You are on page 1of 37

‫الفصل الثالث‬

‫عالقة علم السياسة بالعلوم االجتماعية األخرى‬

‫مدخـل‪.‬‬
‫أوال– علم السياسة والتاريخ‪.‬‬
‫ثانيا– علم السياسة والفلسفة‪.‬‬
‫ثالثا‪ -‬علم السياسة والقانون‪.‬‬
‫رابعا‪ -‬علم السياسة واالقتصاد‪.‬‬
‫خامسا‪ -‬علم السياسة واالجتماع‪.‬‬
‫سادسا‪ -‬علم السياسة والجغرافيا‪.‬‬
‫سابعا‪ -‬علم السياسة واألخالق‪.‬‬
‫‪76‬‬

‫الفصل الثالث‬
‫عالقة علم السياسة بالعلوم االجتماعية األخرى‬
‫مدخـل‪:‬‬

‫يرتبط علم السياسة بكث ير من العل وم االجتماعية األخ رى ارتباطا‬


‫وثيق ا‪ ،‬س واء فيما يتعلق بالمن اهج المس تخدمة أو األه داف العامة أو‬
‫االهتمامات التى توجه أبحاث هذه العلوم‪ .‬ولقد كانت كل العلوم االجتماعية‬
‫فى بداية أمرها علما واح دا يتن اول دراسة كل الج وانب المتداخلة للحي اة‬
‫االجتماعي ة‪ ،‬ثم ما لبثت أن تش عبت بعد ذلك إلى ف روع تخصص‪ ،‬يح اول كل‬
‫فرع فيها أن يستأثر بجانب اجتماعي معين ينفرد بدراسته بطريقته الخاصة‪.‬‬
‫وال شك أن ه ذا التخصص قد أف اد فى تق دم ه ذه الف روع‪ ،‬وأكس بها مزي دا من‬
‫الدقة والكف اءة والق درة على التحليل‪ ،‬وأص بح تقس يم العمل األك اديمي يمثل‬
‫ض رورة عملي ة‪ ،‬ومع ذلك ك ان له ذا التش عب نت ائج غ ير وظيفي ة‪ ،‬إذ ت رتب‬
‫عليه تقسيم النشاط اإلنساني إلى مجاالت بالغة الضيق‪ ،‬وعزل هذه الجوانب‬
‫(المتش ابكة فى األص ل) عن بعض ها بص ورة فيها كث ير من التعسف‬
‫والالموض وعية‪ ،‬لدرجة تص ور البعض أن اإلنس ان السياسي غ ير اإلنس ان‬
‫االقتص ادي‪ ،‬غ ير االجتم اعي ‪ ...‬الخ‪ ،‬دون إدراك التكامل والترابط بين كل‬
‫هذه الجوانب والذى يتجسد بصورة مركبة فى السلوك اإلنساني‪ ،‬فضال عن‬
‫أن المجتمع ذاته ال ينقسم إلى هذه األجزاء المنفصلة‪.‬‬
‫‪77‬‬

‫والواقع أنه يتعين أن ي درك ال ذين يش تغلون ب العلوم االجتماعية‪ ،‬أنهم‬


‫جميعا وباختالف تخصصاتهم يدرسون شيئا واحدا أو كيانا كليا متكامال هو‬
‫اإلنسان وسلوكه داخل المجتمع‪ .‬وبوسع هؤالء أن يختلفوا فى المناهج أو فى‬
‫م داخل الدراسة أو فى مح اوالت التفس ير والتأويل أو التأكيد على ج وانب‬
‫بال ذات دون األخ رى‪ ،‬غ ير أن ه ذا االختالف يجب أن يبقى فى ه ذا النط اق‬
‫فقط‪ ،‬فال يمتد إلى الظاهرة محل الدراسة نفسها (‪.)1‬‬

‫فالسياسة على المس توى النظ رى وإ ن ب دت كمي دان مس تقل فى‬


‫الدراس ة‪ ،‬فإنه ال يمكن ع زل ه ذا المي دان عن مجموعة العل وم االجتماعية‬
‫األخ رى‪ ،‬ونفس األمر ينطبق على الص عيد العملى‪ ،‬فهى وإ ن ب دت كحقل‬
‫نشاط خاص فى المجتمع؛ فإن العوامل التى تحدد هذا النشاط ال تصدر دوما‬
‫عن أح وال سياس ية‪ ،‬بل قد يك ون مص درها دينيا أو أخالقي ا‪ ،‬اقتص اديا أو‬
‫اجتماعي ا‪ ،‬فكما أن السياسة ت ؤثر فى كل من ه ذه العوام ل‪ ،‬ف إن ه ذه العوامل‬
‫ب دورها ت ؤثر فى السياسة (‪ .)2‬وس نرى فيما يلى م دى ارتب اط السياسة نظريا‬
‫بهذه العلوم‪ ،‬وتطبيقيا بمناحى الحياة المختلفة‪.‬‬

‫أوال– علم السياسة والتاريخ‪:‬‬

‫يشير التاريخ بمعناه العام إلى المعالجة المنظمة لألحداث الماضية‪،‬‬


‫أى تسجيل األحداث البشرية مع ذكر مسبباتها‪ ،‬وميدان التاريخ واسع يشمل‬
‫العديد من نواحى النشاط اإلنسانى‪ ،‬غير أن ما يتعلق منه بعلم السياسة هو ما‬
‫يخص حي اة األمم والش عوب‪ ،‬فعلم اء السياسة ال يهتم ون بكل أبح اث‬
‫الم ؤرخين‪ ،‬وإ نما يحص رون نط اق اهتم امهم فى ح دود القصة ال تى يرويها‬
‫التاريخ عن النشاط السياسي لإلنسان‪ ،‬فيصبح التاريخ بذلك مصدرا أساسيا‬

‫‪ )1(1‬حممد على حممد‪ :‬أصول االجتماع السياسي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.28 :‬‬
‫‪ )2(2‬حممد توفيق رمزى‪ :‬علم السياسة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.30 :‬‬
‫‪78‬‬

‫من مص ادر المعلوم ات السياس ية‪ ،‬ورك يزة يمكن االعتم اد عليها لتك وين‬
‫منظور أكثر تعمقا عند تحليل المسائل السياسية المعاصرة‪ .‬وبالمثل يجب أن‬
‫يس تفيد الت اريخ من السياس ة‪ ،‬حيث أن دراسة الت اريخ تص بح س ردا عقيما ال‬
‫ج دوى منها ما لم تأخذ فى االعتب ار التي ارات والعوامل السياس ية ال تى أث رت‬
‫فى س ياق كل مرحلة من مراحل الت اريخ‪ ،‬وعلى س بيل المث ال‪ ،‬ف إن دراسة‬
‫تاريخ أوربا الحديث والمعاصر ال تكون مفيدة بمجرد الرواي ة‪ ،‬وإ نما تكتمل‬
‫الفائ دة ب البحث فى طبيعة الحرك ات والظ واهر السياس ية ال تى ق امت فى تلك‬
‫الف ترة‪ ،‬وخاصة منذ ب زوغ الدولة القومية الحديثة وما أعقبه ا من ب روز‬
‫ظ اهرة االس تعمار فى الق رن التاسع عشر‪ .‬وهنا تختلف وظيفة الم ؤرخ عن‬
‫وظيفة ع الم السياسة‪ ،‬ف إذا ك ان الم ؤرخ يكتفى بس رد الوق ائع وترتيبها فى‬
‫س ياق زم نى معين‪ ،‬ف إن ع الم السياسة يس تخدم دالالت الماضى ودروسه‬
‫المستفادة كمنطلقات نحو التنبؤ باالتجاهات المستقبلية‪.‬‬

‫كما تتضح صلة علم السياسة بالتاريخ من أن عددا كبيرا من الوقائع‬


‫واألح داث التاريخية ك انت مص درا الس تحداث بعض النظري ات السياس ية؛‬
‫فث ورات ‪ 1848‬ال تى عمت فرنسا وع ددا من ال دول األوربية ك انت بمثابة‬
‫إعالن لإلرادة القومي ة‪ ،‬وتأكيد للمطلب الق ومى‪ ،‬خاصة فى البالد ال تى ك انت‬
‫خاضعة لسيطرة حكم أجنبى‪ ،‬مثل شعوب اإلمبراطورية العثمانية‪ ،‬وشعوب‬
‫إمبراطورية النمسا والمجر فى شرق أوربا‪ ،‬وكانت انتفاضات ‪ 1848‬أيضا‬
‫دافعا لظهور االشتراكية العلمية على يد كارل ماركس‪ ،‬ففى هذه السنة ظهر‬
‫كتابه "رأس الم ال"‪ The Capital‬وال ذى ض منه نظرياته االقتص ادية‬
‫والسياس ية‪ ،‬وال تى أث رت ب دورها فى مج رى الت اريخ‪ ،‬وك ان ع ام ‪– 1956‬‬
‫كما ي رى بوت و م ور – عاما حاس ما فى ظه ور حركة "اليس ار الجدي د"‪The‬‬
‫‪ New Left‬ال ذى يتب نى أغلب الحرك ات االجتماعية المناوئة لسياس يات‬
‫الرأس مالية‪ ،‬حيث ارتبط ظه ور ه ذا االتج اه اليس ارى بأح داث عالمية كث يرة‬
‫‪79‬‬

‫مثل ح رب الس ويس‪ ،‬وح رب الجزائ ر‪ ،‬وسياسة الوالي ات المتح دة األمريكية‬


‫فى جنوب شرق آسيا وأمريكا الالتينية‪ ،‬وثورة الزنوج‪ ،‬وثورة كوبا‪ .‬وكانت‬
‫ث ورة الش باب س نة ‪ 1968‬ال تى اجت احت كل ال دول الرأس مالية خاصة فرنسا‬
‫وألمانيا وأمريك ا‪ ،‬س ببا فى ظه ور حركة الس الم‪ Peace Movement‬ال تى‬
‫ك انت بمثابة رد فعل للس لوك اإلمبري الى للوالي ات المتح دة فى البل دان التابعة‬
‫(‪ .)1‬أضف إلى ذلك‪ ،‬أن كل األبحاث والدراسات السياسية حول األمن والسلم‬
‫الدوليين‪ ،‬قد كتبت أثناء الفتن والحروب والثورات (‪.)2‬‬

‫من ناحية أخ رى‪ ،‬ف إن بعض األفك ار والنظري ات السياس ية قد أدت‬


‫إلى المساهمة بشكل مباشر أو غير مباشر فى وقوع أحداث تاريخية‪ ،‬ودفعت‬
‫بالجم اهير ال تى تش بعت بها إلى المطالبة باإلص الح ومن ثم إلى الث ورة‪،‬‬
‫فالب احث فى مج ال السياسة ال يمكن أن يتجاهل آراء مونتس كييه وفولت ير‬
‫وروس و‪ ،‬وغ يرهم من مفك رين دفع وا بالش عب الفرنسى إلى الث ورة ع ام‬
‫‪ ،1789‬كما ال يمكن إغف ال أثر الفكر الماركسى فى قي ام ث ورة البالش فة فى‬
‫روس يا القيص رية س نة ‪ ،1917‬والث ورة الش يوعية فى الص ين س نة ‪1949‬‬
‫التى تأثرت إلى حد كبير بتطبيقات الماركسية فى االتحاد السوفييتى (‪.)3‬‬

‫وهكذا يؤثر التاريخ فى السياسة‪ ،‬وتؤثر السياسة فى التاريخ‪ ،‬يقول‬


‫س دجويك‪ :‬ما الت اريخ إال دراسة للسياسة فى عصر مض ى‪ ،‬كما أن السياسة‬
‫ما هى إال ت اريخ معاصر (‪ .)4‬فالسياسة والت اريخ – كما ي رى ب يرنز – ال‬

‫‪ )1( 1‬مسري أيوب‪ :‬ت‪3‬أثريات األي‪3‬ديولوجيا ىف علم االجتم‪3‬اع (ب‪3‬ريوت‪ :‬معهد اإلمناء الع‪3‬رىب‪،‬‬
‫‪ )1983‬ص‪.224 – 222 :‬‬
‫‪ )2(2‬بطرس غاىل وحممود خريى عيسى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.13 :‬‬
‫‪ )3( 3‬نفس املرجع‪ ،‬نفس املكان‪.‬‬
‫‪ )1( 4‬دليل برينز‪ :‬املثل السياسية‪ ،‬ترمجة لويس إس‪3‬كندر (الق‪3‬اهرة‪ :‬مؤسسة س‪3‬جل الع‪3‬رب‪،‬‬
‫‪ )1964‬ص‪.31 :‬‬
‫‪80‬‬

‫يختلف ان عن بعضهما البعض إال كما يختلف ج زء عن ج زء آخر من دراسة‬


‫واحدة (‪ .)1‬ثم إن أى علم بصفة عامة‪ ،‬ما هو إال حصيلة تاريخه‪ ،‬بما فى ذلك‬
‫علم السياسة ال ذى يعت بر – بص فة خاصة – أك ثر العل وم قابلية لتط بيق ه ذا‬
‫الرأى عليه‪.‬‬

