Professional Documents
Culture Documents
مدخـل.
أوال– علم السياسة والتاريخ.
ثانيا– علم السياسة والفلسفة.
ثالثا -علم السياسة والقانون.
رابعا -علم السياسة واالقتصاد.
خامسا -علم السياسة واالجتماع.
سادسا -علم السياسة والجغرافيا.
سابعا -علم السياسة واألخالق.
76
الفصل الثالث
عالقة علم السياسة بالعلوم االجتماعية األخرى
مدخـل:
)1(1حممد على حممد :أصول االجتماع السياسي ،مرجع سابق ،ص.28 :
)2(2حممد توفيق رمزى :علم السياسة ،مرجع سابق ،ص.30 :
78
من مص ادر المعلوم ات السياس ية ،ورك يزة يمكن االعتم اد عليها لتك وين
منظور أكثر تعمقا عند تحليل المسائل السياسية المعاصرة .وبالمثل يجب أن
يس تفيد الت اريخ من السياس ة ،حيث أن دراسة الت اريخ تص بح س ردا عقيما ال
ج دوى منها ما لم تأخذ فى االعتب ار التي ارات والعوامل السياس ية ال تى أث رت
فى س ياق كل مرحلة من مراحل الت اريخ ،وعلى س بيل المث ال ،ف إن دراسة
تاريخ أوربا الحديث والمعاصر ال تكون مفيدة بمجرد الرواي ة ،وإ نما تكتمل
الفائ دة ب البحث فى طبيعة الحرك ات والظ واهر السياس ية ال تى ق امت فى تلك
الف ترة ،وخاصة منذ ب زوغ الدولة القومية الحديثة وما أعقبه ا من ب روز
ظ اهرة االس تعمار فى الق رن التاسع عشر .وهنا تختلف وظيفة الم ؤرخ عن
وظيفة ع الم السياسة ،ف إذا ك ان الم ؤرخ يكتفى بس رد الوق ائع وترتيبها فى
س ياق زم نى معين ،ف إن ع الم السياسة يس تخدم دالالت الماضى ودروسه
المستفادة كمنطلقات نحو التنبؤ باالتجاهات المستقبلية.
)1( 1مسري أيوب :ت3أثريات األي3ديولوجيا ىف علم االجتم3اع (ب3ريوت :معهد اإلمناء الع3رىب،
)1983ص.224 – 222 :
)2(2بطرس غاىل وحممود خريى عيسى ،مرجع سابق ،ص.13 :
)3( 3نفس املرجع ،نفس املكان.
)1( 4دليل برينز :املثل السياسية ،ترمجة لويس إس3كندر (الق3اهرة :مؤسسة س3جل الع3رب،
)1964ص.31 :
80
ارتبط علم السياسة بالفلس فة ألمد طوي ل؛ وذلك الرتب اط البحث فى
ميدان السياسة بالفالسفة منذ أقدم العصور ،حيث كانت الدولة النموذجية هى
اله دف ال ذى يس عى إلى تحقيقه فالس فة السياس ة ،أمث ال أفالط ون ومكي افيللى
وه وبز ول وك وروسو وغ يرهم من الفالس فة ال ذين أب دوا اهتماما ملحوظا
بالسياسة وأنظمة الحكم ،وح اولوا االهت داء إلى بعض المب ادئ ال تى ت بين ما
يجب أن تك ون عليه الدولة لتحقيق غاية وجوده ا ،كمب دأ العدالة عند
أفالط ون ،ومب دأ الخ ير الع ام عند أرس طو ،ومب دأ الحرية عند ل وك ،ومب دأ
السيادة عند بودان وروسو ،ومبدأ المساواة االقتصادية عند ماركس وأنجلز
...الخ .ففلس فة السياسة تح اول تفس ير كل ش يء يتعلق بالدولة من خالل
المبادئ أو القيم التى يتصورها فيلسوف السياسة.
