Professional Documents
Culture Documents
رغم ق دم البحث يف ه ذا اجملال واتس اع نطاق ه إال أن الدراس ة املوض وعية والعملي ة هلذه القض ية ال
تبع د كث ريا عن س تينيات الق رن املاض ي ،وتع زى بوج ه خ اص إىل ع امل السياس ة األم ريكي "جربئيل
أملوند" «" .» ALMOND Gabriel فأفالطون" و"أرسطو" مثال تناوال هذه القضية حبثا عما
جيب أن يقوم به النظام .كما تع رض منظ روا السياس ة الليرباليني يف الق رن 18م و19م للقض ية ذاهتا
من منطل ق االعتب ارات األخالقي ة واملعياري ة أيض ا ،وق د أش ار "ك ارل دويتش" «Karl W.
» Deutchيف مقاله "التعبئة االجتماعية والتنمية السياسية" «Social Mobilization and
» Political Developmentإىل تأخري عملية التغيري االجتماعي واالقتصادي على أداء النظم
السياس ية واس تقرار احلكوم ات وق دراهتا .كم ا أش ار "ديفي د إيس نت" « »Easton. Davidإىل
الق درة على معاجلة متطلب ات النظ ام السياس ي ،وأمناط األداء احلك ومي ،ولكن كال من "دويتش"
و"إيسنت" مل حياوال تقدمي تصورحتليلي ملفهوم القدرات « ،» Capabilities ولذلك تعترب جهود
"أملون د" يف ه ذا اجملال من أك ثر املعاجلات وأقرهبا إىل الواق ع العملي ،س يما وأن ه يعت رب حتدي د وحتلي ل
قدرات النظام السياسي "موضوع حبث ميداين" وليس جمرد قضية حبث نظري أكادميي فقط.
ويعتق د بعض الب احثني أن اس تخدام البنائي ة الوظيفية ( )1يف الدراس ات السياس ية ترج ع إىل
"أفالطون" و"أرسطو" اللذين كانا من أوائل الدارسني الذين اهتموا بالوظائف اليت ينبغـي أن يؤديها
-عبد العايل دبلة ،الدولة رؤية سوسيولوجية ،القاهرة :دار الفجر للنشر والتوزيع ،الطبعة األوىل ،2004 ،ص.89-88
1
النظام السياسي من أجل تدعيم وتنظيم اجملتمع السياسي احمللي .ورمبا كان ذلك صحيحا ،وال يتناقض
م ع م ا تؤك ده الدراس ات املعاص رة من أن احملاول ة الرائ دة يف ه ذا اجملال ق د ظه رت يف مطل ع الق رن
املاضي على يد "فرنAAك جودنAAاو" « ،» Frank Goodnow مث بلغت أوج تطورها مع تبلور
نظرية النظم اليت تعترب الفكرة األهم اليت خرجت منها معظم التحليالت يف حقل علم السياسة عامة،
ودراس ات النظم السياس ية خاص ة ،ابت داء من منوذج التحلي ل النس قي ،ال ذي يع د الص ياغة السياس ية
األوىل لنظري ة النظم ،وامت دادا إىل النم وذج االتص ايل ال ذي ط وره "كAA A Aارل دويتش" «Karl
» Deutchال ذي له كت اب ه ام حول عص ب احلكوم ة الذي يقص د ب ه العملية االتص الية ،مث إىل
صياغة "جابرائيAAل ألموند" « » Gabriel Almondلنفس النظرية ،وغريهم الذين أضافوا إىل
التحليالت البنائية الوظيفية كثريا من الأبعاد ،واملفاهيم اجلديدة ،وذلك من خالل تركيزهم على األبنية
والوظ ائف ،وجتنبهم الرتك يز على الدس اتري ،واملؤسس ات احلكومي ة الرمسية ،وق د اس تخدموا يف ذل ك
مفه وم النظ ام حمل الدول ة ،والوظيف ة حمل الس لطة والق وة ،واألدوار حمل املناص ب ،واألبني ة ب دال من
املؤسسات.
