You are on page 1of 58

‫جامعة احلسن األول‬

‫كلية العلوم القانونية والسياسية بسطات‬

‫حماضرات ف‬
‫مدخل إىل علم السياسة‬
‫ذ‪ .‬إحسان احلافظي‬

‫املوسم اجلامعي ‪2022/2021‬‬


‫‪1‬‬
‫المدخل إلى علم السياسة‬
‫يُستخدم مفهوم "السياسة" بمعنيين على األقل‪ ،‬وكالهما له عالقة مباشرة بالحياة اليومية‬
‫لألفراد والجماعات‪ ،‬ففي االستخدام التقليدي الضيق السياسة هي ما تقوم به الحكومات‪ ،‬وفي‬
‫معنى أوسع السياسة هي عندما يمارس األشخاص السلطة على اآلخرين‪ ،‬فهي جزء من‬
‫العالقات االجتماعية سواء أكانت عالقة قرابة أم عالقة مهنية أو دينية أم ثقافية‪.‬‬

‫ما هو علم السياسة؟‬

‫إذا ما حاولنا تعريف علم السياسة بشكل رسمي ودقيق فسوف نواجه ذلك النوع من‬
‫المشكالت المعرفية التي تتكرر دائما‪ ،‬وأهم هذه المشكالت ترتبط بما إذا كنا نتحدث عن‬
‫السياسة باعتبارها نشاطا بشريا أو باعتبارها نشاطا أكاديميا‪ .‬أو باعتبارها علم سياسة كما في‬
‫فرنسا أو علوم سياسية كما هو الحال في الواليات المتحدة األمريكية‪.‬‬

‫تختلف التعاريف التي أعطيت لمفهوم علم السياسة باختالف المرجعيات الفكرية‬
‫والنظريات التي تحكمت في بلورة هذا التعريف أو ذلك‪ .‬في القاموس السياسي لجامعة أكسفورد‬
‫البريطانية تم تعريف علم السياسة باعتباره "علم الحكم وفنه‪ ،‬وهو العلم الذي يتعامل مع شكل‬
‫الدولة وتنظيمها وإدارتها كاملة أو أجزاء منها طبقا لقوانين هذه الدولة‪ ،‬فضال عن تنظيم عالقتها‬
‫بالدول األخرى"‪.‬‬

‫وعند المفكر البريطاني "برنارد كريك" (‪ )2008 /1929‬يفيد علم السياسة "وسيلة‬
‫لحكم المجتمعات المنقسمة على نفسها من خالل نقاش حر ومن دون عنف غير مبرر"‪ ،‬وفي‬
‫تعريف عالم االجتماع األمريكي "هارولد السويل" (‪ )1978 /1902‬علم السياسة هو "من‬
‫يحصل على ماذا وكيف ومتى"‪ ،‬ويُعرفه "دافيد إستون" بأنه "التوزيع السلطوي للقيم"‪.‬‬

‫أما "جون ماري دانكان" في كتابه "علم السياسة" فإنه يعطي مدلوال مختلفا يجعل‬
‫"الحديث عن علم السياسة يتضمن التأكيد على ثالثة أمور‪ ،‬أوال أن هناك نموذجا خاصا‬
‫للمعرفة‪ ،‬وثانيا أن هناك ميدانا خاصا يتميز بخصوصيته وتماسكه داخل يمكن أن يوصف‬
‫‪2‬‬
‫إجماال بالسياسي‪ ،‬وأخيرا أن هذا الميدان وهذا النموذج من المعرفة يوصل إلى دراسة الظواهر‬
‫السياسية"‪ .‬بالنتيجة يؤدي استعمال علم السياسة إلى ثالث نتائج‪:‬‬

‫‪ /1‬أن هناك معرفة خاصة متميزة عن المعرفية الحدسية أو الفطرية‪ ،‬تحمل اسم‬
‫علم يختص بالسياسة دراسة وتجريبا واختبارا (للظواهر)‪.‬‬

‫‪ /2‬أن هناك مجال خاص بهذه المعرفة ‪ /‬العلم‪ ،‬هو مجال السياسة (البنيات‪،‬‬
‫األحزاب‪ ،‬األنساق‪ ،‬والقانون‪ ،‬تكوين الرأي العام‪).‬‬

‫‪ / 3‬أنها معرفة دالة تجعل من السياسة علما يختص بدراسة الظواهر السياسية‬
‫ويُنشئ لها خطابا خاصا بها (التواصل السياسي مثال)‪.‬‬

‫يمكن القول إن علم السياسة ظهر بداية بصيغة الجمع باستخدام لفظ العلوم السياسية‪،‬‬
‫ويُرجح "موريس دوفيرجي" أن ظهور اسم علم السياسة بصيغة المفرد يعود إلى نهاية القرن‬
‫‪ 18‬بفرنسا‪ .‬والحقا سيتم استبدال لفظ الفلسفة السياسية بعبارة العلم السياسي‪ .‬ابتداء من عام‬
‫‪ 1945‬حقق علم السياسة تقدما جديدا بإنشاء المؤسسة الوطنية للعلوم السياسية في فرنسا ومعهد‬
‫الدراسات السياسية في باريس وفي بريطانيا بدأ درس علم السياسة في جامعة أكسفرد‪ .‬وقد‬
‫كان لمنظمة اليونيسكو دورا في إعطاء علم السياسية مكانة أكبر فأنشأت الجمعية الدولية لعلوم‬
‫السياسة ‪ ،1948‬حيث أوصى علماء السياسة بمقر المنظمة في باريس باعتماد لفظ "علم‬
‫السياسة" بدال من العلوم السياسية‪.‬‬

‫علم السياسة والعلوم األخرى‬

‫الحدود بين علم السياسة والعلوم المعرفية األخرى‪ ،‬خاصة االجتماعية واإلنسانية‪ ،‬تبقى‬
‫مبهمة‪ .‬إذ ال يمكن الفصل بينها‪ .‬فمن غير المعقول عزل الظاهرة السياسية عن الظاهرة‬
‫االجتماعية وال عن مجموعة السلوكات السائدة (الثقافة السياسية) أو العالقات والرموز التي‬
‫تشكل الشبكة االجتماعية (علم االجتماع السياسي)‪ ،‬بل إن استحالة التمييز المعرفي بين علم‬
‫السياسة والعلوم االجتماعية‪ ،‬يجعل علم السياسة كمعرفة ال تتحقق إال باستعمال مفاهيم حقول‬
‫معرفية أخرى مثل علم النفس السياسي‪ ،‬االقتصاد السياسي‪..‬‬

‫‪3‬‬
‫علم السياسة والقانون‪ :‬تتميز المقاربة القانونية بكونها تسعى إلى التمييز‬ ‫•‬
‫بين ما هو مشروع وبين ما هو غير مشروع (تسمى المقاربة المعيارية)‪ .‬ويهدف‬
‫القانون إلى التحقق من نتائج ما‪ ،‬إما من أجل الحفاظ عليها أو تغييرها‪ ،‬كما أن القانون‬
‫يمكن ان يُستخدم في تغيير سياسة عمومية وبنيات الدولة‪ .‬وهكذا يتمظهر القانون في‬
‫عالقته بعلم السياسة في شكل مؤسسات (شكل الدولة‪ /‬عالقة السلط‪ /‬عقالنية‬
‫توزيعها‪ ،)..‬فهذه المؤسسات التي ينتجها القانون ال يصبح لها معنى إال بعلم يدرس‬
‫وظائفها (علم السياسة) وتأثيرها االجتماعي (علم االجتماع السياسي) وصالحياتها‪.‬‬
‫علم السياسة والفلسفة السياسية‪ :‬تتسم الفلسفة بطابعها التأملي‪ ،‬فهي تنطلق‬ ‫•‬
‫من طرح األسئلة كمنهاج للتحليل‪ ،‬بخالف علم السياسة الذي ينتج المعرفة من خالل‬
‫دراسة اإلشكاليات القائمة‪ .‬فالفرق بينهما أن الفلسفة تتمحور حول أحكام القيم (ما يجب‬
‫أن يكون) بينما الثانية تدرس السياقات الفعلية القائمة (دراسة ما هو كائن)‪ .‬ويتقاطع‬
‫علم السياسة مع الفلسفة السياسية حيث يجد في هذه األخيرة بعض األفكار والمعارف‬
‫الخاصة بقضايا السياسة كمفهوم الدولة وعالقات السلط‪ ،‬فعلم السياسة يتقاطع مع‬
‫اإلشكاالت الكبرى التي تناقشها الفلسفة السياسية مثل قضايا حقوق اإلنسان‬
‫والديمقراطية والحريات العامة والفردية‪..‬‬
‫علم السياسة وعلم االجتماع السياسي‪ :‬ينتصر المذهب السوسيولوجي‬ ‫•‬
‫لتعريف علم السياسة بوصفه "علم للسلطة"‪ .‬فهو وفق هذا المنظور ليس إال فرعا من‬
‫فروع علم االجتماع يتخذ اسم "علم االجتماع السياسي"‪ .‬ويقول موريس دوفيرجي‪:‬‬
‫"إن التعرف على علم االجتماع السياسي ال ينفصل عن التعرف على علم االجتماع‬
‫العام‪ .‬ألن السياسة ال تشكل نطاقا منفصال عن المجتمع"‪ .‬غير أنه ال يمكننا أن نستكين‬
‫إلى الرأي القائل بتماهي علم السياسة وعلم االجتماع عبر مدخل الظاهرة االجتماعية‪.‬‬
‫فالرافضون لهذا االتجاه يقولون بأنه على الرغم من اعتبار الظواهر السياسية محور‬
‫علم السياسية‪ ،‬فإن ذلك ال يقوم دليال على تالقي علم السياسة وعلم االجتماعي‪ .‬ألن‬
‫أصالة علم من العلوم ال تكمن في الشيء الذي يركز مالحظته عليه وإنما في الغاية من‬

‫‪4‬‬
‫هذه المالحظة‪ ،‬فـ"الجيولوجي والمؤرخ بنظرتهما إلى الصخرة نفسها ال يريان نفس‬
‫الشيء‪ .‬فاألول يرى فيها داللة على وجود النفط مثال‪ .‬بينما يرى فيها الثاني تاريخ‬
‫حضارة"‪.‬‬

‫منهجيات دراسة علم السياسة‬

‫في تقديم منهجيات تحليل علم السياسة يمكن التمييز بين ثالث منهجيات فاحصة لهذا‬
‫العلم المتخصص‪ ،‬وهي عموما المدرسة التقليدية وتيار علم االجتماع ثم المدرسة الراديكالية‪.‬‬

‫غالبا ما تتعامل "المدرسة التقليدية" مع األمور السياسية بشكل تدريجي من خالل دراسة‬
‫دولة معينة أو مؤسسة سياسية ما‪ ،‬وجوهر هذا المنهج الدراسي لعلم السياسة يكمن في دراسة‬
‫المؤسسات السياسية في سياقها التاريخي‪ .‬أما "تيار علماء االجتماع" فقد رفض هذا التحليل‬
‫التقليدي ودافع عن منه جية تعميمية يكون بموجبها من واجب علماء السياسة أن يشتقوا‬
‫النظريات والقوانين عن طبيعة السلوك السياسي‪ .‬في حين ترى "المدرسة الراديكالية" أن علم‬
‫السياسة أداة لتغيير جذري للمجتمعات يقوم على قواعد التحليل الماركسي لمفهوم الدولة‬
‫بوصفها أداة تسلط على المجتمع‪.‬‬

‫في عمل مبكر اقترح علماء السياسة في المدرسة األمريكية (أمثال‪ :‬ألموند غابرييل‬
‫وكولمان ‪ )1960‬استعمال مفاهيم بديلة في حقل السياسة منها المفاهيم التالية‪:‬‬

‫النظام السياسي بدال من الدولة‬ ‫•‬


‫الوظائف بدال من السلطات‬ ‫•‬
‫األدوار بدال من المناصب‬ ‫•‬
‫الهياكل بدال من المؤسسات‬ ‫•‬
‫الثقافة السياسية بدال من الرأي العام‬ ‫•‬
‫التنشئة السياسية بدال من المواطنة‬ ‫•‬

‫الحقا‪ ،‬قام العديد من الباحثين في علم السياسة باستخدام هذه المفردات البديلة في‬
‫الخطاب السياسي‪ ،‬إذ أصبحوا يستخدمون مفاهيم جديدة أقرب إلى التنظير العلمي منه إلى‬

‫‪5‬‬
‫ا لممارسات وتطبيقات السياسة‪ ،‬فمن وجهة نظرهم مفاهيم من قبيل النظام الدولة أو السلطات‬
‫أو المؤسسات السياسية هي تعبير عن ممارسات وليس عن مفاهيم علمية‪ ،‬وبذلك فضلوا مفاهيم‬
‫"محايدة" مثل النظام والوظائف والثقافة السياسية وغيرها‪..‬‬

‫ما هي السياسة؟‬

‫هناك تعريفات مبسطة لل سياسة تجعل منها تعبيرا عن إرادة لخدمة الصالح العام أو‬
‫نشاطا بشريا يرمي وراءه األفراد الوصول إلى الحكم والسلطة‪ ،‬وهي أيضا رغبة انتهازية أو‬
‫مصلحية تحرك األشخاص بغية تحقيق مصالح الخاصة‪ .‬وباختالف المفاهيم وسياقاتها فإن‬
‫السياسة بالمعنى المعروف تتخذ ثالثة استعماالت متداولة للتعبير عن ممارسات معينة‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫التدبير واالستراتيجية والتحايل‪.‬‬

‫السياسة تدبير‬ ‫•‬

‫ت ُستعمل كلمة سياسة لتوصيف طريقة تدبير نشاط معين‪ ،‬فنتحدث عن سياسة التشغيل‬
‫أو سياسة النقل أو سياسة الصحة‪ ..‬فالمقصود "سياسة األشياء" ألن كلمة السياسة بمعنى التدبير‬
‫يُقصد بها مجموعة األهداف المحددة والوسائل المستخدمة لحل مشكلة يطرحها الواقع‬
‫االجتماعي أو االقتصادي للناس‪ .‬هذا المدلول يعطي للسياسة مفهوما "إداريا" يجعل منها وسيلة‬
‫لحل المشكالت المطروحة وفق اإلمكانيات التي تتوفر عليها الدولة وبحسب طبيعة عالقتها‬
‫بالنظام االجتماعي القائم‪ ،‬فالسياسة بمدلول التدبير تعني أيضا تعبئة الموارد المالية والبشرية‬
‫إليجاد الحلول‪.‬‬

‫السياسة استراتيجية‬ ‫•‬

‫إذا كانت السياسة بمعنى التدبير تفيد "سياسة األشياء" فإنها بمعنى االستراتيجية تعني‬
‫"سياسة األشخاص"‪ ،‬ألن المقصود بها ما يقوم به الفاعل السياسي من خطط وبرامج بغرض‬
‫تحقيق أهدافه والوصول إلى مبتغاه‪ .‬في هذا االستعمال نكون أمام إرادة واعية ألشخاص‬
‫يخططون وينفذون‪ ،‬وهذه االستراتيجية غالبا ما تتضمن أربعة مراحل‪:‬‬

‫تحديد األهداف‬ ‫▪‬

‫‪6‬‬
‫تحديد نوعية الوسائل المتوفرة‬ ‫▪‬
‫تكييف هذه الوسائل مع األهداف‬ ‫▪‬
‫تقدير النتائج‪ :‬النجاح أو اإلخفاق‬ ‫▪‬

‫السياسة تحايل‬ ‫•‬

‫يرمز هذا االستخدام إلى استعمال سلبي للسياسة‪ ،‬فهي تعني المناورة والمكر‪ ،‬ويستند‬
‫هذا التعريف إلى استنتاجات نيكوال ميكيافلي حول السياسة والفاعل السياسي (الغاية تبرر‬
‫الوسيلة)‪ .‬بهذا المعنى تُصبح السياسة عبارة عن ممارسات سلبية تفضي إلى احتقار الممارسة‬
‫السياسية عموما بسبب التمثالت المصلحية التي تجعل السياسة فعال منبوذا أو مكروها‬
‫يختصرها في المناورة والتحايل‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫موضوعات علم السياسة‬
‫نقصد بموضوعات علم السياسة تلك المواضيع واالهتمامات التي تنصب عليها دراسات‬
‫علم السياسة‪ ،‬وقد توزعت بين موضوعات الدولة والسلطة والسياسة العامة‪ ،‬غير أن هذه‬
‫األخيرة حديثة الدمج في تخصصات علم السياسة لكون المفهوم ظهر بداية في االقتصاد ثم‬
‫اإلدارة قبل أن يتحول إلى السياسة‪ ،‬بالنظر إلى الوظائف التي تحققها الدول بواسطة هذه‬
‫السياسات العامة‪.‬‬

‫مفاهيم السلطة والدولة والسياسة العامة‬

‫أسس علم السياسة عدة مفاهيم منها ما يتعلق بالعناصر التي توجد في الحقل السياسي‬
‫أو تنشطه ومنها ما هو أكثر عمومية‪ .‬وهذه المفاهيم مثل‪ :‬مفهوم السلطة بوصفها أدوات‬
‫ومؤسسات قائمة على تملك إرادة الجميع في شخص أو مؤسسة أو نظام‪ .‬ومفهوم الدولة‪ ،‬حيث‬
‫تبدو ظاهرة الدولة كأساس طبيعي الشتغال علم السياسة وجاءت إسهامات "جون بودان"‬
‫و"بيير بورديو" وافرة في هذا الموضوع‪ .‬ثم مفهوم السياسات العامة‪ ،‬بوصفها دراسة لما يفعله‬
‫أو يمتنع عن فعله النظام السياسي‪ ،‬حيث يشكل البحث في طبيعة السياسات العامة كالبرامج‬
‫والقرارات واإلجراءات‪ ..‬طريقا لمعرفة طبيعة النظام السياسي واختياراته في العالقة مع‬
‫المجتمع‪.‬‬

‫إن إضفاء صفة "السياسية" على السلطة يوحي بضرورة التمييز داخل هذه السلطة بين‬
‫سلطة سياسية وسلطات غير سياسية‪ ،‬وهذا التمييز شائع في اللغة‪ .‬وبحسب موريس دوفيرجي‪:‬‬
‫"فإذا كان مفهوم السلطة السياسية مفيدا يف بعض المجاالت وبعض المقاربات‪ ،‬فإنه ليس كذلك يف حاالت‬
‫الت تجعل من‬ ‫ر‬
‫أخرى‪ ،‬بل إنه جعل األسئلة أكث غموضا‪ ،‬وساهم يف استمرار المفاهيم التقليدية المثالية ي‬
‫الدولة‪ ،‬المجتمع الكامل الذي ال تشكل فيه الجماعات األخرى إال أشكاال أولية"‪ ،‬بمعنى أشكاال تأسيسية‬
‫للدولة‪.‬‬

‫وعلى ضوء هذا التفسير يمكن التمييز بين معنيين لمفهوم السلطة السياسية‪ ،‬األول‪:‬‬
‫يُعرف الصفة السياسية ل سلطة ما عبر نموذج الجماعة التي تمارس فيه فتكون سياسية تلك‬
‫السلطة التي تمارس في المجتمع الكلي بمواجهة سلطات تمارسها مجموعات (محدودة) خاصة‪،‬‬
‫‪8‬‬
‫فيعتبر زعماء القبائل وحكام المدينة واإلقطاعيون أصحاب سلطة سياسية بهذا المعنى‪ .‬أما‬
‫المفهوم الثاني‪ :‬فهو الذي يعتبر الدولة وحدها مركز السلطة وقد تفوضها بحسب طبيعة الدولة‬
‫إلى أجهزة تابعة لها على صعيد الجهات أو األقاليم‪.‬‬

