Professional Documents
Culture Documents
https://forum.fsjes-agadir.info/
محاضرات في مــــــادة:
المــدخــل إلــى الــعــلوم الســيــاســيــة
الفوجان ( )6و()7
WWW.FSJES-AGADIR.INFO
إن علم السياسـة أو العلم السياسـي هـو علم حـديث النشـأة مقارنـة مـع بـاقي العـوم األخـرى ،إذ لم يترسـخ إال بعـد
سنوات من الحرب العالمية الثانية ،فإلى حدود بداية القرن العشـرين كـان يتـداخل مـع مـع الفلسـفة السياسـية ومـع
التاريخ السياسي والقانون الدستوري ،ولم يثبت وجوده واستقالليته إال بعد صـيرورة طويلـة ،تـراكمت فيهـا كثـير
من األعمال واإلنتاجـات العلميـة واالجتهـادات ،كمـا أنـه لم يـدمج في بنيـات مراكـز البحث الوطنيـة الفرنسـية إال
ابتداء من سنة .)CNRS(1983
ونتيجة للتطور الكبير الذي وصلت إليه الظاهرة السياسية ،فقد أخذ االعتراف به كعلم قائم بذاته يأخذ مواقعه ،فقــد
بدأت النقاشات المعمقة األولى لالعتراف به وتطويره كعلم في الواليــات المتحــدة األمريكيــة لدرجــة أنــه اصــطبغ
بصبغة المجتمع األمريكي .إذ بالبرعم من أن أدبيات علم السياسة تعود إلى تاريخ يتجاوز 2500سنة ،فإن مرحلة
التخصص العلمي الجامعي المستقل عن ارتباطه بعلوم معرفية أخرى يعود إلى عام 1903في الواليــات المتحــدة
األمريكية ،مع إنشاء الجامعة األمريكية للعلوم السياسية ،ثم تَلَكأ حتى فترة ما بعـد الحـرب العالميـة الثانيـة ليحقـق
استقالليه في أغلب الجامعات األوربية ،وإن كان قد حققها في بعض الدول شمال أوربا.
وفي االتحـاد السـوفياتي سـابقا ،لم يكن علم السياسـة علمـا مسـتقال ،بـل كـان مرتبطـا في الغـالب بأقسـام القـانون
واإلدارة ،وإن كانت العالقات الدولية أكثر وضوحا كتخصص علمي.
وتعـد الخطـوة الكبـيرة الـتي أسـهمت في تقـدم علم السياسـة وتطـوره على نطـاق واسـع هي مـا قـامت بـه منظمـة
اليونيسكو العالمية بإنشاء "الجمعية الدولية لعلم السياسة" عام ،1948كما عقدت ندوة عالمية لدراسة منــاهج علم
السياسة في فلورنسا بإيطاليا .أما في العالم العربي فإن معهد العلوم السياسـية في جامعـة الجزائـر يمثـل أول كليـة
جامعيــة عربيــة متخصصــة بــالعلوم السياســية منــذ ،1949غــير أن ذلــك كــان تحث حكم اإلدارة االســتعمارية
الفرنسية ،ثم ارتبط بمعهد اإلعالم في فترة الحقة ليصبح معهد العلوم السياسية واإلعالم .وفي بقية الدول العربيــة
كانت أول كلية للعلوم السياسية تلك التي فتحت في العراق عام ،1987بينمـا بقيت العلـوم السياسـية على مسـتوى
األقسام التي ترتبط بكليات مختلفة ،فهي مع الحقوق أحيانا أو مع اآلداب أو االقتصاد أحيانا أخـرى ،وهـذا مرتبـط
بتأثيرات تاريخية مختلفة.
وقد تأسست الجامعة العربية للعلوم السياسية في عام ،1985وبدأت بإصدار دورية علمية محكمـة باسـم "المجلـة
العربية للعلوم السياسية عام ،1986ويعمل حاليا على تدريس علم السياسة في العديد من الجامعات العربية.
وسـنعمل في هـذا البحث المتواضـع حـول مـادة المـدخل للعلـوم السياسـية ،من خالل (المبحث األول) على شـرح
المبادئ والمعلومات األساسية المتعلقة بماهية علم السياسة :نشأة هذا العلم ،ومفهومه ،وأهميته وأهدافـه ،وعالقتـه
بالعلوم األخرى ،وموضوعاته ومجاالته ،ومناهج البحث العلمي في هذا الميدان ،أما في (المبحث الثاني) سنرى
المجتمع السياسي المنظم والتفاعالت والفـاعلين السياسـيين ،من خالل عـرض على مفهـوم المجتمـع السياسـي أي
الدولـة ،والسـلطة في المجتمـع السياسـي ،والفـاعلون السياسـيون خاصـة األحـزاب السياسـية وجماعـات الضـغط
والمصالح وتفاعالتهم في ظل الدولة.
المبحث األول :ماهية علم السياسة
سنعمل في هذا المبحث على شرح المبادئ األساسية المتعلقة بماهية السياسة ،بالتركيز على دراسة نشأة الظــاهرة
السياسية وتطورها ،وأهداف علم السياسة ،وعالقته بالعلوم االجتماعيـة األخـرى ،وموضـوعاته ومجاالتـه ،وكـذا
اﻟﻤﻨﺘﺪى اﻟﻄﻼﺑﻲ
https://forum.fsjes-agadir.info/
المطلب الخامس :مجاالت وموضوعات علم السياسة:
حاولت دراسات كثيرة تحديد مجاالت علم السياسة كعلم قائم بذاته ،ولكنها لم تتوصـل إلى اتفـاق بينهـا حـول
هذا الموضوع ممـا دفـع نخبـة من البـاحثين السياسـيين الـذين كـانوا مجتمعين في دار اليونيسـكو في بـاريس
1948إلى تحديد الموضوعات التي تشـملها دراسـة الظـواهر السياسـية تحديـدا واضـحا ،فـاعتبرت أن علم
السياسة علم قـائم في الواقـع ،وحـددت مجاالتـه انطالقـا من وجـوده الـواقعي ،أي من اهتمامـات المؤسسـات
والمختصين العاملين في مجاالت التعليم والبحث السياسي ،وليس من تصور عقالني عام.
وقد حددت مواضيع ومجاالت علم السياسة فيما يلي:
النظرية السياسية؛
المؤسسات السياسية؛
األحزاب وجماعات الضغط والرأي العام؛
العالقات الدولية؛
وفيما يلي شرح لهذه المواضيع:
الفرع األول :النظرية السياسية:
تعرف النظرية السياسية كما ورد ذلك في كتاب "بحث في االقتصــاد" الصــادر ببــاريس ســنة 1939بأنهــا
"حصيلة المالحظة" .وتعتبر الالئحة النموذجية الصادرة عن منظمة اليونيسكو سنة 1948أول من استخدم
مصطلح النظرية السياسية وجعلت منها الموضوع األول من حقول الدارســة في علم السياســة ،كمــا حــددت
لها فرعين مختلفين هما :تاريخ األفكار السياسية والنظرية السياسية.
.1تاريخ األفكار السياسية:
للفكرة عدة مفاهيم ،فهي كل ما يخطر ببال اإلنسان حول تنظيمــه السياســي كمــا هــو ،وكمــا يجب أن يكــون
عليه ،وحسب "أفالطون" فيقصـد بـالفكرة عـالم الحقيقـة والمثــل العليــا ،أمـا الفكـرة بــالمعنى البسـيط فتعـني
التصور العقلي للظاهرة السياسية.
وللحديث عن األفكار السياسية ال بد من العودة إلى الفلسفة السياسية كونها البداية الحقيقية للتغيير السياســي،
وهي تعني تنظيم األفكار السياسية من قبل مفكرين تنسب إليهم إليهم هذه الفلسفة كفلسـفة أريسـطو ،وهيجـل،
وكارل مــاكس ،...كمـا يمكن أن تنتسـب الفلسـفة إلى مواضـيعها كالمثاليـة والعقالنيـة الطبيعيـة وغيرهــا من
المواضيع التي شكلت فيما بعد أسس لنظريات كثيرة ،وتهدف الفلسفة السياسية إلى دراسة ما يجب أن تكون
عليه الظاهرة السياسية من مبادئ مثالية حتى يتحقق االنتفاع األكبر من آثارهــا ،مثال قيــام الدولــة على مبــدأ
العدالة لدى أفالطون ،أو النظام االجتماعي وعمومية ملكية وسائل اإلنتاج عند كارل ماكس.
ويعد الرجوع للمصادر األساسية في النظرية والفكر السياسي أمرا مهما ،ال غنى عنــه ألنــه ي َمكن الدارســين
من اإللمام باألسس العامة للعلــوم السياســية .وتشــمل قائمــة المصــادر لهــذا العلم مؤلفــات كــل من أفالطــون،
وأرسـطو ،واركـوس ،وشيشـرون ،وتومـاس األكويـني ،وميكيـافيللي ،وكـانت ،وجـورج هيجـل ،ومـاركس،
وجون جاك روسو ،وجون لوك ،ومونتسكيو ،وتوماس هوبز ،وأبو النصر محمد الفارابي ،وعبــد الرحمــان
بن محمد بن خلدون ،...وتمكن هذه المصادر الباحثين السياسيين من التعمق في قضــايا السياســة التجريبيــة،
حيث يستطيعون الوصول إلى تعميمات صحيحة ودقيقة ترتكز على حقائق ثابتة ،تتناول شتى الموضوعات،
مثل كيفية الوصول إلى السلطة واألسباب المؤدية إلى سقوطها.
.2النظرية السياسية:
تعتبر النظرية السياسية بناء تصوريا يرتكز على تحليل مقارن لمنتظمات سياسية قائمة في الواقع ومتشــابهة
نسبيا .فهي هيكل فكــري للربــط بين مبــادئ معينــة ونتــائج معينــة ،وقــد يكــون البنــاء النظــري بنــاء صــحيحا
أوخاطئا وال يمكن أن تكتسب النظرية صفة العلمية إال إذا تمت البرهنة عليها بالتجربة.
وتجدر اإلشارة إلى أن النظرية السياسية ال تعبر عن حالة وهميــة ال وجــود لهــا في الواقــع ،كمــا يتصــورها
البعض ،وإنما عكس ذلك تماما ،فهي تنطلق من دراسة الواقع وفهم العالقة القائمة بين عناصــره والعناصــر
المؤثرة فيه ،وحركة تطوره.
ونظرا لصعوبة التجريب في المجال فإن ،النظريات السياسية ،بشكل عام ،تندرج ضــمن الفلســفة السياســية،
حيث يفترض عدم التناقض بين الواقع والنظرية ،ذلك أن أغلب النظريات السياسية اســتوحاها أصــحابها من
الواقع.
فنظرية جون لوك حول الحقوق الطبيعيـة لإلنسـان مسـتلهمة من الثـورة في ابريطانيـا ،ونظريـة ابن خلـدون
مأخوذة من واقع األنظمة في المجتمعات اإلسالمية آنذاك ،كما انتبــه ليــنين إلى هــذه العالقــة فقــال :ال تكــون
ثورة بدون نظرية ثورية.
الفرع الثاني :المؤسسات السياسية:
تتوزع المؤسسات السياسية بشكل عام حول الفئات التالية:
الدستور؛
الحكومة المركزية؛
الحكومة اإلقليمية والمحلية؛
اإلدارة العامة؛
وظائف الحكومة االقتصادية واالجتماعية؛
المؤسسات السياسية المقارنة.
يــرى البــاحثون أن المؤسســات السياســية هي الــتي لهــا صــالحية اتخـاذ القــرارات السياســية ،أي القــرارات
األساسية التي تشمل المجتمع السياسي بكامله .فال تنحصر صالحياتها في مجــال محــدد ،وال فئــة أو جماعــة
معينة ،إنما تتناول المجتمع بأكمله الذي تتواجد فيه كــل الجماعــات والفئــات .إن المؤسســات السياســية تجســد
إرادة عامـة شــعبية ووطنيــة ،وتخضــع لقراراتهــا وتوجيهاتهـا جميـع المؤسسـات القائمــة في إطـار المجتمــع
السياسي والدولي .فمجلس النواب والحكومة ورئاسة الدولة ،هي المؤسسات السياسية األساســية وهي توجــد
في قمة هرم السلطة ،وتأتي على مستوى أدنى منها المؤسسات اإلدارية والقضائية والعسكرية .فالمؤسسيات
السياسية تحدد التوجهات العامــة ،وتتخــذ القــرارات األساســية ،وتقــوم المؤسســات اإلداريــة بالتحضــير لهــذه
التوجهات والقرارات ومن ثم تنفيذها .أما المؤسسات القضائية فتنحصر مهمتها في فصل النزاعات وتطــبيق
القــوانين ،في حين تعمــل المؤسســات العســكرية على تنفيــذ القــرارات السياســية ذات الطــابع العســكري.
وللمؤسسات جميعها السياسية واإلدارية والقضائية والعسكرية أهمية سياسية كبرى ،ألنها تقوم بدور أساسي
في الحفاظ على الدولة والمجتمع عبر الوظائف التي تقوم بها.
ولقد عرف الفقيهان "فوكون" وكذا "مرسيل موس" المؤسسة بأنها "مجموعة أفعال أو أفكار مؤسســة ،يجــد
األفراد أنفسهم أمامها وخاضعين لها" .أما "موريس هوريو" فقد عرفها بأنها "تنظيم حقوقي /اجتمــاعي ،أي
تنظيم مخصص لمجموعة أفراد ،يتم االعتراف بسلطته ،ألنها نشأت متالزمة مــع النظــام العــام ،ولهــا طــابع
الديمومة ،وهي قائمة على موازين قوى أو على فصل السلطات ،فتحافظ على حالــة الســلم االجتمــاعي وهي
بمثابة التعويض عن اإلكراه الذي تمارسه على أعضائها".
ويمكن تعريف المؤسسة على الشكل التالي :هي مجموعة بنى أساسية تعمــل من أجــل تنظيم المجتمــع ،وفــق
قواعد قانونية مكتوبة أوعرفية ،تنشأ من أجل هدف تعمل على تحقيقه من خالل القيام بوظائف معينة ،ولهــذا
الكيان صفة الديمومة ،وله شخصية معنويـة ،ألن مصـلحته متمـيزة عن مصـالح أعضـائه .وهـذه الشخصـية
المعنوية هي التي تعطي المؤسسة طابع الديمومة ألنها تســتمر رغم تبــدل هـؤالء األفــراد ،فالمؤسسـة تجسـد
هـدف أوقيمـة معينـة وترتكـز على قواعـد ،وتقيم روابـط بين مجموعـة من األفـراد ،وهي تكتسـب شخصــية
تضعها فوق إرادة مؤسسيها ،وتستمر بعد زوالهم .والمؤسسات السياسية نوعان هما :مؤسسات خاصة تربط
أهدافها باألفراد ،ومؤسسات عامة ترتبط أهدافها بالنظام العام في المجتمع.
الفرع الثالث :األحزاب السياسية و جماعات الضغط والرأي العام
يشكل كل من األحزاب السياسية وجماعات الضغط أوجماعات المصالح والرأي العــام إحــدى مواضــيع علم
السياسية ،وسنتطرق إليها اتباعا في الفقرات الثالثة التالية.
الفقرة األولى :األحزاب السياسية:
سنرى في هذه الفقرة تعريف األحزاب السياسية وكذا أنواعها وتصنيفاتها المتنوعة.
أوال :تعريف الحزب السياسي
الحزب السياسي هو تنظيم سياسي دائم ،يتمتع بالشخصية االعتبارية ،يؤسس طبقا للقــانون ،بمقتضــى اتفــاق بين
أشــخاص ذاتــيين ،يتمتعــون بحقــوقهم المدنيــة والسياســية ،يتقاســمون نفس المبــادئ ،ويســعون إلى تحقيــق نفس
األهداف.
ويعمل الحزب السياسي على تأطير المواطنين وتكــوينهم السياســي وتعزيــز انخــراطهم في الحيــاة الوطنيــة وفي
تدبير الشأن العام.
ثانيا :أنواع وتصنيفات األحزاب السياسية
تختلف األحزاب السياسية وتتنوع ،فحسب تنظيمها هناك األحزاب المنظمة واألحزاب غــير المنظمــة ،ومن حيث
عالقتها بالجماهير تنقسم إلى أحزاب األطر أوالكوادر وأحزاب الجماهير ،ومن حيث األنظمة الحزبية تنقســم إلى
عدة أصناف ،فهناك نظام الحزب الواحد ونظام الحزبين ونظام تعدد األحزاب ونظام الحــزب المهيمن أو الحــزب
القائد.
تصنيف األحزاب السياسية من حيث التنظيم :تنقسم األحزاب السياسية في الواقع من حيث التنظيم إلى نــوعين
هما أحزاب سياسية منظمة وأحزاب سياسية غير منظمة أوضعيفة التنظيم.
األحزاب المنظمة
وهي األحــزاب الــتي تمتلــك هيكلــة داخليــة مترابطــة ومتماســكة بقــوة ،وقائمــة على التسلســل في الوظــائف
والمسؤوليات .فالتماسك الداخلي يفرض على الحزب تنظيم نفسه من القاعدة إلى القمــة على أســاس وحــدات
وخاليــا وأقســام محليــة ،وجهــاز قيــادي على المســتوى الوطــني (مكتب سياســي ،مجلس قيــادي ،لجنــة
مركزية…) كلها مترابطة ببعضها البعض ،بحيث يحيط المسؤولون الحزبيــون بأعضــاء الحــزب ،على كــل
مستوى من المستويات التنظيمية.
ولهذا التماسك الداخلي نتائج أهمها التزام أعضاء الحـزب بإديولوجيـة الحـزب وبرنامجـه السياسـي ،وتقويـة
ســلطة القيــادة الحزبيــة وتشــديد قبضــتها على الحــزب ،ويتجلى ذلــك في اختيــار القيــادة للمرشــحين الــذين
يخوضــون االنتخابــات التشــريعية واإلداريــة والمحليــة باســم الحــزب ،والــتزام نــواب الحــزب بالتعليمــات
والتوجيهات الصادرة عن قيادة الحـزب .وكمثـال عن األحـزاب المنظمـة ،األحـزاب في ابريطانيـا وأحـزاب
اليسار في فرنسا واألحزاب الشيوعية.
