You are on page 1of 17

‫المحاضرة االولى‬

‫ماهية علم االقتصاد السياسي و نطاقه‬

‫المعنى اللغوي لمصطلح االقتصاد السياسي‪ :‬كلمة االقتصاد في العربية مشتقة من ‪1-‬‬
‫قصد و لها عدة معاني ‪ ،‬لكن يهمنا منها ما له عالقة بالمال و االنفاق و نحوهما و القصد‬
‫هو االعتدال في السلوك كله ‪ ،‬قال تعالى " و اقصد في مشيك و اغضض من صوتك "‬
‫صدق هللا العظيم ‪ ،‬سورة لقمان اآلية ‪ . 19‬و لقد جاء على لسلن العرب ان القصد في‬
‫الشىء على خالف االفراط و هو ما بين االسراف و التقتير ‪ ،‬و القصد في المعيشة ان ال‬
‫‪.‬يسرف و ال يقتر ‪ ،‬يقال فالن مقتصد في النفقة و قد اقتصد في امره اي استقام ‪.‬‬

‫كما جاء في المعجم الوسيط ‪ :‬قصد في الحكم ‪ ،‬بمعنى عدل و قصد في النفقة لي لم‬
‫‪.‬يسرف فيها و لم يقتر و اقتصد في امره اي توسط‬

‫و قد يحدث احيانا خلط في اللغة العربية بين كلمتين تمت ترجمتها من االنجايزية ‪ ،‬الكلمة‬
‫االولى‬ ‫فترجمت ) ‪ ( economics‬ترجمت الى " اقتصاد " اما الثانية ) ‪(economy‬‬
‫الى " علم االقتصاد " او الدراسة المنهجية لالقتصاد ‪ ،.‬و من جهة اخرى جاء في قاموس‬
‫‪ ،‬الطبعة السابعة سنة ) ‪ ( oxford advanced learner dixtionary‬اكسفورد المشهور‬
‫" ‪ " 2005.‬العالقة بين االنتاج و التجارة و عرض النقود في دولة او اقليم محدد‬

‫اما بالنسبة الى االصل اللغوي لتعبير " االقتصاد السياسي " ‪ ،‬فقد اشتق من ثالثة كلمات‬
‫‪ .‬اغريقية ينصرف معناها الى "قواعد ذمة المدينة و هي بيت المال و قواعد قانون‬

‫و عالقته بمصطلح السياسة االقتصادية التعريف االصطالحي لعلم االقتصاد السياسي ‪2-‬‬

‫) و علم االقتصاد ( موضوع المحاضرة الثانية‬

‫‪‬‬ ‫التعريف االصطالحي لعلم االقتصاد السياسي درس‬

‫التعريف االصطالحي لعام االقتصاد السياسي و عالقته بمصطلح السياسة االقتصادية ‪2 -‬‬

‫‪ :‬و علم االقتصاد‬


‫يدحل مكونا هذا االصطالح اي كلمتي "اقتصاد" و "سياسي " دفعة واحدة ‪ ،‬لم‬
‫فمصطلح االقتصاد ياتيما من " ارسطوطاليس " الذي قصد باستعماله ( علم قوانين‬
‫االقتصاد المنزلي ) او ( قوانين الذمة المالية المنزلية ) و لم يستعمل اصطالح االقتصاد‬
‫السياسي اال في بداية القرن السابع عشر و هو ما تحقق على يد الكاتب‬
‫كتابا بعنوان ( مطول ‪ /‬شرح ‪1615‬انتوان دي مونكريتيان الذي نشر في عام الفرنسي‬

‫ان االمر يتعلق بقوانين اقتصاد الدولة ‪ ) ،‬االقتصاد السياسي ) قاصدا بصفة ( السيسي‬
‫كما انه اضفى على االقتصاد صفة السياسي النشغاالت شخصية يتطلع من خاللها الى‬
‫‪ .‬خلق علم جديد و هو فن الحصول على ايرادات للدولة‬

‫فمن خالل هذا العمل الذي اشتمل على عبارة االقتصاد السياسي ‪ ،‬كان يرمي الكاتب‬
‫المذكور الى تحديد السياسة التي يجب ان تتبعها الدولة للزيادة من ثروتها و هكذا ظهر‬
‫االقتصاد كوصف ألسلوب تنظيمي و سياسي للرفع من المستوى المادي للسكان و الدولة‬
‫‪ ،‬لذلك يذهب الكثير من الدارسين الى ان استعمال تعبير االقتصاد السياسي من طرف‬
‫انطوان دي منكريتيان كان يقصد من وراءه جملة النصائح و االرشادات التي تعطى‬
‫لألمير او الملك حتى يدير مالية المدينة او الدولة ‪ ،‬و لو امعنا النظر فيما اراده ‪ ،‬لوجدنا‬
‫انه كان يعرف ( السياسة االقتصادية ) و على ذلك فهو ينصرف حسب اصول المصطلح‬
‫قواعد ذمة المدينة الى علم المالية العامة ‪.‬و ليس علم االقتصاد السياسي و " اليوناني‬

‫‪ :‬هذا خلط وقع فيه انطوان المذكور ‪ ،‬الن الفرق كبير بين المصطلحين‬

‫‪.‬علم نظري شامل له موضوعه و مناهجه و نظرياته و قوانينه ‪ :‬االقتصاد السياسي‬

‫فن عملي جزئي يعتمد في اغلب االحيان على العلم النظري و ‪ :‬السياسة االقتصادية‬
‫هي تشير في معناها الى مخطط الدولة او الوحدة االقتصادية ( شركة ‪ ،‬مصنع ‪ )...‬لترة‬
‫معينة لتحقيق غاية اقتصادية او اجتماعية او سياسية‬

‫‪.‬‬
‫المحاضرة الثانية‬

‫]‪[1‬أوال ‪ :‬مدلول السياسة االقتصادية ‪:‬‬

‫لقد ظهرت السياسة االقتصادية كفن عملي قبل ظهور االقتصاد السياسي كعلم‬
‫نظري مستقل في القرن الثامن عشر ‪ ،‬و يرجع سبب وصف االقتصاد بأنه سياسي كونه‬
‫كان يهدف في عهد التجاريين إلى حل مشكالت عملية ‪ ،‬لذلك اختلط مفهوم االقتصاد‬
‫السياسي في هذه المرحلة بالسياسة االقتصادية التي كانت توضع في سبيل هدف و‬
‫غاية معينة وواحدة هي زيادة الدخل االمير من الذهب و الفضة و المعادن الثمينة ‪.‬‬

