You are on page 1of 31

‫المحور الرابع‪ :‬مناهج البحث في العلوم السياسية‬

‫المحاضرة األولى‪ :‬اقترابات التحليل‪:‬‬

‫ان العقل حتى يتمكن من فهمها وتحليلها وتفسيرها‪ ،‬وعلي ه يك ون مق دار م ا يس تطيع‬
‫اإلنسان فهمه من الواقع محكوم بمدى قدرة الوسيلة أو الطريقة المتبعة على اس تيعابه‪ ،‬وم ا‬
‫يُستشف معها وينسجم مع أبنيته ا وأدواته ا‪ ،‬وال يمكن للوس يلة أن تك ون محاي دة وإنم ا هي‬
‫ط رف في عالق ة ثالثي ة جنب ا إلى جنب م ع مقتض يات العق ل وطبيع ة الواق ع السياس ي‬
‫واإلجتماعي‪.‬‬
‫وحيث أن الواقع معقد ومتشابك وغير قابل لإلحاط ة من جمي ع جزئيات ه ومكونات ه‪،‬‬
‫كما أن من المناهج ما يتخذ من مفهوم ما م دخل لفهم وتفس ير الظ اهرة السياس ية كالنخب ة‪،‬‬
‫الجماعة‪ ،‬الطبقة‪ ،‬النظام‪ ،‬الوظيفة‪ ،‬اإلتصال‪ ،‬صنع القرار وغيرها‪ ،‬فإن جميعها تتف ق على‬
‫افتراض أنه ال يمكن اإلحاطة بكل أبعاد الظاهرة‪ ،‬وإنما يمكن فهمها من خالل هذا البع د أو‬
‫ذاك ألنه يمثل البعد المحوري مما يُم ّكن من الوصول إلى الفهم الدقيق والتحليل السليم له ا‪،‬‬
‫وعلى ه ذا يص بح من الض روري أن يحي ط الب احث بنظري ات حقل ه المع رفي ح تى يفهم‬
‫إمكانات كل نظرية وحدودها وقدراتها التفسيرية‪ ،‬ومع تحق ق ق در من الفهم ألهم مح ددات‬
‫ومالمح الواقع السياسي ال ذي توج د في ه الظ واهر‪ ،‬ب ذلك فق ط يس تطيع الب احث أن يحق ق‬
‫مفه وم "التك افؤ المنهجي"‪ ،‬وال ذي يع ني أن يك ون هن اك ق در من التناس ب والتالؤم بين‬
‫الظاهرة موضع البحث والمنهج الذي يتم اإلق تراب من خالل ه له ذه الظ اهرة‪ ،‬ح تى تك ون‬
‫الطريق ة المنهجي ة على مق اس الظ اهرة وبالت الي يتحق ق اله دف من اس تخدام المنهج أو‬
‫اإلقتراب‪ ،‬وه و فهم الواق ع وتفس يره بص ورة تق ترب من الحقيق ة والدق ة وليس اإلنح راف‬
‫بالمنهج ليصبح هدفا بحد ذاته‪.‬‬
‫ومن هذا المنطلق سيتم اإلقتراب من مجموعة المداخل المنهجية "اإلقترابات" لتحديد‬
‫معطياته ا وإمكاناته ا المنهجي ة ال تي يمكن أن تس هم في فهم وتفس ير وتحلي ل الظ واهر‬
‫المطروح ة في بح وث العل وم السياس ية‪ ،‬وعلي ه ستقتص ر دراس تنا على تحدي د المعطي ات‬
‫المنهجية التي تقدمها اإلقترابات ولن تنصرف إلى تقصي أفكارها ومحتوياتها‪.‬‬
‫أوال‪ :‬تعريف اإلقتراب‪:‬‬
‫أطل ق مص طلح اإلق تراب لإلش ارة إلى الطريق ة ال تي يتم من خالله ا اإلق تراب من‬
‫الظاهرة السياسية باستخدام إطار تحليلي معين يعتمد المفاهيم للوصول إلى تحديد العالق ات‬
‫السببية بين المتغيرات‪ ،‬وقد جاء كرد فعل لحالة اإلحباط وعدم الرضا المنهجي لدى العدي د‬
‫من علم اء السياس ة‪ ،‬ف المقترب إذن إط ار تحليلي يُؤخ د كأس اس عن د دراس ة الظ اهرة‬
‫السياسية‪ ،‬كما أنه طريقة تفيد في معالج ة الموض وع س واء تعل ق األم ر بوح دات التحلي ل‬
‫المستخدمة أو األسئلة التي يثيرها‪ ،‬وتحديد نوعية المادة العلمي ة الالزم ة لإلجاب ة عن ذل ك‬
‫وكيفية التعامل معها‪.‬‬
‫ويُعرّف اإلق تراب على أن ه اس تعداد مس بق من الب احث لتب ني إط ار مف اهيمي معين‬
‫بغرض التعرف على متغيرين أو أكثر‪ ،‬فهو بمثابة المرشد أو ال دليل ال ذي يوج ه الب احث‪،‬‬
‫وهو المدخل الذي يسير وفق ا ل ه الكتش اف العالق ات القائم ة بين متغ يرات الظ اهرة لبن اء‬
‫نظريات ذات قدرة على التنبؤ‪ ،‬إذ يعتبر األساس الذي تقوم عليه النظرية‪.‬‬
‫ومع اعتبار المقترب بمثابة مي ل أو اتج اه الب احث إلى اختي ار إط ار مف اهيمي معين‬
‫فإن ه يهتم بدراس ة مجموع ة مح ددة من الفرض يات‪ ،‬كم ا أن ه يح دد نوعي ة المف اهيم‬
‫واإلستفسارات والطرق التي سيستعملها الباحث في دراسته‪ ،‬فيكون معبّ را عن اس تراتيجية‬
‫عام ة لدراس ة الظ اهرة السياس ية يتح دد بالزاوي ة ال تي ينظ ر من خالله ا الب احث إلى‬
‫موضوعه‪.‬‬
‫هذا وقد تم تصنيف اإلقترابات حسب مجال الدراسة وطبيع ة الموض وع‪ ،‬وم ع تعق د‬
‫الظواهر السياسية وتنوع واختالف مظاهر السلوك السياسي تنوعت المقتربات المس تخدمة‬
‫في معالجتها ما بين مقتربات خاصة بمجال السياسة المقارن ة‪ :‬الجماع ة‪ ،‬النخب ة‪ ،‬التحلي ل‬
‫الطبقي‪ ،‬تحليل النظم‪ ،‬الوظيفي‪ ،‬اإلتصالي‪ .‬وأخرى تختص بمجال السياسة الدولية وتتحدد‬
‫في‪ :‬التحليل النظمي‪ ،‬تحليل األحداث‪ ،‬صنع القرار‪ ،‬والمباريات‪.‬‬
‫من المهم اإلشارة بداية إلى أن اإلقترابات ال تمثل بالضرورة المرحل ة األخ يرة لح ل‬
‫مشكلة البحث السياسي‪ ،‬ففي الواقع ال توجد طريقة علمي ة واح دة للكش ف عن الحقيق ة ألن‬
‫طرق العلم تختلف باختالف المواضيع‪ ،‬فقد استعمل مثال كبار المفكرين فيما مض ى من اهج‬
‫عديدة إذ سادت الطريقة اإلستنتاجية طويال في مجال العلوم الطبيعية ليتبين فيم ا بع د بأنه ا‬
‫غير كافية‪ ،‬ثم سادت المعادالت الرياضية لحد اإلعتقاد بأنها كفيلة بحل أي ة مش كلة لتظه ر‬
‫بعدها الط رق التجريبي ة كط رق مثلى لك ل الظ واهر‪ ،‬وفي النهاي ة تأك د أن ك ل موض وع‬
‫يحت اج إلى ن وع معين من المن اهج العلمي ة المالئم ة ل ه‪ ،‬فهن اك البحث الخ اص والبحث‬
‫التطبيقي والبحث المكمل لبحث آخر والبحث المركز على األساليب وغيرها‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬إجراءات التحليل العلمي التجريبي للواقع السياسي‪:‬‬
‫ظهرت المقتربات للتعبير عن خصوصية الظاهرة السياسية‪ ،‬رغم أنها تحاول محاكاة‬
‫المنهج التجري بي من حيث المالحظ ة والف رض والتج ريب كم ا ه و متف ق علي ه من أج ل‬
‫التفسير والتوقع وبما يتالئم وطبيعة الظاهرة المدروسة‪ ،‬ويظهر ذلك في‪:‬‬
‫‪ - 1‬المالحظة‪:‬‬
‫تع ني المالحظ ة العلمي ة إدراك م ادة البحث إدراك ا متفك را‪ ،‬أي تل ك المص حوبة‬
‫باستهداف الكشف عن حقيقة الم ادة المالحظ ة‪ ،‬م ع ق درة الب احث على متابع ة ه ذا العم ل‬
‫بحكم ما تحقق له من مواهب مكتسبة في مجال بحثه‪.‬‬
‫ليس للمالحظة في علم السياسة خصائص معينة‪ ،‬فالباحث السياس ي يلج أ في مالحظت ه‬
‫ألحداث الواقع السياسي إلى نفس إجراءات المالحظة وأدواتها في علم اإلجتم اع م ع مراع اة‬
‫الطبيعة الخاصة لذلك الواقع السياسي‪ ،‬ومرد ذلك التشابه العام في طبيعة المادة المالحظ ة في‬
‫العلمين والتي هي عالقات إجتماعية يغلب فيها الطابع الكيفي على الكمي‪ ،‬وربما ذلك ما يعيق‬
‫علم السياس ة على اس تخدام الكث ير من تقني ات البحث العلمي وأدوات ه المس تقرة في العل وم‬
‫الطبيعية‪ ،‬والتي استقرت إلى حد ما في بعض العلوم اإلجتماعية كعلم اإلقتصاد‪.‬‬
‫تتمحور المالحظة الخاص ة ب الواقع السياس ي في تجمي ع الم ادة ال تي س تكون مج اال‬
‫للمالحظة المتفكرة‪ ،‬وعليه فإن فاعلية هكذا مالحظ ة مرهون ة بمجموع ة مقتض يات أهمه ا‬
‫مدى انبساط المراحل الزمنية التي تمثلها البيانات المجتمعة ل دى الب احث‪ ،‬ومن هن ا تظه ر‬
‫أهمية المكتسبات الس ابقة والبيان ات ال تي جمعه ا آخ رون‪ ،‬باإلض افة لإلس تفادة من جه ود‬
‫باحثين في علوم أخرى‪.‬‬
‫للمالحظ ة في البحث العلمي بص دد ظ واهر علم السياس ة ال دور األهم‪ ،‬وذل ك نظ را‬
‫لتواضع دور وأهمية التجريب حول تلك الظواهر نظ را لطبيعته ا‪ ،‬ففي بعض الح االت ق د‬
‫تؤدي المالحظة وظيفتها ووظيفة التج ريب في نفس ال وقت‪ ،‬أي اإلدراك المتفك ر للظ اهرة‬
‫المستهدفة والتحقق من صحة الفرض المس توحى من ذل ك التفك ر لعرض ه على واق ع تل ك‬
‫الظاهرة من ثنايا متابعة مالحظتها‪ ،‬وهي لذلك مالحظة اختبارية‪.‬‬
‫‪ - 2‬الفرض‪:‬‬
‫للفرض مكانته الخاصة في المنهج العلمي التجريبي المرتبط باإلستقراء – كم ا س بق‬
‫توضيحه‪ ،-‬وعليه يتعين على الباحث بع د تحدي د م ادة البحث التس اؤل ح ول الواق ع مح ل‬
‫المالحظة لتقديم إجابة مفترضة‪ ،‬وصحتها مرهونة بنتائج التجربة وإاّل عدَل عنه إلى فرض‬
‫آخر‪ ،‬وثبوت الفرض وإن كان يعني التعبير عن الحقيقة إاّل أنها ليست حقيقة خالدة وهو م ا‬
‫يسمى بنسبية الحقيقة العلمية‪ ،‬أي أنها ممثلة للحقيقة طالما لم يتنكر لها الواقع‪.‬‬
‫والفرض المطلوب هنا هو الفرض ذا الطابع العلمي‪ ،‬أي أن اإلجابة المفترض ة يجب‬
‫أن تكون قابلة للتحقيق اإلختب اري‪ ،‬ويتحق ق ذل ك برس م عالق ة بين مؤش رات تك ون قابل ة‬
‫للقياس ال أن تُعبّر عن وضع قيمي معين‪ ،‬كالبحث مثال في عالقة مس توى الثقاف ة السياس ية‬
‫بمدى المشاركة في الحياة السياسية‪ ،‬فأطراف العالقة هنا قابلة للقياس اإلختباري‪.‬‬
‫‪ - 3‬التجريب‪:‬‬
‫يعني التجريب التحقق من صحة الفرض‪ ،‬وإذا كان األمر في العلوم الطبيعية يتم بع د‬
‫تقديم الفرض في شكل ق انون عملي والتجرب ة تعم ل على مطابق ة ه ذا الق انون المف ترض‬
‫لواقع هذه العالقة‪ ،‬إال أن طبيعة الظ واهر اإلجتماعي ة عام ة والسياس ية بخاص ة ال يمكنه ا‬
‫تطبيق طريقة تحقيق الفرض هذه‪ ،‬أي طريقة التجريب المعملي‪ ،‬وعلى ذلك إلتجأ الب احثين‬
‫المعنيين بمناهج البحث العلمي إلى تحقيق الفروض في ش أن عالق ات الواق ع السياس ي إلى‬
‫المقارن ة كب ديل للتج ريب‪ ،‬وذل ك قص د البحث عن اإلنتظ ام ال ذي تج ري علي ه عالق ات‬
‫الظواهر‪ ، 1‬وسيأتي تفصيل ذلك الحقا‪.‬‬
‫لعله من المفيد هنا تأكيد ما س بق من خالل اإلش ارة إلى بعض المح اوالت من بعض‬
‫الدراسات السياسية لتطبيق التجريب شبه المعملي خاصة في الواليات المتح دة األمريكي ة‪،‬‬
‫من بينها دراسات "دافيد ايستون وروبرت هيس" ح ول التعليم السياس ي للطف ل األم ريكي‬
‫والذي تبدأ تنشئته السياسية في مراحل مبكرة بارتباطه العاطفي برموز بلده وهيكل وصور‬
‫نظامه السياسي قبل إدراكه للعالم السياسي بوقت طويل‪ ،‬ودراساتهم أيضا حول العالقة بين‬
‫األسرة واإلنتماء الحزبي‪ ، 2‬ودراسات "لوين ولبيت" حول السلطوية والديمقراطي ة باخض اع‬
‫عينة من األطفال للتجربة عبر ف ترة مح ددة وفي ظ ل أج واء ش بيهة بواق ع تل ك األنظم ة‬
‫وغيرها من الدراسات‪.‬‬
‫رغم تل ك المح اوالت يبقى التج ريب بمدلول ه ال دقيق بعي د على أن ي ؤدي دور‬
‫ج وهري في تحقي ق ص حة الف روض في الدراس ات السياس ية‪ ،‬وذل ك بحكم طبيع ة‬
‫موضوعاتها والعالقات التي تحكم ظواهرها‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪.‬محمد طه بدوي‪ ،‬النظرية السياسية‪ :‬النظرية العامة للمعرفة السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 365‬وما بعدها‬
‫‪2‬‬
‫‪.‬كمال المنوفي‪ ،‬أصول النظم السياسية المقارنة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪33‬‬
‫المحاضرة الثانية‪ :‬اقترابات دراسة السياسة المقارنة‪:‬‬

‫إن اس تخدام اإلق تراب في بح وث العل وم السياس ية يتح دد من خالل‪:‬أوال‪ -‬تحدي د‬


‫المقوالت األساسية أو اإلفترضات التي يق وم عليه ا اإلق تراب المس تخدم‪ ،‬وثاني ا‪ -‬توض يح‬
‫كيفي ة اس تخدامه من خالل إس قاط تل ك المق والت على العناص ر األساس ية للظ اهرة مح ل‬
‫البحث كما سيلي تفصيله‪:‬‬
‫‪ - 1‬المقترب المؤسسي‪:‬‬
‫ظهر المقترب المؤسسي ك رد فع ل على المنهجين الت اريخي والق انوني‪ ،‬حيث أدرك‬
‫العدي د من علم اء السياس ة أن الظ اهرة السياس ية هي أك ثر من مج رد األبع اد القانوني ة‬
‫والدستورية‪ ،‬ومن ثم حدث تطور في بؤرة التركيز وأص بح اإلهتم ام منص ب على دراس ة‬
‫الحقائق السياسية‪ .‬تُركز الدراسة في هذا المقترب على المؤسسة كوحدة تحليل‪ ،3‬وهو أقدم‬
‫المناهج المستخدمة في معالجة الظواهر السياس ية بحيث يُنظ ر إلى النظ ام السياس ي من‬
‫خالله على أنه مرادف لنظام الحكم‪ ،‬أي مجموعة المؤسسات الرسمية التي تبين نظ ام الحكم‬
‫ي ش كل ك ان ع رفي أو مكت وب‪،‬‬ ‫وأساليب ممارسة السلطة‪ ،‬وهو ما يُوضحه دستور الدولة بأ ّ‬
‫وبالت الي تنحص ر الدراس ة في إط ار ق انوني ش كلي تهتم فيه ا بمجموع ة الظ واهر‬
‫المتمحورة حول الدول ة وأركانه ا‪ ،‬أش كال الحكوم ات وأنواعه ا من خالل طبيع ة العالق ة بين‬
‫السلطات‪ ،‬وكذا في أساليب إسناد السلطة‪.4‬‬
‫وقد مر المقترب المؤسسي بمرحلتين أساسيتين في تطوره التحليلي المنهجي‪:‬‬
‫‪ -‬المرحلة التقليدية‪:‬‬
‫كان اإلهتم ام فيه ا منص با على الدول ة ومؤسس اتها‪ ،‬وبالت الي ترك زت الدراس ة في ه‬
‫وتم يزت بالط ابع الش كلي ال ذي يهتم بالمؤسس ات الرس مية وتغلب علي ه النظ رة الوص فية‬
‫والتاريخي ة والدس تورية‪ ،‬وله ذا ك ان يوس م ب المقترب الق انوني‪ ،‬وك ان يتجاه ل الس لوك‬
‫السياسي والسياق اإلقتصادي واإلجتماعي واإليديولوجي الذي تتحرك فيه المؤسسات‪ ،‬كم ا‬
‫يتجاهل الفاعلين غير الرسميين كالطبقات اإلجتماعية والقوى السياسية المختلفة‪.‬‬
‫‪ -‬المرحلة الحديثة‪:‬‬
‫انبعثت فيها المؤسسة الحديثة في التس عينيات على ي د السياس ي األم ريكي "ص مويل‬
‫هنتجتون" في كتابه "النظام السياسي في المجتمعات المتغيرة"‪ ،‬وبالت الي أض حى المق ترب‬
‫يق وم على جمل ة من الوظ ائف من خالل إمكاني ة إج راء المقارن ة بين المؤسس ات داخ ل‬
‫الدولة الواحدة أو بين الدول من خالل مجموعة من المحددات‪.‬‬
‫لق د ك ان علم اء السياس ة ذوي اإلتجاه ات الس لوكية وال ذين اس تعاروا اق تراب العل وم‬
‫الطبيعية إسهامات مميزة في حقل السياسة المقارنة من خالل المقترب المؤسسي‪ ،‬فق د جمع وا‬

