You are on page 1of 8

23 - 16 ‫ ص‬/ 2023-‫ جوان‬- )01( ‫ العدد‬- )06( ‫اجمللد‬ ‫اجمللة اجلزائرية لبحوث اإلعالم والرأي العام‬

‫األخطاء املنهجية في الدراسات االستطالعية‬


Methodological Errors In Surveys
‫ يوسف متار‬.‫ أد‬/1
youceftemmar@yahoo.fr - 03 ‫ جامعة اجلزائر‬-1
2023/06/14 :‫اتريخ القبول‬ ‫؛‬2023/02/24 :‫اتريخ املراجعة‬ ‫؛‬2023/01/24 :‫اتريخ االستالم‬

:‫ملخص‬
‫ من بني أهم أنواع الدراسات اليت ميكن أن يعتمد عليها الباحث يف اإلشكاليات‬،‫ت عد الدراسات املسحية ومنها الدراسات االستطالعية‬
‫ لكن‬،‫ أو رأي يبنونه إزاء قضية من القضااي‬،‫ أو حول سلوك ينتهجونه‬،‫اليت حتتاج منه التقرب من األفراد جلمع البياانت حول ما يفكرون فيه‬
‫ حيث يتصور البعض أنه يكفي توزيع استمارة استبيانية على جمموعة من األفراد‬،‫إجراءا هتا العملية ال تتم ابلسهولة اليت عهدانها عند البعض‬
‫ إن اهلدف‬.‫ومعول على موضوعيتها ومصداقيتها‬ ّ ‫ لكنها أعقد من ذلك إذا أردان أن نصل إىل نتائج دقيقة‬،‫واسرتجاعها مث تفريغها يف جداول‬
‫ فهي أخطاء‬،‫ عن قصد أو بدون قصد‬،‫ هو لفت االنتباه إىل أهم األخطاء اليت يقع فيها ابحثينا وخباصة املبتدئني منهم‬،‫من العرض اآليت‬
‫ بل من منطق عملي ميكن‬،‫ال تشكل يف حد ذاهتا السهل املمتنع وال هي انبعة من معرفة دقيقة وخمتصة يف علم اإلحصاء أو الرايضيات‬
‫ ورغم ذلك فهي تتطلب نوع من التدريب عرب التكوين البيداغوجي يف إطار منهجية البحث أو يف مواد‬،‫ألي أحد التنبؤ هلا وتصحيحها‬
‫ هي‬،‫ معىن ذلك أن أسلوهبا الكمي والرايضي‬،‫ وتدخل الدراسات االستطالعية ضمن الرباديغم اإلمربيقي‬.‫مستقلة أثناء تكوين الطالب‬
.‫ يؤدي ابلضرورة إىل نتائج غري موضوعية وغري ذات فائدة علمية‬،‫ وأي احنراف عن خطوات تطبيقها‬،‫أساس إجراءاهتا العملية‬
.‫ التحليل‬،‫ اجلداول‬،‫ االستمارة‬،‫ العينات‬:‫الكلمات املفتاحية‬
Abstract :
Survey studies, including survey studies, are among the most important types of
studies that the researcher can rely on in the problems that require him to approach
individuals to collect data about what they think, about their behavior, or about an
opinion they build on an issue, but its practical procedures are not It is done
as easily as we are accustomed to by some, as some think that it isenough to
distribute a questionnaire to a group of individuals and retrieve it and then empty it
into tables, but it is more complicated than that if we want to reach accurate results
and rely on its objectivity and credibility. The aim of the following presentation is to
draw attention to the most important mistakes that our researchers, especially
beginners, make, intentionally or unintentionally. They are errors that do not in
themselves constitute the impossible, nor do they stem from accurate and specialized
knowledge in statistics or mathematics, but rather from Practical logic that anyone
can predict and correct, however, it requires a kind of training through pedagogical
formation within the framework of research methodology or in independent materials
during student formation. Exploratory studies fall within the empirical paradigm,
meaning that their quantitative and mathematical method is the basis of their practical
procedures, and any deviation from the steps of their application necessarily leads to
results that are not objective and of no scientific interest.
.Keywords: samples, questionnaire, tables, analysis

-16-
‫اجمللد (‪ - )06‬العدد (‪ - )01‬جوان‪ / 2023-‬ص ‪23 - 16‬‬ ‫اجمللة اجلزائرية لبحوث اإلعالم والرأي العام‬

