Professional Documents
Culture Documents
ان العقل حتى يتمكن من فهمها وتحليلها وتفسيرها ،وعلي ه يك ون مق دار م ا يس تطيع
اإلنسان فهمه من الواقع محكوم بمدى قدرة الوسيلة أو الطريقة المتبعة على اس تيعابه ،وم ا
يُستشف معها وينسجم مع أبنيته ا وأدواته ا ،وال يمكن للوس يلة أن تك ون محاي دة وإنم ا هي
ط رف في عالق ة ثالثي ة جنب ا إلى جنب م ع مقتض يات العق ل وطبيع ة الواق ع السياس ي
واإلجتماعي.
وحيث أن الواقع معقد ومتشابك وغير قابل لإلحاط ة من جمي ع جزئيات ه ومكونات ه،
كما أن من المناهج ما يتخذ من مفهوم ما م دخل لفهم وتفس ير الظ اهرة السياس ية كالنخب ة،
الجماعة ،الطبقة ،النظام ،الوظيفة ،اإلتصال ،صنع القرار وغيرها ،فإن جميعها تتف ق على
افتراض أنه ال يمكن اإلحاطة بكل أبعاد الظاهرة ،وإنما يمكن فهمها من خالل هذا البع د أو
ذاك ألنه يمثل البعد المحوري مما يُم ّكن من الوصول إلى الفهم الدقيق والتحليل السليم له ا،
وعلى ه ذا يص بح من الض روري أن يحي ط الب احث بنظري ات حقل ه المع رفي ح تى يفهم
إمكانات كل نظرية وحدودها وقدراتها التفسيرية ،ومع تحق ق ق در من الفهم ألهم مح ددات
ومالمح الواقع السياسي ال ذي توج د في ه الظ واهر ،ب ذلك فق ط يس تطيع الب احث أن يحق ق
مفه وم "التك افؤ المنهجي" ،وال ذي يع ني أن يك ون هن اك ق در من التناس ب والتالؤم بين
الظاهرة موضع البحث والمنهج الذي يتم اإلق تراب من خالل ه له ذه الظ اهرة ،ح تى تك ون
الطريق ة المنهجي ة على مق اس الظ اهرة وبالت الي يتحق ق اله دف من اس تخدام المنهج أو
اإلقتراب ،وه و فهم الواق ع وتفس يره بص ورة تق ترب من الحقيق ة والدق ة وليس اإلنح راف
بالمنهج ليصبح هدفا بحد ذاته.
ومن هذا المنطلق سيتم اإلقتراب من مجموعة المداخل المنهجية "اإلقترابات" لتحديد
معطياته ا وإمكاناته ا المنهجي ة ال تي يمكن أن تس هم في فهم وتفس ير وتحلي ل الظ واهر
المطروح ة في بح وث العل وم السياس ية ،وعلي ه ستقتص ر دراس تنا على تحدي د المعطي ات
المنهجية التي تقدمها اإلقترابات ولن تنصرف إلى تقصي أفكارها ومحتوياتها.
أوال :تعريف اإلقتراب:
أطل ق مص طلح اإلق تراب لإلش ارة إلى الطريق ة ال تي يتم من خالله ا اإلق تراب من
الظاهرة السياسية باستخدام إطار تحليلي معين يعتمد المفاهيم للوصول إلى تحديد العالق ات
السببية بين المتغيرات ،وقد جاء كرد فعل لحالة اإلحباط وعدم الرضا المنهجي لدى العدي د
من علم اء السياس ة ،ف المقترب إذن إط ار تحليلي يُؤخ د كأس اس عن د دراس ة الظ اهرة
السياسية ،كما أنه طريقة تفيد في معالج ة الموض وع س واء تعل ق األم ر بوح دات التحلي ل
المستخدمة أو األسئلة التي يثيرها ،وتحديد نوعية المادة العلمي ة الالزم ة لإلجاب ة عن ذل ك
وكيفية التعامل معها.
ويُعرّف اإلق تراب على أن ه اس تعداد مس بق من الب احث لتب ني إط ار مف اهيمي معين
بغرض التعرف على متغيرين أو أكثر ،فهو بمثابة المرشد أو ال دليل ال ذي يوج ه الب احث،
وهو المدخل الذي يسير وفق ا ل ه الكتش اف العالق ات القائم ة بين متغ يرات الظ اهرة لبن اء
نظريات ذات قدرة على التنبؤ ،إذ يعتبر األساس الذي تقوم عليه النظرية.
ومع اعتبار المقترب بمثابة مي ل أو اتج اه الب احث إلى اختي ار إط ار مف اهيمي معين
فإن ه يهتم بدراس ة مجموع ة مح ددة من الفرض يات ،كم ا أن ه يح دد نوعي ة المف اهيم
واإلستفسارات والطرق التي سيستعملها الباحث في دراسته ،فيكون معبّ را عن اس تراتيجية
عام ة لدراس ة الظ اهرة السياس ية يتح دد بالزاوي ة ال تي ينظ ر من خالله ا الب احث إلى
موضوعه.
هذا وقد تم تصنيف اإلقترابات حسب مجال الدراسة وطبيع ة الموض وع ،وم ع تعق د
الظواهر السياسية وتنوع واختالف مظاهر السلوك السياسي تنوعت المقتربات المس تخدمة
في معالجتها ما بين مقتربات خاصة بمجال السياسة المقارن ة :الجماع ة ،النخب ة ،التحلي ل
الطبقي ،تحليل النظم ،الوظيفي ،اإلتصالي .وأخرى تختص بمجال السياسة الدولية وتتحدد
في :التحليل النظمي ،تحليل األحداث ،صنع القرار ،والمباريات.
من المهم اإلشارة بداية إلى أن اإلقترابات ال تمثل بالضرورة المرحل ة األخ يرة لح ل
مشكلة البحث السياسي ،ففي الواقع ال توجد طريقة علمي ة واح دة للكش ف عن الحقيق ة ألن
طرق العلم تختلف باختالف المواضيع ،فقد استعمل مثال كبار المفكرين فيما مض ى من اهج
عديدة إذ سادت الطريقة اإلستنتاجية طويال في مجال العلوم الطبيعية ليتبين فيم ا بع د بأنه ا
غير كافية ،ثم سادت المعادالت الرياضية لحد اإلعتقاد بأنها كفيلة بحل أي ة مش كلة لتظه ر
بعدها الط رق التجريبي ة كط رق مثلى لك ل الظ واهر ،وفي النهاي ة تأك د أن ك ل موض وع
يحت اج إلى ن وع معين من المن اهج العلمي ة المالئم ة ل ه ،فهن اك البحث الخ اص والبحث
التطبيقي والبحث المكمل لبحث آخر والبحث المركز على األساليب وغيرها.
ثانيا :إجراءات التحليل العلمي التجريبي للواقع السياسي:
ظهرت المقتربات للتعبير عن خصوصية الظاهرة السياسية ،رغم أنها تحاول محاكاة
المنهج التجري بي من حيث المالحظ ة والف رض والتج ريب كم ا ه و متف ق علي ه من أج ل
التفسير والتوقع وبما يتالئم وطبيعة الظاهرة المدروسة ،ويظهر ذلك في:
- 1المالحظة:
تع ني المالحظ ة العلمي ة إدراك م ادة البحث إدراك ا متفك را ،أي تل ك المص حوبة
باستهداف الكشف عن حقيقة الم ادة المالحظ ة ،م ع ق درة الب احث على متابع ة ه ذا العم ل
بحكم ما تحقق له من مواهب مكتسبة في مجال بحثه.
ليس للمالحظة في علم السياسة خصائص معينة ،فالباحث السياس ي يلج أ في مالحظت ه
ألحداث الواقع السياسي إلى نفس إجراءات المالحظة وأدواتها في علم اإلجتم اع م ع مراع اة
الطبيعة الخاصة لذلك الواقع السياسي ،ومرد ذلك التشابه العام في طبيعة المادة المالحظ ة في
العلمين والتي هي عالقات إجتماعية يغلب فيها الطابع الكيفي على الكمي ،وربما ذلك ما يعيق
علم السياس ة على اس تخدام الكث ير من تقني ات البحث العلمي وأدوات ه المس تقرة في العل وم
الطبيعية ،والتي استقرت إلى حد ما في بعض العلوم اإلجتماعية كعلم اإلقتصاد.
تتمحور المالحظة الخاص ة ب الواقع السياس ي في تجمي ع الم ادة ال تي س تكون مج اال
للمالحظة المتفكرة ،وعليه فإن فاعلية هكذا مالحظ ة مرهون ة بمجموع ة مقتض يات أهمه ا
مدى انبساط المراحل الزمنية التي تمثلها البيانات المجتمعة ل دى الب احث ،ومن هن ا تظه ر
أهمية المكتسبات الس ابقة والبيان ات ال تي جمعه ا آخ رون ،باإلض افة لإلس تفادة من جه ود
باحثين في علوم أخرى.
للمالحظ ة في البحث العلمي بص دد ظ واهر علم السياس ة ال دور األهم ،وذل ك نظ را
لتواضع دور وأهمية التجريب حول تلك الظواهر نظ را لطبيعته ا ،ففي بعض الح االت ق د
تؤدي المالحظة وظيفتها ووظيفة التج ريب في نفس ال وقت ،أي اإلدراك المتفك ر للظ اهرة
المستهدفة والتحقق من صحة الفرض المس توحى من ذل ك التفك ر لعرض ه على واق ع تل ك
الظاهرة من ثنايا متابعة مالحظتها ،وهي لذلك مالحظة اختبارية.
- 2الفرض:
للفرض مكانته الخاصة في المنهج العلمي التجريبي المرتبط باإلستقراء – كم ا س بق
توضيحه ،-وعليه يتعين على الباحث بع د تحدي د م ادة البحث التس اؤل ح ول الواق ع مح ل
المالحظة لتقديم إجابة مفترضة ،وصحتها مرهونة بنتائج التجربة وإاّل عدَل عنه إلى فرض
آخر ،وثبوت الفرض وإن كان يعني التعبير عن الحقيقة إاّل أنها ليست حقيقة خالدة وهو م ا
يسمى بنسبية الحقيقة العلمية ،أي أنها ممثلة للحقيقة طالما لم يتنكر لها الواقع.
والفرض المطلوب هنا هو الفرض ذا الطابع العلمي ،أي أن اإلجابة المفترض ة يجب
أن تكون قابلة للتحقيق اإلختب اري ،ويتحق ق ذل ك برس م عالق ة بين مؤش رات تك ون قابل ة
للقياس ال أن تُعبّر عن وضع قيمي معين ،كالبحث مثال في عالقة مس توى الثقاف ة السياس ية
بمدى المشاركة في الحياة السياسية ،فأطراف العالقة هنا قابلة للقياس اإلختباري.
- 3التجريب:
يعني التجريب التحقق من صحة الفرض ،وإذا كان األمر في العلوم الطبيعية يتم بع د
تقديم الفرض في شكل ق انون عملي والتجرب ة تعم ل على مطابق ة ه ذا الق انون المف ترض
لواقع هذه العالقة ،إال أن طبيعة الظ واهر اإلجتماعي ة عام ة والسياس ية بخاص ة ال يمكنه ا
تطبيق طريقة تحقيق الفرض هذه ،أي طريقة التجريب المعملي ،وعلى ذلك إلتجأ الب احثين
المعنيين بمناهج البحث العلمي إلى تحقيق الفروض في ش أن عالق ات الواق ع السياس ي إلى
المقارن ة كب ديل للتج ريب ،وذل ك قص د البحث عن اإلنتظ ام ال ذي تج ري علي ه عالق ات
الظواهر ، 1وسيأتي تفصيل ذلك الحقا.