‫‪3‬‬
‫محم د نص ر ع ارف‪ ،‬ابس تمولوجيا السياس ة المقارن ة‪ :‬النم وذج المع رفي‪ ،‬النظ ري‪ ،‬المنهجي‪ ،‬المؤسس ة الجامعي ة‬

‫‪.‬للدراسات والنشر والتوزيع‪ :‬بيروت‪ ،20002 ،‬ص‪204‬‬

‫‪4‬‬
‫‪.‬موريس دوفرجيه‪ ،‬مدخل إلى علم السياسة‪ ،‬تر‪ :‬جمال األندلسي‪ ،‬دار دمشق‪ :‬دمشق‪ ،‬ص ‪679‬‬
‫إحص اءا مثال عن اإلنتخاب ات واستقص اءات ال رأي الع ام والتص ويت في المج الس النيابي ة‬
‫إلسقاط بعض اإلفترضات ال تي س ادت لف ترة طويل ة ب دون أن تُخت بر فأض افوا إلى النظري ة‬
‫السياس ية قاع دة تجريبي ة يمكن البن اء عليه ا‪ ،‬وك ذا فيم ا يخص دراس ة القواع د اإلجتماعي ة‬
‫للسياسة وغيرها‪.‬‬
‫وعلى نفس المنهج قدم هنتجتون إطارا جدي دا لقي اس المؤسس ة السياس ية‪ ،‬فالمؤسس ة‬
‫عنده إقامة فاعلة وقادرة على اكتساب قدر يُعتد به من القيمة واإلستقرار‪ ،‬وبالت الي اكتس اب‬
‫شرعية ذاتية وذلك جوهر عملية بناء الدولة‪ ،‬ولقياس مستوى المؤسسة طرح أربع ة مع ايير‬
‫هي‪ - :‬التكي ف‪ :‬بمع نى ق درة المؤسس ة على مواجه ة التغ يرات البيئي ة داخلي ة ك انت أو‬
‫خارجية‪ ،‬على مس توى األش خاص أو في الوظ ائف‪ ،‬ومؤش رات التكي ف هي العم ر الجيلي‬
‫والعمر الزمني والتغير الوظيفي‪ .‬التعقيد‪ :‬أي أن يكون للمؤسسة أكثر من وظيفة وتأثير ذلك‬
‫على مدى استمرار المؤسس ة وم ا تض مه من وح دات متخصص ة‪ ،‬ولقي اس درج ة التعقي د‬
‫مؤشرين هما درجة تعدد الوظائف ودرجة تعدد الوحدات‪ .‬اإلس تقاللية‪ :‬وتشير لم دى ذاتي ة‬
‫وحرية المؤسسة في العمل وهو ما يقاس عن طريق الميزانية وش غل المناص ب‪ .‬التماس ك‪:‬‬
‫ويعني درجة الرضى أو اإلتف اق بين أعض اء المؤسس ة‪ ،‬وتق اس بالمؤش رات التالي ة‪ :‬م دى‬
‫وجود أجنحة داخل المؤسسة‪ ،‬درجة اإلنتماء بالنسبة لألعضاء‪ ،‬درجة اإلتفاق على األهداف‬
‫والمبادئ‪.5‬‬
‫وتتخذ الدراسة المؤسسية للنظام السياس ي من خالل التن اول الدس توري لنظ ام الحكم‬
‫عدة أوجه تتلخص في التالي‪:‬‬
‫‪ -‬الهدف من تكوين المؤسسة سواء كان الغرض عام أم خاص‪.‬‬
‫‪ -‬اختصاصات المؤسسة كما يحددها دستور الدولة‪.‬‬
‫‪ -‬عالق ة المؤسس ة بغيره ا من المؤسس ات في المجتم ع (مس ألة التع اون‬
‫والصراع)‪.‬‬
‫‪ -‬أبنية المؤسسات والوحدات التي تضمها‪.‬‬
‫‪ -‬الثق ل النس بي للمؤسس ات‪ ،‬وهي ظ اهرة ك انت وال ت زال موض وع لكث ير من‬
‫الدراسات المقارنة‪.‬‬
‫‪ -‬توزيع األدوار داخل المؤسسة‪.‬‬
‫‪ -‬التغيُّر المستمر للمؤسسة والذي يعني التطوير أو اإلطاحة بها أو دمجها في أخ رى‬
‫أو تقسيمها إلى أكثر من وحدة أو تغيير اسمها مع استمرار قيامها بنفس الوظيفة‪.‬‬
‫‪ -‬حدود تأثير المؤسسات مع مقارنة نطاق ودرجة هذا التأثير من مجتمع آلخر‪.‬‬
‫وعلى ال رغم من أن التحلي ل الق انوني(المنهج المؤسس ي) مح ّدد ومج رد‪ ،‬مح ّدد‬
‫لترك يزه على الخص ائص القانوني ة الدس تورية للحكوم ة‪ ،‬ومج رد لتعامل ه م ع الحكوم ة‬
‫باعتبارها شيء منعزل عن البيئة أو إطارها اإلجتماعي بل وحتى عن األش خاص الق ائمين‬
‫عليها‪ ،‬على اعتبار أن اإلهتمام بالنشاط اإلنساني ينطوي على خطر تالشي خصوصية علم‬
‫السياسة إذ يصبح بال موض وع يميّ زه عن العل وم اإلجتماعي ة األخ رى‪ ،‬وعلى ذل ك ورغم‬
‫‪5‬‬
‫إسماعيل عبد الفاتح ومحمود منصور هني ة‪ ،‬النظم السياس ية وسياس ات اإلعالم‪ ،‬مرك ز اإلس كندرية‪ :‬مص ر‪،2005 ،‬‬

‫‪.‬ص‪58‬‬
‫تراجع المنهج أمام التيارات الراهنة في حقل السياسة المقارنة والتي ال تهتم كث يراً بالتن اول‬
‫الدستوري لنظام الحكم يبقى للمنهج أنصاره‪.‬‬
‫‪ - 2‬إقتراب الجماعة‪:‬‬
‫شهد حقل العلوم السياسية تطورا ملحوظا في أعقاب الحرب العالمية الثاني ة عج زت‬
‫مع ه المن اهج التقليدي ة لعلم السياس ة عن اس تيعابه واإلحاط ة بمختل ف الظ واهر السياس ية‬
‫الجديدة المصاحبة له‪ ،‬األمر الذي برزت معه حاجة ملحة لتط وير من اهج البحث بعي دا عن‬
‫المناهج التقليدية المستقاة من كونه فرع من ف روع العل وم اإلجتماعي ة‪ ،‬فاس تحدث ب دال من‬
‫ذلك اقترابات أخرى جديدة أكثر قدرة على فهم هذه الظواهر واإلحاطة بها‪.6‬‬
‫تركز دراسات الجماعة على مجموعات األفراد التي تتفاعل فيما بينها س عيا نح و‬
‫أه داف سياس ية مش تركة‪ ،‬أي أن اإلهتم ام ينص ب على الجماع ة وليس على الف رد م ا دام‬
‫يُف ترض أنه ا ت ؤثر في الحي اة السياس ية أك ثر من ه‪ ،‬وعلي ه تُع د الجماع ة وح دة التحلي ل‬
‫األساسية‪ ،‬ذلك أن التنافس المستمر بين الجماعات يحدد طبيعة نظام الحكم‪ ،‬ويتوقف التغير‬
‫في النظام السياسي على التغير في تكوين الجماعات وهذا اإلف تراض األساس ي ال ذي يق وم‬
‫عليه المقترب‪ .‬المقصود بالجماعة هن ا تل ك الوح دة اإلجتماعي ة ال تي تتك ون من مجموع ة‬
‫أفراد يتم بينهم تفاع ل إجتم اعي وعالق ات إجتماعي ة وت أثير إنفع الي ونش اط متب ادل على‬
‫أساس ه تتح دد األدوار والمكان ة اإلجتماعي ة لألف راد وف ق مع ايير وقيم الجماع ة‪ ،‬اش باعا‬
‫لحاجياتهم وتحقيقا ألهداف الجماعة دائما‪.7‬‬
‫يُعبّر الواقع السياسي من هذا المنظور على شبكة كب يرة من الجماع ات وال تي ت دخل‬
‫في تفاعالت بينها تأخذ ش كل الض غوط والض غوط المض ادة بين جماع ات كب يرة وأخ رى‬
‫صغيرة‪ ،‬رسمية وغير رس مية‪ ،‬مترابط ة أو غ ير ذل ك‪ ،‬والعالق ة بين ك ل تل ك الجماع ات‬
‫ودرجة تأثير كل منها على النظ ام م ع ق درة وح دود ك ل واح دة‪ ،‬ه ذه الش بكة المعق دة من‬
‫التفاعالت المستمرة تحدد في النهاية حالة النظام السياس ي‪ ،‬والتن افس بين الجماع ات يُح دد‬
‫من يحكم‪ ،‬والفرض األساسي لإلق تراب مف اده أن التغيُ ر في النظ ام السياس ي يتوق ف على‬
‫التغير في تكوين الجماعات‪.8‬‬
‫يُقدم ألموند وباول تصنيفا للجماعات يتحدد في‪ :‬الجماعات المصلحية الترابطية وهي‬
‫الجماع ات ال تي تس عى للت أثير في الق رارات السياس ية من أج ل مص الح أك ثر عمومي ة‬
‫مجتمعي ة‪ ،‬وجماع ات مص لحة غ ير ترابطي ة وهي ال تي تتم يز ب التنظيم المح دود وافتق اد‬
‫النش اط المس تمر‪ ،‬وجماع ات مؤسس ية وهي ال تي تتواج د داخ ل التنظيم ات الرس مية‬
‫ك األحزاب السياس ية والهيئ ات التش ريعية والجيش واإلدارة وغيره ا وتض م أف رادا أك ثر‬
‫حرفية ولها وظ ائف سياس ية واجتماعي ة مح ددة‪ ،‬وجماع ات مص لحة أنو ّمي ة وال تي تفتق د‬

‫‪6‬‬
‫‪.‬جابر سعيد عوض‪ ،‬إقترابات البحث في العلوم اإلجتماعية‪ ،‬دار النهضة العربية‪ :‬القاهرة‪ ،1992 ،‬ص‪20‬‬

‫‪7‬‬
‫‪.‬كمال المنوفي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪34‬‬
‫‪8‬‬
‫صالح سالم زرنوقة‪ ،‬اإلتجاهات الحديثة في دراسة الدولة‪ :‬دراسة تحليلية لما هو جديد في أدبيات بناء الدولة‪ ،‬مكتبة‬

‫‪.‬اإلسراء للطباعة والنشر‪ :‬القاهرة‪ ،2006 ،‬ص‪15‬‬


‫المعايير القيمية للسلوك وتتغلغل عفويا ً في النظام السياسي من خالل أدوات غير تقليدي ة أو‬
‫عنيفة كأعمال الشغب وغيرها‪ .9‬وعلى ذلك يكشف إقتراب الجماعة عن الق وى الفعلي ة المحرك ة‬
‫للنظ ام السياس ي‪ ،‬ففي نظم الع الم الث الث بالتحدي د حيث المؤسس ات القانوني ة مح دودة‬
‫التأثير يتمتع تحليل الجماعة بإمكانية أكبر على تفسير عملية صنع القرار والسياس ات‬
‫العام ة‪ ،‬وه و أم ر يمكن اس تخدامه على مختل ف النظم السياس ية‪ ،‬في حين يف وق ت أثير‬
‫الجماعلت الرسمية تأثير الجماعات غير الرسمية في المجتمعات التي بلغت مستويات متطورة‬
‫من المؤسسية السياسية في عملية صنع القرار‪.‬‬
‫إن التركيز على الجماعات المختلف ة رس مية ك انت كنقاب ات العم ال ومنظم ات رج ال‬
‫األعمال وغيرها‪ ،‬أو غير رس مية كالجماع ات اإلثني ة في الوالي ات المتح دة األمريكي ة مثال‪،‬‬
‫والجماعات الدينية في بعض أقطار الع الم اإلس المي‪ ،‬والجماع ات العرقي ة كم ا في الع راق‪،‬‬
‫ذات قيمة تحليلية كبيرة بالنسبة للنظام السياسي باعتبار أن مطالبها تمث ل الم دخالت األساس ية‬
‫بالنسبة لتلك النظم‪ ،‬وعليه فالحديث عن أبنية صنع القرار في عديد من المجتمعات لن يكون ذا‬
‫جدوى من دون التطرق إلى الجماعات المختلفة ووسائل تعبيرها عن مصالحها‪.‬‬
‫لق د َمثّ ل ب ذلك منهج الجماع ة رد فع ل على الدراس ات التقليدي ة الخاص ة بالتحلي ل‬
‫الق انوني للنظم السياس ية‪ ،‬باإلض افة لمحاول ة تحوي ل اهتم ام علم السياس ة من التحلي ل‬
‫المعياري إلى التحليل اإلمبريقي‪ ،‬وق د ُأدخ ل ه ذا اإلق تراب في دراس ة النظم السياس ية من‬
‫خالل آرتر بنتلي في تحليله للعملية الحكومي ة باس تخدام تحلي ل الجماع ة على نح و نظ ري‬
‫متطور‪ ،‬ثم أعطي دفعة قوية من خالل إسهامات جديدة في التحلي ل النظ ري للجماع ة على‬
‫يد مجموعة من الدارسين أمثال ألموند وتروفان وغيرهم‪.‬‬
‫ثم ظهرت إسهامات "مانكر ألسون" من خالل نظرية السلع الجمعي ة وال تي س اهمت‬
‫بدفع التحليل في ميدان السياسة المقارنة‪ ،‬وخالصة فكرته وجود منافع عامة في أي جماع ة‬
‫يستفيد منها كل األعضاء كالدفاع مثال‪ ،‬رغم أنه لم يقدم أنماط لكافة الجماعات وإنما لقط اع‬
‫فقط قصد تسليط الض وء على نم ط تفاع ل األف راد داخ ل الجماع ة‪ ،‬وبالت الي يح دد المنهج‬
‫ج وهر العملي ة السياس ية بتس اؤالته ح ول ديناميكي ات ص نع الق رار ونم ط توزي ع الس لع‬
‫والخدمات‪ ،‬باإلضافة لمساعدة الباحث في تحديد األنماط المختلفة للجماعات وكي ف ترتب ط‬
‫بالنظام السياسي‪ ،‬وصور التفاعل بينها وبين مؤسسات الحكم‪ ،‬وبالتالي فه و يث ير مجموع ة‬
‫من التساؤالت قصد الوصول إلى تعميمات بش أن مختل ف النظم السياس ية وال تي ت دور في‬
‫مجملها حول‪:‬‬
‫‪ -‬العالقة بين الجماعات الرسمية وغير الرسمية‪ ،‬وتأثير ذلك على النظام السياسي‪.‬‬
‫‪ -‬عالقة قدرة الجماعات غ ير الرس مية على اإلس تمرار‪ ،‬وت أثير ذل ك على اس تقرار‬
‫النظام السياسي‪.‬‬
‫‪ -‬عالقة الجماعات المختلفة بعمليات التحيث والتنمية‪.‬‬
‫وبذلك يتحدد إفتراض النموذج األساسي على أن السياسة العام ة تتخ ذ مس ارها من‬
‫قبل الجماعة التي تتعاظم درجت تأثيرها من خالل عوامل القوة‪ ،‬باعتب ار أن الجماع ة هي‬

‫‪9‬‬
‫استخدمه ألول مرة دوركايم للتعبير عن حالة االضطراب وعدم االستقرار الذي يشعر به الفرد وق د ‪ Anomic‬مصطلح‬

