• البحـث فـي اللغـة العربيـة ،كمـا يقول ابـن منظور فـي لسان العرب هـو" أـن تسـأل عـن شيـء وتسـتخبر عنـه" ( أـو أـن تفتـش عنه) . والبحث في معناه العام هو "محاولة العثورـ على شيء معين". • وعندمـا تقترن كلمـة ( البحـث) بصـفة ( العلمـي) فإـن ذلـك يحتمل معنييـن :المعنـى األول :أـن البحـث يتـم فـي مجال العلـم ,أما المعنـى الثاني :فيعنـي التعامل مع المعرفة بطريقة منظمة بهدف اكتشاف حقائـق جديدة ,أـو التثبـت مـن حقائـق قديمـة ,مـع رصد وتحليـل العالقات التـي تربـط بيـن المتغيرات والعناصـر المختلفة المتعلقة بالموضوع الذي يتناوله البحث العلمي . ومن هذا المعنى انبثقت العديد من التعريفات لمفهوم البحث العلمي ,ومن هذه التعريفات أن البحث العلمي هو( :محاولة الكتشاف المعرفة والتنقيب عنها ,وفحصها بتقص دقيق وعميق ,وتطويرها ,ثم عرضها عرضا ً مكتمالً ،على أن يتم ذلك وفق أصول المنهج العلمي وقواعده) . وهناك تعريف آخر للبحث العلمي وهو أنه (:التقصي أو المحاولة الدقيقة الناقدة للتوصل إلى حلول سليمة للمشكالت التي تؤرق اإلنسان وتُحيُّره) . ويمكن إجمال خالصة التعريفات التي ساقها الباحثون لمفهوم البحث العلمي باستخالص التعريف التالي ،وهو أن البحث العلمي " :دراسة موضوعية تهدف إلى تحقيق المعرفة المنظمة والمنطقية لمشكلة معينة أو موضوع معين بإتباع خطوات وأساليب وطرق علمية للبحث وجمع المعلومات والبيانات وتحليلها وصوالً إلى النتائج التي تعين على حل المشكلة أو فهم الموضوع المعين" . مفهوم البحث اإلعالمي: لما كان مجال اإلعالم بطبيعة تنوعه ،يتداخل مع مجاالت علمية أخرى ،كعلم النفس واالجتماع واالقتصاد والعلوم السياسية وغيرها ،ولما كانت موضوعات وظواهر البحث في مجاالت اإلعالم تجمع بين الماضي والحاضر والمستقبل ،فقد وجد الباحثون صعوبة في وضع تعريف محدد لمفهوم البحث العلمي في دراسات اإلعالم ،وإن كان من الممكن الخروج بعدة مفاهيم للبحث اإلعالمي من واقع المنهج والطريقة التي يجري بموجبها البحث . أهمية بحوث اإلعالم: جاء التطور الكبير والمذهل في مجال وسائل االتصال واإلعالم نتاجا ً للتطور الذي شهدته صناعة تكنولوجيا االتصال والتقنيات المختلفة ,عالوة على تطور علوم وفنون االتصال واإلعالم عموما ً .ومع التوسع الكبير القائم حاليا ً في استخدامات وسائل اإلعالم واالتصال الجماهير ازدادت أهمية وتأثيرات هذه الوسائل اجتماعيا ً واقتصاديا ً وسياسيا ً وثقافيا ً ,لتبرز في ضوء ذلك أهمية الدور الذي يجب أن تلعبه بحوث اإلعالم كمصدر هام للمعلومات والبيانات التي من شأنها أن تعزز من قوة أداء وفاعلية وسائل اإلعالم ,إضافة إلى أهمية هذه البحوث في دراسة تأثيرات وسائل اإلعالم . ومما يزيد من أهمية ودور بحوث اإلعالم وجود مجموعة من العوامل المرتبطة بالنشاط اإلعالمي والمؤثرة فيه ,والتي تؤكد مدى احتياج المؤسسات اإلعالمية وأجهزة ووسائل اإلعالم وبصورة متزايدة إلى استخدام بحوث اإلعالم. ومن أهم تلك العوامل ضرورة جمع بيانات ومعلومات دقيقة عن المشكالت البيئية واالجتماعية والثقافية والسياسية واالقتصادية السائدة ,ومدى ما يمكن أن تُسهم به وسائل اإلعالم في مواجهتها ،وإيجاد حلول لها .