‫و في النصف الثاني من القرن الثامن عشر ‪ ،‬كانت البدايات األولى لظهور علم االقتصاد‬
‫‪ ،‬كعلم مستقل على يد الفيزيوقراطيون ‪ ،‬ثم على يد االنجليز ‪ ،‬بحيث عمل هؤالء‬
‫االقتصاديون رغبة منهم في ابراز ما لعلمهم من استقالل ‪ ،‬على تجنب هذا الخلط بين‬
‫مدلول علم االقتصاد و السياسة االقتصادية ‪ ،‬و لم يرفع هذا الخلط إال بعد أنّ كتب " ادم‬
‫سميث" كتابه عن ثورة األمم سنة ‪ 1776‬و الذي حاول من خالله أنّ يتقيد بالموضوعية‬
‫العلمية في دراسته للظواهر االقتصادية ‪ ،‬ليصبح مصطلح االقتصاد السياسي يستعمل‬
‫للداللة على علم الثروة ‪ ،‬و من ثم يرى بعض االقتصاديين أنّ االهتمام باالقتصاد بوصفه‬
‫علما مستقال بدأ فعال مع كتاب " ادم سميث " المذكور‪ ،‬اآلمر الذي جعله يوصف بأنه‬
‫]‪[2‬مؤسس علم االقتصاد السياسي ‪.‬‬

‫غير أنّ هذه المحاولة لتجنب الخلط بين علم االقتصاد السياسي و السياسة االقتصادية‬
‫من طرف هؤالء المفكرين االقتصاديين ‪ ،‬لم يحدث االنفصال بينهما ‪ ،‬اذ لم يكن لديهم‬
‫فكرة الفصل بين المعرفة و التصرف ‪ ،‬اآلمر الذي اثر على مصداقية الموضوعية في‬
‫دراستهم ‪ ،‬اذ لم تكن المعرفة لديهم مجردة من الغرض العملي ‪ ،‬فقد كان " ادم سميث‬
‫" يهدف في تحليله إلى البحث عن طرق اغتناء الدولة ‪ ،‬غير أنهم استندوا في تحقيق هذا‬
‫الغرض العملي إلى فروض و نماذج ‪ ،‬اي إلى التحليل المجرد ‪ ،‬و لذلك درجوا إلى‬
‫استخدام تعبير "االقتصاد السياسي" ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬علم االقتصاد و منهج التحليل االقتصادي المجرد ‪:‬‬

‫تغير مدلول" االقتصاد السياسي" في منتصف القرن التاسع عشر و أصبح كثير من‬
‫الكتاب يستعمل بدله تعبير " علم االقتصاد" ‪ ،‬و اتضح من خالل هذا أنّ هناك محاوالت‬
‫جادة للفصل التام بين ما هو تجريدي و ما هو تطبيقي ‪ ،‬أي الفصل بين االقتصاد كعلم‬
‫نظري مجرد و السياسة االقتصادية التطبيقية ‪ ،‬و كانت هذه رغبة منهم في إبراز ما‬
‫لعلمهم من استقالل عن العلوم األخرى ‪ ،‬و خاصة علم االجتماع و السياسة و في أنّ‬
‫يضفوا عليه ما يتوفر في العلوم الطبيعية و الرياضية من صفة الحياد ‪ ،‬خاصة من الناحية‬
‫االجتماعية ‪ ،‬و لذالك احتجزوا جزء من من البحث و جردوه عن كل غرض عملي اي‬
‫فصلوا بين المعرة و التصرف من حيث القيمة و الهدف و قصروا مهمة علم االقتصاد في‬
‫الكشف عن القوانين التي تحكم الظواهر االقتصادية بغرض المعرفة وحدها و ليس‬
‫تحقيق أهداف و أغراض عملية ‪ ،‬ليتخلوا عندها عن تعبير االقتصاد السياسي و يستبدلونه‬
‫]‪[3‬باسم " علم االقتصاد "أو االقتصاد التجريدي "‪.‬‬

‫لكن على الرغم من قوة هذا االتجاه االنجلوسكسوني ‪ ،‬في تعريف علم االقتصاد ‪ ،‬إال‬
‫أنّ تعبير االقتصاد السياسي قد استمر حتى في األوقات الراهنة و استرجع القوة التي‬
‫كانت له بعد أنّ فقدها مع اتساع الهوة بين االقتصاد التطبيقي و االقتصاد التجريدي ‪.‬‬

‫خالصة ‪:‬‬

‫من هنا يتضح كيف أنّ االقتصاد كان في أول األمر سياسيا ( السياسة االقتصادية ) ثم‬
‫ضعف هذا االتجاه ‪ ،‬ثم عاد فأصبح االقتصاد سياسيا مرة ثانية عند ظهور األفكار‬
‫الماركسية الشيوعية ‪ ،‬آي كل ما تتدخل الدولة في االقتصاد ‪ ،‬يصبغ بالصفة السياسية ‪ ،‬و‬
‫هذا باعتبار انه أصبح يهتم باألمور السياسية و المشكالت السياسية و االجتماعية ‪ ،‬خاصة‬
‫مشكالت العدالة االجتماعية و الرفاهية القومية ‪ ،‬لذلك أصبح من غير المعقول فصل‬
‫]‪[4‬الحياة االقتصادية عن الحياة السياسة ‪ ،‬ليصبح مدلول االقتصاد السياسي مبرر ‪.‬‬

‫المحاضرة الثالثــــــة‬

‫مفاهيم علم االقتصاد السياسي‬

‫أوال ‪ :‬مفهوم علم االقتصاد السياسي ‪:‬‬

‫لم يستقر الفقه على تعريف موحد لالقتصاد السياسي ‪ ،‬بل هناك عدة تعاريف لهذا‬
‫المدلول و منها ‪:‬‬

‫المفهوم األول ‪:‬‬

‫يرى هذا الفريق أنّ علم االقتصاد السياسي يرتبط ارتباطا وثيقا بين التناقض‬
‫الموجود بين المواد و نذراها من جهة وبين اجتهاد اإلنسان و بحثه المستمر عن هذه‬
‫المواد و هذا ما يعبر عنة بالمشكلة االقتصادية ‪.‬‬
‫المفهوم الثاني ‪:‬‬

‫يرى فريق أخر من الفقه" أنّ علم االقتصاد يدرس تسيير الموارد الناذرة و‬
‫أشكال تحويل هذه المواد " ‪ ،‬فهو علم يبين السبل التي يتبعها اإلفراد و المجتمعات‬
‫لمواجهة الحاجيات العديدة و التي ال حصر يها باستعمالهم وسائل محدودة "‬