وإ ذا كان المفكرون قلة قياسا بالمجتمع ،فهم – بطبيعة الحال – الذين
يصيغون األفكار التى تضئ الطريق؛ فالفكرة نوع من الضوء ،ولوال أفكار
فالسفة السياسة لغرقت حياتنا الجماعية فى الظالم .وال يقلل من ش أن الفكرة
عدم ثباتها بشكل مطلق؛ فمهما كانت استدالالت الفكر قابلة للمناقشة ،فإننا ال
يمكننا العيش ب دونها؛ ذلك أن الفك رة ح تى إذا ك انت زائف ة؛ فإنها قد تك ون
خط وة فى اتج اه الحقيق ة ،فمن األفضل كث يرا أن يك ون ل دينا أفك ار مش كوك
فيها من أال يكون لدينا أية أفكار على اإلطالق ،فالحالة األولى غير مرضية
ولكنها متحضرة ،أما الثانية فهى همجية (.)1
( )1جلني تيندر :الفكر السياسى ،األسئلة األبدية ،ترمجة حممد مصطفى غنيم (الق33اهرة: 1
وترسيخ فكرتها؛ فإن فالسفة النظرية قد اختلفوا فيما بينهم حول بنود ونتائج
العقد االجتماعي.
كما أنه ،وبمثل ما تتعدد األفكار وتختلف بتعدد فالسفة السياسة ،فإن
فلس فة سياس ية واح دة لمفكر واح د ،قد تتع دد بش أنها وجه ات النظر وتتب اين
ط رق فهمها ،وال يتسع المق ام لتقصى كل ه ذه المج االت فى ت اريخ الفكر
السياس ي ،ونكتفى فى ذلك ب ذكر الهيجلية السياس ية كنم وذج .ففكر هيجل قد
احت وى على ب ذور نمت فى اتجاه ات مختلفة تمام ا ،حيث أنه جمع بين
عناصر ليبرالية وأخ رى اش تراكية فى بن اء واح د ،وأث رت أفك اره على كال
االتج اهين ،بل وعلى كل األص ول الهامة األخ رى للفكر السياسي الح ديث.
فقد ذهب هوبهاوس إلى أن فكر هيجل مسئول بشكل كبير عن اندالع الحرب
العالمية األولى ،وعن اندفاع األلم ان إلى ساحاتها وهم فرحون مستبش رون،
وذهب كاسيرر إلى أن النزاع بين الروس واأللمان الغزاة سنة 1943كان
نزاعا بين الجن اح األيسر والجن اح األيمن لمدرسة هيج ل ،كما ي رى أنه ين در
وج ود أى اتج اه سياسى ح ديث اس تطاع أن يفلت من ت أثير فلس فة هيجل
السياس ية؛ ألن ص ورته ب دت متنوعة فى الت اريخ ،فالبلش فية والفاش ية
واالشتراكية الوطنية (النازية) قامت بتفتيت مذهبه إربا ،وانقسم شراحه إلى
معسكرين ،يمينى ويسارى ،بينهما صراع لم ينته (.)1
)1(1انظر ىف ذلك:
-حممد عبد املعز نص33ر :فلس33فة السياسة عد األملان (اإلس33كندرية :مطبعة م .ك)1971 ،
ص.4 – 3 :
-ارنست كاس33رير :الدولة واألس33طورة ،ترمجة أمحد محدى حمم33ود (الق33اهرة :اهليئة املص33رية
العامة للكتاب )1975 ،ص ،331 :وانظر أيضا:
- Sabine, G: A History of Political Theory (New York, 1961) P: 524.
84
ذلك يرجع إلى تم يز الق انون بم يزتى العمومية والتجريد؛ فقواع ده هى قواعد
عامة مجردة ،ال تتعلق بموقف معين أو شخص بالذات.
وبن اء على ذل ك ،نجد أن فك رتى الق انون والمجتمع متالزمت ان ،ال
يمكن الفصل بينهما؛ ألن المجتمع – بص فة عامة – هو جماعة منظم ة،
وتعريف المجتمع على ه ذا النحو يتض من حتما فك رة الق انون ،وب ذلك ت برز
ه ذه الفك رة من تحليل فك رة المجتم ع ،إذ أن األولى عالقة ب األخيرة .بعب ارة
أخرى ،إن الحياة فى المجتمع توحى إلينا بإحساس خطة مرسومة ،أو تحديد
دقيق لمجال السلوك ،ومن هذا اإلحساس يستخلص العقل فكرة القانون.
وينقسم الق انون إلى قس مين رئيس يين هم ا :الق انون الع ام ،والق انون
الخ اص ،فالق انون الع ام هو مجموعة القواعد ال تى تنظم الروابط ال تى تك ون
الدولة طرفا فيه ا ،أما الق انون الخ اص ،فهو مجموعة القواعد ال تى تنظم
عالقة األف راد بعض هم ببعض .ول ذلك ف إن ما له عالقة بعلم السياسة هو
الق انون الع ام ،نظ را لوج ود عنصر الدولة في ه ،وهو ب دوره ينقسم إلى ثالثة
أقسام هى:
ذى ينظم إدارة المرافق العامة -1الق انون اإلدارى :وهو ال
والهيئات الحكومية فى الدولة.
