Professional Documents
Culture Documents
مقدمة
لم يبرز علم السياسة كعلم قائم بذاته ضمن حقل العلوم االجتماعية إال في القرن ،20وقد تزامن
تشكله مع احتدام الخالف بين الباحثين حول مدى االعتراف بعلميته ،أي من حيث كونه " علما أم ال"،
قبل أن يتعقد اإلجماع طبعا على عمليته التي ال مراء فيها ،وتوضيحا لهذا الخالف ،نشير تعريفين مختلفين
كان قد أوردهما الفقيه الفرنسي "موريس دوفريجيه" في كتابه الشهير " المدخل لعلم السياسة" ،أولهما
التعريف الذي جاء في معجم " ليترو" سنة 1870والذي يعرف السياسة بأنها" علم حكم الدول"،
وثانيهما التعريف الذي ورد في معجم " لوروبير" سنة ،1962والذي عرف السياسة بأنها " فن حكم
التجمعات اإلنسانية".
ودون الدخول في التفاصيل التي ساقها دوفيرجيه للتعليق على كال التعريف والتوفيق بينهما ،فقد
خلص إلى أن علم السياسة أضحى في عصرنا الحالي علم تعترف به كل جامعات العالم تقريبا ،كما أن له
كراسي واساتذة وطالبا وأمواال ترصد للبحث فيه ،وإن كانت مسألة عمليته القصوى مازالت رهينة بتعقد
الظواهر االجتماعية التي يشتغل عليها ورصدها بالتحليل والدراسة ،فإذا كان العالم يملك اليوم قدرا
كبيرا من الوفرة واإلتقان على مستوى أدوات البحث في الحياة االجتماعية والسياسية ،فإنه يدرك أيضا
الحدود التي يقف عندها استعمال هذه األدوات ،صحيح أن السياسة أقرب اآلن إلى العلم ،إذ في وسع
رجال الدولة في هذه األيام استعمال إحصاءات كثيرة ،ودراسات سبر توجهات الرأي العام ،وأنظمة
معلوماتية متطورة ،قادرة على إنتاج معطيات تمكن من قيادة الجماهير ،ولكن ال بد من االعتراف أيضا
بأن قطاع هذه "السياسة العلم" أصغر من قطاع السياسة الفن التي تستند إلى أمور غير دقيقة ال يمكن
حسابها ،أمور حدسية في الغالب وال عقلية ،وهذا ما يضفي نوعا من النسبية على علمية السياسة ،ذلك أن
القرارات السياسية ال تعتمد على معلومات موضوعية وتجريبية دقيقة مائة في المائة ،ولكن على أحكام
تقييمية تخص اإلنسان والمجتمع حيث كثيرا ما تحيد المعطيات بشأنها عن موضوعيتها ألسباب متداخلة
سنقف عندها ال حقا.
عالوة على هذا ،نجد االختالف قائما بين جمهور العلماء أيضا ،على عدد من المفاهيم والقضايا
التي يعالجها هذا العلم وذلك بسبب تنوع وتداخل المعطيات المكونة للظاهرة أو للحدث السياسي من جهة،
أو بسبب انتماء الباحثين في السياسة إلى مذاهب فلسفية وايديولوجية مختلفة ،أو نتيجة ما علق بمفهوم
السياسة من شوائب متعددة تعود إلى الممارسات السياسة الخاطئة من قبيل استخدامها وسيلة لتحقيق
مكاسب شخصية.
يبدو إذن ،ومن خالل هذه التوطئة ،أننا أمام إشكالية مفاهيمية بامتياز ،ولكي نقترب أبعادها المختلفة ،ال بد
من التطرق لعدد من اإلشكاليات الفرعية ،نحاول من خاللها التعرف على ماهية العلم ،ونشأة وتطور علم
السياسة وعالقته ببعض العلوم ،باإلضافة إلى دراسة عدد من الظواهر السياسية األخرى كالسلطة
السياسية والدولة وجماعات الضغط.
1
الفصل األول :مقاربات مفاهيمية لعلم السياسة
سنخصص هذا الفصل إلعطاء مقاربة اصطالحية حول علم السياسة من خالل تعريفه وبيان
مجال اشتغاله وتطوره التاريخي وعالقته ببعض المواد األخرى ،وذلك انطالقا من مبحثين اثنين،
نخصص األول للتعريف بعلم السياسة ،والثاني لدراسة تأثيره على النظم السياسية.
نتناول هذا المبحث انطالقا من فرعين اثنين :أولهما نخصصه إلبراز السمات العامة للعلم وعالقته
بالسياسة والثانية نعرض فيها عالقة علم السياسة ببعض العلوم األخرى..
يدفعنا هذا الفرع إلى دراسته عبر أربع نقط اساسية :نعرض في االولى السمات العامة لعلم
السياسة ونقدم في الثانية بعض المفاهيم لعلم السياسة في حين نخصص الثالثة الستعراض أهمية دراسة
علم السياسة على أن نخصص النقطة الرابعة للحديث عن علمية علم السياسة.
أما في العربية فقد تباينت معاني السياسة ،فنراها ترمز إلى الحكم والقيادة والزعامة ،وهذا ما ورد
في الصحيحين مسلم والبخاري عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم " :كانت بنو إسرائيل تسوسهم
األنبياء" ،ومعنى ذلك األنبياء يحكمونهم.
ويشير قاموس العرب إلى السياسة بمعنى السوس أي الرياسة ،وقد أخذت مظاهر السياسة تفرض
نفسها على الواقع االجتماعي ،وبدأت ترتفع في أهميتها إلى مصاف أولويات هذا العصر ،فقد أصبح الفرد
متأثرا بكل ما يدور حوله في هذا العالم من أحداث سياسية حتى أصبح القرن 21قرن سياسات بامتياز،
فكل ما فيه يشير إلى السياسة ،حيث نقول مثال ( السياسة االقتصادية ،السياسة الرياضية ،السياسة
التعليمية )....حتى أدرى هذا التكثيف في استعمال السياسة إلى بروز معضلة الخلط بين السياسة كممارسة
والسياسة كعلم ذو مناهج.
نستطيع القول ابتداء أن المواقف أزاء موضوع السياسة غير موحدة ،فهي تعكس بالضرورة
وجهات نظر شخصية وتجارب فردية ذاتية ،متأثرة بنسب متفاوتة بمؤثرات ومعطيات اجتماعية
واقتصادية ونفسية وفلسفية ،وإزاء هذه الحقيقة نستطيع أن نلتمس اتجاهان ،اتجاهان مثالي ال يرى في
السياسة إال الخير ويتزعمه رائد الفلسفة اإلغريقية أرسطو حيث يقول " إن السياسة هو كل ما من شأنه أن
2
يحقق الخيرية في الحياة" ،ونجد كذلك طرحا مثاليا ولكنه مغرق في الخيال الفلسفي عند رائد علم االجتماع
العربي ( ابن خلدون) الذي يرى أن السياسة هي صناعة الخير العام.
أما االتجاه الثاني ،فيمكن وصفه بالمتشائم أو المتطرف وطرحه أحادي الجانب كذلك ،بحيث ال يرى هذا
االتجاه في السياسة إال الجانب السيئ واألسود ،فالسياسة عند رواد هذا االتجاه ( لعبة قذرة) ،وتحمل في
طياتها خطر الصراع المستمر وبكافة أشكاله المعروفة ،فيصفها العالمة " ماكبرايد" بأنها " عمل قذر"،
وأكثر من ذلك فقد وصف السياسي بأنه " جامع نفايات" ،وهذا أعنف وصف للسياسة.
أما المواقف الحديثة المعاصرة ،فتنظر إلى السياسة نظرة عمومية ،شاملة ،متعددة الجوانب ،اجتماعية
البعد ،تضم الفرد والمجتمع في آن واحد .حيث يطرحها بعض الدارسين على أنها تلك العمليات الصادرة
عن السلوك اإلنساني التي يتجلى فيها الصراع حول الخير العام من جهة ،ومصالح الجماعات من جهة
أخرى.
كخالصة ،نستنتج من خالل هذه التعاريف ،أن "السياسة تعنى تدبير كل ما يتعلق بأمور الدولة وخطط
األفراد والجماعات" ،أو أنها " العالقة بين الحاكم والمحكومين وكل ما يتعلق بهما من شؤون مختلفة"،
وهي أخيرا " :السلطة الكبرى في المجتمعات اإلنسانية".
قبل التطلق لتحديث مدلول علم السياسة ،يجدر بنا اإلشارة أوال إلى المحددات العامة للعلم ،نوردها
كالتالي:
العمل مجموعة من المبادئ والقواعد التي أثبتت التجربة صحتها ،والتي تتعلق بجانب معين من
جوانب الحياة المتعددة
العلم هو مجموعة متراكمة من المعرفة التي تمت البرهنة على صحتها موضوعيا
العلم هو األفكار المتتالية والمترابطة وكذلك الوسائل التي عن طريقها يتم الحصول على هذه
األفكار
بعد هذه التوطئة البسيطة لمفهوم العلم ،يطرح السؤال التالي :أين تظهر تجليات العلم في السياسة؟
أو متى تصبح السياسة علما؟
يعاني علم السياسة من خلط واضح في المصطلحات ،وهذا يشكل في حد ذاته صعوبة في ميدان
العلوم االجتماعية وفي الدراسات السياسية بشكل خاص ،ولهذا السبب فقد تفرعت آراء الباحثين إزاء
تحديد المصطلحات التي تستخدم في توضيح تلك المعاني.
وهكذا نجد من يركز على دراسة حكومة الدولة ومنهم الفقية " الزويل" الذي يعتبر أن علم
السياسة هو علم السلطة ،فهو يدرس السلطة في المجتمع وكيفية ممارستها وما هي أهدافها ونتائجها ،وهذا
االتجاه الذي يربط بين علم السياسة والسلطة ،ظهر وانتشر في أوروبا خالل الفترة الفاصلة ما بين
الحربين العالميتين ،حيث رأى هذا االتجاه استحالة الفصل بين السلطة والسياسة وأن شدة اتحادهما تتمتع
بدرجة عالية من القوة ،و مهمة علم السياسة هو دراسة تجليات هذا االتحاد ،وأسبابه ورهاناته وخلفياته
لفهم الواقع ولرسم معالم تطوره.
هكذا ،فقد كانت من نتائج هذا االتجاه الذ ي تتزعمه أسماء كبيرة من الفقهاء في فرنسا أمثال
ريمون أرون وجورج فيديل وموريس دوفيرجيه الذي يتربع على رأس هذه القمة ،أن ترسخت النظرة إلى
علم السياسة باعتباره أحد فروع العلوم االجتماعية والذي يختص بدراسة اصول تنظيم الحكومات وإدارة
3
شؤون الدولة ،حتى إن قسما من علماء السياسة يعرفوه ب " علم الدولة" ،وحتى المدرسة االشتراكية
حاولت إيجاد رابط في هذا المجال ،من خالل تأكيدها على أن علم السياسة هو علم الدولة .
يبدو اإلجماع قائما إذن ،على هذا وجهة نظر هذا االتجاه ،وعلى هذا األساس يمكن إيراد
مجموعة من التعاريف المختصرة التي ترى في علم السياسة العلم الذي يدرس كل ما يتصل بالسلطة أو
بعمل الجماعات داخل الدولة والتي تجعل من السلطة محور اشتغاله.
هكذا يعرف الفقيه " د يفيد إيستون" علم السياسة بأنه " :دراسة عملية التوزيع السلطوي للقيم
المختلفة داخل المجتمع ،أي أنه علم دراسة كيفية تقسيم الموارد في المجتمع عن طريق السلطة".
أما " هارولد السويل" فيعرفه كالتالي " :هو دراسة النفوذ وأصحاب النفوذ ،أو أنه دراسة
السلطة التي تح دد من يحصل على ماذا من القيم المختلفة داخل المجتمع ومتى وكيف"
في حين يعرفه الفكر الشيوعي ب " :علم دراسة العالقات بين الطبقات ،ودور السلطة في تحديد
نوعية هذه العالقة بالسيطرة أو بالصراع"
وبتطبيق مبادئ العلم السابق اإلشارة إليها ،يمكن القول أخيرا بأن علم السياسة هو مجموعة من
المبادئ والقواعد التي أثبتت التجربة صحتها ،والتي تتعلق بعملية صنع القرارات الملزمة بكل مجتمع،
تلك القرارات التي تتناول قيما مادية ومعنوية مختلفة ،أي أنها مجموعة من المبادئ والقواعد التي أثبتت
التجربة صحتها ،والتي تتعلق بالسلطة السياسية ،وما يتمخض عنها من مبادئ وقواعد تفيد في فهم عملية
صنع القرارات الملزمة لكل مجتمع".
