Professional Documents
Culture Documents
حماضرات ف
مدخل إىل علم السياسة
ذ .إحسان احلافظي
إذا ما حاولنا تعريف علم السياسة بشكل رسمي ودقيق فسوف نواجه ذلك النوع من
المشكالت المعرفية التي تتكرر دائما ،وأهم هذه المشكالت ترتبط بما إذا كنا نتحدث عن
السياسة باعتبارها نشاطا بشريا أو باعتبارها نشاطا أكاديميا .أو باعتبارها علم سياسة كما في
فرنسا أو علوم سياسية كما هو الحال في الواليات المتحدة األمريكية.
تختلف التعاريف التي أعطيت لمفهوم علم السياسة باختالف المرجعيات الفكرية
والنظريات التي تحكمت في بلورة هذا التعريف أو ذلك .في القاموس السياسي لجامعة أكسفورد
البريطانية تم تعريف علم السياسة باعتباره "علم الحكم وفنه ،وهو العلم الذي يتعامل مع شكل
الدولة وتنظيمها وإدارتها كاملة أو أجزاء منها طبقا لقوانين هذه الدولة ،فضال عن تنظيم عالقتها
بالدول األخرى".
وعند المفكر البريطاني "برنارد كريك" ( )2008 /1929يفيد علم السياسة "وسيلة
لحكم المجتمعات المنقسمة على نفسها من خالل نقاش حر ومن دون عنف غير مبرر" ،وفي
تعريف عالم االجتماع األمريكي "هارولد السويل" ( )1978 /1902علم السياسة هو "من
يحصل على ماذا وكيف ومتى" ،ويُعرفه "دافيد إستون" بأنه "التوزيع السلطوي للقيم".
أما "جون ماري دانكان" في كتابه "علم السياسة" فإنه يعطي مدلوال مختلفا يجعل
"الحديث عن علم السياسة يتضمن التأكيد على ثالثة أمور ،أوال أن هناك نموذجا خاصا
للمعرفة ،وثانيا أن هناك ميدانا خاصا يتميز بخصوصيته وتماسكه داخل يمكن أن يوصف
2
إجماال بالسياسي ،وأخيرا أن هذا الميدان وهذا النموذج من المعرفة يوصل إلى دراسة الظواهر
السياسية" .بالنتيجة يؤدي استعمال علم السياسة إلى ثالث نتائج:
/1أن هناك معرفة خاصة متميزة عن المعرفية الحدسية أو الفطرية ،تحمل اسم
علم يختص بالسياسة دراسة وتجريبا واختبارا (للظواهر).
/2أن هناك مجال خاص بهذه المعرفة /العلم ،هو مجال السياسة (البنيات،
األحزاب ،األنساق ،والقانون ،تكوين الرأي العام).
/ 3أنها معرفة دالة تجعل من السياسة علما يختص بدراسة الظواهر السياسية
ويُنشئ لها خطابا خاصا بها (التواصل السياسي مثال).
يمكن القول إن علم السياسة ظهر بداية بصيغة الجمع باستخدام لفظ العلوم السياسية،
ويُرجح "موريس دوفيرجي" أن ظهور اسم علم السياسة بصيغة المفرد يعود إلى نهاية القرن
18بفرنسا .والحقا سيتم استبدال لفظ الفلسفة السياسية بعبارة العلم السياسي .ابتداء من عام
1945حقق علم السياسة تقدما جديدا بإنشاء المؤسسة الوطنية للعلوم السياسية في فرنسا ومعهد
الدراسات السياسية في باريس وفي بريطانيا بدأ درس علم السياسة في جامعة أكسفرد .وقد
كان لمنظمة اليونيسكو دورا في إعطاء علم السياسية مكانة أكبر فأنشأت الجمعية الدولية لعلوم
السياسة ،1948حيث أوصى علماء السياسة بمقر المنظمة في باريس باعتماد لفظ "علم
السياسة" بدال من العلوم السياسية.
الحدود بين علم السياسة والعلوم المعرفية األخرى ،خاصة االجتماعية واإلنسانية ،تبقى
مبهمة .إذ ال يمكن الفصل بينها .فمن غير المعقول عزل الظاهرة السياسية عن الظاهرة
االجتماعية وال عن مجموعة السلوكات السائدة (الثقافة السياسية) أو العالقات والرموز التي
تشكل الشبكة االجتماعية (علم االجتماع السياسي) ،بل إن استحالة التمييز المعرفي بين علم
السياسة والعلوم االجتماعية ،يجعل علم السياسة كمعرفة ال تتحقق إال باستعمال مفاهيم حقول
معرفية أخرى مثل علم النفس السياسي ،االقتصاد السياسي..
3
علم السياسة والقانون :تتميز المقاربة القانونية بكونها تسعى إلى التمييز •
بين ما هو مشروع وبين ما هو غير مشروع (تسمى المقاربة المعيارية) .ويهدف
القانون إلى التحقق من نتائج ما ،إما من أجل الحفاظ عليها أو تغييرها ،كما أن القانون
يمكن ان يُستخدم في تغيير سياسة عمومية وبنيات الدولة .وهكذا يتمظهر القانون في
عالقته بعلم السياسة في شكل مؤسسات (شكل الدولة /عالقة السلط /عقالنية
توزيعها ،)..فهذه المؤسسات التي ينتجها القانون ال يصبح لها معنى إال بعلم يدرس
وظائفها (علم السياسة) وتأثيرها االجتماعي (علم االجتماع السياسي) وصالحياتها.
علم السياسة والفلسفة السياسية :تتسم الفلسفة بطابعها التأملي ،فهي تنطلق •
من طرح األسئلة كمنهاج للتحليل ،بخالف علم السياسة الذي ينتج المعرفة من خالل
دراسة اإلشكاليات القائمة .فالفرق بينهما أن الفلسفة تتمحور حول أحكام القيم (ما يجب
أن يكون) بينما الثانية تدرس السياقات الفعلية القائمة (دراسة ما هو كائن) .ويتقاطع
علم السياسة مع الفلسفة السياسية حيث يجد في هذه األخيرة بعض األفكار والمعارف
الخاصة بقضايا السياسة كمفهوم الدولة وعالقات السلط ،فعلم السياسة يتقاطع مع
اإلشكاالت الكبرى التي تناقشها الفلسفة السياسية مثل قضايا حقوق اإلنسان
والديمقراطية والحريات العامة والفردية..
علم السياسة وعلم االجتماع السياسي :ينتصر المذهب السوسيولوجي •
لتعريف علم السياسة بوصفه "علم للسلطة" .فهو وفق هذا المنظور ليس إال فرعا من
فروع علم االجتماع يتخذ اسم "علم االجتماع السياسي" .ويقول موريس دوفيرجي:
"إن التعرف على علم االجتماع السياسي ال ينفصل عن التعرف على علم االجتماع
العام .ألن السياسة ال تشكل نطاقا منفصال عن المجتمع" .غير أنه ال يمكننا أن نستكين
إلى الرأي القائل بتماهي علم السياسة وعلم االجتماع عبر مدخل الظاهرة االجتماعية.
فالرافضون لهذا االتجاه يقولون بأنه على الرغم من اعتبار الظواهر السياسية محور
علم السياسية ،فإن ذلك ال يقوم دليال على تالقي علم السياسة وعلم االجتماعي .ألن
أصالة علم من العلوم ال تكمن في الشيء الذي يركز مالحظته عليه وإنما في الغاية من
4
هذه المالحظة ،فـ"الجيولوجي والمؤرخ بنظرتهما إلى الصخرة نفسها ال يريان نفس
الشيء .فاألول يرى فيها داللة على وجود النفط مثال .بينما يرى فيها الثاني تاريخ
حضارة".
في تقديم منهجيات تحليل علم السياسة يمكن التمييز بين ثالث منهجيات فاحصة لهذا
العلم المتخصص ،وهي عموما المدرسة التقليدية وتيار علم االجتماع ثم المدرسة الراديكالية.
غالبا ما تتعامل "المدرسة التقليدية" مع األمور السياسية بشكل تدريجي من خالل دراسة
دولة معينة أو مؤسسة سياسية ما ،وجوهر هذا المنهج الدراسي لعلم السياسة يكمن في دراسة
المؤسسات السياسية في سياقها التاريخي .أما "تيار علماء االجتماع" فقد رفض هذا التحليل
التقليدي ودافع عن منه جية تعميمية يكون بموجبها من واجب علماء السياسة أن يشتقوا
النظريات والقوانين عن طبيعة السلوك السياسي .في حين ترى "المدرسة الراديكالية" أن علم
السياسة أداة لتغيير جذري للمجتمعات يقوم على قواعد التحليل الماركسي لمفهوم الدولة
بوصفها أداة تسلط على المجتمع.
في عمل مبكر اقترح علماء السياسة في المدرسة األمريكية (أمثال :ألموند غابرييل
وكولمان )1960استعمال مفاهيم بديلة في حقل السياسة منها المفاهيم التالية:
الحقا ،قام العديد من الباحثين في علم السياسة باستخدام هذه المفردات البديلة في
الخطاب السياسي ،إذ أصبحوا يستخدمون مفاهيم جديدة أقرب إلى التنظير العلمي منه إلى
5
ا لممارسات وتطبيقات السياسة ،فمن وجهة نظرهم مفاهيم من قبيل النظام الدولة أو السلطات
أو المؤسسات السياسية هي تعبير عن ممارسات وليس عن مفاهيم علمية ،وبذلك فضلوا مفاهيم
"محايدة" مثل النظام والوظائف والثقافة السياسية وغيرها..
ما هي السياسة؟
هناك تعريفات مبسطة لل سياسة تجعل منها تعبيرا عن إرادة لخدمة الصالح العام أو
نشاطا بشريا يرمي وراءه األفراد الوصول إلى الحكم والسلطة ،وهي أيضا رغبة انتهازية أو
مصلحية تحرك األشخاص بغية تحقيق مصالح الخاصة .وباختالف المفاهيم وسياقاتها فإن
السياسة بالمعنى المعروف تتخذ ثالثة استعماالت متداولة للتعبير عن ممارسات معينة ،وهي:
التدبير واالستراتيجية والتحايل.
ت ُستعمل كلمة سياسة لتوصيف طريقة تدبير نشاط معين ،فنتحدث عن سياسة التشغيل
أو سياسة النقل أو سياسة الصحة ..فالمقصود "سياسة األشياء" ألن كلمة السياسة بمعنى التدبير
يُقصد بها مجموعة األهداف المحددة والوسائل المستخدمة لحل مشكلة يطرحها الواقع
االجتماعي أو االقتصادي للناس .هذا المدلول يعطي للسياسة مفهوما "إداريا" يجعل منها وسيلة
لحل المشكالت المطروحة وفق اإلمكانيات التي تتوفر عليها الدولة وبحسب طبيعة عالقتها
بالنظام االجتماعي القائم ،فالسياسة بمدلول التدبير تعني أيضا تعبئة الموارد المالية والبشرية
إليجاد الحلول.
إذا كانت السياسة بمعنى التدبير تفيد "سياسة األشياء" فإنها بمعنى االستراتيجية تعني
"سياسة األشخاص" ،ألن المقصود بها ما يقوم به الفاعل السياسي من خطط وبرامج بغرض
تحقيق أهدافه والوصول إلى مبتغاه .في هذا االستعمال نكون أمام إرادة واعية ألشخاص
يخططون وينفذون ،وهذه االستراتيجية غالبا ما تتضمن أربعة مراحل:
6
تحديد نوعية الوسائل المتوفرة ▪
تكييف هذه الوسائل مع األهداف ▪
تقدير النتائج :النجاح أو اإلخفاق ▪
يرمز هذا االستخدام إلى استعمال سلبي للسياسة ،فهي تعني المناورة والمكر ،ويستند
هذا التعريف إلى استنتاجات نيكوال ميكيافلي حول السياسة والفاعل السياسي (الغاية تبرر
الوسيلة) .بهذا المعنى تُصبح السياسة عبارة عن ممارسات سلبية تفضي إلى احتقار الممارسة
السياسية عموما بسبب التمثالت المصلحية التي تجعل السياسة فعال منبوذا أو مكروها
يختصرها في المناورة والتحايل.
7
موضوعات علم السياسة
نقصد بموضوعات علم السياسة تلك المواضيع واالهتمامات التي تنصب عليها دراسات
علم السياسة ،وقد توزعت بين موضوعات الدولة والسلطة والسياسة العامة ،غير أن هذه
األخيرة حديثة الدمج في تخصصات علم السياسة لكون المفهوم ظهر بداية في االقتصاد ثم
اإلدارة قبل أن يتحول إلى السياسة ،بالنظر إلى الوظائف التي تحققها الدول بواسطة هذه
السياسات العامة.
أسس علم السياسة عدة مفاهيم منها ما يتعلق بالعناصر التي توجد في الحقل السياسي
أو تنشطه ومنها ما هو أكثر عمومية .وهذه المفاهيم مثل :مفهوم السلطة بوصفها أدوات
ومؤسسات قائمة على تملك إرادة الجميع في شخص أو مؤسسة أو نظام .ومفهوم الدولة ،حيث
تبدو ظاهرة الدولة كأساس طبيعي الشتغال علم السياسة وجاءت إسهامات "جون بودان"
و"بيير بورديو" وافرة في هذا الموضوع .ثم مفهوم السياسات العامة ،بوصفها دراسة لما يفعله
أو يمتنع عن فعله النظام السياسي ،حيث يشكل البحث في طبيعة السياسات العامة كالبرامج
والقرارات واإلجراءات ..طريقا لمعرفة طبيعة النظام السياسي واختياراته في العالقة مع
المجتمع.
إن إضفاء صفة "السياسية" على السلطة يوحي بضرورة التمييز داخل هذه السلطة بين
سلطة سياسية وسلطات غير سياسية ،وهذا التمييز شائع في اللغة .وبحسب موريس دوفيرجي:
"فإذا كان مفهوم السلطة السياسية مفيدا يف بعض المجاالت وبعض المقاربات ،فإنه ليس كذلك يف حاالت
الت تجعل من ر
أخرى ،بل إنه جعل األسئلة أكث غموضا ،وساهم يف استمرار المفاهيم التقليدية المثالية ي
الدولة ،المجتمع الكامل الذي ال تشكل فيه الجماعات األخرى إال أشكاال أولية" ،بمعنى أشكاال تأسيسية
للدولة.
وعلى ضوء هذا التفسير يمكن التمييز بين معنيين لمفهوم السلطة السياسية ،األول:
يُعرف الصفة السياسية ل سلطة ما عبر نموذج الجماعة التي تمارس فيه فتكون سياسية تلك
السلطة التي تمارس في المجتمع الكلي بمواجهة سلطات تمارسها مجموعات (محدودة) خاصة،
8
فيعتبر زعماء القبائل وحكام المدينة واإلقطاعيون أصحاب سلطة سياسية بهذا المعنى .أما
المفهوم الثاني :فهو الذي يعتبر الدولة وحدها مركز السلطة وقد تفوضها بحسب طبيعة الدولة
إلى أجهزة تابعة لها على صعيد الجهات أو األقاليم.