-مص33 3طفى 3حممد اجلم33 3ال وعبد احلميد حممد اجلم33 3ال :املدخل لدراسة الق33 3انون ،اجلزء
األول (اإلسكندرية )1984 :ص.7 – 6 :
86
المواط نين وواجب اتهم فى الدول ة ،ول ذلك تتش ابك موض وعات الق انون
الدس تورى مع موض وعات علم السياس ة؛ باعتب ار أن الق انون الدس تورى
والنظم السياس ية م ادة واح دة ،تبحث فى موض وع واحد هو نظ ام الحكم فى
الدول ة ،س واء من الناحية النظرية القانوني ة ،أو العملية الواقعي ة ،وهنا تكمن
عالقة السياسة بالقانون ،فأى نظام سياسى يتأثر تأثرا شديدا بما يدين به من
فكر وما يعتنق من أيديولوجي ة ،وال أدل على ذلك من أن الدس اتير المختلفة
لل دول إنما تع بر عن أي ديولوجيات ه ذه ال دول قبل أن تك ون تنظيما للس لطات
العامة فيها .ف الفكر الم ذهبى ال ذى ي دين به الدس تور ي ؤثر أبلغ الت أثير فيما
يضعه من تنظيم للسلطة والحرية ،بل إن تأثير األيديولوجية فى الدستور يبلغ
فى كث ير من األحي ان ح دا يغ دو معه اس تحالة تفس ير نص وص ه ذا الدس تور
دون الرج وع إلى المب ادئ األيديولوجية ال تى ص در فى ظلها ( .)1أضف إلى
ذلك أن الق انون ال دولى يمثل ج زءا من علم العالق ات الدولية ال ذى هو (أى
علم العالقات الدولية) أحد فروع علم السياسة.
غ ير أن علم السياسة أوسع نطاقا من الق انون؛ ذلك أن الق انون ال
يع نى إال بج انب واحد فقط من ج وانب الس لطة ،أما الج وانب األخ رى غ ير
القانونية للس لطة ،كتحليلها من الن واحى االقتص ادية واالجتماعية واألخالقية
والنفسية ،فال تدخل فى نطاق دراسته ،ولكنها تدخل فى نطاق علم السياسة،
الذى أصبح بذلك أكثر شموال من القانون ،وهو ما جعل الفقه الفرنسى يفصل
بين العلمين ،ف إلى ع ام 1946ك ان الق انون يضم علم السياسة ض من
موضوعاته ،حيث ك ان مصنفا من مص نفات القانون الدستورى ،ثم تبين أن
الق انون الدس تورى ال يبحث س ير العمل فى الس لطات ال تى ينظمها إال إذا
كانت تعمل وفق القانون ،فى حين أن علم السياسة يدرس سير العمل فى تلك
المنظمات سواء طبقت القانون أو خالفته ،فهو ال يتقيد بالنص وص ،إنما يحلل
)1(1راجع النظم السياسية ىف الفصل السابق.
87
الظواهر على ضوء الواقع الموجود بالفعل ،األمر الذى أدى إلى جعله علما
مستقال بذاته ،وأوسع نطاقا من القانون (.)1
وفى األنظمة الديمقراطية الحديث ة ،تعمل الق وانين على الحد من
س لطة الحك ام عن طريق الق انون ،وذلك بوضع قي ود متع ددة تحيط ممارسة
السلطة بكثير من الض مانات ،لتكفل جدية االلتزام بالقانون ،وعدم االستبداد
)1(1حممد نصر مهنا :مدخل إىل النظرية السياسة احلديثة ،مرجع سابق ،ص.37 :
88
بحقوق األفراد وحرياتهم ،وتقوم هذه الضمانات على جملة مبادئ ونظم يأخذ
بها النظام القانونى وهى:
ويمثل الدستور قمة النظام القانونى فى الدولة؛ ألنه يسمو على كافة
القواعد القانونية المختلفة ،ويلزم لتعديله إجراءات خاصة ،تختلف فى معظم
األحيان عن إجراءات تعديل القوانين العادية ،ولذلك فهو يقيد سلطات الدولة
الثالث التش ريعية والتنفيذية والقض ائية؛ ألنها س لطات منش أة بواس طته وهو
ال ذى نظمها وح دد لها اختصاص اتها ،وهو ما ي ترتب عليه ال تزام ه ذه
السلطات بنظام الدستور ،واحترامها لمبادئه ،واالمتناع عن مخالفة نصوصه
فى القوانين التى تسنها ،واإلجراءات التى تتخذها ،واألحكام التى تصدرها.
