You are on page 1of 11

‫محاضرة رقم ‪2‬‬

‫موجهة لطلبة السنة األولى‬


‫مقياس‪ :‬مدخل إلى علم السياسة‬
‫السنة الدراسية ‪2020-2019‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــ‬
‫موضوع المحاضرة‪:‬‬
‫تفاعالت وحركية النظام السياسي دراسة من منظور التحليل البنائي الوظيفي‬

‫أ‪.‬د‪ .‬طاشمة بومدين‬


‫أستاذ التعليم العالي‬
‫كلية الحقوق والعلوم السياسية‬
‫قسم العلوم السياسية‬

‫رغم ق دم البحث يف ه ذا اجملال واتس اع نطاق ه إال أن الدراس ة املوض وعية والعملي ة هلذه القض ية ال‬
‫تبع د كث ريا عن س تينيات الق رن املاض ي‪ ،‬وتع زى بوج ه خ اص إىل ع امل السياس ة األم ريكي "جربئيل‬
‫أملوند" «‪" .» ALMOND Gabriel ‬فأفالطون" و"أرسطو" مثال تناوال هذه القضية حبثا عما‬
‫جيب أن يقوم به النظام‪ .‬كما تع رض منظ روا السياس ة الليرباليني يف الق رن ‪18‬م و‪19‬م للقض ية ذاهتا‬
‫من منطل ق االعتب ارات األخالقي ة واملعياري ة أيض ا‪ ،‬وق د أش ار "ك ارل دويتش" «‪Karl W. ‬‬
‫‪ » Deutch‬يف مقاله "التعبئة االجتماعية والتنمية السياسية" «‪Social Mobilization and ‬‬
‫‪ » Political Development‬إىل تأخري عملية التغيري االجتماعي واالقتصادي على أداء النظم‬
‫السياس ية واس تقرار احلكوم ات وق دراهتا‪ .‬كم ا أش ار "ديفي د إيس نت" «‪ »Easton. David‬إىل‬
‫الق درة على معاجلة متطلب ات النظ ام السياس ي‪ ،‬وأمناط األداء احلك ومي‪ ،‬ولكن كال من "دويتش"‬
‫و"إيسنت" مل حياوال تقدمي تصورحتليلي ملفهوم القدرات «‪ ،» Capabilities ‬ولذلك تعترب جهود‬
‫"أملون د" يف ه ذا اجملال من أك ثر املعاجلات وأقرهبا إىل الواق ع العملي‪ ،‬س يما وأن ه يعت رب حتدي د وحتلي ل‬
‫قدرات النظام السياسي "موضوع حبث ميداين" وليس جمرد قضية حبث نظري أكادميي فقط‪.‬‬
‫ويعتق د بعض الب احثني أن اس تخدام البنائي ة الوظيفية (‪ )1‬يف الدراس ات السياس ية ترج ع إىل‬
‫"أفالطون" و"أرسطو" اللذين كانا من أوائل الدارسني الذين اهتموا بالوظائف اليت ينبغـي أن يؤديها‬

‫() ـ أنظر‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬عبد العايل دبلة‪ ،‬الدولة رؤية سوسيولوجية‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار الفجر للنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،2004 ،‬ص‪.89-88‬‬

‫‪1‬‬
‫النظام السياسي من أجل تدعيم وتنظيم اجملتمع السياسي احمللي‪ .‬ورمبا كان ذلك صحيحا‪ ،‬وال يتناقض‬
‫م ع م ا تؤك ده الدراس ات املعاص رة من أن احملاول ة الرائ دة يف ه ذا اجملال ق د ظه رت يف مطل ع الق رن‬
‫املاضي على يد "فرن‪AA‬ك جودن‪AA‬او" «‪ ،» Frank Goodnow ‬مث بلغت أوج تطورها مع تبلور‬
‫نظرية النظم اليت تعترب الفكرة األهم اليت خرجت منها معظم التحليالت يف حقل علم السياسة عامة‪،‬‬
‫ودراس ات النظم السياس ية خاص ة‪ ،‬ابت داء من منوذج التحلي ل النس قي‪ ،‬ال ذي يع د الص ياغة السياس ية‬
‫األوىل لنظري ة النظم‪ ،‬وامت دادا إىل النم وذج االتص ايل ال ذي ط وره "ك‪AA A A‬ارل دويتش" «‪Karl ‬‬
‫‪ » Deutch‬ال ذي له كت اب ه ام حول عص ب احلكوم ة الذي يقص د ب ه العملية االتص الية‪ ،‬مث إىل‬
‫صياغة "جابرائي‪AA‬ل ألموند" «‪ » Gabriel Almond‬لنفس النظرية‪ ،‬وغريهم الذين أضافوا إىل‬
‫التحليالت البنائية الوظيفية كثريا من الأبعاد‪ ،‬واملفاهيم اجلديدة‪ ،‬وذلك من خالل تركيزهم على األبنية‬
‫والوظ ائف‪ ،‬وجتنبهم الرتك يز على الدس اتري‪ ،‬واملؤسس ات احلكومي ة الرمسية‪ ،‬وق د اس تخدموا يف ذل ك‬
‫مفه وم النظ ام حمل الدول ة‪ ،‬والوظيف ة حمل الس لطة والق وة‪ ،‬واألدوار حمل املناص ب‪ ،‬واألبني ة ب دال من‬
‫املؤسسات‪.‬‬
‫من هذا املنطلق فإن املدخل البنائي الوظيفي يقوم على استخدام النظرة اإلمجالية الشمولية يف‬
‫تناول األبنية االجتماعية‪ ،‬حبيث ال ينظر إليها كتجمعات من األفراد‪ ،‬أو العناصر‪ ،‬أو الوحدات‪ ،‬وإمنا‬
‫كمنظومة كاملة‪ ،‬تتألف من عناصر موحدة القياس أو مستويات قابلة لالستبدال والتغيري متفاعلة مع‬
‫عناص ر أخ رى قابل ة أيض ا لالس تبدال والتغي ري‪ ،‬ويتم التفاع ل بينه ا مبع امالت منظم ة‪ ،‬وعلى قواع د‬
‫وقوانني ميكن تكرارها والسيطرة عليها‪ .‬وتقوم هذه النظرة اإلمجالية الشمولية على دراسة كيفية تعلق‬
‫بعض العناص ر ببعض داخ ل ال رتكيب الع ام ال ذي حيكم املنظوم ة‪ ،‬بغض النظ ر عن خص ائص ه ذه‬
‫العناصر‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬حركية وتفاعالت النظام السياسي‪:‬‬