‫‪.‬تدفعه إلى سلوكيات متطرفة‬


‫الجسر القائم بين الحكومة واألف راد‪ ،‬وأن التفاع ل بين الجماع ات يش كل مرك ز السياس ات‬
‫العامة‪.10‬‬
‫‪ - 3‬إقتراب النخبة‪:‬‬
‫يعتبر اقتراب النخبة واحدا من نظريات المرحلة اإلنتقالية ما بين التقليدية والسلوكية‪،‬‬
‫وإن ك انت ق د اس تطاعت اإلس تمرار والحف اظ على الحيوي ة المنهجي ة واإلقت دار التحليلي‬
‫طوال المرحلة السلوكية وما بعدها‪ ،‬وذلك لما تتميز به من دقة في تحدي د الم دخل المناس ب‬
‫لفهم ظواهر النظم السياسية وتحليلها‪ ،‬وعلى ذلك يُعد إقتراب النخبة تح ديا للمنهج الق انوني‬
‫بتركيزه على سلوك عدد صغير من صناع القرار وليس على مؤسسات الحكم‪ ،‬كما يتح دى‬
‫منهج الجماعة من حيث إبراز نفوذ وتأثير جماع ة واح دة بعينه ا وال تي تص نع الق رارات‪،‬‬
‫وعلى ذل ك ي ّدعي أنص ار المنهج أن التحلي ل المق ارن للنخب ة ع بر الزم ان والمك ان أك ثر‬
‫مالئمة في الدراسة السياسية المقارنة‪.‬‬
‫يقوم اإلقتراب على افتراض أن الظاهرة السياسية تابعة لظواهر أخ رى ومن ثم فإن ه‬
‫ال يمكن فهمها في ذاتها‪ ،‬وإنما من خالل تحلي ل الظ واهر المس تقلة ال تي أوج دتها‪ ،‬فالنظ ام‬
‫السياسي متغير تابع للنظام اإلجتماعي‪ ،‬وعليه وجب فهم وتحليل البني ة اإلجتماعي ة القائم ة‬
‫على افتراض وج ود جماع ة ص غيرة تس يطر على المجتم ع والدول ة وت تركز فيه ا الق وة‪،‬‬
‫فتشكل الظاهرة السياسية وتحدد أبعادها‪ ،‬وعلى هذا الحال يكون من الضروري أن ينص ب‬
‫التحلي ل العلمي على ه ذه الجماع ة‪ ،‬فهي الم دخل األنس ب لفهم وتحلي ل العملي ة السياس ية‬
‫والنظ ام السياس ي في مجمل ه‪ ،‬وب ذلك يختل ف اإلط ار التحليلي الق تراب النخب ة عن ب اقي‬
‫اإلقترابات في حقل السياسة المقارنة والتي تنطلق من التسليم باستقاللية الظ اهرة السياس ية‬
‫وإمكاني ة فهمه ا وتحليله ا باإلعتم اد فق ط على بنيته ا الداخلي ة وتفاعالته ا الذاتي ة وطبيع ة‬
‫العالقة بين مكوناتها‪.11‬‬
‫يُقس م إق تراب النخب ة المجتم ع إلى حك ام ومحك ومين م ع ترك يزه على األقلي ة ال تي‬
‫تستأثر بالقوة السياسية وتتخذ القرارات‪ ،‬إنها مجموعة متماس كة تتف ق له ا الس يطرة نتيج ة‬
‫إمتالكها ألحد عوامل القوة العسكرية أو اإلقتصادية أو الرسمية أو المعرفية‪ ،‬ونتيجة حيازة‬
‫أعضائها لش يء م ا يق ّدره المجتم ع يتح دد وض ع النخب ة باإلض افة لم ا ل ديها من ق درات‬
‫تنظيمية كبيرة مع بساطة وسائل اإلتصال‪ ،‬وعلى ذلك حدد رواد التحليل النخب وي كب اريتو‬
‫وموسكا وميشلز مبادئ عامة تحكم هذا التحليل كعدم عدالة توزيع الق وة السياس ية‪ ،‬تج انس‬
‫النخبة‪ ،‬ووحدة مصالحها ووالءاتها‪ ،‬الحفاظ على الذات وغيرها‪.‬‬
‫ومن خالل هذا التقسيم األفقي الترابي للمجتمع على أساس أنه بنية هيراركية مقس مة‬
‫إلى مراتب أو طبقات بناءا على معايير معينة قد تكون إقتص ادية أو غ ير ذل ك‪ ،‬ولكنه ا في‬
‫جميع الحاالت ال تعترف بالتقسيم الرأسي أو إلى أع راق وأدي ان وجماع ات إثني ة وأق اليم‪،‬‬
‫وحيث أن هذه التقسيمات ال تؤثر في بنية المجتمع من الزاوية األفقية على أساس أنه مقس م‬
‫إلى مراتب ودرجات يسودها منطق الصراع والتنافس ألن بعضها يحكم واآلخ ر يُحكم‪ ،‬إاّل‬

‫‪10‬‬
‫‪ .‬جابريال ألموند وبينغهام باول‪ ،‬السياسة المقارنة‪ ،‬تر‪ :‬أحمد عناني‪ ،‬مكتبة الوعي العربي‪ :‬القاهرة‪ ،1991 ،‬ص‪31‬‬

‫‪11‬‬
‫‪.‬نفس المرجع‪ ،‬ص ‪70‬‬
‫أن هذا الصراع هو الذي يحدد محتوى واتجاه العملي ة السياس ية‪ ،‬ومن ثم فلكي نفهم النظ ام‬
‫السياسي ال بد من تحديد طبيعة وهيكل التقسيم األفقي للمجتمع‪ ،‬ونوع أو نمط العالق ة بين‬
‫المراتب العليا والدنيا والخصائص األساسية للفئة الحاكمة‪.‬‬
‫ثم إن اإلق تراب يف ترض ترك ز الق وة في ي د أقلي ة‪ ،‬بحيث تُعت بر النخب ة والتعددي ة على‬
‫طرفي نقيض من الناحية المعرفية‪ ،‬حتى وإن كان توزيع القوة وتش تيتها بين األف راد في إط ار‬
‫التعددية يكون توزيع غير متساو إاّل أنه ال يعدم أي ف رد في المجتم ع أن يج د وس يلة ي ؤثر به ا‬
‫على النظام السياسي‪ ،‬وهو األمر الذي دفع "بوترمور" لتطوير مفهوم النخبة المضادة جنبا إلى‬
‫وقصد من ذلك إيجاد عالقة اتصال ضمني بين مذهب النخبة وم ذهب‬ ‫َ‬ ‫جنب مع النخبة الحاكمة‪،‬‬
‫األغلبية والتعددية‪.‬‬
‫ورغم اتف اق منظ روا النخب ة على ض رورة وج ود أقلي ة مس يطرة دائم ا على البن اء‬
‫السياسي للمجتمع‪ ،‬إال أنهم اختلفوا حول المفاهيم التي توصف بها هذه الجماعة وحول ع ددها‬
‫وتكوينها ال داخلي‪ ،‬مص ادر قوته ا وكيفي ة حفاظه ا على بقائه ا واس تمرارها‪ .‬فح تى المفه وم‬
‫المحوري يشهد عدم اتفاق‪ :‬النخبة‪ ،‬الطبقة السياس ية‪ ،‬الص فوة‪ ،...‬ب ل يُف رق ك ارل دوتش بين‬
‫النخب ة العلي ا والوس طى والهامش ية‪ ،‬وبين النخب ة الوظيفي ة والمهني ة وبين النخب ة السياس ية‪،‬‬
‫والطبقة السياسية‪.12‬‬
‫وينس حب ه ذا اإلختالف على مص در ق وة ه ذه الجماع ة فيم ا إذا ك انت الق وة‬
‫اإلقتصادية‪ ،‬أو العوامل المتعلقة بالصفات الشخص ية ب دل اإلقتص ادية "مفه وم الرواس ب"‬
‫عند باريتو‪ ،‬أو القوة العسكرية‪ ،‬أم الديني ة‪ ،‬واإلختالف أيض ا ح ول كيفي ة محافظ ة النخب ة‬
‫على اإلستمرار واإلستقرار فيما بين الدوران الداخلي أو الخارجي‪.13‬‬
‫إن اعتب ار النخب ة الم دخل المناس ب لدراس ة الظ واهر السياس ية يقتض ي توض يح‬
‫والوقوف على مجموعة محددات أساسية – أو مؤش رات ‪ -‬ينبغي البحث فيه ا عن د دراس ة‬
‫الظاهرة السياسية من خالل هذا المنظور قصد تفس يرها‪ ،‬وهي‪ :‬الخلفي ة اإلجتماعي ة س واء‬
‫كانت عرقية أو طبقية أو دينية أو تعليمية أو إقليمي ة‪ ،...‬الس لوكات اإلجتماعي ة والقيم ال تي‬
‫يتبنونها‪ ،‬تصوراتهم للعالم واتجاهاتهم نح و األح داث (باإلعتم اد على تحلي ل المض مون)‪،‬‬
‫الخصائص الشخصية من خالل تحليل السلوك الفردي‪.‬‬
‫هي إذن مجموع ة متغ يرات تتح دد أوزانه ا حس ب معطي ات ك ل حال ة واإلمكان ات‬
‫الكامنة فيها والقادرة على تحليل األنظمة السياسية‪ ،‬حيث أن التركيز على قمة النظ ام يم ّكن‬
‫من فهم الظاهرة كما هي عليه‪ ،‬ويلتقي التحليل فيه مع طبيعة األش ياء في الواق ع السياس ي‪،‬‬

‫‪12‬‬
‫التحليل هو عملية تعريف وتقييم لألجزاء التي يتكون منها الكل بهدف إدراك هذه األجزاء كمكونات للكل المركب‪ ،‬م ع‬

‫محاولة معرفة الضوابط التي تربط عالقاتها ببعضها البعض من جهة‪ ،‬والقوانين التي تحكم حركة وتطور الكل المركب‬
‫‪.‬من جهة أخرى‬
‫‪13‬‬
‫يتحدد استمرار واستقرار النخبة حسب باريتو من خالل عملية دوران النخب ة وال تي قس مها إلى ن وعين‪ :‬دوران داخلي‬

‫يتم من خالل قدرة النخبة على امتصاص األفكار واألشخاص من خارج النخبة وإدخالهم في إطارها ح تى ال يتجم ع م ا‬

‫يمكن أن يكون نخبة مضادة‪ ،‬ودوران خارجي يحدث عندما تفشل النخبة في تحقيق الدوران ال داخلي فيتم اس تبدال نخب ة‬

‫بأخرى‬
‫فهن اك دائم ا جماع ات مح دودة تس يّر الت اريخ وتق ود األمم وتص نع مص يرها تغي يرا أو‬
‫إصالحا‪.‬‬
‫إن النظام السياس ي مرتب ط بطبيع ة النخب ة وتوجهاته ا‪ ،‬فه و في تغ ير وتح ول طبق ا‬
‫لتحوالتها الداخلية أو استبدالها بأخرى‪ ،‬ومن ذلك يكون اقتراب النخبة مدخال أكثر صالحية‬
‫ومالئمة لتفسير وتحليل كثير من الظواهر كالتح ديث والتنمي ة‪ ،‬ب ل ولفهم بعض األنظم ة‬
‫في مجملها كاألنظمة السياسية العربية باعتبار النخب ة فيه ا مفت اح لفهم العملي ات المتعلق ة‬
‫بها والنابعة منها‪.‬‬
‫‪ - 4‬إقتراب الطبقة‪:‬‬
‫ج اء تحلي ل الطبق ة مت أخرا بعض الش يء في إط ار المدرس ة الس لوكية باعتباره ا‬
‫مدرسة غربية أو أمريكية على وج ه التحدي د‪ ،‬وعلي ه لم يكن مقب وال ل ديهم التحلي ل الطبقي‬
‫الرتباطه بالماركسية وقيامه على مفهوم الثورة‪.‬‬
‫يرتبط تغير النظام السياسي في التحليل الطبقي بالتغير في البناء اإلجتم اعي‪ ،‬م ع أن‬
‫كل مجتمع هو تعبير عن مجموعة شرائح أي احتوائه على إنقسام وتم ايز رأس ي م ع ع دم‬
‫إمكانية التداخل في هذا التمايز‪ ،‬بحيث يشكل النظام التمايزي المحددات الرئيس ية للص راع‬
‫في المجتمع‪ .‬إن تباعد الطبقة العليا عن الدنيا نتيجة اتساع الطبقة الوسطى يؤدي في النهاي ة‬
‫الستقرار النظام السياسي‪ ،‬وهي المقولة التي شهدت اهتماما متزاي دا في الس نوات األخ يرة‬
‫بدراس ة الظ واهر السياس ية نظ را الرتب اط التح ديث والتنمي ة بقض ايا الطبق ات والبن اء‬
‫اإلجتماعي على عكس ما يراه إقتراب النخبة من أنها عمليات تخص صانعي القرار‪.14‬‬
‫وقد شهدت السنوات األخ يرة اهتمام ا متزاي دا بالم دخل الطبقي في دراس ة الظ واهر‬
‫السياسية‪ ،‬يشهد له ذا اإلهتم ام مجموع ة من الدراس ات النظري ة الحديث ة لنخب ة من علم اء‬
‫السياس ة أمث ال جيمس بي ل "التحلي ل الطبقي وج دل التح ديث"‪ ،‬وجيمس بي تراس "البن اء‬
‫الطبقي وآث اره على التنمي ة السياس ية"‪ ،‬والدراس ات التطبيقي ة كدراس ة يوتوم ور ح ول‬
‫«الطبقات في المجتمع الحديث‪ :‬نماذج عن بعض بلدان العالم الثالث»‪. ...‬‬
‫يتحدد التحليل الطبقي من خالل مجموعة األسئلة ال تي ينطل ق منه ا البحث‪ ،‬وت دور‬
‫حول‪ :‬تحديد الطبقات الموجودة في المجتمع محل الدراسة‪ ،‬خصائصها‪ ،‬أسس تحديد إنتم اء‬
‫الفرد للطبق ة‪ ،‬أنم اط العالق ات فيم ا بين الطبق ات وأثره ا على البن اء اإلجتم اعي‪ ،‬وح ول‬
‫العالقة بين البن اء الطبقي والبن اء السياس ي‪ ،‬أنم اط الص راع وأنم اط التفاع ل‪ ،‬ثم التس اؤل‬
‫أخيرا حول كيف ومتى يؤدي الصراع الطبقي إلى الثورة؟‬
‫ففي كل مجتمع طبقتان رئيسيتان متصارعتان‪ ،‬هذا الصراع يفسر ديناميكيات التغ ير‬
‫عبر التاريخ‪ ،‬ثم إن هذا التفسير ال يقتصر على الوضع الداخلي للدول‪ ،‬بل يُستخدم حتى في‬
‫تفسير الصراعات الدولية كم ا ه و الح ال م ع الح رب الب اردة‪ ،‬وباإلض افة لك ل ذل ك يُع د‬
‫اإلسهام الطبقي بشأن العالقة بين الدولة والمجتمع من أهم إس هاماته المعرفي ة في التحلي ل‬
‫السياسي‪ ،‬فالنظرية الطبقية تدرس السياسة كظاهرة إجتماعية ونسق فرعي يعمل في عالقة‬
‫وثيقة مع باقي األنساق اإلجتماعية األخ رى‪ ،‬خصوص ا منه ا اإلقتص ادية وال ذي غالب ا م ا‬

‫‪14‬‬
‫فاروق يوس ف أحم د‪ ،‬قواع د المنهج العلمي‪ :‬المن اهج واإلقتراب ات واألدوات المنهجية‪ ،‬مكتب ة عين ش مس‪ :‬الق اهرة‪،‬‬

‫‪ ،1985.‬ص‪84‬‬
‫ي ؤدي إلى أزم ة أو حال ة إنقط اع في ه ذه العالق ة وال تي من ش أنها خل ق الحرك ات‬
‫اإلجتماعي ة واإلنتفاض ات الش عبية والث ورات وح دوث التح والت في النظم‪ ،‬والتغ يرات‬
‫السياسية أو الثورات الديمقراطية والتي ال يمكن فهمه ا بمع زل عن س ياقها المجتمعي‪ ،‬أو‬
‫حتى تجديد السلطوية‪ ،‬ومن كل ذلك أسهم هذا التحلي ل في ظه ور م ا ب ات يع رف بم ا بع د‬
‫السلوكية والخاصة باقترابات التبعية واإلقتصاد السياسي والماركسية الجديدة‪.15‬‬
‫يعتبر التحليل الطبقي نموذج معرفي متميز عن غيره من اإلقتراب ات ذات التوجه ات‬
‫الغربية‪ ،‬فهو يُخرج دراسة النظم من المثالية الس كونية إلى تحلي ل ح ركي ي درس الظ اهرة‬
‫اإلجتماعي ة‪ ،‬وإن ك انت إقتراب ات النخب ة والجماع ة تمث ل ب ديل للتحلي ل الطبقي في بع ده‬
‫العلمي مع تطابق معرفي مع مقوالت وافترضات التحليل الطبقي في بع ده اإلبس تمولوجي‪،‬‬
‫لتقدم في مجملها نماذج للتحليل المقارن للنظم بتوجهات أكثر واقعية رؤية ومنهجا في إطار‬
‫التحليل السلوكي أو تطبيق المنهج السلوكي في التحليل‪ ،‬والذي أحدث تح والت أساس ية في‬
‫علم السياسة التقليدي بنقل البحث من مجرد محاوالت مح دودة إلى مرحل ة البحث المنهجي‬
‫الذي يهتم عادة باإلفتراضات واإلجراءات‪ ،‬وبطرق التفسير وطبيعة النتائج المتوصل إليها‪،‬‬
‫كل ذلك عبر اتخاذ وحدات جديدة للتحليل كمناهج وأدوات تحليل جدي دة في إط ار اإلهتم ام‬
‫المتزايد بالمنهج العلمي في السياسة كما يقول غابريال ألموند‪.16‬‬
‫لقد تمكن إقتراب الطبقة أن يتجاوز حد الوصف إلى التحليل والتفسير باعتب اره أك ثر‬
‫المناهج قدرة على تفسير ظواهر مثل التغيير الثوري والصراع والعنف وغيرها‪ ،‬مع قدرته‬
‫على المقارن ة الش تراك ك ل المجتمع ات في خاص ية اإلنقس ام الطبقي‪ ،‬رغم أن مش كلته‬
‫األساسية تكمن فيما يقتضيه من كم هائل من المعلومات والبيان ات ح ول ك ل ظ اهرة وه و‬
‫أمر ال يسهل في كل الحاالت‪.‬‬