-2الفصل بين الس لطات :فمن الض مانات الهامة لقي ام الدولة
القانونية وتقرير حق وق األف راد وحري اتهم ،وال تزام الحك ام بالق انون ،مب دأ
الفصل بين الس لطات Separation of Powersفقد أثبت الت اريخ على ما
بين مونتس كييه فى كتابه "روح الق وانين" Spirit of Lawsأن الس لطة
المطلقة مفس دة مطلقا وم دعاة إلس اءة اس تعمالها ،ول ذلك فقد ن ادى بض رورة
( )1عبد الغىن بس33 3يوىن عبداهلل :النظم السياس 33ية (ب 33ريوت :ال 33دار اجلامعي 33ة)1985 ، 1
ص.173 :
89
الفصل بين الس لطات؛ ألن الس لطة توقف الس لطة .ومب دأ فصل الس لطات ال
يع نى مج رد توزيعها بين ع دة هيئ ات ،وإ نما يل زم أن يق وم بين ه ذه الهيئ ات
فصل يجعلها متساوية ،بحيث ال تكون بعضها مجرد هيئات تابعة أو ثانوية،
وحتى تستطيع كل منها أن توقف األخرى عند حدودها (.)1
( )2عبد احلميد مت 33وىل :األنظمة السياس 33ية واملب 33ادئ الدس 33تورية العامة (اإلس 33كندرية: 1
.131
90
وال يقلل من قيمة وجود الرقابة القضائية كيفية تنظيم هذه الرقابة ،إذ
يس توى فى ذلك األخذ بنظ ام القض اء الموح د ،كما هو الش أن فى النظ ام
األنجلوساكس ونى أو تط بيق نظ ام القض اء الم زدوج مثل النظ ام الالتي نى،
ال ذى جعل المنازع ات اإلدارية من اختص اص قض اء خ اص هو "القض اء
اإلدارى" .فالعبرة فى النهاية هى وجود هذه الرقابة القضائية أساسا (.)1
ال تى تتص ارع فى س بيل الوص ول إلى الحكم ،تق وم معظم برامجها السياس ية
على مرتك زات اقتص ادية ،تح اول بها إغ راء الن اخبين ب أن حكمها س يحقق
للمواط نين اس تقرارا اقتص اديا ورفاهي ة ،أك ثر مما تحققه أية جماعة أخ رى
ترنو إلى الحكم بما فيها النظام الحاكم نفسه.
ف إذا تع دينا النط اق المحلى لعالقة السياسة باالقتص اد إلى النط اق
الدولى ،لوجدنا أن للعوامل االقتصادية أبلغ األثر فى مجال السياسة الدولية،
وفى مش كالت األمن والس الم ،وأن كث يرا من ال دول العظمى تق وم دعائمها
إلى حد بعيد على الس يطرة االقتص ادية على غيرها من ال دول ،وعلى
استغاللها لمصادر الثروة المادية حتى خارج حدودها.
وك انت نظري ات علم اء االقتص اد اإلنجل يز أمث ال آدم س ميث ،وديفيد
ريك اردو وجماعة الف يزيوقراط الفرنس يين ،هى ال دعامات ال تى اس تند إليها
( )1حازم الببالوى :تاريخ الفكر االقتصادى (القاهرة :اهليئة املص33رية العامة للكت33اب، 1
)1996ص.11 :
93
الفكر اللي برالي فى الق رن التاسع عش ر ،فن ادوا بحرية الص ناعة والتج ارة،
وك ان ش عارهم المش هور "دعه يعم ل ،دعه يمر"Laissez faire laissez passer
يشير إلى ضرورة تحجيم دور الدولة أمام حرية األفراد فى اإلنتاج والتوزيع،
وضرورة مناهضة كل العراقيل التى تضعها الحكومة أمام الفئات الصناعية
والتجارية الكبرى (.)1
( )1حازم الببالوى :تاريخ الفكر االقتصادى ،مرجع سابق ،ص.63 – 54 : 1
94
فكارثة الكس اد الكب ير قبيل منتصف الق رن العش رين هى التربة ال تى
أنبتت نظرية كينز عن االقتصاد المنظم ،والتى ضمنها كتابة "النظرية العامة
للتشغيل وسعر الفائدة والنقود" The General Theory of Employment
Interests and Moneyوهو الكت اب ال ذى أخرجه ع ام 1936والمش هور
