لالضطالع بمهمة تعديل قيم واتجاهات األفراد‪ ،‬كي تصبح مالئمة للتغير‬
‫السياسي واالجتم اعي المطلوب‪ .‬لذلك فالدول تحرص جدا على مراقبة المناهج الدراسية نظرا‬
‫لحساسيتها وخطورتها على القيم السائدة‪.‬‬
‫‪ -3‬وسائل اإلعالم‪ :‬تتولى هذه الوسائل ( لصحف‪ /‬الراديو‪ /‬التلفزيون‪ /‬شبكات التواصل) دور مهم‬
‫في عملية التنشئة‪ ،‬فهي وفضال عن تزويد المواطنين باألخبار تساهم في تكوين وترسيخ القيم‬
‫السياسية لديهم‪ .‬فالتدفق المستمر للمعلومات صعودا ونزوال بين النخب الحاكمة والجماهير‪ ،‬من‬
‫شأنه العمل على تأكيد قيم الثقافة السياسية السائدة‪ ،‬وربط المجتمع المحلي بالمجتمع القومي‪،‬‬
‫وتوعية المواطن بالقضايا القومية بل والعالمية ونقل القيم الجديدة إلى الجماهير وتقديم النماذج‬
‫السلوكية المدعمة لها‪ .‬غير أن معرفة المرء بالقيم والمعايير واألفكار السياسية الجديدة ال تستتبع‬
‫بالضرورة تحويله إلى األخذ بها والتخلي عن نقيضها‪ ،‬إذ ترتبط هذه العملية بعدة متغيرات من‬
‫بينها مدى استقرار الثقافة التقليدية في نفسه وخصائص شخصيته واإلطار االجتماعي السائد‪.‬‬
‫‪ -4‬األصناف اإلبداعية‪ :‬تلعب المواهب اإلبداعية بشتى صنوفه‪ ،‬أدوارا طالئعية هي األخرى في‬
‫تلقين مبادئ النظام ودعم التنشئة السياسية‪ ،‬سواء كانت سينما أو مسرح أو أغاني أو إنتاجات‬
‫أدبية‪ ،‬فكم من األعمال اإلبداعية‪ ،‬ساهمت في توحيد الوعي أو تشكيله حول قضايا وطنية‬
‫كبرى‪ ،‬وأدت إلى ترسيخ الروح القومية وتأكيد االنتساب إلى قيم المجتمع‪ ،‬أو ساهمت في‬
‫تغييرها نحو ثقافة سياسية جديدة تلتف على قيم أخرى‪.‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬التنمية السياسية‪:‬‬


‫انطالقا من اهتمام كل فروع العلوم االجتماعية بالتقسيم الثنائي للحداثة والتقليد وبعملية التحديث‪،‬‬
‫أخذ علماء السياسية على عاتقهم‪ ،‬القيام بدراسات وأبحاث جادة في إطار ما يعرف بالتحديث السياسية أو‬
‫التنمية السياسية‪ ،‬فما المقصود بالتنمية السياسية؟‬

‫المطلب األول‪ :‬تعريف التنمية السياسية‬


‫يرى العديد من الباحثين في إطار علم االجتماع السياسي‪ ،‬بأن التنمية السياسية تمثل استجابة‬
‫النظام السياسي للتغيرات الطارئة في البيئة المجتمعية والدولية‪ ،‬وبالذات قدرة النظام على االستجابة‬
‫لتحديات بناء الدولة وفتح قنوات المشاركة في صنع القرار وتوزيع القيم والثروة‪.‬‬
‫وقد وضعوا قائمة شاملة تتضمن تعريفات مختلفة ومركزة لمفهوم التنمية السياسية ‪ ،‬نستقي منها ما‬
‫يلي‪:‬‬
‫التنمية السياسية هي المتطلب السياسي للتنمية االقتصادية‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫التنمية السياسية هي التنمية القانونية واإلدارية‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫التنمية السياسية هي التعبئة السياسية للجماهير لدفعها إلى مزيد من المشاركة السياسية‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫التنمية السياسية هي بناء الديمقراطية بمعنى قدرة النظام السياسي على بناء المؤسسات الديمقراطية‬ ‫‪‬‬
‫وتدعيم الممارسة السياسية الديمقراطية‪.‬‬
‫التنمية السياسية هي التعبئة والقوة بمعنى أنها تستهدف خلق نظام سياسي فعال وله من القوة ما يمكنه‬ ‫‪‬‬
‫من تعبئة الموارد لتحقيق التنمية‪.‬‬
‫التنمية السياسية هي تحقيق االستقرار السياسي واالجتماعي والتغير االجتماعي المخطط والمنظم‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪15‬‬
‫‪ ‬التنمية السياسية هي جانب من جوانب عملية التغيير االجتماعي المتعددة األبعاد‪ ،‬إذ ال يمكن أن تتحقق‬
‫دون حدوث تغييرات في كافة عناصر الثقافة‪.‬‬

‫تلخيصا لكل هذه الت عاريف‪ ،‬حدد " صامويل هنتغتون" وجود أربعة مفاهيم مشتركة ومتكررة بين‬
‫التعريفات المختلفة للتنمية السياسية هي‪ ( :‬العقالنية‪ ،‬االندماج والتكامل القومي‪ ،‬الديمقراطية‪ ،‬التعبئة‬
‫والمشاركة)‪ .‬أو بمعنى آخر‪ ،‬فإن التنمية السياسية هي جزء من التنمية الشاملة‪ ،‬وهي تلك العملية التي‬
‫يحدث بمقتضاها تغير في القيم واالتجاهات السياسية والنظم والبناءات وتدعيم ثقافة سياسية جديدة‪ ،‬بحيث‬
‫يؤدي ذلك إلى مزيد من التكامل في النسق‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬أبعاد التنمية السياسية‬

‫خلص علماء السياسة واالجتماع السياسي‪ ،‬إلى أن مفهوم التنمية السياسية يتضمن عدة أبعاد تتركز‬
‫بشكل أساسي في ثالثة هي‪:‬‬

‫‪ ‬البعد األول‪ :‬خلق روح المساواة واالتجاهات المدعمة لمبدأ المساواة‪ ،‬وطالما تحققت هذه‬
‫المساواة فإنها سوف تؤدي بالتالي إلى مزيد من المشاركة في صنع القرار السياسي وإلى مزيد‬
‫من الديمقراطية ‪ ،‬كما أنها تؤدي على المستوى االجتماعي العام إلى خضوع كل األفراد في‬
‫المجتمع لنفس القواعد والقوانين دون وجود أي استثناءات ‪ ،‬وفي هذه الحالة‪ ،‬فإن التوافد إلى‬
‫احتالل المناصب السياسية يخضع لمعايير اإلنجاز وال يخضع بأي حال من األحوال للخصائص‬
‫المتوارثة التي تسود في المجتمع التقليدي‪.‬‬

‫‪ ‬البعد الثاني‪ :‬االقتدار السياسي‪ ،‬بمعنى خلق النظام السياسي القادر على أن يخرج قرارات‬
‫سياسية فعالة من ناحية‪ ،‬وعلى أن يؤثر تأثيرا فعاال في االقتصاد والمجتمع من ناحية أخرى‪،‬‬
‫ويتطلب االقتدار السياسي وجود حكومة منجزة تعمل في ظروف تهيئ لها تحقيق اإلنجاز المناط‬
‫بها‪ ،‬فاالقتدار السياسي يعني اإلنجاز والفعالية‪.‬‬

‫‪ ‬البعد الثالث‪ :‬تباين وتخصص النظم السياسية‪ ،‬أي أن يكون للمؤسسات السياسية وظائف‬
‫واضحة ومحددة وأن يكون هناك تقسيم عمل داخل الجهاز الحكومي‪ ،‬بحيث ال تطغى وزارة من‬
‫الوزارات على تخصصات وزارة أخرى‪ ،‬وأن تكون األدوار السياسية متخصصة‪ ،‬بحيث يتحقق‬
‫في داخل النظام تباينا و استقالال بين مكوناته الرئيسية دون أن يعني ذلك‪ ،‬بأن النظام السياسي‬
‫مفتتا من الداخل أو منعزال عن البناء الكلي للمجتمع‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬آليات التنمية السياسية‬

‫يمكن التمييز فيها بين ثالث آليات نوردها اختصارا كالتالي‪:‬‬

‫‪ -1‬التعبئة السوسيو‪ -‬سياسية‪ :‬ومعناه أن التحديث ال يكون إال بتصفية التقليدية عبر مجموعة‬
‫من إجراءات التعبئة‪ ،‬بإثارة روح إيجابية وعقالنية تؤمن بالقانون والنظام ثم قيادة اإلفراد‬
‫وتوجيههم للتطبع بخصائص سلوكية ذات طابع شمولي عام مبني على تصفية الوالء للفرق‬
‫والجماعات واألسر وبناء الوالء للمجتمع الموحد‪ ،‬لخدمة المصلحة العامة ولبلورة هوية‬
‫موحدة للمجتمع‪ ،‬يمكن القول إن التنفيذ العملي للتعبئة السوسيو‪ -‬سياسية في إطار ما ورد‬

‫‪16‬‬
‫أعاله يشكل القاعدة األساسية لإلجراءات المتعلقة بالتنمية في أي مجتمع‪ .‬ولعل الحل‬
‫الجوهري لهذا النوع من التنمية يكمن في بناء الديمقراطية‪.‬‬

‫‪ -2‬بناء المؤسسات ( المأسسة)‪ :‬يتصل بناء المؤسسات بطبيعة توجهات النظام السياسية أو‬
‫إيديولوجيا النظام وكذلك بخصائص الثقافة السياسية للمجتمع‪ ،‬فإذا كانت ذات أصول‬
‫ديمقراطية يمكن بناء مؤسسات تضمن التحديث والتنمية السياسية‪ ،‬وعلى العكس‪ ،‬إذا كانت‬
‫البنية الفلسفية غير ديمقراطية فباإلمكان بناء مؤسسات تعمل على تطوير قدرات االنضباط‬
‫االجتماعي ومركزية التوجيه السياسي والتعبئة اإليديولوجية لكنها ال تضمن المشاركة‬
‫الحقيقية في صنع القرار‪ ،‬ألن مجرد وجود المؤسسات ال يعني بالضرورة وجود النظام‬
‫الديمقراطي‪ ،‬ألن الديمقراطية تعكس فلسفة وتؤسس بنية ذات آليات للتعددية السياسية‪ .‬وغالبا‬
‫ما تواجه التنمية السياسية في العالم الثالث إشكالية اتساع المطالب عند بدء التنمية بدرجة ال‬
‫تتالءم مع قدرات المؤسسات السياسية‪ ،‬األمر الذي قد يفضي إلى عجز النظام السياسي أو‬
‫آلياته الدستورية واالقتصادية عن تلبية مجموع المطالب المستجدة‪.‬‬

