You are on page 1of 53

‫اﻟﻤﻨﺘﺪى اﻟﻄﻼﺑﻲ‬

‫‪https://forum.fsjes-agadir.info/‬‬

‫محاضرات في مــــــادة‪:‬‬
‫المــدخــل إلــى الــعــلوم الســيــاســيــة‬

‫الفوجان (‪ )6‬و(‪)7‬‬

‫إعداد‪ :‬د‪ .‬إبراهيم الزيتوني‬

‫الموسم الجامعي‪2021/2020 :‬‬

‫‪WWW.FSJES-AGADIR.INFO‬‬
‫إن علم السياسـة أو العلم السياسـي هـو علم حـديث النشـأة مقارنـة مـع بـاقي العـوم األخـرى‪ ،‬إذ لم يترسـخ إال بعـد‬
‫سنوات من الحرب العالمية الثانية‪ ،‬فإلى حدود بداية القرن العشـرين كـان يتـداخل مـع مـع الفلسـفة السياسـية ومـع‬
‫التاريخ السياسي والقانون الدستوري‪ ،‬ولم يثبت وجوده واستقالليته إال بعد صـيرورة طويلـة‪ ،‬تـراكمت فيهـا كثـير‬
‫من األعمال واإلنتاجـات العلميـة واالجتهـادات‪ ،‬كمـا أنـه لم يـدمج في بنيـات مراكـز البحث الوطنيـة الفرنسـية إال‬
‫ابتداء من سنة ‪.)CNRS(1983‬‬
‫ونتيجة للتطور الكبير الذي وصلت إليه الظاهرة السياسية‪ ،‬فقد أخذ االعتراف به كعلم قائم بذاته يأخذ مواقعه‪ ،‬فقــد‬
‫بدأت النقاشات المعمقة األولى لالعتراف به وتطويره كعلم في الواليــات المتحــدة األمريكيــة لدرجــة أنــه اصــطبغ‬
‫بصبغة المجتمع األمريكي‪ .‬إذ بالبرعم من أن أدبيات علم السياسة تعود إلى تاريخ يتجاوز ‪ 2500‬سنة‪ ،‬فإن مرحلة‬
‫التخصص العلمي الجامعي المستقل عن ارتباطه بعلوم معرفية أخرى يعود إلى عام ‪ 1903‬في الواليــات المتحــدة‬
‫األمريكية‪ ،‬مع إنشاء الجامعة األمريكية للعلوم السياسية‪ ،‬ثم تَلَكأ حتى فترة ما بعـد الحـرب العالميـة الثانيـة ليحقـق‬
‫استقالليه في أغلب الجامعات األوربية‪ ،‬وإن كان قد حققها في بعض الدول شمال أوربا‪.‬‬
‫وفي االتحـاد السـوفياتي سـابقا‪ ،‬لم يكن علم السياسـة علمـا مسـتقال‪ ،‬بـل كـان مرتبطـا في الغـالب بأقسـام القـانون‬
‫واإلدارة‪ ،‬وإن كانت العالقات الدولية أكثر وضوحا كتخصص علمي‪.‬‬
‫وتعـد الخطـوة الكبـيرة الـتي أسـهمت في تقـدم علم السياسـة وتطـوره على نطـاق واسـع هي مـا قـامت بـه منظمـة‬
‫اليونيسكو العالمية بإنشاء "الجمعية الدولية لعلم السياسة" عام ‪ ،1948‬كما عقدت ندوة عالمية لدراسة منــاهج علم‬
‫السياسة في فلورنسا بإيطاليا‪ .‬أما في العالم العربي فإن معهد العلوم السياسـية في جامعـة الجزائـر يمثـل أول كليـة‬
‫جامعيــة عربيــة متخصصــة بــالعلوم السياســية منــذ ‪ ،1949‬غــير أن ذلــك كــان تحث حكم اإلدارة االســتعمارية‬
‫الفرنسية‪ ،‬ثم ارتبط بمعهد اإلعالم في فترة الحقة ليصبح معهد العلوم السياسية واإلعالم‪ .‬وفي بقية الدول العربيــة‬
‫كانت أول كلية للعلوم السياسية تلك التي فتحت في العراق عام ‪ ،1987‬بينمـا بقيت العلـوم السياسـية على مسـتوى‬
‫األقسام التي ترتبط بكليات مختلفة‪ ،‬فهي مع الحقوق أحيانا أو مع اآلداب أو االقتصاد أحيانا أخـرى‪ ،‬وهـذا مرتبـط‬
‫بتأثيرات تاريخية مختلفة‪.‬‬
‫وقد تأسست الجامعة العربية للعلوم السياسية في عام ‪ ،1985‬وبدأت بإصدار دورية علمية محكمـة باسـم "المجلـة‬
‫العربية للعلوم السياسية عام ‪ ،1986‬ويعمل حاليا على تدريس علم السياسة في العديد من الجامعات العربية‪.‬‬
‫وسـنعمل في هـذا البحث المتواضـع حـول مـادة المـدخل للعلـوم السياسـية‪ ،‬من خالل (المبحث األول) على شـرح‬
‫المبادئ والمعلومات األساسية المتعلقة بماهية علم السياسة‪ :‬نشأة هذا العلم‪ ،‬ومفهومه‪ ،‬وأهميته وأهدافـه‪ ،‬وعالقتـه‬
‫بالعلوم األخرى‪ ،‬وموضوعاته ومجاالته‪ ،‬ومناهج البحث العلمي في هذا الميدان‪ ،‬أما في (المبحث الثاني) سنرى‬
‫المجتمع السياسي المنظم والتفاعالت والفـاعلين السياسـيين‪ ،‬من خالل عـرض على مفهـوم المجتمـع السياسـي أي‬
‫الدولـة‪ ،‬والسـلطة في المجتمـع السياسـي‪ ،‬والفـاعلون السياسـيون خاصـة األحـزاب السياسـية وجماعـات الضـغط‬
‫والمصالح وتفاعالتهم في ظل الدولة‪.‬‬
‫المبحث األول‪ :‬ماهية علم السياسة‬
‫سنعمل في هذا المبحث على شرح المبادئ األساسية المتعلقة بماهية السياسة‪ ،‬بالتركيز على دراسة نشأة الظــاهرة‬
‫السياسية وتطورها‪ ،‬وأهداف علم السياسة‪ ،‬وعالقته بالعلوم االجتماعيـة األخـرى‪ ،‬وموضـوعاته ومجاالتـه‪ ،‬وكـذا‬

‫مناهج البحث العلمي في هذا الميدان‪.‬‬


‫وتتمثل عناصر هذا المبحث فيما يلي‪:‬‬
‫المطلب األول‪ :‬نشأة علم السياسة وتطوره منذ القديم حتى اليوم؛‬
‫المطلب الثاني‪ :‬أهداف دراسة علم السياسة؛‬
‫المطلب الثالث‪ :‬تعريف وتحديد علم السياسة؛‬
‫المطلب الرابع‪ :‬عالقة علم السياسة بالعلوم األخرى؛‬
‫المطلب الخامس‪ :‬مجاالت وموضوعات علم السياسة علم السياسة؛‬
‫المطلب السادس‪ :‬مناهج البحث العلمي في علم السياسة‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬نشأة علم السياسة وتطوره‬


‫تعتبر السياسية قديمة قدم اإلنسان‪ ،‬والممارسات السياسية هي أيضا قديمة قدم المجتمعــات البشــرية‪ ،‬فالسياســة في‬
‫الواقـع ظلت مالزمــة لإلنســان‪ ،‬وتطــورت معـه فكــرا وسـلوكا وفي المراحــل كافـة‪ .‬وال شـك أن السياسـة ســتظل‬
‫مالزمة له ما دام هناك وجود للدولـة والمجتمـع والتنظيم االجتمـاعي‪ ،‬كمـا سـتظل الدولـة قائمـة مـا دام هنـاك من‬
‫يبحث عن العدالة والرفاهية والسعادة‪ ،‬ويسعى لتحقيق الحرية‪ ،‬أو يود ممارســة النفــوذ والســلطة في أي شــكل من‬
‫أشكالها‪ ،‬على محيطه وعلى األفراد من حوله‪.‬‬
‫وهناك إجماع على أن تطور الظاهرة السياسية مر بعدة مراحل أساسية وهي‪:‬‬
‫المرحلة األولى‪ :‬المرحلة الفلسفية (من القرن الخامس قبل الميالد حتى القرن السادس عشر الميالدي)‬
‫اتسمت هذه المرحلة بالدراسات التقليدية الفلسفية التي كانت تدرس مواضـيع عديـدة تتعلـق بشـكل أساسـي بالحيـاة‬
‫السياسية كالحرية والديمقراطية والعدالة‪ ،...‬إال أنها لم تكن تدرسها بطريقة علمية‪ ،‬بـل كـانت تنطلـق من مقـدمات‬
‫ميتافيزيقية خياليـة‪ ،‬مثـل المدينـة الفاضـلة ل"أفالطـون"‪ ،‬أي أن المجهـود الفكـري في هـذه المرحلـة انصـب على‬
‫دراسة "ما يجب أن يكون" وليس "ما هو كائن"‪.‬‬
‫وتمــيزت هــذه المرحلــة بــأن عمليــة المعرفــة فيهــا انطلقت من مقــدمات ميتافيزيقيــة خياليــة كاتفــاق "أفالطــون"‬
‫و"أريسطو" على أن وظيفة الدولة هي تأمين الحياة الفضلى‪ .‬كما تم النظـر في هـذه المرحلـة لإلنسـان أنـه محـور‬
‫الحياة السياسية‪ ،‬وقد عبر "أريسطو" عن ذلـك بـالقول "إن اإلنسـان حيـوان سياسـي بطبعـه‪ ،‬الكـائن الوحيـد الـذي‬
‫يعيش في المدن ويخضع نفسه للقوانين‪ ،‬كما ينتج جميع مظاهر الحضارة التي تمثل كمال التطــور اإلنســاني‪ ،‬وإن‬
‫ماهية اإلنسان ال تتحقق كليا إال في تلك الدولةـ المدينة‪ ،‬وبغيرها يكون إما حيوانا أو إلها"‪.‬‬
‫المرحلة الثانية‪ :‬عرفت بعصر التنوير وسادت في القرن السادس عشر الميالدي‬
‫حيث بدأ العلماء في شتى المجاالت يطالبون بفصل السلطة الدينية عن الزمنية‪ ،‬وأخذوا يعـالجون قضـايا منطقيـة‪،‬‬
‫حيث ظهرت عدة مؤلفات مهمة بهـذا الخصـوص ككتـاب "الجمهوريـة" ل "جـون بـودان" وكـذلك كتـاب األمـير‬
‫ل"نيقوال ميكيـافيللي"‪ .‬وعلى الـرغم من أنهمـا انطلقـا من مقـدمات واقعيـة إال أنهمـا لم يدرسـا الظـاهرة السياسـية‬
‫دراسة علمية ألنهما لم يقوما بالتجريب‪.‬‬
‫المرحلة الثالثة‪ :‬المرحلة القانونية ( من القرن السادس عشر حتى القرن الثامن عشر)‪:‬‬
‫تميزت هـذه المرحلـة باسـتمرار العلمـاء بـالبحث "فيمـا يجب أن يكـون" وليس مـا هـو كـائن"‪ ،‬مـع التركـيز على‬
‫الوصـف القـانوني للبـنى والمؤسسـات المكونـة للدولـة‪ .‬كمـا اتسـمت العلـوم السياسـية بالسـمة الدسـتورية الســيما‬
‫استخدام اإلجراءات القانونية والدستورية في التعامل مع الظاهرة السياسية‪ .‬ولعل أبـرز مفكـر يمكن اإلشـارة إليـه‬
‫في هذه المرحلة‪" ،‬شار لوي دي مونتيسكيو" صاحب نظرية الفصل بين السلطات‪.‬‬
‫ولعل ما يؤخذ على أصحاب االتجاه القانوني في التعامل مع الظواهر السياسية هو تجاهل كـل مـا هـو خـارج عن‬
‫اإلطار القانوني أوخارج الدستور‪ ،‬بحيث أصبح معيار النظم السياسية يبنى على أساس القانون الدستور‪ ،‬أي مدى‬
‫دستوريتها وديمقراطيتها‪.‬‬
‫المرحلة الرابعة‪ :‬المرحلة الواقعية (تمتد من القرن الثامن عشر إلى القرن التاسع عشر)‬
‫تزامنت هذه المرحلة مـع الثـورة الصـناعية‪ ،‬حيث انتقلت الدراسـات السياسـية من دراسـة مـا يجب أن يكـون إلى‬
‫دراسة ما هو كائن‪ ،‬ومحاولة إيجاد الحلول المناسبة للواقع‪ ،‬أي بدأت المدارس الوضعية تسيطر على المجهــودات‬
‫العلمية‪ ،‬حيث بدأت تستغني عن الكنيسة والنظرة الفلسفية للعلوم‪ ،‬فشهدت العلوم التطبيقيـة في هـذه الفـترة تطـورا‬
‫كبــيرا‪ ،‬ولهــذا رأى علمــاء االجتمــاع ضــرورة فصــل العلــوم االجتماعيــة عن كــل من الفلســفة واألخالق والــدين‬
‫والتاريخ والقانون‪.‬‬
‫فانتقل العلماء في هذه المرحلة من دراسة ما يجب أن يكون إلى دراسة ما هو كــائن‪ ،‬أي دراســة الواقــع كمــا هــو‪،‬‬
‫ومحاولة إيجاد حلول لهذا الواقع‪ ،‬والتركيز على دراسة محـددات ومتغـيرات العمليـة السياسـية وكشـف العالقـات‬
‫والتفــاعالت بين البــنى والمؤسســات المكونــة للنظــام السياســي وليس االكتفــاء فقــط بالوصــف القــانوني لهــذه‬
‫المؤسسات‪.‬‬
‫المرحلة الخامسة‪ :‬المرحلة السلوكية (من بدايات الحرب العالمية الثانية إلى نهاية ‪)1960‬‬
‫بدأت مع "جيمس برايس ‪ "James Bryce‬الذي قـام بدراسـة مقارنـة بين مختلـف النظم الديمقراطيـة في العـالم‬
‫الليـبرالي قبـل الحـرب العالميـة األولى ( بين الواليـات المتحـدة واألمم األوروبيـة )‪ ،‬و أدخل عناصــر جديـدة في‬
‫التحليل مثل ‪ :‬الرأي العام ‪ ،‬نظام األحزاب والمؤسسات االجتماعية ‪.‬‬
‫ثم جـاء "شـارلز ميريـام ‪ "Charles Merriam‬مؤسـس مدرسـة شـيكاغو الـذي ركـز على الواليـات المتحـدة‬
‫األمريكية ورصد تغير المجتمع األمريكي بعد الحرب العالمية األولى‪ ،‬فطرح اإلشكالية التاليـة ‪ :‬لمـاذا كـان تـأثير‬
‫الحرب في المجتمع األمريكي عميقا رغم تأخر التحاق األمريكيين بها؟‬
‫واقترح "تشارلز ميريام" االعتماد على مناهج استعملت في العلوم الطبيعيـة وكـذا في العلـوم االجتماعيـة السـابقة‬
‫من حيث االســتقاللية على علم السياســة ( من أجــل ذلــك اعتــبر أب المدرســة الســلوكية)‪ ،‬لكنــه اصــطدم بمشــكلة‬
‫استحالة القيام بالتجريب في العلوم السياسية ‪ ،‬فكان الحل األمثل بالنسبة إليه في ‪:‬‬
‫المالحظة الفاعلـة ( ‪ :) L’observation active‬مالحظـة األسـباب المـؤثرة بمـا فيهـا الهامشـية‪ ،‬وبنـاء أطـر‬
‫منهجية بديلة عن التجربة ‪ :‬المسح‪ ،‬االستبيان‪ ،‬المقابلة‪..‬إلخ‬
‫بناء عليه ‪ ،‬ركزت مدرسة شيكاغو على االستبيان‪ ،‬وسببية التغيير‪.‬‬
‫في هذه المرحلة تم االنتقال من دراسة المجتمع ( التغيير‪ )...‬إلى دراسة المؤسسات والتركيز على سلوك صــانعي‬
‫القرار ( عقالنية السلوك ‪ /‬القرار)‪ ،‬حيث أضيفت إلى طرائق ميريام ومدرسة شيكاغو‪ ،‬أطر منهجية أخــرى على‬
‫رأســها‪ :‬دراســة التركيبــة الشخصــية لمتخــذ القــرار(الدراســات النفســية‪ :‬نمــط الشخصــية‪ /‬الــدوافع‪...‬إلخ‪ ،‬دراســة‬
‫المضمون‪/‬إضافة البعد النقدي ( توظيف نظريات ماكس هوركهايمر ‪ Horkheimer‬و مدرسة فرانكفورت)‬
‫وعلى العموم فقد تميزت هـذه المرحلـة بعـدة سـمات من بينهـا‪ ،‬انفصـال الدراسـات السياسـية تمامـا عن المنـاهج‬
‫التقليديــة الفلســفية والتاريخيــة والقانونيــة‪ ،‬والتركــيز على دراســة األنشــطة واألدوار والتفــاعالت السياســية دون‬
‫التركــيز على المؤسســات كوحــدة للتحليــل‪ ،‬حيث كــانت الدراســات القانونيــة تركــز على ذكــر ووصــف البــنى‬
‫والمؤسسات من الناحية الخارجية فقط‪ ،‬في حين أصبح البـاحث في العلـوم السياسـية في هـذه المرحلـة‪ ،‬يبحث في‬
‫العالقات وتفسيرها‪.‬‬
‫كما أصبح علم السياسة يعتمد على العلوم األخرى لتفسير الظواهر السياسية‪ ،‬مثل ظاهرة االنتخابــات الــتي تعتمــد‬
‫على اإلحصاء وكيفية اتخاذ القرار‪ ،‬وكذا االعتماد على الدراسات السياسية المقارنة‪.‬‬
‫ولعل ما تتميز به المرحلة السلوكية هي أنها أفقدت الدولة مركزيتهــا في موضــوع علم السياســة‪ ،‬وبالتــالي أصــبح‬
‫إلى جانبها دراسـة الجماعـات والقـوى االجتماعيـة هي محـور االهتمـام والتركـيز‪ ،‬فقـد أصـبح مفهـوم "السـلوك"‬
‫و"العملية" هما المفتاح الرئيس في علم السياسية‪ ،‬حيث حل مفهوم "النظام " محل مفهوم الدولة‪.‬‬
‫وبذلك استطاعت السلوكية وال سيما مفاهيم السـلوك‪ ،‬والجماعـات‪ ،‬والعمليـات‪ ،‬والنظم تحتـل مكانـة بـارزة داخـل‬
‫البحث السياسي األمر الذي أحدث ثورة فيه‪ ،‬مما أدى بهذا االتجاه إلى تطوير فروع العلوم السياسية الــتي تتعامــل‬
‫مع الواقع‪ ،‬مثل السياسة المقارنة‪ ،‬والتنمية السياسية‪ ،‬والرأي العام والعالقات الدولية‪...‬إلخ‪.‬‬
‫المرحلة السادسة‪ :‬ما بعد السلوكية‬
‫لعل هناك جملة من المتغيرات التي أدت جوهريـا في إحـداث النقلـة النوعيـة من السـلوكية إلى مـا بعـد السـلوكية‪،‬‬
‫ومن تم شكلت هذه المرحلة وهي‪:‬‬
‫‪ ‬أن مجمل النماذج المعرفية تقـوم على أن المنظــور المعـرفي الجديــد يولــد في رحم القـديم وعلى هامشـه‪،‬‬
‫بحيث يتمحور رويدا رويدا حتى يحل محله؛‬
‫‪ ‬إخفاق اإلمبريقية والوضعية والتحول إلى الواقعية والنظرية التفسيرية؛‬
‫‪ ‬مراجعة فكرة التقدم سواء في العلم أو الشؤون اإلنسانية بشكل عام‪ ،‬فالحربان العالميتـان األولى والثانيـة‪،‬‬
‫واألسلحة النووية التي تهدد األرض وتشكك هذه الفكرة على مستوى الشــأن اإلنســاني‪ ،‬كــذلك فــإن التقــدم‬
‫في العلم االجتماعي يختلف عنه في العلوم الطبيعية‪ .‬وهو أمر ملموس يمكن الحكم عليه‪ ،‬حيث أن فيزياء‬
‫"ألبرت إنشطاين" أكثر تقدما من فيزياء "إسحاق نيـوتن"‪ ،‬لكن هـل يمكن القـول‪ :‬أي من علمـاء السياسـة‬
‫المعاصـرين أكـثر تقـدما من السـابقين‪ ،‬فهـل "ديفيـد إيسـتون" أفضـل من "تشـارلز ميريـام"‪ ،‬ناهيـك عن‬
‫"أريسطو"؟‬
‫‪ ‬األثر الذي أحدثه كتاب "توماس كوهن"‪" ،‬بنية الثــورات العلميـة"‪ ،‬والمفـاهيم الـتي قـدمها مثـل‪ :‬التطــور‬
‫العلمي والنموذج المعرفي‪ ،‬والعلم المتعارف عليه‪ ،...‬أحدثت عمليـات متعـددة من المراجعـات السياسـية‪،‬‬
‫ودفعت كثـير من البـاحثين إلى محاولـة تغطيـة مفهـوم "النمـاذج" على السياسـة‪ ،‬خصوصـا في المرحلـة‬
‫السلوكية‪ ،‬وهل استطاع أن يشكل نموذجا‪ ،‬أو أنه لم يزل في مرحلة دون ذلك‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬أهداف دراسة علم السياسة‬
‫إن أول أهداف هذا الدرس هو أن هذه المادة تقدم للطالب ثقافة نوعيـة تســمح لـه بـأن يالمس الواقــع في مســتوياته‬
‫المختلفة‪ .‬فلقد حصر أحد الباحثين في فرنسا ثالثة (‪ )3‬أهداف من وراء تدريس علم السياسة بالجامعة الفرنسية‪،‬‬
‫وهي ال تختلف كثيرا عن أهدافنا‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫الهدف األول‪ :‬هو إطالع الطالب على الرصيد المعرفي المتراكم الذي حصـل في مجـال المعرفـة السياسـية حـول‬
‫مختلف المواضيع أكانت نظرية أو علمية‪.‬‬
‫فالهدف هو منح الطالب تكوينا علميا متعـددا ومنفتحــا على المجـاالت اللصـيقة باختصاصـه كالتـاريخ واالقتصـاد‬
‫والسوسيولوجيا والقانون‪...‬بطريقة تجعلـه يسـتوعب جيـدا محيطـه ومختلـف التفـاعالت والرهانـات الـتي تخترقـه‬
‫وتتجاذبه‪.‬‬
‫أما الهدف الثاني‪ :‬فهو تعريف الطلبة بطرق وأساليب التعامل مـع الوقـائع والظـواهر السياسـية‪ .‬وهـذا الهـدف ذو‬
‫طابع منهجي‪ ،‬يمكن الطالب من القدرة على تحليل اتخاذ قرار سياسي أوخطاب سياسي أو نصوص سياسية‪ ،‬كمــا‬
‫يمكنه من القيام بنفس الشـيء بالنسـبة ألحـداث سياسـية كمظـاهرات أو احتجاجـات‪...‬وذلـك عن طريـق االسـتعانة‬
‫باألدوات المنهجية المالئمة لهذا الغرض‪ .‬وذلك بهدف كشف األسباب والعلـل‪ ،‬وإزاحـة السـتار عن مـا هـو خفي‪،‬‬
‫والنظر إلى الوقائع واألحداث بطريقة جديدة لم يسبق له أن نظر بها سابقا‪.‬‬
‫والهدف الثالث أو الغاية األخيرة من هذا الدرس السياسي هو دفع الطلبة إلى مجال البحث العلمي السياسي‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬تعريف وتحديد علم السياسة‬
‫لقد شكل موضوع الحكم وأفضل أساليب تدبير شؤون األفراد داخل مجتمـع منظم‪ ،‬انشـغاال حقيقيـا ومركزيـا لـدى‬
‫كل من الفالسفة والمفكرين وحتى الحاكمين أنفسهم‪ ،‬قديما وحديثا‪ .‬فالهاجس الـذي كـان يـؤرقهم جميعـا هـو كيـف‬
‫يمكن لألفراد أن يعيشوا داخل المدينة بشكل متناغم وسلمي‪ ،‬يؤمن لكل فرد حقوقه ويكفــل لــه حريتــه ونشــاطه‪ .‬إذ‬
‫يستحيل أن يتفق الناس دائما فيما بينهم على ما يهم الجماعـة أو يتفقـون على أدوات ووسـائل حـل النزاعـات مثال‪.‬‬
‫وهذا لم يكن ليتم بدون تفكير سياسي طويل يفضي إلى علم أو فن حكم وإدارة شؤون النــاس‪ ،‬ســيعرف الحقــا بعلم‬
‫السياسة‪.‬‬
‫ولكن قبـل التطـرف لعلم السياسـة البـد من الوقـوف أوال عنـد مـدلول اللفظين اللـذين يتكـون منهمـا علم السياسـة‪،‬‬
‫فالمالحظ أننا بصدد البحث عن تعريف عبارة مركبة من مصطلحين هما "علم" و"سياسة"‪.‬‬
‫أوال‪ :‬مفهوم العلم‪:‬‬
‫المقصود بالعلم مجموعة من المعارف التي تتبـع منهجـا معينـا للوصـول إلدراك حقيقـة مـا والوصـول إلى نتيجـة‬
‫معينة‪ ،‬ومن بين التعريفات التي يمكن أن نوردها في هذا الصدد‪:‬‬
‫"العلم مجموعة متراكمة من المعرفة التي تمت برهنة صحتها موضوعيا‪ ..‬والتي تتعلق باإلنسان‪ ،‬أو الطبيعـة‪ ،‬أو‬
‫المجتمع"‪.‬‬
‫"العلم هو األفكار المتتالية والمترابطة وكذلك الوسائل التي عن طريقها يتم الحصول على هذه األفكار"‪.‬‬
‫وعلي العموم يشترط اإلطار العلمي استخدام منهج علمي على موضوع محدد‪ ،‬بحيث يكون هذا الموضـوع قابـل‬
‫للتجريب‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬مفهوم السياسة‬
‫سنعمل على تعريف السياسة من الناحيتين اللغوية واالصطالحية‪:‬‬
‫‪ .1‬السياسة لـغـة‪:‬‬
‫جاء في لسان العرب‪ ،‬البن منظور‪ ،‬أن السياسة مصدر للفعل ساس يسوس‪ ،‬وساس األمر سياسـة بمعـنى قـام بـه‪،‬‬
‫وسوسه القوم أي جعلوه يسوسهم‪.‬‬
‫ويقول الفيروز آبادي‪ ،‬صاحب القاموس المحيط‪ ،‬سست الرعية سياسة‪ ،‬أي أمرتها ونهيتها‪.‬‬
‫ويقول الشاعر أبو العالء المعري‪:‬‬
‫فينفذ أمرهم ويقال ساسه‬ ‫يسوسون األمر بغير عقل‬
‫وبشكل عام يمكن القول إن السياسة في اللغة العربية تشير إلى معنى الرياسة والقيــادة والــذكاء والكياســة والــدهاء‬
‫والفطنة‪.‬‬
‫أما مصطلح السياسة في اللغتين اإلنجليزية والفرنسية فهو مشتق من ثالث كلمات التينية‪:‬‬
‫‪ ‬بُـو ِلس (‪)POLIS‬ـ وتعـني المدينـة‪ ،‬وقـد كـانت المدينـة هي الوحـدة السياسـية في اليونـان القديمـة‪ ،‬حيث‬
‫عرفت اليونان آنذاك ما أطلق عليه اسم دولة المدينة؛‬
‫‪ ‬بوليتيكا (‪ )POLITIKA‬وتعني األمور السياسية واألمور المدنية‪ ،‬وكل ما يتعلــق بالدســتور والحكومــة‬
‫والسيادة وبالنظام السياسي؛‬
‫‪ ‬بوليتيك (‪ ) POLITIKE‬وتعني السياسة كفن أو كممارسة يقوم بها السياسيون بمعنى العلم السياسي‪.‬‬
‫‪ .2‬السياسة اصـطالحا‪:‬‬
‫اﻟﻤﻨﺘﺪى اﻟﻄﻼﺑﻲ‬
‫‪https://forum.fsjes-agadir.info/‬‬
‫هناك اختالفات واسعة بين العلماء والمفكرين حول تعريف معنى السياسـة من الناحيـة االصـطالحية‪ ،‬إذ ال يوجـد‬
‫تعريف واحد لها‪ ،‬بل هناك تعاريف متعددة وكثيرة مع تباين اتجاهات القائلين بهــا‪ ،‬وحينمــا يتم اســتعراض اآلراء‬
‫المختلفة حول السياسة‪ ،‬يالحظ المرء أن هناك اختالفات واسعة حول المفهوم‪ ،‬لكنها تعــني كــل مــا يتعلــق بالدولــة‬
‫والسلطة الحاكمة وعالقات المواطنين‪.‬‬
‫ورغم تشعب اآلراء حول مفهوم السياسة يمكن التمييز بين االتجاهات التالية في تعريفها‪:‬‬
‫االتجاه األول‪ :‬السياسة هي فن الحكم‬
‫حسب هذا االتجاه فإن السياسة هي فن حكم الناس‪ ،‬وهو اتجـاه قـديم بـرز في كتابـات اليونـانيين القـدامى كسـقراط‬
‫وأفالطون‪ ،‬فسقراط (‪399‬ـ ‪ 469‬ق‪.‬م) يرى أن "السياسـة هي فن الحكم والسياسـي هـو الـذي يعـرف هـذا الفن"‪،‬‬
‫بينما أفالطون (‪347‬ـ ‪ 428‬ق‪.‬م) يرى أن "السياسة هي فن حكم األفراد برضاهم‪ ،‬والسياسي هو الذي يعرف هذا‬
‫الفن"‪.‬‬
‫االتجاه الثاني‪ :‬السياسة هي صراع على الحكم‬
‫فالسياسة حسـب هـذا االتجـاه هي صـراع مسـتمر بين األفـراد والجماعـات من أجـل الوصـول إلى السـلطة‪ ،‬فمثال‬
‫ميكيافيللي (‪1469‬ـ‪ )1527‬يقول أن "السياسة ما هي إال معركة‪ ،‬بل هي معركة مستمرة تتمثل في الصــراع على‬
‫القوة"‪.‬‬
‫أما هانز مورجنثاو (‪1904‬ـ‪ )1980‬فيرى أن "السياسة هي مجال السلطة والعمــل السياســي هــو الكفــاح من أجــل‬
‫القوة"‪.‬‬
‫ويعرفها تروتسكي على أنها "النشاط االجتماعي المرتبط على نحو وثيق بالكفاح من أجل السلطة"‪.‬‬
‫وهي عند جـورج كالوس "صـراع بالدرجـة األولى بين الطبقـات حـول السـلطة االقتصـادية والدوليـة يهـدف إلى‬
‫استخدام سلطة الدولة لتحقيق المصالح الطبقية وصيانتها والدفاع عنها"‪.‬‬
‫االتجاه الثالث‪ :‬السياسة هي النفوذ السلطوي‬
‫وفق هذا االتجاه فإن السياسة هي السعي للسلطة من أجل بسط النفوذ‪ ،‬وعلى الرغم من االتفاق حول الهـدف الـذي‬
‫هو بسط النفوذ‪ ،‬إال أن هناك اختالفا حول الهدف من بسط النفوذ‪ ،‬فالبعض يرى أنـه لتحقيـق مصـالح ذاتيـة‪ ،‬بينمـا‬
‫آخرون يرون أن الهدف هو لتلبية احتياجات المجتمع‪ ،‬وتحقيق الصالح العام‪.‬‬
‫فمثال هارول السويل يـرى أن "السياسـة هي دراسـة النفـوذ وأصـحاب النفـوذ‪ ،‬أو دراسـة السـلطة الـتي تحـدد من‬
‫يحصل على ماذا (من القيم المختلفة) ومتى وكيف‪.‬‬
‫ويعرف دافيد إيستون "السياسة بأنها "الدراسة العلمية لظاهرة السلطة وكل ما يتعلق بها"‪.‬‬
‫ومن جهة أخـرى‪ ،‬يقصـد بالسياسـة الشـرعية في اصـطالح الفقهـاء والعلمـاء المسـلمين‪ ،‬وسـيلة لحمـل المجتمـع‬
‫المسلم على مقتضى الشرع‪ ،‬أي التصرف في الشؤون العامة‪ ،‬شــؤون الحكم واإلدارة والقضــاء‪ ،‬بمــا ال يصــطدم‬
‫مع الشريعة‪ .‬وفي هذا الصدد‪ ،‬يقول العالمة ابن خلدون‪ ،‬إن السياسة ثالثة أنواع‪:‬‬
‫‪ .1‬السياسة الطبيعيـة‪ :‬وتعـني حمـل الكافـة على مقتضـى الغـرض والشـهوة بمـا يحقـق االسـتبداد والمصـالح‬
‫الفردية؛‬
‫‪ .2‬السياسة العقلية‪ :‬وهي حمل الناس على مقتضى النظر بما يحقق مصالحهم وبدفع عنهم الضرر في دنيا‪.‬‬
‫‪ .3‬السياســة الشــرعية‪ :‬وهي حمــل النــاس على مقتضــى النظــر الشــرعي بمــا يحقــق مصــالحهم الدنيويــة‬
‫واألخروية معا ويحصل نفع هذه السياسة في الدارين‪.‬‬
‫وتجدر اإلشارة إلى أن كل التعاريف المذكورة أعاله حول السياسة تشترك في عناصر عدة تتمحـور أساسـا حـول‬
‫مسـألة الحكم والسـلطة في إشـارة إلى الدولـة ومؤسسـاتها‪ ،‬والمقصـود بـذلك البحث في أنـواع الحكومـات وكيفيـة‬
‫عملها داخل الجماعات البشرية صغيرة كانت أم كبـيرة‪ ،‬هـذا على الـرغم من الفـارق الزمـني الشاسـع في إخـراج‬
‫هذه التعريفات‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬علم السياسة‬
‫إذا كانت السياسة هي جميع الظواهر االجتماعية المرتبطة بكل ما يتعلق بالدولـة أو بـالحكم أو السـلطة أو العالقـة‬
‫بينهما وبين المجتمع‪ ،‬فإن علم السياسة هو العلم الذي الذي يحاول دراسة الظاهرة السياســية دراســة علميــة ســواء‬
‫تعلق األمر بالدولة أو السلطة‪ ،‬أو بالدولة واألفراد داخل المجتمع‪ ،‬وذلك من أجل فهمها وتفسيرها‪.‬‬
‫ومن التعاريف اإلجرائية التي يمكن أن نستعرضها حول تعريف علم السياسة ما يلي‪:‬‬
‫‪ .1‬هارولد السـويل‪ :‬علم السياسـة هي دراسـة النفـوذ وأصـحاب النفـوذ‪ ،‬أو دراسـة السـلطة الـتي تحـدد من‬
‫يحصل على ماذا من القيم المختلفة ومتى وكيف؛‬
‫‪ .2‬دافيد إيستون‪ :‬علم السياسة هو الدراسة العلمية لظاهرة السلطة وكل ما يتعلق بها؛‬
‫‪ .3‬ناجي عبد النور‪ :‬علم السياسة هو كل ما يتعلق بتطبيق الباحثين والمتخصصين لمناهج وأســاليب البحث‬
‫أثناء دراسة الظواهر والعمليات السياسية على مستويات التحليل المختلفة؛‬
‫‪ .4‬الموسوعة السياسية‪ :‬علم السياسة هو علم الحكومة وفن عالقــات الحكم‪ ،‬وتطلــق على مجموعــة الشــؤون‬
‫التي تهتم بالدولة أو الطريقة التي يسلكها الحكام؛‬
‫‪ .5‬تعريــف الفكــر الشــيوعي‪ :‬هــو علم دراســة العالقــات بين الطبقــات ودور الســلطة في تحديــد نوعيــة هــذه‬
‫العالقات (سيطرة إم استغالل)‪.‬‬
‫والمالحظ هو أن هـذه التعـاريف ال تختلـف في جوهرهـا عن تعريـف السياسـة في حـد ذاتـه‪ ،‬فهي تتفـق من حيث‬
‫موضوع السياسة هو دراسة السلطة داخل الجماعة المنظمة‪.‬‬
‫وبناء عليه يمكن إعطاء تعريف مبسط لعلم السياسة هو تلك المجموعة المتسلسلة وفق عالقـة موضـوعية والـتي‬
‫تستجيب لشروط المعرفة العلمية‪ ،‬والتي تعنى بشـكل أساسـي بدراسـة السـلوك السياسـي الفـردي أو الجمـاعي في‬
‫إطار منظم يهتم بالحاكم والمحكوم على حد سواء وذلك بغرض إعطاء نتائج تفسيرية للسـلوك الحاضـر ومحاولـة‬
‫التوقع للمستقبل‪.‬‬
‫ومما تقدم‪ ،‬نخلص إلى تعريف علم السياسة بأنه مجموعة من المبادئ والقواعد التي أتبتت الدراسة صحتها والتي‬
‫تتعلق بالسلطة وبعملية صنع القرارات الملزمـة لكـل المجتمـع‪ ،‬تلـك القـرارات الـتي تتنـاول قيمـا ماديـة ومعنويـة‬
‫مختلفة‪.‬‬
‫المطلب الرابع‪ :‬عالقة علم السياسة بالعلوم األخرى‬
‫إن تداخل علم السياسة مع العلوم األخري قد اختلف بحســب تطــور مفـاهيم علم السياسـة ونظرياتـه ومنــاهج‬
‫البحث فيـه‪ .‬وحـتى نهايـة النصـف األول من القـرن العشـرين كـان علم السياسـة يتـداخل بشـكل أساسـي مـع‬
‫القانون والتاريخ واالقتصاد والجغرافيا واألخالق‪ ،‬وبعد التطورات الحديثة التي عرفها علم السياسة ظهـرت‬
‫مجاالت جديدة للتداخل مع علم االجتماع وعلم اإلنسان وعلم النفس السياسي‪ .‬وسـوف نلقي نظـرة مختصـرة‬
‫على عالقة علم السياسة ببعض هذه العلوم‪.‬‬
‫أ‪ -‬علم السياسة وعلم االجتماع‪:‬‬
‫بعد تطور المفاهيم الحديثة في علم السياسة التي تهتم بالسلوك السياسي لإلنســان‪ ،‬ظهــرت أهميـة دراســات‬
‫علم االجتمــاع بالنســبة لعلم السياسة‪ ،‬فعلم االجتمــاع الــذي يــدرس الســلوك االجتمــاعي‪ ،‬وأنمــاط العالقــات‬
‫االجتماعية‪ ،‬والعادات والتقاليد والثقافة والقيم‪ ،‬أصبح في الحقيقــة من أكــثر العلــوم االجتماعيــة ارتباطـا ً بعلم‬
‫السياسة‪ ،‬ولقد انتشرت دراسات التنشئة السياسية التي اهتمت بالدور الذي تلعبه هيئـات المجتمـع األساسـية‬
‫كاألسرة والمدرسـة والجماعـة في التـأثير على التفـاعالت السياسـية في الـدول‪ ،‬كمـا تطـور علم "االجتمـاع‬
‫السياسي" الذي يهتم بالبعد االجتماعي لسلوك اإلنسان السياسي‪.‬‬
‫ب‪ -‬علم السياسة وعلم االقتصاد‪:‬‬
‫لقد كان االقتصـاد والسياسـة يدرسـان معـا ً حـتى الماضـي القـريب‪ ،‬وكـان االقتصـاد يعـرف باسـم االقتصـاد‬
‫السياسي ألن التركيز فيه كان على الطرق التي تستطيع بها الدولة اإلشراف على الشؤون المالية والتجاريــة‬
‫واإلنتاجية‪ .‬وفي الوقت الحالي فان الموضوعات الخاصة بـالثروة والـدخل والضـرائب والتوزيع‪ ،‬والسياسـة‬
‫التجارية والصناعية وأوضاع الطبقة العاملة هي من ضـمن الموضـوعات الـتي يشـترك فيهـا كـل من علمي‬
‫السياسة واالقتصاد‪ .‬وكذلك فإن عملية التسوية بين مصالح تجار االستيراد ومصـالح أصـحاب المصـانع هي‬
‫من أهم مجاالت الممارسة السياسية‪ .‬وباختصار فان السياسة العامة للدولة في الداخل والخارج تتأثر إلى حد‬
‫كبير بعوامل اقتصادية أساسية‪ .‬ولقد أوضحت تجارب بعض الـدول على أن أهميـة العوامـل االقتصـادية في‬
‫التأثير على قرارات وسياسات الدول المختلفة تزداد وقت الحرب عن أوقـات السـلم‪ .‬وفي تحديـد عالقـة علم‬
‫السياسة باالقتصاد فهناك من يـرى بـأن السياسـة هي الـتي تـؤثر في االقتصـاد ومنهم من يـرى بـأن العالقـة‬
‫بينهما عالقة تفاعل ( تأثير وتأثر متبادل )‪.‬‬
‫جـ ‪ -‬علم السياسة واألنثروبولوجيا (علم اإلنسان) ‪:‬‬
‫تهتم األنثروبولوجيــا بتصــنيف وتحليــل الجماعــات البشــرية من الناحيــة الفســيولوجية (الــتركيب الجســمي)‪،‬‬
‫الثقافية‪ ،‬واالجتماعية‪ ،‬والتاريخية ويمتـاز علم األنثروبولوجيـا في اعتمـاده على الحفريـات من أجـل دراسـة‬
‫بقايا التركيب الجسمي لإلنسان القـديم و فهم ثقافتـه ومجتمعاته‪ ،‬وقدرتـه على التكيـف مـع البيئـة الـتي عـاش‬
‫فيها‪ ،‬ومقارنة كل ذلك بأوضاع إنسان اليوم‪.‬‬
‫إن منشأ التداخل بين األنثروبولوجيا وعلم السياسة يعود إلى التركيز الخاص لألبحاث االنتروبولوجية على‬
‫دراسة الفوارق اإلنسـانية‪ ،‬وخاصـة فيمـا يتعلـق بالسـاللة والثقافـة فلقـد حـاول بعض علمـاء األنثروبولوجيـا‬
‫االستفادة من بعض الدراسات لزيادة معرفتهم بهذه الفوارق اإلنسـانية‪ ،‬وخالل هـذا التـداخل تم نقـل خـبرتهم‬
‫األنتروبولوجية إلى علم السياسة‪ .‬ولقد نقل علماء السياسة من علم األنثروبولوجيا مصطلح الثقافــة وطــوروا‬
‫له مفهوما ً خاصا ً عرف ب"الثقافة السياسية"‪.‬‬
‫ويوجد حاليا ً في علم األنثروبولوجيا حقل خاص للدراسات السياسـية يعـرف "باألنثروبولوجيـا السياسـية"‪،‬‬
‫وتتحدد اهتماماتــه بدراســة مصــادر الصــراع اإلنســاني‪ ،‬ومجــاالت تالحم االختالفــات اإلنســانية‪ ،‬وقــانون‬
‫الطبيعة‪ ،‬والطرق التي تؤثر فيها المجتمعات المتقدمة على المجتمعات النامية التي تحتك معها‪.‬‬
‫د‪ -‬علم السياسة والتاريخ ‪:‬‬
‫إن هناك أيضا عالقة قوية بين علم السياسة والتاريخ الذي يهتم بدراسة األحـداث الماضـية‪ ،‬ولقـد قـال أحـد‬
‫علماء السياسة مشيرا ً إلى عالقـة العلمين بـأن علم السياسـة هـو ثمـرة التـاريخ‪ ،‬وأن التـاريخ هـو جـذور علم‬
‫السياسة‪ ،‬وتتضح هذه العالقة بصـفة خاصـة في مجـال التـاريخ السياسـي الـذي يعـالج األحـداث والنشـاطات‬
‫السياسية الماضية للمجتمعات البشرية والقادة السياسيين والعسكريين‪ ،‬وبذلك يعتبر التاريخ السياسي مصدرا‬
‫خصبا للمعلومات التي يستفيد منها كتاب وصانعي السياسة في دراستهم وقراراتهم‪.‬‬
‫ولكن الفــرق بين التــاريخ السياســي والتحليــل السياســي هــو أن علمــاء التــاريخ السياســي يركــزون على‬
‫الشخصـيات السياسـية أو الحـوادث الفريـدة من نوعهـا والمشـهورة بينمـا يهتم علمـاء السياسـة بالخصـائص‬
‫العامة للمعلومات التاريخية التي هم بصدد دراستها‪.‬‬
‫هــــ ‪ -‬علم السياسة وعلم النفس‪:‬‬
‫يعطي بعض المفكرون السياسـيون اهتمامـات خاصـة في أبحـاثهم لموضــوعات علم النفس الـتي تهتم بفهم‬
‫الطبيعة اإلنسانية التي تتعلق بالخوف والطمأنينة‪ ،‬العنف والمسالمة‪ ،‬الخير والشر‪ ،‬وعدم المباالة‪.‬‬
‫ولقد ظهر ما يعرف ب "علم النفس السياسي" الذي يهتم كتابه بمعرفــة مــدى تــأثير العوامــل النفســية على‬
‫السلوك السياسي‪ .‬وهناك محاوالت أخرى كثيرة لمعرفة تأثير الخلفية النفسية للسياســيين في القــرارات الــتي‬
‫يتخذونها‪ .‬وفي مجاالت أخرى ينظر الباحثون إلى الحرية والمساواة على أنهـا قيم أساسـية تـدخل في جـذور‬
‫النفس اإلنسانية وتوجه تطلعات اإلنسان وسلوكه‪.‬‬
‫و‪ -‬علم السياسة والقانون ‪:‬‬
‫إن كثيرا ً من كتاب النظرية السياسية يسندون شرعية السلطة في الدولة إلى القــانون‪ .‬ولقــد أوضــح كــل من‬
‫المفكرين أرسطو وأفالطون أهمية القانون في تأديـة وظـائف الدولة‪ ،‬كمـا اسـتطاع المشـرعون الرومـان أن‬
‫يضعوا بعض القوانين األساسية التي ساعدت روما على حكم وإدارة امبراطوريتها الواسعة والتي أصــبحت‬
‫فيما بعد مصدرا أساسيا للقوانين الوضعية في الدول‪.‬‬
‫وفي النصف األول من القرن العشرين كان القانون محور الدراسات السياسية‪ ،‬وفي الوقت الحاضـر يتضـح‬
‫التداخل بين القانون والسياسة من موضوعات القانون الدستوري أو القانون العام الــذي يضم دســتور الدولــة‬
‫وأسس المبادئ المنظمة لتداخل سلطات الحكومة‪ ،‬ولعالقة الحكومة المركزية بالحكومات المحلية‪ ،‬ولحمايــة‬
‫حقوق األفراد وحرياتهم وممتلكاتهم‪ ،‬وتداخل السلطة القضائية مع السلطتين التشريعية والتنفيذية‪.‬‬
‫ر‪ -‬علم السياسة والجغرافيا‪:‬‬
‫لقد أدرك المفكرون منذ القدم أهمية الجغرافيا بالنسبة للحياة السياسية‪ ،‬حيث تناول كل من أريسطو وأبقراط‪،‬‬
‫ومن بعدهما ابن خلدون و"جان بودان" و"مونتسكيو" وغيرهم أثر الطبيعة على سلوك األفـراد والجماعـات‬
‫وعلى نمط التجمعات البشرية‪ ،‬والطرق المتبعة في تحصيل معاشـها‪ .‬وفي نهايـة القـرن التاسـع عشـر ابتكـر‬
‫العـالم األلمـاني "فريـديرك راتـزل" تعبـير الجيوبوليتيــك‪ ،‬للداللـة على األثـر الكبـير للجغرافيـا على الواقـع‬
‫السياسي خاصـة في حقـل السياسـة الدوليـة‪ .‬وقـد أدى علم الجيوبوليتيـك إلى طروحـات متطرفـة جـدا‪ ،‬منهـا‬
‫أطروحة الجغـرافي البريطـاني "هـالفورد ماكينـدر"الـذي انطلـق من القـول‪ :‬إن "أوراسـيا قلب العـالم" ومن‬
‫يسيطر عليها يسيطر على العالم‪ .‬وهذا يوضح أهمية الجغرافيا في الفعل السياسي‪.‬‬