لعله من المفيد هنا تأكيد ما س بق من خالل اإلش ارة إلى بعض المح اوالت من بعض
الدراسات السياسية لتطبيق التجريب شبه المعملي خاصة في الواليات المتح دة األمريكي ة،
من بينها دراسات "دافيد ايستون وروبرت هيس" ح ول التعليم السياس ي للطف ل األم ريكي
والذي تبدأ تنشئته السياسية في مراحل مبكرة بارتباطه العاطفي برموز بلده وهيكل وصور
نظامه السياسي قبل إدراكه للعالم السياسي بوقت طويل ،ودراساتهم أيضا حول العالقة بين
األسرة واإلنتماء الحزبي ، 2ودراسات "لوين ولبيت" حول السلطوية والديمقراطي ة باخض اع
عينة من األطفال للتجربة عبر ف ترة مح ددة وفي ظ ل أج واء ش بيهة بواق ع تل ك األنظم ة
وغيرها من الدراسات.
رغم تل ك المح اوالت يبقى التج ريب بمدلول ه ال دقيق بعي د على أن ي ؤدي دور
ج وهري في تحقي ق ص حة الف روض في الدراس ات السياس ية ،وذل ك بحكم طبيع ة
موضوعاتها والعالقات التي تحكم ظواهرها.
1
.محمد طه بدوي ،النظرية السياسية :النظرية العامة للمعرفة السياسية ،مرجع سابق ،ص 365وما بعدها
2
.كمال المنوفي ،أصول النظم السياسية المقارنة ،مرجع سابق ،ص33
المحاضرة الثانية :اقترابات دراسة السياسة المقارنة:
3
محم د نص ر ع ارف ،ابس تمولوجيا السياس ة المقارن ة :النم وذج المع رفي ،النظ ري ،المنهجي ،المؤسس ة الجامعي ة
4
.موريس دوفرجيه ،مدخل إلى علم السياسة ،تر :جمال األندلسي ،دار دمشق :دمشق ،ص 679
إحص اءا مثال عن اإلنتخاب ات واستقص اءات ال رأي الع ام والتص ويت في المج الس النيابي ة
إلسقاط بعض اإلفترضات ال تي س ادت لف ترة طويل ة ب دون أن تُخت بر فأض افوا إلى النظري ة
السياس ية قاع دة تجريبي ة يمكن البن اء عليه ا ،وك ذا فيم ا يخص دراس ة القواع د اإلجتماعي ة
للسياسة وغيرها.
وعلى نفس المنهج قدم هنتجتون إطارا جدي دا لقي اس المؤسس ة السياس ية ،فالمؤسس ة
عنده إقامة فاعلة وقادرة على اكتساب قدر يُعتد به من القيمة واإلستقرار ،وبالت الي اكتس اب
شرعية ذاتية وذلك جوهر عملية بناء الدولة ،ولقياس مستوى المؤسسة طرح أربع ة مع ايير
هي - :التكي ف :بمع نى ق درة المؤسس ة على مواجه ة التغ يرات البيئي ة داخلي ة ك انت أو
خارجية ،على مس توى األش خاص أو في الوظ ائف ،ومؤش رات التكي ف هي العم ر الجيلي
والعمر الزمني والتغير الوظيفي .التعقيد :أي أن يكون للمؤسسة أكثر من وظيفة وتأثير ذلك
على مدى استمرار المؤسس ة وم ا تض مه من وح دات متخصص ة ،ولقي اس درج ة التعقي د
مؤشرين هما درجة تعدد الوظائف ودرجة تعدد الوحدات .اإلس تقاللية :وتشير لم دى ذاتي ة
وحرية المؤسسة في العمل وهو ما يقاس عن طريق الميزانية وش غل المناص ب .التماس ك:
ويعني درجة الرضى أو اإلتف اق بين أعض اء المؤسس ة ،وتق اس بالمؤش رات التالي ة :م دى
وجود أجنحة داخل المؤسسة ،درجة اإلنتماء بالنسبة لألعضاء ،درجة اإلتفاق على األهداف
والمبادئ.5
وتتخذ الدراسة المؤسسية للنظام السياس ي من خالل التن اول الدس توري لنظ ام الحكم
عدة أوجه تتلخص في التالي:
-الهدف من تكوين المؤسسة سواء كان الغرض عام أم خاص.
-اختصاصات المؤسسة كما يحددها دستور الدولة.
-عالق ة المؤسس ة بغيره ا من المؤسس ات في المجتم ع (مس ألة التع اون
والصراع).
-أبنية المؤسسات والوحدات التي تضمها.
-الثق ل النس بي للمؤسس ات ،وهي ظ اهرة ك انت وال ت زال موض وع لكث ير من
الدراسات المقارنة.
-توزيع األدوار داخل المؤسسة.
-التغيُّر المستمر للمؤسسة والذي يعني التطوير أو اإلطاحة بها أو دمجها في أخ رى
أو تقسيمها إلى أكثر من وحدة أو تغيير اسمها مع استمرار قيامها بنفس الوظيفة.
-حدود تأثير المؤسسات مع مقارنة نطاق ودرجة هذا التأثير من مجتمع آلخر.
وعلى ال رغم من أن التحلي ل الق انوني(المنهج المؤسس ي) مح ّدد ومج رد ،مح ّدد
لترك يزه على الخص ائص القانوني ة الدس تورية للحكوم ة ،ومج رد لتعامل ه م ع الحكوم ة
باعتبارها شيء منعزل عن البيئة أو إطارها اإلجتماعي بل وحتى عن األش خاص الق ائمين
عليها ،على اعتبار أن اإلهتمام بالنشاط اإلنساني ينطوي على خطر تالشي خصوصية علم
السياسة إذ يصبح بال موض وع يميّ زه عن العل وم اإلجتماعي ة األخ رى ،وعلى ذل ك ورغم
5
إسماعيل عبد الفاتح ومحمود منصور هني ة ،النظم السياس ية وسياس ات اإلعالم ،مرك ز اإلس كندرية :مص ر،2005 ،
.ص58
تراجع المنهج أمام التيارات الراهنة في حقل السياسة المقارنة والتي ال تهتم كث يراً بالتن اول
الدستوري لنظام الحكم يبقى للمنهج أنصاره.
- 2إقتراب الجماعة:
شهد حقل العلوم السياسية تطورا ملحوظا في أعقاب الحرب العالمية الثاني ة عج زت
مع ه المن اهج التقليدي ة لعلم السياس ة عن اس تيعابه واإلحاط ة بمختل ف الظ واهر السياس ية
الجديدة المصاحبة له ،األمر الذي برزت معه حاجة ملحة لتط وير من اهج البحث بعي دا عن
المناهج التقليدية المستقاة من كونه فرع من ف روع العل وم اإلجتماعي ة ،فاس تحدث ب دال من
ذلك اقترابات أخرى جديدة أكثر قدرة على فهم هذه الظواهر واإلحاطة بها.6
تركز دراسات الجماعة على مجموعات األفراد التي تتفاعل فيما بينها س عيا نح و
أه داف سياس ية مش تركة ،أي أن اإلهتم ام ينص ب على الجماع ة وليس على الف رد م ا دام
يُف ترض أنه ا ت ؤثر في الحي اة السياس ية أك ثر من ه ،وعلي ه تُع د الجماع ة وح دة التحلي ل
األساسية ،ذلك أن التنافس المستمر بين الجماعات يحدد طبيعة نظام الحكم ،ويتوقف التغير
في النظام السياسي على التغير في تكوين الجماعات وهذا اإلف تراض األساس ي ال ذي يق وم
عليه المقترب .المقصود بالجماعة هن ا تل ك الوح دة اإلجتماعي ة ال تي تتك ون من مجموع ة
أفراد يتم بينهم تفاع ل إجتم اعي وعالق ات إجتماعي ة وت أثير إنفع الي ونش اط متب ادل على
أساس ه تتح دد األدوار والمكان ة اإلجتماعي ة لألف راد وف ق مع ايير وقيم الجماع ة ،اش باعا
لحاجياتهم وتحقيقا ألهداف الجماعة دائما.7
يُعبّر الواقع السياسي من هذا المنظور على شبكة كب يرة من الجماع ات وال تي ت دخل
في تفاعالت بينها تأخذ ش كل الض غوط والض غوط المض ادة بين جماع ات كب يرة وأخ رى
صغيرة ،رسمية وغير رس مية ،مترابط ة أو غ ير ذل ك ،والعالق ة بين ك ل تل ك الجماع ات
ودرجة تأثير كل منها على النظ ام م ع ق درة وح دود ك ل واح دة ،ه ذه الش بكة المعق دة من
التفاعالت المستمرة تحدد في النهاية حالة النظام السياس ي ،والتن افس بين الجماع ات يُح دد
من يحكم ،والفرض األساسي لإلق تراب مف اده أن التغيُ ر في النظ ام السياس ي يتوق ف على
التغير في تكوين الجماعات.8
يُقدم ألموند وباول تصنيفا للجماعات يتحدد في :الجماعات المصلحية الترابطية وهي
الجماع ات ال تي تس عى للت أثير في الق رارات السياس ية من أج ل مص الح أك ثر عمومي ة
مجتمعي ة ،وجماع ات مص لحة غ ير ترابطي ة وهي ال تي تتم يز ب التنظيم المح دود وافتق اد
النش اط المس تمر ،وجماع ات مؤسس ية وهي ال تي تتواج د داخ ل التنظيم ات الرس مية
ك األحزاب السياس ية والهيئ ات التش ريعية والجيش واإلدارة وغيره ا وتض م أف رادا أك ثر
حرفية ولها وظ ائف سياس ية واجتماعي ة مح ددة ،وجماع ات مص لحة أنو ّمي ة وال تي تفتق د
6
.جابر سعيد عوض ،إقترابات البحث في العلوم اإلجتماعية ،دار النهضة العربية :القاهرة ،1992 ،ص20
7
.كمال المنوفي ،المرجع السابق ،ص34
8
صالح سالم زرنوقة ،اإلتجاهات الحديثة في دراسة الدولة :دراسة تحليلية لما هو جديد في أدبيات بناء الدولة ،مكتبة
9
استخدمه ألول مرة دوركايم للتعبير عن حالة االضطراب وعدم االستقرار الذي يشعر به الفرد وق د Anomicمصطلح
10
.جابريال ألموند وبينغهام باول ،السياسة المقارنة ،تر :أحمد عناني ،مكتبة الوعي العربي :القاهرة ،1991 ،ص31
11
.نفس المرجع ،ص 70
أن هذا الصراع هو الذي يحدد محتوى واتجاه العملي ة السياس ية ،ومن ثم فلكي نفهم النظ ام
السياسي ال بد من تحديد طبيعة وهيكل التقسيم األفقي للمجتمع ،ونوع أو نمط العالق ة بين
المراتب العليا والدنيا والخصائص األساسية للفئة الحاكمة.
ثم إن اإلق تراب يف ترض ترك ز الق وة في ي د أقلي ة ،بحيث تُعت بر النخب ة والتعددي ة على
طرفي نقيض من الناحية المعرفية ،حتى وإن كان توزيع القوة وتش تيتها بين األف راد في إط ار
التعددية يكون توزيع غير متساو إاّل أنه ال يعدم أي ف رد في المجتم ع أن يج د وس يلة ي ؤثر به ا
على النظام السياسي ،وهو األمر الذي دفع "بوترمور" لتطوير مفهوم النخبة المضادة جنبا إلى
وقصد من ذلك إيجاد عالقة اتصال ضمني بين مذهب النخبة وم ذهب َ جنب مع النخبة الحاكمة،
األغلبية والتعددية.