‫يقوم التحليل البنائي الوظيفي أساسا على افرتاض مبدئي مؤداه أن النظام السياسي هو ذلك‬
‫النسق من التفاعالت اليت توجد يف اجملتمع من أجل حتقيق وظائف التكامل والتكيف داخليا‪ .‬ومعىن‬
‫هذا أن النظام السياسي النامي‪-‬حسب هذا املدخل‪ -‬يتميز خبصائص ومسات معينة‪ ،‬تتمثل يف مشولية‬
‫النظام السياسي لكافة التفاعالت السياسية اليت تتجسد يف هيئة وحدات بنائية تؤدي كل منها أدوارا‬
‫وأنش طة معين ة‪ ،‬وأن ه ذه الوح دات ال توج د مبع زل عن بعض ها‪ ،‬وال متارس أدواره ا دون ارتب اط أو‬
‫ت أثري متب ادل بينه ا‪ .‬ويس تتبع ه ذا بالض رورة أن يك ون مثة ن وع من التس اند واالعتم اد املتب ادل بني‬
‫مكونات النظام السياسي‪ ،‬حبيث يعكس كل تغيري يطرأ على خصائص أو أنشطة أي جمموعة من هذه‬

‫‪2‬‬
‫املكون ات على بقي ة املكون ات األخ رى‪ ،‬كم ا ي ؤدي ك ل تغي ري يف جمموع ة فرعي ة من التف اعالت إىل‬
‫تغيريات مصاحبة يف كل اجملموعات الفرعية األخرى‪.‬‬
‫وإذا كان النظام السياسي‪ -‬حسب أنصار املدخل البنائي الوظيفي‪ -‬ال يوجد يف فراغ‪ ،‬وال‬
‫يعمل يف فراغ‪ .‬كما أنه ليس نظاما مغلقا على نفسه‪ ،‬فإنه يعترب كأي من النظم االجتماعية األخرى‬
‫نظام فرعي يرتبط ببناء كلي أكرب وأوسع نطاق منه‪ .‬وأكثر مشوال عنه‪ ،‬هو النسق االجتماعي الكلي‪.‬‬
‫كما أن النظام السياسي نظام منفتح على البيئة اخلارجية سواء كانت هذه البيئة حملية‪ ،‬أو خارج نطاق‬
‫اجملتمع احمللي الذي يوجد فيه‪ .‬ويذكر أنصار املدخل البنائي الوظيفي أن هناك ثالثة وظائف يعتربوهنا‬
‫مهمة عند دراسة األنظمة السياسية‪ ،‬وهذه الوظائف هي‪:‬‬

‫وظائف و قدرات و خصائص النظام السياسي ‪:‬‬


‫وظائف‬ ‫صفات‬ ‫قدرات‬
‫خصائص‬
‫‪1‬ـ عمومية النظم السياسية‬ ‫‪1‬ـ الشمول‬
‫‪2‬ـ عمومية األبنية السياسية ‪3‬ـ احلدود‬ ‫‪2‬ـ اإلعتماد املتبادل‬
‫‪3‬ـ عمومية الوظائف السياسية‬
‫‪4‬ـ تعدد وظائف األبنية السياسية‬
‫‪5‬ـ الثقافة السياسية املختلفة للنظم‬
‫خمرجا‬
‫مدخالت‬ ‫ت‬
‫‪1‬ـ التنشئة السياسية و التجنيد السياسي‬ ‫‪1‬ـ صنع القاعدة‬
‫( األسرة‪ ،‬املدرسة‪...‬اخل )‬ ‫‪2‬ـ تطبيق القاعدة‬
‫‪2‬ـ جتميع املصاحل ( مجاعات املصاحل‬ ‫‪3‬ـ التقاضي طبقا للقاعدة‬
‫مؤسسة تعاونية‪ ،‬غري تعاونية‪،‬عدائية)‬
‫‪3‬ـ تكتيل املصاحل(النظم احلزبية‪:‬‬
‫سلطوي‪ ،‬سلطوي مسيطر‪ ،‬تنافسية‪،‬‬
‫تعدد حزيب)‪.‬‬
‫‪4‬ـ اإلتصال السياسي‬
‫‪1‬ـ القدرة اإلستخراجية ‪2‬ـ القدرة التنظيمية‬
‫‪3‬ـ القدرة التوزيعية ‪4‬ـ القدرة الرمزية‬
‫‪5‬ـ القدرة اإلستجابية ‪6‬ـ القدرة الداخلية و اخلارجية‬