‫مقدمة‪.‬‬
‫الدراسات االستطالعية يف أبسط معانيها‪ ،‬هي تلك األحباث اليت تستعني أبدوات تكميم ومعاجلة البياانت الرقمية‬
‫اجملمعة وفق مناذج إحصائية ‪ ،1‬مبعىن آخر هي تقنية إمربيقية كمية تستعمل فيها لغة األرقام و اإلحصائيات و املعدالت‬
‫الرايضية و بعض القوانني االحصائية‪ ،‬فهي ابلتايل ال خترج عن كوهنا أداة من أدوات مجع البياانت‪ ،‬يلجأ إليها الباحث‬
‫عندما تكون هناك ندرة يف املعلومات اخلاصة ببحثه‪ ،‬أو قلة املعلومات و البياانت اليت تؤهله إلجراء دراسته على أحسن‬
‫وجه‪ ،‬على شاكلة السلوك و املواقف و اآلراء ‪ ، ..‬أي أهنا تستعمل حني ال يوفر ميدان البحث رصيد معريف من نظرايت‬
‫و قوانني‪ ،‬ما جيعل الباحث قادرا على تفسري الظواهر‪ ،‬و على هذا األساس فهي تتطلب منه عرض هذه االجراءات و‬
‫األساليب و توضيح كيفية اتباعها و طريقة استخدامها‪.‬‬
‫من خالل ما سبق‪ ،‬تريد هذه احملاولة طرح اإلشكالية التالية‪:‬‬
‫ما هي االختالالت اإلجرائية املنهجية احلاصلة يف الدراسات االستطالعية يف العمل العلمي لطالبنا‬
‫وابحثينا؟ وكيف ميكننا تفاديها؟‬
‫لقد قلنا يف البداية‪ ،‬أن حمتوى هذه العجالة‪ ،‬ما هي إال جمموعة من النقائص اليت الحظناها يف بعض الدراسات اليت‬
‫تستعني بتقنية استطالع الرأي أو اجلمهور أو الرأي العام‪ ،‬وهذه املالحظات سوف تؤدي بنا ال حمال إىل وضع علمي غري‬
‫سوي‪ ،‬سواء كان ذلك من حيث التقنيات املستعملة فيها – أي البحوث – أو فيما خيص خمرجاهتا اليت تكون حتما غري‬
‫موضوعية وال يؤخذ هبا‪ ،‬فيحرم اجملتمع من تفاسري هو أبمس احلاجة إليها يف جمرايت احلياة االجتماعية والظواهر اليت‬
‫تنتجها‪.‬‬
‫حنن نعلم جيدا أن هناك العديد من الطرق اليت ميكن من خالهلا مقاربة الظواهر مقاربة إمربيقية‪ ،‬ونعلم أيضا أن‬
‫أشكال تنظيم البحوث اخلاصة ابستطالعات الرأي كثرية هي أيضا‪ ،‬لكن األصل واحد‪ ،‬أي أهدافها واحدة‪ ،‬وهي الوصول‬
‫– قدر املستطاع – إىل رسم صورة قريبة من حقيقة ما يدور يف ابل املستجوب من أشكال الرأي والسلوك واملواقف إزاء‬
‫القضااي اليت يعيشها‪.‬‬
‫‪ .1‬تعريف الدراسات االستطالعية‪.‬‬
‫حىت و إن كان تركيزان يف هذا املقال على الدراسات االستطالعية اخلاصة بتقنية بعينها (استطالعات الرأي أو‬
‫االستبيان)‪ ،‬فإن تعريف الدراسات االستطالعية يتعدى هذا اإلجراء املنهجي إىل اعتبار أن كل خطوة أوىل يف البحث‬
‫العلمي تعد دراسة استطالعية‪ ،‬أي هي استكشاف توجهات البحث و الظروف اليت ستجري فيها منذ البداية حىت تكون‬
‫صحيحة و مالئمة‪ ،‬أي هي متهيد ختميين للبحث يلجأ إليها الباحث‪ ،‬عندما يكون مقدار ما يعرفه عن املوضوع قليال‬
‫جدا ال يؤهله لتصميم دراسة وصفية أو حتليلية أو أنواع أخرى من الدراسات‪ ،‬و هلذا فإن الدراسة االستطالعية تفيد‬
‫الباحث يف زايدة معرفته ملوضوع حبثه أو معرفة الظاهرة اليت يريد التقرب منها‪ ،‬وذلك حىت يتسىن له دراستها بشكل أعمق‪.‬‬