( )1رم33 3 3 3 3زى زكى :الليربالية املتوحشة (الق33 3 3 3اهرة :دار املس33 3 3 3تقبل الع33 3 3 3رىب)1993 ، 1
ص.45 – 35 :
95
باسم "النظرية العامة" ،وقد اقترح فى هذا المؤلف جملة من السياسات النقدية
واالقتص ادية واالجتماعية من ش أنها الحيلولة دون ح دوث الكس اد والتض خم،
عن طريق ت دخل الدولة فى النش اط االقتص ادى ،باعتبارها المعامل الم وازن
أو التعويضى لتقلب ات ه ذا النش اط .وبعد الح رب العالمية الثانية أص بحت
"الوص فة الكينزي ة" هى األس اس ال تى ب نيت عليه السياس ات االقتص ادية فى
دول الغ رب الرأس مالى ( )1فتوس عت ملكية الدولة وزادت االس تثمارات
الحكومية ،وارتفع معدل اإلنفاق العام الموجه للخدمات االجتماعية ،وعرف
ه ذا فى الوالي ات المتح دة األمريكية باسم "دولة الرفاهي ة" Welfare State
وفى دول غ رب أوربا باسم "االش تراكية الديمقراطي ة" Democratic
Socialismكما انعكست ه ذه السياس ات أيضا فى تج ارب التنمية الوطنية
ال تى تحققت فى كث ير من ال دول النامية ال تى اس تقلت بعد الح رب العالمية
الثانية.
وهك ذا ،هن اك ما يش به اإلجم اع على أن المجتمع اإلنس اني يت أثر
بن وعين من النظم أك ثر من ت أثره بأية نظم أخ رى ،وهما نظ ام الحكم ونظ ام
االقتص اد ،فالنظ ام األول تتمثل فيه الس لطة العامة وكيفية توزيعه ا ،والنظ ام
الث انى يتعلق ب الموارد وكيفية توزيعها وبين النظ امين (السياسي
واالقتص ادي) عالق ات متبادل ة ،س واء فى النظم الليبرالية أو االش تراكية ،أو
الش مولية أو ح تى الفوض وية ال تى تن ادى باالس تغناء تماما عن فك رة الدول ة.
ولذلك فإن أكثر حركات اإلصالح Reformationفى مختلف العصور وفى
ش تى األمم ،ت دور ح ول التنظيم السياسي والتنظيم االقتص ادى ،إما تع ديال أو
تبديال.
( )1بوتو م33 3ور :الص33 3فوة واجملتم33 3ع ،دراسة ىف علم االجتم33 3اع السياس33 3ى ،ترمجة حممد 1
مع برة عن نسق العالق ات االجتماعية المتبادل ة ،بحيث حلت أس اليب الض بط
الجديدة محل الصور التقليدية للسلطة ،ونتيجة لذلك بدت الظواهر السياسية
معتم دة على البن اء االجتم اعى ،وأص بح المتخصص ون فى االجتم اع
والسياسة متفقين على ض رورة تفس ير الظ واهر السياس ية فى ض وء م ركب
العالقات االجتماعية الذى يسود المجتمع بأسره (.)1
وإ ذا رجعنا إلى ت اريخ العلمين (السياسة واالجتم اع) وج دنا ت دعيما
فكريا لما نذهب إليه ،فكثيرا ما أكد علماء السياسة على أهمية علم االجتماع
بالنسبة للدراسات السياسية ،وأناطوا به تفسير األسباب االجتماعية الختالف
األي ديولوجيات ،واألزم ات السياس ية ،ك الثورة والح رب األهلية والت دخل
العس كرى فى السياس ة ،وك ذا آث ار التغ ير االجتم اعى على النظم السياس ية
بص فة عام ة .وقد أولى علم اء السياسة اهتماما خاصا لنظري ات كب ار علم اء
االجتماع أمثال (ماكس فيبر وموسكا وباريتو وميشيلز) وآثار هذه النظريات
على التحليالت السياس ة ،انطالقا من أنه ال يوجد نسق أو نظ ام سياسي يعمل
فى فراغ ،وأن الدراسات السوسيولوجية هى وحدها القادرة على فهم اإلطار
الذى توجد فيه النظم السياسية وكيفية أدائها لوظائفها.