يعتبر هذا التعريف "األقرب إلى الحس العام" حسب موريس دوفيرجي .وقد بدأ مع
فالسفة اليونان وذلك منذ اعتبر أرسطو أن السياسة هي حكم المدينة ،POLISوالمقصود
المدينة اليونانية التي كانت تشكل دولة وقتها ،أي المدينة الدولة .وقد نظروا إلى المدينةـ الدولة
باعتبارها الشكل المثالي للتجمع البشري واعتبروا السياسة هي أداة لبلوغ غاية سامية ونبيلة
تتجلى في تحقيق الدولة الفاضلة والحكم الصالح الراشد التي يستهدف المصلحة العامة والخير
المشترك للجماعة.
وخالل القرن 17ظهرت نظريات معرفية جديدة تربط الدولة بمفهوم السيادة كمقترب
قانوني طارئ على مفهوم الدولة ،حيث ستصبح الدولة عبارة عن تجمع بشري مستقل (شعب)
يعيش في حدود جغرافية وترابية محددة (إقليم) ويمارس سيادته في اختيار الحكام (السلطة
السياسية) .في هذه المرحلة ارتبط علم السياسة بالدولة كتعبير عن السيادة حيث هيمن هذا
المفهوم القانوني على تحليل الوقائع السياسية ،ومن أبرز رواد هذا التيار السياسي الفرنسي
جان بودان ( )1596 /1530صاحب مفهوم السيادة التي يعتبرها جوهر قيام الدولة
9
واستمرارها .وتوماس هوبس الذي انطلق من فرضية العقد االجتماعي للوصول إلى دولة
الحكم المطلق .وقد كانا معا من أنصار الملكية المطلقة.
ضمن هذا التصور ظهرت مفاهيم الدولة الوطنية ETAT NATIONأو دولة السيادة
القومية التي تجعل من الدولة التجسيد الكامل للسيادة أي لمجموع قرارتها السيادية على
الصعيدين الداخلي والخارجي (العالقات الدولية) .ويفترض في وجود الدولة الوطنية وجود
توافق بين الدولة ككيان سياسي قانوني واألمة ككيان اجتماعي مع شرط االنسجام بغض النظر
عن االنتماءات الدينية أو اإلثنية.
في القرن 19طور علم السياسة مفهوم الدولة كـ"مؤسسة المؤسسات" ،وقد كان الفقيه
الدستوري الفرنسي "مارسيل بريلو" ( )1972/1898أول من استخدم هذا التعريف ،حيث
الدولة بهذا المعنى هي سيرورة مؤسسات تم توظيفها كوسائل لتوحيد المجتمع عبر أدوارها
السياسية ،من خالل تنظيم السلطة والمجتمع ،واالقتصادية عبر سياسة توزيع المنافع،
واالجتماعية ،عبر القوانين واإلكراه الجماعي .فالدولة إذن مجموعة مؤسسات وظيفية تقوم
بمهام تضمن استمرار وبقاء السلطة السياسية .فهي مؤسسة المؤسسات.
إن التقاطع الحاصل بين علم السياسة والدولة دفع ببعض الباحثين في علم السياسة إلى
وصف علم السياسة بكونه "علم الدولة" ألنه يشير صراحة إلى موضوع هذا العلم :أي الدولة.
ومنطل ق هذا االتجاه أن التجمعات البشرية ال تبدأ باتخاذ صفة المجتمع إال بعد أن تنشأ فيها
مؤسسات ،كما أن "الظاهرة السياسية ال يمكن أن تالحظ إال بعد أن تصبح ظاهرة مؤسسية،
وبأن العالقات االجتماعية والمؤسساتية ال أهمية لها إال إذا تبلورت في شكل مؤسسات".
قاد هذا التيار الفرنسي موريس دوفيرجي ( )2014/1917باعتباره رائد التوجه القائل
بأن علم السياسة هو علم السلطة .ويرى الباحث أن هذا التعريف الذي يحصر علم السياسة في
علم الدولة يقوم على فكرة إيديولوجية وهي مفهوم السيادة التي نشأت مع الدولة نفسها (أفكار
جان بودان ،توماس هوبس) ،وهذا يعيق علمية البحث في علم االجتماع السياسي باعتبار
10
الطابع القانوني لفكرة الدولة ،المبنية على عنصر السيادة ،كموضوع لعلم السياسة .وعموما
لقى تعريف علم السياسة باعتباره علم الدولة انتقادات كثيرة أهمها:
أنه يجعل من البحث السياسي مجرد دراسة مؤسساتية تتجلى في التركيز •
على المؤسسات المادية أو القانونية المكونة للدولة كالشعب واإلقليم والسلطة السياسية
والسيادة واالعتراف.
يتعارض حصر علم السياسة في دراسة القواعد القانونية (مبدأ السيادة) •
التي تقوم عليها الدولة ،مع فكرة أن الدولة انبثقت من المجتمع أي أنها وليدة تطور
العالقات بين مختلف القوى االجتماعية ،فالدولة لم تنشأ إال كتتويج لتطور المجتمع.
رغم أن الدولة كانت دائما أساسا لعلم السياسة ،إال أن اتساع دائرة •
السياسة جعل من الدولة مسألة ثانوية قياسا بالظواهر السياسة الجديدة التي أفرزها
التحوالت اإلنسانية .فالسياسة بهذا المعنى توجد داخل الدولة وخارجها أيضا.
أنه تعريف (أي علم السياسة كعلم للدولة) يقوم على مفهوم مجرد ال يمكن •
إدراك مضمونه الصحيح بشكل دقيق ألن مفهوم الدولة يأخذ معاني كثيرة وبحسب
السياق.
يقوم هذا المبدأ على تجاوز التحليل الوظيفي لعلم السياسة (كعلم للدولة) ،وكذا استبعاد
نظرية السيادة .فالسلطة كموضوع لعلم السياسة تفيد أنه علم يدرس أنماط وأشكال السلط من
نظام الحكم وحكومة ووالء سياسي وقد يأخذ هذا الوالء معنى قانونيا كما يأخذ أيضا معاني
تقليدية مثل والية الفقيه وإمارة المؤمنين وعقد البيعة ..فعلم السياسة يدرس موضوع السلطة
في كل المجتمعات البشرية سواء المنظمة (الدولة) أو التقليدية (القبيلة) ،ويتميز هذا االتجاه
المدافع عن فكرة "السلطة كموضوع لعلم السياسة" بإعمال قواعد علم االجتماع السياسي.
والسلطة بالمعنى الواسع ،تتجلى في نشاط "القادة /الحكام" سواء في الدولة أو في
جماعة بشرية ت ُكون مجتمعا .ولذلك يرى البعض أن السلطة ال تختلف في الدولة عما هي عليه
في الجماعات البشرية المصغرة ،فجوهر ظاهرة السلطة ينطلق من التمييز في المجتمع بين
11
"من يأمر ومن يُطيع؟" .وهذا التمييز ال يقتصر على الدولة وإنما يشمل كل الجماعات البشرية،
فتعريف السلطة بهذا المعنى ينطلق من التمييز بين الحكام والمحكومين في كل جماعة بشرية،
أي بين يأمرون ومن يُطيعون.
بالمقابل ،ينتقد موريس دوفيرجي هذا التعريف باعتباره ال يأخذ في الحسبان التمييز
المعياري .فكل عالقة إنسانية تنطوي على النفوذ .وكلمة سلطة ينبغي أن تقتصر على فئة
خاصة من النفوذ أو القدرة ،أي تلك التي تكون مطابقة لمعايير قانونية ،واإلحاطة بهذه اإلشكالية
يقتضي تفكيك مفهوم السلطة نفسه ،حيث تتخذ األخيرة ثالثة تصورات:
• السلطة سيطرة ونفوذ :إن حقيقة السلطة تتمثل في وجود تفاوت بين
طرفين أو عدة أطراف .فالسلطة ،بمعنى السيطرة ،تشير إلى تلك "العالقات
المتفاوتة غير المتماثلة ،والتي يكون فيها لدى األشخاص التابعين مجاال محدودا
للتصرف .نظرا ألن هامش الحرية لديهم ضيق للغاية بتأثير من السلطة" .فالنفوذ
يبرر سيادة عالقات التفاوت ،ويمنح الفرصة والقدرة لمن يسودون كي يفرضوا
إرادتهم حتى ولو كان ضد إرادة اآلخرين .فالسلطة بمعنى النفوذ والسيطرة ترتقي
إلى اختزال اإلرادة الجماعية في إدارة الحاكم.
السلطة مساواة وتفاوت :يعتبر موريس دوفيرجي أن عالقات التفاوت •
سابقة عن عالقات المساواة منذ ظهور المجموعات البشرية في التاريخ اإلنساني.
ويعطي مثاال بالجماعة األولى المتمثلة في العائلة التي تعتبر نموذج التفاوت من خالل
فكرة هيمنة السلطة األبوية .أما المساواة فهي تظهر خارج العائلة بالنسبة إلى العالقات
المختلفة داخل النظام نفسه .و ُيصنف دوفيرجي أنماط عالقات المساواة والتفاوت في
ثالثة أشكال :أوال ،عالقات المساواة في القانون وفي الواقع ،وثانيا ،عالقات التفاوت
في القانون وفي الواقع ،ثم ثالثا عالقات المساواة في القانون والالمساواة في الواقع.
يشرح "روبير دال" )2014 /1915( Robert DAHLهذه الفكرة على ضوء تعريفه
للسلطة من خالل العالقة بين المساواة والتفاوت وفق المعادلة التالية" :إن كون (أ) يدفع (ب)
للتحرك بشكل مغاير لما كان قد يفعله دون هذا التدخل ،فإن ذلك يُظهر أن (أ) أقدر من (ب)".
12
ويقوم ذلك على قدرة واقعية وتفاوت واقعي وليس بالضرورة أن يكون األول غير متساو مع
الثاني من الناحية القانونية .فالمساواة غير موجودة في الممارسة (أي في الواقع) طالما الثاني
يخضع لألول .وهنا يتكرس التفاوت الواقعي رغم المساواة القانونية.
كما هو الشأن بالنسبة إلى عالقة علم السياسة بالدولة ،تجابه فكرة علم السياسة
كموضوع للسلطة ،بانتقادات أهمها:
• تحويل علم السياسة إلى مجرد بحث في القوانين التي تحكم الصراع حول
السلطة رغم أن هذا الخالف ليس إال تعبيرا عن مظاهر الحياة السياسية والرغبة
في ا لوصول إلى الحكم .ويقدم هذا التوصيف السلطة كأداة سياسية في حين أنها
تظهر في بعض المواقف وسيلة لتحقيق أهداف أخرى.
• يُالحظ على التعريف بأنه يبالغ في التركيز على تحليل ظاهرة السلطة
بشكل يقوده في النهاية إلى الخوض في قضايا من صميم اهتمام علم االجتماع .ألنه
ليس هناك من جماعة تجهل ظاهرة السلطة وألن تمييز السلطة السياسية عن السلطة
13
بوجه عام أمر صعب .فمن الممكن أن تكون كل سلطة عبارة عن سلطة سياسية أو
تتحول إلى سلطة سياسية .فالثورة أو االنقالب العسكري يمكن أن يتحول إلى سلطة
سياسية.
تتعلق السياسات العامة بعلم السياسة من حيث إنها تدرس ما يفعله النظام السياسي (عبر
تنفيذ أو االمتناع عن ال تنفيذ) .والسياسات العمومية تتجسد عادة في شكل برامج حكومية
يصوغها النظام السياسي أو في شكل تشريعات قانونية ملزمة تقوم على التقنين وسلطة اإلكراه.
وقد عرف المفهوم تطورا في مضمونه االبستيمولوجي /المعرفي ،وتحول من حقل االقتصاد،
حيث استعمل أول مرة في الواليات المتحدة األمريكية ،إلى حقل علم السياسة ،مع بروز مفهوم
السياسات العمومية ،في فرنسا ،بداية الثمانيات.
وعموما ترسم خطاطة ) (P. Mullerدوائر أربعة لصناعة السياسات العمومية من
خالل تدخالت النظام السياسي ،وهي:
14
مجاالت وأنشطة السياسة العامة
عموما ،يمكن التمييز بين أربعة أنشطة تمارسها السلطات الحكومية بواسطة السياسات
العمومية ،وهي على التوالي :تقنين سلوك األفراد وتنظيم المؤسسات وتوزيع المنافع وإعادة
توزيع موارد الدولة.
وتهتم السياسات العمومية بتقنين السلوك داخل المجتمع وتنظيم عمل المؤسسات،
فالدولة قد تلجأ إلى إحداث مؤسسات أو هيآت حكومية ،تتولى مهمة االستجابة لتنزيل السياسات
العمومية .في حين ،تهتم السياسات العمومية من حيث توزيع المنافع من خالل تدخل الدولة
لتحديد شروط االنتفاع من الخدمات ،فتقوم الدولة بصفتها راعية لتنفيذ السياسات ،بتحديد طبيعة
الخدمات وشروط اللوج إليها (مجانية أم بمقابل مادي).
وفي األخير ،ت ُعيد السياسات العمومية توزيع الموارد المالية للدولة عبر سياسة اإلنفاق
على المواطنين ،وفي هذه الحالة فإن الحكومات تجبي المداخيل من المواطنين ،في شكل
ضرائب ورسوم وتعيد توزيعها في شكل خدمات أو منح.
وبالعودة إلى مفهوم السياسات العمومية ،فإن توصيفاتها قد اختلفت باختالف مرجعيات
البحث عن تعريفات لها .وعلى العموم يمكن تحديد أربعة تعريفات ،كخالصة لمجموعة
األبحاث التي أنجزت حول المفهوم ،تعريف عام وتعريف إداري (خاص) ،وتعريف اقتصادي
ثم تعريف خدماتي.
يُشير التعريف العام إلى السياسات العمومية باعتبارها "كل ما تقرر •
الحكومة فعله أو عدم فعله" في تنظيم شؤون الدولة.
في التعريف اإلداري ت ُعبر "السياسة العمومية عن مجموعة من األنشطة •
الحكومية التي تؤثر في حياة الناس ،سواء أقامت الحكومة بهذه األنشطة بنفسها أو من
خالل مندوبين عنها" .ويعكس هذا التعريف حمولة إدارية.
من جهة أخرى ،يزاوج التعريف االقتصادي بين السياسات العمومية •
والموارد المالية للدولة ،فينظر إلى سياسة ما على أنها عملية توزيع هذه الموارد.
15
ويرتكز التعريف الخدماتي على "عملية تصرف الحكومة أو عدم •
تصرفها ،عند التجاوب مع مشكلة اجتماعية ما" ،أي استجابة الحكومة للمشكالت
االجتماعية والتصدي لها.