األحزاب غير المنظمة أوضعيفة التنظيم
هي تلك األحزاب التي ال تملك بنية داخلية متماسكة إما بسبب تباعد االتجاهات داخل الحزب ،وإما لترك المجــال
واسعا أمام أعضاء الحزب للتعبــير عن مــواقفهم بحرية .وهــذه األحــزاب يكــون لهــا أقســام محليــة وأجهــزة قيــادة
مركزية ،غير أن المسؤولين في الحزب ال يقيدون أعضاء الحـزب بمواقــف وتوجهـات صـارمة .فهــذه األحــزاب
تترك للنواب مثال ،حرية التصويت في البرلمان ،وهذا ما يؤدي غالبا إلى انقسام نواب الحزب في أثناء التصويت
حول القضايا المهمة.
ومثال ذلك أحزاب الوسط في فرنسا كالحزب الراديكالي االشتراكي ،واألحزاب في الواليــات المتحــدة األمريكيــة
التي تمتاز بتنظيم صلب على مستوى الواليات المتحدة ،ولكنها ال تمتلك مثل هذا التنظيم على المستوى الفيدرالي
حيث التصويت حر.
تصــنيف األحــزاب من حيث عالقتهــا بالجمــاهير :يمكن تصــنيف األحــزاب من حيث عالقتهــا بالجمــاهير إلى
صنفين ،وهي:
أحزاب الكوادر أو األطر
هي األحزاب التي يكون عدد أعضائها قليال نسبيا ولكن يتم اختيارهم من النخبــة ،وقيــادة الحــزب هي الــتي تحــدد
الخيارات السياسية ،وتضع البرامج التي تعبر عنها وتنقلها إلى الرأي العام بواسطة الدعاية السياسية ،الــتي يغلب
عليها عامة الطابع الثقافي ،كالخطب والمحاضرات والصحف والمنشورات.
وهذه األحزاب يكون هدفها السياسي تحقيق النجــاح في عملهــا السياســي ،عــبر اإلقنــاع ،وال تتوجــه بشــكل جــدي
للجماهير إال أثناء الحمالت االنتخابية
أحزاب الجماهير
هي األحزاب التي تسعى جاهدة لجذب أكبر عدد من الجمـاهير إلى صـفوفها فعـدد أعضــائها هـو أكـبر بكثـير من
عدد أعضاء حزب الكوادر ،ولكنــه يبقى قليال نســبة لمجمــوع أفــراد الشــعب .ففي عــام 1981بلــغ عــدد أعضــاء
الحزب الشيوعي في االتحاد السوفييتي أربعة عشر مليونا وخمسمائة ألف عضو من أصل مئتين واثنين وأربعين
مليون مواطن.
وتتوجه أحزاب الجماهير إلى الرأي العام بطريقة مباشرة ،فهذه األحزاب تعمل على استقطاب األعضاء من كــل
الفئــات ،بغض النظــر عن مســتواهم االجتمــاعي والثقــافي ،وذلــك بواســطة أســاليب من شــأنها تحريــك الجمــاهير
وتعبئتها ،كالمهرجانات واالستعراضات والمظاهرات ،...وهي تتوجه بشــكل خــاص إلى الفئــات الشــعبية وتتبــنى
مطالبها من أجل ربطها بها.
تصنيف األحزاب من حيث األنظمة الحزبية:
لألحزاب تأثير مباشر على عمل األنظمة السياسية .ففي بعض األنظمة ينحصــر النشــاط السياســي بحــزب واحــد،
بينما في أنظمة أخرى تدور اللعبــة السياســية بين حــزبين أو أكــثر .لــذلك يمكن التميــيز بين أربعــة أنظمــة حزبيــة
أساسية:
نظام الحزب الواحد )1
هو النظام الذي ال يسمح قانونيا بممارسة العمل السياسي إال لحزب واحد ،وقوة هذا الحزب تنبع من تفرده بالعمل
السياسي أكثر مما تنبــع من اتســاع قاعدتــه الشــعبية ،فهــو المعــني بإعــداد األشــخاص الــذين يتولــون المســؤوليات
السياسية واإلدارية في الدولة .وأول ما ظهر نظام الحزب الواحد في أوربا وذلك بين عــامي 1917و 1930في
االتحاد السوفييتي إثر الثورة البلشفية ،وفي إيطاليا على إثر قيام الحكم الفاشي ،وفي ألمانيا في ظل النازية.
)2نظام الحزبين
هو النظام الذي يدور فيه النشاط السياسي بين حزبين أساسيان يستقطبان الرأي العام .وقــد يوجــد إلى جانبهمــا في
بعض األحيان أحزاب أخرى ،ولكن يكون تأثيرها شبه معدوم في الحياة السياسية.
ويمكن التمييز في هذا النظام بين نظام الحزبين الصلب ونظام الحزبين المرن.
نظام الحزبين الصلب :هو النظام الذي يمتاز فيــه الحزبــان ببنيــة داخليــة صــلبة ،ونظــام حــزبي متشــدد،
كحزب العمال والمحافظين في ابريطانيا.
نظام الحزبين المرن :هو النظام الذي ال يخضع فيه الحزبان لنظام صارم وبشكل خاص بالنســبة لعمليــة
التصويت ،وهذا ما يقــود إلى تحالفــات مؤقتــة بين اتجاهــات متعــددة داخــل كــل من الحــزبين ،كــالحزب
الديمقراطي والحزب الجمهوري في الواليات المتحدة األمريكية.
ويــرى أنصــار نظــام الحــزبين بأنــه يســاهم في اســتقرار المؤسســات الدســتورية ،وفي خلــق التــوازن في الحيــاة
السياسية ،ألنه يساعد على تحقيق عملية التناوب في السلطة بانتظام ،بحيث يتعــاقب كــل من الحــزبين المتنافســين
على ممارسة السلطة السياسية في الدولة ،وهو ما يحصل في ابريطانيا والواليات المتحدة األمريكية.
)3نظام تعدد األحزاب:
هو النظام الذي توجد فيه ثالثة أحزاب سياسية أو أكثر تتنافس فيما بينهــا للوصــول إلى الســلطة وممارســة الحكم.
والدول التي فيها تعددية حزبية عديدة نذكر منعا على سبيل المثال فرنسا ،إيطاليا ،المغرب ،اليابان.
والتعددية الحزبية في الواقع تقدم للمواطن عدة خيارات تفسح له المجال النتقاء األفضل .وكل الفئات الــتي تشــكل
الرأي العام تجد فيه وسيلة للتعبير عن تطلعاتها ومصالحها .ولكن من ناحية ثانية تحــول التعدديــة الحزبيــة بشــكل
عام دون نشوء كثل برلمانية قوية ،مما يؤدي إلى الشرذمة وعدم االستقرار في المؤسسات الدستورية ،فالحكومــة
مثال في هذا النظام تكون إما حكومة ائتالفيــة ،أي ناتجــة من تحــالف عـدة أحــزاب ،وإمــا حكومــة تــدعمها غالبيـة
ضئيلة من البرلمان ،نظرا لتوزيع المقاعد النيابية على عدد كبير من األحزاب ،وفي الحالتين يكون وضعها غــير
مستقر ألنه في الحالة األولى :يتعرض التحاف الحكومي للتفكك تحث تأثير أية أزمة سياسية ،وفي الحالة الثانية :
تكون الحكومــة معرضــة للســقوط ألن الكتــل البرلمانيــة الــتي تــدعمها ال تشــكل أكثريــة كبــيرة .وعــدم االســتقرار
الحكومي ينعكس سلبا على استقرار مؤسسات الدولة .وحـتى البرلمـان ذاتـه يتعــرض للحـل في النظـام البرلمـاني
على أساس االنتخابات التشريعية الجديدة قد تأتي بأغلبية نيابية بارزة ،تنبثق عنها حكومــة قويــة ومســتقرة ،ولكن
غالبا ال تؤدي االنتخابات إلى مثل هذه النتيجة.
)4نظام الحزب المهيمن أو الحزب القائد
يمكن القول بوجود حزب مهيمن أو قائد في نظام تعدد األحزاب ،عندما يتمكن أحد األحــزاب من اســتقطاب جــزء
كبير من الرأي العام ،قياسا إلى األحزاب األخرى والحصول على األكثرية المطلقة في البرلمان.
إن وجود الحزب المهيمن أو القائد ال يلغي بالطبع األحزاب األخــرى ،وال يشــل قــدرتها السياسـية ولكنـه يســتطيع
لوحده ممارسة الحكم من دون اللجوء إلى تحالفات مع أحزاب أخرى .وهو بذلك يحقق االســتقرار في المؤسســات
الدستورية .ومن أهم األمثلة على نظام تعدد األحزاب في ظل الحزب المهيمن حزب البعث في سوريا
الفقرة الثانية :جماعات الضغط أو جماعات المصالح
تعرف جماعات الضغط أو جماعات المصالح بأنها عبارة عن مجموعة من األفراد تســعى للتــأثير بوســائلها على
عملية صنع السياسيات العامة لدفعها في االتجاه الذي يحقق مصــالح أعضــائها الماديــة أو المعنويــة ،دون الســعي
للمشاركة في الحكم أو تحمل مسؤوليته .ومن هذا التعريف يتضــح أن جماعــات الضــغط تتكــون من "مجموعــات
مصالح مشتركة" ،وتدافع عن هذه المصالح بجميع الوسائل المتــوفرة في نطــاق القــانون ،وهي تــتركب من ثالثــة
عناصر وهي:
.1وجود جماعة تتألف من عدد من األشخاص:
وهذه الجماعة قد تكــون صــغيرة أو كبــيرة أي ال توجــد عالقــة بين حجم القاعــدة وبين فاعليها .فهنــاك جماعــات
صغيرة لكنها شديدة الفاعلية والعكس صحيح .ومع ذلك فالجماعات الكبيرة عادة يكون ثقلهــا أكــبر من الجماعــات
الصغيرة.
قد تكون هذه المصلحة مادية أو معنوية ،كما قــد تكــون هــذه المصـلحة فئويــة أي يقتصــر على أعضــاء الجماعـة،
أوذات طابع عام تخص الوطن بأكمله.
.3الدفاع عن المصلحة:
ويتم هذا التأثير في سياسيات الحكومة ومواقفهــا ،وليس بالعمــل على تــولي الســلطة .هــذا هــو مــا يمــيز جماعــات
الضــغط عن غيرهــا ،حيث أنهــا تكتفي بمحاولــة التــأثير على السياســات الرســمية للدولــة بالعمــل على إصــدار
أوالحيلولة دون إصدار قرار ما أو تعديله أو تنفيذه بطريقة تتفق مع رغبة الجماعة ومصالحها.
الفقرة الثالثة :الرأي العام
الرأي العام عموما ،هو مجموع اآلراء الفردية المعبر عنها إزاء موضوع مرتبط بالمصــلحة العامة .فــالمواطنون
في المجتمع يعبرون عن آرائهم ومواقفهم من القضــايا الــتي تهم المجتمــع ،ألن هــذه القضــايا تنعكس على حيــاتهم
الشخصية بشكل مباشر أوغير مباشر .وهذه اآلراء ال تكون متطابقة مع بعضها البعض ،نظرا لتعــدد االتجاهــات
وتضــارب المصــالح ،واختالف المســتويات االجتماعيــة والثقافية .فــإذا تمكن رأي من اآلراء اســتقطاب غالبيــة
الشعب يتحول إلى مــا يســمى بــالرأي العــام .فــالرأي العــام هــو الــرأي المســيطر داخــل الجماعــة أو رأي الغالبيــة
العظمى من المواطنين.
وللرأي العام تأثير مباشر على سلوك األفراد والجماعات ،وعلى السلطة الحاكمة .ولكن ال بد من اإلشــارة إلى أن
تــأثيره عمومــا يختلــف بــاختالف طبيعــة النظم السياســية ففي الــوقت الــذي يتمــيز بغيابــه أو بضــآلته في األنظمــة
الدكتاتورية ،يتعاظم بشكل كبير في األنظمة الديمقراطية ،وال يمكن لحكومات هذه الدول أن تتجاهله .فهي تحاول
أن تتعرف على اتجاهات كل مشـكلة من المشـاكل المطروحـة ،لتتطــور سياســيتها بمـا يتفـق مـع هـذه االتجاهـات
ولتتخذ القرارات المناسبة.
وبشكل أساسي ،يلعب الرأي العام في األنظمة الديمقراطية دورا أساسيا في الحيــاة السياســية فيشــارك المواطنــون
في ممارسة السلطة بواسطة االقتراع العام .ولكن هــذه الوســيلة تبــدو غــير كافيــة ألن االنتخابــات تجــري دوريــا،
بحيث يبقى المواطن وحيدا إزاء السلطة القوية والمتماسكة .من هنــا ولــدت الرغبــة في عــدم تــرك المــواطن على
حاله وإيجاد وسيلة اتصال مستمرة بينه وبين الحكام .تمكنه من المشاركة الفعلية في السلطة عبر العمل الجماعي،
فنشأت تجمعات سعت جاهدة إلى لعب دور الوسيط بين المواطنين والسلطة الحاكمة ،وإلى التــأثير بفعاليــة كبــيرة
في سياسة هذه السلطة .هذه التجمعات تعرف بالقوى السياســية .بحيث تعمــل هــذه القــوى باســتمرار في مناســبات
معينــة بالتــأثير على الحكــام بشــكل مباشــر أو غــير مباشــر ،كــاألحزاب السياســية والنقابــات والتنظيمــات الثقافيــة
والدينية .فكــل ت َ َجمــع يمكن أن يتحــول إلى قــوة سياســية في مناســبة مــا إذا عمــل من أجــل التــأثير على توجهــات
الحكومة ،بغية اعتماد سياسة معينة في مجال من المجــاالت .فلكــل نشــاط في عصــرنا الــراهن امتــدادات سياســية
مهما كان بطبيعته بعيدا عن السياسة .فإذا عمد تجمع غير سياسي ،ثقــافي أو رياضــي إلى الضــغط على الحكومــة
من أجل إقرار سياسة ثقافية أو رياضية محددة يكون قد تحول بعمله إلى قوة سياسية ضاغطة.
وعلى الرغم من أن الضرورة والحكمة تقتضيان في بعض األحيان ،والسيما في أوقات التوتر واألزمات ،أن يتم
عزل عملية صنع القرار عن مطالب الرأي العــام ،إال أن هـذا ال ينفي تــأثير الـرأي العــام ،كقـوة سياســية داخليـة،
تأثيرا كامال وشبه مستمر في السياسة الخارجية ،وفي العالقات الدولية.
ومع األهمية المعطاة ضمنا وصراحة للرأي العام من قبل صناع القرار ،إال أنه تتباين اآلراء حول مدى ضرورة
أخذه بالحسبان عند القرار ،وهذا التباين يتجلى في اتجاهين أساسيين هما:
األول :يدعو إلى أخذ الرأي العام السائد على محمل الجد لعدم قدرته على الحكم الموضوعي لألحداث والمشاكل.
الثاني :يدعو إلى توعية الفرد المواطن وتزويده بالمعلومات الكافية لمساعدته على التقويم السليم بهدف مشــاركته
في عملية صنع القرار.
الفرع الرابع :العالقات الدولية
تعتبر العالقات الدولية موضوعا من مواضيع علم السياسة ،فماهو مفهومها؟ وما هي موضوعاتها؟
سنجيب على هذين السؤالين في الفقرات الثالثة التالية.
الفقرة األولى :مفهوم العالقات الدولية:
لقد نشأت العالقات بين مختلف الشعوب منذ القدم ،غـير أن العالقـات الدوليـة بـالمفهوم المتعـارف عليـه حـديثا لم
تنشأ إال بعد نشوء الدول بمفهومها الحديث ،ولم يكن لها وجود قبل مؤتمر "ويستفالي" عام .1648
أما بالنسبة للعالقة بين العالقات الدولية وعلم السياسة فقد عد بعض الباحثين السياســيين أن العالقــات الدوليــة علم
قائم بذاته ،بينما اعتبره البعض اآلخر جزءا من علم السياسة ،وفي المؤتمر الــذي عقــد في مدينــة "كــامبردج" في
ابريطانيا عام ،1952بناء على دعوة من اليونيسكو ،فقد تم االتفاق على أن العالقات الدولية تشكل فرعــا من علم
السياسة على أساس أن علم السياسة يتناول دراسـة الدولـة ،والدولـة هي محـور العالقـات الدوليـة ،وأن السياســية
الخارجية للدولة مرتبطة بنظامها السياسي ،وأن وسائل البحث في علم السياسة وفي العالقات الدولية واحدة.
وجدير بالذكر ،أنه منذ العام ،1945ركز الباحثون في الشؤون السياســية على دراســة األمم المتحــدة ،في حين تم
التركيز منذ الستينات على دراسة الصين والبلدان النامية في إفريقيا وأمريكا الوسطى وأمريكا الجنوبية والمنطقة
العربيــة وجنــوب شــرق آســيا .كمــا أصــبحت التيــارات الفكريــة المعاصــرة الــتي تشــمل الوطنيــة واإلمبرياليــة
موضوعات مهمة في دراســة العالقــات الدوليــة ،وقــد تنــاول هــذا الفــرع من العلــوم السياســية دراســة السياســيات
الدفاعية والمشكالت المتعلقة بالسلم والحرب ،إضافة إلى قيام العلماء بدراسة الضغوط االقتصادية على العالقــات
الدولية.
هذا ولم تصبح العالقات الدولية علما أكاديميــا إال بعـد الحـرب العالميـة األولى عنـدما أدخلهـا "ود ويلســون" إلى
جامعة ويلز ،لذلك فإن تعريفاتها ما زالت حديثة ومتغيرة ،ومن أبرز هذه التعريفات:
يعــرف "فريــديك هارتمــان" العالقـات الدوليـة "هي كــل االتصــاالت بين الــدول وكــل حركـات الشـعوب والســلع
واألفكار عبر الحدود الوطنية" .بينما يعرفها "مارسيل ميل" بأنها "كل التـدفقات الـتي تتم عـبر الحـدود أو تتطلـع
نحو عبورها".
لكن في الــوقت الحاضــر ،لم تعــد العالقــات الدوليــة مقتصــرة فقــط على الــدول وإنمــا دخلت ككيانــات أخــرى إلى
المجتمع الدولي وأصبح لها تأثير فاعل مثل المنظمات الدولية والشركات متعددة الجنسيات ،...لذا أصـبح التفاعـل
بين الوحدات على نطاق أوسع من التفاعل بين الدول وأصبح لها تأثير أكبر بكثير من الدول ذاتها.
لذا فإن تأثير العالقات الدولية بالمفهوم الحاضر يتسع بحيث يمكن أن يعــرف كــاآلتي" :هــو التفــاعالت والروابــط
المتبادلة كافة ،سواء كانت سياسية أم غير سياسية ،بين الكيانات المختلفة في إطار المجتمع الدولي".