وتمثل نظرية "الصفوة" بؤرة اهتمام علم االجتماع السياسي؛ ذلك أن
البحث فى مفه وم الص فوة يتطلب اس تجالء العديد من المف اهيم االجتماعية
والسياس ية فى آن واح د .وج وهر نظرية الص فوة هو أن كل مجتمع يش تمل
على قلة من األفراد تضطلع بمهمة اتخاذ القرارات الرئيسية ،وهذه القرارات
ذات نطاق واسع ،لكونها تؤثر فى الغالبية العظمى من سكان المجتمع ،ومن
ثم ينظر إليها ع ادة على أنها ق رارات سياس ية ،ح تى وإ ن ك انت ه ذه األقلية
التى تتخذ هذه القرارات من غير المشتغلين بالسياسة فمفهوم موسـكا -على
( )1حممد على حمم33د :أص33ول االجتم33اع السياسى (اإلس33كندرية :دار املعرفة اجلامعي33ة، 1
س بيل المث ال – عن الص فوة السياس ية يتسع ليش مل أولئك ال ذين يقوم ون
"رس ميا" بص نع الق رارات الحكومي ة ،باإلض افة إلى أولئك ال ذين يمارس ون
نوعا من التأثير على هذه القرارات وهم خارج نطاق الحكومة.
الحض رى الح ديث ،وك ذلك التح ول من الس لطة بكل أش كالها القديمة إلى
السلطة القانونية الرشيدة ،مع ظهور االغتراب وغلبة روح الفردية فى المدن
الص ناعية الض خمة ،ويؤكد نيس بت على أهمية دراسة الجماع ات الص اعدة
ال تى احتلت مكانا جدي دا داخل البن اء الطبقى ،والجماع ات الهابطة ال تى لم
تس تطع الص مود فى مواجهة التغ يرات الحاس مة ( )1وهك ذا تب دو عالقةعلم
السياسة وثيقة بعلم االجتماع ،انطالقا منالتداخل القائم بين النظم السياسية
واالجتماعية فى المجتم ع ،وإ ناتسع نط اق علم االجتم اع بص فة عامة عن
مثيله فى علم السياس ة ،إذ ينظر علم اء االجتم اع إلى الدولة وهىص لب
الدراسة فى العل وم السياس ية ،علىأنها أحد األنظمة االجتماعي ة ،ال تى
يتناولها علم االجتم اع بالدراس ة ،ح تىوإ نك انتالدولة – كما س بق وذكرنا
– هىأكبر وحدة اجتماعية منظمة.
ومن المع روف أن اإلقليم الجغ رافى من أهم مكون ات الدول ة ،فضال
عن كونه أحد العناصر السياس ية فى كل أيديولوجية قومي ة .وترجع أهمية
عنصر اإلقليم إلى أن األرض هى مجال الحياة والعمل وأساس فكرة الوطن،
وهى إذ ت وفر عنصر االس تقرار وال دوام ،إنما تس هم فى نمو الض مير
الجم اعى .والواقع أن االس تقرار فى إقليم معين ك ان من األح داث التاريخية
التى ساعدت على تكوين األمم ،وساعدت بالتالى على تكوين الدول.
ص. 32 :
)2(1املرجع السابق ،ص.33 :
)3(2ص33الح عب 33داجلابر عيس 33ى :أسس اجلغرافيا السياس 33ية (مط 33ابع جامعة املنوفي 33ة)2000 ،
ص.17 :
102
)1(1فتحى حممد مص33 3 3 3يلحى :خريطة الق33 3 3وى السياس33 3 3ية وختطيط األمن الق33 3 3ومى بالش33 3 3 3رق
األوسط واملنطقة العربية (القاهرة :املطبعة النموذجية لألوفيست )1992 ،ص.180 :
103
من المفك رين الق دامى ال ذين أوض حوا دور البيئة الطبيعية على النش اط
البش رى ،وقد درس اإلمبراطورية الرومانية واس تنتج أن الوح دة السياس ية
الك برى تتطلب حكومة مركزية قوية يرأس ها ح اكم بمف رده ،وذكر أن الموقع
المتميز إليطاليا ومناخها ومواردها يؤهلها منطقيا لقيام هذه الوحدة السياسية.