‫‪ - 5‬إقتراب التحليل النظمي‪ -‬النظرية العامة للنظم‪:‬‬


‫لقد كان اقتراب التحليل النظمي أحد أهم اإلقتراب ات المس تحدثة في نط اق الدراس ات‬
‫السياسية والذي بدأ في التبلور نهاية الخمس ينيات‪ ،‬رغم أن إدخ ال مفه وم تحلي ل النظم إلى‬
‫نطاق دراسة الظواهر السياسية جاء متأخرا‪ ،‬كما لم يكن ذلك بطريقة مباشرة ب ل من خالل‬
‫علماء اإلجتماع من أمثال بارسونز وغيره ممن ق اموا بتط وير مفه وم النظ ام اإلجتم اعي‪،‬‬
‫ومن ثم تمكن عدد ال بأس به من علماء السياسة أمثال ايستون وألمون د وميتش يل وكولم ان‬
‫من تطوير واستخدام اقتراب تحليل النظم في الدراس ات السياس ية من خالل دورهم الب ارز‬
‫في الحركة الفكرية التي استهدفت توحيد العلوم في إطار النظري ة العام ة للنظم‪ -‬في إش ارة‬
‫لطابعها المنهجي‪.-‬‬
‫تج ذر اإلش ارة هن ا إلى الف رق بين تحلي ل النظم والنظري ة العام ة للنظم‪ ،‬ففي الحين‬
‫الذي يشير فيه األول إلى المجموع الذي يعمل ككل نتيج ة اإلعتم اد المتب ادل بين عناص ره‬
‫أي النظام‪ ،‬فإن الثاني يهتم أو يشير إلى المنهج الذي يسعى الكتشاف كي ف يح دث ذل ك في‬
‫‪15‬‬
‫‪.‬جابريال ألموند وبينغهام باول‪ ،‬مرجع سابق‬

‫‪16‬‬
‫‪.‬إسماعيل علي سعد‪ ،‬قضايا علم السياسة‪ ،‬دار المعرفة الجديدة‪ :‬اإلسكندرية‪ ،2003 ،‬ص‪154‬‬
‫مختلف النظم‪ ،‬وبالتالي فهي تمثل أداة أو طريقة لبناء النم اذج عن العالق ات ال تي تنتج عن‬
‫التفاعل سواء بين األجزاء المنفصلة أو عندما تُدرس األجزاء في إطار النظ ام‪ ،‬يخص ه ذا‬
‫النظرية بتطبيقها في السياسة المقارنة والسياسة الدولية على حد سواء‪.‬‬
‫يقوم اإلقتراب على فكرة وجوب تبسيط الحي اة السياس ية المعق دة والمركب ة‪ ،‬والنظ ر‬
‫إليها تحليليا على أس اس آلي منطقي باعتباره ا تمث ل مجموع ة من التف اعالت ال تي تتم في‬
‫إطار النظام السياسي من ناحية‪ ،‬وبينه وبين بيئته من ناحية أخرى‪ ،‬وعليه تمي ل الجماع ات‬
‫من خالل هذه الرؤية إلى أن تكون كيانات مستمرة نسبيا تع بر عن مجموع ة من العناص ر‬
‫أو المتغيرات المتداخلة وذات اإلعتماد المتبادل فيما بينها‪ ،‬والتي يمكن تحديدها وقياس ها‬
‫على اعتبار أن لهذه الكيانات حدود مميزة تفص لها عن بيئاته ا‪ ،‬فض ال عن تميّ ز ك ل منه ا‬
‫بمجموعة من العمليات المختلفة‪ ،‬خاصة عندما يتع رض النظ ام لإلض طراب من داخ ل أو‬
‫من خارج حدوده‪.17‬‬
‫من كل ذلك كانت لفكرة النظام كإطار تحليل بما يتضمنه من عالقات ومفاهيم نظرية‬
‫له ا دالالت تطبيقي ة‪ ،‬ومن ثم مثلت نقط ة البداي ة الحقيقي ة في تط وير الدراس ات السياس ية‬
‫القائمة أساسا على الطابع الديناميكي للتفاعالت السياسية الموجهة أساس ا نح و التخص يص‬
‫السلطوي للقيم‪ ،‬تب دأ ه ذه ال دائرة الديناميكي ة بالم دخالت وال تي تنتهي بالمخرج ات وتق وم‬
‫التغذية اإلسترجاعية بالربط بين نقطتي البداية والنهاية‪ ،‬وتفص يل ذل ك أن اإلط ار التحليلي‬
‫للنظام السياسي يقوم على مجموعة من “الفروض” ال تي تق وم ب دورها على مجموع ة من‬
‫المفاهيم المتعلقة بمجموعة من المتغيرات السياسية الهامة التي توضح الخصائص الرئيسية‬
‫للنظام السياسي‪ ،‬وألنه من الصعوبة بمكان الوصول إلى نظرية عام ة وش املة‪ ،‬فإن ه يمكن‬
‫اإلستعاضة عن ذلك بتطوير مجموعة مترابطة منطقيا من المفاهيم في إطار متكام ل وعلى‬
‫درج ة عالي ة من التجري د‪ ،‬تم ّكن من القي ام بالتحلي ل وبتوجي ه اإلهتم ام نح و المح ددات‬
‫الرئيسية للسلوك السياسي‪.‬‬
‫فمفه وم النظ ام ك أداة تحلي ل يس تعمل في مج االت عدي دة ومختلف ة بم ا يعكس م دى‬
‫مالئم ة اإلق تراب واس تيعابه لمجموع ة كب يرة من المواض يع والظ واهر وعلى مختل ف‬
‫المستويات‪:‬‬
‫‪ -‬فقد يستوعب المفه وم الدالل ة الجغرافي ة‪ :‬كنظ ام دولي أو نظ ام إقليمي أو نظ ام وط ني‪.‬‬
‫ويندرج تحت النظام الدولي قطاعات أخرى تمثل أيضا أنظمة فرعية‪.‬‬
‫‪ -‬وقد ينصرف لطبيعة المفهوم‪ :‬فيتحدد بالنظام السياسي أو اإلقتصادي أو اإلجتماعي‬
‫وغيرها‪.‬‬
‫‪ -‬وبالوجهة اإليديولوجية يتحدد في ‪ :‬نظام رأسمالي‪ ،‬إشتراكي‪...‬‬
‫‪ -‬أو حتى المعنى الوظيفي‪ :‬كنظام األمن مثال‪.18‬‬

‫‪17‬‬
‫اعتبر بارسونز النظام السياسي معني بأحد الوظائف لتحقيق األهداف السياسية التي افترضها للنظام اإلجتماعي‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫تحقيق األهداف‪ ،‬التكيف‪ ،‬التوحيد‪ ،‬اإلستقرار‪ ،‬وتبعا لهذه الوظائف تتحدد مؤسسات النظام السياسي في السلطة التنفيذية‪،‬‬
‫‪.‬األجهزة اإلدارية‪ ،‬المؤسسات التشريعية والقضائية‪ ،‬األحزاب السياسية‬

‫‪18‬‬
‫‪.‬ناظم عبد الواحد جاسور‪ ،‬موسوعة علم السياسة‪ ،‬ط‪ ،1‬دار مجدالوي للنشر والتوزيع‪ :‬عمان‪ ،2003 ،‬ص‪102‬‬
‫لقد أصبح التحليل النظمي من أكثر المناهج استخداما في دراسة النشاط السياس ي من‬
‫حيث م ّكن من دراس ة الحي اة السياس ية كنظ ام‪ ،‬أي أن التف اعالت السياس ية في أي مجتم ع‬
‫تشكل نظاما للسلوك‪ ،‬وبهذا تتحدد حدود النظام وكيفية تحديد أهدافه وتحقيقه ا وقدرت ه على‬
‫التكيف‪ ،‬ومن خالل كل ذلك تدعم التحليل النظمي بمجموعة كبيرة من المف اهيم ال تي يمكن‬
‫تصنيفها في ثالث مجموعات كبرى‪:‬‬
‫‪ -‬مف اهيم ذات ط ابع وص في كالتكام ل واإلعتم اد المتب ادل والح دود والم دخالت‬
‫والمخرجات وغيرها‪.‬‬
‫‪ -‬مفاهيم ذات بعد ديناميكي للنظام كمفاهيم التكيف والتغيير والنمو واألزمة‪.‬‬
‫‪ -‬مجموعة مفاهيم تتعلق بضبط وتنظيم وبقاء النظام كاإلس تقرار والت وازن والتغذي ة‬
‫العكسية‪.‬‬
‫هي إذن مجموعة مفاهيم تشير إلى متغيرات الحياة السياسية‪ ،‬فمفه وم النظ ام كوح دة‬
‫تحليل رئيسية في اقتراب التحليل النظمي يتولد عنه مفهوم آخر ه و النظ ام الف رعي‪ ،‬إذ أن‬
‫النظام قد يُعت بر نظام ا في ح د ذات ه كم ا أن ه ق د يُعت بر نظ ام ف رعي في إط ار نظ ام أعلى‬
‫مستوى منه‪ ،‬وعلى ذلك كان لإلقتراب أهمية تحليلية كبرى‪ .19‬والبيئ ة كمفه وم تش ير إلى‬
‫كل ما هو خارج إطار النظام السياس ي وال ي دخل في مكونات ه‪ ،‬ولم ا ك انت فك رة النظ ام‬
‫السياسي ال تعدو أـن تكون فكرة تحليلي ة‪ ،‬ف إن الفص ل التعس في بين النظ ام السياس ي‬
‫واألنظمة اإلجتماعية األخرى ال وجود ل ه‪ ،‬وذل ك يع ني أن النظ ام السياس ي يت أثر ببيئت ه‬
‫ويؤثر فيها من خالل مجموعة المدخالت والمخرجات‪.‬‬
‫يرتبط بمفهوم البيئة بالمعنى المشار إليه سابقا مفهوم الح دود‪ ،‬وال تي تع ني ض رورة‬
‫وضع نقاط تصورية توضح مناطق انتهاء األنظمة األخرى وبدأ حدود النظ ام السياس ي م ا‬
‫دام النظام السياسي ال يوجد في فراغ‪ ،‬وبالتالي تتم عملية تأثير وت أثر النظ ام السياس ي م ع‬
‫البيئة عبر الحدود‪ ،‬وهذا األمر يختلف من مجتمع إلى آخر بحيث تتأثر عملي ة التفاع ل ه ذه‬
‫باألوضاع والقيم اإلجتماعية والثقافية السائدة بحسب إض افات "ألمون د وب اول"‪ ،‬في إط ار‬
‫تطويرهم القتراب تحليل النظم ليتالئم ودراسة المجتمعات المختلفة‪.20‬‬
‫وحول ما يتلقاه النظ ام السياس ي من بيئت ه وال تي تتح دد في مفه وم الم دخالت‪ ،‬فهي‬
‫تشير إلى مجموعة الرغبات اإلجتماعية خاصة منه ا المتعلق ة بكيفي ة توزي ع القيم وتحقي ق‬
‫أهداف المجتمع سواء كانت عامة أو محددة‪ ،‬مباشرة أو غ ير مباش رة‪ ،‬باإلض افة للمواق ف‬
‫من النظ ام‪ .‬من ك ل ذل ك اس تطاع "ألمون د وب اول" اإلس تفادة من نم وذج ايس تون بتحدي د‬
‫وظائف النظام السياسي على مستوى المدخالت والتي تعبّر عنها المفاهيم الجديدة كالتنشئة‬
‫السياس ية والتجني د السياس ي والتعب ير عن المص الح وتجميع المص الح‪ ،‬ويض يف "وليم‬
‫متشل" للمدخالت عنصر ثالث وهو الموارد بمختلف أشكالها‪.21‬‬

‫‪19‬‬
‫‪Grenaint Barry , Political Elites, George Allen and Onwin,1977, p30.‬‬

‫‪20‬‬
‫‪.‬كمال المنوفي‪ ،‬مقدمة في مناهج وطرق البحث في علم السياسة‪ ،‬وكالة المطبوعات‪ :‬الكويت‪ ،1984 ،‬ص‪66‬‬
‫‪21‬‬
‫‪.‬عبد الغفار رشاد القصبي‪ ،‬مناهج البحث في علم السياسة‪ ،‬مكتبة اآلداب‪ :‬القاهرة‪ ،2004 ،‬ص‪196‬‬
‫أما مفهوم المخرجات فيتحدد في مجموع ة الق رارات والسياس ات ذات الص فة اإللزامي ة‪،‬‬
‫والتي تستلزم بدورها ثالث وظائف تعبّر عن مفاهيم خاص ة مرتبط ة بالمخرج ات وهي وظيف ة‬
‫صنع القرار وتنفيذ القرار والتقاضي حول القواعد‪.‬‬
‫التحوي ل هي عملي ة تش مل مجموع ة من األنش طة والتف اعالت ال تي يتم بمقتض اها‬
‫تحويل المدخالت إلى مخرجات‪ ،‬ويقصد بالتغذية اإلسترجاعية العملي ة ال تي بمقتض اها يتم‬
‫ربط المدخالت بالمخرجات‪ ،‬أي عمليات التأثير اإلسترجاعي للمخرجات على الم دخالت‪،‬‬
‫وبالتالي تمنح النظام السياسي طابعه الديناميكي المستمر‪.‬‬
‫باإلضافة لكل ما سبق‪ ،‬هناك مفاهيم توضح الخطوط العريضة ألبنية النظام السياسي‬
‫وحركته كمفهوم النظام المغلق أوالنظ ام المفت وح‪ ،‬أو المف اهيم المرتبط ة ب التنظيم ال داخلي‬
‫كمفهوم التكامل واإلعتماد المتبادل والتكيف والتعلم والنمو والتدهور واألزمة واإلنهي ار‪،...‬‬
‫ومفاهيم حول بقاء النظام السياسي كاإلستقرار والتوازن‪.‬‬
‫لقد شكلت المفاهيم السابقة جملة من المتغيرات ال تي أس همت ومكنّت اإلق تراب‬
‫من تقديم مجموعة من اإلفترضات التي يقوم عليها البحث السياسي‪ ،‬أهمها ‪:22‬‬
‫‪ -‬العملي ة السياس ية عملي ة آلي ة ديناميكي ة تتم بين مكون ات النظ ام المختلف ة وبين‬
‫معطيات البيئة المحيطة‪.‬‬
‫‪ -‬تستمر األنظمة السياسية في ع الم يتض من عناص ر التغ ير وعناص ر اإلس تقرار من‬
‫خالل دورة حياة األنظمة – مجموع الوظائف السابق اإلشارة لها –‪.‬‬
‫‪ -‬التفاعالت السياسية في إطار النظام السياسي تتم استجابة للتأثيرات البيئية‪.‬‬
‫‪ -‬بما أن الحياة السياسية تمثل نظاما مفتوحا‪ ،‬فإن المطالب تقدم لنا أحد عناصر فهم‬
‫الطرق التي من خاللها تُحدث البيئة الكلية انطباعها على عمليات النظام‪.‬‬
‫‪ -‬تف رض البيئ ة ض غوطا على النظ ام‪ ،‬ورغم المش كالت ال تي تثيره ا البيئ ة إاّل أن‬
‫اإلقتراب يؤكد إمكانية تحليل البيئة ع بر اإلهتم ام بمجم وع الم دخالت ال تي يمكن اس تخدامها‬
‫كمؤشرات تلخص المؤثرات األكثر أهمية من حيث مدى إسهامها في خلق التوتر ال ذي يع بر‬
‫الحدود من البيئة إلى داخل النظام السياسي‪.‬‬
‫‪ -‬هن اك عالق ات أساس ية بين متغ يرات النظ ام السياس ي وبين عوام ل البيئ ة بم ا يحق ق‬
‫التكي ف‪ ،‬إش ارة لمختل ف الظ واهر اإلمبريقي ة ك التعبير عن المص الح وجماع ات الض غط أو‬
‫تجميعها واألحزاب‪ ...‬والتي تتحدد في البداية على شكل رغبة أو شعور أو حاجة غامض ة وإلى‬
‫اللحظة التي تجد فيها طريقها للقرارات والسياسات‪.‬‬
‫وبكل ذلك كان القتراب تحليل النظم كبير األثر في إث راء علم السياس ة بع دم اقتص اره‬
‫في التحلي ل على المؤسس ات الرس مية‪ ،‬وترك يزه على الج انب التحليلي ال الق انوني‪ ،‬ثم إن‬
‫اإلقتراب يُعبّر عن استراتيجية عامة أو إطار تحليلي لدراسة الظ اهرة السياس ية بتحدي د نق اط‬
‫تركيز للدراس ة‪ ،‬م ع التأكي د على أهمي ة اإلط ار النظ ري ألي بحث سياس ي على اعتب ار أن‬

‫‪22‬‬
‫نصر محمد عارف‪ ،‬نظريات السياس ة المقارن ة وتطبيقاته ا في دراس ة النظم السياس ية العربية‪ ،‬أطروح ة دكت وراه‪:‬‬

‫‪.‬كلية اإلقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة‪ ،1995 ،‬ص‪195‬‬


