You are on page 1of 6

‫المحاضرة الثامنة‬

‫المناهج الكمية والكيفية‬


‫تمهيد‪:‬‬
‫في العلوم اإلنسانية‪ ،‬هنالك مناهج كمية وأخرى كيفية‪ .‬فإذا عدنا قليال للوراء‪ ،‬فإن إدخال‬
‫الرياضيات لفهم الظواهر الطبيعية هو الذي يمثل القطيعة بين القرون الوسطى والقرن ‪ ،17‬فبدأ العلماء‬
‫يتحدثون عن أهمية الرياضيات التي منحت صبغة جديدة للعلم فيما بعد‪ ،‬حيث يؤكد ‪ Gallilée‬على‬
‫ضرورة إخضاع الطبيعة للرياضيات‪ .‬ليس هذا فحسب‪ .‬نجد ‪ Heidegger‬يربط ميالد العلم الحديث‬
‫بالمشروع الرياضي للطبيعة الذي يحول كل شيء إلى مجرد أجسام مادية تتشابه فيما بينها وحتى وإن‬
‫اختلفت فهذا االختالف يكمن في فروق كمية بسيطة‪.‬‬
‫بالرغم من هذا التصور الحديث للعلم‪ ،‬فإنه علينا أال ننسى أهمية الرياضيات في إضفاء صبغة‬
‫علمية موضوعية دقيقة على البحوث العلمية‪ .‬هذا ما حدث أوال لعلوم الطبيعة ابتداء من القرن ‪ ،18‬ثم‬
‫للعلوم االجتماعية فيما بعد حيث كانت األولى نموذجا للثانية التي حاولت حذو ما قامت به األولى‪.‬‬
‫فإلثبات موضوعيتها ودقتها‪ ،‬وجدت العلوم االجتماعية نفسها أمام طريق مسدود‪ :‬إما أن تستخدم المناهج‬
‫الكمية أو أن تبقى في طي النسيان‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬ظهرت مناهج كمية وأخرى كيفية‪ ،‬تختلف من حيث الموضوع والهدف‪.‬‬
‫أوال‪-‬المناهج الكمية ‪)méthodes quantitatives( :‬‬
‫‪-1‬التعريف االصطالحي للمنهج الكمي‪:‬‬
‫المراد بلفظ "الكمي" هنا هو مقدار الشيء وفقًا لرقم معين‪ ،‬ويمكن اشتقاق أداة االستفهام "كم؟"‪،‬‬
‫من لفظ "الكم"؛ الستخدامها في السؤال بغرض التعرف على مقدار المقياس‪ ،‬فعلى سبيل المثال‪ :‬كم يبلغ‬
‫طولك؟ يبلغ طولي ‪ 192‬سم‪ ،‬كم يبلغ وزنك؟ يبلغ وزني ‪ 96‬كجم‪ ،‬كم يصل ارتفاع المبنى؟ يصل ارتفاع‬
‫عصرا‪ ....‬وهكذا‪.‬‬
‫ً‬ ‫المبنى إلى ‪30‬م‪ ،‬كم الساعة اآلن؟ الساعة اآلن الثالثة‬
‫‪ -2‬تعريف المنهج الكمي‪ :‬يعرف بأنه‪" :‬أحد طرق القياس التي يتم استخدامها في األبحاث والدراسات‬
‫العلمية الختبار الفرضيات‪ ،‬ومن ثم تطبيق النظريات والمفاهيم المكتسبة على أرض الواقع بالنسبة‬
‫لألبحاث ذات الصبغة العلمية"‪.‬‬
‫"هو نوع من البحوث العلمية التي تفترض وجود حقائق اجتماعية موضوعية‪ ،‬منفردة ومعزولة‬
‫عن مشاعر ومعتقدات األفراد‪ ،‬وتعتمد على األساليب اإلحصائية في الغالب‪ ،‬في جمعها للبيانات‬
‫وتحليلها"‪ ،‬ويعني القياس استخدام كل المؤشرات التي يستخدمها اإلحصاء للقيام بمقارنة المعطيات التي تم‬
