You are on page 1of 18

‫الفصل الثانى‬

‫مجاالت علم السـياسـة‬

‫أوال‪ -‬النظرية السياسية‪.‬‬


‫ثانيا‪ -‬النظم السياسية‪.‬‬
‫ثالثا‪ -‬الحياة السياسية‪.‬‬
‫رابعا– العالقات الدولية‪.‬‬
‫‪57‬‬

‫الفصل الثانى‬
‫مجاالت علم السياسة‬
‫إذا كان لكل علم محور أو محاور اهتمامه ال تى ينفرد بها دون سائر‬
‫العل وم‪ ،‬فما هى مح اور اهتم ام علم السياس ة‪ ،‬وما هى اآلم اد ال تى يغطيها‬
‫واآلف اق ال تى تمتد إليها معارف ه‪ ،‬والمب احث ال تى ينف رد بمعالجتها‬
‫والموض وعات ال تى يهتم بدراس تها‪ ،‬بعب ارة واح دة‪ ،‬ما هى مج االت علم‬
‫السياس ة؟ فى الحقيق ة‪ ،‬إن اإلجابة على ه ذا الس ؤال ك انت – وال ت زال – من‬
‫أكثر المسائل إثارة للجدل والخالف بين فقهاء السياسة‪ .‬فقد ذهب المفكرون‬
‫ح ديثا إلى أن أى تقس يم للعل وم س وف يك ون مص طنعا‪ ،‬لت داخلها مع بعض ها‬
‫البعض بص ورة تجعل من الص عب محاولة وضع ح دود فاص لة بين كل علم‬
‫وآخ ر‪ ،‬أضف إلى ذلك أن علم السياسة بال ذات ت دخل فى مص نفاته عل وم‬
‫مس تقلة ب ذاتها تماما كما س بق وأش ير فى الفصل الس ابق‪ ،‬وفى نفس ال وقت‪،‬‬
‫ف إن المج االت ال تى يتناولها علم السياسة بالدراسة يص عب اعتبارها مي ادين‬
‫مس تقلة تماما بعض ها عن بعض‪ ،‬وإ نما يق وم التمي يز بين ه ذه المج االت على‬
‫أساس محور االهتمام من جه ة‪ ،‬وتنوع المداخل المستخدمة من جه ة‪ ،‬ومن‬
‫هنا نشأ االختالف حول تصنيف واختيار الموضوعات التى تعتبر بطبيعتها‬
‫أكثر سياسية من غيرها‪.‬‬

‫غ ير أن ذلك ال يع نى اس تحالة تحديد مفه وم واضح لمج االت علم‬


‫السياس ة‪ .‬ويق ال أنه فى تط ور كل علم البد له من مراحل ثالث يمر بها وهو‬
‫‪58‬‬

‫يح اول تحديد مج ال لدراس ته‪ :‬المرحلة الفلس فية‪ ،‬والمرحلة التجريبي ة‪،‬‬
‫والمرحلة التطبيقي ة‪ ،‬وبالنس بة لعلم السياس ة‪ ،‬يح اول ع الم السياسة األلم انى‬
‫كارل دويتش أن يضع إطارا لهذه المراحل‪ ،‬فيقول إن المرحلة األولى بدأت‬
‫بأرس طو إلى الح رب األهلية األمريكي ة‪ ،‬والثانية إلى بداية الح رب العالمية‬
‫الثاني ة‪ ،‬والثالثة إلى ال وقت الح الى‪ .‬وقد زخ رت تلك المراحل بالج دل‬
‫والمن اظرة‪ ،‬حيث ك انت السياسة فى أول األمر تهتم باأله داف والغاي ات‪ ،‬ثم‬
‫بعد ذلك بالوس ائل واألدوات‪ ،‬وأخ يرا فهى تح اول وضع كل ذلك موضع‬
‫التطبيق الفعلى الواقعى‪ ،‬ومن ثم تثبت علميتها (‪.)1‬‬

‫ولقد أجمع خ براء اليونس كو (‪ )UNESCO‬ع ام ‪ 1948‬على تقس يم‬


‫علم السياسة إلى أربعة فروع‪ ،‬وراح هذا التقسيم يمثل منذ ذلك التاريخ قائمة‬
‫نموذجية لف روع ذلك العلم‪ ،‬وفيما يلى ن ورد ه ذا التقس يم مترجما ترجمة‬
‫حرفي ة‪ ،‬كما ورد فى مجموعة البح وث ال تى نشرتها منظمة اليونس كو ع ام‬
‫‪ 1950‬على النحو التالى‪:‬‬

‫‪ -1‬النظرية السياس ية‪ :‬وتش مل ت اريخ النظري ات واألفك ار‬


‫السياسية‪.‬‬

‫‪ -2‬النظم السياس ية‪ :‬وتش مل الدس تور‪ ،‬والحكومة المركزي ة‪ ،‬والحكم‬


‫المحلى‪ ،‬واإلدارة العامة‪ ،‬واألنظمة السياسية المقارنة‪.‬‬

‫‪ -3‬الحي اة السياس ية‪ :‬وتش مل األح زاب‪ ،‬وجماع ات الض غط‪ ،‬وال رأى‬
‫العام‪ ،‬واإلعالم‪.‬‬

‫‪ )1(1‬عبد الرمحن خليفة‪ :‬مقاالت سياسية‪ ،‬مرجع‪ ،‬ص‪.287 :‬‬


‫‪59‬‬

‫‪ -4‬العالقات الدولية‪ :‬وتشمل السياسة الدولية‪ ،‬والتنظيم الدولى‪ ،‬والقانون‬


‫الدولى (‪.)2‬‬

‫كل ذلك على أس اس أن عل وم السياسة تع نى فى تص ور خ براء‬


‫اليونس كو ش تى المع ارف ال تى تع نى بع الم السياس ة‪ ،‬بص رف النظر عن‬
‫منهجها‪ ،‬فلس فيا ك ان أم علمي ا‪ ،‬وعما إذا ك انت تش ملها مجتمعة وح دة تعليمية‬
‫واحدة تحمل اسم العلوم السياسية‪ ،‬أم تتوزع بين عديد من المعارف التقليدية‬
‫كالفلسفة والقانون تبعا لتباين التقاليد الجامعية من بلد إلى آخر‪.‬‬