‫البح وث التجريبي ة دائم ا بحاج ة إلى خلفي ة نظري ة تعتم د عليه ا‪ ،‬كم ا يح دد كيفي ة معالج ة‬
‫الموضوع المراد اإلقتراب منه‪ ،‬ويحدد وحدات التحليل المستخدمة‪ ،‬وعليه أص بح من الممكن‬
‫القياس وعدم اإلقتصار على مجرد مقارنة األنظمة عن طريق وج ود أو ع دم وج ود خاص ية‬
‫ما‪ ،‬بل القياس الدقيق لخص ائص مح ددة من خالل المف اهيم ذات المؤش رات الدال ة والقابل ة‬
‫للقياس‪ ،‬وعليه كان اإلق تراب من أك ثر المن اهج اس تخداما في دراس ة النش اط السياس ي‪ ،‬ب ل‬
‫واعتمدت عليه بعض المناهج المستخدمة بتبني مفاهيمه ومقوالت ه األساس ية ك النمهج البن ائي‬
‫الوظيفي ومنهج اإلتصال‪.‬‬
‫‪ - 6‬التحليل البنائي الوظيفي‪:‬‬
‫طرح كثير من علماء السياسة وفي مقدمتهم جابريال ألموند إطار جديد لدراسة النظم‬
‫السياس ية وه و اإلط ار ال وظيفي وال ذي يرك ز على ثالث ة متغ يرات أساس ية وهي البني ة‬
‫والوظيفة والنظام‪ .‬تشير البنية إلى األنشطة القابلة للمالحظة والتي تشكل النظ ام السياس ي‪،‬‬
‫وهي أنش طة منتظم ة الح دوث يُعبَّر عنه ا ب األدوار‪ .‬وتع ني الوظيف ة مجموع ة األنش طة‬
‫الضرورية لبقاء واستمرار النظام ككل‪ ،‬وأن أه داف النظ ام السياس ي تتحق ق عن دما تنج ز‬
‫األبنية الوظائف المحددة لها‪.‬‬
‫يُع ّرف ألموند النظام السياسي على أنه نظام للتفاعالت الموجودة في ك ل المجتمع ات‬
‫والتي تتعلق بوظيفتي التكامل والتكيف داخليا وخارجيا‪ ،‬عن طريق استخدام اإلكراه المادي‬
‫المشروع‪ ،23‬وعلي ه تك ون عناص ر النظ ام السياس ي عن ده هي‪ :‬اإلعتم اد المتب ادل والح دود‬
‫والشمول‪ ،‬وإذا كانت األولى والثانية تعتبر امتدادا لتصور دافيد ايس تون الس ابق تفص يله‪،‬‬
‫فإن الشمول يُفيد أن النظام السياسي يستوعب كافة الوظائف الضرورية لبقائه والتي تتصل‬
‫باإلكراه المادي المشروع‪ ،‬وأن بنيته تتعدى المؤسسات السياسية إلى أبني ة أخ رى‪ ،‬وب ذلك‬
‫كان المقترب يتيح إمكانية المقارنة بين النظم تبعا لمؤشرات قياس البناء السياسي ومدى‬
‫تمايز مؤسساته السياسية من حيث العناصر الحديثة أو التقليدية فيها ‪.24‬‬
‫لقد انطلق جابريال ألموند في مقتربه التحليلي من الفكرة ال تي أس ماها دافي د إيس تون‬
‫بتحول الوظائف‪ ،‬أي الطريقة التي يُح ّول فيه ا النظ ام السياس ي الم دخالت إلى مخرج ات‪،‬‬
‫ليبحث من خاللها العالقة بين هذه الوظائف والبنى الخاص ة‪ ،‬بم ا يُص يغ في النهاي ة ب دائل‬
‫السياسة العامة‪.‬‬
‫ج وهر التفس ير ال وظيفي ه و دراس ة النش اط أو مجموع ة األنش طة ال تي يس تلزمها‬
‫اس تمرار النظ ام موض وع البحث‪ ،‬فالنظ ام يتك ون من ع دة أبني ة ت ؤدي وظ ائف متع ددة‬
‫وضرورية‪ ،‬وأي فشل لتلك األبنية في أداء الوظيفة يؤدي لعدم التوازن ال وظيفي‪ ،‬إذ أن أي‬
‫بناء سياسي تنبثق أهميته من تفاعله مع غيره من األبنية على النحو ال ذي ي ؤدي الس تقرار‬
‫واستمرار النظام السياسي‪ .‬وإلى جانب مفه وم الوظيف ة يتض من التحلي ل البن ائي ال وظيفي‬
‫عنص رين على ق در من األهمي ة هم ا‪ :‬الت داخل وال ذي يع ني الت أثير المحتم ل لتغ ير أح د‬
‫األجزاء على كام ل النظ ام‪ ،‬والت وازن من خالل تغي ير نم ط أداء الوظيف ة في ح ال تغي ير‬

‫‪23‬‬
‫‪ .‬جابريال ألموند وبينغهام باول‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪31‬‬

‫‪24‬‬
‫‪.‬عامر مصباح‪ ،‬منهجية البحث في العلوم السياسية واإلعالم‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ :‬الجزائر‪ ،1998 ،‬ص‪177‬‬
‫إحدى األبنية‪ ،‬ومن ذلك تظهر األهمية النسبية لإلقتراب في الخص ائص ال تي ح ددها للنظم‬
‫السياسية والتي تم ّكن من المقارنة بينها‪.‬‬
‫تعتمد هذه المقاربة عند ألموند على افترض بأن جميع األنظم ة السياس ية تش ترك في‬
‫أربع خواص عامة يمكن استعمالها كأساس للمقارنة‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ -‬مهما بلغت درجة نش اطات الب نى السياس ية لألنظم ة المختلف ة ف إن المقارن ة بينه ا‬
‫تكون على أساس الشكل ودرجة التخصص البنيوي‪.‬‬
‫‪ -‬بما أنه يتم أداء نفس الوظائف في جمي ع األنظم ة‪ ،‬ف إن مقارن ة األنظم ة تك ون من‬
‫حيث تكرارية أداء هذه الوظ ائف‪ ،‬وأن واع الب نى ال تي تق وم بأدائه ا‪ ،‬وكيفي ة ه ذا‬
‫األداء‪.‬‬
‫‪ -‬تختلف األنظمة السياسية فقط في درجة السيطرة النسبية‪.‬‬
‫‪ -‬مهم ا بلغت درج ة تخص ص الب نى السياس ية في المجتمع ات فهي تق وم بوظ ائف‬
‫متعددة‪.25‬‬
‫بعدها ينتقل ألموند إلى تحديد وظائف النظام السياسي فيميّز بين ثالث مستويات لها‪:‬‬
‫‪ -‬المستوى األول‪ :‬قدرات النظم السياسية وتشمل‪:‬‬
‫القدرة اإلستخراجية‪:‬‬
‫وتشير إلى قدرة النظام السياس ي على اس تخراج الم وارد المادي ة والبش رية الالزم ة‬
‫إلدارة المجتم ع السياس ي من البيئ تين المجتمعي ة والدولي ة‪ ،‬وتش مل الق درة اإلس تخراجية‬
‫للنظام السياسي‪:‬‬
‫‪ -‬ف رض الض رائب‪ ،‬وه و م ا يع ني اس تخراج الم وارد النقدي ة من أعض اء النظ ام‬
‫السياسي‪.‬‬
‫‪ -‬استخراج الموارد الطبيعية واستغاللها خدمة للصالح العام‪.‬‬
‫‪ -‬اس تخراج خ دمات من الس كان من خالل الق درة على الحش د والتعبئ ة كالخدم ة‬
‫العسكرية‪.‬‬
‫‪ -‬نش اط النظ ام السياس ي في الحص ول على الق روض والمعون ات األجنبي ة أو‬
‫اإلستثمارات في الدول األجنبية وفتح األسواق الخارجية‪.26‬‬
‫ك ل ذل ك يعبّ ر عن اإلختالف بين النظم السياس ية من حيث ق درتها اإلس تخراجية‬
‫بالنظر إلى كفاءة الجهاز اإلداري وكمية الموارد المتاحة ومدى مساندة السكان‪.‬‬
‫القدرة التنظيمية‪:‬‬

‫‪25‬‬
‫هبة هللا أحمد خميس بسيوني‪ ،‬فلس فة العالق ات الدولية‪ ،‬دار الوف اء ل دنيا الطباع ة والنش ر‪ :‬اإلس كندرية‪ ،2012 ،‬ص‬

‫‪ 247.‬وما بعدها‬

‫‪26‬‬
‫أحمد ف ؤاد رس الن‪ ،‬نظري ة الص راع ال دولي‪ :‬دراس ة في تط ور األس رة الدولي ة المعاص رة ‪ ،‬الهيئ ة المص رية العام ة‬

‫‪.‬للكتاب‪ :‬القاهرة‪،1986 ،‬ص ‪240‬‬


‫تشير إلى إمكانيات النظام السياس ي على تنظيم س لوك األف راد والجماع ات والتحق ق من‬
‫التزامهم بالقانون ومطابقة سلوكهم وأفعالهم لمتطلبات النظام العام‪ ،‬ويرتبط هذا التنظيم باستخدام‬
‫أساليب الترغيب المعنوي والمكافئات والحوافز بقدر ما يرتب ط ب اإلكراه واإلل زام الم ادي‪ ،‬كم ا‬
‫تعتبر ميزة أساسية للنظ ام السياس ي عن غ يره من النظم اإلجتماعي ة األخ رى‪ .27‬وتختل ف النظم‬
‫السياسية من حيث المجاالت التي تخضع لهذا التنظيم والتي تقاس بعدد وأن واع األنش طة ال تي‬
‫يتدخل النظام في تنظيمها‪ ،‬وإن كان اإلتجاه العام يؤكد تزايد ونمو األنشطة التنظيمية في‬
‫‪28‬‬
‫الديمقراطية‪.‬‬ ‫ظل الدولة المتدخلة حتى وإن اختلفت فيه من النظم الشمولية عن النظم‬
‫القدرة التوزيعية‪:‬‬
‫أي توزي ع الس لع والخ دمات والمراك ز والف رص بين األف راد والجماع ات‪ ،‬وتش كل‬
‫النفقات الحكومية الج زء األك بر من ه ذا النش اط ابت داء من النفق ات المخصص ة لمواجه ة‬
‫اإلحتياج ات المادي ة لألف راد ك التعليم والخ دمات الص حية والثقافي ة واإلس كان والرفاهي ة‬
‫اإلجتماعية إلى النفقات المخصصة لألمن واإلعانات لألفراد في مجال الزراعة والص ناعة‬
‫والتجارة والخدمات‪ ،‬وكذا النفقات المخصصة للهيئات اإلقليمية والنقاب ات وغيره ا‪ .‬ويمكن‬
‫قياس هذه القدرة عن طريق تحديد كمية وأهمية األشياء الموزعة والمج االت ال تي تش ملها‬
‫عملية التوزيع وقطاعات السكان التي تتلقى هذه المنافع‪.29‬‬
‫القدرة الرمزية‪:‬‬
‫وتُشير إلى مدى تواتر استخدام النظام السياسي للرموز من أجل إثارة حماس الجماهير‪،‬‬
‫وذلك لحثهم على القيام بأعمال معينة كدفع الضرائب أو تقب ل التض حيات أو تع بئتهم والت أثير‬
‫على سلوكهم تجاه قضية معينة‪ ،‬من خالل اس تغالل القيم والعقائ د واألع راف ال تي ي دين به ا‬
‫المواطن ون والراس خة فيهم ع بر األناش يد الوطني ة والت ذكير باألمج اد التاريخي ة والبطولي ة‬
‫واآلثار التي تُخلّد األحداث الهامة‪ ،‬وكلها رموز تلعب دور ب الغ األهمي ة في ترس يخ أو إع ادة‬
‫تشكيل الثقافة السياسية‪.‬‬
‫ال ش ك أن هن اك عالق ات متش ابكة ومتداخل ة بين األن واع المختلف ة لق درات النظ ام‬
‫السياسي‪ ،‬فك ل سياس ة الب د أن تعتم د في تنفي ذها على ن وعين أو أك ثر من ه ذه الق درات‪،‬‬
‫فالضرائب باعتبارها مصدر هام للدخل الحكومي تعتبر نشاط استخراجي ولكنها تعتم د في‬
‫نفس الوقت على القدرة التنظيمية المتمثلة في توقيع الجزاء على كل ُمخالف ألحكام القانون‬
‫الضريبي‪ ،‬كما تعتمد على الق درة الرمزي ة حين يُص ورها ص ناع الق رار على أنه ا واجب‬
‫قومي‪.30‬‬
‫‪ -‬المستوى الثاني‪ :‬ويخص مجموعة من الوظائف‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪27‬‬
‫‪.‬إسماعيل صبري مقلد‪ ،‬العالقات السياسية الدولية‪ :‬دراسة في األصول والنظريات‪ ،‬ط‪ ،4‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‪25‬‬
‫‪28‬‬
‫محمد طه بدوي وآخرون‪ ،‬مقدمة إلى العالقات السياسية الدولية‪ ،‬ط‪ ،2‬أليكس لتكنولوجيا المعلومات‪ :‬القاهرة‪،2004 ،‬‬

‫‪.‬ص‪182‬‬

‫‪29‬‬
‫أناتول رابابورت في‪ :‬جيمس دورتي وروبرت بالستغراف‪ ،‬النظريات المتضاربة في العالقات الدولية‪ ،‬ت ر‪ :‬ولي د عب د‬

‫‪.‬الحي‪ ،‬المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع‪ :‬بيروت‪ ،1985 ،‬ص‪100‬‬


‫‪ -‬وظ ائف التحوي ل‪ ،‬وتش مل م ايلي‪ :‬التعب ير عن المص الح ك أولى عملي ات التحوي ل‬
‫السياس ي‪ ،‬ويتم التعب ير عنه ا بواس طة أبني ة عدي دة مختلف ة وبوس ائل متنوع ة‬
‫كالمظاهرات أو عن طريق مؤسسات التنشئة السياسية أو التجنيد السياسي‪.‬‬
‫‪ -‬تجميع المصالح‪ :‬وهي مرحلة تحديد بدائل السياسة العامة‪.‬‬
‫‪ -‬الوظائف الحكومية وأبنيتها التي تشمل الوظائف الرسمية الثالث‪.‬‬
‫‪ -‬وظيفة اإلتصال وال تي تش ير إلى عملي ة انتق ال المعلوم ات من البيئ ة نح و النظ ام‬
‫السياسي والعكس‪.‬‬
‫‪ -‬المستوى الثالث‪ :‬ويشمل وظائف الحف اظ على التكي ف ومنه ا‪ :‬اإلتص ال السياس ي‬
‫والتنشئة السياسية والتوظيف وغيرها‪ ،‬وإن كانت هذه الوظ ائف ال ت دخل في عملي ة التحوي ل‬
‫إاّل أنها تؤثر على كفاءة وأداء النظام السياسي‪.‬‬
‫يخلص ألموند من كل ذلك إلى أن ه من الممكن التوص ل إلى نظري ة إمبريقي ة عن طري ق‬
‫اكتشاف العالقات بين هذه المستويات المختلفة للوظائف‪ ،‬وكذلك العالقات بين الوظائف المختلفة‬
‫داخل كل مستوى على حدة‪ ،‬وتصبح بذلك عملية ربط التحديات التي تواجه النظام السياسي بنوع‬
‫اإلس تجابة ال تي يق دمها هي الطريق ة إلى إيج اد نظري ة تفس يرية وتنبؤي ة في مج ال السياس ة‬
‫المقارنة ‪ ،31‬وذلك استنادا لمفهوم البنية الذي يقوم عليه هذا المق ترب والم أخوذ من المع نى الع ادي‬
‫المستخدم في الهندسة والفيزياء باعتباره تعبير عن الوحدة المكونة بطريقة ما من أجزاء‪.‬‬
‫كانت رؤية "رادكليف بروان" للبنية أكثر تفصيال من حيث تعبيرها عن ترتيب أشخاص‬
‫تقوم بينهم عالقات محددة على نحو تأسيسي‪ ،‬ومن ذلك ت برز في المجتم ع مجموع ة بُ نى هي‪:‬‬
‫البنى اإلقتصادية‪ ،‬الديمغرافية‪ ،‬اإلجتماعية‪ .‬ثم التأسيسية والمتمثلة في البنى السياس ية والقانوني ة‬
‫والتي يُؤخذ في دراستها بعين اإلعتب ار طبيع ة الس لطة القائم ة وكيفي ة اختي ار الح اكم وعالق ة‬
‫الحكام بأفراد المجتمع‪ ،‬مع إمكاني ة تغ ير الب نى أو تطوره ا أو تحوله ا إلى أخ رى‪ ،‬والت أثيرات‬
‫المتبادلة بينها‪.‬‬
‫يَعتبر اإلقتراب الوظيفي الظاهرة السياسية عبارة عن نظام من العالقات المتبادلة بين‬
‫أجزائها‪ ،‬وعلي ه تتجس د البني ة في العالق ات المالحظ ة بين أج زاء الظ اهرة كك ل‪ ،‬أو أنه ا‬
‫تتجسد في العالقات المجردة التي تحكم العالقة المالحظة في الظاهرة‪.‬‬
‫ويقوم المقترب على جملة من اإلفتراضات تظهر في‪:‬‬

‫‪30‬‬
‫يقول في هذا الشأن دافيد إيستون‪« :‬من الممكن أن نجد على المستوى الدولي سلس لة من العالق ات ال تي يتم من خالله ا‬

‫توزيع القيم سلطويا‪...‬ومع أن انتظام النظ ام ال دولي يفتق ر عنص ر الق وة الملزم ة والش رعية‪...‬إاّل أن أعض ائه يتق دمون‬

‫بمطالب على أمل تحولها إلى قرارات‪ ،‬ورغم أن سلطات النظام الدولي أقل مركزية وأقل استمرارية فإن الدول العظمى‬

‫ومختل ف المنظم ات الدولي ة ك األمم المتح دة نجحت إلى ح د م ا في ذل ك من خالل قراراته ا المقبول ة ذات الطبيع ة‬
‫‪».‬السلطوية‬