‫جمعها من الميدان‪.‬‬
‫إن أغلبية البحوث في العلوم اإلنسانية تستعمل القياس‪ ،‬وكذلك األمر حينما يتم استعمال‬
‫المؤشرات‪ ،‬النسب‪ ،‬المتوسطات أو األدوات التي يوفرها اإلحصاء بصفة عامة‪ ،‬إننا نستنجد بالمناهج‬
‫الكمية أثناء محاولة معرفتنا مثال‪ :‬تطور أسعار اإلستهالك‪ ،‬نية التصويت في االنتخابات القادمة‪ ،‬االرتباط‬
‫بين درجة التحضر ونسبة المواليد‪.‬‬
‫إن البحث الكمي يبحث عن األسباب والحقائق من منظور أوسع وأشمل‪ ،‬وعن العالقات بين‬
‫المتغيرات حتى يمكن تفسير عالقات السبب والنتيجة بين هذه المتغيرات‪ ،‬ويصبح من الممكن التوصل إلى‬
‫تنبؤات دقيقة بخصوص الظاهرة أو الظواهر محل الدراسة‪.‬‬
‫‪ -3‬أهداف البحوث الكمية‪:‬‬
‫تهدف البحوث الكمية إلى اختبار المتغيرات التجريبية‪ ،‬وفي ذات الوقت التحكم في أو ضبط‬
‫المتغيرات االعتراضية التي تظهر في محيط أو سياق الدراسة‪ ،‬ومن خالل ذلك فإن العالقات بين‬
‫المتغيرات يمكن تعميمها كما يمكن التنبؤ بها في المجاالت أو مجتمعات البحث‪.‬‬
‫كما يهدف البحث الكمي إلى اختبار النظريات ويعمل الباحثون هنا بطريقة قياسية من خالل تحديد‬
‫النظرية الموجودة فعال في األدبيات السابقة‪ ،‬ويحصلون على المفاهيم والتعريفات الالزمة‪ ،‬ويتم افتراض‬
‫العالقات بين المتغيرات ثم جمع البيانات وتحليلها إحصائية‪ ،‬وعلى ضوء النتائج التي يتحصل عليها‬
‫الباحث يتم قبول أو رفض الفرضيات ومن ثم قبول أو رفض النظرية أو تعديلها‪.‬‬
‫وفي ظل البحوث الكمية يتم تصميم الدراسة (وضع الفرضيات ووصف المتغيرات وأسلوب‬
‫قياسها) عند إعداد مشروع الدراسة وقبل البدء في جمع البيانات بعكس الحال في البحوث الكيفية‪ .‬ويالحظ‬
‫أيضا أن المفاهيم التي يتم استخدامها في البحوث الكمية يتم تعريفها إجرائي‪ h‬حتى يمكن اختبار‬
‫الفرضيات التي تم تحديدها من البداية‪ ،‬ويجب أن يتأكد الباحث من أن المقاييس المستخدمة (مثل قائمة‬
‫االستبيان) هي مقاييس صادقة وثابتة من خالل إجراء اختبار الصدق والثبات المعروفة‪ ،‬وبعد القيام‬
‫باإلجراءات السابقة يتم جمع البيانات وتبويبها بشكل كمي أو رقمي ثم يجري عليها التحليل اإلحصائي‬
‫للوصول إلى نتائج البحث‪ ،‬ويالحظ أن التحيز الموجود في المدخل الكيفي الذي أشرنا إليه آنفا تتم مالفاته‬
‫من خالل االختيار العشوائي لمفردات العينة من مجتمع البحث‪.‬‬
‫وصفوة القول إن الهدف من البحث الكمي هو اختبار النظرية بأسلوب قياسي من خالل ثبوت أو‬
