You are on page 1of 23

‫جامعة الجزائر ‪1‬‬

‫كلية الحقوق‬

‫القانون العام االقتصادي‬


‫ملخص محاضرات للسنة الثالثة ليسانس نظام ‪LMD‬‬

‫القانون العام‬

‫المجموعة الرابعة‬

‫الدكتورة‪ :‬بوســــنة زينب‬

‫الســـــنـة الجـــامعية‪2022/2021:‬‬
‫مـــقدمة‪:‬‬

‫لعدة سنوات كان القانون و االقتصاد في مركز اهتمام المفكرين في البلدان ذات‬
‫األنظمة القانونية القارة‪ ،‬فلقد شكلت األنظمة االقتصادية و السياسية أرضية لتبني المناهج‬
‫المتبعة في تنظيم الفضاء االقتصادي‪ ،‬على إثر ذلك تجسدت تدخالت السلطات العمومية‬
‫التي تدرجت بين االنسحاب و التدخل في المجاالت االقتصادية‪ ،‬و بين هذه المتناقضات‬
‫ظهر القانون العام االقتصادي‪ ،‬فمن الضروري دراسة تاريخ تنظيم النشاط العام في االقتصاد‬
‫و انعكاسه على القانون‪.‬‬
‫المحور األول‪ :‬مفهوم القانون العام االقتصادي‬

‫حتى نتمكن من تحديد مفهوم القانون العام االقتصادي‪ ،‬يجب أن نتطرق أوال إلى النشأة‬
‫ثم التعريف الذي نبرز من خالله مدى تميز القانون العام االقتصادي عن غيره من القوانين‬
‫المشابهة له‪ ،‬و أخي ار نوضح خصائص القانون العام االقتصادي‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬نشأة و تطور القانون العام االقتصادي‬

‫تعود جذور تدخل الدولة في االقتصاد إلى عهد الملك لويس الرابع عشر في فرنسا‬
‫في القرن السابع عشر في فترت حكم كولبير)‪ (1683-1661‬حيث تدخلت الدولة إلنشاء‬
‫المؤسسات االقتصادية و حمايتها من المنافسة الخارجية‪ ،‬باعتبار أن قوة القطاع العمومي‬
‫هي مصدر قوة الملك أو الحاكم آنذاك‪ ،‬و يعتبر القانون العام االقتصادي قانون حديث‬
‫النشأة يعود إلى الفترة الممتدة من الثوره الفرنسيه ‪ 9871‬و الحرب العالميه األولى‪ ،‬كانت‬
‫تدخالت السلطة العامة في المجال االقتصادي شبه منعدمة خاصه بعد االعتراف بمبدأ حرية‬
‫التجارة و الصناعة‪ ،‬الذي كرسه مرسوم آالرد ‪ Allarde‬و قانون لو شابوليي ‪Le Chapelier‬‬

‫اللذان كرسا حرية األفراد في القيام بالمبادرات الفردية و ممارسة األنشطة االقتصادية‪ ،‬فكانت‬
‫الدولة تمارس في هذه الفترة وظيفة الدولة الحارسة ‪.L’Etat-gendarme‬‬

‫و لكن مع نهاية القرن ‪ 91‬بعد ما خلفته الحرب العالمية األولى و الثانية بالتحديد سنه‬
‫‪ 9787‬تبنت الدولة الفرنسية أسلوب التسيير المباشر لتسيير النشاطات االقتصادية العمومية‬
‫و أسلوب عقود امتياز المرفق العام في حالة التنازل عن هذه النشاطات للخواص‪.‬‬

‫تتميز هذه المرحلة بتطبيق قانون الصفقات العمومية و قانون امتياز المرفق العام‬
‫مما عزز فكرة ارتباط القانون العام االقتصادي بالقانون اإلداري‪ ،‬خاصة الدور الذي لعبه‬
‫القضاء االداري من خالل المساهمة في تطوير أحكام القانون العام االقتصادي‪.‬‬
‫و لكن بعد األزمة االقتصادية التي شهدها العالم سنة ‪ ،9191‬و تولي الجبهة الشعبية‬
‫زمام الحكم سنة ‪ ، 9191‬اتخذت فرنسا سلسلة من اإلجراءات الصارمة التي تدخل في إطار‬
‫االقتصاد الموجه‪ ،‬حيث تبنت صيغ قانونية جديدة تعزز فكرة تدخل الدولة في االقتصاد‬
‫تتمثل في إنشاء الدواوين العمومية لتنظيم الرقابة على قطاعات معينة‪ ،‬و المؤسسات‬
‫العمومية اإلدارية‪ ،‬باإلضافة إلى المؤسسات العمومية ذات الطابع الصناعي و التجاري‬
‫و استمرت فرنسا في تفعيل آليات الدولة الراعية ‪ L’Etat-Providence‬خاصة بعد صدور‬
‫دستور الفرنسي لسنة ‪ 9181‬مع بداية تبني سياسة الـتأميم‪.‬‬

‫إلى أن صدر األمر المتضمن حرية األسعار و المنافسة المؤرخ في ‪ 9‬ديسمبر ‪9171‬‬
‫معب ار عن تبني مفهوم المنافسة‪ ،‬فتم التخلي عن فكرة الدولة الراعية لصالح الدولة الضابطة‬
‫‪ L’Etat-Regulateur‬من خالل تفعيل الضبط االقتصادي عن طريق إنشاء سلطات إدارية‬
‫مستقلة‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬تعريف القانون العام االقتصادي‬

‫ليس هناك شك في أن القانون و االقتصاد مترابطان‪ ،‬في الواقع العالقة بين القانون‬
‫و االقتصاد وثيقة للغاية‪ ،‬إن القانون يخدم االقتصاد‪ ،‬كما أن اقتصاد السوق مبني‬
‫على مفاهيم قانونية‪ ،‬و ليس على العقارات و لكن على حقوق الملكية‪ ،‬و حرية التعاقد‬
‫و نظام المسؤولية‪ ،‬و لقد اختلفت االجتهادات الفقهية في تكييف العالقة بين االقتصاد‬
‫و القانون‪ ،‬منهم من تمسك بالفصل التام بينهما‪ ،‬بينما يؤكد اآلخر على تأثير االقتصاد‬
‫على القانون‪:‬‬

