Professional Documents
Culture Documents
الرباع عادل
امللخص :
ان السياسات العمومية هي حصيلة عمل الدولة ،أي العمل املؤسساتي الذي يتم في إطار قانوني ومؤسساتي
إنها حصيلة عمل مجموعة من الفاعلين ،التي ترتبط بمجموعة من املحددات مثل طبيعة دور الدولة ،توزيع
األدوار بين املؤسسات والهيئات االجتماعية واالقتصادية انها سلسلة طويلة من النشاطات املترابطة إنها أكبر من
مجرد قرار واحد ،فعملية صنع للقرار ،السياسات يجب أن تفهم بصورة تشمل اإلعداد والتنفيذ والتقييم ،
وهنا بالرغم من الحياد الظاهر للكلمات والذي يعطي صورة ثابتة لهذه العملية ،فإن السياسات العمومية
ليست مسلسال بعيدا عن رهانات السلطة واملصالح والقيم والصراعات ،إن السياسات العمومية هي كذلك
بالتعبير الشهير ملنظر املدرسة النسقية ديفيد إيستون :دراسة التوزيع السلطوي للقيم ،تمرين مؤسس ي يروم
التنبؤ باملستقبل ،عن طريق مجموعة من االختيارات التي تعكس سلوكيات وقناعات و إكراهات وقيم الفاعلين
املتعددين الرسميين منهم أو غير الرسميين.
املفاهيم الرئيسية :الفاعلين -السياسات العامة-
Abstract :
Public policies are the outcome of the state’s work, that is, the institutional work that
takes place within a legal and institutional framework. It is the outcome of the work of a
group of actors, which are linked to a set of determinants such as the nature of the state’s
role, the distribution of roles between institutions and social and economic bodies. It is a
long series of interrelated activities. It is greater than Just one decision, the decision-making
80
مجلة القانون الدستوري والعلوم اإلدارية
– المانيا – برلين/ إصدارات المركز الديمقراطي العربي للدراسات االستراتيجية واالقتصادية
المقاربات والفاعلون والرهانات: السياسات العمومية: – عدد خاص2023 ماي- مايو: العدد التاسع عشر
81
مجلة القانون الدستوري والعلوم اإلدارية
إصدارات المركز الديمقراطي العربي للدراسات االستراتيجية واالقتصادية /المانيا – برلين–
العدد التاسع عشر :مايو -ماي – 2023عدد خاص :السياسات العمومية :المقاربات والفاعلون والرهانات
مقدمة :
ان مرحلة صنع السياسات العمومية ،من أحرج املراحل وأدقها ،فإنها تمثل بالنسبة للفعل العمومي لحظة
املخاض والوالدة ،حيث يمكن أن يتأثر مسلسل الرسم والصنع والوضع بأي عامل من العوامل الداخلية أو
الخارجية والذي قد يكون له دور في تحوير اتجاه القرار العمومي وتغيير معامله.
ان االنطالقة الحقيقية لتحليل السياسات العامة سيتم في الواليات املتحدة األمريكية في مطلع القرن املاض ي مع
تزايد أدوار الدولة وتعرضها النتقادات كثيرة ،وبالتالي ظهر التحليل واملعرفة كوسيلتين أساسيتين لتطوير أداء
الدولة من خالل تطوير اإلدارة ،وسيؤدي هذا التوجه إلى ظهور اإلدارة العمومية كفرع معرفي .1وستتوفر
الشروط املوضوعية لتطور السياسات العامة خالل فترة حكم" كندي"واملتمثلة في تواجد عدد كبير من الخبراء
في اإلدارة الفيدرالية واملهتمين بإيجاد حلول ملختلف املشاكل االجتماعية )الصحة ،السكن ... (.وسيستمر هذا
التوجه الذي تظهر الدولة من خالله كجهاز عقالني يضطلع بمهام الضبط داخل املجتمع.
منذ التسعينات من القرن املاض ي ،عرفت دول العالم تحوالت أساسها توزيع جديد لالختصاصات وللسلط بين
املستوى املركزي والترابي ،فعلى عكس مرحلة بناء الدولة الحديثة التي وجدت ترجمتها في احتكار السلطات على
مستوى املركز ،ففي هذا الوقت وفي مختلف مناطق العالم ،يظهر على أنه متجه نحو تقوية السياسات
الالمركزية والترابية ،بحيث أضحت الجماعات الترابية فاعل أساس ي وشريك حقيقي في تدبير املجاالت الترابية
وارتباطها الوثيق باملعيش اليومي للمواطن .ان مسار التجربة املجالية والتنظيم الترابي للمملكة ،يبرز األدوار
واملهام التي تقوم بها الجماعات الترابية من خالل االختصاصات املخولة لها ،كانت دائما في مسار تصاعدي وكانت
تكتس ي باستمرار أهمية أكثر فأكثر ،الش يء الذي يدفعنا إلى القول بأنه رغم الصعوبات والتحديات التي يواجهها
التدبير الترابي ،فإنه مع ذلك قد أبان على أنه ال يمكن االستغناء عنه وبأنه املدخل الحقيقي للفعالية ولألداء
الجيد للمهام وللوظائف التي كانت تقوم بها الدولة بشكل مباشر .ويمكن تحديد عدد من الفاعلين في بلورة
1لقد ظهرت اإلدارة العمومية كفرع معرفي بإيعاز من الرئيس االمريكي" ويلسن)" (wilson
82
مجلة القانون الدستوري والعلوم اإلدارية
إصدارات المركز الديمقراطي العربي للدراسات االستراتيجية واالقتصادية /المانيا – برلين–
العدد التاسع عشر :مايو -ماي – 2023عدد خاص :السياسات العمومية :المقاربات والفاعلون والرهانات
السياسات العامة ،والذين تختلف مواردهم وأساليبهم وقدرتهم على التأثير في مسلسل اتخاذ القرار كما تختلف
طبيعة العالقات التي تقوم بينهم وكذا املوارد املادية والرمزية والسياسية واالقتصادية التي يتوفرون عليها.