‫‪3‬‬
‫‪ -/1‬قدرات النظام السياسي‪:‬‬
‫يتمتع النظام السياسي بقدرات معينة‪ ،‬حتدد وتؤثر على كيفية أدائه لوظائفه وأدواره‪ ،‬وتساعد‬
‫يف الوقت نفسه على قياس مدى كفاءته وفعاليته يف التعامل مع بيئته احمللية والدولية‪ .‬فضال عن أن‬
‫هذه القدرات تعد من املستلزمات الوظيفية األساسية اليت يعتمد عليها النظام لكي حيافظ على بقائه‬
‫واس تمراره ـ‪ ،‬ويتمكن من حتقي ق تكامل ه ووحدت ه‪ .‬ومن هن ا ميكن التنب ؤ‪ -‬حس ب ه ذا املدخل‪-‬‬
‫باحتم االت التغي ري واإلمناء السياس ي وتفس ريه‪ ،‬ويص بح من املت اح قيـاس مس توى التنمي ة أو التخل ف‬
‫السياسي على حد سواء‪.‬‬
‫ويتميزاملدخل البنائي ال وظيفي بمجموع ة من الق درات األساسية‪ ،‬وإن ك انت مثة اختالف ات‬
‫نسبية يف كفاءة وفعالية هذه القدرات من نظام سياسي إىل آخر‪ ،‬ومن وقت إىل آخر‪ ،‬و أيضا داخل‬
‫النظام السياسي الواحد‪ .‬وتتمثل هذه القدرات‪ ،‬يف مخس قدرات رئيسية هي‪:‬‬
‫ـ القدرة اإلستخراجية «‪.»Extractive capability‬‬
‫ـ القدرة التنظيمية «‪.» Regulative capability ‬‬
‫ـ القدرة التوزيعية «‪.» Distributive Capability ‬‬
‫ـ القدرة الرمزية «‪.» SymbolicCapability ‬‬
‫ـ القدرة اإلستجابية ‪.» » Responsive Capability‬‬
‫ونستعرض كل من هذه القدرات بشيء من التفصيل املناسب(‪.)2‬‬
‫أ)‪ -‬القدرة اإلستخراجية‪:‬‬
‫وتشري هذه القدرة إىل مدى كفاءة النظام اإلستخراجية‪ ،‬من خالل تعبئة املوارد املادية والبشرية‬
‫من البيئ تني احمللي ة والدولي ة على ح د س واء‪ .‬وتعت رب ه ذه الق درة ذات أمهي ة خاص ة بالنس بة للنظ ام‬
‫السياسي‪ ،‬من حيث أهنا توفر املوارد الالزمة إلدارة اجملتمع السياسي‪.‬‬

‫ب)‪ -‬القدرة التنظيمية‪:‬‬

‫‪ )1(2‬ـ ملزيد من التفاصيل حول قدرات النظام السياسي أنظر‪:‬‬


‫ـ جربائيل أملوند‪ ،‬وآخرون‪ ،‬السياسة المقارنة‪ :‬إطار نظري‪( ،‬ترمجة حممد زاهي بشري املغرييب)‪ ،‬بنغازي‪ :‬جامعة قار يونس‪،1996 ،‬‬
‫ص ‪.302-289‬‬

‫‪4‬‬
‫وتش ري إىل ممارس ة النظ ام السياس ي للرقاب ة على س لوك األف راد واجلماع ات اخلاض عة للنظ ام‪.‬‬
‫باإلض افة إىل مق دار تغلغ ل النظ ام يف بيئت ه الدولي ة وف رض نف وذه وت أثريه عليه ا‪ .‬وتعتم د ه ذه الق درة‬
‫أساس ا على اس تخدام أو التل ويح باس تخدام اإلك راه املادي‪ ،‬هي ل ذلك تعت رب ق درة أساس ية للنظ ام‬
‫السياس ي‪ ،‬ومميزة ل ه عن غ ريه من النظم االجتماعي ة األخ رى‪ .‬غ ري أن ه ذه الق درة إذا م ا تع دت‬
‫حدودها املشروعة‪ ،‬فإهنا ستصبح أداة قمع حترم احلقوق واحلريات العامة‪.‬‬

‫جـ)‪ -‬القدرة التوزيعية‪:‬‬


‫وتش ري إىل توزي ع املن افع من ش ىت الس لع واخلدمات وم راتب الش رف واملكان ات االجتماعي ة‬
‫والف رض بني األف راد واجلماع ات‪ .‬وميكن قي اس ه ذه الق درة عن طري ق حتدي د كمي ة ونوعي ة األش ياء‬
‫املوزعة واجملاالت احلياتية اليت تشملها العملية التوزيعية‪.‬‬

‫د)‪ -‬القدرة الرمزية (‪:)3‬‬


‫ويقصد هبا مدى تدفق الرموز املؤشرة يف النظام السياسي إىل داخل‬
‫اجملتمع والبيئة الدولية على حد سواء‪ .‬وتتضمن هذه الرموز كل ما تبديه الصفوة احلاكمة من تأكيد‬
‫على القيم ال يت من ش أهنا إث ارة محاس اجلم اهري‪ ،‬وم ا تبدي ه من اهتم ام ب الرتاث الق ومي واملناس بات‬
‫الوطني ة‪ ،‬أو م ا يص در عنه ا من خطب وتص رحيات يف أوق ات األزم ات إىل غ ري ذل ك من املناس بات‬
‫واألحداث‪ ،‬وميكن بواسطتها تعبئة وحتريك احتياطي التأييد يف اجملتمع‪.‬‬
‫هـ)‪ -‬القدرة االستجابية‪:‬‬
‫وتشري هذه القدرة إىل العالقة بني مدخالت النظام احمللية أو الدولية (‪ ،)Input‬وبني خمرجاته‬
‫(‪ ،)Output‬وم دى ق درة النظ ام نفس ه على االس تجابة لك ل م ا يص در عن ظ روف واألوض اع‬
‫املتغ رية من م دخالت جدي دة تقتض ي ق رارات وسياس ات مالئم ة‪ ،‬وه ذا من خالل العملي ة (‬
‫‪ ،)Process‬مث التغذية الراجعة (‪.)Feed Back‬‬