من هذا املنطلق فإن املدخل البنائي الوظيفي يقوم على استخدام النظرة اإلمجالية الشمولية يف
تناول األبنية االجتماعية ،حبيث ال ينظر إليها كتجمعات من األفراد ،أو العناصر ،أو الوحدات ،وإمنا
كمنظومة كاملة ،تتألف من عناصر موحدة القياس أو مستويات قابلة لالستبدال والتغيري متفاعلة مع
عناص ر أخ رى قابل ة أيض ا لالس تبدال والتغي ري ،ويتم التفاع ل بينه ا مبع امالت منظم ة ،وعلى قواع د
وقوانني ميكن تكرارها والسيطرة عليها .وتقوم هذه النظرة اإلمجالية الشمولية على دراسة كيفية تعلق
بعض العناص ر ببعض داخ ل ال رتكيب الع ام ال ذي حيكم املنظوم ة ،بغض النظ ر عن خص ائص ه ذه
العناصر.
2
املكون ات على بقي ة املكون ات األخ رى ،كم ا ي ؤدي ك ل تغي ري يف جمموع ة فرعي ة من التف اعالت إىل
تغيريات مصاحبة يف كل اجملموعات الفرعية األخرى.
وإذا كان النظام السياسي -حسب أنصار املدخل البنائي الوظيفي -ال يوجد يف فراغ ،وال
يعمل يف فراغ .كما أنه ليس نظاما مغلقا على نفسه ،فإنه يعترب كأي من النظم االجتماعية األخرى
نظام فرعي يرتبط ببناء كلي أكرب وأوسع نطاق منه .وأكثر مشوال عنه ،هو النسق االجتماعي الكلي.
كما أن النظام السياسي نظام منفتح على البيئة اخلارجية سواء كانت هذه البيئة حملية ،أو خارج نطاق
اجملتمع احمللي الذي يوجد فيه .ويذكر أنصار املدخل البنائي الوظيفي أن هناك ثالثة وظائف يعتربوهنا
مهمة عند دراسة األنظمة السياسية ،وهذه الوظائف هي:
3
-/1قدرات النظام السياسي:
يتمتع النظام السياسي بقدرات معينة ،حتدد وتؤثر على كيفية أدائه لوظائفه وأدواره ،وتساعد
يف الوقت نفسه على قياس مدى كفاءته وفعاليته يف التعامل مع بيئته احمللية والدولية .فضال عن أن
هذه القدرات تعد من املستلزمات الوظيفية األساسية اليت يعتمد عليها النظام لكي حيافظ على بقائه
واس تمراره ـ ،ويتمكن من حتقي ق تكامل ه ووحدت ه .ومن هن ا ميكن التنب ؤ -حس ب ه ذا املدخل-
باحتم االت التغي ري واإلمناء السياس ي وتفس ريه ،ويص بح من املت اح قيـاس مس توى التنمي ة أو التخل ف
السياسي على حد سواء.
ويتميزاملدخل البنائي ال وظيفي بمجموع ة من الق درات األساسية ،وإن ك انت مثة اختالف ات
نسبية يف كفاءة وفعالية هذه القدرات من نظام سياسي إىل آخر ،ومن وقت إىل آخر ،و أيضا داخل
النظام السياسي الواحد .وتتمثل هذه القدرات ،يف مخس قدرات رئيسية هي:
ـ القدرة اإلستخراجية «.»Extractive capability
ـ القدرة التنظيمية «.» Regulative capability
ـ القدرة التوزيعية «.» Distributive Capability
ـ القدرة الرمزية «.» SymbolicCapability
ـ القدرة اإلستجابية .» » Responsive Capability
ونستعرض كل من هذه القدرات بشيء من التفصيل املناسب(.)2
أ) -القدرة اإلستخراجية:
وتشري هذه القدرة إىل مدى كفاءة النظام اإلستخراجية ،من خالل تعبئة املوارد املادية والبشرية
من البيئ تني احمللي ة والدولي ة على ح د س واء .وتعت رب ه ذه الق درة ذات أمهي ة خاص ة بالنس بة للنظ ام
السياسي ،من حيث أهنا توفر املوارد الالزمة إلدارة اجملتمع السياسي.