املفاهيم الرئيسية:
الفاعلون:
يدل تعبير الفاعل هو من يقوم بالفعل سواء كان فردا أو جماعة ،ويشير في مسلسل اتخاذ القرار إلى
املشاركة في القرار ويحيل مفهوم الفاعل في تحليل السياسات العمومية إلى بعدين أساسيين يتجلى األول في
ي ويتمثل الثاني في مساهمة هذه املشاركة في النتائج1 مشاركة الفاعل في املسلسل السياس
وإذا كان التحليل التقليدي للسياسات العامة يعتبر عدد الفاعلين محدودا ،ألنه يعكس نظرة دولتية
ملسلسل وضع السياسة ،يقتصر على املنتخبين واإلدارة؛ إال أن هذا املسلسل يتضمن عددا متزايدا من
الفاعلين نظرا للتحوالت التي عرفتها الحكومات واألنظمة السياسية ،والتي عرفت بروز فاعلين جدد
أقوياء على املستوى الوطني والدولي2
السياسات العمومية:
تشير السياسات العمومية إلى حصيلة ما ينتجه النظام داخل مؤسسة الدولة ،إنها إحدى مخارج هذا النظام،
83
مجلة القانون الدستوري والعلوم اإلدارية
إصدارات المركز الديمقراطي العربي للدراسات االستراتيجية واالقتصادية /المانيا – برلين–
العدد التاسع عشر :مايو -ماي – 2023عدد خاص :السياسات العمومية :المقاربات والفاعلون والرهانات
تشير السياسات العمومية إلى حصيلة ما ينتجه النظام داخل مؤسسة الدولة ،إنها إحدى مخارج هذا
ً
النظام ،لذلك فهي في العمق تستبطن جوابا ممأسسا عم مشكلة عامة.1
ال تتعلق السياسة العمومية بالدولة في حد ذاتها ،بل بما تفعله وتنتجه وتقوم به عبر مؤسساتها الدستورية في
امل جاالت التشريعية والتنفيذية والقضائية ،لذلك عادة ما يقال إن السياسات العمومية هي محاولة النظر إلى
الدولة في حالة فعل ) .(l’état en actionبهذا املعنى فان السياسات العمومية هي:2
حصيلة عمل الدولة ،أي العمل املؤسساتي الذي يتم في إطار قانوني ومؤسساتي .إنها حصيلة عمل مجموعة من
الفاعلين ،التي ترتبط بمجموعة من املحددات مثل طبيعة دور الدولة ،الثقافة السياسية السائدة ،توزيع األدوار
سلسلة طويلة من النشاطات املترابطة إنها أكبر من مجرد قرار واحد ،فعملية صنع للقرار ،السياسات يجب أن
تفهم بصورة تشمل اإلعداد والتنفيذ والتقييم وهنا بالرغم من الحياد الظاهر للكلمات والذي يعطي صورة ثابتة
لهذه العملية ،فإن السياسات العمومية ليست مسلسال بعيدا عن رهانات السلطة واملصالح والقيم
والصراعات.
تمرين مؤسس ي يروم التنبؤ باملستقبل ،عن طريق مجموعة من االختيارات ،التي تعكس سلوكيات وقناعات
وإكراهات وقيم الفاعلين املتعددين الرسميين منهم أو غير الرسميين .إن السياسات العمومية هي كذلك بالتعبير
الشهير ملنظر املدرسة النسقية ديفيد إيستون :دراسة التوزيع السلطوي للقيم.
مجموعة من اإلجراءات والقرارات ذات املنشأ اإلداري والصادرة عن السلطات العامة ،واملحددة ضمن إطار
منسجم يسمح بإعطاء كل إجراء أو قرار مضمونا وبعدا ،وهو ما يجعل لها فاعلوها ومرجعياتها وآثارها املفترضة
وجمهورها الخاص.
1أنظر :دليل تحليل السياسات العامة ،دليل منجز في إطار مشروع دعم أعمال البرملان املغربي ،بدعم من الوكالة األمريكية للتنمية الدولية وكتاب الثنائي
لألستاذين حسن طارق وعثمان كاير في تقييم السياسات العمومية ص12/و13و14
Bruno Jobert et Pier Muler: L’Etat en action,press Universitaire de France,1987,16.- 2
84
مجلة القانون الدستوري والعلوم اإلدارية
إصدارات المركز الديمقراطي العربي للدراسات االستراتيجية واالقتصادية /المانيا – برلين–
العدد التاسع عشر :مايو -ماي – 2023عدد خاص :السياسات العمومية :المقاربات والفاعلون والرهانات
وبهذا تكون أثار السياسة العامة مؤشرا هاما في تقييم وتقويم وتحليل السياسة العامة ،من أجل التأكيد من
كون هذه السياسة قد خدمت أغراضها التي شرعت من أجلها .كما يمكن أن تنقسم السياسة العامة إلى عدة
(مستويات).1
سلسلة طويلة من النشاطات املترابطة إنها أكبر من مجرد قرار واحد ،فعملية صنع القرار يجب أن تفهم بصورة
تشمل اإلعداد والتنفيذ والتقييم والت غذية العكسية ،وهنا بالرغم من الحياد الظاهر للكلمات والذي يعطي
صورة ثابتة لهذه العملية ،فإن السياسات العمومية ليست مسلسال بعيدا عن رهانات السلطة واملصالح والقيم
والصراعات.