‫‪ -/2‬وظائف التحويل‪:‬‬

‫() ـ يعرف الفيلسوف األملاين "أسوالد شبينغلر" (‪ )1936-1830‬الرمز‪ " :‬بأنه شبيه للوجود احلقيقي‪ ،‬والرمز شيء غري قابل‬ ‫‪3‬‬

‫للتفسري‪ ،‬وذلك ألنه إذا فس ر‪ ،‬فإمنا يفسر عندئذ برموز أخرى‪ ...‬فالرمز حملة من حملات الوجود احلقيقي وهو يدل عنذ الناس‬
‫ذوي الشعور اليقظ على شيء من املستحيل أن يعرب عنه بلغة عقالنية‪ ،‬وهو داللة تقوم على يقني باطن مباشر‪ .‬يرتبط ارتباطا‬
‫مباشر بالصرب‪ ،‬فهو يدل على شيء ما عضوي حي‪"...‬‬
‫ـ أسوالد شبينغلر‪ ،‬تدهور الحضارة الغربية‪ ،‬ترمجة أمحد الشيباين‪ ،‬بريوت‪ :‬مكتبة احلياة‪ ،1964 ،‬ص ‪.19‬‬

‫‪5‬‬
‫ويقصد هبا دراسة كيفية حتويل مدخالت النظام إىل خمرجات تتخذ شكل قرارات وسياسات‬
‫وإجراءات تنفيذية‪ .‬وتتمثل هذه الوظائف يف ستة عمليات رئيسية هي‪ :‬التعبري عن املصاحل‪ ،‬وجتميعها‪،‬‬
‫وصنع القواعد‪ ،‬وتطبيقها‪ ،‬مث الفصل يف املنازعات وفقا للقواعد‪ ،‬وأخريا اإلتصال السياسي‪.‬‬

‫‪ -/3‬وظائف التكيف واحلفاظ على النظام ‪:‬‬


‫حىت حيافظ النظام على بقائه واستمرار أداء وظائفه‪ ،‬البد أن يتكيف مع التغريات اليت تطرأ من‬
‫داخله‪ ،‬أو من البيئة احمليطة به‪ .‬وهو يف ذلك شأنه شأن مجيع النظم االجتماعية األخرى‪ ،‬ووسيلته يف‬
‫ذلك هي عملية التنشئة والتجنيد السياسي‪.‬علما بأن التنشئة هي عملية يتم مبقتضاها حصر الفرد أو‬
‫إذابته يف اجلماعة يأهل للتفاعل اإلجيايب واالنسجام معها‪.‬‬
‫من هذا املنطلق‪ ،‬فإن وصف املتطلبات األساسية ألي نظام سياسي نامي ومتطور‪ -‬على حد‬
‫حتلي ل املدخل البن ائي ال وظيفي خاص ة م ع اجله ود ال يت ق دمها "ألموند" و"ب‪AA‬اول" « ‪Almond  ‬‬
‫‪ » Gabriel»، « Powell‬يف ه ذا الش أن ‪ -‬ه و نت ائج للح وادث من البيئ ة الدولي ة‪ ،‬واجملتم ع‬
‫احمللي‪ ،‬أو من النخب ة السياس ية داخ ل النظ ام السياس ي ذات ه‪ ،‬ومهم ا ك ان مص در ه ذه الت أثريات فهي‬
‫تتض من تغ ريا مهم ا يف حجم انس ياب املدخالت للنظ ام السياس ي وحمتواه ا‪ .‬وعن دما ال يك ون النظ ام‬
‫السياس ي ق ادرا على مواجه ة املش اكل واألزم ات‪ ،‬ف إن التط ور والنم و حيدث إذا أص بح ل دى النظ ام‬
‫القدرات للتكيف القادر على مواجهة هذه التحديات‪ ،‬وإال فالنتيجة ستكون تراجعا وتنمية سلبية‪.‬‬
‫ويف إطار دائما السعي يف البحث عن النظام السياسي األفضل لإلمناء اجتهد "جابرئيل ألموند"‬
‫يف وض ع جمموع ة من اخلص ائص املم يزة القابل ة للتط بيق على أي نظ ام سياس ي‪ ،‬ه ذه اخلص ائص أو‬
‫املع ايري ال يت ع رب عنه ا بص ورة أك ثر جتري د ص اغها يف ثالث أبع اد‪ :‬متيز وتن وع األبني ة واألدوار‪،‬‬
‫والعلمانية‪ ،‬وأسلوب األداء (‪.)4‬‬

‫‪ - 1‬متيز وتن وع األبني ة واألدوار‪ :‬ويع ين املزيـد من التخص ص يف إطـار وح دة كلي ة‪ ،‬مبع ىن آخ ر أن‬
‫توج د أبني ة ذات أدوار وظيفي ة حمددة حتدي دا جي دا جيمعه ا إط ار تنس يق واس ع‪ .‬فطبق ا لتص ور"‬
‫أملوند " يوجد متييز األبنية مىت وجدت أبنية يف النظام السياسي حمددة الوظائف ومتيل إىل القيام‬
‫بدور ما مرتبط هبذه الوظيفة يف إطار النظام السياسي ككل‪ ،‬وذلك بصفة منتظمة‪.‬‬