وفي العالقة مع النظام السياسي ،تسمح النُظم الديمقراطية باعتماد مداخل لمراقبة
السياسات العمومية ،تتوزع بين سن القوانين التشريعية واعتماد قنوات مراقبة مؤسساتية ثم
التدخل لتقييم تنفيذ السياسات .وترتبط فعالية العناصر الثالثة بطبيعة الحكم القائم ،ألن وظيفة
الرقابة تشكل جزءا من عملية اقتسام السلطة.
16
قضايا علم السياسة
يدُل تنوع اهتمامات علم السياسة على اختالف القضايا التي يُعنى بها هذا العلم ،حيث
تشمل دراسة األنظمة السياسية والدول والقوى الفاعلة في السياسة وآليات المشاركة،
وخصائص السلوك السياسي والتواصل االنتخابي ومفهوم التنمية السياسية ودورها في تنظيم
المجتمع وتحديث الدولة باإلضافة لمختلف الظواهر السياسية التي يُفرزها تطور المجتمع.
يخضع الفرد في معيشته لمجموعة من الضوابط والقوانين ترتبط بوظيفة الدولة .وتتخذ
الدولة تمثالت مادية ومؤسساتية عديدة مثل اإلدارة والشرطة والجيش وغيرها .ومن حيث
التعريف توجد صعوبات كثيرة تهم تحديد مفهوم الدولة ونشأتها وأصلها ،صعوبات تعود
باألساس إلى أن الدولة ظاهرة سياسية واجتماعية وتاريخية ،وبالتالي تختلف التعاريف
باختالف استعماالتها في العلوم االجتماعية.
ويقترح الباحثون تقسيما متعددا ألشكال الدول ،ال من حيث شكلها أي دولة مركبة
وأخرى بسيطة ،ولكن من حيث تنظيمها وطرق عمل حكوماتها ،وهي عموما:
ـــ دول جمهورية ،تكون فيها الحكومة تعبيرا عن إرادة األمة ونتيجة لعملية سياسية
تسمى االنتخاب وتحدد صالحيات هذه الحكومة بموجب الدستور بوصفه القانون األسمى للبالد.
ـــ دول أوتوقراطية (حكم الفرد) ،حيث تكون السلطة بيد شخص واحد بالتعيين ال
باالنتخاب .ويقتصر دور الحكومات فيها على فرض الضرائب وتقوم على إقصاء الناس من
المشاركة في العملية السياسية واالنتخاب كما هو الشأن بالنسبة إلى حكومات األنظمة
العسكرية.
ـــ الدول السلطوية ،حيث تحدد الحكومة المصلحة العامة التي تمثل المصلحة العليا
وتعتبر العملية السياسية خيانة عظمى ويخضع المجتمع ألسلوب موحد في التفكير والمشاركة
وفقا إليديولوجيا محددة سلفا ،شأن ألمانيا النازية واالتحاد السوفياتي سابقا.
17
مفهوم الدولة
تقتضي اإلحاطة بمفهوم الدولة بحث مختلف تعاريفها والنظريات التي حاولت تفسير
نشوئها والعناصر المكونة لها .من الناحية اللغوية مصطلح الدولة في المعنى الالتيني مشتق
من كلمة STATوتعني االستقرار واالستمرارية ،أما في اللغة العربية فإن مصطلح الدولة
مشتق من دال يدول دولة ،أي التغير والتحول وعدم االستقرار ،وهذا المدلول العربي يتطابق
ورحل
مع مفهوم الدولة في العالم العربي واإلسالمي القديم حيث كان المجتمع عبارة عن بدو ُ
ال يستقرون على حال ،ولما ظهرت الدولة كتنظيم ارتبطت تسميتها باألسر الحاكمة مثل "الدولة
األموية" و"الدولة العباسية" وفي العصر الحديث "دولة المرابطين" و"دولة العلويين"..
فالدول بهذا المعنى كانت تُنسب إلى األسرة الحاكمة وليس إلى تنظيم سياسي أو اجتماعي قائم
على مؤسسات.
أما في الغرب ،فإن اليونان أطلقوا قديما على المجتمع السياسي المنظم اسم المدينة
POLISحيث كانت الدولة عبارة عن "مدينة دولة" مثل أتينا وإسبرطة ،وتتكون من رقعة
جغرافية ضيقة وأفراد محدودين وسلطة سياسية .بالمقابل ،استعمل الرومان لفظ RES-
PUBLICAللداللة على الدولة ،وهو المصطلح الذي ظل مستعمال إلى غاية القرن .16
وعموما يحمل مفهوم الدولة معاني متعددة يمكن تصنيفها إلى ثالثة:
المعنى األولى :يُقصد بالدولة المجتمع السياسي المنظم ،أي الكيان •
السياسي الوطني مثل الدولة المغربية أو الفرنسية وغيرها..
المعنى الثاني :يقصد بالدولة مجموع السلطات العمومية داخل بالد •
معينة ،وهو معنى يميز بين الحاكم والمحكومين ويُستعمل حينما يتم الحديث عن عالقات
الدولة باألفراد ،فنقول الدولة /الحاكم هي من تفرض الضرائب على المواطن/
المحكوم..
المعنى الثالث :وهو مفهوم ضيق تدل الدولة بموجبه على الحكم المركزي •
أو السلطة السياسية المركزية ،تمييزا لها عن الجماعات المحلية أو اإلقليم أو الجهة وباقي
الوحدات الترابية.
18
أصل الدولة :نظريات النشأة
اهتم عديد الباحثين في العلوم السياسية بأصل الدولة ،وقد أفضت هذه األبحاث إلى تأصيل
وجود الدولة على أساس ثالث نظريات كبرى :النظرية الدينية ونظرية التطور الطبيعي ونظرية
العقد االجتماعي.
ركزت هذه النظرية على الدولة بصفتها امتدادا لسلطة أصلها اإلله ،وقد سادت هذه
النظرية في الحضارات القديمة التي اعتبرت الحاكم إلها (تأليه الحاكم) يتوجب على المحكومين
طاعته ،ألن إرادته هي إرادة اآللهة ،فكان سكان الحضارات الهندية والمصرية يعبدون الحاكم
ويطيعونه بوصفه التجسيد البشري هلل (بمعنى إله الشمس مثال) ،أي أن الحاكم كان يُنظر إليه
بصفته صورة للا على األرض .وت ُعتبر اليابان من أبرز الدول التي حافظت على تأليه الحاكم
لمدة طويلة بحيث لم تتخل عن فكرة تأليه اإلمبراطور الياباني إال بعد هزيمة الحرب العالمية
الثانية سنة .1945
إلى جانب فكرة "تأليه الحاكم" (نسبة إلى للا) في النظرية الدينية كأصل للدولة ،ظهرت
نظرية الحق اإللهي في ممارسة السلطة الذي فوضه اإلله إلى الحاكم ،بمعنى أنه وقع االنتقال
من الحاكم كتجسيد هلل إلى الحاكم كمفوض من للا يمارس سلطاته السياسية بتفويض سماوي .وقد
شكل هذا التصور رؤية للمذهب الرسمي للكنيسة خالل القرون الوسطى ،واستندت عليه
الملكيات األوربية لتبرير سلطتها المطلقة من منطلق أن الملك خليفة للا في األرض زودهم
بالسلطات والخصائص لقيادة شؤون البالد وأمور الناس ،فكانت العالقة قائمة على "راعي يأمر
بأمر من للا ورعية تطيع أوامر الملوك" الذين ال يُعتبرون مسؤولين عن أعمالهم إال أمام للا.
خالل الثورة الفرنسية لسنة 1789اختفت النظريات الدينية ألصل الدولة ،وأصبحت
الدولة نتاجا لتحوالت اجتماعية وقانونية تمارس من خالل الشعب بعد أن تراجعت مقولة "أنا
الدولة والدولة أنا" التي رفعها الملك لويس الرابع عشر الذي حكم فرنسا ما بين 1661و.1715
19
نظرية التطور الطبيعي: •
يُعتبر أرسطو من أبرز منظري هذه النظرية حين اعتبر أن الدولة هي نتاج طبيعي لغريزة
بشرية قوامها االجتماع والتعايش ألجل البقاء ،فهذه النزعة اإلنسانية تدفعه إلى العيش مع
اآلخرين ،ألن اإلنسان "حيوان سياسي" .واستخدام عبارة الحيوان هنا من قبل أرسطو يُفيد
"الفطرة" التي تحرك اإلنسان من أجل البقاء مثل الحيوان تماما.
وتذهب هذه النظرية إلى أن األصل في تكوين الدولة هو األسرة البسيطة التي يقودها
األب ،ثم تطورت هذه األسرة بشكل طبيعي إلى أسرة كبيرة تحولت بدورها إلى مجتمع ثم استقر
بها الحال في شكل تنظيم اجتماعي يخضع لسلطة سياسية تسمى "الدولة".
يمكن القول إن فكرة العقد االجتماعي جاءت للرد على نظرية الحق اإللهي (نظرية دينية)
والتأكيد على دور اإلنسان في خلق السلطة وإدارتها ،فالدولة وفق هذا التصور تنشأ بتنازل
الجماعة عن حقوقها لصالح الفرد الحاكم.
تقوم هذه الفكرة على أساس وجود عقد اجتماعي بين البشر الذين يشكلون الدولة ،وتقوم
على أساس هذا العقد السلطة السياسية التي تحكمهم .بمعنى أن الدولة بهذا المعنى من صنع
اإلنسان وليست تفويضا من للا كما كان عليه األمر في النظرية الدينية .وتزعم هذا التيار ثالثة
مفكرين هم :توماس هوبز في كتابه (التنين )1651وجون لوك في كتابه (الحكم المدني )1690
وجون جاك روسو في كتابه (العقد االجتماعي ،)1762وقد هيمنت هذه النظرية خالل القرنين
16و ،18وإن اختلف أصحابها الثالثة في طبيعة العقد االجتماعي وشروطه.
اعتبر توماس هوبز ،المفكر اإلنجليزي ،الذي دافع عن حكم الملكية المطلقة ،أنه قبل
نشوء الدولة كان األفراد يعيشون في حالة الطبيعة التي تميزت بالصراع الدائم ،فاإلنسان ذئب
ألخيه اإلنسان ،بمعنى أن حالة الطبيعة عند "هوبز" هي حالة حرب الكل ضد الكل .ومن أجل
الخروج من حالة الطبيعة والفوضى أنشأ األفراد عقدا اجتماعيا تنازلوا بموجبه عن كل الحقوق
والحريات لحاكم فرد ،يمتلك كل السلط ويحقق األمن ،بحيث العيش في ظل سلطة مطلقة خير
20
من الفوضى .فطرفا العقد هما المجتمع والحاكم ،إذ يتنازل األول عن حقوقه للثاني مقابل ضمان
األخير األمن ،ما يؤدي إلى تركيز السلطة السياسية في يد الحاكم.
بالمقابل ،ذهب جون لوك ،على عكس ما قال به توماس هوبز ،إلى أن اإلنسان كان يعيش
في سعادة نسبية في حالة الطبيعة ،وكان يدافع عن حريته وملكيته بنفسه .ولتعزيز هذه السعادة
أبرم الناس عقدا اجتماعيا تنازلوا بموجبه لسلطة حاكمة عن مهمة الدفاع عن الملكية وعن حقوقهم
مقابل حماية السلطة السياسية على أمالك الناس .فالحاكم حسب جون لوك ملزم باحترام حقوق
األفراد وإال أمكنهم الثورة عليه.
أما جون جاك روسو فقد رأى أن الناس في حالة الطبيعة كانوا يعيشون في سعادة نسبية
ومساواة وحرية ،لكن التفاوتات والفوارق الفردية والجماعية أفرزت توتر العالقات بينهم ،فكان
لزاما إبرام عقد اجتماعي يلتزم فيه كل فرد بالخضوع لإلرادة الجماعية .فالعقد االجتماعي حسب
"روسو" هو تنازل مطلق لألفراد عن كامل حقوقهم لصالح الجماعة أو الشعب ،الذي يمثل
اإلرادة الجماعية ،ومن ثم فالشعب يحكم نفسه بنفسه.
يتمثل جوهر هذه النظرية في أن الدولة هي نتاج صراع طبقي ،لم تظهر إال مع ظهور
الملكية الخاصة ،وتقسيم العمل بين من يملك ومن ال يملك .فالدولة وفق النظرية الماركسية (نسبة
إلى المفكر كارل ماركس) هي جهاز لخدمة الطبقة المسيطرة على أدوات اإلنتاج ،ووسيلة بيد
البرجوازية (أصحاب الملكيات ووسائل اإلنتاج) للسيطرة على الطبقة العاملة (البروليتاريا).
يدافع أصحاب هذه النظرية أمثال كارل ماركس وإنجلز ولينين وألتوسير..على فكرة أن
الدولة جهاز للقمع واالستغالل وأداة في يد األسياد الستغالل العبيد .وذهب ماركس في عرضه
حول تطور المجتمعات إلى أن القضاء على جهاز الدولة يبقى هدفا للشيوعية (وهي المرحلة
األخيرة لتطور المجتمع بالمنظور الماركسي) التي سيكون من مهمتها حل هذا الجهاز القمعي
بعد سيطرة الطبقة العاملة على وسائل اإلنتاج (الثورة البروليتارية).
21
مقومات نشأة الدولة
ت ُعتبر الدولة من أشخاص القانون العام ،تمارس اختصاصاتها على الصعيد الداخلي
والخارجي ،إال أنه لتحقق الدولة ال بد من توفر مقومات /شروط سوسيولوجية وأخرى قانونية.
إن صفة "الدولة" ككيان سياسي يتطلب توفر ثالثة أركان أساسية هي اإلقليم والشعب
والسلطة السياسية .وهذه العناصر صاغها فقهاء علم السياسة أمثال األلماني GEORGE
) JELLINEK (1851-1911والفرنسي ) ،PAUL LABAND (1838-1918لتصبح بعد ذلك
بمثابة عناصر حتمية لوجود الدولة.
اإلقليم :يُقصد به الحيز المكاني والجغرافي الذي يعيش فوقه سكان الدولة وتمارس فيه
السلطة السياسية سيادتها ،ويشمل المجال البري والبحري والجوي ،ويعتبر الشرط المادي
األساسي لقيام الدولة .فاإلقليم هو الذي يؤسس الستقرار الجماعة البشرية واإلحساس باالنتماء
إلى مجال معين باعتباره أساس المواطنة ومجال العيش المشترك للسكان.
ولكل إقليم دولة حدود طبيعية عبارة عن بحر وجبال وأنهار ،أو حدود اتفاقية بموجب
معاهدات موقعة بين دولة وأخرى في جوارها ،حيث تمارس الدولة سلطتها السياسية وسيادتها.