‫‪ -3‬توظيف القدرات‪ :‬يعكس النظام السياسي بحسب " دفيد إيستون" مجموعة من التفاعالت‬
‫التي تحدث في المجتمع‪ ،‬لذا فإن تحليلها‪ ،‬باعتبارها مجموعة بنى متميزة عن البنى‬
‫االجتماعية واالقتصادية‪ ،‬توفر اإلمكانية لبناء نظرية في التنمية السياسية‪ ،‬تتضمن ثالثة‬
‫عناصر‪:‬‬

‫‪ ‬المدخالت‪ :‬وتتضمن‪ :‬التنشئة والتنظيم السياسي‪ ،‬التعبير عن المصالح من خالل‬


‫تجميعها وتنسيقها وتمثيلها‪ ،‬االتصال السياسي‪ ،‬أي تنظيم وتدقيق المعلومات وتبادلها‬
‫بين وحدات النظام السياسي‪.‬‬
‫‪ ‬المخرجات‪ :‬وهي القرارات والسياسات التي تعكس مدى استجابة النظام للمدخالت‪،‬‬
‫وتضم‪ :‬صنع القاعدة القانونية والسياسية‪ ،‬وتشترك فيها السلطات التنفيذية والتشريعية‬
‫والقضائية عبر التنسيق بين رئيس الدولة ومجلس الحكومة‪..‬‬
‫‪ ‬التغذية الراجحة‪ :‬وتتعلق بتحليل الترابط بين المدخالت والمخرجات‪ ،‬من خالل‬
‫رصد آثار وانعكاسات القرارات السياسية واالقتصادية للنظام‪ ،‬على طبيعة‬
‫استقراره وبناءه وتطوره‪.‬‬
‫انطالقا من هذه اآلليات (التعبئة المأسسة وتوظيف القدرات)‪ ،‬يمكن القول باختصار الكلمة‪ ،‬إن‬
‫التنمية السياسية تمثل جوهر أداء النظام السياسي‪ ،‬أي مدى قابليته على التطور والنمو‪ /‬من خالل قدرته‬
‫على استيعاب المتغيرات والتكيف مع التحوالت االجتماعية‪ ،‬عبر تحديث تدخالته وآلياته لمواجهة‬
‫الظروف المستجدة باستمرار‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬أشخاص الحياة السياسية‬

‫لقد كان من أثر ربط علم السياسة بالقانون الدستوري‪ ،‬جعل هذا األخير يهتم بأشخاص الحياة السياسي‪ ،‬أي‬
‫الفاعلين السياسيين المتواجدين في حقل الفعل السياسي وهم‪ :‬الدولة‪ -‬الحزب‪ -‬جماعات الضغط‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬تعـريف الدولـــة وأركانه‬

‫اتفق فالسفة السياسة على أن الدولة هي الذروة التي تتوج البنيان االجتماعي الحديث وتكمن‬
‫طبيعتها التي تنفرد بها في سيادتها على جميع أشكال التجمعات األخرى‪.‬‬

‫فالدولة وسيلة لتنظيم السلوك البشري وفرض المبادئ السلوكية التي ينبغي أن ينظم األفراد حياتهم‬
‫على أساسها‪ .‬فهي التي تصدر القوانين وتعا قب من يخرج عليها كما أنها تملك فرض النظام لضمان‬
‫طاعتها من قبل األفراد والجماعات المندرجة تحت ظلها‪..‬‬

‫الفرع األول‪ :‬تعريف الدولة‪:‬‬


‫كان من الطبيعي في ظل هذا المدى أن تتنوع وتختلف التعريفات التي أعطاها الفالسفة والعلماء لفكرة‬
‫الدولة‪.‬‬
‫ومن هذه التعريفات على سبيل المثال من‪:‬‬
‫‪ -1‬جماعة مستقلة من األفراد يعيشون بصفة مستمرة على أرض معينه بينهم طبقة حاكمة‬
‫وأخرى محكومة‪.‬‬
‫‪ -2‬وحدة قانونية دائمة تتضمن وجود هيئة اجتماعية لها حق ممارسة سلطات قانونية معينة في‬
‫مواجهه أمة مستقرة على إقليم محدد وتباشر حقوق السيادة بإرادتها المنفردة عن طريق‬
‫استخدام القوة المادية التي تحتكرها وحدها‬
‫‪ -3‬مجموعة من األفراد يقطنون إقليما ً معينا ً ويخضعون لسلطان األغلبية منهم‪.‬‬
‫ومن مجمل التعريفات السابقة يمكن أن نستخلص اتفاقا ً عاما ً على األركان األساسية للدولة‪ :‬اإلقليم‪،‬‬
‫السكان‪ ،‬الهيئة الحاكمة ذات السيادة‪ ،‬ويحاول بعض فقهاء القانون الدولي إضافة ركن آخر هو االعتراف‬
‫بالدولة من قبل الدول األخرى‪ ،‬وسوف نتناول هذه األركان وما تثيره من قضايا في الفرع الموالي‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬أركان الدولة‬


‫كي يطلق على كيان سياسي معين اسم الدولة‪ ،‬ال بد له من توافر أربعة أركان‪ :‬السكان أو الجماعة‬
‫البشرية‪ ،‬اإلقليم والهيئة الحاكمة ذات السيادة‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬الجماعة البشرية‬


‫أي مجموعة األفراد والجماعات الذين تتكون منهم الدولة‪ ،‬ومن مميزات الجماعة البشرية المكونة‬
‫للدولة أنها جماعة مركبة‪ ،‬فهي تضم األفراد وجماعاتهم مثل األسر والجماعات المهنية واالجتماعية‬
‫وغيرها مثل األحياء والمدن … الخ‪ ،‬مما حدا بالبعض إلى القول بأن الدولة تضحي في النهاية نوعا ً من‬
‫االتحاد بين الجماعات أكثر منها إتحادا بين األفراد‪ ،‬وتثير فكرة شعب الدولة عددا ً من القضايا الهامة منها‪:‬‬

‫‪18‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬فكرة التمييز بين الشعب واألمة‪:‬‬
‫يمكن تعريف األمة بأنها جماعة بشرية تجمعها روابط متعددة كوحدة األصل واللغة والدين‬
‫والتاريخ والمشاعر والعادات التي تتكون على مدى تاريخي ممتد ومن خالل االستقرار على أرض‬
‫متصلة األجزاء غالبا ً مما يخلق لدى أفرادها اإلحساس باالنتماء المشترك والرغبة في العيش معا ً‬
‫واالعتقاد الجازم في وجود مصالح مشتركة ترجع إلى المقومات والخصائص المشتركة فيما بينهم‪.‬‬
‫أما الشعب فظاهرة سياسية تتمثل في ارتباط مجموعة من األفراد بنظام سياسي معين داخل محدد‬
‫وال يلزم فيه بالتالي أن يكون على هذه الدرجة من التجانس واالندماج التي هي من خصائص األمة‬
‫الواحدة‪.‬‬
‫وإذا كانت بعض الدول تتشكل من أمة واحدة أو كان لبعض األمم دولتها الخاصة‪ ،‬فإن دوال أخرى‬
‫مشكلة من عدة قوميات مختلفة األصول واللغة والدين والمشاعر والعادات لكنهم مع ذلك خاضعون‬
‫لسلطان دولة واحدة على إقليم معين‪( .‬ما يجعلها تتبنى النظام الفيدرالي كحالة الواليات المتحدة‬
‫األمريكية‪ ،‬كما أن بعض األمم موزعة على عدة دول وليس لها دولتها الخاصة (األكراد الموزعين‬
‫على عدة دول‪ :‬العراق‪ ،‬إيران‪ ،‬تركيا‪.)...‬‬
‫كما أن العديد من الشعوب قد اندرجت تحت ظل دولة واحدة رغم تباين ثقافاتها وعاداتها وتقاليدها‬
‫ومن ذلك السويسري مثال ‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬التمييز بين المدلوالت المختلفة للشعب‪:‬‬


‫تتنوع مدلوالت الشعب بحسب معناه االجتماعي أو السياسي‪.‬‬
‫‪ ‬فهناك مدلول الشعب بالمعني االجتماعي وهو مجموع األفراد اللذين ينتسبون إلى الدولة‬
‫عن طريق التمتع بجنسيتها ويقيمون على أرضها‪ .‬وهؤالء هم مواطنو الدولة الذين يتمتعون بسائر‬
‫الحقوق ويلتزمون بسائر الواجبات التي تمنحها لهم أو تلزمهم بها نظم الدولة ‪ ،‬وال تسقط عنهم هذه‬
‫الصفة لمجرد السفر خارج البالد حتى لو كان سفرا ً طويالً بل هجرة دائمة ما داموا لم يتنازلوا عن‬
‫جنسية دولتهم األصلية‪ ،‬كما أنه ال ليشمل سائر المقيمين علي أرض الدولة‪ ،‬كاألجانب الذين ال يحملون‬
‫جنسية الدولة وحتى لو كانت إقامة هؤالء دائمة ومستقرة ورغم خضوعهم بالطبع لسلطان قانون الدولة‬
‫التي يقيمون على أرضها‪.‬‬
‫‪ ‬وهناك المدلول السياسي للشعب والذي يقتصر على مجوعات منه فقطن وهي تتمتع بسائر‬
‫الحقوق السياسية خصوصا ً حق االنتخاب والترشيح‪ ،‬أي جمهور الناخبين‪ ،‬وهؤالء يمثلون مجموعات‬
‫أضيق كثيرا ً من تلك المجموعات التي تندرج تحت مفهوم الشعب بمعناه االجتماعي‪ ،‬إذ البد أن يخرج‬
‫العديد من أفراد ومجموعات الشعب بمعناه االجتماعي عن نطاق مفهوم الشعب بمعناه السياسي‪ ،‬كفاقدي‬
‫التمييز واألهلية وصغار السن والمجرمين الجنائيين‪ ،‬بل وفئات أخرى غيرهم‪ ،‬إذ قد يضيق مفهوم‬
‫الشعب بالمعنى السياسي إلى حدود بعيدة‪ ،‬حين ي حرم من حقوق االنتخاب طوائف عديدة من الشعب‪ ،‬مثل‬
‫الشباب الذين تقل أعمارهم عن سن محددة ‪ ،‬أو في حالة األخذ بنظام االقتراع المقيد الذي كان يشترط‬
‫فى مراحل سابقة بعض الشروط المالية أو الطبقية أو التعليمية لحصول األفراد على حقوقهم السياسية‬
‫الكاملة‪ .‬فكل من يحرم من الحقوق السياسية خصوصا ً حقوق االنتخاب يخرج عن نطاق الشعب بمفهومه‬
‫السياسي رغم بقائه داخل الشعب بمدلوله االجتماعي‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬اإلقليم‬


‫الركن الثاني من أركان قيام الدولة هو اإلقليم ‪ ..‬أي تلك الرقعة من األرض التي يقيم عليها شعب‬
‫الدولة وتمارس فيه سلطاتها أو سيادتها‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫فال يكفي وجود جماعة من البشر لنشوء دولة ما لم يقطن هؤالء البشر في قطعة معينة من‬
‫األرض على سبيل الدوام واالستقرار حتى لو كان هؤالء األفراد يخضعون لسلطة حاكمة كشأن القبائل‬
‫الرحل التي ال تستقر على أرض محددة وإن خضعت لسلطان شيخها أو شيوخها متى تعددوا‬
‫… ويشتمل إقليم الدولة على أرضها وبحرها وسمائها ‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬الرقعة األرضية‬