ورغم اتف اق منظ روا النخب ة على ض رورة وج ود أقلي ة مس يطرة دائم ا على البن اء
السياسي للمجتمع ،إال أنهم اختلفوا حول المفاهيم التي توصف بها هذه الجماعة وحول ع ددها
وتكوينها ال داخلي ،مص ادر قوته ا وكيفي ة حفاظه ا على بقائه ا واس تمرارها .فح تى المفه وم
المحوري يشهد عدم اتفاق :النخبة ،الطبقة السياس ية ،الص فوة ،...ب ل يُف رق ك ارل دوتش بين
النخب ة العلي ا والوس طى والهامش ية ،وبين النخب ة الوظيفي ة والمهني ة وبين النخب ة السياس ية،
والطبقة السياسية.12
وينس حب ه ذا اإلختالف على مص در ق وة ه ذه الجماع ة فيم ا إذا ك انت الق وة
اإلقتصادية ،أو العوامل المتعلقة بالصفات الشخص ية ب دل اإلقتص ادية "مفه وم الرواس ب"
عند باريتو ،أو القوة العسكرية ،أم الديني ة ،واإلختالف أيض ا ح ول كيفي ة محافظ ة النخب ة
على اإلستمرار واإلستقرار فيما بين الدوران الداخلي أو الخارجي.13
إن اعتب ار النخب ة الم دخل المناس ب لدراس ة الظ واهر السياس ية يقتض ي توض يح
والوقوف على مجموعة محددات أساسية – أو مؤش رات -ينبغي البحث فيه ا عن د دراس ة
الظاهرة السياسية من خالل هذا المنظور قصد تفس يرها ،وهي :الخلفي ة اإلجتماعي ة س واء
كانت عرقية أو طبقية أو دينية أو تعليمية أو إقليمي ة ،...الس لوكات اإلجتماعي ة والقيم ال تي
يتبنونها ،تصوراتهم للعالم واتجاهاتهم نح و األح داث (باإلعتم اد على تحلي ل المض مون)،
الخصائص الشخصية من خالل تحليل السلوك الفردي.
هي إذن مجموع ة متغ يرات تتح دد أوزانه ا حس ب معطي ات ك ل حال ة واإلمكان ات
الكامنة فيها والقادرة على تحليل األنظمة السياسية ،حيث أن التركيز على قمة النظ ام يم ّكن
من فهم الظاهرة كما هي عليه ،ويلتقي التحليل فيه مع طبيعة األش ياء في الواق ع السياس ي،
12
التحليل هو عملية تعريف وتقييم لألجزاء التي يتكون منها الكل بهدف إدراك هذه األجزاء كمكونات للكل المركب ،م ع
محاولة معرفة الضوابط التي تربط عالقاتها ببعضها البعض من جهة ،والقوانين التي تحكم حركة وتطور الكل المركب
.من جهة أخرى
13
يتحدد استمرار واستقرار النخبة حسب باريتو من خالل عملية دوران النخب ة وال تي قس مها إلى ن وعين :دوران داخلي
يتم من خالل قدرة النخبة على امتصاص األفكار واألشخاص من خارج النخبة وإدخالهم في إطارها ح تى ال يتجم ع م ا
يمكن أن يكون نخبة مضادة ،ودوران خارجي يحدث عندما تفشل النخبة في تحقيق الدوران ال داخلي فيتم اس تبدال نخب ة
بأخرى
فهن اك دائم ا جماع ات مح دودة تس يّر الت اريخ وتق ود األمم وتص نع مص يرها تغي يرا أو
إصالحا.
إن النظام السياس ي مرتب ط بطبيع ة النخب ة وتوجهاته ا ،فه و في تغ ير وتح ول طبق ا
لتحوالتها الداخلية أو استبدالها بأخرى ،ومن ذلك يكون اقتراب النخبة مدخال أكثر صالحية
ومالئمة لتفسير وتحليل كثير من الظواهر كالتح ديث والتنمي ة ،ب ل ولفهم بعض األنظم ة
في مجملها كاألنظمة السياسية العربية باعتبار النخب ة فيه ا مفت اح لفهم العملي ات المتعلق ة
بها والنابعة منها.
- 4إقتراب الطبقة:
ج اء تحلي ل الطبق ة مت أخرا بعض الش يء في إط ار المدرس ة الس لوكية باعتباره ا
مدرسة غربية أو أمريكية على وج ه التحدي د ،وعلي ه لم يكن مقب وال ل ديهم التحلي ل الطبقي
الرتباطه بالماركسية وقيامه على مفهوم الثورة.
يرتبط تغير النظام السياسي في التحليل الطبقي بالتغير في البناء اإلجتم اعي ،م ع أن
كل مجتمع هو تعبير عن مجموعة شرائح أي احتوائه على إنقسام وتم ايز رأس ي م ع ع دم
إمكانية التداخل في هذا التمايز ،بحيث يشكل النظام التمايزي المحددات الرئيس ية للص راع
في المجتمع .إن تباعد الطبقة العليا عن الدنيا نتيجة اتساع الطبقة الوسطى يؤدي في النهاي ة
الستقرار النظام السياسي ،وهي المقولة التي شهدت اهتماما متزاي دا في الس نوات األخ يرة
بدراس ة الظ واهر السياس ية نظ را الرتب اط التح ديث والتنمي ة بقض ايا الطبق ات والبن اء
اإلجتماعي على عكس ما يراه إقتراب النخبة من أنها عمليات تخص صانعي القرار.14
وقد شهدت السنوات األخ يرة اهتمام ا متزاي دا بالم دخل الطبقي في دراس ة الظ واهر
السياسية ،يشهد له ذا اإلهتم ام مجموع ة من الدراس ات النظري ة الحديث ة لنخب ة من علم اء
السياس ة أمث ال جيمس بي ل "التحلي ل الطبقي وج دل التح ديث" ،وجيمس بي تراس "البن اء
الطبقي وآث اره على التنمي ة السياس ية" ،والدراس ات التطبيقي ة كدراس ة يوتوم ور ح ول
«الطبقات في المجتمع الحديث :نماذج عن بعض بلدان العالم الثالث». ...
يتحدد التحليل الطبقي من خالل مجموعة األسئلة ال تي ينطل ق منه ا البحث ،وت دور
حول :تحديد الطبقات الموجودة في المجتمع محل الدراسة ،خصائصها ،أسس تحديد إنتم اء
الفرد للطبق ة ،أنم اط العالق ات فيم ا بين الطبق ات وأثره ا على البن اء اإلجتم اعي ،وح ول
العالقة بين البن اء الطبقي والبن اء السياس ي ،أنم اط الص راع وأنم اط التفاع ل ،ثم التس اؤل
أخيرا حول كيف ومتى يؤدي الصراع الطبقي إلى الثورة؟
ففي كل مجتمع طبقتان رئيسيتان متصارعتان ،هذا الصراع يفسر ديناميكيات التغ ير
عبر التاريخ ،ثم إن هذا التفسير ال يقتصر على الوضع الداخلي للدول ،بل يُستخدم حتى في
تفسير الصراعات الدولية كم ا ه و الح ال م ع الح رب الب اردة ،وباإلض افة لك ل ذل ك يُع د
اإلسهام الطبقي بشأن العالقة بين الدولة والمجتمع من أهم إس هاماته المعرفي ة في التحلي ل
السياسي ،فالنظرية الطبقية تدرس السياسة كظاهرة إجتماعية ونسق فرعي يعمل في عالقة
وثيقة مع باقي األنساق اإلجتماعية األخ رى ،خصوص ا منه ا اإلقتص ادية وال ذي غالب ا م ا
14
فاروق يوس ف أحم د ،قواع د المنهج العلمي :المن اهج واإلقتراب ات واألدوات المنهجية ،مكتب ة عين ش مس :الق اهرة،
،1985.ص84
ي ؤدي إلى أزم ة أو حال ة إنقط اع في ه ذه العالق ة وال تي من ش أنها خل ق الحرك ات
اإلجتماعي ة واإلنتفاض ات الش عبية والث ورات وح دوث التح والت في النظم ،والتغ يرات
السياسية أو الثورات الديمقراطية والتي ال يمكن فهمه ا بمع زل عن س ياقها المجتمعي ،أو
حتى تجديد السلطوية ،ومن كل ذلك أسهم هذا التحلي ل في ظه ور م ا ب ات يع رف بم ا بع د
السلوكية والخاصة باقترابات التبعية واإلقتصاد السياسي والماركسية الجديدة.15
يعتبر التحليل الطبقي نموذج معرفي متميز عن غيره من اإلقتراب ات ذات التوجه ات
الغربية ،فهو يُخرج دراسة النظم من المثالية الس كونية إلى تحلي ل ح ركي ي درس الظ اهرة
اإلجتماعي ة ،وإن ك انت إقتراب ات النخب ة والجماع ة تمث ل ب ديل للتحلي ل الطبقي في بع ده
العلمي مع تطابق معرفي مع مقوالت وافترضات التحليل الطبقي في بع ده اإلبس تمولوجي،
لتقدم في مجملها نماذج للتحليل المقارن للنظم بتوجهات أكثر واقعية رؤية ومنهجا في إطار
التحليل السلوكي أو تطبيق المنهج السلوكي في التحليل ،والذي أحدث تح والت أساس ية في
علم السياسة التقليدي بنقل البحث من مجرد محاوالت مح دودة إلى مرحل ة البحث المنهجي
الذي يهتم عادة باإلفتراضات واإلجراءات ،وبطرق التفسير وطبيعة النتائج المتوصل إليها،
كل ذلك عبر اتخاذ وحدات جديدة للتحليل كمناهج وأدوات تحليل جدي دة في إط ار اإلهتم ام
المتزايد بالمنهج العلمي في السياسة كما يقول غابريال ألموند.16
لقد تمكن إقتراب الطبقة أن يتجاوز حد الوصف إلى التحليل والتفسير باعتب اره أك ثر
المناهج قدرة على تفسير ظواهر مثل التغيير الثوري والصراع والعنف وغيرها ،مع قدرته
على المقارن ة الش تراك ك ل المجتمع ات في خاص ية اإلنقس ام الطبقي ،رغم أن مش كلته
األساسية تكمن فيما يقتضيه من كم هائل من المعلومات والبيان ات ح ول ك ل ظ اهرة وه و
أمر ال يسهل في كل الحاالت.
16
.إسماعيل علي سعد ،قضايا علم السياسة ،دار المعرفة الجديدة :اإلسكندرية ،2003 ،ص154
مختلف النظم ،وبالتالي فهي تمثل أداة أو طريقة لبناء النم اذج عن العالق ات ال تي تنتج عن
التفاعل سواء بين األجزاء المنفصلة أو عندما تُدرس األجزاء في إطار النظ ام ،يخص ه ذا
النظرية بتطبيقها في السياسة المقارنة والسياسة الدولية على حد سواء.