وال يشترط في اإلقليم أن يكون متصال ،ألن بعد الدول تتشكل من مناطق جغرافية منفصلة
كاليابان مثال .كما أن المساحة ليس عنصرا محددا لإلقليم فهناك دول بحجم القارة شأن أستراليا
والواليات المتحدة األمريكية وهناك دول تقع في مساحة صغيرة مثل سنغافورة.
الشعب :يشير مصطلح الشعب إلى مجموع األفراد المقيمين فوق إقليم الدولة تربطهم بها
رابطة الجنسية .وقد يتشكل أفراد الشعب من أمة واحدة ،أي جماعة بشرية يوحدها االنتماء إلى
التاريخ أو الدين أو اللغة أو الثقافة ،حيث تتطابق الدولة مع الشعب .كما أن الشعب نفسه قد يتكون
من أفراد مختلفين في انتمائهم العرقي أو الديني وهو ما يسمى بتعدد القوميات التي تتعايش فيما
بينها داخل نفس اإلقليم .كما أنه يجب التمييز بين الشعب والسكان ،فالشعب يتكون من األفراد
22
المرتبطين بالدولة برابطة الجنسية ،أما السكان فمفهوم يشمل كل األفراد الذي يعيشون فوق تراب
الدولة سواء المواطنين أو األجانب.
السلطة السياسية :يُقصد بالسلطة السياسية مجموع المؤسسات التي تحتكر سلطة اإلكراه
المنظم وسلطة إلزام الناس فوق مجموع تراب الدولة باحترام قراراتها وقوانينها .وتمتد هيمنة
السلطة السياسية على مجموع النشاط الممارس داخل الدولة في شكل جيش وشرطة وقوانين
وإعالم ونظام تعليمي ..فالسلطة السياسة تمارس "السلطة" على كل الجماعة البشرية فوق كل
اإلقليم.
تشتمل العناصر القانونية لقيام الدولة عنصر السيادة والشخصية المعنوية ،وهي شروط
تسمح للدولة بتطبيق قوانينها على المواطنين وإبرام المعاهدات مع الدولة واالنخراط في النظام
الدولي الذي ينظم العالقات الدولية.
السيادة :يُعتبر الفقيه "جون بودان" أول من استعمل مفهوم السيادة ،وتعني "القدرة على
االنفراد بإصدار قرار سياسي داخل الدولة أو خارجها ،ومن ثم القدرة على االحتكار الشرعي
ألدوات العنف المبرر (القمع الداخلي) ،وعلى رفض أي تدخل خارجي في قراراتها واستقالليته
على التأثير األجنبي" .وتتخذ السيادة مظهرين:
مظهر داخلي :يتمثل في تحديد الدولة لنظامها السياسي وسيطرتها على •
سكانها ومواردها واحتكارها لسلطة اإلكراه المادي والقوة وسلطة وضع القوانين
وفرضها على مواطني الدولة.
مظهر خارجي :ويتجلى في قدرة الدولة على نسج عالقات خارجية مع •
دولة أخرى في إطار إبرام االتفاقيات والتعاقد وعدم خضوعها لسلطة خارجية تحد من
استقالليتها مثل اتفاقيات الحماية أو التدخل العسكري أو الوصاية.
الشخصية القانونية المعنوية :تسمح الشخصية القانونية للدولة بتمتعها بشخصية ذاتية
مستقلة عن شخصية الحاكم ،وتجعلها أهال (لها األهلية) للحقوق وااللتزامات على الصعيدين
23
الداخلي والخارجي .والدولة ليست الهيئة الوحيدة التي تتمتع بالشخصية القانونية المعنوية ،بل
نجد جماعات أخرى داخل الدولة تتمتع بهذه الشخصية مثل الجماعات المحلية والعماالت
والمؤسسات العمومية والجامعات ..فهذه المؤسسات تتمتع بالشخصية المعنوية شأنها شأن
الدولة.
الشخصية القانونية للدولة شخصية "أتوماتيكية" ،إذ توجد هذه الشخصية •
بوجود الدولة ،في حين أن الشخصية القانونية للمجموعات األخرى ال توجد إال بنص
قانوني تضعه الدولة يحدد طبيعة هذه المجموعات ومهامها.
الشخصية القانونية للدولة هي شخصية كاملة ،إذ بإمكان الدولة أن تتدخل •
في كل الميادين ،سواء أمنية أو اقتصادية أو ثقافية أو اجتماعية ،وال يمكن ألحد أن يحد
من قدرة الدولة على التدخل في مجال معين ،على عكس المجموعات األخرى التي ال
تتمتع بحق ممارسة نشاطها إال في إطار األهداف التي أُنشئت ألجلها.
الشخصية القانونية للدولة هي شخصية شاملة ،حيث تجعل الدولة قادرة •
على القيام بكل األعمال واإلجراءات القانونية بمختلف أنواعها وفي مختلف المجاالت،
خالفا للشخصية القانونية للمجموعات األخرى.
24
/1معيار طرق اختيار رئيس الدولة :استنادا إلى هذا التصنيف نميز بين:
النظام الملكي :حيث يتولى رئيس الدولة منصبه عن طريق الوراثة لمدة غير محدودة،
ويحمل اسم ملك أو أمير أو سلطان .والنظام الملكي نوعان:
ـــ ملكية دستورية ،وتشهد توزيعا للسلط والصالحيات يكون فيها الملك رئيسا
للدولة ،ويستند إلى الدستور لممارسة صالحياته التنفيذية التي يتقاسمها أحيانا
مع رئيس الجهاز التنفيذي (الحكومة).
ـــ ملكية برلمانية تتميز بمكانة شرفية للملك الذي يُعد رئيسا للدولة لكنه ال
يمارس سلطات فعلية ،بحيث تنحصر مهمته في بعض األعمال الشرفية مثل
االستقبال الحكومي وفي مجاالت السياسة الخارجية ،بمعنى أنها ملكية تسود وال
تحكم.
النظام الجمهوري :ويتميز باختيار رئيس الدولة عن طريق االنتخابات ولمدة محدودة
في الزمان تسمى الوالية ،ويكون فيها منصب رئيس الجمهورية مفتوحا أمام جميع المواطنين
وفقا للشروط التي يحددها القانون.
الحكم الدكتاتوري :ويتسم هذا النظام بانفراد شخص واحد بسلطة الحكم يمارسها وفق
تقديراته الخاصة بما يضمن استمرار سلطته وبقائه في الحكم بواسطة تعديل الدستور وتعزيز
صالحياته واستمراره في الحكم ،فهذا الشكل من الحكم يقوم على تركيز السلطة السياسية في
يد شخص واحد يتولى كل المهام.
وقد تكون هذه الديكتاتورية عسكرية (في شكل قائد الجيش أو المجلس العسكري) أو
إيديولوجية (يمثلها الزعيم السياسي) ،كما أن الديكتاتور قد يصل إلى الحكم عبر االنتخابات
مثل ما حدث في ألمانيا حين تولى هيتلر رئاسة الوزارة في بداية 1932إثر فوز حزبه في
االنتخابات لكنه احتكر كل السلط المدنية والعسكرية بيده.
25
ويتميز النظام الديكتاتوري بمجموعة من الخصائص أهمها :احتكار السلطة ،شخصنة
السلطة ،شمولية النظام (غياب فصل السلط) وقمع الحريات.
الحكم الديمقراطي :يكون الشعب في هذا النظام السياسي هو مصدر السلطة وصاحب
السيادة (مبدأ السيادة لألمة) ويتميز بمشاركة الشعب في اختيار الحكام عن طريق انتخابات
تنافسية وحرة وسيادة القانون ،يتحقق هذا النموذج في النظام الجمهوري كما في النظام الملكي
أيضا .ألن العبرة بمشاركة المواطنين (مصدر السلط) وليس بطبيعة النظام (بنية السلطة).
وتقوم نُظم الحكم الديمقراطي على مبدأ التمثيلية ،التي بموجبها يفوض الشعب /الناخب
إلى من ينوب عنه من النواب /المنتخبين أمر التعبير عن إرادته .كما تقوم على المبدأ الليبرالي
والتنافس الحر والمنتظم (بحسب مدة االنتخاب أو االنتداب كما حددها القانون) بين المترشحين.
وعليه ،فإن الشعب ال يمارس السيادة مباشرة وإنما يمارسها من خالل صناديق االقتراع
باالنتخاب والتفويض.
قوام هذا المعيار العالقة بين مؤسسات النظام السياسي ،أي تلك العالقة الترابطية التي
تجمع كال من النظام السياسي والمؤسسات السياسية ،وتسمى النسق .فالتحليل النسقي لنظام
سياسي يعتبره على أنه يشكل مجموعة من التداخالت والعالقات القائمة فيما بينها.
وفي علم السياسية درج الباحثون على استخدام توصيف "النسق السياسي" للعالم
األمريكي دايفيد ايستون D. Eastonالذي تطرق لهذا المفهوم بوصفه "مجموع التفاعالت
التي بواسطتها توزع الموارد ذات القيمة عن طريقة السلطة في المجتمع" فهو بمثابة التوزيع
السلطوي للقيم التي تحدد العالقة بين محيط مجتمعي داخلي (مفاعيل داخلية) ،وهو الذي ينتمي
إليه النظام السياسي ،ومحيط مجتمعي خارجي يمثل المجتمع الدولي (مفاعيل خارجية).
26
واستنادا إلى معيار العالقات بين المؤسسات السياسية يمكن التمييز بين األنظمة التالية:
ـــ النظام البرلماني :يتسم هذا النظام بسلطات محددة للبرلمان الذي تنبثق عنه الحكومة
بكاملها ،ويتم اختيار رئيس الحكومة من األغلبية البرلمانية ويعين من قبل رئيس الدولة .في
هذا النموذج يختص رئيس الدولة بتعيين الحكومة بينما يتولى البرلمان تنصيب الحكومة،
فالسلطة الحكومية ال تكون قائمة إال بعد التنصيب البرلماني الذي يتخذ شكل منح الثقة أو
التصويت لصالح البرنامج الحكومي.
في النظام السياسي المغربي ينص الفصل 88من دستور المملكة على أنه "بعد تعيين
الملك ألعضاء الحكومة ،يتقدم رئيس الحكومة أمام مجلسي البرلمان مجتمعين ( )..تعتبر
الحكومة ُمنصبة بعد حصولها على ثقة مجلس النواب ،المعبر عنها بتصويت األغلبية المطلقة
لألعضاء الذين يتألف منهم ،لصالح البرنامج الحكومي" .فالملك بصفته رئيس الدولة يعين
أعضاء الحكومة والبرلمان بصفته سلطة تنصيب يمنح الثقة للحكومة.
وت كون الحكومة في النظام البرلمان مسؤولة سياسيا أمام البرلمان ومجبرة على نيل
ثقتها لالستمرار في ممارسة مهامها مثل ما نجد في المغرب وبريطانيا وإسبانيا ،مع فارق
الصالحيات التنفيذية للملك بين الحالة المغربية والنماذج األخرى.
وجدير بالذكر أنه ليس كل نظام سياسي يتوفر على مؤسسة برلمانية يعتبر نظاما
برلمانيا ،فالبرلمان قد يكون في األنظمة الديكتاتورية موجودا كأن يتشكل من حزب وحيد أو
حزب أغلبي (حزب السلطة) داخل البرلمان.
ـــ النظام الرئاسي :يتميز هذا النظام بسلطات قوية لرئيس الدولة باعتباره هو نفسه قائد
الحكومة .فالسلطة التنفيذية (الحكومة) تتجسد في رئيس الدولة وال وجود لمؤسسة الحكومة وال
لوزير أول ،بل يوجد فقط مساعدين للرئيس يلقبون بـ"كتاب الدولة" .كما أن رئيس الدولة في
النظام الرئاسي غير مسؤول سياسيا أمام البرلمان.
27
ويبقى النظام الرئاسي األمريكي أكثر النماذج شهرة ،بحيث يُنتخب الرئيس عن طريق
االقتراع غير المباشر بواسطة "الناخبين الكبار" يبلغ عددهم 538ناخبا يشكلون ما يسمى
بالمجمع االنتخابي ويجري انتخابهم من قبل الناخبين األمريكيين في تصويت مباشر برسم كل
والية أمريكية ،فكل واحدة منها تنتخب عددا من الناخبين الكبار يساوي عدد ممثليها في
الكونغرس (البرلمان بمجلسيه) إذ لكل والية أمريكية نواب بحسب عدد سكانها .والية تكساس
مثال لديها 38من الناخبين الكبار وفرجينيا لديها 13ناخبا أما الواليات األقل كثافة سكانية مثل
آالسكا وديالوير فلديها 3ناخبين كبار فقط.
ـــ النظام شبه الرئاسي :وهو مزيج بين النظامين الرئاسي والبرلماني ،يأخذ من النظام
الرئاسي عنصرين هما :االنتخاب المباشر للرئيس من قبل الشعب وعدم مسؤوليته أمام
البرلمان وممارسة صالحيات رئاسية فعلية .ويأخذ من النظام البرلماني عنصرين هما :ثنائية
الجهاز التنفيذي (رئيس الدولة ورئيس الحكومة) ومسؤولية الحكومة أمام البرلمان باعتباره
من يمنحها الثقة بتنصيبها وضمان استمراريها.
ويعتبر النظام الفرنسي خير مثال على هذا النموذج ،بحيث يعود للجمعية الوطنية
(مجلس النواب الفرنسي) حق المبادرة في توجيه التأنيب أو اللوم إلى الحكومة وال يكون هذا
عشر 1/10من أعضاء الجمعية الوطنية وال يتم التصويت عليه
االقتراح مقبوال إال إذا وقعه ُ
إال بعد انقضاء يومين ما تاريخ إيداعه .وفي حالة حصوله على األغلبية يتعين أن تقدم الحكومة
استقالتها ويجري تنظيم انتخابات تشريعية جديدة .مقابل ذلك فإن اختصاصات رئيس الدولة
تصبح مطلقة تجمع بين السلطتين التشريعية (البرلمانية) والتنفيذية (الحكومية) في الظروف
االستثنائية لوجود تهديد أو خطر يمس بسالمة الدولة أو يمنع السير المنتظم للسلطات
الدستورية ،وبعد إجراءات شكلية ومخاطبة الشعب.
ـــ النظام المجلسي :يتميز هذا النموذج بتبعية السلطة التنفيذية للسلطة التشريعية بحيث
تعبر األولى مجرد جهاز لتنفيذ ما يصدر عن السلطة التشريعية من مقررات وتشريعات.
وباعتبار هذه األخيرة ممثلة للشعب ولصعوبة مباشرتها مهام السلطة التنفيذية فإنها تختار لجنة
28
تنفيذية من بين أعضائها يسمى الجهاز الحكومي ،يخضع لرقابة السلطة التشريعية ويعمل تحت
إشرافها.