‫على ضوء التعريف السابق ‪ ،‬يمكن أنّ نستخلص أنّ علم االقتصاد يهتم بظاهرتين ‪:‬‬

‫‪ -‬األولى تخص بندرة الموارد التي يرغب اإلنسان في الحصول عليها ‪.‬‬

‫‪ -‬الثانية تتعلق بظاهرة اجتهاد اإلنسان في تحويل هذه الموارد قصد إشباع رغباته ‪.‬‬

‫المفهوم الثالث ‪:‬‬

‫يرى المفكر الفرنسي ريمون بار أنّ علم االقتصاد هو علم دراسة عالقات األفراد بعضهم‬
‫ببعض‪،‬وعالقاتهم باألشياء‪ ،‬في سعيهم نحو الوصول إلى الرفاهية المادية‪.‬‬

‫نستخلص من هذا التعريف أن علم االقتصاد يهتم بدراسة‪:‬‬

‫_ عالقة اإلنسان بالمادة التي يعمل على تحويلها‪.‬‬

‫_ اجتهاده في إطار تنظيمي اجتماعي معين‪.‬‬

‫_ هدف النشاط االقتصادي هو الوصول إلى تحقيق المزيد من الرفاهية واالزدهار‬


‫]‪[1‬المادي‪.‬‬

‫المفهوم الثالث ‪ -‬التعريف الماركسي ‪: -‬‬

‫علم االقتصاد هو‪ ( :‬علم دراسة الحياة االقتصادية في أطار التنظيم االجتماعي ومرحلة‬
‫]‪[2‬التطور التاريخي)‪.‬‬

‫]‪ ([3‬علم القوانين التي تضبط مختلف العالقات االجتماعية وأساليب اإلنتاج )‪.‬‬

‫نستخلص من هذا التعريف أن موضوع االقتصاد السياسي هو‪:‬‬

‫‪ -‬دراسة العالقات االجتماعية لألفراد الناتجة عن ملكية وسائل اإلنتاج‪ ،‬في سياق تطورها‬
‫التاريخي‪.‬‬

‫‪ -‬البنية االقتصادية هي التي تحدد طبيعة البنية الفوقية السياسية والقانونية واالجتماعية‪.‬‬
‫‪ -‬علم االقتصاد هو علم التطور التاريخي لكيان اإلنتاج االجتماعي‪.‬‬

‫المفهوم الرابع‪ -‬التعريف اإلسالمي‪:-‬‬

‫علم االقتصاد هو‪:‬‬

‫‪ ( -‬ذلك العلم الذي يدرس عالقات األفراد االقتصادية‪ ،‬بهدف التحقيق وإشباع حاجاتهم‬
‫المادية‪ ،‬في إطار التشريعات اإلسالمية المحددة لطبيعة وحدود النشاط االقتصادي )‪.‬‬

‫نستخلص من هذا التعريف أن مفهوم االقتصاد السياسي اإلسالمي يتمحور حول‪:‬‬

‫‪ -‬يعني اإلسالم بقضايا المادية االقتصادية لألفراد‪.‬‬

‫‪ -‬ال يفصل الدين اإلسالمي بين األهداف الدنيوية لنشاط االقتصادي واألهداف األخروية‪،‬‬
‫فتلبية حاجات األفراد المادية عنى بها اإلسالم كوسيلة لبلوغ الحياة الكريمة التي ترعى‬
‫القيم‪ ،‬وتنمي خصائص اإلنسان العليا‪ ،‬وتزكي ثواب هللا في اآلخرة‪ ،‬وهذا مصداقا لقوله‬
‫تعالى‪:‬‬

‫{ وابتغ فيما آتاك هللا الدار اآلخرة وال تنسى نصيبك من الدنيا }( سورة القصص االية‬
‫‪)77‬‬

‫من خالل هذه التعاريف المختلفة يمكن أن يحدد محتوى علم االقتصاد ‪ /‬االقتصاد‬
‫]‪[4‬السياسي في المسائل التالية ‪:‬‬

‫‪ -1‬يهتم علم االقتصاد في المقام األول بوصف طرق أدارة الموارد النادرة‪ .‬فهو يالحظ‬
‫ويصنف المعلومات الناتجة عن التجارب اإلنسانية‪.‬‬

‫‪ -2‬يهتم علم االقتصاد في المقام الثاني بتنظيم الوقائع على نحو يظهر الوحدة والدورية‬
‫(التشابه الناتج عن التكرار) التي تطبع تصرفات إنسانية‪ .‬فمن مهام النظرية االقتصادية أو‬
‫التحليل االقتصادي تأسيس األفكار‪ ،‬والبحث عن محددات الظواهر االقتصادية واثارها‪،‬‬
‫وإيضاح وتفسير العالقات العامة الثابتة التي تقوم بينها‪ ،‬أي اكتشاف القوانين الموضوعة‬
‫التي تقيم نظما منطقية تشكل نماذج شارحة للحقيقة االقتصادية‪.‬‬

‫‪ -3‬يساهم علم االقتصاد في توجيه السياسة االقتصادية‪ .‬فهو ال يقترح أهدافا سياسية أو‬
‫اجتماعية‪ ،‬ولكنه يسعى إلى تحديد السياسة االقتصادية المتكاملة التي تالئم تحقيق‬
‫أهداف سياسية واجتماعية معينة‪ .‬ويبين مدى التناسق بين األهداف وإمكانية تحقيقها من‬
‫الناحية االقتصادية والوسائل التي تستجيب لتحقيق هذه األهداف و أفضل هذه الطرق‪.‬‬
‫‪ -4‬في مواجهة أهداف معينة وفي إطار ظروف عملية محددة‪ ،‬يقدم علم االقتصاد‬
‫قواعد االستخدام األمثل للموارد االقتصادية وصيغ تحقيق الرفاهية المادية‪.‬‬

‫‪ :‬القوانين االقتصادية ثانيا‬

‫تعبر القوانين االقتصادية عن جوهر العمليات أو الظواهر االقتصادية الجارية ‪ ،‬و‬


‫هي عمليات تجري في دائرة عالقات اإلنتاج ‪ ،‬و لكن الجوهر و الظاهرة ليس متطابقين‬
‫‪ ،‬و لو كانوا متطابقين ‪ ،‬لما كانت هناك حاجة لعلم االقتصاد ‪ ،‬و لكانت نكفي قوة‬
‫المالحظة و التجربة و الرصد في الحياة للكشف عن جوهر العمليات أو الظواهر‬
‫االقتصادية ‪.‬‬