‫‪ ‬يذهب ماكس فيبر‪ Max Weber‬إلى أن القانون له طبيعة معيارية ‪Normative‬‬

‫منطقية‪ ،‬بينما ال يتطور االقتصاد إال على مستوى الواقع و التطبيق غير قابل للتحكم فيه‬
‫عن طريق المعيار أو القاعدة‪ ،‬فاإلشكالية المطروحة هنا هي العالقة بين المعيار و الواقع‬
‫‪.Norme et fait‬‬
‫‪ ‬على عكس ماكس فيبر‪ ،‬حاول كارل ماكس مقاربة الثنائي االقتصاد و القانون‪ ،‬فرغم‬
‫انتماء كل منهما لمنظومتين مختلفتين إال أن األول يؤثر على الثاني‪ ،‬فالقانون وفق ماركس‬
‫جزء من البنية الفوقية المتمثلة في النظام القانوني و السياسي‪ ،‬بينما ينتمي االقتصاد للبنية‬
‫التحتية المتمثلة في النظام االقتصادي و االجتماعي‪ ،‬و بالتالي يتحكم االقتصاد في القانون‬
‫ألن الطبقة المتحكمة في االقتصاد هي التي المتحكمة في السلطة السياسية‪ ،‬فالطبقة‬
‫الرأسمالية هي التي تصوغ القانون وفق مصالحها الخاصة‪.‬‬

‫يمكن أن نعرف القانون العام االقتصادي‪ ،‬على أنه‪" :‬مجموعة القواعد القانونية‬
‫التي تؤطر تدخل السلطات العمومية في المجال االقتصادي بطريقة مباشرة أو غير مباشرة‬
‫من أجل تحقيق المصلحة العامة"‪.‬‬

‫إذن تدخل الدولة في الفضاء االقتصادي يأخذ األشكال التالية‪:‬‬

‫‪ -‬التدخل المباشر‪ :‬يمكن أن تكون الدولة مساهمة في المجال االقتصادي‪ ،‬أي صاحبة‬
‫النشاط االقتصادي كمنتجة للسلع أو عارضة للخدمات ( متعامل اقتصادي عمومي )‪.‬‬
‫التدخل غير المباشر‪ :‬في هذه الحالة الدولة ال تمارس األنشطة االقتصادية و إنما‬ ‫‪-‬‬

‫تتدخل كسلطة عمومية لتأطير و مراقبة هذه األنشطة عن طريق الضبط‪ ،‬أو تتدخل‬
‫كشريك مع المتعاملين االقتصاديين الخواص من أجل تلبية احتياجاتها في إطار‬
‫عقود الشراكة‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬تمييز القانون العام االقتصادي عن القوانين المشابهة له‬

‫أوال‪ :‬التمييز بين القانون العام االقتصادي و القانون االقتصادي‬

‫القانون االقتصادي هو ذلك القانون الذي يطبق على جميع المواد التي تدخل‬
‫في مفهوم االقتصاد‪ ،‬و بالتالي فالقانون االقتصادي يجمع بين أقسام القانون الخاص‬
‫و القانون العام التي لها عالقة باالقتصاد‪ ،‬كما أن الفقيه الفرنسي ‪Gérard Farjat‬‬

‫هو الذي دافع عن استقاللية القانون االقتصادي‪ ،‬فهو قانون جامع بين جميع فروع القانون‬
‫العام و فروع القانون الخاص‪ ،‬بينما يعتبر القانون العام االقتصادي مجموعة القواعد‬
‫القانونية التي تؤطر تدخل السلطات العمومية فقط في المجال االقتصادي‪.‬‬
‫و بالتالي فالقانون االقتصادي أوسع و أشمل و سابقا للقانون العام االقتصادي من حيث‬
‫النشأة ‪ ،‬بل يضم حتى القانون العام االقتصادي‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬التمييز بين القانون العام االقتصادي و القانون الدولي االقتصادي‬

‫يعرف القانون الدولي االقتصادي على أنه مجموعة القواعد التي تنظم العالقات‬
‫االقتصادية بين الدول‪ ،‬و بين الدول و المنظمات االقتصادية الدولية‪ ،‬بينما ينظم القانون‬
‫العام االقتصادي العالقات االقتصادية بين الفاعلين االقتصاديين على المستوى الوطني‪.‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬خصائص القانون العام االقتصادي‬

‫بعد التطرق لنشأة و تعريف القانون العام االقتصادي و تمييزه عن غيره من القوانين‬
‫المشابهة له‪ ،‬يمكن لنا اآلن أن نستنتج الخصائص التي يتميز بها‪:‬‬
‫‪ -‬القانون العام االقتصادي هو قانون غير مقنن فهو مجموعة واحدة جامعة و شاملة‬
‫ألصوله و أسسه و قواعده و إجراءاته ألنه متشعب‪.‬‬
‫‪ -‬كما يتميز القانون العام االقتصادي بالمرونة‪ ،‬إذ يتغير بتغير التوجهات االقتصادية‬
‫للدولة و يتأثر بالنهج الذي تتبعه اشتراكيا كان أم ليبراليا‪.‬‬
‫‪ -‬هو قانون سريع التطور يتماشى مع سرعة التطورات االقتصادية و يواكب كافة‬
‫المستجدات‪.‬‬
‫‪ -‬يتميز القانون العام االقتصادي بالطابع االستشرافي‪ ،‬إذ يقوم على محاولة استشراف‬
‫المستقبل و توقع األحداث على المدى المتوسط و البعيد‪.‬‬

‫المحور الثاني‪ :‬مصادر القانون العام االقتصادي‬

‫إن مصادر القانون العام االقتصادي شأنه شأن فروع القانون العام‪ ،‬تتكون من مصادر‬
‫داخلية و أخرى خارجية‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬المصادر الداخلية‬

‫تتمثل المصادر الداخلية في الدستور‪ ،‬التشريع‪ ،‬التنظيم‪ ،‬المصادر غير التنظيمية‬


‫االجتهادات القضائية‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬الدستور‪ :‬الدستور هو التشريع األسمى و األساسي يتصدر قمة الهرم‬
‫القانوني يحدد شكل الدولة و نظام الحكم و ينظم السلطات العامة في الدولة‬

‫الفرع الثاني‪ :‬التشريع‪ :‬يقصد بالتشريع العمل القانوني الصادر عن السلطة التشريعية‬
‫المنتخبة من قبل الشعب الذي يعين ممثلين له في هذا الجهاز ليقوم بسن القوانين‪.‬‬

‫و وفقا للمادة ‪ 991‬من الدستور لسنة ‪ :9292‬يشرع البرلمان في المجاالت التي حددها له‬
‫الدستور من ضمنها المجاالت االقتصادية‪.‬‬