‫‪31‬‬
‫‪.‬كمال المنوفي‪ ،‬مقدمة في مناهج وطرق البحث‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪66‬‬
‫‪ -‬اعتب ار البني ة مجموع ة ثابت ة من العالق ات بين عناص ر النظ ام‪ ،‬فهي معطى ك امن‪،‬‬
‫والعالقات بين العناصر هي حقيقة البنية وهي عالق ات مترابط ة بإحك ام بحيث تش كل‬
‫نظام مغلق‪ ،‬وتشكل العالقات اإلجتماعية مدخال لتحليل البنية وفهمها‪.‬‬
‫‪ -‬تُعتبر البنية ذات بعد موضوعي‪ ،‬وموضوعيتها افتراضية عقلية‪.‬‬
‫‪ -‬يُعتبر التغير في الوظيفة تكيفا يُبقي على انتظام البنية‪.‬‬
‫‪ -‬اإلعتماد على البنية ككل في فهم عناص رها‪ ،‬والك ل ه و المنط ق الكاش ف للقواع د‬
‫الكامنة ضمن هذه العالقات‪.32‬‬
‫‪ -‬كل نظام سياسي يتكون من مجموعة أنساق‪ ،‬وكل نسق يتكون من مجموعة أنماط‪،‬‬
‫ولكل نظام نمطي حاجات تعكس وظائفه ومن خاللها يتحدد تكامله‪.‬‬
‫هي إذن مجموع ة إفترض ات وظيفي ة مؤسس ة على مفه وم مح دد يه دف من خالل ه‬
‫المقترب لبلوغ تحليل علمي للظواهر اعتم ادا على األس لوب اإلس تقرائي واإلس تنتاجي في‬
‫دراسة الظاهرة السياسية بافتراض عقلي قائم على وجود بُنى تجريدية عليا ودنيا‪ ،‬وفي ذلك‬
‫يقول ألموند‪« :‬سوف أستخدم بعض المفاهيم المقيدة‪ ،‬أولها النظ ام السياس ي باعتب اره نظ ام‬
‫للحرك ة أو الفع ل وذل ك بالنس بة لدارس ي النظم السياس ية ه و الس لوك الممكن مالحظت ه‬
‫إمبريقي ا‪ ،‬وثانيه ا اإلهتم ام بالمع ايير والمؤسس ات ويك ون إلى الم دى ال ذي في ه ت ؤثر في‬
‫السلوك»‪ ،‬وهذا يعني أن ألمون د يرك ز اهتمام ه على النظري ة متوس طة الم دى‪ ،‬من خالل‬
‫التحول عن النظرة الكلية كما فعل التحليل النظمي‪ ،‬وبدل ذلك هو يرك ز على تحلي ل مح دد‬
‫وموجه لمجموعة من المتغيرات والمؤشرات حول النظام باعتباره نموذج تص وري يج رد‬
‫الحقيقة اإلمبريقية ويُعت بر بالت الي كوس يلة لتحلي ل وت رتيب المعلوم ات‪ ،‬والنظ ام كنم وذج‬
‫نظري يعكس مجموعة من الخصائص المنطقية التي توفر للنظام سمته المميزة‪.‬‬
‫للنظام السياسي سمات عامة‪ ،‬وتحليل هذه السمات يفرض تحدي د مف اهيم لتل ك الس مات‬
‫وف ق منهج نظ ري للدراس ة المقارن ة لعلم السياس ة‪ ،‬تل ك هي فرض ية ألمون د ح ول النظ ام‪،‬‬
‫وتتضمن هذه الفرضية مجموعة مؤشرات‪ ،‬أهمها‪:‬‬
‫‪ -‬أن كل النظم السياسية تتضمن أبنية سياسية‪.‬‬
‫‪ -‬أن نفس الوظائف يتم أداؤها في جميع النظم السياسية‪.‬‬
‫‪ -‬أن كل بناء سياسي متعدد في وظائفه‪.‬‬
‫‪ -‬تمثل النظم السياسية مزيجا مختلطا من منظور الثقافة‪.‬‬
‫هذه المفاهيم والسمات باعتبارها مؤشرات توفر أس اس للدراس ة المقارن ة في األمم‬
‫المتقدمة والمتخلفة على حد سواء من خالل تحليل وظائف أنظمتها النسقية‪.33‬‬
‫‪ - 7‬اإلقتراب اإلتصالي‪:‬‬
‫المقص ود باإلتص ال هن ا ه و اإلتص ال السياس ي‪ ،‬س واء انطل ق من المواط نين إلى‬
‫السلطة أي اإلنتخابات‪ ،‬أو من السلطة إلى المواطنين باإلعالم والدعاي ة وغيره ا‪ ،‬أو ح تى‬
‫‪32‬‬
‫‪.‬غابريال ألموند وبينغهام باول‪ ،‬مرجع سابق‬

‫‪33‬‬
‫‪.‬كمال المنوفي‪ ،‬مقدمة في مناهج وطرق البحث‪ ،‬مرجع سابق‬
‫اإلتصاالت الدبلوماسية بين الدول‪ ،‬واألزمات والمشاكل من إضرابات ومظ اهرات تعت بر‬
‫ضربا من ضروب اإلتصال السياسي‪.‬‬
‫ال يمكن تصور السياسة بدون اإلتصال‪ ،‬فالمواطنون بحاجة إلى وسائل توص ل مط البهم‬
‫إلى الحكومة‪ ،‬وعلى الحكام أن يكونوا قادرين على توصيل وتبرير قراراتهم للمواطنين‪ ،‬وعلي ه‬
‫فإن دراسة النظم السياسية من منظ ور اإلتص ال هي دراس ة للس لوكيات واألفع ال ال تي تتعل ق‬
‫بتبادل المعلومات فيما بين الفاعلين السياسيين‪.‬‬
‫كما ال يمكن التكيف مع المحيط الذي نعيش فيه إاّل من خالل العملية اإلتصالية والتي‬
‫تظهر في كل أشكال العالقات السياسية بين الحكومة والفئات المختلف ة للمجتم ع‪ ،‬ومن ثم ال‬
‫يمكن الح ديث عن عملي ة سياس ية دون اإلش ارة إلى عنص ر اإلتص ال ال ذي يمث ل مح ور‬
‫التفاعل السياسي في الظواهر السياسية المختلفة‪ ،‬باإلضافة للدور الهام الذي يلعبه اإلتص ال‬
‫في عملية صناعة قرار سياسي‪ ،‬كل ذلك ال يتم إاّل من خالل المعلومات المتبادل ة بين نخب ة‬
‫صناعة القرار وأعض اء المجتم ع‪ ،‬فب اإلكراه واإلقن اع تتكام ل غالبي ة فئ ات المجتم ع م ع‬
‫القرارات الحكومية وبرامجها السياسية واإلقتصادية وغيرها فتكون الجماعات المختلفة في‬
‫موقف المؤيد‪ ،‬كما قد يكون اإلتصال السياسي موجه من الجماعات السياس ية واإلجتماعي ة‬
‫نحو الحكومة من خالل العمل على إضعافها‪ ،‬وهكذا يسلط منهج اإلتصال الضوء على‪:‬‬
‫‪ -‬القنوات التي من خاللها تتدفق المعلومات بين الفاعلين السياسيين‪.‬‬
‫‪ -‬أنواع المعلومات المطلوبة‪.‬‬
‫‪ -‬القواعد واإلجراءات التي تحكم اإلتصاالت داخل النظام السياسي‪.‬‬
‫‪ -‬حدة المشاعر المرتبطة بمعلومات معينة‪.‬‬
‫‪ -‬أنواع اإلستجابة التي يمكن توقعها من المتلقين‪.34‬‬
‫ينظر مقترب اإلتص ال إلى النظ ام السياس ي على أن ه منظم ة أو مجموع ة منظم ات‬
‫تعتمد على المعلومات حول بيئتها في اتخاذ القرار‪ ،‬وعلى هذا فهو يقع ضمن اإلط ار الع ام‬
‫لفكرة النظام‪ ،‬حيث أن اإلتصاالت هي أحد جوانب النظام السياسي والعملية السياس ية ال تي‬
‫يسهل تحديدها وقياسها‪ ،‬كما يساعد ذلك على رصد العوامل التي ت ؤثر على اس تقبال النظم‬
‫السياسية واألفراد للمعلومات وكيفية تأثير اإلتص ال على األداء السياس ي‪ ،‬وذل ك من خالل‬
‫اإلضافات الجديدة التي قدمها المقترب مثل‪ :‬مفهوم تغير األهداف‪ ،‬ووظيفة التحول ال ذاتي‪،‬‬
‫مقدرة التحمل (عدد وأنواع القنوات المتاحة )‪ ،‬نسق القيم‪ ،...‬باإلض افة لمجموع ة المف اهيم‬
‫السابق اإلشارة إليه ا في اإلق تراب النظمي‪ ،‬وكله ا زادت من مق درة اإلق تراب على قي اس‬
‫اإلتصاالت عن طريق تط وير وح دات القي اس‪ .‬فق درة النظ ام على اس تقبال ومعالج ة ك ل‬
‫المعلومات الواردة إليه في لحظة زمنية معين ة وأن واع وحال ة القن وات اإلتص الية المتاح ة‬
‫ودقتها في جمع المعلومات ودرجة التشويه التي تطرأ عليه ا وعالق ة ك ل ذل ك باإلس تجابة‬
‫الفعلية أي ص ياغة السياس ات أو الق رارات‪ ،‬باإلض افة لف ترة اإلس تجابة من حيث تعبيره ا‬
‫على كفاءة النظام‪.‬‬
‫كانت الفائدة األخرى للمقترب اإلتصالي في تحديده ألنماط اإلتصال‪ ،‬وال تي تُفي د في‬
‫المقارنة بين مختلف األنظمة السياسية‪ ،‬بحيث يمكن إجراء المقارنة من حيث‪:‬‬

‫‪34‬‬
‫‪.‬أحمد عباس عبد البديع‪ ،‬أصول علم السياسة‪ ،‬ط‪ ،2‬عين شمس‪ :‬القاهرة‪ ،1992 ،‬ص‪144‬‬
‫‪ -‬تجانس المعلومات السياسية‪.‬‬
‫‪ -‬حجم المعلومات السياسية‪.‬‬
‫‪ -‬انسياب المعلومات السياسية‪.‬‬
‫‪ -‬اتجاه تدفق المعلومات السياسية‪.‬‬
‫لقد عالج كارل دوتش ما قدمته مختلف المساهمات بالنسبة لعلم السياسة ب دءا بمض مون‬
‫وأهمية التحليل الوظيفي‪ ،‬واهتم بنظرية المباريات ونظري ات ص نع الق رار وم ا تض منته من‬
‫افتراضات‪ ،‬فكان المقترب اإلتصالي محاولة لتقديم تحليل يشمل علم السياسة س واء في تناول ه‬
‫للمجاالت الداخلية أو الدولية‪ ،‬بحيث تشمل مقوالت المقترب جميع الظ واهر ال تي يختص ك ل‬
‫مقترب بدراستها‪ ،‬وذلك من خالل مقوالت ه عن عملي ات التفاع ل بين المرس ل والمس تقبل أي‬
‫الح اكم والمحك وم‪ ،‬من خالل التعب يرات والرم وز ونم اذج الس لوك واإلس تجابات المختلف ة‪،‬‬
‫وت تراوح م ا بين قن وات لإلتص ال والرس ائل واألفك ار والمعلوم ات‪ ،‬وعملي ات اإلرس ال‬
‫واإلس تقبال‪ ،‬والتغذي ة الراجع ة‪ ،‬والس ياق أو البيئ ة المحيط ة‪ ،‬كم ا ترتب ط العملي ة بال ذاكرة‬
‫ومحاوالت التأثير واإلقناع‪ ،‬وبقيم ومعتقدات ومؤثرات عديدة‪ ،‬وت دفق للمعلوم ات وتخزينه ا‪،‬‬
‫التحول الذاتي وتصحيح األهداف وغيرها‪.‬‬
‫ومن ذلك يظهر بأن منهج اإلتصال يمكن أن يفسر الحي اة السياس ية باعتب اره يش كل‬
‫جوهر هذه الحياة وجزء ال يتجزأ منها‪ ،‬بل إن النظم المختلفة هي عب ارة عن نس يج يتراب ط‬
‫من خالل عمليات اإلتصال‪.35‬‬
‫هي إذن مجموع ة مقارب ات تس هم بال ش ك في إع داد الدراس ات التحليلي ة للنظم‬
‫السياسية بشكل مقارن‪ ،‬والتي تُعبّ ر عن تط ور ط بيعي لمن اهج التحلي ل من حيث المف اهيم‬
‫واألطر النظرية واألدوات البحثي ة ال تي يمكن توظيفه ا لفهم ديناميكي ات الحي اة السياس ية‪،‬‬
‫وبذلك استطاعت بناء نموذجها المعرفي‪ ،‬بينما بقيت الدراس ات ض من التوجه ات األخ رى‬
‫مجرد "برامج بحثية"‪ ،‬كان ذلك بفضل علماء السياس ة التجريب يين وال ذين ق دموا نظري ات‬
‫عامة بقصد اإلستعانة بها في فهم سير الحياة السياس ية وتفس ير عالقاته ا‪ ،‬ومن ثم اإلنته اء‬
‫إلى وضع نماذج نظرية لواقع تلك الحياة‪ ،‬لكي تُتخذ كطريقة يُسترشد بها في كل الدراس ات‬
‫والبح وث السياس ية‪ ،‬وليس من ش ك أن النظ رة الس لوكية ق ادرة على تق ديم تفس ير علمي‬
‫لظاهرة تباين سياسة المجتمعات التي تسودها أنظمة حكم متشابهة في مؤسس اتها الرس مية‪،‬‬
‫العتمادها على مجموع ة مف اهيم ج اهزة لعل وم س بقت علم السياس ة في ارتباطه ا ب المنهج‬
‫التجريبي كالبنية والقوة والوظيف ة والنس ق وغيره ا‪ ،‬وكله ا من مف اهيم العل وم البيولوجي ة‬
‫والفيزيائية أساسا‪.‬‬

‫المحور الخامس‪ :‬اساليب التحليل‬

‫المحاضرة االولى‪:‬‬

‫‪35‬‬
‫ناجي عبد النور‪ ،‬النظام السياسي الجزائري‪ :‬من األحادي ة إلى التعددي ة الحزبية‪ ،‬منش ورات جامع ة قالم ة‪ :‬الجزائ ر‪،‬‬

‫‪ ،2006.‬ص‪18‬‬
‫‪ :‬أسلوب المقارنة‬
‫تعتبر المقارنة جزء أساس ي من البحث العلمي بالنس بة للعل وم السياس ية عام ة‪ ،‬وفي‬
‫مجال السياسة المقارنة بخاصة‪ ،‬فق د اعتبره ا الكث ير من الب احثين الب ديل عن التجرب ة في‬
‫العلوم الطبيعي ة بحيث ت ؤدي إلى الكث ير من أه دافها‪ ،‬ذل ك م ا جع ل "أليكس دي توكفي ل"‬
‫يعتبره ا ج وهر المنهج العلمي في العل وم اإلجتماعي ة‪ ،‬ب ل إن البعض ال ينظ ر للمقارن ة‬
‫كمج رد طريق ة وأس لوب ب ل كفلس فة للعلم‪ ،‬وعلي ه ال يس تقيم التحلي ل المق ارن للنظم على‬
‫مستوى السياس ة المقارن ة أو أنم اط الس لوك والتفاع ل على مس توى السياس ة الدولي ة دون‬
‫اإللمام بفلسفة المقارنة وأطرها اإلبستمولوجية في الحقل المعرفي الذي يدرسها‪.‬‬
‫‪ - 1‬مفهوم المقارنة‪:‬‬
‫يقص د بالمقارن ة إب راز وتفس ير أوج ه الش به واإلختالف بين المتغ يرات موض ع‬
‫الدراسة‪ ،‬أي أنها تُعنى بإظهار وتعليل الفروق بين أنماط السلوك‪.‬‬
‫وعرفها "البالومبارا" بأنها‪ :‬عملية تعكس أساسا البحث في أوجه التش ابه واإلختالف‬
‫التي تتميز بها الظاهرة أو مجموعة الظ واهر موض وع الدراس ة تمهي دا لفهمه ا وتفس يرها‬
‫والتنبؤ بها‪ ،‬وذلك يعني التحليل المنظّم لإلختالفات في موضوع أو أكثر‪.‬‬
‫ويرى معن خلي ل عم ر أن ‪ :‬ه دف األس لوب من التن اظر والتقاب ل ه و كش ف واق ع‬
‫الظاهرة المدروسة وقياس العالقة بين المتغ يرات والبرهن ة على اإلفتراض ات المطروح ة‬
‫في البحث‪ ،‬لتتجلى ب ذلك للب احث اتجاه ات المتغ يرات وم دى عم ق وح دات المقارن ة‬
‫المعيارية‪.36‬‬
‫يظهر من هذه التعريفات وغيرها مم ا رُص د لمفه وم المقارن ة أن م دلولها األساس ي‬
‫يتمث ل في ذل ك اإلج راء الممنهج والمنظّم لبحث العالق ات وأوج ه التش ابه واإلختالف في‬
‫الظاهرة موضع الدراسة‪ ،‬وهي بهذا المعنى تُعبّر كما يقول "ماكاون" على‪:‬‬
‫‪ -‬أنها مرادف لمنطق التحليل العلمي‪.‬‬
‫‪ -‬أنها نمط معين من أنماط البحث‪.‬‬
‫‪ -‬إحدى أشكال القياس‪.‬‬
‫وإذا كان هذا النوع من التحليل ق د اس تخدم في العل وم اإلجتماعي ة‪ ،‬إاّل أن نس بة ه ذا‬
‫اإلس تخدام في العل وم السياس ية تك ون في ح دها األعلى‪ ،‬خاص ة في أح د أهم مجاالته ا‬
‫"السياس ة المقارن ة" وال تي ض ّمت إلى اس مها إس م األس لوب نفس ه‪ ،‬بحيث تعتم ده أساس ا‬
‫لدراس ة النظم واألح داث والمجتمع ات السياس ية وجم ع المعلوم ات عنه ا‪ ،‬ثم تحليله ا‬
‫ومقارنتها بهدف اكتشاف بعض المبادئ األساسية والقوانين العامة‪.37‬‬
‫‪ - 2‬أهداف التحليل المقارن‪:‬‬
‫تنطوي المقارنة على أهمي ة كب يرة في مج ال البحث العلمي في العل وم السياس ية من‬
‫خالل ما تسعى لتحقيقه من أهداف‪ ،‬منها‪:‬‬

‫‪36‬‬
‫‪.‬عامر مصباح‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪95‬‬
‫‪37‬‬
‫محمد سليمان الدجاني ومنذر سليمان الدجاني‪ ،‬منهجية البحث العلمي في علم السياسة‪ ،‬دار زهران للنش ر والتوزي ع‪:‬‬