‫أوال‪ :‬علم السياسة كعلم دولة‬

‫يعتبر هذا التعريف "األقرب إلى الحس العام" حسب موريس دوفيرجي‪ .‬وقد بدأ مع‬
‫فالسفة اليونان وذلك منذ اعتبر أرسطو أن السياسة هي حكم المدينة ‪ ،POLIS‬والمقصود‬
‫المدينة اليونانية التي كانت تشكل دولة وقتها‪ ،‬أي المدينة الدولة‪ .‬وقد نظروا إلى المدينةـ الدولة‬
‫باعتبارها الشكل المثالي للتجمع البشري واعتبروا السياسة هي أداة لبلوغ غاية سامية ونبيلة‬
‫تتجلى في تحقيق الدولة الفاضلة والحكم الصالح الراشد التي يستهدف المصلحة العامة والخير‬
‫المشترك للجماعة‪.‬‬

‫في العصور الوسطى (القرن ‪ )12‬اشتغل القديس طوما اإلكويني ‪1274/1225‬‬


‫(فيلسوف الهوتي إيطالي) على مناقشة العالقة بين الدولة والكنيسة‪ ،‬أي النظر إلى الدولة من‬
‫االجتماع أداة أوجدها اإلنسان للحصول‬
‫ي‬ ‫منظور الدين‪ .‬وقد كتب طوما اإليكويني يقول "إن التنظيم‬
‫عىل مطالبه والدفاع عن نفسه‪ .‬وأن المجتمع والدولة قد ُوجدا للفرد‪ ،‬ولم يوجد الفرد للمجتمع والدولة‪.‬‬
‫كثث العدد‪ ،‬مشتت‪ ،‬جاهل‪ ،‬متقلب‪ .‬ولذلك‬
‫وه حق للشعب‪ ،‬ولكن الشعب ر‬
‫تأت من عند هللا ي‬
‫وأن السيادة ي‬
‫فإنه ال يستطيع ممارسة السيادة بنفسه فيوكلها إىل من يحكمه"‪ .‬ومن وجهة نظره فإن الديمقراطية‬
‫والملكية تصلح ما صلُحت القوانين وح ُ‬
‫سن تنفيذها‪ ،‬وخير أنواع الحكومات هي الحكومة الملكية‬
‫الدستورية ألنها تُمكن من تحقيق الوحدة واالستقرار واالستمرار‪.‬‬

‫وخالل القرن ‪ 17‬ظهرت نظريات معرفية جديدة تربط الدولة بمفهوم السيادة كمقترب‬
‫قانوني طارئ على مفهوم الدولة‪ ،‬حيث ستصبح الدولة عبارة عن تجمع بشري مستقل (شعب)‬
‫يعيش في حدود جغرافية وترابية محددة (إقليم) ويمارس سيادته في اختيار الحكام (السلطة‬
‫السياسية)‪ .‬في هذه المرحلة ارتبط علم السياسة بالدولة كتعبير عن السيادة حيث هيمن هذا‬
‫المفهوم القانوني على تحليل الوقائع السياسية‪ ،‬ومن أبرز رواد هذا التيار السياسي الفرنسي‬
‫جان بودان (‪ )1596 /1530‬صاحب مفهوم السيادة التي يعتبرها جوهر قيام الدولة‬

‫‪9‬‬
‫واستمرارها‪ .‬وتوماس هوبس الذي انطلق من فرضية العقد االجتماعي للوصول إلى دولة‬
‫الحكم المطلق‪ .‬وقد كانا معا من أنصار الملكية المطلقة‪.‬‬

‫ضمن هذا التصور ظهرت مفاهيم الدولة الوطنية ‪ ETAT NATION‬أو دولة السيادة‬
‫القومية التي تجعل من الدولة التجسيد الكامل للسيادة أي لمجموع قرارتها السيادية على‬
‫الصعيدين الداخلي والخارجي (العالقات الدولية)‪ .‬ويفترض في وجود الدولة الوطنية وجود‬
‫توافق بين الدولة ككيان سياسي قانوني واألمة ككيان اجتماعي مع شرط االنسجام بغض النظر‬
‫عن االنتماءات الدينية أو اإلثنية‪.‬‬

‫في القرن ‪ 19‬طور علم السياسة مفهوم الدولة كـ"مؤسسة المؤسسات"‪ ،‬وقد كان الفقيه‬
‫الدستوري الفرنسي "مارسيل بريلو" (‪ )1972/1898‬أول من استخدم هذا التعريف‪ ،‬حيث‬
‫الدولة بهذا المعنى هي سيرورة مؤسسات تم توظيفها كوسائل لتوحيد المجتمع عبر أدوارها‬
‫السياسية‪ ،‬من خالل تنظيم السلطة والمجتمع‪ ،‬واالقتصادية عبر سياسة توزيع المنافع‪،‬‬
‫واالجتماعية‪ ،‬عبر القوانين واإلكراه الجماعي‪ .‬فالدولة إذن مجموعة مؤسسات وظيفية تقوم‬
‫بمهام تضمن استمرار وبقاء السلطة السياسية‪ .‬فهي مؤسسة المؤسسات‪.‬‬

‫إن التقاطع الحاصل بين علم السياسة والدولة دفع ببعض الباحثين في علم السياسة إلى‬
‫وصف علم السياسة بكونه "علم الدولة" ألنه يشير صراحة إلى موضوع هذا العلم‪ :‬أي الدولة‪.‬‬
‫ومنطل ق هذا االتجاه أن التجمعات البشرية ال تبدأ باتخاذ صفة المجتمع إال بعد أن تنشأ فيها‬
‫مؤسسات‪ ،‬كما أن "الظاهرة السياسية ال يمكن أن تالحظ إال بعد أن تصبح ظاهرة مؤسسية‪،‬‬
‫وبأن العالقات االجتماعية والمؤسساتية ال أهمية لها إال إذا تبلورت في شكل مؤسسات"‪.‬‬

‫في نقد تعريف علم السياسة كعلم الدولة‬

‫قاد هذا التيار الفرنسي موريس دوفيرجي (‪ )2014/1917‬باعتباره رائد التوجه القائل‬
‫بأن علم السياسة هو علم السلطة‪ .‬ويرى الباحث أن هذا التعريف الذي يحصر علم السياسة في‬
‫علم الدولة يقوم على فكرة إيديولوجية وهي مفهوم السيادة التي نشأت مع الدولة نفسها (أفكار‬
‫جان بودان‪ ،‬توماس هوبس)‪ ،‬وهذا يعيق علمية البحث في علم االجتماع السياسي باعتبار‬

‫‪10‬‬
‫الطابع القانوني لفكرة الدولة‪ ،‬المبنية على عنصر السيادة‪ ،‬كموضوع لعلم السياسة‪ .‬وعموما‬
‫لقى تعريف علم السياسة باعتباره علم الدولة انتقادات كثيرة أهمها‪:‬‬

‫أنه يجعل من البحث السياسي مجرد دراسة مؤسساتية تتجلى في التركيز‬ ‫•‬
‫على المؤسسات المادية أو القانونية المكونة للدولة كالشعب واإلقليم والسلطة السياسية‬
‫والسيادة واالعتراف‪.‬‬
‫يتعارض حصر علم السياسة في دراسة القواعد القانونية (مبدأ السيادة)‬ ‫•‬
‫التي تقوم عليها الدولة‪ ،‬مع فكرة أن الدولة انبثقت من المجتمع أي أنها وليدة تطور‬
‫العالقات بين مختلف القوى االجتماعية‪ ،‬فالدولة لم تنشأ إال كتتويج لتطور المجتمع‪.‬‬
‫رغم أن الدولة كانت دائما أساسا لعلم السياسة‪ ،‬إال أن اتساع دائرة‬ ‫•‬
‫السياسة جعل من الدولة مسألة ثانوية قياسا بالظواهر السياسة الجديدة التي أفرزها‬
‫التحوالت اإلنسانية‪ .‬فالسياسة بهذا المعنى توجد داخل الدولة وخارجها أيضا‪.‬‬
‫أنه تعريف (أي علم السياسة كعلم للدولة) يقوم على مفهوم مجرد ال يمكن‬ ‫•‬
‫إدراك مضمونه الصحيح بشكل دقيق ألن مفهوم الدولة يأخذ معاني كثيرة وبحسب‬
‫السياق‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬السلطة‪ ،‬كموضوع لعلم السياسة‬

‫يقوم هذا المبدأ على تجاوز التحليل الوظيفي لعلم السياسة (كعلم للدولة)‪ ،‬وكذا استبعاد‬
‫نظرية السيادة‪ .‬فالسلطة كموضوع لعلم السياسة تفيد أنه علم يدرس أنماط وأشكال السلط من‬
‫نظام الحكم وحكومة ووالء سياسي وقد يأخذ هذا الوالء معنى قانونيا كما يأخذ أيضا معاني‬
‫تقليدية مثل والية الفقيه وإمارة المؤمنين وعقد البيعة‪ ..‬فعلم السياسة يدرس موضوع السلطة‬
‫في كل المجتمعات البشرية سواء المنظمة (الدولة) أو التقليدية (القبيلة)‪ ،‬ويتميز هذا االتجاه‬
‫المدافع عن فكرة "السلطة كموضوع لعلم السياسة" بإعمال قواعد علم االجتماع السياسي‪.‬‬

‫والسلطة بالمعنى الواسع‪ ،‬تتجلى في نشاط "القادة‪ /‬الحكام" سواء في الدولة أو في‬
‫جماعة بشرية ت ُكون مجتمعا‪ .‬ولذلك يرى البعض أن السلطة ال تختلف في الدولة عما هي عليه‬
‫في الجماعات البشرية المصغرة‪ ،‬فجوهر ظاهرة السلطة ينطلق من التمييز في المجتمع بين‬

‫‪11‬‬
‫"من يأمر ومن يُطيع؟"‪ .‬وهذا التمييز ال يقتصر على الدولة وإنما يشمل كل الجماعات البشرية‪،‬‬
‫فتعريف السلطة بهذا المعنى ينطلق من التمييز بين الحكام والمحكومين في كل جماعة بشرية‪،‬‬
‫أي بين يأمرون ومن يُطيعون‪.‬‬

‫بالمقابل‪ ،‬ينتقد موريس دوفيرجي هذا التعريف باعتباره ال يأخذ في الحسبان التمييز‬
‫المعياري‪ .‬فكل عالقة إنسانية تنطوي على النفوذ‪ .‬وكلمة سلطة ينبغي أن تقتصر على فئة‬
‫خاصة من النفوذ أو القدرة‪ ،‬أي تلك التي تكون مطابقة لمعايير قانونية‪ ،‬واإلحاطة بهذه اإلشكالية‬
‫يقتضي تفكيك مفهوم السلطة نفسه‪ ،‬حيث تتخذ األخيرة ثالثة تصورات‪:‬‬

‫• السلطة سيطرة ونفوذ‪ :‬إن حقيقة السلطة تتمثل في وجود تفاوت بين‬
‫طرفين أو عدة أطراف‪ .‬فالسلطة‪ ،‬بمعنى السيطرة‪ ،‬تشير إلى تلك "العالقات‬
‫المتفاوتة غير المتماثلة‪ ،‬والتي يكون فيها لدى األشخاص التابعين مجاال محدودا‬
‫للتصرف‪ .‬نظرا ألن هامش الحرية لديهم ضيق للغاية بتأثير من السلطة"‪ .‬فالنفوذ‬
‫يبرر سيادة عالقات التفاوت‪ ،‬ويمنح الفرصة والقدرة لمن يسودون كي يفرضوا‬
‫إرادتهم حتى ولو كان ضد إرادة اآلخرين‪ .‬فالسلطة بمعنى النفوذ والسيطرة ترتقي‬
‫إلى اختزال اإلرادة الجماعية في إدارة الحاكم‪.‬‬
‫السلطة مساواة وتفاوت‪ :‬يعتبر موريس دوفيرجي أن عالقات التفاوت‬ ‫•‬
‫سابقة عن عالقات المساواة منذ ظهور المجموعات البشرية في التاريخ اإلنساني‪.‬‬
‫ويعطي مثاال بالجماعة األولى المتمثلة في العائلة التي تعتبر نموذج التفاوت من خالل‬
‫فكرة هيمنة السلطة األبوية‪ .‬أما المساواة فهي تظهر خارج العائلة بالنسبة إلى العالقات‬
‫المختلفة داخل النظام نفسه‪ .‬و ُيصنف دوفيرجي أنماط عالقات المساواة والتفاوت في‬
‫ثالثة أشكال‪ :‬أوال‪ ،‬عالقات المساواة في القانون وفي الواقع‪ ،‬وثانيا‪ ،‬عالقات التفاوت‬
‫في القانون وفي الواقع‪ ،‬ثم ثالثا عالقات المساواة في القانون والالمساواة في الواقع‪.‬‬

‫يشرح "روبير دال" ‪ )2014 /1915( Robert DAHL‬هذه الفكرة على ضوء تعريفه‬
‫للسلطة من خالل العالقة بين المساواة والتفاوت وفق المعادلة التالية‪" :‬إن كون (أ) يدفع (ب)‬
‫للتحرك بشكل مغاير لما كان قد يفعله دون هذا التدخل‪ ،‬فإن ذلك يُظهر أن (أ) أقدر من (ب)"‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫ويقوم ذلك على قدرة واقعية وتفاوت واقعي وليس بالضرورة أن يكون األول غير متساو مع‬
‫الثاني من الناحية القانونية‪ .‬فالمساواة غير موجودة في الممارسة (أي في الواقع) طالما الثاني‬
‫يخضع لألول‪ .‬وهنا يتكرس التفاوت الواقعي رغم المساواة القانونية‪.‬‬

‫السلطة إكراه بدل النفوذ‪ :‬يقترح "ماكس فيبر" (‪ )1920/1864‬استبدال‬ ‫•‬


‫مفهوم النفوذ بمفهوم اإلكراه‪ .‬وهو بذلك يلجأ إلى استخدام عبارة "العنف المبرر" لتمييز‬
‫الدولة واصفا عنف الدولة المادي بأنه العنف الشرعي الوحيد للدولة‪ .‬وقد خصص ماكس‬
‫فيبر فصال كامال في كتابه "االقتصاد والمجتمع" للحديث عن مصدر هذه السلطة‬
‫(بوصفها إكراه)‪.‬‬

‫فه تشكل أسس‬


‫وبالتاىل ي‬
‫ي‬ ‫يقول ماكس فيبر‪" :‬من حيث المبدأ‪ ،‬هناك ثالثة أسباب رتثر السيطرة‪،‬‬
‫الشعية‪ .‬أوال‪ ،‬سلطة "األمس األزىل" المتمثلة ف األعراف والتقاليد وهذه ه السيطرة التقليدية ر‬
‫(شعية‬ ‫ر‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫الت مارستها الكنيسة يف النظام القديم‪ .‬وثانيا‪ ،‬هناك السيطرة ي‬
‫الت تقوم عىل ما يتمتع به الفرد‬ ‫تقليدية) ي‬
‫النت يف قومه أو القائد يف الحرب أو زعيم الحزب‬ ‫ُ‬ ‫ر‬
‫(الشعية الكاريزمية) ما يؤمن الوالء لشخصه‪ ،‬مثل سلطة ر ي‬
‫ر‬ ‫ر‬ ‫ُ‬
‫ع‪ ،‬بعبارة‬‫الت تفرض بقوة الشعية القانونية‪ ،‬أي بصالحيات دستور ش ي‬ ‫وأخثا (ثالثا) السلطة ي‬
‫ر‬ ‫السياس‪.‬‬
‫ي‬
‫أخرى إنها سلطة تقوم عىل احثام الدستور"‪.‬‬

‫في نقد تعريف علم السياسة كعلم سلطة‬

‫كما هو الشأن بالنسبة إلى عالقة علم السياسة بالدولة‪ ،‬تجابه فكرة علم السياسة‬
‫كموضوع للسلطة‪ ،‬بانتقادات أهمها‪:‬‬

‫• تحويل علم السياسة إلى مجرد بحث في القوانين التي تحكم الصراع حول‬
‫السلطة رغم أن هذا الخالف ليس إال تعبيرا عن مظاهر الحياة السياسية والرغبة‬
‫في ا لوصول إلى الحكم‪ .‬ويقدم هذا التوصيف السلطة كأداة سياسية في حين أنها‬
‫تظهر في بعض المواقف وسيلة لتحقيق أهداف أخرى‪.‬‬
‫• يُالحظ على التعريف بأنه يبالغ في التركيز على تحليل ظاهرة السلطة‬
‫بشكل يقوده في النهاية إلى الخوض في قضايا من صميم اهتمام علم االجتماع‪ .‬ألنه‬
‫ليس هناك من جماعة تجهل ظاهرة السلطة وألن تمييز السلطة السياسية عن السلطة‬
‫‪13‬‬
‫بوجه عام أمر صعب‪ .‬فمن الممكن أن تكون كل سلطة عبارة عن سلطة سياسية أو‬
‫تتحول إلى سلطة سياسية‪ .‬فالثورة أو االنقالب العسكري يمكن أن يتحول إلى سلطة‬
‫سياسية‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬السياسات العامة كموضوع لعلم السياسة‬

‫تتعلق السياسات العامة بعلم السياسة من حيث إنها تدرس ما يفعله النظام السياسي (عبر‬
‫تنفيذ أو االمتناع عن ال تنفيذ)‪ .‬والسياسات العمومية تتجسد عادة في شكل برامج حكومية‬
‫يصوغها النظام السياسي أو في شكل تشريعات قانونية ملزمة تقوم على التقنين وسلطة اإلكراه‪.‬‬
‫وقد عرف المفهوم تطورا في مضمونه االبستيمولوجي‪ /‬المعرفي‪ ،‬وتحول من حقل االقتصاد‪،‬‬
‫حيث استعمل أول مرة في الواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬إلى حقل علم السياسة‪ ،‬مع بروز مفهوم‬
‫السياسات العمومية‪ ،‬في فرنسا‪ ،‬بداية الثمانيات‪.‬‬

‫وعموما ترسم خطاطة )‪ (P. Muller‬دوائر أربعة لصناعة السياسات العمومية من‬
‫خالل تدخالت النظام السياسي‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫• دائرة هرم الدولة‪ :‬ويتشكل من القيادة السياسية والتنفيذية أو ما يُعرف‬


‫بالجهاز الحكومي‪ ،‬مهمته التخطيط والبرمجة المالية لتنفيذ السياسات‪.‬‬
‫• دائرة اإلدارات القطاعية‪ :‬وتشمل اإلدارات المتدخلة كل في مجال‬
‫اختصاصه‪ ،‬وهي تختص بالمواكبة والتتبع وعادة ما تقوم الجهات اإلدارية التابعة‬
‫لإلدارة المركزية‪ /‬الدولة بتنزيل هذه السياسات على المستوى الترابي‪.‬‬
‫• دائرة الفاعلين خارج الدولة‪ :‬وتشمل النقابات‪ ،‬هيئات مهنية ورجال‬
‫أعمال‪ ،‬يدافعون عن مصالحهم ويسعون إلى حمايتها من خالل الدفاع عن مطالبهم‬
‫لدى السلطة الحكومية‪.‬‬
‫• دائرة الهيئات السياسية‪ :‬وتتشكل عادة من المجالس النيابية والهيآت‬
‫المنتخبة وتكون مهمتها تقييم مستويات التنفيذ‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫مجاالت وأنشطة السياسة العامة‬

‫عموما‪ ،‬يمكن التمييز بين أربعة أنشطة تمارسها السلطات الحكومية بواسطة السياسات‬
‫العمومية‪ ،‬وهي على التوالي‪ :‬تقنين سلوك األفراد وتنظيم المؤسسات وتوزيع المنافع وإعادة‬
‫توزيع موارد الدولة‪.‬‬

‫وتهتم السياسات العمومية بتقنين السلوك داخل المجتمع وتنظيم عمل المؤسسات‪،‬‬
‫فالدولة قد تلجأ إلى إحداث مؤسسات أو هيآت حكومية‪ ،‬تتولى مهمة االستجابة لتنزيل السياسات‬
‫العمومية‪ .‬في حين‪ ،‬تهتم السياسات العمومية من حيث توزيع المنافع من خالل تدخل الدولة‬
‫لتحديد شروط االنتفاع من الخدمات‪ ،‬فتقوم الدولة بصفتها راعية لتنفيذ السياسات‪ ،‬بتحديد طبيعة‬
‫الخدمات وشروط اللوج إليها (مجانية أم بمقابل مادي)‪.‬‬