‫يشرع بأوامر في مسائل عاجلة في حالة شغور المجلس‬


‫كما يمكن لرئيس الجمهورّية أن ّ‬
‫الشعبي الوطني أو خالل العطل البرلمانية المادة ‪ 989‬من الدستور لسنة ‪.9292‬‬
‫ّ‬
‫الفرع الثالث‪ :‬المصادر التنظيمية‪:‬‬

‫و نظ ار لما تحوزه السلطة التنفيذية من صالحيات تنظيمية سواء تلك التي تعود لرئيس‬
‫الجمهورية بوصفه صاحب اإل ختصاص العام في كل المسائل التي تخرج من مجال التشريع‬
‫المخصص للسلطة التشريعية عن طريق المراسيم الرئاسية المواد ‪ 19‬و ‪ 19‬و ‪959‬‬
‫من الدستور لسنة ‪ ،9292‬و كذا صالحيات الوزير األول أو رئيس الحكومة حسب الحالة‬
‫في إصدار المراسيم التنفيذية المادتين ‪ 999‬و ‪ 989‬من الدستور لسنة ‪.9292‬‬
‫كما يساهم الوزراء في ممارسـة السـلطة التنظيميـة عـن طريـق اقتـراح مشـاريع النصـوص‬
‫ذات الطـابع التشـريعي و التنظيمـي المسيـرة لنشـاطات القطـاع‪ ،‬أو عـن طريـق إصـدار‬
‫مناشـير انفردية أو مشتركة بين مجموعة من الوزراء تتعلـق بتنظـيم المجال المشترك‬
‫باإلضافة إلى إصدار الق ار ارت لممارسة السلطة التنظيمية ضمن نطاق اختصاص الو ازرة‪.‬‬

‫الفرع الرابع‪ :‬المصادر غير التنظيمية‬

‫ممارسة السلطة التنظيمية في المجال االقتصادي ال تقتصر على السلطة التنفيذية‬


‫فهي تلك التعليمات و التوجيهات و الق اررات اإلدارية المنفردة التي تتخذها المؤسسات‬
‫العمومية باختالف أنواعها‪ ،‬بمناسبة ممارسة نشاط لتسيير المرفق العام‪ ،‬تعمل على تفسير‬
‫أفضل لشروط ممارسة النشاط على اعتبار أن القوانين و التنظيمات ال تضع إال الشروط‬
‫العامة‪ ،‬حيث كانت تعتبر الق اررات اإلدارية المنفردة الوسيلة الوحيدة أثناء االقتصاد الموجه‬
‫ثم ظهرت العقود التي تبرمها السلطات العمومية و التي أصبحت مصدر مهم للقانون العام‬
‫االقتصادي و ذلك بعد تحرير االقتصاد‪.‬‬
‫الفرع الخامس‪ :‬االجتهادات القضائية‬

‫إن نشاط القاضي هو تطبيق صارم للقانون‪ ،‬و لكن بعد ذلك تم منحه الحق في سد‬
‫الثغرات‪ ،‬فمنح القاضي الحق في إنشاء القواعد‪ ،‬و يظهر ذلك جليا من خالل الدور المهم‬
‫لالجتهادات القضائية اإلدارية في القانون العام االقتصادي‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬المصادر الخارجية‬

‫فيما يخص المصادر الخارجية للقانون العام االقتصادي في الجزائر‪ ،‬سنركز في هذه‬
‫الدراسة على المصادر اإلقليمية و الدولية‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬المصادر اإلقليمية‬

‫تتعدد االتفاقيات الثنائية و المتعددة األطراف التي أبرمتها الجزائر لتوحيد المعامالت‬
‫في المجاالت االقتصادية‪ ،‬أهم هذه االتفاقيات التي أثرت كثي ار على النظام االقتصادي‬
‫الجزائري هي الشراكة األوروجزائرية‪.‬‬

‫تم التوقيع على اإلتفاق في ‪ 99‬أفريل ‪ 9229‬بمدينة فالنسيا في إسبانيا أثناء القمة‬
‫األورومتوسطية‪ ،‬إلى أن تمت المصادقة على إتفاق الشراكة مع المجموعة األوروبية بموجب‬
‫المرسوم الرئاسي رقم ‪ 951-25‬المؤرخ في ‪ 98‬أفريل ‪ ،9225‬ليدخل حيز التنفيذ إبتداء من‬
‫الفاتح من سبتمبر ‪.9225‬‬
‫يهدف إتفاق الشراكة مع المجموعة األوروبية إلى توسيع التبادالت و ضمان تنمية‬
‫العالقات االقتصادية و االجتماعية المتوازنة بين الطرفين و ذلك بالتوصل إلى إنشاء‬
‫تدريجي لمنطقة التبادل الحر بين الطرفين‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬المصادر الدولية‬

‫تعتبر المنظومة النقدية الدولية التي يحددها صندوق النقد الدولي‪ ،‬و المنظومة المالية‬
‫الدولية التي يضعها البنك العالمي‪ ،‬و المنظومة التجارية الدولية التي تتكفل بها المنظمة‬
‫العالمية للتجارة من أهم المصادر الدولية التي تساهم في تحديد قواعد القانون العام‬
‫االقتصادي الج ازئري‪.‬‬
‫أوال‪ :‬النظام النقدي الدولي‪ :‬يعمل صندوق النقد الدولي على تحقيق استقرار النظام‬
‫النقدي الدولي‪ ،‬و رصد حركة العمالت في العالم‪ ،‬تقديم القروض قصيرة األجل للبلدان التي‬
‫تواجه مشاكل في ميزان المدفوعات و تقديم المساعدة العملية للبلدان األعضاء حيث أبرمت‬
‫الجزائر اتفاق مع صندوق النقد الدولي سنة ‪ 9118‬بموجب إتفاقية ستاندباي في أفريل‬
‫‪ ،9118‬للعمل على تقليل العجز الداخلي و الخارجي بعد أن عجزت الجزائر عن إصالح‬
‫االختالالت االقتصادية‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬النظام المالي الدولي‪ :‬مجموعة البنك الدولي هي من بين أكبر مصادر التمويل‬
‫و المعرفة للبلدان في العالم و تشترك المؤسسات الخمس التي تتألف منها مجموعة البنك في‬
‫االلتزام بالحد من الفقر و تعزيز الرخاء المشترك‪ ،‬و تشجيع التنمية المستدامة و منح قروض‬
‫طويلة األجل لوضع برامج التنمية االقتصادية‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬النظام التجاري الدولي‬


