You are on page 1of 6

‫مقدمة‬

‫الت عرفت تطورا مرحليا هاما‪ ،‬وأصبح ى‬


‫يلق‬ ‫ى‬
‫موضوع السياسات االجتماعية من المواضيع ي‬
‫اهتماما واسعا من قبل العديد من فقهاء وعلماء السياسة‪ ،‬فبالرغم من ضعف االهتمام‬
‫ن‬
‫الباحثي المغاربة خالل العقود الماضية؛ إال أننا بدأنا‬ ‫بدراسة السياسات االجتماعية من قبل‬
‫ر‬
‫والعشين حدوث تطور مهم تجلت‬ ‫نلمس خالل منتصف العقد األخي من القرن الواحد‬
‫تنام الدراسات واألبحاث‪ ،‬كما أصبحت السياسات االجتماعية مجاال للمعرفة‬
‫أهم مظاهره ي‬
‫األكاديمية بشكل عام؛ بحيث أنها أخدت مكانها ضمن المجاالت المعرفية األخرى‪ ،‬بما أنها‬
‫أصبحت مادة أكاديمية تدرس عىل مستوى كليات العلوم القانونية وبعض المعاهد الخاصة‬
‫ى‬
‫الت تجعل من السياسات‬ ‫بالدراسات السياسية واالقتصادية‪ .‬كما أن ي‬
‫تنام عدد مراكز البحث ي‬
‫ن‬
‫المعرف إىل أن يأخذ مكانه ضمن دائرة‬ ‫االجتماعية موضوعا تخصصيا لها‪ ،‬أدى بهذا الحقل‬
‫ي‬
‫وف هذا‬ ‫ن‬ ‫نقاش األفكار السائدة ن يف المجتمع وأن يساعد عىل فهم الفعل‬
‫العموم بشكل أعمق ي‬
‫ي‬
‫ن‬
‫الباحثي ومراكز البحث والدراسات بدراسة السياسات االجتماعية‬ ‫اإلطار سىع العديد من‬
‫من جميع أبعادها‪ ،‬ناهيك عن مراحل صنعها انطالقا من اشكاليتها وصوال إىل عملية التقييم‬
‫باف المراحل وذلك للدور الذي تلعبه ن يف‬
‫ى‬
‫وه أهم مرحلة ضمن تلك العمليات دون اهمال ي‬ ‫ي‬
‫صنع سياساتها‪.‬‬

‫لتنام االهتمام بتحليل السياسات العمومية بالمغرب بشكل عام‬


‫ي‬ ‫إن ما أعىط دفعة قوية‬
‫ن‬
‫األكاديميي أو من قبل مراكز‬ ‫ن‬
‫الباحثي‬ ‫والسياسات االجتماعية بشكل خاص‪ ،‬سواء من قبل‬
‫اجتماع أفرز‬
‫ي‬ ‫المجتمىع والظرفية السياسية اإلقليمية من حراك‬
‫ي‬ ‫البحث هو ما عرفه الواقع‬
‫اط‬ ‫ن‬
‫المغرب االختيار الديمقر ي‬ ‫لتبت‬
‫دستورا جديدا لسنة ‪ ،2011‬والذي جاء كإعالن جديد ي‬
‫ر‬
‫تتماس وطبيعة‬ ‫بالمغرب‪،‬‬ ‫واالجتماع‬ ‫السياس‬ ‫آتيا برؤية إصالحية جديدة للواقع‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫الت أصبحت مطروحة عىل الدولة ن يف الظرفية التاريخية‬ ‫ى‬
‫اإلكراهات المحلية واإلقليمية ي‬
‫ى ن‬ ‫ى‬ ‫ن‬
‫ه مسألة التنمية االقتصادية‬ ‫الراهنة‪ .‬ولقد كانت من بي أهم الرهانات ي‬
‫الت تم اليكي عليها ي‬
‫حي الدستور عىل أهمية تكييف السياسات العمومية من خالل إعادة النظر ن يف‬
‫واالجتماعية ن‬
‫أنماط تدبيها معززا صالحية الحكومة ر‬
‫وشعيتها من خالل انبثاقها عن نتائج صناديق‬
‫ن‬
‫وتمكي رئيسها من صالحيات تنفيذية واسعة وجعلها مسؤولة عن وضع وتنفيذ‬ ‫ى‬
‫االقياع‪،‬‬
‫السياسات العمومية‪ ،‬مركزا عىل إخضاع السياسات العمومية‬

