You are on page 1of 52

‫�أ‪.‬د‪� .

‬أحمد جمال الدين مو�سى‬

‫اقتصاديات الحوكمة‪ :‬دراسة في األصول القانونية‬


‫والسياسية واالقتصادية للحوكمة‬
‫�أ‪.‬د‪� .‬أحمد جمال الدين مو�سى‬
‫�أ�ستاذ االقت�صاد واملالية العامة والت�شريعات ال�ضريبية‬
‫رئي�س جامعة املن�صورة ووزير التعليم الأ�سبق‬
‫ملخص‪:‬‬
‫ت�سعى هذه الدرا�سة �إىل حتليل الأ�صول القانونية وال�سيا�سية واالقت�صادية‬
‫للحوكمة‪ ،‬وذلك من خالل ا�ستعرا�ض امل�ساهمات الفكرية امل�ؤثرة يف علوم القانون‬
‫وال�سيا�سة واالقت�صاد‪ .‬وعلى الرغم من �أن مفهوم احلوكمة غري حمدد ويتفاوت من‬
‫علم اجتماعي �إىل �آخر‪� ،‬إال �أنه ي�شري �إىل ا�ستخدام جمموعة من الآليات والقواعد الرامية‬
‫�إىل تعزيز �شفافية القرارات والتعاقدات واملعامالت مبا يح�سن كفاءة امل�ؤ�س�سات‬
‫والهيئات والأجهزة ويدعم �سبل الرقابة عليها‪.‬‬
‫وتظهر الدرا�سة �أهمية فهم طبيعة و�أ�شكال الرتتيبات التعاقدية وربطها مبفهوم‬
‫احلوكمة‪ ،‬ولهذا عر�ضت لنظرية �إيان ماكنيل العالئقية‪ ،‬وملفهوم كارل لوالني عن‬
‫عدم الإدراك الواعي كمربر لتحقيق الإن�صاف التعاقدي‪ ،‬وكذلك لنظرة رو�سكو‬
‫باوند للقانون ك�أداة للهند�سة االجتماعية‪ .‬ومن منظور العلوم ال�سيا�سية ا�ستعر�ضت‬
‫الدرا�سة توجه بع�ض الدار�سني الخت�صار مفهوم احلوكمة يف جمرد تقلي�ص الدولة‬
‫�إىل احلد الأدنى‪ .‬غري �أنه يوجد اتفاق بني املتخ�ص�صني على �أن جناح احلوكمة يتطلب‬
‫ال عن �أهمية تعزيز‬ ‫درجة عالية من القدرة امل�ؤ�س�سية مبكوناتها املختلفة‪ ،‬ف�ض ً‬
‫�سيا�سات الالمركزية‪ ،‬وجتريب �أ�ساليب جديدة يف احلكم والإدارة �أكرث دميقراطية‬
‫وابتعادا عن البريوقرطية والت�صاق ًا باهتمامات وطموحات املواطنني‪ .‬و�أخري ًا‬
‫ت�ستعر�ض الدرا�سة نتائج العديد من الدرا�سات احلديثة التي ربطت بني احلوكمة‬
‫وق�ضية التنمية االقت�صادية مبينة نتائجها ودالالتها وت�أثرياتها على تطور الأو�ضاع‬
‫يف الدول النامية‪.‬‬

‫ملحق خاص بأبحاث املؤتمر السنوي الثالث ‪ -‬الحوكمة والتنظيم القانوني ألسواق املال ‪ -‬العدد (‪ - )1‬الجزء األول ‪19‬‬
‫اقتصاديات الحوكمة دراسة يف األصول القانونية والسياسية واالقتصادية للحوكمة‬

‫وانتهت الدرا�سة �إىل �أن احلوكمة هي �آلية جديدة للتوازن بني احلرية وامل�س�ؤولية‬
‫تلبي حاجة حقيقية للمجتمعات وامل�ؤ�س�سات املعا�رصة‪ ،‬خا�صة يف الدول النامية‪،‬‬
‫ب�رشط �أن ت�صاغ على نحو كفء وفعال و�أن جتد فر�صتها يف التطبيق الواقعي‪.‬‬

‫مقدمة‪:‬‬
‫قد ال ن�ضيف جديد ًا �إذا �أ�رشنا �إىل �أن م�صطلح احلوكمة‪ ،‬الذي ال ميتد عمره �إال �إىل‬
‫عقود قليلة‪ ،‬قد غزا تقريب ًا خمتلف العلوم االجتماعية و�أ�ضحى حمل اهتمام كبري من‬
‫الباحثني اجلادين‪ .‬و�إذا كان قد بد�أ ظهور هذا امل�صطلح يف �أدب االقت�صاد املايل يف �إطار‬
‫البحث عن زيادة كفاءة ال�رشكات‪ ،‬ف�إن مطالعة جل املراجع املتاحة ت�ؤكد �أنه قد حظي‬
‫م�ؤخر ًا با�ستخدام وا�سع ومتزايد من الباحثني يف علوم القانون واالقت�صاد وال�سيا�سة‬
‫والإدارة واالجتماع على ال�سواء‪ ،‬و�إن تباينت ب�شكل وا�ضح الأطر التي يندرج فيها هذا‬
‫اال�ستخدام‪.‬‬
‫والواقع �أنه بعد مطالعة وافية للأدب الذي تناول مو�ضوع احلوكمة وجدنا �أنه‬
‫من املنا�سب �أن نخ�ص�ص هذه الدرا�سة لإطاللة على الأ�صول املرجعية للحوكمة يف‬
‫علوم القانون وال�سيا�سة واالقت�صاد‪ ،‬كي نتيح للباحثني العرب نظرة نقدية متكاملة‬
‫للمو�ضوع‪ .‬وقد ق�سمنا هذا التناول �إىل �أربعة �أجزاء نعر�ض فيها على التوايل ملو�ضوعات‪:‬‬
‫مفهوم اقت�صاديات احلوكمة وركائزها‪ ،‬والأ�صول القانونية للحوكمة‪ ،‬واحلوكمة من‬
‫منظور العلوم ال�سيا�سية والإدارية‪ ،‬و�أخري ًا‪ :‬احلوكمة والتنمية االقت�صادية‪.‬‬

‫�أو ًال ‪ -‬مفهوم اقت�صاديات احلوكمة وركائزها‪:‬‬


‫ين�رصف تعبري اقت�صاديات احلوكمة ‪� Economics of Governance‬إىل‬
‫اجلهود الهادفة �إىل �إ�ضفاء قدر من الرتتيبات التنظيمية على �أ�ساليب عمل امل�ؤ�س�سات‬
‫العامة والأ�سواق املحلية والدولية‪ .‬وتت�شكل احلوكمة من جمموعة من القواعد والآليات‬
‫الرامية �إىل تعزيز �شفافية القرارات ال�سيا�سية واالقت�صادية واملعامالت املالية وزيادة‬
‫كفاءة الأجهزة القائمة على تي�سريها والرقابة عليها‪.‬‬
‫وعلى الرغم من �أن بع�ض الكتاب ي�صفون م�صطلح احلوكمة ب�أنه غري حمدد وزلق‬

‫مجلة كلية القانون الكويتية العاملية ‪ -‬السنة الرابعة ‪ -‬مايو ‪2016‬‬ ‫‪20‬‬
‫�أ‪.‬د‪� .‬أحمد جمال الدين مو�سى‬

‫‪ ،slippery‬لأنه لي�س حمل اتفاق بني الدار�سني يف خمتلف العلوم االجتماعية؛ �إال‬
‫�أنه ميكن �أن جند تفاهم ًا حول كون احلوكمة ت�سعى لفهم طبيعة احلكومة والهيئات‬
‫العامة وامل�ؤ�س�سات واملنظمات اخلا�صة والأهلية امل�ؤثرة على رفاه الأفراد وعلى تطور‬
‫املجتمعات‪ ،‬وحماولة الت�أثري عليها لزيادة فاعليتها وكفاءتها؛ فنظرية احلوكمة تطمح‬
‫للإحاطة مبدى كفاءة عملية اتخاذ القرار عند امل�ستويات املختلفة للم�ؤ�س�سات واملنظمات‬
‫العامة واخلا�صة‪ ،‬ال�سيما من حيث طبيعة العالقات واملفاو�ضات والتفاهمات و�أ�ساليب‬
‫التعامل ومقدار النزاهة ودرجة ال�شفافية‪.‬‬
‫وقد �شهدت ال�سنوات الأخرية قبو ًال �أكرب بني االقت�صاديني وغريهم من‬
‫املتخ�ص�صني يف العلوم االجتماعية الأخرى للتو�سع يف تطبيق قواعد احلوكمة على‬
‫خمتلف الأ�سواق‪ ،‬خا�صة الأ�سواق املالية؛ خروج ًا على النظرة ال�سائدة لعقود طويلة‬
‫لدى املدر�سة الكال�سيكية‪ ،‬املتم�سكة برتك احلرية كاملة لقوى العر�ض والطلب والآليات‬
‫الذاتية للأ�سواق‪ .‬وترجع �أهمية احلوكمة لكون الأن�شطة االقت�صادية والأ�سواق‬
‫واملعامالت ب�شكل عام ال جتري على نحو منتظم بدونها؛ فنحن نحتاجها ك�رشط‬
‫�أ�سا�سي م�سبق حل�سن �سري اقت�صاد ال�سوق‪.‬‬
‫ويكرث يف الآونة الأخرية يف نطاق اقت�صاديات التنمية‪ ،‬وبدعم من البنك الدويل‪،‬‬
‫ا�ستخدام م�صطلح «احلوكمة احلميدة» �أو «احلوكمة اجليدة» ‪Good Governance‬‬
‫الذي ين�رصف �إىل جمموعة من الركائز من �أبرزها‪� :‬شفافية ال�سيا�سات والإجراءات‬
‫التي تتبعها ال�سلطات العامة‪ ،‬وحماربة الف�ساد‪ ،‬وتعزيز دولة القانون وحت�سني �أداء‬
‫م�ؤ�س�ساتها الأ�سا�سية‪ ،‬واحرتام القيم الدميقراطية‪ ،‬وتوفري البنية الأ�سا�سية املادية‬
‫واملعلوماتية‪ ،‬و�ضبط �آليات عمل الأ�سواق مبا ي�ضمن حقوق امللكية و�إنفاذ العقود‬
‫وال يخل بت�شجيع مبادرات القطاع اخلا�ص‪ .‬وي�شري تقرير للأمم املتحدة �إىل �أن هناك‬
‫توافق ًا ‪ consensus‬بني م�ؤ�س�سات التنمية الدولية على �أن احلوكمة احلميدة هي‬
‫متطلب �أ�سا�سي ‪ basic pre-requisite‬للتنمية االقت�صادية امل�ستدامة؛ فبناء القدرة‬
‫‪ capacity building‬على حتقيق احلوكمة على �أر�ض الواقع يعترب �أداة فعالة‬
‫لإجناح برامج حماربة الفقر(‪.)1‬‬
‫(‪ )1‬انظر‪6-1 .P ,)2000( United Nations :‬‬

‫ملحق خاص بأبحاث املؤتمر السنوي الثالث ‪ -‬الحوكمة والتنظيم القانوني ألسواق املال ‪ -‬العدد (‪ - )1‬الجزء األول ‪21‬‬
‫اقتصاديات الحوكمة دراسة يف األصول القانونية والسياسية واالقتصادية للحوكمة‬

‫و�إذا نظرنا �إىل مكونات احلوكمة على نحو �أكرث تف�صي ًال‪ ،‬ف�إننا �سنجد �أن من �أبرزها‬
‫«حماية حقوق امللكية» التي ال تقت�رص فقط على �سن القوانني التي حتمي تلك احلقوق‬
‫و�ضمان فعالية �إنفاذها يف مواجهة الل�صو�ص واملغت�صبني الأفراد الذين ي�سعون‬
‫ل�سلب حقوق الغري‪ ،‬و�إمنا متتد �أي�ض ًا ملواجهة حماوالت بع�ض امل�ؤ�س�سات احلكومية‬
‫تهديد حقوق ملكية الأفراد؛ �سواء ب�صورة مبا�رشة من خالل امل�صادرة �أو الت�أميم �أو‬
‫احلرا�سة‪� ،‬أو ب�صورة غري مبا�رشة من خالل الزيادة املبالغ فيها يف �أ�سعار ال�رضائب‬
‫والر�سوم �أو تقييد ا�ستخدام حقوق امللكية والت�رصف يف املكا�سب والدخول �أو التغيري‬
‫امل�ستمر يف ا�شرتاطات الرتاخي�ص والبناء‪ .‬والأخطر من كل ما �سبق هو انت�شار الر�شوة‬
‫والف�ساد حيث يقتطع بع�ض امل�سئولني �صغار ًا �أو كبار ًا من املواطنني ب�شكل مبا�رش �أو‬
‫ب�شكل غري مبا�رش جزء ًا من حقوقهم و�أموالهم خارج �إطار القانون‪.‬‬
‫وقد �أثبتت العديد من الدرا�سات االقت�صادية التطبيقية �أن �ضعف حقوق امللكية‬
‫ب�سبب انت�شار درجة عالية من الف�ساد و�صدور ت�رشيعات وتعليمات مباغتة‪ ،‬وما‬
‫يرتبط بها من �شعور بعدم اليقني‪ ،‬يحول بني العديد من الدول النامية وانتقالها �إىل‬
‫م�ستويات �أعلى من التنمية االقت�صادية(‪ .)1‬ويف ر�أي غالبية االقت�صاديني ف�إن الدولة‬
‫عندما حتمي حقوق ملكية الأفراد من كل تعد خا�ص �أو عام‪ ،‬ف�إنها تقدم لهم احلافز‬
‫للم�شاركة بن�شاط يف الأن�شطة االقت�صادية‪ ،‬خا�صة اال�ستثمار يف م�رشوعات جديدة‪،‬‬
‫الأمر الذي يغذي النمو االقت�صادي ويحقق يف نهاية املطاف التنمية(‪.)2‬‬
‫وبح�سب �أوليفر وليام�سون(‪ Oliver E. Williamson )3‬احلائز على جائزة‬
‫نوبل يف االقت�صاد لعام ‪ ،2009‬ف�إن الركائزالأ�سا�سية التي يقوم عليها فهم م�صطح‬
‫«اقت�صاديات احلوكمة» تن�رصف �إىل‪� :‬إجالء هدف احلوكمة‪ ،‬ونفقات املبادالت‪،‬‬
‫والتكيف مع الظروف املتغرية‪ ،‬والتكامل بني العلوم االجتماعية‪ ،‬خا�صة علمي القانون‬
‫واالقت�صاد‪ .‬ويف �إطار الركيزة الأوىل‪ ،‬ف�إن احلوكمة هي يف جوهرها و�سيلة لفر�ض‬
‫النظام‪ ،‬مما ي�ؤدي �إىل تخفيف احتماالت النزاع بني �أطراف املبادلة االقت�صادية‪ ،‬وهو‬