‫إن منظمة التجارة العالمية هي آلية فاعلة لنشر العولمة تقوم المنظمة العالمية للتجارة‬
‫على عدة مبادئ أهمها‪ ،‬شرط المعاملة الوطنية أي مبدأ عدم التمييز‪ ،‬شرط الدولة األولى‬
‫بالرعاية‪ ،‬مبدأ تحرير المبادالت التجارية‪ ،‬تمكن هذه المبادئ من الدخول الواسع لألسواق‬
‫الوطنية مع تحديد القيود الجمركية و غير الجمركية بأكبر قدر ممكن‪.‬‬
‫المحور الثالث‪ :‬مبادئ القانون العام االقتصادي‪:‬‬

‫تنقسم مبادئ القانون العام االقتصادي إلى مبادئ خاصة و مبادئ عامة‪ ،‬منها من‬
‫تحظى بحماية دستورية‪ ،‬و منها من تحظى بحماية تشريعية‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬المبادئ الخاصة بالقانون العام االقتصادي‪:‬‬


‫هي تلك المبادئ ذات الصلة بالمجال االقتصادي التي يختص بها القانون العام‬
‫االقتصادي فقط‪ ،‬و ال نجدها في بقية فروع القانون العام‪ ،‬و هي كالتالي‪:‬‬

‫الفرع األول‪ :‬مبدأ حرية االستثمار و التجارة‪:‬‬

‫أوال‪ :‬نشأة و مضمون مبدأ حرية االستثمار و التجارة و المقاولة‪:‬‬


‫ظهر مبدأ حرية التجارة و الصناعة في فرنسا باسم مبدأ حرية المبادرة‬
‫‪ la liberté d'entreprendre‬عقب الثورة الفرنسية التي نادت باحترام حقوق اإلنسان‬
‫و المواطن سنة ‪ ،9871‬و التي من بينها حرية التجارة و الصناعة‪ ،‬و هو المبدأ الذي كرسه‬
‫المشرع الفرنسي آنذاك بموجب تشريع ‪ 98-9‬مارس ‪ 9819‬المعروف باسم مرسوم أالرد‬
‫‪ décret d'Allarde‬حيث جاء مرسوم "أالرد" لتحقيق هدف ضريبي قبل كل شيء‬
‫و يفرض دفع ضريبة جديدة على التجار و أصحاب الحرف سميت بضريبة ‪la patente‬‬

‫مقابل حرية إنشاء مؤسسات تجارية‪.‬‬

‫ثم صدر قانون ‪ 98-98‬جوان ‪ 9819‬المعروف بـ لو شابولي ‪le Chapelier‬‬

‫فهو النص الذي اعتمد عليه لصياغة مبادئ حرية التجارة و الصناعة‪ ،‬فظهر مبدأ حرية‬
‫التجارة و الصناعة في فرنسا‪ ،‬كرد فعل ضد النظام السائد في القرون الوسطى و الذي يقوم‬
‫يكونون‬
‫على االمتيازات و االحتكارات من قبل مجموعة أشخاص‪ ،‬يمارسون نفس النشاط و ّ‬
‫‪ ،des corporations‬و التي تحول دون قدرة األفراد في ممارسة نشاطهم التجاري‬
‫و الصناعي بكل حرية‪.‬‬
‫اختلف الفقه و القضاء حول الطبيعة القانونية لمبدأ حرية التجارة و الصناعة‪ ،‬و يمكن‬
‫تحديدها بالنظر إلى ق اررات مجلس الدولة الفرنسي‪ ،‬فقد كان مجلس الدولة ينظر أحيانا‬
‫إلى مبدأ حرية التجارة و الصناعة على أنها تنتمي إلى المبادئ العامة للقانون‪ ،‬و أحيانا‬
‫أخرى اعتبر حرية التجارة و الصناعة ‪ Liberté publique‬أي من الحريات العامة‪.‬‬

‫لكن حاليا‪ ،‬لم يعد هناك جدل حول الطبيعة القانونية لمبدأ حرية التجارة و الصناعة‬
‫ما دام أن المجلس الدستوري الفرنسي قد أصدر ق ار ار أكد فيه بصفة رسمية على الطابع‬
‫الدستوري لحرية المبادرة الخاصة‪.‬‬

‫أما في الجزائر فيمكن تقسيم المنظومة االقتصادية الوطنية إلى مرحلتين‪ :‬مرحلة‬
‫االقتصاد الموجه أين اعتمد فيها على النهج االشتراكي‪ ،‬ثم مرحلة االنفتاح على االقتصاد‬
‫العالمي مع تبني آليات لضبط السوق‪.‬‬

‫فبالنسبة للمرحلة األولى و التي بدأت منذ االستقالل إلى غاية سنة ‪ ،9177‬و التي‬
‫تميزت باحتكار الدولة لكافة األنشطة االقتصادية‪ ،‬متخذة من النهج االشتراكي أسلوبا لتنظيم‬
‫المجال االقتصادي‪ ،‬معتمدة في ذلك على التخطيط المركزي من أجل تحقيق أهداف الدولة‬
‫االقتصادية و االجتماعية‪ ،‬تم اسبعاد القطاع الخاص من ممارسة األنشطة االقتصادية عن‬
‫طريق منع المبادرات الفردية إال في نطاق ظيق و محدود‪ ،‬و هذا ما أكد عليه دستور سنة‬
‫‪.9181‬‬

