Professional Documents
Culture Documents
الفصل الثانى
مجاالت علم السياسة
إذا كان لكل علم محور أو محاور اهتمامه ال تى ينفرد بها دون سائر
العل وم ،فما هى مح اور اهتم ام علم السياس ة ،وما هى اآلم اد ال تى يغطيها
واآلف اق ال تى تمتد إليها معارف ه ،والمب احث ال تى ينف رد بمعالجتها
والموض وعات ال تى يهتم بدراس تها ،بعب ارة واح دة ،ما هى مج االت علم
السياس ة؟ فى الحقيق ة ،إن اإلجابة على ه ذا الس ؤال ك انت – وال ت زال – من
أكثر المسائل إثارة للجدل والخالف بين فقهاء السياسة .فقد ذهب المفكرون
ح ديثا إلى أن أى تقس يم للعل وم س وف يك ون مص طنعا ،لت داخلها مع بعض ها
البعض بص ورة تجعل من الص عب محاولة وضع ح دود فاص لة بين كل علم
وآخ ر ،أضف إلى ذلك أن علم السياسة بال ذات ت دخل فى مص نفاته عل وم
مس تقلة ب ذاتها تماما كما س بق وأش ير فى الفصل الس ابق ،وفى نفس ال وقت،
ف إن المج االت ال تى يتناولها علم السياسة بالدراسة يص عب اعتبارها مي ادين
مس تقلة تماما بعض ها عن بعض ،وإ نما يق وم التمي يز بين ه ذه المج االت على
أساس محور االهتمام من جه ة ،وتنوع المداخل المستخدمة من جه ة ،ومن
هنا نشأ االختالف حول تصنيف واختيار الموضوعات التى تعتبر بطبيعتها
أكثر سياسية من غيرها.
يح اول تحديد مج ال لدراس ته :المرحلة الفلس فية ،والمرحلة التجريبي ة،
والمرحلة التطبيقي ة ،وبالنس بة لعلم السياس ة ،يح اول ع الم السياسة األلم انى
كارل دويتش أن يضع إطارا لهذه المراحل ،فيقول إن المرحلة األولى بدأت
بأرس طو إلى الح رب األهلية األمريكي ة ،والثانية إلى بداية الح رب العالمية
الثاني ة ،والثالثة إلى ال وقت الح الى .وقد زخ رت تلك المراحل بالج دل
والمن اظرة ،حيث ك انت السياسة فى أول األمر تهتم باأله داف والغاي ات ،ثم
بعد ذلك بالوس ائل واألدوات ،وأخ يرا فهى تح اول وضع كل ذلك موضع
التطبيق الفعلى الواقعى ،ومن ثم تثبت علميتها (.)1
-3الحي اة السياس ية :وتش مل األح زاب ،وجماع ات الض غط ،وال رأى
العام ،واإلعالم.
)1(2ي"رى بعض الب"احثني أن هن"اك فرعا خامسا لعلم السياسة هو "اإلدارة العام"ة" ،غري أنن"ا
نتحفظ على ه" " ""ذا العنصر لس" " ""ببني :األول هو أنه مل ي " ""رد منف " ""ردا ىف قائمة اليونس" " ""كو وهى
املعمول هبا عامليا ،وإمنا جاء ضمن الفرع الثاىن من التقس""يم أى النظم السياس""ية ،وهو وضع
له داللته فيما يتعلق بقيمة ه" " ""ذا الراف" " ""د ،أما الس " ""بب الث " ""اىن فهو أن الق " ""ائلني هبذا ال" " ""رأى مل
يتمكن""وا من الوص""ول إىل نظرية حمددة تفسر االرتب""اط بني النظ""ام اإلدارى والنظ""ام السياسى
أك ""ثر من املتض ""منة ىف ف ""رع النظم السياس ""ية ،وإذا ك ""انوا قد رك ""زوا على ربط اإلدارة العامة
بظ " " " ""اهرة البريوقراطي" " " " ""ة ،وأمهية املؤثرات السياس " " ""ية ىف عمل اإلدارة التنفيذي " " ""ة ،وحتليل دور
املواطن ىف العمل اإلدارى ،أو باألصح التع""رف على أمهية عنصر املش""اركة الش""عبية ىف إجناح
ب""رامج اإلدارة احلكومي""ة؛ إال أن كل ذلك ال ينهض ب""اإلدارة العامة فرعا مس""تقال من ف""روع
علم السياسة؛ ألن كل هذه الفروع تشتمل – صراحة أو ضمنا – على عنصر اإلدارة.