‫أنّ اكتشاف القوانين بصفة عامة ال يتطلب الموهبة و القدرة العملية فحسب ‪ ،‬و‬
‫إنما يتطلب في كثير من األحيان قدرا كبيرا من الشجاعة ‪ ،‬و يصدق هذا القول في حالة‬
‫قوانين الحياة االقتصادية ‪ ،‬فالقوانين التي يدرسها علن االقتصاد غالبا ما تمتد بآثارها‬
‫إلى نختلف الطبقات و الفئات االجتماعية ‪ ،‬فالقوانين االقتصادية التي يكشف عنها علم‬
‫االقتصاد ال تعتبر ذات قيمة نظرية محضة ‪ ،‬ب‬

‫( مواضيع االقتصاد السياسي)‬ ‫المحاضرة الرابعة‬

‫اوال ‪ :‬موضوع علم االقتصاد السياسي‬

‫يتعلق موضوع االقتصاد السياسي بمعرفة مجموع الظواهر المكونة للنشاط‬


‫بننتاج و توزيع المنتجات و‬ ‫االقتصادي لنإنسان في المجتمع ‪ ،‬أي أنّ النشاط الخا‬
‫الخدمات الالزمة لمعيشة أفراد المجتمع ‪ ،‬و قد يكتسي هذا النشاط وجه عالقة مزدوجة‬
‫‪ ،‬عالقة اإلنسان و الطبيعة و عالقة اإلنسان باإلنسان ‪,,,,‬الخ‬

‫‪ -1‬مضمون النشاطات و الفعاليات االقتصادية‬

‫كانت الفعاليات االقتصادية للفرد موجهة دائما نحو إخضاع قوى الطبيعة المحيطة به و‬
‫كذلك نحو إخضاع الوسائل الي تساعد ه في النضال ضد عامل الندرة المنتشر في‬
‫المجتمع ‪ ،‬و بناء اقتصاد متوازن لتحقيق الرقي و التقدم المادي ‪.‬‬

‫و كل هذا يصب في رغبة اإلنسان لتلبية حاجاته المتعددة و المستجدة باستمرار ‪ ،‬و‬
‫عملية اإلنتاج هذه مرتبطة باستهالك المواد أو الخدمات التي يرغب فيها اإلنسان ‪ ،‬و لكن‬
‫استهالك المادة أم يتم دون استخراجها من الطبيعة ‪ ،‬تم تحويلها لتصبح صالحة‬
‫لالستهالك و تلك هي عملية اإلنتاج ‪،‬‬

‫و على هذا األساس يمكن القول أنّ النشاط االقتصادي يشتمل على جميع تصرفات‬
‫األفراد التي تتصل بثالثة عمليات ( اإلنتاج ‪ ،‬المبادلة ‪ ،‬االستهالك )‬

‫أ – عملية اإلنتاج ‪:‬‬

‫تقوم عملية اإلنتاج على تجميع العوامل الطبيعية أو األدوات الفنية مع العمل من‬
‫اجل الحصول على سلع و خدمات لالستهالك ‪ ،‬وهذا باعتبار أنّ اإلنتاج يتضمن عمليات‬
‫تحويل‬

‫و عمليات نقل الموارد االقتصادية ‪.‬‬

‫إذن ‪ ،‬فعملية اإلنتاج هي عملية تنسيق لكل عوامل العناصر اإلنتاجية من اجل الحصول‬
‫على مواد أو خدمات صالحة لالستجابة إلى حاجة معينة‪.‬‬

‫كما يمكن القول أنّ عوامل االنتاج ثالثة ‪:‬‬

‫‪ -‬االرض اي الطبيعة التي تستخرج منها المادة الخام ‪.‬‬

‫‪ -‬العمل الذي يستعمل لتحويل المادة الخام ‪.‬‬

‫‪ -‬رأس المال و هو اإلمكانية المادية التي تستعمل لتحويل المواد الخام إلى منتجات‬
‫صناعية أو زراعية ‪.‬‬

‫ب‪ -‬عملية المبادلة أو التوزيع ‪:‬‬

‫ال يمكن اإلنسان أنّ يقاوم الندرة في الطبيعة لوحدة ‪ ،‬بل يحتاج إلى التعاون مع أعضاء‬
‫الجماعة حتى يتمكن من حفظ بقاءه على ظهر المعمورة ‪.‬‬

‫و بالتالي فان عملية اإلنتاج هي بطبيعتها عملية اجتماعية ‪ ،‬كما أنّ تقسيم العمل يكون‬
‫بتخصص فئة في إنتاج معين و يقوم البعض األخر بتلبية حاجات أخرى ‪ ،‬و يتم توزيع‬
‫الباقي على أفراد المجتمع ‪.‬‬

‫و تعتبر النقود األداة األساسية لتبادل السلع و الخدمات ‪ ،‬لكونها نوفر مقياس موحد لقيمة‬
‫المنتجات ‪ ،‬و تعتبر النقود من المسائل الهامة ذات الصلة بالمشكلة االقتصادية و قد أدى‬
‫استخدامها إلى تسهيل المبادالت بنحالل التبادل غير المباشر ‪ ،‬محل التبادل المباشر أو ما‬
‫يعرف بالمقايضة ‪ ،‬فالنقود أدت إلى زيادة مرونة الصفقات االقتصادية ‪.‬‬
‫ج‪ -‬عملية االستهالك ‪:‬‬

‫االستهالك هو العملية التي بها تشبع الحاجات االقتصادية و الذي يأخذ صورة إنهاء‬
‫السلعة أو الخدمة و استنفاذ ما فيها من منفعة ‪ ،‬فالخبو مثال يستهلك بأكله ليخفف‬
‫إحساسا بالجوع ‪ ،‬و المشهد المسرحي يستهلك عندما ينتهي بنشباع الرغبة في التسلية ‪ ،‬و‬
‫السيارة هي سلعة استهالكية معمرة يجب أنّ تستبدل بها سيارة أخرى عندما تقطع عدد‬
‫معين من آالف الكيلومترات ‪.‬‬

‫‪ -2‬مضمون المشكلة االقتصادية‬

‫مفهوم المشكلة االقتصادية أو مشكلة الندرة هو المدخل األساسي إلدراك العالقة‬


‫الوطيدة بين الفرد و المجتمع من ناحية و الموارد االقتصادية من ناحية أخرى ‪ ،‬و يكون‬
‫النشاط اإلنساني اقتصاديا ‪ ،‬عندما يسعى إلى مقاومة الندرة النسبية للموارد ‪.‬‬