‫اﻟﻤﻨﺘﺪى اﻟﻄﻼﺑﻲ‬
‫‪https://forum.fsjes-agadir.info/‬‬
‫المطلب الخامس‪ :‬مجاالت وموضوعات علم السياسة‪:‬‬
‫حاولت دراسات كثيرة تحديد مجاالت علم السياسة كعلم قائم بذاته‪ ،‬ولكنها لم تتوصـل إلى اتفـاق بينهـا حـول‬
‫هذا الموضوع ممـا دفـع نخبـة من البـاحثين السياسـيين الـذين كـانوا مجتمعين في دار اليونيسـكو في بـاريس‬
‫‪ 1948‬إلى تحديد الموضوعات التي تشـملها دراسـة الظـواهر السياسـية تحديـدا واضـحا‪ ،‬فـاعتبرت أن علم‬
‫السياسة علم قـائم في الواقـع‪ ،‬وحـددت مجاالتـه انطالقـا من وجـوده الـواقعي‪ ،‬أي من اهتمامـات المؤسسـات‬
‫والمختصين العاملين في مجاالت التعليم والبحث السياسي‪ ،‬وليس من تصور عقالني عام‪.‬‬
‫وقد حددت مواضيع ومجاالت علم السياسة فيما يلي‪:‬‬
‫‪ ‬النظرية السياسية؛‬
‫‪ ‬المؤسسات السياسية؛‬
‫‪ ‬األحزاب وجماعات الضغط والرأي العام؛‬
‫‪ ‬العالقات الدولية؛‬
‫وفيما يلي شرح لهذه المواضيع‪:‬‬
‫الفرع األول ‪:‬النظرية السياسية‪:‬‬
‫تعرف النظرية السياسية كما ورد ذلك في كتاب "بحث في االقتصــاد" الصــادر ببــاريس ســنة ‪ 1939‬بأنهــا‬
‫"حصيلة المالحظة"‪ .‬وتعتبر الالئحة النموذجية الصادرة عن منظمة اليونيسكو سنة ‪ 1948‬أول من استخدم‬
‫مصطلح النظرية السياسية وجعلت منها الموضوع األول من حقول الدارســة في علم السياســة‪ ،‬كمــا حــددت‬
‫لها فرعين مختلفين هما‪ :‬تاريخ األفكار السياسية والنظرية السياسية‪.‬‬
‫‪ .1‬تاريخ األفكار السياسية‪:‬‬
‫للفكرة عدة مفاهيم‪ ،‬فهي كل ما يخطر ببال اإلنسان حول تنظيمــه السياســي كمــا هــو‪ ،‬وكمــا يجب أن يكــون‬
‫عليه‪ ،‬وحسب "أفالطون" فيقصـد بـالفكرة عـالم الحقيقـة والمثــل العليــا‪ ،‬أمـا الفكـرة بــالمعنى البسـيط فتعـني‬
‫التصور العقلي للظاهرة السياسية‪.‬‬
‫وللحديث عن األفكار السياسية ال بد من العودة إلى الفلسفة السياسية كونها البداية الحقيقية للتغيير السياســي‪،‬‬
‫وهي تعني تنظيم األفكار السياسية من قبل مفكرين تنسب إليهم إليهم هذه الفلسفة كفلسـفة أريسـطو‪ ،‬وهيجـل‪،‬‬
‫وكارل مــاكس‪ ،...‬كمـا يمكن أن تنتسـب الفلسـفة إلى مواضـيعها كالمثاليـة والعقالنيـة الطبيعيـة وغيرهــا من‬
‫المواضيع التي شكلت فيما بعد أسس لنظريات كثيرة‪ ،‬وتهدف الفلسفة السياسية إلى دراسة ما يجب أن تكون‬
‫عليه الظاهرة السياسية من مبادئ مثالية حتى يتحقق االنتفاع األكبر من آثارهــا‪ ،‬مثال قيــام الدولــة على مبــدأ‬
‫العدالة لدى أفالطون‪ ،‬أو النظام االجتماعي وعمومية ملكية وسائل اإلنتاج عند كارل ماكس‪.‬‬
‫ويعد الرجوع للمصادر األساسية في النظرية والفكر السياسي أمرا مهما‪ ،‬ال غنى عنــه ألنــه ي َمكن الدارســين‬
‫من اإللمام باألسس العامة للعلــوم السياســية‪ .‬وتشــمل قائمــة المصــادر لهــذا العلم مؤلفــات كــل من أفالطــون‪،‬‬
‫وأرسـطو‪ ،‬واركـوس‪ ،‬وشيشـرون‪ ،‬وتومـاس األكويـني‪ ،‬وميكيـافيللي‪ ،‬وكـانت‪ ،‬وجـورج هيجـل‪ ،‬ومـاركس‪،‬‬
‫وجون جاك روسو‪ ،‬وجون لوك‪ ،‬ومونتسكيو‪ ،‬وتوماس هوبز‪ ،‬وأبو النصر محمد الفارابي‪ ،‬وعبــد الرحمــان‬
‫بن محمد بن خلدون‪ ،...‬وتمكن هذه المصادر الباحثين السياسيين من التعمق في قضــايا السياســة التجريبيــة‪،‬‬
‫حيث يستطيعون الوصول إلى تعميمات صحيحة ودقيقة ترتكز على حقائق ثابتة‪ ،‬تتناول شتى الموضوعات‪،‬‬
‫مثل كيفية الوصول إلى السلطة واألسباب المؤدية إلى سقوطها‪.‬‬
‫‪ .2‬النظرية السياسية‪:‬‬
‫تعتبر النظرية السياسية بناء تصوريا يرتكز على تحليل مقارن لمنتظمات سياسية قائمة في الواقع ومتشــابهة‬
‫نسبيا‪ .‬فهي هيكل فكــري للربــط بين مبــادئ معينــة ونتــائج معينــة‪ ،‬وقــد يكــون البنــاء النظــري بنــاء صــحيحا‬
‫أوخاطئا وال يمكن أن تكتسب النظرية صفة العلمية إال إذا تمت البرهنة عليها بالتجربة‪.‬‬
‫وتجدر اإلشارة إلى أن النظرية السياسية ال تعبر عن حالة وهميــة ال وجــود لهــا في الواقــع‪ ،‬كمــا يتصــورها‬
‫البعض‪ ،‬وإنما عكس ذلك تماما‪ ،‬فهي تنطلق من دراسة الواقع وفهم العالقة القائمة بين عناصــره والعناصــر‬
‫المؤثرة فيه‪ ،‬وحركة تطوره‪.‬‬
‫ونظرا لصعوبة التجريب في المجال فإن‪ ،‬النظريات السياسية‪ ،‬بشكل عام‪ ،‬تندرج ضــمن الفلســفة السياســية‪،‬‬
‫حيث يفترض عدم التناقض بين الواقع والنظرية‪ ،‬ذلك أن أغلب النظريات السياسية اســتوحاها أصــحابها من‬
‫الواقع‪.‬‬
‫فنظرية جون لوك حول الحقوق الطبيعيـة لإلنسـان مسـتلهمة من الثـورة في ابريطانيـا‪ ،‬ونظريـة ابن خلـدون‬
‫مأخوذة من واقع األنظمة في المجتمعات اإلسالمية آنذاك‪ ،‬كما انتبــه ليــنين إلى هــذه العالقــة فقــال‪ :‬ال تكــون‬
‫ثورة بدون نظرية ثورية‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬المؤسسات السياسية‪:‬‬
‫تتوزع المؤسسات السياسية بشكل عام حول الفئات التالية‪:‬‬
‫‪ ‬الدستور؛‬
‫‪ ‬الحكومة المركزية؛‬
‫‪ ‬الحكومة اإلقليمية والمحلية؛‬
‫‪ ‬اإلدارة العامة؛‬
‫‪ ‬وظائف الحكومة االقتصادية واالجتماعية؛‬
‫‪ ‬المؤسسات السياسية المقارنة‪.‬‬
‫يــرى البــاحثون أن المؤسســات السياســية هي الــتي لهــا صــالحية اتخـاذ القــرارات السياســية‪ ،‬أي القــرارات‬
‫األساسية التي تشمل المجتمع السياسي بكامله‪ .‬فال تنحصر صالحياتها في مجــال محــدد‪ ،‬وال فئــة أو جماعــة‬
‫معينة‪ ،‬إنما تتناول المجتمع بأكمله الذي تتواجد فيه كــل الجماعــات والفئــات‪ .‬إن المؤسســات السياســية تجســد‬
‫إرادة عامـة شــعبية ووطنيــة‪ ،‬وتخضــع لقراراتهــا وتوجيهاتهـا جميـع المؤسسـات القائمــة في إطـار المجتمــع‬
‫السياسي والدولي‪ .‬فمجلس النواب والحكومة ورئاسة الدولة‪ ،‬هي المؤسسات السياسية األساســية وهي توجــد‬
‫في قمة هرم السلطة‪ ،‬وتأتي على مستوى أدنى منها المؤسسات اإلدارية والقضائية والعسكرية‪ .‬فالمؤسسيات‬
‫السياسية تحدد التوجهات العامــة‪ ،‬وتتخــذ القــرارات األساســية‪ ،‬وتقــوم المؤسســات اإلداريــة بالتحضــير لهــذه‬
‫التوجهات والقرارات ومن ثم تنفيذها‪ .‬أما المؤسسات القضائية فتنحصر مهمتها في فصل النزاعات وتطــبيق‬
‫القــوانين‪ ،‬في حين تعمــل المؤسســات العســكرية على تنفيــذ القــرارات السياســية ذات الطــابع العســكري‪.‬‬
‫وللمؤسسات جميعها السياسية واإلدارية والقضائية والعسكرية أهمية سياسية كبرى‪ ،‬ألنها تقوم بدور أساسي‬
‫في الحفاظ على الدولة والمجتمع عبر الوظائف التي تقوم بها‪.‬‬
‫ولقد عرف الفقيهان "فوكون" وكذا "مرسيل موس" المؤسسة بأنها "مجموعة أفعال أو أفكار مؤسســة‪ ،‬يجــد‬
‫األفراد أنفسهم أمامها وخاضعين لها"‪ .‬أما "موريس هوريو" فقد عرفها بأنها "تنظيم حقوقي‪ /‬اجتمــاعي‪ ،‬أي‬
‫تنظيم مخصص لمجموعة أفراد‪ ،‬يتم االعتراف بسلطته‪ ،‬ألنها نشأت متالزمة مــع النظــام العــام‪ ،‬ولهــا طــابع‬
‫الديمومة‪ ،‬وهي قائمة على موازين قوى أو على فصل السلطات‪ ،‬فتحافظ على حالــة الســلم االجتمــاعي وهي‬
‫بمثابة التعويض عن اإلكراه الذي تمارسه على أعضائها"‪.‬‬
‫ويمكن تعريف المؤسسة على الشكل التالي‪ :‬هي مجموعة بنى أساسية تعمــل من أجــل تنظيم المجتمــع‪ ،‬وفــق‬
‫قواعد قانونية مكتوبة أوعرفية‪ ،‬تنشأ من أجل هدف تعمل على تحقيقه من خالل القيام بوظائف معينة‪ ،‬ولهــذا‬
‫الكيان صفة الديمومة‪ ،‬وله شخصية معنويـة‪ ،‬ألن مصـلحته متمـيزة عن مصـالح أعضـائه‪ .‬وهـذه الشخصـية‬
‫المعنوية هي التي تعطي المؤسسة طابع الديمومة ألنها تســتمر رغم تبــدل هـؤالء األفــراد‪ ،‬فالمؤسسـة تجسـد‬
‫هـدف أوقيمـة معينـة وترتكـز على قواعـد‪ ،‬وتقيم روابـط بين مجموعـة من األفـراد‪ ،‬وهي تكتسـب شخصــية‬
‫تضعها فوق إرادة مؤسسيها‪ ،‬وتستمر بعد زوالهم‪ .‬والمؤسسات السياسية نوعان هما‪ :‬مؤسسات خاصة تربط‬
‫أهدافها باألفراد‪ ،‬ومؤسسات عامة ترتبط أهدافها بالنظام العام في المجتمع‪.‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬األحزاب السياسية و جماعات الضغط والرأي العام‬
‫يشكل كل من األحزاب السياسية وجماعات الضغط أوجماعات المصالح والرأي العــام إحــدى مواضــيع علم‬
‫السياسية‪ ،‬وسنتطرق إليها اتباعا في الفقرات الثالثة التالية‪.‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬األحزاب السياسية‪:‬‬
‫سنرى في هذه الفقرة تعريف األحزاب السياسية وكذا أنواعها وتصنيفاتها المتنوعة‪.‬‬
‫أوال‪ :‬تعريف الحزب السياسي‬
‫الحزب السياسي هو تنظيم سياسي دائم‪ ،‬يتمتع بالشخصية االعتبارية‪ ،‬يؤسس طبقا للقــانون‪ ،‬بمقتضــى اتفــاق بين‬
‫أشــخاص ذاتــيين‪ ،‬يتمتعــون بحقــوقهم المدنيــة والسياســية‪ ،‬يتقاســمون نفس المبــادئ‪ ،‬ويســعون إلى تحقيــق نفس‬
‫األهداف‪.‬‬
‫ويعمل الحزب السياسي على تأطير المواطنين وتكــوينهم السياســي وتعزيــز انخــراطهم في الحيــاة الوطنيــة وفي‬
‫تدبير الشأن العام‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬أنواع وتصنيفات األحزاب السياسية‬
‫تختلف األحزاب السياسية وتتنوع‪ ،‬فحسب تنظيمها هناك األحزاب المنظمة واألحزاب غــير المنظمــة‪ ،‬ومن حيث‬
‫عالقتها بالجماهير تنقسم إلى أحزاب األطر أوالكوادر وأحزاب الجماهير‪ ،‬ومن حيث األنظمة الحزبية تنقســم إلى‬
‫عدة أصناف‪ ،‬فهناك نظام الحزب الواحد ونظام الحزبين ونظام تعدد األحزاب ونظام الحــزب المهيمن أو الحــزب‬
‫القائد‪.‬‬
‫‪ ‬تصنيف األحزاب السياسية من حيث التنظيم‪ :‬تنقسم األحزاب السياسية في الواقع من حيث التنظيم إلى نــوعين‬
‫هما أحزاب سياسية منظمة وأحزاب سياسية غير منظمة أوضعيفة التنظيم‪.‬‬
‫األحزاب المنظمة‬ ‫‪‬‬