‫عدم ثبوت صحة الفرضيات التي حددها الباحث في مشروع البحث‪ ،‬إال أنه تجب اإلشارة إلى أن البحث‬
‫الكمي يعاني أيضا من بعض األخطاء مثل أخطاء المعاينة واألخطاء األخرى مثل أخطاء القياس‪ ،‬وهناك‬
‫احتمال لتحيز الباحث في أي مرحلة من مراحل البحث‪.‬‬
‫‪ -4‬استخدامات المدخل الكمي في البحث‪:‬‬
‫يتم استخدام البحوث الكمية عندما تكون هناك معلومات معروفة ومتوفرة حول الموضوع الذي‬
‫يرغب الباحث في دراسته‪ ،‬بمعنى أن هناك نظريات محددة وأدبيات سابقة تتوفر لدى الباحث‪ ،‬بعكس‬
‫الحال في البحوث الكيفية‪ ،‬كما أن درجة وضوح الظاهرة أو المشكلة محل الدراسة تمكن الباحث من‬
‫استخدام المدخل الكمي في البحث‪ ،‬هذا إضافة إلى توفر مقاييس ثابتة وصادقة إحصائية عن المتغيرات‬
‫المراد دراسة العالقات بينها‪.‬‬
‫‪ -5‬طرق استخدام البحوث الكمية‪:‬‬
‫أ‪ -‬الطريقة اإلحصائية‪ :‬أي المعالجة الرياضية للبيانات الكمية ومنها اإلحصاءات السكانية والزواج‬
‫والطالق والمواليد والوفيات‪.‬‬
‫ب‪ -‬المسح االجتماعي‪ :‬ونعني بها تسجيل وتفسير الوضع الراهن لنظام اجتماعي أو لجماعة أو البيئة أو‬
‫قضية ما‪ ،‬بهدف دراسة الواقع االجتماعي للحصول على بيانات تمکن تصنيفها وتفسيرها لالستفادة منها‬
‫في التخطيط المستقبلي‪.‬‬
‫جـز‪ -‬االجتماع والقياس‪ :‬وهي طريقة للتعرف على درجة االنجذاب والتنافر التي يظهرها األفراد تجاه‬
‫بعضهم البعض‪ ،‬أو اتجاه مشكلة أو قضية مجتمعية ما‪ ،‬وتتم من خالل‪ :‬االستخبارات أو االستبيانات‪،‬‬
‫االستبار وهو عبارة عن لقاء شخصي بين الباحث والمبحوث‪ ،‬وعادة يكون المبحوثين ال يستطيعون‬
‫القراءة والكتابة‪ ،‬ويقرأ الباحث لهم باللهجة العامية أو اللهجة الدارجة‪ ،‬حتى يستطيعوا الفهم ليدون الباحث‬
‫إجاباتهم في استبانه خاصة‪ ،‬ويجيب كل مبحوث على حدى‬
‫‪ -‬تعتمد الطرق الكمية في العلوم اإلنسانية على نموذج التفسير االستنباطي االستقرائي‪ ،‬ويبدأ االستقصاء‬
‫بنظرية عن الظاهرة موضوع البحث‪ .‬ومن هذه النظرية نستنتج مجموعة من الفروض التي تخضع‬
‫بدورها لالختبار باستخدام إجراءات محددة مثل إجراءات التصميم التجريبي‪ ،‬أو السبي‪ ،‬المقارن‪ ،‬أو‬
‫االرتباطي‪ .‬ومع ذلك فإن المنهجين يكمالن بعضهما بعضا‪ ،‬علما بأنهما يختلفان في نقاط أساسية‪،‬‬
‫خصوصا ما يتعلق منهما بموضوعية الباحث ودوره‪.‬‬
‫‪ -‬في البحث الكمي تكتسب استقاللية الباحث عن موضوع البحث بقيمة كبيرة بخالف ذلك فإن البحث‬