‫ثانيا– علم السياسة والفلسفة‪:‬‬

‫ارتبط علم السياسة بالفلس فة ألمد طوي ل؛ وذلك الرتب اط البحث فى‬
‫ميدان السياسة بالفالسفة منذ أقدم العصور‪ ،‬حيث كانت الدولة النموذجية هى‬
‫اله دف ال ذى يس عى إلى تحقيقه فالس فة السياس ة‪ ،‬أمث ال أفالط ون ومكي افيللى‬
‫وه وبز ول وك وروسو وغ يرهم من الفالس فة ال ذين أب دوا اهتماما ملحوظا‬
‫بالسياسة وأنظمة الحكم‪ ،‬وح اولوا االهت داء إلى بعض المب ادئ ال تى ت بين ما‬
‫يجب أن تك ون عليه الدولة لتحقيق غاية وجوده ا‪ ،‬كمب دأ العدالة عند‬
‫أفالط ون‪ ،‬ومب دأ الخ ير الع ام عند أرس طو‪ ،‬ومب دأ الحرية عند ل وك‪ ،‬ومب دأ‬
‫السيادة عند بودان وروسو‪ ،‬ومبدأ المساواة االقتصادية عند ماركس وأنجلز‬
‫‪ ...‬الخ‪ .‬ففلس فة السياسة تح اول تفس ير كل ش يء يتعلق بالدولة من خالل‬
‫المبادئ أو القيم التى يتصورها فيلسوف السياسة‪.‬‬

‫وإ ذا كان المفكرون قلة قياسا بالمجتمع‪ ،‬فهم – بطبيعة الحال – الذين‬
‫يصيغون األفكار التى تضئ الطريق؛ فالفكرة نوع من الضوء‪ ،‬ولوال أفكار‬
‫فالسفة السياسة لغرقت حياتنا الجماعية فى الظالم‪ .‬وال يقلل من ش أن الفكرة‬
‫عدم ثباتها بشكل مطلق؛ فمهما كانت استدالالت الفكر قابلة للمناقشة‪ ،‬فإننا ال‬
‫يمكننا العيش ب دونها؛ ذلك أن الفك رة ح تى إذا ك انت زائف ة؛ فإنها قد تك ون‬
‫خط وة فى اتج اه الحقيق ة‪ ،‬فمن األفضل كث يرا أن يك ون ل دينا أفك ار مش كوك‬

‫(‪ )2‬املرجع السابق‪ ،‬نفس املكان‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪81‬‬

‫فيها من أال يكون لدينا أية أفكار على اإلطالق‪ ،‬فالحالة األولى غير مرضية‬
‫ولكنها متحضرة‪ ،‬أما الثانية فهى همجية (‪.)1‬‬

‫نق ول ه ذا ردا على ادع اء البعض ع دم ج دوى الفلس فة بالنس بة‬


‫للسياسة‪ ،‬والذين يحاولون استبعاد المؤثرات الفلسفية فى تصورهم للسياسة‪،‬‬
‫انطالقا من أن الفلس فة قد تق دم فى مج ال السياسة اس تدالالت خاطئة كمنهج‬
‫"القبلي ات"‪ Apriorism‬أى منهج التفك ير ال ذى يس بق المالحظة والتجرب ة‪،‬‬
‫كما هو الح ال – مثال – فى الفلس فة المثالية (‪ .)2‬نق ول إن الفلس فة ال تق دم‬
‫للسياسة حلوال نهائية ال تقبل المراجعة أو إعادة النظر؛ وإ نما تقدم شأنها شأن‬
‫كل العل وم االجتماعية معرفة نس بية ‪ Relative‬والنس بية هنا ال تع نى الذاتية‬
‫‪ Subjectivism‬فنس بية المعرفة تختلف عن ذاتيته ا؛ ذلك أن المعرفة ال تى‬
‫تتعلق بموضوعات إنسانية اجتماعية ال يمكن إال أن تكون نسبية؛ ألن قبولها‬
‫أو عدم قبولها‪ ،‬وااللتزام بها أو عدم االلتزام بها‪ ،‬كل ذلك مرهون باختبارها‬
‫موضوعيا‪ ،‬وهو ما يجعلها تفلت من الذاتي ة التامة أو االعتباطية وتتنصل من‬
‫مب دأ "اإلطالق" ‪ Absoluteness‬فالذاتية التامة ت دعى أن ذاتية ال رأى هى ما‬
‫يبرر األخذ به لكونه صحيحا بالنسبة لصاحبه‪ ،‬وبالتالى تجعل من البحث عن‬
‫حق ائق جدي دة لحل أى مش كلة أم را غ ير ذى فائ دة (‪ ،)3‬أما النس بية فى مج ال‬
‫فلس فة السياسة‪ ،‬فإنها ب المعنى "ال داروينى" – إذا ج از التش بيه – تع نى بق اء‬
‫األصلح‪.‬‬

‫(‪ )1‬جلني تيندر‪ :‬الفكر السياسى‪ ،‬األسئلة األبدية‪ ،‬ترمجة حممد مصطفى غنيم (الق‪33‬اهرة‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫اجلمعية املصرية لنشر املعرفة والثقافة العاملية‪ )1993 ،‬ص‪.35 :‬‬


‫‪ )2( 2‬انظر ىف ذل ‪33‬ك‪ ،‬ف ‪33‬رانكلني ب ‪33‬اومر‪ :‬الفكر األوريب احلديث‪ ،‬ترمجة أمحد محدى حمم ‪33‬ود‬
‫(القاهرة‪ :‬اهليئة املصرية العامة للكتاب‪ )1989 ،‬ص‪.59 :‬‬
‫‪ )1(3‬ملحم قرب‪33 3 3‬ان‪ :‬املنهجية والسياسة (ب‪33 3‬ريوت‪ :‬منش‪33 3‬ورات دار الطليع‪33 3‬ة‪ )1963 ،‬ص‪:‬‬
‫‪.78‬‬
‫‪82‬‬

‫ففالس فة السياسة يختلف ون فى تص ور األسس المعيارية للظ اهرة‬


‫السياسية والحكم عليها وتقييمها‪ ،‬كما يختلفون فى كيفية التدخل بنظرياتهم فى‬
‫توجيه س ير األح داث‪ ،‬تبعا الختالف منطلق ات التص ور وأنس اق االعتق اد‬
‫واألنماط الثقافية السائدة وغيرها‪ ،‬فال شك أن األمر يختلف عند المثاليين عنه‬
‫عند الواقع يين‪ ،‬وعند الليبرال يين عنه عند االش تراكيين‪ ،‬وعند علم اء السياسة‬
‫عنه عند فالسفتها‪.‬‬

‫وليس أدل على ه ذا االختالف من تغ اير وجه ات نظر أولئك ال ذين‬


‫تن اولوا – مثال – العالقة بين الدولة والمجتم ع‪ :‬فهن اك من رأى أن الدولة‬
‫مس ئولة عما يش هده المجتمع من أح داث ووق ائع مثل ه وبز‪ ،‬وهن اك من رأى‬
‫أن المجتمع هو الذى يشكل الدولة وفقا لقوانينه الخاصة مثل ماركس‪ ،‬كما أن‬
‫هن اك من ق دم الق وة على العقل مثل مكي افيللى ال ذى ط الب ب الزود عنها‬
‫واالستزادة منها‪ ،‬فارتبطت باسمه‪ ،‬وأصبح يعرف بفيلسوف القوة‪ ،‬فى حين‬
‫ذهب أفالط ون ق ديما إلى عكس ذل ك‪ ،‬عن دما ن ادى بض رورة تق ديم العقل‬
‫والحكمة على ج بروت الق وة وطغي ان الس لطة‪ ،‬مق ررا فى كتابه "الجمهوري ة"‬
‫أنه لن يك ون هنـاك خالص للمجتمع إال إذا أص بح الفالس فة حكاما أو أص بح‬
‫الحكام فالسفة‪ ،‬وقد ذهب فريق ثالث إلى تقنين العالقة فى المجتمع بين العقل‬
‫والقوة‪ ،‬بين الحرية والسلطة‪ ،‬وكان لوك رائدا أساسيا فى هذا المجال‪ .‬بل إن‬
‫أص حاب االتج اه الواحد قد يختلف ون فيما بينهم ح ول تص ور كل منهم له ذا‬
‫االتجاه‪ ،‬فعلى الرغم من أن المغزى األيديولوجى لنظرية "العقد االجتماعي"‬
‫–على سبيل المثال– يتمثل فى محاولة أصحاب هذه النظرية (هوبز‪ ،‬لوك‪،‬‬
‫روس و) التأكيد على ض رورة قي ام الس لطة فى الدولة على رضا المحك ومين‬
‫واقتن اعهم‪ ،‬أى أنها اس تخدمت – بص فة عامة – لتأص يل مب دأ الديمقراطية‬
‫‪83‬‬

‫وترسيخ فكرتها؛ فإن فالسفة النظرية قد اختلفوا فيما بينهم حول بنود ونتائج‬
‫العقد االجتماعي‪.‬‬

‫كما أنه‪ ،‬وبمثل ما تتعدد األفكار وتختلف بتعدد فالسفة السياسة‪ ،‬فإن‬
‫فلس فة سياس ية واح دة لمفكر واح د‪ ،‬قد تتع دد بش أنها وجه ات النظر وتتب اين‬
‫ط رق فهمها‪ ،‬وال يتسع المق ام لتقصى كل ه ذه المج االت فى ت اريخ الفكر‬
‫السياس ي‪ ،‬ونكتفى فى ذلك ب ذكر الهيجلية السياس ية كنم وذج‪ .‬ففكر هيجل قد‬
‫احت وى على ب ذور نمت فى اتجاه ات مختلفة تمام ا‪ ،‬حيث أنه جمع بين‬
‫عناصر ليبرالية وأخ رى اش تراكية فى بن اء واح د‪ ،‬وأث رت أفك اره على كال‬
‫االتج اهين‪ ،‬بل وعلى كل األص ول الهامة األخ رى للفكر السياسي الح ديث‪.‬‬
‫فقد ذهب هوبهاوس إلى أن فكر هيجل مسئول بشكل كبير عن اندالع الحرب‬
‫العالمية األولى‪ ،‬وعن اندفاع األلم ان إلى ساحاتها وهم فرحون مستبش رون‪،‬‬
‫وذهب كاسيرر إلى أن النزاع بين الروس واأللمان الغزاة سنة ‪ 1943‬كان‬
‫نزاعا بين الجن اح األيسر والجن اح األيمن لمدرسة هيج ل‪ ،‬كما ي رى أنه ين در‬
‫وج ود أى اتج اه سياسى ح ديث اس تطاع أن يفلت من ت أثير فلس فة هيجل‬
‫السياس ية؛ ألن ص ورته ب دت متنوعة فى الت اريخ‪ ،‬فالبلش فية والفاش ية‬
‫واالشتراكية الوطنية (النازية) قامت بتفتيت مذهبه إربا‪ ،‬وانقسم شراحه إلى‬
‫معسكرين‪ ،‬يمينى ويسارى‪ ،‬بينهما صراع لم ينته (‪.)1‬‬

‫‪ )1(1‬انظر ىف ذلك‪:‬‬
‫‪ -‬حممد عبد املعز نص‪33‬ر‪ :‬فلس‪33‬فة السياسة عد األملان (اإلس‪33‬كندرية‪ :‬مطبعة م‪ .‬ك‪)1971 ،‬‬
‫ص‪.4 – 3 :‬‬
‫‪ -‬ارنست كاس‪33‬رير‪ :‬الدولة واألس‪33‬طورة‪ ،‬ترمجة أمحد محدى حمم‪33‬ود (الق‪33‬اهرة‪ :‬اهليئة املص‪33‬رية‬
‫العامة للكتاب‪ )1975 ،‬ص‪ ،331 :‬وانظر أيضا‪:‬‬
‫‪- Sabine, G: A History of Political Theory (New York, 1961) P: 524.‬‬
‫‪84‬‬

‫ونخلص مما س بق إلى أن فالس فة السياسة يختلف ون فيما بينهم تبعا‬


‫الختالف الواقع المع اش من كل نواحي ه‪ ،‬وبق در ما يوجد من اختالف فى‬
‫الوع اء الفك رى ل دى كل منهم‪ ،‬فنجد للراديك اليين حججهم الثوري ة‪،‬‬
‫وللمح افظين منطقهم الت بريرى‪ ،‬فضال عن وج ود األي ديولوجيات التوفيقية‬
‫التى تسعى إلى احتالل موقع الوسط بين أولئك وهؤالء‪ .‬وفى جميع األحوال‬
‫يتوقف م دى انتش ار الفلس فات السياس ية على م دى مالئمتها للظ روف‬
‫التاريخي ة‪ ،‬وعلى م دى خص وبة التربة السياس ية لغ رس ب ذور الفلس فة فيها‪،‬‬
‫وهو ما ي دحض آراء المن ادين بقطع الص لة تمام ا بين الفلس فة كحكم قيمة‬
‫والسياسة كعلم بحت‪ ،‬ويؤكد جدلية العالقة بين المج الين‪ ،‬ال على المس توى‬
‫النظرى فحسب‪ ،‬بل وعلى مستوى الممارسة والتطبيق‪.‬‬

‫ثالثا– علم السياسة والقانون‪:‬‬

‫الق انون بص فة عامة هو مجموعة القواعد أو المب ادئ ال تى تقرها‬


‫الدولة لتنظيم س لوك األف راد داخل المجتم ع‪ ،‬تنظيما ملزما مقترنا بعق اب من‬
‫يخالف ه‪ ،‬من أجل تحقيق النظ ام االجتم اعي‪ ،‬وهو أحد ن واميس الض بط‬
‫االجتم اعي المتع ددة مثل ال دين واألخالق والتربية والمعرف ة‪ ،‬ولكن ما يم يز‬
‫الق انون عن ن واميس الض بط االجتم اعي األخ رى‪ ،‬هو أنه ال يقتصر على‬
‫تق ديم الض وابط المح ددة ألدوار األف راد فى المجتمع ومج ال ح ركتهم‪ ،‬وإ نما‬
‫يتج اوز ذلك إلى تق ديم بن اء هيكلى متكامل بذات ه‪ ،‬ي ؤمِّن ه ذه الض وابط‬
‫باس تمرار‪ ،‬عن طريق ما يرس مه ذاتيا من ق وى‪ ،‬وما يقيمه من أجه زة لتفعيل‬
‫هذه الضوابط‪ ،‬كذلك فالقانون خالفا لغيره من نواميس الضبط االجتم اعي‪،‬‬
‫يتميز ليس فقط بتوافر االعتقـاد الجماعى باحترام ضوابطه‪ ،‬وإ نمـا باإلجبار‬
‫على اح ترام هـذه الض وابط احتراما تكفله الس لطة العامة بالدولة (‪ .)1‬ولعل‬