‫و من جهة أخرى تقوم الحياة االقتصادية في مختلف النظم االقتصادية المعروفة ‪ ،‬على‬
‫الوجود المتالزم لنإنسان و األشياء ‪ ،‬فاإلنسان يحس بحاجيات متعددة يجد إشباعها في‬
‫الخيرات التي يقدمها و يسخرها له هللا سبحانه و تعالى و يستعمل من اجل ذلك نشاطه‬
‫االقتصادي ‪.‬‬

‫و تبدأ المشكلة االقتصادية في الظهور في الحالة التي يجد اإلنسان نفسه أمام عدد كبير‬
‫من الحاجيات المتزايدة و المتجددة ‪ ،‬في مقابل الندرة و قلة الوسائل و الموارد الالزمة‬
‫الحاجيات ‪.‬‬ ‫لتلبية‬

‫و في األخير نقول ‪ ،‬أنّ المشكلة االقتصادية تعتبر احد العوامل الرئيسية في ظهور‬
‫الصراع السياسي بالمجتمعات و كذلك فكرة قيام التنظيم السياسي ( الدولة ) باعتبار أنّ‬
‫من بين الوظائف األساسية للدولة هو توزيع الثروات الطبيعية بشكل عادل‪.‬‬
‫( مناهج علم االقتصاد السياسي )‬ ‫المحاضرة الخامسة‬

‫اوال ‪ :‬مناهج التحليل االقتصادية ‪:‬‬

‫يؤكد االقتصاديون الصفة العلمية االقتصاد ‪ ،‬اذ يرون ان لهذا العلم قوانينه الخاصة و‬
‫يسعون دائما إلى الكشف عن هذه القوانين و صياغة النظريات االقتصادية المختلقة و‬
‫بالتالي يعتقد االقتصاديون انه يمكن تطبيق المناهج العلمية المعروفة على علم االقتصاد‬
‫السياسي ‪.‬‬

‫‪ -1‬القوانين االقتصادية ‪:‬‬

‫أنّ علم االقتصاد السياسي يسعى إلى للوصول إلى إلى إظهار الصالت و العالقات‬
‫الثابتة و المتشابهة بين الوقائع و الظواهر االقتصادية ‪ ،‬إذا تحققت لها شروط معينة‬
‫للظهور ‪.‬‬

‫و من ثم جاءت القوانين االقتصادية لتعبر عن جوهر العمليات أو الظواهر االقتصادية‬


‫الجارية و هي عمليات تجري في دائرة عالقات إنتاج و تنحصر مهمة البحث االقتصادي‬
‫في اكتشاف هذه القوانين التي تؤدي إلى خلق الثروة و زيادتها في المجتمع ‪ ،‬و يبين‬
‫من خاللها جوهر العالقات التي تقوم بين الناس أثناء إنتاج الثروة المادية و شروط‬
‫تطورها عبر التاريخ ‪.‬‬

‫و قد ارتبط ظهور علم االقتصاد السياسي في العصر الحديث بالقدرة على اكتشاف‬
‫قوانين اقتصادية علمية تبين العالقات الثابتة بين ظواهر و معطيات معينة و كان‬
‫الفيزيزقراطيون هم أول من قال بالقوانين االقتصادية ‪ ،‬حتى أنهم بنوا كل نظرياتهم‬
‫االقتصادية على فكرة " قانون النظام الطبيعي " و قصروا مهمة الباحث على اكتشاف‬
‫هذه القوانين ‪.‬‬

‫كما أنّ هناك من عرف االقتصاد بأنه ‪ " :‬هو معرفة القوانين الطبيعية و الدائمة التي‬
‫تحكم عالقات البشر و التي بدونها لما استطاع الناس االجتماع و العيش "‬

‫ثانيا ‪ :‬بعض نماذج عن القوانين االقتصادية ‪:‬‬

‫لقد فرضت التجربة االقتصادية بعض القوانين العامة التي ال يمكن مناقشة صحتها ‪،‬‬
‫الن تطبيقها أصبح صحيحا في كل البلدان و كل المراحل التاريخية و من أهم هذه‬
‫القوانين ‪:‬‬
‫‪ -‬قانون االستثمار ‪ :‬هو أنّ أي رغبة يوالي إشباعها دون توقف تتناقص حدتها حتى تنتهي‬
‫باالنعدام بعد أنّ كانت مرتفعة في بدايتها و هذا هو قانون تناقص حدة الحاجات أو‬
‫قابلية الحاجات لنإشباع ‪.‬‬

‫‪ -‬قانون التكرار ‪ :‬هو أنّ اإلحساس المريح عندما يتكرر و تتناقص درجة حدة الرغبة و‬
‫مدتها و تتناقص حدة الرغبة و مدتها بسرعة كلما كان التكرار متعاقبا على فترات قصيرة‬
‫‪.‬‬

‫و من جهة أخرى يؤدي التقدم االقتصادي إلى مرور االقتصاد من مرحلة البنية األولية إلى‬
‫البنية الثانية ‪.‬‬

‫‪ -‬تقسيم العمل يؤدي إلى الرفع من اإلنتاجية ‪.‬‬

‫‪ -‬قانون العرض و الطلب ‪ :‬تحدد األسعار بناء على مبدأ العرض و الطلب ‪ ،‬فكلما زاد‬
‫العرض و نقص الطلب يؤدي هذا إلى انخفاض الثمن و العكس صحيح ‪.‬‬

‫‪ -‬قانون ضرورة التوافق بين عالقات اإلنتاج و طبيعة القوى المنتجة ‪.‬‬

‫‪ -‬قانون ضرورة التوافق بين التركيب الفوقي و األساس االقتصادي ‪ ،‬قالبنى الفوقية هي‬
‫الي تحدد اإلطار العام لطبيعة النشاط االقتصادي و أساليب اإلنتاج ‪ ،‬كما أنّ التغيير على‬
‫مستوى األساس االقتصادي يؤدي حتما إلى التغيير في البناء الفوقي ( البنى الفكرية و‬
‫الحضارية و األخالقية و السياسية و القانونية ) ‪ ،‬خاصة عند االنتقال من أسلوب إنتاجي‬
‫إلى آخر ‪.‬‬