‫الكيفي يعود إلى اإلدراك الذاتي للباحث بوصفة عنصرا أساسيا المعرفة‪.‬‬
‫‪ -‬إن البحث الكمي يعتمد على درجة كبيرة على تقنين البحوث الميدانية‪ ،‬فتكون أسئلة االستبيان وكذلك‬
‫اإلجابة محددة مسبقة‪ .‬أما المقابالت الكيفية فهي أكثر مرونة‪ ،‬وتتكيف مع الحاالت المختلفة‪.‬‬
‫‪ -6‬خطوات إعداد البحوث الكمية‪:‬‬
‫تمر البحوث الكمية بخمس مراحل وهي مراحل مترابطة وكل واحدة تتأثر بأخرى‪ .‬وهذه المراحل‪:‬‬
‫‪ -‬مرحلة تحديد المشكلة (مشكلة البحث) وذلك عن طريق‪:‬‬
‫‪ -‬مصادر المشكلة البحثية من الخبرة البحثية‪ ،‬استشارة المختصين‪ ،‬دراسات سابقة أو ندوات ومؤتمرات‪،‬‬
‫وسائل اإلعالم واالنترنت‪.‬‬
‫‪ -‬صفات المشكلة البحثية (عدم اإلضرار بمصلحة عامة أو خاصة‪ ،‬ال تخالف مبدأ شرعي أو قانوني‪ ،‬تقع‬
‫ضمن اإلمكانيات المتاحة للحصول على البيانات الالزمة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬مرحلة تحديد أهداف البحث وصياغة وأسئلته وفرضياته‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬مرحلة جمع البيانات باستخدام إحدى أدوات جمع البيانات‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬مرحلة تحليل البيانات‪ ،‬وتتم إما عن طريق‪:‬‬
‫‪ -‬اإلحصاء الوصفي بعرض البيانات‬
‫‪ -‬اإلحصاء االستداللي (العالقة بين متغيرات البحث‪ ،‬الفرق بين مجموعتين‪ ،‬التنبؤ)‬
‫خامسا‪ :‬مرحلة كتابة النتائج والتوصيات (رصد النتائج‪ ،‬تقديم التوصيات‪ ،‬ملخص البحث والتوثيق)‪.‬‬
‫‪ -7‬عيوب استخدام البحوث الكمية‪:‬‬
‫‪ -‬ال تقيس الظواهر أو العوامل الالكمية أي غير القابلة للقياس‪ ،‬وفي حالة البدائل وحل مشكلة اختيار الحل‬
‫األمثل ال تسمح باختيار الحل األمثل إال بمعيار واحد فقط‪.‬‬
‫‪ -‬تحتاج لتكلفة عالية‪.‬‬
‫‪ -‬صعوبة تعميم النتائج إذا كانت العينات غير ممثلة تمثيال دقيقا للمجتمع األصلي‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬المناهج الكيفية‬
‫‪ -1‬مفهوم المنهج الكيفي (النوعي)‪:‬‬
‫عرف العلماء المنهج النوعي بأنه‪" :‬نوع من أنواع األبحاث العلمية التي تعتمد على دراسة‬ ‫َّ‬
‫السلوك والمواقف اإلنسانية‪ ،‬وفي سبيل ذلك يتم جمع المعلومات والبيانات؛ من خالل مجموعة من‬
‫الوسائل مثل ال ُمقابالت وال ُمالحظات"‪.‬‬
‫ومن خالل التعريف السابق يتَّضح أن المنهج النوعي عبارة عن البحث العلمي الذي يعتمد على‬
‫البيانات النوعية‪ ،‬حيث يُقدِّم فيه الباحث التفسيرات الشاملة لموضوع أو مشكلة البحث العلمي‪ ،‬وال يوجد‬