‫‪-17-‬‬
‫اجمللد (‪ - )06‬العدد (‪ - )01‬جوان‪ / 2023-‬ص ‪23 - 16‬‬ ‫اجمللة اجلزائرية لبحوث اإلعالم والرأي العام‬

‫أما من منظور الدراسات اإلمربيقية – و خاصة يف الدراسات اإلعالمية االتصالية – فالدراسات االستطالعية‪،‬‬
‫تعين تلك الدراسات اليت تستعني بتقنيات خمتلفة املقاصد منها استطالع الرأي أو رسم سلوك حمدد أو حتديد مواقف‬
‫معني ‪ ..‬مباشرة من منبعها أي الفرد حمل االستجواب‬

‫‪ .2‬عالقة الدراسات اإلعالمية ابلدراسات االستطالعية‪.‬‬


‫تعتمد الدراسات االستطالعية ابلدرجة األوىل على االستمارة االستبيانية‪ ،‬وعلى هذا األساس فهي كثرية االستعمال‬
‫يف جمال البحوث اإلعالمية االتصالية‪ ،‬خباصة عند دراسة عنصر اجلمهور أو املتلقي‪ ،‬أو على مستوى عنصر التأثري‪ ،‬أي‬
‫عندما يريد الباحث معرفة رأي أو سلوك أو موقف جمموعة من األفراد (عينة منهم) حول قضية معينة أو برانمج معني أو‬
‫مضمون معني ‪ ..‬وتفيد هذه املعرفة يف رسم طريقة بناء االسرتاتيجيات الالزمة إلجياد حلول موضوعية للمشكلة حمل‬
‫البحث‪.‬‬
‫إن عالقة الدراسات اإلعالمية ابلدراسات االستطالعية‪ ،‬عالقة أكيدة بدليل استعانة علم اإلعالم منذ نشأته يف‬
‫ثالثينات القرن املاضي‪ ،‬أبسس استطالعات الرأي اليت قام هبا الرواد األوائل يف ميدان البحث اإلعالمي‪ ،‬على شاكلة‬
‫بول فليكس الزرسفيلد ‪ ،Paul Felix Lazrasfiel‬و إيليه كاتز ‪ ،Elihu Katz‬و برانرد برلسون ‪Bernard‬‬
‫‪ ،Berelson‬و رميون بودون ‪ Raymond Boudon‬و غريهم‪ ،‬عندما أرادوا معرفة مدى أتثري مضامني وسائل اإلعالم‬
‫على متلقيها‪ ،‬و كذلك االتصال الشخصي خاصة يف وقت االنتخاابت و احلمالت اليت تسبقها‪ ،‬و الزالت الدراسات‬
‫االستطالعية كما يقول األستاذ علي قسايسية " هي احملرك الرئيسي لألحباث املرتكزة أساسا على النظرة العددية لتحديد‬
‫حجم اجلمهور ووصف تركيبته يف حماولة ملعرفة احتياجاته املادية واملعنوية والكشف عن اهتماماته و التطلع حنو العمل‬
‫على إشباعها واالستجابة إليها‪ ،‬ويف الغالب التظاهر بذلك‪ ،‬سواء تعلق األمر ابحلمالت االشهارية أو االنتخايب" ‪ ، 2‬و‬
‫من ذلك أكسبها هذا الوضع‪ ،‬مكانة شائعة يف حبوث اإلعالم و االتصال‪.‬‬
‫أما التكنولوجيات احلديثة لإلعالم و االتصال‪ ،‬كاملدوانت و الويكي و منصات مشاركة الصور و مشاركة الفيديو‪،‬‬
‫و الشبكات االجتماعية‪ ،‬و عالمات تداول املواقع و العوامل االفرتاضية و التدوين املصغر‪ ،‬و الكثري من التكنولوجيات‬
‫األخرى ‪ ،‬أنتحت متغريات من نوع آخر و مبقادير أخرى‪ ،‬لكنها دائمة البحث عن توجهاهتا من خالل املستخدمني‬
‫(اجلمهور) أو الزوار فيما يريدونه أو يتمنونه‪ ،‬أو من خالل سلوكاهتم االفرتاضية منها أو الواقعية‪ ،‬و من هذا الوضع‪،‬‬
‫اكتسبت الدراسات االستطالعية نفس األمهية اليت كانت عليها يف دراسات اإلعالم التقليدي‪ ،‬و أصبحت من أكثر‬
‫التقنيات البحثية استعماال أيضا يف مقاربة و دراسة و حتليل ظاهرة اإلعالم اجلديد‪.‬‬