➢ أهمية املوضوع:
استأثرت مواضيع السياسات العمومية باهتمام خاص من طرف الباحثين و مختلف األكاديميين ،باعتبارها
مواضيع الساعة ومواضيع مطروحة حاليا أمام النقاش العمومي ،األهمية األكاديمية فتتجلى في انفتاح الجامعة
على محيطها االقتصادي واالجتماعي ،بتسخير وجعل البحث العلمي في خدمة القضايا املجتمعية املرتبطة أساسا
بالسياسات العمومية كموضوع للدراسة ،وهي ملتقى ونقطة تقاطع ألصناف متشعبة من العلوم املتخصصة
1مس ـ ــتويات السياس ـ ــة العام ـ ــة :يض ـ ــع ج ـ ــيمس إندرس ـ ــون و آخ ـ ــرون مث ـ ــل فهم ـ ــي خليف ـ ــة الفه ـ ــداوي و قابريي ـ ــل أملون ـ ــد السياس ـ ــة العام ـ ــة ف ـ ــي ع ـ ــدة مس ـ ــتويات
ن ـ ــذكر منه ـ ــا/1السياسـ ـ ــات العام ـ ــة اإلسـ ـ ــتخراج)(Extractiveفالنظ ـ ــام السياس ـ ـ ي لكـ ـ ــي يق ـ ــوم بوظائفـ ـ ــه املعروف ـ ــة يلزم ـ ــه مـ ـ ــوارد تختل ـ ــف حسـ ـ ــب املجتمع ـ ــات ،فـ ـ ــال
بـ ـ ــد مـ ـ ــن إيجـ ـ ــاد مـ ـ ــوارد للنظـ ـ ــام خاصـ ـ ــة املاليـ ـ ــة منهـ ـ ــا وفـ ـ ــي هـ ـ ــذا الصـ ـ ــدد يلـ ـ ــزم الحكومـ ـ ــة وضـ ـ ــع سياسـ ـ ــة عامـ ـ ــة توصـ ـ ــف باإلسـ ـ ــتراتجية وتعبـ ـ ــر عـ ـ ــن تعبئـ ـ ــة املـ ـ ــوارد
املادية والبشرية مثل ( رصد املال ،السلع ،األشخاص ،الخدمات .)..
/2السياسات العامة التوزيعية( :)duistributiveتتناول توزيع الخدمات واملنافع والقيم لفئات وشرائح املجتمع واألفراد والتعاونيات والجماعات.
/3السياسـ ـ ـ ــات العامـ ـ ـ ــة إلعـ ـ ـ ــادة التوزيـ ـ ـ ــع : Redistributiveكإعـ ـ ـ ــادة النظـ ـ ـ ــر فـ ـ ـ ــي دخـ ـ ـ ــل فئـ ـ ـ ــة معينـ ـ ـ ــة مـ ـ ـ ــن املجتمـ ـ ـ ــع أو قطـ ـ ـ ــاع مـ ـ ـ ــا /.4السياسـ ـ ـ ــة العامـ ـ ـ ــة الرمزيـ ـ ـ ــة
( :)Symbolicيكـ ـ ــون تأثيرهـ ـ ــا معنويـ ـ ــا فهـ ـ ــي تخـ ـ ــص باهتمـ ـ ــام واسـ ـ ــع لـ ـ ــدى الحكومـ ـ ــات مثـ ـ ــل مـ ـ ــا يحـ ـ ــدث مـ ـ ـن خـ ـ ــالل عـ ـ ــرض التـ ـ ــاريخ السياسـ ـ ـ ي مـ ـ ــثال مـ ـ ــن بطـ ـ ــوالت
وأمج ـ ــاد ومف ـ ــاخر لألم ـ ـة تك ـ ــون بمثاب ـ ــة ال ـ ــدافع ألبن ـ ــاء األم ـ ــة م ـ ــن أج ـ ــل ال ـ ــدفاع والرف ـ ــع م ـ ــن روحه ـ ــم الوطني ـ ــة ,ك ـ ــذلك يخل ـ ــق االلت ـ ـزام الع ـ ــاطفي والوج ـ ــداني نح ـ ــو
الوالء للوطن.
/5السياس ـ ـ ــات العام ـ ـ ــة التنظيمية:يص ـ ـ ــفها" أندرس ـ ـ ــون ج ـ ـ ــيمس" بالض ـ ـ ــابطة الت ـ ـ ــي تف ـ ـ ــرض قي ـ ـ ــودا أو مح ـ ـ ـددات عل ـ ـ ــى س ـ ـ ـلوك األف ـ ـ ـراد والجماع ـ ـ ــات أي أنه ـ ـ ــا تح ـ ـ ــد
م ـ ـ ــن ح ري ـ ـ ــة تص ـ ـ ــرف الجه ـ ـ ــات الخاض ـ ـ ــعة للس ـ ـ ــيطرة والض ـ ـ ــبط ،فالسياس ـ ـ ــة التوزيعي ـ ـ ــة تقي ـ ـ ــد التص ـ ـ ــرف أم ـ ـ ــا التنظيمي ـ ـ ــة فتزي ـ ـ ــد عليه ـ ـ ــا بالنس ـ ـ ــبة للمت ـ ـ ــأثرين أو
املتعاملين معها.
85
مجلة القانون الدستوري والعلوم اإلدارية
إصدارات المركز الديمقراطي العربي للدراسات االستراتيجية واالقتصادية /المانيا – برلين–
العدد التاسع عشر :مايو -ماي – 2023عدد خاص :السياسات العمومية :المقاربات والفاعلون والرهانات
واملناهج الدراسية ،وإعداد التراب ،وكذا القانون اإلداري والقانون الدستوري والسياسات العامة واملالية املحلية
وعلم االجتماع وغيرها من العلوم التي تجد مجاال خصبا للدراسة والبحث.