60
المعرفة السياس ية .وفيما يلى نلقى بصيصا من الض وء على مج االت علم
السياسة كل على حدة.
وإ ذا كان بعض الباحثين يحاول أن يوقف دور النظرية السياسية عند
حد جمع الحق ائق واألح داث دون تعليق عليها لتحليل الواقع السياس ى ،فى
محاولة لجعلها دراسة تجريبية وبالتالي أكثر علمية؛ فإن البعض اآلخر يرى
61
أن النظرية السياسية تذهب إلى مدى أبعد فى تقصى الحقائق ،فتتن اول دراسة
األفك ار السياس ية وتاريخه ا ،والمثل السياس ة ،والش رعية السياس ية ،والخلق
السياس ى ،ومف اهيم الع دل والحرية والس الم والمس اواة ،والبحث فى غاية
الدولة وأه دافها ،ولم اذا يطيعها الن اس ،وحق وق األف راد وواجب اتهم السياس ية
فى ظل الدولة ...الخ (.)1
)1(1أمحد س ""ويلم العم ""رى :أص ""ول النظم السياس ""ية املقارنة (الق ""اهرة :اهليئة املص ""رية العامة
للكتاب )1976 ،ص 75 :وما بعدها.
2
(2) Maciver, R. M: The Web of Government (New York, The Free
Press, 1975) P: 301.
)3(3حممد نصر مهنا :مدخل إىل النظرية السياسية احلديثة ،مرجع سابق ،ص.26 :
62
فالنظرية األفالطونية حول تعاقب أنظمة الحكم مأخوذة من التجربة السياس ية
اليونانية ،ونظرية مونتسكييه عن "فصل السلطات"Separation of Powers
م أخوذة من مالحظته للنظ ام السياسي البريط انى ،وقد انتبه لي نين إلى ه ذه
العالقة الض رورية بين النظرية والواق ع ،فأكد أنه ال ث ورةRevolution
بدون نظرية ثورية (.)1
)1(1حسن صعب :علم السياسة (بريوت :دار العلم للماليني )1966 ،ص.49 :
)2( 2مص ""طفى" حمم ""ود عفيفى :الوج ""يز ىف مب ""ادئ الق ""انون الدس ""تورى والنظم السياس ""ية
(مذكرات غري منشورة ،كلية احلقوق ،جامعة طنطا ،د.ت) ص.45 :
63
الحكومية تشكل النظام الرئيسي الذى يكمن فيه النشاط السياسي ،ويعنى علم
الحكوم ات المقارنة بدراسة المؤسس ات الدس تورية والسياس ية والحزبية،
وأنماط السلوك القيادى ومختلف العمليات التى تجرى داخل النظام السياسي
للدول ة ،كما يركز على النظم السياس ية الرئيس ية الس ائدة فى الع الم المتق دم
والع الم الن امى ،وما ين درج تحت ذلك من موض وعات مختلفة مثل أن واع
الدساتير وأهدافها واألنماط المختلفة للزعامة السياسية ،والخصائص المميزة
للنظم الحزبية واالنتخابية المختلفة ،وما إلى ذلك من دراس ات تتعلق بص فة
عامة بأشكال الحكومات.