‫‪ )(4‬ـ راجع يف ذلك‪:‬‬


‫ـ حمم د زاهي بش ري املغ رييب‪ ،‬التنمي‪AA‬ة السياس‪AA‬ية و السياس‪AA‬ة المقارن‪AA‬ة‪ :‬ق‪AA‬راءات مخت‪AA‬ارة ‪ ،‬بنغ ازي‪ :‬منش ورات جامع ة ق ار ي ونس‪،‬‬
‫‪،1998‬ص ‪.173‬‬
‫‪6‬‬
‫‪ 2‬ـ العلماني ة‪ :‬وهي العملي ة ال يت يص بح هبا املواطن أك ثر رش ادة وأك ثر واقعي ة وحتليلي ة يف س لوكه‪،‬‬
‫حبيث ترتك االجتاهات التقليدية مكاهنا لعمليات صنع القرار األكثر ديناميكية واليت تتضمن مجع‬
‫املعلومات وتقييمها‪ ،‬واستنباط احلركة البديلة‪ ،‬والوسائل اليت خيترب هبا ما إذا كان مسار احلركة‬
‫يقود إىل نتائج املرجوة أم ال‪.‬‬

‫‪ - 3‬أما معيار أسلوب األداء‪ :‬فمن خالله حسب" غابرائيل ألموند " ميكن التمييز بني النظم التقليدية‬
‫والنظم احلديث ة على أس اس طريق ة أداء الوظ ائف السياس ية املختلف ة فيتس م األس لوب احلديث‬
‫للتنش ئة بس متني التحدي د والعمومي ة‪ ،‬أم ا التقلي دي فباالنتش ار واخلصوص ية‪ ،‬ومن مث خيل ق األول‬
‫والءات للنظ ام الق ومي‪ ،‬بينم ا الث اين يك رس ال والء للجماع ات الفرعي ة (الطائفي ة‪ ،‬العش ائرية‪،‬‬
‫القبلية‪ ،‬األسرة‪.)...‬‬
‫إال أن هذا التحليل يف تفسري حمددات ومعايري التنمية السياسية مل ختلو من إنتقادات‪ ،‬إذ جعل"‬
‫غابرائي‪AA‬ل ألموند " النظ ام السياس ي الن امي مس اويا للنظم األجنل و‪-‬أمريكي ة‪ ،‬وه ذا يعت رب حتلي ل قيمي‬
‫اي ديولوجي منح از‪ .‬وعلى خالف "أملون د" اجته " ص‪AA A‬امويل ه‪AA A‬انتغتون " يف تش رحيه لقض ية التنمي ة‬
‫السياسية إىل وضع أمناط حتليلية للنظم السياسية‪ ،‬مرتكزا يف ذلك على مسألة التأسيس وهي العملية‬
‫اليت تكتسب هبا املنظمات قيمتها واستقرارها‪ ،‬وميكن تعريف مستوى التأسيس يف أي نظام سياسي‬
‫بالقدرة على التأقلم وبالتعقيد واالستقالل والتماسك‪ ،‬فإذا أمكن حتديد هوية هذه املعايري وقياسها فإنه‬
‫ميكن مقارنة النظم السياسية على أساس مستويات التأسيس‪ ،‬وميكن أيضا قياس الزيادة أو النقص يف‬
‫التأسيس بالنسبة للمنظمات واالجراءات داخل النظام السياسي‪.‬‬
‫فيقابل القدرة على التأقلم اجلمود وهو ميثل املستوى األدىن للتأسيس‪ ،‬فكلما زادت التحديات‬
‫يف البيئة وكلما زادت القدرة على التأقلم فإنه ميهد للنجاح بالنسبة للتحديات البيئية األخرى التالية‪،‬‬
‫وطاملا ظ ل اجلي ل األول ال ذي واجه األزم ات يش غل مناص به يف املنظم ة ف إن ق درهتا على الت أقلم غ ري‬
‫مشكوك فيها‪ ،‬وطاملا غريت املنظمة مرة أو أكثر من وظائفها األساسية فإهنا تعترب ذات مستوى عال‬
‫من التأسيس (‪.)5‬‬
‫ويقاب ل التعقي د البس اطة ال يت تش ري إىل املس توى األدىن للتأس يس‪ ،‬ويتض من التعقي د تع دد‬
‫الوح دات التنظيمي ة الفرعي ة ‪ -‬ت درجييا ووظيفي ا‪ -‬فكلم ا تع ددت واختلفت الوح دات الفرعي ة كلم ا‬
‫زادت ق درة املنظم ة على احلف اظ وض مان والء أعض اءها‪ ،‬وكلم ا تع ددت وظ ائف املنظم ة‪ ،‬كلم ا‬
‫كانت أقدر على التكيف مع فقدان وظيفة أو أكثر منها‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫() ـ زاهي بشري املغرييب‪ ،‬المرجع السابق الذكر‪ ،‬ص ‪.174‬‬