‫مجال للنتائج اإلحصائية أو الرقمية‪ ،‬بل إن النتائج تتمثَّل في ال ُجمل التوضيحية أو اللغة المسموعة‪.‬‬
‫الكميَّة‬
‫يُستخدم المنهج النوعي في العديد من الميادين التي ال يُمكن استخدام المقاييس اإلحصائية أو ِّ‬
‫نظرا لعدم جدوى ذلك في تمكين الباحث من تأمين وتفسير ال ُمشكالت أو الظواهر التي يتم عرضها‬ ‫فيها‪ً ،‬‬
‫التفوق واالبتكار‪ ،‬واختيار عيِّنة من‬
‫ُّ‬ ‫الكم‪ ،‬فعلى سبيل المثال في حالة كتابة بحث علمي عن‬ ‫عن طريق ِّ‬
‫الكمي أن يؤتي ثماره في الحصول على‬ ‫المجتمع؛ من أجل اشتقاق المعلومات منهم‪ ،‬فال يُمكن لألسلوب ِّ‬
‫عا ُمستحدثًا من مناهج األبحاث العلمية‪ ،‬وفي الغالب يتم استخدامه في‬ ‫النتائج‪ ،‬ويُعَدُّ المنهج النوعي نو ً‬
‫العلوم االجتماعية والنفسية‪ ،‬وجميع ما يتعلَّق بالنشاط اإلنساني على ُمستوى ال ُمجتمع‪.‬فهي مناهج تهدف‬
‫أساسا إلى فهم الظاهرة موضوع الدراسة‪ ،‬بحصر معنى األقوال التي تم جمعها أو السلوكات التي تمت‬
‫مالحظتها" لذلك‪ ،‬ال يتطلب األمر عددا كبيرا من العناصر كما هو األمر بالنسبة للمناهج الكمية‪ ،‬ألن‬
‫األمر يتطلب فهم المعاني‪ ،‬السلوكات‪ ،‬المواقف‪ ،‬وال يمكن القيام بذلك على نطاق واسع‪ ،‬إذ أن ذلك‬
‫سيتطلب وقتا وجهدا طويال‪ .‬كما أن الهدف ال يتمثل في تجميع معطيات كمية‪ ،‬بل معطيات كيفية تهدف‬
‫أساسا إلى فهم الظاهرة موضوع الدراسة‪.‬‬
‫مثال على ذلك نموذج لدراسة في هذه الحالة‪ ،‬هو لدراسة قامت بها‪Mirra Komavorsky‬‬
‫تتعلق بتأثير البطالة على مكانة رب األسرة‪ ،‬انصبت على ‪ 59‬حالة فقط‪.‬وخلصت إلى نتيجة مفادها بأن‬
‫رب األسرة ال يصبح هو المتسلط على أسرته وهنالك إضرار بالجو األسري في حالة األسر التي كانت‬
‫تسودها عالقات متساوية بين الزوج والزوجة‪ ،‬بينما مكانة رب األسرة ال تأثر في حالة وجود عالقات‬
‫سلطوية للزوج على الزوجة‪.‬‬

‫‪-2‬خصائص البحوث الكيفية‪:‬‬


‫إن أهم ما يميز م نهج البحث الكيفي هو جدلية األصالة‪ ،‬أصالة في االقتراب من المبحوث‪ ،‬وأخرى من‬
‫الواقع‪ ،‬وتعني األصالة أن الباحث يفهم الموضوع في بناه الخاص وفي خصوصيته‪ ،‬وهناك البنية‪ ،‬أو‬
‫إقامة بناء‪ ،‬وتعني فهم الحدث‪ ،‬أو الميدان من منظور نظري وعام ومقارن‪ ،‬وأهم خصائص تصميم البحث‬
‫الكيفي هي‪:‬‬
‫‪ -‬االنفتاح‪ :‬إذا كانت عملية البحث الكمي مقننة ومحددة‪ ،‬فإن عملية البحث الكيفي تكون مفتوحة‪ ،‬ذلك أن‬
‫األ دوات الكمية مغلقة‪ ،‬وتتحكم خطوات البحث فيها بعقل الباحث‪ ،‬أما األدوات الكيفية فتعتبر البحث مجاال‬