يقوم اإلقتراب على فكرة وجوب تبسيط الحي اة السياس ية المعق دة والمركب ة ،والنظ ر
إليها تحليليا على أس اس آلي منطقي باعتباره ا تمث ل مجموع ة من التف اعالت ال تي تتم في
إطار النظام السياسي من ناحية ،وبينه وبين بيئته من ناحية أخرى ،وعليه تمي ل الجماع ات
من خالل هذه الرؤية إلى أن تكون كيانات مستمرة نسبيا تع بر عن مجموع ة من العناص ر
أو المتغيرات المتداخلة وذات اإلعتماد المتبادل فيما بينها ،والتي يمكن تحديدها وقياس ها
على اعتبار أن لهذه الكيانات حدود مميزة تفص لها عن بيئاته ا ،فض ال عن تميّ ز ك ل منه ا
بمجموعة من العمليات المختلفة ،خاصة عندما يتع رض النظ ام لإلض طراب من داخ ل أو
من خارج حدوده.17
من كل ذلك كانت لفكرة النظام كإطار تحليل بما يتضمنه من عالقات ومفاهيم نظرية
له ا دالالت تطبيقي ة ،ومن ثم مثلت نقط ة البداي ة الحقيقي ة في تط وير الدراس ات السياس ية
القائمة أساسا على الطابع الديناميكي للتفاعالت السياسية الموجهة أساس ا نح و التخص يص
السلطوي للقيم ،تب دأ ه ذه ال دائرة الديناميكي ة بالم دخالت وال تي تنتهي بالمخرج ات وتق وم
التغذية اإلسترجاعية بالربط بين نقطتي البداية والنهاية ،وتفص يل ذل ك أن اإلط ار التحليلي
للنظام السياسي يقوم على مجموعة من “الفروض” ال تي تق وم ب دورها على مجموع ة من
المفاهيم المتعلقة بمجموعة من المتغيرات السياسية الهامة التي توضح الخصائص الرئيسية
للنظام السياسي ،وألنه من الصعوبة بمكان الوصول إلى نظرية عام ة وش املة ،فإن ه يمكن
اإلستعاضة عن ذلك بتطوير مجموعة مترابطة منطقيا من المفاهيم في إطار متكام ل وعلى
درج ة عالي ة من التجري د ،تم ّكن من القي ام بالتحلي ل وبتوجي ه اإلهتم ام نح و المح ددات
الرئيسية للسلوك السياسي.
فمفه وم النظ ام ك أداة تحلي ل يس تعمل في مج االت عدي دة ومختلف ة بم ا يعكس م دى
مالئم ة اإلق تراب واس تيعابه لمجموع ة كب يرة من المواض يع والظ واهر وعلى مختل ف
المستويات:
-فقد يستوعب المفه وم الدالل ة الجغرافي ة :كنظ ام دولي أو نظ ام إقليمي أو نظ ام وط ني.
ويندرج تحت النظام الدولي قطاعات أخرى تمثل أيضا أنظمة فرعية.
-وقد ينصرف لطبيعة المفهوم :فيتحدد بالنظام السياسي أو اإلقتصادي أو اإلجتماعي
وغيرها.
-وبالوجهة اإليديولوجية يتحدد في :نظام رأسمالي ،إشتراكي...
-أو حتى المعنى الوظيفي :كنظام األمن مثال.18
17
اعتبر بارسونز النظام السياسي معني بأحد الوظائف لتحقيق األهداف السياسية التي افترضها للنظام اإلجتماعي ،وهي:
تحقيق األهداف ،التكيف ،التوحيد ،اإلستقرار ،وتبعا لهذه الوظائف تتحدد مؤسسات النظام السياسي في السلطة التنفيذية،
.األجهزة اإلدارية ،المؤسسات التشريعية والقضائية ،األحزاب السياسية
18
.ناظم عبد الواحد جاسور ،موسوعة علم السياسة ،ط ،1دار مجدالوي للنشر والتوزيع :عمان ،2003 ،ص102
لقد أصبح التحليل النظمي من أكثر المناهج استخداما في دراسة النشاط السياس ي من
حيث م ّكن من دراس ة الحي اة السياس ية كنظ ام ،أي أن التف اعالت السياس ية في أي مجتم ع
تشكل نظاما للسلوك ،وبهذا تتحدد حدود النظام وكيفية تحديد أهدافه وتحقيقه ا وقدرت ه على
التكيف ،ومن خالل كل ذلك تدعم التحليل النظمي بمجموعة كبيرة من المف اهيم ال تي يمكن
تصنيفها في ثالث مجموعات كبرى:
-مف اهيم ذات ط ابع وص في كالتكام ل واإلعتم اد المتب ادل والح دود والم دخالت
والمخرجات وغيرها.
-مفاهيم ذات بعد ديناميكي للنظام كمفاهيم التكيف والتغيير والنمو واألزمة.
-مجموعة مفاهيم تتعلق بضبط وتنظيم وبقاء النظام كاإلس تقرار والت وازن والتغذي ة
العكسية.
هي إذن مجموعة مفاهيم تشير إلى متغيرات الحياة السياسية ،فمفه وم النظ ام كوح دة
تحليل رئيسية في اقتراب التحليل النظمي يتولد عنه مفهوم آخر ه و النظ ام الف رعي ،إذ أن
النظام قد يُعت بر نظام ا في ح د ذات ه كم ا أن ه ق د يُعت بر نظ ام ف رعي في إط ار نظ ام أعلى
مستوى منه ،وعلى ذلك كان لإلقتراب أهمية تحليلية كبرى .19والبيئ ة كمفه وم تش ير إلى
كل ما هو خارج إطار النظام السياس ي وال ي دخل في مكونات ه ،ولم ا ك انت فك رة النظ ام
السياسي ال تعدو أـن تكون فكرة تحليلي ة ،ف إن الفص ل التعس في بين النظ ام السياس ي
واألنظمة اإلجتماعية األخرى ال وجود ل ه ،وذل ك يع ني أن النظ ام السياس ي يت أثر ببيئت ه
ويؤثر فيها من خالل مجموعة المدخالت والمخرجات.
يرتبط بمفهوم البيئة بالمعنى المشار إليه سابقا مفهوم الح دود ،وال تي تع ني ض رورة
وضع نقاط تصورية توضح مناطق انتهاء األنظمة األخرى وبدأ حدود النظ ام السياس ي م ا
دام النظام السياسي ال يوجد في فراغ ،وبالتالي تتم عملية تأثير وت أثر النظ ام السياس ي م ع
البيئة عبر الحدود ،وهذا األمر يختلف من مجتمع إلى آخر بحيث تتأثر عملي ة التفاع ل ه ذه
باألوضاع والقيم اإلجتماعية والثقافية السائدة بحسب إض افات "ألمون د وب اول" ،في إط ار
تطويرهم القتراب تحليل النظم ليتالئم ودراسة المجتمعات المختلفة.20
وحول ما يتلقاه النظ ام السياس ي من بيئت ه وال تي تتح دد في مفه وم الم دخالت ،فهي
تشير إلى مجموعة الرغبات اإلجتماعية خاصة منه ا المتعلق ة بكيفي ة توزي ع القيم وتحقي ق
أهداف المجتمع سواء كانت عامة أو محددة ،مباشرة أو غ ير مباش رة ،باإلض افة للمواق ف
من النظ ام .من ك ل ذل ك اس تطاع "ألمون د وب اول" اإلس تفادة من نم وذج ايس تون بتحدي د
وظائف النظام السياسي على مستوى المدخالت والتي تعبّر عنها المفاهيم الجديدة كالتنشئة
السياس ية والتجني د السياس ي والتعب ير عن المص الح وتجميع المص الح ،ويض يف "وليم
متشل" للمدخالت عنصر ثالث وهو الموارد بمختلف أشكالها.21
19
Grenaint Barry , Political Elites, George Allen and Onwin,1977, p30.
20
.كمال المنوفي ،مقدمة في مناهج وطرق البحث في علم السياسة ،وكالة المطبوعات :الكويت ،1984 ،ص66
21
.عبد الغفار رشاد القصبي ،مناهج البحث في علم السياسة ،مكتبة اآلداب :القاهرة ،2004 ،ص196
أما مفهوم المخرجات فيتحدد في مجموع ة الق رارات والسياس ات ذات الص فة اإللزامي ة،
والتي تستلزم بدورها ثالث وظائف تعبّر عن مفاهيم خاص ة مرتبط ة بالمخرج ات وهي وظيف ة
صنع القرار وتنفيذ القرار والتقاضي حول القواعد.
التحوي ل هي عملي ة تش مل مجموع ة من األنش طة والتف اعالت ال تي يتم بمقتض اها
تحويل المدخالت إلى مخرجات ،ويقصد بالتغذية اإلسترجاعية العملي ة ال تي بمقتض اها يتم
ربط المدخالت بالمخرجات ،أي عمليات التأثير اإلسترجاعي للمخرجات على الم دخالت،
وبالتالي تمنح النظام السياسي طابعه الديناميكي المستمر.
باإلضافة لكل ما سبق ،هناك مفاهيم توضح الخطوط العريضة ألبنية النظام السياسي
وحركته كمفهوم النظام المغلق أوالنظ ام المفت وح ،أو المف اهيم المرتبط ة ب التنظيم ال داخلي
كمفهوم التكامل واإلعتماد المتبادل والتكيف والتعلم والنمو والتدهور واألزمة واإلنهي ار،...
ومفاهيم حول بقاء النظام السياسي كاإلستقرار والتوازن.
لقد شكلت المفاهيم السابقة جملة من المتغيرات ال تي أس همت ومكنّت اإلق تراب
من تقديم مجموعة من اإلفترضات التي يقوم عليها البحث السياسي ،أهمها :22
-العملي ة السياس ية عملي ة آلي ة ديناميكي ة تتم بين مكون ات النظ ام المختلف ة وبين
معطيات البيئة المحيطة.
-تستمر األنظمة السياسية في ع الم يتض من عناص ر التغ ير وعناص ر اإلس تقرار من
خالل دورة حياة األنظمة – مجموع الوظائف السابق اإلشارة لها –.
-التفاعالت السياسية في إطار النظام السياسي تتم استجابة للتأثيرات البيئية.
-بما أن الحياة السياسية تمثل نظاما مفتوحا ،فإن المطالب تقدم لنا أحد عناصر فهم
الطرق التي من خاللها تُحدث البيئة الكلية انطباعها على عمليات النظام.
-تف رض البيئ ة ض غوطا على النظ ام ،ورغم المش كالت ال تي تثيره ا البيئ ة إاّل أن
اإلقتراب يؤكد إمكانية تحليل البيئة ع بر اإلهتم ام بمجم وع الم دخالت ال تي يمكن اس تخدامها
كمؤشرات تلخص المؤثرات األكثر أهمية من حيث مدى إسهامها في خلق التوتر ال ذي يع بر
الحدود من البيئة إلى داخل النظام السياسي.
-هن اك عالق ات أساس ية بين متغ يرات النظ ام السياس ي وبين عوام ل البيئ ة بم ا يحق ق
التكي ف ،إش ارة لمختل ف الظ واهر اإلمبريقي ة ك التعبير عن المص الح وجماع ات الض غط أو
تجميعها واألحزاب ...والتي تتحدد في البداية على شكل رغبة أو شعور أو حاجة غامض ة وإلى
اللحظة التي تجد فيها طريقها للقرارات والسياسات.
وبكل ذلك كان القتراب تحليل النظم كبير األثر في إث راء علم السياس ة بع دم اقتص اره
في التحلي ل على المؤسس ات الرس مية ،وترك يزه على الج انب التحليلي ال الق انوني ،ثم إن
اإلقتراب يُعبّر عن استراتيجية عامة أو إطار تحليلي لدراسة الظ اهرة السياس ية بتحدي د نق اط
تركيز للدراس ة ،م ع التأكي د على أهمي ة اإلط ار النظ ري ألي بحث سياس ي على اعتب ار أن
22
نصر محمد عارف ،نظريات السياس ة المقارن ة وتطبيقاته ا في دراس ة النظم السياس ية العربية ،أطروح ة دكت وراه:
23
.جابريال ألموند وبينغهام باول ،مرجع سابق ،ص31
24
.عامر مصباح ،منهجية البحث في العلوم السياسية واإلعالم ،ديوان المطبوعات الجامعية :الجزائر ،1998 ،ص177
إحدى األبنية ،ومن ذلك تظهر األهمية النسبية لإلقتراب في الخص ائص ال تي ح ددها للنظم
السياسية والتي تم ّكن من المقارنة بينها.
