Professional Documents
Culture Documents
وإ ذا كانت مثل هذه األقوال ال تلقى اهتماما فى الماضي؛ فإنها اليوم
أص بحت حق ائق ملموس ة ،بع دما ب ات جليا ق درة السياسة على ص ياغة
2
الجغرافيا وص ناعة الت اريخ .ذلك أن مص ير الحض ارة اإلنس انية فى عالمنا
المعاص ر ،وهل يك ون إلى دم ار وفن اء ،أم إلى إعم ار وإ نم اء ،إنما تح دده
السياسة وتقرره توجهاتها ،سواء بشكل سافر أو مستتر .لكل ذلك ،أصبحت
السياسة أرضا مشاعا أو ملكية عامة ،ال يقتصر فيها الحديث على الدارسين
والمتخصص ين فحس ب؛ وإ نما أص بح كل ي دلي فيها ب دلوه ،فلم تعد تص در
الي وم ص حيفة ،وال ي ذاع بث ،وال يقف خطيب ،وال ي أتلف جم ع ،دون أن
يكون للسياسة نصيب فيما يتطرقون إليه من موضوعات.
غير أن السياسة ،وهي تسعى اليوم بخطى حثيثة نحو العلمية ،لم تعد
تلجأ – كما ك ان ق ديما – إلى الح دس والتخمين ،بل أص بحت ت درس قض ايا
وتس تقرئ ق وانين ،فضال عن كونها – فى األس اس – فنا س لوكيا ،يحكم
اإلنس ان فيها ت وازن وانس جام ،وت ذوق وإ له ام ،وعبقرية تل زم الح اكم أو
صاحب السلطة فى المجتمع أن يكون ذا فكر نقدي تكاملي خالق ،وأن يكون
ق ادرا على اس تيعاب قواعد اللعبة وفن ون ممارس تها ،كما تس تلزم من األف راد
تفهمهم الموض وعي لم دارات السياسة ومجاالتها الحيوي ة ،بعد أن أص بحت
علما مس تقال ،يقف على أرض يته الخاص ة ،وله ذاتيته المس تقلة ،ومناهجه
المحددة.
وضع ح دود فاص لة ونهائية بينه ا؛ ف إن السياسة تحتل فيها موضع الوسط
الثابت ،وحتى إذا أمكن – تجاوزا – فض االشتباك بين هذه المعارف ،وهو
أمر ال يسع الم رء إال أن يرت اب فى إمكانيت ه؛ ف إن السياسة س تكون هي
االس تثناء الوحيد من ه ذا اإلج راء التعس في؛ ألن طبيعتها العنكوبتية س تقف
ح ائال دون الب تر الكامل لها من ه ذا النس يج المع رفي ،نظريا وعمليا على
السواء .لذلك ،فإنه من الضرورة بمكان منهجة السياسة.
اهتم ام ،ينف رد بها دون س ائر العل وم ،و تجعل له ذاتية خاصة فى مواجهة
غيره من هذه العلوم.
ثالث ا -كشف عالق ات السياسة بغيرها من العل وم؛ الرتباطها بكث ير
من هذه العل وم (خصوصا االجتماعية منه ا) ارتباطا وثيق ا ،س واء فيما يتعلق
باالهتمام ات ،أو األه داف العام ة ،أو فيما يتعلق بالمن اهج المس تخدمة.
فالسياسة على المستوى النظري ،وإ ن بدت كميدان مستقل فى الدراس ة ،فإنها
ال يمكن عزلها عن حزمة العل وم االجتماعية األخ رى .ونفس األمر ينطبق
على المس توى العملي ،فهي وإ ن ظه رت كحقل نش اط خ اص فى المجتم ع؛
فإن العوامل التي تحدد هذا النشاط ال تصدر دوما عن دوافع سياسية.
رابع ا -حصر من اهج المعرفة السياس ية ،وتأكيد أص التها ،وم دى
ص الحياتها البحثي ة ،فنظ را لتش عب مج االت السياسة واتس اع آفاقه ا؛ فإنها
تعتبر من أكثر العلوم االجتماعية إسرافا فى استخدام المناهج.
وفلسفتها – إال أشتاتا متناثرة (إن وجدت أصال) ومغرقة فى التبسيط إلى حد
مخج ل ،فال تتع دى فى أية دراسة بض عة ص فحات ،مهما ك ان حجم المؤلف
الذي يحتويها ،وأيما كان الموضوع الذي جاءت فى سياقه.
السياس ية؛ بغ رض إعط اء دارس السياسة تص ورا كليا ومنظما لموض وعاتها
بصفة عامة ،يمثل له مرشدا منهجيا ،يفهم السياسة على هدي من توجيهه.
وأخ يرا ،فه ذا هو جهد المق ل ،وبما أنه عمل إنس اني فالبد أن ينتابه
القص ور ،فما به من نقص فأنا ص احبه ،وما به من خطأ فأنا مس ببه .أما إذا
أص اب ه ذا العمل ش يئا من الحقيقة (ولعل ه) فال أك ثر من أنه توفيق من اهلل
(س بحانه وتع الى) ال ذي أتوجه إليه بال دعاء أن يعلمنا ما ينفعن ا ،وينفعنا بما
علمن ا ،وأرتفع إليه بالرج اء أن أك ون قد اس تفدت وأف دت ،وفهمت ف أفهمت،
ووفقت فى أداء ما استطعت ،وما إال وجه اهلل والعلم قصدت.