‫مفتوحة أمام الباحث والمبحوث للتعديل التطوير‪.‬‬
‫إن مبدأ االنفتاح يتضمن على الصعيدين النظري والمنهجي مجموعة من النتائج‪ ،‬أهمها‪:‬‬
‫أ‪ .‬التأكيد على الوظيفة االستكشافية للبحث الكيفي‪.‬‬
‫ب‪ .‬التخلي عن تكوين الفرضيات مسبقا‪.‬‬
‫جـ‪ -‬إن البحث الكيفي يركز على البحث الميداني االستطالعي‪ ،‬وهذا ما يهمله البحث الكمي غالبا‪.‬‬
‫‪ -‬البحث بوصفه متفاعال‪ :‬إذا كانت مناهج البحث الكمي تؤكد على المسافة بين الباحث والمبحوث في‬
‫عملية البحث‪ ،‬فإن المناهج الكيفية بخالف ذلك تؤكد على أن عملية البحث ينبغي أن تكون عملية تفاعلية‬
‫بين الباحث‪ ،‬وبين األفراد الذين ينتمون إلى ثقافة معينة‪.‬‬
‫‪ -‬الطابع الديناميكي بين البحث والموضوع‪ :‬إن فهم البحث على أنه عملية تفاعل واتصال بين الباحث‬
‫والمبحوث‪ ،‬يعني أن العالقة بين البحث والموضوع ديناميكية‪ ،‬أي أن هذه الديناميكية هي ما يميز البحث‬
‫وموضوع البحث‪ .‬وكما تقول هوبف ‪ Hopf‬فإن البحث الكيفي يهتم بالمقام األول بنماذج التفسير والفعل‪،‬‬
‫التي ل ها إلزام اجتماعي محدد‪ ،‬لكن هذه النماذج الجماعية للفعل والتفسير ال يمكن تصورها على أنها‬
‫موجودة وغير متغيرة‪ ،‬وإنما يعاد إنتاجها وتتغير وفقا لفرضيات علم االجتماع الكيفي من خالل أفعال‬
‫وتأويالت أعضاء المجتمع الفاعلين‪.‬‬
‫‪ -‬التأمل النقدي للموضوع والتحليل‪ :‬يتميز البحث الكيفي بالتفكير النقدي بالموضوع‪ ،‬أو تأمل موضوع‬
‫البحث وعملية البحث‪ .‬إن مبدأ التأمل بالنسبة إلى موضوع التحليل‪ ،‬أي الظواهر والعمليات التي ينبغي‬
‫دراستها‪ ،‬يقوم على التصور النظري لمجال الموضوع ذاته‪ ،‬كما أن الفرضية األساسية للنموذج التفسيري‬
‫تكمن في افتراض التأمل النقدي لمعاني منتجات السلوك البشري اللغوي (الرموز‪ ،‬أفعال اللغة‪ ،‬التأويالت‬
‫اللغوية‪ ،‬غير اللغوية واإلشارات‪ ،‬واألفعال)‪.‬‬
‫‪ -‬التفسير‪ :‬يعني مبدأ التفسير أن نتوقع من الباحث االجتماعي بيان الخطوات المختلفة العملية البحث بقدر‬
‫اإلمكان‪ ،‬وتتحد أيضا القواعد التي ينبغي موجبها تفسير البيانات التي تم الحصول عليها ميدانية‪ ،‬ويتعين‬
‫على الباحث الكيفي تفسير بياناته بشكل أفضل‪ ،‬وإال يقع فريسة للتكميم والترميز‪ ،‬كما هو الحال في البحث‬
‫الكمي‪ ،‬فالبحث الكيفي فكري وعقلي وميداني‪ ،‬حتى الواقع اإلمبريقي فإنه يبحث كإشكالية فكرية ومعرفية‪،‬‬
‫ب خالف منهج البحث الكمي الذي يغلب عليه الطابع اآللي التقني‪.‬‬