‫ثالثا ‪:‬النسبية في القوانين االقتصادية ‪:‬‬

‫بالرغم من وجود العديد من القوانين االقتصادية العامة و الراسخة و المؤكدة‬


‫صحنها ووجود الكثير من المبررات حول علمية االقتصاد السياسي ‪ ،‬غير أنّ هذا ال يعني‬
‫بالضرورة أنّ نقول أنّ علم االقتصاد كباقي العلوم الطبيعية و الفيزيائية من حيث دقة‬
‫القوانين و قدرتها على تفسير الظواهر ‪ ،‬فليس كل القوانين االقتصادية تتصف‬
‫بالعمومية و الصحة المطلقة ‪ ،‬فقد يصلح قانون لتفسير ظاهرة اقتصادية و ال يصلح‬
‫لتفسير نفس الظاهرة في دولة أخرى ‪.‬‬
‫خالصة ‪:‬‬

‫‪ -1‬نسبية التطبيق ‪ :‬يمكن القول أنّ القوانين االقتصادية التي تنطبق في دولة متقدمة ‪،‬‬
‫يمكن أن ال تطبق في بلد متخلف ‪ ،‬و تلك التي تطبق في بلد رأسمالي قد ال تنطبق في‬
‫بلد ذات نظام اقتصادي اشتراك‬

‫‪ -2‬تتسم القوانين االقتصادية أنها ليست حتمية التطبيق أو الحدوث ‪.‬‬

‫‪ -3‬تتميز القوانين االقتصادية بعدم دقتها الحسابية ‪ ،‬فهي ال يمكن االعتماد عليها للوصول‬
‫إلى نتائج دقيقة و محددة و إنما هي تعبر عن مجرد ميل أو اتجاه معين ‪.‬‬

‫المحاضرة السادســــــــة ‪:‬‬

‫(علم االقتصاد السياسي و فروع العلوم االجتماعية األخرى)‬

‫مقدمـــــة ‪:‬‬

‫يمكن القول أنّ يعتبر سلوك اإلنسان و تصرفاته المختلفة موضوع الدراسة‬
‫لكل فروع العلوم االجتماعية المتعددة التي يتعلق موضوعها بمختلف‬ ‫المشترك‬
‫مظاهر النشاط اإلنساني داخل المجتمع ( االقتصاد السياسي ‪ ،‬علم السياسة ‪ ،‬الجغرافيا‬
‫‪ ،‬التاريخ ‪ ،‬علم النفس ‪ ،‬القانون ‪ ،‬علم االجتماع ‪...‬الخ )‬

‫و الجدير بالمالحظة أنّ كل تخصص معرفي يدرس هذا السلوك من زاوية معينة و‬
‫يحاول أنّ يفهم طبيعة العالقات بين األفراد داخل المجتمع ‪ ،‬و على اعتبار علم االقتصاد‬
‫السياسي احد فروع العلوم االجتماعية ‪ ،‬باعتبار انه حقق قدر من االستقاللية بموضوعه‬
‫و مناهجه و قوانينه و نظرياته ‪ ،‬و بالتالي تحاول الدراسة فهم طبيعة العالقة بين علم‬
‫االقتصاد السياسي و بين باقي فروع العلوم االجتماعية األخرى و إبراز االعتماد المتبادل‬
‫فيما بين االقتصاد و هذه العلوم ‪.‬‬

‫أوال ‪ :‬االقتصاد السياسي و علم السياسة‬

‫يعتبر علم السياسة من العلوم األكثر ارتباطا بعلم االقتصاد ‪ ،‬فالظاهرة السياسية و‬
‫االقتصادية تشكالن وجهان لعملة واحدة و تعتبر الدولة من الموضوعات الرئيسية التي‬
‫يهتم بدراستها علم السياسة ‪ ،‬و في الوقت ذاته تعتبر قوة الدولة و استقرارها االقتصادي‬
‫من أهم المواضيع البحث و الدراسة لدى االقتصاديين ‪.‬‬
‫لذلك يستحيل على الباحث االقتصادي أنّ يتجاهل ما تم التوصل إليه في حقل علم‬
‫السياسة و كذلك الشأن بالنسبة للباحث السياسي ‪ ،‬فالكثير من األزمات السياسية‬
‫اليوم التي يتولد عنها النزاعات السياسية و الحروب المستمرة ‪ ،‬و يرجع تفسيرها إلى‬
‫عوامل اقتصادية و األمثلة على ذلك كثيرة ‪ ( ،‬الحرب العراقية من ورائها أطماع اقتصادية‬
‫أمريكية )‬

‫و من جهة أخرى ‪ ،‬فان دارسو النظم السياسية المعاصرة يؤكدون على الترابط‬
‫الوثيق بين االستقرار السياسي من جهة و الرخاء االقتصادي من جهة أخرى ’ فكلما‬
‫تمكن نظام سياسي معين من تامين حاجيات اقتصادية لمواطنيه ‪ ،‬كلما زاد االستقرار‬
‫السياسي داخله ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬االقتصاد السياسي و علم االجتماع‬

‫‪ ،‬فموضوع علم‬ ‫علم االجتماع هو علم القوانين العامة لتطور المجتمع اإلنساني‬
‫االجتماع يتعلق بالظواهر االجتماعية في حركتها الكلية ‪ ،‬في حين أنّ علم االقتصاد‬
‫السياسي يهتم بمستوى واحد من مستويات الظواهر االجتماعية و هو المستوى المتعلق‬
‫باالرتباطات المادية‬

‫و يمكن تلخيص العالقة بين االقتصاد السياسي و علم ا الجتماع في النقاط التالية ‪:‬‬

‫‪ -‬أهمية النشاط االقتصادي و تأثيره على الكل االجتماعي ‪ ،‬أي أثر األساس االقتصادي‬
‫في تحديد طبيعة التفاعالت وبنية العالقات االجتماعية‪ ،‬و يعتبر ابن خلدون من األوائل‬
‫الذين ابرزوا طبيعة هذه العالقة ‪ ،‬بحيث يرجع سبب ظهور المجتمع إلى الضرورة الملحة‬
‫التي تدفع الناس للتجمع بهدف إنتاج وسائل المعيشة‪ ،‬أي انه أعطى تفسير مادي لنشأة‬
‫المجتمع ‪ ،‬فالمجتمع ظاهرة طبيعية أدى إليها عمران التكافل االجتماعي ‪.‬‬

‫‪ -‬تتجلى العالقة بين العلمين و تكون أكثر وضوحا من خالل ظهور تخصص فرعي ضمن‬
‫االقتصاد هو علم االقتصاد االجتماعي أو ضمن علم االجتماع هو علم االجتماع‬
‫االقتصادي ‪ ،‬فاألول هو اتجاه يميل إلى تفسير المعطيات أو الظواهر االجتماعية وواقع‬
‫البنية االجتماعية ‪ ،‬أما الثاني فهو يزودنا بالمعرفة الضرورية الخاصة باإلطار االجتماعي‬
‫الذي يمارس في ظله النشاط االقتصادي‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬االقتصاد السياسي و علم التاريخ‬