‫‪.‬عمان‪ ،2004 ،‬ص‪83‬‬


‫‪ -‬إثراء المعرفة النظرية والواقعية بأنظمة الحكم والسياس ة كم ا هي في الواق ع‪ ،‬فمن‬
‫خاللها يتم بلوغ المعرفة العلمي ة وتع يين ح دود ه ذه المعرف ة ومص داقيتها وكيفي ة التحق ق‬
‫منها‪ ،‬ودوره ا في بن اء نظري ات أو من اهج تعين العق ل اإلنس اني على فهم الواق ع وحس ن‬
‫إدراكه ومن ثم التعامل معه‪.‬‬
‫‪ -‬التحليل المقارن طريقة الكتشاف متغيرات جديدة في الظواهر‪.‬‬
‫‪ -‬طريقة مناسبة لبيان خصائص األش ياء وتمايزه ا عن طري ق مقابلته ا م ع بعض ها‬
‫البعض‪ ،‬وبالتالي توفير درجة عالية من العمومية بواسطة القوانين الممكن اكتشافها‪.‬‬
‫‪ -‬التنبؤ باألحداث واإلتجاهات والنتائج‪ ،‬وذلك رغم ما يثيره هدف التنبؤ من تحفظات‬
‫بسبب قصور المعلومات وعدم قابلية بعض المتغيرات للقياس‪.‬‬
‫‪ -‬تق ييم الخ برات والمؤسس ات والتف اعالت وأنم اط الس لوك السياس ي‪ ،‬فالدراس ة‬
‫السياسية المقارنة تم ّكن من تفسير ماذا يحدث في ظل ظروف معينة واختيار ما تفض له من‬
‫غايات ووسائل‪ ،‬وبالتالي تقويم التجربة السياسية (مؤسسات‪ ،‬قرارات‪ ،‬عمليات‪.)...‬‬
‫‪ -‬ت تيح تق ديم البيان ات الالزم ة والب دائل لعملي ة ص نع السياس ة س واء الداخلي ة أو‬
‫الخارجية‪.‬‬
‫‪ -‬تحدي د أي أنظم ة الحكم أك ثر كف اءة‪ ،‬وط رح حل ول أفض ل لعدي د من المش كالت‬
‫السياسية خاصة دول العالم الثالث‪.38‬‬
‫‪ -‬إثبات نظريات (أو فرض يات)‪ ،‬نفيه ا أو تط وير نظري ات جدي دة على غ رار المنهج‬
‫العلمي وذلك يك ون ع بر‪ :‬أ‪ -‬بحث أوج ه التش ابه واإلختالف أي التب اين في الح االت‪ ،‬األم ر‬
‫الذي يؤدي إلى‪ -‬مالحظة انتظامات‪ ،‬يجب تفس يرها من خالل‪ -‬اكتش اف التب اين المش ترك أو‬
‫تفسير التنوع‪ ،‬هذا يتم ع ادة من خالل‪-‬اختب ار الفرض يات التفس يرية‪ ،‬م ا ي ؤدي إلى – ش رح‬
‫تعقي د العالق ات الس ببية ووض ع تعميم ات أو مب ادئ توجيهي ة مح ددة‪ ،‬بم ا يس مح – بإثب ات‬
‫الفرضية وبالتالي النظرية‪.39‬‬
‫‪ - 3‬قواعد المقارنة‪:‬‬
‫هناك مجموعة من القواع د والمب ادئ ينبغي اإلل تزام به ا في التحلي ل المق ارن ح تى‬
‫تتحقق األهداف المرجوة من المقارنة‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ -‬الظواهر أو الوح دات ال تي ي راد إخض اعها للمقارن ة ال ب د أن تنط وي على نق اط‬
‫وأوجه إختالف وأخرى للتماثل واإلتفاق‪ ،‬فال مجال للمقارن ة بين ظ واهر متماثل ة تمام ا أو‬
‫متمايزة تماما‪ ،‬بمعنى آخر وجود قدر من التشابه الجزئي مع ضرورة ارتب اط ذل ك بانتم اء‬
‫هذه الوحدات إلى إطار حضاري أو ثقافي واجتماعي متقارب‪.‬‬
‫‪ -‬تحدي د الب احث للوح دات أو العناص ر أو الظ واهر ال تي س تتم المقارن ة بينه ا‪،‬‬
‫وضرورة إخضاعها في التحلي ل لنفس المنهج بم ا يحق ق الدق ة في رص د ج وانب اإلتف اق‬
‫واإلختالف‪.‬‬
‫‪ -‬شمولية المقارنة لكافة أوجه اإلتفاق واإلختالف بين الوحدات الخاضعة للمقارنة‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫‪.‬كمال المنوفي‪ ،‬أصول النظم السياسية المقارنة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪31‬‬
‫‪39‬‬
‫‪.‬فضيل دليو‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪110‬‬
‫‪ -‬ضرورة أن تعتمد المقارنة على إطار فكري يتضمن ع ددا من المف اهيم المترابط ة‬
‫التي يمكن تطبيقها على الحاالت موضع المقارنة‪ ،‬بمع نى التحدي د ال دقيق للمتغ يرات ال تي‬
‫ستخضع للتحليل المقارن‪.‬‬
‫‪ -‬ال يصح إجراء مقارنات مصطنعة تعتم د على تش ويه الظ واهر أو الح االت مح ل‬
‫المقارنة‪ ،‬فكلما بَعُدت هذه الظواهر عن بعضها زمانا ومكانا وس ياقا زادت احتم االت ع دم‬
‫الدقة في استخالص النتائج‪.40‬‬
‫‪ - 4‬مستويات المقارنة‪:‬‬
‫يرتكز البحث السياسي المقارن على عدد من أشكال ومستويات المقارنة تختلف فيم ا‬
‫بينها في علم السياس ة عموم ا ب اختالف الوح دة األساس ية للتحلي ل في الظ اهرة السياس ية‪،‬‬
‫وأهمها‪:‬‬
‫‪ -‬مقارنة الوحدة أو الظاهرة في مرحلتين تاريخيتين مختلفتين من تطوره ا الت اريخي‬
‫لمجتمع معين‪ ،‬وهي دراسة داخلي ة ع بر الزم ان تتم داخ ل نفس النظ ام السياس ي بص رف‬
‫النظر عن وحدتها‪ ،‬مث ل دراسة النظ ام السياس ي الجزائ ري أو أح د مؤسس اته التنفيذي ة أو‬
‫التشريعية أو نمط القيادة أو السياسة العامة قبل مرحلة التعددية وبعدها‪ ،‬أو في عهد رئيسين‬
‫مختلفين‪ .‬ويالح ظ عموم ا أن جانب ا كب يرا من الدراس ات السياس ية المقارن ة ال زال يع الج‬
‫النظام السياسي على أساس أن الدولة هي اإلطار العام لمستوى التحليل وأن معظم األحداث‬
‫السياس ية تتم في إطاره ا‪ ،‬وعلى ذل ك س تبقى وح دة التحلي ل األساس ية في حق ل السياس ة‬
‫المقارنة خصوصا وإن كانت إطارا لوحدات أخرى‪.‬‬
‫هذا المستوى يتبع إذن المنهج التقليدي‪ ،‬أي أن الدراسات السابقة ال تي ك انت تس تخدم‬
‫ذات المنهج تحلل النظام السياسي في إطار عالقته بالبيئة‪ ،‬وتدرس مؤسساته وما يؤدي ه من‬
‫وظائف‪ ،‬وأنماط التفاعل فيما بين وحداته‪ ،‬وتحاول قياس أدائه في حل المش كالت الخاص ة‬
‫التي تواجهه‪.‬‬
‫‪ -‬مقارن ة ظ اهرة أو وح دة ع بر المك ان أي في دول تين أو أك ثر‪ ،‬وهي المقارن ة‬
‫الخارجي ة‪ ،‬وتتم بين وح دة معين ة س واء ك انت نظ ام أو ظ اهرة أو عنص ر أو عالق ة بين‬
‫متغيرين في دولة وما يقابلها في دولة أو عدة دول أخرى‪ ،‬مث ل دراسة العن ف السياس ي أو‬
‫التنمي ة السياس ية أو المعارض ة السياس ية أو ظ اهرة الث ورة في أك ثر من دول تين‪ ،‬أو مثل‬
‫عالقة متغيرين كمستوى التعليم والمشاركة السياسية‪.‬‬
‫ويَعتبر جابريال ألموند المس توى األخ ير من مس تويات المقارن ة أم ر ض روري لبن اء‬
‫نظرية إحتمالية للنظام السياسي‪ ،‬أي الوصول إلى تعميمات أكثر مصداقية‪.‬‬
‫ويالحظ أن العلوم السياسية قد عرفت التحليل المق ارن من ذ أن انش غل العلم اء بتط وير‬
‫واختب ار نظري ات في أك ثر من مجتم ع‪ ،‬وهي األس لوب الب ديل عن التج ريب المعملي‪ ،‬فعن‬
‫طريقها يستطيع الباحث ض بط المتغ يرات على نح و مباش ر من حيث يس تحيل علي ه الض بط‬
‫المباشر الذي يتيحه التجريب المعملي‪.41‬‬
‫‪40‬‬
‫‪.‬كمال المنوفي‪ ،‬أصول النظم السياسية المقارنة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪32‬‬

‫‪41‬‬
‫‪.‬محمد طه بدوي‪ ،‬النظرية السياسية‪ :‬النظرية العامة للمعرفة السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص‪363‬‬
‫وتختلف األبحاث عبر الدولة طبقا لوضع الدولة في سياق البحث‪ ،‬أي الدولة كمؤشر‪،‬‬
‫على النحو التالي‪:‬‬
‫‪ -‬فقد تكون هدفا للبحث والمقارن ة‪ ،‬وهن ا يك ون اله دف ليس الوص ول إلى تعميم ات‬
‫نظرية أو فروض عامة وإنما إظهار األمور المجهولة وجعله ا مفهوم ة‪ ،‬كمقارن ة مثال بين‬
‫دولتين أو مؤسسات معينة بينهما‪.‬‬
‫‪ -‬وق د تك ون إط ار وس ياق ع ام للبحث‪ ،‬وهن ا يهتم الب احث باختي ار عمومي ة نت ائج‬
‫توصل إليها‪ ،‬ويكون المقص ود ليس الدول ة وإنم ا التوص ل إلى تعميم ات تتع دى إطاره ا‪،‬‬
‫ومثال ذلك بحث آليات عمل الشركات الصناعية في نظام رأسمالي مقارنة بآخر إشتراكي‪.‬‬
‫‪ -‬وق د تك ون وح دة التحلي ل األساس ية‪ ،‬بحيث يه دف البحث للوص ول إلى تعميم ات‬
‫نظرية تتعلق بدور الدولة في عموميتها‪ ،‬مثل دراسة دور الدولة في تحقيق التكامل‪.‬‬
‫‪ -‬وقد تكون جزء من مكونات نظام عالمي‪ ،‬مثل تحليل الرأسمالية أو التبعية‪.‬‬
‫وعلى ال رغم من أن الدول ة تمث ل اإلط ار الع ام لمس توى التحلي ل‪ ،‬إاّل أن التحلي ل‬
‫المقارن ال يجب أن يقتص ر عليه ا‪ ،‬وإنم ا وجب الترك يز إلى جانبه ا على دراس ة وح دات‬
‫ومؤسس ات وأق اليم داخ ل دول مختلف ة به دف الوص ول إلى مب ادئ تفس يرية وتعميم ات‬
‫نظرية‪ ،‬كما فعل ماكس فيبر في دراساته المقارنة للدين وعالقته بظهور الرأسمالية‪.‬‬
‫‪ - 5‬متطلبات عملية المقارنة‪:‬‬
‫‪ - 1.5‬سمة األساس‪:‬‬
‫إذا كان األصل في المقارنة هو السعي بها لتحديد أوجه الشبه واإلختالف بين أح داث‬
‫معينة قصد الكشف عن دالالتها‪ ،‬فإن ه ليس من المتص ور أن تعق د المقارن ة بين أح داث ال‬
‫تشترك في حد أدنى من سمات أساسية يك ون باإلمك ان اتخاذه ا كأس اس للمقارن ة‪ ،‬بمع نى‬
‫آخر أن إجراء المقارنة بين األحداث السياسية تقتض ي س مة أس اس مس بقة يُحتكم إليه ا في‬
‫عملية الكشف عن وجوه الشبه واإلختالف بين الظ واهر أو األح داث مح ل الدراس ة‪ ،‬ذل ك‬
‫ب أن المقارن ة في إط ار التفس ير العلمي ال تك ون إال بين أح داث تش ترك في ح د أدنى من‬
‫المالمح العام ة وفي درج ة ال تركيب في نفس ال وقت‪ ،‬ه ذا م ا يجب أن تس تجيب ل ه س مة‬
‫األساس التي يَحتكم إليها الباحث في عقد المقارنة‪.42‬‬
‫يمكن التمييز بصدد سمات األساس التي يُحتكم إليها في عملية المقارنة بين األح داث‬
‫السياسية بين‪ :‬المقارنة على أساس فكرة المؤسسة‪ ،‬والمقارنة على أساس فكرة الوظيفة‪.‬‬
‫إعتماد المقارنة على أساس فكرة المؤسسة يعني إتخاذ عملية المقارن ة س مة أس اس‬
‫من بنية واقع ما‪ ،‬ومن ثم من المالمح المشتركة لحاالته‪ ،‬ذلك أن بنية مؤسسة سياسية معينة‬
‫تتضمن مالمحها العامة وتركيبها العضوي معا‪ ،‬بمعنى أن س مة األس اس في المقارن ة هي‬
‫بنية األحداث المقارنة‪.‬‬
‫أما الوظيفة كسمة أساس للمقارن ة بين األح داث مح ل البحث فإنه ا تع ني اإلنطالق‬
‫من الكيان الوظيفي للمؤسسات السياسية للمقارنة فيما بينه ا‪ ،‬وذل ك من خالل ال دور الفعلي‬
‫الذي تؤديه المؤسسة في بيئتها قص د الكش ف عن أوج ه الش به أو اإلختالف ذات ال دالالت‬
‫العلمية‪ ،‬ويكون ذلك في حال عدم كفاية اإلعتم اد على المالمح العام ة ودرج ات ال تركيب‪،‬‬

