Professional Documents
Culture Documents
السنة اجلامعية2020-2021
مقدمة
ارتبط علم السياسة بنشأة و تكوين الدولة ،كما ارتبطت السياسات العامة ابلتخطيط للوظائف اليت
تقوم هبا الدولة ،غري أن ذلك و مدى رشادة السياسة العامة يتوقف على اسرتاتيجية الدولة يف اجتاه
حتقيق املطالب املتزايدة يف اجملتمع يف خمتلف اجملاالت.
إن مفهوم السياسة العامة مفهوم حديث ،ظهر بعد احلرب العاملية الثانية ،لكنه حضي ابهتمام واسع
عند املفكرين نظرا الرتباطه بعملية اختاذ القرارات العمومية ،و قد عرف عدة تطورات يف املفهوم و
املمارسة تبعا لتأثري األنظمة السياسية و االقتصادية و االجتماعية.
من انحية أخرى ،يعترب موضوع صنع القرار من أهم املواضيع ،وأكثرها أتثريا على حياة األفراد
واملؤسسات و الدول ،و االهتمام بدارسته و دراسة مدى فعاليته ،و معرفة العوامل الداخلية و
اخلارجية اليت تؤثر على عملية اختاذ القرار ،حمور الدراسات منذ القدم ،حيث استخدمت أساليب
تقليدية فيه ،و مع ظهور املدارس الفكرية يف علم اإلدارة عرف هذا املفهوم تطورات خمتلفة حسب
اختالف النظرايت الفكرية ،و اهلدف الذي كانت تبحث عنه هذه املدارس هو كيفية حتقيق رشادة و
عقالنية القرار.
تكتسي عملية تدريس رسم السياسة العامة و صنع القرار على أهداف علمية و مهنية و سياسية.
أ .األهداف العلمية :وذلك لكي يتم احلصول على معلومات أكثر عن مصادر السياسات العامة
وعمليات صياغتها وتطويرها وآاثرها على اجملتمع ،مما يؤدي إىل زايدة فهم النظام السياسي واجملتمع،
وهذا ابالعتماد على األساليب العلمية.
ب .األهداف املهنية :مبعىن تطبيق املعرفة العلمية حلل املشاكل اإلجتماعية حمل النقاش واجلدل فكلما
زادت املعرفة لدى األفراد واملنظمات ابلعوامل اليت أدت إىل صنع السياسات العامة وابلنتائج املرتتبة
عليها ،زادت القدرة على معرفة ما جيب فعله لتحقيق أهداف السياسة العامة.
ج .األهداف السياسية :يتم االهتمام هنا أبهداف السياسة العامة وكيف تقوم احلكومة ابختيار
السياسات املناسبة لتحقيق األهداف املنشودة ،وهنا يتم التأكيد على دور حملل السياسة العامة،
وضرورة حبثه عن املشاكل اإلجتماعية والسياسية املعاصرة ،و حماولة حتليلها وإجياد السياسة املناسبة
حللها.
كيف ترسم السياسات العمومية و تتخذ القرارات العمومية ،يف ظل تعدد الفواعل املتدخلة فيها؟
ماذا نعين ابلقرار و ماذا نعين ابلسياسة العامة؟ و ما العالقة املوجودة بني املفهومني؟
من يتخذ القرار و من يصنع السياسة العامة؟ مبعىن آخر من هم الفواعل الرمسية و غري الرمسية يف رسم
السياسة العامة و صنع القرار؟
ملاذا ترسم السياسات العمومية من طرف الدولة و ما اهلدف أو األهداف اليت تصبو إليها؟
و لإلجابة على هذه األسئلة ،مت تقسيم املوضوع إىل ثالث فصول ،الفصل األول يدور حول اإلطار
النظري و املفاهيمي لرسم السياسة العامة و صنع القرار حيث مت التطرق إىل حتديد مفهومهما و
خصائصهما و أنواعهما.
أما الفصل الثاين فهو يدور حول الفواعل الرمسية و غري الرمسية يف رسم السياسة العامة و صنع القرار
،و إظهار دورها يف عملية صنع و تنفيذ و تقييم السياسة العامة .
و الفصل الثالث مت التطرق فيه إىل مراحل رسم السياسة العامة و صنع القرار ابتداءا من وجود
مشكلة وصوال إىل تقومي القرار و إدخال التعديالت الالزمة ،بعد ذلك مت التطرق إىل مداخل دراسة
السياسة العامة و صنع القرار اليت تعددت و اختلفت بتعدد و اختالف املدارس الفكرية.
الفصل األو
اإلطار النظري و املفاهيمي لرسم السياسة
العامة و صنع القرار
الفصل األو :اإلطار النظري و املفاهيمي لرسم السياسة العامة و صنع القرار
لقد عرف كال من مفهوم السياسة العامة و القرار عدة تطورات يف املفهوم و املمارسة ،و هذا ما
سنوضحه من خالل هذا الفصل.
إن حتول الدولة من دولة الرعاية إىل دولة متدخلة أدى إىل تضاعف وترية التدخل يف جممل مناحي
احلياة اليت ختص املواطن ،مما ترتب على ذلك مشكالت ومصاعب ،استدعت تشخيص
األسباب و وضع احللول املناسبة هلذه املشكالت على أسس علمية وموضوعية ،و مع هذا بدأت
تربز السياسة العامة كحقل علمي يتطلب العناية و الدراسة فتعددت التعاريف و تباينت حسب
املدارس البحثية واخللفية الفكرية لكل ابحث ،و من أمهها:
تعريف جيمس اندرسون على أهنا" برانمج عمل للحكومة يف نطاق بيئة حمددة لتوضيح الغرض
املستهدف واحملددات املراد جتاوزها سعيا للوصول إىل األهداف ،أو لتحقيق غرض مقصود...أو هى
برانمج عمل هادف يعقبه أداء فردي أو مجاعي يف التصدي ملشكلة أو قضية ما."1
يركز تعريف جيمس أندرسون على ثالث عناصر هي املؤسسة احلكومية و اهلدف الذي ينبغي
حتديده منذ البداية حلل املشكلة املستهدفة ،و الربانمج أي أن السياسة العامة عبارة عن خطة عمل.
كما عرفها توماس داي أبهنا "العالقة بني الوحدة احلكومية وبيئتها ،فهي تعبري عن كل شيء تقوم
به احلكومة ،أوهي تقرير أو اختيار حكومي للفعل أو عدم الفعل.2..".
-1جيمس ،اندرسون ،صنع السياسة العامة ،ترمجة :عامر ،الكبيسي ،األردن :دار املسرية للنشر و التوزيع و الطباعة،
،9111ص ص.15-14
2
- Daniel Kubler, Jacques de Maillard, Analyser les politiques publiques, presse universitaire
de grenoble, France,2009,P9.
هذا التعريف يتناول اإلختالف بني ما تقرره احلكومة وما تفعله فعال ،حيث يوضح اجلانب الضمين
واخلفي يف السياسة أي مبعىن السكوت حول قضية ما ،أو عدم إبداء أي رد فعل حول مشكلة ما
كإضراب أو طلب الزايدة يف األجر لشرحية معينة ،هذا الصمت و عدم الفعل يعرب عن سياسة عامة
للحكومة.
كما يرى أيضا"جابرييل أملوند" أهنا متثل":حمصلة عملية منتظمة عن تفاعل املدخالت مع
3
املخرجات للتعبري عن أداء النظام السياسي يف قدرته اإلستخراجية والتنظيمية ،التوزيعية ،الرمزية"
تعترب السياسات العامة مبثابة خمرجات او استجاابت النظام السياسي للمدخالت الصادرة إليه من
البيئة.
كما يعرفها كل من حممد حممود ربيع ،عبد هللا الغنيم "::برانمج معد للقيم املستهدفة واملمارسات،
4
وهي وضع وصياغة وتطبيق التحدايت واملطالب والتوقعات"
أما علي الشرقاوي يرى أهنا"تطلق على تلك القرارات اجلوهرية اليت تتم يف منظمة معينة وتتصف
أبكرب قدر من التشعب وتعطي أطول مدى زمين وتتطلب أكرب قدر من املعلومات والتفكري
5
اإلبداعي و التأملي"
يركز هذا التعريف على عنصرين مهمني مها :القرارات اجلوهرية مبعىن القرارات اإلسرتاتيجية و اإلدارية
أما العنصر الثاين فهو املعلومات مبعىن ضرورة توفر املعلومة الصحيحة يف الوقت املناسب.
حسن ابشر الطيب يرى أبنه" :مع تعاظم تدخل الدولة العصرية ،املتمثل يف أدوارها املتعددة اهلادفة
لتخطيط وتنظيم وتنسيق وتوجيه كافة جوانب احلياة يف اجملتمع يتجسد يف السياسات العامة
املتعددة واملتنوعة اليت تبلور اإلرادة اجملتمعية وحتدد األطر الفكرية واملناهج العملية لتوجهات
وأساليب عمل املؤسسات احلكومية ومنها السياسات العامة املتصلة ابلدفاع واألمن والعالقات
-3جابرييل املوند ،بنجهام بويل ، ،السياسة املقارنة إطار نظري ،ترمجة :حممد بشري املغازي ،بنغازي :منشورات .قاز يونس،
،1996ص. 272
-4حممد حممود ،ربيع و عبد هللا ،الغنيم واخرون ،موسوعة العلوم السياسية،ج ،9الكويت، 1993 ،ص. 451
-5علي ،الشرقاوي ،السياسات اإلدارية،اإلسكندرية ،املكتب العريب احلديث، 1988 ،ص. 23
اخلارجية الصحة والتعليم واإلسكان والقوى العاملة واالقتصاد القومي والرعاية االجتماعية والبيئة
6
وغريها"
حسب هذا التعريف أن الدولة العصرية هي تلك الدولة املتدخلة يف كل القطاعات (دولة الرفاه) و
هذا ما أدى إىل كثرة السياسات العامة يف كل القطاعات اإلقتصادية و اإلجتماعية و الثقافية.
أما فهمي خليفة الفهداوي فريى أهنا تعين":املشاركة يف صنع القرارات املهمة يف اجملتمع والقرار بصفة
عامة هو اإلختيار الواعي بني البدائل بعد دراسة املوقف من أجل حتقيق هدف معني"7
كما يعرف فهمي خليفة الفهداوي السياسة العامة انطالقا من ثالث زوااي:8
-من منظور ممارسة القوة (السلطة) مبعىن أهنا القدرة على التأثري يف صنع القرار يف اجملتمع ،أي أن
منظور القوة يعكس إمكانية الصفو ة يف حصوهلا على القيم العامة عرب التأثري على قوة اآلخرين يف
اجملتمع ،وأن السياسة العامة ميكن هلا أن تكون إنعكاسات لوجهة نظر أو إرادة أصحاب النفوذ
والقوة ،الذين يسيطرون على حماور التنظيم السياسي ونشاطات مؤسساته املختلفة وتكون القوة نتيجة
إمتالك مصدر أو مصادر القوة املعروفة مثل اإلكراه ،املال ،اخلربة ،املنصب ،الشخصية ....اخل
إن هذا املنظور قدم نظرة كلية واسعة وشاملة ،حلركة البيئة وتفاعل نظمها ،ابلشكل الذي يسهم يف
إقامة وحدة حتليلية مرتابطة ترتكز على قضااي وشؤون املصلحة العامة ،كإستجابة للنظام السياسي،
فالسياسة العامة من هذا املنظور تتأثر بعوامل عديدة قائمة يف اجملتمع ،فالبيئة الداخلية واخلارجية
تعمالن على تشكيل القضااي واملشكالت السياسية يف الدولة ،وتضع حتدايت يف وجه السياسة
العامة مثل البطالة والتضخم ،وعليه ال تكون السياسة العامة ذات كفاءة وفعالة ما مل تراع الظروف
البيئية اليت حتيط هبا.
-6حسن ابشر ،الطيب ،الدولة العصرية:دولة مؤسسات ،القاهرة:الدار الثقافية للنشر ،0222 ،ص. 3
-7فهمي خليفة ،الفهداوي ،السياسة العامة:منظور كلي يف البنية و التحليل ،األردن :دار املسرية للنشر و التوزيع و الطباعة،
، ،1009ص. 16
-8املرجع نفسه ،ص. 32
-مفهوم السياسة العامة من املنظور املؤسسي (احلكومة) أي النظر إىل السياسة العامة من خالل
عملية إختاذ القرارات داخل األجهزة احلكومية يف سبيل صيانة بنيتها التنظيمية.
مما سبق ميكن القول أبن السياسة العامة هي جمموعة القرارات والربامج احلكومية اليت تشكل خمرجات
النظام السياسي يف جمال معني و اليت تشارك يف صنعها فواعل رمسية و غري رمسية ،ويتم التعبري عنها يف
عدة صور وأشكال منها القوانني واللوائح والقرارات اإلدارية.
من تعريف السياسة العامة ميكن أن نستنتج السمات و اخلصائص اليت تتميز هبا وهي:9
-إهنا حصيلة عملية مجاعية تطرح فيها االجتهادات وتُؤثر فيها االجتاهات واإليديولوجيات مثلما
ختضع للمعرفة واألطر النظرية ولألساليب العقالنية والتقنية.
-إهنا تُناقش مث تُقر مث تصدر من جهات رمسية خمولة دستوراي أو قانونيا بذلك ،لكن ال مينع
من حبثها ودارستها ومشاركة الكثريين يف بلورة أفكارها وبدائلها ممن هم غري رمسيني مبعىن أن
التوجهات العامة بشأن املشكالت والقضااي اجملتمعية ،ال تصبح سياسات عامة ما مل تتبناها احلكومة
وتصدر بشأهنا قانوان أو قرارا حيدد أهدافها وينظم مسارات ونشاطات املؤسسات احلكومية املعنية
بشأن سياسة ما ،وبذلك فهي تعرب عن توجهات احلكومة الفكرية والعملية.