‫‪- Hertz, F :Nationality in History and Politics (London, 1966) p: 353.‬‬


‫‪ )1(1‬انظر ىف ذلك‪:‬‬
‫‪ -‬عماد الدين الشربيىن‪ :‬املدخل للعلوم القانونية (اإلسكندرية‪ )1984 :‬ص‪.13 :‬‬
‫‪85‬‬

‫ذلك يرجع إلى تم يز الق انون بم يزتى العمومية والتجريد؛ فقواع ده هى قواعد‬
‫عامة مجردة‪ ،‬ال تتعلق بموقف معين أو شخص بالذات‪.‬‬

‫وبن اء على ذل ك‪ ،‬نجد أن فك رتى الق انون والمجتمع متالزمت ان‪ ،‬ال‬
‫يمكن الفصل بينهما؛ ألن المجتمع – بص فة عامة – هو جماعة منظم ة‪،‬‬
‫وتعريف المجتمع على ه ذا النحو يتض من حتما فك رة الق انون‪ ،‬وب ذلك ت برز‬
‫ه ذه الفك رة من تحليل فك رة المجتم ع‪ ،‬إذ أن األولى عالقة ب األخيرة‪ .‬بعب ارة‬
‫أخرى‪ ،‬إن الحياة فى المجتمع توحى إلينا بإحساس خطة مرسومة‪ ،‬أو تحديد‬
‫دقيق لمجال السلوك‪ ،‬ومن هذا اإلحساس يستخلص العقل فكرة القانون‪.‬‬

‫وينقسم الق انون إلى قس مين رئيس يين هم ا‪ :‬الق انون الع ام‪ ،‬والق انون‬
‫الخ اص‪ ،‬فالق انون الع ام هو مجموعة القواعد ال تى تنظم الروابط ال تى تك ون‬
‫الدولة طرفا فيه ا‪ ،‬أما الق انون الخ اص‪ ،‬فهو مجموعة القواعد ال تى تنظم‬
‫عالقة األف راد بعض هم ببعض‪ .‬ول ذلك ف إن ما له عالقة بعلم السياسة هو‬
‫الق انون الع ام‪ ،‬نظ را لوج ود عنصر الدولة في ه‪ ،‬وهو ب دوره ينقسم إلى ثالثة‬
‫أقسام هى‪:‬‬

‫ذى ينظم إدارة المرافق العامة‬ ‫‪ -1‬الق انون اإلدارى‪ :‬وهو ال‬
‫والهيئات الحكومية فى الدولة‪.‬‬

‫‪ -2‬الق انون ال دولى‪ :‬وهو ال ذى ينظم عالقة الدولة بغيرها من‬


‫الدول‪.‬‬

‫‪ -3‬الق انون الدس تورى‪ :‬وهو ال ذى يح دد نظ ام الحكم فى الدول ة‪،‬‬


‫بكونها ملكية أو جمهوري ة‪ ،‬تخضع لنظام المجلس التشريعى الواحد أم لنظام‬
‫المجلس ين‪ ،‬ذات ح زب واحد أم متع ددة األح زاب‪ ،‬كما أنه يح دد حق وق‬

‫‪ -‬مص‪33 3‬طفى‪ 3‬حممد اجلم‪33 3‬ال وعبد احلميد حممد اجلم‪33 3‬ال‪ :‬املدخل لدراسة الق‪33 3‬انون‪ ،‬اجلزء‬
‫األول (اإلسكندرية‪ )1984 :‬ص‪.7 – 6 :‬‬
‫‪86‬‬

‫المواط نين وواجب اتهم فى الدول ة‪ ،‬ول ذلك تتش ابك موض وعات الق انون‬
‫الدس تورى مع موض وعات علم السياس ة؛ باعتب ار أن الق انون الدس تورى‬
‫والنظم السياس ية م ادة واح دة‪ ،‬تبحث فى موض وع واحد هو نظ ام الحكم فى‬
‫الدول ة‪ ،‬س واء من الناحية النظرية القانوني ة‪ ،‬أو العملية الواقعي ة‪ ،‬وهنا تكمن‬
‫عالقة السياسة بالقانون‪ ،‬فأى نظام سياسى يتأثر تأثرا شديدا بما يدين به من‬
‫فكر وما يعتنق من أيديولوجي ة‪ ،‬وال أدل على ذلك من أن الدس اتير المختلفة‬
‫لل دول إنما تع بر عن أي ديولوجيات ه ذه ال دول قبل أن تك ون تنظيما للس لطات‬
‫العامة فيها‪ .‬ف الفكر الم ذهبى ال ذى ي دين به الدس تور ي ؤثر أبلغ الت أثير فيما‬
‫يضعه من تنظيم للسلطة والحرية‪ ،‬بل إن تأثير األيديولوجية فى الدستور يبلغ‬
‫فى كث ير من األحي ان ح دا يغ دو معه اس تحالة تفس ير نص وص ه ذا الدس تور‬
‫دون الرج وع إلى المب ادئ األيديولوجية ال تى ص در فى ظلها (‪ .)1‬أضف إلى‬
‫ذلك أن الق انون ال دولى يمثل ج زءا من علم العالق ات الدولية ال ذى هو (أى‬
‫علم العالقات الدولية) أحد فروع علم السياسة‪.‬‬

‫غ ير أن علم السياسة أوسع نطاقا من الق انون؛ ذلك أن الق انون ال‬
‫يع نى إال بج انب واحد فقط من ج وانب الس لطة‪ ،‬أما الج وانب األخ رى غ ير‬
‫القانونية للس لطة‪ ،‬كتحليلها من الن واحى االقتص ادية واالجتماعية واألخالقية‬
‫والنفسية‪ ،‬فال تدخل فى نطاق دراسته‪ ،‬ولكنها تدخل فى نطاق علم السياسة‪،‬‬
‫الذى أصبح بذلك أكثر شموال من القانون‪ ،‬وهو ما جعل الفقه الفرنسى يفصل‬
‫بين العلمين‪ ،‬ف إلى ع ام ‪ 1946‬ك ان الق انون يضم علم السياسة ض من‬
‫موضوعاته‪ ،‬حيث ك ان مصنفا من مص نفات القانون الدستورى‪ ،‬ثم تبين أن‬
‫الق انون الدس تورى ال يبحث س ير العمل فى الس لطات ال تى ينظمها إال إذا‬
‫كانت تعمل وفق القانون‪ ،‬فى حين أن علم السياسة يدرس سير العمل فى تلك‬
‫المنظمات سواء طبقت القانون أو خالفته‪ ،‬فهو ال يتقيد بالنص وص‪ ،‬إنما يحلل‬
‫‪ )1(1‬راجع النظم السياسية ىف الفصل السابق‪.‬‬
‫‪87‬‬

‫الظواهر على ضوء الواقع الموجود بالفعل‪ ،‬األمر الذى أدى إلى جعله علما‬
‫مستقال بذاته‪ ،‬وأوسع نطاقا من القانون (‪.)1‬‬

‫والواقع أن القانون هو العالمة الكبرى المميزة للدولة‪ ،‬فالحكم معناه‬


‫ممارسة الض بط والمراقب ة‪ ،‬مما يحتم وج ود قواعد للس لوك ت دعمها ج زاءات‬
‫مح ددة‪ .‬والحكوم ات ال تص وغ الق وانين لتحقيق أه دافها فحس ب؛ وإ نما‬
‫الحكوم ات ذاتها لن تق وم لها قائمة دون ت وافر عنصر الض بط عن طريق‬
‫الق انون‪ .‬ويع نى نظ ام الدولة القانونية أن الدولة وإ ن ك انت هى ال تى تضع‬
‫القانون؛ إال أنها تلتزم به وتتقيد بأحكامه إلى أن يعدل أو يلغى‪ ،‬وهو ما يؤكد‬
‫أن الدولة ليست مطلقة الحرية فى وضع الق انون‪ ،‬وإ نما هى مقي دة بح دود‬
‫فى‬ ‫معينة تتعلق بمب دأ الش رعية‪ Legitimacy‬وهو مب دأ سياسى‬
‫جوهره‪.‬‬

‫وتنقسم الدول من حيث خضوعها للقانون أو عدم خضوعها له إلى‪:‬‬


‫دولة قانوني ة‪ ،‬ودولة اس تبدادية‪ ،‬والدولة الاس تبدادية هى ال تى ال تخضع فى‬
‫حكمها لق وانين وأنظمة عام ة‪ ،‬وإ نما يس تعمل الح اكم فيها س لطته كما يش اء‪،‬‬
‫دون قي ود أو ح دود‪ ،‬ويتخذ ما يعن له من إج راءات ال تخضع لحكم الق انون‪.‬‬
‫غ ير أن ه ذا التقس يم ال يتعلق بش كل الحكم فى الدول ة‪ ،‬فقد يك ون النظ ام ملكيا‬
‫ولكنه ق انونى‪ ،‬وقد يك ون برلمانيا ولكنه اس تبدادى ال يخضع فى س لطته‬
‫للقانون‪.‬‬

‫وفى األنظمة الديمقراطية الحديث ة‪ ،‬تعمل الق وانين على الحد من‬
‫س لطة الحك ام عن طريق الق انون‪ ،‬وذلك بوضع قي ود متع ددة تحيط ممارسة‬
‫السلطة بكثير من الض مانات‪ ،‬لتكفل جدية االلتزام بالقانون‪ ،‬وعدم االستبداد‬

‫‪ )1(1‬حممد نصر مهنا‪ :‬مدخل إىل النظرية السياسة احلديثة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.37 :‬‬
‫‪88‬‬

‫بحقوق األفراد وحرياتهم‪ ،‬وتقوم هذه الضمانات على جملة مبادئ ونظم يأخذ‬
‫بها النظام القانونى وهى‪:‬‬

‫‪ -1‬الدس تور‪ :‬إذ أن وج ود الدس تور ‪ Constitution‬هـو الض مانة‬


‫األولى من ض مانات خض وع الدولة للق انون‪ ،‬ووج وده يع نى إقامة النظ ام‬
‫السياسي القانونى للدولة؛ ألنه ينشئ السلطات المختلفة ويحدد اختصاصاتها‪،‬‬
‫وي بين كيفية ممارسة ه ذه االختصاص ات‪ ،‬كما يح دد نظ ام الحكم فى الدول ة‪،‬‬
‫ويوضح كيفية اختي ار الح اكم‪ ،‬ويرسم ح دود س لطاته ‪ ،‬إلى غ ير ذلك من‬
‫األم ور ال تى تتعلق بكيفية ممارسة الحكم‪ ،‬وحق وق وواجب ات الحك ام‬
‫والمحكومين (‪.)1‬‬

‫ويمثل الدستور قمة النظام القانونى فى الدولة؛ ألنه يسمو على كافة‬
‫القواعد القانونية المختلفة‪ ،‬ويلزم لتعديله إجراءات خاصة‪ ،‬تختلف فى معظم‬
‫األحيان عن إجراءات تعديل القوانين العادية‪ ،‬ولذلك فهو يقيد سلطات الدولة‬
‫الثالث التش ريعية والتنفيذية والقض ائية؛ ألنها س لطات منش أة بواس طته وهو‬
‫ال ذى نظمها وح دد لها اختصاص اتها‪ ،‬وهو ما ي ترتب عليه ال تزام ه ذه‬
‫السلطات بنظام الدستور‪ ،‬واحترامها لمبادئه‪ ،‬واالمتناع عن مخالفة نصوصه‬
‫فى القوانين التى تسنها‪ ،‬واإلجراءات التى تتخذها‪ ،‬واألحكام التى تصدرها‪.‬‬

‫‪ -2‬الفصل بين الس لطات‪ :‬فمن الض مانات الهامة لقي ام الدولة‬
‫القانونية وتقرير حق وق األف راد وحري اتهم‪ ،‬وال تزام الحك ام بالق انون‪ ،‬مب دأ‬
‫الفصل بين الس لطات ‪ Separation of Powers‬فقد أثبت الت اريخ على ما‬
‫بين مونتس كييه فى كتابه "روح الق وانين" ‪ Spirit of Laws‬أن الس لطة‬
‫المطلقة مفس دة مطلقا وم دعاة إلس اءة اس تعمالها‪ ،‬ول ذلك فقد ن ادى بض رورة‬

‫(‪ )1‬عبد الغىن بس‪33 3‬يوىن عبداهلل‪ :‬النظم السياس ‪33‬ية (ب ‪33‬ريوت‪ :‬ال ‪33‬دار اجلامعي ‪33‬ة‪)1985 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫ص‪.173 :‬‬
‫‪89‬‬