‫وفي األخير‪ ،‬ت ُعيد السياسات العمومية توزيع الموارد المالية للدولة عبر سياسة اإلنفاق‬
‫على المواطنين‪ ،‬وفي هذه الحالة فإن الحكومات تجبي المداخيل من المواطنين‪ ،‬في شكل‬
‫ضرائب ورسوم وتعيد توزيعها في شكل خدمات أو منح‪.‬‬

‫وبالعودة إلى مفهوم السياسات العمومية‪ ،‬فإن توصيفاتها قد اختلفت باختالف مرجعيات‬
‫البحث عن تعريفات لها‪ .‬وعلى العموم يمكن تحديد أربعة تعريفات‪ ،‬كخالصة لمجموعة‬
‫األبحاث التي أنجزت حول المفهوم‪ ،‬تعريف عام وتعريف إداري (خاص)‪ ،‬وتعريف اقتصادي‬
‫ثم تعريف خدماتي‪.‬‬

‫يُشير التعريف العام إلى السياسات العمومية باعتبارها "كل ما تقرر‬ ‫•‬
‫الحكومة فعله أو عدم فعله" في تنظيم شؤون الدولة‪.‬‬
‫في التعريف اإلداري ت ُعبر "السياسة العمومية عن مجموعة من األنشطة‬ ‫•‬
‫الحكومية التي تؤثر في حياة الناس‪ ،‬سواء أقامت الحكومة بهذه األنشطة بنفسها أو من‬
‫خالل مندوبين عنها"‪ .‬ويعكس هذا التعريف حمولة إدارية‪.‬‬
‫من جهة أخرى‪ ،‬يزاوج التعريف االقتصادي بين السياسات العمومية‬ ‫•‬
‫والموارد المالية للدولة‪ ،‬فينظر إلى سياسة ما على أنها عملية توزيع هذه الموارد‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫ويرتكز التعريف الخدماتي على "عملية تصرف الحكومة أو عدم‬ ‫•‬
‫تصرفها‪ ،‬عند التجاوب مع مشكلة اجتماعية ما"‪ ،‬أي استجابة الحكومة للمشكالت‬
‫االجتماعية والتصدي لها‪.‬‬

‫وفي العالقة مع النظام السياسي‪ ،‬تسمح النُظم الديمقراطية باعتماد مداخل لمراقبة‬
‫السياسات العمومية‪ ،‬تتوزع بين سن القوانين التشريعية واعتماد قنوات مراقبة مؤسساتية ثم‬
‫التدخل لتقييم تنفيذ السياسات‪ .‬وترتبط فعالية العناصر الثالثة بطبيعة الحكم القائم‪ ،‬ألن وظيفة‬
‫الرقابة تشكل جزءا من عملية اقتسام السلطة‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫قضايا علم السياسة‬

‫يدُل تنوع اهتمامات علم السياسة على اختالف القضايا التي يُعنى بها هذا العلم‪ ،‬حيث‬
‫تشمل دراسة األنظمة السياسية والدول والقوى الفاعلة في السياسة وآليات المشاركة‪،‬‬
‫وخصائص السلوك السياسي والتواصل االنتخابي ومفهوم التنمية السياسية ودورها في تنظيم‬
‫المجتمع وتحديث الدولة باإلضافة لمختلف الظواهر السياسية التي يُفرزها تطور المجتمع‪.‬‬

‫أوال‪ /‬الدولة‪ ،‬النشأة والتطور والمقومات‬

‫يخضع الفرد في معيشته لمجموعة من الضوابط والقوانين ترتبط بوظيفة الدولة‪ .‬وتتخذ‬
‫الدولة تمثالت مادية ومؤسساتية عديدة مثل اإلدارة والشرطة والجيش وغيرها‪ .‬ومن حيث‬
‫التعريف توجد صعوبات كثيرة تهم تحديد مفهوم الدولة ونشأتها وأصلها‪ ،‬صعوبات تعود‬
‫باألساس إلى أن الدولة ظاهرة سياسية واجتماعية وتاريخية‪ ،‬وبالتالي تختلف التعاريف‬
‫باختالف استعماالتها في العلوم االجتماعية‪.‬‬

‫ويقترح الباحثون تقسيما متعددا ألشكال الدول‪ ،‬ال من حيث شكلها أي دولة مركبة‬
‫وأخرى بسيطة‪ ،‬ولكن من حيث تنظيمها وطرق عمل حكوماتها‪ ،‬وهي عموما‪:‬‬

‫ـــ دول جمهورية‪ ،‬تكون فيها الحكومة تعبيرا عن إرادة األمة ونتيجة لعملية سياسية‬
‫تسمى االنتخاب وتحدد صالحيات هذه الحكومة بموجب الدستور بوصفه القانون األسمى للبالد‪.‬‬

‫ـــ دول أوتوقراطية (حكم الفرد)‪ ،‬حيث تكون السلطة بيد شخص واحد بالتعيين ال‬
‫باالنتخاب‪ .‬ويقتصر دور الحكومات فيها على فرض الضرائب وتقوم على إقصاء الناس من‬
‫المشاركة في العملية السياسية واالنتخاب كما هو الشأن بالنسبة إلى حكومات األنظمة‬
‫العسكرية‪.‬‬

‫ـــ الدول السلطوية‪ ،‬حيث تحدد الحكومة المصلحة العامة التي تمثل المصلحة العليا‬
‫وتعتبر العملية السياسية خيانة عظمى ويخضع المجتمع ألسلوب موحد في التفكير والمشاركة‬
‫وفقا إليديولوجيا محددة سلفا‪ ،‬شأن ألمانيا النازية واالتحاد السوفياتي سابقا‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫مفهوم الدولة‬

‫تقتضي اإلحاطة بمفهوم الدولة بحث مختلف تعاريفها والنظريات التي حاولت تفسير‬
‫نشوئها والعناصر المكونة لها‪ .‬من الناحية اللغوية مصطلح الدولة في المعنى الالتيني مشتق‬
‫من كلمة ‪ STAT‬وتعني االستقرار واالستمرارية‪ ،‬أما في اللغة العربية فإن مصطلح الدولة‬
‫مشتق من دال يدول دولة‪ ،‬أي التغير والتحول وعدم االستقرار‪ ،‬وهذا المدلول العربي يتطابق‬
‫ورحل‬
‫مع مفهوم الدولة في العالم العربي واإلسالمي القديم حيث كان المجتمع عبارة عن بدو ُ‬
‫ال يستقرون على حال‪ ،‬ولما ظهرت الدولة كتنظيم ارتبطت تسميتها باألسر الحاكمة مثل "الدولة‬
‫األموية" و"الدولة العباسية" وفي العصر الحديث "دولة المرابطين" و"دولة العلويين"‪..‬‬
‫فالدول بهذا المعنى كانت تُنسب إلى األسرة الحاكمة وليس إلى تنظيم سياسي أو اجتماعي قائم‬
‫على مؤسسات‪.‬‬

‫أما في الغرب‪ ،‬فإن اليونان أطلقوا قديما على المجتمع السياسي المنظم اسم المدينة‬
‫‪ POLIS‬حيث كانت الدولة عبارة عن "مدينة دولة" مثل أتينا وإسبرطة‪ ،‬وتتكون من رقعة‬
‫جغرافية ضيقة وأفراد محدودين وسلطة سياسية‪ .‬بالمقابل‪ ،‬استعمل الرومان لفظ ‪RES-‬‬
‫‪ PUBLICA‬للداللة على الدولة‪ ،‬وهو المصطلح الذي ظل مستعمال إلى غاية القرن ‪.16‬‬

‫وعموما يحمل مفهوم الدولة معاني متعددة يمكن تصنيفها إلى ثالثة‪:‬‬

‫المعنى األولى‪ :‬يُقصد بالدولة المجتمع السياسي المنظم‪ ،‬أي الكيان‬ ‫•‬
‫السياسي الوطني مثل الدولة المغربية أو الفرنسية وغيرها‪..‬‬
‫المعنى الثاني‪ :‬يقصد بالدولة مجموع السلطات العمومية داخل بالد‬ ‫•‬
‫معينة‪ ،‬وهو معنى يميز بين الحاكم والمحكومين ويُستعمل حينما يتم الحديث عن عالقات‬
‫الدولة باألفراد‪ ،‬فنقول الدولة‪ /‬الحاكم هي من تفرض الضرائب على المواطن‪/‬‬
‫المحكوم‪..‬‬
‫المعنى الثالث‪ :‬وهو مفهوم ضيق تدل الدولة بموجبه على الحكم المركزي‬ ‫•‬
‫أو السلطة السياسية المركزية‪ ،‬تمييزا لها عن الجماعات المحلية أو اإلقليم أو الجهة وباقي‬
‫الوحدات الترابية‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫أصل الدولة‪ :‬نظريات النشأة‬

‫اهتم عديد الباحثين في العلوم السياسية بأصل الدولة‪ ،‬وقد أفضت هذه األبحاث إلى تأصيل‬
‫وجود الدولة على أساس ثالث نظريات كبرى‪ :‬النظرية الدينية ونظرية التطور الطبيعي ونظرية‬
‫العقد االجتماعي‪.‬‬

‫النظرية الدينية‪:‬‬ ‫•‬

‫ركزت هذه النظرية على الدولة بصفتها امتدادا لسلطة أصلها اإلله‪ ،‬وقد سادت هذه‬
‫النظرية في الحضارات القديمة التي اعتبرت الحاكم إلها (تأليه الحاكم) يتوجب على المحكومين‬
‫طاعته‪ ،‬ألن إرادته هي إرادة اآللهة‪ ،‬فكان سكان الحضارات الهندية والمصرية يعبدون الحاكم‬
‫ويطيعونه بوصفه التجسيد البشري هلل (بمعنى إله الشمس مثال)‪ ،‬أي أن الحاكم كان يُنظر إليه‬
‫بصفته صورة للا على األرض‪ .‬وت ُعتبر اليابان من أبرز الدول التي حافظت على تأليه الحاكم‬
‫لمدة طويلة بحيث لم تتخل عن فكرة تأليه اإلمبراطور الياباني إال بعد هزيمة الحرب العالمية‬
‫الثانية سنة ‪.1945‬‬

‫إلى جانب فكرة "تأليه الحاكم" (نسبة إلى للا) في النظرية الدينية كأصل للدولة‪ ،‬ظهرت‬
‫نظرية الحق اإللهي في ممارسة السلطة الذي فوضه اإلله إلى الحاكم‪ ،‬بمعنى أنه وقع االنتقال‬
‫من الحاكم كتجسيد هلل إلى الحاكم كمفوض من للا يمارس سلطاته السياسية بتفويض سماوي‪ .‬وقد‬
‫شكل هذا التصور رؤية للمذهب الرسمي للكنيسة خالل القرون الوسطى‪ ،‬واستندت عليه‬
‫الملكيات األوربية لتبرير سلطتها المطلقة من منطلق أن الملك خليفة للا في األرض زودهم‬
‫بالسلطات والخصائص لقيادة شؤون البالد وأمور الناس‪ ،‬فكانت العالقة قائمة على "راعي يأمر‬
‫بأمر من للا ورعية تطيع أوامر الملوك" الذين ال يُعتبرون مسؤولين عن أعمالهم إال أمام للا‪.‬‬

‫خالل الثورة الفرنسية لسنة ‪ 1789‬اختفت النظريات الدينية ألصل الدولة‪ ،‬وأصبحت‬
‫الدولة نتاجا لتحوالت اجتماعية وقانونية تمارس من خالل الشعب بعد أن تراجعت مقولة "أنا‬
‫الدولة والدولة أنا" التي رفعها الملك لويس الرابع عشر الذي حكم فرنسا ما بين ‪ 1661‬و‪.1715‬‬

‫‪19‬‬
‫نظرية التطور الطبيعي‪:‬‬ ‫•‬

‫يُعتبر أرسطو من أبرز منظري هذه النظرية حين اعتبر أن الدولة هي نتاج طبيعي لغريزة‬
‫بشرية قوامها االجتماع والتعايش ألجل البقاء‪ ،‬فهذه النزعة اإلنسانية تدفعه إلى العيش مع‬
‫اآلخرين‪ ،‬ألن اإلنسان "حيوان سياسي"‪ .‬واستخدام عبارة الحيوان هنا من قبل أرسطو يُفيد‬
‫"الفطرة" التي تحرك اإلنسان من أجل البقاء مثل الحيوان تماما‪.‬‬

‫وتذهب هذه النظرية إلى أن األصل في تكوين الدولة هو األسرة البسيطة التي يقودها‬
‫األب‪ ،‬ثم تطورت هذه األسرة بشكل طبيعي إلى أسرة كبيرة تحولت بدورها إلى مجتمع ثم استقر‬
‫بها الحال في شكل تنظيم اجتماعي يخضع لسلطة سياسية تسمى "الدولة"‪.‬‬

‫نظرية العقد االجتماعي‪:‬‬ ‫•‬

‫يمكن القول إن فكرة العقد االجتماعي جاءت للرد على نظرية الحق اإللهي (نظرية دينية)‬
‫والتأكيد على دور اإلنسان في خلق السلطة وإدارتها‪ ،‬فالدولة وفق هذا التصور تنشأ بتنازل‬
‫الجماعة عن حقوقها لصالح الفرد الحاكم‪.‬‬

‫تقوم هذه الفكرة على أساس وجود عقد اجتماعي بين البشر الذين يشكلون الدولة‪ ،‬وتقوم‬
‫على أساس هذا العقد السلطة السياسية التي تحكمهم‪ .‬بمعنى أن الدولة بهذا المعنى من صنع‬
‫اإلنسان وليست تفويضا من للا كما كان عليه األمر في النظرية الدينية‪ .‬وتزعم هذا التيار ثالثة‬
‫مفكرين هم‪ :‬توماس هوبز في كتابه (التنين ‪ )1651‬وجون لوك في كتابه (الحكم المدني ‪)1690‬‬
‫وجون جاك روسو في كتابه (العقد االجتماعي ‪ ،)1762‬وقد هيمنت هذه النظرية خالل القرنين‬
‫‪ 16‬و‪ ،18‬وإن اختلف أصحابها الثالثة في طبيعة العقد االجتماعي وشروطه‪.‬‬

‫اعتبر توماس هوبز‪ ،‬المفكر اإلنجليزي‪ ،‬الذي دافع عن حكم الملكية المطلقة‪ ،‬أنه قبل‬
‫نشوء الدولة كان األفراد يعيشون في حالة الطبيعة التي تميزت بالصراع الدائم‪ ،‬فاإلنسان ذئب‬
‫ألخيه اإلنسان‪ ،‬بمعنى أن حالة الطبيعة عند "هوبز" هي حالة حرب الكل ضد الكل‪ .‬ومن أجل‬
‫الخروج من حالة الطبيعة والفوضى أنشأ األفراد عقدا اجتماعيا تنازلوا بموجبه عن كل الحقوق‬
‫والحريات لحاكم فرد‪ ،‬يمتلك كل السلط ويحقق األمن‪ ،‬بحيث العيش في ظل سلطة مطلقة خير‬

‫‪20‬‬
‫من الفوضى‪ .‬فطرفا العقد هما المجتمع والحاكم‪ ،‬إذ يتنازل األول عن حقوقه للثاني مقابل ضمان‬
‫األخير األمن‪ ،‬ما يؤدي إلى تركيز السلطة السياسية في يد الحاكم‪.‬‬

‫بالمقابل‪ ،‬ذهب جون لوك‪ ،‬على عكس ما قال به توماس هوبز‪ ،‬إلى أن اإلنسان كان يعيش‬
‫في سعادة نسبية في حالة الطبيعة‪ ،‬وكان يدافع عن حريته وملكيته بنفسه‪ .‬ولتعزيز هذه السعادة‬
‫أبرم الناس عقدا اجتماعيا تنازلوا بموجبه لسلطة حاكمة عن مهمة الدفاع عن الملكية وعن حقوقهم‬
‫مقابل حماية السلطة السياسية على أمالك الناس‪ .‬فالحاكم حسب جون لوك ملزم باحترام حقوق‬
‫األفراد وإال أمكنهم الثورة عليه‪.‬‬

‫أما جون جاك روسو فقد رأى أن الناس في حالة الطبيعة كانوا يعيشون في سعادة نسبية‬
‫ومساواة وحرية‪ ،‬لكن التفاوتات والفوارق الفردية والجماعية أفرزت توتر العالقات بينهم‪ ،‬فكان‬
‫لزاما إبرام عقد اجتماعي يلتزم فيه كل فرد بالخضوع لإلرادة الجماعية‪ .‬فالعقد االجتماعي حسب‬
‫"روسو" هو تنازل مطلق لألفراد عن كامل حقوقهم لصالح الجماعة أو الشعب‪ ،‬الذي يمثل‬
‫اإلرادة الجماعية‪ ،‬ومن ثم فالشعب يحكم نفسه بنفسه‪.‬‬

‫النظرية الماركسية‪:‬‬ ‫•‬

‫يتمثل جوهر هذه النظرية في أن الدولة هي نتاج صراع طبقي‪ ،‬لم تظهر إال مع ظهور‬
‫الملكية الخاصة‪ ،‬وتقسيم العمل بين من يملك ومن ال يملك‪ .‬فالدولة وفق النظرية الماركسية (نسبة‬
‫إلى المفكر كارل ماركس) هي جهاز لخدمة الطبقة المسيطرة على أدوات اإلنتاج‪ ،‬ووسيلة بيد‬
‫البرجوازية (أصحاب الملكيات ووسائل اإلنتاج) للسيطرة على الطبقة العاملة (البروليتاريا)‪.‬‬

‫يدافع أصحاب هذه النظرية أمثال كارل ماركس وإنجلز ولينين وألتوسير‪..‬على فكرة أن‬
‫الدولة جهاز للقمع واالستغالل وأداة في يد األسياد الستغالل العبيد‪ .‬وذهب ماركس في عرضه‬
‫حول تطور المجتمعات إلى أن القضاء على جهاز الدولة يبقى هدفا للشيوعية (وهي المرحلة‬
‫األخيرة لتطور المجتمع بالمنظور الماركسي) التي سيكون من مهمتها حل هذا الجهاز القمعي‬
‫بعد سيطرة الطبقة العاملة على وسائل اإلنتاج (الثورة البروليتارية)‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫مقومات نشأة الدولة‬

‫ت ُعتبر الدولة من أشخاص القانون العام‪ ،‬تمارس اختصاصاتها على الصعيد الداخلي‬
‫والخارجي‪ ،‬إال أنه لتحقق الدولة ال بد من توفر مقومات‪ /‬شروط سوسيولوجية وأخرى قانونية‪.‬‬

‫المقومات السوسيولوجية (المادية)‬ ‫•‬

‫إن صفة "الدولة" ككيان سياسي يتطلب توفر ثالثة أركان أساسية هي اإلقليم والشعب‬
‫والسلطة السياسية‪ .‬وهذه العناصر صاغها فقهاء علم السياسة أمثال األلماني ‪GEORGE‬‬
‫)‪ JELLINEK (1851-1911‬والفرنسي )‪ ،PAUL LABAND (1838-1918‬لتصبح بعد ذلك‬
‫بمثابة عناصر حتمية لوجود الدولة‪.‬‬

‫اإلقليم‪ :‬يُقصد به الحيز المكاني والجغرافي الذي يعيش فوقه سكان الدولة وتمارس فيه‬
‫السلطة السياسية سيادتها‪ ،‬ويشمل المجال البري والبحري والجوي‪ ،‬ويعتبر الشرط المادي‬
‫األساسي لقيام الدولة‪ .‬فاإلقليم هو الذي يؤسس الستقرار الجماعة البشرية واإلحساس باالنتماء‬
‫إلى مجال معين باعتباره أساس المواطنة ومجال العيش المشترك للسكان‪.‬‬

‫ولكل إقليم دولة حدود طبيعية عبارة عن بحر وجبال وأنهار‪ ،‬أو حدود اتفاقية بموجب‬
‫معاهدات موقعة بين دولة وأخرى في جوارها‪ ،‬حيث تمارس الدولة سلطتها السياسية وسيادتها‪.‬‬
‫وال يشترط في اإلقليم أن يكون متصال‪ ،‬ألن بعد الدول تتشكل من مناطق جغرافية منفصلة‬
‫كاليابان مثال‪ .‬كما أن المساحة ليس عنصرا محددا لإلقليم فهناك دول بحجم القارة شأن أستراليا‬
‫والواليات المتحدة األمريكية وهناك دول تقع في مساحة صغيرة مثل سنغافورة‪.‬‬