‫‪-18-‬‬
‫اجمللد (‪ - )06‬العدد (‪ - )01‬جوان‪ / 2023-‬ص ‪23 - 16‬‬ ‫اجمللة اجلزائرية لبحوث اإلعالم والرأي العام‬

‫‪ .3‬حالة الدراسات االستطالعية يف كلياتنا‪.‬‬


‫صحيح أن الكثري من األعمال العلمية – سواء مذكرات املاسرت أو املاجستري أو أطروحات الدكتوراه – يف كلياتنا‪،‬‬
‫تعتمد على الدراسات االستطالعية عن طريق أداة االستبيان‪ ،‬إال أهنا ال تزال غري واضحة األبعاد لدى األغلبية منهم‪،‬‬
‫ففي الكثري من األحيان‪ ،‬تكون النتائج احملصل عليها من خالل اللجوء إىل هذا النوع من الدراسات‪ ،‬نتائج سطحية جافة‬
‫وغري موضوعية نتيجة لألخطاء اإلجرائية اليت يقع فيها الباحث عند متابعته اخلطوات الالزمة إلجنازها‪ ،‬فعند االطالع‬
‫على تلك األصناف من البحوث‪ ،‬ميكن اكتشاف مواطن اخللل التالية‪:‬‬
‫• اختيار الكثري منهم‪ ،‬حجم ضعيف من وحدات العينة‪ ،‬وخباصة تلك اليت تستخرج من جمتمعات حبث كبرية‪ ،‬على‬
‫شاكلة الشباب العاصمي‪ ،‬أو مجهور حصة تلفزيونية أو إذاعية معينة ‪ ....‬أي جمتمعات حبث يكون فيها العدد‬
‫كبري جدا‪ ،‬فالكثري من الطالب خيتار ‪ 50‬أو على أكثر تقدير ‪ 70‬مفردة‪ ،‬وهذا خطأ يف التمثيل‪ ،‬إذ يف الكثري‬
‫من األحيان ال تعرب تلك النسب عن التمثيل املوضوعي جملتمع البحث‪ ،‬خاصة إذا علمنا أن تلك األعداد تكون‬
‫غالبا من أصدقاء ومقربني من الباحث حىت ال يتعب نفسه يف البحث عن أفراد عينته بعيدا‪.‬‬

‫صحيح أن إشكالية حتديد حجم العينة املقبولة‪ ،‬مل يفصل فيها بعد لعدة اعتبارات‪ ،‬منها طبيعة جمتمع البحث (جمتمع‬
‫معلوم أو جمهول)‪ ،‬و اإلمكانيات املتوفرة للباحث‪ ،‬و طبيعة مؤسسة البحث ‪ ..‬لكن هناك اتفاق يف املدارس املنهجية‬
‫(الكندية و األمريكية على وجه اخلصوص) أن هناك دائما عدد معقول من وحدات العينة ميكن أن خيتاره الباحث مقارنة‬
‫حبجم جمتمع البحث‪ ،‬و هو ما أطلق عليه ابالختيار املعقول ‪. Un Choix raisonnable‬‬
‫• اللجوء مباشرة وبدون أي تفحص إىل العينات غري االحتمالية وخباصة العينة القصدية أو العمدية‪ ،‬وحنن نعلم أن‬
‫اللجوء إىل هذا النوع من العينات له شروط علمية ومنهجية دقيقة وصارمة‪ ،‬جتعل الباحث ال يلجأ إليها إىل عند‬
‫الضرورة العلمية القصوى‪ ،‬مما جيعل الكثري من البحوث املنجزة يف هذا الشأن‪ ،‬غري ذات منفعة علمية يف التمثيل‪،‬‬
‫يف حني يتهرب الطلبة من العينات االحتمالية رغم سهولة تطبيقها ودقة نتائجها‪ ،‬ظانني أهنا صعبة التطبيق وال‬
‫ينالون تشجيع أساتذهتم على تطبيقها‪.‬‬