‫وهي األحــزاب الــتي تمتلــك هيكلــة داخليــة مترابطــة ومتماســكة بقــوة‪ ،‬وقائمــة على التسلســل في الوظــائف‬
‫والمسؤوليات‪ .‬فالتماسك الداخلي يفرض على الحزب تنظيم نفسه من القاعدة إلى القمــة على أســاس وحــدات‬
‫وخاليــا وأقســام محليــة‪ ،‬وجهــاز قيــادي على المســتوى الوطــني (مكتب سياســي‪ ،‬مجلس قيــادي‪ ،‬لجنــة‬
‫مركزية…) كلها مترابطة ببعضها البعض‪ ،‬بحيث يحيط المسؤولون الحزبيــون بأعضــاء الحــزب‪ ،‬على كــل‬
‫مستوى من المستويات التنظيمية‪.‬‬
‫ولهذا التماسك الداخلي نتائج أهمها التزام أعضاء الحـزب بإديولوجيـة الحـزب وبرنامجـه السياسـي‪ ،‬وتقويـة‬
‫ســلطة القيــادة الحزبيــة وتشــديد قبضــتها على الحــزب‪ ،‬ويتجلى ذلــك في اختيــار القيــادة للمرشــحين الــذين‬
‫يخوضــون االنتخابــات التشــريعية واإلداريــة والمحليــة باســم الحــزب‪ ،‬والــتزام نــواب الحــزب بالتعليمــات‬
‫والتوجيهات الصادرة عن قيادة الحـزب‪ .‬وكمثـال عن األحـزاب المنظمـة‪ ،‬األحـزاب في ابريطانيـا وأحـزاب‬
‫اليسار في فرنسا واألحزاب الشيوعية‪.‬‬
‫‪ ‬األحزاب غير المنظمة أوضعيفة التنظيم‬
‫هي تلك األحزاب التي ال تملك بنية داخلية متماسكة إما بسبب تباعد االتجاهات داخل الحزب‪ ،‬وإما لترك المجــال‬
‫واسعا أمام أعضاء الحزب للتعبــير عن مــواقفهم بحرية‪ .‬وهــذه األحــزاب يكــون لهــا أقســام محليــة وأجهــزة قيــادة‬
‫مركزية‪ ،‬غير أن المسؤولين في الحزب ال يقيدون أعضاء الحـزب بمواقــف وتوجهـات صـارمة‪ .‬فهــذه األحــزاب‬
‫تترك للنواب مثال‪ ،‬حرية التصويت في البرلمان‪ ،‬وهذا ما يؤدي غالبا إلى انقسام نواب الحزب في أثناء التصويت‬
‫حول القضايا المهمة‪.‬‬
‫ومثال ذلك أحزاب الوسط في فرنسا كالحزب الراديكالي االشتراكي‪ ،‬واألحزاب في الواليــات المتحــدة األمريكيــة‬
‫التي تمتاز بتنظيم صلب على مستوى الواليات المتحدة‪ ،‬ولكنها ال تمتلك مثل هذا التنظيم على المستوى الفيدرالي‬
‫حيث التصويت حر‪.‬‬
‫تصــنيف األحــزاب من حيث عالقتهــا بالجمــاهير‪ :‬يمكن تصــنيف األحــزاب من حيث عالقتهــا بالجمــاهير إلى‬ ‫‪‬‬

‫صنفين‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ ‬أحزاب الكوادر أو األطر‬
‫هي األحزاب التي يكون عدد أعضائها قليال نسبيا ولكن يتم اختيارهم من النخبــة‪ ،‬وقيــادة الحــزب هي الــتي تحــدد‬
‫الخيارات السياسية‪ ،‬وتضع البرامج التي تعبر عنها وتنقلها إلى الرأي العام بواسطة الدعاية السياسية‪ ،‬الــتي يغلب‬
‫عليها عامة الطابع الثقافي‪ ،‬كالخطب والمحاضرات والصحف والمنشورات‪.‬‬
‫وهذه األحزاب يكون هدفها السياسي تحقيق النجــاح في عملهــا السياســي‪ ،‬عــبر اإلقنــاع‪ ،‬وال تتوجــه بشــكل جــدي‬
‫للجماهير إال أثناء الحمالت االنتخابية‬
‫‪ ‬أحزاب الجماهير‬
‫هي األحزاب التي تسعى جاهدة لجذب أكبر عدد من الجمـاهير إلى صـفوفها فعـدد أعضــائها هـو أكـبر بكثـير من‬
‫عدد أعضاء حزب الكوادر‪ ،‬ولكنــه يبقى قليال نســبة لمجمــوع أفــراد الشــعب‪ .‬ففي عــام ‪ 1981‬بلــغ عــدد أعضــاء‬
‫الحزب الشيوعي في االتحاد السوفييتي أربعة عشر مليونا وخمسمائة ألف عضو من أصل مئتين واثنين وأربعين‬
‫مليون مواطن‪.‬‬
‫وتتوجه أحزاب الجماهير إلى الرأي العام بطريقة مباشرة‪ ،‬فهذه األحزاب تعمل على استقطاب األعضاء من كــل‬
‫الفئــات‪ ،‬بغض النظــر عن مســتواهم االجتمــاعي والثقــافي‪ ،‬وذلــك بواســطة أســاليب من شــأنها تحريــك الجمــاهير‬
‫وتعبئتها‪ ،‬كالمهرجانات واالستعراضات والمظاهرات‪ ،...‬وهي تتوجه بشــكل خــاص إلى الفئــات الشــعبية وتتبــنى‬
‫مطالبها من أجل ربطها بها‪.‬‬
‫‪ ‬تصنيف األحزاب من حيث األنظمة الحزبية‪:‬‬
‫لألحزاب تأثير مباشر على عمل األنظمة السياسية‪ .‬ففي بعض األنظمة ينحصــر النشــاط السياســي بحــزب واحــد‪،‬‬
‫بينما في أنظمة أخرى تدور اللعبــة السياســية بين حــزبين أو أكــثر‪ .‬لــذلك يمكن التميــيز بين أربعــة أنظمــة حزبيــة‬
‫أساسية‪:‬‬
‫نظام الحزب الواحد‬ ‫‪)1‬‬
‫هو النظام الذي ال يسمح قانونيا بممارسة العمل السياسي إال لحزب واحد‪ ،‬وقوة هذا الحزب تنبع من تفرده بالعمل‬
‫السياسي أكثر مما تنبــع من اتســاع قاعدتــه الشــعبية‪ ،‬فهــو المعــني بإعــداد األشــخاص الــذين يتولــون المســؤوليات‬
‫السياسية واإلدارية في الدولة‪ .‬وأول ما ظهر نظام الحزب الواحد في أوربا وذلك بين عــامي ‪ 1917‬و‪ 1930‬في‬
‫االتحاد السوفييتي إثر الثورة البلشفية‪ ،‬وفي إيطاليا على إثر قيام الحكم الفاشي‪ ،‬وفي ألمانيا في ظل النازية‪.‬‬
‫‪ )2‬نظام الحزبين‬
‫هو النظام الذي يدور فيه النشاط السياسي بين حزبين أساسيان يستقطبان الرأي العام‪ .‬وقــد يوجــد إلى جانبهمــا في‬
‫بعض األحيان أحزاب أخرى‪ ،‬ولكن يكون تأثيرها شبه معدوم في الحياة السياسية‪.‬‬
‫ويمكن التمييز في هذا النظام بين نظام الحزبين الصلب ونظام الحزبين المرن‪.‬‬
‫نظام الحزبين الصلب‪ :‬هو النظام الذي يمتاز فيــه الحزبــان ببنيــة داخليــة صــلبة‪ ،‬ونظــام حــزبي متشــدد‪،‬‬
‫كحزب العمال والمحافظين في ابريطانيا‪.‬‬
‫نظام الحزبين المرن‪ :‬هو النظام الذي ال يخضع فيه الحزبان لنظام صارم وبشكل خاص بالنســبة لعمليــة‬
‫التصويت‪ ،‬وهذا ما يقــود إلى تحالفــات مؤقتــة بين اتجاهــات متعــددة داخــل كــل من الحــزبين‪ ،‬كــالحزب‬
‫الديمقراطي والحزب الجمهوري في الواليات المتحدة األمريكية‪.‬‬
‫ويــرى أنصــار نظــام الحــزبين بأنــه يســاهم في اســتقرار المؤسســات الدســتورية‪ ،‬وفي خلــق التــوازن في الحيــاة‬
‫السياسية‪ ،‬ألنه يساعد على تحقيق عملية التناوب في السلطة بانتظام‪ ،‬بحيث يتعــاقب كــل من الحــزبين المتنافســين‬
‫على ممارسة السلطة السياسية في الدولة‪ ،‬وهو ما يحصل في ابريطانيا والواليات المتحدة األمريكية‪.‬‬
‫‪ )3‬نظام تعدد األحزاب‪:‬‬
‫هو النظام الذي توجد فيه ثالثة أحزاب سياسية أو أكثر تتنافس فيما بينهــا للوصــول إلى الســلطة وممارســة الحكم‪.‬‬
‫والدول التي فيها تعددية حزبية عديدة نذكر منعا على سبيل المثال فرنسا‪ ،‬إيطاليا‪ ،‬المغرب‪ ،‬اليابان‪.‬‬
‫والتعددية الحزبية في الواقع تقدم للمواطن عدة خيارات تفسح له المجال النتقاء األفضل‪ .‬وكل الفئات الــتي تشــكل‬
‫الرأي العام تجد فيه وسيلة للتعبير عن تطلعاتها ومصالحها‪ .‬ولكن من ناحية ثانية تحــول التعدديــة الحزبيــة بشــكل‬
‫عام دون نشوء كثل برلمانية قوية‪ ،‬مما يؤدي إلى الشرذمة وعدم االستقرار في المؤسسات الدستورية‪ ،‬فالحكومــة‬
‫مثال في هذا النظام تكون إما حكومة ائتالفيــة‪ ،‬أي ناتجــة من تحــالف عـدة أحــزاب‪ ،‬وإمــا حكومــة تــدعمها غالبيـة‬
‫ضئيلة من البرلمان‪ ،‬نظرا لتوزيع المقاعد النيابية على عدد كبير من األحزاب‪ ،‬وفي الحالتين يكون وضعها غــير‬
‫مستقر ألنه في الحالة األولى‪ :‬يتعرض التحاف الحكومي للتفكك تحث تأثير أية أزمة سياسية‪ ،‬وفي الحالة الثانية ‪:‬‬
‫تكون الحكومــة معرضــة للســقوط ألن الكتــل البرلمانيــة الــتي تــدعمها ال تشــكل أكثريــة كبــيرة‪ .‬وعــدم االســتقرار‬
‫الحكومي ينعكس سلبا على استقرار مؤسسات الدولة‪ .‬وحـتى البرلمـان ذاتـه يتعــرض للحـل في النظـام البرلمـاني‬
‫على أساس االنتخابات التشريعية الجديدة قد تأتي بأغلبية نيابية بارزة‪ ،‬تنبثق عنها حكومــة قويــة ومســتقرة‪ ،‬ولكن‬
‫غالبا ال تؤدي االنتخابات إلى مثل هذه النتيجة‪.‬‬
‫‪ )4‬نظام الحزب المهيمن أو الحزب القائد‬
‫يمكن القول بوجود حزب مهيمن أو قائد في نظام تعدد األحزاب‪ ،‬عندما يتمكن أحد األحــزاب من اســتقطاب جــزء‬
‫كبير من الرأي العام‪ ،‬قياسا إلى األحزاب األخرى والحصول على األكثرية المطلقة في البرلمان‪.‬‬
‫إن وجود الحزب المهيمن أو القائد ال يلغي بالطبع األحزاب األخــرى‪ ،‬وال يشــل قــدرتها السياسـية ولكنـه يســتطيع‬
‫لوحده ممارسة الحكم من دون اللجوء إلى تحالفات مع أحزاب أخرى‪ .‬وهو بذلك يحقق االســتقرار في المؤسســات‬
‫الدستورية‪ .‬ومن أهم األمثلة على نظام تعدد األحزاب في ظل الحزب المهيمن حزب البعث في سوريا‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬جماعات الضغط أو جماعات المصالح‬
‫تعرف جماعات الضغط أو جماعات المصالح بأنها عبارة عن مجموعة من األفراد تســعى للتــأثير بوســائلها على‬
‫عملية صنع السياسيات العامة لدفعها في االتجاه الذي يحقق مصــالح أعضــائها الماديــة أو المعنويــة‪ ،‬دون الســعي‬
‫للمشاركة في الحكم أو تحمل مسؤوليته‪ .‬ومن هذا التعريف يتضــح أن جماعــات الضــغط تتكــون من "مجموعــات‬
‫مصالح مشتركة"‪ ،‬وتدافع عن هذه المصالح بجميع الوسائل المتــوفرة في نطــاق القــانون‪ ،‬وهي تــتركب من ثالثــة‬
‫عناصر وهي‪:‬‬
‫‪ .1‬وجود جماعة تتألف من عدد من األشخاص‪:‬‬

‫وهذه الجماعة قد تكــون صــغيرة أو كبــيرة أي ال توجــد عالقــة بين حجم القاعــدة وبين فاعليها‪ .‬فهنــاك جماعــات‬
‫صغيرة لكنها شديدة الفاعلية والعكس صحيح‪ .‬ومع ذلك فالجماعات الكبيرة عادة يكون ثقلهــا أكــبر من الجماعــات‬
‫الصغيرة‪.‬‬

‫‪ .2‬وجود مصلحة مشتركة تتبناها الجماعة وتدافع عنها‪:‬‬

‫قد تكون هذه المصلحة مادية أو معنوية‪ ،‬كما قــد تكــون هــذه المصـلحة فئويــة أي يقتصــر على أعضــاء الجماعـة‪،‬‬
‫أوذات طابع عام تخص الوطن بأكمله‪.‬‬