‫ومهما يكن من أمر ذلك الص مت المقص ود من ج انب خ براء‬


‫اليونس كو فى تلك القائم ة؛ فإنه من المتفق عليه بين الب احثين فى عل وم‬
‫السياس ة‪ ،‬أن "النظرية السياس ية" وال تى تص درت ض روب المعرفة السياس ية‬
‫كلها فى تص نيف اليونس كو‪ ،‬تمثل الج ذع المش ترك لش تى ف روع المعرفة‬
‫السياسية‪ ،‬فهى منها جميعا بمثابة المعرفة األم‪ ،‬ألنها تعنى بتأصيل المعارف‬
‫السياس ية قاطبة على تب اين الض روب ال تى تنتمى إليه ا‪ ،‬ومن هنا ج اء مك ان‬
‫الص دارة ال ذى تحتله النظرية السياس ية فى التوزيع األك اديمى لض روب‬

‫‪ )1(2‬ي"رى بعض الب"احثني أن هن"اك فرعا خامسا لعلم السياسة هو "اإلدارة العام"ة"‪ ،‬غري أنن"ا‬
‫نتحفظ على ه" " ""ذا العنصر لس" " ""ببني‪ :‬األول هو أنه مل ي " ""رد منف " ""ردا ىف قائمة اليونس" " ""كو وهى‬
‫املعمول هبا عامليا‪ ،‬وإمنا جاء ضمن الفرع الثاىن من التقس""يم أى النظم السياس""ية‪ ،‬وهو وضع‬
‫له داللته فيما يتعلق بقيمة ه" " ""ذا الراف" " ""د‪ ،‬أما الس " ""بب الث " ""اىن فهو أن الق " ""ائلني هبذا ال" " ""رأى مل‬
‫يتمكن""وا من الوص""ول إىل نظرية حمددة تفسر االرتب""اط بني النظ""ام اإلدارى والنظ""ام السياسى‬
‫أك ""ثر من املتض ""منة ىف ف ""رع النظم السياس ""ية‪ ،‬وإذا ك ""انوا قد رك ""زوا على ربط اإلدارة العامة‬
‫بظ " " " ""اهرة البريوقراطي" " " " ""ة‪ ،‬وأمهية املؤثرات السياس " " ""ية ىف عمل اإلدارة التنفيذي " " ""ة‪ ،‬وحتليل دور‬
‫املواطن ىف العمل اإلدارى‪ ،‬أو باألصح التع""رف على أمهية عنصر املش""اركة الش""عبية ىف إجناح‬
‫ب""رامج اإلدارة احلكومي""ة؛ إال أن كل ذلك ال ينهض ب""اإلدارة العامة فرعا مس""تقال من ف""روع‬
‫علم السياسة؛ ألن كل هذه الفروع تشتمل – صراحة أو ضمنا – على عنصر اإلدارة‪.‬‬
‫‪60‬‬

‫المعرفة السياس ية‪ .‬وفيما يلى نلقى بصيصا من الض وء على مج االت علم‬
‫السياسة كل على حدة‪.‬‬

‫أوال‪ -‬النظرية السياسية‪:‬‬

‫ينصب االهتم ام فى النظرية السياس ية على دراسة األس اس الفلس فى‬


‫والفك رى والت اريخى للسياس ة‪ ،‬مع األخذ فى االعتب ار أن النزعة العلمية فى‬
‫دراسة السياسة تتضح عند التمييز بين فلسفة السياسة وعلم السياسة كما سبق‬
‫بيان ه‪ ،‬ف إذا اس تعملت كلمة علم مقابل فلس فة‪ ،‬ك ان القصد من ه ذا االس تعمال‬
‫التأكيد على النزعة التحليلية لتكوين نظريات سياسية علمية‪ ،‬غير أن صعوبة‬
‫التجريب فى مجال السياسة كما سبقت اإلشارة‪ ،‬جعل النظرية السياسية حتى‬
‫اآلن فلسفية‪ ،‬ومن ثم استبقت النظريات السياسية فى نطاق فلسفة السياسة‪.‬‬

‫وتختلف فلس فة السياسة عن علم السياسة من ثالث ة أوجه هى‪:‬‬


‫الموض وع‪ ،‬المج ال‪ ،‬مع ايير الثب ات‪ .‬فبالنس بة للموض وع‪ ،‬ال تقتصر فلس فة‬
‫السياسة على معالجة الواقع فحس ب‪ ،‬بل تتخطى ذلك إلى دراسة الغاي ات‬
‫والقيم وما وراء النظرية‪ ،‬أى ذلك النوع من البحث الذى يقصد به أن يفضى‬
‫إلى بحوث أخرى أكثر من أن يقدم اكتشافات‪ .‬وبالنسبة للمجال‪ ،‬فإن فلسفة‬
‫السياسة تتميز ببناء نظريات شاملة فى السياسة‪ ،‬فال تقدم نظرية تشرح لنا –‬
‫مثال – أس باب هزيمة ح زب فى االنتخاب ات‪ .‬أما ما يخص مع ايير الثب ات‪،‬‬
‫فيمكننا الق ول أن ما يتصف بالثب ات هو العلم‪ ،‬وأن ما هو ف وق الثب ات يعت بر‬
‫فلسفة‪.‬‬

‫وإ ذا كان بعض الباحثين يحاول أن يوقف دور النظرية السياسية عند‬
‫حد جمع الحق ائق واألح داث دون تعليق عليها لتحليل الواقع السياس ى‪ ،‬فى‬
‫محاولة لجعلها دراسة تجريبية وبالتالي أكثر علمية؛ فإن البعض اآلخر يرى‬
‫‪61‬‬

‫أن النظرية السياسية تذهب إلى مدى أبعد فى تقصى الحقائق‪ ،‬فتتن اول دراسة‬
‫األفك ار السياس ية وتاريخه ا‪ ،‬والمثل السياس ة‪ ،‬والش رعية السياس ية‪ ،‬والخلق‬
‫السياس ى‪ ،‬ومف اهيم الع دل والحرية والس الم والمس اواة‪ ،‬والبحث فى غاية‬
‫الدولة وأه دافها‪ ،‬ولم اذا يطيعها الن اس‪ ،‬وحق وق األف راد وواجب اتهم السياس ية‬
‫فى ظل الدولة ‪ ...‬الخ (‪.)1‬‬