‫الفصل بين الس لطات؛ ألن الس لطة توقف الس لطة‪ .‬ومب دأ فصل الس لطات ال‬
‫يع نى مج رد توزيعها بين ع دة هيئ ات‪ ،‬وإ نما يل زم أن يق وم بين ه ذه الهيئ ات‬
‫فصل يجعلها متساوية‪ ،‬بحيث ال تكون بعضها مجرد هيئات تابعة أو ثانوية‪،‬‬
‫وحتى تستطيع كل منها أن توقف األخرى عند حدودها (‪.)1‬‬

‫‪ -3‬س يادة الق انون‪ Supremacy of Law :‬وهو ما يع نى أن‬


‫الس لطة التنفيذية ملتزمة فى كل ما تتخ ذه من أعم ال وما تتبعه مـن إج راءات‬
‫بالق انون الص ادر عن الس لطة التش ريعية‪ ،‬بمع نى آخ ر‪ ،‬ف إن المب دأ يع نى‬
‫خض وع الس لطة التنفيذية فى ممارس تها لوظائفه ا‪ ،‬للس لطة التش ريعية‪ ،‬بحيث‬
‫ال تقدم على تصرف من التصرفات إال تنفيذا للقانون‪ ،‬أو بمقتضى القانون‪.‬‬

‫‪ -4‬تدرج القواعد القانوني ة‪ Gradual of Legal Rules :‬بمع نى‬


‫أن ترتبط القواعد القانونية ال تى يتك ون منها النظ ام الق انونى فى الدولة‬
‫ببعض ها فى ت درج ه رمى‪ ،‬بحيث تأخذ القواعد الدس تورية مكانها فى القم ة‪،‬‬
‫تليها القواعد التش ريعية العادي ة‪ ،‬ثم الق رارات التنظيمية العام ة‪ ،‬أى الل وائح‬
‫الصادرة من الهيئات اإلدارية‪ ،‬وأخيرا القرارات الفردية‪ ،‬التى تشكل قاعدة‬
‫الهرم‪ .‬هذا‪ ،‬ويسمو القرار التنظيمى على القرار اإلدارى الفردى‪ ،‬حتى ولو‬
‫ك ان الق رار الف ردى ص ادرا عن جهة تعلو الهيئة ال تى أص درت الق رار‬
‫التنظيمى (‪ .)2‬والواقع أن ه ذا المب دأ يمثل عنص را أساس يا فى نظ ام الدولة‬
‫القانونية؛ وذلك ألنه إذا كان المبدأ يقضى بخضوع الهيئات الحاكمة للقانون‪،‬‬
‫فإنه ال س بيل لتحقيق ه ذا الخض وع‪ ،‬إال بالربط بين أج زاء النظ ام الق انونى‪،‬‬
‫ربطا تسلسليا تنفذ خالله أحكام القانون من القمة إلى القاعدة‪.‬‬

‫(‪ )2‬عبد احلميد مت ‪33‬وىل‪ :‬األنظمة السياس ‪33‬ية واملب ‪33‬ادئ الدس ‪33‬تورية العامة (اإلس ‪33‬كندرية‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫دار املعارف‪ )1958 ،‬ص‪.242 :‬‬


‫(‪ )1‬حمم‪33‬ود ع‪33‬اطف البن‪33‬ا‪ :‬النظم السياس‪33‬ية (الق‪33‬اهرة‪ :‬دار الفكر الع‪33‬رىب‪ )1981 ،‬ص‪:‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪.131‬‬
‫‪90‬‬

‫‪ -5‬الرقابة القضائية‪ Juridical Control :‬وهى التى تكفل احترام‬


‫مب دأ س يادة الق انون‪ ،‬وتض من خض وع الس لطات العامة (وبص فة خاصة‬
‫الس لطة التش ريعية) للق انون‪ ،‬فالرقابة القض ائية على دس تورية الق وانين‬
‫واللوائح هى أكثر الوسائل القانونية فعالية‪ ،‬لضمان احترام السلطة التشريعية‬
‫فى أعمالها ألحكام الدستور‪ ،‬وبدون هذه الرقابة الدستورية‪ ،‬فإن النص على‬
‫حقوق األفراد وحرياتهم فى إعالنات حقوق اإلنسان أو فى صلب الدساتير‪،‬‬
‫ال يحقق ضمانة جدية للحريات فى مواجهة المشرع‪.‬‬

‫كما أن الرقابة القضائية على أعمال اإلدارة هى وحدها القادرة على‬


‫توف ير ض مانة حقيقية وحماية قانوني ة‪ ،‬للحق وق والحري ات الفردية‬
‫ضد كل تعسف من جهة اإلدارة‪ ،‬سـواء بإلغاء القرارات اإلدارية الفردية‪ ،‬أو‬
‫التعويض عن األضرار التى تلحق بالمتقاضين‪ ،‬بينما ال توفر أنواع الرقابات‬
‫األخ رى – كالرقابة السياس ية أو الرقابة اإلدارية – مثل ه ذه الض مانة وتلك‬
‫الحماية‪ .‬وتعود أهمية الرقابة القضائية إلى تمتع القضاء باالستقالل والحياد‪،‬‬
‫واتص افه بالموض وعية فيما يص دره من أحك ام قانونية تتمتع بالحجي ة‪،‬‬
‫وتعتبر فصل الخطاب وعنوان الحقيقة‪.‬‬

‫وال يقلل من قيمة وجود الرقابة القضائية كيفية تنظيم هذه الرقابة‪ ،‬إذ‬
‫يس توى فى ذلك األخذ بنظ ام القض اء الموح د‪ ،‬كما هو الش أن فى النظ ام‬
‫األنجلوساكس ونى أو تط بيق نظ ام القض اء الم زدوج مثل النظ ام الالتي نى‪،‬‬
‫ال ذى جعل المنازع ات اإلدارية من اختص اص قض اء خ اص هو "القض اء‬
‫اإلدارى"‪ .‬فالعبرة فى النهاية هى وجود هذه الرقابة القضائية أساسا (‪.)1‬‬

‫رابعا‪ -‬علم السياسة واالقتصاد‪:‬‬

‫(‪ )1‬عبدالغىن بسيوىن عبداهلل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.177 :‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪91‬‬

‫يمكن الق ول أنه ليس هن اك من ق وة عالقة تربط بين مج الين‪ ،‬كتلك‬


‫ال تى تربط بين مج الى السياسة واالقتص اد؛ إذ أنه يتع ذر – إن لم يكن‬
‫مس تحيال ‪ -‬دراسة أحد المج الين بمن أى تماما عن اآلخ ر‪ .‬واالقتص اد‬
‫‪ - Economics‬فى أبسط تعاريفه – هو العلم ال ذى يبحث فى الق وانين‬
‫المتعلقة بإنت اج ال ثروة‪ ،‬وتوزيعه ا‪ ،‬واس تهالكها‪ ،‬بغ رض إش باع الحاج ات‬
‫المادية لإلنس ان داخل المجتم ع‪ ،‬وكلمة "داخل المجتم ع" تش ير إلى أن‬
‫االقتص اد نش اط تب ادلى‪ ،‬إذ ال يمكن ألى إنس ان مس تندا إلى جه وده الفردية‬
‫وح دها‪ ،‬أن يحقق جميع مطالبه المادي ة‪ ،‬ويش بع رغباته واحتياجاته دون أن‬
‫يلجأ إلى غ يره من األف راد‪ ،‬فك ان طبيعيا أن يك ون المجتمع هو المج ال‬
‫االقتصادى أوال‪ ،‬ثم يأتى نشاط الفرد لتحقيق مطالبه داخل إطار هذا المجتمع‬
‫ثانيا‪ ،‬وإ طار المجتمع هذا‪ ،‬ونشاط األفراد فيه‪ ،‬تحدده مجموعة عوامل تأتى‬
‫السياسة فى مقدمتها‪.‬‬

‫فالشك أن السياسة واالقتص اد هما ال دعامتان األساس يتان المكونت ان‬


‫للدولة الحديثة‪ ،‬وأن كثيرا من أنش طة الدولة يختلط فيها ما هو سياسي بما هو‬
‫اقتصادى‪ ،‬فنظم الملكية العامة والخاصة‪ ،‬والضرائب والتعاريف الجمركية‪،‬‬
‫والت أميم والخصخصة واالنفت اح ‪ ...‬الخ‪ ،‬هى ممارس ات سياس ية واقتص ادية‬
‫فى آن واح د‪ ،‬ف إذا تص ورنا أن ال رأس فى الدولة تمثله السياس ة‪ ،‬ف إن القلب‬
‫الذى يدفع الدم فى هذا الجسم يقوم أساسا على االقتصاد‪ .‬فكالهما فى الواقع‬
‫ي ؤثر فى اآلخر ويت أثر ب ه‪ ،‬وكم من نظ ام سياسي انه ار من أص وله؛ ألن‬
‫األوض اع االقتص ادية ال تى نتجت عنه لم تف بمط الب األف راد‪ ،‬والعكس‬
‫صحيح‪ ،‬فإن تيسرت األحوال االقتصادية‪ ،‬كان ذلك مدعاة الستقرار النظام‬
‫السياسي ال ذى يم ارس االقتص اد نش اطه فى ظل ه‪ .‬أضف إلى ذلك أن أى‬
‫تصريح سياسي خط ير‪ ،‬قد يؤدى إلى التأثير فى الدوائر االقتصادية ودوائر‬
‫المال وأنشطة البورصات تأثيرا مباشرا وسريعا‪ .‬كما أن األحزاب السياسية‬
‫‪92‬‬

‫ال تى تتص ارع فى س بيل الوص ول إلى الحكم‪ ،‬تق وم معظم برامجها السياس ية‬
‫على مرتك زات اقتص ادية‪ ،‬تح اول بها إغ راء الن اخبين ب أن حكمها س يحقق‬
‫للمواط نين اس تقرارا اقتص اديا ورفاهي ة‪ ،‬أك ثر مما تحققه أية جماعة أخ رى‬
‫ترنو إلى الحكم بما فيها النظام الحاكم نفسه‪.‬‬

‫ف إذا تع دينا النط اق المحلى لعالقة السياسة باالقتص اد إلى النط اق‬
‫الدولى‪ ،‬لوجدنا أن للعوامل االقتصادية أبلغ األثر فى مجال السياسة الدولية‪،‬‬
‫وفى مش كالت األمن والس الم‪ ،‬وأن كث يرا من ال دول العظمى تق وم دعائمها‬
‫إلى حد بعيد على الس يطرة االقتص ادية على غيرها من ال دول‪ ،‬وعلى‬
‫استغاللها لمصادر الثروة المادية حتى خارج حدودها‪.‬‬

‫ولس نا هنا بمع رض التمي يز بين ق وى السياسة وق وى االقتص اد‪ ،‬أو‬


‫المفاض لة بينهم ا‪ ،‬كما ال يتسع المق ام لس رد جدلية العالقة التاريخية بينهم ا‪،‬‬
‫وإ نما نريد التأكيد على الص الت الوثيقة بين السياسة واالقتص اد فى العصر‬
‫الح ديث‪ ،‬إذ أن االقتص اد كعلم اجتم اعى ال يرجع إلى أك ثر من ق رنين من‬
‫الزم ان (‪ )1‬فمن قديم الزمن‪ ،‬حتى القرن الث امن عشر‪ ،‬ك ان مج ال االقتصاد‬
‫ح را من ت دخل الدول ة‪ ،‬وك انت السياسة تبحث فى م دى ما يتمتع به الف رد‬
‫والجماعات القائمة فى الدولة من حريات وما يترتب على ذلك من واجبات‪،‬‬
‫أو العكس‪ ،‬وك ان أى ت دخل من الدولة فى المي دان االقتص ادى يعت بر ت دخال‬
‫ممجوجا‪ ،‬ولكن استفحال الليبرالية وسوء استعمال الحرية االقتصادية‪ ،‬جعل‬
‫قلة من الناس تثرى على حساب األكثرية‪.‬‬

‫وك انت نظري ات علم اء االقتص اد اإلنجل يز أمث ال آدم س ميث‪ ،‬وديفيد‬
‫ريك اردو وجماعة الف يزيوقراط الفرنس يين‪ ،‬هى ال دعامات ال تى اس تند إليها‬

‫(‪ )1‬حازم الببالوى‪ :‬تاريخ الفكر االقتصادى (القاهرة‪ :‬اهليئة املص‪33‬رية العامة للكت‪33‬اب‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ )1996‬ص‪.11 :‬‬
‫‪93‬‬

‫الفكر اللي برالي فى الق رن التاسع عش ر‪ ،‬فن ادوا بحرية الص ناعة والتج ارة‪،‬‬
‫وك ان ش عارهم المش هور "دعه يعم ل‪ ،‬دعه يمر"‪Laissez faire laissez passer‬‬
‫يشير إلى ضرورة تحجيم دور الدولة أمام حرية األفراد فى اإلنتاج والتوزيع‪،‬‬
‫وضرورة مناهضة كل العراقيل التى تضعها الحكومة أمام الفئات الصناعية‬
‫والتجارية الكبرى (‪.)1‬‬