ويشكل النظام السياسي في سويسرا الشكل الوحيد للنظام المجلسي ،إذ يتولى المجلس
االتحادي الفدرالي مهام السلطة التنفيذية ويتألف من 7أعضاء تنتخبهم الجمعية االتحادية
(برلمان) باألغلبية المطلقة لمدة 4سنوات كما تنتخب من بينهم رئيسا لالتحاد (سويسرا) لمدة
سنة فقط ويختص رئيس المجلس بمهام رئيس الدولة.
تدل كلمة السلطة على اإلكراه وهو المعنى األكثر استعماال ،كما تدل على معنى النفوذ
والتفوق دون حاجة إلى اإلكراه .هذا االزدواج في مفهوم السلطة يسري أيضا على استعماالت
اللغة الالتينية حيث يُشار إلى معنيين:
المعنى األول :يدل عليه مصطلح Autoritéالذي يعني الهيمنة التي يمارسها من يمسك
سلطة ،تؤدي بالذين تتوجه إليهم إلى اإلقرار بتفوق يبرر دوره في القيادة .وبعبارة أخرى يعني
"اإلضافة ا لتي تزيد من قيمة الشخص وتضيف عليه شكل سلطته ،التي قد تأتي من نسبه أو
نجاحاته أو من االنتخابات" .بمعنى أنها سلطة الزعيم أو الحاكم تؤدي إلى طاعة دائمة من
طرف الناس.
المعنى الثاني :يدل عليه مفهوم Pouvoirالذي يعتبر مفهوما أساسيا في العلوم
االجتماعية ،خاصة علم االجتماع السياسي ،والذي يعرف اختالفا في مدلوالته تبعا لتعدد
مجاالت استخدامه ،وفي هذا المعنى يمكن تحديد ثالثة تصورات:
منظور امتالكي :وفق هذا التصور فالسلطة شبيهة برأس المال يمكن •
امتالكه واكتسابه وتجميعه استنادا إلى مصادر متعددة بما يسمح بتحقيق منافع لمالكه،
وتسمى الجاه.
29
منظور مؤسساتي :وحسبه فالسلطة قد تدل على الدولة في عالقاتها مع •
المواطنين ،وقد تدل على الحكام كما قد تحيل على المؤسسات الدستورية حينما نتحدث
عن السلطات العامة.
منظور تفاعلي :ويسود هذا المنظور في علم االجتماع السياسي ،ويفيد •
أن السلطة هي عالقة تتميز بتعبئة الموارد من أجل حمل الطرف اآلخر على تبني
سلوك ما كان ليتبناه لوال هذه العالقة .ويعرفها روبرت دال Robert DAHLعلى
أنها "عالقة بين فاعلين يتمكن بواسطتها أحدهم من دفع اآلخرين إلى التصرف بطريقة
مختلفة عما كانوا قد يفعلونه دون هذه العالقة" ،أي عالقة "من يأمر ومن يُطيع".
ويمكن أيضا أن نميز في تعريف السلطة بين مفهومي اإليعاز والتأثير ،فسلطة اإليعاز
ت ُحيل على عالقة تتضمن القوة والعقاب بحيث إن الفرد في عالقته بالسلطة إما ينحني (ينفذ)
ويطيع ويلزم السلوك أو يتعرض للعقاب .أما سلطة التأثير فال تتضمن أية إكراهات مادية أو
قيود ،بل تقوم هذه السلطة على المكافأة والمقابل المادي نظير االلتزام بالسلوك الذي ت ُمليه
السلطة.
وعموما ت ُعبر السلطة عن عالقة غير متكافئة بين خاضع ومطيع وبين من يملك السلطة
استنادا إلى عوامل ومصادر متنوعة (قد تكون قوة أو إكراه أو مكانة اجتماعية أو قانون) وبين
من ال يملك نفس هذه السلطة .أما السلطة السياسية بمعنى جهاز الدولة فال تخضع لسلطة
أخرى ،وال تحدها سلطة عليا.
ُيقصد بالسلطة السياسية مجموع المؤسسات السياسية التي تحتكر سلطة اإلكراه المنظم
واإللزام على مجموع التراب الوطني وعلى السكان المقيمين والتي تمتد هيمنتها على مجموع
النشاط الممارس داخل الدولة .والمتفوقة على جميع السلطات الفرعية في الدولة وهي مستمرة
بغض النظر عن استمرار ودوام شخص الحاكم.
30
والسلطة بصفة عامة سابقة عن السلطة السياسية كجهاز ،فإذا كانت األولى ُوجدت بقيام
العالقات بين األفراد فإن الثانية لم تظهر إال مع ظهور المجتمع السياسي المنظم ،وهي تقترن
بالمجتمعات الكلية المنظمة .فعلى سبيل المثال لم يشهد العرب سلطة سياسية إال بعد ظهور
اإلسالم وتشكل التجمعات الحضرية وتفكك "القبيلة" لفائدة مجتمع سياسي منظم اتخذ اسم
المدينة.
وألن ا لسلطة السياسية ظاهرة اجتماعية تتطور بتطور المجتمعات ،فإنها عرفت
تطورات جذرية .ففي المجتمعات القديمة كانت السلطة السياسية سلطة شخصية ،ثم انتقلت إلى
سلطة دينية حيث كان الحاكم إما إلها أو يستمد سلطة من اإلله ،ثم تطورت لتصبح مستمدة من
سلطة الشعب عبر أدوات التمثيل (االنتخاب).
هناك اختالف بين فقهاء السياسة حول أنماط الشرعية السياسية ،فالشرعية من األسباب
التي تدفع األفراد إلى االنصياع لقرارات السلطة السياسية عن طواعية ،ودوافع هذا االنصياع
قد تكون فكرية :بحيث تلجأ السلطة السياسية إلى أفكار ورموز تجعل المواطنين مرتبطين
بهوية مشتركة تاريخية أو دينية أو إيديولوجية .وقد تكون هذه الدوافع سوسيولوجية :تقوم على
تصورات اجتماعية تحدد العالقة بين السلطة السياسية والجمهور ،فالسلطة تخدم المواطنين
وتشبع حاجياتهم ما يجعلهم يشعرون بروابط تجمعهما .بالمقابل تكون دوافع الطاعة قانونية:
حيث تلجأ السلطة السياسية إلى القوانين والقواعد لخلق مشروعية أعمالها وجعل المواطنين
يثقون بها.
في حديثه عن الشرعية كمتغير ثقافي ميز ماكس فيبر في كتابه "االقتصاد والمجتمع"
بين ثالثة مصادر لشرعية تأسيس السلطة السياسية:
ـــ الشرعية التقليدية :وتستند على عادات مشتركة ومقبولة من قبل الناس ،بحيث يعتمد
الحاكم في تولي السلطة على أسس تقليدية وأعراف وعادات تكتسب قوتها بفعل الزمن والتاريخ
31
وتصبح من المسلمات .فهذا النوع من الشرعية يرتكز على االعتقاد بقداسة التقاليد ،فالشرعية
التقليدية هي شرعية تاريخية وعاداتها راسخة في األذهان ،إذ يتميز هذا النموذج بهيمنة عالقات
من نمط شخصي بين الحاكم والمحكوم.
ـــ الشرعية العقالنية :وتدعى أيضا الشرعية القانونية وهي تسود في المجتمعات
الديمقراطية الحديثة المبنية على التعددية السياسية والتداول على السلطة ،حيث يتم اختيار
الحاكم عبر صناديق االقتراع من قبل الشعب ولمدة زمنية محددة .وحسب ماكس فيبر فإن
الشرعية القانونية تسمح بقيام نمط عمل عقالني مفاده تصرف الفرد إزاء هدف محدد هو
الوصول إلى السلطة وبطريقة عقالنية.
يثثها بمشوعية السلطة فنقصد أن تكون ممارسات الحاكم مطابقة للقانون .ر
الشعية ر ر
تسمح معرفة طرق الوصول إلى السلطة بتحديد طبيعة العالقة بين الحاكم والمحكوم.
ولكون السلطة السياسية ظاهرة قديمة تطورت مع التحوالت االجتماعية والممارسة السياسية
فإن طرق إنشاء السلطة ،تأثرت بهذه التحوالت تبعا للتطورات .وعموما يمكن التمييز بين
طرق ديمقراطية وأخرى غير ديمقراطية.
32
/1الطرق غير الديمقراطية للوصول إلى السلطة:
يتعلق األمر بأساليب ال تقوم على التنافس بين الحاكمين وال تعترف بسلطة الناخبين في
اختيار من ينوب عنهم ،فهي تلغي مشاركة المواطنين بصفتهم ناخبين (لهم حق التصويت) أو
منتخبين (لهم حق الترشح) ،ويمكن التمييز بين أربعة نماذج رئيسية:
يقوم هذا النمط على تولى السلطة بالوراثة العائلية داخل األسرة الحاكمة .إذ تشكل صلة
الدم أو النسب أو القرابة أساس نقل السلطة السياسية وممارستها ،ويسود هذا النموذج في
الملكيات التنفيذية في العالم العربي حيث يسود الملك ويحكم (يمارس صالحيات التنفيذية)
بخالف الملكيات الغربية التي يسودها الملك دون أن يحكم.
وعادة ما يتنقل الحكم بالوراثة بموجب مقتضى دستوري يحدد شروط تولي الحكم/
السلطة واإلجراءات المصاحبة لذلك .فمثال في المغرب يحدد الفصل 43من دستور 2011
هذه اإلجراءات حيث ينص" ..إن عرش المغرب وحقوقه الدستورية تنتقل بالوراثة إلى الولد
الذكر األكبر سنا من ذرية جاللة الملك ثم إلى إبنه األكبر سنا وهكذا ما تعاقبوا ،ما عدا إذا عين
الملك قيد حياته خلفا له ولدا آخر من أبنائه غير الولد األكبر سنا ،فإن لم يكن ولد ذكر من ذرية
33
الملك ،فال ُملك ينتقل إلى أقرب أقربائه من جهة الذكور ثم إلى ابنه طبق الترتيب والشروط
السابقة الذكر" .وباتباع هذا النمط يتوارث الحاكمون السلطة فيما بينهم ويتناقلونها داخل األسرة
الحاكمة كل بحسب نظام التوريث الذي يعتمده.
وقد ساد أسلوب االختيار الفردي حيث يختار الحاكم خلفا له ،قيد حياته ،كما كان في
حقبة الحكم الروماني ،وتكررت هذه الممارسة عند العرب حينما أوصى الخليفة أبوبكر بسلفه
عمر بن خطاب ،كما نجد بعض الحاالت في الممارسة السياسية الحديثة مثل اختيار الجنرال
فرانكو (حاكم إسبانيا ما بين 1936و )1975للملك خوان كارلوس خلفا سنة 1969ما سمح
أيضا بعودة النظام الملكي بإسبانيا .أما االختيار الجماعي فغالبا ما يتخذ شكل المبايعة كما في
بعض األنظمة السياسية الخليجية.
حسب كورزيو مالبارتي (1898ـ )1957فإن مفهوم االنقالب ال ينطبق فقط على
العسكريين والسياسيين بل يشمل القوى المدنية التي تشارك في زعزعة استقرار األنظمة من
خالل إجراءات تهدف لخلق الفوضى.
ويتحقق هذا النموذج عبر االستيالء على السلطة بالقوة والعنف ،سواء عبر االنقالب
العسكري أو الثورة .واالنقالب قد يكون عسكريا (ليبيا /1969مصر /2013مالي .)2021
وقد يكون داخل العائلة (قطر )1995أو لسبب مرض كما حصل في تونس ( )1987بدعوى
فقدان القدرات الصحية للرئيس آذاك .وقد يكون االنقالب دستوريا أي بتعطيل العمل بالدستور
ومنع البرلمان من االنعقاد كما وقع في (تونس.)2021
إال أن األكثر شيوعا هي االنقالبات العسكرية التي يقودها جماعة من الجنود .وقد شاعت
هذه األساليب في أمريكا الالتينية خالل فترة الستينات ،كما تشهد بلدان إفريقيا إلى يومنا
(مالي )2021انقالبات عسكرية متكررة تزيح الحاكم المنتخب وتنصب نفسها سلطة سياسية
للبالد.
34
/2الطرق الديمقراطية للوصول إلى السلطة:
وتتحقق بمختلف طرق االنتخاب التي تضمن المساواة في تولي السلطة ألنها تتيح
للمواطنين أن يكونوا ناخبين أو منتخبين .بمعنى أن النظام السياسي يضمن إمكانية الوصول
إلى السلطة للجميع وفق شروط تحددها القوانين والتشريعات الوطنية.
ويعتبر أسلوب االنتخاب األكثر قبوال وشيوعا في األنظمة الديمقراطية ،ألنه يُفضي إلى
اختيار الحكام من قبل المواطنين .واالنتخابات قد تتم بشكل تنافسي وشامل ،بحيث تشمل رئاسة
الدولة أو الحكومة (السلطة التنفيذية) والبرلمان (السلطة التشريعية) .وقد تكون نصف تنافسية
حيث يقتصر االنتخاب على مؤسسات سياسية دون غيرها ،كما هو الشأن بالنسبة إلى المغرب
حيث يقتصر التنافس على رئاسة الحكومة دون رئاسة الدولة إذ يختص الملك بلقب "رئيس
الدولة وممثلها األسمى ورمز وحدتها وضامن دوام الدولة واستمرارها( "..الفصل 42من
الدستور).
والجدير بالذكر أن الطرق المتبعة للوصول إلى السلطة ال ت ُلغي بعضها البعض ،حيث
إن بعض األنظمة التي تنتقل فيها السلطة بالوراثة تسمح بوجود أساليب ديمقراطية للوصول
إلى بعض مؤسسات السلطة مثل البرلمان والحكومة ،فالحكم بالوراثة ال ينفي وجود االنتخابات
كما هو الحال في المغرب أو بريطانيا فالسلطة القائمة على الحكم الوراثي ال تُلغي المشاركة
السياسية.
تقوم مبررات وجود السلطة السياسية على المهام التي تقوم بها لصالح المجتمع .وهذه
المهام تختلف بحسب طبيعة الدولة (دولة ليبرالية ،اشتراكية ،شمولية )..إال أن هناك حد أدنى
من الوظائف تكفُلها السلطة مثل األمن والنظام العام واالستقرار والرفاه االجتماعي .ويتطلب
القيام بهذه الوظائف سن مجموعة من السياسات والسهر على تنفيذها ،وهي عموما أربع
سياسات:
35
السياسات االستخراجية :حيث تقوم السلطة السياسية بسن سياسات لتعبئة
الموارد البشرية (موظفي اإلدارة مثال) والمالية (الضرائب) والتقنية (صياغة
المخططات والسياسات العمومية).
ــ السياسات التوزيعية :تهم األنشطة التي تقوم بها الدولة لتوزيع المنافع
والخدمات مثل برنامج الحماية االجتماعية ودعم التمدرس وصرف المنح.