وتتجلى دواعي اختيار املوضوع كذلك في التطورات الحاصلة اليوم في النظم الالمركزية في أغلب التجارب املقارنة
والرائدة ،الى جانب األهمية املتزايدة التي تحظى بها الجماعات الترابية في الوقت الراهن ،كآلية وورش مهم للنهوض
بقضايا التنمية.
وعليه فإن دراستنا ملوضوع دور الفاعلين في انتاج السياسات العامة يحيلنا الى القول أن تحليل ✓
السياسات العامة يهدف ابتداء اإلجابة عن األسئلة التالية :من يحكم و كيف؟ من طرف من و كيف تتم بلورتها
و تنفيذها؟ ما هو املكان الذي يشغله الفاعلون السياسيون)الحكام ،املنتخبون اإلداريون في هذه البلورة ؟ من
هذا كله يمكن طرح االشكالية التالية ما هو دور الفاعلون العموميون في صنع السياسات العمومية ؟
✓ خطة البحث:
تبعا لإلشكالية املطروحة ،عملنا على تقسيم املوضوع إلى محورين رئيسيين:
يتعدد الفاعلون في صناعة السياسات العمومية بالرغم من صعوبة تحديدهم بدقة بحكم ما يطرحونه من
إشكاالت تهم التداخالت فهل نصنف األحزاب ضمن الفاعلين الرسميين بحكم تواجدهم في بعضها (البرملان)أو
كفاعلين غير رسميين بحكم تأطيرهم للشعب)؟ لكن املجمع عليه هو وجود فاعلين عمومين وغير عموميين
86
مجلة القانون الدستوري والعلوم اإلدارية
إصدارات المركز الديمقراطي العربي للدراسات االستراتيجية واالقتصادية /المانيا – برلين–
العدد التاسع عشر :مايو -ماي – 2023عدد خاص :السياسات العمومية :المقاربات والفاعلون والرهانات
ينحصر الفاعلون املتدخلون الذين تخول لهم الصالحيات املشاركة في صنع السياسات العمومية ،مثل أعضاء
السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية ،واإلداريين اآلخرين من العاملين في األجهزة الحكومية ،الذين
يساهمون في اتخاذ القرارات وتنفيذ السياسات العامة بطرائق ودرجات متفاوتة فمن هم وما دورهم؟
والقوانين ،ووضع ال قواعد العامة التي تنظم مختلف اوجه الحياة السياسية واالقتصادية واالجتماعية
والصحية وغيرها في الدولة ،أصبحت دالئل العمل البرملاني الجيد تقدم بشكل معياري ،مؤشر تواصل املجتمع
املدني والبرملان ،وإمكانية مساهمة هيئات وممثلي املجتمع ،في العمل البرملاني (التشريع ،املراقبة ،تقييم
السياسات العمومية )،كأحد املؤشرات الحاسمة واألساسية في تقييم أهمية الوظيفة البرملانية ،تضطلع بمهمة
صياغة وتفسير النصوص القانونية ومدى مطابقة األنظمة واللوائح والقوانين مع دستور الدولة النافذ ،وإصدار
األحكام في املخالفات التي ترتكب بحق املواطنين من قبل األجهزة الحكومية ،زيادة على دورها األساس في تحقيق
العدالة ،وتطبيق القانون والفصل في املنازعات والحكم في الجرائم واملخالفات املتنوعة .وللقضاء – مع هذا –
دور مهم في رسم السياسات العامة في بعض األنظمة الحكومية ،مثل املحكمة العليا في الواليات املتحدة
األمريكية ،التي تقوم بمراجعة نصوص اللوائح القانونية عند عرضها عليها البداء املشورة قبل التصويت عليها في
الكونكرس األمريكي ،وقد تقترح تعديلها أو إلغائها عند مخالفتها للدستور الفدرالي ،أو القوانين النافذة،
ً
فالكونكرس يتردد كثيرا عند الخوض في قضايا يتوقع أن يعترض عليها القضاء بحجة عدم شرعيتها أو مخالفتها
ً ً
للدستور ،ويذكر أن القضاء األمريكي لعب دورا كبيرا في صنع السياسات االقتصادية ،كقضايا امللكية ،والعقود،
والعالقة بين العمال ونقاباتهم من جهة ،و أصحاب املصانع من جهة أخرى.1
87
مجلة القانون الدستوري والعلوم اإلدارية
إصدارات المركز الديمقراطي العربي للدراسات االستراتيجية واالقتصادية /المانيا – برلين–
العدد التاسع عشر :مايو -ماي – 2023عدد خاص :السياسات العمومية :المقاربات والفاعلون والرهانات
وقد حذت بعض الدول كأملانيا االتحادية ،وكندا ،وبريطانيا ،واستراليا ،حذو الواليات املتحدة األمريكية في هذا
ً ً
املجال .أما في الدول النامية ،فان للقضاء دورا محدودا – أو ال يكاد يظهر – في رسم السياسات العامة.1
في هذا السياق مثال يتحدث دليل املمارسة الجيدة ،املعد من طرف االتحاد البرملاني الدولي ،على الصيغ واألشكال
التي بإمكانها أن تجعل البرملانات متاحة لعدد أكبر من املواطنين ،أفراد وجماعات ،عن طريق أساليب االتصال
املباشر بين املواطنات واملواطنين ونوابهم ،ثم وسائل تمكين املواطنين من حل مشكالتهم ورفع الظلم عنهم في
حالة تعرضهم له ،وأخيرا الفرص املهيأة ملشاركتهم في مراحل سن التشريعات وغير ذلك من اعمال لجان البرملان.