4
وتش ري إىل ممارس ة النظ ام السياس ي للرقاب ة على س لوك األف راد واجلماع ات اخلاض عة للنظ ام.
باإلض افة إىل مق دار تغلغ ل النظ ام يف بيئت ه الدولي ة وف رض نف وذه وت أثريه عليه ا .وتعتم د ه ذه الق درة
أساس ا على اس تخدام أو التل ويح باس تخدام اإلك راه املادي ،هي ل ذلك تعت رب ق درة أساس ية للنظ ام
السياس ي ،ومميزة ل ه عن غ ريه من النظم االجتماعي ة األخ رى .غ ري أن ه ذه الق درة إذا م ا تع دت
حدودها املشروعة ،فإهنا ستصبح أداة قمع حترم احلقوق واحلريات العامة.
-/2وظائف التحويل:
() ـ يعرف الفيلسوف األملاين "أسوالد شبينغلر" ( )1936-1830الرمز " :بأنه شبيه للوجود احلقيقي ،والرمز شيء غري قابل 3
للتفسري ،وذلك ألنه إذا فس ر ،فإمنا يفسر عندئذ برموز أخرى ...فالرمز حملة من حملات الوجود احلقيقي وهو يدل عنذ الناس
ذوي الشعور اليقظ على شيء من املستحيل أن يعرب عنه بلغة عقالنية ،وهو داللة تقوم على يقني باطن مباشر .يرتبط ارتباطا
مباشر بالصرب ،فهو يدل على شيء ما عضوي حي"...
ـ أسوالد شبينغلر ،تدهور الحضارة الغربية ،ترمجة أمحد الشيباين ،بريوت :مكتبة احلياة ،1964 ،ص .19
5
ويقصد هبا دراسة كيفية حتويل مدخالت النظام إىل خمرجات تتخذ شكل قرارات وسياسات
وإجراءات تنفيذية .وتتمثل هذه الوظائف يف ستة عمليات رئيسية هي :التعبري عن املصاحل ،وجتميعها،
وصنع القواعد ،وتطبيقها ،مث الفصل يف املنازعات وفقا للقواعد ،وأخريا اإلتصال السياسي.
- 1متيز وتن وع األبني ة واألدوار :ويع ين املزيـد من التخص ص يف إطـار وح دة كلي ة ،مبع ىن آخ ر أن
توج د أبني ة ذات أدوار وظيفي ة حمددة حتدي دا جي دا جيمعه ا إط ار تنس يق واس ع .فطبق ا لتص ور"
أملوند " يوجد متييز األبنية مىت وجدت أبنية يف النظام السياسي حمددة الوظائف ومتيل إىل القيام
بدور ما مرتبط هبذه الوظيفة يف إطار النظام السياسي ككل ،وذلك بصفة منتظمة.
- 3أما معيار أسلوب األداء :فمن خالله حسب" غابرائيل ألموند " ميكن التمييز بني النظم التقليدية
والنظم احلديث ة على أس اس طريق ة أداء الوظ ائف السياس ية املختلف ة فيتس م األس لوب احلديث
للتنش ئة بس متني التحدي د والعمومي ة ،أم ا التقلي دي فباالنتش ار واخلصوص ية ،ومن مث خيل ق األول
والءات للنظ ام الق ومي ،بينم ا الث اين يك رس ال والء للجماع ات الفرعي ة (الطائفي ة ،العش ائرية،
القبلية ،األسرة.)...
إال أن هذا التحليل يف تفسري حمددات ومعايري التنمية السياسية مل ختلو من إنتقادات ،إذ جعل"
غابرائيAAل ألموند " النظ ام السياس ي الن امي مس اويا للنظم األجنل و-أمريكي ة ،وه ذا يعت رب حتلي ل قيمي
اي ديولوجي منح از .وعلى خالف "أملون د" اجته " صAA Aامويل هAA Aانتغتون " يف تش رحيه لقض ية التنمي ة
السياسية إىل وضع أمناط حتليلية للنظم السياسية ،مرتكزا يف ذلك على مسألة التأسيس وهي العملية
اليت تكتسب هبا املنظمات قيمتها واستقرارها ،وميكن تعريف مستوى التأسيس يف أي نظام سياسي
بالقدرة على التأقلم وبالتعقيد واالستقالل والتماسك ،فإذا أمكن حتديد هوية هذه املعايري وقياسها فإنه
ميكن مقارنة النظم السياسية على أساس مستويات التأسيس ،وميكن أيضا قياس الزيادة أو النقص يف
التأسيس بالنسبة للمنظمات واالجراءات داخل النظام السياسي.