تتلخص الغاية من دراسة علم السياسة في إحداث صورة منهجية للنظرة إلى السياسة وفي
ممارستنا لها ،ألننا إذا أحسنا استعمال العقل السياسي المتحرر من أي إسقاطات قبلية وابتغينا المناهج
الموضوعية واألدوات العلمية في التحليل ،كان باالستطاعة فهم السلطة و استنباط اآلليات المتحكمة في
تنظيم عالقة الحاكم بالمحكوم داخل الدولة ،فالتحليل العقلي للمسلمات السياسية – الخاطئة في الغالب –
هو السبيل لتبيان الخاطئ فيها من الصواب.
لذلك ،يتوجب علينا مراجعة مسلماتنا السياسية مراجعة منهجية مستمرة ،منطلقين من الواقع
ومتدرجين فيه تدرجا هادئا ،وصوال إلى أفكار جديدة ،وعلم السياسة في هذا المستوى من التحليل ،يعد
علم المراجعة المنهجية المستمرة ،أو علم النقد المنهجي الدائم للمسلمات واألنظمة السياسية.
يستهدف علم السياسة فهم حقيقة عالقة الحاكم بالمحكوم وفق قوانين العقل الصارمة ،التي ال
محاباة فيها وال انحياز إال إلى الحقيقة ،وهو بذلك يساهم في رد االعتبار اإلنساني لكل إنسان ،حاكما كان
أو محكوما ،وهذا مكمن األهمية التي يكتسيها هذا العلم ،وهو من جهة أخرى ،األداة التي تمكن من كشف
العلل واألسباب التي تقف وراء استئثار فرد أو جماعة من األفراد بالقوة واالستبداد والسلطة دون سواهم.
ألجل هذا ،نفهم لماذا اهتمت الدول األوربية بعد الثورة الفرنسية وانتشار فكر األنوار بتعليم السياسة
وتشجيع الفكر السياسي ،لما ل ه من بعد تحرري وحس ثوري ضد التسلط واالستبداد ،حتى إن
اإلصالحات التي تمت في كل من السويد وإنجلترا والواليات المتحدة األمريكية بعد الحرب العالمية
الثانية لتكشف بجالء األهمية التي أعطتها هذه الدول للتكوين في مجال العلوم السياسية ،من خالل
إخضاع كبار موظفيها لتكوينات في هذا العلم بل وفي فروع العلوم االجتماعي بشكل عام،وقد كان لتأسيس
4
معهد العلوم السياسية في فرنسا بعد الحرب العالمية الثانية ارتباط وثيق بإصالح الوظيفة العمومية ،وذلك
لتمكين المواطنين من فهم صيرورة األحداث داخل المجتمع وسبر أسبابها ومعلالتها ،إذ من المؤكد ،أن
علم السياسة هو " الحل السحري" بالنسبة ألولئك الذين يتطلعون إلى االهتمام باألحداث الوطنية والقومية
والدولية.
ونشير في هذا اإلطار ،إلى أن طالبا في العلوم السياسية يبدو أكثر قدرة على تفهم القضايا
المعاصرة وعلى تفهم ميكانيزمات اشتغال نظام سياسي معين و سلوك حكومة معينة ومجمل النشاطات
التي تضطلع بها ،لهذا السبب ،فإن الحكومة الديمقراطية سيكون لها أوفر حظ في أن تتقدم في البلدان التي
يشكل فيها علم السياسة جزءا من التثقيف العام مما هو عليه في البلدان التي ال يعترف له فيها بمثل هذه
المكانة.
إن دارسي ع لم السياسة هم األكثر تأهيال في االشتراك بشكل فعال في المناقشات العمومية وفي
التمييز بين الدعاية والحقيقة واستخالص المعيار الالزم والمالئم لتقييم نشاط الحكومة.
عندما يناقش موضوع علمية علم السياسة ،فإن جدال واسعا وخالفا يطفو على سطح العلوم
االجتماعية ،كون هذا العلم حديث مقارنة ببقية العلوم اإلنسانية األخرى ،وكونه لم يستقر ولم يأخذ أبعاده
المنهجية بعد ،لذا يبدو من المفيد إلزالة الخلط بين مفهوم السياسة من جانب وعلم السياسة من جانب آخر،
فعندما نتكلم عن علم السياسة ال نعني أ ن ممارسة الحكم تتم على يد العلماء أو أنها تمارس بالضرورة طبقا
لمعرفة علمية دقيقة.
فالسياسة والحكام كثيرا ما يتخذون قراراتهم على أساس الرأي وليس على أساس معرفة معينة،
فالسياسة كما يقال في أحيان كثيرة فن ،وقد يتم التوصل إلى قرارات بأساليب تقديرية ،أو عن طريق
اإللهام أو استخدام معادالت وحسابات رياضية ربما معطياتها األولى أو منطلقاتها غير دقيقة تماما.
وبمقدار ما تعتمد السياسة هذا االعتماد ،تصبح مفاهيمها نسبية بحسب مذاهب تقييمية معينة ،بحيث
تستطيع مثال تصور السياسة في وصبغتها الماركسية أو الليبرالية أو المحافظة إلخ...ولكن ليس بالمقدور
منح السياسة وجها موضوعيا تماما يسري على جميع هذه األوجه.
إن في وسع علم السياسة أن يفصل العناصر الموضوعية عن العناصر التي ليس كذلك ،وأن ينتقد
بذلك مذهب من المذاهب ،كما في وسعه أن يحدد درجات ارتباط المذاهب المختلفة بعصر معين ،وأن
يحدد تطورها ،كما بإمكانه أيضا إذا هو قابل هذه المذاهب بعضها ببعض ،أن يكمل بعضها ببعض أو أن
ينقد بعضها ببعض ،وعليه فوراء جميع المذاهب السياسية التقييمية ،نجد موقفين أساسيين على وجه
العموم ،فالناس منذ أن فكروا في السياسة يتأرجحون بين تأويلين متعارضين تعارضا تاما ،فبعضهم يرى
أن السياسة صراع وكفاح أمام السلطة التي تتيح لألفراد والفئات التي تملكها أن تؤمن سيطرتها على
المجتمع وأن تستفيد من هذه السيطرة ،وبعضهم يرى أن السياسة جهدا يبذل في سبيل إقرار األمن
والعدالة ،وعليه يفهم من هذا التمييز بين االتجاهي ن ،أن أصحاب االتجاه األول يرون أن وظيفة السياسة
هي اإلبقاء على امتيازات تتمتع بها أقلية وتحرم منها األكثرية ،و أصحاب االتجاه الثاني ،يرون بأن
السياسة وسيلة لتحقيق تكامل جميع األفراد في الجماعة ،وخلق المدينة العادلة التي تحدث عنها أرسطو
كما سبقت اإلشارة.
واالنتماء إلى هذا الرأي أو داك يحدده الوضع االجتماعي ،فاألفراد والطبقات المضطهدة
والبئيسة ال يمكن أن ترى السلطة حامية النظام ومقررة األمن ،وإنما تراها آداة قهر وقمع تتقنع بها
5
سيطرة أصحاب االمتيازات ،وبالتالي فالسياسة في رأيها صراع ،أما األفراد والطبقات المترفة والغنية
فترى أن المجتمع منسجم وأن السلطة تحقق أمنا ونظاما صادقين وبالتالي فالسياسة عندها اندماج وتكامل،
وكثيرا ما يستطيع أصحاب هذا الرأي حسب ما ذهب إليه الفقيه "دوفيرجيه" في إقناع أصحاب الرأي
األول بأن الصراعات السياسية سيئة وضارة وبأن المشتركين فيها ال يهدفون إال إلى المصالح األنانية
بأساليب مشبوهة ،وبذلك يتمكنون – أي أصحاب هذا الرأي -من إخراج خصومهم من المعركة ،وغني
عن البيان القول إن كل إبعاد عن السياسة ينفع النظام القا ئم ،ويشجع الجمود ،ويقوي نزعة المحافظة.
على أن هذين الموقفين ال يعبران طبعا إال عن جزء من الواقع ،فحتى أكثر المحافظين تفاؤال ،ال
يستطيعون نكران أن السياسة ،ولو كان هدفها تحقيق التكامل االجتماعي ،فإنها قلما تبلغ هذا الهدف على
نحو مرض.
إن علم السياسة هو أحد العلوم االجتماعية وبالتالي فهو يشترك مع بقية العولم االجتماعية األخرى
بصالت واسعة باعتبار أن القاسم المشترك بينها جميعا هو الظاهرة اإلنسانية ،وبالرغم من احتفاظ كل علم
من هذه العلوم بخصوصيته باعتباره يتناول جانبا من فعل اإلنسان ،فإن لعلم السياسة روابط مشتركة
كثيرة تجمعها بها.
يعنى علم الجغرافيا بدراسة األنشطة اإلنسانية في سياقها المكاني والتأثيرات الممكنة بين هذه
األنشطة والسياقات ،وبالتالي فإذا كان اهتمام علم الجغرافية منصبا على كل ما له عالقة باألرض والجو
أي المحيط المادي الذي يعيش فيه وحوله اإلنسان ،فإن هذين العنصرين ،أي األرض واإلنسان،
يعتبران محل اهتمام علم السياسة ،باعتبار أن اإلنسان يتأثر سلبيا أو إيجابيا بالمحيط الطبيعي الذي يعيش
فيه وخاصة التضاري س األرضية والمساحات المائية واليابسة والمناخ ومصادر الثورة الطبيعية ،وغير
خاف اآلن مدى األهمية الذي أصبحت تحظى به البيئة أو ظاهرة التغيرات المناخية في التأثير على
األجندات السياسية لدى الدول ،وأصبح االهتمام بالبيئة إحدى المقومات األساسية في إي خطاب سياسي
إصالحي أو برنامج انتخابي يستهدف الحكم.
ألجل ذلك فقد أضحى موضوع العالقة بين الجغرافيين والسياسية تحظى بأهمية كبيرة عند دراسة
العالقات الدولية ونشاط الحكومات ،وال أدل على ذلك من قيام علم جديد أخذ يستقطب اهتمام جميع
المعنيين بشؤون السياسة الخارجية والعالقات الدولية واالستراتيجيات العسكرية وهو الجيوبولتكس الذي
يهتم بدراسة التأثير الجغرافي على السياسة الدولية.
بمعنى أن الجيوبوليتكس يهتم بدراسة تأثير الموقع الجغرافي على عالقات الدول بعضها بالبعض
اآلخر .وفي رسم حدودها بناء على نهر مثال أو مصدر مياه ،ولنا في النزاع القائم بين أثيوبيا والسودان
ومصر حول التصرف في مياه النيل خير دليل ،فضال عن احتكار الكيان الصهيوني لغالبية مياه األردن
لشد الخناق على السلطة الفلسطينية وحرمانها بالتالي من أهم مقوم من مقومات الحياة.
6
الفقرة الثانية :عالقة السياسة باألنثربلوجيا
تعرف االنثربلوجيا اختصارا بأنها ،هي عل ُم اإلنسان.أي الدراسة العلمية لإلنسان ،في الماضي
والحاضر ،وقد اشتق المصطلح من كلمتين يونانيتين هما anthroposومعناها "اإلنسان" و logos
ومعناها "علم" .وعليه فإن المعنى اللفظي الصطالح باألنثربلوجيا ) (anthropologieهو عل ُم اإلنسان.
و قد درج العلماء والفالسفة في كل مكان وزمان عبر التاريخ اإلنساني ،على وضع نظريات عن
طبيعة المجتمعات البشرية ،وما يدخل في نسيجها وأبنيتها من دين أو ساللة ،ومن ث ّم تقسيم ك ّل مجتمع إلى
طبقات بحسب عاداتها ومشاعرها ومصالحها .وبذلك يصبح معنى االنثربلوجيا من حيث اللفظ " علم
اإلنسان " أي العلم الذي يدرس اإلنسان ،من حيث هو كائن عضوي حي ،يعيش في مجتمع تسوده نظم
وأنساق اجتماعية في ظ ّل ثقافة معيّنة ..ويقوم بأعمال متعدّدة ،ويسلك سلوكا ً محدّداً؛ وهو أيضا ً العلم الذي
يدرس الحياة البدائية ،والحياة الحديثة المعاصرة ،ويحاول التنبّؤ بمستقبل اإلنسان معتمدا ً على ّ
تطوره عبر
متطورا ً.