تعتمد هذه المقاربة عند ألموند على افترض بأن جميع األنظم ة السياس ية تش ترك في
أربع خواص عامة يمكن استعمالها كأساس للمقارنة ،وهي:
-مهما بلغت درجة نش اطات الب نى السياس ية لألنظم ة المختلف ة ف إن المقارن ة بينه ا
تكون على أساس الشكل ودرجة التخصص البنيوي.
-بما أنه يتم أداء نفس الوظائف في جمي ع األنظم ة ،ف إن مقارن ة األنظم ة تك ون من
حيث تكرارية أداء هذه الوظ ائف ،وأن واع الب نى ال تي تق وم بأدائه ا ،وكيفي ة ه ذا
األداء.
-تختلف األنظمة السياسية فقط في درجة السيطرة النسبية.
-مهم ا بلغت درج ة تخص ص الب نى السياس ية في المجتمع ات فهي تق وم بوظ ائف
متعددة.25
بعدها ينتقل ألموند إلى تحديد وظائف النظام السياسي فيميّز بين ثالث مستويات لها:
-المستوى األول :قدرات النظم السياسية وتشمل:
القدرة اإلستخراجية:
وتشير إلى قدرة النظام السياس ي على اس تخراج الم وارد المادي ة والبش رية الالزم ة
إلدارة المجتم ع السياس ي من البيئ تين المجتمعي ة والدولي ة ،وتش مل الق درة اإلس تخراجية
للنظام السياسي:
-ف رض الض رائب ،وه و م ا يع ني اس تخراج الم وارد النقدي ة من أعض اء النظ ام
السياسي.
-استخراج الموارد الطبيعية واستغاللها خدمة للصالح العام.
-اس تخراج خ دمات من الس كان من خالل الق درة على الحش د والتعبئ ة كالخدم ة
العسكرية.
-نش اط النظ ام السياس ي في الحص ول على الق روض والمعون ات األجنبي ة أو
اإلستثمارات في الدول األجنبية وفتح األسواق الخارجية.26
ك ل ذل ك يعبّ ر عن اإلختالف بين النظم السياس ية من حيث ق درتها اإلس تخراجية
بالنظر إلى كفاءة الجهاز اإلداري وكمية الموارد المتاحة ومدى مساندة السكان.
القدرة التنظيمية:
25
هبة هللا أحمد خميس بسيوني ،فلس فة العالق ات الدولية ،دار الوف اء ل دنيا الطباع ة والنش ر :اإلس كندرية ،2012 ،ص
247.وما بعدها
26
أحمد ف ؤاد رس الن ،نظري ة الص راع ال دولي :دراس ة في تط ور األس رة الدولي ة المعاص رة ،الهيئ ة المص رية العام ة
.ص182
29
أناتول رابابورت في :جيمس دورتي وروبرت بالستغراف ،النظريات المتضاربة في العالقات الدولية ،ت ر :ولي د عب د
30
يقول في هذا الشأن دافيد إيستون« :من الممكن أن نجد على المستوى الدولي سلس لة من العالق ات ال تي يتم من خالله ا
توزيع القيم سلطويا...ومع أن انتظام النظ ام ال دولي يفتق ر عنص ر الق وة الملزم ة والش رعية...إاّل أن أعض ائه يتق دمون
بمطالب على أمل تحولها إلى قرارات ،ورغم أن سلطات النظام الدولي أقل مركزية وأقل استمرارية فإن الدول العظمى
ومختل ف المنظم ات الدولي ة ك األمم المتح دة نجحت إلى ح د م ا في ذل ك من خالل قراراته ا المقبول ة ذات الطبيع ة
».السلطوية
31
.كمال المنوفي ،مقدمة في مناهج وطرق البحث ،مرجع سابق ،ص66
-اعتب ار البني ة مجموع ة ثابت ة من العالق ات بين عناص ر النظ ام ،فهي معطى ك امن،
والعالقات بين العناصر هي حقيقة البنية وهي عالق ات مترابط ة بإحك ام بحيث تش كل
نظام مغلق ،وتشكل العالقات اإلجتماعية مدخال لتحليل البنية وفهمها.
-تُعتبر البنية ذات بعد موضوعي ،وموضوعيتها افتراضية عقلية.
-يُعتبر التغير في الوظيفة تكيفا يُبقي على انتظام البنية.
-اإلعتماد على البنية ككل في فهم عناص رها ،والك ل ه و المنط ق الكاش ف للقواع د
الكامنة ضمن هذه العالقات.32
-كل نظام سياسي يتكون من مجموعة أنساق ،وكل نسق يتكون من مجموعة أنماط،
ولكل نظام نمطي حاجات تعكس وظائفه ومن خاللها يتحدد تكامله.
هي إذن مجموع ة إفترض ات وظيفي ة مؤسس ة على مفه وم مح دد يه دف من خالل ه
المقترب لبلوغ تحليل علمي للظواهر اعتم ادا على األس لوب اإلس تقرائي واإلس تنتاجي في
دراسة الظاهرة السياسية بافتراض عقلي قائم على وجود بُنى تجريدية عليا ودنيا ،وفي ذلك
يقول ألموند« :سوف أستخدم بعض المفاهيم المقيدة ،أولها النظ ام السياس ي باعتب اره نظ ام
للحرك ة أو الفع ل وذل ك بالنس بة لدارس ي النظم السياس ية ه و الس لوك الممكن مالحظت ه
إمبريقي ا ،وثانيه ا اإلهتم ام بالمع ايير والمؤسس ات ويك ون إلى الم دى ال ذي في ه ت ؤثر في
السلوك» ،وهذا يعني أن ألمون د يرك ز اهتمام ه على النظري ة متوس طة الم دى ،من خالل
التحول عن النظرة الكلية كما فعل التحليل النظمي ،وبدل ذلك هو يرك ز على تحلي ل مح دد
وموجه لمجموعة من المتغيرات والمؤشرات حول النظام باعتباره نموذج تص وري يج رد
الحقيقة اإلمبريقية ويُعت بر بالت الي كوس يلة لتحلي ل وت رتيب المعلوم ات ،والنظ ام كنم وذج
نظري يعكس مجموعة من الخصائص المنطقية التي توفر للنظام سمته المميزة.
للنظام السياسي سمات عامة ،وتحليل هذه السمات يفرض تحدي د مف اهيم لتل ك الس مات
وف ق منهج نظ ري للدراس ة المقارن ة لعلم السياس ة ،تل ك هي فرض ية ألمون د ح ول النظ ام،
وتتضمن هذه الفرضية مجموعة مؤشرات ،أهمها:
-أن كل النظم السياسية تتضمن أبنية سياسية.
-أن نفس الوظائف يتم أداؤها في جميع النظم السياسية.
-أن كل بناء سياسي متعدد في وظائفه.
-تمثل النظم السياسية مزيجا مختلطا من منظور الثقافة.
هذه المفاهيم والسمات باعتبارها مؤشرات توفر أس اس للدراس ة المقارن ة في األمم
المتقدمة والمتخلفة على حد سواء من خالل تحليل وظائف أنظمتها النسقية.33
- 7اإلقتراب اإلتصالي:
المقص ود باإلتص ال هن ا ه و اإلتص ال السياس ي ،س واء انطل ق من المواط نين إلى
السلطة أي اإلنتخابات ،أو من السلطة إلى المواطنين باإلعالم والدعاي ة وغيره ا ،أو ح تى
32
.غابريال ألموند وبينغهام باول ،مرجع سابق
33
.كمال المنوفي ،مقدمة في مناهج وطرق البحث ،مرجع سابق
اإلتصاالت الدبلوماسية بين الدول ،واألزمات والمشاكل من إضرابات ومظ اهرات تعت بر
ضربا من ضروب اإلتصال السياسي.
ال يمكن تصور السياسة بدون اإلتصال ،فالمواطنون بحاجة إلى وسائل توص ل مط البهم
إلى الحكومة ،وعلى الحكام أن يكونوا قادرين على توصيل وتبرير قراراتهم للمواطنين ،وعلي ه
فإن دراسة النظم السياسية من منظ ور اإلتص ال هي دراس ة للس لوكيات واألفع ال ال تي تتعل ق
بتبادل المعلومات فيما بين الفاعلين السياسيين.
كما ال يمكن التكيف مع المحيط الذي نعيش فيه إاّل من خالل العملية اإلتصالية والتي
تظهر في كل أشكال العالقات السياسية بين الحكومة والفئات المختلف ة للمجتم ع ،ومن ثم ال
يمكن الح ديث عن عملي ة سياس ية دون اإلش ارة إلى عنص ر اإلتص ال ال ذي يمث ل مح ور
التفاعل السياسي في الظواهر السياسية المختلفة ،باإلضافة للدور الهام الذي يلعبه اإلتص ال
في عملية صناعة قرار سياسي ،كل ذلك ال يتم إاّل من خالل المعلومات المتبادل ة بين نخب ة
صناعة القرار وأعض اء المجتم ع ،فب اإلكراه واإلقن اع تتكام ل غالبي ة فئ ات المجتم ع م ع
القرارات الحكومية وبرامجها السياسية واإلقتصادية وغيرها فتكون الجماعات المختلفة في
موقف المؤيد ،كما قد يكون اإلتصال السياسي موجه من الجماعات السياس ية واإلجتماعي ة
نحو الحكومة من خالل العمل على إضعافها ،وهكذا يسلط منهج اإلتصال الضوء على:
-القنوات التي من خاللها تتدفق المعلومات بين الفاعلين السياسيين.
-أنواع المعلومات المطلوبة.
-القواعد واإلجراءات التي تحكم اإلتصاالت داخل النظام السياسي.
-حدة المشاعر المرتبطة بمعلومات معينة.
-أنواع اإلستجابة التي يمكن توقعها من المتلقين.34
ينظر مقترب اإلتص ال إلى النظ ام السياس ي على أن ه منظم ة أو مجموع ة منظم ات
تعتمد على المعلومات حول بيئتها في اتخاذ القرار ،وعلى هذا فهو يقع ضمن اإلط ار الع ام
لفكرة النظام ،حيث أن اإلتصاالت هي أحد جوانب النظام السياسي والعملية السياس ية ال تي
يسهل تحديدها وقياسها ،كما يساعد ذلك على رصد العوامل التي ت ؤثر على اس تقبال النظم
السياسية واألفراد للمعلومات وكيفية تأثير اإلتص ال على األداء السياس ي ،وذل ك من خالل
اإلضافات الجديدة التي قدمها المقترب مثل :مفهوم تغير األهداف ،ووظيفة التحول ال ذاتي،
مقدرة التحمل (عدد وأنواع القنوات المتاحة ) ،نسق القيم ،...باإلض افة لمجموع ة المف اهيم
السابق اإلشارة إليه ا في اإلق تراب النظمي ،وكله ا زادت من مق درة اإلق تراب على قي اس
اإلتصاالت عن طريق تط وير وح دات القي اس .فق درة النظ ام على اس تقبال ومعالج ة ك ل
المعلومات الواردة إليه في لحظة زمنية معين ة وأن واع وحال ة القن وات اإلتص الية المتاح ة
ودقتها في جمع المعلومات ودرجة التشويه التي تطرأ عليه ا وعالق ة ك ل ذل ك باإلس تجابة
الفعلية أي ص ياغة السياس ات أو الق رارات ،باإلض افة لف ترة اإلس تجابة من حيث تعبيره ا
على كفاءة النظام.