‫وهو مساحة األرض التي تخضع لسلطان الدولة وال يمتد هذا السلطان لخارجها‪ .‬ومن هنا يجب أن‬
‫يكون إقليم الدولة محددا ً‪ ،‬بحيث تنتهي سيادة الدولة عند حدود هذا اإلقليم لتبدأ حدود دولة أخرى‪.‬‬
‫وقد تكون الحدود بين الدول طبيعية كوجود جبال أو أنهار تفصل بينها‪ ،‬وقد تكون صناعية‬
‫كوضع عالمات من أبراج أو أسوار أو أعمدة أو خالفه‪ ،‬وقد تكون وهمية أو متصورة مثل خطوط‬
‫عرض أو طول … الخ‪.‬‬
‫وبينما تتوفر بعض دول العالم على إقليم منفصل ( اليابان مثال)‪ ،‬فإن أغلب الدول تتوفر على إقليم‬
‫متصل جغرافيا‪ ،‬و كذلك بينما تتوفر بعض الدول على إقليم شاسع‪ ،‬فإن بعضها اآلخر يتسم بضآلة إقليمه‬
‫( حاضرة الفاتيكان‪ ،‬الشيشل)‪ .‬ونشير بأن ال أهمية لمساحة إقليم الدولة في هذا الخصوص‪ ،‬فقد يكون‬
‫صغيرا ً أو كبيرا ً دون أن يؤثر ذلك على قيامها‪ ،‬وإن كان له تأثير بالغ بالطبع على قدراتها ومواردها‬
‫ونفوذها ومكانتها الدولية‪ ،‬كما أنه ال يؤثر في وجود إقليم الدولة أن تكون حدوده مبهمة أو غامضة فال‬
‫يشترط أن تكون حدود اإلقليم محددة بشكل قاطع‪.‬‬
‫قد تحدث ال خالفات والمنازعات والحروب بين الدول بخصوص حدودها المشتركة‪ ،‬الشيء الذي‬
‫يؤدي إلى تعيين الحدود بواسطة المعاهدات‪ ،‬أو من خالل االسترشاد بقواعد العرف الدولي في هذا‬
‫الخصوص‪،‬‬
‫أخيرا فإن اإلقليم األرضي يشمل جميع األعماق إلى ما النهاية بما تحويه من موارد وثروات‬
‫طبيعي ة كما يشمل جميع الظواهر من معالم طبيعية كوديان وأنهار وسهول وجبال … الخ‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬اإلقليم الجوي‬


‫و يتمثل في كافة طبقات الجو التي تعلو إقليم الدولة األرضي والمائي وإن علت‪ ،‬وقد لجأت الدول‬
‫في العصر الحالي إلى عقد االتفاقات المختلفة بشأن المالحة الجوية وتنظيم مرور الطائرات األجنبية‬
‫داخل اإلقليم الجوي لكل دولة ‪.‬‬
‫غير أن جانبا ً كبيرا ً من الفقهاء‪ ،‬بات يالحظ بحق أن فكرة سيطرة الدولة على إقليمها الجوي أي‬
‫طبقات الهواء التي تعلو إقليمها إلى ما النهاية في االرتفاع‪ ،‬باتت فكرة نظرية صعبة التحقيق بعد أن‬
‫أصبح في إمكان العديد من الدول إطالق الصواريخ وسفن الفضاء واألقمار الصناعية‪ ،‬لتخترق طبقات‬
‫الجو في سائر أنحاء العالم دون حاجة للحصول على موافقة الدولة المعنية‪ ،‬ودون توافر أية قدرة لدى‬
‫معظم الدول األخرى على مجرد رصد هذا االختراق فضالً عن مواجهته أو القضاء عليه‪.‬‬

‫الفقرة الثالثة‪ :‬الجزء المائي‬


‫ال خالف على أن هذا اإلقليم يشمل كل البحار واألنهار والبحيرات التي تقع ضمن حدود إقليم‬
‫الدولة األرضي‪ ،‬وال خالف على أن لسائر الدول الحق في نصيب من البحار العامة التي تالصق‬
‫أرضها‪ ،‬لكن الخالف وقع في حدود هذا النصيب‪ ،‬فمن قائل بأن هذه الحدود تتمثل في أقصى مدى تصل‬
‫إليه قذائف مدافع الدولة‪ ،‬ومن قائل بتحديده بثالثة أميال بحرية‪ ،‬ومنهم من قال ‪ 12‬ميالً بينما وصل‬
‫اآلخرون به إلى حدود الخمسين ميالً بحريا ً‪ ،‬إال إنه يوجد ما يشبه االتفاق على أن مسافة الثالثة أميال‬
‫هي الحد األدنى الذي يمكن للدولة الزيادة فيه ولكن فقط إلى الحد الذي يكون مقبوالً من الدول األخرى‬
‫التي يهمها األمر‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬الهيئة الحاكمة ذات السيادة‬
‫إن تواجد مجموعة من السكان فوق إقليم معين‪ ،‬ال يكفي لقيام الدلوة‪ ،‬بل ال بد لهذه األخيرة من‬
‫وجود هيئة حاكمة تمارس سلطات تنفيذية وتشريعية وقضائية على إقليم الدلو وسكانها ودون وصاية أو‬
‫تدخل خارجي‪.‬‬

‫وال يكفي أيضا لوجود الدولة ‪ ،‬توفرها على هيئة حاكمة‪ ،‬بل ال بد أن يرتبط حكمها بسيادة الدولة‬
‫والسيادة داخل الدولة‪.‬‬

‫أما السيادة الداخلية‪ ،‬فتقوم على تحديدها لنظامها بنفسها‪ ،‬وعدم وجود سلطة أسمى من سلطتها‪،‬‬
‫واحتكارها للقوة المسلحة دون سائر المجموعات المتواجدة على إقليمها من عائالت وأحزاب ونقابات‪،‬‬
‫بمعنى آخر‪ ،‬أن الدولة طبقا ً لهذا المفهوم هي التي تملك سلطة التشريع وتنظم القضاء وتشرف على‬
‫السجون دون منازع ودون حق لألفراد أو الجماعات في االعتراض‪ ،‬إال من خالل الوسائل والطرق‬
‫المشروعة المنصوص عليها في قانون الدولة‪.‬‬

‫في حين تعني سيادة الدولة خارجيا‪ ،‬عدم خضوعها لسلطة خارجية وإبرامها لمعاهدات متكافئة‬
‫برضاها‪ ،‬مع اإلشارة إلى أن أغلب الدولة تعرف تقييدا قانونيا أو واقعيا لسيادتها‪ :‬فالتقييد القانوني يرجع‬
‫إلى المعا هدات الدولية التي تقبل فيها تنازالت متبادلة عن السيادة مع دولة أخرى‪ ،‬والتقييد الفعلي‬
‫بالضغوط الخارجية والتدخالت والمعاهدات غير المتكافئة‪.‬‬

‫أخيرا‪ ،‬نشير إلى أن هناك استثناءات لحالة الخضوع المطلق لقوانين الدولة فوق إقليمها‪ ،‬و تتعلق‬
‫بأحكام القانون الدولي والمعاهدات الدولية‪ ،‬فمثالً تظل السفارات األجنبية على أرض الدولة خاضعة‬
‫لسيادة الدولة صاحبة السفارة وجزءا ً من أرضها وكذلك الطائرات والسفن البحرية فإنها تخضع للدول‬
‫التي تحمل جنسيتها حتى لو كانت راسية على أرض أو في سماء أو في بحار دولة أخرى ‪ .‬وكذلك فإنه‬
‫متى وقعت الدولة اتفاقية دولية مع دولة أخرى بخصوص أمالك كل منهما على أراضي الدولة األخرى‬
‫فإن هذه االتفاقية تكون هي السارية على هذه األمالك وليس قوانين الدولة الداخلية ‪ ،‬وما يرد على‬
‫األمالك والسفارات واألموال يرد أيضا ً على األفراد من ممثلي الدول والمنظمات الدولية وكذلك أمالك‬
‫هذه المنظمات‪.‬‬

‫فهؤالء جميعا ً ال يخضعون للسلطان القانوني للدولة التي يعملون بها ويقيمون على أرضها إال في‬
‫حدود القوانين واألعراف الدولية وكذلك االتفاقيات الدولية سواء كانت اتفاقيات جماعية أو اتفاقيات ثنائية‬
‫وقعتها الدولة المعنية‪.‬‬

‫وعموما‪ ،‬فإن هذه االستثناءات ال تخل بفكرة السيادة وال تعتبر خروجا ً عليها‪ ،‬ذلك أنها في أغلب‬
‫األحوال ما تزال معتمدة على سلطة الدولة وسلطانها في التوقيع على المعاهدات واالتفاقات الدولية‪.‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬االعتراف الدولي‬


‫هناك اتجاه قوي في فقه القانون الدولي‪ ،‬العتبار االعتراف الدولي ركنًا خام ًسا ‪ ،‬وأحد األركان‬
‫األساسية لتكوين الدولة‪ ،‬سيما بعد التطور العلمي والتكنولوجي الذي يشهده العالم المعاصر‪ ،‬األمر الذي‬
‫جعل المصالح السياسية واالقتصادية والثقافية‪ ،‬تتخطى حدود دولها‪ ،‬وما تستلزمه هذه الضرورة من‬
‫كبيرا في هذا الشأن‪ ،‬كونها تضم إلى‬
‫ً‬ ‫دورا‬
‫اعتراف متبادل بين دول العالم‪ ،‬وتلعب هيئة األمم المتحدة ً‬
‫‪21‬‬
‫عضويتها الدول ذات السيادة فقط‪ ،‬بل إن البعض يعتبر عضوية الدولة في هذه الهيئة‪ ،‬من المعايير‬
‫المميزة للدولة‪.‬‬

‫مع كل ذلك‪ ،‬فال بد من القول‪ ،‬إن هذا الركن ال يحتل األهمية التي تتمتع بها بقية األركان األربعة‬
‫المذكورة‪ ،‬كون الواقع الدولي قد عرف أنواعا من الدول‪ ،‬لم يتم االعتراف بها من قبل العديد من دول‬
‫العالم‪ ،‬ومع ذلك فقد تم (التعامل معها) كشعوب مستقلة‪ ،‬على بقع من األرض معلومة الحدود‪ ،‬تمتلك‬
‫حكوماتها السيادة الداخلية والخارجية‪ ،‬وهو كل ما تحتاج إليه الدولة كي تتسمى بهذا االسم‪ ،‬لذلك فإن‬
‫الجانب الراجح ال يرى لالعتراف هذه األهمية القصوى التي تجعله عنصرا ً من عناصر نشأة الدولة‬
‫واكتسابها لكيانها القانوني‪ ،‬وإنما هو مسألة الحقة لقيام الدولة باكتمال عناصرها الثالثة السابقة‪ ،‬وبالتالي‬
‫يقتصر أثره على اكتساب الدولة الجديدة لسيادتها الخارجية في مواجهه الدولة التي اعترفت بها فقط‪.‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬أشكال الدولة‬