وهي عموما نفقات تقررها السلطة بموجب ميزانية الدولة لتحقق بواسطتها
روابط العالقة بين سياسات الدولة ومتطلبات المجتمع .وقد تشمل هذه
السياسات إعادة التوزيع أيضا من خالل اإلعفاء الضريبي لفئات اجتماعية.
ــ سياسات التنظيم :وتهم مختلف القوانين والتشريعات التي تسنها السلطة
السياسية من أجل تقنين سلوك األفراد وتنظيمهم ،وتشمل حفظ النظام العام
وحماية الممتلكات وتنظيم النشاط السياسي بإحداث قانون األحزاب وظهير
الحريات العامة مثال ،وبيان المسموح به والممنوع.
ــ السياسات الجوابية :وهي السياسات التي تتصدى بها السلطة السياسية
للظروف السياسية واالقتصادية واالجتماعية الطارئة والتحديات الدولية التي
36
تواجه النظام .وهذه السياسات تعتمد على ثالث طرق في التعاطي مع هذه
والمشاكل:
سوف نعتمد التصنيف الكالسيكي الذي تبرزه مختلف األبحاث والدراسات عن القوى
الفاعلة في قضايا علم السياسة .ويتعلق األمر باألحزاب (التنظيمات السياسية) وجماعات
الضغط (النقابات وجماعات التأثير على صناع القرار) والرأي العام (اتجاهات ومواقف
الجمهور).
37
أوال /األحزاب السياسية :المفهوم والتصنيف
يعود ظهور مفهوم الحزب السياسي بالمعنى الحديث إلى منتصف القرن .19ففي
إنجلترا ظهر الحزب السياسي مع أول إصالح انتخابي لسنة 1832تاريخ بداية التقسيم المحلي
ببريطانيا .أما الواليات المتحدة األمريكية فقد عرفت ظهور الحزب في فترة الرئيس جاكسون
سنة 1830حيث ظهرت قواعد تنظيمية في شكل حزب تدعمها شرائح واسعة من المجتمع.
وفي فرنسا تحولت األندية السياسية والمجموعات البرلمانية إلى أحزاب تحت تأثير الثورة
الفرنسية لسنة .1789أما في المجتمعات العربية فإن الظاهرة الحزبية حديثة حداثة الدولة
نفسها.
وبحسب "جون ماري دانكان" فإن صفة الحزب السياسي تقتضي أربعة شروط أساسية:
استمرارية التنظيم :أي أن يكون تنظيما دائما ومستمرا ال يتعلق ببقاء •
الحاكم أو رحيله.
تنظيم متكامل من المركز إلى المحيط :أي يتكون من شبكة فروع محلية •
تتصل بالمركز.
إرادة ممارسة السلطة :إرادة واعية للقادة الوطنيين والمحليين للتنظيم •
ألخذ السلطة وممارسة الحكم لوحدهم أو في إطار تحالف مع حزب آخر ،أي الوصول
إلى السلطة.
السند الشعبي :أي الدعم الشعبي الذي يتحقق باالنتخابات أو الطرق •
السلمية المتاحة.
إن الحزب السياسي عبارة "منظمة تسعى إلى تحقيق السيطرة والوصول إلى الحكم
بطريقة قانونية شرعية وعن طريق االنتخابات" .ويُعرف أيضا بوصفه "تجمع أفراد منظم
هدفه التعبير عن أراء ومواقف ومصالح وتطلعات أعضاء الحزب ،وإفساح المجال أمامهم
لممارسة السلطة ،فالحزب يطمح أساسا إلى ممارسة الحكم" .وضمن هذا السياق يقترح "جون
ماري دانكان" تصنيفا بنيويا وآخر إيديولوجيا لألحزاب السياسية.
38
/1التصنيف البنيوي :أحزاب األطر وأحزاب الجماهير
يستند هذا التصنيف الكالسيكي إلى بنية األحزاب السياسية ونوعية األعضاء للتمييز
بين أحزاب األطر وأحزاب الجماهير.
أحزاب األطر :تتسم هذه النوعية من األحزاب بعدد ضئيل من األعضاء ينتمون إلى
نخبة المجتمع .وهذا النوع هو األقدم بين األحزاب السياسية وهي ال تسعى إلى زيادة عدد
المنتسبين إليها .وقد ظهرت أحزاب األطر في أروبا القرن 19وهي تسعى إلى جمع األعيان
وتوظيف نفوذهم المادي والمعنوي من أجل التأثير في السلطة عبر تمويل الحمالت االنتخابية
ألعضائها ،وتتألف عادة هذه األحزاب من الطبقة البرجوازية التي تميل إلى األحزاب
الليبرالية ،والطبقة األرستوقراطية التي تميل إلى األحزاب المحافظة .هذا وقد شكل حزب
المحافظين في بريطانيا نموذج حزب األطر بخالف حزب العمال الذي يصنف في خانة أحزاب
الجماهير.
أحزاب الجماهير :ارتبط هذا النوع من األحزاب بتاريخ األحزاب االشتراكية األوربية
في بداية القرن ،20ثم نقلتها بشكل أوسع األحزاب الشيوعية واألحزاب الفاشية ثم الحقا أحزاب
العالم الثالث .وتتميز أحزاب الجماهير بسمتين تجعالنها مختلفة عن أحزاب األطر :االنتساب
المكثف (عدد كبير من األعضاء) والتنظيم القائم على بنية قوية (عدد كبير من التنظيمات
والفروع والهياكل التابعة للحزب محليا ووطنيا).
وبخالف حزب األطر فإن الحزب الجماهيري شديد التفرع بحيث أن اللجان المحلية
هي التي تمد المركز (قيادة الحزب) بالبرامج والتصورات ،فالقاعدة هي التي تصنع توجهات
الحزب وسلوكات منتخبيه في حالة انتخابهم ،مثل االنتماء إلى الفريق البرلماني والدفاع على
حقوق الجماهير بصفتهم قواعد الحزب.
39
/2التصنيف اإليديولوجي :أحزاب اليمين وأحزاب اليسار
يقول "جون ماري دانكان" في كتابه "علم السياسة"" :ظهر استعمال كلمتي يمين ويسار
من أجل تعيين االتجاهات السياسية في فرنسا .وهي تعود إلى العام .1789وقد عرفت نجاحا
استثنائيا حيت فُهمت واستُعملت في البلدان الصناعية كما في بلدان العالم الثالث وفي السوفييت
والصين ،كما افتُرض أنها تسمح بتصنيف كل األفكار والتصرفات السياسية".
وفع ال ارتبط كل واحد منهما بقيم مختلفة عن األخر ،فاتجاه اليسار كان يشير إلى قيم
الحرية والعدالة االجتماعية ثم ارتدى رداء االشتراكية في وقت الحق ،بينما اليمين كان يشير
إلى ثقافة سياسية مبنية على السلطة والمحافظة على النظام القائم ،لكن مع ظهور األنظمة
اليسارية الشمولية (دولة الحزب الحاكم) تراجعت أهمية هذا التصنيف واحتفظت بوظيفة
تصنيف األحزاب على أساس االنتماء اإليديولوجي.
يقوم هذا التصنيف أيضا ،على أساس المعيار اإليديولوجي فعادة ما يتم إطالق صفة
"اليسار" على األحزاب السياسية ذات المرجعية االشتراكية التي تناصر الطبقات االجتماعية
المهمشة وتدافع عن فكرة التوزيع العادل للثروة والحرص على العدالة والمساواة بين جميع
المواطنين .كما يُحسب ألحزاب اليسار تبنيها الدفاع عن الحريات والحقوق والديمقراطية
ومناهضة النظم السلطوية.
بالمقابل ،يتم إطالق صفة "اليمين" على األحزاب ذات التوجهات المحافظة والمدافعة
على األشكال التقليدية للحكم ،وعادة ما تتسم هذه األحزاب بمواقف محافظة على الهوية الوطنية
للمجتمع ،ودعمها لنزعة فردانية قائمة على المبادرة الحرة .في أروبا اليوم تنتشر أحزاب
تصنف ضمن خانة "أقصى اليمين" وتتميز بخطابها المتطرف حيال القضايا االجتماعية والقيم
الحقوقية مثل قضايا الهجرة واألجانب وت ُغذي بخطاباتها السياسية النزعات العنصرية المولدة
للعنف االجتماعي داخل هذه البلدان.
40
/3النظم الحزبية التنافسية وغير التنافسية
تُصنف األحزاب السياسية من حيث البنية عادة بحسب معيارين أساسيين ،أولهما عدد
األحزاب وعلى أساسه يتم التمييز بين نظام الحزب الواحد ونظام الثنائية الحزب ونظام التعددية
الحزبية .واآلخر معيار التنافس الحزبي وعلى أساسه يتم تصنيف النظم الحزبية إلى تنافسية
وغير تنافسية.
ترسخت هذه النظم في الديمقراطيات الغربية وانتشت الحقا إلى الديمقراطيات الناشئة
مثل الهند واليابان ودول شرق أوربا .وتتميز هذه النظم التنافسية بنوعين من النظم الحزبية:
ثنائية حزبية ،قوامها حزبان قويان يتناوبان على السلطة بحسب نتائج االنتخابات .وتعددية
حزبية ،قوامها عدد كبير من األحزاب تتنافس حول الحكم .وقد يحكم حزب بمفرده وقد يتحالف
مع أحزاب أخرى لتشكيل أغلبية لممارسة السلطة.
ـــ نظام الثنائية الحزبية :في هذا النظام يتنافس على السلطة حزبان كبيران يتداوالن
على الحكم .ففي الواليات المتحدة األمريكية يتنافس الحزب الديمقراطي والجمهوري على
تسيير الدولة ،وفي بريطانيا يتنافس حزب العمال وحزب المحافظين على السلطة ،وفي كال
النموذجين توجد أحزاب أخرى لكنها صغيرة بالقدر الذي يجعلها غير مؤثرة.
ومن مزايا نظام الثنائية الحزبية أنه يضمن االستقرار الحكومي نتيجة إحراز أحد
الحزبين على أغلبية المقاعد البرلمانية ،وأحيانا يتحقق ذلك بتحالف مع أحزاب صغرى لتوسيع
دائرة األغلبية العددية الذي تسمح للحزب الحاكم بتنفيذ برنامجه وقرارته التي تتطلب تصويت
البرلمان .كما أن من مميزات هذا النظام الحزبي أنه يسهل على الناخب االختيار بين أحد
الحزبين المتنافسين ،فالتنافس الثنائي يوطد الديمقراطية ويسمح بالتداول على السلطة.
ـــ نظام التعددية الحزبية :يتسم هذا النظام باتساع نطاق األحزاب المشاركة في المنافسة
على السلطة .ويتمكن الحزب الفائز باألغلبية البرلمانية الالزمة من تشكيل الحكومة بمفرده أو
41
بمشاركة أحزاب أخرى ضمن ما يسمى بـ"التحالف الحكومي" ،وذلك في حالة عدم إحراز أي
حزب على أغلبية مطلقة ،ويعد هذا النظام الحزبي ديمقراطي بوصفه يسمح بانتقال السلطة
عبر االنتخابات.
ورغم أن هذا النظام الحزبي التعددي ظل حكرا على الدول الغربية مع بداية تطور
الظاهرة الحزبية وحتى نهاية الثمانيات مع سقوط جدار برلمان معلنا نهاية عصر اإليديولوجيا
وتكريس التعددية الحزبية كمفهوم سياسي ليبرالي ،فإن المغرب شكل استثناء في العالم العربي،
حيث األحزاب السياسية إما ممنوعة أو محدودة في الحزب الواحد الحاكم ،ذلك أن المملكة
المغربية تُعتبر البالد الوحيد في العالم العربي التي تبنت التعددية الحزبية منذ أول دستور للبالد
سنة .1962
ولما أثبتت التجارب الديمقراطية الغربية أن نظام التعددية الحزبية هو األكثر تعبيرا
عن المشاركة السياسية والتناوب على السلطة ،فإنه في حاالت استثنائية تشكل التعددية الحزبية
عائقا أمام االستقرار الحكومي بسبب تعذر الحصول على ائتالف حكومي متجانس كما هو
حال التجربة اإليطالية.
يرتبط هذا النظام باألنظمة الديكتاتورية ويتمثل جوهره في انعدام المنافسة واحتكار
السلطة عبر حزب وحيد أو حزب مسيطر على الحياة السياسية ،وهو يجعل من االنتخابات
عمليات شكلية ال تؤثر في التنافس على الحكم.
نظام الحزب الوحيد :يتميز هذا النظام باحتكار السلطة من طرف حزب واحد يهيمن
على الحياة السياسية ويفرض سياساته على الدولة والمجتمع .وعادة ما يعتبر الحزب أداة للنظام
السياسي ،فالحزب هو الدولة والدولة هي الحزب يصعب التفريق بينهما ،كما في التجارب
الفاشية أللمانيا في عهد هتلر وإيطاليا في وقت موسوليني وإسبانيا في عهد الجنرال فرانكو
ونظام الحزب الوحيد في االتحاد السوفياتي وأوروبا الشرقية ما قبل انهيار جدار برلين.
42
وقد يتخذ هذا النظام غير التنافسي أيضا شكل الحزب المسيطر ،بحيث تكون باقي
األحزاب بدون تأثير سياسي ويقتصر دورها على دعم الحزب المسيطر في تدبير شؤون
الدولة ،فيكون رئيس الدولة (وإن كان منتخبا مباشرة) والحكومة والجهاز اإلداري ينتمون إلى
الحزب نفسه ،أي الحزب المسطرة (تجربة الحزب الوطني الديمقراطي في مصر قبل ثورة
.)2011وقد ساد هذا النموذج أيضا في الدول حديثة االستقالل في أفريقيا وأمريكا الالتينية
حيث ارتبط الحزب بشخص الزعيم /المحرر من االستعمار األجنبي.
يمكن القول إن مفهوم جماعات الضغط كمصطلح سياسي يتكون من شقين ،األول مفهوم
الجماعة والثاني مفهوم الضغط .ويقصد بالجماعة أي ائتالف بين مجموعة من األشخاص لهم
خصائص مشتركة ومستوى متقارب ثقافيا وسوسيومهنيا .أما مفهوم الضغط فإنه مرتبط
بالعمليات السياسية إذ يعني أن الجماعة قد اتخذت اتجاها أو رأيا موحدا في موضوع معين.
ويُقصد بجماعات الضغط ،وتُسمى أيضا مجموعة المصالح ،كل هيئة تسعى إلى التأثير
في قرارات السلطة في اتجاه مالئم الهتماماتها االجتماعية أو االقتصادية ،وانطالقا من تأثيرها
في السلطات العامة فهي ت ُعتبر فاعال أساسيا في النسق السياسي ومساهمة في صياغة توجهاته.
ويتحدث "جون ماري دانكان" عن أربعة شروط للقول بوجود مجموعة ضغط:
أن يكون لها حد أدنى من التنظيم /أن يكون لها هدفا محددا /أن
يكون لها االستقاللية في تنظيمها وقرارها /أن تمارس ضغطا فعليا لتحقيق
مصالحها.