ّ التاريخ اإلنساني الطويل . .ولذا يعتبر علم دراسة اإلنسان (األنثروبولوجيا) علما ً
منذ أن طرح الفيلسوف اإلغريقي أرسطو مقولته الشهيرة " :اإلنسان حيوان سياسي" وعززها
داروين بنظريته المعروفة عن "أصل األنواع" ،والباحثون يؤكدون صلة علم السياسة
ب"األنثروبولوجيا" ،ذلك من خالل النتائج التي تم الت وصل إليها في دراسة اإلنسان ،وخاصة فيما يتعلق
باللون والجنس واألعراق حتى ظهرت نظريات سياسية خطيرة حاولت الدفاع عن فكرة التفوق البشري،
من خالل وضع الجنس اآلري في المرتبة األعلى باعتباره الجنس المتفوق على بقية األجناس،الشيء الذي
ولد فلسفات مقتنعة بهذا الطرح ومن ثم بروز الفكر العنصري بالواليات المتحدة األمريكية ومنه الفلسفة
النازية التي اقتنعت بها النازية وحاولت تطبيقها ،بل هناك من المفكرين من أسسوا لنظرية تقول بأنه على
مر التاريخ كان شمال العالم ( أوروبا وما يليها) هو األقوى والسيد في حين أن الجنوب هو الفقير المستبعد
وربط ذلك قوة الطبيعة التي تجعل ذلك من الرجل األبيض هو األقوى واألقدر على اإلنتاج بحكم المناخ
البارد في حين أن الرجل األسود ،في المناطق الحارة يميل دائما إلى الكسل والخمول و القابلية لالستهالك
واالستعباد.
ألجل ذلك ،كانت هناك عالقة بين األنثروبول وجيا وعلم السياسة ،على اعتبار أنهما يلتقيان في
حقل واحد هو حقل االنثرب لوجيا السياسية التي تتحدد اهتماماته في دراسة مصادر الصراع اإلنساني
ومجاالت تالحم االختالفات اإلنسانية وقانون الطبيعة ،فاإلنسان إذن يشكل القاسم المشترك بين العلمين،
ورغم اختالفهما في موق فهما منه و مجال اهتمامهما به ،فإن األنثروبولوجيا السياسية توحدهما من خالل
دراسة كيفية تأثير المحددات العامة التاريخية والطبيعية والعادات والعالقات اإلنسانية على السياسة وكيف
يمكن لعلم السياسية بناء على كل ذلك من تقديم تفسير لعالقة الحاكم بالمحكوم في مجتمع معين.
يشير التاريخ بمعناه العام إلى األنساق المنظمة لألحداث الماضية ،ولذلك يصبح لكل شيء تاريخ،
إال أن علم السياسة ال يهتم بكل أبحاث المؤرخين ،ولكن يحصر اهتمامه بها في حدود الوقائع التي يرويها
التاريخ عن النشاط السياسي لإلنسان فيصبح التاريخ بهذا المعنى مصدرا أساسيا من مصادر المعلومة
السياسية ،وقد قيل بأن علم السياسة ثمرة التاريخ ،بمعنى أن السياسة هي التي تصنع التاريخ ،كما قيل
أيضا أن التاريخ هو جذور علم السياسة .فهو المتضمن لسجل األحداث البشرية والمستقصي في أسبابها
والمدون لمختلف التطورات التي عرفتها الشعوب في جميع المناحي االقتصادية والفكرية وغيره.
7
لذلك يمكن القول إن العالقة بينهما عالقة تالزمية وحتمية ،بحيث تصبح دراسة التاريخ عقيمة وال
معنى لها إذا لم تأخذ بعين االعتبار التيارات والعوامل السياسية التي ساهمت في تحريك مجرى األحداث
وخلفياتها الفكرية واإليديولوجية.
فعالم السياسة ،باعتباره باحثا عن الحقيقة وثائرا ضد المسلمات ،ال يأخذ المعطيات التاريخية كما
يسردها المؤرخ ،بل وظيفته البحث عن ما وراء هذه المعطيات ،وكيف توظيف أحيانا لخدمة سرد
تاريخي قد ال يكون هو المعبر فعال عن الحقيقة ،ومن هنا يجب التنبيه ،إلى أن مجال االهتمام الرئيسي
لعالم السياسة بالتاريخ ينصب على دراسة تطور ونمو المؤسسات السياسية والحقائق التي تؤثر بصورة
مباشرة أو غير مباشرة على قرارات الدولة و وتصرفات الحكومة ،كما كانت وليس كما يريدها التاريخ
الرسمي أن تكون.
ونظرا لالرتباط القائم بين علم التاريخ وعلم السياسة ،فقد تشكل فرع دراسي مستقل ينهل من
العلمين معا هو علم دراسة الفكر السياسي أو الوقائع السياسية ،و هو علم حديث يعنى بمسائلة الظروف
العامة المنتجة للحدث أو الفكرة السياسية وبالكشف عن أوجه الحقيقة المغيبة فيها ومن المستفيد من هذا
التغييب ولماذا.
من المعلوم أن القانون هو مجموعة من القواعد القانونية التي تنظم سلوك األفراد داخل المجتمع
بما سينه من قواعد ملزمة ترتب جزاءات عن المخالفين لها .والقانون قسمان ،قانون خاص وهو الذي
ينظم العالقات المدنية بين األفراد الطبيعيين ،و قانون عام وهو الذي ينظم العالقة بين األفراد والدولة أو
أي عالقة تكون إدارة الدولة عنصرا فيها ،وهذا النوع هو الذي له مع علم السياسية عالقة وطيدة وال
سيما فيما يخص القانون الدولي والقانون الدستوري.
فاألول يشير إلى طبيعة العالقة القائمة بين الدول وإلى كيفية تطبيقها ،في حين يسعى الثاني إلى
تبيان شكل الدولة وعالقة الحاكم بالمحكوم فيها والحقوق والواجبات التي يتمتع بها األفراد داخل الدولة أو
يما يعرف بحقوق المواطنة.
نستطيع ال قول إذن ،أن القانون الدستوري هو أكثر القوانين ارتباطا بعلم السياسة ،بحيث نجد
بينهما تشابها كبيرا إلى حد التطابق فيما يخص المصطلحات المستعلمة و مواضيع االهتمام فكالهما
يبحثان في صيغة الحكم القائم وفي الشرعية التي يتمتع بها وفي المبادئ المنظمة لتدخل السلطات
الحكومية ولعالقة الحكومات باألجهزة المحلية ولحماية حقوق األفراد وحرياتهم وممتلكاتهم و فصل
السلط .وغيرها من مواضيع حدت ببعض الباحثين إلى التأكيد على استحالة التفريق بينهما.
ال يعفي هذا التقارب الكبير ،مع ذلك ،وجود اختالف بينهما ال سيما على مستوى اختصاص
وشمول أي طرف منهما.
فإذا كان القانون الدستوري ،يسعى إلى الكشف عن القواعد القانونية التي تخص السلطة ،فإن علم
السياسة يتجاوز ذلك ،إلى مستوى البحث عن كافة الجوانب المحركة آلداء السلطة ،اجتماعية كانت أو
سياسية أو اقتصادية ،وتفسيرها وتحليلها وإعطاء رأيه في ذلك.
8
الفقرة الخامسة :عالقة علم السياسة بعلم االقتصاد:
من المسلم به في عالم اليوم ،أن وظيفة الدولة لم تعد مقتصرة على حفظ األمن والنظام ،إن الدولة
أضحت مطالبة بتهيئة الظروف المناسبة لتحسين رفاهية األفراد وإعطاء الجميع فرصا متساوية لتنمية
مواهبهم وكفاءاتهم ،بما يحقق مبادئ العدالة والمساواة لمصلحة المجتمع كله ،وليس هناك اآلن من دولة
يمكن أن تهمل مبادئ االقتصاد وأسس توزيع الدخل العام ووسائل اإلنتاج والسياسات المالية والنقدية،
لذلك فقد أضحى من الصعب وضع خط فاصل تماما بين األنشطة السياسية واالقتصادية ،فنحن عندما
نحاول فحص الدور المالئم للحكومة في الحياة االقتصادية ،سنجد أن السياسة واالقتصاد يلتحمان ببعضهما
البعض التحاما كامال ،لدرجة أدت إلى ظهور محاوالت تبني تحليلها لمعطيات السياسة العامة للدولة على
ضوء نتائج البحوث االقتصادية .ألنها تتحكم كثيرا في تحديدها كما تسهم في تقييمها.
فال غرابة إذن،أن أصبح هذ ان العلمان يدرسان معا في إطار تخصص واحد هو علم " االقتصاد
السياسي" على اعتبار أن كالهما يكمل اآلخر ،و هما معا مرتبطان في حقل العلوم االجتماعية وبالتالي
يهدفان إلى دراسة وضعية اإلنسان داخل المجتمع ،وتحقيق سعادته ورفاهيته.
هذه الرفاهية التي ال تتحقق بالضرورة إال في إطار مجتمع منظم تسوده عالقات حق وقانون بين
حاكم ومحكوم و ذلك مجال علم السياسة الذي يبحث في كيفيات تنظيم هذه العالقة وفق أسس شرعية ال
استبداد فيها وال مصادرة للحقوق ،ومنها حق األفراد والمجتمع في ممارسة أنشطة اقتصادية مدرة للدخل
وخالقة للثروة وجالبة للنفع العام وتلك وظيفة علم االقتصاد.
يمكن النظر إلى علم االجتماع باعتباره األب الروحي لكافة العلوم االجتماعية األخرى على أنه
العلم الذي يبحث في أصل وتطور الوظائف االجتماعية للجماعات البشرية وكذلك أشكالها وقوانينها
وعاداتها ومؤسساتها وأنماط حياتها فكرا وعمال وكذلك مدى مساهمتها في الثقافة والحضارة اإلنسانية.
لذلك ،ال يمكن ما لعلم االجتماع من تأثير واضح في أسلوب معظم علماء السياسة الذين يقرون بأن
الظواهر السياسية ال تعد أ ن تكون مجرد أحداث اجتماعية ومن تم يتعين معالجتها على ضوء البيئة التي
تؤثر فيها وتكيفها على اعتبار أن الحدث هو وليد تلك البيئة ،وتأسيسا على ذلك ،فإن دراسة المجتمع
والبيئة التي ظهرت وتطورت فيهما الظاهرة السياسية موضوع البحث هو أمر ضروري وحيوي لغرض
تفهم المشكلة من كافة أوجهها.
في السنوات األخيرة ظهر فرع جديد من العلوم االجتماعية بين علم السياسة وعلم االجتماع عرف
ب " علم االجتماع السياسي" والذي يعرفه علماء االجتماع على أنه العلم الذي يهتم باألسلوب والنتائج
االجتماعية المرتبطة بتوزيع القوة على نحو معين في نظا م الجماعات أو فيما بينهما .فضال عن اهتمامه
بالصراعات االجتماعية والسياسية والتي تؤدي إلى تغيير في نوع القوة.أما علماء السياسة فيعرفونه على
أنه ذلك الفرع من علم السياسة الذي يتناول بالدراسة والتحليل العالقات المترابطة والمتبادلة بين السلطة
السياسية والمج تمع ،وبالذات دراسة عملية التأثير والتأثر المتبادل بين هذين القطبين ( السلطة والمجتمع)
دراسة تحليلية للوقائع والظواهر االجتماعية الناتجة عن هذه العالقة سلبيا وإيجابيا ،كما ونوعا.
يقول رأي ألحد علماء النفس في دراسته للديمقراطية الحديثة ،أن السياسة تستمد جذورها من علم
النفس الذي يشمل دراسة عادات اإلنسان وأفكاره واتجاهاه ،ويؤكد علماء السياسة على فائدة علم النفس في
9
تفسير بعض الظواهر الخاصة بالسلوك السياسي ،ذلك إن دراسة بعض الموضوعات مثل القيادة السياسية
والرأي العام والتوترات العالمية تحتاج لخبرة واستبصار عالم النفس.
إذا كان علم النفس -وهو الذي يجمع إلى حد ما بين علم النفس وعلم االجتماع -يهتم في المقام
األول بدراسة سلوك اإلنسان ،فهو يوضح كذلك بالتفصيل ما يفعله اإلنسان ،فإنه يهتم كذلك ،وبصفة
خاصة ،بدراسة سلوك األفراد داخل الجماعة والتفاعل الذي يحدث داخل وبين الجماعات ،وكذا اتجاهات
القيم داخلها ،إلى جانب موضوع مهم من الموضوعات التي ال يمكن لدارسي السياسة إهمالها وتجنب
التعمق في بحثها ،وهو القيادة ودورها وآثارها وكيف تنشأ وكيف يمكن تنميتها.
لذا فقد أضحى التشابك والتداخل بين علم السياسة وعلم النفس ،أمرا مسلما به في الدراسات
الحديثة ،اقتناعا بأن العوامل النفسية تتدخل في جميع جوانب السياسة.
هناك العديد من المجاالت التي تتفاعل في تشكيل الفعل السياسي داخل المجتمعات ،وتسطر في مجموعة
دائرة اشتغال علم السياسة ،أو ما يعرف بالحقل السياسي ،إال أنه أهم هذا المجاالت هي :الثقافة السياسة،
التنشئة السياسية ،التنمية السياسية.
الفرع األول :الثقافة السياسية
ستناول هذا المفهوم انطالقا من تعريفه ،خصائصه ،تنوع الثقافات السياسية ثم تأثير الثقافة
السياسية على النظام السياسي.
