You are on page 1of 4

‫جامعة باجي مختار–عنابة–‬

‫كلية الحقوق والعلوم السياسية‬

‫قسم العلوم السياسية‬

‫السنة الثانية جذع مشترك علوم سياسية‬

‫مقياس ‪ :‬ابستيمولوجيا علم السياسة‬

‫األستاذ‪ :‬هشام زغاشو‬

‫محاضرة بعنوان‪ :‬تطور علم السياسة (اإلسهامات التقليدية)‬

‫من القضايا التي شكلت خالف وجدل بين الباحثين في علم السياسة تلك املتعلقة بجوهر الدراسات السياسية وكيفية التعامل‬
‫مع هذه الظواهر ‪ ،‬وهنا انقسم الباحثين إلى فريقين األول يرى بأن علم السياسة يتعامل مع يجب أن يكون بمعنى التركيز على البعد‬
‫املعياري ملختلف الظواهر السياسية‪ ،‬وفريق يؤكد على أن تطبيق املنهجية العلمية في الحقل السياس ي تعني التركيز على ما هو كائن‬
‫أي التعامل مع الواقع كما هو ومحاولة تفسيره والبحث في األسباب التي أدت إلى حدوث هذه الظواهر من خالل املنهج االمبريقي‪،‬‬
‫والحياد في دراسة الظواهر السياسية املختلفة وهو ما يميز العلم املوضوعي عن التخمين والفلسفة السياسية التي تبحث في ما يجب‬
‫أن يكون فكثير من الظواهر التي سعى إلى دراستها فالسفة ومفكرون على مر التاريخ مثل سعي أفالطون إلى دراسة ومعرفة خصائص‬
‫الحكم الجيد هو نفسه الهدف الذي يسعى إليه الباحثين املعاصرون أي تحديد خصائص األنظمة الحاكمة عوامل قيامها وأثارها مع‬
‫ترك األحكام األخالقية عن الخير والشر جانبا فال يمكن ألي جانب أن يصبح علما طاملا ظل يبحث في الجوانب املعيارية وفقط‪.‬‬

‫إذن ومن خالل ما سبق يمكن القول أن تطور علم السياسية ارتبط في واقع األمر بهذا االنقسام وهذا الخالف حيث عرف علم‬
‫السياسة مرحلتين من الدراسات التي جعلت هذا العلم ينفصل عن الفلسفة ليصبح حقال مستقال بذاته‪.‬‬

‫الدراسات التقليدية املعيارية‪:‬‬

‫املعياريون هم أولئك الذين يبحثون في دراستهم عن القيم الخير والشر الجيد والسيئ دون إعطاء أهمية للواقع التجريبي‬
‫والبحوث التجريبية التي تهتم بما هو كائن أي دراسة الواقع واالنطالق من الحقائق واملالحظة وليس االكتفاء بالقيم واملعايير وعلى‬
‫هذا األساس يعتقد روبرت دال أن وصف علوم سياسة من وجهة نظر وضعية مناسبة فقط للفترة التي ظهرت فيها املدرسة واالتجاه‬
‫السلوكي أي بعد ‪ 1950‬وهو بذلك يعتقد أن ما قبل ذلك من إسهامات ال يكن وصفه بالعلم ألنه يركز على الجانب املعياري أكثر من‬
‫الجانب التجريبي حيث يتعامل علماء السياسة التجريبيون مع ما هو كائن وليس ما يجب أن يكون وهنا يقر بصعوبة التعامل وتحمل‬
‫العبء التاريخي للفيلسوف السياس ي الذي حاول أن يصف و يوظف األخالق والقيم في تقييم مختلف األعمال والنشاطات واألنظمة‬
‫الحاكمة ‪.‬‬

‫وعلى الرغم من محاولة البعض الجمع بين املنهجية االمبريقية واملعيارية يعتقد دال أنه لم تفلح محاوالت الجمع بين املجالين فكل‬
‫مجال مستقل بذاته وهو نفس الطرح إلي ذهب إليه هارولد السويل الذي يرى أن النظرية السياسية تتكون من عنصرين متميزين‬
‫هما املقترحات التجريبية لعلم السياسة واألحكام القيمية للمذهب السياس ي‪.‬‬
‫اإلسهامات املثالية الفلسفية‬ ‫‪-1‬‬