فيقابل القدرة على التأقلم اجلمود وهو ميثل املستوى األدىن للتأسيس ،فكلما زادت التحديات
يف البيئة وكلما زادت القدرة على التأقلم فإنه ميهد للنجاح بالنسبة للتحديات البيئية األخرى التالية،
وطاملا ظ ل اجلي ل األول ال ذي واجه األزم ات يش غل مناص به يف املنظم ة ف إن ق درهتا على الت أقلم غ ري
مشكوك فيها ،وطاملا غريت املنظمة مرة أو أكثر من وظائفها األساسية فإهنا تعترب ذات مستوى عال
من التأسيس (.)5
ويقاب ل التعقي د البس اطة ال يت تش ري إىل املس توى األدىن للتأس يس ،ويتض من التعقي د تع دد
الوح دات التنظيمي ة الفرعي ة -ت درجييا ووظيفي ا -فكلم ا تع ددت واختلفت الوح دات الفرعي ة كلم ا
زادت ق درة املنظم ة على احلف اظ وض مان والء أعض اءها ،وكلم ا تع ددت وظ ائف املنظم ة ،كلم ا
كانت أقدر على التكيف مع فقدان وظيفة أو أكثر منها.
5
() ـ زاهي بشري املغرييب ،المرجع السابق الذكر ،ص .174
7
ويقابل الإستقالل التبعية اليت هي أدىن درجـات التأسيس ،ويعين التأسيس السياسي من زاوية
الإ ستقالل خلق وتطوير منظمات وإجراءات سياسية للتعبري عن مصاحل اجلماعات االجتماعية.
ويقابل التماسك التفكك وهو أدىن مستويات التأسيس ،فاملنظمة الفعالة تتطلب-على أدىن
تقدير -إ تفاقا معقوال على احلدود الوظيفية للجماعة وعلى إجراءات حل النزاعات اليت حتدث داخل
هذه احلدود.
غري أن هذا التحليل مل يسلم أيضا من االنتقادات ،ذلك أنه اختصر مفهوم التنمية السياسية يف
جمرد احلف اظ على النظ ام السياسي ،أي كي ف ميكن حتاش ي اهلزات العنيف ة ال يت تص يب أو ميكن أن
تص يب نظ ام احلكم .ومن ج انب آخ ر تنطب ق حتليالته على التنظيم ات الفرعي ة يف اجملتم ع أك ثر من
انطباقها على النظام السياسي كمنظمات جمتمعية.
وعليه ،فإن األستاذ " صامويل هAانتغتون" يفرتض يف كتابات أخرى يف جمال تنمية وحتديث
النظم السياس ية مث ل غ ريه من علم اء السياس ة األمريك يني أمث ال "غابرائيل ألموند" و"دافي AAد أب AAتر"
وغريهم أن اجلوانب األكثر أمهية للتنمية السياسية تقوم على ثالثة أسس رئيسية:
ـ ترش يد الس لطة ،وذل ك باس تبدال أك رب ع دد من السلطـات السياس ية التقليدي ة والديني ة واألس رية
واإلثنية بسلطة واحدة علمانية وقومية.
ـ وثانيا متيز الوظائف السياسية اجلديدة وتطوير أبنية متخصصة ألدائها.