‫(‪ )1‬انظر‪.Dixit (A. ), (2007), P.4 :‬‬


‫(‪ )2‬انظر على �سبيل املثال‪LESSON (P.) & WILLIMSON (C.), (2009),P.78-79 :‬‬
‫(‪ )3‬راجع‪.WILLIAMSON (O.), (2005), P.6-11 :‬‬

‫مجلة كلية القانون الكويتية العاملية ‪ -‬السنة الرابعة ‪ -‬مايو ‪2016‬‬ ‫‪22‬‬
‫�أ‪.‬د‪� .‬أحمد جمال الدين مو�سى‬

‫ما يقود يف نهاية املطاف �إىل حتقيقهم مكا�سب متبادلة‪ .‬وفيما يتعلق بنفقات املبادالت‬
‫‪ transactions costs‬التي ظل التيار املت�شدد يف املدر�سة الكال�سيكية ينكر �أهميتها‬
‫يف التحليل االقت�صادي‪ ،‬ف�إن الدرا�سات املتميزة لكل من رونالد كوز ‪Ronald Coase‬‬
‫(جائزة نوبل يف االقت�صاد لعام ‪ )1991‬وكينيث �أرو ‪( Kenneth Arrow‬جائزة‬
‫نوبل يف االقت�صاد لعام ‪ )1972‬قد خل�صت �إىل �أن نفقة العمليات التي جتري يف الأ�سواق‬
‫املتناف�سة �أكرب من �صفر‪.‬‬
‫ويعتقد العديد من االقت�صاديني ومن بينهم فريدريك هايك ‪Friedrich Hayek‬‬
‫(جائزة نوبل يف االقت�صاد لعام ‪� )1974‬أن التكيف �أو الت�أقلم يعد املو�ضوع الرئي�س يف‬
‫التنظيم االقت�صادي‪ ،‬ولذلك جند �أن كل الفاعلني االقت�صاديني ‪economic actors‬‬
‫ي�سعون ب�شكل م�ستمر للتكيف مع املتغريات التي تعرتي ال�سوق‪ .‬غري �أن مفهوم‬
‫التكيف ‪ adaptation‬يختلف عند االقت�صاديني؛ فبينما يراه هايك ذاتي ًا يتم داخل‬
‫�إطار ال�سوق‪ ،‬ف�إن اقت�صادي ًا �آخر هو ت�شي�سرت برنارد ‪ )1( Chester Barnard‬يجده‬
‫غري عفوي ويجري ب�شكل واع ومق�صود يف �إطار تنظيمي‪ .‬وت�ؤكد الركيزة الرابعة‬
‫التي يقرتحها وليام�سون �أن التداخل والتكامل ‪ Interdisciplinary‬بني العلوم‬
‫االجتماعية مهم للإحاطة الوافية مبفهوم احلوكمة‪ ،‬ال�سيما امل�ساهمات العلمية لكل من‬
‫نظرية التنظيم ‪ organization theory‬وقانون العقد ‪.)2(contract law‬‬
‫وتنطوي �أ�ساليب احلوكمة على تنوع‪ ،‬كما يتفاوت ا�ستخدامها وفق ًا لأهمية وتعقد‬
‫املعامالت حمل االهتمام‪ ،‬وهي تختلف �أي�ض ًا من حيث نفقتها وما قد تنطوي عليه من‬
‫�آثار جانبية �سلبية‪ .‬ومن بني �أ�ساليب احلوكمة‪ :‬التدخل الالئحي‪ ،‬والرقابة الإدارية‪،‬‬
‫وتنظيم �أكرث كفاءة للت�رشيعات املطبقة‪ ،‬وتفعيل امل�ستويات الرئا�سية يف امل�ؤ�س�سات‬
‫وال�رشكات والهيئات االقت�صادية(‪ .)3‬وميكن القول �إجما ًال �إن احلوكمة تهتم على وجه‬
‫اخل�صو�ص ب�أمرين‪ :‬الأول هو القواعد القانونية التي حتمي حقوق امللكية وتي�رس‬

‫‪(1) Barnard, C.(1938).‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪.WILLIAMSON (O.), (2005), P.10-11 :‬‬
‫(‪ )3‬راجع‪WILLIAMSON (O.), (2005), P.13-14 :‬‬

‫ملحق خاص بأبحاث املؤتمر السنوي الثالث ‪ -‬الحوكمة والتنظيم القانوني ألسواق املال ‪ -‬العدد (‪ - )1‬الجزء األول ‪23‬‬
‫اقتصاديات الحوكمة دراسة يف األصول القانونية والسياسية واالقتصادية للحوكمة‬

‫التبادل بني النا�س‪ ،‬وهي ما ميكن �أن نطلق عليها قواعد ال�سوق‪ ،‬والثاين هو دور و�آليات‬
‫(‪.)1‬‬
‫عمل امل�ؤ�س�سات التي تدعم وتي�رس الإنتاج والتبادل خارج �إطار عمل ال�سوق‬
‫ويف اعتقادنا �أن االرتباط وثيق بني الأمرين ال�سابقني و�أن كليهما بحاجة حقيقية‬
‫لقواعد احلوكمة القائمة على ال�شفافية والنزاهة والكفاءة‪ ،‬ويكفينا يف جمال «قواعد‬
‫ال�سوق» يف ظل النظام الر�أ�سمايل املعا�رص �أن ن�ستعر�ض ال�صورة التي ير�سمها راندل‬
‫مورك ولويد �ستري(‪ Randall Morck and Lloyd Steier )2‬لالقت�صاد الأمريكي‬
‫يف �أوائل القرن احلادي والع�رشين‪ .‬فالر�أ�سمالية يف �أمريكا تتمثل يف نظام تتناف�س فيه‬
‫�أعداد �ضخمة من ال�رشكات امل�ستقلة للح�صول على الزبائن‪ .‬ورغم �أن االحتكارات‬
‫جمرم ٌة قانون ًا‪� ،‬إال �أن املحاكم توفر حماية غري كافية من خماطرها‪.‬‬
‫‪َّ monopolies‬‬
‫ويف كل �رشكة من ال�رشكات الكربى يوجد رئي�س تنفيذي ‪ CEO‬ير�سم �سيا�ستها‬
‫ويحدد ا�سرتاتيجيتها‪ ،‬على حني يكون دور جمل�س الإدارة‪Board of directors‬‬
‫�سلبي ًا يف �أغلب الأحيان‪ .‬وتعود ملكية هذه ال�رشكات للماليني من �أ�صحاب الأ�سهم‬
‫املنتمني يف معظمهم للطبقة الو�سطى‪ ،‬و�إن كانت ملكية كلٍ منهم تقت�رص على ب�ضع‬
‫مئات �أو �آالف من الأ�سهم؛ وهم عادة غري منظمني ‪ disorganized‬ويفتقدون �أي‬
‫�سلطة حقيقية‪ . powerless‬يوجد فقط حفنة ‪handful‬من امل�ستثمرين امل� َؤ�س�سني‬
‫‪ institutional investors‬قادرون على �أن يراكموا كتلة كبرية من الأ�سهم‬
‫قد ت�صل �إىل ‪� %3‬أو ‪ %5‬من �إجمايل ر�أ�س املال‪ ،‬مما مينحهم احلق يف التعبري عن‬
‫تف�ضيالتهم ورمبا التمثيل يف جمل�س الإدارة‪ .‬ويف الوقت ذاته يتمتع ر�ؤ�ساء ال�رشكات‬
‫التنفيذيني ب�سلطة قوية‪ ،‬غالب ًا ما ي�سيئون ا�ستخدامها بح�سب معتقداتهم ال�شخ�صية‪،‬‬
‫ال�سيا�سية واالجتماعية واالقت�صادية‪ .‬وهكذا ف�إن الر�أ�سمالية كما ت�سود يف معظم دول‬
‫العامل تتمثل يف نظام ي�سمح لعدد حمدود للغاية من العائالت الغنية بال�سيطرة على‬
‫ال�رشكات الكربى‪ ،‬بل وعلى احلكومات ذاتها؛ وفيه ال تعدو املناف�سة �أن تكون �رساب ًا‬
‫‪� mirage‬إال يف حاالت قليلة‪ .‬وت�ستخدم ال�سالالت الأوليجاركية الرثية ‪oligarchic‬‬
‫‪ family dynasties‬املديرين التنفيذيني املحرتفني للحفاظ على �سلطتهم ونفوذهم‬

‫(‪ )1‬انظر‪SHARINA (E.), (2013), P.1 :‬‬


‫)‪(2) MORCK (R) and STEIR (L.), (2005‬‬

‫مجلة كلية القانون الكويتية العاملية ‪ -‬السنة الرابعة ‪ -‬مايو ‪2016‬‬ ‫‪24‬‬
‫�أ‪.‬د‪� .‬أحمد جمال الدين مو�سى‬

‫و�أو�ضاعهم املتميزة‪ ،‬حتى و�إن كان ذلك ي�رض باالقت�صادات التي تعمل فيها‬
‫�رشكاتهم(‪.)1‬‬
‫وتدعونا هذه ال�صورة الواقعية للأو�ضاع االقت�صادية يف ظل الر�أ�سمالية املعا�رصة‪،‬‬
‫والتي ميكن �أن جندها �أكرث قتامة يف الدول النامية‪ ،‬للت�أكيد على �أنه �إذا كانت احلكومات‬
‫حتتاج �إىل احلوكمة لزيادة كفاءتها وتعزيز �شفافيتها وت�أكيد خ�ضوعها للمحا�سبة‪ ،‬ف�إن‬
‫ال�رشكات اخلا�صة الكربى حتتاج �أي�ض ًا �إىل احلوكمة لتحقيق ذات الأهداف‪ .‬وحتتاج‬
‫�أي�ض ًا امل�ؤ�س�سات الدولية لتطبيق قواعد احلوكمة يف �إطار ما �أ�صبح متداو ًال حتت م�سمى‬
‫«احلوكمة االقت�صادية الكونية»‪ Global Economic Governance‬والتي لن‬
‫نتناولها يف �إطار هذه الدرا�سة(‪.)2‬‬

‫ثاني ًا ‪ -‬الأ�صول القانونية للحوكمة‪:‬‬


‫يكاد ي�س ِّلم االقت�صاديون يف الآونة الأخرية ب�أن النظام القانوين ي�ؤثر على‬
‫املخرجات االقت�صادية‪ .‬ويفرت�ض �أن يهيئ النظام القانوين الكفء البيئة امل�شجعة‬
‫للتخ�صي�ص الأمثل للموارد وزيادة الإنتاجية وحت�سني ال�سلوك االقت�صادي للأفراد‬
‫وامل�ؤ�س�سات‪ ،‬وغري ذلك من الأبعاد املختلفة لعملية التنمية االقت�صادية‪.‬‬
‫ويق�صد بالنظام القانوين يف تعبريه الأ�شمل امل�ؤ�س�سات الر�سمية املتكاملة املناط بها‬
‫ثالث وظائف هي‪ -1 :‬و�ضع القواعد واملعايري (�أ�سا�س ًا من خالل القوانني واللوائح) لكي‬
‫ي�سري على ُهداها �أفراد املجتمع وم�ؤ�س�ساته؛ ‪� -2‬إنفاذ القوانني‪� ،‬سواء من خالل اتخاذ‬
‫الإجراءات الالزمة �ضد املخالفني �أو دون �إجراءات بف�ضل ت�أثري الردع العام؛ ‪ -3‬ح�سم‬
‫املنازعات التي تثور من خالل �إجراءات �رسيعة وعالية الكفاءة و�أحكام عادلة(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪)P. 1 MORCK (R) and STEIR (L.), (2005 , :‬‬


‫(‪ )2‬راجع يف هذا املو�ضوع على �سبيل املثال‪:‬‬
‫)‪FRIEDEN (J.), (2012‬‬
‫)‪MOHAN (R.) and KAPUR (M.), (2015‬‬
‫)‪VIRMANI (A.), (2011‬‬
‫)‪AHMAD (N.), (2015‬‬
‫(‪ )3‬راجع‪:GRAY (Ch.), (1989), P.1-2 :‬‬

‫ملحق خاص بأبحاث املؤتمر السنوي الثالث ‪ -‬الحوكمة والتنظيم القانوني ألسواق املال ‪ -‬العدد (‪ - )1‬الجزء األول ‪25‬‬
‫اقتصاديات الحوكمة دراسة يف األصول القانونية والسياسية واالقتصادية للحوكمة‬