‫‪42‬‬
‫‪.‬فضيل دليو‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪115‬‬
‫كأن تُعقد مثال بين المؤسسات السياس ية ل دولتين في ف ترة مح ددة أو في ظ ل دس تور معين‬
‫لكالهما شرط أن تكون المالمح العام ة لتل ك المؤسس ات متش ابهة‪ ،‬وإن لم يكن ذل ك تنتق ل‬
‫المقارنة وتعقد على أساس فكرة الوظيفة‪ ،‬مثال مقارنة النظ ام السياس ي الجزائ ري بالنظ ام‬
‫السياسي الفرنسي في ظل دس تور مح دد من خالل س مة المالمح العام ة ودرج ة ال تركيب‬
‫وستنتهي المقارنة إلى نتائج مضللة في البحث‪ ،‬بينما اإلعتم اد على س مة الوظيف ة للمقارن ة‬
‫تكون قادرة على توضيح أوج ه اإلختالف الفعلي ة بين النظ امين‪ ،‬ومن ثم تفس ير ك ل منه ا‬
‫تفسيرا وظيفيا واقعيا مرده الكشف عن القوى الحقيقية المحركة التخاذ الق رار السياس ي في‬
‫كال النظامين‪ ،‬أي النشاطات الفعلية الكامنة وراء الواجهات البنيوية لكل منهما‪.‬‬
‫كان ذلك تفصيل القاعدة األولى من قواعد المقارنة السابق اإلشارة إليها‪ ،‬والتي تع ني‬
‫باختصار تواضع أهمي ة المقارن ة ب ل وتش ويهها في ح ال انعقاده ا بين مؤسس ات سياس ية‬
‫تنتمي إلى بيئات حضارية وثقافية متباينة متباعدة‪.‬‬
‫‪ - 2.5‬تحديد نوع البحث‪:‬‬
‫تتحدد خصائص مختلف أنواع البحوث المقارنة تبعا لعدد من المؤش رات التص نيفية‪،‬‬
‫وهي‪:‬‬
‫‪ -‬مؤشر قابلية مقارن ة الح االت وخصوص ية ح االت مقاب ل ح االت أخ رى‪ ،‬فهن اك‬
‫دراسات تركز على‪ -:‬خصوصية بلد معين وتبايناته مع غ يره – أو مجموع ات فرعي ة من‬
‫الدول ومحدودية قابلية مقارنتها "الدراسات اإلقليمية"‪.‬‬
‫‪ -‬مؤش ر مس تويات التحلي ل والمتغ يرات‪ ،‬ويتم التمي يز في ه بين‪ - :‬الدراس ات على‬
‫مستوى نسقي بحيث تستعمل خصائص األنظمة كوحدات للمالحظ ة اإلمبريقي ة والتعميم –‬
‫ودراسة على عدة مستويات تحليلية‪.‬‬
‫‪ -‬مؤشر األنظمة واألهداف النظرية للبحث‪ ،‬وهنا تظهر الدراسات المقارنة ال تي تعت بر‬
‫البلدان‪ - :‬كهدف للمقارنة وهي دراسة تستهدف الحصول على معرفة مفصلة حول بل د بعين ه‬
‫– كس ياق للبحث‪ ،‬ودراس ة ال ترتك ز على البل دان ل ذاتها ولكن باعتباره ا س ياق يتم بداخل ه‬
‫اختبار مدى قابلية تعميم العالقات واإلنتظامات المالحظة بين المتغ يرات – ودراس ات تعت بر‬
‫البلدان كوحدات تحليلية‪ ،‬لمحاولة وضع عالقات بين خصائصها كبل دان ل ذاتها مص نفة إياه ا‬
‫تبعا لمؤشر معين‪.‬‬
‫• مؤشر المجال المكاني‪ :‬وتكون الدراسات تبعا له على مستوى‪:‬‬
‫• وطني‪ :‬ووحدات الدراسة فيه هي الدولة أو النظام السياسي‪.‬‬
‫• محلي‪ :‬ووحداته التحليلية تتشكل من مستويات مختلفة‪ ،‬جهوية أو مناطق إجتماعية‬
‫أو ثقافية أو غيرها‪.‬‬
‫• دولي‪ :‬وتضم الدراسة مناطق دولية كاإلتحاد األوربي مثال لتكون أس اس المقارن ة‬
‫بين النظم‪.‬‬
‫‪ -‬مؤشر الوقت‪ :‬وللمقارنة فيه بعدين‪ - :‬المقارنة غير المتزامنة وتك ون داخ ل الدول ة‬
‫الواح دة وفي أوق ات مختلف ة‪ ،‬مث ل اإلس تقرار السياس ي قب ل وبع د التعددي ة الحزبي ة في‬
‫الجزائر‪ ،‬على أن يكون فيها عدد الحاالت صغير ومتغيرات السياق ثابة نس بيا‪ – .‬المقارن ة‬
‫غ ير المتزامن ة وتتم بين ال دول أو الوح دات اإلقليمي ة للدول ة الواح دة‪ ،‬ويك ون فيه ا ع دد‬
‫الحاالت متغيرا ومتغير السياق غير قابلة للتحكم‪.43‬‬
‫هي إذن دراس ات تتف ق في مجمله ا على م ا يس ميه «ديفرجي ه» مقارن ة األح داث‬
‫المتقاربة‪ ،‬وذلك مقابل مقارنة األحداث المتباعدة‪ ،‬وه ذا يع ني أن المقارن ة بين المتقارب ات‬
‫تتيح للباحث الكشف عن أوجه اإلختالف بين األحداث محل البحث والتي تستطيع تفس يرها‬
‫في السياق السياسي‪ ،‬ومن هذا التباين يُف َسر النظام السياسي الجاري بحثه‪ ،‬وفائدة هذا النوع‬
‫من المقارن ة وه و األك ثر انتش ارا للتحق ق من ص حة الفرض يات الموض وعة مق دما في‬
‫البحث‪ ،‬وبالتالي فهي ذات فائ دة من الناحي ة العلمي ة من حيث أنه ا تس عى إلى الكش ف عن‬
‫خ واص النظ ام السياس ي غ ير الظ اهرة رغم تش ابه هياكل ه مثال م ع غ يره من األنظم ة‬
‫المتقاربة‪ ،‬بمعنى الكشف عن الخصائص الكامنة في سياقه اإلجتماعي‪.‬‬
‫وتجدر اإلشارة هنا إلى أن للمقارن ة أن واع تتح دد تبع ا لطبيع ة الموض وع ومش كلته‬
‫البحثية والتي تتخذ طابع وصفي أو قد تكون دراسة إستطالعية إستكشافية أو دراسة تقييمية‬
‫أو تفسيرية‪ ،‬وعليه قد يتجاوز البحث الدراسة المقارنة الوصفية إلى دراسة تحليلية تقييمي ة‪،‬‬
‫ويكون ذلك باإلس تعانة ب أدوات القي اس إلعط اء الدراس ة الط ابع العلمي من خالل التعب ير‬
‫ال دقيق عن النت ائج باس تعمال األدوات اإلحص ائية واألرق ام‪ ،‬كم ا تتخ ذ المقارن ة معي ار‬
‫مرجعي أو نموذج على أن تُحدد المقارنة م دى اق تراب الموض وع مح ل البحث والمقارن ة‬
‫من ذل ك النم وذج‪ ،‬ويك ون ذل ك خاص ة في الدراس ات أو المواض يع الفرعي ة والقض ايا‬
‫الجزئية ‪.44‬‬
‫‪ - 3.5‬إستراتيجية المقارنة‪:‬‬
‫لكي تكون المقارنة أكبر من مجرد تصنيف مبسط ألوجه اإلتف اق واإلختالف‪ ،‬ف إن ثم ة‬
‫خطوات عملية تتحدد من خاللها عملية التحليل المقارن‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ -‬اختيار المفاهيم المركزية‪ ،‬وتمثل أهمي ة خاص ة في أي بحث ج اد ك أن تك ون مثال‬
‫صنع القرار والقوة والمؤسسات‪ ،‬أو البنية والسلوك‪. ...‬‬
‫‪ -‬وحدة التحليل‪ ،‬قد يتخذ التحليل المقارن إما المستوى الكلي من خالل اعتبار النظ ام‬
‫السياسي كوحدة للتحليل‪ ،‬أو اختيار مستوى جزئي كأن تكون وحدة التحليل هي البنية‪.‬‬
‫‪ -‬جمع البيان ات وتص نيفها من خالل متغ يرات من ش أنها إب راز خص ائص وس مات‬
‫الظاهرة السياسية‪.‬‬
‫‪ -‬تحديد أوجه التماثل واإلتفاق وكذا التباين واإلختالف‪ ،‬وتوصيفها‪.‬‬
‫‪ -‬صياغة إفتراضات مؤقتة حول العالقات البينية في العملية السياسية‪.‬‬
‫‪ -‬الكشف عن العناصر األساسية للموضوع وتفسيرها‪.‬‬
‫‪ -‬الوصول إلى نتائج دقيق ة تح دد ش روط وظ روف التحكم ال تي تق ف وراء اإلتف اق‬
‫واإلختالف‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫‪.‬فضيل دليو‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪115‬‬

‫‪44‬‬
‫‪.‬عبد الغفار رشاد القصبي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪141‬‬
‫‪ -‬صياغة أنماط للسلوك خاصة في شأن الظواهر الجزئي ة أو الفرعي ة وال تي تتطلب‬
‫متغيرات أقل يمكن التحكم فيها‪.45‬‬
‫نظ را ألهمي ة التحلي ل المق ارن في الدراس ات السياس ية‪ ،‬ظه رت إتجاه ات راهن ة‬
‫ومحاوالت تسعى لتطوير المقارنة بش كل يوس ع أك ثر الق درة التحليلي ة للب احثين في إط ار‬
‫البحوث ذات الطابع "الكيفي"‪ ،‬خاصة فيما يتعلق بالتحلي ل متع دد المتغ يرات‪ ،‬يظه ر ذل ك‬
‫تحدي دا في الجه ود المبذول ة من قب ل المهتمين بمنهجي ة البحث العلمي لتط وير برمجي ات‬
‫معلوماتية متخصصة وذات طابع كمي في الدراسات اإلجتماعية عامة‪.‬‬

‫المحاضرة الثانية‪:‬‬
‫أسلوب دراسة الحالة‪:‬‬
‫يتم يز أس لوب دراس ة الحال ة عن غ يره باس تهداف وح دة معين ة أو وض عية واح دة‬
‫بطريقة تفصيلية دقيقة من حيث خواصها وانتظامه ا‪ ،‬ومن ثم من أج ل تفس يرها بع د جم ع‬
‫البيانات الكافية عنها وتحليلها‪ ،‬وتعتبر دراسة الحالة أح د أس اليب البحث الوص في المطبق ة‬
‫في مجاالت علمية مختلفة‪.‬‬
‫‪ - 1‬تعريف دراسة الحالة‪:‬‬
‫ه و األس لوب ال ذي يتج ه إلى جم ع البيان ات العلمي ة المتعلق ة بحال ة فردي ة به دف‬
‫الوص ول إلى فهم للحال ة المدروس ة‪ ،‬حيث تُجم ع البيان ات عن الوض ع الح الي للحال ة‬
‫المدروسة وكذا عن ماضيها وعالقاتها من أجل فهم أعمق وأفضل للمجتمع الذي تمثله‪.46‬‬
‫كما تُعرّف بأنها طريقة منهجية مرك زة على حال ة معين ة تس تهدف جم ع أك بر ح د من‬
‫المعلومات حولها‪ ،‬بهدف الوصول إلى وصفها بدقة وتحدي د خصائص ها ومميزاته ا‪ ،‬والتمكن‬
‫بعد ذلك من القيام بعملية التعميم على الحاالت المشابهة‪.‬‬
‫واضح إذن أن دراسة الحالة ال تُعنى إال بكيان معين من كيان ات الواق ع اإلجتم اعي‪،‬‬
‫وأن ارتباطها النهائي به ذا الكي ان المح دد يرب ط منهج البحث في ه باإلختباري ة البحث ة‪ ،‬أي‬
‫بالسعي إلى التعرف على خواص الحالة المدروسة بذاتها عن طري ق المالحظ ة المخت برة‪،‬‬
‫أي بطريقة تتبعية ترابطية تعتمد عنصر الزمن عبر اإلهتمام بسلسلة األحداث الترابطية في‬
‫الحياة الواقعية‪ ،‬ذلك أن هناك عالقات تفاعل بين هذه األحداث يمكن تحليلها في عدد صغير‬

‫‪45‬‬
‫‪.‬خالد حامد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪73،74‬‬

‫‪46‬‬
‫ربحي مصطفى عليان وعثمان محمد غنيم‪ ،‬أساليب البحث العلمي‪ ،‬ط‪ ،2‬دار ص فاء للنش ر والتوزي ع‪ :‬عم ان‪،2010 ،‬‬

‫‪.‬ص‪69‬‬
‫من المواقف حتى يمكن دراسة التفاعل بدقة‪ ،‬ومن ثم تحديد مختلف العوامل ال تي ت ؤثر في‬
‫الوحدة المدروسة أو الكشف عن العالقات السببية بين أجزاء الظاهرة‪.‬‬
‫يُعتبر أسلوب دراسة الحالة بديال عن التحليل المقارن‪ ،‬فهو يبحث في أك بر مجموع ة‬
‫ممكنة من المتغيرات الخاصة بنوع معين من الظواهر السياسية مثل دراسة جماع ة ض غط‬
‫أو تنظيم ح زبي معين‪ ،‬باعتب اره طريق ة بحث الش تقاق واختي ار الفرض يات ال وض عها‬
‫واختبارها‪.‬‬
‫‪ - 2‬أهداف دراسة الحالة‪:‬‬
‫يعت بر أس لوب دراس ة الحال ة من أهم األس اليب المس تخدمة في الدراس ة السياس ية‪،‬‬
‫وتبرز من خالل ذلك األهداف التي يتوخاها هذا األسلوب والتي يمكن تلخيصها فيما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬إكتشاف األسباب الرئيسية لألوضاع الحالي ة من خالل الوص ف الش امل والتحلي ل‬
‫الدقيق للبيانات والمعلومات‪.‬‬
‫‪ -‬التعرف إلى الحقائق وتسجيلها بموضوعية‪ ،‬والقيام بتحليله ا وتشخيص ها للوص ول‬
‫إلى استنتاجات ومبادئ عامة‪ ،‬أي إنشاء أفكار نظرية‪.‬‬
‫‪ -‬وضع خطة لتحسين األوضاع أو تصحيح مسارها‪.‬‬
‫‪ -‬إمكانية اإلستفادة من نتائجها التحليلية المع ّمقة واستخدامها في اإلصالح السياسي‪.‬‬
‫يمكن الق ول إذن أن أس لوب دراس ة الحال ة ه و أك ثر األس اليب مالئم ة للدراس ات‬
‫الوصفية من حيث أنه يهدف إلى وصف وتحليل الظواهر المدروسة وص فا موض وعيا من‬
‫خالل البيانات التي يجمعها بواسطة التقنيات المنهجية‪ ،47‬مع أن اس تخدام األس لوب ممكن م ع‬
‫باقي أنواع البحوث والدراسات األخرى كالدراس ات اإلس تطالعية بس عيه للكش ف عن الج وانب‬
‫المختلف ة للظ اهرة‪ ،‬أو الدراس ات التقويمي ة إذ ي تيح إمكاني ة وض ع خط ط عالجي ة قابل ة‬
‫للتنفيذ في شأن الظاهرة أو المشكلة المدروسة‪.‬‬
‫وفيما يخص األدوات البحثية‪ ،‬فإن معظم األدوات يمكن استخدامها في دراسة الحالة‪،‬‬
‫والذي يحدد ذلك الهدف من الدراسة‪ ،‬ونوعية الحالة أو ح دتها‪ ،‬نوعي ة البيان ات المطلوب ة‪.‬‬
‫وبذلك فقد يستخدم الباحث عند دراسة الحالة‪:‬‬
‫‪ -‬المقابالت المتعمقة إذا كان الباحث بصدد دراسة تاريخ الحالة أو حوادث معينة‪.‬‬
‫‪ -‬والمالحظة الممتدة حين يسعى الباحث لرصد التغيرات التي تط رأ على الحال ة‪ ،‬أو‬
‫حتى المالحظة بالمشاركة‪.‬‬
‫‪ -‬تحليل المضمون حين يستعين الباحث بوثائق في دراسة الحالة‪.‬‬
‫‪ - 3‬خطوات دراسة الحالة‪:‬‬
‫أس فرت التطبيق ات المستفيض ة ألس لوب دراس ة الحال ة على اس تخالص مجموع ة‬
‫خطوات إجرائية ممنهجة‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ -‬تحدي د الدراس ة‪ :‬وتع ني اختي ار الح االت ال تي تمث ل المش كلة أو الظ اهرة المدروس ة‪،‬‬
‫باإلضافة لتحديد وحدة الدراسة وخصائصها بدقة ووضوح‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫‪.‬خالد حامد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪52‬‬
‫‪ -‬تجمي ع البيان ات والمعلوم ات بلغ ة مفهوم ة معبّ رة عن البيئ ة‪ ،‬وبالوس ائل ال تي تم‬
‫تحديدها مسبقا‪.‬‬
‫‪ -‬تنظيم وتحليل البيانات بالكيفية التي تخدم أه داف البحث ودراس ته‪ ،‬وفحص ها ب دءا‬
‫بأكثرها وضوحا قبل غيرها من المعطيات المعقدة‪.‬‬
‫‪ -‬الكشف عن العالقات السببية بين أجزاء الظاهرة‪ ،‬وتحديد العوامل المؤثرة فيها‪.‬‬
‫‪ -‬توضيح النتائج والتوصيات ال تي تم التوص ل إليه ا وأهميته ا وإمكاني ات اإلس تفادة‬
‫منها عبر اإلستدالل من المعلوم إلى المجهول‪ ،‬أي إمكانية تقرير تلك النت ائج على‬
‫حاالت مشابهة‪.48‬‬
‫وبه ذه الخط وات يس تطيع أس لوب دراس ة الحال ة تخطي مش كلتي التعميم والس ببية‬
‫باعتبارهما أكبر مشكالت األسلوب‪ ،‬باإلضافة المكانية مالحقة التغيرات التي قد تطرأ على‬
‫الحالة خالل فترة الدراسة‪.‬‬
‫‪ - 4‬تطبيق دراسة الحالة‪:‬‬
‫يرك ز أس لوب دراس ة الحال ة على تنظيم المعطي ات الخاص ة بوح دة معين ة لمعرف ة‬
‫خصائص ها وس ماتها من خالل التعم ق والترك يز وع دم اإلكتف اء بالوص ف الخ ارجي أو‬
‫الظ اهري‪ ،‬ومن ذل ك يتهي أ الوق وف على مختل ف العوام ل ال تي ت ؤثر في ه ذه الوح دة‪،‬‬
‫والكشف عن العالقات السببية بين أجزاء الظاهرة‪.49‬‬
‫يتم ذلك من خالل الفحص التفصيلي لعدد قليل من المتغيرات باإلستعانة بوسائل جمع‬
‫البيانات كالمالحظة والمقابلة وغيرها‪ ،‬والتي تتيح إمكانية الكش ف عن ع دد م رات تك رار‬
‫حدوث الظاهرة‪ ،‬رغم أن ذلك قد يتطلب فترة طويلة من الزمن للحصول على شكل وكمي ة‬
‫المعلومات المطلوبة والوصول إلى األسباب ذات الدالل ة‪ ،‬ويتطلب اس تخدام ه ذا األس لوب‬
‫مرونة كافية يستطيع بها الباحث تطوير أو تعديل خطة بحثه وكذا فروضه في ح ال ظه ور‬
‫معطيات وبيانات جديدة من الدراسة اإلستطالعية‪ ،‬وهي دراسات تتم يز ب العمق أك ثر مم ا‬
‫تتم يز باإلتس اع‪ ،‬ويح اول الب احث فيه ا جم ع المعلوم ات المش تقة من مختل ف المص ادر‬
‫وتنسيقها وإعادة عرضها بشكل متكامل‪ ،‬مع اس تطالع الج وانب المش تركة بين الحال ة قي د‬
‫الدراسة وغيرها من الحاالت‪.50‬‬
‫ومن كل ما سبق تظهر أهيمة استخدام دراسة الحالة بشكل خاص باعتبار أن ه يس اعد‬
‫الب احث في الحص ول على المعلوم ات األساس ية ال تي يمكن اإلس تفادة منه ا في تخطي ط‬
‫الدراسات الرئيسية من خالل ما يوفره من معلومات متعمقة وتبيين المتغيرات والتف اعالت‬
‫المطلوب دراستها‪ ،‬وعلى ذلك توفر المعلومات التي يوفرها أسلوب دراسة الحال ة عن ه ذا‬
‫الموضوع التوس ع في مج ال البح وث ب التطرق إلى بح وث جدي دة وفي تك وين فرض يات‬
‫لدراس ات أخ رى في المس تقبل‪ ،‬ويوض ح الت أثيرات المختلف ة للمتغ يرات بص ورة أك ثر‬

‫‪48‬‬
‫‪.‬ربحي مصطفى عليان وعثمان محمد غنيم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪70‬‬

‫‪49‬‬
‫‪.‬عمار بوحوش‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪133‬‬
‫‪50‬‬
‫‪.‬محمد عبد الباسط‪ ،‬البحث اإلجتماعي‪ ،‬دار الوفاء‪ :‬اإلسكندرية‪ ،2006 ،‬ص‪63‬‬
‫وض وحا من مج رد التحلي ل الكمي له ا بإعط اء تفس ير واض ح للنت ائج وربطه ا بالعوام ل‬
‫المختلفة التي أدت إلى النتائج الحالية‪.‬‬

You might also like