‫فشعار العمل بنظم العينات‪ ،‬هو‪ :‬مىت توفرت للباحث قاعدة بياانت خاصة مبجتمع حبثه‪ ،‬أي إذا كان جمتمع حبثه‬
‫معلوم‪ ،‬فعليه العمل إبحدى أنواع العينات االحتمالية‪ ،‬إال يف حاالت اندرة جدا‪.‬‬
‫• سوء اختيار املتغريات (اجلنس‪ ،‬السن‪ ،‬املستوى التعليمي‪ ،‬املهنة ‪ ،) ..‬أو كما تسمى يف بعض احلاالت ابلبياانت‬
‫الشخصية‪ ،‬ففي الكثري من االستمارات جند نفس املتغريات أو نفس البياانت الشخصية برغم من اختالف موضوع‬
‫االستمارة و موضوع البحث‪ ،‬و كأنه معطى منهجي ينبغي اتباعه يف كل االستمارات‪ ،‬فإذ سألت أحدهم عن‬
‫اهلدف من وضع هذا املتغري أو ذاك‪ ،‬فقد ال جييبك أصال‪ ،‬أو أنه وضعه ألنه رأى اآلخرين اعتمدوا عليه‪ ،‬إن هذا‬
‫الوضع ما يزيد نتائج الدراسة إال سوءا‪.‬‬

‫‪-19-‬‬
‫اجمللد (‪ - )06‬العدد (‪ - )01‬جوان‪ / 2023-‬ص ‪23 - 16‬‬ ‫اجمللة اجلزائرية لبحوث اإلعالم والرأي العام‬

‫إن العمل ابملتغريات يف الدراسات االستطالعية‪ ،‬غاية يف األمهية‪ ،‬ألن ما جيمعه الباحث من معلومات علمية عرب‬
‫حتديده لعدد من املتغريات‪ ،‬سوف ينعكس حتما على طبيعة نتائج الدراسة ومصداقيتها‪ ،‬كما قد ينعكس أيضا على أمهية‬
‫البحث من خالل عدم القدرة على معاجلة املتغريات يف الواقع‪.‬‬
‫وحبكم املنطق‪ ،‬فكلما زادت املتغريات كلما زاد اتساع التحليل جبداوله وتفسرياته‪ ،‬فإذ أراد الباحث الرتكيز فقط على‬
‫ما حتتاجه إشكاليته‪ ،‬فما عليه إال أن يفكر جيدا يف املتغريات اليت ختدم مباشرة أهداف الدراسة‪ ،‬ويتفادى تلك اليت ال‬
‫تفيد‪.‬‬
‫• اإللغاء غري املربر لبعض اجلداول البسيطة أو املركبة (يف الدراسات االستطالعية)‪ ،‬حبجة أهنا ال ختدم املوضوع‪ ،‬هذا‬
‫اإلجراء جيوز من الناحية املنهجية‪ ،‬لكن ليس على مستوى املاسرت حيث يعد الطالب متدراب على األدوات املنهجية‪،‬‬
‫و ما زاد الطينة بلة‪ ،‬هو أن هذا اإللغاء يكون عند البعض بتوجيه من األستاذ املشرف‪ ،‬فعوض أن يلقن األستاذ‬
‫املشرف تقنيات التع امل مع االستمارة و اجلداول املنبثقة عنها بكل صرامة و حزم‪ ،‬يقوم إبلغاء بعض اجلداول‬
‫للطالب حبجة أهنا ال تنفع‪ ،‬و األدهى هو أن الطالب ال يدري ملاذا مت إلغاء هذا اجلدول أو ذاك؟ حيث ليس يف‬
‫مقدوره تربير ذلك علميا‪.‬‬

‫إن إجراء اإللغاء لبعض أسئلة االستمارة‪ ،‬أو بعض اجلداول‪ ،‬له قواعده املنهجية املنظمة لذلك‪ ،‬ويسمى هذا اإلجراء‬
‫ابالختبار القبلي‪ ،‬أي أن ميتحن الباحث استمارته وحمتواها من األسئلة عرب اختبارها لدى عدد قليل من األشخاص حىت‬
‫ينظروا يف االختالالت اليت ميكن أن تظهر فيها‪ ،‬وعندها ميكنه إلغاء األسئلة اليت قد ال تفيد قبل أن خيرجها يف شكلها‬
‫النهائي الضبوط‪.‬‬
‫• أغرب ظاهرة انتشرت يف أوساط الطلبة الذي هم يف إطار إجناز مذكراهتم‪ ،‬هي طريقة التعامل مع برانمج ‪/SPSS‬‬
‫‪ ،Statistical Package for the Social Sciences‬أي احلزمة اإلحصائية للعلوم االجتماعية‪ ،‬و‬
‫ابعتبار أن أغلبيتهم ال جييدون استعمال هذا الربانمج‪ ،‬فهم يلجؤون إىل خرباء الربجميات للقيام بتفريغ االستمارة‬
‫و استخراج اجلداول‪ ،‬و إذا كان هذا اإلجراء ليس عيبا يف حد ذاته لعدم تكوين أغلبية طلبة اإلعالم يف هذا‬
‫الربانمج‪ ،‬فإن العيب أن هؤالء املختصني يقومون ابلتعليق على اجلداول و كأهنم هم أصحاب الدراسة‪ ،‬مع العلم‬
‫أن هؤالء قد ال ميلكون أدىن مستوى علمي يف التخصص‪ ،‬لقد حدثت لنا و حنن نناقش طالبة ماسرت يف مذكرهتا‬
‫من جانبها التطبيقي‪ ،‬أهنا مل تكن قادرة على اإلجابة عن أي سؤال طرحناه عليها‪ ،‬فستفسران األمر و إذا هبا مل‬
‫تكن هي من أجنزت اإلطار التطبيقي‪ ،‬بل موظف يف حمل اإلنرتنيت ليس له أي عالقة بعلم اإلعالم واالتصال‪ ،‬إن‬
‫هذه الوضعية تعرب حبق على عمق املشكل األخالقي الذي وصل إليه البعض من طالبنا‪.‬‬