‫يرتبط االقتصاد أحيانا بعلم التاريخ ‪ ،‬ألن هذا األخير يسعى لمعرفة األحداث‬
‫والوقائع وتفسيرها عبر تطورها التاريخي ‪ ،‬في حين أنّ االقتصاد يعمل على استكشاف‬
‫وصياغة القوانين التي تحكم التفاعالت االقتصادية‪ ،‬لذلك يحتاج االقتصادي لمعرفة نتائج‬
‫عمل المؤرخ أي معرفة اإلطار التاريخي والزمني النشاط االقتصادي لنتأكد من صحة‬
‫القوانين االقتصادية وعموميتها‪ ،‬فالتاريخ يعتبر بمثابة المختبر السياسي داخله ‪ ،‬كذلك نجد‬
‫أنّ من متطلبات الحكم الراشد المعاصر ضرورة ضمان الحقوق االقتصادية لألفراد و‬
‫التأكيد على تطبيق تنمية مستدامة فعالة من شأنها أنّ تطور الجوانب المادية للدولة و‬
‫األفراد ‪.‬‬

‫كذلك نجد أنّ شكل النظام السياسي و قيمه و إيديولوجيته عوامل رئيسية في تحديد‬
‫بنية النظام االقتصادي ‪ ،‬بحيث نجد أنّ النظم الديمقراطية الحرة تتبنى بالضرورة نظام‬
‫اقتصادي رأسمالي حر ‪ ،‬عكس النظم االشتراكية التي تدعو إلى تطبيق مبادئ االقتصاد‬
‫الموجه و المركزي و التخطيط ‪.‬‬

‫كما أنّ المؤرخ بدوره يحتاج إلى معلومات اقتصادية ألنها تسهل عليه جزءا من بحثه و‬
‫يحتاج كذلك إلى التحليل االقتصادي الن التطورات المادية االقتصادية للمجتمعات يمكن‬
‫أنّ تستعمل كوسيلة تفسير لمتابعة المراحل التاريخية ‪.‬‬

‫رابعا ‪ :‬االقتصاد السياسي وعلم القانون‬

‫تتمثل العالقة بين االقتصاد والقانون في المجتمعات البشرية في أنّ القانون هو‬
‫اإلطار التنظيمي المحدد لمختلف التفاعالت االقتصادية‪ ،‬فالعالقة بينهما عالقة وطيدة إذ‬
‫أنّ القانون يدرس القوانين التي اختارها مجتمع ما لنفسه‪ ،‬و ما كانت هذه القوانين‬
‫سوى ترجمة لواقع البنيات االقتصادية التي تفرضها على المجتمع‪.‬‬

‫فالقانون قد يكون رأسماليا في الدول الديمقراطية ‪ ،‬وقد يكون اشتراكيا ضمن‬


‫الدول االشتراكية‪ ،‬أو إسالميا أو إقطاعيا‪ ،‬فالهيكل أو الشكل يعتبر من أهم المعايير‬
‫المعتمدة للتفريق بين نظام اقتصادي و أخر‪ ،‬و المقصود بالشكل اإلطار القانوني و‬
‫الحقوقي الذي ينظم العالقات االقتصادية داخل كل نظام اقتصادي ‪ .‬فكل دولة لها جزء‬
‫من تشريعاتها القانونية المتعلقة بالشق االقتصادي مثل‪ :‬القانون التجاري ‪ ،‬وتسيير‬
‫المشاريع الخاصة أو العامة ‪ ،‬وقوانين المالية العامة ‪ ،‬و قانون التأمين ‪...‬الخ‪.‬‬

‫خامسا ‪ :‬االقتصاد السياسي و علم النفس‬

‫يرتبط االقتصاد السياسي بعلكم النفس ‪ ،‬فاالقتصاد السياسي انطلق أساسا من‬
‫أرضية نفسية تتعلق باألنانية ‪ ،‬معتبرا أنّ التصرفات االقتصادية تعتمد على المصلحة‬
‫الشخصية و تعلق الفرد بضرورة إشباع رغباته‪ ،‬وهنا نجد أنّ الحاجة كأحد عناصر‬
‫المشكلة االقتصادية هي حالة نفسية بالدرجة األولى ‪ ،‬تحرك الفرد للقيام بنشاطات‬
‫اقتصادية لتلبيتها ‪ ،‬كما أنّ لعدة ظواهر اقتصادية مثل الظواهر النقدية أو ظاهرة القيمة‬
‫أو ظواهر التقلبات الوقتية أرضية نفسية ال يشك في صحتها ‪ .‬فتأثيرا لشائعة مثال على‬
‫الحياة االقتصادية يؤكد على صحة التصور‪ ،‬لنفرض مثال شائعة مفادها أنّ أزمة اقتصادية‬
‫ستحل بالمجتمع ‪ ،‬فترى األفراد نتيجة هذه الشائعة يهرعون إلى المصارف لسب‬
‫و هذا ما جرى فعال عام ‪ 1929‬عندما اجتاحت العالم األزمة‬ ‫ودائعهم أو لشراء الذهب‬
‫الكبرى التي عرفها النظام الرأسمالي بأمريكا ‪ ،‬فبعد االنخفاض الكبير الذي حدث في‬
‫بورصة نيويورك ‪ ،‬تدافع الناس نحو صناديق المصارف لسحب أموالهم و ودائعهم و شراء‬
‫الذهب خوفا من انهيار قيمة الدوالر ‪ ،‬إال أنهم بهذا العمل ساهموا مساهمة فعالة و‬
‫قوية في تخفيض أسعار الدوالر ‪.‬‬

‫( النظام الرأسمالي و خصائصه)‬ ‫المحاضرة السابعة ‪:‬‬

‫تمهيد‬

‫انبثق عن الفكر االقتصادي الرأسمالي نظاما مكتمال كان من وراءه عدة مفكرين‬
‫عاشوا في فترة العصور الوسطى و جسدت أفكارهم التي قامت في بداية األمر ضد‬
‫مرحلة النظام اإلقطاعي التي ساد أوربا في تلك الفترة ‪ ،‬و في هذا الصدد يذهب بعض‬
‫مؤرخي الفكر االقتصادي إلى القول أنّ النظام اإلقطاعي الذي ساد في أوربا في‬
‫العصور الوسطى ‪ ،‬ساهم في ظهور نظام اقتصادي مكتمل قام على أنقاض النظام‬
‫اإلقطاعي ‪ ،‬سمي فيما بعد بالنظام االقتصادي الرأسمالي أو الحر ‪.‬‬