‫وقد تطورت الرأسمالية‪ Capitalism‬خالل هذه الفترة كما ونوعا‪،‬‬


‫وازده رت الص ناعة إلى حد زاد من أخطارها على المجتم ع‪ ،‬خاصة فى‬
‫أواخر القرن التاسع عشر‪ ،‬لذلك بدأت الليبرالية االقتصادية تتعرض للنقد منذ‬
‫ذلك الت اريخ؛ ألنها أدت إلى تك وين احتك ارات ض خمة‪ ،‬قضت على‬
‫المش روعات المتنافس ة‪ ،‬واس تأثرت باألس واق‪ ،‬وح ددت األس عار عند‬
‫مس تويات مرتفع ة‪ ،‬اس تغلت بها المس تهلكين‪ ،‬وأرهقتهم لص الح المحتك رين‪.‬‬
‫عندئذ تبين أن امتناع الدولة عن التدخل فى النشاط االقتصادي لألفراد فكرة‬
‫س لبية‪ ،‬بع دما تكشف أن الرأس مالية لم تعد تعتمد على وح دات ذري ة‪ ،‬ك التى‬
‫ك انت س ائدة فى عصر المجتمع ال زراعى والص ناعات اليدوية الص غيرة قبل‬
‫ق رنين من الزم ان‪ ،‬وإ نما أص بحت تق وم على احتك ارات ض خمة‪ ،‬وش ركات‬
‫عابرة للقومية‪ ،‬فظهرت العالقة بين الليبرالية وحركات االستعمار‪ ،‬ومن هنا‬
‫هبت الم ذاهب االش تراكية معارضة للم ذهب اللي برالي‪ ،‬واالش تراكية بمثابة‬
‫حلقة الوصل بين السياسة واالقتص اد فيما يع رف باسم االقتص اد السياسي‬
‫‪ Political Economics‬الذى يؤصل الجانب االقتصادى للسياسة‪ ،‬غير مغفل‬
‫األبعاد السياسية لخط سير االقتصاد‪ ،‬وهى التى أعادت الصلة أكثر ما تكون‬
‫ترابطا بين ه ذين الف رعين من العل وم االجتماعي ة‪ ،‬من منطلق اعتق اد‬
‫االش تراكيين أن المهمة الرئيس ية للحكومة هى اإلش راف على الش ئون المالية‬

‫(‪ )1‬حازم الببالوى‪ :‬تاريخ الفكر االقتصادى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.63 – 54 :‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪94‬‬

‫والتجارية فى المجتمع وأن الدولة هى الجه از السياسي المن وط به قي ادة‬


‫المجتمع فى الشئون االقتصادية‪.‬‬

‫وقد تباينت االتجاهات االشتراكية فيما بينها‪ ،‬وتنوعت الحل ول حسب‬


‫تن وع الم دارس الفكري ة‪ ،‬ما بين اش تراكيات خيالية (س ان س يمون‪ ،‬روب رت‬
‫أوين‪ ،‬ش ارل فوريي ه) واش تراكيات علمية (م اركس‪ ،‬أنجل ز) واش تراكيات‬
‫فابية (ولي ام م وريس‪ ،‬برن ارد ش و‪ ،‬جراه ام واالس‪ ،‬هارولد الس كى) إال أن‬
‫جميعهم ك ان تجمعهم الرغبة فى التخلص من كل مظ اهر الظلم االجتم اعى‬
‫الذى أفرزته الثورة الصناعية والنظام الرأسمالى‪.‬‬

‫وبحدوث كارثة الكساد الكبير التى عمت العالم من ‪ 1929‬إلى قبيل‬


‫الح رب العالمية الثاني ة‪ ،‬أص بح جليا أن النظ ام الرأس مالى فقد قدرته التلقائية‬
‫على الت وازن‪ ،‬وأص بح معرضا ألزم ات دورية لع دم تناسب ق وى الطلب مع‬
‫ق وى الع رض‪ ،‬ولعجز الرأس مالية عن أن تولد من ذاتها وبطريقة تلقائي ة‪،‬‬
‫س بل تجنب ه ذه األزم ات‪ .‬ومن هنا نش أت الليبرالية المنظمة أو الموجهة أو‬
‫التدخلية التى أرسى دعائمها "جون ماينور كي نز" أستاذ االقتص اد فى جامعة‬
‫كمبردج‪ ،‬والتى تقضى بضرورة تدخل الدولة فى النشاط االقتصادى تدخال‬
‫إيجابي ا‪ ،‬لتوجيه الف رد لمص لحته توجيها علمي ا‪ ،‬بغية التوفيق بين ذاتية الف رد‬
‫وعمومية المجموع (‪.)1‬‬

‫فكارثة الكس اد الكب ير قبيل منتصف الق رن العش رين هى التربة ال تى‬
‫أنبتت نظرية كينز عن االقتصاد المنظم‪ ،‬والتى ضمنها كتابة "النظرية العامة‬
‫للتشغيل وسعر الفائدة والنقود" ‪The General Theory of Employment‬‬
‫‪ Interests and Money‬وهو الكت اب ال ذى أخرجه ع ام ‪ 1936‬والمش هور‬

‫(‪ )1‬رم‪33 3 3 3 3‬زى زكى‪ :‬الليربالية املتوحشة (الق‪33 3 3 3‬اهرة‪ :‬دار املس‪33 3 3 3‬تقبل الع‪33 3 3 3‬رىب‪)1993 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫ص‪.45 – 35 :‬‬
‫‪95‬‬

‫باسم "النظرية العامة"‪ ،‬وقد اقترح فى هذا المؤلف جملة من السياسات النقدية‬
‫واالقتص ادية واالجتماعية من ش أنها الحيلولة دون ح دوث الكس اد والتض خم‪،‬‬
‫عن طريق ت دخل الدولة فى النش اط االقتص ادى‪ ،‬باعتبارها المعامل الم وازن‬
‫أو التعويضى لتقلب ات ه ذا النش اط‪ .‬وبعد الح رب العالمية الثانية أص بحت‬
‫"الوص فة الكينزي ة" هى األس اس ال تى ب نيت عليه السياس ات االقتص ادية فى‬
‫دول الغ رب الرأس مالى (‪ )1‬فتوس عت ملكية الدولة وزادت االس تثمارات‬
‫الحكومية‪ ،‬وارتفع معدل اإلنفاق العام الموجه للخدمات االجتماعية‪ ،‬وعرف‬
‫ه ذا فى الوالي ات المتح دة األمريكية باسم "دولة الرفاهي ة" ‪Welfare State‬‬
‫وفى دول غ رب أوربا باسم "االش تراكية الديمقراطي ة" ‪Democratic‬‬
‫‪ Socialism‬كما انعكست ه ذه السياس ات أيضا فى تج ارب التنمية الوطنية‬
‫ال تى تحققت فى كث ير من ال دول النامية ال تى اس تقلت بعد الح رب العالمية‬
‫الثانية‪.‬‬
‫وهك ذا‪ ،‬هن اك ما يش به اإلجم اع على أن المجتمع اإلنس اني يت أثر‬
‫بن وعين من النظم أك ثر من ت أثره بأية نظم أخ رى‪ ،‬وهما نظ ام الحكم ونظ ام‬
‫االقتص اد‪ ،‬فالنظ ام األول تتمثل فيه الس لطة العامة وكيفية توزيعه ا‪ ،‬والنظ ام‬
‫الث انى يتعلق ب الموارد وكيفية توزيعها وبين النظ امين (السياسي‬
‫واالقتص ادي) عالق ات متبادل ة‪ ،‬س واء فى النظم الليبرالية أو االش تراكية‪ ،‬أو‬
‫الش مولية أو ح تى الفوض وية ال تى تن ادى باالس تغناء تماما عن فك رة الدول ة‪.‬‬
‫ولذلك فإن أكثر حركات اإلصالح ‪ Reformation‬فى مختلف العصور وفى‬
‫ش تى األمم‪ ،‬ت دور ح ول التنظيم السياسي والتنظيم االقتص ادى‪ ،‬إما تع ديال أو‬
‫تبديال‪.‬‬

‫خامسا‪ -‬علم السياسة واالجتماع‪:‬‬

‫(‪ )1‬حازم الببالوى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.131 :‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪96‬‬

‫يلتقى علم السياسة بعلم االجتماع ‪ Sociology‬فيما يعرف باسم "علم‬


‫االجتم اع السياس ي"‪ Political Sociology‬وهو أحد الف روع الحديثة ج دا‬
‫لعلم االجتم اع ال ذى يهتم (أى علم االجتم اع السياس ي) بدارسة العالقة بين‬
‫الدولة والمجتمع ويستكشف النتائج المترتبة على هذه العالقة‪ ،‬انطالقا من أن‬
‫الدولة هى أكبر وحدة اجتماعية منظمة‪.‬‬
‫وقد اكتسب ميدان االجتماع السياسى أهمية خاص ة‪ ،‬بعد أن تبلورت‬
‫مف اهيم ومص طلحات جدي دة مثل "الص فوة" ‪ Elite‬والق وة ‪ Power‬والطبقة‬
‫‪ Class‬واألي ديولوجيا ‪ Ideology‬كما تبل ورت مف اهيم للبحث تالئم دراسة‬
‫الواقع االجتماعى السياسي الجديد (‪.)1‬‬
‫وترجع نش أة علم االجتم اع السياسي إلى األزم ات ال تى ت رتبت على‬
‫عصر الث ورة الص ناعية وما أدت إليه من قي ام المجتمع الح ديث‪ ،‬حيث أمكن‬
‫التمي يز حينئذ بين الدولة والمجتم ع‪ ،‬وب رزت المش كلة ال تى مؤداه ا‪ :‬كيف‬
‫يمكن للمجتمع بما ينط وى عليه من ص راعات أن يحافظ على وحدته‬
‫االجتماعية وعلى ش رعية س لطة الدولة فى نفس ال وقت؟ ولقد ظهر علم‬
‫االجتم اع السياسي فى اللحظة التاريخية ال تى أص بح من الممكن فيها التفرقة‬
‫بين ما هو "اجتم اعى" وما هو "سياس ى"‪ ،‬بحيث انبثق مفه وم جديد عن‬
‫المجتمع المدنى ‪ Civil Society‬فى مقابل مفهوم الدولة‪ .‬ويمكن أن نعتبر‬
‫عام ‪ 1840‬تاريخا محددا لظهور هذا العلم‪ ،‬عندما كتب ماركس نقده لفلسفة‬
‫هيجل للقانون‪ ،‬وكتب فون شتاين عن تاريخ الحركات االجتماعية فى القرن‬
‫التاسع عشر‪.‬‬
‫والحق أن كتاب ات ه وبز ول وك وروسو وهيجل قد س اعدت من قبل‬
‫على توض يح فك رة المجتمع وإ ضافـة أبع اد جدي دة لمفهوم ه‪ ،‬وما كـاد الق رن‬
‫التاسع عشر ينتصف‪ ،‬حتى أصبح المجتمع يعنى "نسق العالقات االجتماعية‬
‫المتبادل ة" وب دأ المجتمع الرأس مالى يم ارس ض روبا من الض بط االجتم اعى‬

‫(‪ )1‬بوتو م‪33 3‬ور‪ :‬الص‪33 3‬فوة واجملتم‪33 3‬ع‪ ،‬دراسة ىف علم االجتم‪33 3‬اع السياس‪33 3‬ى‪ ،‬ترمجة حممد‬ ‫‪1‬‬

‫اجلوهرى وآخرين (اإلسكندرية‪ :‬دار املعرفة اجلامعية‪ )1988 ،‬ص‪.5 :‬‬


‫‪97‬‬

‫مع برة عن نسق العالق ات االجتماعية المتبادل ة‪ ،‬بحيث حلت أس اليب الض بط‬
‫الجديدة محل الصور التقليدية للسلطة‪ ،‬ونتيجة لذلك بدت الظواهر السياسية‬
‫معتم دة على البن اء االجتم اعى‪ ،‬وأص بح المتخصص ون فى االجتم اع‬
‫والسياسة متفقين على ض رورة تفس ير الظ واهر السياس ية فى ض وء م ركب‬
‫العالقات االجتماعية الذى يسود المجتمع بأسره (‪.)1‬‬

‫وإ ذا رجعنا إلى ت اريخ العلمين (السياسة واالجتم اع) وج دنا ت دعيما‬
‫فكريا لما نذهب إليه‪ ،‬فكثيرا ما أكد علماء السياسة على أهمية علم االجتماع‬
‫بالنسبة للدراسات السياسية‪ ،‬وأناطوا به تفسير األسباب االجتماعية الختالف‬
‫األي ديولوجيات‪ ،‬واألزم ات السياس ية‪ ،‬ك الثورة والح رب األهلية والت دخل‬
‫العس كرى فى السياس ة‪ ،‬وك ذا آث ار التغ ير االجتم اعى على النظم السياس ية‬
‫بص فة عام ة‪ .‬وقد أولى علم اء السياسة اهتماما خاصا لنظري ات كب ار علم اء‬
‫االجتماع أمثال (ماكس فيبر وموسكا وباريتو وميشيلز) وآثار هذه النظريات‬
‫على التحليالت السياس ة‪ ،‬انطالقا من أنه ال يوجد نسق أو نظ ام سياسي يعمل‬
‫فى فراغ‪ ،‬وأن الدراسات السوسيولوجية هى وحدها القادرة على فهم اإلطار‬
‫الذى توجد فيه النظم السياسية وكيفية أدائها لوظائفها‪.‬‬

‫وتمثل نظرية "الصفوة" بؤرة اهتمام علم االجتماع السياسي؛ ذلك أن‬
‫البحث فى مفه وم الص فوة يتطلب اس تجالء العديد من المف اهيم االجتماعية‬
‫والسياس ية فى آن واح د‪ .‬وج وهر نظرية الص فوة هو أن كل مجتمع يش تمل‬
‫على قلة من األفراد تضطلع بمهمة اتخاذ القرارات الرئيسية‪ ،‬وهذه القرارات‬
‫ذات نطاق واسع‪ ،‬لكونها تؤثر فى الغالبية العظمى من سكان المجتمع‪ ،‬ومن‬
‫ثم ينظر إليها ع ادة على أنها ق رارات سياس ية‪ ،‬ح تى وإ ن ك انت ه ذه األقلية‬
‫التى تتخذ هذه القرارات من غير المشتغلين بالسياسة فمفهوم موسـكا ‪ -‬على‬