‫وميكن �أن ن�ستخل�ص من حتليل �أوليفر وليام�سون �أن بروز «اقت�صاديات احلوكمة»‬
‫يعود �إىل عدة �أ�سباب من بينها الت�أكيد على �أن املهمة الأ�سا�سية للتنظيم االقت�صادي هي‬
‫التكيف مع القالقل واال�ضطرابات التي تعرتي النظامني االقت�صادي واالجتماعي‪،‬‬
‫و�أن �سيا�سة الدولة جتاه الأن�شطة االقت�صادية يجب �أن تتم يف �إطار ر�ؤية تنظيمية‬
‫وا�سعة تهدف �إىل حتقيق �أكرب قدر من الكفاءة والفاعلية‪ .‬ويتم ذلك �أ�سا�س ًا من خالل‬
‫الأداتني الأبرز وهما التنظيم االقت�صادي والإطار التعاقدي؛ ولذلك ف�إنه ال يكفي اتخاذ‬
‫�إجراءات حمدودة مثل تغيري �أ�سلوب عمل ال�رشكات �أو و�ضع قيود جديدة على الدخول‬
‫�إىل الأ�سواق �أو فر�ض �أدوات حتد من املخاطرة‪ ،‬بل يتعني دمج كافة هذه الإجراءات‬
‫وغريها يف �إطار ر�ؤية �أ�شمل للتنظيم القانوين واالقت�صادي للمجتمع‪.‬‬
‫و�إذا نظرنا ب�شكل �أدق للتبادل يف �صورتيه القانونية واالقت�صادية‪ ،‬ف�إنه من‬
‫املتفق عليه وجوب مراعاة ما يتميز به وعاء (مو�ضوع) املبادلة من عنا�رص التحديد‬
‫‪ specificity‬والتكرار ‪ frequency‬وعدم اليقني ‪ ،uncertainty‬وذلك عند‬
‫حتديد ما ي�رسي عليه من قواعد احلوكمة‪ ،‬فعلى �سبيل املثال جند �أن تنفيذ بع�ض‬
‫التعاقدات االقت�صادية �أو املالية قد يتعر�ض لال�ضطراب ب�سبب تغري طارئ يف الظروف‪،‬‬
‫مع عدم القدرة على التكيف مع هذا التغري؛ ومن ثم ف�شل �أحد �أطراف التعاقد يف الوفاء‬
‫بالتزاماته‪ .‬يف مثل هذه احلالة لن ي�سعفنا جمرد احرتام �رشوط التعاقد �أو �إنفاذ‬
‫الن�صو�ص القانونية التي تنبني على افرتا�ض توافر ا�ستقرار يف الأو�ضاع والظروف‬
‫خالل مدة تنفيذ العقد �أو الت�سليم بقدرات قوى العر�ض والطلب على �ضمان التحقق‬
‫الذاتي للتوازن االقت�صادي‪ .‬وتظهر خطورة امل�س�ألة �إذا ات�سم التغري الطارئ بالعمومية‬
‫واالت�ساع‪ ،‬وهي ال�سمة التي �صاحبت تواتر الأزمات املالية العديدة التي �شهدها العامل‬
‫يف العقود املا�ضية؛ لذلك يتوجب ت�صميم �آليات للتعامل مع هذه االحتماالت تتجاوز‬
‫منطق مبد�أ حرية الإرادة �أو جمرد الثقة يف �آليات التوازن التلقائي للأ�سواق‪.‬‬
‫ويعترب فهم طبيعة و�شكل الرتتيبات التعاقدية �أمر ًا مهم ًا لن�ستطيع النظر يف‬
‫�أ�ساليب احلوكمة التي تنظم عمل امل�ؤ�س�سات وال�رشكات‪ ،‬خا�صة يف عامل الأعمال‪.‬‬
‫وميكن القول �إجما ًال �إن العقد ‪ contract‬يي�رس التبادل والتجارة‪ ،‬ومن ثم ي�ساعد‬
‫على زيادة ثروة الأمم‪ .‬ولكي يحقق العقد الكفاءة والفاعلية‪ ،‬من وجهة نظر املدر�سة‬

‫مجلة كلية القانون الكويتية العاملية ‪ -‬السنة الرابعة ‪ -‬مايو ‪2016‬‬ ‫‪26‬‬
‫�أ‪.‬د‪� .‬أحمد جمال الدين مو�سى‬

‫االقت�صادية النيوكال�سيكية‪ ،‬ف�إن عليه �أن يعظم املكا�سب ال�صافية لطريف العقد؛ ويكون‬
‫ذلك من خالل التعاون والتفاو�ض احلر بينهما‪ ،‬والعمل على تقليل نفقات املبادالت التي‬
‫قد ت�أخذ �أ�شكا ًال متعددة مثل‪ :‬تكاليف التفاو�ض وامل�ساومة‪ ،‬و�إعداد العقد‪ ،‬وتوقيعه‪،‬‬
‫و�أتعاب املحامني‪ ،‬والوقت املهدر الذي قد ي�صحب عملية التعاقد‪ .‬ويفرت�ض �أن يكفل‬
‫النظام القانوين – متى متيز بالكفاءة – �إنفاذ العقد والتعامل مع الظروف الطارئة التي‬
‫قد تعرتي تنفيذه‪.‬‬
‫وعلى الرغم من اهتمام باحثني كرث يف خمتلف العلوم االجتماعية بنظرية العقد‪،‬‬
‫�إال �أن منهج تناولهم قد تفاوت ب�شكل بارز‪ ،‬و�إن جمعهم �سعيهم امل�شرتك لأن‬
‫ت�ؤخذ يف االعتبار كافة الظروف املحيطة بالتعاقد‪ .‬وقد انتهى معظمهم‪ ،‬خا�صة من‬
‫االقت�صاديني‪� ،‬إىل �أن كل العقود تت�ضمن عن�رص ًا عالئقي ًا ‪،relational element‬‬
‫وذلك على الأقل باعتبار �أنه من امل�ستحيل كتابة عقد ال يت�ضمن عنا�رص غري قابلة‬
‫للتنفيذ ‪� unenforceable‬إال بتدخل الغري (طرف ثالث‪ ،‬مثل املحاكم) لتحقيقها �أو‬
‫�إنفاذها(‪.)1‬‬
‫ويتوافق ذلك مع ما ذهب �إليه �أ�ستاذ القانون الأمريكي ال�شهري �إيان ماكنيل ‪Ian‬‬
‫‪ Macneil‬من �أنه‪ ،‬حتى يف التبادل املنفرد �أو املعزول ‪،discrete exchange‬‬
‫توجد عنا�رص عالئقية(‪ ،)2‬لكون العقد يجرى تنفيذه دائم ًا داخل جمتمع؛ فالواقع �أن‬
‫التبادل املنفرد هو ذاته منتج لأنواع معينة من العالقات االجتماعية (مثل احل�صول‬
‫على ترخي�ص معني �أو حتفيز معني من ال�سوق �أو املنظم)‪ ،‬وهو على �أي حال يلعب دور ًا‬
‫حمدود ًا ووظيفة معينة يف �أي اقت�صاد‪ ،‬مهما كانت توجهات ال�سوق فيه‪ .‬فيعتقد ماكنيل‬
‫�أن التبادل املنفرد – على خالف ما يتبناه التوجه امل�سيطر على الفكر االقت�صادي‬
‫والقانوين الغربي املت�أثر بكل من النظرية النيوكال�سيكية ونظرية املنفعة– ال ي�شكل‬

‫(‪ )1‬انظر‪:‬‬
‫‪MOUZAS (S.) and BLOIS (R.), (2009), P. 2-4‬‬
‫(‪ )2‬يعتقد ماكنيل �أن التفكري العالئقي ‪ relational thought‬يعد عن�رصا �رضوري ًا لأي �إدراك مقنع للتطور القانوين‬
‫واالقت�صادي‪ .‬وهو يرمز بهذا امل�صطلح �إىل مدخل ي�ستوعب الأمناط املعقدة للعالقات الإن�سانية املتداخلة التي حتيط‬
‫بكل تبادل‪ .‬انظر‪483.P ,)1985( ,).MACNEIL (I :‬‬

‫ملحق خاص بأبحاث املؤتمر السنوي الثالث ‪ -‬الحوكمة والتنظيم القانوني ألسواق املال ‪ -‬العدد (‪ - )1‬الجزء األول ‪27‬‬
‫اقتصاديات الحوكمة دراسة يف األصول القانونية والسياسية واالقتصادية للحوكمة‬

‫�أبد ًا الوظيفة االقت�صادية الأ�سا�سية الوحيدة للإنتاج �أو التوزيع �أو اال�ستهالك النهائي‬
‫لل�سلع �أو اخلدمات(‪.)1‬‬
‫ومل ي�سلم هذا الر�أي من النقد‪ ،‬حيث يتم�سك القانونيون من ذوي االجتاه الليربايل‬
‫بفكرة «الر�ضا» ك�أ�سا�س لاللتزام التعاقدي‪ ،‬وينتقدون ب�شدة «النظرية العالئقية للعقد‬
‫ملاكنيل» ‪ Macneil›s relational Theory of Contract‬لأ�سباب �أبرزها‬
‫ثالثة‪� :‬أو ًال‪ -‬اعتبار ماكنيل الر�ضا ‪ consent‬جمرد خيال ‪ ،fiction‬و�أنه ال يتعدى‬
‫كونه معاد ًال للوعد ‪promise‬؛ ثاني ًا‪ -‬جتنب ماكنيل ربط نظريته االجتماعية للعقد‬
‫ب�أي مفهوم اجتماعي للملكية؛ ثالث ًا‪� -‬إهمال ماكنيل املفهوم الليربايل حلرية التعاقد‬
‫‪ ،principle of freedom of contract‬ومن ثم عدم اعرتافه بالدور االجتماعي‬
‫احليوي لهذه احلرية؛ وهو ما قاده ملنح الر�ضا مكانة تابعة ‪subordinate‬‬
‫‪ position‬يف نظريته العالئقية(‪ .)2‬ويف املقابل يحظى ماكنيل بت�أييد قانونيني �آخرين‬
‫يعتربون نظريته �أف�ضل قاعدة واعدة ‪ most promising basis‬لتقدمي فقه بديل‬
‫‪ alternative jurisprudence‬للمبادالت ال�سوقية‪ ،‬يف وقت �أثبت فيه قانون‬
‫العقد التقليدي ف�شله يف التعامل مع الأو�ضاع احلديثة(‪.)3‬‬
‫وجدير باملالحظة �أن هناك تفاوت ًا يف التناول بني منهج ويليام�سون الدينامي الذي‬
‫يركز على حتليل العالقات التبادلية من خالل فكرة نفقات املبادالت ‪Transactions‬‬
‫‪ ،Costs‬و�صو ًال �إىل حت�سني كفاءة �أ�ساليب احلوكمة‪ ،‬واملدخل اال�ستاتيكي الذي‬
‫يذهب �إليه �إيان ماكنيل‪ ،‬الذي يركز على العالقات االجتماعية ‪Social Relations‬‬
‫يف حماولته ل�رشح �سلوك �أطراف التبادل‪ .‬ورغم ذلك يجمع بينهما يف ر�أينا الت�أكيد على‬
‫�أهمية االعرتاف بالطبيعة االجتماعية للعقد والأخذ بعني االعتبار هذه الطبيعة عند‬
‫�صياغة �أ�س�س وقواعد احلوكمة‪.‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪:‬‬
‫‪MACNEIL (I.), (1985), P.485-486‬‬
‫(‪ )2‬انظر تفا�صيل ذلك يف‪:‬‬
‫‪BARNETT (R.), (1992), P. 1180-1206‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪:‬‬
‫‪CAMPBELL (D.), (2004), P. 2‬‬

‫مجلة كلية القانون الكويتية العاملية ‪ -‬السنة الرابعة ‪ -‬مايو ‪2016‬‬ ‫‪28‬‬
‫�أ‪.‬د‪� .‬أحمد جمال الدين مو�سى‬

‫وي�ساند ما �سبق ر�ؤية بع�ض املنظرين للحوكمة ك�أداة لعالج الق�صور يف كل من‬
‫التنظيم االقت�صادي والتنظيم القانوين‪ .‬وقد �سبق لربنارد ‪� Barnard‬أن �أكد احلاجة‬
‫�إىل �إيجاد توازن دقيق �رضوري بني خمتلف �أنواع احلوافز ‪ incentives‬داخل املنظمة‬
‫ل�ضمان جناحها‪ .‬غري �أن مثل هذا التوازن اجليد يتوقف ب�شكل كبري على بيئة خارجية‬
‫غري م�ستقرة ‪�(unstable environment‬أحوال املناف�سة) وظروف التطور‬
‫الداخلي للمنظمة (تو�سعها وتغري �أ�شخا�ص العاملني بها ومدى جودة قنوات التوا�صل‬
‫بني �أع�ضائها)؛ ومن ثم ف�إن نظم العقود املحفزة ت�ضحى غري قادرة وحدها على حكم‬
‫كافة الأن�شطة داخل املنظمة‪.‬‬
‫ويف�رس جان جاك الفون ‪ Jean-Jacques Laffont‬ودافيد مارتيمورت‬
‫‪ David Martimort‬ما �سلف‪ ،‬بلغة معا�رصة‪ ،‬ب�أن الق�صور يف نظم العقود وكذلك‬
‫ما يطلق عليه “العقالنية املحدودة” �أو “الر�شد املقيد”‪1bounded rationality‬‬
‫لدى العاملني يف املنظمة يتطلب منح امل�س�ؤولني �سلطة ما التخاذ القرارات يف الظروف‬
‫التي ال ميكن توقعها بدقة يف العقود‪ .‬فالبد من االعرتاف باحلاجة لنوع من التدخل‬
‫التنظيمي غري العقدي ل�ضمان حتقيق م�صلحة املنظمة واملجتمع ككل‪ ،‬و�سيكون‬
‫ذلك التدخل مقبو ًال من الأفراد �إذا ر�أوه من منظور الحق ‪ Ex post‬متى كان يحقق‬
‫م�صلحتهم(‪.)2‬‬
‫ويجد تدخل الدولة لفر�ض نظم وقواعد احلوكمة – رغم تقييدها �أحيان ًا ملبد�أ حرية‬
‫الإرادة يف التعاقد والت�رصف‪� -‬أ�سا�سه الفكري يف نظرة خمتلفة للعقد‪ ،‬كان قد عرب عنها‬
‫يف وقت مبكر ن�سبي ًا كارل لوالني(‪� Karl Llewellyn )3‬أحد �أهم املنظرين القانونيني‬