-إهنا تتناول قضااي ومشكالت هتم املصلحة العامة وهلا طابع الشمولية ،ولكن ذلك ال ينفي
تناول السياسات العامة لقضيا هتم فئة يتعاطف معها مجهور واسع من املواطنني ،أو تكون
للسياسات العامة توجهات إسرتاتيجية ومستقبلية ال تشغل ابلعموم املواطنني.
-إهنا تتسم ابلثبات واالستمرارية والدميومة يف نفاذها وفاعليتها ،وان كان لبعضها سقف زمين
بوقف مفعوهلا ويكون معلوما يف قرار صدورها ،وعندها تكون السياسة العامة مرحلية أو مؤقتة
بظرف سنة أو سنتني مث ينتهي مفعوهلا.
-9عامر خضري ،الكبيسي ،السياسات العامة مدخل لتطوير أداء احلكومات ،القاهرة:املنظمة العربية للتنمية اإلدارية
،0222ص .02
-تتسم ابلواقعية والعقالنية وتكون قابلة للتنفيذ والقياس والتقومي والتحليل ،أي أن السياسة العامة
هي مبثابة البديل أو البدائل اليت ميكن حتقيقها وفق اإلمكانيات املتوافرة وليست حلما أو طموحاعاما.
-السياسة العامة تعبري عن التوازن بني اجلماعات املصلحية :إذا كانت السياسة العامة هي بلورة
لإلرادة اجملتمعية ،فهي تتفاعل وتتمازج فيها توجهات ورغبات اجلماعات ذات املصلحة املباشرة يف
السياسة العامة املعينة ،وبعبارة أخرى فان ألغلب السياسات العامة أطراف راحبة وأخرى خاسرة،
أو طرف حيظى ابلكثري واآلخر ال يصيبه منها إال القليل.
شهدت السياسة العامة كحقل معريف تطورات و تغيريات منهجية و عملية ملحوظة ،ففي خضم كل
التحوالت السياسية و االقتصادية و االجتماعية و حىت األمنية اليت عرفها العامل تغري مضمون و
مفهوم السياسة العامة اليت أصبحت أكثر تعبريا عن مصاحل و احتياجات أفراد اجملتمع ،و أكثر
جتسيدا حملصلة التفاعل و التمازج القائم بني النشاطات املختلفة للفواعل الرمسية منها و غري الرمسية.
إن السياسة العامة كممارسة موجودة منذ القدم ،فعندما تكون سلطة تتخذ قرارات عمومية يف
جماالت هتم اجملتمع فهي بذلك تصنع سياسة عامة ،لكنها كمصطلح مل تظهر إال حديثا ،و مفهومها
تطور و تغري تبعا لتغري الظروف ،و ميكن حصر هذا التطور يف مخسة مراحل:
حيث كانت الدراسات التقليدية هي السائدة ،و اليت متيزت بدراسة احلكم والسياسة يف نطاق
الفلسفة األخالقية ابلرتكيز على السياسة املوضوعة من طرف احلكومة ،املؤسسات السياسية،
الرتتيبات اهليكلية ،و املربرات الفلسفية للحكومة...األمر الذي جعل من الدراسات وصفية ظاهرية
بعيدة عن التحليل السيما فيما خيص السلوكيات و التصرفات املصاحبة لصنع السياسة العامة ،هذا
الوضع بقي على حاله إىل غاية استقالل علم السياسة عن الفلسفة األخالقية و حتوله إىل فرع من
فروع العلوم االجتماعية ،و بذلك أصبح ينظر للسياسة العامة على أهنا وجه للقانون والعالقات
املتفاعلة بني املؤسسات عن طريق جمموعة القواعد اليت حتكم بينهما من جهة ،و أن هذه السياسة
متثل جزءا ال يتجزأ من النشاط االجتماعي من جهة أخرى ،10وميكن إرجاع سطحية االهتمام
ابلسياسة العامة يف هذه لفرتة إىل كون علم السياسة ما زال يف إطاره الفلسفي ،ولكن بعدما بدأ
يتبلور علم السياسة ويغدو فرعا من فروع العلوم االجتماعية عقب استقالله عن الفلسفة األخالقية،
حضي ابلدعم العلمي واملعريف الالزم ،واعتبار أن السياسة صارت متثل جزءا ال يتجزأ من النشاط
االجتماعي والنفسي للمجتمع وللظاهرة االجتماعية
و اليت أدت إىل توسيع دور احلكومة ،و ما صاحبه من طلب وعرض متزايد للمعلومات الضرورية
لوضع السياسة العامة و حتليلها ،فكلما تطورت احلكومة و توسعت صالحياهتا زادت احلاجة لتحليل
السياسة العامة.
و من نتائج األزمة االقتصادية العاملية هو حتول الدولة الرأمسالية من دولة حارسة للممتلكات إىل دولة
متدخلة (دولة الرفاه االجتماعي) ،ابلتايل فهذه األزمة سامهت يف حتويل االهتمام يف العلوم
االجتماعية من االهتمامات التقليدية للعلوم السياسية إىل االهتمام بعمليات صنع السياسة العامة ،و
اليت اعتربت من طرف األكادمييني السبب الرئيسي لتلك األزمات و اإلنتكاسات ملعظم الدول.11
إن فرتة مابني احلربني العامليتني و اليت عرفت شيوعا و انتشارا كبريا لنتائج املدرسة السلوكية ،مما أدى
إىل بروز التوجه السلوكي لعلم السياسة احلديث ،حيث كان الرتكيز يف البداية منصبا على القواعد
النفسية واالجتماعية لسلوك األفراد و اجلماعات ،دراسة حمددات التصويت ،وظائف اجلماعات
املصلحية و األحزاب السياسية ،و التوزيع املختلف للسلوك التصارعي بني السلطات...فيما بعد اجته
الرتكيز بشكل أكرب إىل مضمون السياسة العامة بتحليل أثر القوى السياسية و االجتماعية فضال عن
تقومي نتائج السياسة العامة على اجملتمع املتوقعة وغري املتوقعة و هكذا ،و خاصة بعد احلرب العاملية
ابلتايل السياسة العامة مل تكتسب معناها االصطالحي علميا ،إال يف مطلع اخلمسينات من القرن
السابق ،على يد عامل االقتصاد السياسي "هارولد الزويل " H.D Laswellالذي تناول ابلدراسة
يف كتابه :من حيصل على ماذا؟ مىت؟ وكيف؟ ، 13وكتابه مع "دانيال لرينر "" D.Lirnerعام
1591م املعنون بـ" :علوم السياسات :التطورات املعاصرة يف اهلدف واألسلوب" ،14الذي تطرق فيه
إىل اإلطار التحليلي للسياسات العامة.
فقد شهدت الفرتة اليت أعقبت احلرب العاملية الثانية احنسارا لفلسفة النظام االقتصادي احلر حيث
اتسمت هذه الفرتة ابألطروحات املنادية أبمهية تدخل الدولة كمحرك رئيسي للنشاط االقتصادي،15
فقد تعاظم دور الدولة يف اجملتمع ابلقدر الذي جعلها يف بعض احلاالت السلطة املهيمنة واملنسقة
لكافة الوظائف السياسية واالقتصادية واالجتماعية والثقافية ،األمر الذي قاد بعض املفكرين إىل القول
أن هذا العصر هو عصر تدخل الدولة.
وقد حتولت الدول الغربية من نظم حكم تسلطية إىل نظم دميقراطية ،وأصبحت سلطة الدولة تستخدم
بشكل متزايد من أجل االستجابة لالحتياجات واملطالب الشعبية ،قد أنتجت العملية السياسية
الدميقراطية ما يعرف بدولة الضماانت االجتماعية ،من خالل برامج التأمني اإلجتماعي والصحة
والتعليم العام وغريها ،وهكذا فإن العالقة البسيطة بني التحول الدميقراطي وبني اخلصائص الضمانية
للدولة يف العقود األوىل من القرن 02م ،قد حتولت إىل إشكالية معقدة ومتشابكة ،ولقد نتج عن
ذلك تنامي دراسات السياسة العامة يف العلوم االجتماعية .16
وخالل مرحلة التسعينات وما بعدها من القرن العشرين ،وانتقاال إىل متطلبات القرن احلادي والعشرين
وما أحدثه من تغريات على دور الدولة وارتفاع مستوايت التفاعل بني مؤسسات القطاعني اخلاص
والعام فضال عن تزايد دور الشركات املتعددة اجلنسيات واملنظمات الدولية واملنظمات غري احلكومية
يف صياغة أولوايت السياسات العامة وحتديد مساراهتا ،وقد ساعد على تبلور هذا الدور التغري يف
مفهوم السيادة والتسارع املعلومايت واالتصايل ،الذي منح للمنظمات الدولية غري احلكومية مثل
منظمات حقوق اإلنسان ،القدرة السريعة على التدخل يف السياسات العامة الداخلية للدول ومن مث
التأثري يف مضامني هذه السياسات ،وظهرت حبوث وكتاابت جديدة تركز على دور الفاعلني اجلدد
يف السياسات العامة كمنظمات حقوق اإلنسان واجملتمع املدين ،وهذا كله قد أسهم يف بلورة
االجتاهات احلديثة اليت ترى أن السياسات العامة ما هي إال حمصلة للتفاعالت الرمسية وغري الرمسية،
بني عدد من املؤثرين والفاعلني على املستوى احمللي واملركزي ،وأن السياسات العامة يف ضوء ذلك
تعرب عن إرادة الفاعلني واملؤثرين الذين هم عادة ما يكونون أعضاء يف شبكة منظمة تُدعى حاليا
". 17
السياسة "شبكة ابسم
وبتحليل ما سبق ميكن القول أن علم السياسة العامة قد تطور من الوصف إىل التحليل مث إىل املقارنة
ليصبح اآلن حقال شامال اما مع بداايت تطور الفكر السياسي ،ليصل يف هذا القرن مبنهجية وأسلوب
علمي للتحليل مستقل وكنقطة إلتقاء بني العديد من العلوم االجتماعية كاالقتصاد والعلوم السياسية،
واالجتماع ،واإلدارة وغريها ،ومع هذا التطور توالت اهتمامات متتابعة ابلسياسة العامة ،متثلت يف
األحباث والدراسات النظرية والتجريبية يف العديد من التخصصات ،وكان نتاجها ما نعايشه حاليا من
أي أن السياسة العامة عرفت تطورا يف املفهوم و املمارسة و أصبح البحث عن كيفية رسم سياسات
عامة انجحة عن طريق توفري املعلومات الصحيحة و ذلك بفتح اجملال لتعدد قنوات االتصال و
استخدام التطور التكنولوجي لذلك ،كما ابدر العديد من الكتاب و املفكرين إىل وضع العديد من
التعاريف اخلاصة ابلسياسة العامة.
تعددت تصنيفات السياسة العامة ،كل مفكر نظر هلا من زاوية معينة ،و أهم هذه التصنيفات:19
-السياسات اإلقتصادية :و هي كل األفعال احلكومية من خطط و برامج و قوانني و قرارات يف
القطاع اإلقتصادي مثل السياسة الفالحية ،السياسة التجارية ،و السياسة الصناعية.
-السياسة اإلجتماعية :و هي القرارات املختلفة املتخذة يف القطاع االجتماعي مثل السياسة
السكنية ،سياسة التشغيل ،السياسة الصحية.
-السياسة الثقافية :و هي تلك القرارات و األفعال اليت تقوم هبا احلكومة يف اجملال الثقايف مثل قطاع
السنما و املسرح...
-السياسة العامة اإلستخراجية :و نعين هبا األفعال اليت تقوم هبا احلكومة الستخراج املوارد من
بيئتها الداخلية و اخلارجية ،مثل اخلدمة العسكرية واخلدمات العامة اإللزامية األخرى.
هي ختصيص الوكاالت احلكومية مبختلف أنواعها لألموال ،والسلع واخلدمات وتوزيعها على األفراد
واجلماعات يف اجملتمع ،من أجل االستفادة منها ،مثل توزيع القروض إلقامة مشاريع صغرية ،واملنح
واالمتيازات اليت تقدم لطلبة اجلامعة ،ابإلضافة إىل اإلعتمادات املوجهة للصحة ،والتعليم والدفاع ...
اخل
ويقاس األداء التوزيعي للسياسات العامة ،من خالل مقارنة كمية التوزيع للقيم ،مع املنافع اليت
حصلت عليها القطاعات البشرية يف اجملتمع اليت حصلت على املنافع.
و كلما مشل األداء التوزيعي للحكومة ازدايدا يف القيمة التوزيعية ،كلما دل ذلك على اتساع نطاق
املستفيدين من التوزيع.
وترتبط بسياسة التوزيع ما يعرف بسياسة إعادة الدخل لصاحل فئات الدخل احملدود و هي عبارة عن
سياسة إعادة التوزيع مثل املنح املقدمة للمعوقني.
نظرا لتعقد احلياة ،وتزايد املشاكل يف الصحة ،املرور ،السكن ...اخل ،وتطور سبل األعمال وتزايد
أنشطة احلكومة يف اجملتمع إزدادت احلاجة إىل مثل هذه السياسات واملتمثلة يف ممارسة النظام
السياسي لعمليات الضبط والرقابة ملختلف األنشطة والسلوكيات لإللتزام بدواعي املصلحة العامة،
وتطبيق القانون مبا يضمن عمل اجملتمع أو عدم عمله ،وفرض العقوابت الالزمة عند حصول أي
جتاوزات ،مثل قانون املرور.
-السياسة العامة الرمزية:
وهي السياسات اليت هتدف من وراءها النظم السياسية تعبئة اجلماهري ،ورفع محاسهم الوطين من
خالل حديث القادة السياسيني عن اتريخ األمة وعن القيم واإليديولوجيات املتمثلة يف املساواة
والدميقراطية والوعد ابإلجنازات ومكافآت مستقبلية ،وهتدف هذه الشعارات إىل حتسني نوااي املواطنني
يف قادهتم واإلميان برباجمهم السياسية ،مما جيعلهم يدفعون الضرائب بطواعية وطاعة القوانني مما يقلل
من معارضة النظام ،أي قبول شرعية احلكومة وسياساهتا.