وقد اختلف االعتراف الرسمي بمجموعات الضغط باختالف النظم السياسية ،ففي فرنسا
يُنظر إلى جماعات الضغط على أنها تخدم مصالح خاصة "دنيئة" تتعارض مع المصلحة
العامة للشعب ،إال أن األمر يجري على خالف ذلك في الواليات المتحدة األمريكية حيث تعد
المجموعات ( )Lobbiesالضاغطة حالة معترف بها من قبل الحكومة والكونغرس منذ
43
،1946فنشاط هذه الجماعات منظم رسميا حيث تسجل هذه األخيرة أسماء منتدبيها لدى
الكونغرس (البرلمان األمريكي).
يجري التمييز بين ثالث فئات من جماعات الضغط باعتماد معيار المصالح ،وهي
الجماعات ال مدافعة عن المصلحة المادية (مثل النقابات ،ومنظمات أرباب العمل ومنظمات
التجارة والصناعة )..والجماعات المدافعة عن المصلحة المعنوية (منظمات حقوقية والتجمعات
النسائية ،ومنظمات سياسية متخصصة :الدفاع عن السالم أو البيئة )..والجماعات ذات التأثير
السياسي كما هو الحال في الواليات المتحدة األمريكية.
يُقصد بها تلك المجموعات التي تدافع وبشكل أساسي عن المصالح المادية للفئات
المنضوية باسمها ،وقد تخفي هذه المصالح العامة المادية مصالح شخصية دعائية .ويمكن أن
ندرج ضمن هذه المجموعات نقابات العمال والهيآت المهنية ومنظمات أرباب العمل
(باطرونا) .يتصف هذا النوع بالقدرة على التمثيل الجماعي بغض النظر عن طبيعة وحجم
ال ُمنتظمين نقابيا أو مهنيا "فعندما يسير 100مزارع في الشوارع ،فإن الذين يسيرون أو
يتظاهرون ليسوا في أنظار الطبقة السياسية أو اإلعالمية بعض المزارعين ،وإنما كل
المزارعين" .إلى جانب البعد التمثيلي للمجموعات المدافعة عن المصالح المادية تتميز أيضا
بخطابها المعبر عن الفئة المعنية بمدلوله (الفالحون ،األساتذة ،الطلبة.)..
وبعكس الصفة التمثيلية لألحزاب السياسية التي يمكن قياسها ،بمؤشر االنتخابات أو
عدد األعضاء داخل البرلمان ،فإن مجموعات الضغط يصعب قياسها بالنظر إلى طبيعة
نشاطها ،باستثناء النقابات الممثلة داخل البرلمان التي يسهل قياس حجمها وتأثيرها من خالل
نتائج االنتخابات المهنية المعمول بها في بعض األنظمة االنتخابية في العالم.
44
وبالنسبة إلى النقابات ،وبخالف التعددية السياسية الحزبية كأساس للنظام الديمقراطي،
فإن التعددية النقابية ال تلقى قبوال كبيرا حيث يُنظر إليها بوصفها تؤثر في القوة العددية والقدرة
على الضغط ،وأن التعددية النقابية تُسهم في التشتيت الذي يخدم السلطة السياسية المناوئة عادة
لمطالب هذه الجماعات أكثر ما يخدم الطبقات المنضوية تحت لوائها .فالتعدد يُضعف القدرة
التفاوضية للنقابة مع السلطات العمومية وأرباب العمل.
أما بخصوص أرباب العمل (مثل االتحاد العام لمقاوالت المغرب) فقد ظهرت بعد
الحرب العالمية الثانية ،عندما تحالف أرباب العمل (الباطرونا) لحماية مصالحهم ،وهي تسعى
إلى الضغط على السلطة الحكومية من أجل حماية حقوقها المالية في العالقة مع المشتغلين
(األجراء) ومصالحها االقتصادية مثل كلفة المواد األولية ومطالب اإلعفاءات الضريبية...
وعادة ما تستند هذه الجماعات إلى أدوات دعائية إعالمية ت ُقوي نفوذها وقدرتها التفاوضية.
تسعى هذه الجماعات إلى تحقيق مصالح معنوية ،حيث إن أعضاءها يجتمعون على
أساس التشابه في وضعهم ومطالبهم والغاية من تحالفهم ،ويمكن أن نُدرج ضمن هذا اإلطار
المنظمات النسائية المدافعة عن حقوق المرأة وجمعيات مكافحة العنصرية وجمعيات حماية
البيئة .وبخالف الصنف األول الذي يسعى إلى تحقيق مكاسب مادية فإن صنف الجماعات
المدافعة عن المصلحة المعنوية تكون غايتها تبني قضايا إصالح المجتمع والدفاع عن قيم
العيش المشترك.
إال أن ما يؤاخذ على هذه الجماعات عادة هو والؤها السياسي أو الحزبي أحيانا ،إذ
غالبا ما تشكل امتدادا أو ذراعا لحزب سياسي تتخذ شكل منظمات نسائية وشبيبات تابعة
لألحزاب ،كما أن بعض قياداتها أعضاء في أحزاب سياسية قائمة ما يجعل وظيفتها خاضعة
للمنطق السياسي ولموقع هذه التنظيمات الحزبية التي تتبعها.
45
جماعات الضغط ذات التأثير السياسي •
عبارة عن جماعة قانونية منظمة تدافع عن قضايا ومواقف ومصالح معينة ،لها مراكز
قانونية محددة لدى السلطات العامة للدولة ،يجمع بين أفرادها مصالح مشتركة وتنشط في سبيل
تحقيق هذه المصالح عن طريق االتصال بمسؤولي الدولة ومؤسساتها ومحاولة إسماع صوتها
مستخدمة كل ما تملك من وسائل متاحة وفي مقدمتها أسلوب الضغط عبر وسائل اإلعالم.
دورا محوريًا وها ًما في الحياة السياسية االمريكية ،حيث تخضع
وتلعب "اللوبيات ً "Lobby
لقانون الوكالء األجانب الذي يُلزم جماعات الضغط باإلفصاح عن أنشطتها .فمن المعروف أن
جماعات الضغط السياسي هي ال ُمتدخل الحقيقي في القرارات وهي من تصنع السياسة
االمريكية ومواقفها الخارجية في العالقة مع الدول.
تنشط هذه الجماعات تحديدا في الواليات المتحدة األمريكية وهي تمارس نوعا من
النفوذ والضغط على السياسيين األمريكيين في مركز القرار على مستوى البرلمان من أجل
الدفاع عن المصالح السياسية والعسكرية واالقتصادية لبلدان أخرى في عالقاتها بالسياسات
الخارجية للواليات المتحدة األمريكية .وعادة ما تسعى هذه الدول إلى التعاقد مع هذه الجماعات
التي تحمل اسم "لوبيات" من أجل التسويق لمصالحها الحيوية داخل النخبة السياسية األمريكية.
يقوم عمل جماعات الضغط على مجموعة من الوسائل ،ويمكن التمييز بين
استراتيجيتين :األولى تكمن في التوجه مباشرة إلى صناع القرار السياسي سواء الحكومة أو
46
البرلمان أو اإلدارة وذلك بحسب طبيعة القرار المطلوب .والثانية تتمثل في الضغط بواسطة
الرأي العام إذ عادة ما تلجأ جماعات الضغط لهذا االختيار حينما تكون عالقتها بالسلطة سيئة.
اإلعالم :حسب "جون ماري دانكان" فإن الوسيلة األولى للضغط على •
صناع القرار السياسي هي اإلعالم ،ألن هذا اإلعالم يعدل وجهات نظر المسؤولين
وقراراتهم من خالل نشر وإطالعهم على معطيات حول الموضوع /المطالب .ولذلك
غالبا ما تمتلك جماعات الضغط وسائل إعالم لها تأثير قوي إزاء السلطات العمومية.
المشاركة :تتحقق حينما تلجأ السلطات العامة إلى إشراك هذه الجماعات •
بوصفها "منظمات تمثيلية" في اتخاذ القرار أو تعديله .وتشارك جماعات الضغط
(النقابات) بوصفها تمثل الفئات االجتماعية التي تدافع عنها.
التشاور :يقتضي األمر أن تكون مجموعة الضغط كبيرة (مثل القطاع •
الزراعي في فرنسا) حتى تُلزم السلطات الحكومية على التشاور معها ،وفي هذه الحالة
تكون الجماعة في موقع قوة وتدافع عن اختيارات منتسبيها (الفالحين والمزارعين)،
فالمشاورة تقنية ترغب من خاللها السلطات الحكومية أو اإلدارية تفادي التصعيد
االجتماعي عبر تقنين الحوار وقد يصل األمر إلى ترسيم موعد سنوي لهذه المشاورات
مع بداية كل سنة مالية.
الدعاية :تشكل الدعاية األسلوب األول للتأثير على الرأي العام الذي تلجأ •
إليه جماعات الضغط .ونميز هنا بين نوعين من الدعاية :علنية ومموهة غير معلنة.
الدعاية العلنية عادة ما تتخذ ثالثة أساليب ،األول :عبر استخدام الصحف التي تصدرها
هذه الجماعات أو تملك تأثيرا ماليا عليها .وقد تكون هذه الصحف نقابية أو حرفية بانتشار
محدود فتلجأ هذه الجماعات إلى الصحف األكثر تأثيرا (مقروئية) على الرأي العام .األسلوب
47
الثاني :يتم عبر اختيار صحف قريبة من التوجهات السياسية لجماعات الضغط أو معروفة
عادة بتبني قضايا جماعات الضغط خاصة حينما يتعلق األمر بالنقابات المهنية مثال .ففي فرنسا
لعبت جريدة "لوموند" الواسعة االنتشار دورا كبيرا في الدفاع عن مصالح الفئات
السوسيومهنية التي تنتظم في شكل نقابات .أما األسلوب الثالث :حينما تلجأ جماعات الضغط
إلى "شراء" صفحات في الصحف الكبرى من أجل عرض أفكارها حيال قضايا تدافع عنها،
وهذه الطريقة بدأت في الواليات المتحدة األمريكية وانتقلت إلى فرنسا ،إال أنها في تجارب
أخرى قد تقتصر الفكرة على وقت انتخابي أو نشاط نقابي وليس بالضرورة قضية.
أما الدعاية مموهة فتسلكها جماعات الضغط حينما تلجأ إلى تمرير رسائلها وخطابها
عبر وسائل اإلعالم دون أن تُظهر شخصيتها كجماعة تقف وراء هذه المواقف المعبر عنها
على صفحات الصحف .وإذا كانت الدعاية المعلنة طريقة عمل جماعات الضغط ذات المصالح
المادية (النقابات) أو المعنوية (الجمعيات الحقوقية) فإن الدعاية المموهة طريقة عمل جماعات
الضغط ذات التأثير السياسي ،كما هو الشأن في الواليات المتحدة األمريكية حيث أصبحت
الجرائد ومراكز البحوث وسيلة لتمرير مواقف هذه الجماعات من سياسات الدولة ،بمقابل الدعم
المادي لهذه الصحف أو إعالنات مدفوعة الثمن نظير خدمة "الدعاية المموهة".
اإلضراب :يعد اإلضراب أحد أكثر وسائل التأثير استخداما من قبل •
مجموعات الضغط خاصة الجماعات المدافعة عن المصالح المادية (النقابات
والمنظمات المهنية).
ويأخذ اإلضراب عادة طابع الرفض اإلجمالي للنظام القائم (النظام الوظيفي /المهني)
فهو يكون موجها ضد أرباب العمل تقوده الشغيلة أو من يمثلها ،ويسمى إضرابا عماليا ،وقد
يكون موجها ضد الدولة حينما تكون هي المشغل كما هو الشأن بالنسبة إلى الموظفين وعمال
المرافق الكبرى (البريد ،الكهرباء والنقل )..حيث تكون الدولة في هذه الحالة هي طرف
المواجهة .وفي حالة ثانية قد تكون الهيآت النقابية مرتبطة بحزب سياسي معين ،فيصبح
إضراب النقابة إضرابا سياسيا يتخذ في الغالب صفة اإلضراب العام.
48
وفي كلتا الحالتين يكون دور الرأي العام حاسما في إنجاح اإلضراب ،ألنه يدفع المشغل
أو الدولة (بحسب الجهة المشغلة) ل تقديم تنازالت والتفاوض لتحقيق مطالب المضربين .بالمقابل
يخضع اإلضراب لقوانين تنظمه حتى ال يتحول إضراب العمال إلى وسيلة لتعطيل مصالح
المواطنين (في القطاع العام مثال) أو التسبب في خسائر مالية جراء توقيف العمل بالنسبة إلى
القطاع الخاص.
ترجع نشأة مفهوم الرأي العام إلى الثورة الفرنسية حينما استخدم السياسيون الفرنسيون
هذا المفهوم للتعبير عن اتجاهات وآراء ومصالح كبار التجار وأصحاب الصناعات خالل
مرحلة ما بعد الثورة ،وقد تطور هذا المفهوم أكثر بعد الحرب العالمية األولى وما رافقها من
جدل وخالفات حول الموقف من الحرب.
رغم كثرة استخدامات مفهوم الرأي العام في العلوم االجتماعية ،إال أنه ال يوجد تعريف
موحد جامع له ،خاصة مع تداخله مع المفاهيم أُخرى مثل االعتقاد والقناعة واالتجاه والحكم
والسلوك .وعليه ،يُعرف الرأي العام بوصفه "اتجاهات الناس ومواقفهم إزاء موضوع معين
عندما يكون هؤالء الناس أعضاء في جماعة معينة".
في التعريف أيضا ،يقول جيمس برايس James Bryceإن "الرأي العام هو اصطالح
يُستخدم للتعبير عن مجموع اآلراء التي يدين بها الناس إزاء المسائل التي تؤثر في مصالحهم
العامة والخاصة".
ويمكن القول أيضا "إن الرأي العام هو رأي األغلبية ،ومعنى ذلك أن هناك إمكانية
لوجود آراء أخرى تختلف عنه ،ولكنها ال تقلل من أهميته أو إمكانية وصفه بأنه عام".
وعموما يمكن التمييز بين الرأي العام الفعلي ويدل على أن االتجاهات قد أثيرت وأن
لها بعض التأثير على السلوك الجماعي لألفراد وموقفهم حول قضية ما .والرأي العام الكامن
49
ليدل على أن هناك اتجاهات لم تتبلور بعد ،حيال قضية معينة .ونشير هنا إلى مالحظة مهمة
مفادها أن الرأي العام ليس مجموعا ً حسابيا ً لآلراء الفردية ،وإنما هو محصلة تفاعل حول
موقف ارتضته الجماعة ككل.