أما عن أهداف العالقات الدولية ،فإنه يمكن القول :إن الهدف األساسي للعالقات الدولية هو معرفة ســلوك األفــراد
والجماعات السياسية من أجل فهم القضايا واألحداث الدولية والسعي إليجاد الحلول الممكنة.
الفقرة الثانية :موضوعات العالقات الدولية
تتمثل موضوعات العالقات الدولية التي قررتها منظمـة اليونسـكو عـام 1948في السياســة الدولية والمنظمـات
الدولية والقانون الدولي.
أوال:السياسة الدولية:
السياسة الدولية هي العالقات السياسية السائدة في المجتمع الدولي ،وهي غالبا تدرس في إطار السياسة الخارجية
للدول .ويعرفها "مارسيل ميرل" بأنها هي ذلك الجزء من النشاط الحكومي الموجه نحو الخارج لمعالجــة مشــاكل
ما وراء الحدود".
ومن المالحظ من هذا التعريف أن السياسة الخارجية تتضمن موضوعين هما:
القرارات الحكومية التي تتخذ من قبل صناع القرار؛
واألفعال التي تعالج المشاكل الخارجية.
وهذه القرارات واألفعال تستخدم لتحقيق أهداف قريبة وبعيدة المدى .وفي هــذا الســياق نضــع الســؤال التــالي :من
يضع السياسة الخارجية للدول؟
إن من يصنع السياسة الخارجية للدول هي األجهزة الرســمية وغــير الرســمية ،وغالبــا مــا تقــوم الســلطة التنفيذيــة
إضافة إلى السلطة التشريعية بتحديد طريقة التعامل مع الدول األخرى.
وتعد السياسة الخارجية جزء جوهري من السياسة الوطنية الـتي تشـكل مجمــوع السياسـيات الخارجيـة والداخليـة
للدول وتكون غايتها تحقيق هدفين أساسيين هما:
تحقيق أمن الدولة؛
تحقيق الرفاهية االقتصادية واالجتماعية.
أما عن األدوات المستخدمة في تنفيذ السياسة الخارجية فهي:
الدبلوماسية :وهي األداة األساسية المعتمدة في تنفيذ السياسة الخارجية في زمن السلم ،فهي تقــوم بمهمــة
التمثيــل والتفــاوض بين الــدول ،ففي كــل دولــة توجــد مؤسســة مركزيــة تتحمــل مســؤولية إدارة الشــؤون
الخارجية ،هي وزارة الخارجية ،وتوجد لها بعثات دبلوماسية (ســفارات ،قنصــليات ،مفوضــيات) تتــولى
التمثيل الدبلوماسي اتجاه الدول المعتمدة لديها؛
الدعاية والمساعدات االقتصادية؛
القوة العسكرية :ففي الحاالت التي تــؤدي إلى تــوتر العالقــات بين الــدول ،وتعجــز الدبلوماســية عن حــل
المشــاكل بالتفــاوض ،تلجــأ هــذه الــدول إلى التهديــد بــالقوة العســكرية أواســتخدامها فعليــا ،من أجــل حســم
الخالف بالقوة ،أو تبديل موازين القوى بهدف إفساح المجال للتفاوض بالطرق الدبلوماسية .لذلك يبدو أن
الدبلوماسية والعمل العسكري يتكامالن غالبا في تنفيذ السياسة الخارجية.
ثانيا:المنظمات الدولية
تعتبر المنظمات الدولية أحد موضوعات العالقات الدولية التي تعد هي األخرى مجاال من مجاالت علم السياسة.
فما المقصود بالمنظمات الدولية؟ وما هي أشكالها وأنواعها؟
.1مفهوم المنظمات الدولية
تعتبر المنظمات الدولية أحد مواضـيع العالقــات الدوليـة والــتي تعتـبر بــدورها مجــاال من مجــاالت علم السياسـة،
وهي" هيئات دائمة تنشأ بموجب اتفاق مجموعة من الدول ،بغية تحقيق أهداف ومصالح مشتركة يحددها الميثــاق
المنشئ للمنظمة ،وتتمتع بإرادة ذاتية وشخصية قانونية مستقلة عن دولها األعضاء".
يتضح من هذا التعريف أنه يجب توفر أربعة عناصر لوجود أية منظمة دولية ،وهذه العناصر هي:
الــدوام واالســتمرار :المنظمــة الدوليــة تتكــون من مجموعــة من األجهــزة تعمــل بشــكل دائم وتمــارس
االختصاصات التي أسندت إليها بموجب االتفاقية المنشئة للمنظمة ،وهذه الصفة هي التي تميز المنظمــة
عن المؤتمر الدولي.
الصفة االتفاقية :لوجود منظمة دولية وظهورها ال بــد من اتفــاق دولي ينشــئها ويحــدد نظامهــا القــانوني
مبينا أهدافها واختصاصاتها واألجهزة المختلفة المنوط بها تحقيق هذه األهــداف الــتي تحكم ســير العمــل
بها.
الصفة الدولية :وتعني هـذه الصـفة أن الـدول الـتي تنشــئها تنضــم إليهــا بعــد إنشــائها ،وهي الــتي تتمتـع
وحـدها(في الغـالب) بالعضــوية فيها .وتمثـل هـذه الـدول في المنظمـة بواسـطة أعضـاء في الحكومـات،
ومندوبين عنها.
اإلرادة الذاتية :المنظمة الدولية تكون مستقلة عن الـدول األعضـاء المكونـة لهـا ،فتتمتـع بـإرادة خاصـة
متميزة عن إرادة الدول األعضاء.
ويترتب عن تمتع المنظمة الدولية باإلرادة الذاتية أن آثار تصرفاتها ال تنصرف إلى الــدول المكونــة لهــا
بل إلى المنظمة ذاتها بوصفها شخصا قانونيا دوليا مستقال في حياته القانونية عن الدول التي أنشأتها.
)2أنواع المنظمات الدولية:
ذهب الفقه الدولي إلى تبني معايير مختلفة بهدف تقسيم وتحديد أنواع هذه المنظمــات الدوليــة .إذ ال يوجــد معيــار
واحد في هذا الصــدد ،لكن طبقــا لالتجــاه الســائد يوجــد ثالثــة معــايير رئيســية وهي ( :العضــوية ،واالختصــاص،
والسلطة ).
-معيار العضوية:
تعتبر المنظمة عالمية إذا كانت عضويتها مفتوحـة لكـل الـدول .كمـا في حالـة منظمـة األمم المتحــدة ،ومن قبلهـا
عصبة األمم .وتكون المنظمة إقليمية عندما تكون العضــوية فيهـا تقتصـر على بعض الـدول مثـال جامعـة الـدول
العربية ،ومنظمة الدول األمريكية ،واالتحاد األوروبي.
وتجدر اإلشارة إلى أن المنظمات العالمية ال تضــم في الواقــع كــل الــدول ،ذلــك أن االنضــمام إليهــا يســتلزم تــوفر
بعض الشروط تختلف من منظمة إلى أخرى .فهناك بعض المنظمات تجيز االنضـمام إليهـا لمجــرد أبـداء الرغبـة
في ذلك :مثال اتحاد البريد العالمي ،والمنظمات الدولية المتخصصة في نطاق األمم المتحدة.
وبعض المنظمات تضع شروطا موضوعية ،فمثال عصبة األمم كــانت تشــترط أن تكـون الدولـة طالبـة االنضــمام
تحكم نفسها بنفسها .أما منظمة األمم المتحدة فتشترط أن تكون الدولة محبــة للســالم ،وأن تقبــل تحمــل االلتزامــات
وتكون قادرة على تنفيذها.
وهناك بعض المنظمـات الدوليــة االنضــمام إليهـا يخضــع لســلطة تقديريــة كمـا في حالـة مجلس أوروبــا ،وحلــف
الشمال األطلسي.
-2معيار االختصاص:
تنقسم المنظمات الدولية من حيث االختصاصات إلى منظمات عامة وأخـرى متخصصـة .فالمنظمـات العامـة هي
التي تتعدد اختصاصاتها لتشمل كافة مظاهر العالقات الدولية مثال منظمة األمم المتحدة ؛ وجامعة الدول العربية،
ومنظمة الدول األمريكية .فنشــاط هــذه المنظمــات العامــة ال يقتصــر فقــط على النــواحي السياســية ولكن يمتــد إلى
الميادين االقتصادية واالجتماعية والثقافية.
أما المنظمات المتخصصة فينحصر اختصاصها على نشاط معين ومحدد دون غيره .وعلى ســبيل المثــال منظمــة
العمل الدولية ،ومنظمة الصحة العالمية.
-3معيار السلطات:
تتنوع المنظمات الدولية من حيث قوة الســلطات الــتي تتمتــع بهــا ،إذ أن غالبيــة المنظمــات الدوليــة ال تمس ســيادة
الدول األعضاء ،بل تقتصر على تنسيق نشاط أعضائها عن طريــق االقتراحــات وإصــدار التوصــيات ،ويتوقــف
تنفيذ ذلك على رغبة الدول األعضاء.
ويثار في هذا اإلطار ،مسألة المنظمات الدولية فوق الوطنية ،فهذه األخــيرة لم تحــدد معالمهــا في الفقــه الــدولي،
كما ال يوجد هذا النوع من المنظمات الدوليــة ســوى في القــارة األوروبيــة فقــط .ومــع ذلــك واعتمــادا على الفقــه
الدولي يجب أن تتوفر في مثل هذه المنظمات الدولية ما يلي:
-1أن تتمتع المنظمة بقدر من االستقاللية وتكون لها القدرة على اتخاذ القرارات باألغلبية؛
-2أن يكون للمنظمة ذمة مالية ال تعتمد فيها كلية على الدول األعضاء؛
-3أن تكون للمنظمة سلطة استثنائية بإصدار قرارات ملزمة تمس شؤن خاصة للدول األعضاء وتفــرض مباشــرة
على سكان الدول األعضاء دون حاجة إلى تعاون حكومات الدول المعنية؛
-4أن يكون للمنظمة بسلطات تشريعية؛
-5أن يكون للمنظمة جهاز تمثيلي يتم اختياره من شعب الدول األعضاء وال يتلقون التعليمات من حكومات الدول
األعضاء؛
.6وأال يكون للدول األعضاء الحق في االنسحاب أو حل المنظمة دون مساهمة من أجهزة المنظمة ذاتها.
وتجدر اإلشــارة إلى المنظمــات الدوليــة تضــطلع بــأدوار مهمــة ،فمثال منظمــة األمم المتحــدة تعــنى بحمايــة الســلم
واألمن الدولي ،كما تعتــبر أداة لحــل العديــد من المشــكالت الــتي تواجــه المجتمــع الــدولي تحقيقـا لألمن الجمــاعي
(يرجى االطالع على ميثاق األمم المتحدة).
ثالثا:القانون الدولي
يعتبر القانون الدولي أحد مواضيع العالقات الدولية ،وال يوجد تعريف واحد وشامل للقانون الدولي ،فهناك العديــد
من التعريفات ،ولكن بشكل عام يمكن إدراج هذه التعريفات في ثالثة اتجاهات رئيسية وهي:
.1االتجاه التقليدي :يركز على أن القــانون الــدولي هــو عبــارة عن مجموعــة القواعــد القانونيــة الــتي تنظم
العالقات بين الدول ،وذلك ألن المجتمع الدولي كان يقتصر على الدول .أصحاب هــذا االتجــاه يـرون أن
الدولة وحدها الــتي كــانت تملــك صــفة الشــخص القــانوني الــدولي ،وهــو مــا دفــع علي صــادق أبوهيــف
لتعريف القانون الدولي على أنه "مجموعة القواعد التي تنظم العالقات بين الدول وتحدد حقوق كل منها
وواجباتها".
.2االتجاه الموضوعي :ركز على أن الفرد هو الشخص الوحيــد للقــانون الــدولي كمــا في أي قــانون آخــر،
وأول من دعا إلى هذا الرأي الفقيه الفرنسي "ليون دوكي" حيث أنكر الشخصية المعنوية للدولة باعتبار
أن قواعد القانون الدولي ال تخاطب الدول بل تخــاطب األفــراد ،والســيما الحكــام ألنهم مثــل غــيرهم من
األفــراد .ويؤخـذ على هـذا االتجـاه مغاالتـه في إنكـار الشخصـية القانونيـة للدولـة ،وهي مجافــاة حقيقيـة
لألوضاع في المجتمع الدولي.
.3االتجاه الحــديث :يركــز هــذا االتجــاه على أن الدولـة ليســت الشـخص الوحيــد ولكنهـا الشـخص الـرئيس
للقانون الدولي .وينقسم الفقهاء إلى ثالثة فئات هي:
فئة تعتبر الدولة الشـخص الـرئيس للقـانون الـدولي ،ومن هـؤالء "وبـو شـتروب" الـذي عـرف القـانون
الدولي بأنه" :مجموعة القواعد القانونية تتضمن حقوق الدول وواجباتها وواجبات غيرهــا من أشــخاص
القانون الدولي".
فئة تفسح المجال للفرد بشكل متواضع إلى جانب الـدول والمنظمـات الدوليـة ،ومنهم "روجيــه باســتيد"
التي عرفت القانون الدولي بأنه "مجموعة من القواعد القانونية المطبقة في المجتمع الدولي ،ســواء كــان
ذلك في العالقات بين الدول ذات السيادة أم بين المنظمات الدولية في عالقاتها المتبادلــة أو في عالقاتهــا
مع الدول ،وبعض القواعد الدولية الــتي تكــون جــزءا من القــانون الــدولي وتطبــق مباشــرة على األفــراد
والسيما في العالقات بين هؤالء وبعض المنظمات الدولية".
وتجدر اإلشارة إلى أن األهداف التي يعمل القانون الدولي على تحقيقها هي:
تحديد اختصاصات الدول في مواجهة بعضها البعض؛
تحديد االلتزامات التي تقع على عاتق كل دولة في ممارسة اختصاصاتها؛
تنظيم اختصاص الهيئات والمنظمات الدولية؛
حماية حقوق األفراد.
يعرف منهج البحث العلمي بأنـه األسـلوب أوالطريقـة الـتي ينتهجهـا البـاحث السياســي في دراسـته للمشـكلة الـتي
يتصدى لها بغية الوصول إلى حقائق األشياء المحيطة به في الطبيعة والمجتمع والسيما مجموعة من اإلجــراءات
الذهنية والواقعية التي يستخدمها لهذا الغرض.
وقد اعتمد الباحثون على مناهج عديدة في البحث السياسي وحاولوا محاكاة المنــاهج العلميــة في العلــوم الطبيعيــة،
ولكن البعض اآلخر رأى صعوبة تطبيقها فــآثر اتبــاع منــاهج واقعيــة مســتمدة من حقيقـة كــون البحــوث السياســية
بحوثا تتسع ألفكار ومتغيرات عديدة ،وبهذا ،فإن النتائج ال تكون مطلقة ،وإنما نسبية واحتمالية وليست حتمية.
وفي ما يلي أهم تلك المناهج:
.1المنهج الفلســفي المثــالي :وهــو منهج اســتنباطي ،يهــدف إلى الكشــف عمــا يجب أن يكــون عليــه الواقــع
السياسي حـتى يكــون مثاليــا فاضـال ،وفــق الفيلســوف "أفالطــون" ،وهــو أبــرز من اسـتخدم هــذا المنهج،
وبشكل خاص فيما يتعلق بالمدينة الفاضلة.
.2المنهج التاريخي :يقول "هارود السكي" إن "دراسة السياسـة هي جهـد نبدلـه لتقـنين نتـائج الخـبرة الـتي
يشهدها تاريخ الـدول" .وعليــه ،فــإن المنهج التــاريخي هـو منهج يقـوم على تســجيل األحــداث والظــواهر
السياسية دون تفسير أو تأويل لهذه األحداث والظواهر .ويقدم التــاريخ للمحلــل السياســي ســجال لألحــداث
والظواهر السياسية يساعده على فهم وتفسير العالم .لذلك يقال إن علم السياســة بال تــاريخ هــو كنبــات بال
جذور ،والتاريخ بدون علم سياسة هو كنبات ال تمر له.
.3المنهج الوصفي :يبدأ هذا المنهج من مالحظة الواقع السياسي واســتقرائه ودراســته على ضــوء الحقــائق
القائمة فيه وتبويب البيانات من أجل تقديم صورة وصفية صرفة لهذا الواقع من دون تأويــل أوتفســير من
قبل الباحث .ويمكن أن تشكل تعميمات فكريــة سياســية يســتفاد منهــا في تقــويم األداء وتصــحيح األخطــاء
وتقديم مبادئ وآراء مستخلصة من ذلك الواقع ،أي االنتقال من العــام إلى الخــاص .ويســتخدم هــذا المنهج
في دراسات الحاالت ودراسات المناطق ،وقياس الرأي العام.
.4المنهج العلمي التجريبي :هو محاولة التحكم في جميــع المتغــيرات والعوامــل بحيث يقــوم على مالحظــة
الواقع السياسي والتجريب بهدف التفسير والتعميم والتوقع ،وعدم اعتماد نتائج أية طريقة للحصــول على
المعرفــة مــا لم تقم على األســس العلميــة في البحث ،ويثبت البحث العلمي التجريــبي صــحتها ،وإذا تم
استخدام هذا المنهج بشكل صحيح كما يعتقد الباحثون السياسيون ،فإن نتائجه يمكن أن تعمم.
ولقد قسم علماء السياسة خطوات المنهج التجريبي إلى عدة مراحل ،وهي:
المالحظة :هي اإلدراك للواقع ،ثم تحديد مشكلة البحث؛
الفرضية :هي تصور عمل معين يساعد في شرح المشكلة؛
التجربة :هي إعادة مالحظة الواقع المعني لفحص مدى صحة الفرضية؛
التفسير :هو الغاية الثانية لمسألة البحث العلمي وهي الوصول إلى الحقيقة؛
التعميم :من أجل صياغة قانون عام يستفاد منه في تفسير الواقع؛
التوقع :هو استشراف المستقبل.
.5المنهج السلوكي/المؤسسي :يستخدم هــذا المنهج في دراســة النظم السياســية حيث يركــز بشــكل أساســي
على المؤسسات السياسية المكونة لهذه النظم سواء التشريعية أو التنفيذية ،والدساتير التي تستند إليها ومــا
تتضمنه من قواعد قانونية.
.6المنهج المقارن :هو المنهج الذي يحدد أوجه التماثل والتباين بين عدة أنظمــة أو ظــواهر سياســية بهــدف
استخالص نتائج وقواعد علمية عامة ال ترتبط بمكان أو زمان معينين .وكلما زاد عدد الحاالت الخاضعة
للمقارنة كانت النتائج أكثر دقة وأهمية ،وتعد المقارنة ركنا أصيال في المنهج العلمي التجريبي.