قبل أن نعرف صنع القرار و نوضح االختالف و العالقة املوجودة بينه و بني اختاذ القرار ،البد من
تعريف القرار
-1مفهوم القرار:
ف القرار لغة هو ما قر عليه الرأي يف احلكم يف مسألة ،فيقال صار األمر اآلن قرار أي انتهى و ثبت
القرار ،و كلمة القرار تعين القطع أي قطع عملية التفكري و هي عملية اختيار تقود إىل فعل معني،20
و على الرغم من أمهية موضوع القرار وارتباطه ابلعلوم االجتماعية -اإلدارة العامة ،السياسة،
االجتماع ،علم النفس االجتماعي -إالّ أن اجلهود اليت بذهلا أصحاب االختصاص يف توضيح مفهوم
القرار أو تعريفه مل تؤدي إىل حتديد التعريف اجلامع املانع للقرار و من أهم هذه التعاريف:
21
"هو االختيار بني عدد من البدائل املتاحة اليت تتسم بعدم اليقينية يف نتائجها"
هذا التعريف يدور حول فكرتني أساسيتني ،أوهلما أن القرار هو اختيار أي عمل مقصود و واعي
يسبقه تفكري حول البديل (أي احلل أو القرار) الذي سيختاره ،أما الفكرة الثانية و هي تتعلق
بظروف عدم التأكد اليت يتم فيها هذا القرار ألن املعلومات انقصة حول نتائج هذا القرار مستقبال.
-20عاشور ،يوسف حسني ،حبوث العمليات – نظرية القرارات ،فلسطني :اجلامعة اإلسالمية قسم إدارة األعمال ، 1996،
ص.910
-21أيوب ،اندرة ،نظرية القرارات اإلدارية ،عمان :دار املسرية ، 1997.،ص.38
هو"اختيار تصرف معني بعد دراسة و تفكري". 22
"هو حتليل وتقييم لكافة املتغريات املشرتكة واليت ختضع مبجملها للتدقيق والتمحيص حبيث يتم
إدخاهلا وإخضاعها مجيعها للقياس العلمي ومعادالت البحث العلمي والنظرية العلمية واألساليب
الكمية اإلحصائية للوصول إىل حل أو نتيجة ،وأخريا إىل استنتاجات وتوصيات لوضع هذا احلل أو
احللول يف جمال التطبيق العملي وحيز التنفيذ".23
هذا التعريف يركز على أن القرار يتخذ على أسس علمية و أساليب رايضية و حسابية حىت نصل إىل
قرار صحيح و سليم.
"هو نشاط إنساين مركب يبدأ بشعور من الشك وعدم التأكد من جانب متخذ القرار حول ما
جيب عمله حيال مشكلة ما ،وتنتهي ابختيار أحد احللول اليت يتوقع أن تزيل حالة الشك وعدم
التأكد ،وبذلك تساعد يف الوصول إىل حل املشكلة املطروحة".24
هو "عملية اختاذ القرار هي استخدام املنهجية العلمية والتحليل الكمي الختيار بديل من عدة
بدائل ،شريطة أن حيقق هذا البديل املنفعة األكثر لألفراد والتنظيمات اإلدارية".25
اختاذ القرار هي عملية اختيار البديل األفضل بني البدائل املتاحة و تتم هذه العملية بشكل واعي
26
بشرط أن حتقق العائد األكرب "
كما يرى اجلوهري أن صنع القرار هو سلسلة من االستجاابت الفردية أو اجلماعية اليت تنتهي ابختيار
البديل األنسب يف مواجهة موقف معني.27
-22سيد ،اهلواري ،املوجز يف شرح عناصر عملية اإلدارة ،مكتبة عني مشس ،القاهرة ، 1996 ،ص. 213
-23ظاهر ،الكاللدة ،القيادة اإلدارية ،دار زهران للنشر والتوزيع ،عمان ،األردن ، 1997 ،ص. 254
-24حممد ،سويلم ،اإلدارة،دم ن ،دار اهلاين للطباعة،دت ن ،ص. 7
-25موسى ،اللوزي ،التطوير التنظيمي أساسيات ومفاهيم حديثة ،دار وائل للنشر ،عمان ،األردن ، 1999 ،ص. 31
- 26عبد الفتاح ،حسني دايب ،طريقك إىل اإلدارة الفعالة ،دار التوزيع و النشر اإلسالمية ،القاهرة،1555 ،ص .002
-27عاشور ،يوسف حسني ،املرجع السابق الذكر ،ص .919
مما سبق ميكن القول أن القرار هو مسار فعل خيتاره املقرر ابعتباره انسب وسيلة متاحة أمامه بعد
دراسة علمية ،الجناز اهلدف أو األهداف اليت يبتغيها حلل املشكلة اليت تواجهه.
تعددت الدراسات اليت تناولت مفهوم اختاذ القرار ,و قبل إعطاء مفهوم هلذه العملية فمن األفضل
أن نبني الفرق بني صنع القرار واختاذ القرار.
إن عملية صنع القرار حتتوي يف مضموهنا على مجيع مراحل إعداد القرار ابتداءا من حتديد املشكلة و
معرفة أسباهبا مث مجع املعلومات من كل مصادرها و وضع البدائل املمكنة وتقييمها بغرض اختيار
البديل األفضل(القرار) ،مث متابعته و تقييمه و إدخال التعديالت املمكنة عليه.
وهناك من يرى عملية صنع القرار من زاوية خمتلفة و مبراحل أخرى ،فهي عملية امشل وأوسع ألهنا
تتكون من ثالث مراحل هي املرحلة الفكرية(ما قبل القرار)واملرحلة التنظيمية(اختاذ القرار)ومرحلة ما
بعد القرار.28
بينما عملية اختاذ القرار هي عملية عقالنية رشيدة تتبلور يف عمليات ثالث هي :البحث واملفاضلة
واملقارنة بني البدائل واختيار بديل معني من بني بدائل خمتلفة ،و هي املرحلة احلامسة و املهمة يف
عملية صنع القرار ،لذلك هي تتطلب قدرا كبريا من االنتباه واإلدراك والتصور واالبتكار وتؤدي إىل
حسم منطقي ملوقف يتطلب حله وتنفيذه.
إذن ميكن القول أن اختاذ القرار هي حمتواة يف عملية صنع القرار اليت هي عملية شاملة و معقدة و
حتتوي على مراحل عديدة بينما اختاذ القرار هو مرحلة مهمة و حامسة من مراحل صنع القرار.
-3أنواع القرارات
اختلفت معايري التصنيف و تباينت وجهات نظر املختصني حول تصنيف القرارات ،و ميكن
تلخيصها كما يلي:
-القرارات يف حالة التأكد :هي اليت تتخذ يف ظروف التأكد التام من طبيعة املتغريات والعوامل
املؤثرة يف عملية صنع القرارات ،وابلتايل آاثر القرار ونتائجه تكون معروفة بصورة مسبقة.
-القرارات يف حالة املخاطرة :هي اليت تتخذ يف ظروف وحاالت حمتملة الوقوع ،وابلتايل فإن على
متخذ القرار أن يقدر الظروف واملتغريات احملتملة احلدوث يف املستقبل ،وكذلك درجة احتمال
حدوثها.
-القرارات يف حالة عدم التأكد :هي اليت غالبا ما تقوم هبا اإلدارة العليا عند حتديد أهداف
املشروع العامة وسياسته ،ويصعب على اإلدارة حتديد الظروف املتوقع وجودها أو حدوثها ،بسبب
عدم توفر معلومات كافية ،وابلتايل صعوبة التنبؤ هبا.29
-القرارات املربجمة :املقصود هبا تلك القرارات الروتينية اليت تتخذها املنظمة كلما واجهتها نفس
املشكلة أي ال داعي للمرور على كل مراحل عملية صنع القرار ،فالبديل األفضل (القرار) متخذ
مسبقا.
-القرارات غري املربجمة :و هي تلك القرارات اليت تصنع كلما واجهت املنظمة مشاكل جديدة غري
روتينية ،ابلتايل ضرورة املرور بكل مراحل عملية صنع القرار إلجياد احلل املناسب هلا.
-القرار السياسي :هو ذلك الفعل اإلرادي الصادر من أجهزة السلطة السياسية ويتوج مببادئ
وقواعد عامة توجه املرؤوسني يف ترشيد سلوكهم وقراراهتم ،فالقرار السياسي هو اإلطار األعم الذي
تتخذ فيه القرارات اإلسرتاتيجية و القرارات اإلدارية.
-29مشرقي ،حسن على ،نظرية القرارات اإلدارية ،عمان :دار املسرية للنشر والتوزيع ، 1997 ،ص .31
يرتبط القرار السياسي بسلوك النظام السياسي و هو عبارة عن مجلة من القواعد واملبادئ العامة اليت
ترشد القادة واملسئولني يف خمتلف املستوايت التنظيمية يف اإلدارة العامة الختاذ قرارات على مستوايهتم
التنظيمية ،وحل املشكالت اليت تواجههم.
إن القرار السياسي يوضع من قبل القيادة العليا يف التنظيم ،وأعلى تنظيم يف الدولة ،هي املؤسسات
الدستورية اليت تتوىل اختاذ قرارات سياسية حتدد مبوجبها القواعد واملبادئ املوضوعية اليت ترشد وتوجه
سلوك املرؤوسني يف اختاذ القرارات التنفيذية لعالج املشكالت اليت تعرتضهم.
يتأثر القرار السياسي ابلرتكية السياسية للنظام السياسي وابألوضاع االقتصادية واالجتماعية والثقافية
السائد يف بلد خالل فرتة زمنية معينة.
كما يتأثر ابلظروف الدولية ،والضغوط املوجهة للنظام السياسي من الداخل واخلارج على حد
سواء.30
-القرارات اإلسرتاتيجية :وتتعامل فيه هذا النوع من القرارات مع األعمال ذات الصيغة غري التقليدية
املتعلقة ابملستقبل كعمل اخلطط طويلة املدى اليت تؤثر على املنظمة كلها ،وتشمل بناء األهداف
والسياسات والتنظيمات والوصول إىل الكفاءة الشاملة للمنظمة ،بعبارة أخرى القرارات اإلسرتاتيجية
هي تلك القرارات اليت اليت هلا عالقة ابألهداف البعيدة املدى و ذات أمهية ابلنسبة للمنظمة ،و هذا
النوع من القرارات يتخذ على مستوى القيادات العليا.31
-القرارات التكتيكية :حيث تتعامل مع األنشطة املتوسطة أو القصرية املدى وختصيص املوارد
لتحقيق أهداف املنظمة ،وعلى حني أن اختاذ القرار اإلسرتاتيجي هو نشاط ختطيطي فإن القرار
التكتيكي خليط من كل من نشاطي التخطيط والرقابة ،وهذا النوع من اختاذ القرارات له حاالت
قليلة التعامل مع عملية اختاذ القرارات املربجمة.32
-قرارات طويلة األجل :و هي عبارة عن قرارات مرتبطة بفرتات طويلة يف املستقبل مما يطبعها بطابع
اآلأتكد و هذا ما جيعل املعلومات املتوفرة غري كافية و صعبة احلصول .
-القرارات القصرية األجل ،و تتميز ابرتفاع درجة اليقني فيها و املعلومات ممكنة احلصول عليها و
ابلتايل هي قرارات هلا عالقة أبهداف قصرية املدى.
الفصل الثاين
فواعل رسم السياسة العامة و صنع القرار
الفصل الثاين:فواعل رسم السياسة العامة و صنع القرار
إن رسم السياسة العامة و صنع القرار ختضع ملعايري الدميقراطية ،و هذا ما يستوجب مشاركة عدة
فواعل منها رمسية و غري رمسية.
-1السلطة التشريعية:
وتربز العالقة بني السياسة العامة والسلطة التشريعية كون األخرية تقوم بوضع التشريعات والقوانني
واخلطط يف رسم سياسة معينه.
فالسلطة التشريعية تقوم ابلدور املركزي لتشريع القوانني وصنع السياسات يف النظام السياسي و يظهر
دورها يف السياسة العامة كمصدر رمسي من خالل أداءها للوظائف التالية:
فهي تعمل على أداء ثالث وظائف :الوظائف التمثيلية ،والتشريعية ،والرقابية.
أ -من خالل الوظيفة التمثيلية فهي متثل إرادة الشعب الذي يعترب مصدر الشرعية للسلطة يف البلدان
الدميقراطية ،من هنا فهو مسؤول بشكل مستمر عن التمكني ملختلف القوى السياسية اإلقتصادية
واإلجتماعية من أن جتد تعبريا مناسبا عند وضع السياسة العامة ،33فهو حيمل معلومات وبياانت عن
-33برو ،فيليب ،علم االجتماع السياسي ،ترمجة :حممد عرب صاصيال ،بريو ت :املؤسسة اجلامعية .للدراسات والنشر
والتوزيع، 1998 ،ص301
املشاكل العامة اليت تعاين منها فئات اجملتمع ،فقد مت إنشاء الربملاانت لتمثيل مصاحل املواطنني،
واالستماع هلم.
مبعىن آخر تتشكل السلطة التشريعية من النواب كممثلني عن املواطنني ،و هم الذين حيملون
إنشغاالهتم وتصوراهتم وأفكارهم وكل البياانت واملعطيات حول املشاكل العامة اليت تواجههم يف شىت
اجملاالت إذن للسلطة التشريعية دور يف إظهار و ترتيب مشاكل اجملتمع يف األجندة السياسية.
ب -من خالل الوظيفة التشريعية فبمقتضى الصالحيات املخولة له اليت متنحه سلطة سن
التشريعات ،فهو بذلك يعد و يصنع السياسات العامة اليت تكون حمل جدل ونقاش وجتاذب مستمر
ومساومة أي إعطاء معلومات و إحصاءات وتفضيالت تساعد على توازن السياسات وجعلها أكثر
مرونة إلستيعاب كافة املصاحل ،34أي احللول و البدائل و اخليارات اليت تقرتحها السلطة التشريعية
حبكم خربهتم و معلوماهتم كنخبة سياسية.
ج -من خالل الوظيفة الرقابية على احلكومات لضمان قيام األخرية بتنفيذ السياسات والربامج وفقا
لرغبات ونوااي السلطة التشريعية.