تعد الثقافة السياسية نتاج تأريخ النظام السياسي كما أنها نتاج األفراد الذين يعيشون في ظل ذلك
النظام ،وعليه فإن الثقافة السياسية متأصلة في الوقائع العامة وكذلك في التجربة الشخصية لهؤالء األفراد،
و لمعرفة طبيعة تنوع الثقافات السياسية في مجتمع واحد ينبغي دراسة التطور التاريخي للمجتمع بكليته ،و
كذلك حياة األفراد الذين يجسدون ثقافة المجتمع ،ومن خالل الدراسة التاريخية لتطور المؤسسات والقيم
التي تكون الثقافة السياسية ،وكذلك في دراسة عملية التنشئة االجتماعية السياسية التي من خاللها يلج
األفراد في الثقافة يمكن معرفة أنماط الثقافات والعالقات بين المؤسسات وأفراد المجتمع.
لذا يمكن تقسيم الثقافة السياسية حسب التقسيم المعروف ل " ماكس فيبر" إلى األنواع الثالثة التالية:
-1الثقافة التقليدية :وتوجد في المجتمعات القديمة والضئيلة التطور وفيها تكون توجهات المواطن
نحو المواقع السياسية ضعيفة بسبب ضعف الوعي السياسي وضآلة تطور عناصر التالحم
واالندماج ،وكذلك عدم رغبة المواطنين في االرتباط وعبر أي طريقة إيجابية بالمؤسسات
السياسية الوطنية ،والواقع أن الثقافة التقليدية ليست إال وضعا لثقافات سياسية محلية قائمة على
أساس القرية واألسرة والجماعة اإلثنية والمنطقة وغير ذلك.
-2ثقافة الخضوع :يكون في ظلها المواطن واعيا على نحو قوي بالنظام السياسي وما يصدر عنه
من أعمال ،ولكن ليس له إال شعور ضئيل بالمؤسسات التي تأخذ على عاتقها تحقيق المطالب
االجتماعية وكذلك شعور مجرد من فعاليته السياسية شخصيا ،وتكون المؤسسات في مثل هذه
الثقافة ضئيلة االستجابة لحاجات الفرد .ويذكر موريس دوفرجيه " :في ثقافة الخضوع يعترف
أعضاء النظام بوجوده ،ولكنهم يظلون سلبيين اتجاهه ،فهو خارجي نوعا ما بالنسبة إليهم وهو
ي نتظرون منه تقديم خدمات لهم ويخشون عقابه ،ولكنهم ال يفكرون بأنهم يستطيعون تغيير عمليات
النظام على نحو ملموس.
-3ثقافة المساهمة :يكون المواطن فيها على مستوى عال من الوعي باألمور السياسية ويقوم
بدور فعال فيها ،ومن تم يؤثر في النظام السياسي بطرق مختلفة كالمساهمة االنتخابية أو
المظاهرات أو تقديم االحتجاجات فضال عن ممارسة نشاط سياسي من خالل عضوية حزب
سياسي أو جماعة ضغط.
تجدر اإلشارة إلى أن األنواع الثالثة المذكورة من الثقافة السياسية ،تنسجم مع بنى سياسية معينة،
فالنوع األول من الثقافات المذكورة يتالئم مع البنيات التقليدية ال ممركزة ،وتتالءم ثقافة الخضوع مع بنية
سلطوية ممركزة ،وأخيرا تتالءم ثقافة المساهمة مع بنية سياسية ديمقراطية.
وعلى خالف ذلك ،فإن الحكم الديمقر اطي ينطوي على ثقافة لسياسة تعكس اإليمان بقيم وقناعات
بأن للفرد حرية ال يمكن للحاكم أن ينال منها مع االستعداد للدفاع عنها فيما لو استهدفتها مؤسسات السلطة
أو هددت باستهدافها ،واألمر بمجمله هنا ،يتطلب قدرا من الثقافة السياسية المتبادلة بين القوى السياسية
11
وا لتي ترتبط بالثقة االجتماعية ،كذلك ال بد من االستعداد لقبول الرأي اآلخر واالتجاه المخالف ،إضافة إلى
التزام متأصل باحترام قواعد اللعبة السياسية أو قواعد التنافس السياسي.
وكما تتأثر القيادات السياسية بالثقافة السائدة ،تؤثر األخيرة كذلك على عالقة األفراد بالعملية
السياسية ،فبعض المجتمعات تتميز بقوة الشعور بالوالء القومي والمواطنة والمواطنة المسؤولة ومشاركة
األفراد بالحياة العامة ،في حين يتسم سلوك األفراد إزاء األنظمة السياسية في بعض المجتمعات،
بالالمباالة واالغتراب وعدم الشعور بالمسؤولية وقد يشك األفراد في السلطة السياسية ويعتبرونها مجرد
أداة لتحقيق مصالح القائمين ليس إال.
وفضال عن ما تقدم ،يعتد االستقرار السياسي واالنسجام االجتماعي جزئيا على الثقافة السياسية،
فالتجانس الثقافي والتوافق بين النخبة والجماهير الواسعة يعززان االستقرار ويدعمانه ،أما التباين الثقافي
واالختالف بين عقلية النخبة وعقلية الجماهير فيعكس بدرجة أخرى مصدر تهديد الستقرار النظام
السياسي.
إن الثقافة السياسية بهذا المعنى تؤثر بال ريب في الحياة السياسية بصورة عامة وعلى النظام
السياسي القائم بصورة خاصة ،ولكن القوى السياسية ال تقف مكتوفة األيدي في انتظار ردة فعل
الجماهير ،فالعفوية والتلقائية غير مقبولة من قبل هذه األحوال ،ولذلك فالقوى السياسية المختلفة بما فيها
قوى النظام السياسي تعمل على تحريك وصياغة مواقف الجماهير انطالقا من المعطيات الثقافية السائدة
في المجتمع ومدى تأثيرها في سلوك األفراد والجماعات ،وعلى مستوى آخر إن القوى السياسية المختلفة
تسعى إلى رفع الوعي لدى جماهيرها أوال ثم بلورته بشكل آراء ومواقف تنسجم مع اتجاهاتها وأهدافها
السياسية ،ومن هذه الناحية يأتي ارتباط الثقافة السياسية بالتنشئة السياسية.
اتسع االهتمام بالتنشئة السياسية بعد ازدياد عدد الدول المستقلة التي تحاول بناء نظام فكري
واقتصادي خاص بكل دولة .يحقق تفاعل المواطنين مع النظام السياسي ،لذا فقد بذلت العديد من الدول
جهودا مضنية على صعيد تغيير القيم وبناء المؤسسات وعقلنة السلطة السياسية وترشيد آداء النظم
السياسية ،وذلك بهدف الحد من تأثيرات إشكالية الوحدة الوطنية أو عدم االندماج القومي من خالل خلق
قيم مشتركة ،وتنظيم االتجاهات ،أو بمعنى آخر خلق شعور عام وقوي بالهوية القومية.
ولقد تعددت تعريفات مفهوم التنشئة السياسية بقدر تعدد من تناولوها بالدراسة ،وانطالقا من حقيقة أن
التنشئة السياسية تمثل العملية التي يتعرف بها الفرد على النظام السياسي والتي تقرر مداركه للسياسة
وردود أفعاله اتجاه الظاهرة السياسية ،يمكن التمييز بين اتجاهين رئيسيين بصدد تعريف مفهوم التنشئة
السياسية.
12
-االتجاه األول :وهو األكثر شيوعا ،نظر إلى التنشئة السياسية كعملية يتم بمقتضاها تلقين المرء
مجموعة القيم والمعايير السياسية المستقرة في ضمير المجتمع بما يضمن بقاءها واستمرارها عبر
الزمن.
-االتجاه الثاني :ينظر إل التنشئة السياسية كميكانيزم لتعديل الثقافة السياسية في المجتمع وخلق ثقافة
سياسية جديدة ،،تراها النخبة الحاكمة ضرورية للعبور بالمجتمع من حالة إلى حالة أكثر تفدم .أي أن
التركيز في هذا التعريف ال ينصب على االستمرارية والتوافق ولكن على التغيير واالختالف.
فاستنادا إلى هاذين التعريفين ،يمكن استخراج عدد من عناصر التنشئة السياسية نوردها كالتالي:
تعتبر التنشئة السياسية ذات أهمية كبيرة ،ألنها تهدف إلى تأهيل األفراد وإكسابهم اتجاهات وقيم
سياسية تؤدي بهم إلى االنخراط بدرجات مختلفة في النظام السياسي القائم وفي المساهمة السياسية،
وبمعنى آخر ،تحقيق اندماج األفراد وبالتالي اشتراكهم في فعاليات النظام السياسي وفي صنع السياسات
العامة .وهي بالنتيجة ال تقتصر على نقل الثقافة بين األجيال بل اكتساب الثقافة والقيم في إطار عملية
إحالل قيم جديدة بدال من القيم التقليدية ،وهذا ما يؤثر في السلوك السياسي لالفراد ،ويوسع من دائرة
المشاركة في صنع القرار.
-بلورة قيم العمل الجماعي والمسؤولية المشتركة :بمعنى بناء الجماعة السياسية ،فالتربية والتعليم،
يعدان أدوات سياسية لتنظيم الوالء للسلطة والطاعة إلرادة الجماعة السياسية واإليمان بأهدافها المشتركة،
فالتنشئة السياسية هنا هي التي تمنع الجماعة من التفكك وتجنبها مخاطر التجزئة
-توسيع المشاركة السياسية :تقوم التنشئة السياسية بتعميق روح اإلقدام والمبادرة والعمل الجماعي في
بنية اإلنسان من خالل بناء المؤسسات وتطوير قنوات للتعبير السياسي ،وتنمية دوافع الفرد للمشاركة في
الحياة السياسية ووضع مناهج تقلل من ظاهرة االتجاهات االنعزالية أو السلبية في الحياة السياسية .هكذا،
فإن المعارف والقيم واالتجاهات التي تتجمع لدى الفرد نتيجة لعملية التنشئة المبكرة تسهم في تطوير
استجابته لمختلف المؤثرات السياسية وبالتالي تؤثر على مدى مشاركته في الحياة السياسية ،فالشخص
الذي ينشأ في بيئة قوامها التحاور والمشاركة في اتخاذ القرارات يكون أكثر ميل للمشاركة السياسية من
الشخص الذي يخضع لتنشئة اجتماعية سلطوية ،ذلك ألن السلوك السياسي امتداد للسلوك االجتماعي
وكلما كان المر ء مشاركا على الصعيد االجتماعي كلما كان احتمال مشاركته في األنشطة السياسية أكبر
والعكس بالعكس.
-بناء نمط مشترك من التفكير :نظرا ألن شاغلي المراكز السياسية ينحدرون غالبا من ثقافات فرعية
مختلفة ،تصبح التنشئة السياسية الفعالة حيوية لنشر القيم واالتجاهات ولتزويدهم بالمعارف والمهارات
السياسية ،وهو ما يقود إلى بناء نمط مشترك من التفكير ويؤدي إلى تنظيم الجهود وتحقيق التماثل في
اإلمكانات لضمان قدر مالئم من االنسجام في حركة الدولة ومؤسساتها.
13
-تأمين االستقرار السياسي :يشير االستقرار السياسي إلى قدرة النظام السياسي على أن يحفظ ذاته عبر
الزمن ،اي أن يظل في حالة تكامل ،وهو ما ال يتأتى إال إذا اضطلعت أبنيته المختلفة بوظائفها ومنها
وظيفة التنشئة السياسية .يتوقف ذلك على قدرة التنشئة على تعميق احترام الدستور والقوانين النافذة
والنظام العام لدى أفراد المجتمع وزيادة حماسهم للمشاركة في حياة األحزاب السياسية وتطوير فعاليتها في
إطار آليات النظام وهذا ما يدعم االستقرار السياسي.
-1مرحلة الطفولة :يكتسب األطفال نظم المعرفة والقيم والمعتقدات السياسية السائدة في المجتمع
والتي قد تؤثر في سلوكهم السياسي في مرحلة النضج وهي المرحلة التي تقتضي مساهمة
المواطنين بأدوار في إطار العملية السياسية ،لكي يتسنى للنظام السياسي االستمرار عبر الزمن
وأن يؤقلم ذاته للظروف المتغيرة ،ال محيد عن االهتمام بالتربية السياسية للنشىء الجديد.
-2مرحلة المراهقة :تتميز مرحلة المراهقة ببروز متغيرات في حياة المرء أبرزها :تطور القدرات
اإلدراكية ،نمو اإلحساس بروح الجماعة ،تبلور األطر الفكرية ،وفضال عن ذلك ،فإن المرء خالل
هذه المرحلة يبدأ تحمل بعض مهمات المواطنة مثل االشتراك في التصويت وممارسة األدوار
القيادية في البيئة المدرسية أو االجتماعية ،وآداء الخدمة العسكرية ،ومن ناحية أخرى يتعلم الفرد
أثناءها قيما وأفكارا سياسية جديدة قد يتناقض بعضها مع قيم األسرة.