‫(‪ )1‬اقرتح هربرت �سيمون ‪ Herbert Simon‬مفهوم الر�شد املقيد للداللة على �أن الأفراد عندما يتخذون قراراتهم‬
‫يكون ر�شدهم ال�سلوكي مقيدا مبا يتوافر لديهم من معلومات‪ ،‬وباحلدود الإدراكية لعقولهم‪ ،‬و�أي�ض ًا بالوقت املتاح‬
‫لهم التخاذ القرار؛ ومن ثم ف�إن متخذ القرار �سيتجه غالب ًا �إىل احلل املر�ضي بد ًال من احلل الأمثل‪ .‬وهذه النتيجة‬
‫تتناق�ض مع ما روجت له طوي ًال املدر�سة الكال�سيكية من �أن اتخاذ القرارات االقت�صادية هي عملية ر�شيدة متام ًا؛‬
‫فالواقع �أنها وفق ًا ل�سيمون قد تكون ر�شيدة ب�شكل ن�سبي �أو مقيد‪ .‬ويتوقف مدى الر�شد فيها على مدى جودة �أو‬
‫رداءة العنا�رص ال�سالف الإ�شارة �إليها‪ .‬انظر‪.134-125.P .)1991( ,)Simon (H :‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪:‬‬
‫‪Laffont (J.) & Martimort (D.), (2001), P.21-23‬‬
‫‪(3) LLEWELLYN (K.), (1960).‬‬

‫ملحق خاص بأبحاث املؤتمر السنوي الثالث ‪ -‬الحوكمة والتنظيم القانوني ألسواق املال ‪ -‬العدد (‪ - )1‬الجزء األول ‪29‬‬
‫اقتصاديات الحوكمة دراسة يف األصول القانونية والسياسية واالقتصادية للحوكمة‬

‫الأمريكيني بقوله‪« :‬الأهمية الكربى للعقد القانوين هي كونه يزود الأطراف ب�إطار‬
‫‪ framework‬ال يعك�س بدقة عالقات العمل الواقعية‪ ،‬لكنه يزودهم مب�ؤ�رش �إجمايل �أو‬
‫تقريبي ‪ rough indication‬يتعني �أن تدور حوله هذه العالقات‪ ،‬وهو �أي�ض ًا مبثابة‬
‫دليل عر�ضي ‪ occasional guide‬ي�ستخدم يف حالة ال�شك‪ ،‬ومعيار مرجعي عند‬
‫حدوث نزاع �أو حني توقف العالقات الواقعية عن العمل»‪ .‬وي�ستنتج وليام�سون من‬
‫ذلك �أن غاية العقد لي�ست ت�أكيد قانونية االلتزامات و�إمنا �ضمان تنفيذ الأعمال على‬
‫�أر�ض الواقع(‪.)1‬‬
‫وعلى الرغم من �أن لوالني يعتقد �أن الأطراف عندما تتعاقد تبحث عن م�صاحلها‬
‫الذاتية‪ ،‬مبا يعظم منفعتها املتوقعة (وذلك يف ر�أيه قرينة جيدة على �أن هذا االتفاق‬
‫كفء)؛ ف�إنه يرى �أنه عندما يفر�ض �أحد الأطراف �رشوطه يف العقد من مركز قوة‪� ،‬سواء‬
‫ب�سبب مركزه امل�ؤثر يف ال�سوق �أو ب�سبب حيازته ملعلومات �أف�ضل مقارنة بالطرف‬
‫الآخر‪ ،‬ف�إن العقد يفتقد جوهره التفاو�ضي؛ ومن ثم يتعني على املحاكم �إجراء حتقيق‬
‫م�ستقل للت�أكد من مدى املالءمة املعيارية للعقد حلظة تعبري الأطراف عن ر�ضاها‪.‬‬
‫وي�ؤكد كارل لوالني �أن القواعد القانونية النمطية تظل منا�سبة متى ظلت القدرات‬
‫التفاو�ضية بني الأطراف مت�ساوية؛ �أما يف غري هذه احلالة‪ ،‬ف�إن الت�سليم بالقوة الإلزامية‬
‫للعقد �سينطوي على معاقبة الطرف الأ�ضعف؛ فالعقد ي�صبح جوهري ًا غري من�صف‬
‫‪� substantively unfair‬إذا كان غري متوازن‪ . lop-sided‬وباعتبار �أن القانون‬
‫متوازن يف تعريفه للمخاطر وااللتزامات؛ ف�إنه يجب �أال يقبل �أن تخلق الأطراف القوية‬
‫خل ًال ‪ imbalance‬يف التوازن عند التعاقد(‪.)2‬‬
‫ويندرج هذا الو�ضع يف �إطار احلالة املعروفة عند االقت�صاديني بف�شل ال�سوق‬
‫‪ .market failure‬ولهذا يرى لوالني �أن من واجب الدولة التدخل لإعادة التوازن‬
‫للعقد غري املتوازن من خالل‪� :‬أو ًال‪ -‬دور امل�رشع ‪ legislative intervention‬يف‬

‫(‪ )1‬انظر‪:‬‬
‫‪WILLIAMSON (O.), (2005), P.21‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪:‬‬
‫‪SCHWARTZ (A.), (2000), P.32‬‬

‫مجلة كلية القانون الكويتية العاملية ‪ -‬السنة الرابعة ‪ -‬مايو ‪2016‬‬ ‫‪30‬‬
‫�أ‪.‬د‪� .‬أحمد جمال الدين مو�سى‬

‫احلد من ال�رشوط املجحفة وو�ضع �ضمانات للتوازن العقدي‪ ،‬وثاني ًا‪ -‬دور املحاكم‬
‫‪ courts‬يف �إعادة التوازن للعقد عن طريق اللجوء للخربة ‪ ،expertise‬مبا يعك�س‬
‫ال�سائد يف ال�سوق؛ فالقانون يف ر�أيه هو علم تطبيقي ‪� empirical science‬أكرث من‬
‫كونه علم ًا معياري ًا ‪.)1(normative science‬‬
‫وهذه الأفكار رغم عموميتها �ساهمت يف تطوير ما �أ�صبح اليوم النهج الأ�سا�سي‬
‫للتدخل التنظيمي يف املجال العقدي بغر�ض حتقيق الإن�صاف‪ ،‬و�أدواته الرئي�سية كانت‪:‬‬
‫�أو ًال‪� -‬إدخال مفهوم ح�سن النية ‪ good faith‬يف قانون العقود؛ ثاني ًا‪� -‬صياغة النظرية‬
‫التي ر�سخت فيما بعد حتت ا�سم «عدم الإدراك الواعي»(‪Unconscionability )2‬‬
‫‪Theory‬؛ ثالث ًا‪ -‬تطوير العديد من الأحكام التي ت�ضمنها القانون التجاري الأمريكي‬
‫املوحد ‪ ،Uniform Commercial Code‬خا�صة املادة الثانية منه التي �صاغها‬
‫لوالني و�سمحت ب�إمكانية قيام العقد بناء على ال�سلوك ‪ ،by conduct‬ولي�س فقط‬
‫بالإيجاب ال�شفوي �أو التحريري الذي يعقبه القبول(‪.)3‬‬
‫ولفهم جذور هذا التطور البد من الرجوع �إىل تيار «الواقعية القانونية» ‪Legal‬‬
‫‪ Realism‬الذي �صبغ النظرية القانونية الأمريكية لعقود طويلة‪ .‬لقد كان القانون‬
‫الأمريكي يف بداياته �أ�سري مفاهيم الفقيه والقا�ضي الإجنليزي وليم بالك�ستون‬
‫‪ )1780 -1723( William Blackstone‬الذي افرت�ض �أن مبادئ القانون العام‬
‫‪� Common Law‬صاحلة دائم ًا وال تت�أثر بالزمن ‪timeless‬؛ ومن ثم فهي قادرة‬
‫على مواجهة �أية م�شاكل اجتماعية جديدة قد تثور‪ .‬وكنتيجة لذلك؛ ف�إن دور القا�ضي‬
‫هو تطبيقها كما هي‪ ،‬دون �أي ت�أويل �أو �سلطة تقديرية‪.‬‬
‫وقد �أخذ تيار متزايد من فقهاء القانون مثل �أوليفر هوملز ‪Oliver W. Holmes‬‬
‫وعلماء االجتماع القانوين مثل رو�سكو باوند ‪ Roscoe Pound‬يف االعرتا�ض على‬

‫(‪ )1‬انظر‪:‬‬
‫‪CLARK (R.), (1978), P.495-496‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪:‬‬
‫‪SCHWARTZ (A.), (2000), P.15-17‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪:‬‬
‫‪HART (D.), (2011), P.62-63‬‬

‫ملحق خاص بأبحاث املؤتمر السنوي الثالث ‪ -‬الحوكمة والتنظيم القانوني ألسواق املال ‪ -‬العدد (‪ - )1‬الجزء األول ‪31‬‬
‫اقتصاديات الحوكمة دراسة يف األصول القانونية والسياسية واالقتصادية للحوكمة‬

‫هذا املنظور‪ ،‬لأنه ‪ -‬يف ر�أي هوملز‪ -‬عقيم منطقي ًا‪ ،‬لأن القانون لي�س منطقي ًا يف حد ذاته‬
‫و�إمنا هو يعك�س خربة وجتربة املجتمع املا�ضية؛ فهو جت�سيد لتاريخ تطور الأمة خالل‬
‫القرون املا�ضية‪ ،‬ومن ثم ال يجب التعامل معه ككتاب ريا�ضيات يت�ضمن م�سلمات‬
‫للم�س(‪.)1‬‬
‫ِّ‬ ‫‪ axioms‬غري قابلة‬
‫ويف ر�أي باوند‪ ،‬ف�إن القانون هو �أداة للهند�سة االجتماعية ‪،social engineering‬‬
‫وبالتايل يتعني على املحاكم �أال تقت�رص يف �أحكامها على القواعد املنطقية لال�ستدالل‬
‫‪logical rules of deduction‬؛ وهو ما يعني �أنه ينبغي على الق�ضاة تبني منظور‬
‫�أو�سع ‪ broader perspective‬يحيط بالظروف االجتماعية واالقت�صادية التي‬
‫تنعك�س عملي ًا يف املعارف التي تزودهم بها علوم االقت�صاد وال�سيا�سة واالجتماع‪.‬‬
‫وباعتبار �أن القانون لي�س غاية يف حد ذاته‪ ،‬و�إمنا هو و�سيلة لتحقيق غاية �أكرب ‪means‬‬
‫‪ ،to a greater end‬فاالقت�صار على التطبيق احلريف لقواعد القانون العام القائمة‬
‫على ال�سوابق الق�ضائية ‪ ،case law precedent‬املعتمدة على ما�ضي املجتمع‪،‬‬
‫لن يلبي احلاجات امل�ستجدة يف جماالت مهمة كحقوق امللكية والعقود واحلقوق‬
‫الفردية(‪ .)2‬وميكن �أن جند تطبيق ًا لهذا املفهوم يف قول باوند‪« :‬يظن البع�ض �أن القانون‬
‫هو االقت�صاد‪ ،‬ويف هذا يوجد الكثري مما يقال؛ ويرى �آخرون �أن القانون هو الأخالق‪،‬‬
‫بينما يقدم البع�ض القانون على �أنه الهند�سة االجتماعية‪ .‬الواقع �إنهم جميع ًا خمطئون‪،‬‬
‫فالقانون هو ٌ‬
‫كل ذلك»(‪.)3‬‬
‫كانت تلك هي املفاهيم التي ا�ستفاد منها كارل لوالني وطور �أدواتها التطبيقية‪،‬‬
‫لكن م�ساهماته وغريه من منظري مدر�سة «الواقعية القانونية» مل ت�سلم من النقد‪.‬‬
‫فيالحظ البع�ض �أن الفقه القانوين قد تبدل �شكلي ًا من املفهوم ال�ساكن للإيجاب والقبول‬

‫(‪ )1‬انظر‪:‬‬
‫‪P.493-494(CLARK (R.), (1978 ,‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪:‬‬
‫‪CLARK (R.), (1978),P.494‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪:‬‬
‫‪DONNELLY(S.), (1975), P. 915‬‬

‫مجلة كلية القانون الكويتية العاملية ‪ -‬السنة الرابعة ‪ -‬مايو ‪2016‬‬ ‫‪32‬‬
‫�أ‪.‬د‪� .‬أحمد جمال الدين مو�سى‬

‫‪ static offer-acceptance-consideration‬الذي �ساد يف القرن التا�سع‬


‫ع�رش �إىل مفهوم لوالني عن االتفاق الفعلي املبني على املعامالت ‪Llewellyn›s‬‬
‫‪ transaction-oriented agreement-in-fact‬والقائم على ح�سن النية‬
‫والإدراك الواعي‪ ،‬وذلك بغر�ض امل�ساعدة يف ت�أمني التعامل املن�صف بني الأطراف‪ .‬وقد‬
‫جنم عن هذا التغري يف الهيكل ال�شكلي بع�ض النتائج الإيجابية على امل�ستوى الفردي‪،‬‬
‫لكن لي�س دائم ًا‪ ,‬ويرجع ذلك �إىل �أن هذا التغري مل يجلب عالج ًا منتظم ًا ‪systemic‬‬
‫‪ remedy‬لعدم التوازن الناجم عن التوزيع غري العادل حلقوق امللكية واالمتيازات‬
‫الفئوية والطبقية‪ ,‬و�إذا كان النظام االقت�صادي والنظام االجتماعي ككل قائم ًا على‬
‫االعتقاد املت�أ�صل يف �أ�سطورة ال�سوق احلرة ‪ ،free market mythology‬رغم �أنها‬
‫يف جوهرها لي�ست عادلة'لأن النا�س ال تبد�أ املناف�سة فيها من خط بداية واحد ‪same‬‬
‫‪( baseline‬فالنجاح والف�شل فيها ال يعك�س بال�رضورة القدرات واملهارات الفردية‬
‫بقدر ما يعك�س مراكز الأفراد يف الرتاتبية االجتماعية واالقت�صادية عند ال�رشوع يف‬
‫املناف�سة)‪ ،‬ف�إن القانون‪ ،‬و�ضمنه قانون العقود‪ ،‬ينحو للتطور بالطريقة التي حتافظ‬
‫على مزايا الرتاتبية الهرمية امل�ستقرة ‪.)1(established hierarchies‬‬
‫ويعتقد �أ�ستاذ القانون يف جامعة �شيكاغو �إريك بوزنر ‪ ،Eric Posner‬بعد‬
‫مرور ثالثة عقود على التحليل االقت�صادي احلديث لقانون العقد(‪� ،)2‬أن هذا التحليل‬
‫وحده هو الذي يقوم على �أ�س�س �صلبة‪ ،‬بعك�س التحليل الفقهي التقليدي والتحليل‬
‫الفل�سفي والتحليل النف�سي التي فقدت الكثري من جاذبيتها‪ ,‬ويرجع الف�ضل يف ذلك‬
‫�إىل احلركة الدائبة من جانب االقت�صاديني لتقدمي مفاهيم جديدة ونقدها‪ ،‬و�صو ًال �إىل‬