فالربملان ميارس وظيفة الرقابة بطريقتني :اإلشراف على إعداد سياسات معينة (الرقابة املسبقة) ،أو
مراقبة تطبيق وتنفيذ سياسة معينة (الرقابة الالحقة) ،ورغم امتالك معظم اجملالس التشريعية لسلطة
مساءلة احلكومة عن أعماهلا وسياساهتا ،يوجد تباين كبري بينها يف األدوات واهليئات التشريعية اليت
ميكن استخدامها ألداء وظيفة املراقبة ،ويعكس هذا التباين إىل حد كبري االختالف يف شكل احلكومة
35
وغريها من الرتتيبات الدستورية.
و تضم األجهزة الربملانية آليات هامة تساعد علي مجع املعلومات وذلك من خالل مجع احلقائق
والتشاور مع األطراف املعنية ابملشكلة وتشتمل هذه الوسائل على اللجان الربملانية ،واألسئلة الربملانية،
-35اجلمال راسم ،حممد ،االتصا و اإلعالم يف الوطن العريب ،بريوت:مركز دراسات الوحدة العربية0222 ،
،ص .115
واالستجواابت ،واملناقشات العاجلة ،ومراجعة القوانني ،والطلبات اخلاصة ابألعضاء من أجل أتجيل
املناقشات واالقرتاحات اليت تسمح للمشرعني إباثرة املسائل املتعلقة ابستخدام السلطة احلكومية ،أو
االستخدام املقرتح هلا ،مما يستدعي شرح اإلجراءات اليت اختذهتا احلكومة ،أو اليت حتتاج إىل الدفاع
عن أو تربير السياسات أو القرارات اإلدارية.
- 2السلطة التنفيذية:
ال ميكن إخفاء دور السلطة التنفيذية يف صنع السياسة العامة ،ألهنا أصبحت اليوم هي املهيمنة سواء
يف الدول املتقدمة أو النامية ،من خالل تقدمي مشاريع القوانني للربملان ،وهي ذات صلة وثيقة
ابلسلطتني التشريعية والقضائية.
كما تنوب عن الربملان يف تشريع القوانني ،عن طريق األوامر واملراسيم ،خاصة أثناء العطل الربملانية،
وتقوم بتعيني القضاة ،ويربز دور السلطة التنفيذية يف عملية صنع السياسة العامة ،خصوصا يف إطار
السياسة اخلارجية والعسكرية ،حيث دورها يف غالبية األنظمة السياسية أن مل يكن مجيعها ابرز بشكل
كبري. 36
و سنتطرق يف هذه النقطة إىل إظهار دور كل من املسؤولني السياسيني التنفيذيني ،و البريوقراطيني و
التكنوقراطيني.
إن جناح السياسات القطاعية مرهون ابلدور الذي يلعبه املسؤولون السياسيون التنفيذيون يف عملية
صنع السياسة العامة ،هذه الفئة هي تلك الشخصيات املوجودة يف القيادة العليا لإلدارات احلكومية
-36السويدي حممد ،علم اال جتماع السياسي ميادينه وقضاايه ،اجلزائر :ديوان املطبوعات اجلامعية ،.1990،ص .910
كالوزراء من خالل املعلومات الشاملة واخلطوط العريضة اليت يقدموهنا عن سياساهتم القطاعية و
ميكن إمجال دورها يف النقاط التالية:37
-ابعتبارها خنبة سياسية فهي متلك خربة و معرفة و دراية إنطالقا من موقعها يف اجلهاز احلكومي
وحبكم إطالعها على األاماط اليت تصنع يف خضمها السياسة العامة ،فبحكم وزهنا وأتثرياهتا
وتفضيالهتا و نفوذها متلك معلومات متكنها من تسطري األهداف العامة و الربامج و إقرتاح مشاريع
القوانني.
-كذلك من خالل اإلتصاالت السياسية اليت تقوم هبا من خطاابت و مؤمترات و غريها.
-و من خالل دراساهتا امليدانية تقدم معلومات حول القضااي العامة وكيفية التعامل معها كل
حسب نطاق ختصصها.
-من خالل التوضيحات اليت يقدمها الوزراء ملشاريع قطاعاهتم فهي مبثابة معلومات هامة عن
التوجيهات األساسية املاضية واحلاضرة واملستقبلية للسياسة العامة.
ب-البريوقراطيون:
على الرغم من النظرة التقليدية الشائعة يف العلوم السياسية حول عدم مشاركة اجلهاز اإلداري يف صنع
السياسات العامة وختصصه فقط يف التنفيذ ،إال أن هناك اتفاق عام حول الدور الكبري الذي يقوم به
البريوقراطي يف صياغة ومناقشة السياسات العامة ،وذلك المتالك اإلدارة املعلومات اهلامة والكافية
عن السياسة ،نتيجة مشاركتها يف تنفيذ تلك السياسات عمليا ،لذا يعرب عنها "بذاكرة احلكومة"،
ويقوم اجلهاز اإلداري مبهام تتعلق بتنفيذ القوانني وتنفيذ القواعد والتعليمات ،واجلهاز اإلداري هو
الذي حيتكر جانب املخرج من النظام السياسي. 38
ويتجاوز دور اجلهاز اإلداري مهمة التنفيذ إىل التأثري يف عملية صنع السياسة العامة و ذلك:
-38الكواري علي خليفة ،الشليب مجال وآخرون ، ...املسألة الدميقراطية يف الوطن العر يب ،بريو ت :سلسلة كتب املستقبل
العريب ، 19مركز دراسات الوحدة العربية ، 2000،ص .91
-من خالل اإلتصال املستمر للجهاز اإلداري مع املسؤولني عن رسم السياسة العامة يؤدي هبم
(البريوقراطيني) المتالك القوة و النفوذ و التأثري ،فنقص اخلربة واملعلومات عند املشرعني واملسؤولني
السياسيني عن املسائل الفنية ،أدى إىل تفويض مهام و صالحيات واسعة متكنهم من رسم
السياسات واختاذ القرارات ،و يظهر ذلك على شكل تقدمي مقرتحات وخيارات وتفضيالت للقادة
السياسيني حول أعقد املسائل اليت تواجه قطاعاهتم حبكم طبيعة املعلومات املتخصصة اليت يدركوهنا
الطالعهم على أمهات القضااي يف احلكومة.
-من خالل اإلتصال املستمر للجهاز اإلداري مع املستفيدين عن رسم السياسة العامة و ذلك حبكم
إطالعهم على السجالت وختزين البياانت ،والعلم أبهم القضااي العامة وإدراكهم جملرايت األمور
وخلفيات األحداث
-من خالل اإلتصال املستمر للجهاز اإلداري مع املطالبني إبطاعة و تنفيذ السياسات.
كل هذا أدى ابلبريوقراطيني احتكار املعلومات للمحافظة على مركز التحكم ومن مث على قوة التأثري
على السياسات العامة.39
ج-التكنوقراطيون:
أدت التطورات احلديثة لإلدارة وتكنولوجيات املعلومات إىل وفرة املعلومات ،إذ أصبحت املعلومات
غزيرة وتتطلب عملية ختزينها وفرزها وحتليل حمتواها أكرب دقة وكفاءة وتفرض وجود فئات أخرى أعلى
درجة من البريوقراطيني الذين أهنكتهم امللفات والتقارير والسجالت واالرشيفات الورقية و هم
التكتوقراطيون ،الذين يؤثرون ابستخدام وسائلهم للسيطرة على حجم املعلومات اليت يرغبون يف
نشرها وطريقة تفسريهم هلا.
فهم القادرون على مجع املعلومات الضرورية إلختاذ القرارات خاصة تلك املعلومات املتخصصة
واملتصلة ابألمور التقنية.
-39اخلضراء بشري حممد ،النمط البنيوي اخلليفي يف القيادة السياسية العريبة والدميقراطية،ط، 1بريوت:مركز دراسات الوحدة
العربية ، 2005،ص .911
أن احلكومات املعاصرة ال ميكن أن تقوم برسم أي سياسة عامة دون اإلعتماد على هذه النخبة إىل
درجة أصبح مييل فيها االعتقاد لدى معظم علماء السياسة إىل تالشي دور البريوقراطيني وسيطرة الفئة
التكنوقراطية على السياسة العامة ،فهي تقدم معلومات متخصصة حول أهم القضااي اليت تقع يف
نطاق ختصصها.
املبحث الثاين :الفواعل غري الرمسية يف رسم السياسة العامة و صنع القرار
تشارك الفواعل غري الرمسية يف رسم السياسات العامة من خالل التأثريات و الضغوطات اليت متارسها
على الفواعل الرمسية انطالقا من القوة اليت متتلكها ،و ليس من الصالحيات اليت تتمتع هبا ،و دورها
وطبيعتها يقومان على أساس الشراكة الكاملة واالخنراط يف العملية السياسية واالقتصادية واالجتماعية
ويف عملية التغيري والتطوير واإلصالح وعلى وجوب االنتقال من الدور املطليب و اخلدمايت الذي
يقتصر على ملء فراغ املؤسسات احلكومية إىل الدور الفاعل واملؤثر يف صنع السياسات الوطنية
العامة وتطوير حركتها لتتحول من قوة احتجاج إىل قوة اقرتاح أيضا ،و هذا راجع لألسباب التالية:40
-ألن وجود فواعل غري رمسية فاعلة واليت ختضع السياسيني لدرجة معينة من الرقابة جتعلهم أكثر حذرا
وأقل ميال إىل إساءة استغالل السلطة.
-للفواعل غري الرمسية دورا ابرزا كوسيط بني السلطة وقطاعات اجملتمع املختلفة ،وهو ما يعزز حالة
من التواصل ابجتاهني و هذا االتصال الدائم يؤدي إىل حتقيق حكم راشد وتعزيز الطابع الدميقراطي.
مبعىن آخر هي قنوات اتصال بني النظام السياسي ومؤسساته الرمسية و اجملتمع من خالل العمل على
نقل مطالب اجملتمع إىل النظام السياسي والسعي حنو حتقيقها من خالل التأثري يف عمل املؤسسات
الرمسية.
-1األحزاب السياسية:
وتعترب األحزاب السياسية من أهم متغريات النظام السياسي كوهنا تؤدي جمموعة من الوظائف
األساسية فهي توفر قنوات للمشاركة والتعبري عن الرأي ،وتقوم بتجميع املصاحل وتعبئتها ،وهي أداة
للتنشئة والتجنيد السياسيني ،وتساهم يف إسباغ الشرعية على نظم احلكم ،و يظهر دورها يف كل
مراحل رسم السياسة العامة من صنع و تنفيذ و تقييم ،و اليت ميكن تلخيصها فيما يلي:
-هي إحدى أهم مصادر املعلومات حول البيئة الداخلية واخلارجية و تشكل أحد أقوى مصدر
للمعلومات يف الدول الدميقراطية احلديثة ،وذلك ملا تقدمه من مواقف وآراء وبدائل حول أهم وأعقد
القضااي ،فتكشف مدى فعالية السياسات وعقمها ،وترفع اللبس عن القضااي ،وتفضح التجاوزات.
-يعمل احلزب السياسي على ربط وجتميع املصاحل من خالل حتويل املطالب املتعددة إزاء موضوع
معني إىل مقرتحات حمددة ميكن التعامل سياسيا معها ،و هذا بعدما يتم عزل املصاحل و االختيار و
التوفيق بينها.41
و يستطيع احلزب ممارسة هذه املهمة من خالل املؤثرات احلزبية ،و تلقي الشكاوي و املطالب ،و
القيام بعملية املوازنة و املساومة حماوال بذلك التوصل إىل نوع من التسوية للمصاحل املختلفة يف صورة
41
Guillaume Marc, Ou vont les autoroutes de l’information, Paris : Descartscie, 1997,p50.
اقرتاحات لسياسات جديدة و ذلك من خالل طرح البديل أو حماولة التأثري على السلطة للتعبري عن
مصاحل ومطالب قوى اجتماعية حمددة.42
-نظراً لكوهنا أداة وسيطة بني اجلماهري والسلطة السياسية ،يلعب احلزب السياسي دور الوسيط بني
السلطة احلاكمة و املواطنني ،األمر الذي جيعل من هذه الوساطة الوظيفة املركزية للحزب السياسي
ألهنا تضمن له واقعيا مساعدة و خدمة املواطنني.
األحزاب السياسية بذلك هي إحدى قنوات املشاركة السياسية للمواطن ،وكذا أحد قنوات اإلتصال
السياسي ،فهي اليت تقوم ابلتعبري عن إهتمامات الناس ومطالبهم العامة والعمل على حتقيقها من
قبل احلكومة ،حبيث تتمكن من االطالع بشكل مباشر على مطالب و احتياجات األفراد لغرض
تنظيمها و ترتيبها ،و العمل على إيصاهلا و إبالغها إىل اجلهات املعنية.43
وكذلك نقل رغبات وسياسات وقرارات احلكومة إىل املواطنني ،والعمل على تعبئة اجلهود واملواقف
املتباينة إزاءها ،إما دعما وأتييدا وإما مواجهة ورفضا.
-2مجاعات املصاحل:
هي مجاعة أو فئة هلا مصاحل أو توجهات مشرتكة ،حيث يكون هلذه اجلماعة عمل أو مهنة واحدة
تسعى للتأثري يف السياسات العامة حفاظا على مصاحلها أو أتكيدا لتوجهاهتا.