‫الشعب‪ :‬يشير مصطلح الشعب إلى مجموع األفراد المقيمين فوق إقليم الدولة تربطهم بها‬
‫رابطة الجنسية‪ .‬وقد يتشكل أفراد الشعب من أمة واحدة‪ ،‬أي جماعة بشرية يوحدها االنتماء إلى‬
‫التاريخ أو الدين أو اللغة أو الثقافة‪ ،‬حيث تتطابق الدولة مع الشعب‪ .‬كما أن الشعب نفسه قد يتكون‬
‫من أفراد مختلفين في انتمائهم العرقي أو الديني وهو ما يسمى بتعدد القوميات التي تتعايش فيما‬
‫بينها داخل نفس اإلقليم‪ .‬كما أنه يجب التمييز بين الشعب والسكان‪ ،‬فالشعب يتكون من األفراد‬

‫‪22‬‬
‫المرتبطين بالدولة برابطة الجنسية‪ ،‬أما السكان فمفهوم يشمل كل األفراد الذي يعيشون فوق تراب‬
‫الدولة سواء المواطنين أو األجانب‪.‬‬

‫السلطة السياسية‪ :‬يُقصد بالسلطة السياسية مجموع المؤسسات التي تحتكر سلطة اإلكراه‬
‫المنظم وسلطة إلزام الناس فوق مجموع تراب الدولة باحترام قراراتها وقوانينها‪ .‬وتمتد هيمنة‬
‫السلطة السياسية على مجموع النشاط الممارس داخل الدولة في شكل جيش وشرطة وقوانين‬
‫وإعالم ونظام تعليمي‪ ..‬فالسلطة السياسة تمارس "السلطة" على كل الجماعة البشرية فوق كل‬
‫اإلقليم‪.‬‬

‫المقومات القانونية للدولة‬ ‫•‬

‫تشتمل العناصر القانونية لقيام الدولة عنصر السيادة والشخصية المعنوية‪ ،‬وهي شروط‬
‫تسمح للدولة بتطبيق قوانينها على المواطنين وإبرام المعاهدات مع الدولة واالنخراط في النظام‬
‫الدولي الذي ينظم العالقات الدولية‪.‬‬

‫السيادة‪ :‬يُعتبر الفقيه "جون بودان" أول من استعمل مفهوم السيادة‪ ،‬وتعني "القدرة على‬
‫االنفراد بإصدار قرار سياسي داخل الدولة أو خارجها‪ ،‬ومن ثم القدرة على االحتكار الشرعي‬
‫ألدوات العنف المبرر (القمع الداخلي)‪ ،‬وعلى رفض أي تدخل خارجي في قراراتها واستقالليته‬
‫على التأثير األجنبي"‪ .‬وتتخذ السيادة مظهرين‪:‬‬

‫مظهر داخلي‪ :‬يتمثل في تحديد الدولة لنظامها السياسي وسيطرتها على‬ ‫•‬
‫سكانها ومواردها واحتكارها لسلطة اإلكراه المادي والقوة وسلطة وضع القوانين‬
‫وفرضها على مواطني الدولة‪.‬‬
‫مظهر خارجي‪ :‬ويتجلى في قدرة الدولة على نسج عالقات خارجية مع‬ ‫•‬
‫دولة أخرى في إطار إبرام االتفاقيات والتعاقد وعدم خضوعها لسلطة خارجية تحد من‬
‫استقالليتها مثل اتفاقيات الحماية أو التدخل العسكري أو الوصاية‪.‬‬

‫الشخصية القانونية المعنوية‪ :‬تسمح الشخصية القانونية للدولة بتمتعها بشخصية ذاتية‬
‫مستقلة عن شخصية الحاكم‪ ،‬وتجعلها أهال (لها األهلية) للحقوق وااللتزامات على الصعيدين‬

‫‪23‬‬
‫الداخلي والخارجي‪ .‬والدولة ليست الهيئة الوحيدة التي تتمتع بالشخصية القانونية المعنوية‪ ،‬بل‬
‫نجد جماعات أخرى داخل الدولة تتمتع بهذه الشخصية مثل الجماعات المحلية والعماالت‬
‫والمؤسسات العمومية والجامعات‪ ..‬فهذه المؤسسات تتمتع بالشخصية المعنوية شأنها شأن‬
‫الدولة‪.‬‬

‫وعموما‪ ،‬تتميز الشخصية القانونية للدولة بثالث مميزات رئيسية وهي‪:‬‬

‫الشخصية القانونية للدولة شخصية "أتوماتيكية"‪ ،‬إذ توجد هذه الشخصية‬ ‫•‬
‫بوجود الدولة‪ ،‬في حين أن الشخصية القانونية للمجموعات األخرى ال توجد إال بنص‬
‫قانوني تضعه الدولة يحدد طبيعة هذه المجموعات ومهامها‪.‬‬
‫الشخصية القانونية للدولة هي شخصية كاملة‪ ،‬إذ بإمكان الدولة أن تتدخل‬ ‫•‬
‫في كل الميادين‪ ،‬سواء أمنية أو اقتصادية أو ثقافية أو اجتماعية‪ ،‬وال يمكن ألحد أن يحد‬
‫من قدرة الدولة على التدخل في مجال معين‪ ،‬على عكس المجموعات األخرى التي ال‬
‫تتمتع بحق ممارسة نشاطها إال في إطار األهداف التي أُنشئت ألجلها‪.‬‬
‫الشخصية القانونية للدولة هي شخصية شاملة‪ ،‬حيث تجعل الدولة قادرة‬ ‫•‬
‫على القيام بكل األعمال واإلجراءات القانونية بمختلف أنواعها وفي مختلف المجاالت‪،‬‬
‫خالفا للشخصية القانونية للمجموعات األخرى‪.‬‬

‫ثانيا‪ /‬األنظمة السياسية‬

‫يقصد بالنظام السياسي ‪ Régime Politique‬النموذج الذي يحدد شكل الحكومة‬


‫وطريقة انتقال السلطة وممارستها ووظائفها االجتماعية والسياسية التي تكونت في ظل الدولة‪.‬‬
‫ويميز علم السياسة بين ثالثة معايير لتصنيف األنظمة السياسية وهي‪ :‬معيار طرق اختيار‬
‫رئيس الدولة ومعيار مشاركة المواطنين في االختيار ثم معيار العالقة بين المؤسسات السياسية‪.‬‬
‫بالمقابل تقترح النظرية الدستورية تصنيفا ثنائيا هما النظام البرلماني والنظام الرئاسي‪ .‬وتعود‬
‫مسالة التصنيف على أساس معيار االختيار والمشاركة إلى العهد اليوناني بينما يعتبر التصنيف‬
‫على قاعدة العالقة بين السلط تصنيفا حديثا‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫‪ /1‬معيار طرق اختيار رئيس الدولة‪ :‬استنادا إلى هذا التصنيف نميز بين‪:‬‬

‫النظام الملكي‪ :‬حيث يتولى رئيس الدولة منصبه عن طريق الوراثة لمدة غير محدودة‪،‬‬
‫ويحمل اسم ملك أو أمير أو سلطان‪ .‬والنظام الملكي نوعان‪:‬‬

‫ـــ ملكية دستورية‪ ،‬وتشهد توزيعا للسلط والصالحيات يكون فيها الملك رئيسا‬
‫للدولة‪ ،‬ويستند إلى الدستور لممارسة صالحياته التنفيذية التي يتقاسمها أحيانا‬
‫مع رئيس الجهاز التنفيذي (الحكومة)‪.‬‬
‫ـــ ملكية برلمانية تتميز بمكانة شرفية للملك الذي يُعد رئيسا للدولة لكنه ال‬
‫يمارس سلطات فعلية‪ ،‬بحيث تنحصر مهمته في بعض األعمال الشرفية مثل‬
‫االستقبال الحكومي وفي مجاالت السياسة الخارجية‪ ،‬بمعنى أنها ملكية تسود وال‬
‫تحكم‪.‬‬

‫النظام الجمهوري‪ :‬ويتميز باختيار رئيس الدولة عن طريق االنتخابات ولمدة محدودة‬
‫في الزمان تسمى الوالية‪ ،‬ويكون فيها منصب رئيس الجمهورية مفتوحا أمام جميع المواطنين‬
‫وفقا للشروط التي يحددها القانون‪.‬‬

‫‪ /2‬معيار المشاركة في االختيار‪ :‬يتميز هذا النمط بنموذجين من الحكم‪.‬‬

‫الحكم الدكتاتوري‪ :‬ويتسم هذا النظام بانفراد شخص واحد بسلطة الحكم يمارسها وفق‬
‫تقديراته الخاصة بما يضمن استمرار سلطته وبقائه في الحكم بواسطة تعديل الدستور وتعزيز‬
‫صالحياته واستمراره في الحكم‪ ،‬فهذا الشكل من الحكم يقوم على تركيز السلطة السياسية في‬
‫يد شخص واحد يتولى كل المهام‪.‬‬

‫وقد تكون هذه الديكتاتورية عسكرية (في شكل قائد الجيش أو المجلس العسكري) أو‬
‫إيديولوجية (يمثلها الزعيم السياسي)‪ ،‬كما أن الديكتاتور قد يصل إلى الحكم عبر االنتخابات‬
‫مثل ما حدث في ألمانيا حين تولى هيتلر رئاسة الوزارة في بداية ‪ 1932‬إثر فوز حزبه في‬
‫االنتخابات لكنه احتكر كل السلط المدنية والعسكرية بيده‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫ويتميز النظام الديكتاتوري بمجموعة من الخصائص أهمها‪ :‬احتكار السلطة‪ ،‬شخصنة‬
‫السلطة‪ ،‬شمولية النظام (غياب فصل السلط) وقمع الحريات‪.‬‬

‫الحكم الديمقراطي‪ :‬يكون الشعب في هذا النظام السياسي هو مصدر السلطة وصاحب‬
‫السيادة (مبدأ السيادة لألمة) ويتميز بمشاركة الشعب في اختيار الحكام عن طريق انتخابات‬
‫تنافسية وحرة وسيادة القانون‪ ،‬يتحقق هذا النموذج في النظام الجمهوري كما في النظام الملكي‬
‫أيضا‪ .‬ألن العبرة بمشاركة المواطنين (مصدر السلط) وليس بطبيعة النظام (بنية السلطة)‪.‬‬

‫وتقوم نُظم الحكم الديمقراطي على مبدأ التمثيلية‪ ،‬التي بموجبها يفوض الشعب‪ /‬الناخب‬
‫إلى من ينوب عنه من النواب‪ /‬المنتخبين أمر التعبير عن إرادته‪ .‬كما تقوم على المبدأ الليبرالي‬
‫والتنافس الحر والمنتظم (بحسب مدة االنتخاب أو االنتداب كما حددها القانون) بين المترشحين‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فإن الشعب ال يمارس السيادة مباشرة وإنما يمارسها من خالل صناديق االقتراع‬
‫باالنتخاب والتفويض‪.‬‬

‫‪ /3‬معيار العالقة بين المؤسسات‪:‬‬

‫قوام هذا المعيار العالقة بين مؤسسات النظام السياسي‪ ،‬أي تلك العالقة الترابطية التي‬
‫تجمع كال من النظام السياسي والمؤسسات السياسية‪ ،‬وتسمى النسق‪ .‬فالتحليل النسقي لنظام‬
‫سياسي يعتبره على أنه يشكل مجموعة من التداخالت والعالقات القائمة فيما بينها‪.‬‬

‫وفي علم السياسية درج الباحثون على استخدام توصيف "النسق السياسي" للعالم‬
‫األمريكي دايفيد ايستون ‪ D. Easton‬الذي تطرق لهذا المفهوم بوصفه "مجموع التفاعالت‬
‫التي بواسطتها توزع الموارد ذات القيمة عن طريقة السلطة في المجتمع" فهو بمثابة التوزيع‬
‫السلطوي للقيم التي تحدد العالقة بين محيط مجتمعي داخلي (مفاعيل داخلية)‪ ،‬وهو الذي ينتمي‬
‫إليه النظام السياسي‪ ،‬ومحيط مجتمعي خارجي يمثل المجتمع الدولي (مفاعيل خارجية)‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫واستنادا إلى معيار العالقات بين المؤسسات السياسية يمكن التمييز بين األنظمة التالية‪:‬‬

‫ـــ النظام البرلماني‪ :‬يتسم هذا النظام بسلطات محددة للبرلمان الذي تنبثق عنه الحكومة‬
‫بكاملها‪ ،‬ويتم اختيار رئيس الحكومة من األغلبية البرلمانية ويعين من قبل رئيس الدولة‪ .‬في‬
‫هذا النموذج يختص رئيس الدولة بتعيين الحكومة بينما يتولى البرلمان تنصيب الحكومة‪،‬‬
‫فالسلطة الحكومية ال تكون قائمة إال بعد التنصيب البرلماني الذي يتخذ شكل منح الثقة أو‬
‫التصويت لصالح البرنامج الحكومي‪.‬‬

‫في النظام السياسي المغربي ينص الفصل ‪ 88‬من دستور المملكة على أنه "بعد تعيين‬
‫الملك ألعضاء الحكومة‪ ،‬يتقدم رئيس الحكومة أمام مجلسي البرلمان مجتمعين (‪ )..‬تعتبر‬
‫الحكومة ُمنصبة بعد حصولها على ثقة مجلس النواب‪ ،‬المعبر عنها بتصويت األغلبية المطلقة‬
‫لألعضاء الذين يتألف منهم‪ ،‬لصالح البرنامج الحكومي"‪ .‬فالملك بصفته رئيس الدولة يعين‬
‫أعضاء الحكومة والبرلمان بصفته سلطة تنصيب يمنح الثقة للحكومة‪.‬‬

‫وت كون الحكومة في النظام البرلمان مسؤولة سياسيا أمام البرلمان ومجبرة على نيل‬
‫ثقتها لالستمرار في ممارسة مهامها مثل ما نجد في المغرب وبريطانيا وإسبانيا‪ ،‬مع فارق‬
‫الصالحيات التنفيذية للملك بين الحالة المغربية والنماذج األخرى‪.‬‬

‫وجدير بالذكر أنه ليس كل نظام سياسي يتوفر على مؤسسة برلمانية يعتبر نظاما‬
‫برلمانيا‪ ،‬فالبرلمان قد يكون في األنظمة الديكتاتورية موجودا كأن يتشكل من حزب وحيد أو‬
‫حزب أغلبي (حزب السلطة) داخل البرلمان‪.‬‬

‫ـــ النظام الرئاسي‪ :‬يتميز هذا النظام بسلطات قوية لرئيس الدولة باعتباره هو نفسه قائد‬
‫الحكومة‪ .‬فالسلطة التنفيذية (الحكومة) تتجسد في رئيس الدولة وال وجود لمؤسسة الحكومة وال‬
‫لوزير أول‪ ،‬بل يوجد فقط مساعدين للرئيس يلقبون بـ"كتاب الدولة"‪ .‬كما أن رئيس الدولة في‬
‫النظام الرئاسي غير مسؤول سياسيا أمام البرلمان‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫ويبقى النظام الرئاسي األمريكي أكثر النماذج شهرة‪ ،‬بحيث يُنتخب الرئيس عن طريق‬
‫االقتراع غير المباشر بواسطة "الناخبين الكبار" يبلغ عددهم ‪ 538‬ناخبا يشكلون ما يسمى‬
‫بالمجمع االنتخابي ويجري انتخابهم من قبل الناخبين األمريكيين في تصويت مباشر برسم كل‬
‫والية أمريكية‪ ،‬فكل واحدة منها تنتخب عددا من الناخبين الكبار يساوي عدد ممثليها في‬
‫الكونغرس (البرلمان بمجلسيه) إذ لكل والية أمريكية نواب بحسب عدد سكانها‪ .‬والية تكساس‬
‫مثال لديها ‪ 38‬من الناخبين الكبار وفرجينيا لديها ‪ 13‬ناخبا أما الواليات األقل كثافة سكانية مثل‬
‫آالسكا وديالوير فلديها ‪ 3‬ناخبين كبار فقط‪.‬‬

‫ـــ النظام شبه الرئاسي‪ :‬وهو مزيج بين النظامين الرئاسي والبرلماني‪ ،‬يأخذ من النظام‬
‫الرئاسي عنصرين هما‪ :‬االنتخاب المباشر للرئيس من قبل الشعب وعدم مسؤوليته أمام‬
‫البرلمان وممارسة صالحيات رئاسية فعلية‪ .‬ويأخذ من النظام البرلماني عنصرين هما‪ :‬ثنائية‬
‫الجهاز التنفيذي (رئيس الدولة ورئيس الحكومة) ومسؤولية الحكومة أمام البرلمان باعتباره‬
‫من يمنحها الثقة بتنصيبها وضمان استمراريها‪.‬‬

‫ويعتبر النظام الفرنسي خير مثال على هذا النموذج‪ ،‬بحيث يعود للجمعية الوطنية‬
‫(مجلس النواب الفرنسي) حق المبادرة في توجيه التأنيب أو اللوم إلى الحكومة وال يكون هذا‬
‫عشر ‪ 1/10‬من أعضاء الجمعية الوطنية وال يتم التصويت عليه‬
‫االقتراح مقبوال إال إذا وقعه ُ‬
‫إال بعد انقضاء يومين ما تاريخ إيداعه‪ .‬وفي حالة حصوله على األغلبية يتعين أن تقدم الحكومة‬
‫استقالتها ويجري تنظيم انتخابات تشريعية جديدة‪ .‬مقابل ذلك فإن اختصاصات رئيس الدولة‬
‫تصبح مطلقة تجمع بين السلطتين التشريعية (البرلمانية) والتنفيذية (الحكومية) في الظروف‬
‫االستثنائية لوجود تهديد أو خطر يمس بسالمة الدولة أو يمنع السير المنتظم للسلطات‬
‫الدستورية‪ ،‬وبعد إجراءات شكلية ومخاطبة الشعب‪.‬‬

‫ـــ النظام المجلسي‪ :‬يتميز هذا النموذج بتبعية السلطة التنفيذية للسلطة التشريعية بحيث‬
‫تعبر األولى مجرد جهاز لتنفيذ ما يصدر عن السلطة التشريعية من مقررات وتشريعات‪.‬‬
‫وباعتبار هذه األخيرة ممثلة للشعب ولصعوبة مباشرتها مهام السلطة التنفيذية فإنها تختار لجنة‬

‫‪28‬‬
‫تنفيذية من بين أعضائها يسمى الجهاز الحكومي‪ ،‬يخضع لرقابة السلطة التشريعية ويعمل تحت‬
‫إشرافها‪.‬‬

‫ويشكل النظام السياسي في سويسرا الشكل الوحيد للنظام المجلسي‪ ،‬إذ يتولى المجلس‬
‫االتحادي الفدرالي مهام السلطة التنفيذية ويتألف من ‪ 7‬أعضاء تنتخبهم الجمعية االتحادية‬
‫(برلمان) باألغلبية المطلقة لمدة ‪ 4‬سنوات كما تنتخب من بينهم رئيسا لالتحاد (سويسرا) لمدة‬
‫سنة فقط ويختص رئيس المجلس بمهام رئيس الدولة‪.‬‬

‫ثالثا‪ /‬السلطة السياسية وأسس الشرعية‬

‫تدل كلمة السلطة على اإلكراه وهو المعنى األكثر استعماال‪ ،‬كما تدل على معنى النفوذ‬
‫والتفوق دون حاجة إلى اإلكراه‪ .‬هذا االزدواج في مفهوم السلطة يسري أيضا على استعماالت‬
‫اللغة الالتينية حيث يُشار إلى معنيين‪:‬‬