‫‪7‬‬
‫ويقابل الإستقالل التبعية اليت هي أدىن درجـات التأسيس‪ ،‬ويعين التأسيس السياسي من زاوية‬
‫الإ ستقالل خلق وتطوير منظمات وإجراءات سياسية للتعبري عن مصاحل اجلماعات االجتماعية‪.‬‬
‫ويقابل التماسك التفكك وهو أدىن مستويات التأسيس‪ ،‬فاملنظمة الفعالة تتطلب‪-‬على أدىن‬
‫تقدير‪ -‬إ تفاقا معقوال على احلدود الوظيفية للجماعة وعلى إجراءات حل النزاعات اليت حتدث داخل‬
‫هذه احلدود‪.‬‬
‫غري أن هذا التحليل مل يسلم أيضا من االنتقادات‪ ،‬ذلك أنه اختصر مفهوم التنمية السياسية يف‬
‫جمرد احلف اظ على النظ ام السياسي‪ ،‬أي كي ف ميكن حتاش ي اهلزات العنيف ة ال يت تص يب أو ميكن أن‬
‫تص يب نظ ام احلكم‪ .‬ومن ج انب آخ ر تنطب ق حتليالته على التنظيم ات الفرعي ة يف اجملتم ع أك ثر من‬
‫انطباقها على النظام السياسي كمنظمات جمتمعية‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فإن األستاذ " صامويل ه‪A‬انتغتون" يفرتض يف كتابات أخرى يف جمال تنمية وحتديث‬
‫النظم السياس ية مث ل غ ريه من علم اء السياس ة األمريك يني أمث ال "غابرائيل ألموند" و"دافي ‪AA‬د أب ‪AA‬تر"‬
‫وغريهم أن اجلوانب األكثر أمهية للتنمية السياسية تقوم على ثالثة أسس رئيسية‪:‬‬
‫ـ ترش يد الس لطة‪ ،‬وذل ك باس تبدال أك رب ع دد من السلطـات السياس ية التقليدي ة والديني ة واألس رية‬
‫واإلثنية بسلطة واحدة علمانية وقومية‪.‬‬
‫ـ وثانيا متيز الوظائف السياسية اجلديدة وتطوير أبنية متخصصة ألدائها‪.‬‬
‫ـ وثالثا زيادة املشاركة السياسية (‪.)6‬‬
‫من هذا املنطلق‪ ،‬فإن وصف املتطلبات األساسية ألي نظام سياسي نامي ومتطور‪ -‬على حد‬
‫حتلي ل املدخل البن ائي ال وظيفي خاص ة م ع اجله ود ال يت ق دمها "ألموند" و"ب‪AA‬اول" « ‪Almond  ‬‬
‫‪ » Gabriel»، « Powell‬يف ه ذا الش أن ‪ -‬ه و نت ائج للح وادث من البيئ ة الدولي ة‪ ،‬واجملتم ع‬
‫احمللي‪ ،‬أو من النخب ة السياس ية داخ ل النظ ام السياس ي ذات ه‪ ،‬ومهم ا ك ان مص در ه ذه الت أثريات فهي‬
‫تتض من تغ ريا مهم ا يف حجم انس ياب املدخالت للنظ ام السياس ي وحمتواه ا‪ .‬وعن دما ال يك ون النظ ام‬
‫السياس ي ق ادرا على مواجه ة املش اكل واألزم ات‪ ،‬ف إن التط ور والنم و حيدث إذا أص بح ل دى النظ ام‬
‫القدرات للتكيف القادر على مواجهة هذه التحديات‪ ،‬وإال فالنتيجة ستكون تراجعا وتنمية سلبية‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬تقييم التحليل البنائي الوظيفي‪:‬‬


‫على ال رغم من أن املدخل البن ائي‪ -‬ال وظيفي ق د اهتم بتحلي ل النظ ام السياس ي‪ ،‬وخباص ة‬
‫أعمال"غابرائيل ألمون " «‪ »Almond Gabriel‬وزمالئه "باول"«‪ ،» Powell ‬و"لوسيان‬

‫‪6‬‬
‫() ـ فرييل هيدي‪ ،‬المرجع السابق الذكر‪ ،‬ص ‪ 64‬ـ ‪.65‬‬

‫‪8‬‬
‫ب ‪AA A A‬اي"«‪ ،» Lucien Pye ‬و"كلم ‪AA A A‬ان" «‪ ،» Kolman ‬و"س ‪AA A A‬يدني فربا"«‪Verba   ‬‬
‫‪ ،»Sidney‬إال أن ه ذه التحليالت يتخلله ا ض عف يف ثناياه ا تض عف من تأثريه ا‪ ،‬وت دفع إىل اختاذ‬
‫اجتاه معاكس هلا‪ .‬وقد حدد األستاذ " نصر محم‪AA‬د ع‪AA‬ارف " جوانب قصور املدخل البنائي الوظيفي‬
‫يف النقاط التالية‪:‬‬
‫‪ -)1‬أن التحلي ل البن ائي ال وظيفي طمس اإلنس ان حبيث اختفى هنائي ا من نظرت ه وحتليالت ه‪ ،‬فال يوج د‬
‫لدى مفكريه اهتمام به‪ ،‬وال خبصائصه الفردية‪ ،‬وإمنا ينصب تركيزهم على النظام فقط‪ ،‬حبيث‬
‫أص بحت نظ رهتم وكأهنا منوذج مبس ط للنظ ام ب املعىن اجملرد‪ ،‬أو منط مث ايل يطب ق على ك ل‬
‫اجملتمعات يف املاضي واحلاضر واملستقبل‪.‬‬
‫‪ -)2‬الطبيعة املكانيكية هلذا التحليل‪ ،‬حيث يعترب أن النظام نسق آيل يتحرك بطريقة تلقاية بصورة‬
‫تتجاهل العنصر االجتماعي املكون هلذه النظم الذي يصعب التنبؤ بسلوكه أو التحكم فيه‪.‬‬
‫‪ -)3‬التبسيط املبالغ فيه يف االقرتاب من الظاهرة االجتماعية‪ ،‬واعتماد منطق التناقضات مثل البساطة‬
‫يف مقابل التعقيد‪ ،‬والكلية يف مقابل التشتت‪ ،‬والتشابك يف مقابل التخصص‪ ،‬واألبنية املصطنعة‬
‫يف مقابل األبنية الطبيعية‪ ،‬والتماسك االجتماعي يف مقابل التماسك العضوي‪ ،‬وامليول اجلماعية‬
‫يف مقابل امليول الذاتية‪...‬اخل(‪.)7‬مما يعطي هذه القيم صفة العمومية‪ ،‬حبيث تعترب القيم السائدة يف‬
‫اجملتمع الغريب هي دائما األكثر رقيا‪ ،‬وتلك املخالفة هلا تعرب عن منوذج تنموي أدىن ومتخلف‪.‬‬
‫‪ )4‬ـ إض افة إىل ذل ك‪ ،‬ف إن ه ذا املدخل حمدود ج دا فيم ا يتعل ق مبدى مس امهته يف فهم جمتمع ات متر‬
‫حباالت تغ ري ج ذري و أساس ي‪ .‬ومن املفارق ة أن علم اء السياس ة ق د ب دأوا يف إس تخدام ه ذا‬
‫املدخل لدراسة التغري السياسي يف نفس الوقت الذي بدأ فيه هذا املدخل يتعرض لالنتقادات يف‬
‫جمال علم اإلجتماع نظرا حملدوديته و عدم قدرته على دراسة هذه الظاهرة‪.‬‬
‫‪ )5‬ـ كذلك بالنظر إىل مفهوم األزمة (‪ )8‬ـ كما جاء يف حتليل أنصار البنائية الوظيفية ـ جند أهنا ليست‬
‫قاصرة على أنظمة العامل الثالث‪ ،‬كما أن عدم وجودها ال يعين الوصول إىل حالة التقدم أو التنمية‪.‬‬
‫فكث ري من اجملتمع ات املتقدم ة تع اين من بعض ه ذه األزم ات‪ .‬مث ل أزم ة التكام ل ال يت تع اين منه ا‬
‫بريطانيا‪ .‬وال يعد ذل ك دليال على أن ه ذه اجملتمع ات م ا زالت قيد النمو‪ .‬كم ا أن بعض النظم اليت‬