-3مرحلة النضج :يتحدد السلوك السياسي للمواطن في هذه المرحلة من خالل ما تراكم لديه من
معارف وقيم واتجاهات أثناء مرحلتي الطفولة والمرهقة ،وكذلك من خالل القيم والمعارف التي
يكتسبها أثناء مرحلة النضج ،وقد تكون التنشئة في مرحلة النضج استمرارا للتنشئة في مرحلتي
الطفولة والمراهقة وهو ما يؤدي إلى تعزيز القيم واالتجاهات المبكرة ،وفي أحيان أخرى قد
يعايش المواطن أبنية جديدة تلقنه مفاهيم واتجاهات تختلف مع أنماط التنشئة األولية بالشكل الذي
يقود إلى إحداث تغييرات جوهرية في السلوك السياسي ،فعلى سبيل المثال يخضع النائب في
البرلمان لعملية تنشئة بعد انتخابه ويتحدد سلوكه التشريعي بمعارفه واتجاهاته السابقة على انتخابه
ثم بالخبرات التي يكتسبها مع عمله داخل البرلمان.
يمكن التمييز فيها بين ثالث أدوات :األسرة ،المدرسة ،وسائل اإلعالم ،األصناف اإلبداعية:
-1األسرة :وهي واحدة من أبرز مؤسسات التنشئة السياسية ،ويبدأ الفرد في داخلها اكتساب
االتجاهات والمعتقدات السائدة في المجتمع ،فهي تعكس نظاما للقيم يستوعبه الطفل ويختزنه في
ذاكرته ،واألسرة أول نمط للسلطة يعايشه الفرد لذا فإن المعتقدات واالتجاهات التي يكتسيها الطفل
داخل األسرة ال ترجع فقط إلى التلقين المستمر للمعارف السياسية واالجتماعية ،وإنما أيضا إلى
األسلوب الذي تنهجه في تربيته.
14
-2المدرسة :تعلب دورا هاما في عملية التنشئة ،سواء عبر التثقيف السياسي من ناحية أو عبر
طبيعة النظام المدرسي من ناحية أخرى ،وتعتبر المدارس من أبرز األبنية التي يعول عليها
النظام السياسي لالضطالع بمهمة تعديل قيم واتجاهات األفراد ،كي تصبح مالئمة للتغير
السياسي واالجتم اعي المطلوب .لذلك فالدول تحرص جدا على مراقبة المناهج الدراسية نظرا
لحساسيتها وخطورتها على القيم السائدة.
-3وسائل اإلعالم :تتولى هذه الوسائل ( لصحف /الراديو /التلفزيون /شبكات التواصل) دور مهم
في عملية التنشئة ،فهي وفضال عن تزويد المواطنين باألخبار تساهم في تكوين وترسيخ القيم
السياسية لديهم .فالتدفق المستمر للمعلومات صعودا ونزوال بين النخب الحاكمة والجماهير ،من
شأنه العمل على تأكيد قيم الثقافة السياسية السائدة ،وربط المجتمع المحلي بالمجتمع القومي،
وتوعية المواطن بالقضايا القومية بل والعالمية ونقل القيم الجديدة إلى الجماهير وتقديم النماذج
السلوكية المدعمة لها .غير أن معرفة المرء بالقيم والمعايير واألفكار السياسية الجديدة ال تستتبع
بالضرورة تحويله إلى األخذ بها والتخلي عن نقيضها ،إذ ترتبط هذه العملية بعدة متغيرات من
بينها مدى استقرار الثقافة التقليدية في نفسه وخصائص شخصيته واإلطار االجتماعي السائد.
-4األصناف اإلبداعية :تلعب المواهب اإلبداعية بشتى صنوفه ،أدوارا طالئعية هي األخرى في
تلقين مبادئ النظام ودعم التنشئة السياسية ،سواء كانت سينما أو مسرح أو أغاني أو إنتاجات
أدبية ،فكم من األعمال اإلبداعية ،ساهمت في توحيد الوعي أو تشكيله حول قضايا وطنية
كبرى ،وأدت إلى ترسيخ الروح القومية وتأكيد االنتساب إلى قيم المجتمع ،أو ساهمت في
تغييرها نحو ثقافة سياسية جديدة تلتف على قيم أخرى.
15
التنمية السياسية هي جانب من جوانب عملية التغيير االجتماعي المتعددة األبعاد ،إذ ال يمكن أن تتحقق
دون حدوث تغييرات في كافة عناصر الثقافة.
تلخيصا لكل هذه الت عاريف ،حدد " صامويل هنتغتون" وجود أربعة مفاهيم مشتركة ومتكررة بين
التعريفات المختلفة للتنمية السياسية هي ( :العقالنية ،االندماج والتكامل القومي ،الديمقراطية ،التعبئة
والمشاركة) .أو بمعنى آخر ،فإن التنمية السياسية هي جزء من التنمية الشاملة ،وهي تلك العملية التي
يحدث بمقتضاها تغير في القيم واالتجاهات السياسية والنظم والبناءات وتدعيم ثقافة سياسية جديدة ،بحيث
يؤدي ذلك إلى مزيد من التكامل في النسق.
خلص علماء السياسة واالجتماع السياسي ،إلى أن مفهوم التنمية السياسية يتضمن عدة أبعاد تتركز
بشكل أساسي في ثالثة هي:
البعد األول :خلق روح المساواة واالتجاهات المدعمة لمبدأ المساواة ،وطالما تحققت هذه
المساواة فإنها سوف تؤدي بالتالي إلى مزيد من المشاركة في صنع القرار السياسي وإلى مزيد
من الديمقراطية ،كما أنها تؤدي على المستوى االجتماعي العام إلى خضوع كل األفراد في
المجتمع لنفس القواعد والقوانين دون وجود أي استثناءات ،وفي هذه الحالة ،فإن التوافد إلى
احتالل المناصب السياسية يخضع لمعايير اإلنجاز وال يخضع بأي حال من األحوال للخصائص
المتوارثة التي تسود في المجتمع التقليدي.
البعد الثاني :االقتدار السياسي ،بمعنى خلق النظام السياسي القادر على أن يخرج قرارات
سياسية فعالة من ناحية ،وعلى أن يؤثر تأثيرا فعاال في االقتصاد والمجتمع من ناحية أخرى،
ويتطلب االقتدار السياسي وجود حكومة منجزة تعمل في ظروف تهيئ لها تحقيق اإلنجاز المناط
بها ،فاالقتدار السياسي يعني اإلنجاز والفعالية.
البعد الثالث :تباين وتخصص النظم السياسية ،أي أن يكون للمؤسسات السياسية وظائف
واضحة ومحددة وأن يكون هناك تقسيم عمل داخل الجهاز الحكومي ،بحيث ال تطغى وزارة من
الوزارات على تخصصات وزارة أخرى ،وأن تكون األدوار السياسية متخصصة ،بحيث يتحقق
في داخل النظام تباينا و استقالال بين مكوناته الرئيسية دون أن يعني ذلك ،بأن النظام السياسي
مفتتا من الداخل أو منعزال عن البناء الكلي للمجتمع.
-1التعبئة السوسيو -سياسية :ومعناه أن التحديث ال يكون إال بتصفية التقليدية عبر مجموعة
من إجراءات التعبئة ،بإثارة روح إيجابية وعقالنية تؤمن بالقانون والنظام ثم قيادة اإلفراد
وتوجيههم للتطبع بخصائص سلوكية ذات طابع شمولي عام مبني على تصفية الوالء للفرق
والجماعات واألسر وبناء الوالء للمجتمع الموحد ،لخدمة المصلحة العامة ولبلورة هوية
موحدة للمجتمع ،يمكن القول إن التنفيذ العملي للتعبئة السوسيو -سياسية في إطار ما ورد
16
أعاله يشكل القاعدة األساسية لإلجراءات المتعلقة بالتنمية في أي مجتمع .ولعل الحل
الجوهري لهذا النوع من التنمية يكمن في بناء الديمقراطية.
-2بناء المؤسسات ( المأسسة) :يتصل بناء المؤسسات بطبيعة توجهات النظام السياسية أو
إيديولوجيا النظام وكذلك بخصائص الثقافة السياسية للمجتمع ،فإذا كانت ذات أصول
ديمقراطية يمكن بناء مؤسسات تضمن التحديث والتنمية السياسية ،وعلى العكس ،إذا كانت
البنية الفلسفية غير ديمقراطية فباإلمكان بناء مؤسسات تعمل على تطوير قدرات االنضباط
االجتماعي ومركزية التوجيه السياسي والتعبئة اإليديولوجية لكنها ال تضمن المشاركة
الحقيقية في صنع القرار ،ألن مجرد وجود المؤسسات ال يعني بالضرورة وجود النظام
الديمقراطي ،ألن الديمقراطية تعكس فلسفة وتؤسس بنية ذات آليات للتعددية السياسية .وغالبا
ما تواجه التنمية السياسية في العالم الثالث إشكالية اتساع المطالب عند بدء التنمية بدرجة ال
تتالءم مع قدرات المؤسسات السياسية ،األمر الذي قد يفضي إلى عجز النظام السياسي أو
آلياته الدستورية واالقتصادية عن تلبية مجموع المطالب المستجدة.
-3توظيف القدرات :يعكس النظام السياسي بحسب " دفيد إيستون" مجموعة من التفاعالت
التي تحدث في المجتمع ،لذا فإن تحليلها ،باعتبارها مجموعة بنى متميزة عن البنى
االجتماعية واالقتصادية ،توفر اإلمكانية لبناء نظرية في التنمية السياسية ،تتضمن ثالثة
عناصر:
17
الفصل الثاني :أشخاص الحياة السياسية
لقد كان من أثر ربط علم السياسة بالقانون الدستوري ،جعل هذا األخير يهتم بأشخاص الحياة السياسي ،أي
الفاعلين السياسيين المتواجدين في حقل الفعل السياسي وهم :الدولة -الحزب -جماعات الضغط.
اتفق فالسفة السياسة على أن الدولة هي الذروة التي تتوج البنيان االجتماعي الحديث وتكمن
طبيعتها التي تنفرد بها في سيادتها على جميع أشكال التجمعات األخرى.
فالدولة وسيلة لتنظيم السلوك البشري وفرض المبادئ السلوكية التي ينبغي أن ينظم األفراد حياتهم
على أساسها .فهي التي تصدر القوانين وتعا قب من يخرج عليها كما أنها تملك فرض النظام لضمان
طاعتها من قبل األفراد والجماعات المندرجة تحت ظلها..
18
الفقرة األولى :فكرة التمييز بين الشعب واألمة:
يمكن تعريف األمة بأنها جماعة بشرية تجمعها روابط متعددة كوحدة األصل واللغة والدين
والتاريخ والمشاعر والعادات التي تتكون على مدى تاريخي ممتد ومن خالل االستقرار على أرض
متصلة األجزاء غالبا ً مما يخلق لدى أفرادها اإلحساس باالنتماء المشترك والرغبة في العيش معا ً
واالعتقاد الجازم في وجود مصالح مشتركة ترجع إلى المقومات والخصائص المشتركة فيما بينهم.
أما الشعب فظاهرة سياسية تتمثل في ارتباط مجموعة من األفراد بنظام سياسي معين داخل محدد
وال يلزم فيه بالتالي أن يكون على هذه الدرجة من التجانس واالندماج التي هي من خصائص األمة
الواحدة.
وإذا كانت بعض الدول تتشكل من أمة واحدة أو كان لبعض األمم دولتها الخاصة ،فإن دوال أخرى
مشكلة من عدة قوميات مختلفة األصول واللغة والدين والمشاعر والعادات لكنهم مع ذلك خاضعون
لسلطان دولة واحدة على إقليم معين( .ما يجعلها تتبنى النظام الفيدرالي كحالة الواليات المتحدة
األمريكية ،كما أن بعض األمم موزعة على عدة دول وليس لها دولتها الخاصة (األكراد الموزعين
على عدة دول :العراق ،إيران ،تركيا.)...
كما أن العديد من الشعوب قد اندرجت تحت ظل دولة واحدة رغم تباين ثقافاتها وعاداتها وتقاليدها
ومن ذلك السويسري مثال .
19
فال يكفي وجود جماعة من البشر لنشوء دولة ما لم يقطن هؤالء البشر في قطعة معينة من
األرض على سبيل الدوام واالستقرار حتى لو كان هؤالء األفراد يخضعون لسلطة حاكمة كشأن القبائل
الرحل التي ال تستقر على أرض محددة وإن خضعت لسلطان شيخها أو شيوخها متى تعددوا
… ويشتمل إقليم الدولة على أرضها وبحرها وسمائها .