‫(‪ )1‬حممد على حمم‪33‬د‪ :‬أص‪33‬ول االجتم‪33‬اع السياسى (اإلس‪33‬كندرية‪ :‬دار املعرفة اجلامعي‪33‬ة‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ )1980‬ص‪.105 – 104 :‬‬


‫‪98‬‬

‫س بيل المث ال – عن الص فوة السياس ية يتسع ليش مل أولئك ال ذين يقوم ون‬
‫"رس ميا" بص نع الق رارات الحكومي ة‪ ،‬باإلض افة إلى أولئك ال ذين يمارس ون‬
‫نوعا من التأثير على هذه القرارات وهم خارج نطاق الحكومة‪.‬‬

‫وتعد نظرية "األنس اق" من أك ثر النظري ات ذيوعا وانتش ارا فى علم‬


‫االجتم اع السياسي المعاص ر‪ ،‬خصوصا فى أوربا الغربية وأمريك ا‪ .‬وتنطلق‬
‫ه ذه النظرية من النظر إلى المجتمع باعتب اره "نس قا" ‪ System‬مؤلفا من‬
‫مجموعة من األنس اق الفرعية‪ Subsystems‬وأن فهم ه ذا المجتمع يتطلب‬
‫تحليل العالق ات المتبادلة بين ه ذه األنس اق على أس اس أنها تتمتع بق در كب ير‬
‫من الت وازن (‪ )1‬ويعد ت الكوت بارس ونز واح دا منأب رز ممثلىنظرية‬
‫األنس اق‪،‬حيثبسط فى مؤلفه "النسق االجتم اعى"‪The Social System‬‬
‫العناصر الضرورية التى يتألف منها النسق والعالقاتالمتبادلة بين أجزائه‪.‬‬
‫ثم ج اء روب رت م يرتون وط ور ما يع رف اآلن باسم "االتج اه‬
‫ال وظيفى" وهو اتج اه يعتمد ‪ -‬فى ج انب كب ير منه – على فك رة النسق‬
‫االجتم اعى عند بارس ونز‪ ،‬الذاهبة إلى أن النسق يميل إلى تحقيق أه داف‬
‫معين ة‪ ،‬وأن كل ض روب الس لوك موجهة لخدمة ه ذه األه داف‪ ،‬ونتيجة ل ذلك‬
‫ظهر "االتج اه البن ائى ال وظيفى" ال ذى يؤكد فك رة النسق فى ض وء ق درة‬
‫األج زاء المكونة له على أداء وظائفه ا‪ .‬وقد تمكن ه ذا االتج اه من إلق اء‬
‫الض وء على كث ير من المش كالت والقض ايا السياس ية‪ ،‬كما ب رهن على أهمية‬
‫الفهم المتكامل للواقع االجتماعى (‪.)2‬‬

‫والحق أن هن اك مبحثا لعلم االجتم اع السياسي ال يقل أهمية عما‬


‫سبق ذكره فى تبيان عالقة السياسة باالجتماع‪ ،‬أال وهو "الحراك االجتماعى"‬
‫‪1‬‬
‫‪(1) Wiseman, H: Political System: Some Sociological Approaches‬‬
‫‪(London, 1961) P: 16.‬‬
‫(‪ )1‬الس ‪33 3‬يد احلس ‪33 3‬يىن‪ :‬علم االجتم ‪33 3‬اع السياس‪33 3‬ى‪ ،‬املف‪33 3‬اهيم والقض‪33 3‬ايا (الق ‪33 3‬اهرة‪ :‬دار‬ ‫‪2‬‬

‫املعارف‪ )1981 ،‬ص‪.12 :‬‬


‫‪99‬‬

‫‪ Social Mobility‬وعالقتـه ب التحوالت ال تى تط رأ على توزيـع الس لطة‬


‫السياس ية‪ .‬فقد تالحظ لعلم اء السياسة واالجتم اع أن نمو المجتمع ات‬
‫الص ناعية الحديثة وما ص احبه من قيم قد أدى إلى تغ يرات هامة فى بنيتها‬
‫السياس ية‪ ،‬ولو تأملنا كتاب ات م اركس عن الطبق ة‪ ،‬وب يرك وتوكفيل عن‬
‫الحري ة‪ ،‬لوج دنا تأكي دا ملحوظا لل دور ال ذى لعبه الح راك االجتم اعى داخل‬
‫الحي اة السياس ية فى المجتمع ات الغربي ة‪ .‬وفى كتابه "الح راك االجتم اعى‬
‫والثقافى" عبر بيتريم سوروكين عن ذلك قائال‪" :‬أصبحت التحوالت السياسية‬
‫فى ه ذا العصر أوسع م دى وأك ثر عمق ا‪ ،‬ففى كث ير من المجتمع ات الغربية‬
‫يستطيع أفراد من الطبقة الدنيا الوصول إلى مرتبة األرستقراطية السياسية"‬
‫(‪ .)1‬وخالل خمس ينات الق رن العش رين أج ريت دراس ات عدي دة‪ ،‬به دف‬
‫التع رف على م دى تغ ير االتجاه ات السياس ية للجماع ات ال تى حققت حراكا‬
‫اجتماعيا ص اعدا‪ ،‬ومن األمثلة الب ارزة على ذلك انخف اض نس بة التص ويت‬
‫لح زب العم ال البريط انى‪ ،‬بس بب زي ادة الرفاهي ة‪ ،‬واتس اع نط اق الح راك‬
‫االجتماعى من الطبقة الدنيا إلى الطبقة الوسطى (‪.)2‬‬
‫ومن الواضح أن قضية العالقة بين الحراك االجتماعى واالتجاهات‬
‫السياسية ال تزال تثير جدال شديدا حتى يومنا هذا‪ ،‬وهى قضية تنطوى على‬
‫أهمية أكاديمية بقدر ما تنطوى على أهمية تطبيقية‪ ،‬علما بأن أكثر الدراسات‬
‫فى ه ذا المج ال قد رك زت ح تى اآلن على دور الث ورة الص ناعية من ناحي ة‪،‬‬
‫ودور الثورة الفرنسية من ناحية أخرى فى التحوالت االجتماعية والسياسية‪،‬‬
‫وك ذلك االقتص ادية ال تى ش هدها ويش هدها اآلن المجتمع األوربى الح ديث‪.‬‬
‫وفى كتابه "التقاليد االجتماعي ة"‪ ،‬يرى نيس بت أن من مظاهر هذه التحوالت‪:‬‬
‫تح ول المجتمع األوربى من مرحلة اإلقط اع إلى مرحلة الرأس مالية‪ ،‬وما‬
‫ت رتب على ذلك من انتق ال من المجتمع الق روى التقلي دى إلى المجتمع‬
‫‪1‬‬
‫‪(2) Sorokin, P: Social and Cultural Mobility (London, 1960) P :19.‬‬
‫‪ )3(2‬السيد احلسيىن‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.134 :‬‬
‫‪100‬‬

‫الحض رى الح ديث‪ ،‬وك ذلك التح ول من الس لطة بكل أش كالها القديمة إلى‬
‫السلطة القانونية الرشيدة‪ ،‬مع ظهور االغتراب وغلبة روح الفردية فى المدن‬
‫الص ناعية الض خمة‪ ،‬ويؤكد نيس بت على أهمية دراسة الجماع ات الص اعدة‬
‫ال تى احتلت مكانا جدي دا داخل البن اء الطبقى‪ ،‬والجماع ات الهابطة ال تى لم‬
‫تس تطع الص مود فى مواجهة التغ يرات الحاس مة (‪ )1‬وهك ذا تب دو عالقةعلم‬
‫السياسة وثيقة بعلم االجتماع‪ ،‬انطالقا منالتداخل القائم بين النظم السياسية‬
‫واالجتماعية فى المجتم ع‪ ،‬وإ ناتسع نط اق علم االجتم اع بص فة عامة عن‬
‫مثيله فى علم السياس ة‪ ،‬إذ ينظر علم اء االجتم اع إلى الدولة وهىص لب‬
‫الدراسة فى العل وم السياس ية‪ ،‬علىأنها أحد األنظمة االجتماعي ة‪ ،‬ال تى‬
‫يتناولها علم االجتم اع بالدراس ة‪ ،‬ح تىوإ نك انتالدولة – كما س بق وذكرنا‬
‫– هىأكبر وحدة اجتماعية منظمة‪.‬‬

‫سادسا – علم السياسة والجغرافيا ‪:‬‬

‫الجغرافيا‪ Geography‬بص فة عامة هى علم دراسة األنش طة‬


‫اإلنس انية فى س ياقها المك انى‪ ،‬وأثر البيئة‪ Environment‬بص فة عامة على‬
‫النش اط اإلنس اني‪ ،‬البيئة الطبيعية والبش رية واالقتص ادية والسياس ية‪ .‬ويلتقى‬
‫علم السياسة بالجغرافيا فيما يع رف باسم "الجيوبولوتي ك" ‪ Geopolitic‬أو‬
‫الجغرافيا السياس ية‪ ،‬وهو علم مس تقل ظهر بش كله الح ديث فى أواخر الق رن‬
‫التاسع عش ر‪ ،‬ي درس ق وة الدولة ك إقليم سياسي من خالل تحليل تركيبها‬
‫وتكوينها وخصائص ها الطبيعية والبش رية ومواردها وإ نتاجها ومش كالتها‬
‫البيئي ة‪ ،‬وبالجملة كل ما ي ؤثر على قوته ا‪ ،‬ويس هم أو يحد من ثقلها السياسي‬
‫فى المجالين اإلقليمى والعالمى (‪.)2‬‬
‫‪1‬‬
‫‪(1) Nisbet, R: The Sociological Tradition (London, 1967) Several‬‬
‫‪positions.‬‬
‫‪2‬‬
‫(‪ )1‬فتحى حممد أبوعيان‪33 3 3 3 3‬ة‪ :‬اجلغرافيا السياس‪33 3 3 3‬ية (اإلس‪33 3 3 3‬كندرية‪ :‬دار املعرفة اجلامعي‪33 3 3 3 3‬ة‪،‬‬
‫‪)1983‬‬
‫‪101‬‬

‫ويعد توزيع األق اليم السياس ية على س طح األرض هو المك ون‬


‫األساسي لمج ال الجغرافيا السياس ية‪ ،‬واإلقليم السياسي هو ذلك الج زء من‬
‫سطح األرض ال ذى يتم يز بشكل أو أش كال مح ددة من الظ اهرات السياس ية‪،‬‬
‫ويشير تعبير الظ اهرات السياسية إلى المالمح الناجمة عن الق وى السياس ية‪،‬‬
‫والتى تتمثل فى السيطرة السياسية لحكومة ما على منطقة ذات حدود سياسية‬
‫خاص ة‪ ،‬هى فى الواقع ح دود لس يادة الدولة ولرقعتها الجغرافية (‪،)1‬‬
‫وباختص ار‪ ،‬يمكن تعريف الجغرافيا السياس ية بأنها الدراسة الجغرافية‬
‫للظاهرات السياسية التى أنتجها تفاعل اإلنسان مع األرض (‪.)2‬‬

‫ومن المع روف أن اإلقليم الجغ رافى من أهم مكون ات الدول ة‪ ،‬فضال‬
‫عن كونه أحد العناصر السياس ية فى كل أيديولوجية قومي ة‪ .‬وترجع أهمية‬
‫عنصر اإلقليم إلى أن األرض هى مجال الحياة والعمل وأساس فكرة الوطن‪،‬‬
‫وهى إذ ت وفر عنصر االس تقرار وال دوام‪ ،‬إنما تس هم فى نمو الض مير‬
‫الجم اعى‪ .‬والواقع أن االس تقرار فى إقليم معين ك ان من األح داث التاريخية‬
‫التى ساعدت على تكوين األمم‪ ،‬وساعدت بالتالى على تكوين الدول‪.‬‬

‫ورغم أن وج ود مس احة جغرافية معين ة‪ ،‬ليس ش رطا لوج ود الدولة‬


‫واالع تراف به ا‪ ،‬إال أن منطقة الس يادة القومية للدولة على نطاقها ال برى‬
‫والبح رى‪ ،‬ت ؤثر على قوتها السياس ية فى وقت الس لم والح رب؛ ذلك ألن‬
‫مس احة األرض تح دد االنتش ار المك انى للس كان‪ ،‬وبالت الى تح دد المج ال‬
‫المك انى لالنتمائية وتط بيق الق وانين‪ ،‬كما ي ؤدى اتس اع الدولة إلى التن وع‬

‫ص‪. 32 :‬‬
‫‪ )2(1‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.33 :‬‬
‫‪ )3(2‬ص‪33‬الح عب ‪33‬داجلابر عيس ‪33‬ى‪ :‬أسس اجلغرافيا السياس ‪33‬ية (مط ‪33‬ابع جامعة املنوفي ‪33‬ة‪)2000 ،‬‬
‫ص‪.17 :‬‬
‫‪102‬‬

‫المناخى وما يستتبعه من تنوع الموارد الزراعية واكتشاف الثروات المعدنية‬


‫واس تغاللها‪ .‬وفى أوق ات الح روب‪ ،‬ت تيح المس احة الواس عة للدولة إمكانية‬
‫ت وطين المؤسس ات الحيوية فى من اطق أك ثر حماي ة‪ ،‬فضال عن دور ه ذا‬
‫االتس اع فى تب نى سياسة اإلخالء للمن اطق الحدودية ال تى تتع رض للهج وم‪،‬‬
‫وإ ض عافها لفرصة س يطرة المحت ل‪ ،‬خاصة مع ارتف اع نس بة الكثافة الس كانية‬
‫(‪.)1‬‬