‫ويذهب ماكيفر فى كتابه "نسيج الحكومة" ‪Web of Government‬‬


‫(‪)1‬‬ ‫أن النظرية فى االستخدام السياسي تغطى أربعة مجاالت أساسية هى‪:‬‬
‫النظرية األخالقية للسياسة (‪ )2‬الدراسة التاريخية لألفك ار السياس ية (‪)3‬‬
‫التحليل اللغ وى لألفك ار السياس ية (‪ )4‬اكتش اف التعميم ات الخاصة بالس لوك‬
‫السياسي وتنظيمها داخل أنساق متكامل ة‪ .‬ويرى أنه طبقا للمنظور التاريخى‬
‫‪ Historical Perspective‬فإن أقدم االستخدامات للنظرية السياسية هو ذلك‬
‫ال ذى يربطها بالتأمل الفلس فى‪ Philosophical Speculation‬على أوسع‬
‫مس توى من العمومي ة‪ ،‬فيما يتعلق بطبيعة الحي اة الخ يرة واألسس األخالقية‬
‫للحياة السياسية (‪.)2‬‬
‫وبن اءً على ذل ك‪ ،‬تق وم النظرية السياس ية على أص ول عدي دة‪ ،‬فهى‬
‫نظرية تجريبي ة‪ ،‬بمع نى أنها تق وم على التحليل ال واقعى للحقيقة السياس ية‪،‬‬
‫وهى نظرية عامة‪ ،‬بمعنى أنها تشمل جميع أنواع النشاط والتطور السياسي‬
‫فرديا ك ان أم جماعي ا‪ ،‬كما أنها تتع دى كل ذلك عن دما تنتقل من التش خيص‬
‫(‪ .)3‬والحقيقة أن أهم النظري ات‬ ‫‪ Diagnosis‬إلى التنبؤ‪Prediction‬‬
‫السياس ية هى تلك ال تى اس تمدها أص حابها من الواقع وأث روا بها فى الواق ع‪،‬‬

‫‪ )1(1‬أمحد س ""ويلم العم ""رى‪ :‬أص ""ول النظم السياس ""ية املقارنة (الق ""اهرة‪ :‬اهليئة املص ""رية العامة‬
‫للكتاب‪ )1976 ،‬ص‪ 75 :‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪(2) Maciver, R. M: The Web of Government (New York, The Free‬‬
‫‪Press, 1975) P: 301.‬‬
‫‪ )3(3‬حممد نصر مهنا‪ :‬مدخل إىل النظرية السياسية احلديثة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.26 :‬‬
‫‪62‬‬

‫فالنظرية األفالطونية حول تعاقب أنظمة الحكم مأخوذة من التجربة السياس ية‬
‫اليونانية‪ ،‬ونظرية مونتسكييه عن "فصل السلطات"‪Separation of Powers‬‬
‫م أخوذة من مالحظته للنظ ام السياسي البريط انى‪ ،‬وقد انتبه لي نين إلى ه ذه‬
‫العالقة الض رورية بين النظرية والواق ع‪ ،‬فأكد أنه ال ث ورة‪Revolution‬‬
‫بدون نظرية ثورية (‪.)1‬‬

‫وعموم ا‪ ،‬ف إن النظرية السياس ية على ض وء ما س بق ذك ره‪ ،‬مي دان‬


‫ف رعى من مي ادين علم السياس ة‪ ،‬يقصد بالنظرية فيه طائفة متنوعة من‬
‫األنشطة الفكرية‪.‬‬

‫ثانيا‪ -‬النظم السياسية‪:‬‬

‫تحظى دراسة النظم السياس ية باهتم ام م زدوج من ج انب كل من‬


‫فقه اء الق انون الدس تورى وعلم اء السياس ة‪ ،‬وذلك بس بب ما تتم يز به ه ذه‬
‫الدراسة من خصائص تدور حول محورين رئيسيين‪ :‬أولهما خاص باستحالة‬
‫بحث النظم السياس ية إال فى إط ار الدولة باعتبارها التنظيم السياسي األص لى‬
‫ال ذى تنشأ فى ظله كافة التنظيم ات الدس تورية والسياس ية داخل المجتم ع‪،‬‬
‫وثانيهما يتعلق باعتب ار الدولة نظاما قانونيا وتطبيقيا فى نفس ال وقت له ذا‬
‫التنظيم‪ ،‬وهو األمر ال ذى يجعل للنظم السياس ية روابط مباش رة بالق انون‬
‫الدستورى من جهة وبعلم السياسية من جهة أخرى (‪.)2‬‬

‫وأول ما تهتم به النظم السياس ية كدراسة‪ ،‬هو بحث الحكوم ات‬


‫المقارنة‪ Comparative Governments‬حيث ي رى علم اء السياسة أن‬
‫الحكومة هى الوح دة األولية لدراسة الس لوك السياس ي‪ ،‬وأن المؤسس ات‬

‫‪ )1(1‬حسن صعب‪ :‬علم السياسة (بريوت‪ :‬دار العلم للماليني‪ )1966 ،‬ص‪.49 :‬‬
‫‪ )2( 2‬مص ""طفى" حمم ""ود عفيفى‪ :‬الوج ""يز ىف مب ""ادئ الق ""انون الدس ""تورى والنظم السياس ""ية‬
‫(مذكرات غري منشورة‪ ،‬كلية احلقوق‪ ،‬جامعة طنطا‪ ،‬د‪.‬ت) ص‪.45 :‬‬
‫‪63‬‬

‫الحكومية تشكل النظام الرئيسي الذى يكمن فيه النشاط السياسي‪ ،‬ويعنى علم‬
‫الحكوم ات المقارنة بدراسة المؤسس ات الدس تورية والسياس ية والحزبية‪،‬‬
‫وأنماط السلوك القيادى ومختلف العمليات التى تجرى داخل النظام السياسي‬
‫للدول ة‪ ،‬كما يركز على النظم السياس ية الرئيس ية الس ائدة فى الع الم المتق دم‬
‫والع الم الن امى‪ ،‬وما ين درج تحت ذلك من موض وعات مختلفة مثل أن واع‬
‫الدساتير وأهدافها واألنماط المختلفة للزعامة السياسية‪ ،‬والخصائص المميزة‬
‫للنظم الحزبية واالنتخابية المختلفة‪ ،‬وما إلى ذلك من دراس ات تتعلق بص فة‬
‫عامة بأشكال الحكومات‪.‬‬