‫المعنى األول‪ :‬يدل عليه مصطلح ‪ Autorité‬الذي يعني الهيمنة التي يمارسها من يمسك‬
‫سلطة‪ ،‬تؤدي بالذين تتوجه إليهم إلى اإلقرار بتفوق يبرر دوره في القيادة‪ .‬وبعبارة أخرى يعني‬
‫"اإلضافة ا لتي تزيد من قيمة الشخص وتضيف عليه شكل سلطته‪ ،‬التي قد تأتي من نسبه أو‬
‫نجاحاته أو من االنتخابات"‪ .‬بمعنى أنها سلطة الزعيم أو الحاكم تؤدي إلى طاعة دائمة من‬
‫طرف الناس‪.‬‬

‫المعنى الثاني‪ :‬يدل عليه مفهوم ‪ Pouvoir‬الذي يعتبر مفهوما أساسيا في العلوم‬
‫االجتماعية‪ ،‬خاصة علم االجتماع السياسي‪ ،‬والذي يعرف اختالفا في مدلوالته تبعا لتعدد‬
‫مجاالت استخدامه‪ ،‬وفي هذا المعنى يمكن تحديد ثالثة تصورات‪:‬‬

‫منظور امتالكي‪ :‬وفق هذا التصور فالسلطة شبيهة برأس المال يمكن‬ ‫•‬
‫امتالكه واكتسابه وتجميعه استنادا إلى مصادر متعددة بما يسمح بتحقيق منافع لمالكه‪،‬‬
‫وتسمى الجاه‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫منظور مؤسساتي‪ :‬وحسبه فالسلطة قد تدل على الدولة في عالقاتها مع‬ ‫•‬
‫المواطنين‪ ،‬وقد تدل على الحكام كما قد تحيل على المؤسسات الدستورية حينما نتحدث‬
‫عن السلطات العامة‪.‬‬
‫منظور تفاعلي‪ :‬ويسود هذا المنظور في علم االجتماع السياسي‪ ،‬ويفيد‬ ‫•‬
‫أن السلطة هي عالقة تتميز بتعبئة الموارد من أجل حمل الطرف اآلخر على تبني‬
‫سلوك ما كان ليتبناه لوال هذه العالقة‪ .‬ويعرفها روبرت دال ‪ Robert DAHL‬على‬
‫أنها "عالقة بين فاعلين يتمكن بواسطتها أحدهم من دفع اآلخرين إلى التصرف بطريقة‬
‫مختلفة عما كانوا قد يفعلونه دون هذه العالقة"‪ ،‬أي عالقة "من يأمر ومن يُطيع"‪.‬‬

‫ويمكن أيضا أن نميز في تعريف السلطة بين مفهومي اإليعاز والتأثير‪ ،‬فسلطة اإليعاز‬
‫ت ُحيل على عالقة تتضمن القوة والعقاب بحيث إن الفرد في عالقته بالسلطة إما ينحني (ينفذ)‬
‫ويطيع ويلزم السلوك أو يتعرض للعقاب‪ .‬أما سلطة التأثير فال تتضمن أية إكراهات مادية أو‬
‫قيود ‪ ،‬بل تقوم هذه السلطة على المكافأة والمقابل المادي نظير االلتزام بالسلوك الذي ت ُمليه‬
‫السلطة‪.‬‬

‫وعموما ت ُعبر السلطة عن عالقة غير متكافئة بين خاضع ومطيع وبين من يملك السلطة‬
‫استنادا إلى عوامل ومصادر متنوعة (قد تكون قوة أو إكراه أو مكانة اجتماعية أو قانون) وبين‬
‫من ال يملك نفس هذه السلطة‪ .‬أما السلطة السياسية بمعنى جهاز الدولة فال تخضع لسلطة‬
‫أخرى‪ ،‬وال تحدها سلطة عليا‪.‬‬

‫تطور السلطة السياسية‪ :‬أسس الشرعية‬

‫ُيقصد بالسلطة السياسية مجموع المؤسسات السياسية التي تحتكر سلطة اإلكراه المنظم‬
‫واإللزام على مجموع التراب الوطني وعلى السكان المقيمين والتي تمتد هيمنتها على مجموع‬
‫النشاط الممارس داخل الدولة‪ .‬والمتفوقة على جميع السلطات الفرعية في الدولة وهي مستمرة‬
‫بغض النظر عن استمرار ودوام شخص الحاكم‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫والسلطة بصفة عامة سابقة عن السلطة السياسية كجهاز‪ ،‬فإذا كانت األولى ُوجدت بقيام‬
‫العالقات بين األفراد فإن الثانية لم تظهر إال مع ظهور المجتمع السياسي المنظم‪ ،‬وهي تقترن‬
‫بالمجتمعات الكلية المنظمة‪ .‬فعلى سبيل المثال لم يشهد العرب سلطة سياسية إال بعد ظهور‬
‫اإلسالم وتشكل التجمعات الحضرية وتفكك "القبيلة" لفائدة مجتمع سياسي منظم اتخذ اسم‬
‫المدينة‪.‬‬

‫وألن ا لسلطة السياسية ظاهرة اجتماعية تتطور بتطور المجتمعات‪ ،‬فإنها عرفت‬
‫تطورات جذرية‪ .‬ففي المجتمعات القديمة كانت السلطة السياسية سلطة شخصية‪ ،‬ثم انتقلت إلى‬
‫سلطة دينية حيث كان الحاكم إما إلها أو يستمد سلطة من اإلله‪ ،‬ثم تطورت لتصبح مستمدة من‬
‫سلطة الشعب عبر أدوات التمثيل (االنتخاب)‪.‬‬

‫دوافع شرعية التَّعَلق بالسلطة السياسية‬ ‫•‬

‫هناك اختالف بين فقهاء السياسة حول أنماط الشرعية السياسية‪ ،‬فالشرعية من األسباب‬
‫التي تدفع األفراد إلى االنصياع لقرارات السلطة السياسية عن طواعية‪ ،‬ودوافع هذا االنصياع‬
‫قد تكون فكرية‪ :‬بحيث تلجأ السلطة السياسية إلى أفكار ورموز تجعل المواطنين مرتبطين‬
‫بهوية مشتركة تاريخية أو دينية أو إيديولوجية‪ .‬وقد تكون هذه الدوافع سوسيولوجية‪ :‬تقوم على‬
‫تصورات اجتماعية تحدد العالقة بين السلطة السياسية والجمهور‪ ،‬فالسلطة تخدم المواطنين‬
‫وتشبع حاجياتهم ما يجعلهم يشعرون بروابط تجمعهما‪ .‬بالمقابل تكون دوافع الطاعة قانونية‪:‬‬
‫حيث تلجأ السلطة السياسية إلى القوانين والقواعد لخلق مشروعية أعمالها وجعل المواطنين‬
‫يثقون بها‪.‬‬

‫مصادر الشرعية عن ماكس فيبر‬ ‫•‬

‫في حديثه عن الشرعية كمتغير ثقافي ميز ماكس فيبر في كتابه "االقتصاد والمجتمع"‬
‫بين ثالثة مصادر لشرعية تأسيس السلطة السياسية‪:‬‬

‫ـــ الشرعية التقليدية‪ :‬وتستند على عادات مشتركة ومقبولة من قبل الناس‪ ،‬بحيث يعتمد‬
‫الحاكم في تولي السلطة على أسس تقليدية وأعراف وعادات تكتسب قوتها بفعل الزمن والتاريخ‬
‫‪31‬‬
‫وتصبح من المسلمات‪ .‬فهذا النوع من الشرعية يرتكز على االعتقاد بقداسة التقاليد‪ ،‬فالشرعية‬
‫التقليدية هي شرعية تاريخية وعاداتها راسخة في األذهان‪ ،‬إذ يتميز هذا النموذج بهيمنة عالقات‬
‫من نمط شخصي بين الحاكم والمحكوم‪.‬‬

‫ـــ الشرعية الكاريزماتية‪ :‬الكاريزما هي الصفات االستثنائية لشخص تكون له طباع‬


‫فوق العادة قياسا بما يمتلكه عامة الناس‪ .‬النموذج يجعل الحاكم يتصف بسمات شخصية تمنح‬
‫له الزعامة ويمارس بها تأثيرا عاطفيا قويا على المحكومين‪ .‬هذا النموذج من الشرعية‬
‫الكاريزماتية ارتبط تاريخيا بزعماء تاريخيين مثل الزعيم الصيني ماو تسي تونغ أو الهندي‬
‫مهاتما غاندي‪...‬‬

‫ـــ الشرعية العقالنية‪ :‬وتدعى أيضا الشرعية القانونية وهي تسود في المجتمعات‬
‫الديمقراطية الحديثة المبنية على التعددية السياسية والتداول على السلطة‪ ،‬حيث يتم اختيار‬
‫الحاكم عبر صناديق االقتراع من قبل الشعب ولمدة زمنية محددة‪ .‬وحسب ماكس فيبر فإن‬
‫الشرعية القانونية تسمح بقيام نمط عمل عقالني مفاده تصرف الفرد إزاء هدف محدد هو‬
‫الوصول إلى السلطة وبطريقة عقالنية‪.‬‬

‫حي نكون بصدد رتثير الحق ف السلطة‪ ،‬أما ر‬


‫المشوعية‬ ‫ُ‬ ‫مفهوم ر‬
‫ي‬ ‫الشعية يطرح ر‬
‫حي نكون بصدد رتثير ممارسة السلطة (العنف ر‬ ‫ُ‬
‫المشوع مثال)‪ .‬ر‬
‫حي نطالب‬ ‫فتطرح ر‬
‫وحي نطالب‬
‫بشعية السلطة نقصد أن يكون الحاكم صاحب حق يف امتالكها‪ ،‬ر‬ ‫ر‬

‫يثثها‬ ‫بمشوعية السلطة فنقصد أن تكون ممارسات الحاكم مطابقة للقانون‪ .‬ر‬
‫الشعية ر‬ ‫ر‬

‫يثثها المحكوم‪.‬‬ ‫ر‬


‫والمشوعية ر‬ ‫الحاكم‬

‫أساليب الوصول إلى السلطة‬

‫تسمح معرفة طرق الوصول إلى السلطة بتحديد طبيعة العالقة بين الحاكم والمحكوم‪.‬‬
‫ولكون السلطة السياسية ظاهرة قديمة تطورت مع التحوالت االجتماعية والممارسة السياسية‬
‫فإن طرق إنشاء السلطة‪ ،‬تأثرت بهذه التحوالت تبعا للتطورات‪ .‬وعموما يمكن التمييز بين‬
‫طرق ديمقراطية وأخرى غير ديمقراطية‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫‪ /1‬الطرق غير الديمقراطية للوصول إلى السلطة‪:‬‬

‫يتعلق األمر بأساليب ال تقوم على التنافس بين الحاكمين وال تعترف بسلطة الناخبين في‬
‫اختيار من ينوب عنهم‪ ،‬فهي تلغي مشاركة المواطنين بصفتهم ناخبين (لهم حق التصويت) أو‬
‫منتخبين (لهم حق الترشح)‪ ،‬ويمكن التمييز بين أربعة نماذج رئيسية‪:‬‬

‫الحكم بالتعيين‪ :‬وهي طريقة كانت محصورة في المجتمعات القديمة‬

‫النموذج األول‪ :‬تعيين السلطات العليا للسلطات الدنيا‪ ،‬مثل تعيين‬


‫الملك للسلطات األدنى منه والخاضعة له‪ ،‬وتعيينه لمساعديه أو الوزراء بحيث يكون مصدر‬
‫التعيين سلطة قائمة بالوراثة أو على التقاليد الدينية‪.‬‬

‫النموذج الثاني‪ :‬تعيين رئيس السلطة السياسية (رئيس الدولة أو ملك)‬


‫من طرف سلطة أخرى أعلى درجة‪ ،‬وقد مارست هذا األسلوب بعض الهيآت الدينية التي‬
‫تدخلت في سلطة تعيين الحكام‪ ،‬من قبيل تدخل الكنيسة في العصور الوسطى في بعض الحاالت‬
‫لتزكية شخص الحاكم‪.‬‬

‫الحكم بالوراثة‪ :‬يكون في شكل نظام ملكية أو إمارة‬

‫يقوم هذا النمط على تولى السلطة بالوراثة العائلية داخل األسرة الحاكمة‪ .‬إذ تشكل صلة‬
‫الدم أو النسب أو القرابة أساس نقل السلطة السياسية وممارستها‪ ،‬ويسود هذا النموذج في‬
‫الملكيات التنفيذية في العالم العربي حيث يسود الملك ويحكم (يمارس صالحيات التنفيذية)‬
‫بخالف الملكيات الغربية التي يسودها الملك دون أن يحكم‪.‬‬

‫وعادة ما يتنقل الحكم بالوراثة بموجب مقتضى دستوري يحدد شروط تولي الحكم‪/‬‬
‫السلطة واإلجراءات المصاحبة لذلك‪ .‬فمثال في المغرب يحدد الفصل ‪ 43‬من دستور ‪2011‬‬
‫هذه اإلجراءات حيث ينص‪" ..‬إن عرش المغرب وحقوقه الدستورية تنتقل بالوراثة إلى الولد‬
‫الذكر األكبر سنا من ذرية جاللة الملك ثم إلى إبنه األكبر سنا وهكذا ما تعاقبوا‪ ،‬ما عدا إذا عين‬
‫الملك قيد حياته خلفا له ولدا آخر من أبنائه غير الولد األكبر سنا‪ ،‬فإن لم يكن ولد ذكر من ذرية‬

‫‪33‬‬
‫الملك‪ ،‬فال ُملك ينتقل إلى أقرب أقربائه من جهة الذكور ثم إلى ابنه طبق الترتيب والشروط‬
‫السابقة الذكر"‪ .‬وباتباع هذا النمط يتوارث الحاكمون السلطة فيما بينهم ويتناقلونها داخل األسرة‬
‫الحاكمة كل بحسب نظام التوريث الذي يعتمده‪.‬‬

‫الحكم باالختيار‪ :‬ويكون االختيار إمام بشكل فردي أو جماعي‬

‫وقد ساد أسلوب االختيار الفردي حيث يختار الحاكم خلفا له‪ ،‬قيد حياته‪ ،‬كما كان في‬
‫حقبة الحكم الروماني‪ ،‬وتكررت هذه الممارسة عند العرب حينما أوصى الخليفة أبوبكر بسلفه‬
‫عمر بن خطاب‪ ،‬كما نجد بعض الحاالت في الممارسة السياسية الحديثة مثل اختيار الجنرال‬
‫فرانكو (حاكم إسبانيا ما بين ‪1936‬و‪ )1975‬للملك خوان كارلوس خلفا سنة ‪ 1969‬ما سمح‬
‫أيضا بعودة النظام الملكي بإسبانيا‪ .‬أما االختيار الجماعي فغالبا ما يتخذ شكل المبايعة كما في‬
‫بعض األنظمة السياسية الخليجية‪.‬‬

‫الحكم باالنقالب‪ :‬يحقق هذا النظام التغيير الجذري للسلطة‬

‫حسب كورزيو مالبارتي (‪1898‬ـ ‪ )1957‬فإن مفهوم االنقالب ال ينطبق فقط على‬
‫العسكريين والسياسيين بل يشمل القوى المدنية التي تشارك في زعزعة استقرار األنظمة من‬
‫خالل إجراءات تهدف لخلق الفوضى‪.‬‬

‫ويتحقق هذا النموذج عبر االستيالء على السلطة بالقوة والعنف‪ ،‬سواء عبر االنقالب‬
‫العسكري أو الثورة‪ .‬واالنقالب قد يكون عسكريا (ليبيا ‪ /1969‬مصر ‪ /2013‬مالي ‪.)2021‬‬
‫وقد يكون داخل العائلة (قطر ‪ )1995‬أو لسبب مرض كما حصل في تونس (‪ )1987‬بدعوى‬
‫فقدان القدرات الصحية للرئيس آذاك‪ .‬وقد يكون االنقالب دستوريا أي بتعطيل العمل بالدستور‬
‫ومنع البرلمان من االنعقاد كما وقع في (تونس‪.)2021‬‬

‫إال أن األكثر شيوعا هي االنقالبات العسكرية التي يقودها جماعة من الجنود‪ .‬وقد شاعت‬
‫هذه األساليب في أمريكا الالتينية خالل فترة الستينات‪ ،‬كما تشهد بلدان إفريقيا إلى يومنا‬
‫(مالي‪ )2021‬انقالبات عسكرية متكررة تزيح الحاكم المنتخب وتنصب نفسها سلطة سياسية‬
‫للبالد‪.‬‬
‫‪34‬‬
‫‪ /2‬الطرق الديمقراطية للوصول إلى السلطة‪:‬‬

‫وتتحقق بمختلف طرق االنتخاب التي تضمن المساواة في تولي السلطة ألنها تتيح‬
‫للمواطنين أن يكونوا ناخبين أو منتخبين‪ .‬بمعنى أن النظام السياسي يضمن إمكانية الوصول‬
‫إلى السلطة للجميع وفق شروط تحددها القوانين والتشريعات الوطنية‪.‬‬

‫ويعتبر أسلوب االنتخاب األكثر قبوال وشيوعا في األنظمة الديمقراطية‪ ،‬ألنه يُفضي إلى‬
‫اختيار الحكام من قبل المواطنين‪ .‬واالنتخابات قد تتم بشكل تنافسي وشامل‪ ،‬بحيث تشمل رئاسة‬
‫الدولة أو الحكومة (السلطة التنفيذية) والبرلمان (السلطة التشريعية)‪ .‬وقد تكون نصف تنافسية‬
‫حيث يقتصر االنتخاب على مؤسسات سياسية دون غيرها‪ ،‬كما هو الشأن بالنسبة إلى المغرب‬
‫حيث يقتصر التنافس على رئاسة الحكومة دون رئاسة الدولة إذ يختص الملك بلقب "رئيس‬
‫الدولة وممثلها األسمى ورمز وحدتها وضامن دوام الدولة واستمرارها‪( "..‬الفصل ‪ 42‬من‬
‫الدستور)‪.‬‬

‫والجدير بالذكر أن الطرق المتبعة للوصول إلى السلطة ال ت ُلغي بعضها البعض‪ ،‬حيث‬
‫إن بعض األنظمة التي تنتقل فيها السلطة بالوراثة تسمح بوجود أساليب ديمقراطية للوصول‬
‫إلى بعض مؤسسات السلطة مثل البرلمان والحكومة‪ ،‬فالحكم بالوراثة ال ينفي وجود االنتخابات‬
‫كما هو الحال في المغرب أو بريطانيا فالسلطة القائمة على الحكم الوراثي ال تُلغي المشاركة‬
‫السياسية‪.‬‬

‫سياسات ومبررات السلطة‬

‫تقوم مبررات وجود السلطة السياسية على المهام التي تقوم بها لصالح المجتمع‪ .‬وهذه‬
‫المهام تختلف بحسب طبيعة الدولة (دولة ليبرالية‪ ،‬اشتراكية‪ ،‬شمولية‪ )..‬إال أن هناك حد أدنى‬
‫من الوظائف تكفُلها السلطة مثل األمن والنظام العام واالستقرار والرفاه االجتماعي‪ .‬ويتطلب‬
‫القيام بهذه الوظائف سن مجموعة من السياسات والسهر على تنفيذها‪ ،‬وهي عموما أربع‬
‫سياسات‪:‬‬

‫‪35‬‬
‫السياسات االستخراجية‪ :‬حيث تقوم السلطة السياسية بسن سياسات لتعبئة‬
‫الموارد البشرية (موظفي اإلدارة مثال) والمالية (الضرائب) والتقنية (صياغة‬
‫المخططات والسياسات العمومية)‪.‬‬

‫تعبئة الموارد البشرية‪ :‬تقوم السلطة السياسية بتعبئة الفاعلين‬


‫السياسيين والجهاز اإلداري وتعزيز وظائفهم لخدمة المجتمع‪ ،‬فالسياسي يقوم بوظيفة بلورة‬
‫السياسات العمومية من خالل جهاز الحكومة المكلف بتحضيرها وإعدادها‪ ،‬بينما يتولى‬
‫الجهاز اإلداري تنفيذ هذه البرامج‪ .‬وقد تشمل تعبئة الموارد البشرية أيضا الخدمة العسكرية‬
‫(وظيفة حماية النظام العام) وهي تعبئة اختيارية وإجبارية في دول أخرى‪.‬‬