( )1حمم" ""ود خ" ""ريى عيس" ""ى :النظم السياس" ""ية املقارنة (الق" ""اهرة :مكتبة األجنلو املص" ""رية، 1
)1963ص.4 :
64
ال تى تع نى بكيفية ممارسة الش عب للحكم وفقا لمب ادئ الديمقراطية التحررية
ال تى تضع الس يادة فى يد الش عب ،يمارس ها – نظ را التس اع حجم الدولة
الحديثة – عن طريق مرش حيه وعن طريق األح زاب السياس ية وجماع ات
الض غط ( .)1ومن ثم ف إن دراسة النظم السياس ية يجب أن تع نى بتحليل كافة
الم ؤثرات االجتماعية واالقتص ادية والسياس ية والفكرية ال تى ت دخل – ولو
بص ورة غ ير مباش رة أو مقننة – فى تحديد ش كل ونظ ام الممارسة
الموضوعية للس لطة ،انطالقا من مبدأ حتمية الموازنة بين عنصرى الس لطة
والحرية اللذين يتعين المحافظة عليهما الستقرار المجتمع (.)2
)1(1حممود خريى عيسى :النظم السياسية املقارنة ،مرجع سابق ،ص.4 :
)2(2مصطفى حممود عفيفى ،مرجع سابق ،ص.45 :
65
بعوامل بيئتها ال تى اقتض تها ،وهنا ي أتى دور علم السياسة متمثال فى تفس ير
المؤسس ات السياس ية تفس يرا علميا ،وذلك بالكشف عن طبيعة عالقاتها
بمقوم ات وعائها االجتم اعي ال ذى تعمل في ه ،وبالت الى تص نيف ه ذه
المؤسس ات فى مجموع ات متجانسة على ض وء التب اين الحض ارى والثق افى
والروحى بين المجتمعات ،ولكى يكشف فى النهاية عن عالقات االرتباط أو
التوافق بين أنماط المؤسسات السياسية ،وبين المقومات الحضارية والثقافية
والروحية للمجتمع ات ( .)1وعلى أس اس ذل ك ،ف إن دراسة النظم السياس ية
بمعناها الواسع ت دخل فى نط اق علم السياس ة ،ال ذى يكمل ما قص رت فيه
الدراس ات القانونية عن دما أوقفت دراسة ه ذه النظم عند حد دراسة القواعد
الدستورية المنظمة لها فقط.
)1( 1حممد طه ب " " " " " " ""دوى وليلى أمني مرس " " " " ""ى :املدخل إىل العل " " " " ""وم السياس " " " " " " ""ية ،مرجع
سابق ،ص.202 – 200 :
)2(2نفس املرجع ،ص.204 :
66
الجماعة وأه دافها ،متخ ذا من الجماعة وس يلة فى الت أثير على الس لطة
الرس مية وتوجيهها فى عملية ص نع الق رارات السياس ية بما يالئم مص الح
الجماع ة .ولكى توصف جماعة ما بأنها من جماع ات الض غط السياس ي،
فالبد وأن تس تهدف مص لحة مش تركة ،مادية ك انت أم أدبي ة ،وأن تتخذ من
الضغط على الجهاز الحكومى وسيلة لتحقيق تلك المصلحة (.)1
ه ذا ،وال تقتصر الحي اة السياس ية على أنش طة األح زاب وجماع ات
الضغط ،وإ نما يشارك فيها المواطن الفرد باتجاهاته وآرائه التى تأتى تعبيرا
عن هذه االتجاهات .واالتجاه Tendencyفى مجال السياسة هو حكم عقلى
م زاجى يتش كل للف رد من ثنايا تجاربه الشخص ية ،مت أثرا بعوامل اجتماعية
متباينة كاالنتم اء الطبقى وال دينى واألي ديولوجى (الم ذهبى) وك ذلك المكانة
االقتص ادية وطبيعة ال دخل ،حيث تش ير المالحظة إلى أن أص حاب ال دخول
المرتك زة إلى "الملكي ة" Propertyمهما ك ان حجمها مح افظون
Conservatistsمخافة أن يؤدى أى تغيير سياسي إلى تغيير اقتصادي من
ش أنه المس اس بأوض اعهم المس تقرة .بينما يتجه أص حاب دخ ول العمل غ ير
المرتكز إلى الملكية فى ظل "النظم الرأس مالية"Capitalistic Regimes
إلى االتجاه ات اليس ارية ،كما يعت بر ال دين ع املا فع الا فى تك وين االتجاه ات
السياسية ،فالمتدينون غالبا ما يكونوا محافظين .وال شك أن للتركيب النفسى
والم زاجى للم واطن دورا يعتد به فى تش كيل اتجاهاته السياس ية ،فمن
المالحظ أن العص بيين ال يطيق ون الج ور السياس ى ،وأن الع اطفيين غالبا ما
يجنحون إلى السلبية السياسية.