20
المطلب الثالث :الهيئة الحاكمة ذات السيادة
إن تواجد مجموعة من السكان فوق إقليم معين ،ال يكفي لقيام الدلوة ،بل ال بد لهذه األخيرة من
وجود هيئة حاكمة تمارس سلطات تنفيذية وتشريعية وقضائية على إقليم الدلو وسكانها ودون وصاية أو
تدخل خارجي.
وال يكفي أيضا لوجود الدولة ،توفرها على هيئة حاكمة ،بل ال بد أن يرتبط حكمها بسيادة الدولة
والسيادة داخل الدولة.
أما السيادة الداخلية ،فتقوم على تحديدها لنظامها بنفسها ،وعدم وجود سلطة أسمى من سلطتها،
واحتكارها للقوة المسلحة دون سائر المجموعات المتواجدة على إقليمها من عائالت وأحزاب ونقابات،
بمعنى آخر ،أن الدولة طبقا ً لهذا المفهوم هي التي تملك سلطة التشريع وتنظم القضاء وتشرف على
السجون دون منازع ودون حق لألفراد أو الجماعات في االعتراض ،إال من خالل الوسائل والطرق
المشروعة المنصوص عليها في قانون الدولة.
في حين تعني سيادة الدولة خارجيا ،عدم خضوعها لسلطة خارجية وإبرامها لمعاهدات متكافئة
برضاها ،مع اإلشارة إلى أن أغلب الدولة تعرف تقييدا قانونيا أو واقعيا لسيادتها :فالتقييد القانوني يرجع
إلى المعا هدات الدولية التي تقبل فيها تنازالت متبادلة عن السيادة مع دولة أخرى ،والتقييد الفعلي
بالضغوط الخارجية والتدخالت والمعاهدات غير المتكافئة.
أخيرا ،نشير إلى أن هناك استثناءات لحالة الخضوع المطلق لقوانين الدولة فوق إقليمها ،و تتعلق
بأحكام القانون الدولي والمعاهدات الدولية ،فمثالً تظل السفارات األجنبية على أرض الدولة خاضعة
لسيادة الدولة صاحبة السفارة وجزءا ً من أرضها وكذلك الطائرات والسفن البحرية فإنها تخضع للدول
التي تحمل جنسيتها حتى لو كانت راسية على أرض أو في سماء أو في بحار دولة أخرى .وكذلك فإنه
متى وقعت الدولة اتفاقية دولية مع دولة أخرى بخصوص أمالك كل منهما على أراضي الدولة األخرى
فإن هذه االتفاقية تكون هي السارية على هذه األمالك وليس قوانين الدولة الداخلية ،وما يرد على
األمالك والسفارات واألموال يرد أيضا ً على األفراد من ممثلي الدول والمنظمات الدولية وكذلك أمالك
هذه المنظمات.
فهؤالء جميعا ً ال يخضعون للسلطان القانوني للدولة التي يعملون بها ويقيمون على أرضها إال في
حدود القوانين واألعراف الدولية وكذلك االتفاقيات الدولية سواء كانت اتفاقيات جماعية أو اتفاقيات ثنائية
وقعتها الدولة المعنية.
وعموما ،فإن هذه االستثناءات ال تخل بفكرة السيادة وال تعتبر خروجا ً عليها ،ذلك أنها في أغلب
األحوال ما تزال معتمدة على سلطة الدولة وسلطانها في التوقيع على المعاهدات واالتفاقات الدولية.
مع كل ذلك ،فال بد من القول ،إن هذا الركن ال يحتل األهمية التي تتمتع بها بقية األركان األربعة
المذكورة ،كون الواقع الدولي قد عرف أنواعا من الدول ،لم يتم االعتراف بها من قبل العديد من دول
العالم ،ومع ذلك فقد تم (التعامل معها) كشعوب مستقلة ،على بقع من األرض معلومة الحدود ،تمتلك
حكوماتها السيادة الداخلية والخارجية ،وهو كل ما تحتاج إليه الدولة كي تتسمى بهذا االسم ،لذلك فإن
الجانب الراجح ال يرى لالعتراف هذه األهمية القصوى التي تجعله عنصرا ً من عناصر نشأة الدولة
واكتسابها لكيانها القانوني ،وإنما هو مسألة الحقة لقيام الدولة باكتمال عناصرها الثالثة السابقة ،وبالتالي
يقتصر أثره على اكتساب الدولة الجديدة لسيادتها الخارجية في مواجهه الدولة التي اعترفت بها فقط.
فمن الناحية السياسية :يحدد شكل الدولة بالعودة للفلسفة السياسية واإليديولوجية التي
تسعى إلى تطبيقها وتخدمها وفي هذا الشأن ،وبذلك تصنف الدول إلى ليبيرالية أو
اشتراكية ديكتاتورية أو تحكمية ،...أي أننا في الواقع ننتقل من تصنيف ألشكال الدول
إلى تصنيف لألنظمة السياسية.
أما من الناحية القانونية ،فإنه يتم العودة للهيكل الداخلي لسلطة الدولة الستنباط شكلها،
وحسبما ما إذا كانت هذ ه السلطة نابعة من مركز واحد أو مراكز متعددة ،فإننا نوجد
إزاء صنفين :الدولة الموحدة والدولة الفيدرالية أو الدولة البسيطة والدولة المركبة.
الدولة البسيطة ،هي الدولة التي تكون فيها السيادة موحدة ،وتبدو الدولة وكأنها وحدة واحدة
متجانسة مندمجة اندماجا كليا ،وتظهر هذه الدولة ،حينما تتكامل عناصرها الرئيسية ( الشعب -اإلقليم
– السلطة).
وتجمع السلطة السياسية في هذه الدولة في يدي حكومة واحدة ،أو قد يذهب في اتجاه تقسيم
السلطات بين الحكومة المركزية والوحدات المحلية ( الالمركزية) ،إذ غدت الحكومة المركزية عاجزة
عن القيام بكل الوظائف والمهام التي يلزمها القانون بإشباعها ،بفعل توسع الدولة وازدياد عدد سكانها
وتضخم حجم المهام الملقاة على عاتقها نتيجة للخروج من دور الدولة الحارسة والدخول في دور الدولة
التدخلية ،هذا إضافة إلى ما يفرزه التقدم العلمي والتكنولوجي من مبتكرات حديثة ومتسارعة ،األمر الذي
يجعل إشباع كل هذه االحتياجات من قبل السلطة المركزية أمر شبه مستحيل.
الدولة المركبة ،هي الدولة التي اتحدت مع غيرها لتحقيق أهداف مشتركة تعجز كل منها عن
تحقيقها بمفردها ،وتقسم الدولة االتحادية عموما إلى نوعين رئيسيين:
ينشأ هذا االتحاد عن انضمام دولتين كاملتي السيادة أو أكثر إلى اتحاد تنظمه معاهدة تبرم بين
دول االتحاد بقصد تحقيق غايات مشتركة ،ونشأ أول اتحاد كونفيدرالي في العالم سنة 1776بين
الواليات األمريكية الثالث عشرة المستقلة عن بريطانيا ،ومن قبيل هذا االتحاد ،االتحاد األلماني سنة
1815االتحاد الكونفيدرالي ( االستقاللي -التعاهدي) .
ويتسم االتحاد التعاهدي (االستقاللي – الكونفيدرالي) بالخصائص التالية :
23
والجدير بالذكر إن االتحاد التعاهدي (االستقاللي– الكونفيدرالي) اتحاد ضعيف مؤقت مآله الزوال.
وينشأ عن االتحاد شخصية دولية جديدة ،هي شخصية دولة االتحاد الفيدرالي التي تتمتع وحدها بكافة
مظاهر السيادة الخارجية وبجزء من السيادة الداخلية .
ويعد االتحاد الفيدرالي تتويجا لسائر أ نواع االتحادات األخرى ،فهذا النوع من االتحادات أخرها ظهورا
وأقواها رابطة ،ونشأ أول اتحاد فيدرالي في العالم في الواليات المتحدة األمريكية سنة .1787
لقد أثارت مسألة األخذ باالتحاد الفيدرالي خالفا فقهيا طويال بين مؤيد ومعارض ،فقد نجح هذا
النظام في بعض الدول نجاحا منقطع النظير ،وكان سبب في قوتها ،وربما تسيدها على العالم ،كما في
الواليات المتحدة واالتحاد السوفيتي السابق.
ومع نجاح هذا النظام في بعض الدول فشل في دول أخرى ،وكان سببا في مأساة ومعانات
شعوب هذه الدول كما في يوغسالفيا السابقة.
وعلى حد سواء مع االتحادات األخرى ،وقف وراء تبني النظام الفيدرالي عدة أسباب ،فهذا
االتحاد وسيلة لتقوية الروابط التي توح دها االتحادات األخرى ،فمن خالل هذا االتحاد يتم دمج شعوب
الواليات الداخلة في االتحاد ،متجاوزا عقبات االختالف والتباين اللغوي والديني والعرقي .فمن خالل
ا التحاد الفيدرالي تم دمج الشعوب الناطقة بلغات متعددة في دولة واحدة ،كما في سويسرا
وتشيكوسلوفاكيا.
وفي الهند جمع النظام الفيدرالي بين المسلمين والهندوس والسيخ والبوذيين في دولة واحدة ،وكذا
األمر في بريطانيا ،حيث وحد االتحاد الفيدرالي بين البروتستانت والكاثوليك واألرثوذكس وجميعهم في
دولة واحدة وكأنهم دولة موحدة.
وقد يكون االتحاد الفيدرالي وسيلة إلدارة الدولة ذات الرقعة الجغرافية الواسعة ،ولنا في روسيا
خير مثال على ذلك ،فالسهل الروسي ال يمتد إلى جبال األوراس حسب ،بل إلى وسط أسيا وسيبيريا
أيضا .
وربما كان عنصر القوة والرغبة في توحيد الجهود لمواجهة الخطر الخارجي ،العامل األقوى
لنشأت االتحاد الفيدرالي ،فلهذا السبب يعود نشأت االتحاد الفيدرالي أول مرة في الواليات المتحدة
األمريكية ،فبعد إعالن المستعمرات الثالث عشرة استقاللها عن بريطانيا سنة ،1776وظلت هذه الدول
ترتبط باتحاد كونفيدرالي مفكك وبلغ ضعف حكوماتها حد هدد بقاءها وكوسيلة إلثبات جدارتها بحكم
نفسها وضمانا لمواجهة التحديات الخارجية السيما البريطانية منها ،اتجهت هذه الدول إلقامة رباط أكثر
قوة ،ووجدت هذه الدول أن االتحاد الفيدرالي هو النظام األمثل الذي يحقق لها ما تصبوا إليه من القوة
والرفعة.
24
.1فناء الشخصية الدولية للدويالت الداخلة في االتحاد ،وظهور شخصية دولية جديدة هي شخصية
الدولة االتحادية.
.2لالتحاد سلطة مباشرة على رعاية الواليات الداخلة في االتحاد.
.3اضطالع السلطة المركزية ( الحكومة الفيدرالية ) بسائر الشؤون الخارجية لفناء الشخصية
الدولية لدويالت االتحاد فتدخل الدولة الجديدة في عالقات دولية مع غيرها من الدول وتمثل في
المنظمات الدولية واإلقليمية وتبرم المعاهدات وتتبادل التمثيل الدبلوماسي وتقرر الحرب والسالم
.4تعد الحرب بين دويالت االتحاد حربا أهلية.
.5عدم تنازل دويالت االتحاد إال عن بعض اختصاصاتها الداخلية لالتحاد وتحفظ بباقي
االختصاصات.
.6استقالل كل والية بسلطاتها العامة ( التشريعية والتنفيذية والقضائية ) ،مع ممارسة
اختصاصاتها وصالحياتها في حدود إقليمها وعلى شعبها فقط ،إذ أن دويالت االتحاد الفيدرالي
هي أقسام إدارية كما في إقليم الدولة الموحدة أو البسيطة .
.7وحدة الجنسية وهي جنسية الدولة الجديدة .
.8وحدة الدستور في الدولة مع احتفاظ كل دويلة بحق وضع دستور خاص بها شرطة أال يتعارض
مع الدستور الموحد للدولة الفيدرالية
.9احتفاظ الواليات بوحدة إقليمها والتي ال يمكن أن تمس أو تعدل إال بموافقتها.
.10احتفاظ كل دويلة بحق تنظيم سلطاتها الدستورية وبما يتالءم وظروفها ،فهي غير ملزمة
باتخاذ أنظمة موحدة ،وهذا يسمح بطرح عدة تجارب دستورية ،وقد يستشف االتحاد نظامه
الدستوري من تجربة إحدى الواليات الناجحة.
.11يصلح هذا االتحاد للتطبيق في ظل النظامين الملكي والجمهوري.