‫يمكن تناوله من زاويتين قانونية وسياسية‪:‬‬

‫‪ ‬فمن الناحية السياسية‪ :‬يحدد شكل الدولة بالعودة للفلسفة السياسية واإليديولوجية التي‬
‫تسعى إلى تطبيقها وتخدمها وفي هذا الشأن‪ ،‬وبذلك تصنف الدول إلى ليبيرالية أو‬
‫اشتراكية ديكتاتورية أو تحكمية‪ ،...‬أي أننا في الواقع ننتقل من تصنيف ألشكال الدول‬
‫إلى تصنيف لألنظمة السياسية‪.‬‬
‫‪ ‬أما من الناحية القانونية‪ ،‬فإنه يتم العودة للهيكل الداخلي لسلطة الدولة الستنباط شكلها‪،‬‬
‫وحسبما ما إذا كانت هذ ه السلطة نابعة من مركز واحد أو مراكز متعددة‪ ،‬فإننا نوجد‬
‫إزاء صنفين‪ :‬الدولة الموحدة والدولة الفيدرالية أو الدولة البسيطة والدولة المركبة‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬أشكال الدول من حيث التكوين‪ /‬الدولة الموحدة واالتحادية‬


‫تقسم الدول من حيث التكوين إلى دول موحدة أو بسيطة ‪ ،‬ودول اتحادية ‪.‬‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬الدولة الموحدة أو البسيطة‬

‫الدولة البسيطة‪ ،‬هي الدولة التي تكون فيها السيادة موحدة ‪ ،‬وتبدو الدولة وكأنها وحدة واحدة‬
‫متجانسة مندمجة اندماجا كليا ‪ ،‬وتظهر هذه الدولة ‪ ،‬حينما تتكامل عناصرها الرئيسية ( الشعب‪ -‬اإلقليم‬
‫– السلطة)‪.‬‬

‫وتجمع السلطة السياسية في هذه الدولة في يدي حكومة واحدة ‪ ،‬أو قد يذهب في اتجاه تقسيم‬
‫السلطات بين الحكومة المركزية والوحدات المحلية ( الالمركزية) ‪ ،‬إذ غدت الحكومة المركزية عاجزة‬
‫عن القيام بكل الوظائف والمهام التي يلزمها القانون بإشباعها ‪ ،‬بفعل توسع الدولة وازدياد عدد سكانها‬
‫وتضخم حجم المهام الملقاة على عاتقها نتيجة للخروج من دور الدولة الحارسة والدخول في دور الدولة‬
‫التدخلية‪ ،‬هذا إضافة إلى ما يفرزه التقدم العلمي والتكنولوجي من مبتكرات حديثة ومتسارعة‪ ،‬األمر الذي‬
‫يجعل إشباع كل هذه االحتياجات من قبل السلطة المركزية أمر شبه مستحيل‪.‬‬

‫وبصفة عامة تتسم الدولة الموحدة بالخصائص التالية ‪:‬‬


‫‪22‬‬
‫وحدة السيادة‪.‬‬ ‫‪.1‬‬
‫حدة السلطة السياسية‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫وحدة اإلقليم‪.‬‬ ‫‪.3‬‬
‫وحدة الدستور‪.‬‬ ‫‪.4‬‬
‫وحدة الجنسية‪.‬‬ ‫‪.5‬‬
‫وحدة الشخصية الدولية‪.‬‬ ‫‪.6‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬الدولة المركبة (االتحادية)‪.‬‬

‫الدولة المركبة‪ ،‬هي الدولة التي اتحدت مع غيرها لتحقيق أهداف مشتركة تعجز كل منها عن‬
‫تحقيقها بمفردها ‪ ،‬وتقسم الدولة االتحادية عموما إلى نوعين رئيسيين‪:‬‬

‫أوال‪ :‬االتحاد الكونفيدرالي‬

‫ينشأ هذا االتحاد عن انضمام دولتين كاملتي السيادة أو أكثر إلى اتحاد تنظمه معاهدة تبرم بين‬
‫دول االتحاد بقصد تحقيق غايات مشتركة ‪ ،‬ونشأ أول اتحاد كونفيدرالي في العالم سنة ‪ 1776‬بين‬
‫الواليات األمريكية الثالث عشرة المستقلة عن بريطانيا ‪ ،‬ومن قبيل هذا االتحاد ‪ ،‬االتحاد األلماني سنة‬
‫‪ 1815‬االتحاد الكونفيدرالي ( االستقاللي ‪ -‬التعاهدي) ‪.‬‬
‫ويتسم االتحاد التعاهدي (االستقاللي – الكونفيدرالي) بالخصائص التالية ‪:‬‬

‫‪ .1‬إنه ال ينشأ شخصية دولية جديدة‪.‬‬


‫‪ .2‬استقالل كل دولة برئيسها‪.‬‬
‫‪ .3‬عدم سريان المعاهدة التي تعقدها إحدى دول االتحاد في مواجهة باقي الدول‪.‬‬
‫‪ .4‬احتفاظ دول االتحاد بشخصيتها الدولية‪.‬‬
‫‪ .5‬ليس لالتحاد سلطة مباشرة على رعايا دول االتحاد‪.‬‬
‫‪ .6‬تعد الحرب بين دول االتحاد حرب دولية‪.‬‬
‫‪ .7‬دخول إحدى دول االتحاد في حرب ال تلزم باقي الدول االشتراك فيها‪.‬‬
‫‪ .8‬احتفاظ كل دولة بسيادتها الداخلية‪.‬‬
‫‪ .9‬استقالل دول االتحاد بسلطاتها الثالث ( التشريعية – التنفيذية – القضائية)‬
‫‪ .10‬احتفاظ كل دولة بجنسيتها‪.‬‬
‫‪ .11‬احتفاظ كل دولة بدستورها‪.‬‬
‫‪ .12‬احتفاظ كل دولة بمواردها االقتصادية‪.‬‬
‫‪ .13‬احتفاظ كل دولة بوحدة إقليمها‪.‬‬
‫‪ .14‬احتفاظ كل دولة بنظامها الدستوري‪.‬‬
‫‪ .15‬يمكن إنشاء هذا االتحاد في ظل النظامين الملكي والجمهوري‪.‬‬
‫‪ .16‬يخضع تنظيم هذا االتحاد ألحكام القانون الدولي( تنظمه المعاهدات الدولية)‪.‬‬
‫‪ .17‬لدول االتحاد إعالن انسحابها منه متى شاءت ‪ ،‬سواء أشار صك االتحاد إلى هذا الحق أم لم‬
‫يشر ‪ ،‬ويذهب جانب من الفقه إلى أن هذا الحق يثبت للدولة وإن نص صك االتحاد صراحة على‬
‫عدم جواز االنسحاب منه ‪ ،‬وبالمقابل لالتحاد إنهاء عضوية أيا من أعضائه إذا خالف بنود‬
‫االتفاق الواردة في صك االتحاد‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫والجدير بالذكر إن االتحاد التعاهدي (االستقاللي– الكونفيدرالي) اتحاد ضعيف مؤقت مآله الزوال‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬االتحاد الفيدرالي ( المركزي)‬


‫أوال النشأة‪ :‬ينشأ عن هذا االتحاد من اندماج وانصهار عدة دول في دولة واحدة ‪ ،‬بحيث تفقد الدول‬
‫األعضاء شخصيتها الدولية وتغدو بعد قيام االتحاد مجرد واليات أو دويالت تابعة لالتحاد‪.‬‬

‫وينشأ عن االتحاد شخصية دولية جديدة ‪ ،‬هي شخصية دولة االتحاد الفيدرالي التي تتمتع وحدها بكافة‬
‫مظاهر السيادة الخارجية وبجزء من السيادة الداخلية ‪.‬‬

‫ويعد االتحاد الفيدرالي تتويجا لسائر أ نواع االتحادات األخرى ‪ ،‬فهذا النوع من االتحادات أخرها ظهورا‬
‫وأقواها رابطة ‪ ،‬ونشأ أول اتحاد فيدرالي في العالم في الواليات المتحدة األمريكية سنة ‪.1787‬‬

‫لقد أثارت مسألة األخذ باالتحاد الفيدرالي خالفا فقهيا طويال بين مؤيد ومعارض ‪ ،‬فقد نجح هذا‬
‫النظام في بعض الدول نجاحا منقطع النظير‪ ،‬وكان سبب في قوتها ‪ ،‬وربما تسيدها على العالم ‪ ،‬كما في‬
‫الواليات المتحدة واالتحاد السوفيتي السابق‪.‬‬

‫ومع نجاح هذا النظام في بعض الدول فشل في دول أخرى ‪ ،‬وكان سببا في مأساة ومعانات‬
‫شعوب هذه الدول كما في يوغسالفيا السابقة‪.‬‬

‫وعلى حد سواء مع االتحادات األخرى‪ ،‬وقف وراء تبني النظام الفيدرالي عدة أسباب‪ ،‬فهذا‬
‫االتحاد وسيلة لتقوية الروابط التي توح دها االتحادات األخرى‪ ،‬فمن خالل هذا االتحاد يتم دمج شعوب‬
‫الواليات الداخلة في االتحاد‪ ،‬متجاوزا عقبات االختالف والتباين اللغوي والديني والعرقي‪ .‬فمن خالل‬
‫ا التحاد الفيدرالي تم دمج الشعوب الناطقة بلغات متعددة في دولة واحدة ‪ ،‬كما في سويسرا‬
‫وتشيكوسلوفاكيا‪.‬‬

‫وفي الهند جمع النظام الفيدرالي بين المسلمين والهندوس والسيخ والبوذيين في دولة واحدة‪ ،‬وكذا‬
‫األمر في بريطانيا ‪ ،‬حيث وحد االتحاد الفيدرالي بين البروتستانت والكاثوليك واألرثوذكس وجميعهم في‬
‫دولة واحدة وكأنهم دولة موحدة‪.‬‬

‫وقد يكون االتحاد الفيدرالي وسيلة إلدارة الدولة ذات الرقعة الجغرافية الواسعة‪ ،‬ولنا في روسيا‬
‫خير مثال على ذلك ‪ ،‬فالسهل الروسي ال يمتد إلى جبال األوراس حسب‪ ،‬بل إلى وسط أسيا وسيبيريا‬
‫أيضا ‪.‬‬

‫وربما كان عنصر القوة والرغبة في توحيد الجهود لمواجهة الخطر الخارجي‪ ،‬العامل األقوى‬
‫لنشأت االتحاد الفيدرالي ‪ ،‬فلهذا السبب يعود نشأت االتحاد الفيدرالي أول مرة في الواليات المتحدة‬
‫األمريكية‪ ،‬فبعد إعالن المستعمرات الثالث عشرة استقاللها عن بريطانيا سنة ‪ ،1776‬وظلت هذه الدول‬
‫ترتبط باتحاد كونفيدرالي مفكك وبلغ ضعف حكوماتها حد هدد بقاءها وكوسيلة إلثبات جدارتها بحكم‬
‫نفسها وضمانا لمواجهة التحديات الخارجية السيما البريطانية منها‪ ،‬اتجهت هذه الدول إلقامة رباط أكثر‬
‫قوة‪ ،‬ووجدت هذه الدول أن االتحاد الفيدرالي هو النظام األمثل الذي يحقق لها ما تصبوا إليه من القوة‬
‫والرفعة‪.‬‬