إضافة إلى الحاجة المستمرة والضرورية لهذه البحوث اإلعالمية لتوفير البيانات والمعلومات الالزمة والمستمرة عن الرأي العام ،وعن االتجاهات والمعتقدات واآلراء ووجهات النظر المختلفة لدى الجماهير المستهدفة ,وعن احتياجاتهم ورغباتهم واهتماماتهم المختلفة ,وعن درجات المعرفة والوعي واإلدراك ,ومراكز االهتمام ,واالنطباعات لدى الجماهير المختلفة داخليا ً وخارجيا ً . ومن العوامل أيضا ً التي تؤكد على حتمية استخدام بحوث اإلعالم ضرورة دراسة خصائص جمهور ووسائل اإلعالم ( من قراء ومستمعين ومشاهدين ومرتادي االنترنت) ،بهدف توفير المعلومات المتكاملة عنهم والتي تفيد في إعداد وتوجيه المواد اإلعالمية المالئمة لهم ،إلى جانب دراسة الوسائل اإلعالمية المختلفة بخصائصها وجوانبها الفنية والتقنية ،ودراسة وقياس أثر النشاطات اإلعالمية وتقييم فعالية الجهود االتصالية لهذه الوسائل ،باإلضافة إلى جمع كافة البيانات والمعلومات المتعلقة بأنشطة االتصال الجماهيري وأنماطه ونماذجه ،وأساليب الممارسات اإلعالمية المختلفة ،وكذلك النظم والتشريعات اإلعالمية القائمة ..وغيرها من العوامل التي تؤكد على أهمية بحوث اإلعالم وتصاعد االحتياج إليها . العوامل التي ساعدت على تطور بحوث اإلعالم-: -1الحرب العالمية األولى التي أدت إلى إظهار الحاجة لضرورة فهم أكثر وأعمق لطبيعة الدعاية ،The Propagandaحيث استند الباحثون خالل هذه الفترة إلى نظرية المنبه واالستجابة لدراسة تأثير وسائل اإلعالم على األفراد . وكانت نظرة الباحثين لوسائل اإلعالم خالل فترة العشرينيات من القرن الماضي تقوم على أساس أن وسائل اإلعالم تؤثر على جماهيرها بشكل كبير وفعّال ،مستندين في ذلك على نظرية ( الحقنة تحت الجلد) ،وهي إحدى النظريات الهامة في ذلك الوقت ،حيث أن كل ما يحتاج إليه القائم باالتصال - وفقا ً لهذه النظرية -هو أن يقوم بإطالق رسائل على جمهور معين ليحصل على التأثير المطلوب على جميع أفراد هذا الجمهور ،وكان االعتقاد السائد حينها هو أن األفراد يتشابهون في ردود فعلهم وتأثير وسائل اإلعالم عليهم . -2كان المؤثر الثاني الذي ساعد على تطوير بحوث اإلعالم هو إدراك المعلنين خالل الخمسينيات والستينيات ألهمية البيانات والمعلومات التي يتم الحصول عليها من البحوث وإمكانية استخدامها في إقناع العمالء المحتملين لشراء السلعة أو الخدمة ال ُمعلن عنها ،وبالتالي أقبل هؤالء المعلنون على تشجيع الدراسات التي تتعلق بفعالية الرسالة اإلعالنية وحجم الجمهور وسماته الديمغرافية ،وأهمية موقع اإلعالن في الحصول على أكبر قدر ممكن من التعرض للرسالة اإلعالنية ،وكذلك الدراسات التي تتعلق بتأثير التكرارات اإلعالنية في إقناع الجمهور المحتمل ،أو الدراسات المتعلقة باختيار الوسيلة اإلعالمية المناسبة التي تساعد على إيصال اإلعالن إلى الجمهور المستهدف . -3العامل الثالث المؤثر الذي ساعد على تطور بحوث اإلعالم :هو زيادة اهتمام الجمهور بتأثير وسائل اإلعالم عليهم وخاصة على األطفال ،مما دفع الباحثين إلى االهتمام بالدراسات والبحوث المتعلقة بالعنف والبرامج الجنسية وكذلك اإلعالنات ..كما بدأ الباحثون يهتمون بدراسة التأثيرات االجتماعية االيجابية مثل اهتمامهم بدراسة التأثيرات السلبية للتليفزيون . -4لعبت المنافسة الشديدة بين وسائل اإلعالم من أجل الحصول على اإلعالنات دوراً كبيراً في تطور الدراسات والبحوث اإلعالمية ،وتزايد اعتماد وسائل اإلعالم على البيانات المأخوذة من البحوث التخاذ القرارات فيما يتعلق بطبيعة مخرجاتها اإلعالمية .