‫ص ‪.175‬‬ ‫() ـ نصر حممد عارف‪ ،‬نظريات التنمية السياسية املعاصرة‪ ،‬المرجع السابق الذكر‪،‬‬ ‫‪7‬‬

‫() ـ برز هذا املفهوم يف إطار دراسة التحديث السياسي كمفهوم يعرب عن حالة انتقالية متر هبا اجملتمعات امل تخلفة‪ ،‬وهي يف‬ ‫‪8‬‬

‫طريقها إىل احلداثة والتنمية‪ ،‬حيث أن عملية التحديث تفرز العديد من األزمات واملشاكل اليت تستوجب حتقيق التنمية السياسية‬
‫للتغلب عليها‪ .‬وقد حصرها "لوسيان باي" «‪ » Lucien Pye ‬يف ست أزمات‪ :‬أزمة اهلوية‪ ،‬وأزمة الشرعية‪ ،‬وأزمة التغلغل‪،‬‬
‫وأزمة املشاركة‪ ،‬وأزمة التكامل‪ ،‬وأزمة التوزيع‪.‬‬
‫ـ للتفصيل أكثر حول دراسة أزمات التنمية السياسية‪ ،‬أنظر على سبيل املثال‪:‬‬
‫ـ أسامة الغزايل حرب‪ ،‬المرجع السابق الذكر‪ ،‬ص‪.54-52‬‬
‫‪9‬‬
‫توصف بأهنا متخلفة قد ختلصت متاما من بعض هذه األزمات‪ ،‬مثل أزمة التغلغل‪ ،‬أو أزمة التوزيع‪،‬‬
‫وأزمة التكامل‪ ،‬ومل تصل بعد إىل مرحلة الدول املتقدمة‪ ،‬أو اليت جتاوزت مرحلة التخلف‪ ،‬ومثال عن‬
‫ذلك الدول النفطية والدول ذات املصادر التقليدية للشرعية‪.‬‬
‫‪ - )6‬اعتب ار ه ذا التحلي ل الثقاف ات غ ري غربي ة ثقاف ة واح دة تقليدي ة تش رتك مجيعه ا يف كوهنا ثقاف ة‬
‫مرحلة متخلفة عن الثقافة الغربية‪ ،‬ومعيقة للتحديث السياسي‪ ،‬وهذا ال يعين‪ -‬حسب هذا التحليل ‪-‬‬
‫سوى واحد من أمرين أو كليهما معا‪:‬‬

‫أ‪ -/‬إن التنمية والتحديث ليست إال أحد أبعاد مفهوم التغريب ‪ ،Weaternization‬أو صياغة‬
‫وتش كيل اجملتمع ات البش رية على ص ورة اجملتم ع الغ ريب املعاصر‪ ،‬ال ذي جتع ل من ه اهلدف النه ائي‬
‫لتطورها‪.‬‬

‫ب‪ -/‬إن هن اك ثقاف ة عاملي ة واح دة يش رتك فيه ا البش ر مجيع ا على اختالف ديان اهتم‪ ،‬ولغ اهتم‪،‬‬
‫وأجناسهم‪ ،‬وهذا خمالف للواقع العاملي‪ .‬حيث أن الثقافات متعددة بتعدد امللل والنحل‪ ،‬ولكل ثقافة‬
‫أسلوب يف التفكري أو النظر‪ ،‬منتزع من الدن الذي تدين به‪ ،‬وال يأخذ بعضها من بعض شيئا إال بعد‬
‫عرضه على أسلوهبا يف التفكري‪ ،‬فإن استجاب أخذته وعدلته وإن استعصى نبذته (‪.)9‬‬
‫وبالتايل فإن األسباب الكامنة وراء تدهور أوضاع اجملتمعات املستضعفة ال ترجع إىل بنية‬
‫ثقافته ا‪ ،‬بق در م ا ترج ع إىل العام ل اخلارجي املتمث ل يف النهب األوريب الغ ريب والبغي والس يطرة‬
‫واس تنزاف املوارد وتش ويه اهليك ل االقتص ادي‪ ،‬مث تش ويه البن اء الثق ايف وافتق اده فعاليته األص لية (‪،)10‬‬
‫ولكن ه ذا ال ينفي دور العوام ل الداخلي ة ال يت متثلت يف فس اد النخب السياس ية املتغرب ة‪ ،‬والظلم‬
‫االجتماعي‪ ،‬والركود الفكري‪.‬‬