ومتارس مجاعات الضغط دورها يف السياسات العامة من خالل التأثري يف عملية رسم السياسات
العامة وعلى تنفيذ تلك السياسات والرقابة عليها ،وهلا يف ذلك وسائل عدة ذلك من خالل دورها يف
التأثري على املؤسسات الرمسية يف النظام السياسي مثل السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية واإلدارية
.44
-فبالنسبة لدورها يف إطار السلطة التشريعية ،تعمل تلك اجلماعات على تقدمي املعلومات الفنية
واإلحصاءات واألحباث العلمية ،والدراسات املستفيضة ،اليت قد تغري من تقدير األمور وتوجيه
-أما يف إطار العالقة مع السلطة التنفيذية ،فكون السلطة التنفيذية هي اقدر وفق حقيقة الواقع
السياسي على ممارسة اقرتاح القوانني ابعتبارها تتوىل مهمة التنفيذ ،ومن مث تكون أقرب إىل ملس
احلاجات التشريعية للمجتمع ،وهي متلك األدوات الفنية الالزمة ألعداد اقرتاح مشروع التشريع،
لذلك فان مجاعات املصاحل حتاول التأثري يف أعضاء املؤسسة التنفيذية على أساس أن االقرتاح هو
األصل الذي ينبثق عنه التشريع ،مث أن السلطة التنفيذية متلك حق االعرتاض على القوانني ،ويف
إمكاهنا التغيري يف التشريع عن طريق التفسري والكيفية اليت ينفذ هبا ،ومجاعات الضغط تستخدم نفس
األساليب لتحقيق أتثريها يف السلطة التنفيذية.
-أما يف إطار اإلدارة ،فإن مجاعات الضغط متارس دورها يف الرقابة على عملية تنفيذ السياسات
العامة من قبل اجلهاز اإلداري حيث يعترب االتصال مع الدوائر احلكومية املعنية بصنع السياسة العامة
مهما بشكل خاص.
التأثري على اجلهاز اإلداري للدولة يكون من خالل تقدمي املعلومات الدقيقة و التفصيلية ،مما جيعلها
طرفا مؤثرا يف عملية صياغة السياسات العامة و من خالل عضوية ممثلي هذه اجلماعات يف اجملالس
اإلدارية و اللجان الفنية ،مما ميكنها من املسامهة يف وضع بدائل عملية حلل املشاكل العامة.46
-أما يف إطار العالقة مع السلطة القضائية ،فانه ابلرغم من اإلمجاع على استقالل السلطة القضائية
فاجلماعات الضاغطة متلك وسائل عدة يف التأثري عليها من خالل الدخول كطرف يف اخلصومة
45
Ramonet Ignacio, « Pouvoir : fin de siècle », Manière de voir, 1995.
46
Vedel Thierry, « Les politiques de autoroutes de l’information dans les pays industrialisés »,
Réseau, N°78, 1996.
القضائية فتعمل اجلماعات على تقدمي الدراسات والبياانت واملعلومات إىل احملكمة ،وقد تتدخل يف
اختيار القضاة ويف انتخاهبم يف النظم اليت أتخذ بوسيلة االنتخاب يف تعيني بعض قضاهتا.47
-3وسائل اإلعالم:
متثل الوسائل االعالمية دورا حضاراي انقدا ،من خالل التفاعل االجيايب مع احلراك االجتماعي واحلركة
الثقافية فتتفاعل وتتعايش مع مشاكل وتناقضات اجملتمع عن قرب مبا يتناسب مع ظروف اجملتمع
الذاتية واملوضوعية على ضوء منظومته القيمية ونسقه الثقايف ،48و دورها يظهر يف النقاط التالية:
-يظهر الدور احلقيقي لوسائل اإلعالم واالتصال يف تكوين الرأي العام وخلق الفضاء العمومي ،فبني
الرأي العام و السياسة العامة عالقة ديناميكية دائمة ،قائمة على التأثري املتبادل لكل واحد منهما
على اآلخر ،و ذلك ابعتبار أن السياسة العامة برانمج عمل حكومي ،يهدف إىل حتقيق املصلحة
العامة جتسيدا لإلرادة الشعبية ،و بذلك يتحول الرأي العام إىل وسيلة للسياسة العامة وهدفها يف
نفس الوقت ،عن طريق التأثري يف األجندة السياسية و التأثري يف اخليارات السياسية.
إال أن درجة أتثري الرأي العام يف السياسة العامة متوقف بشكل كبري على طبيعة النظام السياسي،
ففي األنظمة الدميقراطية يكون جمال التعبري عن الرأي العام مفتوحا عن طريق وسائل االتصال
اجلماهريي مما يسمح للرأي العام مبمارسة ضغط أكرب على الفواعل السياسية املعنية برسم السياسة
العامة.
و قد يتعذر وصول املعلومات الدقيقة عن توجهات الرأي العام ،و يعود السبب يف ذلك إىل حتيز
الصحافة ووسائل اإلعالم جلهة معينة أو سلطة ما ،مما يؤدي إىل تغييب احلقيقة ،و عادة املعلومات
املتعلقة بتوجهات الرأي العام ال يتم وصوهلا بشكل مباشر إىل الفواعل السياسية املكلفة بوضع
السياسة العامة و اختاذ القرارات السياسية.
-بروز دورها كوسائط اتصال يف احلمالت االنتخابية من قبل األحزاب و املرتشحني والدور الكبري
-47عبده ،عزيزة ،اإلعالم السياسي و الرأي العام ،القاهرة :دار الفجر للنشر و التوزيع.1000 ،
-إمداد األفراد اجلماعات ابملعلومات واحلقائق اليت تقنعهم ابحلاجة إىل التنمية والكيفية اليت حتدث هبا
التنمية والوسائل املتاحة حلدوثها وما سوف ويرتتب عليها من نتائج وآاثر واملسؤولية امللقاة على عاتق
وسائل االعالم خاصة يف اجملال السياسي كبرية ،ذلك أهنا ال تقوم مبجرد نقل الواقع أو جزءا منه.49
بل انتقاء احملتوايت ،وحىت يتحقق هلذه الوسائل أداء دورها بفاعلية وكفاءة البد من وجود سياسة
اتصالية إبشراك عناصر من اجملتمع جتعل العمل يف هذا اجملال بعيدا عن العشوائية.
-نقل املعلومات :تنقل املعلومات من صناع السياسات إىل اجلمهور فتساعد يف هتيئة األجواء لتبين
سياسات معينة فهي هلا أتثري كبري يف تنفيذ السياسات كما تساهم وسائل اإلعالم يف رسم
السياسات عن طريق نقل اهتمامات ومطالب األفراد إىل أعلى مستوى يف هرم الدولة ،فالسياسات
هتدف إىل حل و ختفيف املشاكل العامة مبعىن آخر هلا أتثري قوي بدءا من حتديد املشكلة ،وإاثرة
اجلمهور حوهلا.50
نشر املعلومات :هي أول وظيفة اليت من أجلها وجدت وسائل اإلعالم عن طريق كل السبل خاصة
مع تطور وسائل اإلتصال و التطور التكنولوجي.
-التحري و البحث عن املعلومات :فهي تعترب كمراقب و مقيم للسياسات العامة عن طريق كشف
احلقيقة ملدى حل املشاكل اجملتمعية و مدى صحة التقارير اليت يقدمها السياسيون و اإلداريون.
-4القوى الدولية:
تؤثر القوى الدولية يف رسم السياسة العامة ،فاملناخ العام للشؤون الدولية يعترب مبثابة الوسط الذي يقع
فيه فعل الدولة و تدار فيه سياستها العامة ،أي أنه مصدر أتثري كبري وواسع ملا يطلق عليه معطيات
أو مسلمات السياسة العامة.51
دول العامل الثالث أفضل دليل على أتثري القوى الدولية و تدخلها يف رسم السياسات العامة ،فهذه
الدول وجدت نفسها قابعة يف نطاق التبعية للقوى الدولية الكربى من كل النواحي االقتصادية،
السياسية،العسكرية و حىت الثقافية ،فبعد حصوهلا على استقالهلا وجدت نفسها حمكومة بواقع التبعية
يف قلب نظام دويل تسيطر عليه جمموعة من الدول و الشركات و املنظمات العاملية ،و أخضعت
بفعل ذلك إىل قواعد لعبة حددت خارجا عنها و فرضت عليها التأثري الدويل على قرارات و
سياسيات الدول قد يكون مباشرا أو غري مباشر
فالقوى الدولية قد تشكل قوى ضغط على صانعي السياسة العامة كما ميكنها أن تكون مصدرا
لتعبئة الرأي العام العاملي ،مما يدفع ابلدول الضعيفة املسيطر عليها إىل انتهاج اماذج و سياسات
تتوافق مع توجهات الرأي العام العاملي.52
خنلص مما سبق إىل التأكيد على أن درجة مسامهة و أتثري الفواعل السياسية كمصادر للمعلومات يف
مثل هذه السياسات خيتلف حجمه و مداه من فاعل آلخر ،ويعد هذا االختالف انعكاسا مباشرا
و فعليا لالختالف و التباين يف أسباب و دوافع تدخل كل فاعل سياسي ،و أيضا أساليب التدخل
املمنوحة للفاعل ومدى قدرته على استخدامها و توظيفها .كما ميكن إرجاع هذا االختالف إىل
طبيعة النظام السياسي الذي يعترب احملدد الفعلي حلجم و قوة أي فاعل سياسي يف عملية رسم و
-51مركز البحوث العربية و اإلفريقية،الدولة الوطنية و حتدايت العوملة ،القاهرة :مكتبة مدبويل ،1008 ،ص.911
-52املرجع نفسه،ص .161
صنع السياسة العامة ،ففي النظم املتبنية للدميقراطية بشكل فعلي تشهد مشاركة من أغلب الفواعل
السياسية يف هذه العملية و لو كان ذلك بدرجات متباينة.53
الفصل الثالث
مراحل و مداخل دراسة السياسة العامة
و صنع القرار
-53عبد هللا ،إمساعيل ،يف توصيف األوضاع العاملية املعاصرة ،مصر:دار الشروق ،1000 ،ص.53
الفصل الثالث:مراحل و مداخل دراسة السياسة العامة و صنع القرار
اختلف املفكرين يف حتديد املراحل و املداخل اخلاصة بدراسة السياسة العامة و صنع القرار ،هذا ما
أدى إىل تعددها ،و هذا ما سيتم التطرق إليه.
توصل جمموعة من العلماء أمثال هارولد السويل و توماس داي إىل حتديد جمموعة من العمليات و
النشاطات الوظائفية اليت تصنع و ترسم يف إطارها السياسة العامة و اعتربوا السياسة العامة برانمج
عمل مستمر تتخلله مجلة من العمليات بدءا من الصنع وصوال إىل اإلهناء أي أهنا سلسلة من
النشاطات العامة و اخلطوات اليت جتسد يف جمموعها السياسة العامة و أمهها:
-حتديد املشكالت :يتم هذا التشخيص عن طريق جتميع املطالب،ألجل التحرك أو العمل احلكومي
حياهلا،و مبا يؤكد اهتمامها و عنايتها.
-تشكيل مقرتحات السياسة العامة :يتم التوصل إىل تشكيل مقرتحات السياسة العامة ،من خالل
وضع و حتديد األجندة ألغراض املنافسة العامة ،و تطوير مقرتحات برامج حلل املشكلة.
-تشريع السياسة العامة :عندما يتم اختيار املقرتح،و بناء الدعم السياسي املطلوب له ،و العمل على
تفعيله ليأخذ شكل قانون فهذا عبارة عن تشريع سياسة عامة.
-تنفيذ السياسة العامة :تطبيق السياسة العامة يكون من طرف املنظمات البريوقراطية التابعة للجهاز
التنفيذي.
-تقومي السياسة العامة:لتقومي السياسة العامة ،البد من دراسة الربانمج ،و تقدير خمرجاته ،مث العمل
على حتديد آاثره على اجلماعات املوجودة يف اجملتمع ملعرفة ما إذا كان الربانمج هادفا أم ال ،و
انطالقا من النتائج املتوصل إليها يتم اقرتاح التعديالت الضرورية.
إن هذه الوظائف و العمليات جتسد يف جمموعها الطابع السياسي لعملية صنع السياسة العامة،
ابعتبارها تتضمن صراعا بني األطراف و اجلماعات أو كفاحا من أجل اخليارات املتعلقة ابلقضااي
السياسية و مشاكلها.
ميكن تعريف املشكلة أبهنا ترتبط بقضية أو مبوقف معني ،أو حاجات مطلوبة 54،وابلتايل هي ظاهرة
حمددة ،هلا أغراضها وآاثرها املباشرة وغري مباشرة ،وهي قابلة للحل يف إطار املقومات البيئية.
إن األسلوب العلمي لذلك يكون بتتبع أسباهبا و ظروف حدوثها و معدل تكرارها وصوال إىل
األسباب احلقيقية اليت أدت لظهورها ،55ومن هذا املنطلق ميكن حتديد املشكلة احلقيقية حتديدا
دقيقا ،فالعجز عن حتديد املشكلة حتديداً واضحاً أو عدم القدرة على التمييز بني املشكلة السطحية
واملشكلة احلقيقية قد يؤدي إىل قرار أو سياسة عامة أو حل صحيح ملشكلة أخرى غري تلك
املشكلة اليت يريد متخذ القرار حلها.
ويتم التساؤل هنا من الذي جيعل احلكومة أو صانعوا القرار يهتمون ببعض املشاكل دون األخرى؟،
هلذا فإنه ال يتم االقتصار فقط على املشكل وإاما املشاكل العامة اليت متس شرحية واسعة من اجملتمع
وتثري إنتباه احلكومة مثل :التلوث البيئي ،الفقر ،اخنفاض الدخل ... ،اخل.
-55سيد ،اهلواري ،االدراة األصو واألسس العلمية ،القاهرة :مكتبة عني الشمس، 1976 ،ص .19
لذا فاملشكلة العامة هي اليت تدفع صناع السياسة العامة للتحرك بسرعة ألهنا متثل جمموعة املطالب
واحلاجات والقيم اليت جيب اإلستجابة هلا ،وصفة العمومية هي الصفة األساسية يف حتديد مشاكل
السياسة العامة. 56
يعد التشخيص الدقيق للقضااي واملشكالت اليت تعاجلها السياسات العامة ،صلب عملية صنع
السياسة العامة ،وهذا إنطالقا من التعبري القائل أبن تشخيص املشكالت هو نصف حلها ،لذلك
جيب استخدام أساليب دقيقة و اسنادها إىل حمصلة وافية من املعلومات املساعدة لإلحاطة التامة
والشاملة ابلقضااي حمل اإلهتمام ،ألهنا تتطلب تشكيل حوصلة عن األبعاد احلقيقة للمشكلة وكذلك
عن خمتلف ردود األفعال وما قد تثريه من حساسيات عند معاجلتها أو حىت عن صرف نظر صناع
السياسة عنها .