‫وبالتاىل السياسات االجتماعية (باعتبارها فرعا من فروع السياسات العمومية) للتقييم محوال‬
‫ي‬
‫اليلمان صالحية هذا التقيم إىل جانب اختصاصاته التقليدية ر‬
‫التشي ع والمراقبة"‪ ،‬وكذا عىل‬ ‫ر‬
‫تخصيصه جلسة سنوية لمناقشة السياسات العمومية وتقييمها‪ ،‬كما عمل الدستور عىل‬
‫إعمال المقاربة التشاركية ن يف إعداد السياسات العمومية وتفعيلها وتنفيذها وتقييمها‪ .‬لقد‬
‫شكل دستور ‪ ،2011‬دستور السياسات العمومية بامتياز‪ ،‬باعتبار أن موضوع السياسات‬
‫تشيعية عديدة‪ ،‬همت‬‫المشع الدستوري‪ ،‬وخصه بمقتضيات ر‬ ‫حض باهتمام ر‬ ‫العمومية قد ن‬
‫ي‬
‫ى‬
‫الت يمكن أن تطاله بالدراسة والتتبع والتنفيذ والتقييم‪ .‬وهكذا يعكس‬
‫مختلف العمليات ي‬
‫واليامج القصدية‪،‬‬
‫الحرص عىل تطويق تدبي الشأن العام بنوع من التخطيط المتحكم فيه ر‬
‫وليس التدبي "الهاوي" أو "المز راج" تطبيقا لمبادئ الحكامة الجيدة وتفعيال للربط ن‬
‫بي‬ ‫ي‬
‫الت تعرضت لموضوع السياسات‬ ‫ى‬
‫المسؤولية والمحاسبة‪ ،‬كما عكس تعدد المقتضيات ي‬
‫الت همت األجهزة الفاعلة ن يف هذا المجال‪.‬‬
‫ى‬
‫العمومية تعدد األحكام ي‬

‫وباعتبار أن ادراج مجال السياسات االجتماعية ضمن حقل العلوم االجتماعية بشكل عام‬
‫ومجال العلوم السياسية بشكل خاص؛ يضع أية محاولة لوضع تعريف محدد لها أمام‬
‫صعوبة حقيقية‪ ،‬وذلك من منطلق أن حقل العلوم االجتماعية يتسم بصعوبة االتفاق العام‬
‫حول تعريف المصطلحات وتحديد المفاهيم؛ وهذا نتيجة لتعقيد الظاهرة االجتماعية‬
‫ن‬
‫والباحثي‬ ‫ن‬
‫الحكوميي‪،‬‬ ‫ن‬
‫الفاعلي‬ ‫ن‬
‫السياسيي أو‬ ‫وتعدد أبعادها‪ .‬كما أن التباين الحاصل ن‬
‫بي‬
‫أكي عىل مفهوم‬
‫يضق صعوبة ر‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫األكاديميي‪ ،‬حول ما يمكن اعتباره سياسات اجتماعية‪،‬‬
‫ي‬
‫السياسات االجتماعية‪ .‬وعادة ما يتم الخلط ما ن‬
‫بي السياسة االجتماعية والسياسات‬
‫تعي عن مواقف وبرامج سياسية‪ ،‬مرتبطة‬
‫االجتماعية باعتبار أن السياسة االجتماعية ر‬
‫بالمسألة االجتماعية الهادفة لتحقيق العدالة االجتماعية يتم تبنيها من قبل الحكومة أو‬
‫االجتماع أو‬ ‫الكيى ذات البعد‬
‫عي اتخاذ القرارات السياسية ر‬ ‫الدولة‪ ،‬وتتم أجرأتها ن ن‬
‫وتييلها ر‬
‫ي‬
‫أفق يهم الدولة بكاملها أو يشمل منهج‬‫ى‬ ‫ن‬
‫إصدار القواني أو صياغة نظام أو منظومة ذات بعد ي‬
‫تعي عن التوجه‬ ‫عمل الحكومة وتعاطيها مع اإلشكاالت القائمة‪ .‬فالسياسة االجتماعية ر‬
‫والمجاىل‬ ‫ن‬
‫الوطت‬ ‫والت تهم تدبي الشأن العام‬‫السياس العام للدولة نف شقه االجتماع ى‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫الينامج‬
‫لتييل ر‬‫عتي السياسات االجتماعية مجاال ن ن‬ ‫والياب نف أبعادها االجتماعية‪ ،‬نف ن‬
‫حي ت ر‬ ‫ى‬
‫ي‬ ‫ري ي‬
‫الحكوم ومحاور السياسة االجتماعية بهدف حل اإلشكاليات االجتماعية والتنموية‪.‬‬‫ي‬