‫والواقع أن العنصر الجغ رافى فى السياسة يمكن أن يمتد إلى آف اق‬


‫واس عة‪ ،‬ف إذا ما س لمنا – مثال – بمب دأ سياس ية مص طلح "األم ة"‪ ،‬فإننا نجد أن‬
‫لألوض اع الجغرافية دورا كب يرا فى تك وين الشخص ية القومي ة‪ ،‬وال أدل على‬
‫ذلك من أن السبب فى عدم تكوين أمة واحدة من اإلنجليز واألمريكيين رغم‬
‫وحدة اللغة هو االنفصال الجغرافى‪ ،‬ونفس الشيء يمكن أن يقال عن األسبان‬
‫وس كان أمريكا الالتينية ال ذين يتح دثون األس بانية أما الوح دة الجغرافي ة‪،‬‬
‫فدورها ال ينكر فى تكوين وترسيخ فكرة األمة‪ ،‬كما هو الحال فى سويس را –‬
‫مثال – التى يتحدث سكانها لغات متعددة‪ .‬وفى هذا يقول الفيلسوف الفرنسي‬
‫رينان‪ :‬إن األمة تجد أساسها قبل كل شيء فى وحدة األرض‪.‬‬

‫ورغم حداثة ظه ور علم الجغرافيا السياس ية نس بيا‪ ،‬ف إن دراسة‬


‫العالقة بين الظ اهرات الجغرافية واألوض اع السياس ية ترجع إلى زمن بعي د‪،‬‬
‫وال زالت بعض هذه االستخالصات أساسا ألفكار حديثة‪ .‬فقد الحظ أرسطو‬
‫أن األق اليم الجغرافية ذات الس طح المتن وع تنشأ بها ع دة وح دات سياس ية‬
‫وليس وح دة واح دة‪ ،‬ويتمشى ذلك مع كث ير من األفك ار الحديث ة‪ ،‬ال تى ش هد‬
‫بصحتها تاريخ األقاليم السياسية فى كثير من مناطق العالم‪ .‬كما كان سترابو‬

‫‪ )1(1‬فتحى حممد مص‪33 3 3 3‬يلحى‪ :‬خريطة الق‪33 3 3‬وى السياس‪33 3 3‬ية وختطيط األمن الق‪33 3 3‬ومى بالش‪33 3 3 3‬رق‬
‫األوسط واملنطقة العربية (القاهرة‪ :‬املطبعة النموذجية لألوفيست‪ )1992 ،‬ص‪.180 :‬‬
‫‪103‬‬

‫من المفك رين الق دامى ال ذين أوض حوا دور البيئة الطبيعية على النش اط‬
‫البش رى‪ ،‬وقد درس اإلمبراطورية الرومانية واس تنتج أن الوح دة السياس ية‬
‫الك برى تتطلب حكومة مركزية قوية يرأس ها ح اكم بمف رده‪ ،‬وذكر أن الموقع‬
‫المتميز إليطاليا ومناخها ومواردها يؤهلها منطقيا لقيام هذه الوحدة السياسية‪.‬‬

‫وفى الق رن الس ادس عش ر‪ ،‬ربط ب ودان بين طب ائع الن اس والمن اخ‪،‬‬
‫وأوضح أن الخص ائص القومية تختلف ب اختالف الظ روف الجغرافي ة‪ ،‬وهو‬
‫ما ك ان ابن خل دون قد ذهب إليه من قب ل‪ .‬وفى الق رن الث امن عش ر‪ ،‬ذكر‬
‫مونتسكييه فى كتابة "روح القوانين" آثار المناخ والسطح والقارات والجزر‬
‫على حياة الشعوب والقوانين والنظم السياسية‪ ،‬ورأى أن المناخ البارد يرتبط‬
‫ع ادة بالحرية السياس ية بينما ي ؤدى المن اخ الح ار إلى العبودية والحكم‬
‫المطل ق‪ ،‬وتس مح الس هول الفس يحة بتك وين إمبراطوري ات‪ ،‬بينما الجب ال‬
‫والتالل تنمى الش عور باالس تقالل وروح االنفص الية‪ ،‬كما أن س كان الج زر‬
‫يمكن أن يدافعوا عن حريتهم بفعالية أكثر من سكان األراضى القارية‪ ،‬ومن‬
‫ثم فإن تطلعاتهم مستمرة نحو الحرية (‪ )1‬وفى أواخر القرن التاسع عشر (‪18‬‬
‫‪ )97‬أصدر الجغرافى فريدريك راتزل كتابه عن الجغرافيا السياسية واصفا‬
‫فيه ال دول بأنها ك ائن حى يعيش على س طح األرض‪ ،‬وأن الحض ارات‬
‫البشرية ما هى إال وجود عضوى داخل الطبيعة‪ ،‬وأنها تولد وتنمو وتنضج‪،‬‬
‫ثم ما تلبث أن تض محل وتم وت ليب دأ ك ائن جديد (‪ .)2‬وك ان رات زل قد ت أثر‬
‫بكتابات داروين عن القوانين البيولوجية لالنتخاب الطبيعى وبقاء األصلح ‪،‬‬
‫كما ت أثر ب آراء ال ذين ح اولوا تط بيق الداروينية على النظم االجتماعية وعلى‬
‫رأسهم هربرت سبنسر‪ ،‬ولذلك أوجب راتزل على الدولة أن تناضل من أجل‬
‫توسيع مجالها الحيوى‪ ،‬وأن يحاول أفرادها الفكاك من فكرة الحتم الجغرافى‬

‫‪ )1(1‬فتحى حممد أبوعيانة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.27 ،26 :‬‬


‫‪ )2(2‬صالح عبداجلابر عيسى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.46 :‬‬
‫‪104‬‬

‫أو البيئى ‪ Environmental Determinism‬والتى مؤداها أن اإلنسان تشكله‬


‫عوامل البيئة وقوانينها الطبيعية الص ارمة ال تى ال يس تطيع تغييرها (‪ ،)1‬فهو‬
‫وإن ك ان ي رى أن للبيئة الطبيعية قوانينها الطاغي ة على اإلنس ان فى توزيعه‬
‫على س طح األرض وفى قدرته على التكيف معه ا‪ ،‬إال أنه أوجب على‬
‫اإلنسان فهم هذه القوانين ومحاولة تطويعها لصالحه‪.‬‬
‫ويت بين مما س بق م دى ارتب اط علم السياسة بالجغرافي ا‪ ،‬س واء من‬
‫الناحية النظرية أو العملي ة‪ ،‬انطالقا من أهمية العنصر البيئي بالنس بة للدول ة‪.‬‬
‫ف إذا ك انت الدولة ككي ان سياسي تق وم على ثالثة أسس رئيس ية هى‪ :‬الش عب‬
‫واألرض والس لطة‪ ،‬ف إن المع ادل الجغ رافى له ذه المكون ات ه و‪ :‬الس كان‬
‫واإلقليم والحكومة‪.‬‬

‫سابعا‪ -‬علم السياسة واألخالق ‪:‬‬

‫األخالق (كقيمة أو س لوك) ‪ Moral‬تع نى الدس تور المنظم لقواعد‬


‫الس لوك اإلنس اني المس تند فى تقييمه إلى الخ ير والش ر‪ ،‬أما علم األخالق‬
‫‪ Ethics‬فهو العلم ال ذى ي درس الظ واهر الس لوكية الموج ودة فى المجتم ع‪،‬‬
‫وال تى تمثل اعتق ادات الن اس بص دد الص واب والخطأ‪ ،‬والحالل والح رام‪،‬‬
‫والثواب والعقاب‪ ،‬باإلضافة إلى األفعال التى تتبع هذه االعتقادات‪.‬‬

‫واألخالق بص فة عامة علم معي اري‪ Normative‬له نماذجه ومثله‬


‫العليا التى يسترشد بها السلوك اإلنساني على المستويين الفردى والجماعى‪.‬‬
‫وانطالقا من ك ون م دار البحث فى األخالق هو تحقيق الس عادة للف رد‪ ،‬من‬
‫خالل ترش يد س لوكه األخالقى‪ ،‬ف إن السياسة ته دف إلى تحقيق الس عادة‬
‫للمجتمع‪ ،‬فإحدى أهم وظائف الدولة هو تحقيق الحياة الخيرة لمواطنيها‪ ،‬وبما‬
‫أن الدولة ككي ان سياسي هى أيضا نظ ام اجتم اعى‪ ،‬فإنها تس عى إلى تحقيق‬

‫‪ 3(1‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪.45 :‬‬


‫‪105‬‬

‫الس عادة للن اس‪ ،‬وهنا تكمن عالقة السياسة ب األخالق‪ ،‬وهى عالقة قديمة ق دم‬
‫الفكر السياسي نفسه‪.‬‬

‫ولقد ك انت ه ذه العالقة واض حة فى العصر اإلغ ريقى حينما ك انت‬


‫السياسة ال تنفصل عن األخالق‪ ،‬بل ك انت تمثل ج زءا من األخالقي ات ال تى‬
‫هى أوسع نطاقا من السياسة‪ ،‬لذلك قال أرسطو فى مجمل ربطه بين السياسة‬
‫واألخالق إن األخالق سياسة موس عة‪ ،‬وإن السياسة ذات غاية نفعي ة‪ ،‬ه دفها‬
‫األسمى هو تحقيق الحياة الخيرة لإلنسان‪ .‬ولعله كان يؤكد المعنى الذى كان‬
‫ين ادى به أس تاذه أفالط ون‪ ،‬وال ذى ض منه كتابه "الجمهوري ة"‪ ،‬وهو أنه لن‬
‫يك ون هن اك خالص للمجتمع إال إذا أص بح الفالس فة حكاما أو أص بح الحك ام‬
‫فالسفة‪.‬‬

‫اء فى إدراك العالقة بين‬


‫والمتتبع لت اريخ الفكر السياسي ال يجد عن ً‬
‫السياسة واألخالق‪ ،‬فعند فالس فة الق انون الط بيعى وفالس فة العقد االجتم اعى‬
‫وفالسفة الحرية‪ ،‬والمدافعين عن حقوق اإلنسان‪ ،‬وبالجملة عند كل من ينح و‬
‫نحوا ليبراليا‪ ،‬نجد أن ثمة حقوقا طبيعية متس اوية لألف راد‪ ،‬مثل حق الحي اة‬
‫وحق الملكية والحرية الشخص ية‪ ،‬وهى حق وق يجب على الدولة أن تحميه ا؛‬
‫ألنها س ابقة على كل تنظيم سياس ي‪ ،‬فهى حق وق لإلنس ان من حيث كونه‬
‫إنس انا‪ ،‬وهى ب ذلك ليست بعي دة عن األخالق ال تى تس عى لتحقيق س عادة‬
‫اإلنس ان‪ ،‬وبالت الى يجب على الدولة أو التنظيم السياسي أن يس عى لترس يخ‬
‫وتحقيق تلك الحقوق المرتبطة باألخالق‪.‬‬
‫إن النظ ام السياسي ج زء من النظ ام االجتم اعى‪ ،‬حيث يوجد داخل‬
‫النظ ام السياسي ن وع من الت داخل فى الن واحى االقتص ادية والتاريخية‬
‫والجغرافية والثقافية والنفس ية‪ ،‬وح تى الحض ارية والتكنولوجية‪ ،‬وس بب ذلك‬
‫هو أن النظ ام السياسي ينشأ وينمو فى محيط تمثله البيئة المكونة له ذه‬
‫‪106‬‬

‫الجوانب‪ ،‬مما يجعل النظام السياسي متفاعال معها‪ ،‬وال يمكن أن ينع زل عنها‬
‫لتأثره بها وتأثيره فيها (‪.)1‬‬
‫وإ ذا انتقلنا إلى مج ال الممارسة السياس ية‪ ،‬نجد أنها تتم فى مجتمع له‬
‫مع اييره ومثله األخالقية‪ ،‬بقطع النظر عن بعض الحيل السياس ية الش اذة‬
‫وال تى أش ار مكي افيللى إلى ط رف منه ا‪ ،‬وبالت الى يجب التس ليم ب أن أى عمل‬
‫يح دث فإنه يتم فى المجتمع‪ ،‬ول ذلك فالبد من أن يسترشد بقواعد الس لوك‬
‫العامة المرعية فى ه ذا المجتمع من حيث ال ذوق الع ام واألخالق (‪ ،)2‬وبحيث‬
‫يستطيع ممارسو العمل السياسي مناهضة كل أوجه االنحراف األخالقى التى‬
‫يمجها المجتم ع‪ ،‬ب أى ش كل من أش كال مكافحة االنح راف األخالقى‪ ،‬يس توى‬
‫فى ذلك االل تزام بنص وص قانونية‪ ،‬أو االلتج اء إلى أع راف متفق عليه ا‪ ،‬أو‬
‫الرج وع إلى ص حيح العقي دة الديني ة‪ ،‬أو ح تى التعويل على األيديولوجية‬
‫السائدة‪ ،‬فكل هذه المرجعيات هى نواميس للضبط االجتماعى‪ ،‬غير أن أهمها‬
‫من وجهة نظرنا هو القانون وكيفية استخدام السياسة له أخالقيا‪.‬‬