كانت الفائدة األخرى للمقترب اإلتصالي في تحديده ألنماط اإلتصال ،وال تي تُفي د في
المقارنة بين مختلف األنظمة السياسية ،بحيث يمكن إجراء المقارنة من حيث:
34
.أحمد عباس عبد البديع ،أصول علم السياسة ،ط ،2عين شمس :القاهرة ،1992 ،ص144
-تجانس المعلومات السياسية.
-حجم المعلومات السياسية.
-انسياب المعلومات السياسية.
-اتجاه تدفق المعلومات السياسية.
لقد عالج كارل دوتش ما قدمته مختلف المساهمات بالنسبة لعلم السياسة ب دءا بمض مون
وأهمية التحليل الوظيفي ،واهتم بنظرية المباريات ونظري ات ص نع الق رار وم ا تض منته من
افتراضات ،فكان المقترب اإلتصالي محاولة لتقديم تحليل يشمل علم السياسة س واء في تناول ه
للمجاالت الداخلية أو الدولية ،بحيث تشمل مقوالت المقترب جميع الظ واهر ال تي يختص ك ل
مقترب بدراستها ،وذلك من خالل مقوالت ه عن عملي ات التفاع ل بين المرس ل والمس تقبل أي
الح اكم والمحك وم ،من خالل التعب يرات والرم وز ونم اذج الس لوك واإلس تجابات المختلف ة،
وت تراوح م ا بين قن وات لإلتص ال والرس ائل واألفك ار والمعلوم ات ،وعملي ات اإلرس ال
واإلس تقبال ،والتغذي ة الراجع ة ،والس ياق أو البيئ ة المحيط ة ،كم ا ترتب ط العملي ة بال ذاكرة
ومحاوالت التأثير واإلقناع ،وبقيم ومعتقدات ومؤثرات عديدة ،وت دفق للمعلوم ات وتخزينه ا،
التحول الذاتي وتصحيح األهداف وغيرها.
ومن ذلك يظهر بأن منهج اإلتصال يمكن أن يفسر الحي اة السياس ية باعتب اره يش كل
جوهر هذه الحياة وجزء ال يتجزأ منها ،بل إن النظم المختلفة هي عب ارة عن نس يج يتراب ط
من خالل عمليات اإلتصال.35
هي إذن مجموع ة مقارب ات تس هم بال ش ك في إع داد الدراس ات التحليلي ة للنظم
السياسية بشكل مقارن ،والتي تُعبّ ر عن تط ور ط بيعي لمن اهج التحلي ل من حيث المف اهيم
واألطر النظرية واألدوات البحثي ة ال تي يمكن توظيفه ا لفهم ديناميكي ات الحي اة السياس ية،
وبذلك استطاعت بناء نموذجها المعرفي ،بينما بقيت الدراس ات ض من التوجه ات األخ رى
مجرد "برامج بحثية" ،كان ذلك بفضل علماء السياس ة التجريب يين وال ذين ق دموا نظري ات
عامة بقصد اإلستعانة بها في فهم سير الحياة السياس ية وتفس ير عالقاته ا ،ومن ثم اإلنته اء
إلى وضع نماذج نظرية لواقع تلك الحياة ،لكي تُتخذ كطريقة يُسترشد بها في كل الدراس ات
والبح وث السياس ية ،وليس من ش ك أن النظ رة الس لوكية ق ادرة على تق ديم تفس ير علمي
لظاهرة تباين سياسة المجتمعات التي تسودها أنظمة حكم متشابهة في مؤسس اتها الرس مية،
العتمادها على مجموع ة مف اهيم ج اهزة لعل وم س بقت علم السياس ة في ارتباطه ا ب المنهج
التجريبي كالبنية والقوة والوظيف ة والنس ق وغيره ا ،وكله ا من مف اهيم العل وم البيولوجي ة
والفيزيائية أساسا.
المحاضرة االولى:
35
ناجي عبد النور ،النظام السياسي الجزائري :من األحادي ة إلى التعددي ة الحزبية ،منش ورات جامع ة قالم ة :الجزائ ر،
،2006.ص18
:أسلوب المقارنة
تعتبر المقارنة جزء أساس ي من البحث العلمي بالنس بة للعل وم السياس ية عام ة ،وفي
مجال السياسة المقارنة بخاصة ،فق د اعتبره ا الكث ير من الب احثين الب ديل عن التجرب ة في
العلوم الطبيعي ة بحيث ت ؤدي إلى الكث ير من أه دافها ،ذل ك م ا جع ل "أليكس دي توكفي ل"
يعتبره ا ج وهر المنهج العلمي في العل وم اإلجتماعي ة ،ب ل إن البعض ال ينظ ر للمقارن ة
كمج رد طريق ة وأس لوب ب ل كفلس فة للعلم ،وعلي ه ال يس تقيم التحلي ل المق ارن للنظم على
مستوى السياس ة المقارن ة أو أنم اط الس لوك والتفاع ل على مس توى السياس ة الدولي ة دون
اإللمام بفلسفة المقارنة وأطرها اإلبستمولوجية في الحقل المعرفي الذي يدرسها.
- 1مفهوم المقارنة:
يقص د بالمقارن ة إب راز وتفس ير أوج ه الش به واإلختالف بين المتغ يرات موض ع
الدراسة ،أي أنها تُعنى بإظهار وتعليل الفروق بين أنماط السلوك.
وعرفها "البالومبارا" بأنها :عملية تعكس أساسا البحث في أوجه التش ابه واإلختالف
التي تتميز بها الظاهرة أو مجموعة الظ واهر موض وع الدراس ة تمهي دا لفهمه ا وتفس يرها
والتنبؤ بها ،وذلك يعني التحليل المنظّم لإلختالفات في موضوع أو أكثر.
ويرى معن خلي ل عم ر أن :ه دف األس لوب من التن اظر والتقاب ل ه و كش ف واق ع
الظاهرة المدروسة وقياس العالقة بين المتغ يرات والبرهن ة على اإلفتراض ات المطروح ة
في البحث ،لتتجلى ب ذلك للب احث اتجاه ات المتغ يرات وم دى عم ق وح دات المقارن ة
المعيارية.36
يظهر من هذه التعريفات وغيرها مم ا رُص د لمفه وم المقارن ة أن م دلولها األساس ي
يتمث ل في ذل ك اإلج راء الممنهج والمنظّم لبحث العالق ات وأوج ه التش ابه واإلختالف في
الظاهرة موضع الدراسة ،وهي بهذا المعنى تُعبّر كما يقول "ماكاون" على:
-أنها مرادف لمنطق التحليل العلمي.
-أنها نمط معين من أنماط البحث.
-إحدى أشكال القياس.
وإذا كان هذا النوع من التحليل ق د اس تخدم في العل وم اإلجتماعي ة ،إاّل أن نس بة ه ذا
اإلس تخدام في العل وم السياس ية تك ون في ح دها األعلى ،خاص ة في أح د أهم مجاالته ا
"السياس ة المقارن ة" وال تي ض ّمت إلى اس مها إس م األس لوب نفس ه ،بحيث تعتم ده أساس ا
لدراس ة النظم واألح داث والمجتمع ات السياس ية وجم ع المعلوم ات عنه ا ،ثم تحليله ا
ومقارنتها بهدف اكتشاف بعض المبادئ األساسية والقوانين العامة.37
- 2أهداف التحليل المقارن:
تنطوي المقارنة على أهمي ة كب يرة في مج ال البحث العلمي في العل وم السياس ية من
خالل ما تسعى لتحقيقه من أهداف ،منها:
36
.عامر مصباح ،مرجع سابق ،ص 95
37
محمد سليمان الدجاني ومنذر سليمان الدجاني ،منهجية البحث العلمي في علم السياسة ،دار زهران للنش ر والتوزي ع:
38
.كمال المنوفي ،أصول النظم السياسية المقارنة ،مرجع سابق ،ص31
39
.فضيل دليو ،مرجع سابق ،ص110
-ضرورة أن تعتمد المقارنة على إطار فكري يتضمن ع ددا من المف اهيم المترابط ة
التي يمكن تطبيقها على الحاالت موضع المقارنة ،بمع نى التحدي د ال دقيق للمتغ يرات ال تي
ستخضع للتحليل المقارن.
-ال يصح إجراء مقارنات مصطنعة تعتم د على تش ويه الظ واهر أو الح االت مح ل
المقارنة ،فكلما بَعُدت هذه الظواهر عن بعضها زمانا ومكانا وس ياقا زادت احتم االت ع دم
الدقة في استخالص النتائج.40
- 4مستويات المقارنة:
يرتكز البحث السياسي المقارن على عدد من أشكال ومستويات المقارنة تختلف فيم ا
بينها في علم السياس ة عموم ا ب اختالف الوح دة األساس ية للتحلي ل في الظ اهرة السياس ية،
وأهمها:
-مقارنة الوحدة أو الظاهرة في مرحلتين تاريخيتين مختلفتين من تطوره ا الت اريخي
لمجتمع معين ،وهي دراسة داخلي ة ع بر الزم ان تتم داخ ل نفس النظ ام السياس ي بص رف
النظر عن وحدتها ،مث ل دراسة النظ ام السياس ي الجزائ ري أو أح د مؤسس اته التنفيذي ة أو
التشريعية أو نمط القيادة أو السياسة العامة قبل مرحلة التعددية وبعدها ،أو في عهد رئيسين
مختلفين .ويالح ظ عموم ا أن جانب ا كب يرا من الدراس ات السياس ية المقارن ة ال زال يع الج
النظام السياسي على أساس أن الدولة هي اإلطار العام لمستوى التحليل وأن معظم األحداث
السياس ية تتم في إطاره ا ،وعلى ذل ك س تبقى وح دة التحلي ل األساس ية في حق ل السياس ة
المقارنة خصوصا وإن كانت إطارا لوحدات أخرى.
هذا المستوى يتبع إذن المنهج التقليدي ،أي أن الدراسات السابقة ال تي ك انت تس تخدم
ذات المنهج تحلل النظام السياسي في إطار عالقته بالبيئة ،وتدرس مؤسساته وما يؤدي ه من
وظائف ،وأنماط التفاعل فيما بين وحداته ،وتحاول قياس أدائه في حل المش كالت الخاص ة
التي تواجهه.
-مقارن ة ظ اهرة أو وح دة ع بر المك ان أي في دول تين أو أك ثر ،وهي المقارن ة
الخارجي ة ،وتتم بين وح دة معين ة س واء ك انت نظ ام أو ظ اهرة أو عنص ر أو عالق ة بين
متغيرين في دولة وما يقابلها في دولة أو عدة دول أخرى ،مث ل دراسة العن ف السياس ي أو
التنمي ة السياس ية أو المعارض ة السياس ية أو ظ اهرة الث ورة في أك ثر من دول تين ،أو مثل
عالقة متغيرين كمستوى التعليم والمشاركة السياسية.
ويَعتبر جابريال ألموند المس توى األخ ير من مس تويات المقارن ة أم ر ض روري لبن اء
نظرية إحتمالية للنظام السياسي ،أي الوصول إلى تعميمات أكثر مصداقية.