المبحث الثاني :المجتمع السياسي المنظم والتفاعالت والفاعلون السياسيون
سنخصص هذا المبحث لدراسة التفاعالت السياسية والمجتمع السياسي المنظم ودراسة مــا يتفــرع عن الدولــة من
مؤسسات ،كالسلطة ،واألحزاب السياسية وجماعات الضغط.
وستتمثل مواضيع هذا المبحث فيما يلي:
المطلب األول :الدولة؛
المطلب الثاني :السلطة في الدولة؛
المطلب الثالث جماعات الضغط أوجماعات المصالح كفاعل سياسي؛
المطلب الرابع :األحزاب السياسية كفاعل سياسي؛
ضعت من قبــل العديــد من المؤسســات والســيما األوروبيــة منهــا ،إال أن التعريــف األكــثر
وللدولة عدة تعريفات ُو ِ
شيوعا ً لمفهوم الدولة هو تعريف المفكر األلماني "ماكس فيبر" إذ َّ
عرفها بأنها منظمة سياسية إلزامية مع حكومة
مركزية تحافظ على االستخدام الشرعي للقوة في إطار معين.
عرفت موسوعة الروس – Larousseالفرنسـية الدولـة بأنها" :مجموعـة من األفـراد الـذين يعيشـون على
كما َّ
أرض محددة ويخضعون لسلطة معينة".
في حين رأى العديد من فقهاء القانون الدستوري أن الدولة" :كيانا ً إقليميا ً يمتلك السيادة داخــل الحــدود وخارجهــا،
ويحتكر قوى وأدوات اإلكراه".
وثمة تعريف آخر مقبول عموما ً للدولة هو التعريف الوارد في اتفاقية مونتيفيديو – Montevideoبشأن حقوق
ع ِّرفَ ْ
ت الدولة بأنها" :مساحة من األرض تمتلك ســكانا دائمــون ،وإقليم محــدد وواجبات الدول في عام .1933وقد ُ
وحكومة قادرة على المحافظة والسيطرة الفعَّالة على أراضيها ،وإجراء العالقات الدولية مع الدول األخرى".
وبالرغم من البساطة التي يَت َ َمي َّْز بها تعريف الدولة إال أن مفهوم الدولــة والبحث في تحديــد أصــل نشــأتها وأســاس
السلطة فيها يثير في الواقع عددا ً هائالً من اإلشكاليات .فالدولــة هي حقيقــة سياســية ،ألن المجتمــع الــدولي يتكــون
أساسا ً من وحدات سياسية يحمل كل منها لقب "دولة" .والدولة أيضا ً مفهوم قانوني قُ ِ
صدَ منهــا ابتكـار أداة مالئمـة
لتنظيم العالقة بين وحدات سياسية غير متكافئة في القوة على أساس من العدالة والمســاواة .فالعالقــات بين الــدول
يجب أن تؤسس من وجهة نظر القانون الدولي على مبدأ أو قاعدة المســاواة في الســيادة .والدولــة فــوق هــذا وذاك
هي فكرة فلسفية مجردة ،ألن نشأة المجتمعات السياسية المنظمة ليست معروفة أو ُم َوثَّقَة تاريخيَّا ً .وفي غياب هذه
المعرفة التاريخية ال ُم َوثَّقَـة توجـد نظريـات أو رؤى أو أفكـار ذات طبيعـة فلسـفية تحـاول تفسـير نشـأة الدولـة ،أو
بعبارة أدق نشأة أهم ركن من أركانها وهو السلطة السياسية المنظمة .والدولة أخيرا ً هي كائن اجتماعي ،ألن أحــد
أهم مقوماتها هو البشر الذين تجمعهم روابط خاصة تجعلهم قادرين على الحيــاة المشــتركة .لــذا سنســتعرض فيمــا
يلي لمحة موجزة عن مفهوم الدولة ونشأتها وما تثيره من قضايا وإشكاليات.
الفرع األول :الدولة كحقيقة سياسية
تعتبر الدولـة ومنـذ نشـأتها الحديثـة في أعقـاب مـؤتمر وسـتفالي لعـام ،1648هي إحـدى حقـائق الحيـاة السياسـية
المعاصرة التي ترسخت تدريجيّا ً حتى أصبحت تشكل اللبنة األولى في بنية النظام الدولي الراهن .وليس أدل على
هذه الحقيقة من أن عدد الدول األعضاء في األمم المتحدة قد ناهز الـ 190دولــة ،في حين عــدد الــدول األعضــاء
في عصبة األمم لم يتجاوز في أي لحظة من لحظات وجودها في مرحلة ما بين الحربين 40دولة.
كمــا تلعب االعتبــارات السياســية عــادة ً دورا ً رئيســيا ً في نشــأة واختفــاء الــدول .وعلى ســبيل المثــال ،فقــد تغــيرت
الخريطة السياسية للعالم ثالث مرات خالل القرن العشـرين .فقـد تـرتب على الحـربين العـالميتين األولى والثانيـة
اختفاء دول وظهور دول ُأخرى كثيرة على المسرح األوربي ،وأدت حركات مناهضة االســتعمار في مرحلــة مــا
بعد الحرب العالمية الثانية إلى حصول عدد كبير جدَّا ً من الدول في إفريقيا وآسيا وأمريكا الالتينية على اســتقاللها
ومن ثم إلى ظهورها ألول مرة على مسرح السياسة الدولية.
وقد تنشأ الدول الجديدة عن طريق الوحدة ،وهو ما حدث لبعض الدول األوربية مثل ألمانيا ،وإيطاليا خالل القرن
التاسع عشر ،ولدول أخرى عديدة منها دول عربية مثل اتحاد سورية ومصر في دولة واحدة (الجمهورية العربية
المتحدة) في عام ،1958واتحاد ست إمارات عربية خليجية ليشكلوا معا ً دولة اإلمارات العربية المتحدة.
وكما تنشأ الدول الجديدة نتيجة للوحدة واالندماج فإنها يمكن أن تنشأ نتيجة للتفكك واالنفصال .وهذا هو مــا حــدث
عندما انهار االتحاد السوفيتي وتفككه إلى مجموعة كبيرة من الدول التي ظهــر بعضــها ألول مــرة كــدول مســتقلة
على المسرح الدولي .وقد يتم االنفصال نفسه بطريقة سلمية كما حدث بالنسبة لدولة تشيكوســلوفاكيا الســابقة ،وقــد
يتم بوسائل عنيفة أو بالحرب ،كما حدث بالنسبة لدولة يوغسالفيا.
والواقع أن التقسيم السياسي للعالم لم يســتقر على شـكل ال يمكن اعتبــاره نهائيـا ً بعـد ،فال تــزال احتمــاالت الوحـدة
واالندماج بين الدول وكذلك احتماالت التفكك واالنقسام واالنفصال داخل الدول القائمــة حالي ـا ً أمــرا ً واردا ً .ورغم
التسليم ،نظريّا ً على األقل ،بحق الشعوب في تقرير مصيرها ،وهو ما يعني االعتراف لكل شــعب بحقــه في إقامــة
دولته المستقلة ،إال أن وضع هذا المبدأ موضع التنفيـذ واجـه ،وال يـزال يواجـه صـعوبات عديـدة ،فهنـاك شـعوب
مجزأة ومقسمة وتطمح في االندماج معا ً داخل دولة موحدة ،وهناك شعوب ُأخرى خاضعة إلرادة تعتبرها أجنبيــة
وتريد التحرر واالنفصال عنها وتشكيل دولتها المستقلة .ويشكل استمرار هذا الوضع أحد مصادر عدم االستقرار
في الحياة الدولية.
كما هو معلوم ،تتمثل العناصر المادية المكونة للدولة في السكان أو الشعب ،واإلقليم ،ثم السلطة السياسية .وتعتبر
هذه العناصر الثالثة أركان الدولة المادية.
الشعب :هم جميع األفــراد الــذين يقطنــون أرضــها ،ويخضــعون لســلطاتها ،فيخــاطبون بأحكــام دســتورها
وقوانينها ،وما تقرره لهم من حقوق وحريات ،وما تفرضه عليهم من تكاليف والتزامات.
اإلقليم :ينصرف اإلقليم إلى ذلك الحيز المكاني الذي يستأثر به سكان الدولة وتمارس عليه سيادتها.
الحكومة أوالسلطة السياسية :يقتضــي وجــود الدولـة إلى جـانب الرعايـا واإلقليم ،أن تكــون هنــاك هيئــة
منظمة ،تقوم باإلشراف على هؤالء الرعايا وتنظيم العالقات بينهم ورعاية مصالحهم وبالعمل على إبقــاء
الوحدة التي تجمعهم وتحقيق الغرض المشترك الذي تجمعوا من أجله ،كما تقوم بــإدارة اإلقليم واســتغالل
موارده أو تنظيم استغالله على الوجه الذي تستفيد منه المجموعة ،وبالدفاع عن كيانــه وكيــان المجموعــة
في مواجهة المجموعات األخرى المماثلة ،وال يهم الشكل السياسي الذي تتخذه الهيئـة مـادام أن لهـا القـوة
والنفوذ ما يمكنها من فرض سلطاتها على اإلقليم وعلى األشخاص الموجودين فيه.
إال أنه ال يكفي أن تتمتع وحدة سياسية ما بهذه المقومات الثالث الالزمة لقيام الدول (األرض ،الشــعب ،الســلطة)؛
لكي يصبح بمقدورها أن تمارس نشاطها بصورة طبيعية دون معوقات ،وخاصــة على الســاحة الدولية .فــاعتراف
المجتمع الدولي بالدولة الوليدة يعتبر أمرا ً ضروريّا ً لتمكينها من القيام بوظائفها في سهولة ويسر.
واالعتراف هو عملية يتم بموجبها إضفاء الشخصية القانونية على إحدى الوحدات السياسية واالعتراف بحقها في
االنضمام إلى المجتمع الــدولي كدولــة جديــدة لهــا مــا للــدول األخــرى من حقــوق وعليهــا مــا على هــذه الــدول من
واجبات .غير أنه يتعين التمييز هنا بين االعتراف بالدولة واالعتراف بالحكومة .فاالعتراف بالدولــة عــادة مــا يتم
لمرة واحدة ويظل قائما ً طالما ظلت الدولة متمتعة بشخصــيتها وأهليتهـا القانونيــة الدولية .أمــا الحكومـات فتتغــير.
وال تثور الحاجــة لالعــتراف بكــل حكومــة جديــدة ،خصوصـا ً إذا تم التغيــير بــالطرق الســلمية والديمقراطية .لكن
مسألة االعتراف بالحكومة الجديدة تصبح واردة في أعقاب التغييرات الكبرى والمفاجئة الــتي تتم عــادة من خالل
ثورة شعبية أو انقالب عسكري مفاجئ .ويأخذ االعتراف بالحكومة الجديدة أي شكل من أشكال التعبير عن رغبة
دولة ما في الدخول في عالقات رسمية مع هــذه الحكومة .واالعــتراف بالحكومــة ينطــوي ضــمنا ً على االعــتراف
بالدولة ،لكن العكس ليس صحيحا ً .فــاالعتراف بالدولــة ليس معنــاه بالضــرورة االعــتراف بــأي حكومــة يمكن أن
تسيطر على هذه الدولة في أي وقت .غير أن الحكومة التي ال تنجح في تأمين اعــتراف دولي كــاف بهــا عــادة مــا
تواجه بمصاعب كبيرة في تسيير شؤونها الخارجية .واالعتراف بالحكومات قــد يكــون صــريحا ً إذا صــدر إعالن
خاص بذلك ،وقد يكون ضمنا ً بتبادل البعثات الدبلوماسية والقنصلية.
ويثير موضوع االعتراف بالدول قضايا خالفية عديدة في القانون الدولي ،فـاالعتراف ليس ركنـا ً من أركــان قيــام
الدول الجديدة ،وبالتالي فهو ال يعد من القواعد المنشئة وإنما هو من قبيل القواعــد المقــررة لوجــود هــذه الــدول أو
الكاشفة عن حقيقة هذا الوجود .وتكمن أهمية االعتراف بالنسبة لدولة أو حكومة ما ،في التحليــل النهــائي ،في أنــه
يعني اعترافا ً من جانب المجتمع الدولي بسيادة هذه الدولة وممارسة حكومتها للسلطة الفعلية .والســيادة هي أخص
خصائص الدولة وأهم سماتها.
وكلمة "سيادة" مشتقة من األصــل الالتيــني ومعنـاه األعلى أي صــاحب القـول والفصـل النهـائي ،وحين نقــول إن
الدولة صاحبة سيادة فإننا نقصد بذلك أمرين أساسين:
وكان المفكر الفرنسي "جان بودان " هو أول من استخدم هذه الكلمة للداللة على المعنى السياسي المتداول حــتى
وقتنا هذا .غير أنه ربما يكون من المفيد هنا أن نميز بين السيادة بمعناها القانوني وبين الســيادة بمعناهــا السياسي.
ويقصد بالسيادة بالمعنى القانوني ،ذلك الشخص الذي يخوله القانون ،أو الهيئة التي يخولها القانون سلطة ممارسة
السيادة أي سلطة إصدار األوامر النهائية التي ال معقب عليها وال راد لها .أما المعنى السياسي للسيادة فنقصــد بــه
شرعية السلطة التي تمارس السيادة باسم الدولة ولحسابها .فالســيادة بــالمعنى السياســي ،هي للشــعب الــذي يختــار
بإرادته الحرة ،من خالل صناديق االقتراع حكامه الذين يمارسون السلطة ،أي مظاهر الســيادة ،نيابــة عنه .كــذلك
فقد يكون من المفيد هنا أيضا ً أن نميز بين السيادة القانونية ،وبين السيادة الفعلية .فالسيادة الفعلية تجســدها الســلطة
التي يخضع لها المواطنون ويطيعون أوامرها بالفعل ،بصرف النظر ع ّما إذا كانت هــذه الســلطة شــرعية أم غــير
شرعية ،أي قانونية أم غير قانونية.
وألن السلطة القانونية هي السلطة التي ينص عليها القانون أو الدستور فمن السهل تحديدها ،بعكس السلطة الفعلية
التي يصعب تحديدها أحيانا والتي قد تكون خفية أو مستترة .ولذلك قد توجد فجــوة في بعض األحيــان بين السـلطة
الفعلية والسلطة القانونية أو الشــرعية .غــير أن الســلطة الشــرعية أو القانونيــة الــتي ال تســتطيع فــرض ســيطرتها
يصبح مصيرها إلى زوال ،وتتحول السلطة الفعلية تدريجيّاً ،وبحكم األمر الواقع إلى سلطة قانونية ،خصوصا ً إذا
ما تم إصدار قوانين تمنح سلطة األمر الواقع مركزا ً قانونيا ً ثابتا ً .وفي جميع األحوال فإن مركز السيادة هو الدولة
بصرف النظر عن شرعية أو عدم شرعية من يمارس السلطة الفعلية فيها.
وعندما تمارس الدولة سيادتها في الداخل فإن هذه السيادة تسري على الشعب داخل الحدود السياسية لإلقليم الــذي
يقطنه ،أي أن لها جانبا ً يتعلق بالشعب وأخر يتعلق باإلقليم .فالسيادة الداخلية معناها حرية الدولة في اختيــار نظــام
الحكم الذي يالئم أوضــاعها االقتصــادية والثقافيــة واالجتماعيــة الخاصــة ،وفي الســيطرة على مواردهــا الطبيعيــة
داخل حدودها اإلقليمية في البر والبحر والجو ،وفي فرض قوانينها على كـل المقيمين على أرضـها ،سـواء كـانوا
مواطنين أو أجانب .أما السيادة الخارجيــة فتتجلى مظاهرهــا في حــق الدولــة في إدارة شــؤونها الخارجيــة بحريــة
ودون تدخل أحد في شؤونها الداخلية ،عدم خضوعها لسلطة دولة أخرى أو منظمــة دولية .واســتقاللية الدولــة في
ممارسة مظاهر سيادتها الخارجية لها مظاهر متعددة كالدخول في عالقات دبلوماسية أو قطــع هــذه العالقــات مــع
من تريــد من الــدول ،واالنضــمام أو عــدم االنضــمام إلى المنظمــات الدوليــة ،واالشــتراك أو عــدم االشــتراك في
المؤتمرات الدولية .بل لها أن تستخدم القوة للدفاع عن مصالحها ..الخ.
غير أن مفهــوم الســيادة ليس سـوى مــدرك قصــد بهــا في واقـع األمــر تنظيم عالقـة الدولـة بمواطنيهــا في الــداخل
وبغيرها من الدول في الخارج .فهذه السيادة ليست مطلقة وإنما هي مقيدة بطبيعتها .وربمــا كــان من الممكن إبــداء
قدر من الفهم لدوافع المطالبين بفكرة السيادة المطلقة التي ال تحد حدود في عالم كــانت الــدول فيــه تبــدو كوحــدات
منفصلة ومتوازية وقائمة بذاتها تماما ً .أما في ظل تداخل وتشــابك وتعقــد المصــالح والعالقــات في الحيــاة الدوليــة
المعاصرة ،فقد أصبح من الصعب ،إن لم يكن من المستحيل ،الدفاع عن فكرة السيادة المطلقة سواء في الداخل أو
في الخارج.
الفرع الثالث :األصول الفكرية والتاريخية لسلطة الدولة (نظريات :الحق اإللهي،العقد االجتماعي)..
إذا كان من الممكن تتبع النشأة التاريخية لبعض الدول ،وخصوصا ً تلــك الــتي ظهــرت حـديثاً ،إمـا كنتيجـة التحــاد
إمارات إقطاعية أو تكوينات سياسية صغيرة أو كنتيجة النهيار أو اضمحالل إمبراطوريات كبيرة ،إال أن الكيفيــة
التي ظهر بها المجتمع المنظم إلى حيّز الوجود ألول مرة (وما صــاحب هــذا الظهــور من نشــأة الســلطة كظــاهرة
سياسية) ليست معروفة أو موثقة تاريخيَّا ً .ولذلك ظهــرت نظريـات كثـيرة تفسـر نشـأة الدولة .من هـذه النظريــات
نظرية النشأة المقدسة التي ترى أن هللا هو الذي خلق الدولة ،وأنه هو الــذي ينتخب الملــوك ويمنحهم السـلطة حين
يرضى عنهم وينتزعها منهم إذا غضــب عليهم .وهــذه النظريــة هي أســاس نظريــة الحــق اإللهي الــتي ســادت في
بعض المراحل التاريخية التي جمع فيها الحاكم بين الســلطة الزمنيــة والســلطة الروحية .وهنــاك نظريــات أخــرى
كثيرة منها نظرية القوة ،التي ترى أن الدولة نشأت وتطورت نتيجة الصراع وعالقات القوة التي تسفر دائمــا ً عن
خضوع الضعيف للقوي ،ومنها النظرية التاريخية ،التي ترى أن نشأة الدولة ترجع إلى ما قبل التاريخ وأنها نمت
نموا ً تاريخيَّا ً وطبيعيَّا ً بمساعدة عوامل ثالثة هي :عالقــة الــدم ،والــدين ،والــوعي السياسي .غــير أن نظريــة العقــد
االجتماعي هي أكثر النظريات الفلسفية تأثيرا ً في الفكر السياسي على مدى الزمن.