‫فطالما أن الدولة ت ؤدى وظائفها فى إط ار من القواعد القانوني ة‪ ،‬ف إن‬


‫الق انون يجب أن يعكس التص ورات األخالقية للمجتم ع‪ ،‬ويحمى قيم ه‬
‫األساسية ومثله العليا ويحافظ على قدسيتها‪ ،‬فعند هذه النقطة بالذات‪ ،‬ينطمس‬
‫الخط الفاصل بين السياسة واألخالق‪ ،‬إذ إن الرغبة أو اإلرادة ال تى ت دفع‬
‫الناس إلى طاعة القانون‪ ،‬ستظهر بصورة تلقائية عندما يشعرون أن القانون‬
‫يشبع لديهم الحاجات األخالقية‪ ،‬وحتى إذا كان من المستحيل أن يوجد قانون‬
‫يستطيع أن يستوعب كافة المسائل األخالقية‪ ،‬نظرا لتباين أخالقيات الناس‪،‬‬
‫وألن دائ رة األخالق أوسع بكث ير من دائ رة الق انون؛ ف إن الدولة يجب أال‬
‫ت دخر جه دا تش ريعيا فى التعلق ب القيم األخالقية وتض مينها الق انون (وخاصة‬

‫‪ )1(1‬حممد ممدوح الع‪33 3 3 3‬رىب‪ :‬األخالق والسياسة (الق‪33 3 3‬اهرة‪ :‬اهليئة املص‪33 3 3‬رية العامة للكت‪33 3 3 3‬اب‪،‬‬
‫‪ )1992‬ص‪.37 :‬‬
‫‪ )2(2‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪.39 :‬‬
‫‪107‬‬

‫الدس تور) درءا لخطر ع دم االل تزام السياس ي‪ ،‬وما يس تتبعه من عص يان‬
‫قانونى وأخالقى فى آن واحد‪.‬‬

‫وص فوة الق ول‪ ،‬أن السياسة واألخالق متالزم ان (أو هك ذا يجب أن‬
‫يكون ا) ألن السياسة إن لم ت واكب المب ادئ األخالقية الس ليمة ف إن الدولة‬
‫يص ادفها الفش ل‪ ،‬بغض النظر هنا عن المع نى المطلق للخ ير‪ ،‬ألن الفالس فة‬
‫أنفسهم لم يصلوا إلى إجماع مطلق فى هذه القضية‪ ،‬ولكن ما يجب أن يكون‬
‫هو أن تكون الحكومة تعبيرا عن القيم الخلقية السائدة التى هى مجموع المثل‬
‫العليا لألف راد‪ .‬ومن هنا ج اء االعتقاد ب أن النصر السياسي القائم على أساس‬
‫من الفس اد والخ داع وإ هم ال القيم األخالقية ال ي دوم ط ويال‪ ،‬ألن األخالق‬
‫تبحث فى الوس يلة كما تبحث فى الغاي ة‪ ،‬أى أنها تبحث فى قيمة اله دف وفى‬
‫الس بيل الموصل إلي ه‪ ،‬وإذا ك ان اله دف يرتبط فى تحقيقه بش عور يس مى‬
‫السعادة‪ ،‬فإن اإلنسان ال يمكن أن ينعم بهذا الشعور‪ ،‬إذا كان الطريق المؤدى‬
‫إليه ال يق وم على س لوك خلقى ق ويم‪ .‬ومن هنا ج اء وج وب التالزم بين‬
‫السياسة واألخالق‪.‬‬

‫وبعد ما تق دم من دراسة لعالقة السياسة بكل من الت اريخ والفلس فة‬


‫والق انون واالقتص اد واالجتم اع والجغرافيا واألخالق‪ ،‬ت رى هل بقيت ف روع‬
‫معرفية أخرى لها عالقة بالسياسة؟‬

‫اإلجابة على ه ذا التس اؤل‪ ،‬هى أن ما تم بحثه فى ه ذه الدراسة أقل‬


‫بكث ير مما ك ان يجب بحثه فيما يختص به ذه العالق ة‪ .‬غ ير أننا مض طرون‬
‫لالكتف اء به لجملة أس باب‪ ،‬لعل فى مق دمتها أن ما بحثن اه هنا هو ما درج‬
‫أس اطين علم السياسة على تناوله بش كل كالس يكى عند دراس تهم لعالقة علم‬
‫السياسة بالعلوم األخرى‪ ،‬بل إن بعضهم ربما تغاضى عن بعض هذه العلوم‬
‫الرتياب ه فى مدى ارتباطها بعلم السياسة‪ ،‬ثم إنه العتبارات تتعلق بهدف هذه‬
‫‪108‬‬

‫الدراس ة‪ ،‬ف إن اهتمامنا قد انصب على الناحية النظرية أو الج انب األك اديمى‬
‫فى ارتب اط (علم السياسة) ب العلوم األخ رى‪ ،‬أك ثر منه على السياسة‬
‫كممارسة‪ ،‬فالبحث "معالجة منهجية"‪ ،‬وهو ما يقف حائال دون االستفاضة فى‬
‫بحث عالقة السياسة بأنواع من المعارف تجعلنا نتخطى اإلطار الموضوعى‬
‫المرسوم لهذه الدارسة‪ .‬وأخيرا‪ ،‬فإن تعللنا بضيق المقام هنا يبدو سببا وجيها‬
‫لعدم اإلسهاب فى حصر وتبيان عالقة السياسة بما هو متعلق بها فعال‪ ،‬فعلى‬
‫سبيل المثال‪:‬‬

‫هل يمكن إنك ار فائ دة علم النفس ‪ Psychology‬فى تفس ير بعض‬


‫الظ واهر الخاصة بالس لوك السياس ي‪ ،‬عن د دراسة موض وعات مثل القي ادة‬
‫السياس ية والكاريزم ا‪ ،‬والتس لط‪ ،‬والطاع ة‪ ،‬وميكانيزم ات التواف ق‪ ،‬وكلها‬
‫تحت اج إلى الرج وع لعديد من المس ائل التى يظهر فيها استبص ار ع الم النفس‬
‫واستنتاجاته؟‬

‫هل يمكن إغف ال العالقة بين السياسة وتق دم العل وم التكنولوجية‬


‫وخصوصا التطور المذهل للتكنولوجيات العسكرية وأبحاث الفضاء والطاقة‬
‫النووية‪ ،‬وما ي ترتب على كل ذلك من المنافسة المحمومة على التس لح‬
‫واستعراض القوى‪ ،‬واتخاذ التدابير الالزمة لتوازنها أو قمعها؟‬

‫اك عالقة بين علم السياسة واألنثروبولوجيا‬ ‫أو ليست هن‬


‫‪( Anthropology‬علم دراسة أصل الجنس البش رى وتط وره) وخصوصا‬
‫األنثروبولوجي ا السياس ية ال تى تع نى بتحليل النظم السياس ية فى المجتمع ات‬
‫القبلي ة‪ ،‬أو ب األحرى المجتمع ات ال تى ال تؤلف دولة‪Stateless Societies‬‬
‫‪109‬‬

‫فضال عن اهتمامها بمش كالت التفرقة العنص رية والص راع العنص رى فى‬
‫أفريقيا وأمريكا وغيرها من بؤر الصراع فى العالم (‪)1‬؟‬

‫بل إن هن اك عالقة بين علم السياسة وعلم الحي اة ‪ Biology‬فكما‬


‫ي درس البيولوجيا التط ور العض وى لألحي اء‪ ،‬ف إن علم السياسة يس ير على‬
‫نفس نهجه فى دراسة تط ور الدول ة‪ ،‬على أس اس أن للدولة نفس خص ائص‬
‫الكائن ات الحي ة‪ ،‬وبالت الى فإنها تتبع فى نموها وتطورها وعملياتها نفس‬
‫القوانين التى تحكم الكائنات العضوية‪ .‬والتصور العضوى ‪ Organic‬للدولة‬
‫أقدم تاريخيا من التص ور الميكانيكى (النظريات التعاقدية) والتى فحواها أن‬
‫الدولة جه از آلى من ص نع اإلنس ان‪ ،‬يص مم بطريقة تجعله ق ادرا على أداء‬
‫غ رض معين هو إق رار النظ ام وحفظ األمن فى المجتمع‪ .‬فالنظري ات ال تى‬
‫ح اول بها فالس فة السياسة تفس ير طبيعة الدولة لم تخ رج فى خطوطها‬
‫العريضة عن أحد احتم الين‪ ،‬إما التفس ير العض وى وإ ما التفس ير الميك انيكى‪،‬‬
‫وقد بلغ االتج اه العضوى ذروته على يد هرب رت سبنس ر ال ذى ت أثر‬
‫بالدارويني ة‪ ،‬وح اول بعد تفريغها من محتواها البيولوجى أن يطبقها اجتماعيا‬
‫فى مجال السياسة‪.‬‬

‫وإ ذا تح دثنا عن عالقة علم السياسة بالثقافة‪ Culture‬بما تش تمل‬


‫عليه من أدب وفن وش عر‪ ،‬نجد أن كليهما ي ؤثر فى اآلخر ويت أثر ب ه‪ ،‬فلكل‬
‫مجتمع مالمحه الفكرية المميزة والمنبعثة من تاريخه وموقعه الجغرافى‪ ،‬وما‬
‫ي ترتب على ذلك من وج ود ص فوة ثقافية تعمل على تح ديث مجتمعاتها‬
‫سياس يا‪ ،‬وي ؤثر إنتاجها الثق افى فى التوجه ات السياس ية له ذه المجتمع ات‪.‬‬
‫ورغم االهتم ام بالش عر فى رصد العالقة بين السياسة والثقاف ة‪ ،‬ف إن الرواية‬

‫‪ )1(1‬انظر ىف تفص‪33‬يل ذل‪33‬ك‪ ،‬حممد عب‪33‬ده حمج‪33‬وب‪ :‬األنثروبولوجيا السياس‪33‬ية‪ ،‬مقدمة‪ 3‬لدراسة‬
‫النظم السياسية ىف اجملتمعات القبلية (اإلسكندرية‪ :‬اهليئة املصرية العامة للكتاب‪.)1976 ،‬‬
‫‪110‬‬

‫تظل أك ثر من غيرها تعب يرا عن المش كالت السياس ية فى المجتمع‪ ،‬لأن ثمة‬
‫عالقة وثيقة بين الرواية – كداللة مرجعية ‪ -‬وبين فك رة القومي ة‪ ،‬فالثقافة‬
‫بطبيعتها (على عكس الحض ارة) ذات نزعة قومية اللتص اقها ب النواحى‬
‫الروحية واألدبية والفولكلورية فى حي اة الجماعة‪ ،‬كما أن القومية هى فى‬
‫المق ام األول تص ور ثق افى؛ ول ذلك ف إن الحرك ات القومية تنبعث دائما من‬
‫توجه ات ثقافي ة‪( ،‬ش عرية ك انت أو روائية أو فنية أو غ ير ذل ك) تس تمد منها‬
‫قوتها ومص داقيتها والكث ير من ج وانب ش رعيتها‪ .‬وإذا ك ان ه ذا هو دور‬
‫الثقافة فى السياس ة‪ ،‬ف إن دور السياسة فى الثقافة ال يقل عنه أهمي ة؛ فحرك ات‬
‫التح رر الوط نى فى الق رن التاسع عشر وح روب الق رن العش رين‪ ،‬وما تبع‬
‫ذلك من إعادة ترسيم الحدود الدولية‪ ،‬كل ذلك أدى إلى انتشار أفكار الحرية‬
‫والديمقراطية والفلس فات الوجودية وثقاف ات ما بعد الحداثة واالتجاه ات‬
‫الس ريالية والعبثية وغيره ا‪ ،‬كما ش هد الع الم ب زوغ فن ون جدي دة لش عوب‬
‫صغيرة لم يكن لها دور فى الثقافة العالمية من قبل‪ ،‬وبذلك أسهمت فى إثراء‬
‫الفكر والفن فى الع الم‪ ،‬بإض افات محلية الج ذور‪ ،‬ولكنها تخطت الح واجز‬
‫اإلقليمية لتخاطب جموع العالم‪.‬‬

‫وأخ يرا – وليس ب آخر – ف إن جدلية العالقة بين السياسة وال دين ال‬
‫تخطئها عين منذ ب دء الخليق ة‪ ،‬وبطبيعة الح ال‪ ،‬فإنه يس تحيل رصد ه ذه‬
‫العالقة تاريخيا فى ه ذا المق ام‪ ،‬وال ح تى إيجازها‪ ،‬وحس بنا اإلش ارة إلى أن‬
‫الصهيونية ‪ Zionism‬هى مكمن هذه العالقة فى الفكر اليهودى‪ ،‬وأن نظرية‬
‫الس يفين (دع ما لقيصر لقيصر وما هلل هلل) هى مكمنها فى الديانة المس يحية‪،‬‬
‫أما فى اإلس الم‪ ،‬ف إن نظرية "الخالف ة" ‪ Caliphate‬تعد حج ر الزاوية فى‬
‫الفكر السياسي اإلس المى‪ ،‬وما ت رتب على الج دل حولها من نشوء الف رق‬
‫اإلس المية المختلف ة‪ ،‬وعلى رأس ها "الخ وارج"‪ ،‬وال تى تعت بر "بالمص طلح‬
‫المعاص ر" أول ح زب سياسي فى اإلس الم‪ .‬ه ذا ويمكن اعتب ار العلمانية‬
‫‪111‬‬

‫‪( Secularism‬محاولة فصل ال دين عن الدولة) هى القاسم المش ترك أو‬


‫البوتقة ال تى تصب فيها عالقة السياسة بال دين فى مج ال ال ديانات الس ماوية‬
‫الثالث‪.‬‬

You might also like