ـ وثالثا زيادة املشاركة السياسية (.)6
من هذا املنطلق ،فإن وصف املتطلبات األساسية ألي نظام سياسي نامي ومتطور -على حد
حتلي ل املدخل البن ائي ال وظيفي خاص ة م ع اجله ود ال يت ق دمها "ألموند" و"بAAاول" « Almond
» Gabriel»، « Powellيف ه ذا الش أن -ه و نت ائج للح وادث من البيئ ة الدولي ة ،واجملتم ع
احمللي ،أو من النخب ة السياس ية داخ ل النظ ام السياس ي ذات ه ،ومهم ا ك ان مص در ه ذه الت أثريات فهي
تتض من تغ ريا مهم ا يف حجم انس ياب املدخالت للنظ ام السياس ي وحمتواه ا .وعن دما ال يك ون النظ ام
السياس ي ق ادرا على مواجه ة املش اكل واألزم ات ،ف إن التط ور والنم و حيدث إذا أص بح ل دى النظ ام
القدرات للتكيف القادر على مواجهة هذه التحديات ،وإال فالنتيجة ستكون تراجعا وتنمية سلبية.
6
() ـ فرييل هيدي ،المرجع السابق الذكر ،ص 64ـ .65
8
ب AA A Aاي"« ،» Lucien Pye و"كلم AA A Aان" « ،» Kolman و"س AA A Aيدني فربا"«Verba
،»Sidneyإال أن ه ذه التحليالت يتخلله ا ض عف يف ثناياه ا تض عف من تأثريه ا ،وت دفع إىل اختاذ
اجتاه معاكس هلا .وقد حدد األستاذ " نصر محمAAد عAAارف " جوانب قصور املدخل البنائي الوظيفي
يف النقاط التالية:
-)1أن التحلي ل البن ائي ال وظيفي طمس اإلنس ان حبيث اختفى هنائي ا من نظرت ه وحتليالت ه ،فال يوج د
لدى مفكريه اهتمام به ،وال خبصائصه الفردية ،وإمنا ينصب تركيزهم على النظام فقط ،حبيث
أص بحت نظ رهتم وكأهنا منوذج مبس ط للنظ ام ب املعىن اجملرد ،أو منط مث ايل يطب ق على ك ل
اجملتمعات يف املاضي واحلاضر واملستقبل.
-)2الطبيعة املكانيكية هلذا التحليل ،حيث يعترب أن النظام نسق آيل يتحرك بطريقة تلقاية بصورة
تتجاهل العنصر االجتماعي املكون هلذه النظم الذي يصعب التنبؤ بسلوكه أو التحكم فيه.
-)3التبسيط املبالغ فيه يف االقرتاب من الظاهرة االجتماعية ،واعتماد منطق التناقضات مثل البساطة
يف مقابل التعقيد ،والكلية يف مقابل التشتت ،والتشابك يف مقابل التخصص ،واألبنية املصطنعة
يف مقابل األبنية الطبيعية ،والتماسك االجتماعي يف مقابل التماسك العضوي ،وامليول اجلماعية
يف مقابل امليول الذاتية...اخل(.)7مما يعطي هذه القيم صفة العمومية ،حبيث تعترب القيم السائدة يف
اجملتمع الغريب هي دائما األكثر رقيا ،وتلك املخالفة هلا تعرب عن منوذج تنموي أدىن ومتخلف.
)4ـ إض افة إىل ذل ك ،ف إن ه ذا املدخل حمدود ج دا فيم ا يتعل ق مبدى مس امهته يف فهم جمتمع ات متر
حباالت تغ ري ج ذري و أساس ي .ومن املفارق ة أن علم اء السياس ة ق د ب دأوا يف إس تخدام ه ذا
املدخل لدراسة التغري السياسي يف نفس الوقت الذي بدأ فيه هذا املدخل يتعرض لالنتقادات يف
جمال علم اإلجتماع نظرا حملدوديته و عدم قدرته على دراسة هذه الظاهرة.
)5ـ كذلك بالنظر إىل مفهوم األزمة ( )8ـ كما جاء يف حتليل أنصار البنائية الوظيفية ـ جند أهنا ليست
قاصرة على أنظمة العامل الثالث ،كما أن عدم وجودها ال يعين الوصول إىل حالة التقدم أو التنمية.