‫‪ .3‬الدفاع عن المصلحة‪:‬‬

‫ويتم هذا التأثير في سياسيات الحكومة ومواقفهــا‪ ،‬وليس بالعمــل على تــولي الســلطة‪ .‬هــذا هــو مــا يمــيز جماعــات‬
‫الضــغط عن غيرهــا‪ ،‬حيث أنهــا تكتفي بمحاولــة التــأثير على السياســات الرســمية للدولــة بالعمــل على إصــدار‬
‫أوالحيلولة دون إصدار قرار ما أو تعديله أو تنفيذه بطريقة تتفق مع رغبة الجماعة ومصالحها‪.‬‬
‫الفقرة الثالثة‪ :‬الرأي العام‬
‫الرأي العام عموما‪ ،‬هو مجموع اآلراء الفردية المعبر عنها إزاء موضوع مرتبط بالمصــلحة العامة‪ .‬فــالمواطنون‬
‫في المجتمع يعبرون عن آرائهم ومواقفهم من القضــايا الــتي تهم المجتمــع‪ ،‬ألن هــذه القضــايا تنعكس على حيــاتهم‬
‫الشخصية بشكل مباشر أوغير مباشر‪ .‬وهذه اآلراء ال تكون متطابقة مع بعضها البعض‪ ،‬نظرا لتعــدد االتجاهــات‬
‫وتضــارب المصــالح‪ ،‬واختالف المســتويات االجتماعيــة والثقافية‪ .‬فــإذا تمكن رأي من اآلراء اســتقطاب غالبيــة‬
‫الشعب يتحول إلى مــا يســمى بــالرأي العــام‪ .‬فــالرأي العــام هــو الــرأي المســيطر داخــل الجماعــة أو رأي الغالبيــة‬
‫العظمى من المواطنين‪.‬‬
‫وللرأي العام تأثير مباشر على سلوك األفراد والجماعات‪ ،‬وعلى السلطة الحاكمة‪ .‬ولكن ال بد من اإلشــارة إلى أن‬
‫تــأثيره عمومــا يختلــف بــاختالف طبيعــة النظم السياســية ففي الــوقت الــذي يتمــيز بغيابــه أو بضــآلته في األنظمــة‬
‫الدكتاتورية‪ ،‬يتعاظم بشكل كبير في األنظمة الديمقراطية‪ ،‬وال يمكن لحكومات هذه الدول أن تتجاهله ‪ .‬فهي تحاول‬
‫أن تتعرف على اتجاهات كل مشـكلة من المشـاكل المطروحـة‪ ،‬لتتطــور سياســيتها بمـا يتفـق مـع هـذه االتجاهـات‬
‫ولتتخذ القرارات المناسبة‪.‬‬
‫وبشكل أساسي‪ ،‬يلعب الرأي العام في األنظمة الديمقراطية دورا أساسيا في الحيــاة السياســية فيشــارك المواطنــون‬
‫في ممارسة السلطة بواسطة االقتراع العام‪ .‬ولكن هــذه الوســيلة تبــدو غــير كافيــة ألن االنتخابــات تجــري دوريــا‪،‬‬
‫بحيث يبقى المواطن وحيدا إزاء السلطة القوية والمتماسكة‪ .‬من هنــا ولــدت الرغبــة في عــدم تــرك المــواطن على‬
‫حاله وإيجاد وسيلة اتصال مستمرة بينه وبين الحكام‪ .‬تمكنه من المشاركة الفعلية في السلطة عبر العمل الجماعي‪،‬‬
‫فنشأت تجمعات سعت جاهدة إلى لعب دور الوسيط بين المواطنين والسلطة الحاكمة‪ ،‬وإلى التــأثير بفعاليــة كبــيرة‬
‫في سياسة هذه السلطة‪ .‬هذه التجمعات تعرف بالقوى السياســية‪ .‬بحيث تعمــل هــذه القــوى باســتمرار في مناســبات‬
‫معينــة بالتــأثير على الحكــام بشــكل مباشــر أو غــير مباشــر‪ ،‬كــاألحزاب السياســية والنقابــات والتنظيمــات الثقافيــة‬
‫والدينية‪ .‬فكــل ت َ َجمــع يمكن أن يتحــول إلى قــوة سياســية في مناســبة مــا إذا عمــل من أجــل التــأثير على توجهــات‬
‫الحكومة‪ ،‬بغية اعتماد سياسة معينة في مجال من المجــاالت‪ .‬فلكــل نشــاط في عصــرنا الــراهن امتــدادات سياســية‬
‫مهما كان بطبيعته بعيدا عن السياسة‪ .‬فإذا عمد تجمع غير سياسي‪ ،‬ثقــافي أو رياضــي إلى الضــغط على الحكومــة‬
‫من أجل إقرار سياسة ثقافية أو رياضية محددة يكون قد تحول بعمله إلى قوة سياسية ضاغطة‪.‬‬
‫وعلى الرغم من أن الضرورة والحكمة تقتضيان في بعض األحيان‪ ،‬والسيما في أوقات التوتر واألزمات‪ ،‬أن يتم‬
‫عزل عملية صنع القرار عن مطالب الرأي العــام‪ ،‬إال أن هـذا ال ينفي تــأثير الـرأي العــام‪ ،‬كقـوة سياســية داخليـة‪،‬‬
‫تأثيرا كامال وشبه مستمر في السياسة الخارجية‪ ،‬وفي العالقات الدولية‪.‬‬
‫ومع األهمية المعطاة ضمنا وصراحة للرأي العام من قبل صناع القرار‪ ،‬إال أنه تتباين اآلراء حول مدى ضرورة‬
‫أخذه بالحسبان عند القرار‪ ،‬وهذا التباين يتجلى في اتجاهين أساسيين هما‪:‬‬
‫األول‪ :‬يدعو إلى أخذ الرأي العام السائد على محمل الجد لعدم قدرته على الحكم الموضوعي لألحداث والمشاكل‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬يدعو إلى توعية الفرد المواطن وتزويده بالمعلومات الكافية لمساعدته على التقويم السليم بهدف مشــاركته‬
‫في عملية صنع القرار‪.‬‬
‫الفرع الرابع‪ :‬العالقات الدولية‬
‫تعتبر العالقات الدولية موضوعا من مواضيع علم السياسة‪ ،‬فماهو مفهومها؟ وما هي موضوعاتها؟‬
‫سنجيب على هذين السؤالين في الفقرات الثالثة التالية‪.‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬مفهوم العالقات الدولية‪:‬‬
‫لقد نشأت العالقات بين مختلف الشعوب منذ القدم‪ ،‬غـير أن العالقـات الدوليـة بـالمفهوم المتعـارف عليـه حـديثا لم‬
‫تنشأ إال بعد نشوء الدول بمفهومها الحديث‪ ،‬ولم يكن لها وجود قبل مؤتمر "ويستفالي" عام ‪.1648‬‬
‫أما بالنسبة للعالقة بين العالقات الدولية وعلم السياسة فقد عد بعض الباحثين السياســيين أن العالقــات الدوليــة علم‬
‫قائم بذاته‪ ،‬بينما اعتبره البعض اآلخر جزءا من علم السياسة‪ ،‬وفي المؤتمر الــذي عقــد في مدينــة "كــامبردج" في‬
‫ابريطانيا عام ‪ ،1952‬بناء على دعوة من اليونيسكو‪ ،‬فقد تم االتفاق على أن العالقات الدولية تشكل فرعــا من علم‬
‫السياسة على أساس أن علم السياسة يتناول دراسـة الدولـة‪ ،‬والدولـة هي محـور العالقـات الدوليـة‪ ،‬وأن السياســية‬
‫الخارجية للدولة مرتبطة بنظامها السياسي‪ ،‬وأن وسائل البحث في علم السياسة وفي العالقات الدولية واحدة‪.‬‬
‫وجدير بالذكر‪ ،‬أنه منذ العام ‪ ،1945‬ركز الباحثون في الشؤون السياســية على دراســة األمم المتحــدة‪ ،‬في حين تم‬
‫التركيز منذ الستينات على دراسة الصين والبلدان النامية في إفريقيا وأمريكا الوسطى وأمريكا الجنوبية والمنطقة‬
‫العربيــة وجنــوب شــرق آســيا‪ .‬كمــا أصــبحت التيــارات الفكريــة المعاصــرة الــتي تشــمل الوطنيــة واإلمبرياليــة‬
‫موضوعات مهمة في دراســة العالقــات الدوليــة‪ ،‬وقــد تنــاول هــذا الفــرع من العلــوم السياســية دراســة السياســيات‬
‫الدفاعية والمشكالت المتعلقة بالسلم والحرب‪ ،‬إضافة إلى قيام العلماء بدراسة الضغوط االقتصادية على العالقــات‬
‫الدولية‪.‬‬
‫هذا ولم تصبح العالقات الدولية علما أكاديميــا إال بعـد الحـرب العالميـة األولى عنـدما أدخلهـا "ود ويلســون" إلى‬
‫جامعة ويلز‪ ،‬لذلك فإن تعريفاتها ما زالت حديثة ومتغيرة‪ ،‬ومن أبرز هذه التعريفات‪:‬‬
‫يعــرف "فريــديك هارتمــان" العالقـات الدوليـة "هي كــل االتصــاالت بين الــدول وكــل حركـات الشـعوب والســلع‬
‫واألفكار عبر الحدود الوطنية"‪ .‬بينما يعرفها "مارسيل ميل" بأنها "كل التـدفقات الـتي تتم عـبر الحـدود أو تتطلـع‬
‫نحو عبورها"‪.‬‬
‫لكن في الــوقت الحاضــر‪ ،‬لم تعــد العالقــات الدوليــة مقتصــرة فقــط على الــدول وإنمــا دخلت ككيانــات أخــرى إلى‬
‫المجتمع الدولي وأصبح لها تأثير فاعل مثل المنظمات الدولية والشركات متعددة الجنسيات‪ ،...‬لذا أصـبح التفاعـل‬
‫بين الوحدات على نطاق أوسع من التفاعل بين الدول وأصبح لها تأثير أكبر بكثير من الدول ذاتها‪.‬‬
‫لذا فإن تأثير العالقات الدولية بالمفهوم الحاضر يتسع بحيث يمكن أن يعــرف كــاآلتي‪" :‬هــو التفــاعالت والروابــط‬
‫المتبادلة كافة‪ ،‬سواء كانت سياسية أم غير سياسية‪ ،‬بين الكيانات المختلفة في إطار المجتمع الدولي"‪.‬‬
‫أما عن أهداف العالقات الدولية‪ ،‬فإنه يمكن القول‪ :‬إن الهدف األساسي للعالقات الدولية هو معرفة ســلوك األفــراد‬
‫والجماعات السياسية من أجل فهم القضايا واألحداث الدولية والسعي إليجاد الحلول الممكنة‪.‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬موضوعات العالقات الدولية‬
‫تتمثل موضوعات العالقات الدولية التي قررتها منظمـة اليونسـكو عـام ‪ 1948‬في السياســة الدولية والمنظمـات‬
‫الدولية والقانون الدولي‪.‬‬
‫أوال‪:‬السياسة الدولية‪:‬‬
‫السياسة الدولية هي العالقات السياسية السائدة في المجتمع الدولي‪ ،‬وهي غالبا تدرس في إطار السياسة الخارجية‬
‫للدول‪ .‬ويعرفها "مارسيل ميرل" بأنها هي ذلك الجزء من النشاط الحكومي الموجه نحو الخارج لمعالجــة مشــاكل‬
‫ما وراء الحدود"‪.‬‬
‫ومن المالحظ من هذا التعريف أن السياسة الخارجية تتضمن موضوعين هما‪:‬‬
‫‪ ‬القرارات الحكومية التي تتخذ من قبل صناع القرار؛‬
‫‪ ‬واألفعال التي تعالج المشاكل الخارجية‪.‬‬
‫وهذه القرارات واألفعال تستخدم لتحقيق أهداف قريبة وبعيدة المدى‪ .‬وفي هــذا الســياق نضــع الســؤال التــالي‪ :‬من‬
‫يضع السياسة الخارجية للدول؟‬
‫إن من يصنع السياسة الخارجية للدول هي األجهزة الرســمية وغــير الرســمية‪ ،‬وغالبــا مــا تقــوم الســلطة التنفيذيــة‬
‫إضافة إلى السلطة التشريعية بتحديد طريقة التعامل مع الدول األخرى‪.‬‬
‫وتعد السياسة الخارجية جزء جوهري من السياسة الوطنية الـتي تشـكل مجمــوع السياسـيات الخارجيـة والداخليـة‬
‫للدول وتكون غايتها تحقيق هدفين أساسيين هما‪:‬‬
‫‪ ‬تحقيق أمن الدولة؛‬
‫‪ ‬تحقيق الرفاهية االقتصادية واالجتماعية‪.‬‬
‫أما عن األدوات المستخدمة في تنفيذ السياسة الخارجية فهي‪:‬‬
‫‪ ‬الدبلوماسية‪ :‬وهي األداة األساسية المعتمدة في تنفيذ السياسة الخارجية في زمن السلم‪ ،‬فهي تقــوم بمهمــة‬
‫التمثيــل والتفــاوض بين الــدول‪ ،‬ففي كــل دولــة توجــد مؤسســة مركزيــة تتحمــل مســؤولية إدارة الشــؤون‬
‫الخارجية‪ ،‬هي وزارة الخارجية‪ ،‬وتوجد لها بعثات دبلوماسية (ســفارات‪ ،‬قنصــليات‪ ،‬مفوضــيات) تتــولى‬
‫التمثيل الدبلوماسي اتجاه الدول المعتمدة لديها؛‬
‫‪ ‬الدعاية والمساعدات االقتصادية؛‬
‫‪ ‬القوة العسكرية‪ :‬ففي الحاالت التي تــؤدي إلى تــوتر العالقــات بين الــدول‪ ،‬وتعجــز الدبلوماســية عن حــل‬
‫المشــاكل بالتفــاوض‪ ،‬تلجــأ هــذه الــدول إلى التهديــد بــالقوة العســكرية أواســتخدامها فعليــا‪ ،‬من أجــل حســم‬
‫الخالف بالقوة‪ ،‬أو تبديل موازين القوى بهدف إفساح المجال للتفاوض بالطرق الدبلوماسية‪ .‬لذلك يبدو أن‬
‫الدبلوماسية والعمل العسكري يتكامالن غالبا في تنفيذ السياسة الخارجية‪.‬‬
‫ثانيا‪:‬المنظمات الدولية‬
‫تعتبر المنظمات الدولية أحد موضوعات العالقات الدولية التي تعد هي األخرى مجاال من مجاالت علم السياسة‪.‬‬
‫فما المقصود بالمنظمات الدولية؟ وما هي أشكالها وأنواعها؟‬
‫‪ .1‬مفهوم المنظمات الدولية‬
‫تعتبر المنظمات الدولية أحد مواضـيع العالقــات الدوليـة والــتي تعتـبر بــدورها مجــاال من مجــاالت علم السياسـة‪،‬‬
‫وهي" هيئات دائمة تنشأ بموجب اتفاق مجموعة من الدول‪ ،‬بغية تحقيق أهداف ومصالح مشتركة يحددها الميثــاق‬
‫المنشئ للمنظمة‪ ،‬وتتمتع بإرادة ذاتية وشخصية قانونية مستقلة عن دولها األعضاء"‪.‬‬
‫يتضح من هذا التعريف أنه يجب توفر أربعة عناصر لوجود أية منظمة دولية‪ ،‬وهذه العناصر هي‪:‬‬
‫‪ ‬الــدوام واالســتمرار‪ :‬المنظمــة الدوليــة تتكــون من مجموعــة من األجهــزة تعمــل بشــكل دائم وتمــارس‬
‫االختصاصات التي أسندت إليها بموجب االتفاقية المنشئة للمنظمة‪ ،‬وهذه الصفة هي التي تميز المنظمــة‬
‫عن المؤتمر الدولي‪.‬‬
‫‪ ‬الصفة االتفاقية‪ :‬لوجود منظمة دولية وظهورها ال بــد من اتفــاق دولي ينشــئها ويحــدد نظامهــا القــانوني‬
‫مبينا أهدافها واختصاصاتها واألجهزة المختلفة المنوط بها تحقيق هذه األهــداف الــتي تحكم ســير العمــل‬
‫بها‪.‬‬
‫‪ ‬الصفة الدولية‪ :‬وتعني هـذه الصـفة أن الـدول الـتي تنشــئها تنضــم إليهــا بعــد إنشــائها‪ ،‬وهي الــتي تتمتـع‬
‫وحـدها(في الغـالب) بالعضــوية فيها‪ .‬وتمثـل هـذه الـدول في المنظمـة بواسـطة أعضـاء في الحكومـات‪،‬‬
‫ومندوبين عنها‪.‬‬
‫‪ ‬اإلرادة الذاتية‪ :‬المنظمة الدولية تكون مستقلة عن الـدول األعضـاء المكونـة لهـا‪ ،‬فتتمتـع بـإرادة خاصـة‬
‫متميزة عن إرادة الدول األعضاء‪.‬‬
‫ويترتب عن تمتع المنظمة الدولية باإلرادة الذاتية أن آثار تصرفاتها ال تنصرف إلى الــدول المكونــة لهــا‬
‫بل إلى المنظمة ذاتها بوصفها شخصا قانونيا دوليا مستقال في حياته القانونية عن الدول التي أنشأتها‪.‬‬
‫‪ )2‬أنواع المنظمات الدولية‪:‬‬
‫ذهب الفقه الدولي إلى تبني معايير مختلفة بهدف تقسيم وتحديد أنواع هذه المنظمــات الدوليــة‪ .‬إذ ال يوجــد معيــار‬
‫واحد في هذا الصــدد‪ ،‬لكن طبقــا لالتجــاه الســائد يوجــد ثالثــة معــايير رئيســية وهي‪ ( :‬العضــوية‪ ،‬واالختصــاص‪،‬‬
‫والسلطة )‪.‬‬
‫‪ -‬معيار العضوية‪:‬‬
‫تعتبر المنظمة عالمية إذا كانت عضويتها مفتوحـة لكـل الـدول‪ .‬كمـا في حالـة منظمـة األمم المتحــدة ‪ ،‬ومن قبلهـا‬
‫عصبة األمم‪ .‬وتكون المنظمة إقليمية عندما تكون العضــوية فيهـا تقتصـر على بعض الـدول مثـال جامعـة الـدول‬
‫العربية‪ ،‬ومنظمة الدول األمريكية‪ ،‬واالتحاد األوروبي‪.‬‬
‫وتجدر اإلشارة إلى أن المنظمات العالمية ال تضــم في الواقــع كــل الــدول‪ ،‬ذلــك أن االنضــمام إليهــا يســتلزم تــوفر‬
‫بعض الشروط تختلف من منظمة إلى أخرى‪ .‬فهناك بعض المنظمات تجيز االنضـمام إليهـا لمجــرد أبـداء الرغبـة‬
‫في ذلك‪ :‬مثال اتحاد البريد العالمي‪ ،‬والمنظمات الدولية المتخصصة في نطاق األمم المتحدة‪.‬‬
‫وبعض المنظمات تضع شروطا موضوعية‪ ،‬فمثال عصبة األمم كــانت تشــترط أن تكـون الدولـة طالبـة االنضــمام‬
‫تحكم نفسها بنفسها‪ .‬أما منظمة األمم المتحدة فتشترط أن تكون الدولة محبــة للســالم‪ ،‬وأن تقبــل تحمــل االلتزامــات‬
‫وتكون قادرة على تنفيذها‪.‬‬
‫وهناك بعض المنظمـات الدوليــة االنضــمام إليهـا يخضــع لســلطة تقديريــة كمـا في حالـة مجلس أوروبــا‪ ،‬وحلــف‬
‫الشمال األطلسي‪.‬‬
‫‪ -2‬معيار االختصاص‪:‬‬
‫تنقسم المنظمات الدولية من حيث االختصاصات إلى منظمات عامة وأخـرى متخصصـة‪ .‬فالمنظمـات العامـة هي‬
‫التي تتعدد اختصاصاتها لتشمل كافة مظاهر العالقات الدولية مثال منظمة األمم المتحدة ؛ وجامعة الدول العربية‪،‬‬
‫ومنظمة الدول األمريكية‪ .‬فنشــاط هــذه المنظمــات العامــة ال يقتصــر فقــط على النــواحي السياســية ولكن يمتــد إلى‬
‫الميادين االقتصادية واالجتماعية والثقافية‪.‬‬
‫أما المنظمات المتخصصة فينحصر اختصاصها على نشاط معين ومحدد دون غيره‪ .‬وعلى ســبيل المثــال منظمــة‬
‫العمل الدولية‪ ،‬ومنظمة الصحة العالمية‪.‬‬
‫‪-3‬معيار السلطات‪:‬‬
‫تتنوع المنظمات الدولية من حيث قوة الســلطات الــتي تتمتــع بهــا‪ ،‬إذ أن غالبيــة المنظمــات الدوليــة ال تمس ســيادة‬
‫الدول األعضاء‪ ،‬بل تقتصر على تنسيق نشاط أعضائها عن طريــق االقتراحــات وإصــدار التوصــيات‪ ،‬ويتوقــف‬
‫تنفيذ ذلك على رغبة الدول األعضاء‪.‬‬
‫ويثار في هذا اإلطار‪ ،‬مسألة المنظمات الدولية فوق الوطنية‪ ،‬فهذه األخــيرة لم تحــدد معالمهــا في الفقــه الــدولي‪،‬‬
‫كما ال يوجد هذا النوع من المنظمات الدوليــة ســوى في القــارة األوروبيــة فقــط‪ .‬ومــع ذلــك واعتمــادا على الفقــه‬
‫الدولي يجب أن تتوفر في مثل هذه المنظمات الدولية ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬أن تتمتع المنظمة بقدر من االستقاللية وتكون لها القدرة على اتخاذ القرارات باألغلبية؛‬
‫‪ -2‬أن يكون للمنظمة ذمة مالية ال تعتمد فيها كلية على الدول األعضاء؛‬
‫‪-3‬أن تكون للمنظمة سلطة استثنائية بإصدار قرارات ملزمة تمس شؤن خاصة للدول األعضاء وتفــرض مباشــرة‬
‫على سكان الدول األعضاء دون حاجة إلى تعاون حكومات الدول المعنية؛‬
‫‪ -4‬أن يكون للمنظمة بسلطات تشريعية؛‬
‫‪-5‬أن يكون للمنظمة جهاز تمثيلي يتم اختياره من شعب الدول األعضاء وال يتلقون التعليمات من حكومات الدول‬
‫األعضاء؛‬
‫‪ .6‬وأال يكون للدول األعضاء الحق في االنسحاب أو حل المنظمة دون مساهمة من أجهزة المنظمة ذاتها‪.‬‬
‫وتجدر اإلشــارة إلى المنظمــات الدوليــة تضــطلع بــأدوار مهمــة‪ ،‬فمثال منظمــة األمم المتحــدة تعــنى بحمايــة الســلم‬
‫واألمن الدولي‪ ،‬كما تعتــبر أداة لحــل العديــد من المشــكالت الــتي تواجــه المجتمــع الــدولي تحقيقـا لألمن الجمــاعي‬
‫(يرجى االطالع على ميثاق األمم المتحدة)‪.‬‬
‫ثالثا‪:‬القانون الدولي‬
‫يعتبر القانون الدولي أحد مواضيع العالقات الدولية‪ ،‬وال يوجد تعريف واحد وشامل للقانون الدولي‪ ،‬فهناك العديــد‬
‫من التعريفات‪ ،‬ولكن بشكل عام يمكن إدراج هذه التعريفات في ثالثة اتجاهات رئيسية وهي‪:‬‬
‫‪ .1‬االتجاه التقليدي‪ :‬يركز على أن القــانون الــدولي هــو عبــارة عن مجموعــة القواعــد القانونيــة الــتي تنظم‬
‫العالقات بين الدول‪ ،‬وذلك ألن المجتمع الدولي كان يقتصر على الدول‪ .‬أصحاب هــذا االتجــاه يـرون أن‬
‫الدولة وحدها الــتي كــانت تملــك صــفة الشــخص القــانوني الــدولي‪ ،‬وهــو مــا دفــع علي صــادق أبوهيــف‬
‫لتعريف القانون الدولي على أنه "مجموعة القواعد التي تنظم العالقات بين الدول وتحدد حقوق كل منها‬
‫وواجباتها"‪.‬‬
‫‪ .2‬االتجاه الموضوعي‪ :‬ركز على أن الفرد هو الشخص الوحيــد للقــانون الــدولي كمــا في أي قــانون آخــر‪،‬‬
‫وأول من دعا إلى هذا الرأي الفقيه الفرنسي "ليون دوكي" حيث أنكر الشخصية المعنوية للدولة باعتبار‬
‫أن قواعد القانون الدولي ال تخاطب الدول بل تخــاطب األفــراد‪ ،‬والســيما الحكــام ألنهم مثــل غــيرهم من‬
‫األفــراد‪ .‬ويؤخـذ على هـذا االتجـاه مغاالتـه في إنكـار الشخصـية القانونيـة للدولـة‪ ،‬وهي مجافــاة حقيقيـة‬
‫لألوضاع في المجتمع الدولي‪.‬‬
‫‪ .3‬االتجاه الحــديث‪ :‬يركــز هــذا االتجــاه على أن الدولـة ليســت الشـخص الوحيــد ولكنهـا الشـخص الـرئيس‬
‫للقانون الدولي‪ .‬وينقسم الفقهاء إلى ثالثة فئات هي‪:‬‬
‫‪ ‬فئة تعتبر الدولة الشـخص الـرئيس للقـانون الـدولي‪ ،‬ومن هـؤالء "وبـو شـتروب" الـذي عـرف القـانون‬
‫الدولي بأنه‪" :‬مجموعة القواعد القانونية تتضمن حقوق الدول وواجباتها وواجبات غيرهــا من أشــخاص‬
‫القانون الدولي"‪.‬‬
‫‪ ‬فئة تفسح المجال للفرد بشكل متواضع إلى جانب الـدول والمنظمـات الدوليـة‪ ،‬ومنهم "روجيــه باســتيد"‬
‫التي عرفت القانون الدولي بأنه "مجموعة من القواعد القانونية المطبقة في المجتمع الدولي‪ ،‬ســواء كــان‬
‫ذلك في العالقات بين الدول ذات السيادة أم بين المنظمات الدولية في عالقاتها المتبادلــة أو في عالقاتهــا‬
‫مع الدول‪ ،‬وبعض القواعد الدولية الــتي تكــون جــزءا من القــانون الــدولي وتطبــق مباشــرة على األفــراد‬
‫والسيما في العالقات بين هؤالء وبعض المنظمات الدولية"‪.‬‬
‫وتجدر اإلشارة إلى أن األهداف التي يعمل القانون الدولي على تحقيقها هي‪:‬‬
‫‪ ‬تحديد اختصاصات الدول في مواجهة بعضها البعض؛‬
‫‪ ‬تحديد االلتزامات التي تقع على عاتق كل دولة في ممارسة اختصاصاتها؛‬
‫‪ ‬تنظيم اختصاص الهيئات والمنظمات الدولية؛‬
‫‪ ‬حماية حقوق األفراد‪.‬‬

‫المطلب السادس‪ :‬مناهج البحث العلمي في علم السياسة‪:‬‬

‫يعرف منهج البحث العلمي بأنـه األسـلوب أوالطريقـة الـتي ينتهجهـا البـاحث السياســي في دراسـته للمشـكلة الـتي‬
‫يتصدى لها بغية الوصول إلى حقائق األشياء المحيطة به في الطبيعة والمجتمع والسيما مجموعة من اإلجــراءات‬
‫الذهنية والواقعية التي يستخدمها لهذا الغرض‪.‬‬
‫وقد اعتمد الباحثون على مناهج عديدة في البحث السياسي وحاولوا محاكاة المنــاهج العلميــة في العلــوم الطبيعيــة‪،‬‬
‫ولكن البعض اآلخر رأى صعوبة تطبيقها فــآثر اتبــاع منــاهج واقعيــة مســتمدة من حقيقـة كــون البحــوث السياســية‬
‫بحوثا تتسع ألفكار ومتغيرات عديدة‪ ،‬وبهذا‪ ،‬فإن النتائج ال تكون مطلقة‪ ،‬وإنما نسبية واحتمالية وليست حتمية‪.‬‬
‫وفي ما يلي أهم تلك المناهج‪:‬‬
‫‪ .1‬المنهج الفلســفي المثــالي‪ :‬وهــو منهج اســتنباطي‪ ،‬يهــدف إلى الكشــف عمــا يجب أن يكــون عليــه الواقــع‬
‫السياسي حـتى يكــون مثاليــا فاضـال‪ ،‬وفــق الفيلســوف "أفالطــون"‪ ،‬وهــو أبــرز من اسـتخدم هــذا المنهج‪،‬‬
‫وبشكل خاص فيما يتعلق بالمدينة الفاضلة‪.‬‬
‫‪ .2‬المنهج التاريخي‪ :‬يقول "هارود السكي" إن "دراسة السياسـة هي جهـد نبدلـه لتقـنين نتـائج الخـبرة الـتي‬
‫يشهدها تاريخ الـدول"‪ .‬وعليــه‪ ،‬فــإن المنهج التــاريخي هـو منهج يقـوم على تســجيل األحــداث والظــواهر‬
‫السياسية دون تفسير أو تأويل لهذه األحداث والظواهر‪ .‬ويقدم التــاريخ للمحلــل السياســي ســجال لألحــداث‬
‫والظواهر السياسية يساعده على فهم وتفسير العالم‪ .‬لذلك يقال إن علم السياســة بال تــاريخ هــو كنبــات بال‬
‫جذور‪ ،‬والتاريخ بدون علم سياسة هو كنبات ال تمر له‪.‬‬
‫‪ .3‬المنهج الوصفي‪ :‬يبدأ هذا المنهج من مالحظة الواقع السياسي واســتقرائه ودراســته على ضــوء الحقــائق‬
‫القائمة فيه وتبويب البيانات من أجل تقديم صورة وصفية صرفة لهذا الواقع من دون تأويــل أوتفســير من‬
‫قبل الباحث‪ .‬ويمكن أن تشكل تعميمات فكريــة سياســية يســتفاد منهــا في تقــويم األداء وتصــحيح األخطــاء‬
‫وتقديم مبادئ وآراء مستخلصة من ذلك الواقع‪ ،‬أي االنتقال من العــام إلى الخــاص‪ .‬ويســتخدم هــذا المنهج‬
‫في دراسات الحاالت ودراسات المناطق‪ ،‬وقياس الرأي العام‪.‬‬
‫‪ .4‬المنهج العلمي التجريبي‪ :‬هو محاولة التحكم في جميــع المتغــيرات والعوامــل بحيث يقــوم على مالحظــة‬
‫الواقع السياسي والتجريب بهدف التفسير والتعميم والتوقع‪ ،‬وعدم اعتماد نتائج أية طريقة للحصــول على‬
‫المعرفــة مــا لم تقم على األســس العلميــة في البحث‪ ،‬ويثبت البحث العلمي التجريــبي صــحتها‪ ،‬وإذا تم‬
‫استخدام هذا المنهج بشكل صحيح كما يعتقد الباحثون السياسيون‪ ،‬فإن نتائجه يمكن أن تعمم‪.‬‬
‫ولقد قسم علماء السياسة خطوات المنهج التجريبي إلى عدة مراحل‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ ‬المالحظة‪ :‬هي اإلدراك للواقع‪ ،‬ثم تحديد مشكلة البحث؛‬
‫‪ ‬الفرضية‪ :‬هي تصور عمل معين يساعد في شرح المشكلة؛‬
‫‪ ‬التجربة‪ :‬هي إعادة مالحظة الواقع المعني لفحص مدى صحة الفرضية؛‬
‫‪ ‬التفسير‪ :‬هو الغاية الثانية لمسألة البحث العلمي وهي الوصول إلى الحقيقة؛‬
‫‪ ‬التعميم‪ :‬من أجل صياغة قانون عام يستفاد منه في تفسير الواقع؛‬
‫‪ ‬التوقع‪ :‬هو استشراف المستقبل‪.‬‬
‫‪ .5‬المنهج السلوكي‪/‬المؤسسي‪ :‬يستخدم هــذا المنهج في دراســة النظم السياســية حيث يركــز بشــكل أساســي‬
‫على المؤسسات السياسية المكونة لهذه النظم سواء التشريعية أو التنفيذية‪ ،‬والدساتير التي تستند إليها ومــا‬
‫تتضمنه من قواعد قانونية‪.‬‬
‫‪ .6‬المنهج المقارن‪ :‬هو المنهج الذي يحدد أوجه التماثل والتباين بين عدة أنظمــة أو ظــواهر سياســية بهــدف‬
‫استخالص نتائج وقواعد علمية عامة ال ترتبط بمكان أو زمان معينين‪ .‬وكلما زاد عدد الحاالت الخاضعة‬
‫للمقارنة كانت النتائج أكثر دقة وأهمية‪ ،‬وتعد المقارنة ركنا أصيال في المنهج العلمي التجريبي‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬المجتمع السياسي المنظم والتفاعالت والفاعلون السياسيون‬
‫سنخصص هذا المبحث لدراسة التفاعالت السياسية والمجتمع السياسي المنظم ودراسة مــا يتفــرع عن الدولــة من‬
‫مؤسسات‪ ،‬كالسلطة‪ ،‬واألحزاب السياسية وجماعات الضغط‪.‬‬
‫وستتمثل مواضيع هذا المبحث فيما يلي‪:‬‬
‫المطلب األول‪ :‬الدولة؛‬
‫المطلب الثاني‪ :‬السلطة في الدولة؛‬
‫المطلب الثالث جماعات الضغط أوجماعات المصالح كفاعل سياسي؛‬
‫المطلب الرابع‪ :‬األحزاب السياسية كفاعل سياسي؛‬

‫المطلب األول‪ :‬الدولة (المجتمع السياسي)‬


‫تميزت العصور القديمة والوسطى بغياب مفهــوم الدولــة بشــكلها الحــالي‪ ،‬حيث انتشــرت مســميات مختلفــة منهــا‪،‬‬
‫اإلمبراطورية‪ ،‬والسلطنة‪ ،‬والممالك‪ .‬إال أن أغلب الممالك الـتي حكمت في العصــور الوســطى في أوروبــا حكمت‬
‫باسم الدين‪ ،‬كفرنسا على سبيل المثال‪ ،‬وكان لسلطة الكنيسة أثر سلبي في التحكم بالدولة وسياســتها‪ ،‬وإمكانهــا في‬
‫عزل الملوك واألمراء عن طريق سحب الثقة منهم وفصلهم من الكنيسة‪ ،‬ما يعــني افتقــادهم لثقــة وطاعــة الشــعب‬
‫الذي يثق بالكنيسة لما كانوا يروا من أنَّها تطبيق إلرادة الرب‪ ،‬فانتشرت الحروب الدينية لمدة ثالثين عاما ً وانتهت‬
‫في عام ‪ 1648‬بتوقيع اتفاقيـة وسـتفالي في أوروبـا؛ واضعة حـدا ً للحـرب الدينيـة وسـلطة الكنيسـة على الحكم‪ ،‬بإنشـاء‬
‫نظام جديد للدول في أوروبا عرف فيما بعد باسم الدولة الحديثة وتَعَ َّم َم في أنحاء العالم فيما بعد‪.‬‬
‫وتعتبر الدولـة منـذ نشـأتها الحديثـة في أعقـاب مـؤتمر وسـتفالي‪ ،‬إحـدى حقـائق الحيـاة السياسـية المعاصـرة الـتي‬
‫ترسخت تدريجيَّا ً حتى أصبحت تشكل اللبنـة األولى في بنيـة النظــام الـدولي الــراهن‪ .‬وبــالرغم من اعتبــار الدولـة‬
‫مؤسسة عالمية ضرورية‪ ،‬إال أن تعريفها واسع ومتنوع ال يكاد يجمــع عليــه اثنــان‪ ،‬بــل ويمكن أن يُقــال َأ َّن إيجــاد‬
‫تعريف واحد لمفهوم الدولة هو صراع إيديولوجي بحد ذاته؛ كون التعاريف المختلفة ناتجــة عن نظريــات مختلفــة‬
‫لوظيفــة الدولــة‪ ،‬ممــا يولــد اســتراتيجيات سياســية ونتــائج مختلفــة‪ ،‬فمصــطلح "الدولة" يشــير إلى مجموعــة من‬
‫النظريات المختلفة والمترابطة والمتداخلة في كثير من األحيان‪ ،‬حول مجموعة معينة من الظواهر السياسية‪.‬‬

‫ضعت من قبــل العديــد من المؤسســات والســيما األوروبيــة منهــا‪ ،‬إال أن التعريــف األكــثر‬
‫وللدولة عدة تعريفات ُو ِ‬
‫شيوعا ً لمفهوم الدولة هو تعريف المفكر األلماني "ماكس فيبر" إذ َّ‬
‫عرفها بأنها منظمة سياسية إلزامية مع حكومة‬
‫مركزية تحافظ على االستخدام الشرعي للقوة في إطار معين‪.‬‬

‫عرفت موسوعة الروس – ‪ Larousse‬الفرنسـية الدولـة بأنها‪" :‬مجموعـة من األفـراد الـذين يعيشـون على‬
‫كما َّ‬
‫أرض محددة ويخضعون لسلطة معينة"‪.‬‬