‫إن متطلبات برانمج ‪ SPSS‬ابلنسبة لبحوث اإلعالم و االتصال‪ ،‬بسيطة ال تتطلب تكوين عميق‪ ،‬نقول هذا‬
‫الكالم من ابب عالقته مبا حنتاجه حنن يف حبوث اإلعالم و االتصال و ليس للغاية اليت أنشأ من أجلها و امليادين اليت‬
‫‪-20-‬‬
‫اجمللد (‪ - )06‬العدد (‪ - )01‬جوان‪ / 2023-‬ص ‪23 - 16‬‬ ‫اجمللة اجلزائرية لبحوث اإلعالم والرأي العام‬

‫ميكن أن يغطيها (علم اإلحصاء‪ ،‬الدميغرافية‪ ،‬الرايضيات‪ ،‬حتليل البياانت ـ ‪ )..‬أما حنن فما نريده من هذا الربانمج (على‬
‫األقل يف بداية استعماله) ال يتعدى العمليات احلسابية و ترمجتها إىل جداول (البسيطة و املركبة)‪ ،‬و على هذا األساس‬
‫ميكن للطالب يف بداية العام‪ ،‬التكوين فيه و حنن متأكدين أنه ال أيخذ وقت طويل و ال معارف كبرية يف الربجميات‪ ،‬و‬
‫هذا ما حدث لنا عندما علمنا أننا سوف نعمل ابالستمارة االستبيانية يف أطروحة الدكتوراه‪ ،‬فلم أيخذ تكويننا يف ‪SPSS‬‬
‫إىل ‪ 10‬أايم على األكثر‪ ،‬و كانت النتيجة جد مفيدة لنا و لعملنا العلمي‪.‬‬
‫• احتواء بعض املذكرات على أشكال بيانية إىل جانب اجلداول‪ ،‬وإن كان هذا اإلجراء ال يضر ابلبعد العلمي‬
‫للمذكرة‪ ،‬إال أنه ليس ذو فائدة كبرية يف الدراسات اإلنسانية واالجتماعية بصفة عامة وعلوم اإلعالم واالتصال‬
‫بصفة خاصة‪ ،‬فإذا كانت اجلداول كافية لتفسري أوضاع حبثية معينة‪ ،‬فال داعي من إضافة أشكال بيانية إال عند‬
‫الضرورة القصوى‪ ،‬ضف إىل ذلك أن الطالب عندان‪ ،‬ال يذهب أبعد من عرض تلك األشكال دون تفسريها أو‬
‫قراءهتا قراءة علمية دقيقة‪.‬‬
‫• سوء قراءة اجلداول من طرف الكثري من الطلبة‪ ،‬إذ عند وصوهلم لعرض اجلداول (سواء كانت بسيطة أو مركبة)‬
‫يقومون بقراءهتا قراءة بسيط جدا ال تتعدى إعادة ما هو موجود يف اجلداول من أرقام و نسب‪ ،‬ابحلروف و اجلمل‪،‬‬
‫لقد وصلت دراسة ‪ 3‬قامت هبا د ‪.‬ليندة ضيف حول األخطاء املنهجية يف البحث العلمي يف اإلعالم و االتصال‪،‬‬