‫‪ -‬ثانيا االختصاصات‪ :‬يتسم االتحاد الفيدرالي بالخصائص التالية‪:‬‬

‫‪24‬‬
‫‪ .1‬فناء الشخصية الدولية للدويالت الداخلة في االتحاد ‪ ،‬وظهور شخصية دولية جديدة هي شخصية‬
‫الدولة االتحادية‪.‬‬
‫‪ .2‬لالتحاد سلطة مباشرة على رعاية الواليات الداخلة في االتحاد‪.‬‬
‫‪ .3‬اضطالع السلطة المركزية ( الحكومة الفيدرالية ) بسائر الشؤون الخارجية لفناء الشخصية‬
‫الدولية لدويالت االتحاد فتدخل الدولة الجديدة في عالقات دولية مع غيرها من الدول وتمثل في‬
‫المنظمات الدولية واإلقليمية وتبرم المعاهدات وتتبادل التمثيل الدبلوماسي وتقرر الحرب والسالم‬
‫‪ .4‬تعد الحرب بين دويالت االتحاد حربا أهلية‪.‬‬
‫‪ .5‬عدم تنازل دويالت االتحاد إال عن بعض اختصاصاتها الداخلية لالتحاد وتحفظ بباقي‬
‫االختصاصات‪.‬‬
‫‪ .6‬استقالل كل والية بسلطاتها العامة ( التشريعية والتنفيذية والقضائية ) ‪ ،‬مع ممارسة‬
‫اختصاصاتها وصالحياتها في حدود إقليمها وعلى شعبها فقط‪ ،‬إذ أن دويالت االتحاد الفيدرالي‬
‫هي أقسام إدارية كما في إقليم الدولة الموحدة أو البسيطة ‪.‬‬
‫‪ .7‬وحدة الجنسية وهي جنسية الدولة الجديدة ‪.‬‬
‫‪ .8‬وحدة الدستور في الدولة مع احتفاظ كل دويلة بحق وضع دستور خاص بها شرطة أال يتعارض‬
‫مع الدستور الموحد للدولة الفيدرالية‬
‫‪ .9‬احتفاظ الواليات بوحدة إقليمها والتي ال يمكن أن تمس أو تعدل إال بموافقتها‪.‬‬
‫‪ .10‬احتفاظ كل دويلة بحق تنظيم سلطاتها الدستورية وبما يتالءم وظروفها ‪ ،‬فهي غير ملزمة‬
‫باتخاذ أنظمة موحدة ‪ ،‬وهذا يسمح بطرح عدة تجارب دستورية ‪ ،‬وقد يستشف االتحاد نظامه‬
‫الدستوري من تجربة إحدى الواليات الناجحة‪.‬‬
‫‪ .11‬يصلح هذا االتحاد للتطبيق في ظل النظامين الملكي والجمهوري‪.‬‬
‫‪ .12‬يخضع تنظيم هذا االتحاد ألحكام القانون الدستوري ‪ ،‬على خالف االتحادات األخرى التي‬
‫تخضع ألحكام القانون الدولي ذلك أن المعاهدات الدولية تنظم العالقات بين الدول أما القانون‬
‫الدستوري فينظم عالقات الدولة الواحدة‪ ،‬وحيث أن الواليات الداخلة في االتحاد الفيدرالي‬
‫تنصهر وتندمج في دولة االتحاد وتفنى شخصيتها الدولية وال تبقى سوى شخصية االتحاد الدولية‬
‫‪ ،‬من هنا ينظم القانون الدستوري عمل ونشاط هذه الشخصية الدولية الجديدة وعلى حد سواء مع‬
‫الدولة الموحدة أو البسيطة‪ ،‬وانطالقا من ذلك أطلق بعض الفقه على االتحاد الفيدرالي ‪ ،‬االتحاد‬
‫الدستوري‪ ،‬باعتبار أن هذه التسمية اقرب إلى واقع الدولة الجديدة وتعبيرا عن تنظيم القانون‬
‫الدستوري لها‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬الحزب السياسي‬

‫لعله من الصعوبة تقديم تعريف جامع مانع لطاهرة مركبة تتسم بالشمولية و التركيب مثل ظاهرة‬
‫الحزب السياسي‪ ،‬و ربما يرجع ذلك الختالف اآلراء و الخلفية اإليديولوجية التي تقف وراء الذين‬
‫اجتهدوا في وضع تعريف لهذا المفهوم‬

‫المطلب االول‪ :‬تعريف الحزب السياسي‬

‫تعددت التعريفات الخاصة باالحزب السياساي‪ ،‬علاى أناه ومان واقاع النظار لهاذه التعريفاات‪،‬‬
‫يمكن اإلشارة إلى أن الحزب السياسي هو ‪ " :‬اتحاد بين مجموعة من األفاراد ‪ ،‬بغارض العمال معاا ً‬

‫‪25‬‬
‫لتحقياق مصالحة عاماة معيناة ‪ ،‬وفقاا ً لمبااد خاصااة متفقاين عليهاا ‪ .‬وللحازب هيكال تنظيماي يجمااع‬
‫قادته وأعضااءه ‪ ،‬ولاه جهااز إداري معااون‪ ،‬ويساعى الحازب إلاى توسايع دائارة أنصااره باين أفاراد‬
‫الشعب" ‪.‬‬
‫كما يمكن تعريفاه بأناه ‪ " :‬منظماة طويلاة األماد‪ ،‬بمعناى أن ديمومتهاا تفاوق عمار مسايرها‪،‬‬
‫ذات هيكلااة كاملااة ( محليااة أو جهويااة أو وطنيااة عكااس الفريااق البرلماااني المقتصاار علااى النااواب)‪،‬‬
‫وهااذه المنظمااة الطويلااة األمااد وذات الهيكلااة العامااة تسااعى للحصااول علااى تأييااد شااعبي‪ ( ،‬عكااس‬
‫النوادي الفكرية التي يقتصر نشاطها على روادها)‪ ،‬للوصاول إلاى الحكام وتطبياق سياساة الحازب (‬
‫وهااذا السااعي للوصااول إلااى الحكاام هااو الااذي يميااز الحاازب عاان الجماعااة الضاااعطة التااي تحاااول‬
‫التأثير على الحكم وليس الوصول إليه)‪.‬‬

‫و بتعبير أكثر وضوح‪ ،‬يعارف "جورجاو بوردياو" الحازب‪ ،‬بأناه ‪ " :‬تنظايم يضام مجموعاة‬
‫من األفراد بنفس الرؤية السياسية‪ ،‬تعمل على وضع أفكارها موضوع التنفيذ‪ ،‬و ذلك بالعمل فاي نن‬
‫واحد‪ ،‬على ضم أكبر عدد ممكن مان الماواطنين فاي صافوفها‪ ،‬و علاى تاولي الحكام او علاى األقال‬
‫التأثير في قرارات السلطات الحاكمة"‪.‬‬

‫وتعد األحزاب السياسية إحدى أدوات التنمية السياسية في العصر الحديث ‪ .‬فكما تعبر‬
‫سياسة التصنيع عن مضمون التنمية االقتصادية ‪ ،‬تعبر األحزاب والنظام الحزبي عن درجة‬
‫التنمية السياسية في النظام السياسي ‪ .‬وهي من جهة أخرى‪ ،‬هي إحدى الطرق التي تعبر بها األمة‬
‫عن حقها في المشاركة في الحكم‪ ،‬فهي أداة للحكم أو المعارضة حسبما تملكه من أغلبية أو أقلية‪،‬‬
‫و تساهم بذلك في صنع إرادة األمة كما أنها ركيزة أساسية تقوم عليها األنظمة الديمقراطية‪.‬‬

‫فاألفراد وحدهم ال يمكنهم تحقيق أهداف سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية إال بتنسيق‬
‫الجهود و الوحدة و التضامن فيما بينهم وال يمكن لهذا التضامن أن يصبح فعاال إال إذا نظم و‬
‫توحدت الجهود في إطاره حزب سياسي ‪.‬‬

‫و قد أصبحت األحزاب السياسية عنصرا دائما و طبيعيا و عالميا في كل األنظمة السياسية‬


‫سواء كانت أنظمة ديمقراطية أو استبدادية ‪ ،‬ليبرالية أو اشتراكية‪ ،‬متقدمة أو نامية من خالل‬
‫دورها الفعال في الحياة السياسية و ضرورة ال بد منها‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬نشأة األحزاب السياسية‬


‫يرررى الكثيررر مررن البرراحثين أن األحررزاب السياسررية لررم تنشرأ نشررأة واحرردة ‪ ،‬بررل نشررأت بأشرركال‬
‫وألسباب مختلفة ‪ ،‬أهمها خمسة ‪:‬‬

‫‪ -1‬ارتباط ظهور األحزاب السياسية بالبرلمانات‪ ،‬ووظائفها في النظم السياسية المختلفة‪.‬‬


‫إذ أنه مع وجود البرلمانات ظهرت الكتل النيابية ‪ ،‬التي كانت النواة لبزوغ األحزاب ‪،‬‬
‫حيث أصبح هناك تعاون بين أعضاء البرل مانات المتشابهين في األفكار‬
‫واإليديولوجيات أو المصالح ‪ ،‬ومع مرور الوقت تلمس هؤالء حتمية العمل المشترك‪.‬‬

‫‪ -2‬ارتباط ظهور األحزاب السياسية بالتجارب االنتخابية في العديد من بلدان العالم ‪،‬‬
‫وهي التجارب التي بدأت مع سيادة مبدأ االقتراع العام ‪ ،‬عوضا ً عن مقاعد الوراثة‬
‫ومقاعد النبالء ‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫‪ -3‬ظهور منظمات الشباب والجمعيات الفكرية والهيئات الدينية والنقابات‪ ،‬وقد سعى‬
‫بعض هذه المؤسسات لتنظيم نفسها بشكل أكبر من كونها جماعات مصالح تحقق‬
‫الخدمة ألعضائها ‪.‬‬

‫‪ -4‬ارتباط نشأة األحزاب السياسية (في بعض األحيان وليس دائماً) بوجود أزمات التنمية‬
‫السياسية ‪ .‬فأزمات مثل الشرعية والمشاركة واالندماج أدت إلى نشأة العديد من‬
‫األحزاب السياسية ‪ .‬ومن األحزاب التي نشأت بموجب أزمة الشرعية ‪ ،‬وما تبعها من‬
‫أزمة مشاركة ‪ ،‬األحزاب السياسية الفرنسية التي نشأت إبان الحكم الملكي في أواخر‬
‫القرن الـ‪ ، 18‬وخالل الحكم االستعماري الفرنسي في خمسينات القرن الماضي ‪.‬‬
‫وبالنسبة ألزمة االندماج ‪ ،‬فقد أفرخت في كثير من األحيان أحزابا ً قومية ‪ ،‬وفي هذا‬
‫الصدد يشار على سبيل المثال إلى بعض األحزاب األلمانية واإليطالية ‪ ،‬إضافة لبعض‬
‫األحزاب العربية التي جعلت من الوحدة العربية والفكرة القومية هدفا ً لها‪.‬‬