‫في حين رأى العديد من فقهاء القانون الدستوري أن الدولة‪" :‬كيانا ً إقليميا ً يمتلك السيادة داخــل الحــدود وخارجهــا‪،‬‬
‫ويحتكر قوى وأدوات اإلكراه"‪.‬‬
‫وثمة تعريف آخر مقبول عموما ً للدولة هو التعريف الوارد في اتفاقية مونتيفيديو – ‪ Montevideo‬بشأن حقوق‬
‫ع ِّرفَ ْ‬
‫ت الدولة بأنها‪" :‬مساحة من األرض تمتلك ســكانا دائمــون‪ ،‬وإقليم محــدد‬ ‫وواجبات الدول في عام ‪.1933‬وقد ُ‬
‫وحكومة قادرة على المحافظة والسيطرة الفعَّالة على أراضيها‪ ،‬وإجراء العالقات الدولية مع الدول األخرى"‪.‬‬

‫وبالرغم من البساطة التي يَت َ َمي َّْز بها تعريف الدولة إال أن مفهوم الدولــة والبحث في تحديــد أصــل نشــأتها وأســاس‬
‫السلطة فيها يثير في الواقع عددا ً هائالً من اإلشكاليات‪ .‬فالدولــة هي حقيقــة سياســية‪ ،‬ألن المجتمــع الــدولي يتكــون‬
‫أساسا ً من وحدات سياسية يحمل كل منها لقب "دولة"‪ .‬والدولة أيضا ً مفهوم قانوني قُ ِ‬
‫صدَ منهــا ابتكـار أداة مالئمـة‬
‫لتنظيم العالقة بين وحدات سياسية غير متكافئة في القوة على أساس من العدالة والمســاواة‪ .‬فالعالقــات بين الــدول‬
‫يجب أن تؤسس من وجهة نظر القانون الدولي على مبدأ أو قاعدة المســاواة في الســيادة‪ .‬والدولــة فــوق هــذا وذاك‬
‫هي فكرة فلسفية مجردة‪ ،‬ألن نشأة المجتمعات السياسية المنظمة ليست معروفة أو ُم َوثَّقَة تاريخيَّا ً‪ .‬وفي غياب هذه‬
‫المعرفة التاريخية ال ُم َوثَّقَـة توجـد نظريـات أو رؤى أو أفكـار ذات طبيعـة فلسـفية تحـاول تفسـير نشـأة الدولـة‪ ،‬أو‬
‫بعبارة أدق نشأة أهم ركن من أركانها وهو السلطة السياسية المنظمة‪ .‬والدولة أخيرا ً هي كائن اجتماعي‪ ،‬ألن أحــد‬
‫أهم مقوماتها هو البشر الذين تجمعهم روابط خاصة تجعلهم قادرين على الحيــاة المشــتركة‪ .‬لــذا سنســتعرض فيمــا‬
‫يلي لمحة موجزة عن مفهوم الدولة ونشأتها وما تثيره من قضايا وإشكاليات‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬الدولة كحقيقة سياسية‬

‫تعتبر الدولـة ومنـذ نشـأتها الحديثـة في أعقـاب مـؤتمر وسـتفالي لعـام ‪ ،1648‬هي إحـدى حقـائق الحيـاة السياسـية‬
‫المعاصرة التي ترسخت تدريجيّا ً حتى أصبحت تشكل اللبنة األولى في بنية النظام الدولي الراهن ‪ .‬وليس أدل على‬
‫هذه الحقيقة من أن عدد الدول األعضاء في األمم المتحدة قد ناهز الـ ‪ 190‬دولــة‪ ،‬في حين عــدد الــدول األعضــاء‬
‫في عصبة األمم لم يتجاوز في أي لحظة من لحظات وجودها في مرحلة ما بين الحربين ‪ 40‬دولة‪.‬‬

‫كمــا تلعب االعتبــارات السياســية عــادة ً دورا ً رئيســيا ً في نشــأة واختفــاء الــدول‪ .‬وعلى ســبيل المثــال‪ ،‬فقــد تغــيرت‬
‫الخريطة السياسية للعالم ثالث مرات خالل القرن العشـرين‪ .‬فقـد تـرتب على الحـربين العـالميتين األولى والثانيـة‬
‫اختفاء دول وظهور دول ُأخرى كثيرة على المسرح األوربي‪ ،‬وأدت حركات مناهضة االســتعمار في مرحلــة مــا‬
‫بعد الحرب العالمية الثانية إلى حصول عدد كبير جدَّا ً من الدول في إفريقيا وآسيا وأمريكا الالتينية على اســتقاللها‬
‫ومن ثم إلى ظهورها ألول مرة على مسرح السياسة الدولية‪.‬‬

‫وقد تنشأ الدول الجديدة عن طريق الوحدة‪ ،‬وهو ما حدث لبعض الدول األوربية مثل ألمانيا‪ ،‬وإيطاليا خالل القرن‬
‫التاسع عشر‪ ،‬ولدول أخرى عديدة منها دول عربية مثل اتحاد سورية ومصر في دولة واحدة (الجمهورية العربية‬
‫المتحدة) في عام ‪ ،1958‬واتحاد ست إمارات عربية خليجية ليشكلوا معا ً دولة اإلمارات العربية المتحدة‪.‬‬

‫وكما تنشأ الدول الجديدة نتيجة للوحدة واالندماج فإنها يمكن أن تنشأ نتيجة للتفكك واالنفصال‪ .‬وهذا هو مــا حــدث‬
‫عندما انهار االتحاد السوفيتي وتفككه إلى مجموعة كبيرة من الدول التي ظهــر بعضــها ألول مــرة كــدول مســتقلة‬
‫على المسرح الدولي‪ .‬وقد يتم االنفصال نفسه بطريقة سلمية كما حدث بالنسبة لدولة تشيكوســلوفاكيا الســابقة‪ ،‬وقــد‬
‫يتم بوسائل عنيفة أو بالحرب‪ ،‬كما حدث بالنسبة لدولة يوغسالفيا‪.‬‬

‫والواقع أن التقسيم السياسي للعالم لم يســتقر على شـكل ال يمكن اعتبــاره نهائيـا ً بعـد‪ ،‬فال تــزال احتمــاالت الوحـدة‬
‫واالندماج بين الدول وكذلك احتماالت التفكك واالنقسام واالنفصال داخل الدول القائمــة حالي ـا ً أمــرا ً واردا ً‪ .‬ورغم‬
‫التسليم‪ ،‬نظريّا ً على األقل‪ ،‬بحق الشعوب في تقرير مصيرها‪ ،‬وهو ما يعني االعتراف لكل شــعب بحقــه في إقامــة‬
‫دولته المستقلة‪ ،‬إال أن وضع هذا المبدأ موضع التنفيـذ واجـه‪ ،‬وال يـزال يواجـه صـعوبات عديـدة‪ ،‬فهنـاك شـعوب‬
‫مجزأة ومقسمة وتطمح في االندماج معا ً داخل دولة موحدة‪ ،‬وهناك شعوب ُأخرى خاضعة إلرادة تعتبرها أجنبيــة‬
‫وتريد التحرر واالنفصال عنها وتشكيل دولتها المستقلة‪ .‬ويشكل استمرار هذا الوضع أحد مصادر عدم االستقرار‬
‫في الحياة الدولية‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬المفهوم القانوني للدولة‪:‬‬

‫كما هو معلوم‪ ،‬تتمثل العناصر المادية المكونة للدولة في السكان أو الشعب‪ ،‬واإلقليم‪ ،‬ثم السلطة السياسية ‪ .‬وتعتبر‬
‫هذه العناصر الثالثة أركان الدولة المادية‪.‬‬

‫الشعب‪ :‬هم جميع األفــراد الــذين يقطنــون أرضــها‪ ،‬ويخضــعون لســلطاتها‪ ،‬فيخــاطبون بأحكــام دســتورها‬ ‫‪‬‬

‫وقوانينها‪ ،‬وما تقرره لهم من حقوق وحريات‪ ،‬وما تفرضه عليهم من تكاليف والتزامات‪.‬‬

‫اإلقليم‪ :‬ينصرف اإلقليم إلى ذلك الحيز المكاني الذي يستأثر به سكان الدولة وتمارس عليه سيادتها‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫الحكومة أوالسلطة السياسية‪ :‬يقتضــي وجــود الدولـة إلى جـانب الرعايـا واإلقليم‪ ،‬أن تكــون هنــاك هيئــة‬ ‫‪‬‬

‫منظمة‪ ،‬تقوم باإلشراف على هؤالء الرعايا وتنظيم العالقات بينهم ورعاية مصالحهم وبالعمل على إبقــاء‬
‫الوحدة التي تجمعهم وتحقيق الغرض المشترك الذي تجمعوا من أجله‪ ،‬كما تقوم بــإدارة اإلقليم واســتغالل‬
‫موارده أو تنظيم استغالله على الوجه الذي تستفيد منه المجموعة‪ ،‬وبالدفاع عن كيانــه وكيــان المجموعــة‬
‫في مواجهة المجموعات األخرى المماثلة‪ ،‬وال يهم الشكل السياسي الذي تتخذه الهيئـة مـادام أن لهـا القـوة‬
‫والنفوذ ما يمكنها من فرض سلطاتها على اإلقليم وعلى األشخاص الموجودين فيه‪.‬‬

‫إال أنه ال يكفي أن تتمتع وحدة سياسية ما بهذه المقومات الثالث الالزمة لقيام الدول (األرض‪ ،‬الشــعب‪ ،‬الســلطة)؛‬
‫لكي يصبح بمقدورها أن تمارس نشاطها بصورة طبيعية دون معوقات‪ ،‬وخاصــة على الســاحة الدولية‪ .‬فــاعتراف‬
‫المجتمع الدولي بالدولة الوليدة يعتبر أمرا ً ضروريّا ً لتمكينها من القيام بوظائفها في سهولة ويسر‪.‬‬

‫واالعتراف هو عملية يتم بموجبها إضفاء الشخصية القانونية على إحدى الوحدات السياسية واالعتراف بحقها في‬
‫االنضمام إلى المجتمع الــدولي كدولــة جديــدة لهــا مــا للــدول األخــرى من حقــوق وعليهــا مــا على هــذه الــدول من‬
‫واجبات‪ .‬غير أنه يتعين التمييز هنا بين االعتراف بالدولة واالعتراف بالحكومة‪ .‬فاالعتراف بالدولــة عــادة مــا يتم‬
‫لمرة واحدة ويظل قائما ً طالما ظلت الدولة متمتعة بشخصــيتها وأهليتهـا القانونيــة الدولية‪ .‬أمــا الحكومـات فتتغــير‪.‬‬
‫وال تثور الحاجــة لالعــتراف بكــل حكومــة جديــدة‪ ،‬خصوصـا ً إذا تم التغيــير بــالطرق الســلمية والديمقراطية‪ .‬لكن‬
‫مسألة االعتراف بالحكومة الجديدة تصبح واردة في أعقاب التغييرات الكبرى والمفاجئة الــتي تتم عــادة من خالل‬
‫ثورة شعبية أو انقالب عسكري مفاجئ‪ .‬ويأخذ االعتراف بالحكومة الجديدة أي شكل من أشكال التعبير عن رغبة‬
‫دولة ما في الدخول في عالقات رسمية مع هــذه الحكومة‪ .‬واالعــتراف بالحكومــة ينطــوي ضــمنا ً على االعــتراف‬
‫بالدولة‪ ،‬لكن العكس ليس صحيحا ً‪ .‬فــاالعتراف بالدولــة ليس معنــاه بالضــرورة االعــتراف بــأي حكومــة يمكن أن‬
‫تسيطر على هذه الدولة في أي وقت‪ .‬غير أن الحكومة التي ال تنجح في تأمين اعــتراف دولي كــاف بهــا عــادة مــا‬
‫تواجه بمصاعب كبيرة في تسيير شؤونها الخارجية‪ .‬واالعتراف بالحكومات قــد يكــون صــريحا ً إذا صــدر إعالن‬
‫خاص بذلك‪ ،‬وقد يكون ضمنا ً بتبادل البعثات الدبلوماسية والقنصلية‪.‬‬

‫ويثير موضوع االعتراف بالدول قضايا خالفية عديدة في القانون الدولي‪ ،‬فـاالعتراف ليس ركنـا ً من أركــان قيــام‬
‫الدول الجديدة‪ ،‬وبالتالي فهو ال يعد من القواعد المنشئة وإنما هو من قبيل القواعــد المقــررة لوجــود هــذه الــدول أو‬
‫الكاشفة عن حقيقة هذا الوجود‪ .‬وتكمن أهمية االعتراف بالنسبة لدولة أو حكومة ما‪ ،‬في التحليــل النهــائي‪ ،‬في أنــه‬
‫يعني اعترافا ً من جانب المجتمع الدولي بسيادة هذه الدولة وممارسة حكومتها للسلطة الفعلية‪ .‬والســيادة هي أخص‬
‫خصائص الدولة وأهم سماتها‪.‬‬

‫وكلمة "سيادة" مشتقة من األصــل الالتيــني ومعنـاه األعلى أي صــاحب القـول والفصـل النهـائي‪ ،‬وحين نقــول إن‬
‫الدولة صاحبة سيادة فإننا نقصد بذلك أمرين أساسين‪:‬‬

‫األول‪:‬هو أن للدولة سلطة مطلقة في مواجهة رعاياها في الداخل‪.‬‬

‫الثاني‪:‬أي أن الدولة ال تخضع لسلطة أعلى منها في مجتمع الدول‪.‬‬

‫وكان المفكر الفرنسي "جان بودان " هو أول من استخدم هذه الكلمة للداللة على المعنى السياسي المتداول حــتى‬
‫وقتنا هذا‪ .‬غير أنه ربما يكون من المفيد هنا أن نميز بين السيادة بمعناها القانوني وبين الســيادة بمعناهــا السياسي‪.‬‬
‫ويقصد بالسيادة بالمعنى القانوني‪ ،‬ذلك الشخص الذي يخوله القانون‪ ،‬أو الهيئة التي يخولها القانون سلطة ممارسة‬
‫السيادة أي سلطة إصدار األوامر النهائية التي ال معقب عليها وال راد لها‪ .‬أما المعنى السياسي للسيادة فنقصــد بــه‬
‫شرعية السلطة التي تمارس السيادة باسم الدولة ولحسابها‪ .‬فالســيادة بــالمعنى السياســي‪ ،‬هي للشــعب الــذي يختــار‬
‫بإرادته الحرة‪ ،‬من خالل صناديق االقتراع حكامه الذين يمارسون السلطة‪ ،‬أي مظاهر الســيادة‪ ،‬نيابــة عنه‪ .‬كــذلك‬
‫فقد يكون من المفيد هنا أيضا ً أن نميز بين السيادة القانونية‪ ،‬وبين السيادة الفعلية‪ .‬فالسيادة الفعلية تجســدها الســلطة‬
‫التي يخضع لها المواطنون ويطيعون أوامرها بالفعل‪ ،‬بصرف النظر ع ّما إذا كانت هــذه الســلطة شــرعية أم غــير‬
‫شرعية‪ ،‬أي قانونية أم غير قانونية‪.‬‬

‫وألن السلطة القانونية هي السلطة التي ينص عليها القانون أو الدستور فمن السهل تحديدها‪ ،‬بعكس السلطة الفعلية‬
‫التي يصعب تحديدها أحيانا والتي قد تكون خفية أو مستترة‪ .‬ولذلك قد توجد فجــوة في بعض األحيــان بين السـلطة‬
‫الفعلية والسلطة القانونية أو الشــرعية‪ .‬غــير أن الســلطة الشــرعية أو القانونيــة الــتي ال تســتطيع فــرض ســيطرتها‬
‫يصبح مصيرها إلى زوال‪ ،‬وتتحول السلطة الفعلية تدريجيّاً‪ ،‬وبحكم األمر الواقع إلى سلطة قانونية‪ ،‬خصوصا ً إذا‬
‫ما تم إصدار قوانين تمنح سلطة األمر الواقع مركزا ً قانونيا ً ثابتا ً‪ .‬وفي جميع األحوال فإن مركز السيادة هو الدولة‬
‫بصرف النظر عن شرعية أو عدم شرعية من يمارس السلطة الفعلية فيها‪.‬‬

‫وعندما تمارس الدولة سيادتها في الداخل فإن هذه السيادة تسري على الشعب داخل الحدود السياسية لإلقليم الــذي‬
‫يقطنه‪ ،‬أي أن لها جانبا ً يتعلق بالشعب وأخر يتعلق باإلقليم‪ .‬فالسيادة الداخلية معناها حرية الدولة في اختيــار نظــام‬
‫الحكم الذي يالئم أوضــاعها االقتصــادية والثقافيــة واالجتماعيــة الخاصــة‪ ،‬وفي الســيطرة على مواردهــا الطبيعيــة‬
‫داخل حدودها اإلقليمية في البر والبحر والجو‪ ،‬وفي فرض قوانينها على كـل المقيمين على أرضـها‪ ،‬سـواء كـانوا‬
‫مواطنين أو أجانب‪ .‬أما السيادة الخارجيــة فتتجلى مظاهرهــا في حــق الدولــة في إدارة شــؤونها الخارجيــة بحريــة‬
‫ودون تدخل أحد في شؤونها الداخلية‪ ،‬عدم خضوعها لسلطة دولة أخرى أو منظمــة دولية‪ .‬واســتقاللية الدولــة في‬
‫ممارسة مظاهر سيادتها الخارجية لها مظاهر متعددة كالدخول في عالقات دبلوماسية أو قطــع هــذه العالقــات مــع‬
‫من تريــد من الــدول‪ ،‬واالنضــمام أو عــدم االنضــمام إلى المنظمــات الدوليــة‪ ،‬واالشــتراك أو عــدم االشــتراك في‬
‫المؤتمرات الدولية‪ .‬بل لها أن تستخدم القوة للدفاع عن مصالحها ‪ ..‬الخ‪.‬‬

‫غير أن مفهــوم الســيادة ليس سـوى مــدرك قصــد بهــا في واقـع األمــر تنظيم عالقـة الدولـة بمواطنيهــا في الــداخل‬
‫وبغيرها من الدول في الخارج‪ .‬فهذه السيادة ليست مطلقة وإنما هي مقيدة بطبيعتها‪ .‬وربمــا كــان من الممكن إبــداء‬
‫قدر من الفهم لدوافع المطالبين بفكرة السيادة المطلقة التي ال تحد حدود في عالم كــانت الــدول فيــه تبــدو كوحــدات‬
‫منفصلة ومتوازية وقائمة بذاتها تماما ً‪ .‬أما في ظل تداخل وتشــابك وتعقــد المصــالح والعالقــات في الحيــاة الدوليــة‬
‫المعاصرة‪ ،‬فقد أصبح من الصعب‪ ،‬إن لم يكن من المستحيل‪ ،‬الدفاع عن فكرة السيادة المطلقة سواء في الداخل أو‬
‫في الخارج‪.‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬األصول الفكرية والتاريخية لسلطة الدولة (نظريات‪ :‬الحق اإللهي‪،‬العقد االجتماعي‪)..‬‬

‫إذا كان من الممكن تتبع النشأة التاريخية لبعض الدول‪ ،‬وخصوصا ً تلــك الــتي ظهــرت حـديثاً‪ ،‬إمـا كنتيجـة التحــاد‬
‫إمارات إقطاعية أو تكوينات سياسية صغيرة أو كنتيجة النهيار أو اضمحالل إمبراطوريات كبيرة‪ ،‬إال أن الكيفيــة‬
‫التي ظهر بها المجتمع المنظم إلى حيّز الوجود ألول مرة (وما صــاحب هــذا الظهــور من نشــأة الســلطة كظــاهرة‬
‫سياسية) ليست معروفة أو موثقة تاريخيَّا ً‪ .‬ولذلك ظهــرت نظريـات كثـيرة تفسـر نشـأة الدولة‪ .‬من هـذه النظريــات‬
‫نظرية النشأة المقدسة التي ترى أن هللا هو الذي خلق الدولة‪ ،‬وأنه هو الــذي ينتخب الملــوك ويمنحهم السـلطة حين‬
‫يرضى عنهم وينتزعها منهم إذا غضــب عليهم‪ .‬وهــذه النظريــة هي أســاس نظريــة الحــق اإللهي الــتي ســادت في‬
‫بعض المراحل التاريخية التي جمع فيها الحاكم بين الســلطة الزمنيــة والســلطة الروحية‪ .‬وهنــاك نظريــات أخــرى‬
‫كثيرة منها نظرية القوة‪ ،‬التي ترى أن الدولة نشأت وتطورت نتيجة الصراع وعالقات القوة التي تسفر دائمــا ً عن‬
‫خضوع الضعيف للقوي‪ ،‬ومنها النظرية التاريخية‪ ،‬التي ترى أن نشأة الدولة ترجع إلى ما قبل التاريخ وأنها نمت‬
‫نموا ً تاريخيَّا ً وطبيعيَّا ً بمساعدة عوامل ثالثة هي‪ :‬عالقــة الــدم‪ ،‬والــدين‪ ،‬والــوعي السياسي‪ .‬غــير أن نظريــة العقــد‬
‫االجتماعي هي أكثر النظريات الفلسفية تأثيرا ً في الفكر السياسي على مدى الزمن‪.‬‬

‫وتقوم نظرية العقد االجتماعي على أساس فرضيتين رئيسيتين‪:‬‬

‫األولى‪ :‬أن األفراد كانوا يعيشون فيما بينهم حالة الفطرة أو الطبيعة قبل أن ينتقلوا إلى حالة المجتمع الذي يخضــع‬
‫لسلطة سياسية منظمة‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬أن االنتقال من حالة الفطرة أو الطبيعة إلى حالة المجتمع المنظم أو الدولة تم بموجب عقد اجتماعي‪.‬‬

‫وهذه النظرية قديمة ويمكن تتبع جذورها وإرهاصاتها األولى في الفكر الروماني وفي كتابـات العديـد من فالسـفة‬
‫ومفكــري العصــور الوســطى وخاصــة كتابــات "س ــانت اوجســـتين" وتوم ــاس األكوي ــني"‪ .‬لكن الفيلســوف‬
‫البريطاني"توماس هوبز"‪ ،‬كان أول من بلور هذه النظرية بشكل واضح ومتكامل وصاغ فرضــيتيها الرئيســيتين‬
‫على نحو متكامل ومتماسك‪ .‬ثم تعاقب عليها كبار المفكرين بالنقد والشرح والتحليل واإلضــافة ابتــداءا ً من "جــون‬
‫لوك"‪ ،‬مرورا ً"بجان جاك روسو"‪ ،‬وحتى "إيمانويل كانت" ومن بعده الكثيرون‪.‬‬

‫وقد دار جوهر الجدل الذي فجرته نظرية العقد االجتماعي حول عدة أمور أو محاور رئيسية مثل‪ :‬حالــة الفطــرة‪،‬‬
‫أو الطبيعة‪ ،‬وهل كانت حالة سلم وأمان أم صراع وعدم استقرار‪ ،‬وحول أطراف العقد االجتماعي وهل هــو عقــد‬
‫أبرم بين األفراد وحدهم أم بين األفراد من ناحية واألمير من ناحية أخرى‪ ،‬وحول مضــمون هـذا العقــد وشــروطه‬
‫وإجراءات فسخه‪ ..‬الخ‪.‬‬

‫فبينما كان "هوبز" يرى أن حالة الفطرة أو الطبيعـة هي حالـة وحشـية يسـودها قـانون الغـاب وتتمـيز بالفوضـى‬
‫وعدم االستقرار وانتفاء األمن‪ ،‬فإن "جــون لــوك" يـرى أن هـذه الحالـة كــانت على العكس تمامـاً‪ ،‬حالـة تســودها‬
‫الحرية والمســاواة الــتي يمنحهــا القــانون الطــبيعي كحقــوق ثابتــة لألفــراد والممتلكــات‪ ،‬ولكنهــا حالــة تتمــيز بعــدم‬
‫االستقرار في الوقت نفسه نظرا ً لعدم وجود شخص غير متحيز يحمي األفراد‪ .‬أما "جان جاك روسو" فقد صــور‬
‫حالة الطبيعة أو الفطرة األولى على أنها حالة مثالية حصل فيها الفرد على كل ما يطمح إليه من حقــوق‪ ،‬ووصــل‬
‫إلى أعلى مراتب السعادة والطمأنينة‪ ،‬لكنه اضطر إلى العيش في جماعة بسبب تزايد السكان‪.‬‬

‫وبينما كان"هوبز" يرى أن القانون الطـبيعي حتم على األفـراد أن يبحثـوا عن مخـرج من حالـة التعاسـة المطلقـة‬
‫التي كانوا عليها في مرحلـة الفطــرة‪ ،‬وهــو مــا دفعهم إلبــرام عقـد إلنشــاء الدولــة تنـازلوا فيــه عن جميـع حقـوقهم‬
‫ووضعوها في يد جهة واحدة تتركز فيها السلطة بشكل مطلق مقابل حصــولهم على األمن‪ ،‬رأى"جــون لــوك" أن‬
‫األفراد تعاقدوا فيما بينهم أوالً إلقامة المجتمع أو الدولة ثم تعاقدوا بعد ذلك مــع الحــاكم وتنــازلوا لــه عن جــزء من‬
‫حقوقهم‪ ،‬وليس عن حقوقهم كلهـا‪ ،‬للقيـام بالوظـائف أو المهـام الـتي يطلبونهـا منه‪ .‬أي أن "جـون لـوك" مـيز بين‬
‫الدولــة وبين الحكومــة واعتــبر أن ســلطة الحكومــة ليســت مطلقــة وإنمــا محــدودة ومقيــدة وأن هــذه الســلطة يمكن‬
‫استردادها عند الضرورة‪.‬‬
‫أما "جان جاك روسو" فقد رأى أن اإلنسان الفرد الذي اضـطر‪ ،‬بسـبب زيـادة السـكان‪ ،‬إلى التخلي عن حرياتـه‬
‫الطبيعية التي منحته الســعادة بمــوجب عقــد أبرمــه مــع األفــراد اآلخــرين‪ ،‬لم يتخــل عن هــذه الحقــوق لفــرد وإنمــا‬
‫للمجموع‪ .‬وفي هذه الحالة فإن السيادة ال يمكن التنازل عنها وإنما تظل في يد اإلرادة العامة‪ .‬وألن الحكومة ليست‬
‫سوى خادم لهذه اإلرادة‪ ،‬وما تتمتع به من سلطة حصلت عليها من الشعب صاحب السيادة وبطريق التوكيل‪ ،‬فــإن‬
‫هذه السلطة يمكن سحبها في أي وقت إذا ما أخل الموكل إليه بشروط العقد أو التوكيل‪ .‬وفقا ً للمنطق الكــامن وراء‬
‫هذا التحليل كان من الطبيعي أن يعتبر"جان جاك روسو" أن إصدار القــوانين ال يــدخل ضــمن مهــام الحكومـة أو‬
‫السلطة التنفيذية‪ ،‬وأن هذه الوظيفــة الحيويــة والخطــيرة يجب أن تظــل بالكامــل في يــد ممثلي الشــعب من الســلطة‬
‫التشريعية‪.‬‬

‫وأيا ً كانت طبيعة الخالفات التي دارت حول نظرية العقد االجتماعي أو االنتقادات التي شككت بعد ذلك في أســس‬
‫النظرية نفسها‪ ،‬وخاصة بعد ظهور المدرسة النفعية أو المدرســة الماركســية (والــتي قــدمت تفســيرا ً مختلفـا ً لنشــأة‬
‫الدولة نفسها من خالل جدلية الصراع الطبقي)‪ ،‬فمن البــديهي أن االنتقــال من حالــة الفطــرة أو الطبيعــة إلى حالــة‬
‫الدولة أو المجتمع المنظم لم يتم‪ ،‬كما يقول "إيمانويل كانت" وفقا ً لعقد تم إبرامه بالفعل ووقع كحدث موثق زمانــا ً‬
‫ومكاناً‪ ،‬لكنه مفهوم مهم جدّاً‪ ،‬وضروري جدّاً‪ ،‬رغم ما يكتنفه من تجريد لتنظيم العالقات االجتماعيــة على أســاس‬
‫من احترام وسيادة القانون‪.‬‬