‫تعبئة الموارد المادية والتقنية والمالية‪ :‬تسمح تعبئة الموارد المالية‬


‫بتوفير أسباب استمرارية الدولة وقدرتها على الوفاء بالتزاماتها الوظيفية في الرعاية‬
‫االجتماعية وتوفير حاجيات الناس‪ .‬وت ُعتبر الضرائب والتمويالت وسيلة لتعبئة الموارد‬
‫المالية وتوفير الخدمات‪.‬‬

‫ــ السياسات التوزيعية‪ :‬تهم األنشطة التي تقوم بها الدولة لتوزيع المنافع‬
‫والخدمات مثل برنامج الحماية االجتماعية ودعم التمدرس وصرف المنح‪.‬‬
‫وهي عموما نفقات تقررها السلطة بموجب ميزانية الدولة لتحقق بواسطتها‬
‫روابط العالقة بين سياسات الدولة ومتطلبات المجتمع‪ .‬وقد تشمل هذه‬
‫السياسات إعادة التوزيع أيضا من خالل اإلعفاء الضريبي لفئات اجتماعية‪.‬‬
‫ــ سياسات التنظيم‪ :‬وتهم مختلف القوانين والتشريعات التي تسنها السلطة‬
‫السياسية من أجل تقنين سلوك األفراد وتنظيمهم‪ ،‬وتشمل حفظ النظام العام‬
‫وحماية الممتلكات وتنظيم النشاط السياسي بإحداث قانون األحزاب وظهير‬
‫الحريات العامة مثال‪ ،‬وبيان المسموح به والممنوع‪.‬‬
‫ــ السياسات الجوابية‪ :‬وهي السياسات التي تتصدى بها السلطة السياسية‬
‫للظروف السياسية واالقتصادية واالجتماعية الطارئة والتحديات الدولية التي‬

‫‪36‬‬
‫تواجه النظام‪ .‬وهذه السياسات تعتمد على ثالث طرق في التعاطي مع هذه‬
‫والمشاكل‪:‬‬

‫استباق المخاطر‪ :‬وتشمل األنشطة التي تسمح بمعرفة توجهات‬


‫الرأي العام وحاجياته االقتصادية ومحاولة استكشاف المشاكل المحتملة‪ .‬وتتطلب هذه األنشطة‬
‫أيضا إجراءات استباقية بتوزيع المنافع وسن البرامج‪ ،‬مثال برنامج الحماية االجتماعية‪.‬‬

‫تقدير المخاطر‪ :‬عادة ما تعمل السلطة على استباق وقوع األزمات‬


‫والمخاطر األمنية من خالل التدخل االستباقي للحد من تأثيراتها‪ .‬ففي قضايا جرائم اإلرهاب‬
‫مثال ت ُشرع الدول قوانين قادرة على تحييد مخاطر هذه الجريمة عبر سياسات أمنية وقائية مثل‬
‫قوانين مكافحة اإلرهاب وتجفيف منابع تمويله‪..‬‬

‫معالجة المخاطر‪ :‬إن معالجة التحديات التي تواجه السلطة السياسية‬


‫تختلف بحسب طبيعة هذه المخاطر وجديتها وتأثيرها المباشر على استقرار الدولة‪ .‬فالتحديات‬
‫هنا قد تكون خارجية في شكل عالقات متوترة بين الدول‪ ،‬وقد تكون تحديات داخلية‬
‫(المؤامرات‪ .).‬وعادة ما تكون معالجة هذه المخاطر إما باإلنكار (التجاهل والصمت وعدم‬
‫االنجرار إلى الصراع) أو بالتفاوض (استراتيجية البحث عن حلول مرضية للجميع) أو‬
‫بالمواجهة (وهي استراتيجية قائمة على استعمال امتياز القوة العسكرية أو االقتصادية أو‬
‫النفوذ)‪.‬‬

‫رابعا‪ /‬القوى الفاعلة وآليات المشاركة السياسية‬

‫سوف نعتمد التصنيف الكالسيكي الذي تبرزه مختلف األبحاث والدراسات عن القوى‬
‫الفاعلة في قضايا علم السياسة‪ .‬ويتعلق األمر باألحزاب (التنظيمات السياسية) وجماعات‬
‫الضغط (النقابات وجماعات التأثير على صناع القرار) والرأي العام (اتجاهات ومواقف‬
‫الجمهور)‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫أوال‪ /‬األحزاب السياسية‪ :‬المفهوم والتصنيف‬

‫يعود ظهور مفهوم الحزب السياسي بالمعنى الحديث إلى منتصف القرن ‪ .19‬ففي‬
‫إنجلترا ظهر الحزب السياسي مع أول إصالح انتخابي لسنة ‪ 1832‬تاريخ بداية التقسيم المحلي‬
‫ببريطانيا‪ .‬أما الواليات المتحدة األمريكية فقد عرفت ظهور الحزب في فترة الرئيس جاكسون‬
‫سنة ‪ 1830‬حيث ظهرت قواعد تنظيمية في شكل حزب تدعمها شرائح واسعة من المجتمع‪.‬‬
‫وفي فرنسا تحولت األندية السياسية والمجموعات البرلمانية إلى أحزاب تحت تأثير الثورة‬
‫الفرنسية لسنة ‪ .1789‬أما في المجتمعات العربية فإن الظاهرة الحزبية حديثة حداثة الدولة‬
‫نفسها‪.‬‬

‫وبحسب "جون ماري دانكان" فإن صفة الحزب السياسي تقتضي أربعة شروط أساسية‪:‬‬

‫استمرارية التنظيم‪ :‬أي أن يكون تنظيما دائما ومستمرا ال يتعلق ببقاء‬ ‫•‬
‫الحاكم أو رحيله‪.‬‬
‫تنظيم متكامل من المركز إلى المحيط‪ :‬أي يتكون من شبكة فروع محلية‬ ‫•‬
‫تتصل بالمركز‪.‬‬
‫إرادة ممارسة السلطة‪ :‬إرادة واعية للقادة الوطنيين والمحليين للتنظيم‬ ‫•‬
‫ألخذ السلطة وممارسة الحكم لوحدهم أو في إطار تحالف مع حزب آخر‪ ،‬أي الوصول‬
‫إلى السلطة‪.‬‬
‫السند الشعبي‪ :‬أي الدعم الشعبي الذي يتحقق باالنتخابات أو الطرق‬ ‫•‬
‫السلمية المتاحة‪.‬‬

‫إن الحزب السياسي عبارة "منظمة تسعى إلى تحقيق السيطرة والوصول إلى الحكم‬
‫بطريقة قانونية شرعية وعن طريق االنتخابات"‪ .‬ويُعرف أيضا بوصفه "تجمع أفراد منظم‬
‫هدفه التعبير عن أراء ومواقف ومصالح وتطلعات أعضاء الحزب‪ ،‬وإفساح المجال أمامهم‬
‫لممارسة السلطة‪ ،‬فالحزب يطمح أساسا إلى ممارسة الحكم"‪ .‬وضمن هذا السياق يقترح "جون‬
‫ماري دانكان" تصنيفا بنيويا وآخر إيديولوجيا لألحزاب السياسية‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫‪ /1‬التصنيف البنيوي‪ :‬أحزاب األطر وأحزاب الجماهير‬

‫يستند هذا التصنيف الكالسيكي إلى بنية األحزاب السياسية ونوعية األعضاء للتمييز‬
‫بين أحزاب األطر وأحزاب الجماهير‪.‬‬

‫أحزاب األطر‪ :‬تتسم هذه النوعية من األحزاب بعدد ضئيل من األعضاء ينتمون إلى‬
‫نخبة المجتمع‪ .‬وهذا النوع هو األقدم بين األحزاب السياسية وهي ال تسعى إلى زيادة عدد‬
‫المنتسبين إليها‪ .‬وقد ظهرت أحزاب األطر في أروبا القرن ‪ 19‬وهي تسعى إلى جمع األعيان‬
‫وتوظيف نفوذهم المادي والمعنوي من أجل التأثير في السلطة عبر تمويل الحمالت االنتخابية‬
‫ألعضائها‪ ،‬وتتألف عادة هذه األحزاب من الطبقة البرجوازية التي تميل إلى األحزاب‬
‫الليبرالية‪ ،‬والطبقة األرستوقراطية التي تميل إلى األحزاب المحافظة‪ .‬هذا وقد شكل حزب‬
‫المحافظين في بريطانيا نموذج حزب األطر بخالف حزب العمال الذي يصنف في خانة أحزاب‬
‫الجماهير‪.‬‬

‫أحزاب الجماهير‪ :‬ارتبط هذا النوع من األحزاب بتاريخ األحزاب االشتراكية األوربية‬
‫في بداية القرن ‪ ،20‬ثم نقلتها بشكل أوسع األحزاب الشيوعية واألحزاب الفاشية ثم الحقا أحزاب‬
‫العالم الثالث‪ .‬وتتميز أحزاب الجماهير بسمتين تجعالنها مختلفة عن أحزاب األطر‪ :‬االنتساب‬
‫المكثف (عدد كبير من األعضاء) والتنظيم القائم على بنية قوية (عدد كبير من التنظيمات‬
‫والفروع والهياكل التابعة للحزب محليا ووطنيا)‪.‬‬

‫وبخالف حزب األطر فإن الحزب الجماهيري شديد التفرع بحيث أن اللجان المحلية‬
‫هي التي تمد المركز (قيادة الحزب) بالبرامج والتصورات‪ ،‬فالقاعدة هي التي تصنع توجهات‬
‫الحزب وسلوكات منتخبيه في حالة انتخابهم‪ ،‬مثل االنتماء إلى الفريق البرلماني والدفاع على‬
‫حقوق الجماهير بصفتهم قواعد الحزب‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫‪ /2‬التصنيف اإليديولوجي‪ :‬أحزاب اليمين وأحزاب اليسار‬

‫يقول "جون ماري دانكان" في كتابه "علم السياسة"‪" :‬ظهر استعمال كلمتي يمين ويسار‬
‫من أجل تعيين االتجاهات السياسية في فرنسا‪ .‬وهي تعود إلى العام ‪ .1789‬وقد عرفت نجاحا‬
‫استثنائيا حيت فُهمت واستُعملت في البلدان الصناعية كما في بلدان العالم الثالث وفي السوفييت‬
‫والصين‪ ،‬كما افتُرض أنها تسمح بتصنيف كل األفكار والتصرفات السياسية"‪.‬‬

‫وفع ال ارتبط كل واحد منهما بقيم مختلفة عن األخر‪ ،‬فاتجاه اليسار كان يشير إلى قيم‬
‫الحرية والعدالة االجتماعية ثم ارتدى رداء االشتراكية في وقت الحق‪ ،‬بينما اليمين كان يشير‬
‫إلى ثقافة سياسية مبنية على السلطة والمحافظة على النظام القائم‪ ،‬لكن مع ظهور األنظمة‬
‫اليسارية الشمولية (دولة الحزب الحاكم) تراجعت أهمية هذا التصنيف واحتفظت بوظيفة‬
‫تصنيف األحزاب على أساس االنتماء اإليديولوجي‪.‬‬

‫يقوم هذا التصنيف أيضا‪ ،‬على أساس المعيار اإليديولوجي فعادة ما يتم إطالق صفة‬
‫"اليسار" على األحزاب السياسية ذات المرجعية االشتراكية التي تناصر الطبقات االجتماعية‬
‫المهمشة وتدافع عن فكرة التوزيع العادل للثروة والحرص على العدالة والمساواة بين جميع‬
‫المواطنين‪ .‬كما يُحسب ألحزاب اليسار تبنيها الدفاع عن الحريات والحقوق والديمقراطية‬
‫ومناهضة النظم السلطوية‪.‬‬

‫بالمقابل‪ ،‬يتم إطالق صفة "اليمين" على األحزاب ذات التوجهات المحافظة والمدافعة‬
‫على األشكال التقليدية للحكم‪ ،‬وعادة ما تتسم هذه األحزاب بمواقف محافظة على الهوية الوطنية‬
‫للمجتمع‪ ،‬ودعمها لنزعة فردانية قائمة على المبادرة الحرة‪ .‬في أروبا اليوم تنتشر أحزاب‬
‫تصنف ضمن خانة "أقصى اليمين" وتتميز بخطابها المتطرف حيال القضايا االجتماعية والقيم‬
‫الحقوقية مثل قضايا الهجرة واألجانب وت ُغذي بخطاباتها السياسية النزعات العنصرية المولدة‬
‫للعنف االجتماعي داخل هذه البلدان‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫‪ /3‬النظم الحزبية التنافسية وغير التنافسية‬

‫تُصنف األحزاب السياسية من حيث البنية عادة بحسب معيارين أساسيين‪ ،‬أولهما عدد‬
‫األحزاب وعلى أساسه يتم التمييز بين نظام الحزب الواحد ونظام الثنائية الحزب ونظام التعددية‬
‫الحزبية‪ .‬واآلخر معيار التنافس الحزبي وعلى أساسه يتم تصنيف النظم الحزبية إلى تنافسية‬
‫وغير تنافسية‪.‬‬

‫النظم الحزبية التنافسية‬

‫ترسخت هذه النظم في الديمقراطيات الغربية وانتشت الحقا إلى الديمقراطيات الناشئة‬
‫مثل الهند واليابان ودول شرق أوربا‪ .‬وتتميز هذه النظم التنافسية بنوعين من النظم الحزبية‪:‬‬
‫ثنائية حزبية‪ ،‬قوامها حزبان قويان يتناوبان على السلطة بحسب نتائج االنتخابات‪ .‬وتعددية‬
‫حزبية‪ ،‬قوامها عدد كبير من األحزاب تتنافس حول الحكم‪ .‬وقد يحكم حزب بمفرده وقد يتحالف‬
‫مع أحزاب أخرى لتشكيل أغلبية لممارسة السلطة‪.‬‬

‫ـــ نظام الثنائية الحزبية‪ :‬في هذا النظام يتنافس على السلطة حزبان كبيران يتداوالن‬
‫على الحكم‪ .‬ففي الواليات المتحدة األمريكية يتنافس الحزب الديمقراطي والجمهوري على‬
‫تسيير الدولة‪ ،‬وفي بريطانيا يتنافس حزب العمال وحزب المحافظين على السلطة‪ ،‬وفي كال‬
‫النموذجين توجد أحزاب أخرى لكنها صغيرة بالقدر الذي يجعلها غير مؤثرة‪.‬‬

‫ومن مزايا نظام الثنائية الحزبية أنه يضمن االستقرار الحكومي نتيجة إحراز أحد‬
‫الحزبين على أغلبية المقاعد البرلمانية‪ ،‬وأحيانا يتحقق ذلك بتحالف مع أحزاب صغرى لتوسيع‬
‫دائرة األغلبية العددية الذي تسمح للحزب الحاكم بتنفيذ برنامجه وقرارته التي تتطلب تصويت‬
‫البرلمان‪ .‬كما أن من مميزات هذا النظام الحزبي أنه يسهل على الناخب االختيار بين أحد‬
‫الحزبين المتنافسين‪ ،‬فالتنافس الثنائي يوطد الديمقراطية ويسمح بالتداول على السلطة‪.‬‬

‫ـــ نظام التعددية الحزبية‪ :‬يتسم هذا النظام باتساع نطاق األحزاب المشاركة في المنافسة‬
‫على السلطة‪ .‬ويتمكن الحزب الفائز باألغلبية البرلمانية الالزمة من تشكيل الحكومة بمفرده أو‬

‫‪41‬‬
‫بمشاركة أحزاب أخرى ضمن ما يسمى بـ"التحالف الحكومي"‪ ،‬وذلك في حالة عدم إحراز أي‬
‫حزب على أغلبية مطلقة‪ ،‬ويعد هذا النظام الحزبي ديمقراطي بوصفه يسمح بانتقال السلطة‬
‫عبر االنتخابات‪.‬‬

‫ورغم أن هذا النظام الحزبي التعددي ظل حكرا على الدول الغربية مع بداية تطور‬
‫الظاهرة الحزبية وحتى نهاية الثمانيات مع سقوط جدار برلمان معلنا نهاية عصر اإليديولوجيا‬
‫وتكريس التعددية الحزبية كمفهوم سياسي ليبرالي‪ ،‬فإن المغرب شكل استثناء في العالم العربي‪،‬‬
‫حيث األحزاب السياسية إما ممنوعة أو محدودة في الحزب الواحد الحاكم‪ ،‬ذلك أن المملكة‬
‫المغربية تُعتبر البالد الوحيد في العالم العربي التي تبنت التعددية الحزبية منذ أول دستور للبالد‬
‫سنة ‪.1962‬‬

‫ولما أثبتت التجارب الديمقراطية الغربية أن نظام التعددية الحزبية هو األكثر تعبيرا‬
‫عن المشاركة السياسية والتناوب على السلطة‪ ،‬فإنه في حاالت استثنائية تشكل التعددية الحزبية‬
‫عائقا أمام االستقرار الحكومي بسبب تعذر الحصول على ائتالف حكومي متجانس كما هو‬
‫حال التجربة اإليطالية‪.‬‬

‫النظم الحزبية غير التنافسية‬

‫يرتبط هذا النظام باألنظمة الديكتاتورية ويتمثل جوهره في انعدام المنافسة واحتكار‬
‫السلطة عبر حزب وحيد أو حزب مسيطر على الحياة السياسية‪ ،‬وهو يجعل من االنتخابات‬
‫عمليات شكلية ال تؤثر في التنافس على الحكم‪.‬‬

‫نظام الحزب الوحيد‪ :‬يتميز هذا النظام باحتكار السلطة من طرف حزب واحد يهيمن‬
‫على الحياة السياسية ويفرض سياساته على الدولة والمجتمع‪ .‬وعادة ما يعتبر الحزب أداة للنظام‬
‫السياسي‪ ،‬فالحزب هو الدولة والدولة هي الحزب يصعب التفريق بينهما‪ ،‬كما في التجارب‬
‫الفاشية أللمانيا في عهد هتلر وإيطاليا في وقت موسوليني وإسبانيا في عهد الجنرال فرانكو‬
‫ونظام الحزب الوحيد في االتحاد السوفياتي وأوروبا الشرقية ما قبل انهيار جدار برلين‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫وقد يتخذ هذا النظام غير التنافسي أيضا شكل الحزب المسيطر‪ ،‬بحيث تكون باقي‬
‫األحزاب بدون تأثير سياسي ويقتصر دورها على دعم الحزب المسيطر في تدبير شؤون‬
‫الدولة‪ ،‬فيكون رئيس الدولة (وإن كان منتخبا مباشرة) والحكومة والجهاز اإلداري ينتمون إلى‬
‫الحزب نفسه‪ ،‬أي الحزب المسطرة (تجربة الحزب الوطني الديمقراطي في مصر قبل ثورة‬
‫‪ .)2011‬وقد ساد هذا النموذج أيضا في الدول حديثة االستقالل في أفريقيا وأمريكا الالتينية‬
‫حيث ارتبط الحزب بشخص الزعيم‪ /‬المحرر من االستعمار األجنبي‪.‬‬

‫ثانيا‪ /‬جماعات الضغط ‪Lobbies‬‬

‫يمكن القول إن مفهوم جماعات الضغط كمصطلح سياسي يتكون من شقين‪ ،‬األول مفهوم‬
‫الجماعة والثاني مفهوم الضغط‪ .‬ويقصد بالجماعة أي ائتالف بين مجموعة من األشخاص لهم‬
‫خصائص مشتركة ومستوى متقارب ثقافيا وسوسيومهنيا‪ .‬أما مفهوم الضغط فإنه مرتبط‬
‫بالعمليات السياسية إذ يعني أن الجماعة قد اتخذت اتجاها أو رأيا موحدا في موضوع معين‪.‬‬

‫ويُقصد بجماعات الضغط‪ ،‬وتُسمى أيضا مجموعة المصالح‪ ،‬كل هيئة تسعى إلى التأثير‬
‫في قرارات السلطة في اتجاه مالئم الهتماماتها االجتماعية أو االقتصادية‪ ،‬وانطالقا من تأثيرها‬
‫في السلطات العامة فهي ت ُعتبر فاعال أساسيا في النسق السياسي ومساهمة في صياغة توجهاته‪.‬‬
‫ويتحدث "جون ماري دانكان" عن أربعة شروط للقول بوجود مجموعة ضغط‪:‬‬