‫وعلى الرغم من أهمية دراسة أشكال الحكومات‪ ،‬فإن الرأى السائد‬


‫اآلن ي رى وج وب ع دم الوق وف فى دراسة النظم السياس ية عند حد الس رد‬
‫الت اريخى النمطى للموض وعات التقليدية الخاصة بأش كال ال دول ووظائفها‬
‫التش ريعية والتنفيذية والقض ائية‪ ،‬والص ور المختلفة للحكوم ات‪ ،‬أى الوق وف‬
‫عند حد الدراسة القانونية أو الدس تورية المج ردة ألش كال الحكوم ات‪،‬‬
‫فالدس تور فى حقيقة أم ره ليس إال قصاصة ورق‪ ،‬والوالي ات المتح دة‬
‫وبراج واى مثال يأخ ذان بالنظ ام الرئاس ى‪ ،‬فهل مع نى ذلك تش ابه نظ ام الحكم‬
‫فى كل منهم ا؟ (‪ .)1‬فالحقيقة أن النظ ام السياسي يخضع لمجموعة كب يرة من‬
‫العوام ل‪ ،‬ودراسة أش كال الحكوم ات ال تمثل إال وجها واح دا من حقيقة ه ذا‬
‫النظ ام‪ ،‬أى أن الش كل الدس تورى ليس إال واح دا من مجموعة عوامل‬
‫اجتماعية واقتص ادية تتحكم – دون شك – فى إنش اء الس لطة وكيفية‬
‫ممارس تها وانتقالها فى المجتم ع‪ ،‬ول ذلك ف إن دراسة النظم السياس ية من ه ذا‬
‫المنطلق يجب أن تمتد فتش مل بج انب الدراسة الدس تورية‪ ،‬دراسة ما يطلق‬
‫عليه اسم "العملية السياسية"‪ Political Process‬أى القاعدة الشعبية للحكم‪،‬‬

‫(‪ )1‬حمم" ""ود خ" ""ريى عيس" ""ى‪ :‬النظم السياس" ""ية املقارنة (الق" ""اهرة‪ :‬مكتبة األجنلو املص" ""رية‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ )1963‬ص‪.4 :‬‬
‫‪64‬‬

‫ال تى تع نى بكيفية ممارسة الش عب للحكم وفقا لمب ادئ الديمقراطية التحررية‬
‫ال تى تضع الس يادة فى يد الش عب‪ ،‬يمارس ها – نظ را التس اع حجم الدولة‬
‫الحديثة – عن طريق مرش حيه وعن طريق األح زاب السياس ية وجماع ات‬
‫الض غط (‪ .)1‬ومن ثم ف إن دراسة النظم السياس ية يجب أن تع نى بتحليل كافة‬
‫الم ؤثرات االجتماعية واالقتص ادية والسياس ية والفكرية ال تى ت دخل – ولو‬
‫بص ورة غ ير مباش رة أو مقننة – فى تحديد ش كل ونظ ام الممارسة‬
‫الموضوعية للس لطة‪ ،‬انطالقا من مبدأ حتمية الموازنة بين عنصرى الس لطة‬
‫والحرية اللذين يتعين المحافظة عليهما الستقرار المجتمع (‪.)2‬‬

‫وجملة الق ول أن النظم السياس ية بمعناها الض يق تع نى دراسة‬


‫المؤسس ات السياس ية بمعناها الس ابق‪ ،‬أى كمؤسس ات منظمة تنظيما قانونيا‬
‫مس بقا‪ ،‬وحينئذ تقع دراس تها بمنهجها النمطى الق انونى فى إط ار الدراس ات‬
‫الدس تورية‪ ،‬أما م دلولها الواسع فيع نى باإلض افة إلى ذلك دراسة ه ذه‬
‫المؤسسات مرتبطة بأيديولوجية مجتمعها وقيمه العليا‪ ،‬األمر الذى تتجاوز به‬
‫الدراسة مج رد القواعد الوض عية المنظمة له ذه المؤسس ات فى كيانها‬
‫العض وى وال وظيفى‪ ،‬إلى فهم ه ذه المؤسس ات والحكم عليها فى ض وء‬
‫أي ديولوجيات مجتمعها وواقع ه الحض ارى والثق افى وال روحى‪ ،‬وال ذى يش كل‬
‫شخص يته فى مواجهة المجتمع ات األخ رى‪ ،‬فيجعل – مثال – من المجتمع‬
‫إس الميا‪ ،‬أو عربي ا‪ ،‬أو التيني ا‪ .‬ف الواقع الحض ارى والثق افى وال روحى‬
‫للمجتمع ات هو من مؤسس اتها بمثابة الس ياق ال ذى تعمل فيه وب ه‪ ،‬أى هو‬
‫بيئته ا‪ ،‬ومن ثم فليس للمؤسس ات السياس ية – بش كلها الق انونى وح ده – أية‬
‫ات واقعها المجتمعى المادية‬ ‫داللة علمية إال من ثنايا ارتباطها بمقوم‬
‫والمعنوية‪ ،‬ذلك ألن حقيقتها ال تقبع فى هياكلها‪ ،‬وإ نما فى عالقة هذه الهياكل‬

‫‪ )1(1‬حممود خريى عيسى‪ :‬النظم السياسية املقارنة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.4 :‬‬
‫‪ )2(2‬مصطفى حممود عفيفى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.45 :‬‬
‫‪65‬‬

‫بعوامل بيئتها ال تى اقتض تها‪ ،‬وهنا ي أتى دور علم السياسة متمثال فى تفس ير‬
‫المؤسس ات السياس ية تفس يرا علميا‪ ،‬وذلك بالكشف عن طبيعة عالقاتها‬
‫بمقوم ات وعائها االجتم اعي ال ذى تعمل في ه‪ ،‬وبالت الى تص نيف ه ذه‬
‫المؤسس ات فى مجموع ات متجانسة على ض وء التب اين الحض ارى والثق افى‬
‫والروحى بين المجتمعات‪ ،‬ولكى يكشف فى النهاية عن عالقات االرتباط أو‬
‫التوافق بين أنماط المؤسسات السياسية‪ ،‬وبين المقومات الحضارية والثقافية‬
‫والروحية للمجتمع ات (‪ .)1‬وعلى أس اس ذل ك‪ ،‬ف إن دراسة النظم السياس ية‬
‫بمعناها الواسع ت دخل فى نط اق علم السياس ة‪ ،‬ال ذى يكمل ما قص رت فيه‬
‫الدراس ات القانونية عن دما أوقفت دراسة ه ذه النظم عند حد دراسة القواعد‬
‫الدستورية المنظمة لها فقط‪.‬‬