‫أما عن المرحلة الثانية‪ ،‬فبدأت معالمها بالظهور بعد األزمة االقتصادية سنة ‪9171‬‬
‫بسبب انخفاض أسعار البترول و نقص مداخيل الدولة من العملة الصعبة و تراكم المديونية‬
‫الخارجية‪ ،‬فبعد فشل النهج االشتراكي جاءت االصالحات االقتصادية لسنة ‪ 9177‬لتمنح‬
‫المؤسسات العمومية االقتصادية االستقاللية و تخضعها لقواعد القانون الخاص بموجب‬
‫قانون رقم ‪ 29-77‬يتضمن القانون التوجيهي للمؤسسات العمومية االقتصادية‪ ،‬فتراجع تدخل‬
‫الدولة و بدأت باالنسحاب تدريجيا من الحقل االقتصادي لتعطي حرية أكثر للمبادرات‬
‫الخاصة و تفتح مجال االستثمار للقطاع الخاص‪ ،‬حيث يظهر ذلك من خالل مجموعة من‬
‫النصوص القانونية المجسدة لالنفتاح االقتصادي و التوجه نحو اقتصاد السوق‪ ،‬أهمها قانون‬
‫رقم ‪ 99-71‬المتعلق باألسعار‪ ،‬قانون رقم ‪ 92-12‬المتعلق بالنقد و القرض‪ ،‬المرسوم‬
‫التشريعي رقم ‪ 21-15‬المتعلق بالمنافسة‪ ،‬األمر رقم ‪ 99 -15‬المتعلق بخوصصة‬
‫المؤسسات العمومية‪.‬‬
‫إلى أن صدر دستور ‪ 9111‬في مادته ‪ ،98‬أين نصت صراحة على ضمان حرية‬
‫التجارة و الصناعة‪ ،‬و مع التعديل الدستوري لسنة ‪ ،6102‬حلت المادة ‪ 34‬محل المادة ‪43‬‬
‫من دستور ‪ 0992‬التي حولت الصياغة إلى مبدأ حرية االستثمار و التجارة و التي تم‬
‫االحتفاظ بها في دستور ‪ 9292‬في المادة ‪ 19‬مع إضافة حرية المقاولة ( حرية االستثمار‬
‫و التجارة و المقاولة مضمونة )‪.‬‬

‫و مما ينبغي اإلشارة إليه أن مبدأ حرية االستثمار و التجارة ينبثق عنه ثالث مبادئ‬
‫أخرى أساسية ال يمكن اإلستغناء عنها‪ ،‬إذ يتعذر تطبيق حرية االستثمار و التجارة دون هذه‬
‫المبادئ و العكس صحيح‪ ،‬فهي مبادئ متكاملة‪.‬‬

‫‪ -‬حرية المقاولة‪ :‬و هي حرية األفراد و المؤسسات في الدخول إلى السوق‪ ،‬أين تم‬
‫إدراج حرية المقاولة في دستور ‪.9292‬‬

‫‪ -‬حرية التعاقد‪ :‬و يعتبر هذا المبدأ من المبادئ الهامة فال يتصور تحقيق حرية‬
‫المبادرات الفردية دون خضوعها لمبدأ سلطان اإلرادة‪.‬‬
‫‪ -‬حرية المنافسة‪ :‬فمن حق المتعاملين االقتصاديين ممارسة األنشطة االقتصادية دون‬
‫قيود أو ممارسات تعسفية من قبل المتعامل المنافس‪ ،‬في إطار احترام قواعد‬
‫المنافسة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬القيود الواردة على مبدأ حرية االستثمار و التجارة‬

‫‪ -1‬المصلحة العامة‪ :‬لقد جاء تكريس حرية االستثمار و التجارة للحفاظ على حرية‬
‫األفراد في ممارسة األنشطة االقتصادية و ال يجب اعتبار هذا المبدأ مانعا لتدخل‬
‫الدولة‪ ،‬حيث يمكن للدولة أن تتدخل تحقيقا للمصلحة العامة‪ ،‬و أيد هذا الطرح‬
‫مجلس الدولة الفرنسي‪.‬‬
‫‪ -2‬النشاطات المقننة‪ :‬تنص المادة ‪ 11‬من دستور‪" : 9292‬حرية اإلستثمار و التجارة‬
‫و المقاولة مضمونة معترف بها‪ ،‬و تمارس في إطار القانون"‪ ،‬إذ تملك السلطة‬
‫التشريعية و التنظيمية السلطة التقديرية في تنظيم األنشطة االقتصادية‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬مبدأ حماية حق الملكية‬


‫إن المقصود بحق الملكية بمفهومها الواسع هو حق اإلستعمال و االستغالل و‬
‫التصرف في ملكية الشيء وفقا للقانون المدني الجزائري‪ ،‬غير أن حق الملكية في القانون‬
‫العام االقتصادي هي الملكية ذات الطابع االقتصادي‪.‬‬

‫أوال‪ :‬نشأة و مضمون حق الملكية‬

‫إن االعتراف بحق الملكية مسألة قديمة نص عليه القانون الروماني و أقرته الشريعة‬
‫االسالمية و هو مبدأ مكرس دستوريا في الجزائر يتيح للفرد حرية اقتناء األموال و حرية‬
‫التصرف فيها‪ ،‬بدءا بدستور ‪ 9181‬الذي أشار أن" الملكية الفردية ذات االستعمال‬
‫الشخصي أو العائلي مضمونة"‪ ،‬غير أن هذا الدستور جعل من الملكية الخاصة ذات الطابع‬
‫االقتصادي مقيدة و مشروطة‪ ،‬و ذلك تماشيا مع وظيفة الدولة المتدخلة و الفكر االشتراكي‬
‫الذي كان سائدا في تلك الفترة‪.‬‬

‫إلى أن صدر دستور ‪ 9171‬الذي جاء معب ار عن توجه الدولة نحو اقتصاد السوق‬
‫كرس الحماية الالزمة لحق الملكية في المادة ‪ 81‬منه " الملكية الفردية مضمونة " و هو‬
‫األمر الذي أكده كل من دستور ‪ 9111‬في المادة ‪ 59‬و التعديل الدستوري لسنة ‪9291‬‬
‫في المادة ‪ 18‬منه و المادة ‪ 12‬من دستور ‪ ( 9292‬الملكية الخاصة مضمونة )‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬القيود الواردة على حق الملكية‪ :‬تتمثل في المصلحة العامة و نزع الملكية‪.‬‬

‫المصلحة العامة‪ :‬صدر عن المجلس الدستوري الفرنسي قرار مفاده أن‬ ‫‪-9‬‬
‫الملكية مقيدة وفق متطلبات المصلحة العامة‪.‬‬

‫الملكية إالّ في إطار القانون و يترتّب عليه تعويض‬


‫ّ‬ ‫يتم نزع‬
‫‪ -9‬نزع الملكية‪ " :‬ال ّ‬
‫عادل و منصف"‪ ،‬كما أن حق الملكية يمتد أيضا ألشخاص القانون العام‪ ،‬و عليه نميز بين‬
‫األمالك الوطنية العمومية و األمالك الوطنية الخاصة‪ ،‬فطبقا للقانون رقم ‪ 92-12‬المتعلق‬
‫باألمالك الوطنية‪ ،‬تخضع األمالك الوطنية العامة لقواعد القانون العام فهي غير قابلة‬
‫للحجز أو ا لتنازل أو التصرف أو التقادم‪ ،‬أما بالنسبة ألمالك الوطنية الخاصة فتخضع‬
‫لقواعد القانون الخاص و عليه فهي قابلة للحجز أو التنازل أو التصرف أو التقادم‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬المبادئ العامة للقانون العام االقتصادي‬
‫و هي المبادئ التي ال يختص بها القانون العام االقتصادي فقط بل يشترك فيها جميع‬
‫فروع القانون العام‪ ،‬نذكر منها على الخصوص مبدأ المساواة‪ ،‬مبدأ عدم رجعية النصوص‬
‫القانونية‪ ،‬مبدأ األمن القانوني و مبدأ التخصص‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬مبدأ المساواة‬