‫أن يكون لها حد أدنى من التنظيم‪ /‬أن يكون لها هدفا محددا‪ /‬أن‬
‫يكون لها االستقاللية في تنظيمها وقرارها‪ /‬أن تمارس ضغطا فعليا لتحقيق‬
‫مصالحها‪.‬‬

‫وقد اختلف االعتراف الرسمي بمجموعات الضغط باختالف النظم السياسية‪ ،‬ففي فرنسا‬
‫يُنظر إلى جماعات الضغط على أنها تخدم مصالح خاصة "دنيئة" تتعارض مع المصلحة‬
‫العامة للشعب‪ ،‬إال أن األمر يجري على خالف ذلك في الواليات المتحدة األمريكية حيث تعد‬
‫المجموعات (‪ )Lobbies‬الضاغطة حالة معترف بها من قبل الحكومة والكونغرس منذ‬

‫‪43‬‬
‫‪ ،1946‬فنشاط هذه الجماعات منظم رسميا حيث تسجل هذه األخيرة أسماء منتدبيها لدى‬
‫الكونغرس (البرلمان األمريكي)‪.‬‬

‫‪1‬ـ تصنيف مجموعات الضغط‬

‫يجري التمييز بين ثالث فئات من جماعات الضغط باعتماد معيار المصالح‪ ،‬وهي‬
‫الجماعات ال مدافعة عن المصلحة المادية (مثل النقابات‪ ،‬ومنظمات أرباب العمل ومنظمات‬
‫التجارة والصناعة‪ )..‬والجماعات المدافعة عن المصلحة المعنوية (منظمات حقوقية والتجمعات‬
‫النسائية‪ ،‬ومنظمات سياسية متخصصة‪ :‬الدفاع عن السالم أو البيئة‪ )..‬والجماعات ذات التأثير‬
‫السياسي كما هو الحال في الواليات المتحدة األمريكية‪.‬‬

‫الجماعات المدافعة عن المصلحة المادية‬ ‫•‬

‫يُقصد بها تلك المجموعات التي تدافع وبشكل أساسي عن المصالح المادية للفئات‬
‫المنضوية باسمها‪ ،‬وقد تخفي هذه المصالح العامة المادية مصالح شخصية دعائية‪ .‬ويمكن أن‬
‫ندرج ضمن هذه المجموعات نقابات العمال والهيآت المهنية ومنظمات أرباب العمل‬
‫(باطرونا)‪ .‬يتصف هذا النوع بالقدرة على التمثيل الجماعي بغض النظر عن طبيعة وحجم‬
‫ال ُمنتظمين نقابيا أو مهنيا "فعندما يسير ‪ 100‬مزارع في الشوارع‪ ،‬فإن الذين يسيرون أو‬
‫يتظاهرون ليسوا في أنظار الطبقة السياسية أو اإلعالمية بعض المزارعين‪ ،‬وإنما كل‬
‫المزارعين"‪ .‬إلى جانب البعد التمثيلي للمجموعات المدافعة عن المصالح المادية تتميز أيضا‬
‫بخطابها المعبر عن الفئة المعنية بمدلوله (الفالحون‪ ،‬األساتذة‪ ،‬الطلبة‪.)..‬‬

‫وبعكس الصفة التمثيلية لألحزاب السياسية التي يمكن قياسها‪ ،‬بمؤشر االنتخابات أو‬
‫عدد األعضاء داخل البرلمان‪ ،‬فإن مجموعات الضغط يصعب قياسها بالنظر إلى طبيعة‬
‫نشاطها‪ ،‬باستثناء النقابات الممثلة داخل البرلمان التي يسهل قياس حجمها وتأثيرها من خالل‬
‫نتائج االنتخابات المهنية المعمول بها في بعض األنظمة االنتخابية في العالم‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫وبالنسبة إلى النقابات‪ ،‬وبخالف التعددية السياسية الحزبية كأساس للنظام الديمقراطي‪،‬‬
‫فإن التعددية النقابية ال تلقى قبوال كبيرا حيث يُنظر إليها بوصفها تؤثر في القوة العددية والقدرة‬
‫على الضغط‪ ،‬وأن التعددية النقابية تُسهم في التشتيت الذي يخدم السلطة السياسية المناوئة عادة‬
‫لمطالب هذه الجماعات أكثر ما يخدم الطبقات المنضوية تحت لوائها‪ .‬فالتعدد يُضعف القدرة‬
‫التفاوضية للنقابة مع السلطات العمومية وأرباب العمل‪.‬‬

‫أما بخصوص أرباب العمل (مثل االتحاد العام لمقاوالت المغرب) فقد ظهرت بعد‬
‫الحرب العالمية الثانية‪ ،‬عندما تحالف أرباب العمل (الباطرونا) لحماية مصالحهم‪ ،‬وهي تسعى‬
‫إلى الضغط على السلطة الحكومية من أجل حماية حقوقها المالية في العالقة مع المشتغلين‬
‫(األجراء) ومصالحها االقتصادية مثل كلفة المواد األولية ومطالب اإلعفاءات الضريبية‪...‬‬
‫وعادة ما تستند هذه الجماعات إلى أدوات دعائية إعالمية ت ُقوي نفوذها وقدرتها التفاوضية‪.‬‬

‫الجماعات المدافعة عن المصلحة المعنوية‬ ‫•‬

‫تسعى هذه الجماعات إلى تحقيق مصالح معنوية‪ ،‬حيث إن أعضاءها يجتمعون على‬
‫أساس التشابه في وضعهم ومطالبهم والغاية من تحالفهم‪ ،‬ويمكن أن نُدرج ضمن هذا اإلطار‬
‫المنظمات النسائية المدافعة عن حقوق المرأة وجمعيات مكافحة العنصرية وجمعيات حماية‬
‫البيئة‪ .‬وبخالف الصنف األول الذي يسعى إلى تحقيق مكاسب مادية فإن صنف الجماعات‬
‫المدافعة عن المصلحة المعنوية تكون غايتها تبني قضايا إصالح المجتمع والدفاع عن قيم‬
‫العيش المشترك‪.‬‬

‫إال أن ما يؤاخذ على هذه الجماعات عادة هو والؤها السياسي أو الحزبي أحيانا‪ ،‬إذ‬
‫غالبا ما تشكل امتدادا أو ذراعا لحزب سياسي تتخذ شكل منظمات نسائية وشبيبات تابعة‬
‫لألحزاب‪ ،‬كما أن بعض قياداتها أعضاء في أحزاب سياسية قائمة ما يجعل وظيفتها خاضعة‬
‫للمنطق السياسي ولموقع هذه التنظيمات الحزبية التي تتبعها‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫جماعات الضغط ذات التأثير السياسي‬ ‫•‬

‫عبارة عن جماعة قانونية منظمة تدافع عن قضايا ومواقف ومصالح معينة‪ ،‬لها مراكز‬
‫قانونية محددة لدى السلطات العامة للدولة‪ ،‬يجمع بين أفرادها مصالح مشتركة وتنشط في سبيل‬
‫تحقيق هذه المصالح عن طريق االتصال بمسؤولي الدولة ومؤسساتها ومحاولة إسماع صوتها‬
‫مستخدمة كل ما تملك من وسائل متاحة وفي مقدمتها أسلوب الضغط عبر وسائل اإلعالم‪.‬‬
‫دورا محوريًا وها ًما في الحياة السياسية االمريكية‪ ،‬حيث تخضع‬
‫وتلعب "اللوبيات ‪ً "Lobby‬‬
‫لقانون الوكالء األجانب الذي يُلزم جماعات الضغط باإلفصاح عن أنشطتها‪ .‬فمن المعروف أن‬
‫جماعات الضغط السياسي هي ال ُمتدخل الحقيقي في القرارات وهي من تصنع السياسة‬
‫االمريكية ومواقفها الخارجية في العالقة مع الدول‪.‬‬

‫“اللوت” ‪ LOBBY‬عىل الحصول عىل تمويل من جانب رشكة أو‬


‫ري‬ ‫تقوم فكرة عمل‬
‫مجموعة رشكات من قطاع واحد أو دولة معينة من أجل الثوي ج لوجهة نظرها والدفاع‬
‫“اللوت” من جانبه التواصل مع‬
‫ري‬ ‫األمريك وصناع القرار‪ ،‬ويتوىل‬
‫ي‬ ‫عنها أمام الرأي العام‬
‫ّ‬
‫مؤسسات اإلعالم األمريكية ومع صناع القرار يف واشنطن وأعضاء الكونغرس لدفعهم‬
‫تبت مواقف داعمة لدول بعينها‪.‬‬
‫قواني محددة أو ي‬
‫ر‬ ‫نحو دراسة مشاري ع‬

‫تنشط هذه الجماعات تحديدا في الواليات المتحدة األمريكية وهي تمارس نوعا من‬
‫النفوذ والضغط على السياسيين األمريكيين في مركز القرار على مستوى البرلمان من أجل‬
‫الدفاع عن المصالح السياسية والعسكرية واالقتصادية لبلدان أخرى في عالقاتها بالسياسات‬
‫الخارجية للواليات المتحدة األمريكية‪ .‬وعادة ما تسعى هذه الدول إلى التعاقد مع هذه الجماعات‬
‫التي تحمل اسم "لوبيات" من أجل التسويق لمصالحها الحيوية داخل النخبة السياسية األمريكية‪.‬‬

‫‪2‬ـ طرق عمل مجموعات الضغط‬

‫يقوم عمل جماعات الضغط على مجموعة من الوسائل‪ ،‬ويمكن التمييز بين‬
‫استراتيجيتين‪ :‬األولى تكمن في التوجه مباشرة إلى صناع القرار السياسي سواء الحكومة أو‬

‫‪46‬‬
‫البرلمان أو اإلدارة وذلك بحسب طبيعة القرار المطلوب‪ .‬والثانية تتمثل في الضغط بواسطة‬
‫الرأي العام إذ عادة ما تلجأ جماعات الضغط لهذا االختيار حينما تكون عالقتها بالسلطة سيئة‪.‬‬

‫أدوات التأثير على القرار السياسي‬

‫اإلعالم‪ :‬حسب "جون ماري دانكان" فإن الوسيلة األولى للضغط على‬ ‫•‬
‫صناع القرار السياسي هي اإلعالم‪ ،‬ألن هذا اإلعالم يعدل وجهات نظر المسؤولين‬
‫وقراراتهم من خالل نشر وإطالعهم على معطيات حول الموضوع‪ /‬المطالب‪ .‬ولذلك‬
‫غالبا ما تمتلك جماعات الضغط وسائل إعالم لها تأثير قوي إزاء السلطات العمومية‪.‬‬

‫المشاركة‪ :‬تتحقق حينما تلجأ السلطات العامة إلى إشراك هذه الجماعات‬ ‫•‬
‫بوصفها "منظمات تمثيلية" في اتخاذ القرار أو تعديله‪ .‬وتشارك جماعات الضغط‬
‫(النقابات) بوصفها تمثل الفئات االجتماعية التي تدافع عنها‪.‬‬
‫التشاور‪ :‬يقتضي األمر أن تكون مجموعة الضغط كبيرة (مثل القطاع‬ ‫•‬
‫الزراعي في فرنسا) حتى تُلزم السلطات الحكومية على التشاور معها‪ ،‬وفي هذه الحالة‬
‫تكون الجماعة في موقع قوة وتدافع عن اختيارات منتسبيها (الفالحين والمزارعين)‪،‬‬
‫فالمشاورة تقنية ترغب من خاللها السلطات الحكومية أو اإلدارية تفادي التصعيد‬
‫االجتماعي عبر تقنين الحوار وقد يصل األمر إلى ترسيم موعد سنوي لهذه المشاورات‬
‫مع بداية كل سنة مالية‪.‬‬

‫أدوات التأثير على الرأي العام‬

‫الدعاية‪ :‬تشكل الدعاية األسلوب األول للتأثير على الرأي العام الذي تلجأ‬ ‫•‬
‫إليه جماعات الضغط‪ .‬ونميز هنا بين نوعين من الدعاية‪ :‬علنية ومموهة غير معلنة‪.‬‬

‫الدعاية العلنية عادة ما تتخذ ثالثة أساليب‪ ،‬األول‪ :‬عبر استخدام الصحف التي تصدرها‬
‫هذه الجماعات أو تملك تأثيرا ماليا عليها‪ .‬وقد تكون هذه الصحف نقابية أو حرفية بانتشار‬
‫محدود فتلجأ هذه الجماعات إلى الصحف األكثر تأثيرا (مقروئية) على الرأي العام‪ .‬األسلوب‬
‫‪47‬‬
‫الثاني‪ :‬يتم عبر اختيار صحف قريبة من التوجهات السياسية لجماعات الضغط أو معروفة‬
‫عادة بتبني قضايا جماعات الضغط خاصة حينما يتعلق األمر بالنقابات المهنية مثال‪ .‬ففي فرنسا‬
‫لعبت جريدة "لوموند" الواسعة االنتشار دورا كبيرا في الدفاع عن مصالح الفئات‬
‫السوسيومهنية التي تنتظم في شكل نقابات‪ .‬أما األسلوب الثالث‪ :‬حينما تلجأ جماعات الضغط‬
‫إلى "شراء" صفحات في الصحف الكبرى من أجل عرض أفكارها حيال قضايا تدافع عنها‪،‬‬
‫وهذه الطريقة بدأت في الواليات المتحدة األمريكية وانتقلت إلى فرنسا‪ ،‬إال أنها في تجارب‬
‫أخرى قد تقتصر الفكرة على وقت انتخابي أو نشاط نقابي وليس بالضرورة قضية‪.‬‬

‫أما الدعاية مموهة فتسلكها جماعات الضغط حينما تلجأ إلى تمرير رسائلها وخطابها‬
‫عبر وسائل اإلعالم دون أن تُظهر شخصيتها كجماعة تقف وراء هذه المواقف المعبر عنها‬
‫على صفحات الصحف‪ .‬وإذا كانت الدعاية المعلنة طريقة عمل جماعات الضغط ذات المصالح‬
‫المادية (النقابات) أو المعنوية (الجمعيات الحقوقية) فإن الدعاية المموهة طريقة عمل جماعات‬
‫الضغط ذات التأثير السياسي‪ ،‬كما هو الشأن في الواليات المتحدة األمريكية حيث أصبحت‬
‫الجرائد ومراكز البحوث وسيلة لتمرير مواقف هذه الجماعات من سياسات الدولة‪ ،‬بمقابل الدعم‬
‫المادي لهذه الصحف أو إعالنات مدفوعة الثمن نظير خدمة "الدعاية المموهة"‪.‬‬

‫اإلضراب‪ :‬يعد اإلضراب أحد أكثر وسائل التأثير استخداما من قبل‬ ‫•‬
‫مجموعات الضغط خاصة الجماعات المدافعة عن المصالح المادية (النقابات‬
‫والمنظمات المهنية)‪.‬‬

‫ويأخذ اإلضراب عادة طابع الرفض اإلجمالي للنظام القائم (النظام الوظيفي‪ /‬المهني)‬
‫فهو يكون موجها ضد أرباب العمل تقوده الشغيلة أو من يمثلها‪ ،‬ويسمى إضرابا عماليا‪ ،‬وقد‬
‫يكون موجها ضد الدولة حينما تكون هي المشغل كما هو الشأن بالنسبة إلى الموظفين وعمال‬
‫المرافق الكبرى (البريد‪ ،‬الكهرباء والنقل‪ )..‬حيث تكون الدولة في هذه الحالة هي طرف‬
‫المواجهة‪ .‬وفي حالة ثانية قد تكون الهيآت النقابية مرتبطة بحزب سياسي معين‪ ،‬فيصبح‬
‫إضراب النقابة إضرابا سياسيا يتخذ في الغالب صفة اإلضراب العام‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫وفي كلتا الحالتين يكون دور الرأي العام حاسما في إنجاح اإلضراب‪ ،‬ألنه يدفع المشغل‬
‫أو الدولة (بحسب الجهة المشغلة) ل تقديم تنازالت والتفاوض لتحقيق مطالب المضربين‪ .‬بالمقابل‬
‫يخضع اإلضراب لقوانين تنظمه حتى ال يتحول إضراب العمال إلى وسيلة لتعطيل مصالح‬
‫المواطنين (في القطاع العام مثال) أو التسبب في خسائر مالية جراء توقيف العمل بالنسبة إلى‬
‫القطاع الخاص‪.‬‬

‫ثالثا‪ /‬الرأي العام‬

‫ترجع نشأة مفهوم الرأي العام إلى الثورة الفرنسية حينما استخدم السياسيون الفرنسيون‬
‫هذا المفهوم للتعبير عن اتجاهات وآراء ومصالح كبار التجار وأصحاب الصناعات خالل‬
‫مرحلة ما بعد الثورة‪ ،‬وقد تطور هذا المفهوم أكثر بعد الحرب العالمية األولى وما رافقها من‬
‫جدل وخالفات حول الموقف من الحرب‪.‬‬

‫‪ /1‬تعريف الرأي العام‬

‫رغم كثرة استخدامات مفهوم الرأي العام في العلوم االجتماعية‪ ،‬إال أنه ال يوجد تعريف‬
‫موحد جامع له‪ ،‬خاصة مع تداخله مع المفاهيم أُخرى مثل االعتقاد والقناعة واالتجاه والحكم‬
‫والسلوك‪ .‬وعليه‪ ،‬يُعرف الرأي العام بوصفه "اتجاهات الناس ومواقفهم إزاء موضوع معين‬
‫عندما يكون هؤالء الناس أعضاء في جماعة معينة"‪.‬‬

‫في التعريف أيضا‪ ،‬يقول جيمس برايس ‪ James Bryce‬إن "الرأي العام هو اصطالح‬
‫يُستخدم للتعبير عن مجموع اآلراء التي يدين بها الناس إزاء المسائل التي تؤثر في مصالحهم‬
‫العامة والخاصة"‪.‬‬

‫ويمكن القول أيضا "إن الرأي العام هو رأي األغلبية‪ ،‬ومعنى ذلك أن هناك إمكانية‬
‫لوجود آراء أخرى تختلف عنه‪ ،‬ولكنها ال تقلل من أهميته أو إمكانية وصفه بأنه عام"‪.‬‬

‫وعموما يمكن التمييز بين الرأي العام الفعلي ويدل على أن االتجاهات قد أثيرت وأن‬
‫لها بعض التأثير على السلوك الجماعي لألفراد وموقفهم حول قضية ما‪ .‬والرأي العام الكامن‬
‫‪49‬‬
‫ليدل على أن هناك اتجاهات لم تتبلور بعد‪ ،‬حيال قضية معينة‪ .‬ونشير هنا إلى مالحظة مهمة‬
‫مفادها أن الرأي العام ليس مجموعا ً حسابيا ً لآلراء الفردية‪ ،‬وإنما هو محصلة تفاعل حول‬
‫موقف ارتضته الجماعة ككل‪.‬‬

‫الجماهث" (كوستاف لوبون ‪)1895‬‬


‫ر‬ ‫يف كتاب "سيكولوجيا‬
‫تفسث الحاالت النفسية‬
‫ر‬ ‫االجتماع يف‬
‫ي‬ ‫يوظف الكاتب علم النفس‬
‫ً‬
‫مرجعا‬ ‫كواحدة من عوامل تكوين الرأي العام‪ .‬وقد أصبح الكتاب‬
‫الت تتأثر‬ ‫ً‬
‫تفكثها‪ ،‬والطرق ي‬
‫الجماهث‪ ،‬وطريقة ر‬
‫ر‬ ‫مهما لفهم نفسيات‬
‫بناء عليها‪ .‬ورغم مرور ما يقارب ال ‪ً 150‬‬
‫عاما عىل‬ ‫بها وتتحرك ً‬
‫ً‬
‫تأليف الكتاب‪ ،‬ما زال محافظا عىل حضوره‪ .‬ويقدم إجابات واضحة‬
‫الجماهثية مثل‪ :‬كيف‬
‫ر‬ ‫للعديد من األسئلة المثارة حول التجمعات‬
‫الجماهث؟ وكيف تتكون الجماعات الثورية يف األصل؟ ما‬
‫ر‬ ‫تثور‬
‫أه عقائد معينة أم الدين‬
‫الجماهث نحو هدف واحد؟ ي‬
‫ر‬ ‫الذي يصهر‬
‫بشكل رئيس؟ ما دور الزعيم أو القائد يف الثورات؟ واألخطر من‬
‫الجماهث عاقلة وواعية بالديمقراطية أم متهيجة وثائرة‬
‫ر‬ ‫ذلك هل‬
‫فقط؟‬