‫‪ -‬المرونة‪ :‬تتسم البحوث الكيفية بالمرونة‪ ،‬وبمساهمة المبحوثين في عملية البحث‪ .‬بحيث إن مهمته‪ ،‬تتمثل‬
‫في أنه يوجه البحث للحصول على البيانات والتفسيرات من الحياة االجتماعية اإلمبريقية‪ ،‬فالبحث يبقى‬
‫متجذرة فيها‪.‬‬
‫‪ -3‬عيوب البحوث الكيفية‪:‬‬
‫‪ -‬عادة ما يكون حجم العينة صغيرا جدا‪ ،‬وهذا ال يتيح إمكانية تعميم النتائج‪ ،‬ولهذا عادة ما تكون البحوث‬
‫الكيفية الخطوة األولى التي تتبعها خطوات ومراحل أخرى من خالل البحوث الكمية‪ ،‬وإن كان ذلك ال‬
‫يمنع أن هناك بعض المشكالت تكون فيها بيانات البحوث الكيفية كافية لإلجابة عن تساؤالتها‪.‬‬
‫‪ -‬بعد ثبات البيانات في البحوث الكيفية مشكلة أخرى‪ ،‬حيث إن القائمين بعمليات المالحظة ينغمسون بشكل‬
‫كبير في المشكلة البحثية ويندمجون مع المبحوثين مما يفقدهم الموضوعية في جمع البيانات‪.‬‬
‫‪ -‬إذا لم يخطط للبحوث الكيفي ة بشكل جيد‪ ،‬فإن المشروع ربما ال يثمر نتائج ذات قيمة‪ ،‬فعلى الرغم من‬
‫السهولة الظاهرية في إجراء البحوث الكيفية‪ ،‬إال أن عدم التخطيط الدقيق لها قد يفقد الباحث التركيز الكافي‬
‫على القضايا األساسية في المشكلة البحثية‪.‬‬
‫ثالثا‪ -‬الفرق بين المنهج الكمي والمنهج النوعي أو الكيفي في البحث العلمي‪:‬‬
‫يوجد عديد من أوجه االختالف فيما بين المنهج الكمي أو النوعي‪ ،‬وسوف نستعرض ذلك فيما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬الهدف‪ :‬يعد الحصول على أرقام لها داللة بخصوص مشكلة البحث العلمي المحرك األساسي الستخدام‬
‫المنهج الكمي‪ ،‬بينما تعتبر الدوافع االجتماعية واإلنسانية هي المحرك الستخدام المنهج النوعي أو الكيفي‪.‬‬
‫‪ -‬عينات الدراسة‪ :‬من أكثر أنواع العينات التي يستخدمها الباحث في المنهج الكمي هي العينات العشوائية‪،‬‬
‫أما بالنسبة للمنهج النوعي فتستخدم العينات المنتظمة‪.‬‬
‫‪ -‬أدوات الدراسة‪ :‬يعد من أكثر أدوات الدراسة المستخدمة في المنهج الكمي استمارات االستبيانات على‬
‫اختالف أنواعها‪ ،‬ومن أكثر أدوات الدراسة التي يتم استخدامها في المنهج النوعي المقابالت والمالحظات‪.‬‬
‫‪ -‬المرونة‪ :‬يعد المنهج الكمي أقل مرونة من المنهج النوعي أو الكيفي؛ لعدم وجود ما يسمى الوصف في‬
‫خطواته‪.‬‬
‫‪ -‬الدور المنوط بالباحث‪ :‬يتضح دور الباحث في المنهج النوعي بطريقة أو بأخرى وتظهر آثاره الملموسة‬
‫في الدراسة‪ ،‬أما بالنسبة للمنهج الكمي فيختفي دور الباحث‪ ،‬أو ينفصل عن البحث‪.‬‬