‫(‪ )1‬انظر‪:‬‬
‫‪HART (D.), (2011), P.65-72‬‬
‫(‪ )2‬يعترب التحليل االقت�صادي للقانون (ب�صورة �إجمالية) مدخ ًال ي�سعى لتطبيق �أدوات التحليل االقت�صادي على النظرية‬
‫القانونية‪ ،‬وذلك لبيان مدى الكفاءة والفاعلية االقت�صادية لقواعد القانون املطبقة �أو املقرتحة وانعكا�ساتها املتوقعة‬
‫على �أفراد املجتمع وم�ؤ�س�ساته‪ .‬وقد كانت قوانني ال�رضائب واجلمارك واحلماية من االحتكار والإغراق �سباقة‬
‫يف اال�ستئثار باهتمام االقت�صاديني‪� .‬أما الآن فقد انت�رش جمال التحليل االقت�صادي للقانون لي�شمل خمتلف فروع‬
‫القانون مبا فيها قانون امللكية وقانون العقد وقانون امل�س�ؤولية وقانون العمل وقانون ال�رشكات وقانون العقوبات‬
‫وغريها‪.‬‬

‫ملحق خاص بأبحاث املؤتمر السنوي الثالث ‪ -‬الحوكمة والتنظيم القانوني ألسواق املال ‪ -‬العدد (‪ - )1‬الجزء األول ‪33‬‬
‫اقتصاديات الحوكمة دراسة يف األصول القانونية والسياسية واالقتصادية للحوكمة‬

‫تنقيتها وتدعيمها؛ فالتحليل االقت�صادي دينامي ‪ dynamic‬متطور(‪ ،)1‬على حني‬


‫ظلت املدار�س الفقهية والفل�سفية متم�سكة مبوقف �ساكن ‪ static‬قريب مما كانت‬
‫عليه منذ ثالثني �سنة' ومع ذلك يعتقد بوزنر �أن التحليل االقت�صادي احلديث قد ف�شل‬
‫حتى الآن يف �إنتاج نظرية اقت�صادية لقانون العقد‪ ،‬وال ينتظر جناحه يف حتقيق ذلك يف‬
‫املدى القريب؛ فهو غري قادر على تف�سري النظام احلايل لقانون العقد �أو تقدمي �أ�سا�س‬
‫�صلب لتطويره(‪ .)2‬غري �أن بوزنر مل ي�صل �إىل املدى الذي بلغه جرانت جيلمور ‪Grant‬‬
‫‪ )3(Gilmore‬ب�إعالنه مـوت العقـــد ‪The death of Contract‬؛ ب�سبب التغـري‬
‫ال�رسيع يف بيئة الأعمال‪ ،‬مبا يتجاوز نظريات قانون العقد التي �أ�ضحت عتيقة وغري‬
‫من�سجمة مع متطلبات الع�رص(‪.)4‬‬
‫ومن الطبيعي �أن ت�أخذ احلوكمة عند التطبيق �أ�شكا ًال متنوعة‪ ،‬بع�ضها ر�سمي‪،‬‬
‫والبع�ض الآخر غري ر�سمي ‪ ،informal systems‬قد يكون �أحيان ًا �أكرث فاعلية من‬
‫ال�صيغ الر�سمية‪ ،‬مثلما هو احلال يف النظم الق�ضائية العرفية‪ ،‬ومن املعروف �أنه حتى‬
‫يف �أكرث الدول املعا�رصة تقدم ًا‪ ،‬كالواليات املتحدة الأمريكية‪ ،‬تتعاي�ش مع ًا نظم ق�ضائية‬
‫ر�سمية وغري ر�سمية‪ ،‬حيث يتم اللجوء �إىل التحكيم حلل الكثري من املنازعات؛ بل �إن‬
‫معظم املنازعات تف�ض بالتفاو�ض ‪negotiation‬بني الأطراف قبل اللجوء �سواء �إىل‬
‫الق�ضاء �أو �إىل التحكيم‪ .‬ويف هذا ال�صدد ت�شري بع�ض التقديرات �إىل �أن ‪ %10‬فقط من‬
‫املنازعات هي التي يتم اللجوء فيها �إىل املحاكم(‪ .)5‬وي�ؤكد روبرت �إليك�سون ‪Robert‬‬
‫‪� C. Ellickson‬أنه ‪ -‬على عك�س التحليل القانوين واالقت�صادي املعياري – ال يتم يف‬

‫(‪ )1‬من بني كال�سيكيات التحليل االقت�صادي للقانون يف جمال العقود‪ ،‬انظر على �سبيل املثال‪:‬‬
‫‪FARBER (D.), (1983), P. 303-393‬‬
‫)‪BROUSSEAU (E.) and GLACHANT (J.- M.), (2002‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪:‬‬
‫‪POSNER (E.), (2002), P. 1-3‬‬
‫‪(3) GILMORE (G.), (1974).‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪:‬‬
‫‪DIATHESOPOULOS (M.), (2010), P.9‬‬
‫‪GORDON (R.), (1974), P. 1216-1239‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪:‬‬
‫‪DIXIT (A.), (2007), P.8-9‬‬

‫مجلة كلية القانون الكويتية العاملية ‪ -‬السنة الرابعة ‪ -‬مايو ‪2016‬‬ ‫‪34‬‬
‫�أ‪.‬د‪� .‬أحمد جمال الدين مو�سى‬

‫�أحوال كثرية االعتماد على �أ�سانيد احلقوق القانونية ‪ legal entitlements‬كنقطة‬


‫بداية للم�ساومة‪ bargaining‬عند حل املنازعات بني اجلريان يف املناطق الريفية يف‬
‫كاليفورنيا‪ ،‬بل يقوم ه�ؤالء بتطبيق معايري عرفية غري ر�سمية‪ ،‬رغم علمهم �أنها غري‬
‫من�سجمة ‪ inconsistent‬مع القانون‪ .‬ويعيب �إليك�سون على امل�رشعني‪lawmakers‬‬
‫عدم تقديرهم للظروف االجتماعية احلا�ضنة للتفاهمات غري الر�سمية والعرفية؛‬
‫الأمر الذي يجعلهم يداومون على �إقامة عامل متناق�ض نعاين فيه على ال�سواء من كرثة‬
‫القوانني ‪ laws‬و�ضعف النظام ‪ .)1(order‬ويقودنا هذا للت�أكيد على �أن احلاجة �أكرب يف‬
‫الدول النامية �إىل م�ؤ�س�سات بديلة �أو مكملة ذات م�صداقية حل�سم املنازعات التعاقدية‬
‫�ضمان ًا ال�ستقرار حماية حقوق امللكية وحتقيق العدالة القريبة الناجزة‪.‬‬
‫ويتعني الإ�شارة مع ذلك �إىل �أنه قد يرتبط وجود بع�ض النظم البديلة بانحراف‬
‫�سيا�سي �أو اقت�صادي‪ ,‬فقد �أظهرت درا�سة لقن�سطنطني �سونني ‪Konstantin‬‬
‫‪� Sonin‬أن رو�سيا قد عانت خالل ت�سعينات القرن الع�رشين من �ضعف بارز يف‬
‫حماية حقوق امللكية ب�سبب عقبات �سيا�سية‪� ،‬أبرزها هيمنة الأوليجاركية التي دعمت‬
‫وا�ستفادت من عمليات اخل�صخ�صة؛ مما دفع رجال الأعمال غري املدعومني بظهري‬
‫�سيا�سي لتخ�صي�ص موارد مالية هامة لغر�ض حماية ر�أ�سمالهم الإنتاجي‪ ,‬وقد قلل‬
‫ذلك من جاذبية التوجه نحو الأن�شطة الإنتاجية و�أ�ضعف احلافز للرتاكم الر�أ�سمايل‪.‬‬
‫ويف املقابل زادت جاذبية الأن�شطة الريعية‪ ،‬خا�صة مع تثبيت �آليات غري ر�سمية حلماية‬
‫حقوق امللكية �أكرث حماباة للأغنياء‪ ,‬وكانت حم�صلة ذلك االنحراف يف النظام ال�سيا�سي‬
‫وال�ضعف يف النظام القانوين �أن يظل االقت�صاد عالق ًا يف توازن طويل الأجل تزيد فيه‬
‫الفوارق االجتماعية وتتدهور عدالة توزيع الدخول(‪.)2‬‬
‫وجدير بالذكر �أن العديد من الدرا�سات االقت�صادية التطبيقية قد �سعت يف العقدين‬
‫الأخريين للتعرف على مدى ت�أثري الإ�صالحات يف مكونات النظام القانوين‪ ،‬بف�ضل‬

‫(‪ )1‬انظر‪:‬‬
‫‪ELLICKSON (R.), (1991), P. 284-286‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪:‬‬
‫‪SONIN (K.), (2003), P716-718; 726-727.‬‬

‫ملحق خاص بأبحاث املؤتمر السنوي الثالث ‪ -‬الحوكمة والتنظيم القانوني ألسواق املال ‪ -‬العدد (‪ - )1‬الجزء األول ‪35‬‬
‫اقتصاديات الحوكمة دراسة يف األصول القانونية والسياسية واالقتصادية للحوكمة‬

‫تبني �سيا�سات احلوكمة‪ ،‬على الأو�ضاع التنموية يف العامل الثالث‪ .‬غري �أن نتائج هذه‬
‫الدرا�سات قد جاءت �إىل حد ما مت�ضاربة' حيث تو�صل بع�ضها �إىل غياب هذا الت�أثري‪،‬‬
‫بينما �أبرز البع�ض الآخر حدوث ت�أثري �إيجابي(‪.)1‬‬
‫ومن بني الدرا�سات التي تو�صلت �إىل حدوث ذلك الت�أثري االيجابي كانت درا�سة‬
‫�سوجاتا في�ساريا ‪ Sujata Visaria‬عن الإ�صالح القانوين ومدفوعات الدين يف‬
‫الهند(‪ ,)2‬فقد تو�صلت هذه الدرا�سة �إىل �أن �إدخال م�ؤ�س�سة ق�ضائية جديدة يف الهند (التي‬
‫تعاين من بطء �شديد يف ح�سم املنازعات الق�ضائية) عام ‪ ،1993‬هي حماكم ا�سرتجاع‬
‫الديون‪ ، )Debt Recovery Tribunals (DRTs‬التي ا�ستهدفت تقليل الوقت‬
‫الالزم ال�سرتجاع الديون غري منتظمة ال�سداد‪ ،‬قد خف�ض فرتات الت�أخر يف ت�سديد‬
‫الديون بن�سب ترتاوح ما بني ‪ %3‬و‪ ،%11‬كما ترتب على �إن�شاء هذه املحاكم تقليل‬
‫معدل الفائدة التي تفر�ضها البنوك على امل�رشوعات اجلديدة ما بني ‪ %1.4‬و‪.%2‬‬
‫وت�ستنتج في�ساريا من ذلك �أن �إ�صالح النظام الق�ضائي امل�ؤثر على �سوق االئتمان‬
‫ميكن �أن يقود �إىل معدالت منو اقت�صادي �أعلى(‪.)3‬‬

‫ثالث ًا ‪ -‬احلوكمة من منظور العلوم ال�سيا�سية‪:‬‬


‫يركز بع�ض املتخ�ص�صني يف علمي ال�سيا�سة والإدارة على كون م�صطلح احلوكمة‬
‫يعني يف املقام الأول تقلي�ص الدولة �إىل احلد الأدنى ‪ ،minimal state‬بدعوى �أن‬
‫التغيريات االقت�صادية واالجتماعية وال�سيا�سية والتقنية التي �سي�شهدها القرن احلادي‬
‫والع�رشين �ستحيل النظام البريوقراطي املهيمن على الدولة حالي ًا �إىل �شيء مهجور‬
‫عفا عليه الزمن ‪ .obsolete‬فبريوقراطية الدولة �أ�ضحت �أكرب مما يجب ‪،too large‬‬
‫ومكلفة �أكرث مما يلزم ‪ ،too expensive‬ومن ثم �ستبتلع كافة موارد الدولة مبا ال‬
‫يرتك جما ًال لال�ستخدامات الأخرى‪,‬هذا ف�ض ًال عن �أنها �ضعيفة الكفاءة ‪inefficient‬‬

‫(‪ )1‬راجع عر�ض ًا لنتائج عدد كبري من هذه الدرا�سات يف‪:‬‬


‫‪,‬‬ ‫)‪, P.4-10 ALDASHEV (G.): (2009‬‬
‫)‪(2) VISARIA (S.), (2006‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪:‬‬
‫)‪, P.30-31 VISARIA (S.), (2006‬‬

‫مجلة كلية القانون الكويتية العاملية ‪ -‬السنة الرابعة ‪ -‬مايو ‪2016‬‬ ‫‪36‬‬
‫�أ‪.‬د‪� .‬أحمد جمال الدين مو�سى‬

‫وفا�شلة يف �إدارة مرافق الدولة وتوفري اخلدمات الالزمة للمواطنني(‪ .)1‬فالدولة �أ�ضحت‬
‫�ضعيفة ‪ ،weak‬غري م�ستقرة ‪ ،unstable‬م�رسفة‪ ،‬ومنهارة ‪ ، collapsing‬ومن‬
‫ثم غري قادرة على تلبية طموحات املواطنني‪ ,‬على حني جنح املجتمع املدين والقطاع‬
‫اخلا�ص يف الآونة الأخرية يف اكت�ساب مهارات حوكمة متميزة ت�ستجيب لتغري وتنوع‬
‫وتعقد احلاجات اجلماعية املت�صاعدة‪ .‬ولعل �أكرث ما مييز احلوكمة يف �صورتها اجلديدة‬
‫(‪)2‬‬
‫هو طبيعتها التفاعلية ‪« interacting‬على عك�س عادة الدولة يف احلكم منفردة»‬
‫‪.doing things alone‬‬
‫وين�سب بع�ض املتخ�ص�صني يف العلوم الإدارية �أول ا�ستخدام مل�صطلح «احلوكمة»‬
‫لهارالن كليفالند ‪ H. Cleveland‬الذي اقرتحه كبديل لعبارة «الإدارة العامة»‪،‬‬
‫وين�سبون �إليه �أي�ض ًا جملة‪« :‬النا�س تريد حكومة �أقل وحوكمة �أكرث»‪ ،‬ويق�صد كليفالند‬
‫باحلوكمة تخلي امل�ؤ�س�سات عن الهرم الرئا�سي ‪ hierarchical pyramid‬الذي‬
‫مينح القمة ال�سيطرة الكاملة‪� ،‬إىل نظام جديد يقل فيه التحكم وت�شيع ال�سلطة وتتعدد‬
‫مراكز اتخاذ القرار لت�أخذ �شك ًال �أفقي ًا يعتمد كبديل للنمط الرئا�سي التقليدي(‪.)3‬‬