‫ر‬
‫ه‬ ‫يقول الكاتب‪ :‬والظاهرة ي‬
‫الت تدهشنا أكث يف الجمهور ي‬
‫التالية‪ :‬أيا تكن نوعية األفراد الذين يشكلونه‪ ،‬وأيا يكن نمط حياتهم‬
‫متشابها أو مختلفا وكذلك اهتماماتهم ومزاجهم أو ذكاؤهم‪ ،‬فإن‬
‫مجرد تحولهم إىل جمهور يزودهم بنوع من الروح الجماعية‪ .‬وهذه‬
‫الروح تجعلهم يحسون ويفكرون ويتحركون بطريقة مختلفة تماما‬
‫الت كان سيحس بها ويفكر ويتحرك كل فرد منهم لو‬
‫عن الطريقة ي‬
‫كان معزوال‪.‬‬

‫‪ /2‬عوامل تكوين الرأي العام‬

‫عادة ما يتشك ل الرأي العام وسط تفاعالت توجه آراء ومواقف الناس حيال بعض‬
‫القضايا التي تجلب إليها االهتمام‪ ،‬وقد يكون هذا التأثير الجماعي خاضعا لتقاليد أو نسق‬
‫‪50‬‬
‫سياسي أو بيئة اجتماعية أو لعوامل نفسية‪ .‬وعموما يتأثر الرأي العام بالعديد من العوامل‬
‫منها‪:‬‬

‫‪-‬العوامل الوظيفية‪ :‬من المعروف أن هناك سمات تؤثر في عقلية الفرد وأفكاره‪،‬‬
‫فالمريض تكون أفكاره مريضة‪ ،‬وقد تكون نظرته للحياة متشائمة‪.‬‬

‫‪-‬العوامل النفسية‪ :‬هناك عوامل نفسية تؤثر في تصرفات الفرد وفي سلوكه‪ .‬وتلعب‬
‫األهواء دورا ً بالغ األهمية في بلورة الرأي العام‪.‬‬

‫‪-‬الثقافة‪ :‬تمثل مجموع العادات والتقاليد والقيم وأساليب الحياة التي تنظم حياة اإلنسان‬
‫داخل البيئة التي يعيش فيها‪ ،‬والعادات المكتسبة أثناء عملية التنشئة االجتماعية المختلفة إذ‬
‫يكون لها تأثير على ما يصدره الفرد من مواقف وأحكام‪.‬‬

‫‪-‬النظام السياسي‪ :‬تسمح األنظمة الديمقراطية بوجود وانتشار الرأي العام‪ ،‬ألن وجود‬
‫الديمقراطية يضمن إمكانية التعبير عن الموقف والدفاع عن وجهات نظر معينة‪ .‬وذلك على‬
‫عكس ما هو موجود في ظل الدكتاتورية‪ ،‬باإلضافة إلى ذلك فإن الحريات العامة‪ ،‬وهي حرية‬

‫‪51‬‬
‫الرأي والتعبير وحرية الصحافة والنشر وحرية االجتماع وغيرها‪ ..‬تعد من مكونات الرأي‬
‫العام‪.‬‬

‫‪-‬األحداث والمشكالت‪ :‬تعتبر الحوادث والمشكالت واألزمات‪ ،‬التي يتعرض لها مجتمع‬
‫معين‪ ،‬من العوامل المهمة التي تعمل على تكوين اتجاهات جديدة للرأي العام‪.‬‬

‫‪-‬اإلعالم والدعاية‪ :‬يتأثر الرأي العام بوسائل االعالم والدعاية وما يترتب عنهما من‬
‫نشر معلومات وأخبار تحاول تكوين رأي عام عن طريق التأثير في األفراد‪ ،‬وتوصف اإلعالم‬
‫بأداة صناعة الرأي العام أي توجيهه وتكوين مواقفه‪.‬‬

‫‪-‬الشائعات‪ :‬يمكن النظر إلى الشائعات باعتبارها ظاهرة اجتماعية موجودة استخدمت‬
‫على مر العصور كأداة من أدوات التأثير وتشكيل الوجدان الجماعي بشأن قضية أو أمر ما‪،‬‬
‫سواء في أوقات السلم أم في أوقات الحرب‪ ،‬وسواء بين الدول وبعضها البعض أو حتى داخل‬
‫الدولة الواحدة‪ ،‬لخدمة مصالح صانعيها ومروجيها‪ .‬وهي إحدى أهم أدوات الحرب النفسية‪.‬‬
‫والشائعة تعتبر أداة تستخدم من أجل هدفين‪ :‬هدف االضرار أو هدف قياس مدى أمكانية قبول‬
‫شئيا ما‪.‬‬

‫‪-‬التأثير الديني‪ :‬يعد العامل الديني من أكثر العوامل المؤثرة في الرأي العام‪ ،‬ودرجة‬
‫تأثير العامل الديني في الرأي العام وتوجهاته بصفة عامة‪ ،‬تختلف من مجتمع آلخر ومن شخص‬
‫آلخر تبعا لمجموعة من العوامل‪ ،‬أهمها مستوى االلتزام الديني ومدى ارتباطه بمظاهر الحياة‪.‬‬

‫خامسا‪ /‬التنمية السياسية والسلوك السياسي‬

‫يصنف مفهوم التنمية السياسية ضمن المفاهيم الحديثة في علم السياسة‪ ،‬وقد ارتبط هذا‬
‫التصور (التنمية السياسية) بانتقال النظم السياسية من نظم توصف بالتقليدية إلى نظم سياسية‬
‫حديثة‪ ،‬حيث يبرز توجهان لدراسة التنمية السياسية‪ .‬األول‪ :‬االتجاه الکمي ويهتم بالدراسات‬
‫التي تأثرت بالمحدد السلوکي عبر ربط التغير السياسي بالنشاط االقتصادي وأثره على المجتمع‬
‫وما ينتج عنه من تغيرات اجتماعية وسياسية تروم االستقرار‪ .‬أما االتجاه الثاني فيقوم على‬

‫‪52‬‬
‫التقييم الكيفي من خالل دراسة األنظمة السياسية من منطلق التحوالت النوعية التي تحدث فيها‪،‬‬
‫حيث العالقة بين المجتمع وقضايا الحريات وحقوق اإلنسان ودورهما في دعم التنمية السياسية‪.‬‬

‫ويحمل مفهوم التنمية السياسية تعريفات عديدة فقد تدل على النمو والتغيير في النظم‬
‫السياسية‪ ،‬أي االنتقال من نظام إلى آخر أكثر قدرة على التعامل مع المشكالت‪ .‬وهناك من يفهم‬
‫من التنمية السياسية على أنها شرط مسبق لتحقيق التنمية االقتصادية وذلك بتوفير االستقرار‬
‫السياسي‪ .‬ويربط بعض الباحثين بين التنمية السياسية وتطور المؤسسات والممارسات‬
‫الديمقراطية‪ ،‬بينما يعتبر آخرون أن مفهوم التنمية السياسية مرادف لنمو وتطور قدرات النظام‬
‫السياسي وقدرته على االستجابة لحاجيات المجتمع‪.‬‬

‫‪1‬ـ مجاالت التنمية السياسية‬

‫سياسياً‪ :‬تهدف إلى بناء السلطة عن طريق مؤسساتها مما يؤدى لنمو‬ ‫‪.1‬‬
‫المجتمع وتحقيق أهدافه‪ ،‬کما تعني التنمية بناء الديمقراطية وتحفيزها داخل المجتمع‪.‬‬
‫اجتماعياً‪ :‬تهدف إلى اعتماد قواعد الحكامة الجيدة وتغيير األساليب غير‬ ‫‪.2‬‬
‫الناجعة قصد الرفع من مستوى الحياة االجتماعية‪ ،‬فالتنمية السياسية بهذا المعنى تراهن‬
‫على تغيير جذري في عالقات المجتمع‪.‬‬
‫ثقافياً‪ :‬تحقق التنمية السياسية نموا ثقافيا يسهم في تكوين الشخصية‬ ‫‪.3‬‬
‫المجتمعية ويحافظ على التعددية والهويات داخل الوحدة االجتماعية‪.‬‬
‫قانونيا ً وإدارياً‪ :‬تهدف لتطوير األنظمة والقوانين بصورة مستمرة لتتالءم‬ ‫‪.4‬‬
‫مع االحتياجات المجتمعية التي يقتضيها التغيير‪.‬‬

‫‪2‬ـ نظريات التنمية السياسية‬

‫أنتجت العلوم السياسية مجموعة من األفكار والنظريات التي تهتم بالتغيير السياسي‪،‬‬
‫وذلك في محاولة منها للكشف عن العالقات القائمة بين طبيعة النظام السياسي ومجموعة من‬
‫المؤشرات التي تهم المجتمع‪ .‬وإلى جانب النظرية السلوكية الكالسيكية التي عرضنا إليها أعاله‬
‫(المقتربات الكمية والكيفية)‪.‬‬
‫‪53‬‬
‫وعموما‪ ،‬يمكن التمييز بين ثالث نظريات حديثة في مجال التنمية السياسية‪:‬‬

‫نظرية التحديث‪ :‬ترتكز على العوامل الخارجية التي يكون لها األثر األكبر في نقل المجتمعات‬
‫من التقليد إلى الحداثة‪ ،‬ما يُحقق التنمية السياسية‪ .‬وقد ارتبطت هذه النظرية‪ ،‬من جهة‪،‬‬
‫بالدراسات حول دور الثقافة في تحديث المجتمع‪ ،‬ومن جهة أخرى‪ ،‬دراسة دور االختالفات‬
‫االجتماعية في إحداث التغير االجتماعي‪.‬‬

‫نظرية التبعية‪ :‬وهي مدرسة دافعت عن فكرة مفادها أن االنحطاط والتخلف في دول العالم‬
‫الثالث‪ ،‬ليس الحالة الطبيعية لتلك المجتمعات‪ ،‬بل هي نتيجة للسيطرة االستعمارية عليها‪.‬‬
‫فالتخلف والتنمية هو نتاج تطور الدول المتقدمة الذي ينتج عنه تبعية وتخلف دول أخرى تحت‬
‫تأثير االحتكار الذي تمارسه الدول المتقدمة من خالل التحكم في اإلمكانيات والموارد التي من‬
‫شأنها أن تسهم في تحديث المجتمعات األخرى‪ ،‬أي في تحقيق التنمية السياسية‪.‬‬

‫نظرية التعبئة‪ :‬تعتبر هذه النظرية أن التنمية السياسية تمر عبر إلغاء التقاليد والرهان على‬
‫عملية التعبئة التي تساعد على نشر الفكر العقالني المساعد على تحفيز الرغبة في التنمية‪ .‬وقد‬
‫اعتبر رواد هذا االتجاه (دانييل لينر وكارل دوتش) في تحليلهما لدول الشرق األوسط على‬
‫مؤشرات اجتماعية الحظوا من خاللها أن مشكلة التنمية السياسية داخل هذه المجتمعات تكمن‬
‫في حفاظها على بعض أنماط التقاليد والخصوصية ما يعقد مهمة إدماج ثقافات "تحديث جديدة"‬
‫داخل هذه التنظيمات االجتماعية‪.‬‬

‫‪3‬ـ التنمية السياسية والديمقراطية التشاركية في المغرب‬

‫إلى جانب التنظيم النقابي (جماعات الضغط بأهداف مادية)‪ ،‬والتنظيمات الحقوقية‬
‫والنسائية والجمعيات المختصة (جماعات الضغط بأهداف معنوية)‪ .‬و(جماعات التأثير) في‬
‫السياسات العمومية‪ ،‬ينص الدستور المغربي أيضا على آليات يمكن أن تحقق التنمية السياسية‬
‫من خالل تقنيات يمارسها الشعب تسمى أدوات الديمقراطية التشاركية‪ ،‬وتتمثل في "الحق في‬
‫تقديم العرائض إلى السلطات العمومية" و"الدفع بعدم دستورية القوانين"‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫تقديم العرائض إلى السلطات العمومية‬

‫يرى الباحثون أن لكل نظام سياسي طريقته في صياغة المطالب واالستجابة لها‪ ،‬ومن‬
‫أبسط صور المشاركة والضغط هي أن يتقدم الفرد بالتماس أو طلب للسلطات العمومية أو‬
‫للمجالس الجماعية بشأن إدراج إجراء أو برنامج له تأثير على الحياة العامة لهؤالء األفراد‪.‬‬
‫وغالبا ما تتخذ هذه الطلبات شكل "العرائض" باعتبارها انعكاسا لفكرة الديمقراطية التشاركية‪.‬‬

‫في المغرب اعتمد دستور ‪ 2011‬ألول مرة فكرة الحق في التقدم بالعرائض أمام‬
‫السلطات العمومية من قبل المواطنين والجمعيات‪ .‬وتؤطر أحكام الفصلين ‪ 15‬و‪ 139‬من‬
‫الدستور على التوالي هذا الحق الدستوري‪ ،‬إذ يتعلق األول بحق تقديم المواطنات والمواطنين‬
‫للعرائض إلى السلطات العمومية‪ ،‬المتمثلة في رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب ورئيس‬
‫مجلس المستشارين‪ .‬فيما يتعلق الثاني بحق تقديم الجمعيات والمواطنات والمواطنين للعرائض‬
‫إلى رؤساء مجالس الجماعات الترابية الثالث‪ ،‬المحددة في رئيس مجلس الجهة ورئيس مجلس‬
‫العمالة أو اإلقليم ورئيس مجلس الجماعة‪.‬‬

‫وقد اعتمد المغرب نص القانون التنظيمي رقم ‪ 14.44‬المتعلق بتحديد شروط وكيفيات‬
‫تقديم العرائض إلى السلطات العمومية‪ .‬كوسيلة مهمة تمكنهم من الضغط والمشاركة في إنتاج‬
‫القرارات والسياسات العمومية وتجويدها‪ ،‬وأداة فعالة لنقل مشاكلهم إلى السلطات العمومية‪،‬‬
‫وقد ميز القانون بين أنواع من العرائض‪:‬‬

‫العريضة الوطنية‪ :‬ت ُوجه إلى رئيس الحكومة أو رئيس مجلس النواب أو‬ ‫•‬
‫رئيس مجلس المستشارين تضم مطالب أو مقترحات أو توصيات المواطنين (تروم‬
‫العريضة تحقيق المصلحة العامة) توضع من قبل وكيل العريضة لدى السلطة المعنية‪.‬‬
‫تحمل العريضة توقيع ‪ 5000‬شخصا ومحضر اجتماع والبطاقة الوطنية للموقعين‪،‬‬
‫بغرض إدراج المقترح أو الطلب في جدول أعمال المجلس‪.‬‬
‫العريضة الجهوية‪ :‬تصاغ وفق نموذج خاص بها وتوجه إلى رئيس‬ ‫•‬
‫مجلس الجهة‪ ،‬يوقعها ‪ 300‬من المواطنين عبر مختلف األقاليم المكونة للجهات‪ .‬بالنسبة‬

‫‪55‬‬
‫للجهة التي يقل عدد سكانها عن مليون نسمة‪ .‬و‪ 400‬توقيعا في الجهات التي يتجاوز‬
‫عدد سكانها ‪ 2‬مليون نسمة‪ .‬و‪ 500‬توقيعا للجهات التي يتجاوز تعداد سكانها ‪ 3‬مليون‬
‫نسمة‪.‬‬
‫العريضة اإلقليمية‪ :‬تتم على مستوى العمالة واإلقليم‪ ،‬من خالل المطالبة‬ ‫•‬
‫بإدراج نقطة تدخل ضمن برنامج دورة المجلس اإلقليمي أو مجلس العمالة‪ ،‬يقتضي‬
‫التقدم بالعريضة أن يوقعها ‪ 300‬شخصا ينتمون إلى تراب اإلقليم‪ ،‬يضعها وكيل‬
‫العريضة‪ ،‬مرفوقة بنسخ من بطاقة التعريف الوطنية للموقعين عليها‪.‬‬

‫العريضة المحلية‪ :‬توجه إلى رئيس الجماعة وتهدف إلى تحقيق مصلحة عامة عبر‬
‫المطالبة بإدراج مقترح أو طلب في جدول أعمال المجلس الجماعي‪ .‬ت ُوقع العريضة من قبل‬
‫‪ 100‬مواطن بالنسبة إلى الجماعات التي يفوق ساكنتها ‪ 35‬ألف نسمة‪ .‬وتوقع من قبل ‪200‬‬
‫مواطنا للجماعات التي تزيد عن ‪ 35‬ألف نسمة‪ ،‬و‪ 400‬مواطنا ومواطنة بالنسبة للجماعات‬
‫الخاضعة لنظام المقاطعات (في نظام المدن الكبرى مثل الدار البيضاء‪.)..‬‬

‫الدفع بعدم دستورية القوانين‬

‫أتى القانون التنظيمي رقم ‪ 86.15‬المتعلق بإجراءات الدفع بعدم دستورية القانون‪،‬‬
‫تطبيقا ألحكام الفصل ‪ 133‬من الدستور المغربي لسنة ‪ 2011‬الذي أتاح هذه اإلمكانية ألول‬
‫مرة أمام المتقاضين‪ ،‬فقد أصبح بإمكان المتقاضين أن يتقدموا‪ ،‬أمام المحاكم المغربية بمختلف‬
‫درجاتها بمناسبة جميع الدعاوى وأيضا أمام المحكمة الدستورية مباشرة عندما يتعلق األمر‬
‫باختصاصها الحصري في الطعون المتعلقة بانتخاب أعضاء البرلمان‪ ،‬بمذكرات تتضمن دفعا ً‬
‫بكون القانون الذي سيطبق عليهم أو على قضيتهم يمس بالحقوق والحريات التي يضمنها‬
‫الدستور‪ .‬وحينها تتوقف المحاكم عن نظر الدعاوى إلى حين بت المحكمة الدستورية في هذا‬
‫الدفع‪.‬‬

‫وعموما‪ ،‬يتم هذا الدفع أمام محكمة النقض في القضايا المثارة أمام محكمة درجة أولى‬
‫أو محكمة درجة ثانية‪ ،‬حسب الحالة‪ .‬إذ يحال الدفع إلى الرئيس األول لمحكمة النقض طبقا‬

‫‪56‬‬
‫ألحكام المادة ‪ 6‬من القانون المنظم لهذا اإلجراء‪ ،‬ويُشعر فورا الوكيل العام للملك لدى هذه‬
‫المحكمة باإلحالة المذكورة‪.‬‬

‫أما القضايا ذات الطبيعة االنتخابية فإن الدفع بعدم الدستورية يكون أمام المحكمة‬
‫الدستورية طبقا للمادة ‪ 15‬من القانون المنظم‪ ،‬ويترتب عن تقديم الدفع أمام المحكمة الدستورية‬
‫بمناسبة المنازعة المتعلقة بانتخاب أعضاء البرلمان‪ ،‬إيقاف البت في هذه المنازعة‪ ،‬وكذا وقف‬
‫اآلجال المرتبطة بها إلى حين بت المحكمة الدستورية في الدفع المقدم أمامها‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫مراجع مختارة‬

‫موريس دوفيرجيه‪ :‬مدخل إلى علم السياسة (‪)1981‬‬

‫جان ماري دانكان‪ :‬علم السياسة (‪)1992‬‬

‫سعيد خمري‪ :‬قضايا علم السياسة‪ ،‬مقاربات نظرية (‪)2018‬‬

‫محمد رضوان‪ :‬مفاهيم أساسية في القانون العام (‪)2009‬‬

‫الموسوعة السياسية ‪Political-encyclopedia/org.dictionary‬‬

‫‪58‬‬

You might also like