‫أن بعض الباحثني جيدون صعوبة كبرية يف تفسري نتائج دراستهم الكمية‪ ،‬لذلك يلجؤون إىل تبسيطها عن طريق‬
‫قراءة النتائج ابلشكل املوجودة عليه يف اجلداول‪ ،‬دون حماولة تفسريها وحتليلها‪ ،‬وإعطائها أبعادها و داللتها و حنن‬
‫نتساءل ما لفائدة من ذلك؟‪ ،‬إن الغرض من قراءة اجلداول من الناحية املنهجية‪ ،‬هو إبراز ما يثري االنتباه يف‬
‫اجلدول‪ ،‬أعلى نسبة‪ ،‬أدىن نسبة‪ ،‬تقارب النسب اخل‪ ،‬فيقومون بتنبيه القارئ إىل تلك احلاالت و حياولوا إعطاءها‬
‫تفسري عقالين و موضوعي‪.‬‬
‫• يف الكثري من األحيان‪ ،‬جييب الطالب عن أسئلة مل تطرح على املستجوب‪ ،‬خاصة األسئلة املغلقة ذات اإلجابة‬
‫الواحدة ‪ ، Questions à unique choix‬اليت يقرتح فيها الباحث إجاابت حمدد‪ ،‬فنجده يطرح إجاابت‬
‫ال ندري من أين أتى هبا؟‪ ،‬فمثال‪ ،‬حتمل االستمارة السؤال التايل‪ :‬هل متلك حاسوب حممول يف املنزل؟ ويقرتح‬
‫عليه الباحث إجابتني‪ :‬نعم أو ال؟‪ ،‬مث إذا عدان إىل اجلدول اخلاص هبذا السؤال‪ ،‬جند الباحث يطرح إجاابت مل‬
‫يفصح عنها املستجوب‪ ،‬فيقول رمبا يعود عدم امتالك املستجوب إىل حاسوب حممول يف منزله‪ ،‬إىل غالءها‪ ،‬و‬
‫حنن نسأل من أين جاء هبذه اإلجابة و السؤال مغلق؟‪ ،‬أي مل يفصح املستجوب عن أسباب عدم امتالكه حلاسوب‬
‫حممول يف منزله‪.‬‬
‫• يف بعض األحيان‪ ،‬يعرض الباحث استمارته على أفراد غري معنيني مبوضوعها‪ ،‬فمن املنطقي أال تكون إجابتهم‬
‫صرحية ومعربة‪ ،‬فكيف نستجوب شخص حول رأيه يف تغطية قناة معينة لظاهرة معينة‪ ،‬و هو ال يتابع برامج تلك‬
‫القناة أصال ؟ وكيف ميكننا الكشف عن صدق املبحوث من عدمه؟ وقد يطرح البعض السؤال التايل‪ :‬وأين‬
‫يتدخل الباحث برأيه وموقفه وتفسريه للبياانت؟‬
‫‪-21-‬‬
‫اجمللد (‪ - )06‬العدد (‪ - )01‬جوان‪ / 2023-‬ص ‪23 - 16‬‬ ‫اجمللة اجلزائرية لبحوث اإلعالم والرأي العام‬