‫‪ -5‬ظهور األحزاب السياسية كنتيجة لقيام بعض الجماعات على تنظيم نفسها لمواجهة‬
‫االستعمار والتحرر من نير االحتالل األجنبي ‪ ،‬وهو األمر الذي يمكن تلمسه على‬
‫وجه الخصوص في الجيل األول من األحزاب السياسية التي ظهرت في بعض بلدان‬
‫العالم العربي وأفريقيا ‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬وظائف الحزب السياسي‪:‬‬


‫من أسس تقييم الحزب السياسي‪ ،‬مدى قيامه بتحقيق الوظائف العامة المنوطة باألحزاب ‪،‬‬
‫والمتعارف عليها في أدبيات النظم السياسية‪ .‬وهناك اآلن العديد من الهام والوظائف التي تقوم بها‬
‫األحزاب السياسية‪ ،‬وهي كما قلنا‪ ،‬تختلف باختالف النظام الحزبي القائم ‪ ،‬لكن أهمها على وجه‬
‫العموم هي‪:‬‬

‫‪ -1‬وظيفة التعبئة‪ :‬تعني حشد الدعم والتأييد لسياسات النظام السياسي من قبل المواطنين‪،‬‬
‫وتعتبر وظيفة التعبئة بطبيعت ها‪ ،‬وظيفة أحادية االتجاه‪ ،‬بمعنى أنها تتم من قبل النظام‬
‫السياسي للمواطنين‪ ،‬وليس العكس ‪ .‬ولكن يمكن لألحزاب أن تلعب دور الوسيط لحشد‬
‫التأييد لسياسة النظام خصوصا إذا كانت عل وفاق معه كليا أو على بعض القضايا الوطنية‬
‫التي تحظى باإلجماع‪.‬‬

‫‪ -2‬توفير قنوات للمشاركة الشعبية ولالتصال الجماهيري‪ .‬بمعنى آخر ‪ ،‬أن مهمة األحزاب هي‬
‫سد الفراغ الناشب عن إحساس الهيئة الناخبة بالحاجة لالتصال مع الهيئة الحاكمة‪.‬‬

‫‪ -3‬ا لحصول على تأييد الجماعات واألفراد ‪ ،‬بغية تسهيل الهدف المركزي من وجود الحزب‬
‫وهو الوصول إلى السلطة واالستيالء على الحكم بالوسائل السلمية‪.‬‬

‫‪ -4‬الوظيفة التنموية‪ :‬تتمثل تلك الوظيفة في قيام األحزاب بإنعاش الحياة السياسية في المجتمع‬
‫‪ ،‬األمر الذي يدعم العملية الديمقراطية ‪ ،‬واالتجاه نحو اإلصالح السياسي والتحول‬
‫الديمقراطي في النظم السياسية المقيدة ‪ .‬وقد طرحت العديد من األدبيات المتخصصة في‬
‫دراسة األحزاب السياسية‪ ،‬مسألة وجود األحزاب ‪ ،‬وكيف أنها تلعب دورا ً فاعالً في عملية‬
‫التداول السلمي للسلطة من خالل االنتخابات ‪ ،‬وكذلك دورها في إنعاش مؤسسات المجتمع‬
‫المدني ممثالً في مؤسسات عديدة ‪ ،‬وتقديم الخدمات بشكل مباشر للمواطنين من خالل‬

‫‪27‬‬
‫المساهمة في حل مشكالتهم ‪ .‬ناهيك عن قيام األحزاب بلعب دور مؤثر في التفاعل‬
‫السياسي داخل البرلمانات ‪ ،‬خاصة في عمليتي التشريع والرقابة‪.‬‬

‫‪ -5‬وظيفة االندماج القومي ‪ :‬تنطوي هذه الوظيفة على أهمية خاصة في البلدان النامية ‪ ،‬حيث‬
‫تبرز المشكالت القومية والعرقية والدينية والنوعية وغيرها في تلك البلدان ‪ ،‬في ظل‬
‫ميراث قوى من انتهاكات حقوق اإلنسان‪.‬‬

‫‪ -6‬التجنيد السياسي ‪ :‬يعني عملية اختيار أفراد للعب أدوار أو شغل وظائف داخل الدولة ‪ ،‬من‬
‫خالل التعيين أو عبر االنتخابات ‪ ،‬فالحزب السياسي الذي يصل إلى السلطة يقوم بتشكيل‬
‫الحكومة و تعيين إطاراته في المناصب و وظائف الشؤون العامة‪.‬‬

‫‪ -7‬التنشئة السياسية ‪ :‬تعني التلقين والتربية على القيم و االتجاهات السياسية و األنماط‬
‫االجتماعية ذات المغزى السياسي ‪ ،‬بمعنى نقل الثقافة السياسية من جيل إلى جيل ‪ ،‬حيث‬
‫تعتبر األحزاب السياسية من المؤسسات المكونة لرؤية المواطن للمجتمع و السياسة عبر‬
‫نشاطاتها التثقيفية‪.‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬أنواع األحزاب‬

‫يشير تنوع األحزاب إلى وصف شكل النظام الحزبي القائم في الدولة‪ ،‬عموما هناك ثالثة‬
‫أنوع من األحزاب‪ :‬أحزاب إيديولوجية‪ ،‬أحزاب برجماتية‪ ،‬وأحزاب أشخاص‪.‬‬

‫‪ -1‬األحزاب اإليديولوجية أو أحزاب البرامج‪ :‬و هي األحزاب التي تتمسك بمبادئ أو إيديولوجيات‬
‫وأفكار محددة ومميزة‪ .‬ويعد التمسك بها وما ينتج عنها من برامج أهم شروط عضوية الحزب‪.‬‬
‫‪ -2‬األحزاب البرجماتية ‪ :‬يتسم هذا النوع من األحزاب بوجود تنظيم حزبي له برنامج يتصف‬
‫بالمرونة مع متغيرات الواقع ‪ .‬بمعنى إمكانية تغيير هذا البرنامج أو تغيير الخط العام للحزب وفقا ً‬
‫لتطور الظروف‬
‫‪ -3‬أحزاب األشخاص‪ :‬هي من مسماها ترتبط بشخص أو زعيم‪ .‬فالزعيم هو الذي ينشئ الحزب‬
‫ويقوده ويحدد مساره ويغير هذا المسار‪ ،‬دون خشية من نقص والء بعض األعضاء له ‪ .‬وهذا‬
‫االنتماء للزعيم مرده لقدرته الكاريزمية أو الطابع القبلي أو الطبقي الذي يمثله الزعيم‪ .‬وتظهر تلك‬
‫األحزاب في بعض بلدان الشرق األوسط وأمريكا الالتينية ‪ ،‬حيث انتشار البيئة القبلية ‪ ،‬وتدني‬
‫مستوى التعليم‪.‬‬

‫المطلب الخامس‪ :‬تصنيف النظم الحزبية‬

‫هناك فارق كبير وجوهري بين أنواع األحزاب وتصنيف النظم الحزبية ‪ .‬فاألول تصنيف للحزب‬
‫نفسه من الداخل ‪ .‬أما تصنيف النظم الحزبية ‪ ،‬فهو أمر يهدف إلى وصف شكل النظام الحزبي القائم في‬
‫الدولة‪.‬‬
‫تختلف النظم الحزبية باختالف شكل النظام السياسي ‪ ،‬والمعروف أن هناك ثالثة أشكال رئيسية‬
‫من النظم السياسية ‪ ،‬هي النظام الديمقراطي ‪ ،‬والنظام الشمولي ‪ ،‬والنظام التسلطي‪ .‬وتبعا لذلك هناك عدة‬
‫تصنيفات للنظم الحزبية‪ ،‬لكن أكثرها شيوعا ً هي النظم الحزبية التنافسية والنظم الحزبية الالتنافسية‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫أ ‪ -‬النظم الحزبية التنافسية‬

‫تشتمل النظم الحزبية التنافسية على ثالثة أنواع هي نظم التعددية الحزبية ‪ ،‬ونظام الحزبين ‪ ،‬ونظام‬
‫الحزب المهيمن ‪:‬‬

‫‪ -1‬نظام التعدد الحزبي ‪ :‬ويتسم هذا النظام بوجود عدة أحزاب متفاوتة في تأثيرها ‪ ،‬مما‬
‫يؤدي إلى استقطاب حزبي ينعكس على الرأي العام (حالة إيطاليا‪ -‬ألمانيا – بلجيكا –‬
‫هولندا – النرويج – الدانمرك )‪.‬‬

‫‪ -2‬نظام الحزبين الكبيرين ‪ :‬تبرز الواليات المتحدة األمريكية وبريطانيا كنموذجين بارزين‬
‫ضمن هذا التصنيف ‪ .‬وفي هذا النظام يوجد عدد كبير من األحزاب ‪ ،‬لكن به حزبان‬
‫كبيران يتبادالن موقع السلطة في النظام السياسي ‪ ،‬ويوجد قدر كبير من التنافس بين‬
‫الحزبين للحصول على األغلبية‪.‬‬

‫‪ -3‬نظام الحزب المهيمن ‪ :‬وفي هذا النظام توجد أحزاب سياسية كثيرة‪ ،‬وهي أحزاب‬
‫منافسه للحزب الغالب أو المهيمن أو المسيطر ‪ ،‬لكن منافستها له هي منافسة نظرية ‪.‬‬
‫ويعتبر هذا النموذج من النماذج األساسية لألحزاب السياسية في النظم التعددية في‬
‫البلدان النامية ‪ ،‬وإن ظهر في دول ديمقراطية –بغض النظر عن درجة نموها‬
‫االقتصادي‪ -‬مثل اليابان والهند عقب الحرب العالمية الثانية وفي سبعينات القرن‬
‫الماضي‪.‬‬

‫ب ‪ -‬النظم الحزبية الال تنافسية‬

‫يتصف النظام الحزبي بالالتنافسية مع انتفاء أي منافسة ولو نظرية بين أحزاب سياسية ‪ ،‬إما‬
‫لوجود حزب واحد ‪ ،‬أو لوجود حزب واحد إلى جانب أحزاب شكلية تخضع لقيادته في إطار " جبهة‬
‫وطنية " ليس مسموحا ألي منها باالستبدال عنه ‪.‬‬