‫ثالثا‪ -‬الحياة السياسية‪:‬‬

‫يش ير مص طلح "الحي اة السياس ية"‪ Political Life‬إلى ديناميكية‬


‫العالقة بين المؤسس ات السياس ية الرس مية من حيث هى ق وة‪ ،‬وبين ق وى‬
‫المجتمع الالرس مية متفاعلة فيما بينهما دونما تمي يز‪ ،‬تف اعال من ش أنه تحقيق‬
‫حالة االت زان فى المجتمع (‪ .)2‬وهنا البد من اإلش ارة إلى مص طلح "النسـق‬
‫السياس ي"‪ Political System‬ال ذي ي وحى بفك رة االنتظ ام اآللى ومن ثم‬
‫الحركة الميكانيكية‪ .‬فالنسق السياسي فى سياق الحديث عن ميكانيكا السياسة‬
‫هو تص ور للحالة ال تى تس ير عليها المؤسس ات السياس ية‪ ،‬ال على مس توى‬
‫القواعد الدستورية‪ ،‬وإ نما متأثرة فى ذلك بالقوى االجتماعية الفعلية لمجتمعها‬
‫الكلى وم ؤثرة فيها فى نفس ال وقت‪ .‬فه ذه الق وى االجتماعية (الالرسمية‬

‫‪ )1( 1‬حممد طه ب " " " " " " ""دوى وليلى أمني مرس " " " " ""ى‪ :‬املدخل إىل العل " " " " ""وم السياس " " " " " " ""ية‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪ ،‬ص‪.202 – 200 :‬‬
‫‪ )2(2‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪.204 :‬‬
‫‪66‬‬

‫غالب ا) تح رك المؤسس ات السياس ية الرس مية‪ ،‬وه ذه المؤسس ات وهى تس ير‬


‫مت أثرة بعوامل الواقع االجتم اعي ت ؤثر‪ ،‬بما يت وفر لها من ق وة الس لطة‪ ،‬فى‬
‫الجماعة فتحركه ا‪ ،‬وهك ذا بش كل دين اميكى‪ .‬ومن ثم يمكن تعريف الحي اة‬
‫السياس ية بأنها ع الم ق وى المجتمع الوط نى الرس مية منها والالرس مية دونما‬
‫تمي يز‪ ،‬وهى تتفاعل فيما بينها تف اعال من ش أنه تحقيق حالة االت زان أو‬
‫"الضبط االجتماعى"‪ Social Order‬داخل هذا المجتمع (‪.)1‬‬

‫ولكن إذا ك انت ق وة المؤسس ات السياس ية الرس مية للدولة هى ط رف‬


‫فى عالق ات ذلك النس ق‪ ،‬فما هى الق وى األخ رى ال تى تمثل الط رف الث انى؟‬
‫إنها ما اص طلح على تس ميته بق وى الواقع االجتم اعى الفعلي ة‪ ،‬أى ال تى تنشأ‬
‫نشأة واقعية‪ ،‬ومن ثم فهى ليست من بين المؤسسات الرسمية للدولة‪ ،‬وتلعب‬
‫بحكم ما يت وفر لها من ق وة فعلية دورا ب ارزا فى الحي اة السياس ية‪ ،‬مش اركة‬
‫ب ذلك المؤسس ات الرس مية فى عملية ص نع الق رار السياسي على مس توى‬
‫مجتمعها الكلى‪ ،‬وبالتالى فى رسم سياساته العامة‪.‬‬

‫وهذه القوى الفعلية التى تظهر فى المجتمع منها ما يكون فى صورة‬


‫تنظيمات مرتبطة بوسائل وأهداف سياسية‪" ،‬كاألحزاب السياسية" ‪Political‬‬
‫‪ Parties‬بأنواعها وأه دافها المختلفة‪ ،‬ومنها ما يك ون مرتبطا بوس ائل‬
‫سياسية‪ ،‬ولكن لتحقيق أهداف غير سياسية فى الغالب مثل "جماعات الضغط"‬
‫‪ Pressure Groups‬وهى أيضا ذات أنواع وأهداف مختلفة‪ ،‬تبعا الختالف‬
‫المجتمعات أو األنظمة السياسية التى تمارس أنشطتها فيها‪ .‬ومن شاكلة هذه‬
‫الجماع ات‪ :‬النقاب ات العمالية ‪ Trade – Unions‬ومنظم ات الش باب‪Youth‬‬
‫‪ Organizations‬والهيئ ات الدينية‪ Religious Corporations‬فمن ثنايا‬
‫ه ذه الجماع ات يش ترك الم واطن فى الحي اة السياس ية على مقتضى اتجاه ات‬

‫‪ )1(1‬حممد طه بدوى وليلى أمني مرسى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.204 :‬‬


‫‪67‬‬

‫الجماعة وأه دافها‪ ،‬متخ ذا من الجماعة وس يلة فى الت أثير على الس لطة‬
‫الرس مية وتوجيهها فى عملية ص نع الق رارات السياس ية بما يالئم مص الح‬
‫الجماع ة‪ .‬ولكى توصف جماعة ما بأنها من جماع ات الض غط السياس ي‪،‬‬
‫فالبد وأن تس تهدف مص لحة مش تركة‪ ،‬مادية ك انت أم أدبي ة‪ ،‬وأن تتخذ من‬
‫الضغط على الجهاز الحكومى وسيلة لتحقيق تلك المصلحة (‪.)1‬‬

‫ه ذا‪ ،‬وال تقتصر الحي اة السياس ية على أنش طة األح زاب وجماع ات‬
‫الضغط‪ ،‬وإ نما يشارك فيها المواطن الفرد باتجاهاته وآرائه التى تأتى تعبيرا‬
‫عن هذه االتجاهات‪ .‬واالتجاه‪ Tendency‬فى مجال السياسة هو حكم عقلى‬
‫م زاجى يتش كل للف رد من ثنايا تجاربه الشخص ية‪ ،‬مت أثرا بعوامل اجتماعية‬
‫متباينة كاالنتم اء الطبقى وال دينى واألي ديولوجى (الم ذهبى) وك ذلك المكانة‬
‫االقتص ادية وطبيعة ال دخل‪ ،‬حيث تش ير المالحظة إلى أن أص حاب ال دخول‬
‫المرتك زة إلى "الملكي ة" ‪ Property‬مهما ك ان حجمها مح افظون‬
‫‪ Conservatists‬مخافة أن يؤدى أى تغيير سياسي إلى تغيير اقتصادي من‬
‫ش أنه المس اس بأوض اعهم المس تقرة‪ .‬بينما يتجه أص حاب دخ ول العمل غ ير‬
‫المرتكز إلى الملكية فى ظل "النظم الرأس مالية"‪Capitalistic Regimes‬‬
‫إلى االتجاه ات اليس ارية‪ ،‬كما يعت بر ال دين ع املا فع الا فى تك وين االتجاه ات‬
‫السياسية‪ ،‬فالمتدينون غالبا ما يكونوا محافظين‪ .‬وال شك أن للتركيب النفسى‬
‫والم زاجى للم واطن دورا يعتد به فى تش كيل اتجاهاته السياس ية‪ ،‬فمن‬
‫المالحظ أن العص بيين ال يطيق ون الج ور السياس ى‪ ،‬وأن الع اطفيين غالبا ما‬
‫يجنحون إلى السلبية السياسية‪.‬‬