.12يخضع تنظيم هذا االتحاد ألحكام القانون الدستوري ،على خالف االتحادات األخرى التي
تخضع ألحكام القانون الدولي ذلك أن المعاهدات الدولية تنظم العالقات بين الدول أما القانون
الدستوري فينظم عالقات الدولة الواحدة ،وحيث أن الواليات الداخلة في االتحاد الفيدرالي
تنصهر وتندمج في دولة االتحاد وتفنى شخصيتها الدولية وال تبقى سوى شخصية االتحاد الدولية
،من هنا ينظم القانون الدستوري عمل ونشاط هذه الشخصية الدولية الجديدة وعلى حد سواء مع
الدولة الموحدة أو البسيطة ،وانطالقا من ذلك أطلق بعض الفقه على االتحاد الفيدرالي ،االتحاد
الدستوري ،باعتبار أن هذه التسمية اقرب إلى واقع الدولة الجديدة وتعبيرا عن تنظيم القانون
الدستوري لها.
لعله من الصعوبة تقديم تعريف جامع مانع لطاهرة مركبة تتسم بالشمولية و التركيب مثل ظاهرة
الحزب السياسي ،و ربما يرجع ذلك الختالف اآلراء و الخلفية اإليديولوجية التي تقف وراء الذين
اجتهدوا في وضع تعريف لهذا المفهوم
تعددت التعريفات الخاصة باالحزب السياساي ،علاى أناه ومان واقاع النظار لهاذه التعريفاات،
يمكن اإلشارة إلى أن الحزب السياسي هو " :اتحاد بين مجموعة من األفاراد ،بغارض العمال معاا ً
25
لتحقياق مصالحة عاماة معيناة ،وفقاا ً لمبااد خاصااة متفقاين عليهاا .وللحازب هيكال تنظيماي يجمااع
قادته وأعضااءه ،ولاه جهااز إداري معااون ،ويساعى الحازب إلاى توسايع دائارة أنصااره باين أفاراد
الشعب" .
كما يمكن تعريفاه بأناه " :منظماة طويلاة األماد ،بمعناى أن ديمومتهاا تفاوق عمار مسايرها،
ذات هيكلااة كاملااة ( محليااة أو جهويااة أو وطنيااة عكااس الفريااق البرلماااني المقتصاار علااى النااواب)،
وهااذه المنظمااة الطويلااة األمااد وذات الهيكلااة العامااة تسااعى للحصااول علااى تأييااد شااعبي ( ،عكااس
النوادي الفكرية التي يقتصر نشاطها على روادها) ،للوصاول إلاى الحكام وتطبياق سياساة الحازب (
وهااذا السااعي للوصااول إلااى الحكاام هااو الااذي يميااز الحاازب عاان الجماعااة الضاااعطة التااي تحاااول
التأثير على الحكم وليس الوصول إليه).
و بتعبير أكثر وضوح ،يعارف "جورجاو بوردياو" الحازب ،بأناه " :تنظايم يضام مجموعاة
من األفراد بنفس الرؤية السياسية ،تعمل على وضع أفكارها موضوع التنفيذ ،و ذلك بالعمل فاي نن
واحد ،على ضم أكبر عدد ممكن مان الماواطنين فاي صافوفها ،و علاى تاولي الحكام او علاى األقال
التأثير في قرارات السلطات الحاكمة".
وتعد األحزاب السياسية إحدى أدوات التنمية السياسية في العصر الحديث .فكما تعبر
سياسة التصنيع عن مضمون التنمية االقتصادية ،تعبر األحزاب والنظام الحزبي عن درجة
التنمية السياسية في النظام السياسي .وهي من جهة أخرى ،هي إحدى الطرق التي تعبر بها األمة
عن حقها في المشاركة في الحكم ،فهي أداة للحكم أو المعارضة حسبما تملكه من أغلبية أو أقلية،
و تساهم بذلك في صنع إرادة األمة كما أنها ركيزة أساسية تقوم عليها األنظمة الديمقراطية.
فاألفراد وحدهم ال يمكنهم تحقيق أهداف سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية إال بتنسيق
الجهود و الوحدة و التضامن فيما بينهم وال يمكن لهذا التضامن أن يصبح فعاال إال إذا نظم و
توحدت الجهود في إطاره حزب سياسي .
-2ارتباط ظهور األحزاب السياسية بالتجارب االنتخابية في العديد من بلدان العالم ،
وهي التجارب التي بدأت مع سيادة مبدأ االقتراع العام ،عوضا ً عن مقاعد الوراثة
ومقاعد النبالء .
26
-3ظهور منظمات الشباب والجمعيات الفكرية والهيئات الدينية والنقابات ،وقد سعى
بعض هذه المؤسسات لتنظيم نفسها بشكل أكبر من كونها جماعات مصالح تحقق
الخدمة ألعضائها .
-4ارتباط نشأة األحزاب السياسية (في بعض األحيان وليس دائماً) بوجود أزمات التنمية
السياسية .فأزمات مثل الشرعية والمشاركة واالندماج أدت إلى نشأة العديد من
األحزاب السياسية .ومن األحزاب التي نشأت بموجب أزمة الشرعية ،وما تبعها من
أزمة مشاركة ،األحزاب السياسية الفرنسية التي نشأت إبان الحكم الملكي في أواخر
القرن الـ ، 18وخالل الحكم االستعماري الفرنسي في خمسينات القرن الماضي .
وبالنسبة ألزمة االندماج ،فقد أفرخت في كثير من األحيان أحزابا ً قومية ،وفي هذا
الصدد يشار على سبيل المثال إلى بعض األحزاب األلمانية واإليطالية ،إضافة لبعض
األحزاب العربية التي جعلت من الوحدة العربية والفكرة القومية هدفا ً لها.
-5ظهور األحزاب السياسية كنتيجة لقيام بعض الجماعات على تنظيم نفسها لمواجهة
االستعمار والتحرر من نير االحتالل األجنبي ،وهو األمر الذي يمكن تلمسه على
وجه الخصوص في الجيل األول من األحزاب السياسية التي ظهرت في بعض بلدان
العالم العربي وأفريقيا .
-1وظيفة التعبئة :تعني حشد الدعم والتأييد لسياسات النظام السياسي من قبل المواطنين،
وتعتبر وظيفة التعبئة بطبيعت ها ،وظيفة أحادية االتجاه ،بمعنى أنها تتم من قبل النظام
السياسي للمواطنين ،وليس العكس .ولكن يمكن لألحزاب أن تلعب دور الوسيط لحشد
التأييد لسياسة النظام خصوصا إذا كانت عل وفاق معه كليا أو على بعض القضايا الوطنية
التي تحظى باإلجماع.
-2توفير قنوات للمشاركة الشعبية ولالتصال الجماهيري .بمعنى آخر ،أن مهمة األحزاب هي
سد الفراغ الناشب عن إحساس الهيئة الناخبة بالحاجة لالتصال مع الهيئة الحاكمة.
-3ا لحصول على تأييد الجماعات واألفراد ،بغية تسهيل الهدف المركزي من وجود الحزب
وهو الوصول إلى السلطة واالستيالء على الحكم بالوسائل السلمية.
-4الوظيفة التنموية :تتمثل تلك الوظيفة في قيام األحزاب بإنعاش الحياة السياسية في المجتمع
،األمر الذي يدعم العملية الديمقراطية ،واالتجاه نحو اإلصالح السياسي والتحول
الديمقراطي في النظم السياسية المقيدة .وقد طرحت العديد من األدبيات المتخصصة في
دراسة األحزاب السياسية ،مسألة وجود األحزاب ،وكيف أنها تلعب دورا ً فاعالً في عملية
التداول السلمي للسلطة من خالل االنتخابات ،وكذلك دورها في إنعاش مؤسسات المجتمع
المدني ممثالً في مؤسسات عديدة ،وتقديم الخدمات بشكل مباشر للمواطنين من خالل
27
المساهمة في حل مشكالتهم .ناهيك عن قيام األحزاب بلعب دور مؤثر في التفاعل
السياسي داخل البرلمانات ،خاصة في عمليتي التشريع والرقابة.
-5وظيفة االندماج القومي :تنطوي هذه الوظيفة على أهمية خاصة في البلدان النامية ،حيث
تبرز المشكالت القومية والعرقية والدينية والنوعية وغيرها في تلك البلدان ،في ظل
ميراث قوى من انتهاكات حقوق اإلنسان.
-6التجنيد السياسي :يعني عملية اختيار أفراد للعب أدوار أو شغل وظائف داخل الدولة ،من
خالل التعيين أو عبر االنتخابات ،فالحزب السياسي الذي يصل إلى السلطة يقوم بتشكيل
الحكومة و تعيين إطاراته في المناصب و وظائف الشؤون العامة.
-7التنشئة السياسية :تعني التلقين والتربية على القيم و االتجاهات السياسية و األنماط
االجتماعية ذات المغزى السياسي ،بمعنى نقل الثقافة السياسية من جيل إلى جيل ،حيث
تعتبر األحزاب السياسية من المؤسسات المكونة لرؤية المواطن للمجتمع و السياسة عبر
نشاطاتها التثقيفية.
يشير تنوع األحزاب إلى وصف شكل النظام الحزبي القائم في الدولة ،عموما هناك ثالثة
أنوع من األحزاب :أحزاب إيديولوجية ،أحزاب برجماتية ،وأحزاب أشخاص.
-1األحزاب اإليديولوجية أو أحزاب البرامج :و هي األحزاب التي تتمسك بمبادئ أو إيديولوجيات
وأفكار محددة ومميزة .ويعد التمسك بها وما ينتج عنها من برامج أهم شروط عضوية الحزب.
-2األحزاب البرجماتية :يتسم هذا النوع من األحزاب بوجود تنظيم حزبي له برنامج يتصف
بالمرونة مع متغيرات الواقع .بمعنى إمكانية تغيير هذا البرنامج أو تغيير الخط العام للحزب وفقا ً
لتطور الظروف
-3أحزاب األشخاص :هي من مسماها ترتبط بشخص أو زعيم .فالزعيم هو الذي ينشئ الحزب
ويقوده ويحدد مساره ويغير هذا المسار ،دون خشية من نقص والء بعض األعضاء له .وهذا
االنتماء للزعيم مرده لقدرته الكاريزمية أو الطابع القبلي أو الطبقي الذي يمثله الزعيم .وتظهر تلك
األحزاب في بعض بلدان الشرق األوسط وأمريكا الالتينية ،حيث انتشار البيئة القبلية ،وتدني
مستوى التعليم.
هناك فارق كبير وجوهري بين أنواع األحزاب وتصنيف النظم الحزبية .فاألول تصنيف للحزب
نفسه من الداخل .أما تصنيف النظم الحزبية ،فهو أمر يهدف إلى وصف شكل النظام الحزبي القائم في
الدولة.
تختلف النظم الحزبية باختالف شكل النظام السياسي ،والمعروف أن هناك ثالثة أشكال رئيسية
من النظم السياسية ،هي النظام الديمقراطي ،والنظام الشمولي ،والنظام التسلطي .وتبعا لذلك هناك عدة
تصنيفات للنظم الحزبية ،لكن أكثرها شيوعا ً هي النظم الحزبية التنافسية والنظم الحزبية الالتنافسية.
28
أ -النظم الحزبية التنافسية
تشتمل النظم الحزبية التنافسية على ثالثة أنواع هي نظم التعددية الحزبية ،ونظام الحزبين ،ونظام
الحزب المهيمن :
-1نظام التعدد الحزبي :ويتسم هذا النظام بوجود عدة أحزاب متفاوتة في تأثيرها ،مما
يؤدي إلى استقطاب حزبي ينعكس على الرأي العام (حالة إيطاليا -ألمانيا – بلجيكا –
هولندا – النرويج – الدانمرك ).
-2نظام الحزبين الكبيرين :تبرز الواليات المتحدة األمريكية وبريطانيا كنموذجين بارزين
ضمن هذا التصنيف .وفي هذا النظام يوجد عدد كبير من األحزاب ،لكن به حزبان
كبيران يتبادالن موقع السلطة في النظام السياسي ،ويوجد قدر كبير من التنافس بين
الحزبين للحصول على األغلبية.
-3نظام الحزب المهيمن :وفي هذا النظام توجد أحزاب سياسية كثيرة ،وهي أحزاب
منافسه للحزب الغالب أو المهيمن أو المسيطر ،لكن منافستها له هي منافسة نظرية .
ويعتبر هذا النموذج من النماذج األساسية لألحزاب السياسية في النظم التعددية في
البلدان النامية ،وإن ظهر في دول ديمقراطية –بغض النظر عن درجة نموها
االقتصادي -مثل اليابان والهند عقب الحرب العالمية الثانية وفي سبعينات القرن
الماضي.
يتصف النظام الحزبي بالالتنافسية مع انتفاء أي منافسة ولو نظرية بين أحزاب سياسية ،إما
لوجود حزب واحد ،أو لوجود حزب واحد إلى جانب أحزاب شكلية تخضع لقيادته في إطار " جبهة
وطنية " ليس مسموحا ألي منها باالستبدال عنه .