‫وبذلك تعتبر الدراسات الفلسفية أول إسهام في تطور علم السياسة‪ ،‬باعتبار أن الفلسفة كانت تحتوي على جميع املعارف حيث‬
‫كان ينظر إلى السياسة على طول العصور املتقدمة على أنها حقل معياري أخالفي وبالتالي الدراسات السياسية هي جزء من الفلسفة‬
‫األخالقية ومن التعاليم الدينة حيث كان يجري البحث عن مبرر للنظام والسلطة الحاكمة التي تعتبر صالحة أو سيئة كما أن املنهج‬
‫املتبع انحصر بشكل عام في املنهج الوصفي واملنهج القياس ي الذي يرتكز على مبادئ ومسلمات بدل املالحظة الدقيقة للواقع من ذلك‬
‫ما نجده في إسهامات الكثير من الفالسفة اليونانيين أبرزهم أفالطون ‪ 348- 428 ( plato‬ق م) من خالله أعماله املوسومة ب رجل‬
‫الدولة القوانين والجمهورية حيث كرس وقته وجهده لدراسة العديد من القيم كالفضيلة والعدالة ويعرض في كتابه الجمهورية‬
‫نظامه املثالي القائم على املعرفة والحقيقة وبالتالي يعتمد أفالطون في تصنيفه لنموذج الحكم مثالي على أساس معيار الفضيلة ومن‬
‫تم الحكم على بقية األنظمة في ترتيب تنازلي لهذه القيمة وهي‪:‬‬

‫النظام التيموكراس ي ‪ timocracy‬النظام األوليغارش ي ‪ oligarchy‬النظام الديمقراطي ‪ democracy‬نظام الطغيان‪tyranny:‬‬

‫ورغم ما تأثير أفالطون في البيئة الفكرية اليونانية إال أن هناك من املفكرين من حاول الفصل بين القيم األخالقية والتحليل‬
‫املوضوعي من بينهم نجد أرسطو الذي حاول هو األخر تصنيف الحكومات إلى ‪ 6‬أصناف في كتابه السياسة وهي‪ :‬نظام امللكية‬
‫الطغيان األرستقراطية األوليغارشية الديمقراطية والحكومة الديماغوجية أو الغوغاء‪ ،‬ورغم أن البعض يحدد العديد من‬
‫االختالفات بين أرسطو وأفالطون من بينها أن أرسطو ومن خالل كتابه السياسة كأعظم إسهام في املجال السياس ي أعطى هذا املجال‬
‫منهجية ولغة علمية حيث ينطلق من الواقع واألحداث ويحاول االستقراء انطالقا من واقع معين‪.‬‬

‫هنا يمكن القول أن هذا التغيير الحاصل سببه حسب البعض مكوث أرسطو ‪ 20‬سنة من حياته في أكاديمية أفالطون قبل أن‬
‫يتوجه لجمع الدساتير التي يبدو أن جميع تفسيراته وتحليالته بنيت على أساس هذه البيانات املقارنة‪.‬‬

‫أيضا على عكس املذهب املثالي امليتافيزقي ألفالطون نجد أن أرسطو تجريبي واقعي حيث يتضح ذلك في دراسته للواقع السياس ي‬
‫انطالقا من مهنته كطبيب حتى أن البعض يرى ان كتابه السياسة جاء متأثرا بالنزعة الطبية في تشخيص املرض ووصف الدواء‪.‬‬

‫وبهذا جاء تصنيفه لألنظمة ليس بناء على األحكام القيمية وإنما كمحصلة لدراسة األنظمة والحكومات والدساتير اليونانية وما‬
‫جاورها من بلدان بعد أن قام بتوجيه معاونيه لجمع ‪ 158‬دستور ( لم يبقى منها سوى دستور أثينا ) اطلع عليها وحاول تحليلها‬
‫ليخلص إلى أفضل نظام وأفضل حكومة‪ .‬وبذلك يتبين لنا أنه رغم تعمق أرسطو وتغييره للمنهج املتبع من املنهج القياس ي إلى املنهج‬
‫االستقرائي إال أن اهتمامه ظل محصورا كسلفه أفالطون في البحث عن الحكومة والدولة الفاضلة التي تستطيع تحقيق سعادة‬
‫املجتمع ورفاهيته أي ما يجب أن يكون‪.‬‬

‫اإلسهامات التاريخية ‪:‬‬ ‫‪-2‬‬

‫وهي تلك الدراسات التي تركز على املنهج التاريخي وعلى فترة تاريخية معينة محددة في الزمان أو على تسلسل األحداث في إطار‬
‫زمني معين‪ ،‬حيث يعتقد أصحاب هذا املنهج إمكانية تفسير كافة النظريات السياسية كنتيجة لألزمات السياسية واالقتصادية‬
‫واالجتماعية والتي بدورها أثرت على أصحابها من فالسفة ومفكرين‪.‬‬