‫يف احلقيقة الرأي الشخصي يف البحث العلمي‪ ،‬غري حمبذ إال بتربيرات منطقية مدعومة حبجج دامغة‪ ،‬وهذا قد‬
‫يكون عندما يصل الباحث إىل تفسري األرقام والنسب والبياانت الرقمية‪ ،‬تفسريا كيفيا جاعال نتائج دراسته الكمية يف‬
‫سياقات اجتماعية وثقافية وحضارية تعطي معىن لكل تلك األرقام والنسب‪ ،‬وهذه العملية‪ ،‬هي عملية ابتكارية تظهر‬
‫فيها قدرة الباحث على االبداع‪ ،‬فهذا االمر يرجع اىل الباحث نفسه وخربته ومدى تعمقه يف جمال دراسته‪.‬‬
‫حنن ندرك جيدا أن الكثري من املالحظات السابقة‪ ،‬هلا ما يربرها يف الواقع العملي للباحثني من عقبات‬
‫وصعوابت تواجه الباحث ويف بعض األحيان أتثر حىت على مصداقية النتائج اليت قد يصل إليها من خالل دراسته‬
‫االستطالعية‪ ،‬فماعدا ما يتصل حبنكة الباحث وقدرته على جتاوز تلك العقبات والصعوابت‪ ،‬فإن األمر برمته مرهون بتلك‬
‫الصفات‪ ،‬أي على الباحث حماولة جتاوز كل العقبات اليت قد يصادفها أثناء إجنازه لدراسته االستطالعية‪ ،‬وال جيعل منها‬
‫مربرات للنقائص اليت أتينا على بعضها سابقا‪.‬‬
‫ولعل متاثل األخطاء السابقة وتكررها كما يقول األستاذ أمحد فالق‪ " ،‬هو ما يزيد من مستوى الريبة من فاعلية‬
‫التكوين يف التخصص‪ ،‬خصوصا ما تعلق منه ابلنشاط البحثي‪ ،‬الذي صار يفتقد الكثري من تلك الدقة والصرامة واجلوانب‬
‫اإلبداعية اليت يفرتض توافرها‪ ،‬خصوصا يف املستوايت املتقدمة من هذا التكوين ) مستوى املاسرت والدكتوراه‪.4 " (.‬‬
‫‪ .4‬اخلامتة‪.‬‬
‫إن الدراسات االستطالعية و عرب جزئها اإلجرائي‪ ،‬عملية كبرية و دقيقة و ختضع إىل شروط منهجية صارمة‪ ،‬هذا إذا‬
‫أردان الوصول إىل نتائج تعرب حبق عن ما جيول يف ابل املستجوب من حقائق و آراء حول ظاهرة إعالمية معينة‪ ،‬فهي ليس‬
‫عملية مجع أكرب عدد ممكن من املعلومات‪ ،‬أو عرض أكرب عدد من اجلداول‪ ،‬بل أن الدراسات االستطالعية من حيث‬
‫بعدها املنهجي‪ ،‬تشكل يف حقيقة األمر معرب فقط حملاولة الوصول إىل فهم حقيقة الظاهرة و حقيقة أسباب ظهورها و‬
‫املتغريات اليت تتحكم فيها‪ ،‬أي أهنا الوسيلة و ليست الغاية‪ ،‬مبعىن أن طالبنا و ابحثني يعتقدون خطأ‪ ،‬أن بعد عرض‬
‫اجلداول و قراءهتا‪ ،‬ينتهي البحث لديهم‪.‬‬
‫وكمالحظة أخرية‪ ،‬حنن جتنبنا االستشهاد أبمثلة حتمل األخطاء السابقة الذكر من دراسات وأحباث ويف خمتلف‬
‫األطوار‪ ،‬حىت ال نضع أنفسنا أوصياء على الدراسات االستطالعية‪ ،‬فنحن أيضا ال زلنا نكتشف إجراءاهتا وتقنياهتا من‬
‫خمتلف املشارب املنهجية‪ ،‬وكلما توغلنا فيها‪ ،‬جند أنفسنا بعدين عما ينبغي أن يكون‪.‬‬

‫اهلوامش‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪Raymond Robert Tremblay et Yvan Perrier, Savoir plus : outils et méthodes de‬‬
‫‪travail intellectuel, Paris : Les Éditions de la Chenelière inc., 2006, P4.‬‬
‫‪-22-‬‬
‫اجمللد (‪ - )06‬العدد (‪ - )01‬جوان‪ / 2023-‬ص ‪23 - 16‬‬ ‫اجمللة اجلزائرية لبحوث اإلعالم والرأي العام‬

‫‪ 2‬علـ ــي قسايسـ ــية‪ ،‬املنطلقا ااات الن ريا ااة واملنهجيا ااة لدراسا ااات التلقا ااي‪ .‬أطروحـ ــة لنيـ ــل شـ ــهادة دكتـ ــوراه دولـ ــة يف‬

‫علوم اإلعالم و االتصال‪ ،‬جامعة اجلزائر‪ :‬كلية علوم اإلعالم و االتصال‪ ،2007 ،‬ص ‪.91‬‬

‫‪-‬ليندة ضيف‪( ،‬املشكالت املنهجية يف البحث العلمي يف علوم اإلعالم و االتصال)‪ ،‬جملة اإلعالم واجملتمع‪ ،‬العدد‬ ‫‪3‬‬

‫‪ ،01‬السنة ‪ ،2019‬ص ‪.52‬‬

‫‪-‬أمحد فالق‪ ،‬خالد لعالوي‪( ،‬إشكاليات منهجية يف أطروحات الدكتوراه لعلوم اإلعالم واالتصال ابجلزائر)‪ .‬جملة‬ ‫‪4‬‬

‫االتصال والصحافة‪ ،‬العدد ‪ ،08‬السنة ‪ ،2018‬ص ‪.93‬‬

‫‪-23-‬‬

You might also like