‫‪ -‬الفرضيات العلمية‪ :‬يهتم المنهج الكمي بالفرضيات‪ ،‬وما تتضمنها من متغيرات بحثية‪ ،‬ومن ثم يحتاج‬
‫ذلك المنهج لتعريفات علمية دقيقة لتلك المتغيرات‪ ،‬ومن خالل ذلك المنهج يستطيع الباحث اختبار وقياس‬
‫العالقات فيما بين المتغيرات‪ ،‬سواء المستقلة أو التابعة‪ ،‬بينما ال يتطلب المنهج النوعي الفرضيات بشكل‬
‫موسع‪ ،‬ويمكن أن يكون ذلك في صورة فرضية واحدة على أقصى تقدير‪.‬‬
‫‪ -‬التوصيات النهائية في البحث‪ :‬تختلف التوصيات في المنهج النوعي الذي يسوق توصيات نهائية ناتجة‬
‫عن سمات وأوصاف‪ ،‬على خالف المنهج الكمي الذي يسوق التوصيات نتاج أرقام واضحة‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬أيهما أنسب للبحث العلمي المنهج الكمي أو النوعي؟‬
‫لكل من المنهجين خصائصه التي تميزه‪ ،‬فنرى المنهج الكمي ذا دالالت رقمية مهمة تدعم البحث‬
‫العلمي‪ ،‬وتمنحه القرينة والبرهان‪ ،‬ونرى المنهج النوعي يتطرق إلى قلب المشكلة ويلتمس العنصر‬
‫اإلنساني ومكنوناته وسماته‪ ،‬وجميع ما يرتبط باألمور المعنوية غير القابلة للقياس‪ ،‬ومن الممكن أن نقول‬
‫إن المنهج الكمي والمنهج النوعي يكمالن بعضهما البعض‪.‬‬
‫لذا فإن البعض يشبه البحث العلمي بالفيلم السينمائي المحبوك‪ ،‬والمنهج الكمي يمثل المنتج الذي‬
‫يضخ األموال؛ من أجل اإلنفاق على الفنانين‪ ،‬وشراء األجهزة المستخدمة في عمل الفيلم‪ ،‬وتوفير جميع ما‬
‫يستلزم ذلك من اعتمادات مالية‪ ،‬والمنهج النوعي يتمثل في الفيلم السينمائي أو الحبكة الدرامية التي يراها‬
‫المشاهدون عبر شاشات التلفاز‪.‬‬
‫تعد الشروط البحثية وموضوع البحث أو مشكلته على صلة وثيقة بالوصف‪ ،‬وذلك هو ما ينطوي‬
‫عليه المنهج النوعي المدعوم عن طريق الرقميات التي يوفرها المنهج الكمي‪.‬‬
‫من أبرز العوامل التي تجعل الباحث العلمي يدمج ما بين المنهج الكمي والنوعي عند إعداد البحث‬
‫أو الدراسة العلمية‪ ،‬هو عالقة السببية التي تتضح في أهمية وأهداف وفرضيات البحث العلمي‪ ،‬فالوصف‬
‫ضا الكم‪.‬‬
‫ال غني عنه‪ ،‬وأي ً‬
‫يمكن التعبير عن المقترحات والتوصيات التي يجب أن ينتهي بها البحث العلمي المنهج بطريقة كمية أو‬
‫نوعية‪.‬‬
‫يحتاج البحث العلمي إلى المرونة في التعامل مع البيانات والمعلومات‪ ،‬وهو ما يتضمنه المنهج النوعي‪،‬‬
‫وكذلك يحتاج البحث إلى ضمان الموضوعية‪ ،‬والتي تتمثل في االبتعاد عن التحيز من جانب الباحث‪،‬‬
‫وذلك ما يهتم به المنهج الكمي‪.‬‬

You might also like