‫الفرع الرابع‪ :‬مفهوم الدولة ككيان اجتماعي‪:‬‬

‫وصف الكثير من المفكرون والفالسفة الدولة بالكيان االجتمـاعي‪ ،‬لســبب بســيط وهــو أن العنصــر األساســي فيهــا‬
‫يكمن في الرابطة المشتركة التي تجمع بين األفراد الذين يتكون منهم شــعب هــذه الدولة‪ .‬وهنــا يتعين أن نمــيز بين‬
‫مفهوم الشعب‪ ،‬ومفهوم األمة‪ .‬فالشعب عبارة عن مجموعة من األفراد تــربطهم رغبــة مشــتركة وقويــة في العيش‬
‫معا‪ ،‬بصرف النظر عن تجانس هؤالء األفراد أو عدم تجانسهم من النواحي العرقية أو الدينية أو اللغوية‪..‬الخ‪ .‬أما‬
‫األمة فتتكون أيضا ً من مجموعـة من األفــراد الـذين تجمعهم الرغبـة في العيش معـاً‪ ،‬ولكنهم يرتبطــون فيمــا بينهم‬
‫بروابط طبيعية ومعنوية مثل وحــدة األصــل العــرقي ووحــدة اللغــة والــدين والعــادات والتقاليــد والتــاريخ والثقافــة‬
‫المشتركة… الخ‪ ،‬ومعنى ذلك أن ما يربط بين أفراد األمة الواحدة يكون في العادة أقوى وأمتن وأكــثر كثافــة ممــا‬
‫يربط بين أفراد الشعب الذي ال يشكل في مجمله أمة واحدة‪ .‬لكن ليس معنى ذلك أنه يشترط أن تتوافر في الشــعب‬
‫كافة عناصر ومقومات الوحـدة الطبيعيـة الـتي تتـوافر في األمـة لكي يصـبح لـه الحـق في إقامـة دولتـه المسـتقلة‪.‬‬
‫فليست كل أمة دولة وليست كل دولة أمة‪.‬‬

‫وهنــاك نظريــات عديــدة تفســر نشــأة الدولــة كتطــور طــبيعي لعالقــات اجتماعيــة معينــة أساســها رابطــة الــدم‬
‫والقربى‪..‬الخ‪ .‬وتؤكد هذه النظريات أن العائلـة ظهـرت أوالً‪ ،‬ومن تعـدد العـائالت نشـأت القبائـل والعشـائر‪ ،‬ومن‬
‫صراع القبائل والعشائر وتداخلها بالمصاهرة والزواج أو بالدمج واالســتعباد‪ ،‬تبلــورت التكوينــات األولى للــدول‪،‬‬
‫ككيانات اجتماعية أكثر تعقيدا ً وتشابكاً‪ ،‬كما ظهرت بشكل تدريجي سلطة من نوع مختلف عن سلطة رب األســرة‬
‫أو شيخ القبيلة‪ ،‬وهي السلطة السياسية المنظمة بمفهومها الحديث‪.‬‬

‫ففي إطــار العائلــة ظهــرت ســلطة رب األســرة بصــفة عامة‪ .‬والعائــل هــو الشــخص المســؤول عن توفــير الطعــام‬
‫والحماية ألفراد أسرته‪ .‬وفي مقابل ذلك أصبح على جميع أفراد األسرة أو العائلة طاعة عائلها وااللتزام بتنفيذ مــا‬
‫يأمر به وما ينهى عنه؛ كي تحافظ األسرة أو العائلة على تماسكها وقوتها‪ ،‬سواء في مواجهة اآلخــرين‪ ،‬الــذين قــد‬
‫يهددون األسرة في طعامها أو في أمنها‪ ،‬أو لتوفير المناخ الطبيعي الالزم لتمكين رب األســرة من القيــام بوظائفــه‬
‫الحيوية‪ .‬وباتساع األسر وتعدد وتشعب فروعها ظهرت العشائر والقبائل ومعها ظهــرت ســلطة شــيخ العشــيرة أو‬
‫القبيلــة وتمــيزت عن ســلطة رب األســرة‪ .‬ثم أدت عوامــل كثــيرة‪ ،‬من بينهــا الحاجــة إلى التوســع والحصــول على‬
‫مصــادر أكــبر للــرزق‪ ،‬إلى انــدالع الصــراع بين العشــائر والقبائــل المختلفة‪ .‬وفي الصــراعات والحــروب يوجــد‬
‫منتصــرون يصــبحون عــادة قــادرين على فــرض ســطوتهم وســلطتهم‪ ،‬ومهزومــون يخضــعون إلرادة المنتصــر‬
‫وأوامره‪ .‬ومع تطور الصراع اتسع نطاق المجتمعات وظهرت السلطة السياسية‪.‬‬

‫وإذا كانت العالقة بين رب األسرة ومن يعولهم من األزواج واألبناء واألحفاد قد اتسمت إلى حد كبير بالتكافؤ بين‬
‫الحقوق والواجبات بسبب روابط الدم والقربى‪ ،‬فقد أصــبح من الصــعب المحافظــة على عالقــات التكــافؤ هــذه في‬
‫إطار المجتمعـات األوسـع الـتي أفرزتهـا التفـاعالت الصـراعية بين العشـائر والقبائل‪ .‬فقـد أدى وجـود منتصـرين‬
‫ومهزومين إلى ظهور طبقة من العبيد واألرقــاء أصــبح لألســياد عليهم حــق المنح والمنــع بــل وحــق الحيــاة ذاتها‪.‬‬
‫وكما كانت هناك صراعات وحــروب بين بعض القبائــل كــان من الطــبيعي أن يصــبح هنــاك تعــاون وتحــالف بين‬
‫بعضها اآلخر إما لدرء أخطار الطبيعة أو للتغلب على عدو مشترك‪ .‬وهكذا ظهرت المدن والقــرى ثم المجتمعــات‬
‫اإلنسانية األكبر واألكثر تعقيدا ً حتى وصلنا إلى شكل الدولة التي ظهرت فيها سلطة سياســية تختلــف في طبيعتهــا‬
‫وفي أدواتها عن سلطة رب األسرة أو شيخ القبيلة أو العائلة أو حكام اإلمارات اإلقطاعية القديمة‪.‬‬

‫وبصرف النظر عن دقة ما تنطوي عليــه هــذه الرؤيــة من تفســير لنشــأة الدولــة أو نشــأة الســلطة السياســية‪ ،‬إال أن‬
‫الدولة تحولت في نهاية المطاف إلى أداة لضبط عالقات اجتماعية أصبحت شديدة التنــوع والتعقيد‪ .‬فهنــاك دول ال‬
‫تزال التوازنات القبلية والعشائرية تلعب فيهــا دور المحــرك األساســي لسياســاتها وأنشــطتها‪ ،‬وهنــاك دول أخــرى‬
‫زراعية وصناعية حديثة برزت فيها قوى وطبقات اجتماعيــة مختلفــة كليـاً‪ ،‬ومن ثم فقــد تطلب األمــر اللجــوء إلى‬
‫أساليب وطرق مختلفة عن األساليب السائدة في حياة القبيلة إلدارة العالقات فيما بينها‪ .‬وال شك أن طبيعة الســلطة‬
‫وطبيعة النظام السياسي في الدولة تعكسان حقيقة االختالف في طبيعة وأوزان القوى والفئات االجتماعية المختلفة‬
‫التي تتكون منها‪.‬‬

‫في النهاية يمكن القول يمكن القول َّ‬


‫أن مفهوم الدولة ذو تاريخ من الصراع لم ينقطــع أو يتوقــف؛ بهــدف الوصــول‬
‫إلى أفضل صيغة ممكنة لشكل الدولة والحكم؛ لتكون قادرة على تلبية طموحات الشعب‪ ،‬وتنطوي في الوقت نفسه‬
‫على اآلليات والضوابط التي ت َّمكن أي حكومة منتخبة من إدارة شؤون الدولة بأعلى قدر من الكفاءة‪.‬‬
‫الفرع الخامس‪ :‬أشكال الدولة‬

‫تصنف الدول إلى عدة أنواع و ذلك ‪:‬‬


‫من حيث الشكل‪ :‬تقسم إلى دول بسيطة (موحدة) أو مركبة‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫من حيث السيادة‪ :‬تقسم إلى دول كاملة السيادة أو دول ناقصة السيادة‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫من حيث شكل نظام الحكم‪ :‬تقسم إلى جمهورية و ملكية‬ ‫‪‬‬
‫من حيث طبيعة نظام الحكم ‪ :‬تقسم إلى ديمقراطية و ديكتاتورية‬ ‫‪‬‬
‫أوال ‪ :‬تصنيف الدول من حيث الشكل‬
‫الدولة البسيطة (الموحدة)‬ ‫‪‬‬

‫هي التي يكون لها نظام قانوني واحد أي سلطة واحــدة بدســتور واحــد وقــوانين واحــدة داخــل إقليم الدولة الواحــدة‬
‫وبالتالي تكــون لهـا شخصــية قانونيـة واحـدة داخليــا وخارجيـا‪ ،‬وقــد تعتمــد الدولـة البســيطة أســلوب المركزيــة أو‬
‫الالمركزية لتسيير شؤونها‪.‬‬
‫‪ ‬خصائصها الدولة البسيطة‬
‫‪ 1-‬التنظيم السياسي للسلطة يكون واحدا يتجسد في وجود جهاز حكومي واحد مكلف بجميع الوظائف‪.‬‬
‫‪ 2-‬السلطة السياسية تخاطب جماعة متجانسة بالرغم من اختالف العادات واالعتقادات وغيرها‪.‬‬
‫‪ 3-‬وحدة السلطات الثالث في الدولة‪.‬‬
‫‪ 4-‬جميع األفراد يخضعون للقرارات الصادرة من الهيئات الحاكمة‪.‬‬
‫‪ ‬المركزية والالمركزية اإلدارية‬
‫أ‪ -‬المركزيــة اإلدارية‪ :‬هي تركــيز السـلطة اإلداريـة في يـد السـلطة المركزيـة الموجـودة في العاصـمة‪ ،‬بحيث أن‬
‫الســلطة المركزيــة تحتكــر كــل الســلطات والصــالحيات واإلشــراف على كــل المرافــق الوطنيــة والمحلية‪ .‬و لهــذا‬
‫األسلوب إيجابيـات تتمثـل في‪ :‬السـماح بالحفـاظ على الوحـدة الوطنيـة‪ ،‬التقليـل من نفقـات الدولة‪ ، ...‬أمـا سـلبياته‬
‫فتتمثل في‪ :‬كونه ال يسمح باالطالع الفعلي على ما يجـري في إقليم الدولــة‪ ،‬كمـا أن تركــز السـلطة في يد شـخص‬
‫واحد يؤدي إلى تفاقم المشاكل وعدم القدرة على حلها كما نجد أن هذا األسلوب يظهر بأسلوبين عند التطبيق‪.‬‬
‫التركيز اإلداري‪ :‬وتعني تركيز الوظيفة اإلدارية لدى الـرئيس اإلداري الموجـود في العاصـمة لكن نظـرا‬
‫لصعوبة حل المشاكل في مختلف األقاليم فهـذا الـرئيس اإلداري من بـاب سـهولة مواجهـة المشـاكل يقـوم‬
‫بنقل بعض صالحياته وتفويضها لنوابه ومرؤوسيه بشرط أن تظل المراقبة لمدى مالئمة هذه التصــرفات‬
‫أو شرعيتها وقانونيتها ‪.‬‬
‫عــدم التركــيز اإلداري‪ :‬وهــو أن الــرئيس اإلداري يقــوم بنقــل بعض صــالحيات للبت في بعض المشــاكل‬
‫لبعض نوابه‬
‫أو مرؤوسيه سواء كانوا في الجهاز المركزي أو األقاليم‪.‬‬
‫ب‪ -‬الالمركزية اإلدارية‪ :‬في إطارها نجد أن السلطة اإلدارية تتوزع بين السلطة المركزية "الجهاز المركزي" أو‬
‫الوحدات المرفقية والمحلية بحيث أن هذه الوحدات تقوم بممارسة وظائفها اإلدارية الــتي منحهــا لهــا القــانون دون‬
‫الرجوع للجهاز المركزي‪ ،‬لكن تبقى خاضعة لرقابة الجهاز المركزي فيما يعرف بالوصــاية اإلدارية وتظــل هــذه‬
‫الرقابة حفاظا على وحدة التوجه اإلداري للدولة‪.‬‬
‫الدولة المركبة ‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫وهي الدولة الـتي تتكـون على األقـل من دولـتين أو أكـثر تكـون متحـدة فيمـا بينهــا ضـمن أشـكال متعـددة بـالنظر‬
‫الختالف طبيعــة هــذا االتحــاد ودرجــة اإلنــدماج بين الــدول واالتحــادات‪ ،‬وتتمثــل في أربعــة أشــكال ‪ :‬االتحــاد‬
‫الشخصي‪،‬االتحاد الفعلي‪ ،‬االتحاد التعاهدي‪ ،‬االتحاد الفيدرالي‪.‬‬
‫أ – االتحاد الشخصي ‪:‬‬
‫و يعتبر أضعف أنواع االتحادات‪ ،‬ويقصد به أن يكون هناك رئيس واحد للدول المنضوية في االتحاد مــع احتفــاظ‬
‫كل دولة بسيادتها الكاملـة واسـتقاللها التـام عن االتحـاد وال يوجـد في إطـار هـذا االتحـاد مؤسسـات مشـتركة وال‬
‫تشريعات موحدة‪.‬‬
‫وقد ظهر هذا االتحاد في أوروبا بسبب المصاهرة بين عائلتين ملكيتين مثال اتحاد هولنــدا ولكســمبورج في الفــترة‬
‫بين ‪1845‬م ‪1890-‬م‪ ،‬وهناك نموذج آخر لهذا النوع من االتحاد الشخصي في دول أمريكا الالتينية عندما انتخب‬
‫"بوليفار" رئيسا ً لجمهوريات فنزويال وكولومبيا وبيرو وبوليفيا وذلك تقديرا ً لدوره النضــالي التحــرري‪ ،‬ولم يعــد‬
‫لهذا النوع من االتحاد أثر يذكر في الوقت الراهن‪.‬‬
‫ب ‪ -‬االتحاد الفعلي أو الحقيقي‪:‬‬
‫وينشأ هو اآلخر بين دولتين أو أكثر‪ ،‬غير أنه ال يكون عرضيا بل نتيجة اتفاق يقــع بين الــدول الــتي تريــد إنشــاؤه‬
‫فيظهر بذلك شخص دولي جديد يتمثل في وحدة االتحــاد حيث تفقــد كــل دولــة شخصــيتها الدوليــة الــتي تــذوب في‬
‫شخصية الدولة الجديدة‪ ،‬فيكون لها رئيس واحد وتمثيل واحد وتبرم المعاهدات والعقود باسمها‪ ،‬غير أن كل دولــة‬
‫تحتفظ بإقليمها وسيادتها الداخلية أي بدستورها وقانونها الداخلي‪.‬‬
‫فاالتحاد الفعلي يتميز عن االتحاد الشخصي في ظهور شخص دولي جديــد وزوال الشخصــية الدوليــة لألعضــاء‪.‬‬
‫ويتميز هذا االتحاد بأنه يكون أكثر ترابطا ودواما من االتحاد الشخصي نتيجة توحيد السياسـية الخارجيـة ووجــود‬
‫حكومــة ورئيس واحــد لالتحــاد‪ ،‬ومن أمثلــة هــذا االتخــاذ هي ‪:‬اتحــاد النمســا وهنغاريــا (‪1981-1867‬م)‪ ،‬اتحــاد‬
‫الدانمرك وأيسلندا (‪1944 -1981‬م)‪ ،‬اتحاد السويد والنرويج (‪1905 -1814‬م)‬
‫ج ‪ -‬االتحاد التعاهدي أو االستقاللي أو الكونفدرالي‪:‬‬
‫هو اتحاد يضم دولتين فأكثر على أن تبقى كل دولة لها سيادتها الداخلية والخارجية ورئيســها الخــاص ويقــوم هــذا‬
‫االتحاد على أساس توحيد وتنســيق الشــؤون االقتصــادية واالجتماعيــة أو العســكرية‪ ،‬فتنشــأ لجنــة أو هيئــة تســمى‬
‫مجلس أو مؤتمر تكون مهمتها تحقيق األغراض المنشودة وتختــار الهيئــة من قبــل الحكومــات المتحــدة وال تكــون‬
‫قرارتها ملزمة إال إذا وافقت عليها الدول األعضاء‪.‬‬
‫د‪ -‬االتحاد الفيدرالي أو المركزي‪:‬‬
‫كلمة "الفيدرالية " مشتقة من الالتينية وتعني "الثقة "‪ ،‬وكلمة "فويدوس" تعني االتحاد‪ ،‬وهو نظام سياسـي ضـمن‬
‫طابع دستوري يضمن تقسيم الحكم السياسي بين المستويات السياسية المختلفــة (مركــز وإقليم) ويعــود أصــل هــذا‬
‫االتحاد إلى تأسيس الواليات المتحدة األمريكية عام ‪1787‬م‪.‬‬
‫والفيدرالية دولة مركبة‪ ،‬أي دولـة اتحاديـة تتكــون من مقاطعــات أو واليــات أو أقـاليم‪ ،‬بحيث ال تكـون الشخصــية‬
‫الدوليــة إال للحكومــة المركزيــة‪ ،‬مــع احتفــاظ كــل إقليم من األقــاليم المكونــة لالتحــاد الفيــدرالي ببعض االســتقالل‬
‫الداخلي‪ ،‬وهي أيضا ً دولة واحدة قد تتضمن كيانات دستورية متعددة‪ ،‬ولكل إقليم أو كيان نظامه القــانوني الخــاص‬
‫واستقالله الذاتي وتخضع مجموعها للدستور الفيدرالي‪ ،‬باعتباره المنشئ لها والمنظم لبنائها القــانوني والسياســي‪،‬‬
‫وهي بذلك أي الفيدرالية عبارة عن نظام دستوري وسياسي مر ّكب‪.‬‬
‫ويفترض سمو الدستور الفيدرالي على دساتير األقاليم األعضاء في االتحاد الفيدرالي‪ ،‬وال تتمتع األقاليم األعضاء‬
‫في االتحاد الفيدرالي بالسيادة الكاملة‪ ،‬إذ تكــون ســيادة اإلقليم مقيــدة بســيادة الدولــة االتحاديــة‪ ،‬وال يحــق ألي إقليم‬
‫االنفصال عن الدولة االتحادية‪.‬‬
‫إن أول دولة في العالم هي الواليات المتحدة األمريكية عملت بالنظام الفيدرالي منذ أكثر من ‪ 200‬عام‪ ،‬وهناك ما‬
‫يقارب ‪ 25‬دولة في العالم تعمل بهذا النظام‪ ،‬ومنها اآلتي‪ :‬الواليات المتحدة األمريكية ‪ 50‬والية ‪1787‬م‪ ،‬روسيا‬
‫‪ 21‬جمهورية‪ ،‬ألمانيا ‪ 16‬إقليما ً ‪1949‬م‪ ،‬ماليزيا ‪ 13‬والية‪ .‬نيجيريا ‪ 36‬والية‪ .‬باكستان ‪ 4‬أقاليم‪ .‬سويســرا ‪26‬‬
‫كانتونا ً‪ .‬فنزويال ‪ 23‬والية‪ ،‬العراق أنشأ إقليم كردستان بعد ‪2003‬م وبموجب دستور العراق ‪2005‬م‪ ،‬اإلمــارات‬
‫العربية ‪ 7‬إمارات ‪1971‬م‪.‬‬
‫‪ ‬تقوم الدولة الفدراليــة على مجموعــة من المبــادئ أهمــا مبــدأ االزدواجيــة السياســية والقانونيــة ومبــدأي‬
‫االستقاللية والمشاركة‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬تصنيف الدول من حيث السيادة‬
‫الدول كاملة السيادة‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫و يقصد بهـا الـدول الـتي تباشــر مختلــف شــؤونها الداخليـة والخارجيـة باســتقالل تـام‪ ،‬بمعـنى أنهـا ال تخضـع في‬
‫ممارسة سيادتها الداخلية والخارجية ألية هيمنة أو سيطرة من جانب دولة أخرى أو أحدى المنظمــات الدوليــة‪ ،‬إذ‬
‫طالما أنها تحترم التزاماتها الدولية فاختصاصــها الدســتوري كامــل وليس ألحـد أن يتـدخل في شـؤونها إلرغامهــا‬
‫على اختيار شكل معين من النظم أو االحتفاظ بشـكل معين من الحكومــات‪ ،‬و نجــد أن العالقــة بين الـدول ينظمهــا‬
‫مبدأ المساواة و بذلك يصبح تعبير السيادة مرادفا لتعبير االستقالل‪ ،‬بمعنى أن الدولة كاملة السيادة‪ ،‬هي التي تتمتع‬
‫باستقالل كامل أو تام‪ ،‬فتتساوى بذلك مع مثيالتها من الدول األخرى‪.‬‬
‫الدول ناقصة السيادة‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫وهي الدول التي ال تتمتع باستقالل تام في مباشــرة شــؤونها الداخليــة أو الخارجيــة‪ ،‬إذ تشــاركها في ممارســة هــذه‬
‫الشؤون دولة أجنبية أو منظمة دولية‪ ،‬و بمعنى أخر يمكن القــول أن الــدول ناقصــة الســيادة تخضــع في مباشــرتها‬
‫لسياداتها الداخلية أوالخارجية أو االثنتين معا إلشراف ورقابة دولة أخرى‪ ،‬أو إحدى الهيئات الدولية‪ ،‬و من أمثلــة‬
‫هذه الدول‪:‬‬
‫الدول المحمية‪ :‬فهذه الدول تتنازل بمقتضى اتفــاق أومعاهــدة عن بعض ســلطاتها إلى دولــة أخــرى تســمى الدولــة‬
‫الحامية بحيث تقوم هذه الدولة األخيرة‪ ،‬نيابة عن الدولة المحمية بمزاولة هـذه السـلطات‪ ،‬و تتـولى شـؤون الـدفاع‬
‫مثال أو ضمان سالمة أراضيها‪.‬‬
‫الدول الواقعة تحت االنتداب‪ :‬حيث تضع الدولة المنتدبة‪ ،‬إما وحدها أو باالشــتراك مــع الســلطات المحليــة النظــام‬
‫األساسي لتلك البالد التي تقع تحت انتدابها‪ ،‬أو على األقل تشرف على وضع هذا النظام‪.‬‬
‫الدول التابعة‪ :‬و هي كذلك دولة ناقصة السيادة ألنها تفقد أغلب سيادتها لخضوعها للدولة المتبوعة‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬تصنيف الدول من حيث شكل نظام الحكم‬
‫توجد عدة أشكال ألنظمة الحكم و هي كاآلتي ‪ :‬النظام البابوي‪ ،‬النظام اإلمبراطوري ‪ ،‬النظام الســلطاني ‪،‬النظــام‬
‫الملكي‪ ،‬النظام األميري‪ ،‬النظام الجماهيري‪،‬النظام الجمهوري‪.‬‬
‫رابعا ‪ :‬تصنيف الدول من حيث طبيعة نظام الحكم‬
‫تقسم أنظمة الحكم إلى أنظمة دكتاتورية وأنظمة ديمقراطية‪.‬‬
‫‪‬األنظمـة الدكتاتوريـة تتميـز بعـدة ســـمات منهـا‪ - :‬احتكــار جميــع الســلطات بيــد ســلطة أو شــخص واحد‪ - .‬نظــام‬
‫الحزب الواحد وعدم االعتراف بالتعددية السياسية والحزبية‪ - .‬حرمان المواطنين من التمتع بحقــوقهم و حريــاتهم‬
‫األساسية والتي نصت عليها المواثيق الدولية‪ .‬كمـا أن أسـاليب تـولي الحكـام لمقاليـــد الســـلطة فـــي الدولـــة تقســـم‬
‫إلـى األسـاليب غيـر الديمقراطيـة و تشـمل (الوراثـة ‪ ،‬االختيار الذاتي‪ ،‬القوة) ‪ ،‬أما االنتخاب فيعتبر من األسـاليب‬
‫الديمقراطية لتولي السلطة‪.‬‬
‫‪‬األنظمـة الديمقراطية‪ :‬الديمقراطيـة هي حكم الشـعب نفسـه بنفسـه‪ ،‬وبعبـارة أخـرى هي كـل نظـام سياسـي يسـمح‬
‫ويمكن من المشاركة الحرة والرشيدة للمواطنين في تسيير الشؤون العامة ‪.‬‬
‫و هناك ثالثة صور الشتراك الشعب في الحكم هي‪ :‬الديمقراطيــة المباشــرة ‪ -‬الديمقراطيــة النيابيــة ‪ -‬الديمقراطيــة‬
‫شبه المباشرة‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬السلطة في المجتمع السياسي‪:‬‬

‫كما ال حظنا في كل التعاريف حول السياسة تشترك في عناصر عدة تتمحور أساسا حول مســألة الحكم والســلطة‬
‫في إشــارة إلى الدولــة ومؤسســاتها‪ .‬فمــا المقصــود بالســلطة؟ ومــا هي أنواعهــا؟ ومــاهي الســطة السياســية؟ ومــا‬
‫شرعيتها ومشروعيتها؟‬

‫الفرع األول‪ :‬مفهوم السلطة‬

‫يصعب تعريف السلطة بسبب تعدد صفاتها‪ ،‬وقد كانت ظاهرة السلطة منذ العصور القديمة حـتى الـوقت الحاضـر‬
‫موضوع عناية من قبل المفكرين والفالســفة‪ ،‬مــع ذلــك ال يوجــد تعريــف متفــق عليــه من قبــل الجميــع‪ ،‬لــذلك فــإن‬
‫تشــخيص ماهيــة الســلطة ووظائفهــا وطبيعــة العالقــات الــتي تقــوم عبرهــا وخاللهــا تختلــف من بــاحث إلى آخــر‪،‬‬
‫باختالف منطلقاته النظرية أو اإليديولوجية‪ .‬وعلى صعيد آخر أن صعوبة مفهوم السلطة يــأتي من كونهــا ظــاهرة‬
‫تتطور باستمرار وتأخذ أشكاال مختلفة‪ .‬وقــد مــرت بمراحــل نوعيــة في تطورهــا‪ ،‬اعتبــارا من العنــف النــاجم عن‬
‫إرادة فجة للسيطرة على اآلخر‪ ،‬إلى عمل إقناعي لــزج المــواطن في عمــل جمــاعي مشــترك‪ .‬ومن ناحيــة أخــرى‬
‫امــتزجت الســلطة بكــل أوجــه العالقــات اإلنســانية في الحيــاة االجتماعيــة المشــتركة‪ ،‬وهي مرتبطــة بكــل تنظيم‬
‫مؤسسي‪ ،‬إذ التعاون أو الصراع النـاجم عن العالقـات السياسـية االجتماعيـة واالقتصـادية الـتي تقـوم بين األفـراد‬
‫والجماعات‪ ،‬هي نتيجة مباشرة لوضع السلطة في المجتمع‪.‬‬

‫إن السلطة بمعناها الواسع‪ ،‬هي شكل من أشكال القوة‪ ،‬فهي الوسيلة التي من خاللها يستطيع شــخص مــا أن يــؤثر‬
‫على سلوك شخص آخر‪ .‬إال أن السلطة تتميز عن القوة‪ ،‬بسبب الوسائل المتباينة التي من خاللهــا يتحقــق اإلذعــان‬
‫أو الطاعة‪ .‬فبينما يمكن تعريف القوة على أنها القدرة على التأثير على سلوك اآلخرين‪ ،‬فــإن الســلطة يمكن فهمهــا‬
‫على أنها الحق في القيام بذلك‪ .‬إن القوة تحقق اإلذعان من خالل القــدرة على اإلقنــاع‪ ،‬أو الضــغط‪ ،‬أو التهديــد‪ ،‬أو‬
‫اإلكــراه‪ ،‬أو العنف‪ .‬أمــا الســلطة فهي تعتمــد على "الحــق في الحكم"‪ ،‬ويحــدث اإلذعــان من خالل الــتزام أخالقي‬
‫ومعنوي من قبل المحكوم بأن يطيع‪ .‬ورغم اختالف الفالسفة السياسيين حول األسس التي ترتكــز عليهــا الســلطة‪،‬‬
‫فإنهم اتفقوا على أنها ذات طابع أخالقي ومعنوي "السلطة يجب أن تطاع"‪.‬‬