‫وفي هذا السياق أثرت الظروف االجتماعية واالقتصادية على كل من أرسطو وأفالطون الذي رفض الديمقراطية ألنها قادت إلى‬
‫إعدام سقراط أيضا أثرت االضطرابات التي عاشتها انجلترا خالل القرن ‪ 17‬في فكر كل من جون لوك وهوبز ‪ 1679-1588‬الذي دعا‬
‫في كتابه التنين أو الطاغية ‪ Leviathan‬إلى الحكم امللكي املطلق حتى يتحقق االستقرار النجلترا التي كانت تعيش حالة من الفوض ى‬
‫والالستقرار والحروب األهلية‪.‬‬

‫وبالتالي يعتقد هوبز إلى ضرورة وجود سلطة قوية في املجتمع تفرض الطاعة وااللتزام على أفراد هذا املجتمع الذي يتميز بعدم‬
‫االنضباط والعنف وهو ما يبرر حسب اعتقاده أن أفضل أشكال الحكم هو امللك ية املطلقة واملقيدة في نفس الوقت بالتزام الحاكم‬
‫لتوفير األمن للرعية بدوره قدم واهتم ميكيافيلي بتاريخ الرومان كنموذج حتى يدفع ايطاليا التي كانت تعاني من االنقسام للوحدة‬
‫والتشبه بأسالفهم وقد اشتهرت كتابات ميكيافيلي بالواقعية املتجردة من املعتقدات الدينية واألخالقية وبذلك شكلت كتاباته بداية‬
‫االنسالخ من الفكر الكنس ي والعودة لالهتمام باملعرفة الواقعية ‪.‬‬

‫ورغم أن ميكيافيلي طور منهج املالحظة الذي أوجده أرسطو من خالل استنباط مجموعة من القواعد السياسية استنادا إلى‬
‫مالحظة الواقع السياس ي في ايطاليا من ذلك مثال أن اإلن سان شرير بطبعه وأن سلوكه يتميز بالخبث واألنانية وأنه يتمسك باملصالح‬
‫املادية أكثر من تمسكه بحياته الخاصة ويعبر عن ذلك في كتاب األمير بقوله ‪ ":‬أن الناس ناكرون للجميل متقلبون شديدو الطمع‬
‫وهم إلى جانبك طاملا أنك تفيدهم طاملا أن الحاجة بعيدة نائية ولكنها عندما تدنو يثورون ومصير األمير الذي يركن إلى وعودهم دون‬
‫اتخاذ أي استعدادات إلى الدمار ‪"...‬‬

‫وهنا يدعو رجل السياسة إلى أخد هذا الواقع باالعتبار وجعل هذه الحقيقة موضع اهتمامه عندما يحكم فالحاكم العاقل هو‬
‫من يقيم سياسته على أساس أن اإلنسان شرير بطبعه وإذا كان اإلنسان فاسد بطبعه فإنه بحاجة إلى سلطة قوية تضع حدا‬
‫لفساده وللفوض ى الناتجة عن األنانية وإلى قوانين تحد من امليل للنزاع والتملك والسلطة‪.‬‬

‫رغم ذلك نالحظ أن إسهامات ميكيافيلي ركزت على تحليل ومراجعة التاريخ الروماني‪ ،‬مما جعل موريس دوفرجيه يعتبره رائد‬
‫املنهج التاريخي املقارن في علم السياسة وذلك بهدف خلق ايطاليا قوية وموحدة تحاكي روما القديمة‪.‬‬

‫من األمثلة أيضا نجد اسهامات جون بودان ‪ 1596-1529 Jean Bodin‬صاحب نظرية السيادة ومذهب الحكم املطلق كحل لحالة‬
‫عدم االستقرار والثورات التي بدأت تنتشر في أوروبا وتقوم فكرة السيادة عند بودان انطالقا من توظيف الواقعية واملنهج التاريخي‪،‬‬
‫حيث يعتقد أن الحكومات املختلطة القديمة كروما والبندقية لم تكن قوية سوى ألنها كانت تعتمد على سلطة مركزية أو مركزية‬
‫السلطة أي خضوع الهيئة التشريعية والتنفيذية في يد واحدة تسمى بالسلطة املركزية ‪.‬‬

‫رغم بداية استقالل علم السياسة خالل القرن ‪ 19‬م إال أن التاريخ اعتبر أحد املصادر الرئيسية للتحليل السياس ي فالسياسة هي‬
‫تاريخ الحاضر وهنا يرجع جورج سابين ‪ George Sabine‬أحد علماء السياسة التقليديين ضرورة إدراج مثل هذه املواضيع التي‬
‫تناولتها الفلسفة السياسية والفالسفة عموما في هذا الحقل ألنه من خالل هذه اإلسهامات يمكن التأكد من صحة النظريات التي‬
‫أسسوا لها ألنهم تعاملوا مع األساسيات الجوهرية لعلم السياسة الدولة السلطة الحكومة العدالة بما ان النظرية تدور حول ثالث‬
‫مكونات هي الواقع السبب والقيمة فجميع هذه العناصر تلعب دورا أساسيا ومحوريا ألنها ظهرت خالل فترة شهدت توترات وأزمات ‪.‬‬