يف هذه املرحلة يتم مجع مجيع البياانت واملعلومات اليت قد تساهم يف تفهم جوانب املشكلة وأبعادها
ويف نفس الوقت تساهم يف حلها وال تقتصر عملية مجع البياانت واملعلومات على مرحلة من املراحل
بل تتم يف مجيع مراحل حتليل وحل املشكالت ،ابلرتكيز على النقاط التالية:
d’organisation,1981,p75.
تواجه احلكومات العديد من القضااي اجملتمعية ،لكن ال تستطيع أن حتل كل تلك املشاكل ،مهما
كانت إمكانياهتا املادية والبشرية ،هلذا فإهنا تقوم إبدراج أهم القضااي أو املطالب العامة األكثر طلبا
عند اجملتمع يف جدول يسمى جبدول أعمال السياسة العامة أو ما يسمى أبجندة سياسة احلكومة.57
األول ،يضم املسائل اليت تتبناها السلطة وتستدعي تدخل السلطات الثالث وفقا لصالحيتها
واختصاصاهتا ،أما الثاين فهو مبثابة جدول للنقاش يكتفي عادة ابملستوى احلكومي ملعاجلتها ،وما
جتدر اإلشارة إليه أن جدول األعمال السياسة يتميز بغياب التفاصيل فيه وعدم الوضوح وموضوعاته
حمل جدال دائما .
أحياان قد تدرج مشكلة يف األجندة احلكومية لكن هذا ال يعين انتقاهلا إىل مراحل أخرى متقدمة يف
السياسة العامة ،وهناك العديد من القضااي تدخل األجندة وتبقى عالقة أو تزول بسبب ظهور
مشاكل أكثر أمهية وإحلاحا على الساحة.58
ويرجع عدم استجابة النظم السياسية أو احلكومات للقضااي بطريقة سريعة إىل :
-املتطلبات اليت يفرضها الدستور حول معاجلة القضااي بطريقة متأنية و اخلطوات البريوقراطية ،كل
هذا يؤثر يف حل القضااي املطروحة مما ينعكس سلبا على فعالية األجندة السياسية.
-كما يؤخذ بعني االعتبار أسبقيات األجندة و ذلك يف ضوء اعتبارات سياسية أسهم يف بلورهتا
أشخاص فاعلون مثل" املنظمني للقضااي أو املتفتحني لألجندة ،"59حبيث تتداخل املواقف حول
األسبقيات ،مما يؤدي إىل معاجلة قضية على حساب قضااي أخرى أكثر أمهية وإحلاحا.
-احملددات والظروف و العوائق اليت تؤثر على متخذ القرار ،حيث ميكن ملتخذ القرار إما التغلب
عليها أو االلتفاف حوهلا أو إزالتها متاما أو حتييد أثرها ،أو إثبات عدم وجودها سوى يف خميلة
بعد حتديد املشاكل ووضعها على األجندة السياسية ،البد للحكومة من بلورة األفكار والسياسات
املمكن إتباعها للتعامل مع املشاكل ذات األولوية.
وتعرب هذه املرحلة أيضا عن حماولة التعرف على احللول املختلفة للمشكلة القائمة فال توجد مشكلة
هلا طريق واحد يف نظر صناع السياسة ،فبعد مجع املعلومات وترشيحها لتعطي صورا عن حلول
خمتلفة ،فمهما كانت الطرق املؤدية إيل صياغة مقرتحات السياسة العامة وما قد حيدث فيها من
تناقضات وتضارب يف املصاحل هبدف الكسب السياسي ،فإن جدوى البدائل املقدمة تتوقف بصورة
شبه كلية على املعلومات الواردة إىل احلكومة من املرحلة السابقة وكذا مدى مالئمة ودقة ومشولية
وحداثة هذه املعلومات ،و وصوهلا يف الوقت املناسب سواء كان الرافد هو حمللون سياسيون أو مراكز
معلومات أو معاهد حبوث ودراسات متخصصة ،ميكن تلخيص أهم ما حيدث يف مرحلة تشكيل
مقرتحات السياسة العامة يف النقاط التالية:
حتديد النواتج والعواقب الناجتة عن كل بديل ،سواء كانت عواقب إجيابية أو سلبية.
وهذه العملية أتيت حمصلة لتفاعل عوامل عدة منها :االقتصادية والسياسية واالجتماعية ،فنجد بعض
متخذي القرارات يركزون اهتمامهم علي االعتبارات االقتصادية واملالية ويعتقدون أن الناحية املالية
جيب أن أتخذ االعتبار األول بينما مييل البعض اآلخر إيل الرتكيز علي النواحي اإلنسانية وجند البعض
اآلخر مييل بطبيعته إيل القيم الروحية والدينية.
و يتم ذلك يف صورة اماذج خمتلفة يستخدمها صناع السياسة يف عملية وضع احللول و إعداد الربامج
،حيث يتم ذلك يف جو من الرشد أي إختيار احللول اليت ينبغي أن يتمخض عنها أكرب عائد
إجتماعي ابلشكل الذي يعرب عن حتقيق فوائد كبرية.
لتتوج هناية هذه املرحلة بصياغة السياسة العامة ،فيتم يف هذه املرحلة إختيار بديل من البدائل
املطروحة كبديل مفضل للسياسة العامة 61،أي إختاذ القرار من طرف اجلهة الرمسية املخولة لذلك ،أو
إصدار تشريع أو قانون جيسد األهداف املراد بلوغها ،ويشمل هذا تبين مقرتحات بعينها أو تعديلها
أو رفض أو قبول بديل آخر.
حيث تتم عملية املفاضلة بني البدائل و البحث عن البديل الذي حيل املشكلة جزئيا أو كليا أو
البديل الذي يرضي األطراف املختلفة أو غري ذلك ،حيث يتم التساؤل حول طبيعة السياسات العامة
و ما اهلدف منها( حتسني مستوى احلياة ،تلبية حاجيات األفراد.)...
أي أن حملل السياسة العامة يقوم ابختيار البديل حبسب السياق املنطقي للمفاضلة ،وعلى أساس
التوجه املوزون واحملسوب يف ضوء املعايري واملقاييس ذات العالقة ابألبعاد االجتماعية و السياسية
واالقتصادية وغريها.62
60
- georgs.c.edwards-lrasharkansky,op.cit, p166.
فعملية إختيار أفضل بديل وتبنيه كسياسة عامة تتم يف حالة الشك و عدم اليقني و هذا ما يبني
صعوبة هذه املرحلة ،وعليه البد أن تكون املعلومات الضرورية والالزمة متوفرة .
إذن متخذ القرار مقيد ابملعلومات اليت مت إيصاهلا إليه بقنوات االتصال املختلفة ،و مقيد ابلضغوط
االجتماعية واألعراف والتقاليد و عليه إجياد نقطة التوازن بني ما يتطلبه القرار وما يفرضه اجملتمع من
ضغوط.
تنفيذ السياسة العامة عبارة عن جمموعة النشاطات واإلجراءات والتدابري التنفيذية اهلادفة إلخراج
السياسة العامة أو وضعها حيز الواقع العملي ،ابستخدام الوسائل واإلمكاانت املادية والبشرية و
التكنولوجية وغريها يف سبيل حتقيق مقاصد السياسة العامة ،وعادة ما يعرب ذلك التنفيذ عن منجزات
البريوقراطية احلكومية ومهاراهتا األدائية.64
وابلرغم من وجود صعوبة يف حتديد املرحلة اليت تفصل بني العمل التشريعي والتنفيذي ،وهنا تعترب
عملية تنفيذ السياسة العامة استمرار ملختلف العمليات السابقة واليت ينتقل العمل فيها إىل السلطة
التنفيذية مبختلف مستوايهتا ،وتتمتع بسلطات تقديرية واسعة أثناء التنفيذ وذلك لتمتعها ابخلربة
الالزمة والثقة والتجربة يف كافة امليادين ،مما يعطيها احلق يف إصدار اللوائح والتعليمات الالزمة
بتفاصيل تنفيذ السياسات العامة.
63
- g.i.gow.,m.barrette,sdion,introduction aladministration publique,canada, 1992,p158.
-64جيمس أندرسون ،املرجع السابق الذكر ،ص.100
إن معظم التشريعات احلديثة هي ذات طبيعة عامة وشاملة لعموم األفراد يف البيئة اإلجتماعية ،
وابلتايل ال ميكن تطبيقها ما مل يقم املسؤولون اإلداريون ابلعمل على وضع لوائح تفصيلة و إجراءات
تنظيمية لتحويل تلك التشريعات اليت تتضمنها السياسة العامة إىل نتائج واقعية ملموسة ،فالسلطة
السياسة مل تضيق اخلناق بل تركت هامش إلصدار اللوائح التنفيذية والتنظيمية وفق احلدود
والصالحيات املخولة هلا يف اهليئات املركزية او احمللية وإن كان هذا له إنعكاسه السليب يف إمكانية
التالعب ابلسياسات العامة.65
وللتطبيق الفعال جيب وجود خطة تنفيذية تفصيلية لتنفيذ دقائق العمل بفاعلية.
واخلطة التنفيذية جيب أن تشمل ما يلي:66
كما أن التطبيق اجليد هو الذي جيسد السياسة العامة يف أرض الواقع ،وبناءا على ما تقدم إن جناح
عملية تطبيق السياسة العامة يتطلب توفري مجلة عوامل متحكمة يف التنفيذ:67
-65بيرت دراكر ،اإلدارة ،املهام ،املسؤوليات ،التطبيقات ،ترمجة:حممد عبد الكرمي ،القاهرة:الدار الدولية للنشر والتوزيع،
،1996ص85
66
- Daniel Kubler, Jacques de Maillard,Opcit,p124.
-67عادل ،فتحي و اثبت ،عبد احلفيظ ،املرجع السابق الذكر ،ص.911
-احلرص الشديد على التنسيق بني أجهزة التنفيذ والصياغة و بني السياسات نفسها.
كل ما سبق ذكره جيعل االعتقاد أبن احلكومات حتاول أن تكون سياستها مبنية على العقالنية
وتسعى لضمان التنفيذ اجليد للسياسات ،غري أن الواقع يؤكد أن تنفيذ السياسة العامة يتم يف ظروف
خمتلفة يغلب عليها طابع اجلمود يف القوانني وقلة اإلمكاانت الالزمة لتجسيد السياسات اليت قررهتا
القيادة العليا .
عرف" جاك فونتاانل "التقييم أبنه عملية منظمة تستهدف تقييم النشاطات احلكومية حىت تقدم
68
معلومات متكاملة عن اآلاثر بعيدة وقريبة املدى للربامج احلكومية"
أي أن مرحلة التقييم تعتمد على املعلومات املرتدة عن التنفيذ حول النتائج (املخرجات) املطلوبة
للبديل املختار يف التوقيت املتوقع و ابلكيف املطلوب
أما موفق حممد حديد ،يرى أن التقييم يعين":قياس مدى فعالية برانمج معني حتت التنفيذ يف إجناز
أهدافه ،أو مقارنة مرحلة التصميم مبرحلة التشغيل وربط النتائج ابلعناصر املستخدمة يف الربانمج ،
وكذلك العمل على تطوير الربانمج عن طريق التغيري يف العمليات احلالية."69
يركز تعريفه على ثالث عناصر هي األهداف ،املقارنة ،التغيري أو التعديل مبعىن مقارنة ما مت تنفيذه مع
األهداف املرجوة بغية إدخال التحسينات الآلزمة.
إذن فعملية التقومي عملية أساسية وذلك لتشخيص وقياس آاثر السياسة العامة ،من أجل التوصل إىل
معرفة نتائج السياسة العامة ،و يف حالة وجود إحنرافات يتم تصحيحها.
-التقومي السابق للتنفيذ يتم االهتمام فيه جبدوى السياسة العامة قبل تنفيذها.
1
-jacques fontanel,Opcit,P34.
-69حممد موفق ،حديد،املرجع السابق،ص. 322
-70فهمي خليفة ،الفهداوي ،املرجع السابق الذكر ،ص.52
-التقومي املالزم للتنفيذ ويضم دراسة التكلفة ،التشغيل ،تطوير و حتسني عملية األداء.
-التقومي اإلسرتاتيجي هبدف حتقيق الفاعلية يف التنفيذ ،حيث ميكن إدخال التعديل على السياسات
لردم اهلوة بني األداء والتخطيط من جهة و النظرية و التطبيق من جهة أخرى.
كما أن التقومي يعتمد على جمموعة من املعايري للتحقق من مدى جناح السياسة العامة هي:71
-املعيار االقتصادي :يؤكد على التقليل من اإلنفاق احلكومي ومن عيوبه ،وهو عدم متكن احتساب
زايدة اإلنفاق و املنافع اليت تتخلى عنها كنتيجة خلفض اإلنفاق.
-العدالة :من حيث التوزيع العادل للمنافع بني خمتلف الشرائح وتستخدم عدد من املقاييس يف
كيفية توزيع املوارد والثروات.
-الشرعية القانونية :من حيث مطابقة هذه السياسات إىل التشريعات والقوانني واللوائح املنظمة
لتلك السياسات أو الربامج.
فبهذه املعايري يتم حتليل و تقييم مدى حتقيق السياسة العامة لألهداف املتوخاة.
-71عبد املطلب ،غامن ،معايري تقومي السياسة يف اإلدارة العامة ،القاهرة ، 1989ص. 160
لكن ابلرغم من أمهية عملية التقومي إال أنه تواجهه العديد من التحدايت منها :غموض األهداف،
ضعف آاثر السياسة العامة و عدم استقرارها ،صعوبة تعميم نتائج التقومي.