األولى :أن األفراد كانوا يعيشون فيما بينهم حالة الفطرة أو الطبيعة قبل أن ينتقلوا إلى حالة المجتمع الذي يخضــع
لسلطة سياسية منظمة.
الثاني :أن االنتقال من حالة الفطرة أو الطبيعة إلى حالة المجتمع المنظم أو الدولة تم بموجب عقد اجتماعي.
وهذه النظرية قديمة ويمكن تتبع جذورها وإرهاصاتها األولى في الفكر الروماني وفي كتابـات العديـد من فالسـفة
ومفكــري العصــور الوســطى وخاصــة كتابــات "س ــانت اوجســـتين" وتوم ــاس األكوي ــني" .لكن الفيلســوف
البريطاني"توماس هوبز" ،كان أول من بلور هذه النظرية بشكل واضح ومتكامل وصاغ فرضــيتيها الرئيســيتين
على نحو متكامل ومتماسك .ثم تعاقب عليها كبار المفكرين بالنقد والشرح والتحليل واإلضــافة ابتــداءا ً من "جــون
لوك" ،مرورا ً"بجان جاك روسو" ،وحتى "إيمانويل كانت" ومن بعده الكثيرون.
وقد دار جوهر الجدل الذي فجرته نظرية العقد االجتماعي حول عدة أمور أو محاور رئيسية مثل :حالــة الفطــرة،
أو الطبيعة ،وهل كانت حالة سلم وأمان أم صراع وعدم استقرار ،وحول أطراف العقد االجتماعي وهل هــو عقــد
أبرم بين األفراد وحدهم أم بين األفراد من ناحية واألمير من ناحية أخرى ،وحول مضــمون هـذا العقــد وشــروطه
وإجراءات فسخه ..الخ.
فبينما كان "هوبز" يرى أن حالة الفطرة أو الطبيعـة هي حالـة وحشـية يسـودها قـانون الغـاب وتتمـيز بالفوضـى
وعدم االستقرار وانتفاء األمن ،فإن "جــون لــوك" يـرى أن هـذه الحالـة كــانت على العكس تمامـاً ،حالـة تســودها
الحرية والمســاواة الــتي يمنحهــا القــانون الطــبيعي كحقــوق ثابتــة لألفــراد والممتلكــات ،ولكنهــا حالــة تتمــيز بعــدم
االستقرار في الوقت نفسه نظرا ً لعدم وجود شخص غير متحيز يحمي األفراد .أما "جان جاك روسو" فقد صــور
حالة الطبيعة أو الفطرة األولى على أنها حالة مثالية حصل فيها الفرد على كل ما يطمح إليه من حقــوق ،ووصــل
إلى أعلى مراتب السعادة والطمأنينة ،لكنه اضطر إلى العيش في جماعة بسبب تزايد السكان.
وبينما كان"هوبز" يرى أن القانون الطـبيعي حتم على األفـراد أن يبحثـوا عن مخـرج من حالـة التعاسـة المطلقـة
التي كانوا عليها في مرحلـة الفطــرة ،وهــو مــا دفعهم إلبــرام عقـد إلنشــاء الدولــة تنـازلوا فيــه عن جميـع حقـوقهم
ووضعوها في يد جهة واحدة تتركز فيها السلطة بشكل مطلق مقابل حصــولهم على األمن ،رأى"جــون لــوك" أن
األفراد تعاقدوا فيما بينهم أوالً إلقامة المجتمع أو الدولة ثم تعاقدوا بعد ذلك مــع الحــاكم وتنــازلوا لــه عن جــزء من
حقوقهم ،وليس عن حقوقهم كلهـا ،للقيـام بالوظـائف أو المهـام الـتي يطلبونهـا منه .أي أن "جـون لـوك" مـيز بين
الدولــة وبين الحكومــة واعتــبر أن ســلطة الحكومــة ليســت مطلقــة وإنمــا محــدودة ومقيــدة وأن هــذه الســلطة يمكن
استردادها عند الضرورة.
أما "جان جاك روسو" فقد رأى أن اإلنسان الفرد الذي اضـطر ،بسـبب زيـادة السـكان ،إلى التخلي عن حرياتـه
الطبيعية التي منحته الســعادة بمــوجب عقــد أبرمــه مــع األفــراد اآلخــرين ،لم يتخــل عن هــذه الحقــوق لفــرد وإنمــا
للمجموع .وفي هذه الحالة فإن السيادة ال يمكن التنازل عنها وإنما تظل في يد اإلرادة العامة .وألن الحكومة ليست
سوى خادم لهذه اإلرادة ،وما تتمتع به من سلطة حصلت عليها من الشعب صاحب السيادة وبطريق التوكيل ،فــإن
هذه السلطة يمكن سحبها في أي وقت إذا ما أخل الموكل إليه بشروط العقد أو التوكيل .وفقا ً للمنطق الكــامن وراء
هذا التحليل كان من الطبيعي أن يعتبر"جان جاك روسو" أن إصدار القــوانين ال يــدخل ضــمن مهــام الحكومـة أو
السلطة التنفيذية ،وأن هذه الوظيفــة الحيويــة والخطــيرة يجب أن تظــل بالكامــل في يــد ممثلي الشــعب من الســلطة
التشريعية.
وأيا ً كانت طبيعة الخالفات التي دارت حول نظرية العقد االجتماعي أو االنتقادات التي شككت بعد ذلك في أســس
النظرية نفسها ،وخاصة بعد ظهور المدرسة النفعية أو المدرســة الماركســية (والــتي قــدمت تفســيرا ً مختلفـا ً لنشــأة
الدولة نفسها من خالل جدلية الصراع الطبقي) ،فمن البــديهي أن االنتقــال من حالــة الفطــرة أو الطبيعــة إلى حالــة
الدولة أو المجتمع المنظم لم يتم ،كما يقول "إيمانويل كانت" وفقا ً لعقد تم إبرامه بالفعل ووقع كحدث موثق زمانــا ً
ومكاناً ،لكنه مفهوم مهم جدّاً ،وضروري جدّاً ،رغم ما يكتنفه من تجريد لتنظيم العالقات االجتماعيــة على أســاس
من احترام وسيادة القانون.
وصف الكثير من المفكرون والفالسفة الدولة بالكيان االجتمـاعي ،لســبب بســيط وهــو أن العنصــر األساســي فيهــا
يكمن في الرابطة المشتركة التي تجمع بين األفراد الذين يتكون منهم شــعب هــذه الدولة .وهنــا يتعين أن نمــيز بين
مفهوم الشعب ،ومفهوم األمة .فالشعب عبارة عن مجموعة من األفراد تــربطهم رغبــة مشــتركة وقويــة في العيش
معا ،بصرف النظر عن تجانس هؤالء األفراد أو عدم تجانسهم من النواحي العرقية أو الدينية أو اللغوية..الخ .أما
األمة فتتكون أيضا ً من مجموعـة من األفــراد الـذين تجمعهم الرغبـة في العيش معـاً ،ولكنهم يرتبطــون فيمــا بينهم
بروابط طبيعية ومعنوية مثل وحــدة األصــل العــرقي ووحــدة اللغــة والــدين والعــادات والتقاليــد والتــاريخ والثقافــة
المشتركة… الخ ،ومعنى ذلك أن ما يربط بين أفراد األمة الواحدة يكون في العادة أقوى وأمتن وأكــثر كثافــة ممــا
يربط بين أفراد الشعب الذي ال يشكل في مجمله أمة واحدة .لكن ليس معنى ذلك أنه يشترط أن تتوافر في الشــعب
كافة عناصر ومقومات الوحـدة الطبيعيـة الـتي تتـوافر في األمـة لكي يصـبح لـه الحـق في إقامـة دولتـه المسـتقلة.
فليست كل أمة دولة وليست كل دولة أمة.
وهنــاك نظريــات عديــدة تفســر نشــأة الدولــة كتطــور طــبيعي لعالقــات اجتماعيــة معينــة أساســها رابطــة الــدم
والقربى..الخ .وتؤكد هذه النظريات أن العائلـة ظهـرت أوالً ،ومن تعـدد العـائالت نشـأت القبائـل والعشـائر ،ومن
صراع القبائل والعشائر وتداخلها بالمصاهرة والزواج أو بالدمج واالســتعباد ،تبلــورت التكوينــات األولى للــدول،
ككيانات اجتماعية أكثر تعقيدا ً وتشابكاً ،كما ظهرت بشكل تدريجي سلطة من نوع مختلف عن سلطة رب األســرة
أو شيخ القبيلة ،وهي السلطة السياسية المنظمة بمفهومها الحديث.
ففي إطــار العائلــة ظهــرت ســلطة رب األســرة بصــفة عامة .والعائــل هــو الشــخص المســؤول عن توفــير الطعــام
والحماية ألفراد أسرته .وفي مقابل ذلك أصبح على جميع أفراد األسرة أو العائلة طاعة عائلها وااللتزام بتنفيذ مــا
يأمر به وما ينهى عنه؛ كي تحافظ األسرة أو العائلة على تماسكها وقوتها ،سواء في مواجهة اآلخــرين ،الــذين قــد
يهددون األسرة في طعامها أو في أمنها ،أو لتوفير المناخ الطبيعي الالزم لتمكين رب األســرة من القيــام بوظائفــه
الحيوية .وباتساع األسر وتعدد وتشعب فروعها ظهرت العشائر والقبائل ومعها ظهــرت ســلطة شــيخ العشــيرة أو
القبيلــة وتمــيزت عن ســلطة رب األســرة .ثم أدت عوامــل كثــيرة ،من بينهــا الحاجــة إلى التوســع والحصــول على
مصــادر أكــبر للــرزق ،إلى انــدالع الصــراع بين العشــائر والقبائــل المختلفة .وفي الصــراعات والحــروب يوجــد
منتصــرون يصــبحون عــادة قــادرين على فــرض ســطوتهم وســلطتهم ،ومهزومــون يخضــعون إلرادة المنتصــر
وأوامره .ومع تطور الصراع اتسع نطاق المجتمعات وظهرت السلطة السياسية.
وإذا كانت العالقة بين رب األسرة ومن يعولهم من األزواج واألبناء واألحفاد قد اتسمت إلى حد كبير بالتكافؤ بين
الحقوق والواجبات بسبب روابط الدم والقربى ،فقد أصــبح من الصــعب المحافظــة على عالقــات التكــافؤ هــذه في
إطار المجتمعـات األوسـع الـتي أفرزتهـا التفـاعالت الصـراعية بين العشـائر والقبائل .فقـد أدى وجـود منتصـرين
ومهزومين إلى ظهور طبقة من العبيد واألرقــاء أصــبح لألســياد عليهم حــق المنح والمنــع بــل وحــق الحيــاة ذاتها.
وكما كانت هناك صراعات وحــروب بين بعض القبائــل كــان من الطــبيعي أن يصــبح هنــاك تعــاون وتحــالف بين
بعضها اآلخر إما لدرء أخطار الطبيعة أو للتغلب على عدو مشترك .وهكذا ظهرت المدن والقــرى ثم المجتمعــات
اإلنسانية األكبر واألكثر تعقيدا ً حتى وصلنا إلى شكل الدولة التي ظهرت فيها سلطة سياســية تختلــف في طبيعتهــا
وفي أدواتها عن سلطة رب األسرة أو شيخ القبيلة أو العائلة أو حكام اإلمارات اإلقطاعية القديمة.
وبصرف النظر عن دقة ما تنطوي عليــه هــذه الرؤيــة من تفســير لنشــأة الدولــة أو نشــأة الســلطة السياســية ،إال أن
الدولة تحولت في نهاية المطاف إلى أداة لضبط عالقات اجتماعية أصبحت شديدة التنــوع والتعقيد .فهنــاك دول ال
تزال التوازنات القبلية والعشائرية تلعب فيهــا دور المحــرك األساســي لسياســاتها وأنشــطتها ،وهنــاك دول أخــرى
زراعية وصناعية حديثة برزت فيها قوى وطبقات اجتماعيــة مختلفــة كليـاً ،ومن ثم فقــد تطلب األمــر اللجــوء إلى
أساليب وطرق مختلفة عن األساليب السائدة في حياة القبيلة إلدارة العالقات فيما بينها .وال شك أن طبيعة الســلطة
وطبيعة النظام السياسي في الدولة تعكسان حقيقة االختالف في طبيعة وأوزان القوى والفئات االجتماعية المختلفة
التي تتكون منها.
هي التي يكون لها نظام قانوني واحد أي سلطة واحــدة بدســتور واحــد وقــوانين واحــدة داخــل إقليم الدولة الواحــدة
وبالتالي تكــون لهـا شخصــية قانونيـة واحـدة داخليــا وخارجيـا ،وقــد تعتمــد الدولـة البســيطة أســلوب المركزيــة أو
الالمركزية لتسيير شؤونها.
خصائصها الدولة البسيطة
1-التنظيم السياسي للسلطة يكون واحدا يتجسد في وجود جهاز حكومي واحد مكلف بجميع الوظائف.
2-السلطة السياسية تخاطب جماعة متجانسة بالرغم من اختالف العادات واالعتقادات وغيرها.
3-وحدة السلطات الثالث في الدولة.
4-جميع األفراد يخضعون للقرارات الصادرة من الهيئات الحاكمة.
المركزية والالمركزية اإلدارية
أ -المركزيــة اإلدارية :هي تركــيز السـلطة اإلداريـة في يـد السـلطة المركزيـة الموجـودة في العاصـمة ،بحيث أن
الســلطة المركزيــة تحتكــر كــل الســلطات والصــالحيات واإلشــراف على كــل المرافــق الوطنيــة والمحلية .و لهــذا
األسلوب إيجابيـات تتمثـل في :السـماح بالحفـاظ على الوحـدة الوطنيـة ،التقليـل من نفقـات الدولة ، ...أمـا سـلبياته
فتتمثل في :كونه ال يسمح باالطالع الفعلي على ما يجـري في إقليم الدولــة ،كمـا أن تركــز السـلطة في يد شـخص
واحد يؤدي إلى تفاقم المشاكل وعدم القدرة على حلها كما نجد أن هذا األسلوب يظهر بأسلوبين عند التطبيق.
التركيز اإلداري :وتعني تركيز الوظيفة اإلدارية لدى الـرئيس اإلداري الموجـود في العاصـمة لكن نظـرا
لصعوبة حل المشاكل في مختلف األقاليم فهـذا الـرئيس اإلداري من بـاب سـهولة مواجهـة المشـاكل يقـوم
بنقل بعض صالحياته وتفويضها لنوابه ومرؤوسيه بشرط أن تظل المراقبة لمدى مالئمة هذه التصــرفات
أو شرعيتها وقانونيتها .
عــدم التركــيز اإلداري :وهــو أن الــرئيس اإلداري يقــوم بنقــل بعض صــالحيات للبت في بعض المشــاكل
لبعض نوابه
أو مرؤوسيه سواء كانوا في الجهاز المركزي أو األقاليم.
ب -الالمركزية اإلدارية :في إطارها نجد أن السلطة اإلدارية تتوزع بين السلطة المركزية "الجهاز المركزي" أو
الوحدات المرفقية والمحلية بحيث أن هذه الوحدات تقوم بممارسة وظائفها اإلدارية الــتي منحهــا لهــا القــانون دون
الرجوع للجهاز المركزي ،لكن تبقى خاضعة لرقابة الجهاز المركزي فيما يعرف بالوصــاية اإلدارية وتظــل هــذه
الرقابة حفاظا على وحدة التوجه اإلداري للدولة.
الدولة المركبة :
وهي الدولة الـتي تتكـون على األقـل من دولـتين أو أكـثر تكـون متحـدة فيمـا بينهــا ضـمن أشـكال متعـددة بـالنظر
الختالف طبيعــة هــذا االتحــاد ودرجــة اإلنــدماج بين الــدول واالتحــادات ،وتتمثــل في أربعــة أشــكال :االتحــاد
الشخصي،االتحاد الفعلي ،االتحاد التعاهدي ،االتحاد الفيدرالي.
أ – االتحاد الشخصي :
و يعتبر أضعف أنواع االتحادات ،ويقصد به أن يكون هناك رئيس واحد للدول المنضوية في االتحاد مــع احتفــاظ
كل دولة بسيادتها الكاملـة واسـتقاللها التـام عن االتحـاد وال يوجـد في إطـار هـذا االتحـاد مؤسسـات مشـتركة وال
تشريعات موحدة.
وقد ظهر هذا االتحاد في أوروبا بسبب المصاهرة بين عائلتين ملكيتين مثال اتحاد هولنــدا ولكســمبورج في الفــترة
بين 1845م 1890-م ،وهناك نموذج آخر لهذا النوع من االتحاد الشخصي في دول أمريكا الالتينية عندما انتخب
"بوليفار" رئيسا ً لجمهوريات فنزويال وكولومبيا وبيرو وبوليفيا وذلك تقديرا ً لدوره النضــالي التحــرري ،ولم يعــد
لهذا النوع من االتحاد أثر يذكر في الوقت الراهن.
ب -االتحاد الفعلي أو الحقيقي:
وينشأ هو اآلخر بين دولتين أو أكثر ،غير أنه ال يكون عرضيا بل نتيجة اتفاق يقــع بين الــدول الــتي تريــد إنشــاؤه
فيظهر بذلك شخص دولي جديد يتمثل في وحدة االتحــاد حيث تفقــد كــل دولــة شخصــيتها الدوليــة الــتي تــذوب في
شخصية الدولة الجديدة ،فيكون لها رئيس واحد وتمثيل واحد وتبرم المعاهدات والعقود باسمها ،غير أن كل دولــة
تحتفظ بإقليمها وسيادتها الداخلية أي بدستورها وقانونها الداخلي.
فاالتحاد الفعلي يتميز عن االتحاد الشخصي في ظهور شخص دولي جديــد وزوال الشخصــية الدوليــة لألعضــاء.