‫الجانب الفني والعملي لالقتصاد السوق‬

‫يقوم النظام الرأسمالي القائم أساسا على نظام اقتصاد السوق (أي حرية التجارة و‬
‫تطبيق قانون العرض و الطلب ) ‪ ،‬على فن إنتاجي يرتكز على االختراع و حرية المبادرة‬
‫و القرار الفردي ‪.‬‬

‫المقصود بالفن اإلنتاجي‬

‫ال شك أنّ النظام الرأسمالي قام في ظل الثورة الصناعية التي شهدتها أوربا في‬
‫القرنين الثامن عشر و العشرين ‪ ،‬كان قد ارتكز على التقدم التكنولوجي الناتج عن هذه‬
‫الثورة وطبقت في هذا المجال قوانين الفنون اإلنتاجية المستمدة من المبادرة الفردية و‬
‫قوانين المنافسة ‪.‬‬
‫ففي ظل قوانين المنافسة ‪ ،‬يسعى المنتجون إلى تحسين وسائل اإلنتاج و هذا من‬
‫اجل تخفيض نفقات اإلنتاج و تحقيق اكبر قدر من األرباح ‪ ،‬فنجاح أي منتج في استخدام‬
‫وسائل جديدة من شانها تخفيض التكاليف ‪ ،‬يدفع المنتجين اآلخرين إلى تطبيق مثل هذه‬
‫الوسائل الحديثة حتى يتمكنوا من البقاء في مجال المنافسة و اإلنتاج المستمر ‪.‬‬

‫و من جهة أخرى ‪ ،‬يجد تقدم الفن اإلنتاجي أساسه في االختراع الذي يعبر عن حركة‬
‫التطور الصناعي ‪ ،‬و قد يأخذ االختراع شكل االختراعات الميكانيكية أو شكل تغيير نسب‬
‫التأليف بين عوامل اإلنتاج ‪ ،‬فالنظام الرأسمالي اعتمد في البداية على أسلوب اإلنتاج الذي‬
‫يستخدم العمل بنسبة اكبر من استخدام رأس المال ‪ ،‬تم أصبح يعتمد على طرق إنتاجية‬
‫تعتمد على رأس المال أكثر من اعتمادها على العمل ‪.‬‬

‫المقصود بحرية القرار االقتصادي‬

‫يتم استغالل عوامل اإلنتاج نتيجة لتفاعل القرارات التي يتخذها األفراد دون إشراف من‬
‫جانب الدولة ‪.‬‬

‫و في هذا الصدد ‪ ،‬فان المنتجين يستمدون احتياجاتهم المختلفة من المجهودات التي‬


‫يبذلونها دون أنّ ترسم لهم أي سياسة مشتركة تتبع أو يلزمون بنتباعها ‪ ،‬و ذلك يعني أنّ‬
‫الحياة االقتصادية في ظل النظام الرأسمالي ‪ ،‬ال تقوم على برامج تضعها الدولة ‪ ،‬و إنما‬
‫تتم المبادالت طبقا إلرادة األفراد ‪ ،‬الذين يسعون لتحقيق مصالحهم الخاصة و في‬
‫نفس الوقت إلى تحقيق مصلحة الجماعة ‪.‬‬

‫خالصـــــــــــة‬

‫يمكن القول في خالصة دراستنا للنظام الرأسمالي القائم على الملكية الفردية‬
‫لوسائل اإلنتاج و المبني أساسا على مفهوم اإلرادة الحرة في توجيه االقتصاد و‬
‫االعتماد على المنافسة الحرة في اإلنتاج و اإلنتاجية ‪ ،‬فقد ثبت تاريخيا أنّ سبق النظام‬
‫االقتصادي الرأسمالي ‪ ،‬المذهب الفكري و ذلك خالل أفكار و تنبؤات بعض رجال الفكر‬
‫‪ ،‬والذي كان من أهمهم العالم االقتصادي االنجليزي آدم سميت ‪ ،‬والذي ظهر في كتابة‬
‫الشهير" ثروة األمم " والصادر عام ‪. 1776‬‬

‫وبعد سنوات من تطبيق النظام الرأسمالي في بلدان أوروبا الغربية والواليات‬


‫المتحدة األمريكية ‪ ،‬تعرض اإلطار اإلنتاجي الجديد لهجوم شديد ‪ ،‬وانتقادات الذعة من‬
‫جانب اقتصاديين ألمان وفرنسيين وأمريكيين ‪ ،‬ففي بلدانهم كانت األحوال االقتصادية ‪ ،‬أو‬
‫الطروح‬

‫الفلسفية ‪ ،‬أو التعليقات الشخصية ‪ ،‬تذكر الحقائق العظيمة النابعة من المسرح االقتصادي‬
‫البريطاني ‪ ،/‬واعتقادهم أن النظام الرأسمالي أو النظام الكالسيكي أو نظام اقتصاد‬
‫السوق كان بريطانيا أكثر مما ينبغي ‪ ،‬وذلك بالنظر إلى أنّ بريطانيا كانت هي القوى‬
‫االقتصادية السائدة في العالم طوال القرن التاسع عشر ومن ثم كان علم االقتصادية‬
‫في أغلبه ذا هوية بريطانية ‪ .‬ولكن كان الهجوم الكبير من جانب اقتصاديين أصبح يطلق‬
‫عليهم اسم االشتراكيين ‪ ،‬وهم الذين شككوا في سالمة القوة والدوافع والسلوك التي‬
‫ارتبطت بالحيازة الخاصة للممتلكات ‪ ،‬والسعي إلى إحراز الثروة ‪ .‬وقد وجد هؤالء‬
‫االقتصاديون ‪،‬وفي السنوات الوسطي من القرن التاسع عشر النتقاداتهم وهجومهم ‪،‬‬
‫الجذور في التراث الكالسيكي نفسه ‪ ،‬وذلك انطالقا من فكرة أنّ القيمة تجد أساسها‬
‫في العمل والتي نادى بها ريكاردو‪ ،‬وفكرة فائض القيمة الذي يستولي عليه الرأسمالي‬
‫بطريقة خادعة ‪ ،‬والرأي القائل بأن كل الحصيلة من البضائع ‪.‬‬

‫استاذ المقياس ‪ /‬الدكتور عبد النبي مصطفى‬

You might also like