ان دول العالم تتباين في كيفية تشكيل السلطة التشريعية ،ودورها وتأثيرها في عملية رسم السياسات العامة.
فبعضها يأخذ بنظام املجلس (البرملان) التشريعي الواحد ،مثل لبنان وجمهورية مصر العربية وتركيا وروسيا
وغيرها ،اذ تتكون السلطة التشريعية فيها من مجلس واحد يمثل املواطنين جميعهم واألحزاب السياسية
املوجودة في ذلك البلد .والبعض األخر تأخذ بنظام املجلسين ككندا ،بريطانيا ،والواليات املتحدة األمريكية ..وفي
فمجلس العموم البريطاني ،يعد من أضعف املجالس التشريعية قدرة وفعالية في صنع السياسات العامة،
ً
بسبب سيطرة حزب األغلبية الحاكم عليه ،وان اغلب أعضائه يشكلون السلطة التنفيذية ويبقى دوره منحصرا
ً ً
في مناقشة تأهيل النخبة وتوظيف أفرادها ،على عكس الكونجرس األمريكي الذي يلعب دورا رئيسا في رسم
السياسات العامة للحكومة الفدرالية من خالل لجانه املتعددة 2وقد اختص عدد من الدراسات الحديثة
بمعرفة دور الهيئات التشريعية األوربية ،وأهميتها في رسم السياسات العامة ،فوجد بأنها متباينة بحسب تباين
أنظمتها السياسة.3
88
مجلة القانون الدستوري والعلوم اإلدارية
إصدارات المركز الديمقراطي العربي للدراسات االستراتيجية واالقتصادية /المانيا – برلين–
العدد التاسع عشر :مايو -ماي – 2023عدد خاص :السياسات العمومية :المقاربات والفاعلون والرهانات
ان الوثيقة الدستورية ،2011قد جاءت بمستجدات أساسية على مستوى العالقة بين املؤسسة التشريعية
والسياسات العمومية ،فاملواطنون واملواطنات أصبح من حقهم وفق شروط يحددها قتنون تنظيمي ،التقدم
بملتمسات في مجال التشريع ،ومن جهة أخرى فالبرملان فضال عن مهمتي التشريع واملراقبة أصبح مكلفا بمهمة
تقييم السياسات العمومية (الفصل ،1)70حيث تخصص جلسة سنوية ملناقشة السياسات العمومية وتقييمها
(الفصل ،)101وجلسة واحدة كل شهر لتقديم األجوبة على األسئلة املتعلقة بالسياسة العامة من قبل رئيس
الحكومة ( 100الفصل )،كما أصبح البرملان بإمكانه اللجوء إلى مساعدة املجلس األعلى للحسابات في مجاالت
مراقبة املالية العامة ولتقديم األجوبة واالستشارات املرتبطة بوظائف التشريع واملراقبة والتقييم املتعلقة باملالية
العامة .
يبدو أن الوثيقة الدستورية عملت على ترسيخ حدود االنتقال من منظومة برملانية رقابية تقليدية إلى منظومة
وتضم األفراد العاملين في البيروقراطية الحكومية املتمثلة باملؤسسات والهيئات واللجان واألجهزة اإلدارية
ً
الحكومية املتنوعة ،التي غالبا ما تضطلع بتنفيذ السياسات العامة ،غير أن دورها في رسم السياسات العامة ال
يمكن إخفاءه بأي حال من األحوال ،إذ أن الشعوب تعيش عصر هيمنة السلطة التنفيذية بسبب االعتماد
بشكل كبير على القيادة التنفيذية في رسم السياسات العامة وتنفيذها. 2
وينطبق هذا الكالم على معظم السياسات الخارجية للدول األخرى ،إذ تترك اليد الطولى لرئيس الحكومة في
رسم السياسات الخارجية لبالده ،مثل غانا ،تايلند ،سوريا ،والجزائر وغيرها .وما قيل عن دور رئيس الجمهورية،
89
مجلة القانون الدستوري والعلوم اإلدارية
إصدارات المركز الديمقراطي العربي للدراسات االستراتيجية واالقتصادية /المانيا – برلين–
العدد التاسع عشر :مايو -ماي – 2023عدد خاص :السياسات العمومية :المقاربات والفاعلون والرهانات
يقال أيضا عن املحافظين ،وحكام الواليات واألقاليم املحلية .إذ يمتد دورهم إلى رسم أو صنع السياسات العامة
منح دستور 2011وضعا جد متقدم للحكومة قياسا مع الصالحيات التي سبق أن منحت لها طوال التجربة
الدستورية املغربية ،حيث أصبحنا أمام حكومة سياسية ومنتخبة جراء انبثاقها عن األغلبية مما جعلها ال تكتمل
كوجود قانوني وسياس ي إال بعد تظافر لحظتين :لحظة التعيين امللكي ثم لحظة التنصيب البرملاني.
لقد خول الدستور للحكومة حق اإلشراف على التدبير املباشر للسياسات العمومية وذلك انطالقا من
التعيين في مناصب الكتاب العامين ،ومديري اإلدارات املركزية باالدرات العمومية ،ورؤساء الجامعات
والعمداء ،ومديري املدارس واملؤسسات العليا ،وفي الوظائف السامية لبعض املؤسسات واملقاوالت العمومية.
سلطة التعيين كصالحية حصرية عندما يتعلق بالوظائف املدنية في اإلدارات العمومية ،أو سلطة
االقتراح في التعيين في الوظائف السامية التي يتم البث فيها داخل املجلس الوزاري.