ويتميز هذا االتحاد بأنه يكون أكثر ترابطا ودواما من االتحاد الشخصي نتيجة توحيد السياسـية الخارجيـة ووجــود
حكومــة ورئيس واحــد لالتحــاد ،ومن أمثلــة هــذا االتخــاذ هي :اتحــاد النمســا وهنغاريــا (1981-1867م) ،اتحــاد
الدانمرك وأيسلندا (1944 -1981م) ،اتحاد السويد والنرويج (1905 -1814م)
ج -االتحاد التعاهدي أو االستقاللي أو الكونفدرالي:
هو اتحاد يضم دولتين فأكثر على أن تبقى كل دولة لها سيادتها الداخلية والخارجية ورئيســها الخــاص ويقــوم هــذا
االتحاد على أساس توحيد وتنســيق الشــؤون االقتصــادية واالجتماعيــة أو العســكرية ،فتنشــأ لجنــة أو هيئــة تســمى
مجلس أو مؤتمر تكون مهمتها تحقيق األغراض المنشودة وتختــار الهيئــة من قبــل الحكومــات المتحــدة وال تكــون
قرارتها ملزمة إال إذا وافقت عليها الدول األعضاء.
د -االتحاد الفيدرالي أو المركزي:
كلمة "الفيدرالية " مشتقة من الالتينية وتعني "الثقة " ،وكلمة "فويدوس" تعني االتحاد ،وهو نظام سياسـي ضـمن
طابع دستوري يضمن تقسيم الحكم السياسي بين المستويات السياسية المختلفــة (مركــز وإقليم) ويعــود أصــل هــذا
االتحاد إلى تأسيس الواليات المتحدة األمريكية عام 1787م.
والفيدرالية دولة مركبة ،أي دولـة اتحاديـة تتكــون من مقاطعــات أو واليــات أو أقـاليم ،بحيث ال تكـون الشخصــية
الدوليــة إال للحكومــة المركزيــة ،مــع احتفــاظ كــل إقليم من األقــاليم المكونــة لالتحــاد الفيــدرالي ببعض االســتقالل
الداخلي ،وهي أيضا ً دولة واحدة قد تتضمن كيانات دستورية متعددة ،ولكل إقليم أو كيان نظامه القــانوني الخــاص
واستقالله الذاتي وتخضع مجموعها للدستور الفيدرالي ،باعتباره المنشئ لها والمنظم لبنائها القــانوني والسياســي،
وهي بذلك أي الفيدرالية عبارة عن نظام دستوري وسياسي مر ّكب.
ويفترض سمو الدستور الفيدرالي على دساتير األقاليم األعضاء في االتحاد الفيدرالي ،وال تتمتع األقاليم األعضاء
في االتحاد الفيدرالي بالسيادة الكاملة ،إذ تكــون ســيادة اإلقليم مقيــدة بســيادة الدولــة االتحاديــة ،وال يحــق ألي إقليم
االنفصال عن الدولة االتحادية.
إن أول دولة في العالم هي الواليات المتحدة األمريكية عملت بالنظام الفيدرالي منذ أكثر من 200عام ،وهناك ما
يقارب 25دولة في العالم تعمل بهذا النظام ،ومنها اآلتي :الواليات المتحدة األمريكية 50والية 1787م ،روسيا
21جمهورية ،ألمانيا 16إقليما ً 1949م ،ماليزيا 13والية .نيجيريا 36والية .باكستان 4أقاليم .سويســرا 26
كانتونا ً .فنزويال 23والية ،العراق أنشأ إقليم كردستان بعد 2003م وبموجب دستور العراق 2005م ،اإلمــارات
العربية 7إمارات 1971م.
تقوم الدولة الفدراليــة على مجموعــة من المبــادئ أهمــا مبــدأ االزدواجيــة السياســية والقانونيــة ومبــدأي
االستقاللية والمشاركة.
ثانيا :تصنيف الدول من حيث السيادة
الدول كاملة السيادة:
و يقصد بهـا الـدول الـتي تباشــر مختلــف شــؤونها الداخليـة والخارجيـة باســتقالل تـام ،بمعـنى أنهـا ال تخضـع في
ممارسة سيادتها الداخلية والخارجية ألية هيمنة أو سيطرة من جانب دولة أخرى أو أحدى المنظمــات الدوليــة ،إذ
طالما أنها تحترم التزاماتها الدولية فاختصاصــها الدســتوري كامــل وليس ألحـد أن يتـدخل في شـؤونها إلرغامهــا
على اختيار شكل معين من النظم أو االحتفاظ بشـكل معين من الحكومــات ،و نجــد أن العالقــة بين الـدول ينظمهــا
مبدأ المساواة و بذلك يصبح تعبير السيادة مرادفا لتعبير االستقالل ،بمعنى أن الدولة كاملة السيادة ،هي التي تتمتع
باستقالل كامل أو تام ،فتتساوى بذلك مع مثيالتها من الدول األخرى.
الدول ناقصة السيادة:
وهي الدول التي ال تتمتع باستقالل تام في مباشــرة شــؤونها الداخليــة أو الخارجيــة ،إذ تشــاركها في ممارســة هــذه
الشؤون دولة أجنبية أو منظمة دولية ،و بمعنى أخر يمكن القــول أن الــدول ناقصــة الســيادة تخضــع في مباشــرتها
لسياداتها الداخلية أوالخارجية أو االثنتين معا إلشراف ورقابة دولة أخرى ،أو إحدى الهيئات الدولية ،و من أمثلــة
هذه الدول:
الدول المحمية :فهذه الدول تتنازل بمقتضى اتفــاق أومعاهــدة عن بعض ســلطاتها إلى دولــة أخــرى تســمى الدولــة
الحامية بحيث تقوم هذه الدولة األخيرة ،نيابة عن الدولة المحمية بمزاولة هـذه السـلطات ،و تتـولى شـؤون الـدفاع
مثال أو ضمان سالمة أراضيها.
الدول الواقعة تحت االنتداب :حيث تضع الدولة المنتدبة ،إما وحدها أو باالشــتراك مــع الســلطات المحليــة النظــام
األساسي لتلك البالد التي تقع تحت انتدابها ،أو على األقل تشرف على وضع هذا النظام.
الدول التابعة :و هي كذلك دولة ناقصة السيادة ألنها تفقد أغلب سيادتها لخضوعها للدولة المتبوعة.
ثالثا :تصنيف الدول من حيث شكل نظام الحكم
توجد عدة أشكال ألنظمة الحكم و هي كاآلتي :النظام البابوي ،النظام اإلمبراطوري ،النظام الســلطاني ،النظــام
الملكي ،النظام األميري ،النظام الجماهيري،النظام الجمهوري.
رابعا :تصنيف الدول من حيث طبيعة نظام الحكم
تقسم أنظمة الحكم إلى أنظمة دكتاتورية وأنظمة ديمقراطية.
األنظمـة الدكتاتوريـة تتميـز بعـدة ســـمات منهـا - :احتكــار جميــع الســلطات بيــد ســلطة أو شــخص واحد - .نظــام
الحزب الواحد وعدم االعتراف بالتعددية السياسية والحزبية - .حرمان المواطنين من التمتع بحقــوقهم و حريــاتهم
األساسية والتي نصت عليها المواثيق الدولية .كمـا أن أسـاليب تـولي الحكـام لمقاليـــد الســـلطة فـــي الدولـــة تقســـم
إلـى األسـاليب غيـر الديمقراطيـة و تشـمل (الوراثـة ،االختيار الذاتي ،القوة) ،أما االنتخاب فيعتبر من األسـاليب
الديمقراطية لتولي السلطة.
األنظمـة الديمقراطية :الديمقراطيـة هي حكم الشـعب نفسـه بنفسـه ،وبعبـارة أخـرى هي كـل نظـام سياسـي يسـمح
ويمكن من المشاركة الحرة والرشيدة للمواطنين في تسيير الشؤون العامة .
و هناك ثالثة صور الشتراك الشعب في الحكم هي :الديمقراطيــة المباشــرة -الديمقراطيــة النيابيــة -الديمقراطيــة
شبه المباشرة.
المطلب الثاني :السلطة في المجتمع السياسي:
كما ال حظنا في كل التعاريف حول السياسة تشترك في عناصر عدة تتمحور أساسا حول مســألة الحكم والســلطة
في إشــارة إلى الدولــة ومؤسســاتها .فمــا المقصــود بالســلطة؟ ومــا هي أنواعهــا؟ ومــاهي الســطة السياســية؟ ومــا
شرعيتها ومشروعيتها؟
يصعب تعريف السلطة بسبب تعدد صفاتها ،وقد كانت ظاهرة السلطة منذ العصور القديمة حـتى الـوقت الحاضـر
موضوع عناية من قبل المفكرين والفالســفة ،مــع ذلــك ال يوجــد تعريــف متفــق عليــه من قبــل الجميــع ،لــذلك فــإن
تشــخيص ماهيــة الســلطة ووظائفهــا وطبيعــة العالقــات الــتي تقــوم عبرهــا وخاللهــا تختلــف من بــاحث إلى آخــر،
باختالف منطلقاته النظرية أو اإليديولوجية .وعلى صعيد آخر أن صعوبة مفهوم السلطة يــأتي من كونهــا ظــاهرة
تتطور باستمرار وتأخذ أشكاال مختلفة .وقــد مــرت بمراحــل نوعيــة في تطورهــا ،اعتبــارا من العنــف النــاجم عن
إرادة فجة للسيطرة على اآلخر ،إلى عمل إقناعي لــزج المــواطن في عمــل جمــاعي مشــترك .ومن ناحيــة أخــرى
امــتزجت الســلطة بكــل أوجــه العالقــات اإلنســانية في الحيــاة االجتماعيــة المشــتركة ،وهي مرتبطــة بكــل تنظيم
مؤسسي ،إذ التعاون أو الصراع النـاجم عن العالقـات السياسـية االجتماعيـة واالقتصـادية الـتي تقـوم بين األفـراد
والجماعات ،هي نتيجة مباشرة لوضع السلطة في المجتمع.
إن السلطة بمعناها الواسع ،هي شكل من أشكال القوة ،فهي الوسيلة التي من خاللها يستطيع شــخص مــا أن يــؤثر
على سلوك شخص آخر .إال أن السلطة تتميز عن القوة ،بسبب الوسائل المتباينة التي من خاللهــا يتحقــق اإلذعــان
أو الطاعة .فبينما يمكن تعريف القوة على أنها القدرة على التأثير على سلوك اآلخرين ،فــإن الســلطة يمكن فهمهــا
على أنها الحق في القيام بذلك .إن القوة تحقق اإلذعان من خالل القــدرة على اإلقنــاع ،أو الضــغط ،أو التهديــد ،أو
اإلكــراه ،أو العنف .أمــا الســلطة فهي تعتمــد على "الحــق في الحكم" ،ويحــدث اإلذعــان من خالل الــتزام أخالقي
ومعنوي من قبل المحكوم بأن يطيع .ورغم اختالف الفالسفة السياسيين حول األسس التي ترتكــز عليهــا الســلطة،
فإنهم اتفقوا على أنها ذات طابع أخالقي ومعنوي "السلطة يجب أن تطاع".
وتشير السلطة في اللغة العربية غالبا إلى معنيين :األول ينطوي على معنى القوة ،أما المعنى الثاني فينطــوي على
دالالت سياسية أو قانونية محددة ،فيقال مثال الســلطة السياســية ،أو الســلطة الشخصــية ،أو الســلطة الفرديــة ،وفي
بعض األحيــان تســتخدم للتعبــير عن وظــائف الدولــة أو مرادفــة للصــالحيات واالختصاصــات .والواقــع أن كلمة
POUVOIRالفرنسية المنحدرة من أصل ال تيني تعــني لغويــا القــدرة أو المكنــة أو االســتطاعة .أمــا في اللغــة
العربية ،فلم يرد في المعاجم القديمة لفظة "السلطة" ومع ذلــك فقــد عــرفت الســلطة من خالل اشـتقاقها ،وبخاصــة
لفظة "سلطان" والتي تعني الحجة .وعليه فــإن أصــل التعبــيرين في اللغــة العربيــة وفي اللغــة الفرنســية مختلــف،
بحيث في اللغة العربية استخدم تعبير "السـلطان" وليس السـلطة ،ألن القـوة والقهــر تمـارس بمشـيئة إلهيـة ،وهي
مصدرها وشرعيتها.
ويعرف "أوبنهايم" السلطة على أنها "كل من يقوم بعمل سلطة فإنه يقصد التحكم في نشاطات اآلخرين لتحقيق
غرضه الخاص به" .ويراهــا "هــارود الســويل" ،هي "عمليـة التــأثير في سياســية اآلخــرين ،بممارســة الحرمــان
الشديد عليهم أو التهديد به لغرض امتثالهم إلى السياسة المعروضة للتنفيذ".
وترتكز العالقة الســلطوية على ثالث مقومــات أساســية :األولى ،طــرفي الســلطة ،أي وجــود من يصــدر األوامــر
بصفته الجهة التي تضطلع بالمهــام والمتطلبــات الســلطوية (الجهــة المعنيــة بممارســة الســلطة) ،والثانية ،الوعــاء
الحقوقي الذي تنظم فيه عالقة طرفي السلطة (تنظيم العالقة بين الحاكم والمحكــوم) ،والثالثة ،الشــرعية الــتي هي
من المقومات األساسية لبناء السلطة كونها عالقة مقبولة من قبــل أفــراد المجتمــع مــع مــالكي الســلطة (الرضــا أو
القبول).
ويرى "تالكورت بارسونز" السلطة بأنهــا "القــدرة على ممارســة بعض الوظــائف لفائــدة نظــام اجتمــاعي مــأخوذ
بكليته" .ويضيف بأن السلطة هي قدرة وحدة اجتماعية على ضمان تنفيذ االلتزامات التي اكتسبت صفة الشرعية،
لكونهــا تعبــير عن أهــداف مجتمعيــة ويعــاقب من يمتنــع عن القيــام بها .ويــرى "مــاكس فيــبر" بــأن الســلطة هي
"المجموعة السياسية التي تسيطر وتطبق أوامرها على إقليم معين بواسطة تنظيم إداري يستخدم التهديد واللجــوء
إلى اإلجبــار المــادي" .وبنــاء على ذلــك فــإن عناصــر الســلطة السياســية هي :األول ،يتعلــق بمجموعــة الســيطرة
والتنظيم اإلداري ،فهو ينطلق من البنية االجتماعية بوصفها مجموعة سيطرة .والعنصر الثاني ،يكمن في اللجــوء
إلى اإلجبار المادي ،الذي هو وسيلة نوعية للعمل السياسي.
السلطة التقليدية :وتقوم على التقاليد واألعراف وحكم المعتقدات ،وكذلك على القواعد الــتي تضــفي الشــرعية
على الحكام التقليديين .حيث في هذا النوع تستند المشروعية على قدسية النظام المتعلقة بمكانة الســلطة في إطــاره
والبعد القيمي والدعم الذي يتوفر لها من خالل العمــق الزمــني الــذي وجــدت خالله .ومفهــوم الشــرعية يتحــدد في
ثالثة عناصر :األول ،تظهر ممارسة السلطة بمشاركة األفراد مشاركة تقليدية .والثاني تتم ممارسة السلطة حسب
المكانة االجتماعية والوضع اإلداري .والثالث توجد حرية في استخدام القوانين التقليدية.
السلطة الملهمة (الكاريزما) :فعندما تنهار القيم والقواعد في المجتمع التقليدي ،تظهر زعامات من نــوع جديــد
تقود حركة التطور إلى األمام ،هذه الزعامات ال تتقيد بالوضع القائم ،وإنما تستوحي مسيرة التاريخ بوعي مكثــف
وإرادة قوية .واألساس الذي تقوم عليه مثل هذه الزعامــات هي مزايــا تفــوق الشخصــية ولــدى الــزعيم (الهيبــة أو
البطولة أو صفات ناذرة) ،وتكاد شخصيته تقف على قدم المساواة مع القواعد القانونية ،وطاعة األفــراد لــه تتــأتى
من خالل اإليمان به.
الســلطة العقالنيــة (القانونية) :وهي الــتي توجــد في المجتمعــات البشــرية الحديثة .وتقــوم على مجموعــة من
القواعــد القانونيــة المبنيــة على أســاس المنطق .وكــل من لــه ســلطان يســتمد صــالحيته من القواعــد الدســتورية
والقانونية .ومصدر السلطان قائم أساسا في طبيعة النظام الشرعي ذاته.
ومن جهة أخرى ،يرى "جون كنيث غالبريث" في كتابه "تشــريح الســلطة" ،هــو أن الســلطة عمليــا تنــدرج تحث
ثالثة أنواع وهي:
الســلطة القســرية :تتمكن من اإلخضــاع عن طريــق قــدرتها على فــرض بــديل ألولويــات الفــرد أوالمجتمع.
وتحظى هذه السلطة باإلخضاع عن طريق التهديد بفرض عقوبات صارمة.
السلطة التعويضية :حيث تحظى هذه السلطة بتحقيق غاياتها عن طريق عرض مكافآه إيجابية مقابل خضوع
األفراد.
السلطة التالؤمية :فيتم تبادل الرأي والمعتقد .وعن طريق اإلقناع والتثقيف وااللتزام يخضع اإلنســان لرغبــة
اآلخرين .وهذا النوع من السلطة متوافق عليه في السياسة المعاصرة.
وتقف خلف هذه األدوات الثالثة مصادر تميز بين من يمسكون بزمام السلطة وبين من يخضعون لها وهي:
الشخصــية :يكــون العنصــر القيــادي أســاس عــام فيهــا ،والقــدرات الشخصــية ،أي الصــفات الشخصــية تســهم
باإلمساك بأدوات السلطة؛
الملكية( :الثروة) ،فتضفي مسحة من السلطة والتأكد من الهدف ،وتؤمن الطريق لشراء الخضوع؛
التنظيم :فهو المصدر األكثر أهمية للسـلطة في المجتمعــات الحديثـة ،وهـو مرتبــط بالسـلطة التالؤمية .وكلمـا
جرى البحث عن ممارسة السلطة ،فإن األمر يتطلب التنظيم الذي يؤدي بدوره إلى اإلقناع المطلوب ،والخضــوع
ألهدافه.
وهناك عالقة مبدئية بين كل األدوات المشار إليهــا والــتي يتم بواســطتها ممارسـة الســلطة وبين مصــادر الســلطة.
فالشخصية والثروة والتنظيم تتجمع في قوى متنوعة .ومن هنـا يتم تكـوين تشـكيل متنـوع من األدوات الـتي تتحـد
لفرض السلطة.