‫وتشير السلطة في اللغة العربية غالبا إلى معنيين‪ :‬األول ينطوي على معنى القوة‪ ،‬أما المعنى الثاني فينطــوي على‬
‫دالالت سياسية أو قانونية محددة‪ ،‬فيقال مثال الســلطة السياســية‪ ،‬أو الســلطة الشخصــية‪ ،‬أو الســلطة الفرديــة‪ ،‬وفي‬
‫بعض األحيــان تســتخدم للتعبــير عن وظــائف الدولــة أو مرادفــة للصــالحيات واالختصاصــات‪ .‬والواقــع أن كلمة‬
‫‪ POUVOIR‬الفرنسية المنحدرة من أصل ال تيني تعــني لغويــا القــدرة أو المكنــة أو االســتطاعة‪ .‬أمــا في اللغــة‬
‫العربية‪ ،‬فلم يرد في المعاجم القديمة لفظة "السلطة" ومع ذلــك فقــد عــرفت الســلطة من خالل اشـتقاقها‪ ،‬وبخاصــة‬
‫لفظة "سلطان" والتي تعني الحجة‪ .‬وعليه فــإن أصــل التعبــيرين في اللغــة العربيــة وفي اللغــة الفرنســية مختلــف‪،‬‬
‫بحيث في اللغة العربية استخدم تعبير "السـلطان" وليس السـلطة‪ ،‬ألن القـوة والقهــر تمـارس بمشـيئة إلهيـة‪ ،‬وهي‬
‫مصدرها وشرعيتها‪.‬‬

‫ويعرف "أوبنهايم" السلطة على أنها "كل من يقوم بعمل سلطة فإنه يقصد التحكم في نشاطات اآلخرين لتحقيق‬
‫غرضه الخاص به"‪ .‬ويراهــا "هــارود الســويل"‪ ،‬هي "عمليـة التــأثير في سياســية اآلخــرين‪ ،‬بممارســة الحرمــان‬
‫الشديد عليهم أو التهديد به لغرض امتثالهم إلى السياسة المعروضة للتنفيذ"‪.‬‬

‫وترتكز العالقة الســلطوية على ثالث مقومــات أساســية‪ :‬األولى‪ ،‬طــرفي الســلطة‪ ،‬أي وجــود من يصــدر األوامــر‬
‫بصفته الجهة التي تضطلع بالمهــام والمتطلبــات الســلطوية (الجهــة المعنيــة بممارســة الســلطة)‪ ،‬والثانية‪ ،‬الوعــاء‬
‫الحقوقي الذي تنظم فيه عالقة طرفي السلطة (تنظيم العالقة بين الحاكم والمحكــوم)‪ ،‬والثالثة‪ ،‬الشــرعية الــتي هي‬
‫من المقومات األساسية لبناء السلطة كونها عالقة مقبولة من قبــل أفــراد المجتمــع مــع مــالكي الســلطة (الرضــا أو‬
‫القبول)‪.‬‬

‫ويرى "تالكورت بارسونز" السلطة بأنهــا "القــدرة على ممارســة بعض الوظــائف لفائــدة نظــام اجتمــاعي مــأخوذ‬
‫بكليته"‪ .‬ويضيف بأن السلطة هي قدرة وحدة اجتماعية على ضمان تنفيذ االلتزامات التي اكتسبت صفة الشرعية‪،‬‬
‫لكونهــا تعبــير عن أهــداف مجتمعيــة ويعــاقب من يمتنــع عن القيــام بها‪ .‬ويــرى "مــاكس فيــبر" بــأن الســلطة هي‬
‫"المجموعة السياسية التي تسيطر وتطبق أوامرها على إقليم معين بواسطة تنظيم إداري يستخدم التهديد واللجــوء‬
‫إلى اإلجبــار المــادي"‪ .‬وبنــاء على ذلــك فــإن عناصــر الســلطة السياســية هي‪ :‬األول‪ ،‬يتعلــق بمجموعــة الســيطرة‬
‫والتنظيم اإلداري‪ ،‬فهو ينطلق من البنية االجتماعية بوصفها مجموعة سيطرة‪ .‬والعنصر الثاني‪ ،‬يكمن في اللجــوء‬
‫إلى اإلجبار المادي‪ ،‬الذي هو وسيلة نوعية للعمل السياسي‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬أنواع السلطة‬

‫لقد حدد "ماكس فيبر" ثالث أنواع أساسية للسلطة وهي‪:‬‬

‫‪ ‬السلطة التقليدية‪ :‬وتقوم على التقاليد واألعراف وحكم المعتقدات‪ ،‬وكذلك على القواعد الــتي تضــفي الشــرعية‬
‫على الحكام التقليديين‪ .‬حيث في هذا النوع تستند المشروعية على قدسية النظام المتعلقة بمكانة الســلطة في إطــاره‬
‫والبعد القيمي والدعم الذي يتوفر لها من خالل العمــق الزمــني الــذي وجــدت خالله‪ .‬ومفهــوم الشــرعية يتحــدد في‬
‫ثالثة عناصر‪ :‬األول‪ ،‬تظهر ممارسة السلطة بمشاركة األفراد مشاركة تقليدية‪ .‬والثاني تتم ممارسة السلطة حسب‬
‫المكانة االجتماعية والوضع اإلداري‪ .‬والثالث توجد حرية في استخدام القوانين التقليدية‪.‬‬

‫السلطة الملهمة (الكاريزما)‪ :‬فعندما تنهار القيم والقواعد في المجتمع التقليدي‪ ،‬تظهر زعامات من نــوع جديــد‬ ‫‪‬‬

‫تقود حركة التطور إلى األمام‪ ،‬هذه الزعامات ال تتقيد بالوضع القائم‪ ،‬وإنما تستوحي مسيرة التاريخ بوعي مكثــف‬
‫وإرادة قوية‪ .‬واألساس الذي تقوم عليه مثل هذه الزعامــات هي مزايــا تفــوق الشخصــية ولــدى الــزعيم (الهيبــة أو‬
‫البطولة أو صفات ناذرة)‪ ،‬وتكاد شخصيته تقف على قدم المساواة مع القواعد القانونية‪ ،‬وطاعة األفــراد لــه تتــأتى‬
‫من خالل اإليمان به‪.‬‬

‫‪ ‬الســلطة العقالنيــة (القانونية)‪ :‬وهي الــتي توجــد في المجتمعــات البشــرية الحديثة‪ .‬وتقــوم على مجموعــة من‬
‫القواعــد القانونيــة المبنيــة على أســاس المنطق‪ .‬وكــل من لــه ســلطان يســتمد صــالحيته من القواعــد الدســتورية‬
‫والقانونية‪ .‬ومصدر السلطان قائم أساسا في طبيعة النظام الشرعي ذاته‪.‬‬

‫ومن جهة أخرى‪ ،‬يرى "جون كنيث غالبريث" في كتابه "تشــريح الســلطة"‪ ،‬هــو أن الســلطة عمليــا تنــدرج تحث‬
‫ثالثة أنواع وهي‪:‬‬

‫‪ ‬الســلطة القســرية‪ :‬تتمكن من اإلخضــاع عن طريــق قــدرتها على فــرض بــديل ألولويــات الفــرد أوالمجتمع‪.‬‬
‫وتحظى هذه السلطة باإلخضاع عن طريق التهديد بفرض عقوبات صارمة‪.‬‬

‫‪ ‬السلطة التعويضية‪ :‬حيث تحظى هذه السلطة بتحقيق غاياتها عن طريق عرض مكافآه إيجابية مقابل خضوع‬
‫األفراد‪.‬‬

‫‪ ‬السلطة التالؤمية‪ :‬فيتم تبادل الرأي والمعتقد‪ .‬وعن طريق اإلقناع والتثقيف وااللتزام يخضع اإلنســان لرغبــة‬
‫اآلخرين‪ .‬وهذا النوع من السلطة متوافق عليه في السياسة المعاصرة‪.‬‬

‫وتقف خلف هذه األدوات الثالثة مصادر تميز بين من يمسكون بزمام السلطة وبين من يخضعون لها وهي‪:‬‬

‫‪ ‬الشخصــية‪ :‬يكــون العنصــر القيــادي أســاس عــام فيهــا‪ ،‬والقــدرات الشخصــية‪ ،‬أي الصــفات الشخصــية تســهم‬
‫باإلمساك بأدوات السلطة؛‬

‫‪ ‬الملكية‪( :‬الثروة)‪ ،‬فتضفي مسحة من السلطة والتأكد من الهدف‪ ،‬وتؤمن الطريق لشراء الخضوع؛‬

‫‪ ‬التنظيم‪ :‬فهو المصدر األكثر أهمية للسـلطة في المجتمعــات الحديثـة‪ ،‬وهـو مرتبــط بالسـلطة التالؤمية‪ .‬وكلمـا‬
‫جرى البحث عن ممارسة السلطة‪ ،‬فإن األمر يتطلب التنظيم الذي يؤدي بدوره إلى اإلقناع المطلوب‪ ،‬والخضــوع‬
‫ألهدافه‪.‬‬

‫وهناك عالقة مبدئية بين كل األدوات المشار إليهــا والــتي يتم بواســطتها ممارسـة الســلطة وبين مصــادر الســلطة‪.‬‬
‫فالشخصية والثروة والتنظيم تتجمع في قوى متنوعة‪ .‬ومن هنـا يتم تكـوين تشـكيل متنـوع من األدوات الـتي تتحـد‬
‫لفرض السلطة‪.‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬مفهوم السلطة السياسية‬

‫يرى "هانز مورغانثاو" أن السلطة السياسية‪ ،‬هي عالقة نفسية بين من يمارسون السلطة وبين من تمارس عليهم‬
‫الســلطة‪ ،‬وهي تعطي للحــاكمين حــق مراقبــة أفعــال المحكــومين‪ ،‬من خالل التــأثيرات الــتي تباشــرها على عقــول‬
‫وأفكار المحكومين‪ ،‬كما أن أساس خضوع هؤالء لتأثير السلطة ينبع من مصادر ثالثة وهي‪:‬‬

‫‪ .1‬توقعهم الحصول على منافع أو مزايا؛‬

‫‪ .2‬خوفهم من مضار أو مساوئ عدم الخضوع؛‬

‫‪ .3‬حبهم للنظام أواحترامهم للحاكمين‪.‬‬

‫أما ممارسة هذه الســلطة فقــد تكــون من خالل األوامــر أو التخويــف والتهديــد‪ ،‬أو اإلقنــاع‪ ،‬أو قــد تكــون من هيبــة‬
‫الحكام‪ ،‬أو سطوة جهاز أو هيئة‪ ،‬وقد يكون خليطا من هذه الوسائل مجتمعة‪.‬‬

‫وهنــاك من يــرى أن لمصــطلح الســلطة السياســية معنــيين‪ ،‬األول معنــوي‪ ،‬والثــاني مــادي‪ .‬بحيث تعــني الســلطة‬
‫السياسية بمعناها المادي‪ ،‬القوة والقدرة على السيطرة التي يمارسها الحكام على المحكومين‪ ،‬والمتمثلة في إصدار‬
‫القواعد القانونية الملزمة لألفراد‪ ،‬وفي إمكانية فرض هــذه القواعــد عليهم باســتخدام القــوة المادية‪ .‬في حين يتمثــل‬
‫معناها العضوي في أجهزة الدولة‪.‬‬

‫وهناك مصادر ضرورية للسلطة السياسية وهي‪:‬‬

‫‪ ‬إيمان الناس بشرعية النظام وأن طاعته واجب أخالقي؛‬

‫‪ ‬الموارد البشرية (األشخاص والجماعات التي تطيع وتقدم العون للحكام)؛‬

‫‪ ‬المهارات والمعرفة؛‬

‫‪ ‬العوامل النفسية والفكرية التي تحث الناس على طاعة الحاكم؛‬

‫‪ ‬المصــادر الماديــة (ســيطرة وتحكم الحكــام بالممتلكــات والمصــادر الماليــة والنظــام االقتصــادي ووســائل‬
‫االتصال والمواصالت)؛‬

‫‪ ‬العقوبات( التهديد باستخدامها لضمان الخضوع والتعاون الالزمين)‬

‫وتعتمد هذه المصادر على قبول النظام الحاكم وعلى خضوع وطاعة جموع المواطنين له وتعاونهم‪.‬‬

‫اﻟﻤﻨﺘﺪى اﻟﻄﻼﺑﻲ‬
‫‪https://forum.fsjes-agadir.info/‬‬
‫الفرع الرابع‪ :‬عناصر السلطة السياسية‪:‬‬

‫هناك عدة عناصر أساسية للسلطة تستند عليها في ممارستها‪ ،‬ويمكن إجمالها في عنصرين‪ ،‬األول مــادي والثــاني‬
‫غير مادي‪.‬‬

‫أوال‪ :‬العناصر المادية للسلطة السياسية‬

‫تتمثل العناصر المادية للسلطة السياسية في القوة الطبيعية‪ ،‬والقوة االقتصادية‪:‬‬

‫‪ .1‬القــوة الطبيعية‪ :‬لقــد لعبت القــوة الطبيعيــة دورا كبــيرا في ظهــور وتطــور ظــاهرة الســلطة‪ ،‬فالســجن‬
‫والعقوبات يوجد في الممارســات البوليســية وفي كــل قــوانين الجــزاء للــدفاع على النظــام القــائم وضــمان‬
‫احترامه‪ ،‬وبعبارة أخرى أن العقوبات التي تنطــوي عليهــا قــوانين الجــزاء وكــذلك اإلجــراءات البوليســية‬
‫ليست في الواقع سوى وسائل بيد القائمين على السلطة‪ .‬وتبدو طبيعة عنصر القوة في تكوين السلطة عنــد‬
‫حدوث ما يعكر أمن وسالمة النظام القائم إلى حد خطير‪ ،‬إذ تظهر وقتئذ القوة الطبيعية على حقيقتها‪.‬‬

‫‪ .2‬القوة االقتصادية‪ :‬إن من يتحكم في القوة االقتصادية يســتطيع أن يتحكم بمن يتعــرض لها‪ .‬وبهــذا تقــترب‬
‫القوة االقتصــادية من القــوة الطبيعيـة‪ ،‬ألنهـا تتكــون أساســا من حرمــان المــرء من مصــادر العيش مقابــل‬
‫إجباره على الطاعة‪ .‬والطبقة االجتماعية التي تمتلك وسائل اإلنتاج تمتلك السلطة السياسية وتسـيطر على‬
‫أجهزة الحكم في المجتمع‪ .‬وبالمقابل فإن السلطة تنطوي على عناصر مادية مجزية لقاء طاعة من يصدر‬
‫األمر‪.‬‬

‫ثانيا العناصر غير المادية للسلطة السياسية‪:‬‬

‫يمكن إيجاز هذه العناصر فيما يلي‪:‬‬

‫‪ .1‬الهيبة‪ :‬هي ظاهرة اجتماعية ونفسية معقدة يصعب تحليلهــا‪ ،‬ولكن يمكن مالحظتهــا ويرجــع تأثيرهــا إلى‬
‫عدة عوامل منها‪:‬‬

‫‪ ‬العوامل النفسية‪ :‬أن من يتمتع بهيبة هو حجة في مجال اختصاصه وفي الوســط االجتمــاعي الــذي يعيش‬
‫فيه‪ ،‬فتفوق الشخص ثم اإلعجاب به واحترامـه وإجاللــه‪ ،‬هي العوامــل األساسـية الــتي تنشـأ عنهــا الهيبة‪.‬‬
‫وهيبة الشخص هي نتاج خصائصه الفردية وشخصيته القوية؛‬

‫‪ ‬العوامل المادية‪ :‬هناك وسائل مادية عديدة تستخدم لتعزيز الهيبة مثل المواكب واالستعراضات الرسمية‪،‬‬
‫واألوسمة‪ ،‬فضال عن تأثير وسائل اإلعالم‪.‬‬

‫‪ .2‬النفوذ‪ :‬وهو الطريقة التي يمكن بواسطتها إجراء تأثير على آراء ومواقف اآلخرين‪ ،‬بعمل متعمد ولهدف‬
‫مقصود‪ .‬فالنفوذ هو القدرة االجتماعية في التأثير على ممارسة الســلطة من قبــل صــانعي القــرار‪ .‬ويــرى‬
‫"روبرت دال" أن النفوذ هو عالقة بين فاعلين يقنع أحد منهم اآلخر بأن يقوم بعمل مــا وبطريقــة ال يعمــل‬
‫بها في مناسبة أخرى‪ .‬فالنفوذ هو وسيلة عامة في التفاعل االجتماعي الــذي يتم بين الوحــدات االجتماعيــة‬
‫المختلفة‪ ،‬فهو وسيلة في اإلقناع‪.‬‬

‫الفرع الخامس‪ :‬شرعية ومشروعية السلطة السياسية‬

‫الشرعية هو مفهوم يرمز إلى العالقة بين الحاكم والمحكوم المتضمنة توافق العمل أو النهج السياسي للحكم مــع‬
‫المصالح والقيم االجتماعية للمواطنين بما يؤدي إلى القبول الطوعي من قبــل الشــعب بقــوانين وتشــريعات النظــام‬
‫السياسي‪ .‬وبالنسبة إلى "ماكس فيــبر" تكــون الشــرعية عالقـة تبادليــة بين الحكـام والمحكــومين‪ ،‬وذلــك أن مقابـل‬
‫طاعة المحكومين لألوامر الصادرة عن السـلطة يقـوم الحـاكم بتقـديم دليـل على قدرتـه على خدمـة شـعبه‪ .‬ويــرى‬
‫"فيبر" أن الشرعية تشير إلى االعتقاد في "الحق في الحكم"‪ ،‬بمعنى آخر‪ ،‬يمكن وصف نظام الحكم بأنه شــرعي‪،‬‬
‫شريطة أن يكون شعبه مستعدا لالذعان والطاعة‪ .‬بينما يرى "أريسطو" أن الحكم يكون شرعيا فقط عنــدما يعمــل‬
‫لصالح المجتمع ككل‪ ،‬وليس من أجل المصـالح األنانيـة للحكــام‪ .‬ويعتقــد "روسو" أن الحكومــة تكـون شــرعية إذا‬
‫كانت معتمدة على "إرادة عامة"‪.‬‬

‫وحاول "دافيــد بيتهــام" في كتابـه "إكسـاب الشـرعية للقـوة" المنشــور سـنة ‪ ،1991‬أن يطــور مفهومـا اجتماعيــا‬
‫وعمليا للشرعية‪ ،‬فمن وجهة نظر "بيتهام" فإنه يمكن اعتبار القوة شرعية إذا استوفت ثالثة شروط‪:‬‬

‫يجب أن تمارس القوة طبقا لقواعد راسخة‪ ،‬سواء كانت متضمنة في مجموعة قــوانين رســمية أو مواثيــق‬ ‫‪)1‬‬
‫غير رسمية؛‬

‫يجب أن تبرر هذه القواعد من منظور المعتقدات المشتركة للحكومة والمحكومين؛‬ ‫‪)2‬‬

‫يجب أن يتم إثبات الشرعية بالتعبير عن الموافقة من جانب المحكومين‪.‬‬ ‫‪)3‬‬

‫إن السلطة الشرعية هي السلطة ذات السند الصحيح وممارستها صحيحة‪ ،‬فالشرعية هي الزاويــة الــتي يقــف فيهــا‬
‫صاحب السلطة‪ .‬والمشروعية هي الزاوية التي تقف فيها الرعية‪ .‬وعندما يتدرع الحاكم بالشرعية‪ ،‬تتذرع الرعيــة‬
‫بالمشــروعية‪ .‬وأن تكــون الســلطة شــرعية‪ ،‬هــذه مصــلحة الحــاكم‪ ،‬وأن تكــون مشــروعية فهــذه مصــلحة الرعيــة‪.‬‬
‫فبالنسبة للحاكم‪ ،‬الشرعية هي تؤسس حقه‪ ،‬والمشروعية تؤسس واجبه‪ .‬أما بالنسبة للرعيــة فهي العكس من ذلــك‪،‬‬
‫فشرعية السلطة أساس ومرتكز واجبه في الطاعة والخضوع‪ ،‬ومشــروعية السـلطة هي الضــمانة األساســية لحقـه‬
‫في أال يضطهد‪ .‬وتأسيسا على ذلك يمكن القول‪ ،‬أن الشرعية مصطلح سياسي‪ ،‬بينما المشروعية مصطلح قانوني‪،‬‬
‫فالشرعية مصدرها إرادة الشعب‪ ،‬أما المشروعية فمصدرها القوانين والدساتير‪ ،‬الشرعية لها بعــد قيمي ومعنــوي‬
‫(أخالقي)‪ ،‬والمشروعية لها بعد قانوني‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬جماعات الضغط أو المصالح كفاعل سياسي‪:‬‬

‫لقــد ســبق وأن تطرقنــا لتعريف جماعــات الضــغط أو المصــالح في المبحث األول‪ ،‬وأشــرنا إلى أنهــا عبــارة عن‬
‫مجموعة من األفراد تسعى للتأثير بوســائلها على عملية صــنع السياســيات العامــة لـدفعها في االتجــاه الـذي يحقـق‬
‫مصالح أعضائها المادية أو المعنوية‪ ،‬دون السعي للمشاركة في الحكم أو تحمل مسؤوليته‪ .‬وهنا ســنرى جماعــات‬
‫الضغط كفاعل سياسي‪ ،‬وذلك من خالل عرض أشكالها ووظائفها وأساليب عملها‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬أشكال جماعات الضغط أوالمصالح‬

‫تتنوع جماعات الضغط وتختلف أنواعها بشكل كبير‪ ،‬وهناك معايير عدة تستخدم لتصــنيف هــذه الجماعــات‪ ،‬ومن‬
‫أهمها ما يلي‪:‬‬

‫‪ .1‬المعيار التنظيمي أوالقانوني‬

‫وفقا لهذا المعيار يوجد ثالثة أنواع من هذه الجماعات‪:‬‬

‫‪ ‬الجماعــة المنظمة‪ :‬وهي تلــك الجماعــة الــتي لهــا تنظيم قــانوني معــترف بــه من قبــل الســلطة ولهــا مقــر‬
‫وعضوية ومصادر تمويل معروفة وهيكل إداري مثل النقابات وغرف التجارة والصناعة‪.‬‬

‫‪ ‬الجماعات شبه المنظمة‪ :‬هي الجماعات التي لها تنظيم رسمي وقانوني ولكنهــا ال تلــتزم بهــذا التنظيم في‬
‫تحركاتهــا المطلبيـة واحتجاجاتهـا كاالتحــادات الطالبيـة الــتي تتجــاوز أطرهـا التنظيميـة أثنــاء تحركاتهـا‬
‫االجتماعية‪ ،‬بل إن بعضها قد يخالف في بعض األحيان توجهات األطر التنظيمية التي ينتمي إليها‪.‬‬

‫‪ ‬الجماعات غير المنظمة‪ :‬وهناك من يطلق عليها تسمية الجماعات غير المشروعة‪ ،‬وهي الجماعات التي‬
‫قد تتحرك تلقائيا وعفويا في مناسبات معينة ثم تنفض دون أن يتوفر لها إطــار تنظيمي دائم أو الجماعــات‬
‫التي يتوفر لها إطار تنظيمي دائم ولكنه غير مشروع وهي تمارس نشــاطها بالســر مثــل بعض عصــابات‬
‫اإلجرام والمافيا والجماعات اإلرهابية والحركات العنصرية أو الطائفية المتطرفة‪...‬إلخ‪.‬‬

‫‪ .2‬معيار طبيعة المصلحة‬

‫وفقا لهذا المعيار يتم تصنيف الجماعات الضاغطة حســب نوعيـة المصــالح الــتي تتبناهــا‪ ،‬فهنــاك شــروط‬
‫العمل ألعضائها مثل نقابات العمال‪ ،‬والجماعات التي تسعى إلى االرتقاء باألوضــاع الماليــة ألعضــائها‪،‬‬
‫ومنها على سبيل المثال‪:‬‬

‫‪ ‬جماعــات الضــغط المهنية‪ :‬تســعى إلى تنظيم أصــول مزاولــة المهنــة كنقابــات األطبــاء والمهندســين‬
‫والمحامين والصحافيين وغــيرهم‪ ،‬وهي جماعــات تتمــيز بالتجــانس في التخصــص والتقــارب بالمســتوى‬
‫الوظيفي والثقافي‪.‬‬
‫‪ ‬جماعات المصالح السياسية‪ :‬هي الجماعات التي تتبنى مصالح سياســية محــددة مثــل اللــوبي الصــهيوني‬
‫بالواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬أوالجماعات الداعية إلى حظر السالح النووي والتجارب النووية‪.‬‬

‫‪ ‬جماعات الضغط ذات الطبيعة اإلنسانية‪ :‬تسعى لتحقيق أهــداف إنســانية نبيلــة كجمعيــات حمايــة األطفــال‬
‫والمسنين وذوي االحتياجات الخاصة وكل الفئات الضعيفة‪ ،‬وجمعيات الرفق بالحيوان‪.‬‬

‫‪ .3‬معيار نطاق المصلحة‬

‫مثل جمعيات حماية البيئة أو حقوق اإلنسان سواء تعلق األمر بقضايا محلية أو إقليمية أو عالمية‪.‬‬

‫‪ .4‬معيار االستمرارية‬

‫هناك جماعات الضغط الدائمة وأخرى مؤقتة‪:‬‬

‫‪ ‬جماعــات الضــغط الدائمة‪ :‬ويقصــد بهــا تلــك الــتي تمــارس نشــاطا لــه طــابع االســتمرارية مثــل النقابــات‬
‫وجمعيات حماية المستهلك‪.‬‬

‫‪ ‬جماعات الضغط المؤقتة‪ :‬يقصد بها تلك الجماعات التي تظهر بمناســبة معينـة أو إلنجــاز هــدف فرضـته‬
‫عوامل وأوضاع طارئة ثم تختفي بمجرد انتهاء األمر أو حل المشكلة المعينة‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬وظائف جماعات الضغط‬

‫في الوقت الذي تسعى فيه األحزاب السياســية إلى امتالك الســلطة تبقى جماعــات الضــغط خــارج الســلطة‪ ،‬بحيث‬
‫تنصــب وظيفتهــا األساســية على التــأثير على الرجــال القابضــين على الســلطة‪ .‬وتكــون جماعــات المصــالح حلقــة‬
‫وسيطة بين المجتمع والدولة بعدة وظائف يمكن تلخيصها فيما يلي‪:‬‬

‫‪ .1‬التعبير عن مصالح األعضاء‬

‫تقوم جماعات المصالح بتحديد مصالح األعضاء بوضوح وبلورة احتياجاتهم ومطالبهم وتقديمها للجهــات‬
‫المعنية وهي بذلك تعبر عن آراء أعضائها من ناحية وتساعد صناع القرار على معرفة مطالب الجماعــة‬
‫بشكل أوضح من ناحية أخرى‪.‬‬

‫‪ .2‬االتصال وضبط سلوك األعضاء‬

‫تقوم جماعات الضغط بتبني مطالب األعضاء وتقــديمها إلى صــناع القــرار وبــذلك تجنبهم االحتكــاك مــع‬
‫أجهزة الســلطة‪ ،‬كمــا تقــوم بتســهيل االتصــال بين األعضــاء والحكومــة‪ ،‬وهي تقــوم بــدور مهم في تهيئــة‬
‫األوضــاع لفهم أو تفــاهم أفضــل بين الشــركاء االجتمــاعيين‪ ،‬ومن تم في ضــبط الســلوك ومنــع التطــرف‬
‫وتهدئة الخواطر على الجانبين‪.‬‬
‫‪ .3‬التعبئة والتنشئة االجتماعية والمشاركة السياسية‬

‫تقوم جماعات الضغط بوظيفة تربوية وتعليميــة وذلــك بغــرس قيم سياســية جديــدة في المجتمــع وتوعيــة‬
‫المواطنين بحقوقهم وواجباتهم‪ ،‬فضال عن تدريب المواطنين على العمل الجماهيري والسياسي بمــا يمكن‬
‫من ظهور قيادات سياسية فاعلة في المجتمع‪ ،‬وبشكل عام تعد جماعات الضغط مدارس للتنشئة السياســية‬
‫والتثقيف السياسي وغرس قيم الوطنية في المجتمع‪.‬‬

‫‪ .4‬تقديم الخدمات‬

‫تعمل جماعات الضغط على تقديم خدمات مباشرة ألعضائها‪ ،‬كـأن تســاعدهم في الحصــول على مســاكن‬
‫أو أراضــي للبنــاء أو ســيارات أو إقامــة مشــروعات لتطــوير األحيــاء والمنــاطق ممــا يســهم في تنميــة‬
‫المجتمعات‪.‬‬