ويالحظ أن العلوم السياسية قد عرفت التحليل المق ارن من ذ أن انش غل العلم اء بتط وير
واختب ار نظري ات في أك ثر من مجتم ع ،وهي األس لوب الب ديل عن التج ريب المعملي ،فعن
طريقها يستطيع الباحث ض بط المتغ يرات على نح و مباش ر من حيث يس تحيل علي ه الض بط
المباشر الذي يتيحه التجريب المعملي.41
40
.كمال المنوفي ،أصول النظم السياسية المقارنة ،مرجع سابق ،ص32
41
.محمد طه بدوي ،النظرية السياسية :النظرية العامة للمعرفة السياسية ،مرجع سابق،ص363
وتختلف األبحاث عبر الدولة طبقا لوضع الدولة في سياق البحث ،أي الدولة كمؤشر،
على النحو التالي:
-فقد تكون هدفا للبحث والمقارن ة ،وهن ا يك ون اله دف ليس الوص ول إلى تعميم ات
نظرية أو فروض عامة وإنما إظهار األمور المجهولة وجعله ا مفهوم ة ،كمقارن ة مثال بين
دولتين أو مؤسسات معينة بينهما.
-وق د تك ون إط ار وس ياق ع ام للبحث ،وهن ا يهتم الب احث باختي ار عمومي ة نت ائج
توصل إليها ،ويكون المقص ود ليس الدول ة وإنم ا التوص ل إلى تعميم ات تتع دى إطاره ا،
ومثال ذلك بحث آليات عمل الشركات الصناعية في نظام رأسمالي مقارنة بآخر إشتراكي.
-وق د تك ون وح دة التحلي ل األساس ية ،بحيث يه دف البحث للوص ول إلى تعميم ات
نظرية تتعلق بدور الدولة في عموميتها ،مثل دراسة دور الدولة في تحقيق التكامل.
-وقد تكون جزء من مكونات نظام عالمي ،مثل تحليل الرأسمالية أو التبعية.
وعلى ال رغم من أن الدول ة تمث ل اإلط ار الع ام لمس توى التحلي ل ،إاّل أن التحلي ل
المقارن ال يجب أن يقتص ر عليه ا ،وإنم ا وجب الترك يز إلى جانبه ا على دراس ة وح دات
ومؤسس ات وأق اليم داخ ل دول مختلف ة به دف الوص ول إلى مب ادئ تفس يرية وتعميم ات
نظرية ،كما فعل ماكس فيبر في دراساته المقارنة للدين وعالقته بظهور الرأسمالية.
- 5متطلبات عملية المقارنة:
- 1.5سمة األساس:
إذا كان األصل في المقارنة هو السعي بها لتحديد أوجه الشبه واإلختالف بين أح داث
معينة قصد الكشف عن دالالتها ،فإن ه ليس من المتص ور أن تعق د المقارن ة بين أح داث ال
تشترك في حد أدنى من سمات أساسية يك ون باإلمك ان اتخاذه ا كأس اس للمقارن ة ،بمع نى
آخر أن إجراء المقارنة بين األحداث السياسية تقتض ي س مة أس اس مس بقة يُحتكم إليه ا في
عملية الكشف عن وجوه الشبه واإلختالف بين الظ واهر أو األح داث مح ل الدراس ة ،ذل ك
ب أن المقارن ة في إط ار التفس ير العلمي ال تك ون إال بين أح داث تش ترك في ح د أدنى من
المالمح العام ة وفي درج ة ال تركيب في نفس ال وقت ،ه ذا م ا يجب أن تس تجيب ل ه س مة
األساس التي يَحتكم إليها الباحث في عقد المقارنة.42
يمكن التمييز بصدد سمات األساس التي يُحتكم إليها في عملية المقارنة بين األح داث
السياسية بين :المقارنة على أساس فكرة المؤسسة ،والمقارنة على أساس فكرة الوظيفة.
إعتماد المقارنة على أساس فكرة المؤسسة يعني إتخاذ عملية المقارن ة س مة أس اس
من بنية واقع ما ،ومن ثم من المالمح المشتركة لحاالته ،ذلك أن بنية مؤسسة سياسية معينة
تتضمن مالمحها العامة وتركيبها العضوي معا ،بمعنى أن س مة األس اس في المقارن ة هي
بنية األحداث المقارنة.
أما الوظيفة كسمة أساس للمقارن ة بين األح داث مح ل البحث فإنه ا تع ني اإلنطالق
من الكيان الوظيفي للمؤسسات السياسية للمقارنة فيما بينه ا ،وذل ك من خالل ال دور الفعلي
الذي تؤديه المؤسسة في بيئتها قص د الكش ف عن أوج ه الش به أو اإلختالف ذات ال دالالت
العلمية ،ويكون ذلك في حال عدم كفاية اإلعتم اد على المالمح العام ة ودرج ات ال تركيب،
42
.فضيل دليو ،مرجع سابق ،ص115
كأن تُعقد مثال بين المؤسسات السياس ية ل دولتين في ف ترة مح ددة أو في ظ ل دس تور معين
لكالهما شرط أن تكون المالمح العام ة لتل ك المؤسس ات متش ابهة ،وإن لم يكن ذل ك تنتق ل
المقارنة وتعقد على أساس فكرة الوظيفة ،مثال مقارنة النظ ام السياس ي الجزائ ري بالنظ ام
السياسي الفرنسي في ظل دس تور مح دد من خالل س مة المالمح العام ة ودرج ة ال تركيب
وستنتهي المقارنة إلى نتائج مضللة في البحث ،بينما اإلعتم اد على س مة الوظيف ة للمقارن ة
تكون قادرة على توضيح أوج ه اإلختالف الفعلي ة بين النظ امين ،ومن ثم تفس ير ك ل منه ا
تفسيرا وظيفيا واقعيا مرده الكشف عن القوى الحقيقية المحركة التخاذ الق رار السياس ي في
كال النظامين ،أي النشاطات الفعلية الكامنة وراء الواجهات البنيوية لكل منهما.
كان ذلك تفصيل القاعدة األولى من قواعد المقارنة السابق اإلشارة إليها ،والتي تع ني
باختصار تواضع أهمي ة المقارن ة ب ل وتش ويهها في ح ال انعقاده ا بين مؤسس ات سياس ية
تنتمي إلى بيئات حضارية وثقافية متباينة متباعدة.
- 2.5تحديد نوع البحث:
تتحدد خصائص مختلف أنواع البحوث المقارنة تبعا لعدد من المؤش رات التص نيفية،
وهي:
-مؤشر قابلية مقارن ة الح االت وخصوص ية ح االت مقاب ل ح االت أخ رى ،فهن اك
دراسات تركز على -:خصوصية بلد معين وتبايناته مع غ يره – أو مجموع ات فرعي ة من
الدول ومحدودية قابلية مقارنتها "الدراسات اإلقليمية".
-مؤش ر مس تويات التحلي ل والمتغ يرات ،ويتم التمي يز في ه بين - :الدراس ات على
مستوى نسقي بحيث تستعمل خصائص األنظمة كوحدات للمالحظ ة اإلمبريقي ة والتعميم –
ودراسة على عدة مستويات تحليلية.
-مؤشر األنظمة واألهداف النظرية للبحث ،وهنا تظهر الدراسات المقارنة ال تي تعت بر
البلدان - :كهدف للمقارنة وهي دراسة تستهدف الحصول على معرفة مفصلة حول بل د بعين ه
– كس ياق للبحث ،ودراس ة ال ترتك ز على البل دان ل ذاتها ولكن باعتباره ا س ياق يتم بداخل ه
اختبار مدى قابلية تعميم العالقات واإلنتظامات المالحظة بين المتغ يرات – ودراس ات تعت بر
البلدان كوحدات تحليلية ،لمحاولة وضع عالقات بين خصائصها كبل دان ل ذاتها مص نفة إياه ا
تبعا لمؤشر معين.
• مؤشر المجال المكاني :وتكون الدراسات تبعا له على مستوى:
• وطني :ووحدات الدراسة فيه هي الدولة أو النظام السياسي.
• محلي :ووحداته التحليلية تتشكل من مستويات مختلفة ،جهوية أو مناطق إجتماعية
أو ثقافية أو غيرها.
• دولي :وتضم الدراسة مناطق دولية كاإلتحاد األوربي مثال لتكون أس اس المقارن ة
بين النظم.
-مؤشر الوقت :وللمقارنة فيه بعدين - :المقارنة غير المتزامنة وتك ون داخ ل الدول ة
الواح دة وفي أوق ات مختلف ة ،مث ل اإلس تقرار السياس ي قب ل وبع د التعددي ة الحزبي ة في
الجزائر ،على أن يكون فيها عدد الحاالت صغير ومتغيرات السياق ثابة نس بيا – .المقارن ة
غ ير المتزامن ة وتتم بين ال دول أو الوح دات اإلقليمي ة للدول ة الواح دة ،ويك ون فيه ا ع دد
الحاالت متغيرا ومتغير السياق غير قابلة للتحكم.43
هي إذن دراس ات تتف ق في مجمله ا على م ا يس ميه «ديفرجي ه» مقارن ة األح داث
المتقاربة ،وذلك مقابل مقارنة األحداث المتباعدة ،وه ذا يع ني أن المقارن ة بين المتقارب ات
تتيح للباحث الكشف عن أوجه اإلختالف بين األحداث محل البحث والتي تستطيع تفس يرها
في السياق السياسي ،ومن هذا التباين يُف َسر النظام السياسي الجاري بحثه ،وفائدة هذا النوع
من المقارن ة وه و األك ثر انتش ارا للتحق ق من ص حة الفرض يات الموض وعة مق دما في
البحث ،وبالتالي فهي ذات فائ دة من الناحي ة العلمي ة من حيث أنه ا تس عى إلى الكش ف عن
خ واص النظ ام السياس ي غ ير الظ اهرة رغم تش ابه هياكل ه مثال م ع غ يره من األنظم ة
المتقاربة ،بمعنى الكشف عن الخصائص الكامنة في سياقه اإلجتماعي.
وتجدر اإلشارة هنا إلى أن للمقارن ة أن واع تتح دد تبع ا لطبيع ة الموض وع ومش كلته
البحثية والتي تتخذ طابع وصفي أو قد تكون دراسة إستطالعية إستكشافية أو دراسة تقييمية
أو تفسيرية ،وعليه قد يتجاوز البحث الدراسة المقارنة الوصفية إلى دراسة تحليلية تقييمي ة،
ويكون ذلك باإلس تعانة ب أدوات القي اس إلعط اء الدراس ة الط ابع العلمي من خالل التعب ير
ال دقيق عن النت ائج باس تعمال األدوات اإلحص ائية واألرق ام ،كم ا تتخ ذ المقارن ة معي ار
مرجعي أو نموذج على أن تُحدد المقارنة م دى اق تراب الموض وع مح ل البحث والمقارن ة
من ذل ك النم وذج ،ويك ون ذل ك خاص ة في الدراس ات أو المواض يع الفرعي ة والقض ايا
الجزئية .44
- 3.5إستراتيجية المقارنة:
لكي تكون المقارنة أكبر من مجرد تصنيف مبسط ألوجه اإلتف اق واإلختالف ،ف إن ثم ة
خطوات عملية تتحدد من خاللها عملية التحليل المقارن ،وهي:
-اختيار المفاهيم المركزية ،وتمثل أهمي ة خاص ة في أي بحث ج اد ك أن تك ون مثال
صنع القرار والقوة والمؤسسات ،أو البنية والسلوك. ...