‫إن المفهوم التقليدي المطبق على المساواة في القانون العام يشمل المساواة أمام القانون‬
‫المساواة في العمل و الوظائف العمومية‪ ،‬المساواة بين المواطنين في الحقوق و الواجبات‪ ،‬و‬
‫التي أكد عليها الدستور الجزائري‪ ،‬خاصة ما جاء في المواد ‪.18 98 ،95‬‬

‫أما المساواة في مفهوم القانون العام االقتصادي فإنها تختلف‪ ،‬ألنها تطبق في المجال‬
‫االقتصادي أو ما تعرف بالمساواة االقتصادية‪.‬‬

‫أوال‪ :‬مفهوم المساواة االقتصادية‬


‫يقصد بالمساواة بمفهومها االقتصادي‪ ":‬عدم التمييز بين المتعاملين االقتصاديين‪ ،‬سواء كانوا‬
‫أشخاص طبيعية أو معنوية وطنيين أو أجانب‪ ،‬عموميون أو خواص"‪.‬‬
‫و يشترط تماثل الظروف لتطبيق المساواة و عدم التمييز في المجال االقتصادي‪ ،‬أي أن‬
‫يكون المتعاملين االقتصاديين في ظروف مماثلة أو على األقل مشابهة‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬القيود الواردة على مبدأ المساواة‬


‫كما سبق بيانه أعاله فإن جل المبادئ ليست مطلقة و إنما مقيدة و فق مقتضيات معينة‬
‫تتعلق هنا بالمصلحة العامة و اختالف الظروف‪ ،‬و أخي ار المنافسة غير التامة‪.‬‬
‫‪ -1‬المصلحة العامة‪ :‬حيث أنه و في حالة تعارض المصلحة العامة مع مبدأ المساواة‬
‫فإن المصلحة العامة تسمو على مبدأ المساواة‪.‬‬
‫‪ -2‬اختالف الظروف‪ :‬أما بالنسبة لالختالف الظروف عمال بشرط تماثل الظروف‪ ،‬فيمكن‬
‫الخروج عن مبدأ المساواة و التمييز بين المتعاملين االقتصاديين عن طريق معاملة‬
‫تفضيلية لصالح مؤسسة معينة دون أخرى اذا كانتا في وضعيات و ظروف مختلفة‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬مبدأ عدم رجعية النصوص القانونية‬


‫يقصد بعدم رجعية القوانين عدم سريان أحكامه على الماضي‪ ،‬إذ تنص المادة ‪ 29‬من‬
‫القانون المدني على عدم سريان القانون إال على األحداث الالحقة لتاريخ صدوره‬
‫مع إمكانية الخروج عن هذا المبدأ إذا نص القانون صراحة على ذلك و ينطبق هذا المبدأ‬
‫على جميع القوانين ( ما عدا المسائل الجزائية) بما فيها القانون العام االقتصادي‪.‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬مبدأ األمن القانوني‬


‫يرتبط مبدأ األمن القانوني بمبدأ عدم رجعية القوانين و يعتبر صورة حديثة له‪ ،‬بحيث‬
‫يضمن ثبات المراكز القانونية‪ ،‬و هو مبدأ من مبادئ دولة القانون يهدف لضمان حقوق‬
‫و حريات األفراد و الجماعات‪.‬‬

‫الفرع الرابع‪ :‬مبدأ التخصص‬


‫و يقصد به أن كل مؤسسة عمومية يناط بها القيام بأعمال محددة في نص إنشائها‬
‫و هي ملزمة بأن ال تحيد عنها و تمارس نشاط غير النشاط المذكور في نص إنشائها‪ ،‬يمكن‬
‫أن يكون التخصص وظيفي أو إقليمي‪.‬‬

‫و يطبق مبدأ التخصص بصفة جامدة في المؤسسات العمومية ذات الطابع اإلداري‬
‫‪ EPA‬و المؤسسات العمومية ذات الطابع الصناعي و التجاري ‪ ،EPIC‬بينما يطبق بمرونة‬
‫على المؤسسات العمومية االقتصادية ‪.EPE‬‬
‫المحور الخامس‪ :‬التدخل العمومي في المجال االقتصادي‬
‫بعد أن تطرقنا إلى دراسة مدخل للقانون العام االقتصادي( المفهوم‪ ،‬المصادر‪ ،‬المبادئ‬
‫)‪ ،‬نتطرق اآلن لطرق التدخل العمومي في المجال االقتصادي‪ ،‬و يعتبر الضبط من بين أهم‬
‫اآلليات التي تكرسها الدولة لتأطير النشاطات االقتصادية من خالل وظيفة الدولة الضابطة‬
‫حيث تنازلت عن هذه الوظيفة لصالح سلطات الضبط االقتصادي التي أنشئت لهذا الغرض‪.‬‬

‫المطلب األول مفهوم ضبط السوق‬

‫عرف المشرع الضبط في قانون المنافسة األمر رقم ‪ 29-29‬المعدل بالقانون رقم‬
‫‪ 12-08‬أين تم تعريف الضبط في المادة ‪ 00‬الفقرة األخيرة بأنه‪ ":‬كل إجراء أيا كانت‬
‫طبيعته صادر عن أية هيئة عمومية يهدف بالخصوص إلى تدعيم و ضمان توازن قوى‬
‫المنافسة‪ ،‬و حرية المنافسة و رفع القيود التي بإمكانها عرقلة الدخول إليها و سيرها‬
‫المرن‪ ،‬و كذا السماح بالتوزيع االقتصادي األمثل لموارد السوق بين مختلف أعوانها‬
‫و ذلك طبقا ألحكام هذا األمر‪" .‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬أنواع الضبط االقتصادي‬