‫وقد اكتسب تصنيف الحزب الواحد أهميته منذ الثورة البلشفية في روسيا عام ‪ ، 1917‬حيث أقامت تلك‬
‫الثورة حزبا ً ملهما ً للعمال ليس فقط في االتحاد السوفيتي بل في كل ربوع أوروبا الشرقية فيما بعد ‪ .‬ورغم‬
‫أن هذا المفهوم ظهر في تلك البلدان ل مواجهة األحزاب الرأسمالية ‪ ،‬إال أنه ظهر في بلدان العالم الثالث‬
‫كمفهوم موحد لفئات المجتمع المختلفة ‪ ،‬وبهدف الحد من الصراع االجتماعي ‪ .‬وقد أصبح الحزب الواحد‬
‫هو الظاهرة ا لكاسحة للنظم الحزبية التي نشأت في أفريقيا عقب استقالل دولها ‪ ،‬كحزب قائم بغرض الدمج‬
‫الجماهيري ‪ .‬وعلى هذا األساس يصنف البعض نظام الحزب الواحد إلى الحزب الواحد الشمولي ‪ ،‬الذي‬
‫غالبا ً ما يكون إيديولوجيا ً (شيوعي أو فاشي مثالً) ‪ ،‬والحزب الواحد المتسلط الذي ال يحيد عن اعتناق‬
‫أيديولوجية شاملة ‪.‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬جماعات الضغط‬


‫اللوبي "‪ "Lobby‬كلمة إنجليزية تعني الرواق أو الردهة األمامية في فندق‪ ،‬وتستخدم هذه الكلمة‬
‫في السياسة للداللة على الجماعات أو المنظمات التي يحاول أعضاؤها التأثير على صناعة القرار في هيئة‬

‫‪29‬‬
‫أو جهة معينة‪ ،‬وقد تبلور هذا المصطلح في الواليات المتحدة األمريكية خالل عام ‪ 1830‬عندما بدأت‬
‫مجموعات المصالح تمارس الضغوط على الكونغرس وحكومات الواليات‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬تعريف جماعات الضغط‬


‫يمكن الجزم إلى حد ما‪ ،‬على أنه ال يوجد خالف كبير حول تعريف مفهوم الجماعات والقوى‬
‫الضاغطة أو اللوبيات ‪ ،‬فكل التعاريف تقريبا تجمع على اعتبارها مجموعة من جماعات المصالح التي‬
‫تسعى إلى تحقيق أهداف معينة مرتبطة بمصالح السلطة السياسية‪ ،‬وال تندرج ضمن أهدافها الوصول إلى‬
‫السلطة‪ ،‬وقد سميت بجماعات الضغط من منطلق الضغوطات التي تمارسها على السلطات لتحقيق‬
‫أهدافها‪ ،‬لذا فهي تُعد من أهم وأكثر التكتالت البشرية التي تؤثر على سياسات المؤسسات والشركات بل‬
‫وسياسات عامة لدول بأكملها؛ فبقوتها وانتشارها وتحكمها في الكثير من وسائل الضغط وعالقاتها الوثيقة‬
‫باألشخاص البارزين في كل مجتمع وكبار رجال الدولة‪ ،‬تعمل تلك المجموعات على الحفاظ على‬
‫مصالحها وأهدافها والسعي إلى عدم المساس بكل ما يتعلق بالمحظورات التي تضعها كل مجموعة من‬
‫المجموعات لنفسها استنادًا على األيدلوجيات واألفكار الخاصة بها‪.‬‬

‫يمكن القول إذن‪ ،‬بأن اللوبي عبارة عن جماعة قانونية منظمة‪ ،‬تدافع عن قضايا ومواقف ومصالح‬
‫معينة محددة لدى السلطات العامة في الدولة‪ ،‬تجمع بين أفرادها مصالح مشتركة‪ ،‬وتنشط فى سبيل تحقيق‬
‫هذه المصالح عن طريق االتصال بمسؤولى الدولة ومؤسساتها ومحاولة إسماع صوتها‪ ،‬مستخدمة كل ما‬
‫تملك من وسائل متاحة وفى مقدمتها أسلوب الضغط‪ .‬يمكن تعريفها أيضا‪ ،‬بأنها‪" :‬مجموعة من الناس أو‬
‫من المؤسسات يوجدون في شكل اتحاد أو جمعية أو أي شكل من أشكال التجمع؛ لهذه المجموعة مصالح‬
‫مشتركة تجمع بين أعضائها؛ وهي عادة مصالح مادية وهي التي تجمعهم؛ أنها تستعمل عدد من وسائل‬
‫الضغط والتأثير لتحقيق هذه المصالح تمارس هذا الضغط على السلطة السياسية الحاكمة حتى تستجيب‬
‫لطلباتها ورغباتها"‪.‬‬

‫دورا محوريًا وها ًما في الحياة السياسية‪ ،‬حتى بات معروفًا بأن لوبيات الضغط‬
‫تلعب اللوبيات ً‬
‫القوية هي ال ُمتخذ الحقيقي للقرارات‪ ،‬وهي التي تصنع السياسة ال ُمتبعة داخل الدول‪،‬ة وفي حالة وجود‬
‫لوبي قوي من لوبيات الضغط في دولة معينة‪ ،‬ينحصر دور سلطات تلك الدولة في إضفاء الصفة الرسمية‬
‫على تلك السياسات والقرارات‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الفرق بين اللوبي والحزب السياسي‬


‫من ضمن الخصائص األساسية لمجموعات الضغط هي أنها ال تعمل على الوصول للحكم وال‬
‫تسعى ألن تكون ُممثّلة في المناصب التنفيذية أو التشريعية في الدولة؛ فهي تسعى للتأثير على أصحاب‬
‫السلطة لدفعهم لالستجابة لمطالب معينة سواء كانت اقتصادية او اجتماعية أو سياسية‪ ،‬ويكون ذلك بصورة‬
‫غير مباشرة عبر وسائل مختلفة على رأسها إنشاء شبكة من العالقات مع الحكوميين والبرلمانيين ورجال‬
‫الدين والقانون والقضاء والباحثين واألكاديميين والسياسيين واإلعالميين والفنانيين وما نحوهم من‬
‫أصحاب النفوذ‪.‬‬

‫تعتمد لوبيات الضغط في عملها على نوعين من الوسائل؛ الوسائل مباشرة عن طريق االتصال‬
‫بأصحاب القرار فى الدولة وبذل كل ما يمكن إلقناعهم بإصدار القرارات التى تخدم مصالحهم‪ ،‬باإلضافة‬
‫إلى وسائل غير مباشرة مثل استخدام أسلوب الترغيب والترهيب‪ ،‬عن طريق تعبئة الرأى العام لدفعه لحث‬
‫أصحاب القرار على اتخاذ قرارات معينة تصب في مصلحته‪ ،‬فهي تسعى للتأثير في الدولة من جهة وعلى‬
‫الدولة من جهة ثانية وفي الرأي العام من جهة ثالثة‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫ويكون هدفها خالل ذلك هو أن تبقى وراء الكواليس‪ ،‬فقد تعمل مجموعة الضغط من الخارج‬
‫إلقرار أو إيقاف قانون معين في البرلمان دون أن يكون لها ممثلين داخله‪ ،‬ولهذا فإن الرصيد الحقيقي‬
‫سا للتحرك والعمل والنجاح‪.‬‬
‫والمؤثر ألي لوبي من العالقات والسيما في االتجاهات المذكورة يعتبر أسا ً‬

‫على العكس من ذلك ‪ ،‬فاألحزاب السياسية عبارة عن جماعة من األفراد تربطهم مصالح ومبادئ‬
‫مشتركة‪ ،‬في ظل إطار منظم لغرض الدخول في معترك السعي نحو السلطة والمشاركة فيها لتحقيق‬
‫أهدافهم لخدمة للصالح العام ومن السيطرة على مقاليد الحكم في الدولة من خالل الوسائل الدستورية؛ لذلك‬
‫فإن الحزب السياسي‪ ،‬وعلى عكس اللوبيات‪ ،‬يسعى لحفظ حصته سواء في الحكومة أو في السلطة‬
‫التشريعية‪ ،‬مما يعني أن اللوبيات هي من تؤثر وتضغط على الحزب السياسي وال يمكن للحزب أن يضغط‬
‫عليها‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬تصنيف جماعات الضغط‬


‫توجد تصنيفات كثيرة للجماعات الضاغطة تختلف باختالف الباحثين و بتنوع هذه الجماعات نفسها‪.‬‬
‫من التصنيفات التي وضعت لها‪ ،‬يمكن ذكر مايلي‪:‬‬
‫أ‪ -‬من ناحية األهداف‪:‬‬

‫‪ -1‬جماعات المصالح‪ :‬هي التي تدافع عن مصالح مادية أساسا‪ ،‬مثل جماعات التجار وأصحاب‬
‫األعمال والنقابة واتحادات الفالحي ن والمهن المختلفة واتحاد قطاع البنوك والتأمين واالتحادات‬
‫المهنية المختلفة كاتحاد المحامين أو األطباء‪..‬‬
‫‪ -2‬جماعات األفكار‪ :‬هي جماعات تسعى إلى فرض أفكار وقيم معينة سواء أخالقية أو سياسية مثل‬
‫جماعة المحافظة على آداب المرور‪ ،‬جمعية قدماء المجاهدين ‪ ،‬وجمعية الدفاع عن حقوق االنسان‬
‫والجمعيات النسائية‪ ،‬الجمعيات الدينية ‪..‬‬

‫ب‪ -‬من حيث التأثير على السلطة‪:‬‬

‫جماعات الضغط الكلي‪ :‬هي أن يكون همها األساسي ممارسة نشاط الضغط على السلطة وهي‬ ‫‪-1‬‬
‫مؤسسات متخصصة في التدخل لدى الوزراء والنواب والموظفين الكبار للتأثير عليهم ‪ ،‬وتوجد‬
‫هذه الجماعات في شكل مكاتب فنية وتقنية متخصصة‪ ،‬تقوم بالضغط لصالح من يطلب منها ذلك‬
‫كخدمات تقدمها بمقابل مالي ‪ ،‬وتوجد بصفة أساسية في الواليات المتحدة األمريكية‪.‬‬
‫جماعة الضغط الجزئي ‪ :‬هي التي يكون الضغط السياسي جزء من نشاطها العام مثل النقابات‬ ‫‪-2‬‬
‫واالتحادات المهنية والجمعيات المختلفة‪.‬‬

‫ت‪ -‬التصنيف حسب المجاالت‬

‫جماعات الضغط السياسية ( ‪ :) Lobbies‬هي جماعات ذات مصالح سياسية بحتة تعمل على أن‬ ‫‪-1‬‬
‫تكون لها عالقة دائمة مع رجال السلطة وتمارس الضغظ بشكل مستمر للحصول على مزيد من‬
‫االمتيازات‪.‬‬
‫جماعات الضغط شبه السياسية‪ :‬مثل نقابات العمل واالتحادات المهنية وهي تستعمل النشاط‬ ‫‪-2‬‬
‫السياسي كوسيلة لتحقيق أهداف اقتصادية واجتماعية‪.‬‬
‫جماعات الضغط اإلنسانية‪ :‬مثل جمعيات رعاية الطفولة أو العجزة أو المعوقين والرأفة بالحيوان‬ ‫‪-3‬‬
‫والجمعيات النسائية والجمعيات الخيرية وهي ال تنشط إال بقصد الحصول على إعانات مالية‪.‬‬
‫جماعة الضغط للدفاع عن المبادئ ‪ :‬هي تلك الجماعات التي تدافع عن مبادئ وقيم معينة على‬ ‫‪-4‬‬
‫مستوى محلي أو وطني أو دولي مثل جمعية السالم األخضر التي تناهض استعمال السالح‬
‫النووي وتلوث البيئة‪.‬‬
‫‪31‬‬
‫‪ -5‬جماعات الضغط للدفاع عن مصالح الدول األجنبية‪ :‬توجد في الواليات المتحدة األمريكية حيث‬
‫أن كثير من الدول لها لوبي معين ينشط لتحقيق مصالحها لدى السلطات األمريكية مثل اللوبي‬
‫الصهيوني واللوبي الياباني‪...‬‬