فكث ري من اجملتمع ات املتقدم ة تع اين من بعض ه ذه األزم ات .مث ل أزم ة التكام ل ال يت تع اين منه ا
بريطانيا .وال يعد ذل ك دليال على أن ه ذه اجملتمع ات م ا زالت قيد النمو .كم ا أن بعض النظم اليت
ص .175 () ـ نصر حممد عارف ،نظريات التنمية السياسية املعاصرة ،المرجع السابق الذكر، 7
() ـ برز هذا املفهوم يف إطار دراسة التحديث السياسي كمفهوم يعرب عن حالة انتقالية متر هبا اجملتمعات امل تخلفة ،وهي يف 8
طريقها إىل احلداثة والتنمية ،حيث أن عملية التحديث تفرز العديد من األزمات واملشاكل اليت تستوجب حتقيق التنمية السياسية
للتغلب عليها .وقد حصرها "لوسيان باي" « » Lucien Pye يف ست أزمات :أزمة اهلوية ،وأزمة الشرعية ،وأزمة التغلغل،
وأزمة املشاركة ،وأزمة التكامل ،وأزمة التوزيع.
ـ للتفصيل أكثر حول دراسة أزمات التنمية السياسية ،أنظر على سبيل املثال:
ـ أسامة الغزايل حرب ،المرجع السابق الذكر ،ص.54-52
9
توصف بأهنا متخلفة قد ختلصت متاما من بعض هذه األزمات ،مثل أزمة التغلغل ،أو أزمة التوزيع،
وأزمة التكامل ،ومل تصل بعد إىل مرحلة الدول املتقدمة ،أو اليت جتاوزت مرحلة التخلف ،ومثال عن
ذلك الدول النفطية والدول ذات املصادر التقليدية للشرعية.
- )6اعتب ار ه ذا التحلي ل الثقاف ات غ ري غربي ة ثقاف ة واح دة تقليدي ة تش رتك مجيعه ا يف كوهنا ثقاف ة
مرحلة متخلفة عن الثقافة الغربية ،ومعيقة للتحديث السياسي ،وهذا ال يعين -حسب هذا التحليل -
سوى واحد من أمرين أو كليهما معا:
أ -/إن التنمية والتحديث ليست إال أحد أبعاد مفهوم التغريب ،Weaternizationأو صياغة
وتش كيل اجملتمع ات البش رية على ص ورة اجملتم ع الغ ريب املعاصر ،ال ذي جتع ل من ه اهلدف النه ائي
لتطورها.
ب -/إن هن اك ثقاف ة عاملي ة واح دة يش رتك فيه ا البش ر مجيع ا على اختالف ديان اهتم ،ولغ اهتم،
وأجناسهم ،وهذا خمالف للواقع العاملي .حيث أن الثقافات متعددة بتعدد امللل والنحل ،ولكل ثقافة
أسلوب يف التفكري أو النظر ،منتزع من الدن الذي تدين به ،وال يأخذ بعضها من بعض شيئا إال بعد
عرضه على أسلوهبا يف التفكري ،فإن استجاب أخذته وعدلته وإن استعصى نبذته (.)9
وبالتايل فإن األسباب الكامنة وراء تدهور أوضاع اجملتمعات املستضعفة ال ترجع إىل بنية
ثقافته ا ،بق در م ا ترج ع إىل العام ل اخلارجي املتمث ل يف النهب األوريب الغ ريب والبغي والس يطرة
واس تنزاف املوارد وتش ويه اهليك ل االقتص ادي ،مث تش ويه البن اء الثق ايف وافتق اده فعاليته األص لية (،)10
ولكن ه ذا ال ينفي دور العوام ل الداخلي ة ال يت متثلت يف فس اد النخب السياس ية املتغرب ة ،والظلم
االجتماعي ،والركود الفكري.
)7ـ أن التحلي ل البن ائي ال وظيفي ال ي زال ي نزع إىل املبالغ ة يف التعميم املب ين على تص ور امكاني ة بن اء
منوذج للمجتم ع املتخل ف ومش اكله ،كم ا ل و ك ان موق ف معني وحي د للتخل ف ،ال تك ون املواق ف
التجريبي ة إزاءه س وى تنويع ات على ه ذا النم ط املث ايل ،وه ذا ب الطبع يتن اقض م ع واق ع اجملتمع ات
املتخلف ة ال يت تتب اين اخلالف ات بينه ا لدرج ة متن ع توص يفها كنم وذج واح د على األق ل إال بالنس بة
للمالمح شديدة العمومية.