وينقلنا الح ديث عن اتجاه ات الم واطن وآرائه المع برة عن ه ذه
االتجاه ات فى الحي اة السياس ية إلى الح ديث عن "ال رأى الع ام"Public
)1( 1عبد الباسط حممد عبد املعطى وآخرون :قضايا السياسة واجملتمع (اإلسكندرية :دار
املعرفة اجلامعية )1987 ،ص.128 :
)2(2املرجع السابق ،ص.131 :
)1(3حممد توفيق رمزى :علم السياسة ،مرجع سابق ،ص.153 – 152 :
69
العاطفى على العقل ولو بدرجة من الخداع المقصود ،غير أن المعنى العلمى
للمصطلح يشير إلى عدم وجوب تفسيره على هذا النحو المنفر ،فال يشترط
فى أى ن وع من الدعاية س واء ك انت تجارية أم سياس ية أن تفسر على أنها
توجيه مغ رض أو تض ليل للفك ر ،إذ أن الغ رض األساسي منها هو تنبيه
األذهان إلى حقائق يجب أن تدرك وتنشر على أوسع نطاق ،حتى تصبح لها
قوة الرأى العام .فاألصل فى الدعاية أن تكون محايدة ،غير أن خطرها يبدأ
عندما يستعيض صاحب الدعوة عن الحقيقة باألوهام واألكاذيب (.)1
)2(1انظر ىف موض" ""وعات الدعاية ووس " ""ائل االتص" ""ال وال" ""رأى الع" ""ام ودور ذلك ىف احلي" ""اة
السياسة:
- Smith, B.L, and Others: Propaganda, Communication, and Public
Opinion (New Jersey, 1954) P: 1.
- Marbury, B. O: Public Opinion and Political Dynamics (New York,
1950) P: 227.
- Albig, William: Public Opinion (New York, 1939) P: 18.
)1(2حممد على حمم" " ""د :أص" " ""ول االجتم" " ""اع السياسي (اإلس" ""كندرية :دار املعرفة اجلامعي" " ""ة،
)1980ص.164 :
70
أى ال ذين ال يحمل ون أية ص فة رس مية ،والهيئ ات الخاص ة ،باإلض افة إلى
الحكوم ات ،وبالنس بة لعالق ات األش خاص والهيئ ات الخاصة فإنها ع ادة ال
تخضع لتدخل الدول المباشر ،ونقول "عادة" ألن ذلك هو األصل فى عالقات
األف راد والهيئ ات ،ولكن الواقع أن الدولة الحديثة تهتم بكل ما يربطها بالع الم
الخارجى ،سواء كان ذلك الرباط عن طريق أفراد عاديين أم ممثلين رسميين
لحكومة الدول ة .وعالقة الحكوم ات بعضها البعض تكون على إحدى صور
ثالث ،فإما الص داقة ،وإما الحي اد ،وإما الع داء ،وفى حالة الص داقة والحي اد
تك ون الديبلوماس ية طريقا للتعامل بين ال دول ،أما فى حالة الع داء فتتح دد
الصلة على أساس من الحرب واإلرهاب والعنف بشتى صوره ،لذلك يقال
أن الحرب إخفاق فى الديبلوماسية ،وهو ما يجعل علم العالقات الدولية يولى
اهتماما خاصا بموضوع الديبلوماسية(.)1
قبل أن يتف اقم ،اختي ار أنسب الوس ائل المؤدية إلى تحقيق أه داف الدولة فى
الخارج (.)1
ولعله بعد ه ذا الع رض الم وجز لمج االت علم السياس ة ،يك ون قد
اتضح م دى اتس اع ه ذا الض رب من ض روب المعرفة االجتماعي ة ،وم دى
رحابة وتش عب آفاقه .بقى أن ن ذكر حقيقة هام ة ،وهى أن السياسة كما
تت داخل فيها كل تعريفاته ا ،وكما تتسع للفلس فة والعلم والفن متش ابكين ،ف إن
مجاالتها هى األخ رى تت داخل وتتش ابك بص ورة يص عب معها – إن لم يكن
يس تحيل – دراسة أى من ه ذه المج االت (النظري ات والنظم والحي اة
والعالق ات) بمعزل ت ام عن اآلخ ر ،فالفصل بين ه ذه الفروع ال يق وم إال بين
الب احثين أى من الناحية الش كلية فق ط ،أما من ناحية الموض وع ،فج وهر أية
ظ اهرة سياس ية هو ع ادة – أو ربما دائما – قاسم مش ترك بين كل ه ذه
المج االت ،وم رد ذلك إلى المرونة ال تى يتسم بها علم السياس ة ،وال تى ال
تجعل من تش عب موضوعاته حائال يقف دون وجود صالت متعددة بين كل
مجاالت ه ،بل وبين كل ه ذه المج االت مجتمعة (أى علم السياس ة) من جه ة،
وبين كث ير من العل وم االجتماعية من جهة أخ رى ،وه ذا ما يجعل إلق اء
الض وء على عالقة علم السياسة ب دائرة العل وم االجتماعية األخ رى من
الضرورة بمكان ،وذلك هو موضوع الفصل التالى.