وقد اكتسب تصنيف الحزب الواحد أهميته منذ الثورة البلشفية في روسيا عام ، 1917حيث أقامت تلك
الثورة حزبا ً ملهما ً للعمال ليس فقط في االتحاد السوفيتي بل في كل ربوع أوروبا الشرقية فيما بعد .ورغم
أن هذا المفهوم ظهر في تلك البلدان ل مواجهة األحزاب الرأسمالية ،إال أنه ظهر في بلدان العالم الثالث
كمفهوم موحد لفئات المجتمع المختلفة ،وبهدف الحد من الصراع االجتماعي .وقد أصبح الحزب الواحد
هو الظاهرة ا لكاسحة للنظم الحزبية التي نشأت في أفريقيا عقب استقالل دولها ،كحزب قائم بغرض الدمج
الجماهيري .وعلى هذا األساس يصنف البعض نظام الحزب الواحد إلى الحزب الواحد الشمولي ،الذي
غالبا ً ما يكون إيديولوجيا ً (شيوعي أو فاشي مثالً) ،والحزب الواحد المتسلط الذي ال يحيد عن اعتناق
أيديولوجية شاملة .
29
أو جهة معينة ،وقد تبلور هذا المصطلح في الواليات المتحدة األمريكية خالل عام 1830عندما بدأت
مجموعات المصالح تمارس الضغوط على الكونغرس وحكومات الواليات.
يمكن القول إذن ،بأن اللوبي عبارة عن جماعة قانونية منظمة ،تدافع عن قضايا ومواقف ومصالح
معينة محددة لدى السلطات العامة في الدولة ،تجمع بين أفرادها مصالح مشتركة ،وتنشط فى سبيل تحقيق
هذه المصالح عن طريق االتصال بمسؤولى الدولة ومؤسساتها ومحاولة إسماع صوتها ،مستخدمة كل ما
تملك من وسائل متاحة وفى مقدمتها أسلوب الضغط .يمكن تعريفها أيضا ،بأنها" :مجموعة من الناس أو
من المؤسسات يوجدون في شكل اتحاد أو جمعية أو أي شكل من أشكال التجمع؛ لهذه المجموعة مصالح
مشتركة تجمع بين أعضائها؛ وهي عادة مصالح مادية وهي التي تجمعهم؛ أنها تستعمل عدد من وسائل
الضغط والتأثير لتحقيق هذه المصالح تمارس هذا الضغط على السلطة السياسية الحاكمة حتى تستجيب
لطلباتها ورغباتها".
دورا محوريًا وها ًما في الحياة السياسية ،حتى بات معروفًا بأن لوبيات الضغط
تلعب اللوبيات ً
القوية هي ال ُمتخذ الحقيقي للقرارات ،وهي التي تصنع السياسة ال ُمتبعة داخل الدول،ة وفي حالة وجود
لوبي قوي من لوبيات الضغط في دولة معينة ،ينحصر دور سلطات تلك الدولة في إضفاء الصفة الرسمية
على تلك السياسات والقرارات.
تعتمد لوبيات الضغط في عملها على نوعين من الوسائل؛ الوسائل مباشرة عن طريق االتصال
بأصحاب القرار فى الدولة وبذل كل ما يمكن إلقناعهم بإصدار القرارات التى تخدم مصالحهم ،باإلضافة
إلى وسائل غير مباشرة مثل استخدام أسلوب الترغيب والترهيب ،عن طريق تعبئة الرأى العام لدفعه لحث
أصحاب القرار على اتخاذ قرارات معينة تصب في مصلحته ،فهي تسعى للتأثير في الدولة من جهة وعلى
الدولة من جهة ثانية وفي الرأي العام من جهة ثالثة.
30
ويكون هدفها خالل ذلك هو أن تبقى وراء الكواليس ،فقد تعمل مجموعة الضغط من الخارج
إلقرار أو إيقاف قانون معين في البرلمان دون أن يكون لها ممثلين داخله ،ولهذا فإن الرصيد الحقيقي
سا للتحرك والعمل والنجاح.
والمؤثر ألي لوبي من العالقات والسيما في االتجاهات المذكورة يعتبر أسا ً
على العكس من ذلك ،فاألحزاب السياسية عبارة عن جماعة من األفراد تربطهم مصالح ومبادئ
مشتركة ،في ظل إطار منظم لغرض الدخول في معترك السعي نحو السلطة والمشاركة فيها لتحقيق
أهدافهم لخدمة للصالح العام ومن السيطرة على مقاليد الحكم في الدولة من خالل الوسائل الدستورية؛ لذلك
فإن الحزب السياسي ،وعلى عكس اللوبيات ،يسعى لحفظ حصته سواء في الحكومة أو في السلطة
التشريعية ،مما يعني أن اللوبيات هي من تؤثر وتضغط على الحزب السياسي وال يمكن للحزب أن يضغط
عليها.
-1جماعات المصالح :هي التي تدافع عن مصالح مادية أساسا ،مثل جماعات التجار وأصحاب
األعمال والنقابة واتحادات الفالحي ن والمهن المختلفة واتحاد قطاع البنوك والتأمين واالتحادات
المهنية المختلفة كاتحاد المحامين أو األطباء..
-2جماعات األفكار :هي جماعات تسعى إلى فرض أفكار وقيم معينة سواء أخالقية أو سياسية مثل
جماعة المحافظة على آداب المرور ،جمعية قدماء المجاهدين ،وجمعية الدفاع عن حقوق االنسان
والجمعيات النسائية ،الجمعيات الدينية ..
جماعات الضغط الكلي :هي أن يكون همها األساسي ممارسة نشاط الضغط على السلطة وهي -1
مؤسسات متخصصة في التدخل لدى الوزراء والنواب والموظفين الكبار للتأثير عليهم ،وتوجد
هذه الجماعات في شكل مكاتب فنية وتقنية متخصصة ،تقوم بالضغط لصالح من يطلب منها ذلك
كخدمات تقدمها بمقابل مالي ،وتوجد بصفة أساسية في الواليات المتحدة األمريكية.
جماعة الضغط الجزئي :هي التي يكون الضغط السياسي جزء من نشاطها العام مثل النقابات -2
واالتحادات المهنية والجمعيات المختلفة.
جماعات الضغط السياسية ( :) Lobbiesهي جماعات ذات مصالح سياسية بحتة تعمل على أن -1
تكون لها عالقة دائمة مع رجال السلطة وتمارس الضغظ بشكل مستمر للحصول على مزيد من
االمتيازات.
جماعات الضغط شبه السياسية :مثل نقابات العمل واالتحادات المهنية وهي تستعمل النشاط -2
السياسي كوسيلة لتحقيق أهداف اقتصادية واجتماعية.
جماعات الضغط اإلنسانية :مثل جمعيات رعاية الطفولة أو العجزة أو المعوقين والرأفة بالحيوان -3
والجمعيات النسائية والجمعيات الخيرية وهي ال تنشط إال بقصد الحصول على إعانات مالية.
جماعة الضغط للدفاع عن المبادئ :هي تلك الجماعات التي تدافع عن مبادئ وقيم معينة على -4
مستوى محلي أو وطني أو دولي مثل جمعية السالم األخضر التي تناهض استعمال السالح
النووي وتلوث البيئة.
31
-5جماعات الضغط للدفاع عن مصالح الدول األجنبية :توجد في الواليات المتحدة األمريكية حيث
أن كثير من الدول لها لوبي معين ينشط لتحقيق مصالحها لدى السلطات األمريكية مثل اللوبي
الصهيوني واللوبي الياباني...
-1جماعات األطراف :وتتميز بقلة أعضائها ،ألنها تبحث عن النوعية في عضوية األفراد وليس في
الكمية مثل نقابات أصحاب العمل خاصة في قطاع الصناعة واألبناك والنوادي.
-2جماعات الجماهير :وتتميز بكثرة أعضائها ،ألنها تبحث عن العدد الكبير من األفراد في
عضويتها ،ألجل زيادة ثقل ضغطها وقوتها تجاه خصومها المهنيين أو تجاه السلطة القائمة كما هو
الحال مع النقابات العمالية والجمعيات الفالحية واتحادات النساء والطلبة .لذلك فهي تتطلب درجة
عالية من التنظيم واالنضباط النقابي .وقد تكون هناك أيضآ منظمات جماهيرية سياسية عالمية
يكون نشاطها منصبا على قضايا كونية ،من مثل الدفاع عن البيئة أو تحقيق السالم العالمي
والنضال ضد العنصرية ومن أجل محاربة سباق التسلح وغيرها من المهمات الوطنية والعالمية .
32
يساوي دخلها دخل الدانمارك ،وشركة "بكتيل "للمقاوالت ،يساوي دخلها إسبانيا ،وشركة "شل" يساوي
عا
دخلها فنزويال ،وأن هذه الشركات وغيرها هي طليعة القوى الصانعة للعولمة ،وهي األسخى تبر ً
وتمويالً لمرشحي الرئاسة األمريكية ولمراكز األبحاث وبيوت الخبرة السياسية واإلستراتيجية مثل مؤسسة
التراث (أُن ِشئت منذ 30سنة) ومركز مانهاتن للدراسات (أُنشِئ منذ 25سنة) ومؤسسة المشروع األمريكي
(أُنشِئ منذ 60سنة)
وعموما تلعب جماعات الضغط دورا مهما في توجيه السياسة األمريكية وتمتد نشاطاتها داخل كل
والية و على المستوى القومي ،شريطة أن تكون مسجلة حسب قانون تنظيم جماعات الضغط الذي أصدره
الكونجرس ،1964فالقانون يسمح لها بالتأثير اإلعالمي وتمويل الحمالت االنتخابية ،األمر الذي يمكن
هذه الجماعات من الضغط على اإلدارة والكونجرس بما يتفق مع مصالحها ،وهذا ما دعا بعض المحللين
إلي القول بأن النظام األمريكي ديمقراطية جماعات الضغط .ال سيما أن هناك أكثر 6500شركة مسجلة
كشركات ضغط سياسي فى أمريكا (حسب تقرير مركز النزاهة العامة في واشنطن) ،لها من الوسائل
العديدة ما يمكنها من ربط االتصال بالجهات الرسمية وغير الرسمية بطرق عديدة ومختلفة ،منها اعتماد
وسائل اإلعالم ومؤسسات الدعاية بمختلف أشكالها.
33
بعض المراجع المعتمدة في إنجاز المادة
-1منشورات المعهد التطويري للتنمية البشرية؛ المدخل لعلم السياسة؛ النجف؛ العراق؛ الطبعة الثانية؛ السنة 2011
-2فضل هللا محمد إسماعيل؛ فلسفة السياسة؛ دار الجامعة الجديدة؛ اإلسكندرية ،مصر؛ 2008
-3جان ماري دانكان؛ علم السياسة؛ ترجمة محمد عرب صاصيال؛ المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع؛
بيروت؛ لبنان؛ السنة .1997
-4أحمد مصطفى الحسين؛ مدخل إلى تحليل السياسات العامة؛ منشورات المركز العلمي للدراسات السياسية؛ سلسلة
الكتاب العربي الجامعي التدريسي في العلوم السياسية (الكتاب األول)؛ عمان؛ األردن ،الطبعة األولى ،السنة
.2002
-5موريس دوفيرجيه؛ المدخل إلى علم السياسة؛ ترجمة جمال األتاسي وسامي الدروبي؛ دار دمشق للطباعة والنشر
والتوزيع؛ السنة ( غير مشار إليها)
-6أحمد حضراني؛ القانون الدستوري والمؤسسات السياسية؛ مطبعة وراقة سجلماسة؛ الطبعة الثانية؛ مكناس2010
-7محمد معتصم؛ مختصر النظرية العامة للمؤسسات السياسية والقانون الدولي؛ مطبعة إيزيس؛ الدار البيضاء؛
.1991
-8موريس دوفيرجيه؛ علم اجتماع السياسة؛ ترجمة سليم حداد؛ المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع؛
بيروت؛ لبنان؛ السنة 1991
-9إدريس لكريني؛ مفاهيم أساسية في القانون العام؛ المطبعة والوراقة الوطنية؛ مراكش؛ المغرب؛ الطبعة األولى
.2014
-10عبد القادر القادري؛ مفاهيم القانون الدولي؛ دار توبقال للنشر؛ الدار البيضاء؛ المغرب؛ الطبعة األولى؛ السنة
.1990
-11محمود خلف؛ مدخل إلى علم العالقات الدولية؛ محمود خلف؛ المركز الثقافي العربي؛ الدار البيضاء؛ المغرب؛
الطبعة األولى؛ السنة .1987
-12ثامر كامل محمد الخزرجي؛ النظم السياسية الحديثة والسياسات العامة؛ دار مجدالوي للنشر والتوزيع؛ عمان؛
األردن؛ .2004
34