-وحدة التحليل ،قد يتخذ التحليل المقارن إما المستوى الكلي من خالل اعتبار النظ ام
السياسي كوحدة للتحليل ،أو اختيار مستوى جزئي كأن تكون وحدة التحليل هي البنية.
-جمع البيان ات وتص نيفها من خالل متغ يرات من ش أنها إب راز خص ائص وس مات
الظاهرة السياسية.
-تحديد أوجه التماثل واإلتفاق وكذا التباين واإلختالف ،وتوصيفها.
-صياغة إفتراضات مؤقتة حول العالقات البينية في العملية السياسية.
-الكشف عن العناصر األساسية للموضوع وتفسيرها.
-الوصول إلى نتائج دقيق ة تح دد ش روط وظ روف التحكم ال تي تق ف وراء اإلتف اق
واإلختالف.
43
.فضيل دليو ،مرجع سابق ،ص115
44
.عبد الغفار رشاد القصبي ،مرجع سابق ،ص141
-صياغة أنماط للسلوك خاصة في شأن الظواهر الجزئي ة أو الفرعي ة وال تي تتطلب
متغيرات أقل يمكن التحكم فيها.45
نظ را ألهمي ة التحلي ل المق ارن في الدراس ات السياس ية ،ظه رت إتجاه ات راهن ة
ومحاوالت تسعى لتطوير المقارنة بش كل يوس ع أك ثر الق درة التحليلي ة للب احثين في إط ار
البحوث ذات الطابع "الكيفي" ،خاصة فيما يتعلق بالتحلي ل متع دد المتغ يرات ،يظه ر ذل ك
تحدي دا في الجه ود المبذول ة من قب ل المهتمين بمنهجي ة البحث العلمي لتط وير برمجي ات
معلوماتية متخصصة وذات طابع كمي في الدراسات اإلجتماعية عامة.
المحاضرة الثانية:
أسلوب دراسة الحالة:
يتم يز أس لوب دراس ة الحال ة عن غ يره باس تهداف وح دة معين ة أو وض عية واح دة
بطريقة تفصيلية دقيقة من حيث خواصها وانتظامه ا ،ومن ثم من أج ل تفس يرها بع د جم ع
البيانات الكافية عنها وتحليلها ،وتعتبر دراسة الحالة أح د أس اليب البحث الوص في المطبق ة
في مجاالت علمية مختلفة.
- 1تعريف دراسة الحالة:
ه و األس لوب ال ذي يتج ه إلى جم ع البيان ات العلمي ة المتعلق ة بحال ة فردي ة به دف
الوص ول إلى فهم للحال ة المدروس ة ،حيث تُجم ع البيان ات عن الوض ع الح الي للحال ة
المدروسة وكذا عن ماضيها وعالقاتها من أجل فهم أعمق وأفضل للمجتمع الذي تمثله.46
كما تُعرّف بأنها طريقة منهجية مرك زة على حال ة معين ة تس تهدف جم ع أك بر ح د من
المعلومات حولها ،بهدف الوصول إلى وصفها بدقة وتحدي د خصائص ها ومميزاته ا ،والتمكن
بعد ذلك من القيام بعملية التعميم على الحاالت المشابهة.
واضح إذن أن دراسة الحالة ال تُعنى إال بكيان معين من كيان ات الواق ع اإلجتم اعي،
وأن ارتباطها النهائي به ذا الكي ان المح دد يرب ط منهج البحث في ه باإلختباري ة البحث ة ،أي
بالسعي إلى التعرف على خواص الحالة المدروسة بذاتها عن طري ق المالحظ ة المخت برة،
أي بطريقة تتبعية ترابطية تعتمد عنصر الزمن عبر اإلهتمام بسلسلة األحداث الترابطية في
الحياة الواقعية ،ذلك أن هناك عالقات تفاعل بين هذه األحداث يمكن تحليلها في عدد صغير
45
.خالد حامد ،مرجع سابق ،ص73،74
46
ربحي مصطفى عليان وعثمان محمد غنيم ،أساليب البحث العلمي ،ط ،2دار ص فاء للنش ر والتوزي ع :عم ان،2010 ،
.ص69
من المواقف حتى يمكن دراسة التفاعل بدقة ،ومن ثم تحديد مختلف العوامل ال تي ت ؤثر في
الوحدة المدروسة أو الكشف عن العالقات السببية بين أجزاء الظاهرة.
يُعتبر أسلوب دراسة الحالة بديال عن التحليل المقارن ،فهو يبحث في أك بر مجموع ة
ممكنة من المتغيرات الخاصة بنوع معين من الظواهر السياسية مثل دراسة جماع ة ض غط
أو تنظيم ح زبي معين ،باعتب اره طريق ة بحث الش تقاق واختي ار الفرض يات ال وض عها
واختبارها.
- 2أهداف دراسة الحالة:
يعت بر أس لوب دراس ة الحال ة من أهم األس اليب المس تخدمة في الدراس ة السياس ية،
وتبرز من خالل ذلك األهداف التي يتوخاها هذا األسلوب والتي يمكن تلخيصها فيما يلي:
-إكتشاف األسباب الرئيسية لألوضاع الحالي ة من خالل الوص ف الش امل والتحلي ل
الدقيق للبيانات والمعلومات.
-التعرف إلى الحقائق وتسجيلها بموضوعية ،والقيام بتحليله ا وتشخيص ها للوص ول
إلى استنتاجات ومبادئ عامة ،أي إنشاء أفكار نظرية.
-وضع خطة لتحسين األوضاع أو تصحيح مسارها.
-إمكانية اإلستفادة من نتائجها التحليلية المع ّمقة واستخدامها في اإلصالح السياسي.
يمكن الق ول إذن أن أس لوب دراس ة الحال ة ه و أك ثر األس اليب مالئم ة للدراس ات
الوصفية من حيث أنه يهدف إلى وصف وتحليل الظواهر المدروسة وص فا موض وعيا من
خالل البيانات التي يجمعها بواسطة التقنيات المنهجية ،47مع أن اس تخدام األس لوب ممكن م ع
باقي أنواع البحوث والدراسات األخرى كالدراس ات اإلس تطالعية بس عيه للكش ف عن الج وانب
المختلف ة للظ اهرة ،أو الدراس ات التقويمي ة إذ ي تيح إمكاني ة وض ع خط ط عالجي ة قابل ة
للتنفيذ في شأن الظاهرة أو المشكلة المدروسة.
وفيما يخص األدوات البحثية ،فإن معظم األدوات يمكن استخدامها في دراسة الحالة،
والذي يحدد ذلك الهدف من الدراسة ،ونوعية الحالة أو ح دتها ،نوعي ة البيان ات المطلوب ة.
وبذلك فقد يستخدم الباحث عند دراسة الحالة:
-المقابالت المتعمقة إذا كان الباحث بصدد دراسة تاريخ الحالة أو حوادث معينة.
-والمالحظة الممتدة حين يسعى الباحث لرصد التغيرات التي تط رأ على الحال ة ،أو
حتى المالحظة بالمشاركة.
-تحليل المضمون حين يستعين الباحث بوثائق في دراسة الحالة.
- 3خطوات دراسة الحالة:
أس فرت التطبيق ات المستفيض ة ألس لوب دراس ة الحال ة على اس تخالص مجموع ة
خطوات إجرائية ممنهجة ،وهي:
-تحدي د الدراس ة :وتع ني اختي ار الح االت ال تي تمث ل المش كلة أو الظ اهرة المدروس ة،
باإلضافة لتحديد وحدة الدراسة وخصائصها بدقة ووضوح.
47
.خالد حامد ،مرجع سابق ،ص52
-تجمي ع البيان ات والمعلوم ات بلغ ة مفهوم ة معبّ رة عن البيئ ة ،وبالوس ائل ال تي تم
تحديدها مسبقا.
-تنظيم وتحليل البيانات بالكيفية التي تخدم أه داف البحث ودراس ته ،وفحص ها ب دءا
بأكثرها وضوحا قبل غيرها من المعطيات المعقدة.
-الكشف عن العالقات السببية بين أجزاء الظاهرة ،وتحديد العوامل المؤثرة فيها.
-توضيح النتائج والتوصيات ال تي تم التوص ل إليه ا وأهميته ا وإمكاني ات اإلس تفادة
منها عبر اإلستدالل من المعلوم إلى المجهول ،أي إمكانية تقرير تلك النت ائج على
حاالت مشابهة.48
وبه ذه الخط وات يس تطيع أس لوب دراس ة الحال ة تخطي مش كلتي التعميم والس ببية
باعتبارهما أكبر مشكالت األسلوب ،باإلضافة المكانية مالحقة التغيرات التي قد تطرأ على
الحالة خالل فترة الدراسة.
- 4تطبيق دراسة الحالة:
يرك ز أس لوب دراس ة الحال ة على تنظيم المعطي ات الخاص ة بوح دة معين ة لمعرف ة
خصائص ها وس ماتها من خالل التعم ق والترك يز وع دم اإلكتف اء بالوص ف الخ ارجي أو
الظ اهري ،ومن ذل ك يتهي أ الوق وف على مختل ف العوام ل ال تي ت ؤثر في ه ذه الوح دة،
والكشف عن العالقات السببية بين أجزاء الظاهرة.49
يتم ذلك من خالل الفحص التفصيلي لعدد قليل من المتغيرات باإلستعانة بوسائل جمع
البيانات كالمالحظة والمقابلة وغيرها ،والتي تتيح إمكانية الكش ف عن ع دد م رات تك رار
حدوث الظاهرة ،رغم أن ذلك قد يتطلب فترة طويلة من الزمن للحصول على شكل وكمي ة
المعلومات المطلوبة والوصول إلى األسباب ذات الدالل ة ،ويتطلب اس تخدام ه ذا األس لوب
مرونة كافية يستطيع بها الباحث تطوير أو تعديل خطة بحثه وكذا فروضه في ح ال ظه ور
معطيات وبيانات جديدة من الدراسة اإلستطالعية ،وهي دراسات تتم يز ب العمق أك ثر مم ا
تتم يز باإلتس اع ،ويح اول الب احث فيه ا جم ع المعلوم ات المش تقة من مختل ف المص ادر
وتنسيقها وإعادة عرضها بشكل متكامل ،مع اس تطالع الج وانب المش تركة بين الحال ة قي د
الدراسة وغيرها من الحاالت.50
ومن كل ما سبق تظهر أهيمة استخدام دراسة الحالة بشكل خاص باعتبار أن ه يس اعد
الب احث في الحص ول على المعلوم ات األساس ية ال تي يمكن اإلس تفادة منه ا في تخطي ط
الدراسات الرئيسية من خالل ما يوفره من معلومات متعمقة وتبيين المتغيرات والتف اعالت
المطلوب دراستها ،وعلى ذلك توفر المعلومات التي يوفرها أسلوب دراسة الحال ة عن ه ذا
الموضوع التوس ع في مج ال البح وث ب التطرق إلى بح وث جدي دة وفي تك وين فرض يات
لدراس ات أخ رى في المس تقبل ،ويوض ح الت أثيرات المختلف ة للمتغ يرات بص ورة أك ثر
48
.ربحي مصطفى عليان وعثمان محمد غنيم ،مرجع سابق ،ص70
49
.عمار بوحوش ،مرجع سابق ،ص133
50
.محمد عبد الباسط ،البحث اإلجتماعي ،دار الوفاء :اإلسكندرية ،2006 ،ص63
وض وحا من مج رد التحلي ل الكمي له ا بإعط اء تفس ير واض ح للنت ائج وربطه ا بالعوام ل
المختلفة التي أدت إلى النتائج الحالية.