‫ينقسم ضبط النشاطات االقتصادية إلى ضبط أفقي و ضبط عمودي و مالي فبالنسبة‬
‫للضبط األفقي هو ذلك الضبط الذي يشمل جميع النشاطات االقتصادية دون تمييز‬
‫أما الضبط العمودي أو القطاعي فهو ذلك الضبط الذي يقتصر على نشاط معين المنظم‬
‫في شكل شبكة‪ ،‬و الضبط المالي أو الوظيفي يقتصر على ضبط الفـ ـضاء المالي من أسـ ـواق‬
‫مالية‪ ،‬و عليه في هذا النوع من الضبط كل نشاط تؤطره سلطة ضبط خاصة بذلك النشاط‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬الضبط األفقي‬
‫يعتبر مجلس المنافسة سلطة ضبط أفقية‪ ،‬يتكفل هذا األخير بضبط السوق و منع‬
‫الممارسات المقيدة و الضارة بالمنافسة‪ ،‬كما يساهم في ضمان المنافسة الفعالة بين األعوان‬
‫االقتصاديين‪.‬‬
‫إن الفضل في إنشاء مجلس المنافسة في الجزائر يعود الى األمر رقم ‪21-15‬‬
‫لكنه تعرض للعديد من االنتقادات القانونية‪ ،‬خاصة قصوره في التعريف بالجهاز و تقليد‬
‫للمشرع الفرنسي الذي ترك تكييف الجهاز الى الفقه و من جهة فإن الجهاز في ظل هذا‬
‫األمر يعاني كذلك من قصور من ناحية الصالحيات المخولة له‪.‬‬
‫غير أنه تم إلغاء األمر ‪ 21-15‬بموجب األمر رقم ‪ 29-29‬المعدل و المتمم بالقانون‬
‫رقم ‪ 99-27‬و القانون رقم ‪ 25-92‬المتعلقين بالمنافسة‪ ،‬فإن األمر ‪ 29-29‬المتعلق‬
‫بالمنافسة جعل من مجلس المنافسة سلطة إدارية تنشأ لدى رئيس الحكومة تتمتع بالشخصية‬
‫القانونية و االستقالل المالي و ذلك حسب المادة ‪ 99‬من األمر ‪ ،29-29‬لكن بعد تعديل‬
‫هذه المادة و ذلك في إطار القانون رقم ‪ 99-27‬في المادة ‪ 21‬منه‪ ،‬فقد وضع مجلس‬
‫المنافسة تحت سلطة الوزير المكلف بالتجارة‪ ،‬و حددت المادة كذلك مقر المجلس في مدينة‬
‫الجزائر‪.‬‬
‫أما فيما يخص عدد أعضاء مجلس المنافسة فقد حددته المادة ‪ 98‬من األمر رقم ‪29-29‬‬
‫على أنه " يتكون مجلس المنافسة من تسعة أعضاء يتبعون الفئات التالية‪:‬‬

‫‪-9‬عضوان يعمالن أو عمال في مجلس الدولة أو في المحكمة العليا أو في مجلس‬


‫المحاسبة بصفة قاضي أو مستشار‪.‬‬

‫‪ -9‬سبعة (‪ )8‬أعضاء يختارون من ضمن الشخصيات المعروفة بكفاءتها القانونية‬


‫أو االقتصادية أو في مجال المنافسة أو التوزيع و االستهالك من ضمنهم عضو يختار بناء‬
‫على اقتراح الوزير المكلف بالداخلية ويمارس أعضاء المجلس وظائفهم بصفة دائمة‪.‬‬
‫لكن بعد التعديل الذي مس األمر ‪ 29-29‬و بعد أن ارتأى المشرع ضرورة إضفاء‬
‫التوازن و نوع من االستقاللية على أعضاء مجلس المنافسة بموجب القانون ‪ ،99-27‬أصبح‬
‫عددهم ‪ 99‬عضوا عوض ‪ 21‬كما جاء في األمر ‪ ،29-29‬أين تم تقيسيم هؤالء األعضاء‬
‫إلى ثالثة فئات‪:‬‬
‫‪ -‬تشمل الفئة األولى ‪ 21‬أعضاء من بين الخبراء الحائزين على شهادة جامعية على أن‬
‫ال تقل خبرتهم عن ثماني سنوات‪.‬‬
‫‪ -‬أما الفئة الثانية فتتشكل من ‪ 28‬أعضاء من بين المهنيين المؤهلين و الحائزين‬
‫على شهادة جامعية على أن ال تقل خبرتهم عن خمس سنوات‪.‬‬
‫‪ -‬عضوان مؤهالن يمثال جمعيات حماية المستهلك‪.‬‬

‫حيث تم إلغاء أصحاب الصفة القضائية‪ ،‬فقصد المشرع هنا ترسيخ الصفة اإلدارية‬
‫للمجلس على حساب الصفة القضائية‪.‬‬

‫و في إطار األمر ‪ 29-29‬قام المشرع بإضافة جملة معتبرة من الصالحيات و إسنادها‬


‫إلى مجلس المنافسة‪ ،‬تتمثل على الخصوص في سلطة اتخاذ القرار و ضبط و تنظيم‬
‫المنافسة‪ ،‬استشارته و إعالمه إلبداء رأيه في كل نص تشريعي و تنظيمي له صلة بالمنافسة‬
‫إضافة إلى سلطة فرض العقوبات على المتعاملين االقتصاديين في حالة مخالفة أحكام‬
‫و قواعد قانون المنافسة‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬الضبط العمودي ( القطاعي ) و المالي‬

‫لقد أخذ المشرع الجزائري بنوعين من سلطات الضبط‪ ،‬و هما السلطات التجارية المستقلة‬
‫و السلطات اإلدارية المستقلة‪ ،‬ففيما يخص السلطات التجارية المستقلة فقد جاء بها المشرع‬
‫الجزائري سنة ‪ ،9225‬و ذلك بصدور القانون رقم ‪ 28- 25‬المتعلق بالمحروقات (الملغى‬
‫بموجب القانون رقم ‪ ،)99-91‬حيث نصت المادة ‪ 99‬منه على أنه " إنشاء وكالتان‬
‫وطنيتان مستقلتان تتمتعان بالشخصية القانونية و االستقاللية المالية تدعيان وكالتي‬
‫المحروقات‪:‬‬

‫‪ -‬وكالة وطنية لمراقبة النشاطات وضبطها في مجال المحروقات‪ ،‬و تدعى في صلب‬
‫النص "سلطة ضبط المحروقات"‪.‬‬