‫وينقلنا الح ديث عن اتجاه ات الم واطن وآرائه المع برة عن ه ذه‬
‫االتجاه ات فى الحي اة السياس ية إلى الح ديث عن "ال رأى الع ام"‪Public‬‬

‫‪ )1(1‬حممود خريى عيسى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.84 :‬‬


‫‪68‬‬

‫‪ Opinion‬والرأى ‪ -‬بصفة عامة ‪ -‬هو سلوك لفظى يعكس اتجاهات الفرد‬


‫ومعتقدات ه المكتسبة من ثقافة بيئته‪ ،‬وهو يتطور ابتداء من ميول معينة‪ ،‬فإذا‬
‫تأص لت ه ذه المي ول تح ولت إلى اتجاه ات‪ ،‬ف إذا ما ع بر الف رد عن ه ذه‬
‫االتجاهات بكلمات أصبحت رأيا‪ .‬أما الرأى العام فهو محصلة تعبير أعضاء‬
‫جماعة معينة عن دما يس تقطب انتب اههم االهتم ام بقض ية معينة (‪ .)1‬ويتح دد‬
‫ال دور السياسي لل رأى الع ام فى المجتمع الح ديث – نظريا – من خالل ق درة‬
‫الن اس على الت أثير فى السياسة العام ة‪ ،‬وبه يمكن قي اس الف رق بين األنظمة‬
‫الديمقراطية واألنظمة الديكتاتوري ة‪ ،‬عن طريق معرفة م دى مش اركة‬
‫المواط نين فى س لطة ص نع الق رارات (‪ .)2‬وباس تثناء الحكوم ات التعس فية‬
‫المطلق ة‪ ،‬نجد أن كل الحكوم ات تس عى جاه دة إلى أن تك ون قراراتها مؤي دة‬
‫من الرأى العام ولو عن طريق اإليحاء الشعبى‪ ،‬أى الرأى العام الموجه التى‬
‫تقوم بتعبئته الدعاية الحكومية إلضفاء الشرعية على قرارات السلطة‪.‬‬
‫وهنا ي أتى دور "وس ائل اإلعالم" ‪ Information Media‬فى بث‬
‫"الدعاية"‪ Propaganda‬فعقلية القطيع أو سيكولوجية الجمهرة تقبل اإليحاء‬
‫بسرعة أكثر مما يقبلها عقل المواطن الفرد‪ ،‬ولذلك يلجأ الزعماء إلى إعالن‬
‫سياس تهم وسط الجم وع لكى يظف روا بالتأييد المباش ر‪ ،‬ولقد أص بح اس تغالل‬
‫عقلية القطيع فنا جدي دا من فن ون الحكم لم يكن معروفا من قب ل‪ ،‬ولو أن‬
‫االس تعداد لقب ول اإليح اء الش عبى أمر مع روف من ق ديم الزم ان‪ ،‬غ ير أن‬
‫الجديد فى فن الدعاية هو ما اس تحدث فيها من تكنولوجيا اإلعالم‪ ،‬ال تى‬
‫ض خمت أثرها بدرجة جعلت منها أداة جدي دة للحكم لم تكـن مطبقة على ه ذا‬
‫النط اق الواسع من قبل (‪ .)3‬وتث ير كلمة الدعاية فى ال ذهن فك رة الت أثير‬

‫‪ )1( 1‬عبد الباسط حممد عبد املعطى وآخرون‪ :‬قضايا السياسة واجملتمع (اإلسكندرية‪ :‬دار‬
‫املعرفة اجلامعية‪ )1987 ،‬ص‪.128 :‬‬
‫‪ )2(2‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.131 :‬‬
‫‪ )1(3‬حممد توفيق رمزى‪ :‬علم السياسة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.153 – 152 :‬‬
‫‪69‬‬

‫العاطفى على العقل ولو بدرجة من الخداع المقصود‪ ،‬غير أن المعنى العلمى‬
‫للمصطلح يشير إلى عدم وجوب تفسيره على هذا النحو المنفر‪ ،‬فال يشترط‬
‫فى أى ن وع من الدعاية س واء ك انت تجارية أم سياس ية أن تفسر على أنها‬
‫توجيه مغ رض أو تض ليل للفك ر‪ ،‬إذ أن الغ رض األساسي منها هو تنبيه‬
‫األذهان إلى حقائق يجب أن تدرك وتنشر على أوسع نطاق‪ ،‬حتى تصبح لها‬
‫قوة الرأى العام‪ .‬فاألصل فى الدعاية أن تكون محايدة‪ ،‬غير أن خطرها يبدأ‬
‫عندما يستعيض صاحب الدعوة عن الحقيقة باألوهام واألكاذيب (‪.)1‬‬

‫وبعد ذلك يأتى دور "الثقافة السياسية"‪ Political Culture‬ودراسة‬


‫أثرها الب الغ فى الحي اة السياس ة‪ .‬ويش ير المص طلح إلى البيئة أو المن اخ‬
‫العاطفى والقيمى والسيكولوجى الذى تعمل داخله النظم واألنساق السياسية‪،‬‬
‫والثقافة السياسية على هذا النحو هى جزء من الثقافة الكلية للمجتمع‪ ،‬بمعنى‬
‫أنها " ثقافة فرعية " ‪ Subculture‬تت أثر بالثقافة األش مل‪ ،‬ول ذلك يجب‬
‫تفس يرها من خالل هذا المنظور األوسع‪ ،‬فالثقافة السياسية ال توجد فى فراغ‬
‫وال يمكن أن تك ون منعزلة عن اإلط ار الثق افى الع ام الس ائد فى المجتمع‪،‬‬
‫وإ نما تكتسب مقوماتها وتتح دد س ماتها من خالل ثقافة المجتمع العام ة‪ ،‬فنحن‬
‫ال نس تطيع – مثال – أن نفسر انع دام ثقة الش عب فى الحكومة إال على أس اس‬
‫أنها سمة ثقافية سياسية نابعة من السمة الثقافية األشمل‪ ،‬التى تقرر أن أفراد‬
‫هذا الشعب تنعدم بينهم الثقة على مستوى العالقات الشخصية المتبادلة (‪.)2‬‬