ر
ه يقول الكاتب :والظاهرة ي
الت تدهشنا أكث يف الجمهور ي
التالية :أيا تكن نوعية األفراد الذين يشكلونه ،وأيا يكن نمط حياتهم
متشابها أو مختلفا وكذلك اهتماماتهم ومزاجهم أو ذكاؤهم ،فإن
مجرد تحولهم إىل جمهور يزودهم بنوع من الروح الجماعية .وهذه
الروح تجعلهم يحسون ويفكرون ويتحركون بطريقة مختلفة تماما
الت كان سيحس بها ويفكر ويتحرك كل فرد منهم لو
عن الطريقة ي
كان معزوال.
عادة ما يتشك ل الرأي العام وسط تفاعالت توجه آراء ومواقف الناس حيال بعض
القضايا التي تجلب إليها االهتمام ،وقد يكون هذا التأثير الجماعي خاضعا لتقاليد أو نسق
50
سياسي أو بيئة اجتماعية أو لعوامل نفسية .وعموما يتأثر الرأي العام بالعديد من العوامل
منها:
-العوامل الوظيفية :من المعروف أن هناك سمات تؤثر في عقلية الفرد وأفكاره،
فالمريض تكون أفكاره مريضة ،وقد تكون نظرته للحياة متشائمة.
-العوامل النفسية :هناك عوامل نفسية تؤثر في تصرفات الفرد وفي سلوكه .وتلعب
األهواء دورا ً بالغ األهمية في بلورة الرأي العام.
-الثقافة :تمثل مجموع العادات والتقاليد والقيم وأساليب الحياة التي تنظم حياة اإلنسان
داخل البيئة التي يعيش فيها ،والعادات المكتسبة أثناء عملية التنشئة االجتماعية المختلفة إذ
يكون لها تأثير على ما يصدره الفرد من مواقف وأحكام.
-النظام السياسي :تسمح األنظمة الديمقراطية بوجود وانتشار الرأي العام ،ألن وجود
الديمقراطية يضمن إمكانية التعبير عن الموقف والدفاع عن وجهات نظر معينة .وذلك على
عكس ما هو موجود في ظل الدكتاتورية ،باإلضافة إلى ذلك فإن الحريات العامة ،وهي حرية
51
الرأي والتعبير وحرية الصحافة والنشر وحرية االجتماع وغيرها ..تعد من مكونات الرأي
العام.
-األحداث والمشكالت :تعتبر الحوادث والمشكالت واألزمات ،التي يتعرض لها مجتمع
معين ،من العوامل المهمة التي تعمل على تكوين اتجاهات جديدة للرأي العام.
-اإلعالم والدعاية :يتأثر الرأي العام بوسائل االعالم والدعاية وما يترتب عنهما من
نشر معلومات وأخبار تحاول تكوين رأي عام عن طريق التأثير في األفراد ،وتوصف اإلعالم
بأداة صناعة الرأي العام أي توجيهه وتكوين مواقفه.
-الشائعات :يمكن النظر إلى الشائعات باعتبارها ظاهرة اجتماعية موجودة استخدمت
على مر العصور كأداة من أدوات التأثير وتشكيل الوجدان الجماعي بشأن قضية أو أمر ما،
سواء في أوقات السلم أم في أوقات الحرب ،وسواء بين الدول وبعضها البعض أو حتى داخل
الدولة الواحدة ،لخدمة مصالح صانعيها ومروجيها .وهي إحدى أهم أدوات الحرب النفسية.
والشائعة تعتبر أداة تستخدم من أجل هدفين :هدف االضرار أو هدف قياس مدى أمكانية قبول
شئيا ما.
-التأثير الديني :يعد العامل الديني من أكثر العوامل المؤثرة في الرأي العام ،ودرجة
تأثير العامل الديني في الرأي العام وتوجهاته بصفة عامة ،تختلف من مجتمع آلخر ومن شخص
آلخر تبعا لمجموعة من العوامل ،أهمها مستوى االلتزام الديني ومدى ارتباطه بمظاهر الحياة.
يصنف مفهوم التنمية السياسية ضمن المفاهيم الحديثة في علم السياسة ،وقد ارتبط هذا
التصور (التنمية السياسية) بانتقال النظم السياسية من نظم توصف بالتقليدية إلى نظم سياسية
حديثة ،حيث يبرز توجهان لدراسة التنمية السياسية .األول :االتجاه الکمي ويهتم بالدراسات
التي تأثرت بالمحدد السلوکي عبر ربط التغير السياسي بالنشاط االقتصادي وأثره على المجتمع
وما ينتج عنه من تغيرات اجتماعية وسياسية تروم االستقرار .أما االتجاه الثاني فيقوم على
52
التقييم الكيفي من خالل دراسة األنظمة السياسية من منطلق التحوالت النوعية التي تحدث فيها،
حيث العالقة بين المجتمع وقضايا الحريات وحقوق اإلنسان ودورهما في دعم التنمية السياسية.
ويحمل مفهوم التنمية السياسية تعريفات عديدة فقد تدل على النمو والتغيير في النظم
السياسية ،أي االنتقال من نظام إلى آخر أكثر قدرة على التعامل مع المشكالت .وهناك من يفهم
من التنمية السياسية على أنها شرط مسبق لتحقيق التنمية االقتصادية وذلك بتوفير االستقرار
السياسي .ويربط بعض الباحثين بين التنمية السياسية وتطور المؤسسات والممارسات
الديمقراطية ،بينما يعتبر آخرون أن مفهوم التنمية السياسية مرادف لنمو وتطور قدرات النظام
السياسي وقدرته على االستجابة لحاجيات المجتمع.
سياسياً :تهدف إلى بناء السلطة عن طريق مؤسساتها مما يؤدى لنمو .1
المجتمع وتحقيق أهدافه ،کما تعني التنمية بناء الديمقراطية وتحفيزها داخل المجتمع.
اجتماعياً :تهدف إلى اعتماد قواعد الحكامة الجيدة وتغيير األساليب غير .2
الناجعة قصد الرفع من مستوى الحياة االجتماعية ،فالتنمية السياسية بهذا المعنى تراهن
على تغيير جذري في عالقات المجتمع.
ثقافياً :تحقق التنمية السياسية نموا ثقافيا يسهم في تكوين الشخصية .3
المجتمعية ويحافظ على التعددية والهويات داخل الوحدة االجتماعية.
قانونيا ً وإدارياً :تهدف لتطوير األنظمة والقوانين بصورة مستمرة لتتالءم .4
مع االحتياجات المجتمعية التي يقتضيها التغيير.
أنتجت العلوم السياسية مجموعة من األفكار والنظريات التي تهتم بالتغيير السياسي،
وذلك في محاولة منها للكشف عن العالقات القائمة بين طبيعة النظام السياسي ومجموعة من
المؤشرات التي تهم المجتمع .وإلى جانب النظرية السلوكية الكالسيكية التي عرضنا إليها أعاله
(المقتربات الكمية والكيفية).
53
وعموما ،يمكن التمييز بين ثالث نظريات حديثة في مجال التنمية السياسية:
نظرية التحديث :ترتكز على العوامل الخارجية التي يكون لها األثر األكبر في نقل المجتمعات
من التقليد إلى الحداثة ،ما يُحقق التنمية السياسية .وقد ارتبطت هذه النظرية ،من جهة،
بالدراسات حول دور الثقافة في تحديث المجتمع ،ومن جهة أخرى ،دراسة دور االختالفات
االجتماعية في إحداث التغير االجتماعي.
نظرية التبعية :وهي مدرسة دافعت عن فكرة مفادها أن االنحطاط والتخلف في دول العالم
الثالث ،ليس الحالة الطبيعية لتلك المجتمعات ،بل هي نتيجة للسيطرة االستعمارية عليها.
فالتخلف والتنمية هو نتاج تطور الدول المتقدمة الذي ينتج عنه تبعية وتخلف دول أخرى تحت
تأثير االحتكار الذي تمارسه الدول المتقدمة من خالل التحكم في اإلمكانيات والموارد التي من
شأنها أن تسهم في تحديث المجتمعات األخرى ،أي في تحقيق التنمية السياسية.
نظرية التعبئة :تعتبر هذه النظرية أن التنمية السياسية تمر عبر إلغاء التقاليد والرهان على
عملية التعبئة التي تساعد على نشر الفكر العقالني المساعد على تحفيز الرغبة في التنمية .وقد
اعتبر رواد هذا االتجاه (دانييل لينر وكارل دوتش) في تحليلهما لدول الشرق األوسط على
مؤشرات اجتماعية الحظوا من خاللها أن مشكلة التنمية السياسية داخل هذه المجتمعات تكمن
في حفاظها على بعض أنماط التقاليد والخصوصية ما يعقد مهمة إدماج ثقافات "تحديث جديدة"
داخل هذه التنظيمات االجتماعية.
إلى جانب التنظيم النقابي (جماعات الضغط بأهداف مادية) ،والتنظيمات الحقوقية
والنسائية والجمعيات المختصة (جماعات الضغط بأهداف معنوية) .و(جماعات التأثير) في
السياسات العمومية ،ينص الدستور المغربي أيضا على آليات يمكن أن تحقق التنمية السياسية
من خالل تقنيات يمارسها الشعب تسمى أدوات الديمقراطية التشاركية ،وتتمثل في "الحق في
تقديم العرائض إلى السلطات العمومية" و"الدفع بعدم دستورية القوانين".
54
تقديم العرائض إلى السلطات العمومية
يرى الباحثون أن لكل نظام سياسي طريقته في صياغة المطالب واالستجابة لها ،ومن
أبسط صور المشاركة والضغط هي أن يتقدم الفرد بالتماس أو طلب للسلطات العمومية أو
للمجالس الجماعية بشأن إدراج إجراء أو برنامج له تأثير على الحياة العامة لهؤالء األفراد.
وغالبا ما تتخذ هذه الطلبات شكل "العرائض" باعتبارها انعكاسا لفكرة الديمقراطية التشاركية.
في المغرب اعتمد دستور 2011ألول مرة فكرة الحق في التقدم بالعرائض أمام
السلطات العمومية من قبل المواطنين والجمعيات .وتؤطر أحكام الفصلين 15و 139من
الدستور على التوالي هذا الحق الدستوري ،إذ يتعلق األول بحق تقديم المواطنات والمواطنين
للعرائض إلى السلطات العمومية ،المتمثلة في رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب ورئيس
مجلس المستشارين .فيما يتعلق الثاني بحق تقديم الجمعيات والمواطنات والمواطنين للعرائض
إلى رؤساء مجالس الجماعات الترابية الثالث ،المحددة في رئيس مجلس الجهة ورئيس مجلس
العمالة أو اإلقليم ورئيس مجلس الجماعة.
وقد اعتمد المغرب نص القانون التنظيمي رقم 14.44المتعلق بتحديد شروط وكيفيات
تقديم العرائض إلى السلطات العمومية .كوسيلة مهمة تمكنهم من الضغط والمشاركة في إنتاج
القرارات والسياسات العمومية وتجويدها ،وأداة فعالة لنقل مشاكلهم إلى السلطات العمومية،
وقد ميز القانون بين أنواع من العرائض:
العريضة الوطنية :ت ُوجه إلى رئيس الحكومة أو رئيس مجلس النواب أو •
رئيس مجلس المستشارين تضم مطالب أو مقترحات أو توصيات المواطنين (تروم
العريضة تحقيق المصلحة العامة) توضع من قبل وكيل العريضة لدى السلطة المعنية.
تحمل العريضة توقيع 5000شخصا ومحضر اجتماع والبطاقة الوطنية للموقعين،
بغرض إدراج المقترح أو الطلب في جدول أعمال المجلس.
العريضة الجهوية :تصاغ وفق نموذج خاص بها وتوجه إلى رئيس •
مجلس الجهة ،يوقعها 300من المواطنين عبر مختلف األقاليم المكونة للجهات .بالنسبة
55
للجهة التي يقل عدد سكانها عن مليون نسمة .و 400توقيعا في الجهات التي يتجاوز
عدد سكانها 2مليون نسمة .و 500توقيعا للجهات التي يتجاوز تعداد سكانها 3مليون
نسمة.
العريضة اإلقليمية :تتم على مستوى العمالة واإلقليم ،من خالل المطالبة •
بإدراج نقطة تدخل ضمن برنامج دورة المجلس اإلقليمي أو مجلس العمالة ،يقتضي
التقدم بالعريضة أن يوقعها 300شخصا ينتمون إلى تراب اإلقليم ،يضعها وكيل
العريضة ،مرفوقة بنسخ من بطاقة التعريف الوطنية للموقعين عليها.
العريضة المحلية :توجه إلى رئيس الجماعة وتهدف إلى تحقيق مصلحة عامة عبر
المطالبة بإدراج مقترح أو طلب في جدول أعمال المجلس الجماعي .ت ُوقع العريضة من قبل
100مواطن بالنسبة إلى الجماعات التي يفوق ساكنتها 35ألف نسمة .وتوقع من قبل 200
مواطنا للجماعات التي تزيد عن 35ألف نسمة ،و 400مواطنا ومواطنة بالنسبة للجماعات
الخاضعة لنظام المقاطعات (في نظام المدن الكبرى مثل الدار البيضاء.)..
أتى القانون التنظيمي رقم 86.15المتعلق بإجراءات الدفع بعدم دستورية القانون،
تطبيقا ألحكام الفصل 133من الدستور المغربي لسنة 2011الذي أتاح هذه اإلمكانية ألول
مرة أمام المتقاضين ،فقد أصبح بإمكان المتقاضين أن يتقدموا ،أمام المحاكم المغربية بمختلف
درجاتها بمناسبة جميع الدعاوى وأيضا أمام المحكمة الدستورية مباشرة عندما يتعلق األمر
باختصاصها الحصري في الطعون المتعلقة بانتخاب أعضاء البرلمان ،بمذكرات تتضمن دفعا ً
بكون القانون الذي سيطبق عليهم أو على قضيتهم يمس بالحقوق والحريات التي يضمنها
الدستور .وحينها تتوقف المحاكم عن نظر الدعاوى إلى حين بت المحكمة الدستورية في هذا
الدفع.
وعموما ،يتم هذا الدفع أمام محكمة النقض في القضايا المثارة أمام محكمة درجة أولى
أو محكمة درجة ثانية ،حسب الحالة .إذ يحال الدفع إلى الرئيس األول لمحكمة النقض طبقا
56
ألحكام المادة 6من القانون المنظم لهذا اإلجراء ،ويُشعر فورا الوكيل العام للملك لدى هذه
المحكمة باإلحالة المذكورة.
أما القضايا ذات الطبيعة االنتخابية فإن الدفع بعدم الدستورية يكون أمام المحكمة
الدستورية طبقا للمادة 15من القانون المنظم ،ويترتب عن تقديم الدفع أمام المحكمة الدستورية
بمناسبة المنازعة المتعلقة بانتخاب أعضاء البرلمان ،إيقاف البت في هذه المنازعة ،وكذا وقف
اآلجال المرتبطة بها إلى حين بت المحكمة الدستورية في الدفع المقدم أمامها.
57
مراجع مختارة
58