وفى الق رن الس ادس عش ر ،ربط ب ودان بين طب ائع الن اس والمن اخ،
وأوضح أن الخص ائص القومية تختلف ب اختالف الظ روف الجغرافي ة ،وهو
ما ك ان ابن خل دون قد ذهب إليه من قب ل .وفى الق رن الث امن عش ر ،ذكر
مونتسكييه فى كتابة "روح القوانين" آثار المناخ والسطح والقارات والجزر
على حياة الشعوب والقوانين والنظم السياسية ،ورأى أن المناخ البارد يرتبط
ع ادة بالحرية السياس ية بينما ي ؤدى المن اخ الح ار إلى العبودية والحكم
المطل ق ،وتس مح الس هول الفس يحة بتك وين إمبراطوري ات ،بينما الجب ال
والتالل تنمى الش عور باالس تقالل وروح االنفص الية ،كما أن س كان الج زر
يمكن أن يدافعوا عن حريتهم بفعالية أكثر من سكان األراضى القارية ،ومن
ثم فإن تطلعاتهم مستمرة نحو الحرية ( )1وفى أواخر القرن التاسع عشر (18
)97أصدر الجغرافى فريدريك راتزل كتابه عن الجغرافيا السياسية واصفا
فيه ال دول بأنها ك ائن حى يعيش على س طح األرض ،وأن الحض ارات
البشرية ما هى إال وجود عضوى داخل الطبيعة ،وأنها تولد وتنمو وتنضج،
ثم ما تلبث أن تض محل وتم وت ليب دأ ك ائن جديد ( .)2وك ان رات زل قد ت أثر
بكتابات داروين عن القوانين البيولوجية لالنتخاب الطبيعى وبقاء األصلح ،
كما ت أثر ب آراء ال ذين ح اولوا تط بيق الداروينية على النظم االجتماعية وعلى
رأسهم هربرت سبنسر ،ولذلك أوجب راتزل على الدولة أن تناضل من أجل
توسيع مجالها الحيوى ،وأن يحاول أفرادها الفكاك من فكرة الحتم الجغرافى
الس عادة للن اس ،وهنا تكمن عالقة السياسة ب األخالق ،وهى عالقة قديمة ق دم
الفكر السياسي نفسه.
الجوانب ،مما يجعل النظام السياسي متفاعال معها ،وال يمكن أن ينع زل عنها
لتأثره بها وتأثيره فيها (.)1
وإ ذا انتقلنا إلى مج ال الممارسة السياس ية ،نجد أنها تتم فى مجتمع له
مع اييره ومثله األخالقية ،بقطع النظر عن بعض الحيل السياس ية الش اذة
وال تى أش ار مكي افيللى إلى ط رف منه ا ،وبالت الى يجب التس ليم ب أن أى عمل
يح دث فإنه يتم فى المجتمع ،ول ذلك فالبد من أن يسترشد بقواعد الس لوك
العامة المرعية فى ه ذا المجتمع من حيث ال ذوق الع ام واألخالق ( ،)2وبحيث
يستطيع ممارسو العمل السياسي مناهضة كل أوجه االنحراف األخالقى التى
يمجها المجتم ع ،ب أى ش كل من أش كال مكافحة االنح راف األخالقى ،يس توى
فى ذلك االل تزام بنص وص قانونية ،أو االلتج اء إلى أع راف متفق عليه ا ،أو
الرج وع إلى ص حيح العقي دة الديني ة ،أو ح تى التعويل على األيديولوجية
السائدة ،فكل هذه المرجعيات هى نواميس للضبط االجتماعى ،غير أن أهمها
من وجهة نظرنا هو القانون وكيفية استخدام السياسة له أخالقيا.
)1(1حممد ممدوح الع33 3 3 3رىب :األخالق والسياسة (الق33 3 3اهرة :اهليئة املص33 3 3رية العامة للكت33 3 3 3اب،
)1992ص.37 :
)2(2نفس املرجع ،ص.39 :
107
الدس تور) درءا لخطر ع دم االل تزام السياس ي ،وما يس تتبعه من عص يان
قانونى وأخالقى فى آن واحد.
وص فوة الق ول ،أن السياسة واألخالق متالزم ان (أو هك ذا يجب أن
يكون ا) ألن السياسة إن لم ت واكب المب ادئ األخالقية الس ليمة ف إن الدولة
يص ادفها الفش ل ،بغض النظر هنا عن المع نى المطلق للخ ير ،ألن الفالس فة
أنفسهم لم يصلوا إلى إجماع مطلق فى هذه القضية ،ولكن ما يجب أن يكون
هو أن تكون الحكومة تعبيرا عن القيم الخلقية السائدة التى هى مجموع المثل
العليا لألف راد .ومن هنا ج اء االعتقاد ب أن النصر السياسي القائم على أساس
من الفس اد والخ داع وإ هم ال القيم األخالقية ال ي دوم ط ويال ،ألن األخالق
تبحث فى الوس يلة كما تبحث فى الغاي ة ،أى أنها تبحث فى قيمة اله دف وفى
الس بيل الموصل إلي ه ،وإذا ك ان اله دف يرتبط فى تحقيقه بش عور يس مى
السعادة ،فإن اإلنسان ال يمكن أن ينعم بهذا الشعور ،إذا كان الطريق المؤدى
إليه ال يق وم على س لوك خلقى ق ويم .ومن هنا ج اء وج وب التالزم بين
السياسة واألخالق.