9
ص .312 () ـ نصر حممد عارف ،نظريات التنمية السياسية املعاصرة ،المرجع السابق الذكر،
10
() ـ خري دليل على ذلك السياسة الثقافية و التعليمية اليت اتبعها االستعمار الفرنسي يف اجلزائر .و ال يزال إىل اليوم يريد فرض
مناهجه الثقايف والرتبوي العقيم واإلغرتايب.
10
)8ـ كم ا يتجاه ل ه ذا التحلي ل ،أو يقل ل من أمهي ة الس ياق ال دويل املتغ ري ال ذي جيري في ه تط ور
اجملتمعات املتخلفة ،مع أن هذا السياق ميثل حمددا حامسا للتغري يف العامل الثالث ،إىل الدرجة اليت يرى
معها البعض أن التغري يف النظم االجتماعية يف العامل الثالث إمنا يف األساس خارجي أكثر منه داخلي.
ولكن أدبي ات دراس ة النظم السياس ية وتطوراهتا املعاص رة ـ ق د ص يغت أساس ا طبق ا لظ روف الع امل
الغريب ومصاحله ـ مل تأخذ يف االعتبار العوامل احلامسة بالنسبة لظروف العامل الثالث مثل أثر الرتاث
االستعماري ،واملعونة اخلارجية بكافة أشكاهلا ،والتأثري الواضح للمؤسسات متعددة اجلنسية .كما أن
أدبيات السياسة العامة ،مل تول سوى أولوية ضئيلة للكيفية اليت ال تزال هبا عملية صنع القرارات يف
عديد من بلدان العامل الثالث ،ختضع للهيمنة الثقافية املستمرة للقوى االستعمارية السابقة.
إن اإلص رار على اس تخدام مث ل ه ذه املف اهيم واملداخل املنهجي ة دون حماول ة لتط وير مف اهيم
وم داخل منهجي ة بديل ة و نابع ة من البيئ ة السياس ية واالجتماعي ة للمجتمع ات غ ري األوربية الغربية،
منسجمة مع مسلماهتا وأهدافها حبجة أن املسالك البحثية الشائعة هي األكثر فعالية دون نظر إىل
أهنا وضعت لتناسب واقعا مغايرا استمدت منه مقاييسها وأدواهتا .كما أهنا تعرب بصورة أو بأخرى
عن نظ رة اجملتم ع األوريب للع امل غ ري األوريب ال يت تنبع من مص احله وحتيزات ه وأهداف ه ،فاإلص رار على
اس تخدام ه ذه املف اهيم واملداخل املنهجي ة الغربي ة س وف ي ؤدي إىل املزي د من الت دهور على مس توى
الفكر واحلركة.
وإذا ج از لن ا أن نف رتض أن التوج ه النظ ري واملنهجي يف دراس ة النظم السياس ية جيب أن يرتب ط
باملتغريات الواقعية والظ روف التارخيي ة واحلض ارية والبيئي ة للواق ع الذي تدرسه ،فإنه يصبح الإستعانة
باملف اهيم واملداخل املنهجي ة ال يت ص يغت للحف اظ على األوض اع القائم ة غ ري مالئم ة هلذا الواقع .ل ذا
لزام ا علين ا أن نس تفيد من جه ة من املداخل املنهجي ة الس ابقة من خالل حتيي د م ا هبا من قص ور ومن
حتيزات ،وإع ادة توظيفه ا يف إط ار أنس اق أخ رى ويف إط ار كلي ات خمتلف ة ،ومن جه ة ثاني ة مراع اة
خصوص ية الظ واهر يف النظم السياس ية للمجتمع ات املختلف ة ،وأبعاده ا البيئي ة احلض ارية والتارخيي ة
والثقافية.
11