‫الفرع الرابع‪ :‬أساليب جماعات الضغط‬

‫تستخدم جماعات الضغط عدة وسائل من أجل تحقيق أهدافها ومصالحها‪ ،‬فهي تستخدم أساليب مشروعة مثل‪،‬‬
‫الحوار والنقاش والتفاوض وإعداد الدراسات العلمية حول الموضوعات التي تتبناها وتقديمها إلى صــانع القــرار‪،‬‬
‫وأساليب غير مشروعة كالرشاوى واستخدام العنف‪ .‬ويمكن إجمال أهم هذه األساليب فيما يلي‪:‬‬

‫‪ .1‬االتصال بالمؤسسات السياسية‬

‫فقد تلجأ جماعة الضــغط أو المصـالح إلى االتصـال بأعضـاء البرلمـان لحثهم على استصـدار قـرار‬
‫أوقانون معين يخدم مصــلحتها أو االتصــال بالســلطة التنفيذيــة بهــدف إقناعهــا بانتهــاج سياســة معينــة‬
‫أوإلغاء إجراءات تضر بمصلحة الجماعة‪ .‬وفي بعض األحيــان تقـوم الســلطات من جانبهـا باالتصــال‬
‫بهذه الجماعات بهدف استطالع رأيها حول مشروعات القوانين قبل إصدارها‪.‬‬

‫‪ .2‬المساندة االنتخابية‬

‫حيث تقوم جماعة الضغط خالل قترة االنتخابات بمســاندة األحــزاب واألفــراد المؤيــد لمطالبهــا وهي‬
‫تهدف من وراء ذلك إلى اكتساب رضا هذه األحزاب والقيادات ومن ثم النفاذ إلى مواقع صنع القــرار‬
‫والتأثير على السياسات الحكومية بما يخدم مصلحتها‪.‬‬

‫‪ .3‬االستمالة‬

‫تلجأ جماعة الضغط إلى التقرب من المسؤولين الحكوميين بإقامة عالقــات معهم بهــدف كســبهم إلى‬
‫صــفها وقــد تســتخدم في ذلــك وســائل مشــروعة وأخــرى غــير مشــروعة كتقــديم الهــدايا والرشــاوى‬
‫وغيرها‪.‬‬

‫‪ .4‬مخاطبة الرأي العام‬


‫وهنا تقوم الجماعة بمخاطبة الرأي العام بهدف كسب تعاطفهم أو تجنب معارضته لمطالب الجماعــة‪،‬‬
‫وبســبب زيــادة أهميــة الــرأي العــام في العقــود األخــيرة والنــاتج عن التطــورات الهائلــة في تقنيــة‬
‫االتصاالت فقد أصبحت جماعة المصالح تولي الرأي العــام أهميــة كبــيرة وتعــول عليــه في معاركهــا‬
‫المحتملة مع السلطات الحاكمة‪.‬‬

‫‪ .5‬االحتجاجات العنيفة‬

‫على الرغم من أن جماعات المصالح أو الضغط تعول كثيرا على الوسائل السلمية لتحقيق مصالحها‬
‫إال أنها تلجأ في بعض األحيان إلى وســائل عنيفــة كاإلضــراب عن العمــل أو تســيير المظــاهرات إلى‬
‫غير ذلــك من الوســائل العنيفــة وغيرهمــا‪ ،‬بكــل مــا تنطــوي عليــه هــذه الوســائل من احتمــال تخــريب‬
‫أوإهدار للموارد وتبديــد للطاقــات بحيث يصــبح أمــرا واردا‪ ،‬كمــا تصــبح احتمــاالت اســتخدام العنــف‬
‫المضاد من قبل الحكومة أو السلطات المعنية أمرا واردا أيضا‪ ،‬مما يفتح الباب أمام احتماالت دخــول‬
‫المجتمع بأسره في دوامة من عدم االستقرار االجتماعي والسياسي‪.‬‬

‫وفي األخــير يكمن القــول إن جماعــات الضــغط أو المصــالح تعــد إحــدى آليــات النظــام السياســي الضــرورية لمــد‬
‫الجسور بين الحاكمين والمحكــومين‪ ،‬ولقيــاس درجــة االســتقرار‪ ،‬واالنتظــام في أداء مؤسســات الدولــة والمجتمــع‬
‫ككل‪ .‬كما أن المناخ السائد في المجتمع يؤثر تأثيرا كبيرا في الوزن والتأثير النسبي لجماعــات المصــالح المختلفــة‬
‫في عمليات صنع القرار‪ ،‬فعلى سبيل المثال تشهد فترات التحول التي تمر بها المجتمعات عمليات فرز تؤدي إلى‬
‫صعود نفوذ جماعات وتدهور نفوذ أخرى‪ .‬وعلى سبيل المثال ففي المجتمعات التي تمر بمرحلة انتقال من النظــام‬
‫االشتراكي إلى النظام الرأسمالي ومــا يصــاحبها من عمليــات بيــع واســعة النطــاق للشــركات والمؤسســات العامــة‬
‫التابعة للدولة وتحويلها إلى شركات خاصة تصبح فيها قدرة منظمات رجال األعمــال على النفــاذ إلى قلب مراكــز‬
‫صنع القرار على كل المستويات كبيرة جدا‪ .‬وفي أحيــان كثـيرة يصـبح رجـال األعمــال الكبــار هم صــناع القــرار‬
‫الحقيقيين‪ ،‬أو على األقل‪ ،‬الشركاء شــبه الرســميين في عمليــة صــنع القــرار‪ ،‬وعنــدما تكــون فــترات التحــول هــذه‬
‫مصحوبة بضعف سلطة الدولة وتراخي قبضتها تنشــط جماعـات المصـالح غـير الرسـمية وغـير الشــرعية‪ ،‬مثـل‬
‫عصابات المافيا والجريمة المنظمة‪ ،‬وتجد مناخا مواتيا للعمل واالنتشار وتدعيم قدرتها على التأثير والنفوذ‪.‬‬

‫وتجدر اإلشارة إلى أنه ال يوجد فرق بين جماعات المصــالح وجماعــات الضــغط‪ .‬إنمــا جــرت العــادة على إطالق‬
‫تسمية جماعات المصالح في الواليات المتحدة األمريكية بينما في ابريطانيا تسميهم بجماعــات الضــغط‪ ،‬فالتســمية‬
‫تطلق على قوى واحدة من حيث المبدأ‪.‬‬

‫اﻟﻤﻨﺘﺪى اﻟﻄﻼﺑﻲ‬
‫‪https://forum.fsjes-agadir.info/‬‬
‫المطلب الرابع‪ :‬األحزاب السياسية كفاعل سياسي‬

‫يعتبر الحزب تنظيما سياسيا يجمع عددا من األفراد الذين يؤمنون بفكـرة أو معتقـد سياسـي يشــكل رؤيـة مشـتركة‬
‫وينبثق عنهم مقدرة كافية من االنضباط وااللتزام‪ ،‬ويعملون جاهدين لتحقيق هــدفهم في الوصــول إلى الســلطة من‬
‫أجل تطبيق رؤيتهم السياسية من خالل إدارة الدولة والمجتمع‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬عناصر وشروط الحزب السياسي‬

‫لكي ينشأ الحزب السياسي ويقوم ال بد من أن تتوفر فيه جملة من العناصر والشروط يمكن إجمالها فيما يلي‪:‬‬

‫أوال‪ :‬اإلطار التنظيمي‬

‫من حيث األصل يتعين على األحزاب السياسية أن تكون "أجهزة متماسكة"‪ ،‬إذ من دون هذا التماســك والتنظيم ال‬
‫تستطيع االستمرار وال الدخول في الجسم االنتخابي وال العمل من أجل تحقيق برامجها السياســية‪ .‬فمن المفــترض‬
‫أن يكون لكل حزب سياسي إطارا أو هيكال تنظيميا وإداريا يحدد المستويات العليا والمستويات الــدنيا وأن يكــون‬
‫للحزب مقر وسجالت ولوائح تضم العضوية والنشاط والنواحي المالية‪ ،...‬لكن ليس معــنى ذلــك أن يشــترط لقيــام‬
‫الحزب أن يتصف هذا التنظيم بالقوة واالنتشار كأن يكون له وجود واضح في كل مكان ومكاتب تغطي العاصــمة‬
‫واألقاليم والمدن الكبرى كافة‪ ،‬فهناك أحزاب محلية يتركز وجودها ونشــاطها في أقــاليم أو منــاطق معينــة دون أن‬
‫ينتقص ذلك من صفتها الحزبية‪ .‬وال يشترط كذلك أن يتصف هذا التنظيم بالفاعليــة والقــدرة على التعبئــة والحشد‪.‬‬
‫فضعف البنية التنظيمية للحزب أو شــبكة اتصــاالته أوقدرتــه على تحقيــق طموحاتــه وأهدافــه ال تنقص من صــفته‬
‫كحزب‪ ،‬وإن كانت تؤثر بالسلب في قدرته على تحقيق طموحاته وأهدافه‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬البرنامج السياسي‬

‫لكل حزب برنامج سياسي يحدد فيه أفكاره وأهدافه ومواقفه من القضايا المقدمة على الســاحتين المحليــة والدوليــة‬
‫وأسلوبه في معالجة أو في التعامل مــع هـذه القضــايا‪ .‬ويعــد البرنـامج السياســي للحــزب أداتــه الرئيســية في إقنــاع‬
‫المواطنين بأن خطه السياسي مختلف عن خط األحزاب األخرى‪ ،‬وأن برنامجه هو األقدر على النهوض بــالوطن‬
‫وحل مشكالته وألن استمالة أغلبية المواطنين وإقناعهم بصحة وأهمية برنامجــه يعــد الهــدف الــرئيس ألي حــزب‬
‫سياسي فمن الطبيعي أن يحتل البرنــامج السياســي موقعــا مركزيــا ضــمن العناصــر والشــروط األساســية الالزمــة‬
‫لقيامه‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬هدف الوصول إلى السلطة‬

‫ال يستطيع أي حزب أن يضع برنامجه السياسي موضع التطبيق الفعلي إال إذا كان في وضع يســمح لــه بممارســة‬
‫السلطة ولذلك فإن الوصول إلى السلطة يعد بالنسبة ألي حزب سياسي هدفا ووسيلة في ذات الوقت‪.‬‬
‫أما من حيث الهدف فإن أي تنظيم ال يستهدف الوصول إلى السلطة ال يعــد حزبــا وهــذا العنصــر هــو الــذي يمــيز‬
‫الحزب عن غــيره من التنظيمــات االجتماعيـة األخــرى وعلى رأســها جماعــات الضــغط أو المصــالح‪ .‬فجماعــات‬
‫الضغط قد يكون لها تنظيمها الرسمي المحكم‪ ،‬وقد يكون لها برنامجها الخــاص الــذي يتناســب مــع األهــداف الــتي‬
‫قامت من أجلها‪ ،‬لكن ليس الوصول إلى السـلطة وإنمـا التـأثير على قرارتها‪ .‬فهـدف الوصـول إلى السـلطة بشـكل‬
‫خاص ينفرد بــه الحــزب السياسي‪ .‬ولــذلك ال يعــد أي تنظيم حزبــا إال إذا كــان مســتقال وجــاهزا لخــوض المعــارك‬
‫االنتخابية السياسية بكل أشكالها وعلى المستويات كافة وشارك في حمالتها وتقدم بمرشحين فيها‪.‬‬

‫أما من حيث أن الوصول إلى السلطة وسيلة‪ ،‬فألن الحزب يجب أن ال يقصد السلطة لذاتها وإنما لتطــبيق تصــور‬
‫فكري أو برنامج معين‪ .‬فالحزب الذي يقدم نفسه على أنه يقصد السلطة لذاتها ال يستطيع أن يحظى بثقــة النــاخبين‬
‫ومن البديهي أنه كلما كان الحزب كبيرا وقويا كان طموحه نحو االنفراد بالســلطة واقعيــا ومــبررا‪ ،‬أمــا األحــزاب‬
‫الصغيرة أو الهامشية فإن طموحها ال يمكن أن يصل إلى حد االنفراد بالسلطة‪ ،‬وأقصى ما تستطيع أن تطمح إليــه‬
‫هو المشاركة في السلطة (حكومة ائتالف)‪ ،‬أو مجرد التأثير في السلطة من موقع المعارضة‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬وظائف الحزب السياسي‬

‫كما رأينا‪ ،‬فإن الهدف الرئيسي ألي حزب سياسي هو الوصول إلى السلطة‪ ،‬وعندما يتحقق له هذا الهــدف تصــبح‬
‫وظيفته األساسية هي اإلمساك بدفة الحكم وإدارة شؤون البالد‪ .‬وعندما يكون في صــفوف المعارضــة يصــبح كــل‬
‫نشاطه منصبا على االستعداد لكسب جولة االنتخابات القادمة وتولي شؤون الحكم‪ ،‬وال تختلف هــذه الوظــائف من‬
‫حيث الشــكل على األقــل من مجتمــع إلى آخــر أو من نظــام سياســي إلى آخــر‪ ،‬إنمــا يكمن االختالف في وظيفــة‬
‫األحزاب السياسية في الجوهر باختالف طبيعة األحزاب والنظم السياسية ذاتها‪ .‬فهنــاك فــرق كبــير بين األحــزاب‬
‫الموجودة في النظم السياسية التي تقبل بوجود عدة أحزاب سياسية فيها وتلــك القائمــة في النظم السياســية الــتي ال‬
‫يوجد فيها إال حزب واحد يسيطر على الحياة السياسية‪.‬‬

‫وتلعب األحزاب السياسية دورا هاما وتقوم بعــدة وظــائف يختلــف حجمهــا وتأثيرهــا من نظــام سياســي إلى آخــر‪،‬‬
‫يمكن إيجازها فيما يلي‪:‬‬

‫أوال‪ :‬صنع السياسة‬

‫تعد األحزاب السياســية أحــد أهم أدوات صــنع السياســة العامــة على الصــعيدين الــداخلي والخــارجي‪ ،‬ولكن دوهــا‬
‫ووزنها الحقيقي في هذا المجال يختلف من نظام إلى آخر‪ ،‬وعلى سبيل المثال‪:‬‬

‫‪ ‬في الـدول الـتي تعتمــد نظـام الحـزب الواحـد‪ ،‬يلعب الحــزب الحـاكم دورا بـالغ األهميـة في مجـال صــنع‬
‫السياسة‪ ،‬وهو دور يفوق دور أي مؤسسة سياسية أخرى حيث يعد الحــزب المركــز الــرئيس لصــنع القــرار‬
‫السياسي وتتضاءل إلى جواره أدوار المؤسسة التشريعية والتنفيذيــة والــتي يســيطر عليهــا الحــزب ويــراقب‬
‫أداءها عن كثب‪.‬‬
‫وفي الدول النامية‪ ،‬سواء تلك التي يسود فيها الحزب الواحد أو تتعدد فيها األحزاب‪ ،‬فــإن الحـزب الحـاكم‬ ‫‪‬‬
‫يكون مجرد غطاء أو واجهــة سياســية لــزعيم أو لــرئيس دولة‪ .‬ويصــبح الحــزب هــو أداة الــزعيم في التعبئــة‬
‫السياسية وفي حشد التأييد له‪ ،‬لكنه ال يلعب إال دورا ثانويا في عملية صنع القرار مقارنة بالــدور الــذي يلعبــه‬
‫الزعيم رئيس الدولة ومع ذلك فإن هذا الــدور يضــل على ضــآلته أكــثر تــأثيرا في صــنع القــرارات السياســية‬
‫الحقيقية بالمقارنة بالمؤسسة التشريعية أو التنفيذية األخرى‪.‬‬

‫وفي الدول ذات النظم التعددية الديمقراطية‪ ،‬فإن األحزاب هي الــتي تصــوغ السياســات والــبرامج العامــة‬ ‫‪‬‬
‫التي تخوض االنتخابات‪ ،‬وعندما يصل الحزب إلى السـلطة تلــتزم الحكومـة الــتي يشــكلها الحـزب بــالخطوط‬
‫العامة والعريضة لبرنامج الحزب وسياسته‪ .‬لكن مشاركة الحزب في عملية صــنع القــرارات السياســية أثنــاء‬
‫تولي السلطة تتم في المواقع التي يشــغلها قـادة الحـزب في المؤسســات الدســتورية وفي المؤسســتين التنفيذيــة‬
‫والتشريعية‪ .‬وعلى صعيد آخر تشارك أحزاب المعارضــة بطريقــة غــير مباشــرة في عمليــة صــنع السياســة‪،‬‬
‫سواء في االنتقادات التي توجهها لسياسات الحكومة أم صــاحبة بــرامج سياســية بديلــة يمكن أن تشــكل أساســا‬
‫لصنع السياسة في مرحلة الحقة‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬المشاركة الشعبية‬

‫يؤدي قيام األحزاب إلى تشجيع األفــراد على المشــاركة في الشــأن العــام‪ ،‬واالهتمــام بالقضــايا واألمــور المتعلقــة‬
‫بشؤون حياتهم اليومية وبمستقبلهم‪ .‬فإذا كان مجرد إنشاء الحزب يؤدي إلى االهتمام وإقبال األفــراد على عضــوية‬
‫الحزب‪ ،‬فإن ذلك يعد في حـد ذاتـه نوعـا من المشـاركة ودليال على وجـود االسـتعداد للعمـل العـام‪ .‬لكن االلتحـاق‬
‫بعضوية الحزب عادة ما يكــون مجــرد بدايــة تفتح آفاقــا أرحب وأوســع أمــام صــور متعــددة من صــور المشــاركة‬
‫السياسية كاالشتراك في الندوات والمؤتمرات التي يخصصها الحزب لمناقشـة القضـايا السياسـية والـتي تزيـد من‬
‫وعي المواطنين بهذه القضايا‪ ،‬أو االشتراك في الحمالت االنتخابية والداعية لبرنــامج الحـزب وأفكــاره وسياسـاته‬
‫وحث المواطنين على التصويت لصالح مرشــحيه‪ .‬وهــذه الصــور المتعــددة من صــور المشــاركة السياســية تخلــق‬
‫الحــافز لــدى المــواطن‪ ،‬لكي يلعب دورا أكــثر إيجابيــة لصــياغة وبلــورة حلــول للمشــاكل المختلفــة الــتي يواجههــا‬
‫المجتمع ومقاومة صور السلبية واالنحراف‪.‬‬

‫وهو األمر الذي يسـهم في تنميــة االتجاهـات والـبرامج االجتماعيــة واالقتصــادية الالزمــة للتقـدم الوطــني‪ ،‬بقيــادة‬
‫الجماهير لتنفيذها‪ ،‬باإلضافة إلى إقامة حوار يسمح للجماهير باالختيار بين البرامج واالتجاهات المختلفة‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬تنظيم الرأي العام‬

‫إن انبثاق الحكام من المحكومين‪ ،‬بواسطة االقتراع العام واالعتراف بالحريات السياسية‪ ،‬جعال للرأي العام أهمية‬
‫كبرى في تحديد أهداف الحكم‪ ،‬واألحزاب السياسية تلعب دورا أساسيا في تكوين الــرأي العــام‪ .‬فللمواطــنين آراء‬
‫واتجاهات سياسية متنوعة‪ ،‬من المتعذر لو تركت لوحدها أن تتوحد في تيــارات رئيســية‪ ،‬ينحصــر فيهــا الصــراع‬
‫السياسي وتتشتت اآلراء واالتجاهات مما يؤدي إلى الفوضى التي ال تتفق مــع الديمقراطية‪ .‬وهنــا تــأتي األحــزاب‬
‫السياسية لتنظيم عملية الصراع السياسي‪ ،‬عبر تنظيم الرأي العــام في تيــارات رئيســية‪ .‬فــالحزب هــو الــذي يحــدد‬
‫القضايا العامة‪ ،‬ويحشد عليها التحاور بين المختلفين‪ ،‬ويبدد االلتباس بين التيارات المتنازعــة‪ ،‬وســبيل كــل حــزب‬
‫في نشاطه أن يضح برنامجه‪ ،‬ويختار بعناية مرشحيه‪ ،‬ويوضح للجمهور مختلــف احتمــاالت االختيــار السياســي‪،‬‬
‫فيربي الجمهور ويبصره بالسياســة‪ ،‬وهــو يحــاول أن يظفــر بتأييــده‪ ،‬ويحــرره من جمــوده‪ ،‬ويحــرك الــرأي العــام‬
‫تحريكا واسعا‪.‬‬

‫لقد أصبحت الحياة العصرية بتعقيداتها وتشعباتها‪ ،‬تجعــل المواطــنين غــير قــادرين بصــفة فرديــة على التــأثير في‬
‫مجريات الحياة السياسية‪ .‬ولهذا كان البد من تنظيمهم وفــق أســس مختلفــة‪ ،‬في التنظيمــات السياســية الــتي ســميت‬
‫باألحزاب‪ ،‬وذلك بهدف تمثيلهم وحماية مصالحهم والدفاع عن وجهات نظرهم في القضايا الحياتية المختلفة‪.‬‬

‫إن األحزاب السياسية تحــدد اآلراء الفرديــة‪ ،‬وتغنيهــا وتنميهــا‪ ،‬وهي أيضــا تقويهــا‪ ،‬فقبــل وجــود األحــزاب تكــون‬
‫اآلراء غير واثقة من نفسها‪ ،‬ولكنها عندما ترى نفسها يتقاسمها اآلخرون‪ ،‬ومتبناة من منظمة ذات طــابع رســمي‪،‬‬
‫فإنها تكتسب سلطانا ويقينا‪ ،‬األمر الذي يجعل آلراء األحزاب تستقر أكــثر‪ ،‬فمن دون أحــزاب يضــل الــرأي العــام‬
‫متقلبا متبدال‪ ،‬ومتغيرا‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬دور األحزاب السياسية في التثقيف والتنشئة السياسيين‬

‫تقوم األحزاب السياسية بدور مهم بغرس مبادئ وقيم ومعــايير سياســية معينــة‪ ،‬ونقلهــا إلى الشــعب وذلــك إمــا من‬
‫خالل المحافظة على الثقافة السياسية السائدة ودعمهــا وتثبيتهــا أو من خالل تغيــير منظومــة القيم المكونــة للثقافــة‬
‫السائدة وخلق ثقافة سياسية جديدة تحل محلها‪ ،‬وبالتالي فإن انتشار وتصــاعد نفوذهــا وتأثيرهــا على الشــعب يمكن‬
‫أن يكون مؤشــرا على تراجــع منظومــة القيم الســائدة وفي المجتمعــات الــتي تعــاني من عــدم التجــانس العــرقي أو‬
‫اللغوي أو الديني أو الطائفي أو باللغة‪ ،...‬أو في دعم ثقافة الوحدة الوطنيــة والقوميــة‪ ،‬وفي هــذا الســياق قــد يكــون‬
‫تعدد األحزاب أحد العوامل األساسية التي تساعد إما في زيادة حدة االنقسامات الطائفية والعرقيــة‪ ،‬كمــا حــدث في‬
‫لبنان مثال‪ ،‬وإما في التخفيف من حدة هذه التوترات والمساعدة على بلورة مفاهيم تســاعد على تحقيــق المزيــد من‬
‫االندماج واالنصهار القومي كما يحدث في الواليات المتحــدة األمريكيــة‪ ،‬فعلى الــرغم من تصــاعد االضــطرابات‬
‫العنصــرية من حين إلى آخــر إال أن رســوخ قواعــد اللعبــة الديمقراطيــة يســاعد على الحيلولــة من تفــاقم هــذه‬
‫االضــطرابات والعمــل على احتوائهــا بســرعة‪ ،‬فالحزبــان الكبــيران في الواليــات المتحــدة األمريكيــة (الحــزب‬
‫الديمقراطي والحزب الجمهوري) يغذيان معا‪ ،‬بــالرغم من اختالف األســاليب والوســائل‪ ،‬فكــرة "الحلم األمــريكي‬
‫واألمة األمريكية" الـتي تطـرح كنمـوذج فريــد للتعـايش القـائم على التنـوع وقبـول اآلخـر‪ ،‬وبهــذه الطريقـة يلعب‬
‫الحزبان الكبيران دورا مهما في تمكين النظام السياسي األمريكي من أداء دوره كبوتقة صهر بكفاءة وفعالية‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬دور األحزاب السياسية في إعداد القادة الجدد‬


‫تعد تربية المواطنين السياسية ومساعدتهم في تكوين وبلورة آرائهم السياسية عالوة على تمكينهم من التــأثير على‬
‫الشؤون العامة من أولويات وظائف األحزاب السياسية‪ ،‬إلى جانب تكــوين كــوادر من المواطــنين المتــدربين على‬
‫قيادة العمل الوطني في شتى المجاالت‪ ،‬فاألحزاب السياسية أداة مهمة ألعداد القيــادات السياســية‪ ،‬فهي الـتي تقـوم‬
‫بعملية التجنيد السياسي أوال حتى تتمكن من جذب العناصر الــتي تــرى فيهــا القــدرة على المشــاركة واإلســهام في‬
‫الحياة العامة وضمها إلى صفوفها‪ .‬ثم تقوم بعد ذلك بتــدريب وصــقل هــذه الكفــاءات من خالل المعــارك السياســية‬
‫واالنتخابية التي تخوضها‪ ،‬كما تــتيح ألبرزهــا أن تشــارك في الحــزب بمســتوياته التنظيميــة المختلفــة ثم في قيــادة‬
‫الدولــة حــتى يتمكن الحــزب من الوصــول إلى الســلطة‪ .‬فغيــاب األحــزاب السياســية يســاعد على اســتمرار النخب‬
‫التقليدية في الحكم‪ ،‬بحيث تتم عملية التنــاوب في الســلطة فيمــا بينهــا وهــذا يعــني اســتمرار الجمــود وعــدم التجــدد‬
‫السياسي في مؤسسات الدولة‪ ،‬على الرغم من تبدل األشخاص في سدة الحكم‪.‬‬

‫وتختلف أساليب التجنيد السياسي وإعداد القادة باختالف النظم السياسية‪ .‬ففي النظم التي يسود فيهــا نظــام الحــزب‬
‫الواحد‪ ،‬يختلف دور الحزب بالدور الذي يلعبه جهاز الدولة والبيروقراطية الحكوميــة في عمليــة اختيــار وتــدريب‬
‫وتصعيد القيادات‪.‬‬

‫أما في الدول التي تأخذ بنظام التعددية الحزبية‪ ،‬فــإن دور الحــزب هــو األســاس في عمليــة التجنيــد السياســي وفي‬
‫صقل وتدريب وإعداد الكوادر السياسية للقيادة ومع ذلك فقد توجد حاالت استثنائية وخاصــة تلعب فيهــا المؤسســة‬
‫العســكرية دورا بــارزا في عمليــة التجنيــد السياســي على الــرغم من تعــدد األحــزاب واســتقرار قواعــد اللعبــة‬
‫الديمقراطية من حيث الشكل على األقل‪ .‬فعلى سبيل المثال هــذا هــو الوضــع الســائد في الكيــان الصــهيوني‪ ،‬حيث‬
‫تلعب المؤسسة العسكرية الدور األكثر بروزا في إعداد القيادات السياسية‪.‬‬

‫سادسا‪ :‬دور األحزاب السياسية في إبراز المعارضة‬

‫لقد ربطت العديد من الدراسات بين مسألة وجود األحزاب السياسية وبين دورها الفاعل في عملية التداول السلمي‬
‫للسلطة‪ ،‬والسيما من خالل االنتخابات‪ .‬وذلك مع دورها في إنعاش مؤسسات المجتمع المدني ممثلة في مؤسســات‬
‫عديدة كالنقابات المهنية‪ ،‬والعماليــة‪ ،‬باإلضــافة لــذلك الــدور المــؤثر والفاعــل الــذي تقــوم بــه األحــزاب في عمليــة‬
‫التفاعل السياسي‪ ،‬وال سيما عمليتي التشريع والرقابة‪.‬‬

‫ويعد وجود األحزاب السياسية ضروريا لتأكيد المعارضة إمكانية التغيير السلمي للحكام‪ .‬فلوال األحزاب السياسية‬
‫ألصبحت المعارضة مجرد رد فعل فردي‪ ،‬فوجود األحزاب السياسية المعارضة تمنــع اســتبدال الحكومــة وتعمــل‬
‫على المساهمة من أجل كشف أخطائها‪ ،‬سواء من جانب أعضاء الحزب للحكام‪ ،‬أو من جانب أحزاب المعارضــة‬
‫في حالة تعدد األحزاب السياسية‪ ،‬فوجود حزب سياسي معارض للحكومة هو مانع يحول من دون استبدالها‪.‬‬

‫اﻟﻤﻨﺘﺪى اﻟﻄﻼﺑﻲ‬
‫‪https://forum.fsjes-agadir.info/‬‬

You might also like