سلطة تنفيذ البرنامج الحكومي وتنفيذ القوانين واإلشراف والوصاية على املؤسسات واملقاوالت
العمومية.
التداول في قضايا السياسة العامة للدولة قبل عرضها على املجلس الوزاري.
الصالحيات املمنوحة للمجلس الحكومي واملتعلقة أساسا بالسياسات العمومية والسياسات القطاعية.
إقرار البرنامج الحكومي املتضمن للخطوط الرئيسية لللعمل الذي تنوي الحكومة القيام به في ميادين
السياسة االقتصادية واالجتماعية والبيئية والثقافية والخارجية ،كقاعدة للتعاقد السياس ي لحظة الحصول
90
مجلة القانون الدستوري والعلوم اإلدارية
إصدارات المركز الديمقراطي العربي للدراسات االستراتيجية واالقتصادية /المانيا – برلين–
العدد التاسع عشر :مايو -ماي – 2023عدد خاص :السياسات العمومية :المقاربات والفاعلون والرهانات
كما نجد الحكومة تتدخل عن طريق السياسات العمومية من أجل تقديم األجوبة ملشاكل الناس من هذا
املنظور تعمل الحكومة وفق عمليات تدبير سياسات املشاكل ،مما يجعل في هذه حالة أعضاء الحكومة مجرد
فاعلين كباقي الفاعلين اآلخرين ،الش يء الذي يجعل السياسات العمومية خاضعة للتفاعل والتفاوض ،وتبادل
الترضيات بين مختلف املتدخلين بعيدا عن املنطق االنتخابي1
ال تنحصر عملية رسم السياسات العمومية فقط في مشاركة الجهات والقـوى الرسمية ،بل هناك جهات
أخرى غير حكومية (غير رسمية) تشارك في التأثير على صانعي السياسات العمومية ومنفذيها ،ومن هذه الجهات،
على سبيل املثال ،ال الحصر :الجماعات املصلحية (الضاغطة) األحزاب السياسية ،املواطنون (الرأي العام)،
وفيما يلي توضيح لكيفية تأثير هذه الجهات في صنع السياسات العامة.
تعرف الجماعات الضاغطة بأنها مجموعة من األفراد يلتقون في أهداف وصفات أو خصائص معينة
يسعون إلحداث التأثيرات املطلوبة في السلوك الذي يتخذه صناع القرار تجاه قضاياهم ومطالبهم ،وتوجيهه
لتحقيق مصالحهم املشتركة ،وقد تتعددت التصنيفات ملفهوم املجموعات في األدب السياس ي ،كما تتعدد
أسمائها من جماعات الضغط ،أو جماعات املصلحة ،أو القوى الضاغطة ،...وعليه فان راسمي السياسات
ً
العامة يضطرون إلى املواءمة أو املوازنة بين مطالب هذه الجماعات ،خصوصا إذا كانت متعارضة ،وقد
_ 1مطيع توفيق :تقييم السياسات العمومية في ضوء دستور ،2011التقييم البرملاني نموذجا أطروحة دكتوراه في القانون العام والعلوم السياسية،
كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية جامعة محمد الخامس _اكدال_ الرباط2020،-2019 ،ص.82،
91
مجلة القانون الدستوري والعلوم اإلدارية
إصدارات المركز الديمقراطي العربي للدراسات االستراتيجية واالقتصادية /المانيا – برلين–
العدد التاسع عشر :مايو -ماي – 2023عدد خاص :السياسات العمومية :المقاربات والفاعلون والرهانات
ً
يستخدمون املساومة للخروج بحلول توفيقية مقبولة للجميع ،ورغم ذلك ،فان الجماعات األحسن تنظيما ،و
ً
األوسع حجما ،واألكثر موارد" واألفضل قيادة ،تضل أكثر تأثيرا" في توجيه كثير من السياسات العامة لصالحها
ً
على حساب الجماعات األخرى األقل تنظيما ،وسعة ،وإمكانيات ،ليس هذا فحسب بل إن للمكانة االجتماعية
لهذه الجماعة أو تلك ،وتماسك أعضائها ،ودرجة املنافسة بين هذه الجماعات ،وموقف األجهزة الحكومية من
مطالبها ،ونمط اتخاذ القرارات في النظام السياس ي ،وغيرها ،أثرها الواضح في اتخاذ القرارات لصالحها .زيادة على
إسهام الجماعات املصلحية في بلورة املطالب وتجميعها وإيصالها وطرح البدائل للسياسات العامة املتعلقة بها.
ً
كما يقومون بتزويد املنفذين باملعلومات الواقعية عن موضوعاتهم ،خصوصا حين تكون املوضوعات ذات طبيعة
فمن غير املمكن إنكار أهمية عالقة التأثير املتبادلة بين الرأي العام ورسم أهداف السياسات العمومية في
العصر الحالي ،مما جعل تأثير الرأي العام على صناعة القرار ،يضمن لهذا األخير الشرعية الالزمة واالحتضان
املجتمعي الواسع من أجل تحقيق أهدافه ،كما يوفر شروط تأمين االستقرار السياس ي واالجتماعي .وأبرزت
مجموعة من الدراسات أن تشكيل الرأي العام حول قضايا املجتمع ،تساهم فيه منذ القدم ،مجموعة الضغط
ووسائل اإلعالم املختلفة ،لكن في عصرنا الحالي املعولم ،أصبح تشكيل الرأي العام يساهم فيه ،فضائيات
دولية ،ووسائط التواصل االجتماعي املتعددة ،الش يء الذي جعل املجتمعات عرضة لتأثيرات خارجية بشكل
كبير ،والتي تساهم في تشكيل قيمها ،وتوجيهها نحو تحديد حاجياتها وأولوياتها2.