‫االجتماع‬
‫ي‬ ‫العموميي ن يف المجال‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫الفاعلي‬ ‫وإذا كانت السياسات االجتماعية تحيل عىل تدخل‬
‫المتعدد المحاور التكوين‪ ،‬التشغيل‪ ،‬الحماية‪ ،‬الصحة‪ ،‬اإلدماج المرأة‪ ،‬الطفولة‪ )...‬فالحديث‬
‫الت لم تعد‬ ‫ى‬ ‫ن‬
‫عن بدايات السياسات االجتماعية بالمغرب يرتبط بالضورة بتلك اللحظة ي‬
‫خاللها شبكات التضامن التقليدية ذات المرجعية الدينية واالجتماعية والعائلية والمهنية‪...‬‬
‫أكي تعقيدا وصعوبة‪ ،‬ومن الواضح هنا أن‬ ‫قادرة عىل تدبي مجال اجتماع أصبح يبدو ر‬
‫ي‬
‫الصدمة االستعمارية شكلت اإلطار الذي انطلقت معه هذه السياسات خاصة مع البدايات‬
‫الجنينية لما يمكن تسميته أنظمة عضية للحماية االجتماعية‪ ،‬وجهت بدءا الستهداف‬
‫الساكنة األوربية باألساس ليتم توسيعها فيما بعد‪.‬‬

‫ن‬
‫يخ لتقاليد السياسات االجتماعية بالمغرب وبغياب القطائع‬
‫لنقر إذن بتواضع العمق التار ي‬
‫الكبية داخل هذا التاري خ‪ ،‬كما هو األمر مثال بالنسبة لتاري خ السياسات االجتماعية بفرنسا‬
‫حيث االنتقال من مرحلة الدولة الحامية (‪ 1841-1890‬إىل مرحلة الدولة المؤمنة (‪-1945‬‬
‫‪ 1890‬إىل مرحلة الدولة الراعية (‪ 1945 -1973‬إىل مرحلة ما بعد ‪ 1973‬حيث أزمة الدولة‬
‫واالجتماع‪ .‬فالنقاش حول تاري خ السياسات‬ ‫بي االقتصادي‬ ‫الشخ ن‬ ‫االجتماعية وأزمة ر‬
‫ي‬
‫االجتماعية بالمغرب‪ ،‬عىل عكس ما يقع ن يف الغرب‪ ،‬ال يحمل فكرة " الحقبة المرجعية"‪ ،‬كما‬
‫هو الحال بالنسبة لحقبة الدولة االجتماعية ودولة الرعاية الموجودة بقوة ن يف عمق النقاش‬
‫العموم بالغرب‪.1‬‬
‫ي‬

‫وبالتاىل فجوهر اإلشكالية لهذه الموضوع مرتبطة أساسا من جهة بتعدد مفاهيم السياسات‬
‫ي‬
‫االجتماعية‪ ،‬ومن جهة أخرى بمسألة تطورها بالمغرب‪ .‬وعىل هذا األساس‪ ،‬فإن اإلشكالية‬
‫كالتاىل‪:‬‬
‫ي‬ ‫العامة لموضوع هذا العرض يمكن صياغتها‬

‫ى‬
‫الت قطعتها بالنسبة للمغرب؟‬
‫وماه األشواط ي‬
‫ي‬ ‫ما المقصود بالسياسات االجتماعية؟‬

‫ى‬
‫والت يمكن اجمالها فيما‬
‫ويتفرع عن هذه اإلشكالية العامة مجموعة من التساؤالت الفرعية ي‬
‫يىل‪:‬‬
‫ي‬
‫ى‬
‫الت قدمت لتعريف السياسات االجتماعية؟‬
‫ماه أهم المفاهيم ي‬
‫ي‬

‫ه أهداف ووظائف السياسات االجتماعية؟‬


‫ما ي‬

‫‪ -‬أين تكمن أهمية السياسات االجتماعية؟‬

‫ى‬
‫الت عرفتها السياسات االجتماعية بالمغرب؟ ‪:‬‬
‫ه أهم المراحل التاريخية ي‬
‫ما ي‬
‫أهمية الموضوع‪:‬‬