‫وي�ستدعي ذلك يف ر�أي بع�ض الباحثني اخلــروج من منوذج فيرب(‪Weber )4‬‬


‫البريوقراطي املركزي‪ ،‬القائم علــى الإدارة بالقيادة والرقــابة‪� ،‬إىل �صيـغ خمتلفة للحوكمــة‬
‫الذاتية‪ ،‬قائمــة علـى امل�شاركة بني القطاعني العام واخلا�ص‪ ،‬واجلهود التعــاونية‪،‬‬
‫ومبـــادرات امل�شاركـــة املجتمعيــة‪ .‬ففي ظـــل منــوذج فيرب البريوقراطي تكون الأولوية‬
‫لتبني ال�سيا�سات العري�ضة ذات املجال الوا�سع‪ ،‬حتت املظلة الإدارية الر�سمية‪ ،‬املربرة‬

‫(‪ )1‬انظر‪:‬‬
‫‪BJORK (P.) and JOHANSSON (H), (1999), P. 4-5‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪:‬‬
‫‪KOOIMAN (J.) and al., (2008), P.2‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪:‬‬
‫)‪, P. 3 FREDERICKSON (H.), (2004‬‬
‫(‪ )4‬ماك�س فيرب ‪ Max Weber‬عامل اجتماع وقانوين وفيل�سوف �أملاين (‪ )1920-1864‬يعد من �أوائل من حللوا‬
‫الظاهرة البريوقراطية‪ .‬راجع يف تفا�صيل �آرائه وامل�ساهمات العلمية الالحقة عليه يف حتليل هذه الظاهرة درا�ستنا‪:‬‬
‫«البريوقراطية والكفاءة االقت�صادية»‪ ،‬من�شورة يف «جملة العلوم القانونية واالقت�صادية» (ت�صدرها كلية احلقوق‬
‫جامعة املن�صورة)‪ ،‬العدد ‪� ،14‬أكتوبر ‪.1993‬‬

‫ملحق خاص بأبحاث املؤتمر السنوي الثالث ‪ -‬الحوكمة والتنظيم القانوني ألسواق املال ‪ -‬العدد (‪ - )1‬الجزء األول ‪37‬‬
‫اقتصاديات الحوكمة دراسة يف األصول القانونية والسياسية واالقتصادية للحوكمة‬

‫باحلاجة �إىل ت�أمني تعاون وا�سع املدى بني املواطنني‪ .‬وكذلك جند لدى �أن�صار مدر�سة‬
‫االقت�صاد امل�ؤ�س�سي‪ ،‬وعلى ر�أ�سهم دوجال�س نورث ‪( Douglass North‬جائزة‬
‫نوبل يف االقت�صاد لعام ‪ ،)1993‬توجه ًا للرتكيز على دور م�ؤ�س�سات الدولة املركزية‬
‫يف �ضمان اال�ستقرار وخف�ض نفقة املبادالت لتعزيز التنمية االقت�صادية(‪ .)1‬غري �أن الأثر‬
‫املزدوج للتقلي�ص الذي طر�أ على دور الدولة املركزية‪ ،‬والتعقد املتزايد وال�رسيع للعامل‬
‫املتغري الذي نعي�ش فيه‪ ،‬هو منح �أولوية �أكرب للحاجة للت�أقلم واملرونة؛ فذلك ال غنى عنه‬
‫لتقليل املخاطر التي تتعر�ض لها الأمم املعا�رصة �إذا مت�سكت بنظم حكم جامدة(‪.)2‬‬
‫و َيق�رص دار�سون �آخرون معنى احلوكمة اجليدة على نوعية الأ�سلوب العملي‬
‫الذي تتبعه ال�سلطات ال�سيا�سية والإدارية يف �صنع ال�سيا�سات العامة‪ ،‬ومن ثم ف�إنها‬
‫تغطي ثالثة جماالت �سيا�سية و�إدارية هي‪ :‬احلوكمة العامة ‪،public governance‬‬
‫وال�سيا�سات العامة‪ ،‬والتنظيم‪ ،‬وبالتايل هي تركز على تقدمي �إجابة عن �أ�سئلة هامة من‬
‫نوعية‪ :‬كيف نحكم ‪ how to govern‬وكيف نقود ونوجه ‪ .how to steer‬وهكذا‬
‫هم يعتربون �أن احلوكمة اجليدة م�س�ألة فنية ‪good governance is technical‬‬
‫قبل �أي �شيء �آخر‪ ،‬طموحها الأ�سا�سي – رغم ارتباطها �إىل حد كبري مبفهوم الر�شد‬
‫ال�سيا�سي ‪ - political rationality‬هو التطوير امل�ستمر وحت�سني �أ�ساليب الأداء‬
‫لتمكني امل�ؤ�س�سات العامة من القيام مبهامها بكفاءة‪ .‬والأدوات الأ�سا�سية امل�ستخدمة‬
‫يف هذا الغر�ض هي تقييم الأداء والتقييم الذاتي وامل�ؤ�س�سي وحت�سني اجلودة وو�ضع‬
‫املقايي�س املرجعية والنماذج الإر�شادية واملتابعة والرقابة والتفتي�ش‪ ،‬فالهدف هو‬
‫ا�ستحداث �إطار للحوكمة الذاتية ‪ framework for self-governance‬كمدخل‬
‫لتح�سني القدرات الذاتية للحكم ‪.)3(self-governing capacity‬‬

‫(‪ )1‬راجع يف �أهمية الإ�صالح امل�ؤ�س�سي كمدخل للحوكمة مبفهومها ال�شامل و�آراء دوجال�س نورث الرائدة م�ؤلفنا‪:‬‬
‫الإ�صالح امل�ؤ�س�سي �سبيل م�رص �إىل م�ستقبل �أكرث �إ�رشاق ًا‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار نه�ضة م�رص‪ ،‬يناير ‪ .2010‬وانظر �أي�ض ًا يف‬
‫�أ�صول االقت�صاد امل�ؤ�س�سي‪:‬‬
‫)‪, P.173-194 RUTHERFORD (M.), (2001‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪DUIT (A.) and GALAZ (V.), (2008), P.328-32 :‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪BANG (A.) and ESMARK (A.), (2013), P. 2-5 :‬‬

‫مجلة كلية القانون الكويتية العاملية ‪ -‬السنة الرابعة ‪ -‬مايو ‪2016‬‬ ‫‪38‬‬
‫�أ‪.‬د‪� .‬أحمد جمال الدين مو�سى‬

‫وي�ؤكد التوجه ال�سابق تعريف بع�ض �أ�ساتذة الإدارة للحوكمة على �أنها «جمموع‬
‫الآليات الإدارية وامل�ؤ�س�سية التي من �ش�أنها �أن تقيد ال�سلطات ‪délimiter les‬‬
‫‪ ،pouvoirs‬و�أن ت�ؤثر على قرارات امل�س�ؤولني»؛ وهو ما يعني يف قول �آخر‪ :‬الآليات‬
‫التي تتحكم يف �سلوك ه�ؤالء امل�س�ؤولني وتحُ دد جمال �سلطتهم التقديرية ‪leur espace‬‬
‫‪.)1(discrétionnaire‬‬
‫ويبدو لنا �أن هذا املنحي يف تعريف احلوكمة ي�ض ِّيق كثريا من جمالها ويحيلها �إىل‬
‫جمرد �أ�سلوب �إداري �أو فني لتح�سني �أداء ال�رشكات �أو احلكومة وم�ؤ�س�ساتها العامة‪،‬‬
‫على حني ر�أينا �أن املتخ�ص�صني يف علمي القانون واالقت�صاد يو�سعون يف �إطارها‬
‫وم�ضمونها‪ .‬وكذلك ف�إننا نرى �أن اخت�صار مفهوم احلوكمة يف جمرد تقلي�ص الدولة‬
‫هو توجه �أيديولوجي «نيوليربايل» قد ال ينا�سب الدول النامية �إذا �أُ ِخ َذ على �إطالقه‪.‬‬
‫فاملع�ضلة التي تواجهها هذه الدول ال تتعلق بحجم �أو �أهمية دور الدولة‪ ،‬ولكنها‬
‫تتعلق بكفاءة الدولة وكيف يتم تعزيز قدرتها على �أداء مهامها التنموية يف �إطار «دولة‬
‫القانون» التي يخ�ضع فيها اجلميع للتقييم واملحا�سبة‪.‬‬
‫وعلى خالف ما تقدم من وجهات نظر‪ ،‬وعلى عك�س ال�صيحة املنت�رشة يف الكثري من‬
‫الكتابات ال�سيا�سية احلديثة حول «احلوكمة بدون حكومة «‪governance without‬‬
‫‪ ،government‬جند جون بيري ‪ John Pierre‬وب‪ .‬جاي بيرتز ‪B. Guy Peters‬‬
‫يقدمان نظرة �أكرث واقعية‪ ،‬ترى �أن الدولة‪ ،‬و�إن كانت مل تعد حتكم املجتمع على النحو‬
‫التقليدي الذي ا�ستمر قرون ًا عديدة ‪ -‬نتيجة تغيريات جوهرية �أبرزها ثورة املعلومات‬
‫وظهور �شبكات ‪ networks‬اجتماعية ذات طبيعة م�ستقلة ‪� ،-‬إال �أنها التزال قادرة‬
‫على قيادة عملية احلوكمة؛ بل �إن دور احلكومة ال ميكن اال�ستغناء عنه ل�ضمان حتقق‬
‫حوكمة دميوقراطية ‪ democratic governance‬تلبي الأولويات اجلماعية‬
‫للمواطنني‪ .‬ويف �إطار هذا املفهوم ت�شتمل احلوكمة على �أربعة �أن�شطة(‪:)2‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪:‬‬
‫)‪, P. 2 CHARRAUX (G.), (2004‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪:‬‬
‫‪PIERRE (J.) and PETERS (B.), (2005), P. 3-6‬‬

‫ملحق خاص بأبحاث املؤتمر السنوي الثالث ‪ -‬الحوكمة والتنظيم القانوني ألسواق املال ‪ -‬العدد (‪ - )1‬الجزء األول ‪39‬‬
‫اقتصاديات الحوكمة دراسة يف األصول القانونية والسياسية واالقتصادية للحوكمة‬

‫�أو ًال ‪� :‬إبراز جمموعة م�شرتكة من الأهداف والأولويات للمجتمع ‪Articulating‬‬


‫‪ a common set of priorities for society‬حتظى بقبول معظم �أع�ضائه‪.‬‬
‫وتعترب احلكومة هي �أقدر م�ؤ�س�سات املجتمع على القيام بهذا الدور ب�شكل‬
‫دميقراطي‪.‬‬
‫ثاني ًا ‪ :‬حتقيق التما�سك والتنا�سق ‪ Coherence‬بني �أهداف املجتمع و�أولوياته‪،‬‬
‫مبا يتالفى عدم الكفاءة والنفقة العالية غري املربرة �سواء اقت�صادي ًا �أو �سيا�سي ًا‪ .‬ويعترب‬
‫حتقيق ذلك �أمر ًا هام ًا و�إال فقد املواطنون ثقتهم يف قدرة م�ؤ�س�ساتهم احلاكمة على‬
‫الت�رصف بطريقة م�س�ؤولة وفعالة‪ .‬وغني عن القول �أن ال�سوق �أو ال�شبكات كبدائل‬
‫حوكمة لن تقدر على حتقيق ذلك الهدف‪ ،‬خا�صة �إذا تعددت وات�سعت جماالت التدخل‬
‫املطلوب وا�ستوجبت �أكرب قدر من الر�ؤية امل�شرتكة وامل�صالح املتوازنة‪ .‬وعلى الرغم‬
‫مما يقال عن عدم كفاءة احلكومة يف هذا الدور‪� ،‬إال �أنها تظل البديل الوحيد احلقيقي‬
‫القادر على �أدائه‪.‬‬
‫ثالث ًا ‪ :‬القدرة على القيادة والتوجيه ‪Steering‬؛ فمتى مت حتديد الأهداف وترتيب‬
‫الأولويات‪ ،‬تعني �إيجاد الأدوات التي ت�ضمن حتقيق هذه الأهداف وتوجيه املجتمع‬
‫لبلوغها‪ .‬وقد جرى العمل يف املا�ضي على اتباع �أدوات حوكمة تقليدية‪ ،‬مثل التدخل‬
‫الالئحي‪ ،‬والتقدمي املبا�رش للخدمات‪ ،‬ومنح الإعانات‪ .‬غري �أن هذه الأدوات قد ات�سعت‬
‫وتطورت لتمنح القطاعني اخلا�ص والأهلي دور ًا متنامي ًا �إىل جانب الدور احلكومي‪،‬‬
‫و�إن ظل الأخري ال غنى عنه‪ ،‬خا�صة يف جمال �ضمان جناح الربامج العامة يف جمال‬
‫احلقوق واخلدمات الأ�سا�سية‪.‬‬
‫رابع ًا ‪ :‬اخل�ضوع للم�ساءلة ‪ :Accountability‬ي�ؤكد هذا املتطلب الأخري �أهمية‬
‫�إخ�ضاع امل�س�ؤولني عن احلوكمة للم�ساءلة عن �أفعالهم وقراراتهم‪ .‬وعلى الرغم من‬
‫�أن هناك �صعوبات حقيقية يف تطبيق هذا املتطلب يف معظم الدول‪ ،‬ف�إنه يظل جوهري ًا‬
‫لتحقق احلوكمة الدميقراطية‪،‬وت�أتي �صعوبة تطبيق مبد�أ اخل�ضوع للم�ساءلة واقعي ًا‬
‫يف املجتمعات الدميقراطية ب�سبب تعقد ال�سيا�سات وت�شتت القوى احلزبية والقدرة‬
‫املحدودة للمواطنني على عقاب �أو مكاف�أة امل�س�ؤولني املنتخبني �إىل �أن يحني موعد‬