‫كما أن هذه النظريات تسعى إلى خلق إيديولوجيات سياسية من خالل مثال أعمال أرسطو وأفالطون وكذلك أعمال هوبز ولوك‬
‫أو نظرية العقد االجتماعي فهي لم تظهر نتيجة أزمة وفقط بل أيضا كرد فعل للوضع والظروف املحيطة باملفكرين‪ ،‬وبالتالي من املهم‬
‫أن نفهم الزمان واملكان الذي ظهرت فيه مختلف هذه النظريات التي يمكن حسب سابين أن تنتمي إلى عالم األفكار املجردة ويمكن أن‬
‫تأثر على املعتقدات التي تصبح أسباب في ارض الواقع‪ ،‬والتي بدورها تتحول إلى أحداث تاريخية‪.‬‬
‫رغم أهمية املنهج التاريخي في معالجة األحداث السياسية يرى جيمس برايس ‪ Jaems Bryce‬أن الفكر التاريخي يمكن أن يكون‬
‫مضلال‪ ،‬أما أرنست باركر فيعتقد أن املنهج التاريخي قد يقتصر على حالة تاريخية واحدة ليست نتائجها بالضرورة صالحة لحاالت‬
‫أخرى‪ ،‬وبالتالي ال يمكن تغطية كافة جوانب الظواهر السياسية باالعتماد فقط على هذا املنهج‪.‬‬

‫اإلسهامات القانونية املؤسسة ‪:‬‬ ‫‪-3‬‬

‫التي يرجع تاريخها إلى القرن ‪ 19‬أين ساد االعتقاد بضرورة اكتفاء دارس ي املجال السياس ي خصوصا في بريطانيا و الواليات املتحدة‬
‫األمريكية بوصف القوانين الحكومية وكيفية توزيع السلطة داخل نظام الحكم وأن ذلك من شأنه أن يعطينا فهما واضح حول‬
‫كيفية عمل املؤسسات السياسية وعليه افترض علم السياسة وجود تناسب بين ما تتضمنه الدساتير والقوانين وبين الحقوق‬
‫واالمتيازات التي يحصل عليها املوظفين في هذا املجال وأيضا الطريقة التي يعملون بها ويؤدون بها مختلف وظائفهم السياسية‬
‫والحكومية‪ ،‬وبذلك ظلت العلوم السياسية إلى أواخر القرن ‪ 19‬محصورة في دراسة املؤسسات الرسمية للدولة والدستور الذي‬
‫يحكم عملها‪.‬‬

‫وبذلك ظهرت هذه الدراسات كرد فعل على االقتراب التاريخي أين أصبح التركيز ينصب على دراسة الحقائق السياسية‬
‫كاملؤسسات التشريعية والتنفيذية واملحاكم ودراسة اللجان النيابية والهيئات اإلدارية الوظائف الخاصة بمهام رئيس الجمهورية‬
‫ونظام االنتخابات والبيروقراطيات‪ ،‬حيث يقوم هذا االقتراب على شرح وتفصيل وصفي لعمل املؤسسات محاوال اإلجابة على العديد‬
‫من األسئلة التي تتعلق بكيفية تكوين هذه العناصر كمؤسسات‪ ،‬وما هو الهدف من وجودها ومراحل تطور املؤسسة والوسائل التي‬
‫من خاللها تستطيع أن تحافظ على بقائها‪ ،‬وما هي الطريقة التي يتم من خاللها تجنيد األفراد في املؤسسة ‪.‬‬

‫طبعا من بين االنتقادات التي وجهت لهذه املدرسة حسب املوند و باول هو‪:‬‬

‫استعمالها ملفهوم النظام السياس ي بمعنى الدولة‪ ،‬وليس باملعنى الذي أشار إليه ايستون فيما بعد‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫كذلك اقتصارها على دراسة الجانب الرسمي واملؤسسات املوجودة فعال في أوروبا الغربية بصورة تغفل دراسة‬ ‫‪-‬‬
‫املجتمعات األخرى‪،‬‬
‫غلبة الطابع الوصفي املؤسس ي‪ ،‬إضافة إلى افتقاد الجانب النظري‪ ،‬حيث لم يكن يهم كثيرا بناء نظرية امبريقية‪ ،‬في ظل‬ ‫‪-‬‬
‫وجود نظريات معيارية‪ ،‬وأخيرا افتقاد املنهج املالئم للظواهر السياسية‪.‬‬

You might also like