ومن الدراسات اإلعالمية المتعلقة بالوسائل التي ظهرت نتيجة لهذه المنافسة ( :دراسات االتجاهات -دراسات قيم وأذواق ورغبات الجمهور -دراسات الصور الذهنية -الدراسات الخاصة بالجماهير النوعية) . -5أثرت تكنولوجيا االتصال الجديدة على تطور البحوث والدراسات اإلعالمية إلى ح ٍد كبير ،ففي الماضي كانت معظم البحوث والدراسات تتعلق بقناة االتصال ،وكان الباحثون يميزون بين بين نوعين من االتصال ،وهما: االتصال الشخصي الذي يعتمد على المواجهة المباشرة ،ويخاطب عدد محدود من األفراد ،واالتصال الجماهيري الذي يعتمد على قنوات االتصال المختلفة ،ويصل إلى أعداد كبيرة من الجماهير في نفس الوقت . وبعد تقدم تكنولوجيا االتصال أصبح في إمكان الباحثين التعرف على نوع ثالث من االتصال الشخصي يعتمد على اآللة ،وهو االتصال الذي يجمع بين مزايا االتصال الشخصي واالتصال الجماهيري ومن أمثلته : نظام الرسائل االلكترونية (اإليميل). تليفزيون الكابالت التفاعلي . وأخيراً االنترنت ممثالً بـ (مواقع التواصل االجتماعي ،الشات ،وغيرها). أنواع البحوث اإلعالمية أوالً :البحوث االستكشافية أو االستطالعية-: ويهدف هذا النوع من البحوث إلى اكتشاف ظاهرة معينة أو مجموعة من الظواهر الجديدة وإلقاء المزيد من الضوء عليها ،عن طريق جمع المعلومات والبيانات الالزمة عنها ،والتعرف عليها ،وذلك إما بهدف تكوين أو تحديد وجود مشكلة أو ظاهرة معينة بدقة قبل البدء بدراستها ،أو لوضع مجموعة معينة من الفروض والتساؤالت حول هذه المشكلة أو الظاهرة البحثية المكتشفة ،وتحديد المتغيرات والعوامل المكونة أو المرتبطة بها . وتُمثل هذه البحوث االستكشافية أو االستطالعية الخطوة االرتيادية األولى في عملية البحث العلمي في مجال اإلعالم ،وتكون ضرورية في مرحلة النُدرة الشديدة أو انعدام المعلومات والبيانات المتعلقة بالظواهر اإلعالمية المختلفة، حيث تستهدف تحديد المشكالت العلمية تحديداً دقيقا ً وتاماً ،بحيث تنتهي هذه الخطوة وقد توضحت أمام الباحث اإلعالمي أهم المشكالت والقضايا اإلعالمية التي يجب أن يوليها عناية خاصة وكذلك أهم الفروض المتصلة بها التي يجب أن توضع موضع البحث والتجربة في بحوثه المستقبلية . وترجع أهمية إجراء الدراسات االستكشافية في مجال اإلعالم إلى مجموعة من العوامل أهمها: يعتبر علم اإلعالم من العلوم الحديثة نسبيا ً إذا ما قُورن بالعلوم الطبيعية، ولكي تتقدم البحوث في مجال اإلعالم -وهو مجال بكر -فال بد أن تتلمس خطاها في البداية حتى تصل إلى بلورة نظريتها وصقل وسائلها وأدواتها البحثية وذلك من خالل البدء بالدراسات االستكشافية . تؤدي الدراسات االستكشافية في مجال اإلعالم إلى إمكانية اشتقاق مجموعة من المعايير التي تُفيد في التعرف على أهم ميادين المشكالت التي ينبغي أن تتوجه إليها بحوث اإلعالم. النقص الملحوظ في البحوث التطبيقية والنظريات التي يمكن االعتماد عليها بصفة أساسية في تفسير الظواهر وتحديد المشكالت التي تواجه مجاالت اإلعالم المختلفة ،بعكس الحال في العلوم الطبيعية األخرى التي قطعت شوطا ً كبيراً في هذا المجال. قلة عدد البحوث التي أُجريت في مجال اإلعالم ،فضالً عن عدم تغطيتها للمجاالت اإلعالمية المختلفة ،مما يفرض أهمية إجراء هذه النوعية من الدراسات االستطالعية أو االستكشافية ،وخصوصا ً في بل ٍد كاليمن الذي يتسم بحداثة الدراسات اإلعالمية فيه عموماً ،حيث ال تزال هناك الكثير من المجاالت والقضايا اإلعالمية التي لم يتم دراستها بعد ،والتي تحتاج إلى جهود كبيرة من الباحثين الرتيادها والكشف عن طبيعتها . على الرغم من العدد الوفير من البحوث التي أجريت في مجال اإلعالم في الخارج ،والنتائج الهامة التي توصلت إليها هذه البحوث ،إال أنه من الصعب استخدام مثل هذه النتائج في مجتمعنا اليمني نظراً لوجود اختالف كبير في المتغيرات والظروف الحاكمة لدينامية العملية اإلعالمية بين مجتمعنا والمجتمعات األخرى في الخارج ،كالمتغيرات البيئية واالجتماعية السائدة، ومستويات التعليم والثقافة والمعيشة ،والظروف السياسية واالقتصادية، وكذلك اختالف تأثير القيم الدينية واالجتماعية والعادات والتقاليد ...الخ.