‫‪ )2(1‬انظر ىف موض" ""وعات الدعاية ووس " ""ائل االتص" ""ال وال" ""رأى الع" ""ام ودور ذلك ىف احلي" ""اة‬
‫السياسة‪:‬‬
‫‪- Smith, B.L, and Others: Propaganda, Communication, and Public‬‬
‫‪Opinion (New Jersey, 1954) P: 1.‬‬
‫‪- Marbury, B. O: Public Opinion and Political Dynamics (New York,‬‬
‫‪1950) P: 227.‬‬
‫‪- Albig, William: Public Opinion (New York, 1939) P: 18.‬‬
‫‪ )1(2‬حممد على حمم" " ""د‪ :‬أص" " ""ول االجتم" " ""اع السياسي (اإلس" ""كندرية‪ :‬دار املعرفة اجلامعي" " ""ة‪،‬‬
‫‪ )1980‬ص‪.164 :‬‬
‫‪70‬‬

‫والشك أن الثقافة السياس ية ذات ت أثير ه ام على العملي ات السياس ية‬


‫المختلف ة‪ ،‬فاتجاه ات المواط نين الثقافية ت ؤثر فى نوعية المط الب وكيفية‬
‫التعبير عنها واستجابة الحكومة لها‪ ،‬بل أنها تؤثر فى األداء الحكومى نفسه‪،‬‬
‫فضال عن دورها فى م دى س لبية الم واطن أو إيجابيته من الحي اة السياس ية‪.‬‬
‫فحين يقتنع الم واطن من خالل ثقافته السياس ية ب أن مش اركته فى الحي اة‬
‫السياس ية واجب وط نى ومن ثم فض يلة سياس ية‪ ،‬فإنه يتجه بحم اس إلى‬
‫االشتراك فيها‪ ،‬سواء بالقول أو الكتابة أو خوض المعارك االنتخابية أو غير‬
‫ذلك من الوس ائل كالتظ اهر أو االحتج اج أو االعتص ام ونحوه ا‪ .‬وكث يرا ما‬
‫يك ون لنوعية الثقافة وخاصة الم وروث السياسي منها أثر كب ير فى وج ود‬
‫ظ اهرة الس لبية السياس ية‪ ،‬مثل الس لبية السياس ية البش عة ال تى ورثناها من‬
‫بعض الثقاف ات العربية القديم ة‪ ،‬وال تى لقنتنا أن "الس لطان من ال يع رف‬
‫الس لطان" وأن "ص احب السلطان كراكب األس د‪ ،‬الن اس منه فى خوف‪ ،‬وهو‬
‫من األسد أخوف" وغير ذلك مما يشكك فى الحياة السياسية ويصورها على‬
‫أنها ع الم الوص وليين واالنته ازيين‪ ،‬وأنها مج ال المه اترات والحيل‬
‫الممجوج ة‪ ،‬ولو ك ان فى بعض ه ذا ش يء من الح ق؛ ف إن األمر ال يجب أن‬
‫يعمم بهذا الشكل‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬وال تقف دراسة الحياة السياسية عند حد ما ذكرنا من األحزاب‬
‫وجماعات الضغط واإلعالم والرأى العام والدعاية والثقافة السياسية؛ فمجال‬
‫دراسة الحياة السياسية واسع‪ ،‬ويمتد ليشمل إلى جانب ذلك دراسة آفاق رحبة‬
‫يعج بها ع الم السياس ة‪ .‬ف الثورات الش عبية‪ ،‬وح االت التم رد‪ ،‬والعص يان‬
‫المدنى‪ ،‬واالنتفاضات‪ ،‬واالنقالبات العسكرية‪ ،‬والسلوك االنتخابى‪ ،‬ودراسة‬
‫شخصيات الزعماء والقادة ‪ ...‬الخ‪ ،‬كل هذا يدخل فى نطاق الحياة السياسية‬
‫وما يموج به عالم السياسة‪.‬‬

‫رابعا‪ -‬العالقات الدولية‪:‬‬


‫‪71‬‬

‫على ال رغم من أن العالق ات الدولية علم مس تقل بذاته كما س بق‬


‫وأش ير؛ إال أنه أحد ف روع علم السياسة (أو المعرفة السياس ية كمج ال خ اص‬
‫ومح دد) وعلى ال رغم من أقدمية علم السياسة على علم العالق ات الدولية من‬
‫الناحية التاريخية والموض وعية‪ ،‬فإنهما يتن اوالن وجهين لواقع واحد هو‬
‫المجتمع السياسي‪ ،‬فعلم السياسة يتناول هذا المجتمع فى ذاته‪ ،‬وعلم العالقات‬
‫الدولية يتن اول ما بين المجتمع ات السياس ية من عالق ات‪ ،‬أى المس ائل ال تى‬
‫تظهر على مسرح السياسة العالمى‪ .‬ولما كان نطاق الظواهر السياسية ذات‬
‫الطابع العالمى واسعا بشكل كبير؛ فإن علم العالقات الدولية ينقسم إلى ثالثة‬
‫ف روع هى‪ )1( :‬السياسة الدولي ة‪ ،‬ويبحث فى دراسة ف روق الق وة بين ال دول‬
‫وتأثيراته ا‪ ،‬ودراسة السياسة الخارجية لل دول وردود أفعالها فى المجتمع‬
‫ال دولى (‪ )2‬التنظيم ال دولى‪ ،‬ويبحث فى األس باب ال تى تكمن وراء إقامة‬
‫المنظمات الدولية‪ ،‬سواء منها العالمية كاألمم المتحدة‪ United Nations‬أو‬
‫اإلقليمية كجامعة الدول العربية‪ Arab League‬وفحص البناء النظامى لهذه‬
‫الهيئ ات‪ ،‬ودورها فى حفظ الس لم واألمن ال دوليين (‪ )3‬الق انون ال دولى‪،‬‬
‫وينصب على دراسة القواعد القانونية ال تى تنظم عالق ات ال دول بعض ها‬
‫ببعض (‪ .)1‬وتهتم العالق اتالدولية –بص فة عامة– بتحليل المص ادر ال تى‬
‫تنتج عنها الص راعاتالدولية وما قد ينتج عنذلك مناش تعال الح روب‪،‬‬
‫والبحثفى الكيفية ال تى تتخذ بها ق رارات السياسة الخارجي ة‪ ،‬ودراسة‬
‫الج وانبالمختلفة ال تى أث رتفى مج رىالحي اة الدولية فى الت اريخ الح ديث‬
‫والمعاصر مثلالقومي ة‪ ،‬واالس تعمار‪ ،‬ونظري اتاألمنال دولى‪ ،‬والت أثيراتال تى‬
‫تتركها الدعاية الدولية الموجهة والدعاية المضادة (‪.)2‬‬