يعرف الحزب بأنه " تنظيم سياس ي له صفة العمومية والدوام ،وله برنامج يسعى بمقتضاه للوصول إلى
السلطة ،إن تأثير األحزاب السياسية في رسم السياسات العامة ،يمكن أن يتم خارج نطاق البناء السلطوي .أو
92
مجلة القانون الدستوري والعلوم اإلدارية
إصدارات المركز الديمقراطي العربي للدراسات االستراتيجية واالقتصادية /المانيا – برلين–
العدد التاسع عشر :مايو -ماي – 2023عدد خاص :السياسات العمومية :المقاربات والفاعلون والرهانات
داخله .إذ أن األحزاب السياسية تقوم بمجموعة من الوظائف منها :بلورة املطالب والقضايا العامة التي تناقش
عند رسم السياسات العامة ،وإثارة الرأي العام حولها ،ومحاولة إقناع املواطنين بتبني املواقف التي تتخذها هذه
األحزاب للضغط على الحكومة ،كما تعد وسيلة من وسائل الرقابة السياسة على النشاط الحكومي .أما الشكل
اآلخر للتأثير في صنع السياسات العامة ،فهو عندما تستلم هذه األحزاب زمام السلطة ،أو مقاليد الحكم ،فإنها
تقوم وبشكل عام فان األحزاب السياسية سواء كانت خارج السلطة أم داخلها تقوم بدور املراقب بعضها على
البعض اآلخر ،فأحزاب املعارضة تترصد حركة الحكومة وكيفية صنعها للسياسات العامة ،وتنفيذها .بينما تقوم
األحزاب الحاكمة بشرح سياسات ال حكومة ومواقفها ،والدفاع عنها ،والعمل على إقناع الرأي العام بصحتها،
وقدرتها على تحقيق املصلحة العامة بتشكيل السلطة أو تجديد بنيتها أو تغيرها ،وتحديد مساراتها وتوجيه عملية
ً
رسم السياسات العامة طبقا للفلسفة التي تتبناها والتوجهات الفكرية التي تؤمن بها.
إن الحزب السياس ي هو إطار تنظيمي ملجموعة من األفراد متحدين في أفكارهم وأرائهم ومعتقداتهم بواسطة
العمل لبلوغ غاية ممارسة السلطة السياسية في الدولة و الحزب السياس ي وفق هدا املفهوم يعد بمثابة
مؤسسة متوفرة على خصائص أبرزها الديمومة واالستقرار و االستمرارية والشخصية املعنوية و القدرة
والفعالية على املنافسة السياسية مع غيرها من املؤسسات املتشابهة ،ويعد الحزب منظمة ذات هيكلة كاملة
على املستويات املحلية و الجهوية والوطنية يسعى إلى الحصول على التأييد الشعبي بغاية الوصول إلى الحكم
وهدا ما جعل الحزب يختلف عن التنظيمات األخرى كالطائفة والرابطة والزوايا والنقابة وجماعات الضغط،
ومن ثم غدت األحزاب و االنتخابات من اإلطارات التي يصعب الفصل فيما بينها خصوصا فيما يتعلق بترسيخ
شكلت السياسات العمومية جزءا من اهتمامات الحوار العمومي الواسع الذي شهده املغرب بعد الخطاب
امللكي للتاسع من مارس ،2011ودالك من خالل انشغال عدد مهم من األحزاب السياسية ،والنقابات
والجمعيات املدنية بتضمين املذكرات إلى اللجنة االستشارية ملراجعة الدستور ملقتضيات تهم عالقة السياسات
93
مجلة القانون الدستوري والعلوم اإلدارية
إصدارات المركز الديمقراطي العربي للدراسات االستراتيجية واالقتصادية /المانيا – برلين–
العدد التاسع عشر :مايو -ماي – 2023عدد خاص :السياسات العمومية :المقاربات والفاعلون والرهانات
العمومية بالوظيفة التنفيذية أو بالوظيفة التشريعية ونجد مذكرات األحزاب السياسية قد اختلفت لكن اغلبها
تضمنت املذكرة على أن وظيفة البرملان تتجسد في التشريع ومراقبة األداء العمومي للحكومة والصناديق
والوكاالت واملؤسسات العمومية ،وكل املرافق التي تدير املال العام ،كما يقوم بتقييم السياسات العمومية.
اكدت على ضرورة ربط املجلس األعلى للحسابات بالبرملان في تقييم السياسات العمومية اعتبارا أن هذه العملية
ال يمكن أن تتم إال باالستناد على تقارير هذا األخير.