‫مجلة كلية القانون الكويتية العاملية ‪ -‬السنة الرابعة ‪ -‬مايو ‪2016‬‬ ‫‪40‬‬
‫�أ‪.‬د‪� .‬أحمد جمال الدين مو�سى‬

‫االقرتاع االنتخابي التايل‪ .‬وال جدال يف �أن تطبيق مبد�أ اخل�ضوع للم�ساءلة يعد �أكرث‬
‫ندرة يف املجتمعات غري الدميقراطية‪ ،‬و�إن ظل مع ذلك مطلب ًا ملح ًا ملواطنيها ونخبها‬
‫املثقفة‪.‬‬
‫ويتعني مع ذلك مراعاة �أن هذه الأن�شطة �أو مظاهر احلوكمة تتطلب لنجاحها درجة‬
‫عالية من القدرة امل�ؤ�س�سية ‪institutional capacity‬التي تتوقف بدورها على‬
‫املوارد امل�ؤ�س�سية املتمثلة يف القدرات املالية املتاحة‪ ،‬ونوعية العاملني ومقدار كفاءتهم‬
‫املهنية واحرتافهم ‪ professionalism‬وخربتهم‪ ،‬وتوافر درجة معقولة من‬
‫امل�رشوعية ‪ legitimacy‬وثقة ‪ trust‬املجتمع‪ .‬ف�أحد �أبرز النتائج التي خل�ص �إليها‬
‫الباحثون عند الدرا�سة التطبيقية لدور احلوكمة يف العملية ال�سيا�سية متثلت يف �أن قوة‬
‫امل�ؤ�س�سات كانت نتاج ًا م�شرتك ًا للقدرة امل�ؤ�س�سية‪ ،‬والو�صول �إىل املعلومات‪ ،‬ور�ضا‬
‫املجتمع ودعمه‪ .‬وهناك �أي�ض ًا ملمح ًا مهم ًا للقدرة امل�ؤ�س�سية هو النزاهة ‪integrity‬‬
‫التي بدونها ي�صعب �إ�صدار وتطبيق القرارات غري ال�شعبية‪ ،‬و�إن كانت �رضورية‬
‫لدفع املجتمع للأمام‪ ،‬فامل�ؤ�س�سات غري النزيهة ت�ضحى �أ�سرية للم�صالح املرتبطة‬
‫بها‪ ،‬وغري قادرة من َث َّم على �صنع �أحكام م�ستقلة �سيا�سي ًا واقت�صادي ًا‪ ،‬وكذلك ال‬
‫يتوقع جناح احلوكمة بدون توافر املعلومات املوثوقة ‪availability of reliable‬‬
‫‪ information‬عن �أو�ضاع املجتمع‪ ،‬وت�أثريات القرارات ال�سابقة‪ ،‬واالنعكا�سات‬
‫املحتملة لبدائل القرارات املطروحة على حل امل�شاكل القائمة‪ ،‬وال غنى �أي�ض ًا عن �ضمان‬
‫تدفق املعلومات من �أ�سفل ومن �أعلى يف عملية التوا�صل امل�ستمر مع املواطنني(‪.)1‬‬
‫ويرى بع�ض الدار�سني �أن التغيري امل�ؤ�س�سي الأبرز الذي �شهدته معظم الدول‬
‫الغربية يف �أواخر القرن الع�رشين كان التوجه نحو الالمركزية ‪decentralisation‬‬
‫بهدف تقلي�ص �أو تفريغ ‪ hollowing out‬دور احلكومة املركزية‪ ،‬وقد اقت�ضى ذلك‬
‫نقل �سلطة اتخاذ القرار ‪� decision-making capacities‬إىل وحدات حملية �أو‬
‫م�ؤ�س�سات متخ�ص�صة �أو م�ستويات �إدارية �أدنى داخل �أروقة احلكومة ذاتها‪ .‬وقد قاد‬
‫ذلك التطور �إىل تغيري الأو�ضاع التي يحكم من خاللها املجتمع‪ ،‬مما ا�ستوجب جتريب‬

‫(‪ )1‬انظر‪:‬‬
‫‪PIERRE (J.) and PETERS (B.), (2005), P. 7-8‬‬

‫ملحق خاص بأبحاث املؤتمر السنوي الثالث ‪ -‬الحوكمة والتنظيم القانوني ألسواق املال ‪ -‬العدد (‪ - )1‬الجزء األول ‪41‬‬
‫اقتصاديات الحوكمة دراسة يف األصول القانونية والسياسية واالقتصادية للحوكمة‬

‫�أ�ساليب جديدة للحكم والإدارة �أكرث دميقراطية و ُبعد ًا عن البريوقراطية واقرتاب ًا من‬
‫اهتمامات وم�صالح املواطنني‪ ،‬ويرتبط بذلك �إعادة �صياغة دور ال�سلطات العامة‪ ،‬من‬
‫دور قائم على ممار�سة ال�سلطة الق�رسية ‪� ، pouvoir coercitif‬إىل دور يعتمد على‬
‫التحفيز والتن�سيق مع �رشكاء متعددين ‪ partenariats‬من املجتمع املدين‪ .‬والإطار‬
‫املتميز لتطبيق احلوكمة بهذا املعنى اجلديد هو املجال املحلي(‪.)1‬‬
‫وقد دفعت هذه التطورات البع�ض للقول ب�أننا قد انتقلنا من احلكومة‬
‫‪� government‬إىل احلوكمة ‪ ،governance‬ويق�صد بتعبري احلوكمة هنا تغيري‬
‫�أو�ضاع و�أ�ساليب حكم املجتمع(‪ .)2‬وعلى الرغم من مبالغة هذا الر�أي يف تبني فكرة‬
‫«تفريغ دور احلكومة املركزية»؛ ف�إننا نعتقد �أن التوجه نحو الالمركزية ي�شكل �أداة‬
‫جوهرية لتفعيل احلوكمة الدميوقراطية على �أر�ض الواقع‪ ،‬لكنها �أداة مهدرة حتى الآن‬
‫يف العديد من الدول النامية‪.‬‬
‫ويطرح بع�ض الدار�سني مفهوم «احلوكمة التفاعلية»‪interactivegovernance‬‬
‫التي تفرت�ض م�شاركة فاعلة يف �إدارة ال�ش�ؤون العامة من �أفراد ينتمون �إىل م�ستويات‬
‫ومراكز وطبقات اجتماعية خمتلفة‪ ،‬مما يعترب تعبري ًا مهم ًا عن الدميقراطية(‪ .)3‬والواقع‬
‫�أن �صياغة مفهوم احلوكمة وتطبيقاتها لي�س �أمر ًا ي�سري ًا‪ ،‬خا�صة يف ظل التعقد الكبري‬
‫للروابط بني الدولة واملجتمع؛ وقد يكون من ال�سذاجة افرتا�ض �أن هناك منوذج ًا وحيد ًا‬
‫للحوكمة �صاحل ًا للتطبيق يف كل الدول‪ ،‬بل حتى يف الدول الدميقراطية ذاتها‪.‬‬
‫ولذلك يفرت�ض بيري وبيرتز خم�سة مناذج للحوكمة يف هذه الدول‪ ،‬هي باخت�صار(‪:)4‬‬
‫‪ æ‬منوذج الدولة املهيمنة �أو ما �أ�سمياه ‪ ، Étatiste‬والذي يفرت�ض �أن الدولة هي الفاعل‬
‫الأ�سا�سي يف كل مظاهر احلوكمة و�أنها املتحكمة يف الطريقة التي ي�سمح بها للفاعلني‬
‫الآخرين امل�شاركة يف العمل العام‪.‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪P. 67-68 ENJOLRAS (B.), (2005(, :‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪BJORK (P.) and JOHANSSON (H), (1999), P. 2 :‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪KOOIMAN (J.) and al., (2008), P.3 :‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪PIERRE (J.) and PETERS (B.), (2005), P.10-12 :‬‬

‫مجلة كلية القانون الكويتية العاملية ‪ -‬السنة الرابعة ‪ -‬مايو ‪2016‬‬ ‫‪42‬‬
‫�أ‪.‬د‪� .‬أحمد جمال الدين مو�سى‬

‫‪ æ‬منوذج الدولة الليربالية الدميقراطية ‪ ،Liberal-democratic‬التي متنح الدولة‬


‫دور الفاعل الرئي�س يف احلوكمة‪ ،‬مع ال�سماح للفاعلني الآخرين بدور خا�ضع لرقابة‬
‫الدولة‪.‬‬
‫‪ æ‬منوذج الدولة املركزية ‪ ،State-centric‬وفيه يظل دور الدولة مركزي ًا‪ ،‬لكن‬
‫يو�ضع �إطار م�ؤ�س�سي يقنن عالقتها بالفاعلني الآخرين‪ ،‬على نحو يقيدها مبا‬
‫يتجاوز الو�ضع يف النموذجني ال�سابقني‪.‬‬
‫‪ æ‬منوذج مدر�سة احلوكمة الهولندية ‪ ،The Dutch governance school‬وفيه‬
‫متنح ال�شبكات االجتماعية دور ًا �أكرب يف عملية احلوكمة‪ ،‬بحيث ت�ضحى احلكومة‬
‫جمرد فاعل من بني �آخرين م�شاركني يف هذه العملية‪ .‬وواقعي ًا قد ي�صري املجتمع‬
‫الفاعل الأكرث قوة‪ ،‬خا�صة مع قدرته على تنظيم نف�سه لتجنب �سلطة الدولة‬
‫وحماوالتها للتدخالت التنظيمية والالئحية‪.‬‬
‫‪ æ‬منوذج احلوكمة بدون حكومة ‪ ،Governance without government‬وهو‬
‫منوذج جنده �أ�سا�س ًا يف كتابات بع�ض الباحثني‪ ،‬مع تطبيقات �أولية يف دول �شمال‬
‫�أوروبا‪ .‬ويحاجج م�ؤيدو هذا النموذج ب�أن الدولة قد فقدت قدرتها على احلكم‬
‫ب�سبب التطورات التي ي�شهدها العامل يف القرن احلادي والع�رشين‪.‬‬
‫وقد تو�صلت نتائج درا�ستهما �إىل �أن املتغريين الأكرث ت�أثري ًا يف تطبيق احلوكمة‬
‫هما �سلطة الدولة ‪� ،authority‬أي قدرتها على اتخاذ و�إنفاذ القرارات يف املجتمع‪،‬‬
‫والثاين هو قدرة الدولة على جمع وحتليل املعلومات ‪ information‬التي حت�صل‬
‫عليها �أ�سا�س ًا من االنفتاح على املجتمع وزيادة روابطها مع قواه الفاعلة‪ .‬وقد بدا �أن‬
‫هذين املتغريين مرتبطان ‪ correlated‬بطريقة عك�سية مع النماذج اخلم�سة امل�شار‬
‫�إليها �سلف ًا‪ ،‬فعلى �سبيل املثال جند يف النموذج الأول (منوذج الدولة املهيمنة‪ ،‬والأقرب‬
‫�إليه دول كفرن�سا و�أ�سبانيا) �أن م�ؤ�رش ال�سلطة يحتل مكانة عالية‪ ،‬ويف الوقت ذاته تفتقد‬
‫الدولة املعلومات املنا�سبة ب�سبب �ضعف االرتباط ‪ connection‬باملجتمع‪ ،‬فالدولة‬
‫هنا‪ ،‬رغم حيازتها ل�سلطة كبرية‪ ،‬تتعرث وتفقد فاعليتها‪ ،‬لأنها تتعامل مع معلومات‬
‫ناق�صة �أو غري �صادقة تُنتج قرارات غري �صائبة؛ فهي حاكم قوي ‪ powerful‬ولكنه‬

‫ملحق خاص بأبحاث املؤتمر السنوي الثالث ‪ -‬الحوكمة والتنظيم القانوني ألسواق املال ‪ -‬العدد (‪ - )1‬الجزء األول ‪43‬‬
‫اقتصاديات الحوكمة دراسة يف األصول القانونية والسياسية واالقتصادية للحوكمة‬