لذا فعملية التقومي تعد مرحلة هامة ،مالزمة جلميع مراحل صنع السياسة العامة ،ال ميكن االستغناء
عنها ،ألن السياسة العامة من خالهلا تستطيع أن تتجنب خمتلف الصعوابت واملشاكل اليت تعرتضها
خاصة أثناء تنفيذها ،وإذا حتققت نتائجها ابلصورة اليت خطط هلا.
مما سبق ميكن القول أن السياسة العامة عبارة عن جمموعة من اخلطوات املرتابطة فيما بينها واملتعاقبة
يف العمل إال أن التمييز بينها صعب بسبب النشاطات الوظيفية املتداخلة لكن التأكيد على هذه
اخلطوات اإلجرائية يساهم يف فهم السياسة العامة.
لقد عرفت السياسة العامة عدة مداخل من أجل فهم و تفسري السياسات املنتهجة يف الدول و من
بني هذه املداخل :
مدخل اجلماعة:
يقوم مدخل اجلماعة على اعتبار أن اجلماعة هي وحدة التحليل يف دراسة الظواهر السياسية فهي
حمور العملية السياسية ،و اجملتمع يتكون من اجلماعات املتعددة اليت غالبا ما تكون يف حالة من
التعاون و الصراع ،و هذا يعود إىل أن األفراد بتوجهاهتم و خياراهتم املتشاهبة مييلون إىل التواجد يف
مجاعة ما هبدف طرح مطالبهم أمام املؤسسات احلكومية و الضغط عليها لكي تستجيب هلم ،و
بذلك تتحول اجلماعة إىل جسر رابط بني الفرد و احلكومة.
و ابلتايل تبقى املهمة األساسية للنظام السياسي يف ظل مدخل اجلماعة هي القيام إبدارة أوجه الصراع
و التفاعل بني هذه اجلماعات و التوصل إىل احللول الوسيطة و التوفيقية اليت تكون يف شكل قوانني
و برامج أي سياسات عامة ألنه عن طريق تنظيم عمليات الصراع و التوفيق يتمكن النظام من التنفيذ
و التطبيق بشكل فعال ،إن هذا املدخل يصلح أكثر يف تفسري صنع السياسات العامة يف الدول
الدميقراطية اليت تسمح أبن يتنظم اجملتمع يف شكل مجاعات كانت أحزااب أو نقاابت أو مجعيات و
غريها.
-مدخل النخبة:
لقد ظهر هذا املدخل على أيدي جمموعة من املفكرين أمثال ابريتو ،موسكا ،روبرتو ميشلز ،رايت
ميلز ،برهنام ،72،وقد رأى هؤالء أنه ما من جمتمع مهما كان مستواه من التطور االقتصادي
واالجتماعي والسياسي ،ال خيلو من أقلية ماهرة تسيطر و تتخذ القرارات و ترسم السياسات ،وأكثرية
ختضع حلكم تلك األقلية ،ويطلقون عليها تلك األقلية احلاكمة اسم :الصفوة أو النخبة.
-النخبة احلاكمة ليست ممثلة لألغلبية متثيال حقيقيا ،حيث غالبا ما تكون النخبة احلاكمة من الطبقة
العليا الغنية وذات النفوذ ،والبعيدة عن الطبقات العامة وال تليب مطالبها ،بل أهنا تسعى فقط لتلبية
مصاحلها اخلاصة.
مبعىن آخر أن هذه األقلية تستأثر ابلقوة السياسية وتتخذ القرارات اهلامة اليت تؤثر على حياة اجملتمع،
وأييت هذا التأثري انطالقا من السيطرة إما بفعل االنتماء العائلي ،أو التحكم يف املوارد ،أو جتسيد
القيم الدينية أو االجتماعية السائدة ،أو ارتفاع املستوى التعليمي ،أو حيازة مهارات معينة أو قدرات
تنظيمية كبرية.
-األغلبية ال تشارك وال تؤثر يف عملية صنع القرار و إاما هي خاضعة للنخبة احلاكمة ،كما أن حتول
األفراد من فئة األكثرية إىل فئة األقلية النخبوية ،يقيد بضوابط شديدة ،تكمن يف احلفاظ على
االستقرار وجتنب حاالت قيام الثورة ،حبيث ال يدخل ضمن فئة النخبة إال الذين يؤمنون فعال بقيم
النخبة واالقتناع هبا واإلخالص هلا.
تكون السياسة العامة هي تلك اليت تعرب عن قيم و تفضيالت النخبة احلاكمة ،وأهنا كنخبة متميزة
هي اليت تشكل رأي اجلمهور حول السياسة العامة ،وهي اليت تؤثر يف اجلمهور أبكثر مما تتأثر هي
به.
مدخل النظم
النظام عبارة عن عملية تكوين منظم ومركب من عدة عناصر اليت تنتظم معا يف تكوين متناسق
لتحقيق هدف أو عدة أهداف ،وأن أي عطب يصيب جزء منه فإنه يؤثر يف بقية األجزاء أو العناصر
املكونة للنظام. 73
من أبرز رواد هذا املدخل دافيد إيستون ،غابرايل أملوند ،و يرى أنصار هذا املدخل وجود عالقة
خطية بني كل من مدخالت النظام و خمرجاته ،إذ يتم حتويل هده املدخالت اآلتية من البيئتني
الداخلية و اخلارجية إىل خمرجات ،كما أن االستجاابت املرتتبة عن املخرجات قد تتحول إىل مطالب
جديدة للنظام و هو ما يعرف ابلتغذية الراجعة أو العكسية.
-73صالح مصطفى ،الفوال ،معامل الفكر السوسيولوجي املعاصر ،القاهرة :دار الفكر العريب ، 1982 ،ص.105
- 74حممد زاهي بشري ،املغرييب ،قراءات يف السياسة املقارنة :قضااي منهجية و مداخل نظرية ،ليبيا :منشورات قازيونس
،0225،ص. 150
-املطالب :وهي احلاجات والتفضيالت املختلفة ألفراد اجملتمع ،واليت تدخل إىل النظام السياسي
كمطالب ومتثل ما يريده أو يسعى له األفراد واجلماعات لغرض إشباع مصاحلهم العامة ،ما يفرض
على السلطات أن تستجيب هلا بصورة أو أبخرى.
-الدعم واملساندة :وتعرب عن التزام األفراد واجلماعات مبا تقوم به احلكومة ،وكذا عالقتهم ابلسلطات
واملؤسسات الرمسية ،ويكون التأييد يف أشكال عدة :كدفع الضرائب ،تطبيق القوانني....
وهلذا السبب يرى استون أنه جيب على كل نظام سياسي أن يعمل على خلق واحملافظة على درجة
عالية من التأييد ،حيث أنه كلما اخنفضت نسبة التأييد عن احلد األدىن ،فإن استمرارية ودميومة النظام
السياسي تصبح معرضة للخطر.
-املعارضة أو املقاومة :وتكون هذه املعارضة من قبل اهليئات اليت لديها مطالب ترمي إىل حتقيقها من
خالل ممارستها هلا للضغوط على النظام السياسي ،كاألحزاب السياسية واجلماعات املعارضة.
املصادر واملوارد :متثل املصادر املادية والبشرية واملوارد املوجودة يف بيئة النظام السياسي على املستوى
الداخلي والدويل ،واليت يتم توظيفها حتقيقا ألهداف النظام وتنفيذ السياسة العامة.
املعلومات الراجعة :هي تلك املعلومات الصادرة من اجملتمع جتاه السياسة العامة السابقة ،واليت تشكل
مجلة مطالب جديدة.
-املخرجات :outputsأتخذ أشكال عدة من ضمنها شكل :السياسة العامة ،القرارات ،القوانني،
األوامر و املراسيم الصادرة عن السلطات و اهليئات السياسية املوجودة يف النظام السياسي كاستجابة
ملدخالت النظام.
إن درجة االستجابة ختتلف ابختالف طبيعة و كمية املدخالت ،و طبيعة و إمكانيات النظام
السياسي ،و أيضا قوة أتثري و ضغط الفواعل السياسة و تعد استجابة النظام للمطالب و
االحتياجات عامال مهما للرفع من درجة التأييد ،ألن النظام يرفع من قدرته على االستجابة من
خالل اسرتجاع املعلومات املتعلقة بوضعية النظام و البيئة الداخلية و اخلارجية له ،و هذا ما يعرف
ابلتغذية الراجعة و اليت تشري إىل التأثري الذي حتدثه السياسات العامة و القرارات يف البيئة و املطالب
املطروحة من قبلها و أيضا يف خصائص النظام السياسي ذاته،كما ميكن للسياسة العامة أن تولد
مطالب جديدة تؤدي بدورها إىل خمرجات جديدة و بناء على ذلك يتم إدراج التعديالت و
التغيريات الضرورية يف السياسات و القرارات مبا يتماشى و االحتياجات و املطالب الفعلية لألفراد و
75
اجلماعات.
-البيئة الكلية للنظام :و اليت تنقسم إىل البيئة الداخلية و البيئة الدولية.
البيئة الداخلية :أين تتفاعل جمموعة من األنساق الفرعية فيما بينها مثل النسق اإلجتماعي
االقتصادي،الثقايف ،البيولوجي ،و الشخصي.
البيئة الدولية :و نعين هبا أتثري العالقات اخلارجية و التغريات الدولية اليت كثريا ما تضغط على اجلهاز
76
السياسي أو تعمل على تقدمي الدعم له.
إذا حسب ايستون فإن النظام السياسي ،و بفعل الضغوط اليت يتعرض هلا من البيئتني الداخلية و
اخلارجية ،يسعى من خالل رمسه للسياسات العامة و اختاذه جملموعة من القرارات إىل إحداث تغيريات
يف هياكله و توجهاته عن طريق تعبئة موارد و إمكانيات ابلشكل الذي ميكنه من االستمرار و
التصدي للضغوط و التحدايت املفروضة عليه .السياسة العامة بناء على هذا املدخل هي نتاج
جمموع املدخالت اليت يتلقاها النظام السياسي ،أي أن مضمون السياسات العامة و أهدافها ميكن
حتديدها بناء على حتليل و حتديد كمية و نوعية املطالب اليت عمل النظام على االستجابة هلا.
-املدخل املؤسسايت:
لقد حضيت املؤسسات ابهتمام العديد من املختصني مثل صامويل هانثنقتون ،و وفقا هلذا املدخل
فإن األنشطة السياسية واحلكومية تتمحور من خالل املؤسسات الرمسية يف الدولة وهي :املؤسسة
التشريعية ،التنفيذية والقضائية ،حبيث أن هذه املؤسسات هي اليت تتخذ القرارات وتصنع السياسة
العامة ،فالسياسة العامة وفقا هلذا النموذج تتبناها وتنفذها احلكومة يتميز هذا املدخل النموذج
ابلطابع الوصفي و القانوين ،بسبب ارتكازه على املؤسسات احلكومية الرمسية و أتكيده على أن
-76عادل فتحي ،اثبت عبد احلفيظ،النظرية السياسية املعاصرة ،اإلسكندرية،دار اجلامعة اجلديدة ،1551ص. 189
السياسة العامة نشاط جيري داخل املؤسسات احلكومية ،يعين أنه يركز على الفواعل السياسية
احلكومية و يهمل بشكل كلي الفواعل غري احلكومية كاألحزاب السياسية و مجاعات
املصاحل...77كما يعمل على إلغاء التفاعالت القائمة بني هذه الفواعل و دور هذه التفاعالت يف
رسم و صنع السياسة العامة ،لكن و مع بروز املدرسة السلوكية عرف هذا املدخل تعديالت و
تطورات ،حيث أصبح االهتمام منصبا أكثر على العملية السياسية أو صنع السياسات العامة يف
إطار املؤسسات احلكومية من خالل الرتكيز على جمموع السلوكات و الفواعل السياسية احلكومية و
غري احلكومية املشاركة يف هذه العملية ،إن تطور هذا املدخل أدى إىل االنتقال من دراسة ما جيب أن
يكون إىل دراسة ما هو كائن ،أي أنه مل يكتف ابجلوانب اهليكلية بل تعداها إىل دراسة جمموع
التفاعالت القائمة بني الفواعل احلكومية و غري احلكومية إىل جانب عالقات التأثري املتبادلة بني هذه
املؤسسات و البيئة احمليطة ،و دور هذا التأثري يف رسم السياسات العامة.
تعود جذور هذا املدخل إىل أفكار املدرسة الكالسيكية يف اإلدارة (اإلدارة العلمية ،التقسيم اإلداري،
النموذج البريوقراطي) ،اليت كانت تبحث عن مبادئ و قواعد تؤدي إلدارة ميثالية و إلختاذ قرارات
ميثالية دون وجود أي جمال للخطأ.
وفقا هلذا املدخل ،فإن القرار الرشيد أو السياسة الرشيدة هو ذلك الذي حيقق أكرب عائد (انتج)
اجتماعي معني ،مبعىن حتقيق الفوائد الكبرية وفقا ألقل قدر من التكاليف املطلوبة.78
-وجود مشكلة حمددة ،وهي قابلة ألن تدرس بشكل متأين وجديرة ابالهتمام .
-فحص مجيع البدائل ودراستها بصورة كاملة ،مع حتديد وحتليل النتائج املتوقعة من اختيار البدائل
كلها قياسا ومقارنة مع التكلفة.
-و يقوم هذا املدخل على اإلعتبار املعياري مبعىن امكانية قياس الفرق بني القيم املضحى هبا و القيم
املكتسبة جراء اختاذ قرار معني.
-إن كل بديل جرى اختياره ،جتري عليه عملية مقارنة تبعا ملا يتوقع عنه من نتائج مع البدائل
األخرى ،سعيا لتحديد البديل األفضل.
وابلتايل يقوم صانع القرار بناء على تلك اخلطوات السابقة ابختيار البديل األفضل ،الذي ميكن صانع
القرار من إمكانية حتقيق اهلدف املسطر يف البداية وأبقل تكاليف ممكنة بوصفه األفضل من بني مجيع
البدائل األخرى.
-يف ظل هذا املدخل املعلومات كلها متوفرة لدى متخذ القرار و البدائل كلها متوفرة كذلك ،و
يقوم متخذ القرار إبجراء عمليات حسابية بني ما سيكسبه و ما سيضحي به حىت يتخذ القرار ذو
املنفعة القصوى.