‫إن موضوع "السياسات االجتماعية المفهوم والتطور واألهداف واألهمية" يستمد أهميته‬
‫مي هذا العقد األخي‪ ،‬فعالوة عىل أن موضوع السياسات‬ ‫يخ الذي ن‬ ‫ن‬
‫من خالل المنعطف التار ي‬
‫الت احتلت مكانة مركزية ن يف دستور‬‫ى‬
‫االجتماعية يندرج ضمن محاور السياسات العمومية ي‬
‫يتعي استيعابه وفهمه بشكل جيد ن يف إطار واقعنا‬
‫ن‬ ‫‪ 2011‬فقد أصبح يشكل مطلبا حقيقيا‪،‬‬
‫الرسم‪،‬‬
‫ي‬ ‫الرسم وغي‬
‫ي‬ ‫المعارص؛ وهذا ألنه يؤدي إىل معرفة أدوارنا ن يف المجتمع عىل الصعيد‬
‫وبالتاىل تمكيننا من‬
‫ي‬ ‫ويساعدنا عىل القيام بواجبنا والمطالبة بحقوقنا‪ ،‬بطريقة مرضية‪،‬‬
‫ن‬
‫المعت السليم لمضمون المواطنة وبأبعاد المصلحة الوطنية والمجتمعية العامة‬ ‫استيعاب‬

‫‪1‬‬
‫‪-¹ Marie Thérese Join Lambert (1994), Les poltiques Sociales. Presses de la fondation nationale des sciences‬‬
‫‪politiques‬‬
‫تشارك‪ .‬تنضاف إىل ذلك أهمية‬ ‫الت يمكنها أن تتبلور بشكلها السليم إال من خالل عمل‬ ‫ى‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫الت أضحت تواجه المغرب تماشيا مع‬ ‫السياسات االجتماعية نف ظل التحديات والرهانات ى‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫اتيخ الذي اختاره والمتمثل ن يف الجهوية المتقدمة‪.‬‬ ‫ى‬
‫الخيار االسي ر ي‬

‫اسباب اختيار الموضوع‬

‫تتمثل أسباب اختيار موضوع هذا العرض ن يف أسباب شخصية وأسباب موضوعية ‪:‬‬

‫‪ -‬بالنسبة لألسباب الشخصية‪ ،‬فتكمن ن يف ميولنا إىل االضطالع عىل السياسات العمومية‬
‫بشكل عام والسياسات االجتماعية بشكل خاص‪ .‬وذلك انسجاما مع طبيعة التكوين الذي‬
‫ن‬
‫متمية‬ ‫الجامىع‪ ،‬والذي أسهم بدون شك ن يف اختيار مواضيع‬
‫ي‬ ‫تلقيناه ونتلقاه خالل مسارنا‬
‫وذات قيمة؛‬

‫بالنسبة لألسباب الموضوعية‪ ،‬فتتمثل ن يف العنارص األساسية التالية‪ :‬السياسات االجتماعية‬


‫تشكل ترجمة للمطالب المجتمعية سواء الملحة منها أو المتوسطة األمد والبعيدة األمد؛‬
‫االجتماع وذلك من‬
‫ي‬ ‫السياسات االجتماعية ىتيجم قدرة السلطات العمومية عىل الفعل‬
‫خالل الدراسة واالعداد والتنفيذ ثم التقييم؛‬

‫فه تمكننا من االهتمام بكل‬ ‫ر‬


‫السياسات االجتماعية تعد عملية مستقبلية واستشافية لذلك ي‬
‫التطورات والتغيات السياسية‪ ،‬واالقتصادية‪ ،‬واالجتماعية لضمان استمرارها راهنية‬
‫الموضوع‪ ،‬فالسياسات االجتماعية من القضايا ر‬
‫األكي نقاشا‪.‬‬

‫المنهج المتبع ‪:‬‬

‫ن‬
‫يخ؛ المنهج المقارن‪.‬‬
‫‪ -‬المنهج التار ي‬

‫التصميم المعتمد‪ :‬من خالل تحليلنا لهذا الموضوع وانطالقا من اإلشكالية والتساؤالت‬
‫ن‬
‫مبحثي‪:‬‬ ‫الفرعية ارتأينا تقسيم موضوعنا إىل‬

‫‪ -‬المبحث األول‪ :‬السياسات االجتماعية المفهوم‪ ،‬واألهداف‪ ،‬واألهمية‪ ،‬والمحتوى‬


‫ً‬ ‫ن‬
‫االجتماع نموذجا )‬
‫ي‬ ‫الثاب‪ :‬تطور السياسات االجتماعية بالقرب ( الضمان‬
‫‪-‬المبحث ي‬

You might also like