‫ث‪ -‬من ناحية التنظيم ‪:‬‬

‫‪ -1‬جماعات األطراف‪ :‬وتتميز بقلة أعضائها‪ ،‬ألنها تبحث عن النوعية في عضوية األفراد وليس في‬
‫الكمية مثل نقابات أصحاب العمل خاصة في قطاع الصناعة واألبناك والنوادي‪.‬‬
‫‪ -2‬جماعات الجماهير‪ :‬وتتميز بكثرة أعضائها‪ ،‬ألنها تبحث عن العدد الكبير من األفراد في‬
‫عضويتها‪ ،‬ألجل زيادة ثقل ضغطها وقوتها تجاه خصومها المهنيين أو تجاه السلطة القائمة كما هو‬
‫الحال مع النقابات العمالية والجمعيات الفالحية واتحادات النساء والطلبة‪ .‬لذلك فهي تتطلب درجة‬
‫عالية من التنظيم واالنضباط النقابي‪ .‬وقد تكون هناك أيضآ منظمات جماهيرية سياسية عالمية‬
‫يكون نشاطها منصبا على قضايا كونية‪ ،‬من مثل الدفاع عن البيئة أو تحقيق السالم العالمي‬
‫والنضال ضد العنصرية ومن أجل محاربة سباق التسلح وغيرها من المهمات الوطنية والعالمية ‪.‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬لوبيات الضغط والديموقراطية‬


‫تعد لوبيات الضغط مكو ًنا أساسيًا من مكونات الخرائط السياسية في كل دولة‪ ،‬حيث إنها تلعب‬
‫دورا ها ًما في األنظمة السياسية المختلفة‪ ،‬وتسعى للحفاظ على مصالحها‪ ،‬بغض النظر عن طبيعة النظام‬ ‫ً‬
‫السياسي المتبع في الدولة‪.‬‬
‫بحيث إن اللوبي يلعب دور الوسيط بين مؤسسات المجتمع المدني التي تمثل الشعب من جهة‬
‫والحكومة والبرلمان من جهة أخرى‪ ،‬فحين ينعدم اللوبي أو يضعف يؤدي ذلك إلى ضعف في العالقة‬
‫والتفاعل بين المؤسسات المدنية والحكومة والبرلمان‪ ،‬وتزداد الهوة بينهما‪ ،‬وبالتالي تضعف العالقة بين‬
‫الشعب و الحكومة والبرلمان‪ ،‬فالشعب بعد أن يختار ممثليه في البرلمان والحكومة عبر االنتخابات‪ ،‬ال‬
‫تترك لهم حرية التصرف الكاملة ‪ ،‬بل تتم عملية تتبع نشاطاتهم والضغط عليهم عبر اللوبيّات المختلفة‬
‫طيلة فترة انتدابهم االنتخابي‪.‬‬
‫غير أن وجود لوبيات قوية بشكل أكثر من الالزم‪ ،‬يفرغ النظام الديمقراطي من فكرة أساسية‬
‫يعتمد عليها‪ ،‬أال وهي الحرية في إبداء الرأي والتعبير وحرية االختيار‪ ،‬فعلى سبيل المثال‪ ،‬وجود مثل تلك‬
‫اللوبيات يجعل من عملية االقتراع مجرد عملية لشرعنة العمليات التشريعية والتنفيذية في الدولة‪ ،‬فتملك‬
‫اللوبيات ألصرح إعالمية ضخمة‪ ،‬قد تؤثر في العملية االنتخابية بشكل كبير‪ ،‬بل قد تكون لديها من‬
‫العالقات داخل أجهزة الدولة ما يجعلها مسيطرة بشكل كبير على المسار السياسي واالقتصادي للدولة؛ مما‬
‫سؤاال عن جدوى األنظمة الديمقراطية وفكرة تداول السلطة مادامت هناك حالة من حاالت‬ ‫ً‬ ‫يطرح حينها‬
‫تقويض الدولة المفروضة من اللوبيات‪.‬‬

‫المطلب الخامس‪ :‬اللوبي االقتصادي بالواليات المتحدة األمريكية‬


‫يعد اللوبي االقتصادي األمريكي‪ ،‬أحد أبرز وأقوى اللوبيات العالمية المتحكمة في إنتاج ما‬
‫يصطلح عليها بالعولمة‪ ،‬التي ما برزت إال نتيجة اكتساح الشركات العابرة للقارات المجاالت الحدودية‬
‫للعديد من الدول‪ ،‬بل إن رأسمال بعضها فاق في مجموعه الدخل القومي للعديد من الدول‪ .‬الشيء الذي‬
‫جعل منها قالعا اقتصادية عالمية‪ .‬مؤثر في مسار العالقات داخل الدول وخارجها‪.‬‬
‫وكمثال على ذلك‪ ،‬نشير إلى أن خمسة شركات اقتصادية بالواليات المتحدة األمريكة‪ :‬وهي "جنرال‬
‫موتورز" و"وال مارت" و"إكسون موبيل" و"فورد" و"ديملر كرايسلر" يتجاوز ناتجها القومي ‪182‬‬
‫دولة في العالم‪ ،‬بل إن شركة "إكسون" يفوق دخلها دول "األوبك "مجتمعة‪ ،‬وشركة "جنرال موتورز"‬

‫‪32‬‬
‫يساوي دخلها دخل الدانمارك‪ ،‬وشركة "بكتيل "للمقاوالت‪ ،‬يساوي دخلها إسبانيا‪ ،‬وشركة "شل" يساوي‬
‫عا‬
‫دخلها فنزويال‪ ،‬وأن هذه الشركات وغيرها هي طليعة القوى الصانعة للعولمة‪ ،‬وهي األسخى تبر ً‬
‫وتمويالً لمرشحي الرئاسة األمريكية ولمراكز األبحاث وبيوت الخبرة السياسية واإلستراتيجية مثل مؤسسة‬
‫التراث (أُن ِشئت منذ ‪ 30‬سنة) ومركز مانهاتن للدراسات (أُنشِئ منذ ‪ 25‬سنة) ومؤسسة المشروع األمريكي‬
‫(أُنشِئ منذ ‪ 60‬سنة)‬
‫وعموما تلعب جماعات الضغط دورا مهما في توجيه السياسة األمريكية وتمتد نشاطاتها داخل كل‬
‫والية و على المستوى القومي‪ ،‬شريطة أن تكون مسجلة حسب قانون تنظيم جماعات الضغط الذي أصدره‬
‫الكونجرس ‪ ،1964‬فالقانون يسمح لها بالتأثير اإلعالمي وتمويل الحمالت االنتخابية‪ ،‬األمر الذي يمكن‬
‫هذه الجماعات من الضغط على اإلدارة والكونجرس بما يتفق مع مصالحها‪ ،‬وهذا ما دعا بعض المحللين‬
‫إلي القول بأن النظام األمريكي ديمقراطية جماعات الضغط ‪ .‬ال سيما أن هناك أكثر ‪ 6500‬شركة مسجلة‬
‫كشركات ضغط سياسي فى أمريكا (حسب تقرير مركز النزاهة العامة في واشنطن)‪ ،‬لها من الوسائل‬
‫العديدة ما يمكنها من ربط االتصال بالجهات الرسمية وغير الرسمية بطرق عديدة ومختلفة‪ ،‬منها اعتماد‬
‫وسائل اإلعالم ومؤسسات الدعاية بمختلف أشكالها‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫بعض المراجع المعتمدة في إنجاز المادة‬
‫‪ -1‬منشورات المعهد التطويري للتنمية البشرية؛ المدخل لعلم السياسة؛ النجف؛ العراق؛ الطبعة الثانية؛ السنة ‪2011‬‬
‫‪ -2‬فضل هللا محمد إسماعيل؛ فلسفة السياسة؛ دار الجامعة الجديدة؛ اإلسكندرية‪ ،‬مصر؛ ‪2008‬‬
‫‪ -3‬جان ماري دانكان؛ علم السياسة؛ ترجمة محمد عرب صاصيال؛ المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع؛‬
‫بيروت؛ لبنان؛ السنة ‪.1997‬‬
‫‪ -4‬أحمد مصطفى الحسين؛ مدخل إلى تحليل السياسات العامة؛ منشورات المركز العلمي للدراسات السياسية؛ سلسلة‬
‫الكتاب العربي الجامعي التدريسي في العلوم السياسية (الكتاب األول)؛ عمان؛ األردن‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬السنة‬
‫‪.2002‬‬
‫‪ -5‬موريس دوفيرجيه؛ المدخل إلى علم السياسة؛ ترجمة جمال األتاسي وسامي الدروبي؛ دار دمشق للطباعة والنشر‬
‫والتوزيع؛ السنة ( غير مشار إليها)‬
‫‪ -6‬أحمد حضراني؛ القانون الدستوري والمؤسسات السياسية؛ مطبعة وراقة سجلماسة؛ الطبعة الثانية؛ مكناس‪2010‬‬
‫‪ -7‬محمد معتصم؛ مختصر النظرية العامة للمؤسسات السياسية والقانون الدولي؛ مطبعة إيزيس؛ الدار البيضاء؛‬
‫‪.1991‬‬
‫‪ -8‬موريس دوفيرجيه؛ علم اجتماع السياسة؛ ترجمة سليم حداد؛ المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع؛‬
‫بيروت؛ لبنان؛ السنة ‪1991‬‬
‫‪ -9‬إدريس لكريني؛ مفاهيم أساسية في القانون العام؛ المطبعة والوراقة الوطنية؛ مراكش؛ المغرب؛ الطبعة األولى‬
‫‪.2014‬‬
‫‪ -10‬عبد القادر القادري؛ مفاهيم القانون الدولي؛ دار توبقال للنشر؛ الدار البيضاء؛ المغرب؛ الطبعة األولى؛ السنة‬
‫‪.1990‬‬
‫‪ -11‬محمود خلف؛ مدخل إلى علم العالقات الدولية؛ محمود خلف؛ المركز الثقافي العربي؛ الدار البيضاء؛ المغرب؛‬
‫الطبعة األولى؛ السنة ‪.1987‬‬
‫‪ -12‬ثامر كامل محمد الخزرجي؛ النظم السياسية الحديثة والسياسات العامة؛ دار مجدالوي للنشر والتوزيع؛ عمان؛‬
‫األردن؛ ‪.2004‬‬

‫‪34‬‬

You might also like