‫‪ )7‬ـ أن التحلي ل البن ائي ال وظيفي ال ي زال ي نزع إىل املبالغ ة يف التعميم املب ين على تص ور امكاني ة بن اء‬
‫منوذج للمجتم ع املتخل ف ومش اكله‪ ،‬كم ا ل و ك ان موق ف معني وحي د للتخل ف‪ ،‬ال تك ون املواق ف‬
‫التجريبي ة إزاءه س وى تنويع ات على ه ذا النم ط املث ايل‪ ،‬وه ذا ب الطبع يتن اقض م ع واق ع اجملتمع ات‬
‫املتخلف ة ال يت تتب اين اخلالف ات بينه ا لدرج ة متن ع توص يفها كنم وذج واح د على األق ل إال بالنس بة‬
‫للمالمح شديدة العمومية‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫ص ‪.312‬‬ ‫() ـ نصر حممد عارف‪ ،‬نظريات التنمية السياسية املعاصرة‪ ،‬المرجع السابق الذكر‪،‬‬
‫‪10‬‬
‫() ـ خري دليل على ذلك السياسة الثقافية و التعليمية اليت اتبعها االستعمار الفرنسي يف اجلزائر‪ .‬و ال يزال إىل اليوم يريد فرض‬
‫مناهجه الثقايف والرتبوي العقيم واإلغرتايب‪.‬‬
‫‪10‬‬
‫‪ )8‬ـ كم ا يتجاه ل ه ذا التحلي ل‪ ،‬أو يقل ل من أمهي ة الس ياق ال دويل املتغ ري ال ذي جيري في ه تط ور‬
‫اجملتمعات املتخلفة‪ ،‬مع أن هذا السياق ميثل حمددا حامسا للتغري يف العامل الثالث‪ ،‬إىل الدرجة اليت يرى‬
‫معها البعض أن التغري يف النظم االجتماعية يف العامل الثالث إمنا يف األساس خارجي أكثر منه داخلي‪.‬‬
‫ولكن أدبي ات دراس ة النظم السياس ية وتطوراهتا املعاص رة ـ ق د ص يغت أساس ا طبق ا لظ روف الع امل‬
‫الغريب ومصاحله ـ مل تأخذ يف االعتبار العوامل احلامسة بالنسبة لظروف العامل الثالث مثل أثر الرتاث‬
‫االستعماري‪ ،‬واملعونة اخلارجية بكافة أشكاهلا‪ ،‬والتأثري الواضح للمؤسسات متعددة اجلنسية‪ .‬كما أن‬
‫أدبيات السياسة العامة‪ ،‬مل تول سوى أولوية ضئيلة للكيفية اليت ال تزال هبا عملية صنع القرارات يف‬
‫عديد من بلدان العامل الثالث‪ ،‬ختضع للهيمنة الثقافية املستمرة للقوى االستعمارية السابقة‪.‬‬
‫إن اإلص رار على اس تخدام مث ل ه ذه املف اهيم واملداخل املنهجي ة دون حماول ة لتط وير مف اهيم‬
‫وم داخل منهجي ة بديل ة و نابع ة من البيئ ة السياس ية واالجتماعي ة للمجتمع ات غ ري األوربية الغربية‪،‬‬
‫منسجمة مع مسلماهتا وأهدافها حبجة أن املسالك البحثية الشائعة هي األكثر فعالية دون نظر إىل‬
‫أهنا وضعت لتناسب واقعا مغايرا استمدت منه مقاييسها وأدواهتا‪ .‬كما أهنا تعرب بصورة أو بأخرى‬
‫عن نظ رة اجملتم ع األوريب للع امل غ ري األوريب ال يت تنبع من مص احله وحتيزات ه وأهداف ه‪ ،‬فاإلص رار على‬
‫اس تخدام ه ذه املف اهيم واملداخل املنهجي ة الغربي ة س وف ي ؤدي إىل املزي د من الت دهور على مس توى‬
‫الفكر واحلركة‪.‬‬
‫وإذا ج از لن ا أن نف رتض أن التوج ه النظ ري واملنهجي يف دراس ة النظم السياس ية جيب أن يرتب ط‬
‫باملتغريات الواقعية والظ روف التارخيي ة واحلض ارية والبيئي ة للواق ع الذي تدرسه‪ ،‬فإنه يصبح الإستعانة‬
‫باملف اهيم واملداخل املنهجي ة ال يت ص يغت للحف اظ على األوض اع القائم ة غ ري مالئم ة هلذا الواقع‪ .‬ل ذا‬
‫لزام ا علين ا أن نس تفيد من جه ة من املداخل املنهجي ة الس ابقة من خالل حتيي د م ا هبا من قص ور ومن‬
‫حتيزات‪ ،‬وإع ادة توظيفه ا يف إط ار أنس اق أخ رى ويف إط ار كلي ات خمتلف ة‪ ،‬ومن جه ة ثاني ة مراع اة‬
‫خصوص ية الظ واهر يف النظم السياس ية للمجتمع ات املختلف ة‪ ،‬وأبعاده ا البيئي ة احلض ارية والتارخيي ة‬
‫والثقافية‪.‬‬

‫‪11‬‬

You might also like