الدراس ة ،ف إن اهتمامنا قد انصب على الناحية النظرية أو الج انب األك اديمى
فى ارتب اط (علم السياسة) ب العلوم األخ رى ،أك ثر منه على السياسة
كممارسة ،فالبحث "معالجة منهجية" ،وهو ما يقف حائال دون االستفاضة فى
بحث عالقة السياسة بأنواع من المعارف تجعلنا نتخطى اإلطار الموضوعى
المرسوم لهذه الدارسة .وأخيرا ،فإن تعللنا بضيق المقام هنا يبدو سببا وجيها
لعدم اإلسهاب فى حصر وتبيان عالقة السياسة بما هو متعلق بها فعال ،فعلى
سبيل المثال:
فضال عن اهتمامها بمش كالت التفرقة العنص رية والص راع العنص رى فى
أفريقيا وأمريكا وغيرها من بؤر الصراع فى العالم ()1؟
)1(1انظر ىف تفص33يل ذل33ك ،حممد عب33ده حمج33وب :األنثروبولوجيا السياس33ية ،مقدمة 3لدراسة
النظم السياسية ىف اجملتمعات القبلية (اإلسكندرية :اهليئة املصرية العامة للكتاب.)1976 ،
110
تظل أك ثر من غيرها تعب يرا عن المش كالت السياس ية فى المجتمع ،لأن ثمة
عالقة وثيقة بين الرواية – كداللة مرجعية -وبين فك رة القومي ة ،فالثقافة
بطبيعتها (على عكس الحض ارة) ذات نزعة قومية اللتص اقها ب النواحى
الروحية واألدبية والفولكلورية فى حي اة الجماعة ،كما أن القومية هى فى
المق ام األول تص ور ثق افى؛ ول ذلك ف إن الحرك ات القومية تنبعث دائما من
توجه ات ثقافي ة( ،ش عرية ك انت أو روائية أو فنية أو غ ير ذل ك) تس تمد منها
قوتها ومص داقيتها والكث ير من ج وانب ش رعيتها .وإذا ك ان ه ذا هو دور
الثقافة فى السياس ة ،ف إن دور السياسة فى الثقافة ال يقل عنه أهمي ة؛ فحرك ات
التح رر الوط نى فى الق رن التاسع عشر وح روب الق رن العش رين ،وما تبع
ذلك من إعادة ترسيم الحدود الدولية ،كل ذلك أدى إلى انتشار أفكار الحرية
والديمقراطية والفلس فات الوجودية وثقاف ات ما بعد الحداثة واالتجاه ات
الس ريالية والعبثية وغيره ا ،كما ش هد الع الم ب زوغ فن ون جدي دة لش عوب
صغيرة لم يكن لها دور فى الثقافة العالمية من قبل ،وبذلك أسهمت فى إثراء
الفكر والفن فى الع الم ،بإض افات محلية الج ذور ،ولكنها تخطت الح واجز
اإلقليمية لتخاطب جموع العالم.
وأخ يرا – وليس ب آخر – ف إن جدلية العالقة بين السياسة وال دين ال
تخطئها عين منذ ب دء الخليق ة ،وبطبيعة الح ال ،فإنه يس تحيل رصد ه ذه
العالقة تاريخيا فى ه ذا المق ام ،وال ح تى إيجازها ،وحس بنا اإلش ارة إلى أن
الصهيونية Zionismهى مكمن هذه العالقة فى الفكر اليهودى ،وأن نظرية
الس يفين (دع ما لقيصر لقيصر وما هلل هلل) هى مكمنها فى الديانة المس يحية،
أما فى اإلس الم ،ف إن نظرية "الخالف ة" Caliphateتعد حج ر الزاوية فى
الفكر السياسي اإلس المى ،وما ت رتب على الج دل حولها من نشوء الف رق
اإلس المية المختلف ة ،وعلى رأس ها "الخ وارج" ،وال تى تعت بر "بالمص طلح
المعاص ر" أول ح زب سياسي فى اإلس الم .ه ذا ويمكن اعتب ار العلمانية
111