ففي القرون الوسطى كانت الدول التقليدية على الرغم من أنظمتها املستبدة تحرص على سماع أصوات
املواطنين وتلبية بعض مطالبهم لتقليل النقمة بين صفوفهم ،والتخفيف من عدم االرتياح عندهم كما ان النظام
في االتحاد السوفيتي (السابق) لم يهمل جميع املطالب الفردية للمواطنين ،بل كان يحرص على االستجابة لبعض
القضايا واملطالب لهذه املجموعة من املواطنين او تلك ،فحرصه على االستجابة ملطالب املستهلكين وترجمتها في
سياسات االنتاج في السنوات االخيرة التي سبقت انهياره ،ما هو اال دليل على استجابة االنظمة مهما كان شكلها
94
مجلة القانون الدستوري والعلوم اإلدارية
إصدارات المركز الديمقراطي العربي للدراسات االستراتيجية واالقتصادية /المانيا – برلين–
العدد التاسع عشر :مايو -ماي – 2023عدد خاص :السياسات العمومية :المقاربات والفاعلون والرهانات
وعلى مستوى االفراد فان لألنشطة العلمية والفكرية لبعض املفكرين وعلماء االجتماع واالقتصاد والسياسة،
وغيرهم االثر البالغ في توجهات وقرارات راسمي السياسات العامة عند قيامهم بصياغتها واتخاذ القرارات
املتنوعة بشانها ومن ابرز االمثلة على ذلك مافعله (مارتن لوثلر كنك) عام 1960في مجال الحقوق املدنية
ب-اإلعالم:
وأبرزت مجموعة من الدراسات ،أن تشكيل الرأي العام حول قضايا املجتمع ،تساهم فيه منذ القدم،
مجموعة الضغط ووسائل اإلعالم املختلفة ،لكن في عصرنا الحالي املعولم ،أصبح تشكيل الرأي العام يساهم
فيه ،فضائيات دولية ،ووسائط التواصل االجتماعي املتعددة ،الش يء الذي جعل املجتمعات عرضة لتأثيرات
خارجية بشكل كبير ،والتي تساهم في تشكيل قيمها ،وتوجيهها نحو وأبرزت مجموعة من الدراسات أن تشكيل
الرأي العام حول قضايا املجتمع ،تساهم فيه منذ تحديد حاجياتها وأولوياتها .وإذا كان في السابق ،يتم التعبير
عن توجهات الرأي العام من خالل آليات الوساطة التقليدية ،أو من خالل االحتجاج في مواجهة قرارات
الحكومات ،أو من خالل مطالبتها بالتدخل لحل مشاكل عمومية معينة ،فإنه في العصر الحالي أصبح الرأي العام
يمتلك وسائل جديدة للتعبير عن نفسه ،تتجاوز الوسائل التقليدية ،وتتسع رقعة التعبير عبرها ،حيث تسمح
لجميع أفراد املجتمع بالتعبير عن رأيهم ،بخالف الوسائل التقليدية التي كانت محتكرة من طرف فئة محددة.2
يعد اإلعالم بجميع أنواعه اإلعالم الرسمي واإلعالم البديل (مواقع التواصل االجتماعي) من اآلليات التي
تساه م بشكل فاعل في صنع السياسات العمومية ،و ذلك عبر نقلها إلى الرأي العام ،كما أنها من شأنها املساهمة
في غض الحكومة الطرف عن العديد من امل طالب التي تستوجب الرد عليها في صيغ سياسات عمومية ،و ال أدل
على ذلك ما عرفته املنطقة العربية في ما سمي "الربيع العربي" خالل سنة .2011
95
مجلة القانون الدستوري والعلوم اإلدارية
إصدارات المركز الديمقراطي العربي للدراسات االستراتيجية واالقتصادية /المانيا – برلين–
العدد التاسع عشر :مايو -ماي – 2023عدد خاص :السياسات العمومية :المقاربات والفاعلون والرهانات
خاتمة:
أمام هذا الحراك املجتمعي والنخبوي ،أصبح مفهوم السياسة العمومية مرتبطا أكثر بتطلعات املواطنين
واملواطنات ،وبمدى رضاهم على ما تقدمه الدولة من سياسات وخدمات لهم ،سواء كانت هذه السياسات
اجتماعية ،اقتصادية ،صحية تعليمية ،عمرانية ،.....إن القصور الذي يشهده مسلسل السياسات العمومية من
مرحلة التنظير واإلعداد وصوال إلى مرحلة التنفيذ والتقييم ،كان نتاجا لغياب التشخيص الواقعي والفعال
للمشاكل التي يعاني منها املواطنون حيث أن القرار العمومي كان يتم إنتاجه على مستوى املركز ،ليعمل به في
مجموع التراب الوط ني ،في غياب تام ملفهوم التتبع والتقويم في مسار تنفيذ أي سياسة عمومية ،مما أنتج أجوبة
معوقة ومشوهة ملجموعة من املشاكل االقتصادية والتعليمية واالجتماعية .إن الجزم أن املشكل الحقيقي الذي
تعيشه السياسات العمومية املغربية هو كامن على مستوى التشخيص العلمي والناجع للحاالت املراد الجواب
عليها هو حقيقة أثبتها الواقع ،كما أثبت أن هذه السياسات تفتقر ملفهوم التقييم الذي يروم التقويم خالل
مرحلتي التنفيذ واملحاسبة ومقارنة ما تم تسطيره من أهداف مع ما تم الوصول إليه من نتائج .
96
مجلة القانون الدستوري والعلوم اإلدارية
إصدارات المركز الديمقراطي العربي للدراسات االستراتيجية واالقتصادية /المانيا – برلين–
العدد التاسع عشر :مايو -ماي – 2023عدد خاص :السياسات العمومية :المقاربات والفاعلون والرهانات
الئحة املراجع:
-أوال :الكتب باللغة العربية:
جابرييل املوند :بنجهام بويل :السياسة املقارنة إطار نظري ،ترجمة :محمد بشير املغازي ،بنغازي: ➢
جيمس أندرسون :صنع السياسات العامة ،ترجمة الدكتور عامر الكبيس ي ،دار املسيرة للنشر ➢
جيمس اندرسون :صنع السياسات العامة ،ترجمة :عامرالكبيس ي ،ط ،1الردن :داراملسيرة.1999، ➢
➢ ذ .حسن طارق وآخرون :مبادئ ومقاربات في تقييم السياسات العمومية؛ الوسيط من أجل
➢ تقييم السياسات العمومية في ضوء دستور ،2011التقييم البرملاني نموذجا أطروحة دكتوراه في القانون
العام والعلوم السياسية ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية جامعة محمد الخامس
_اكدال_ الرباط.2020-2019 ،
97