‫والعالقات السياسية الدولية هى امتداد فى الخارج لسياسة الدولة فى‬


‫ال داخل‪ ،‬ويق وم بإنش ائها وتحدي دها بين ال دول كل من األف راد الع اديين‪،‬‬

‫‪ )1(1‬انظر ىف تفاصيل ذلك‪:‬‬


‫‪- Morganthau, Hans: Politics among Nations (Chicago, 1951) P: 105.‬‬
‫‪- Gettell, R. G: Political Science (New York, 1933) P: 241.‬‬
‫‪ )2(2‬حممد نصر مهنا‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.28 :‬‬
‫‪72‬‬

‫أى ال ذين ال يحمل ون أية ص فة رس مية‪ ،‬والهيئ ات الخاص ة‪ ،‬باإلض افة إلى‬
‫الحكوم ات‪ ،‬وبالنس بة لعالق ات األش خاص والهيئ ات الخاصة فإنها ع ادة ال‬
‫تخضع لتدخل الدول المباشر‪ ،‬ونقول "عادة" ألن ذلك هو األصل فى عالقات‬
‫األف راد والهيئ ات‪ ،‬ولكن الواقع أن الدولة الحديثة تهتم بكل ما يربطها بالع الم‬
‫الخارجى‪ ،‬سواء كان ذلك الرباط عن طريق أفراد عاديين أم ممثلين رسميين‬
‫لحكومة الدول ة‪ .‬وعالقة الحكوم ات بعضها البعض تكون على إحدى صور‬
‫ثالث‪ ،‬فإما الص داقة‪ ،‬وإما الحي اد‪ ،‬وإما الع داء‪ ،‬وفى حالة الص داقة والحي اد‬
‫تك ون الديبلوماس ية طريقا للتعامل بين ال دول‪ ،‬أما فى حالة الع داء فتتح دد‬
‫الصلة على أساس من الحرب واإلرهاب والعنف بشتى صوره‪ ،‬لذلك يقال‬
‫أن الحرب إخفاق فى الديبلوماسية‪ ،‬وهو ما يجعل علم العالقات الدولية يولى‬
‫اهتماما خاصا بموضوع الديبلوماسية(‪.)1‬‬

‫ويمكن تعريف الديبلوماس ية‪ Diplomacy‬بأنها قن اة االتص ال‬


‫الس لمية للتعامل بين ال دول‪ ،‬وهى نش اط وظيفى يق وم به جماعة من الممثلين‬
‫الرسميين الدائمين أو المؤقتين‪ ،‬الذين يأخذون على عاتقهم مهمة تنفيذ سياسة‬
‫حك ومتهم الوطنية فى الخ ارج ب الطرق الس لمية‪ ،‬وهى ب ذلك من أهم أدوات‬
‫السياسة الخارجية للدول‪ ،‬سواء ما يعرف منها باسم ديبلوماسية األقطاب أى‬
‫"لقاءات القمة"‪( Summit Meetings‬اللقاءات المباشرة بين رؤساء الدول‬
‫والحكوم ات) أو ديبلوماس ية "الم ؤتمرات "‪ Conferences‬أو ديبلوماس ية‬
‫"األزمات"‪ Crisis's‬وتعمل الديبلوماسية عادة على تحقيق عدة أهداف منها‪:‬‬
‫الحها بما يتفق مع قوتها‬ ‫تنفيذ السياسة الخارجية للدولة وتحقيق مص‬
‫ومواردها‪ ،‬التقدير الدقيق لسياسة الدولة األخرى التى تربطها بالدولة صلة‪،‬‬
‫تحديد نواحى الخالف الذى يمكن أن ينشأ بين الدولتين ومحاولة التغلب عليه‬

‫‪ )1(1‬حممد توفيق رمزى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.172 ،161 :‬‬


‫‪73‬‬

‫قبل أن يتف اقم‪ ،‬اختي ار أنسب الوس ائل المؤدية إلى تحقيق أه داف الدولة فى‬
‫الخارج (‪.)1‬‬

‫ولعله بعد ه ذا الع رض الم وجز لمج االت علم السياس ة‪ ،‬يك ون قد‬
‫اتضح م دى اتس اع ه ذا الض رب من ض روب المعرفة االجتماعي ة‪ ،‬وم دى‬
‫رحابة وتش عب آفاقه‪ .‬بقى أن ن ذكر حقيقة هام ة‪ ،‬وهى أن السياسة كما‬
‫تت داخل فيها كل تعريفاته ا‪ ،‬وكما تتسع للفلس فة والعلم والفن متش ابكين‪ ،‬ف إن‬
‫مجاالتها هى األخ رى تت داخل وتتش ابك بص ورة يص عب معها – إن لم يكن‬
‫يس تحيل – دراسة أى من ه ذه المج االت (النظري ات والنظم والحي اة‬
‫والعالق ات) بمعزل ت ام عن اآلخ ر‪ ،‬فالفصل بين ه ذه الفروع ال يق وم إال بين‬
‫الب احثين أى من الناحية الش كلية فق ط‪ ،‬أما من ناحية الموض وع‪ ،‬فج وهر أية‬
‫ظ اهرة سياس ية هو ع ادة – أو ربما دائما – قاسم مش ترك بين كل ه ذه‬
‫المج االت‪ ،‬وم رد ذلك إلى المرونة ال تى يتسم بها علم السياس ة‪ ،‬وال تى ال‬
‫تجعل من تش عب موضوعاته حائال يقف دون وجود صالت متعددة بين كل‬
‫مجاالت ه‪ ،‬بل وبين كل ه ذه المج االت مجتمعة (أى علم السياس ة) من جه ة‪،‬‬
‫وبين كث ير من العل وم االجتماعية من جهة أخ رى‪ ،‬وه ذا ما يجعل إلق اء‬
‫الض وء على عالقة علم السياسة ب دائرة العل وم االجتماعية األخ رى من‬
‫الضرورة بمكان‪ ،‬وذلك هو موضوع الفصل التالى‪.‬‬

‫‪ )2(1‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪.173 – 172 :‬‬

You might also like