عرف هذا املدخل انتقادات عديدة من أمهما وجود حمدودية للعقالنية بسبب عدم توفر املعلومات،
و وجود معوقات يتلقاها متخذ القرار سواء كانت ضغوطات و أتثريات من البيئة الداخلية و
اخلارجية ،و عدم قدرته على معرفة كل القيم املكتسبة و املضحى هبا ،هذه اإلنتقادات كانت بداية
لظهور مدخل آخر و هو املدخل التدرجيي أو الرتاكمي.
-املدخل التدرجيي
هذا املدخل جيد جذوره يف أفكار املدرسة السلوكية أمثال هربرت ساميون و خصوصا نظريته العقالنية
احملدودة ،و يقوم هذا النموذج يف عملية صنع القرار من خالل كون السياسة العامة ماهي يف حقيقة
األمر إال استمرارية للنشاطات احلكومية السابقة ،مع وجود بعض التعديالت التدرجيية.
وصاحب هذا املدخل هو :تشارلز لندبلوم يف مقالته الشهرية" :علم التخبط العشوائي أو نظرية
اخلوض يف الوحل" ،80ابعتبار أن صانعي القرارات يفضلون جتزئة املشكالت عند صياغة القرارات،
لغرض التمكن من اختيار القرار الذي حيقق يف كل منها هامشا مطلواب من احلل.81
ويقوم املدخل التدرجيي على أساس أن القرار والسياسة العامة عملية تراكمية حمورها اإلضافة ملا مت يف
املاضي ،وحماولة حتسني الوضع بصورة آنية وجزئية ،وعليه فإن الربامج واملشروعات الراهنة وما يتصل
هبا من سياسيات تتخذ كقاعدة يبىن عليها مع إضافة بعض التعديالت اجلزئية.
صاحب هذا املدخل هو أميتاي اتزيوين Amitai Etzioniالذي دعا إىل ضرورة إجياد مدخل
توفيقي يف عملية صنع القرار واختاذه ،حبيث أيخذ هذا املدخل من املدخل الكلي الرشيد كما أيخذ
أيضا جبانب من املدخل التدرجيي.
وجاءت أفكار اتزيوين بناء على االنتقادات اليت وجهها إىل املدخل العقالين على أساس أنه مدخل
خيايل ،وأن صانع هذا القرار هو إنسان ال ميكن أن يتصف بكل صفات الكمال اليت تؤهله الختاذ
قرار رشيد ،كما وجه انتقادات للمدخل التدرجيي جتلت يف أن اإلنسان ال يعرف كل البدائل ،وأن
هذا املدخل يركز على حاضر املؤسسة وماضيها دون االهتمام ابملستقبل.82
وعليه فقد قدم اتزيوين بديال أطلق عليه الفحص املختلط ،واعترب أن عملية التخطيط والتنفيذ
وظيفتان متكاملتان ،ما يعين أن مرحلة التخطيط تستدعي اعتماد املدخل الرشيد ومرحلة التنفيذ
تتطلب اعتماد املدخل التدرجيي.
أي أن السياسة العامة متر مبرحلتني التخطيط مث التنفيذ ،ففي التخطيط يتم اإلعتماد على املدخل
الكلي الرشيد ،و يف التنفيذ يتم اإلعتماد على املدخل التدرجيي.
- 80جنيب وصال ،العزاوي ،مبادئ السياسة العامة،عمان ،دار أسامة للنشر و التوزيع ،0220 ،ص .110
- 81املرجع نفسه ،ص.116
-82حسن ،أبشر الطيب ،املرجع السابق الذكر،ص.152
وابلتايل فإن اتزيوين حاول التوفيق بني املدخلني من أجل احلصول على مدخل قائم على الدمج بني
العقالنية والتدرجيية اليت تعترب األسس اليت يقوم عليها مدخل الفحص املختلط.
بعد التطرق إىل بعض املداخل اليت عنيت بتحليل و تفسري أسباب صنع السياسيات العامة ،و
خلفيات ذلك و آاثره ابعتبارها ظاهرة ديناميكية ،نالحظ أن كل مدخل يركز و حيصر جمال اهتمامه
يف بعض اجلوانب و إمهال دور اجلوانب األخرى.
اخلــات ـمــة
اخلامتة
حاول املعنيون من علماء السياسة واإلدارة العامة واالجتماع أن يربطوا مفهوم السياسة العامة بقضااي
الشؤون اليت تتمثل ابحلاجات واملطالب والقضااي واملشكالت على الرغم من وجود تفاوت وتباين
حول األسس اليت ينطلقون منها عند تعريفهم للسياسة العامة.
-كون السياسة العامة جمموعة القواعد والربامج احلكومية اليت تشكل قرارات أو خمرجات النظام
السياسي بصدد جمال معني ،ويتم التعبري عن السياسة العامة يف صور و أشكال عدة منها القوانني ،
واللوائح ،القرارات اإلدارية واألحكام القضائية.
-إن السياسة العامة جتسد عملية تنسيق وتعاون بني أجهزة الدولة املختلفة سواء كانت رمسية متمثلة
يف السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية أو غري رمسية متمثلة يف التنظيمات غري الرمسية مثل
النقاابت و التنظيمات املهنية وتنظيمات ا جملتمع املدين.
-ونعين ابجلهات الرمسية األفراد الذين يتمتعون ابلصالحيات القانونية اليت تسمح هلم ابملشاركة يف
صنع السياسة العامة ،حيث ويقوم أعضاء السلطة التشريعية ابلتشاور والتباحث والنقاش حول
السياسات العامة املعربة عن القضااي املعروضة عليهم من قبل اجلهات املعنية ،فمعظم السياسات
العامة والقواعد والقوانني املهمة اليت حتتاج إىل النظر فيها واملوافقة عليها رمسيا او شكليا إاما تتم من
قبل هؤالء املشرعني قبل أن تصبح قوانني انفذة ،وخيتلف دور املشرعني من حيث التأثري يف صنع
السياسة العامة بني القوة واحملدودية تبعا لطبيعة النظام السياسي القائم يف الدولة.
أما ابلنسبة للسلطة التنفيذية فتملك سلطات واسعة يف رسم السياسة العامة و صنع القرارات
العمومية ،فالسياسة العامة حتت رمحة اإلداريون كما يقول الفهداوي يف كتابه ،و قوة هذه السلطة
تكمن يف املعلومات اليت ميلكها البريوقراطيون و اخلربة و الكفاءة اليت ميلكها التكنوقراطيون.
كما ال ميكن إغفال الدور الكبري الذي تقوم به األطراف و الفواعل األخرى الغري رمسية اليت تشارك
يف رسم السياسات العامة و صنع القرار بطريقة غري مباشرة عن طريق خمتلف األساليب اليت
تستخدمها.
-إن اجلهاز التنفيذي يلعب دورا هاما يف املراحل املختلفة لصنع السياسة العامة.
-إن السياسة العامة تعكس املصاحل العامة وابلتايل فهي على صلة وثيقة ومباشرة ابجملتمع واحلياة
اليومية للمواطنني.
-إن املصلحة العامة اليت تسعى احلكومة إىل حتقيقها ختتلف عن املصلحة اخلاصة جلماعة مصلحية
أو خنبة سياسية معينة.
تعدد فواعل رسم السياسات العامة و صنع القرار أدى إىل تعدد املراحل اليت متر عليها و اليت ميكن
إمجاهلا يف حتديد املشكلة و وضع األجندة السياسية أو جدول األعمال ،تشكيل مقرتحات السياسة
و صياغة السياسات ،مرحلة تنفيذ السياسة العامة ،مرحلة تقومي السياسات العامة.
من انحية أخرى تعددت املداخل التحليلية لدراسة السياسة العامة و صنع القرار ،و كل مدخل يركز
على زاوية معينة.
قــائـمـة املـراجـع
قائمة املراجع:
املوند ،جابرييل ،بويل ،بنجهام ،السياسة املقارنة إطار نظر ي ( ،ترمجة :حممد بشري املغازي ، )2
بنغازي :منشورات .قار يونس)1111،
أبشر الطيب ،حسن ،الدولة العصرية:دولة مؤسسات ،القاهرة:الدار الثقافية للنشر.2222 ، )3
الفهداوي ،فهمي خليفة ،السياسة العامة:منظور كلي يف البنية و التحليل،عمان:دار املسرية ، )4
. 2221
احلسني ،أمحد مصطفى، ،حتليل السياسات:مدخل جديد للتخطيط يف األنظمة احلكومية، )5
ديب:مطابع البيان التجارية1114 ،
الكبيسي ،عامر خضري ،السياسات العامة مدخل لتطوير أداء احلكومات ،القاهرة:املنظمة العربية )7
للتنمية اإلدارية 2222
الفوا ،صالح مصطفى ،معامل الفكر السوسيولوجي املعاصر ،القاهرة :دار الفكر العريب ، )2
1122
املوسوعة الدولية للعلوم اإلجتماعية ،الكويت :دار القلم .1125 ، )1
)12املغرييب ،حممد زاهي بشري ،قراءات يف السياسة املقارنة :قضااي منهاجية و مداخل نظرية ،ليبيا:
منشورات جامعة قاريونس 2222،
)13الكواري ،علي خليفة ،الشليب ،مجا وآخرون ، ...املسألة الدميقراطية يف الوطن العريب ،بريو ت:
سلسلة كتب املستقبل العريب ، 11مركز دراسات الوحدة العربية.2222 ،
)14اخلضراء ،بشري حممد ،النمط البنيوي اخلليفي يف القيادة السياسية العريبة والدميقراطية ،بريوت:مركز
دراسات الوحدة العربية.2225 ،
)15العزاوي ،جنيب وصا ،مبادئ السياسة العامة ،عمان :دار أسامة للنشر و التوزيع.2223 ،
)11الشعراوي ،مجعة سلوى ،و آخرون ،حتليل السياسات العامة يف الوطن العريب ،القاهرة:مركز
دراسات واستشارات اإلدارة العامة 2224 ،
)17املنويف ،كما ،السياسة العامة و أداء النظام السياسي ،القاهرة:مكتبة النهضة املصرية.1112 ،
)12برو ،فيليب ،علم االجتماع السياسي ( ،ترمجة :صاصيال ،حممد عرب ،بريو ت :املؤسسة اجلامعية
للدراسات والنشر والتوزيع.) 1112 ،
)11كنعان ،نواف ،اختاذ القرارات اإلدارية بني النظرية والتطبيق ،األردن ،دار الثقافة
للنشر.1112،
)22حممد اجلما راسم ،االتصا و اإلعالم يف الوطن العريب ،بريوت:مركز دراسات الوحدة العربية،
2224
)21مركز البحوث العربية و اإلفريقية،الدولة الوطنية و حتدايت العوملة ،القاهرة :مكتبة مدبويل،
.2224
)22عبده عزيزة ،اإلعالم السياسي و الرأي العام ،القاهرة :دار الفجر للنشر و التوزيع2222 ،
اإلعالم العريب و التكنولوجية و وسائل التكنولوجيا احلديثة لالتصا يف الثورة،محدي، ) قنديل23
.1111 ،املنظمة العربية للرتبية و الثقافة و العلوم: تونس،التكنولوجية و وسائل االتصا العربية
الفهرس
الصفحة
مقدمة 1..................................................................................
الفصل األو :اإلطار النظري و املفاهيمي لرسم السياسة العامة و صنع القرار3...............
املبحث األو :ماهية السياسة العامة4. ........ ........ ........ ........ ........ ........
-8تطور مفهوم السياسة العامة8... ........ ........ ........ .......... ........ ........
-8أنواع السياسة العامة11..... ........ ........ ........ ........ ........ ..............
املبحث الثاين:ماهية صنع القرار14...................... ........ ....... ........ ........
-1تعريف القرار14......... ........ ........ ........ ........ ........ ........ ........
-2الفرق بني صنع القرار واختاذ القرار 11............... ........ ...... ........ ........
-3أنواع القرارات17........ ........ .............. ........ ........ ........ ........
الفصل الثاين:فواعل رسم السياسة العامة و صنع القرار11. ........ ..... ........ ........
املبحث األو :الفواعل الرمسية يف رسم السياسة العامة و صنع القرار11....................
-1السلطة التشريعية11.................................. ........ ..... ........ ........
- 1السلطة التنفيذية14................................ ........ ........ ....... ........
املبحث الثاين :الفواعل غري الرمسية يف رسم السياسة العامة و صنع القرار17.................
-1األحزاب السياسية18.............................. ........ ........ ........ ........
-1مجاعات املصاحل12........ ........ ................................ ........ ........
-0وسائل اإلعالم31........ .......... ............................... ........ ........
-4القوى الدولية31........ ................................... ....... ........ ........
الفصل الثالث:مراحل و مداخل دراسة السياسة العامة و صنع القرار 34...................
املبحث األو :مراحل رسم السياسة العامة و صنع القرار33....... ........ ...... ........
-9حتديد املشكلة و وضع األجندة السياسية أو جدول األعمال31..... ............ .........
-1تشكيل مقرتحات السياسة و صياغة السياسات32........ ......... ... ........ ........
-1مرحلة تنفيذ السياسة العامة41...................... ........ ........ ........ ........
-8مرحلة تقومي السياسات العامة43..................... ......... ..... ........ ........
املبحث الثاين:املداخل التحليلية لدراسة السياسة العامة و صنع القرار44.....................
-9مدخل اجلماعة و مدخل النخبة43..................... ........ ...... ........ ........
-2مدخل النظم و املدخل املؤسسايت47.................. ........ ....... ........ ........
-3املدخل الكلي الرشيد و املدخل التدرجيي35.......... ........ ........ ........ ........
-4مدخل الفحص املختلط31.......................... ........ ........ ........ ........
اخلامتة34.... ......... .... ........ ........ ........ ........ ........ ........ ........
قائمة املراجع37.... ........ ........ ........ ........ ........ ........ ........ ........
الفهرس11.. ........ ........ ...... ........ ........ ........ ........ ........ ........