الفرع الثالث :مفهوم السلطة السياسية
يرى "هانز مورغانثاو" أن السلطة السياسية ،هي عالقة نفسية بين من يمارسون السلطة وبين من تمارس عليهم
الســلطة ،وهي تعطي للحــاكمين حــق مراقبــة أفعــال المحكــومين ،من خالل التــأثيرات الــتي تباشــرها على عقــول
وأفكار المحكومين ،كما أن أساس خضوع هؤالء لتأثير السلطة ينبع من مصادر ثالثة وهي:
أما ممارسة هذه الســلطة فقــد تكــون من خالل األوامــر أو التخويــف والتهديــد ،أو اإلقنــاع ،أو قــد تكــون من هيبــة
الحكام ،أو سطوة جهاز أو هيئة ،وقد يكون خليطا من هذه الوسائل مجتمعة.
وهنــاك من يــرى أن لمصــطلح الســلطة السياســية معنــيين ،األول معنــوي ،والثــاني مــادي .بحيث تعــني الســلطة
السياسية بمعناها المادي ،القوة والقدرة على السيطرة التي يمارسها الحكام على المحكومين ،والمتمثلة في إصدار
القواعد القانونية الملزمة لألفراد ،وفي إمكانية فرض هــذه القواعــد عليهم باســتخدام القــوة المادية .في حين يتمثــل
معناها العضوي في أجهزة الدولة.
المهارات والمعرفة؛
المصــادر الماديــة (ســيطرة وتحكم الحكــام بالممتلكــات والمصــادر الماليــة والنظــام االقتصــادي ووســائل
االتصال والمواصالت)؛
وتعتمد هذه المصادر على قبول النظام الحاكم وعلى خضوع وطاعة جموع المواطنين له وتعاونهم.
اﻟﻤﻨﺘﺪى اﻟﻄﻼﺑﻲ
https://forum.fsjes-agadir.info/
الفرع الرابع :عناصر السلطة السياسية:
هناك عدة عناصر أساسية للسلطة تستند عليها في ممارستها ،ويمكن إجمالها في عنصرين ،األول مــادي والثــاني
غير مادي.
.1القــوة الطبيعية :لقــد لعبت القــوة الطبيعيــة دورا كبــيرا في ظهــور وتطــور ظــاهرة الســلطة ،فالســجن
والعقوبات يوجد في الممارســات البوليســية وفي كــل قــوانين الجــزاء للــدفاع على النظــام القــائم وضــمان
احترامه ،وبعبارة أخرى أن العقوبات التي تنطــوي عليهــا قــوانين الجــزاء وكــذلك اإلجــراءات البوليســية
ليست في الواقع سوى وسائل بيد القائمين على السلطة .وتبدو طبيعة عنصر القوة في تكوين السلطة عنــد
حدوث ما يعكر أمن وسالمة النظام القائم إلى حد خطير ،إذ تظهر وقتئذ القوة الطبيعية على حقيقتها.
.2القوة االقتصادية :إن من يتحكم في القوة االقتصادية يســتطيع أن يتحكم بمن يتعــرض لها .وبهــذا تقــترب
القوة االقتصــادية من القــوة الطبيعيـة ،ألنهـا تتكــون أساســا من حرمــان المــرء من مصــادر العيش مقابــل
إجباره على الطاعة .والطبقة االجتماعية التي تمتلك وسائل اإلنتاج تمتلك السلطة السياسية وتسـيطر على
أجهزة الحكم في المجتمع .وبالمقابل فإن السلطة تنطوي على عناصر مادية مجزية لقاء طاعة من يصدر
األمر.
.1الهيبة :هي ظاهرة اجتماعية ونفسية معقدة يصعب تحليلهــا ،ولكن يمكن مالحظتهــا ويرجــع تأثيرهــا إلى
عدة عوامل منها:
العوامل النفسية :أن من يتمتع بهيبة هو حجة في مجال اختصاصه وفي الوســط االجتمــاعي الــذي يعيش
فيه ،فتفوق الشخص ثم اإلعجاب به واحترامـه وإجاللــه ،هي العوامــل األساسـية الــتي تنشـأ عنهــا الهيبة.
وهيبة الشخص هي نتاج خصائصه الفردية وشخصيته القوية؛
العوامل المادية :هناك وسائل مادية عديدة تستخدم لتعزيز الهيبة مثل المواكب واالستعراضات الرسمية،
واألوسمة ،فضال عن تأثير وسائل اإلعالم.
.2النفوذ :وهو الطريقة التي يمكن بواسطتها إجراء تأثير على آراء ومواقف اآلخرين ،بعمل متعمد ولهدف
مقصود .فالنفوذ هو القدرة االجتماعية في التأثير على ممارسة الســلطة من قبــل صــانعي القــرار .ويــرى
"روبرت دال" أن النفوذ هو عالقة بين فاعلين يقنع أحد منهم اآلخر بأن يقوم بعمل مــا وبطريقــة ال يعمــل
بها في مناسبة أخرى .فالنفوذ هو وسيلة عامة في التفاعل االجتماعي الــذي يتم بين الوحــدات االجتماعيــة
المختلفة ،فهو وسيلة في اإلقناع.
الشرعية هو مفهوم يرمز إلى العالقة بين الحاكم والمحكوم المتضمنة توافق العمل أو النهج السياسي للحكم مــع
المصالح والقيم االجتماعية للمواطنين بما يؤدي إلى القبول الطوعي من قبــل الشــعب بقــوانين وتشــريعات النظــام
السياسي .وبالنسبة إلى "ماكس فيــبر" تكــون الشــرعية عالقـة تبادليــة بين الحكـام والمحكــومين ،وذلــك أن مقابـل
طاعة المحكومين لألوامر الصادرة عن السـلطة يقـوم الحـاكم بتقـديم دليـل على قدرتـه على خدمـة شـعبه .ويــرى
"فيبر" أن الشرعية تشير إلى االعتقاد في "الحق في الحكم" ،بمعنى آخر ،يمكن وصف نظام الحكم بأنه شــرعي،
شريطة أن يكون شعبه مستعدا لالذعان والطاعة .بينما يرى "أريسطو" أن الحكم يكون شرعيا فقط عنــدما يعمــل
لصالح المجتمع ككل ،وليس من أجل المصـالح األنانيـة للحكــام .ويعتقــد "روسو" أن الحكومــة تكـون شــرعية إذا
كانت معتمدة على "إرادة عامة".
وحاول "دافيــد بيتهــام" في كتابـه "إكسـاب الشـرعية للقـوة" المنشــور سـنة ،1991أن يطــور مفهومـا اجتماعيــا
وعمليا للشرعية ،فمن وجهة نظر "بيتهام" فإنه يمكن اعتبار القوة شرعية إذا استوفت ثالثة شروط:
يجب أن تمارس القوة طبقا لقواعد راسخة ،سواء كانت متضمنة في مجموعة قــوانين رســمية أو مواثيــق )1
غير رسمية؛
يجب أن تبرر هذه القواعد من منظور المعتقدات المشتركة للحكومة والمحكومين؛ )2
إن السلطة الشرعية هي السلطة ذات السند الصحيح وممارستها صحيحة ،فالشرعية هي الزاويــة الــتي يقــف فيهــا
صاحب السلطة .والمشروعية هي الزاوية التي تقف فيها الرعية .وعندما يتدرع الحاكم بالشرعية ،تتذرع الرعيــة
بالمشــروعية .وأن تكــون الســلطة شــرعية ،هــذه مصــلحة الحــاكم ،وأن تكــون مشــروعية فهــذه مصــلحة الرعيــة.
فبالنسبة للحاكم ،الشرعية هي تؤسس حقه ،والمشروعية تؤسس واجبه .أما بالنسبة للرعيــة فهي العكس من ذلــك،
فشرعية السلطة أساس ومرتكز واجبه في الطاعة والخضوع ،ومشــروعية السـلطة هي الضــمانة األساســية لحقـه
في أال يضطهد .وتأسيسا على ذلك يمكن القول ،أن الشرعية مصطلح سياسي ،بينما المشروعية مصطلح قانوني،
فالشرعية مصدرها إرادة الشعب ،أما المشروعية فمصدرها القوانين والدساتير ،الشرعية لها بعــد قيمي ومعنــوي
(أخالقي) ،والمشروعية لها بعد قانوني.
المطلب الثاني :جماعات الضغط أو المصالح كفاعل سياسي:
لقــد ســبق وأن تطرقنــا لتعريف جماعــات الضــغط أو المصــالح في المبحث األول ،وأشــرنا إلى أنهــا عبــارة عن
مجموعة من األفراد تسعى للتأثير بوســائلها على عملية صــنع السياســيات العامــة لـدفعها في االتجــاه الـذي يحقـق
مصالح أعضائها المادية أو المعنوية ،دون السعي للمشاركة في الحكم أو تحمل مسؤوليته .وهنا ســنرى جماعــات
الضغط كفاعل سياسي ،وذلك من خالل عرض أشكالها ووظائفها وأساليب عملها.
تتنوع جماعات الضغط وتختلف أنواعها بشكل كبير ،وهناك معايير عدة تستخدم لتصــنيف هــذه الجماعــات ،ومن
أهمها ما يلي:
الجماعــة المنظمة :وهي تلــك الجماعــة الــتي لهــا تنظيم قــانوني معــترف بــه من قبــل الســلطة ولهــا مقــر
وعضوية ومصادر تمويل معروفة وهيكل إداري مثل النقابات وغرف التجارة والصناعة.
الجماعات شبه المنظمة :هي الجماعات التي لها تنظيم رسمي وقانوني ولكنهــا ال تلــتزم بهــذا التنظيم في
تحركاتهــا المطلبيـة واحتجاجاتهـا كاالتحــادات الطالبيـة الــتي تتجــاوز أطرهـا التنظيميـة أثنــاء تحركاتهـا
االجتماعية ،بل إن بعضها قد يخالف في بعض األحيان توجهات األطر التنظيمية التي ينتمي إليها.
الجماعات غير المنظمة :وهناك من يطلق عليها تسمية الجماعات غير المشروعة ،وهي الجماعات التي
قد تتحرك تلقائيا وعفويا في مناسبات معينة ثم تنفض دون أن يتوفر لها إطــار تنظيمي دائم أو الجماعــات
التي يتوفر لها إطار تنظيمي دائم ولكنه غير مشروع وهي تمارس نشــاطها بالســر مثــل بعض عصــابات
اإلجرام والمافيا والجماعات اإلرهابية والحركات العنصرية أو الطائفية المتطرفة...إلخ.
وفقا لهذا المعيار يتم تصنيف الجماعات الضاغطة حســب نوعيـة المصــالح الــتي تتبناهــا ،فهنــاك شــروط
العمل ألعضائها مثل نقابات العمال ،والجماعات التي تسعى إلى االرتقاء باألوضــاع الماليــة ألعضــائها،
ومنها على سبيل المثال:
جماعــات الضــغط المهنية :تســعى إلى تنظيم أصــول مزاولــة المهنــة كنقابــات األطبــاء والمهندســين
والمحامين والصحافيين وغــيرهم ،وهي جماعــات تتمــيز بالتجــانس في التخصــص والتقــارب بالمســتوى
الوظيفي والثقافي.
جماعات المصالح السياسية :هي الجماعات التي تتبنى مصالح سياســية محــددة مثــل اللــوبي الصــهيوني
بالواليات المتحدة األمريكية ،أوالجماعات الداعية إلى حظر السالح النووي والتجارب النووية.
جماعات الضغط ذات الطبيعة اإلنسانية :تسعى لتحقيق أهــداف إنســانية نبيلــة كجمعيــات حمايــة األطفــال
والمسنين وذوي االحتياجات الخاصة وكل الفئات الضعيفة ،وجمعيات الرفق بالحيوان.
مثل جمعيات حماية البيئة أو حقوق اإلنسان سواء تعلق األمر بقضايا محلية أو إقليمية أو عالمية.
.4معيار االستمرارية
جماعــات الضــغط الدائمة :ويقصــد بهــا تلــك الــتي تمــارس نشــاطا لــه طــابع االســتمرارية مثــل النقابــات
وجمعيات حماية المستهلك.
جماعات الضغط المؤقتة :يقصد بها تلك الجماعات التي تظهر بمناســبة معينـة أو إلنجــاز هــدف فرضـته
عوامل وأوضاع طارئة ثم تختفي بمجرد انتهاء األمر أو حل المشكلة المعينة.
في الوقت الذي تسعى فيه األحزاب السياســية إلى امتالك الســلطة تبقى جماعــات الضــغط خــارج الســلطة ،بحيث
تنصــب وظيفتهــا األساســية على التــأثير على الرجــال القابضــين على الســلطة .وتكــون جماعــات المصــالح حلقــة
وسيطة بين المجتمع والدولة بعدة وظائف يمكن تلخيصها فيما يلي:
تقوم جماعات المصالح بتحديد مصالح األعضاء بوضوح وبلورة احتياجاتهم ومطالبهم وتقديمها للجهــات
المعنية وهي بذلك تعبر عن آراء أعضائها من ناحية وتساعد صناع القرار على معرفة مطالب الجماعــة
بشكل أوضح من ناحية أخرى.
تقوم جماعات الضغط بتبني مطالب األعضاء وتقــديمها إلى صــناع القــرار وبــذلك تجنبهم االحتكــاك مــع
أجهزة الســلطة ،كمــا تقــوم بتســهيل االتصــال بين األعضــاء والحكومــة ،وهي تقــوم بــدور مهم في تهيئــة
األوضــاع لفهم أو تفــاهم أفضــل بين الشــركاء االجتمــاعيين ،ومن تم في ضــبط الســلوك ومنــع التطــرف
وتهدئة الخواطر على الجانبين.
.3التعبئة والتنشئة االجتماعية والمشاركة السياسية
تقوم جماعات الضغط بوظيفة تربوية وتعليميــة وذلــك بغــرس قيم سياســية جديــدة في المجتمــع وتوعيــة
المواطنين بحقوقهم وواجباتهم ،فضال عن تدريب المواطنين على العمل الجماهيري والسياسي بمــا يمكن
من ظهور قيادات سياسية فاعلة في المجتمع ،وبشكل عام تعد جماعات الضغط مدارس للتنشئة السياســية
والتثقيف السياسي وغرس قيم الوطنية في المجتمع.
.4تقديم الخدمات
تعمل جماعات الضغط على تقديم خدمات مباشرة ألعضائها ،كـأن تســاعدهم في الحصــول على مســاكن
أو أراضــي للبنــاء أو ســيارات أو إقامــة مشــروعات لتطــوير األحيــاء والمنــاطق ممــا يســهم في تنميــة
المجتمعات.
تستخدم جماعات الضغط عدة وسائل من أجل تحقيق أهدافها ومصالحها ،فهي تستخدم أساليب مشروعة مثل،
الحوار والنقاش والتفاوض وإعداد الدراسات العلمية حول الموضوعات التي تتبناها وتقديمها إلى صــانع القــرار،
وأساليب غير مشروعة كالرشاوى واستخدام العنف .ويمكن إجمال أهم هذه األساليب فيما يلي:
فقد تلجأ جماعة الضــغط أو المصـالح إلى االتصـال بأعضـاء البرلمـان لحثهم على استصـدار قـرار
أوقانون معين يخدم مصــلحتها أو االتصــال بالســلطة التنفيذيــة بهــدف إقناعهــا بانتهــاج سياســة معينــة
أوإلغاء إجراءات تضر بمصلحة الجماعة .وفي بعض األحيــان تقـوم الســلطات من جانبهـا باالتصــال
بهذه الجماعات بهدف استطالع رأيها حول مشروعات القوانين قبل إصدارها.
.2المساندة االنتخابية
حيث تقوم جماعة الضغط خالل قترة االنتخابات بمســاندة األحــزاب واألفــراد المؤيــد لمطالبهــا وهي
تهدف من وراء ذلك إلى اكتساب رضا هذه األحزاب والقيادات ومن ثم النفاذ إلى مواقع صنع القــرار
والتأثير على السياسات الحكومية بما يخدم مصلحتها.
.3االستمالة
تلجأ جماعة الضغط إلى التقرب من المسؤولين الحكوميين بإقامة عالقــات معهم بهــدف كســبهم إلى
صــفها وقــد تســتخدم في ذلــك وســائل مشــروعة وأخــرى غــير مشــروعة كتقــديم الهــدايا والرشــاوى
وغيرها.
.5االحتجاجات العنيفة
على الرغم من أن جماعات المصالح أو الضغط تعول كثيرا على الوسائل السلمية لتحقيق مصالحها
إال أنها تلجأ في بعض األحيان إلى وســائل عنيفــة كاإلضــراب عن العمــل أو تســيير المظــاهرات إلى
غير ذلــك من الوســائل العنيفــة وغيرهمــا ،بكــل مــا تنطــوي عليــه هــذه الوســائل من احتمــال تخــريب
أوإهدار للموارد وتبديــد للطاقــات بحيث يصــبح أمــرا واردا ،كمــا تصــبح احتمــاالت اســتخدام العنــف
المضاد من قبل الحكومة أو السلطات المعنية أمرا واردا أيضا ،مما يفتح الباب أمام احتماالت دخــول
المجتمع بأسره في دوامة من عدم االستقرار االجتماعي والسياسي.
وفي األخــير يكمن القــول إن جماعــات الضــغط أو المصــالح تعــد إحــدى آليــات النظــام السياســي الضــرورية لمــد
الجسور بين الحاكمين والمحكــومين ،ولقيــاس درجــة االســتقرار ،واالنتظــام في أداء مؤسســات الدولــة والمجتمــع
ككل .كما أن المناخ السائد في المجتمع يؤثر تأثيرا كبيرا في الوزن والتأثير النسبي لجماعــات المصــالح المختلفــة
في عمليات صنع القرار ،فعلى سبيل المثال تشهد فترات التحول التي تمر بها المجتمعات عمليات فرز تؤدي إلى
صعود نفوذ جماعات وتدهور نفوذ أخرى .وعلى سبيل المثال ففي المجتمعات التي تمر بمرحلة انتقال من النظــام
االشتراكي إلى النظام الرأسمالي ومــا يصــاحبها من عمليــات بيــع واســعة النطــاق للشــركات والمؤسســات العامــة
التابعة للدولة وتحويلها إلى شركات خاصة تصبح فيها قدرة منظمات رجال األعمــال على النفــاذ إلى قلب مراكــز
صنع القرار على كل المستويات كبيرة جدا .وفي أحيــان كثـيرة يصـبح رجـال األعمــال الكبــار هم صــناع القــرار
الحقيقيين ،أو على األقل ،الشركاء شــبه الرســميين في عمليــة صــنع القــرار ،وعنــدما تكــون فــترات التحــول هــذه
مصحوبة بضعف سلطة الدولة وتراخي قبضتها تنشــط جماعـات المصـالح غـير الرسـمية وغـير الشــرعية ،مثـل
عصابات المافيا والجريمة المنظمة ،وتجد مناخا مواتيا للعمل واالنتشار وتدعيم قدرتها على التأثير والنفوذ.