‫‪ -‬وكالة وطنية لتثمين موارد المحروقات‪ ،‬وتدعى في صلب النص النفط"‪ ،‬هاتان‬
‫الوكالتان " وكالة النفط و وكالة ضبط المحروقات" تعد سلطات تجارية‪ ،‬ألنهما حسب المادة‬
‫‪ 99‬من نفس القانون أعاله تخضع في عالقاتهما مع الغير للقواعد التجارية و تمسك‬
‫محاسبتها حسب الشكل التجاري و لهما ذمة مالية خاصة‪.‬‬

‫و في المجال المنجمي‪ ،‬فقد تم إنشاء الوكالتان المنجميتان بموجب القانون رقم‪92-29‬‬


‫الملغى بموجب القانون رقم ‪.25-98‬‬

‫أما السلطات اإلدارية المستقلة‪ ،‬فلم تظهر في القانون الجزائري‪ ،‬إال مع بداية سنوات‬
‫التسعينيات‪ ،‬بحيث اعتمد المشرع الجزائري في ذلك على النموذج الفرنسي‪ ،‬وقد ظهرت هذه‬
‫السلطات ألول مرة في الجزائر‪ ،‬بإنشاء المجلس األعلى لإلعالم بموجب قانون رقم‬
‫‪ ،07-90‬إذ نصت المادة ‪ 51‬من هذا القانون على أنه ‪ ":‬يحدث مجلس أعلى لإلعالم‬
‫و هو سلطة إدارية مستقلة و تتمتع بالشخصية المعنوية و االستقالل المالي‪".‬‬
‫و يعتبر المجلس سلطة إدارية مستقلة ضابطة‪ ،‬و بهذه الصفة يتولى مهام كيفية تطبيق‬
‫حقوق التعبير عن مختلف اآلراء‪ ،‬كما أنه يضمن استقالل القطاع العمومي للبث اإلذاعي‬
‫و الصوتي و التلفزي‪ ،‬و رغم الصالحيات التي منحت لهذا المجلس بموجب المادة ‪51‬‬
‫من قانون ‪ ، 28- 12‬إال أنه لم يصمد طويال في مواجهة المشاكل التي كان اإلعالم يعيشها‬
‫في الجزائر‪ ،‬مما ترتب عنه نقل اإلختصاصات و النشاطات التابعة للمجلس إلى أجهزة‬
‫مالئمة و حل المجلس في سنة ‪ ،9119‬بموجب المرسوم الرئاسي رقم ‪.959–19‬‬
‫و في سنة ‪ 9112‬صدر القانون المتعلق بالنقد و القرض رقم ‪ ( 92 -12‬الملغى‬
‫باألمر‪ ،) 99-29‬الذي بموجبه تم استحداث كل من مجلس النقد و القرض‪ ،‬و اللجنة‬
‫المصرفية المكلفان بضبط المجال المصرفي‪.‬‬

‫أما في سنة ‪ ،9119‬أنشئت لجنة تنظيم عمليات البورصة و مراقبتها بموجب المرسوم‬
‫التشريعي رقم ‪ 92-19‬المعدل و المتمم‪ ،‬و بعدها أنشأ المشرع الجزائري مجلس المنافسة‬
‫سنة ‪ ،9115‬الذي يعمل على ترقية المنافسة و حمايتها من مختلف الممارسات المنافية‬
‫للمنافسة الحرة و النزيهة‪ ،‬و في سنة ‪ 9222‬أنشئت سلﻁة ضبﻁ البريﺩ ﻭ ﺍلموﺍصالﺕ‬
‫ﺍلسلكية ﻭ ﺍلالسلكية بموجب القانون رقم ‪ 29 -9222‬الذي ألغي بالقانون رقم ‪28-97‬‬
‫جدد إنشاء سلطة‬
‫الذي يحدد القواعد العامة المتعلقة بالبريد و االتصاالت اإللكترونية الذي ّ‬
‫ضبط سوقي البريد و االتصاالت االلكترونية في المادة ‪ 99‬منه‪.‬‬

‫كما أوجد المشرع لجنة ضبط الكهرباء و الغاز المتعلقة بالطاقة الكهربائية و توزيع‬
‫الغاز بواسطة القنوات بموجب القانون رقم ‪ ،29-29‬بعد ذلك أنشأ المشرع بموجب قانون رقم‬
‫‪ 99-29‬المتضمن قانون المالية لسنة ‪ 9229‬سلطة ضبط النقل‪.‬‬

‫و في سنة ‪ 9221‬استحدث المشرع هيئة إدارية أخرى هي الهيئة الوطنية للوقاية‬


‫من الفساد و مكافحته لمواجهة ظاهرة الفساد التي ما فتئت تتفشى في البالد بموجب القانون‬
‫رقم ‪.29-21‬‬

‫أما عن قطاع التأمينات ففي السنة نفسها‪ ،‬تم إنشاء لجنة خاصة تتولى اإلشراف‬
‫على التأمينات بموجب القانون رقم ‪ 28-21‬المعدل لألمر رقم ‪ ،28-15‬حيث نص‬
‫في المادة ‪ 91‬على اعتماد لجنة اإلشراف على التأمينات تتولى مهام ضبط سوق التأمينات‪.‬‬

‫و في سنة ‪ 9227‬تم إنشاء الوكالة الوطنية للمواد الصيدالنية المستعملة في الطب‬


‫البشري بموجب القانون رقم ‪ ،99-27‬و استحدث مؤخ ار سلطتي ضبط قطاع اإلعالم‬
‫بموجب القانون العضوي المتعلق باإلعالم رقم ‪ ،25- 99‬و هما سلطة ضبط الصحافة‬
‫المكتوبة و سلطة ضبط السمعي البصري‪.‬‬

‫دون أن ننسى تنظيم الصفقات العمومية نظ ار للدور المهم الذي تحتله هذه األخيرة‬
‫في مجال تدخل الدولة لضبط النشاطات االقتصادية‪ ،‬و علية تم إنشاء سلطة ضبط‬
‫الصفقات العمومية و تفويض المرفق العام بموجب المرسوم الرئاسي رقم ‪.988-95‬‬

‫تتمتع هذه السلطات بمجموعة من الصالحيات‪ ،‬صالحيات إدارية لضبط و مراقبة‬


‫النشاط التابع للسلطة صاحبة اإلختصاص حسب القطاع المعني بالضبط‪ ،‬صالحيات‬
‫استشارية حيث تستشار السلطات في المسائل المتعلقة بالقطاع المعني بالضبط التابع لها‬
‫صالحيات قمعية إذ تملك سلطة فرض العقوبات على المتعاملين االقتصاديين في حالة‬
‫مخالفة األحكام و القواعد المتعلقة بممارسة النشاط االقتصادي‪.‬‬

You might also like