وتجدر اإلشارة إلى أنه ال يوجد فرق بين جماعات المصــالح وجماعــات الضــغط .إنمــا جــرت العــادة على إطالق
تسمية جماعات المصالح في الواليات المتحدة األمريكية بينما في ابريطانيا تسميهم بجماعــات الضــغط ،فالتســمية
تطلق على قوى واحدة من حيث المبدأ.
اﻟﻤﻨﺘﺪى اﻟﻄﻼﺑﻲ
https://forum.fsjes-agadir.info/
المطلب الرابع :األحزاب السياسية كفاعل سياسي
يعتبر الحزب تنظيما سياسيا يجمع عددا من األفراد الذين يؤمنون بفكـرة أو معتقـد سياسـي يشــكل رؤيـة مشـتركة
وينبثق عنهم مقدرة كافية من االنضباط وااللتزام ،ويعملون جاهدين لتحقيق هــدفهم في الوصــول إلى الســلطة من
أجل تطبيق رؤيتهم السياسية من خالل إدارة الدولة والمجتمع.
لكي ينشأ الحزب السياسي ويقوم ال بد من أن تتوفر فيه جملة من العناصر والشروط يمكن إجمالها فيما يلي:
من حيث األصل يتعين على األحزاب السياسية أن تكون "أجهزة متماسكة" ،إذ من دون هذا التماســك والتنظيم ال
تستطيع االستمرار وال الدخول في الجسم االنتخابي وال العمل من أجل تحقيق برامجها السياســية .فمن المفــترض
أن يكون لكل حزب سياسي إطارا أو هيكال تنظيميا وإداريا يحدد المستويات العليا والمستويات الــدنيا وأن يكــون
للحزب مقر وسجالت ولوائح تضم العضوية والنشاط والنواحي المالية ،...لكن ليس معــنى ذلــك أن يشــترط لقيــام
الحزب أن يتصف هذا التنظيم بالقوة واالنتشار كأن يكون له وجود واضح في كل مكان ومكاتب تغطي العاصــمة
واألقاليم والمدن الكبرى كافة ،فهناك أحزاب محلية يتركز وجودها ونشــاطها في أقــاليم أو منــاطق معينــة دون أن
ينتقص ذلك من صفتها الحزبية .وال يشترط كذلك أن يتصف هذا التنظيم بالفاعليــة والقــدرة على التعبئــة والحشد.
فضعف البنية التنظيمية للحزب أو شــبكة اتصــاالته أوقدرتــه على تحقيــق طموحاتــه وأهدافــه ال تنقص من صــفته
كحزب ،وإن كانت تؤثر بالسلب في قدرته على تحقيق طموحاته وأهدافه.
لكل حزب برنامج سياسي يحدد فيه أفكاره وأهدافه ومواقفه من القضايا المقدمة على الســاحتين المحليــة والدوليــة
وأسلوبه في معالجة أو في التعامل مــع هـذه القضــايا .ويعــد البرنـامج السياســي للحــزب أداتــه الرئيســية في إقنــاع
المواطنين بأن خطه السياسي مختلف عن خط األحزاب األخرى ،وأن برنامجه هو األقدر على النهوض بــالوطن
وحل مشكالته وألن استمالة أغلبية المواطنين وإقناعهم بصحة وأهمية برنامجــه يعــد الهــدف الــرئيس ألي حــزب
سياسي فمن الطبيعي أن يحتل البرنــامج السياســي موقعــا مركزيــا ضــمن العناصــر والشــروط األساســية الالزمــة
لقيامه.
ال يستطيع أي حزب أن يضع برنامجه السياسي موضع التطبيق الفعلي إال إذا كان في وضع يســمح لــه بممارســة
السلطة ولذلك فإن الوصول إلى السلطة يعد بالنسبة ألي حزب سياسي هدفا ووسيلة في ذات الوقت.
أما من حيث الهدف فإن أي تنظيم ال يستهدف الوصول إلى السلطة ال يعــد حزبــا وهــذا العنصــر هــو الــذي يمــيز
الحزب عن غــيره من التنظيمــات االجتماعيـة األخــرى وعلى رأســها جماعــات الضــغط أو المصــالح .فجماعــات
الضغط قد يكون لها تنظيمها الرسمي المحكم ،وقد يكون لها برنامجها الخــاص الــذي يتناســب مــع األهــداف الــتي
قامت من أجلها ،لكن ليس الوصول إلى السـلطة وإنمـا التـأثير على قرارتها .فهـدف الوصـول إلى السـلطة بشـكل
خاص ينفرد بــه الحــزب السياسي .ولــذلك ال يعــد أي تنظيم حزبــا إال إذا كــان مســتقال وجــاهزا لخــوض المعــارك
االنتخابية السياسية بكل أشكالها وعلى المستويات كافة وشارك في حمالتها وتقدم بمرشحين فيها.
أما من حيث أن الوصول إلى السلطة وسيلة ،فألن الحزب يجب أن ال يقصد السلطة لذاتها وإنما لتطــبيق تصــور
فكري أو برنامج معين .فالحزب الذي يقدم نفسه على أنه يقصد السلطة لذاتها ال يستطيع أن يحظى بثقــة النــاخبين
ومن البديهي أنه كلما كان الحزب كبيرا وقويا كان طموحه نحو االنفراد بالســلطة واقعيــا ومــبررا ،أمــا األحــزاب
الصغيرة أو الهامشية فإن طموحها ال يمكن أن يصل إلى حد االنفراد بالسلطة ،وأقصى ما تستطيع أن تطمح إليــه
هو المشاركة في السلطة (حكومة ائتالف) ،أو مجرد التأثير في السلطة من موقع المعارضة.
كما رأينا ،فإن الهدف الرئيسي ألي حزب سياسي هو الوصول إلى السلطة ،وعندما يتحقق له هذا الهــدف تصــبح
وظيفته األساسية هي اإلمساك بدفة الحكم وإدارة شؤون البالد .وعندما يكون في صــفوف المعارضــة يصــبح كــل
نشاطه منصبا على االستعداد لكسب جولة االنتخابات القادمة وتولي شؤون الحكم ،وال تختلف هــذه الوظــائف من
حيث الشــكل على األقــل من مجتمــع إلى آخــر أو من نظــام سياســي إلى آخــر ،إنمــا يكمن االختالف في وظيفــة
األحزاب السياسية في الجوهر باختالف طبيعة األحزاب والنظم السياسية ذاتها .فهنــاك فــرق كبــير بين األحــزاب
الموجودة في النظم السياسية التي تقبل بوجود عدة أحزاب سياسية فيها وتلــك القائمــة في النظم السياســية الــتي ال
يوجد فيها إال حزب واحد يسيطر على الحياة السياسية.
وتلعب األحزاب السياسية دورا هاما وتقوم بعــدة وظــائف يختلــف حجمهــا وتأثيرهــا من نظــام سياســي إلى آخــر،
يمكن إيجازها فيما يلي:
تعد األحزاب السياســية أحــد أهم أدوات صــنع السياســة العامــة على الصــعيدين الــداخلي والخــارجي ،ولكن دوهــا
ووزنها الحقيقي في هذا المجال يختلف من نظام إلى آخر ،وعلى سبيل المثال:
في الـدول الـتي تعتمــد نظـام الحـزب الواحـد ،يلعب الحــزب الحـاكم دورا بـالغ األهميـة في مجـال صــنع
السياسة ،وهو دور يفوق دور أي مؤسسة سياسية أخرى حيث يعد الحــزب المركــز الــرئيس لصــنع القــرار
السياسي وتتضاءل إلى جواره أدوار المؤسسة التشريعية والتنفيذيــة والــتي يســيطر عليهــا الحــزب ويــراقب
أداءها عن كثب.
وفي الدول النامية ،سواء تلك التي يسود فيها الحزب الواحد أو تتعدد فيها األحزاب ،فــإن الحـزب الحـاكم
يكون مجرد غطاء أو واجهــة سياســية لــزعيم أو لــرئيس دولة .ويصــبح الحــزب هــو أداة الــزعيم في التعبئــة
السياسية وفي حشد التأييد له ،لكنه ال يلعب إال دورا ثانويا في عملية صنع القرار مقارنة بالــدور الــذي يلعبــه
الزعيم رئيس الدولة ومع ذلك فإن هذا الــدور يضــل على ضــآلته أكــثر تــأثيرا في صــنع القــرارات السياســية
الحقيقية بالمقارنة بالمؤسسة التشريعية أو التنفيذية األخرى.
وفي الدول ذات النظم التعددية الديمقراطية ،فإن األحزاب هي الــتي تصــوغ السياســات والــبرامج العامــة
التي تخوض االنتخابات ،وعندما يصل الحزب إلى السـلطة تلــتزم الحكومـة الــتي يشــكلها الحـزب بــالخطوط
العامة والعريضة لبرنامج الحزب وسياسته .لكن مشاركة الحزب في عملية صــنع القــرارات السياســية أثنــاء
تولي السلطة تتم في المواقع التي يشــغلها قـادة الحـزب في المؤسســات الدســتورية وفي المؤسســتين التنفيذيــة
والتشريعية .وعلى صعيد آخر تشارك أحزاب المعارضــة بطريقــة غــير مباشــرة في عمليــة صــنع السياســة،
سواء في االنتقادات التي توجهها لسياسات الحكومة أم صــاحبة بــرامج سياســية بديلــة يمكن أن تشــكل أساســا
لصنع السياسة في مرحلة الحقة.
يؤدي قيام األحزاب إلى تشجيع األفــراد على المشــاركة في الشــأن العــام ،واالهتمــام بالقضــايا واألمــور المتعلقــة
بشؤون حياتهم اليومية وبمستقبلهم .فإذا كان مجرد إنشاء الحزب يؤدي إلى االهتمام وإقبال األفــراد على عضــوية
الحزب ،فإن ذلك يعد في حـد ذاتـه نوعـا من المشـاركة ودليال على وجـود االسـتعداد للعمـل العـام .لكن االلتحـاق
بعضوية الحزب عادة ما يكــون مجــرد بدايــة تفتح آفاقــا أرحب وأوســع أمــام صــور متعــددة من صــور المشــاركة
السياسية كاالشتراك في الندوات والمؤتمرات التي يخصصها الحزب لمناقشـة القضـايا السياسـية والـتي تزيـد من
وعي المواطنين بهذه القضايا ،أو االشتراك في الحمالت االنتخابية والداعية لبرنــامج الحـزب وأفكــاره وسياسـاته
وحث المواطنين على التصويت لصالح مرشــحيه .وهــذه الصــور المتعــددة من صــور المشــاركة السياســية تخلــق
الحــافز لــدى المــواطن ،لكي يلعب دورا أكــثر إيجابيــة لصــياغة وبلــورة حلــول للمشــاكل المختلفــة الــتي يواجههــا
المجتمع ومقاومة صور السلبية واالنحراف.
وهو األمر الذي يسـهم في تنميــة االتجاهـات والـبرامج االجتماعيــة واالقتصــادية الالزمــة للتقـدم الوطــني ،بقيــادة
الجماهير لتنفيذها ،باإلضافة إلى إقامة حوار يسمح للجماهير باالختيار بين البرامج واالتجاهات المختلفة.
إن انبثاق الحكام من المحكومين ،بواسطة االقتراع العام واالعتراف بالحريات السياسية ،جعال للرأي العام أهمية
كبرى في تحديد أهداف الحكم ،واألحزاب السياسية تلعب دورا أساسيا في تكوين الــرأي العــام .فللمواطــنين آراء
واتجاهات سياسية متنوعة ،من المتعذر لو تركت لوحدها أن تتوحد في تيــارات رئيســية ،ينحصــر فيهــا الصــراع
السياسي وتتشتت اآلراء واالتجاهات مما يؤدي إلى الفوضى التي ال تتفق مــع الديمقراطية .وهنــا تــأتي األحــزاب
السياسية لتنظيم عملية الصراع السياسي ،عبر تنظيم الرأي العــام في تيــارات رئيســية .فــالحزب هــو الــذي يحــدد
القضايا العامة ،ويحشد عليها التحاور بين المختلفين ،ويبدد االلتباس بين التيارات المتنازعــة ،وســبيل كــل حــزب
في نشاطه أن يضح برنامجه ،ويختار بعناية مرشحيه ،ويوضح للجمهور مختلــف احتمــاالت االختيــار السياســي،
فيربي الجمهور ويبصره بالسياســة ،وهــو يحــاول أن يظفــر بتأييــده ،ويحــرره من جمــوده ،ويحــرك الــرأي العــام
تحريكا واسعا.
لقد أصبحت الحياة العصرية بتعقيداتها وتشعباتها ،تجعــل المواطــنين غــير قــادرين بصــفة فرديــة على التــأثير في
مجريات الحياة السياسية .ولهذا كان البد من تنظيمهم وفــق أســس مختلفــة ،في التنظيمــات السياســية الــتي ســميت
باألحزاب ،وذلك بهدف تمثيلهم وحماية مصالحهم والدفاع عن وجهات نظرهم في القضايا الحياتية المختلفة.
إن األحزاب السياسية تحــدد اآلراء الفرديــة ،وتغنيهــا وتنميهــا ،وهي أيضــا تقويهــا ،فقبــل وجــود األحــزاب تكــون
اآلراء غير واثقة من نفسها ،ولكنها عندما ترى نفسها يتقاسمها اآلخرون ،ومتبناة من منظمة ذات طــابع رســمي،
فإنها تكتسب سلطانا ويقينا ،األمر الذي يجعل آلراء األحزاب تستقر أكــثر ،فمن دون أحــزاب يضــل الــرأي العــام
متقلبا متبدال ،ومتغيرا.
تقوم األحزاب السياسية بدور مهم بغرس مبادئ وقيم ومعــايير سياســية معينــة ،ونقلهــا إلى الشــعب وذلــك إمــا من
خالل المحافظة على الثقافة السياسية السائدة ودعمهــا وتثبيتهــا أو من خالل تغيــير منظومــة القيم المكونــة للثقافــة
السائدة وخلق ثقافة سياسية جديدة تحل محلها ،وبالتالي فإن انتشار وتصــاعد نفوذهــا وتأثيرهــا على الشــعب يمكن
أن يكون مؤشــرا على تراجــع منظومــة القيم الســائدة وفي المجتمعــات الــتي تعــاني من عــدم التجــانس العــرقي أو
اللغوي أو الديني أو الطائفي أو باللغة ،...أو في دعم ثقافة الوحدة الوطنيــة والقوميــة ،وفي هــذا الســياق قــد يكــون
تعدد األحزاب أحد العوامل األساسية التي تساعد إما في زيادة حدة االنقسامات الطائفية والعرقيــة ،كمــا حــدث في
لبنان مثال ،وإما في التخفيف من حدة هذه التوترات والمساعدة على بلورة مفاهيم تســاعد على تحقيــق المزيــد من
االندماج واالنصهار القومي كما يحدث في الواليات المتحــدة األمريكيــة ،فعلى الــرغم من تصــاعد االضــطرابات
العنصــرية من حين إلى آخــر إال أن رســوخ قواعــد اللعبــة الديمقراطيــة يســاعد على الحيلولــة من تفــاقم هــذه
االضــطرابات والعمــل على احتوائهــا بســرعة ،فالحزبــان الكبــيران في الواليــات المتحــدة األمريكيــة (الحــزب
الديمقراطي والحزب الجمهوري) يغذيان معا ،بــالرغم من اختالف األســاليب والوســائل ،فكــرة "الحلم األمــريكي
واألمة األمريكية" الـتي تطـرح كنمـوذج فريــد للتعـايش القـائم على التنـوع وقبـول اآلخـر ،وبهــذه الطريقـة يلعب
الحزبان الكبيران دورا مهما في تمكين النظام السياسي األمريكي من أداء دوره كبوتقة صهر بكفاءة وفعالية.
وتختلف أساليب التجنيد السياسي وإعداد القادة باختالف النظم السياسية .ففي النظم التي يسود فيهــا نظــام الحــزب
الواحد ،يختلف دور الحزب بالدور الذي يلعبه جهاز الدولة والبيروقراطية الحكوميــة في عمليــة اختيــار وتــدريب
وتصعيد القيادات.
أما في الدول التي تأخذ بنظام التعددية الحزبية ،فــإن دور الحــزب هــو األســاس في عمليــة التجنيــد السياســي وفي
صقل وتدريب وإعداد الكوادر السياسية للقيادة ومع ذلك فقد توجد حاالت استثنائية وخاصــة تلعب فيهــا المؤسســة
العســكرية دورا بــارزا في عمليــة التجنيــد السياســي على الــرغم من تعــدد األحــزاب واســتقرار قواعــد اللعبــة
الديمقراطية من حيث الشكل على األقل .فعلى سبيل المثال هــذا هــو الوضــع الســائد في الكيــان الصــهيوني ،حيث
تلعب المؤسسة العسكرية الدور األكثر بروزا في إعداد القيادات السياسية.
لقد ربطت العديد من الدراسات بين مسألة وجود األحزاب السياسية وبين دورها الفاعل في عملية التداول السلمي
للسلطة ،والسيما من خالل االنتخابات .وذلك مع دورها في إنعاش مؤسسات المجتمع المدني ممثلة في مؤسســات
عديدة كالنقابات المهنية ،والعماليــة ،باإلضــافة لــذلك الــدور المــؤثر والفاعــل الــذي تقــوم بــه األحــزاب في عمليــة
التفاعل السياسي ،وال سيما عمليتي التشريع والرقابة.
ويعد وجود األحزاب السياسية ضروريا لتأكيد المعارضة إمكانية التغيير السلمي للحكام .فلوال األحزاب السياسية
ألصبحت المعارضة مجرد رد فعل فردي ،فوجود األحزاب السياسية المعارضة تمنــع اســتبدال الحكومــة وتعمــل
على المساهمة من أجل كشف أخطائها ،سواء من جانب أعضاء الحزب للحكام ،أو من جانب أحزاب المعارضــة
في حالة تعدد األحزاب السياسية ،فوجود حزب سياسي معارض للحكومة هو مانع يحول من دون استبدالها.
اﻟﻤﻨﺘﺪى اﻟﻄﻼﺑﻲ
https://forum.fsjes-agadir.info/