‫غالب ًا �أعمى ‪ ،blind‬وعلى النقي�ض ف�إنه يف منوذج «احلوكمة بدون حكومة» تكون‬
‫املعلومات غنية‪ ،‬ولكن الدولة تفتقد م�رشوعية ال�سلطة التخاذ قرارات فعالة‪ ،‬خا�صة‬
‫تلك التي مت�س قطاعات وا�سعة من املجتمع‪.‬‬
‫وهكذا ف�إنه رغم اختالف هذين النموذجني املت�ضادين‪ ،‬جند �أن كفاءتهما يف منتج‬
‫احلوكمة تكاد تكون متعادلة؛ ورمبا لهذا ال�سبب جند �أن منوذج «الدولة املركزية» هو‬
‫الأكرث تطبيق ًا يف دول �أوروبا القارية (�أملانيا وال�سويد كمثال) لأنه �أكرث �أ�شكال احلوكمة‬
‫كفاءة‪ ،‬النفتاحه على املجتمع مما ميكنه من جمع املعلومات املفيدة واملوثوقة من‬
‫ناحية‪ ،‬ولقدرته على اتخاذ القرارات وو�ضعها مو�ضع التنفيذ من ناحية ثانية(‪.)1‬‬
‫وتبني قواعد احلوكمة ال ي�ضمن يف حد ذاته تطبيقها الفعلي على �أر�ض الواقع‪.‬‬
‫فهذا التطبيق يتوقف على كفاءة امل�ؤ�س�سات القائمة �سيا�سية كانت �أو اقت�صادية‪ .‬ويف‬
‫هذا ال�صدد مييز بيرت لي�سون وكلوديا ويليام�سون‪Peter Leeson and Claudia‬‬
‫‪ Williamson‬بني ثالثة �أنواع يف قائمة احلوكمة‪« :‬احلوكمة ال�سيا�سية املثالية»‬
‫‪ ، ideal political governance‬و«احلوكمة ال�سيا�سية ال�ضارة» ‪predatory‬‬
‫‪ ، political governance‬و«غياب احلوكمة ال�سيا�سية �أو الفو�ضى» ‪no‬‬
‫‪ ،political governance, or anarchy‬وهما يعتربان �أن الو�ضع الذي حتمي‬
‫فيه احلكومة حقوق ملكية املواطنني ي�شكل «حوكمة �سيا�سية مثالية» ‪ ،‬ومثاله التطبيقي‬
‫يف الوقت احلايل يوجد يف دول �أمريكا ال�شمالية و�أوروبا الغربية‪ ،‬مع االعرتاف ب�أنه ال‬
‫توجد حكومة حتمي هذه احلقوق ب�شكل مطلق‪ .‬ولكي تتمكن دولة ما من بلوغ هذا‬
‫امل�ستوى من احلوكمة يتعني عليها حتقيق �أربعة �رشوط م�ؤ�س�سية هي(‪:)2‬‬
‫‪ -1‬فر�ض القيود على احلكام وامل�س�ؤولني للحيلولة بينهم وبني �إ�ساءة ا�ستخدام‬
‫ال�سلطة لتحقيق مكا�سب خا�صة �أو �شخ�صية‪ ،‬و�إال ف�إن ال�سلطة تتحول �إىل و�سيلة‬
‫للف�ساد و�أداة الغت�صاب حقوق ملكية املواطنني‪ ،‬بد ًال من حمايتها‪.‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪PIERRE (J.) and PETERS (B.), (2005), P.45-48 :‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪LESSON (P.) & WILLIMSON (C.), (2009),P.79-80 :‬‬

‫مجلة كلية القانون الكويتية العاملية ‪ -‬السنة الرابعة ‪ -‬مايو ‪2016‬‬ ‫‪44‬‬
‫�أ‪.‬د‪� .‬أحمد جمال الدين مو�سى‬

‫‪ -2‬و�ضع نظام قانوين وق�ضائي فعال من خالل �صياغة قواعد قانونية حتدد‬
‫بو�ضوح حقوق امللكية املحمية‪ ،‬و�إقامة �آليات –مثل املحاكم‪ -‬قادرة على ح�سم‬
‫النزاعات املتعلقة بهذه احلقوق‪.‬‬
‫‪ -3‬ت�أمني نظام �رشطي كفء ونزيه قادر على �إنفاذ القواعد والأحكام التي حتمي‬
‫حقوق ملكية املواطنني‪.‬‬
‫‪ -4‬توفري املرافق العامة التي تزود املجتمع بالبنية الأ�سا�سية وال�سلع العامة ‪public‬‬
‫‪ goods‬التي متثل احلد الأدنى الالزم‪ ،‬مثل التعليم وال�صحة والطرق واالت�صاالت‪.‬‬
‫ف�إذا توافرت هذه ال�رشوط الأربعة‪ ،‬ف�إن «احلوكمة ال�سيا�سية املثالية» ت�صبح‬
‫ممكنة‪ ،‬مما يقود �إىل ما �أطلق عليه جيم�س بوكانان(‪ James Buchanan )1‬الدولة‬
‫احلامية ‪( protective‬فيما يتعلق بدورها يف حماية حقوق ملكية الأفراد) واملنتجة‬
‫‪( productive‬فيما يتعلق بدورها يف �إنتاج الرثوة املعززة للم�صالح وال�سلع‬
‫العامة)(‪.)2‬‬
‫وبالن�سبة للدول التي تف�شل يف حتقيق «احلوكمة ال�سيا�سية املثالية»‪ ،‬لعدم قدرتها‬
‫على حتقيق ال�رشوط ال�سابقة‪ ،‬خا�صة ال�رشط الأول‪ ،‬ف�إنها تواجه اخليار بني بديلني‬
‫من �صور احلوكمة؛ �إما «احلوكمة ال�سيا�سية ال�ضارة» و�إما «الفو�ضى �أو الالحوكمة»‪.‬‬
‫وتت�صف «احلوكمة ال�سيا�سية ال�ضارة» بعدة �صفات �أبرزها‪ :‬ميل امل�سيطرين على‬
‫احلكم للتع�سف يف ا�ستخدام ال�سلطة ال�سيا�سية ‪abuse political authority‬‬
‫لتحقيق مكا�سب �شخ�صية‪ ،‬وي�أخذ هذا التع�سف �أ�شكا ًال عدة مثل املعاملة التف�ضيلية‬
‫‪ preferential treatment‬لأقلية �سيا�سية �أو عرقية �أو اقت�صادية مرتبطة �أو‬
‫منتمية له�ؤالء‪ ،‬واال�ضطهاد والقب�ض الع�شوائي واالعتقال‪ ،‬و�أحيانا االغتيال و�إعدام‬
‫املعار�ضني‪ ،‬وقد تكون �صور التع�سف هذه �رصيحة معاقب عليها قانون ًا (كالر�شوة‬

‫(‪ )1‬انظر‪BUCHANAN (J.), (1977( :‬‬


‫(‪ )2‬يعترب جيم�س بوكانان (‪ )2013-1919‬احلائز على جائزة نوبل يف االقت�صاد لعام ‪ 1986‬رائد ًا ملدر�سة اخليار‬
‫العام ‪ Public Choice‬ومن �أبرز منظري االقت�صاد امل�ؤ�س�سي‪ .‬راجع جانب ًا من �إ�سهاماته يف مو�ضوع التحليل‬
‫االقت�صادي لل�سيا�سة �ضمن درا�ستنا‪“ :‬التحليل االقت�صادي لالنتخابات الدميقراطية”‪ ،‬جملة م�رص املعا�رصة‪،‬‬
‫العددان ‪ ،434-433‬يوليو – �أكتوبر ‪.1993‬‬

‫ملحق خاص بأبحاث املؤتمر السنوي الثالث ‪ -‬الحوكمة والتنظيم القانوني ألسواق املال ‪ -‬العدد (‪ - )1‬الجزء األول ‪45‬‬
‫اقتصاديات الحوكمة دراسة يف األصول القانونية والسياسية واالقتصادية للحوكمة‬

‫واالختال�س)‪ ،‬كما قد تكون مقننة مثل امل�صادرة ونزع امللكية التع�سفي وامل�شاركة يف‬
‫�أن�شطة ت�ستهدف احل�صول على مكا�سب ريعية ‪.)1( rent-seeking activities‬‬
‫ويتمثل البديل الثاين لهذه الدول يف الفو�ضى �أو غياب احلوكمة ال�سيا�سية؛ حيث‬
‫ال تكون هناك �سلطة �أو جهة حتتكر اال�ستعمال امل�رشوع للقوة ‪legitimate use of‬‬
‫َدم ال�صومال منذ عام ‪ 1991‬كنموذج لدولة الفو�ضى‬‫‪ force‬على �أر�ض الإقليم‪ .‬و ُتق ُ‬
‫�أو الدولة املنهارة‪ .‬ويرتك للأفراد يف دولة الفو�ضى حرية ا�ستخدام الو�سائل التي‬
‫حتقق م�صاحلهم دون رقابة �أو تدخل من �أحد؛ فال توجد �سلطة تفر�ض �سيا�سة �ضارة‬
‫�أو متييزية ل�صالح البع�ض على ح�ساب البع�ض الآخر‪.‬‬
‫وال�س�ؤال الذي يثار هو �أيهما �أف�ضل‪ :‬احلوكمة ال�ضارة �أم الالحوكمة يف ظل‬
‫الفو�ضى؟ مع مالحظة �أن درا�سات عديدة قد �أظهرت �أن الأفراد قادرون على �إقامة‬
‫ترتيبات م�ؤ�س�سية خا�صة ‪ private institutional arrangements‬فيما بينهم‬
‫لتي�سري م�شاركتهم املجتمعية وحماية حقوق ملكيتهم وتوفري بع�ض �أ�شكال ال�سلع‬
‫العامة عندما تغيب احلكومة؛ فالفو�ضي ال تعني بال�رضوة غياب احرتام القانون‬
‫وتواتر النزاع امل�سلح واللجوء �إىل التع�سف الدموي الع�شوائي(‪.)2‬‬
‫وقد �أظهرت بع�ض الدرا�سات التطبيقية �أن ال�صومال يف ظل �سيادة الفو�ضى‬
‫بعد عام ‪ 1991‬حقق نتائج اقت�صادية �أف�ضل مقارنة بفرتة (زياد بري)‪ ،‬حيث كان‬
‫احلكم دكتاتوري ًا ميثل �صورة �صارخة للحوكمة ال�ضارة‪ .‬و�أكدت درا�سات �أخرى �أن‬
‫امل�ؤ�رشات االقت�صادية والتنموية لل�صومال يف ظل الفو�ضى �أو�ضحت حت�سن ًا حققه هذا‬
‫البلد مقارنة ببلد مثل �سرياليون وبالد �أخرى تعاين من احلوكمة ال�ضارة‪ .‬ويف �ضوء‬
‫ذلك تخل�ص نتائج درا�سة لي�سون وويليام�سون �إىل �أن «الفو�ضى» �أف�ضل من «احلوكمة‬
‫ال�سيا�سية ال�ضارة» كطريق لتحقيق درجة �أعلى من التنمية للبالد الفقرية اخلا�ضعة‬
‫حلكومات فا�شلة �أو متع�سفة(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪LESSON (P.) & WILLIMSON (C.), (2009),P.80-81 :‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪LESSON (P.) & WILLIMSON (C.), (2009),P.83-84 :‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪LESSON (P.) & WILLIMSON (C.), (2009), P. 87 :‬‬

‫مجلة كلية القانون الكويتية العاملية ‪ -‬السنة الرابعة ‪ -‬مايو ‪2016‬‬ ‫‪46‬‬
‫�أ‪.‬د‪� .‬أحمد جمال الدين مو�سى‬

‫رابع ًا ‪ -‬احلوكمة والتنمية االقت�صادية‪:‬‬


‫�شهدت ال�سنوات الأخرية اهتمام ًا مت�صاعد ًا من الباحثني للتعرف على‬
‫انعكا�سات احلوكمة على النمو االقت�صادي والتنمية بوجه عام‪ ،‬ومن الدرا�سات‬
‫الرائدة يف هذا املجال درا�سة قام بها دانييل كوفمان برعاية البنك الدويل‪ ،‬وفيها‬
‫مت حتديد �أكرث من ‪ 300‬مقيا�س مت جتميعها يف �ستة م�ؤ�رشات تغطي �ستة مفاهيم‬
‫جوهرية للحوكمة‪ ،‬هي(‪:)1‬‬
‫�أو ًال ‪« :‬التعبري واخل�ضوع للم�ساءلة» ‪ ،Voice and Accountability‬وهو‬
‫م�ؤ�رش ي�شري �إىل اجلوانب املختلفة للعملية ال�سيا�سية‪ ،‬خا�صة احلريات املدنية واحلقوق‬
‫ال�سيا�سية‪ ،‬مبا يعك�س قيا�س مدى حرية املواطنني يف اختيار حكامهم‪ .‬كما �أنه ينطوي‬
‫�أي�ض ًا على م�ؤ�رشات فرعية تقي�س مدى ا�ستقالل الإعالم‪.‬‬
‫ثاني ًا ‪« :‬عدم اال�ستقرار ال�سيا�سي والعنف» ‪Political Instability and‬‬
‫‪ ،Violence‬وهو م�ؤ�رش يهتم بنوعية احلوكمة؛ حيث يجمع العديد من امل�ؤ�رشات‬
‫الفرعية التي تقي�س احتمالية تعر�ض احلكومة لعدم اال�ستقرار �أو الإزاحة من ال�سلطة‬
‫بطريقة غري د�ستورية‪ ،‬مما ميكن �أن ي�ؤثر بال�سلب على ا�ستمرارية ال�سيا�سات‪،‬‬
‫ويعر�ض للخطر قدرة املواطنني على االختيار ال�سلمي للحاكمني وتبديلهم دميقراطي ًا‪.‬‬
‫ثالث ًا ‪« :‬فاعلية احلكومة» ‪ ، Government Effectiveness‬وهو يقي�س نوعية‬
‫اخلدمات العامة املقدمة للمواطنني‪ ،‬وكفاءة اجلهاز البريوقراطي ومدى ا�ستقالله عن‬
‫ال�ضغوط ال�سيا�سية‪ ،‬و�أي�ض ًا حجم ثقة املواطنني يف وفاء احلكومة بالتزاماتها وقدرتها‬
‫على تنفيذ �سيا�ساتها‪.‬‬
‫رابع ًا ‪« :‬العبء التنظيمي» ‪ ، Regulatory Burden‬وهو م�ؤ�رش ي�سعى‬
‫للتعرف على الآثار املرتتبة على ال�سيا�سات املناه�ضة لل�سوق كالرقابة على الأ�سعار‪،‬‬
‫وال�سيا�سات االئتمانية غري املالئمة‪ ،‬واملبالغة يف التدخل الالئحي والتنظيمي‪ ،‬وتقييد‬
‫التجارة اخلارجية‪.‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪KAUFMAN (D.) and al. (1999), P. 6-8 :‬‬

‫ملحق خاص بأبحاث املؤتمر السنوي الثالث ‪ -‬الحوكمة والتنظيم القانوني ألسواق املال ‪ -‬العدد (‪ - )1‬الجزء األول ‪47‬‬
‫اقتصاديات الحوكمة دراسة يف األصول القانونية والسياسية واالقتصادية للحوكمة‬

‫خام�س ًا ‪�« :‬سيادة القانون» ‪ ، Rule of Law‬وهو يت�ضمن م�ؤ�رشات فرعية عديدة‬
‫تقي�س املدى الذي يثق فيه املواطنون والفاعلون االقت�صاديون يف القانون املطبق‪ ،‬ومدى‬
‫التزامهم باخل�ضوع له‪ ،‬وكذلك مدى ات�ساق وفاعلية النظام الق�ضائي وما يتمتع به من‬
‫احرتام وتنفيذ لأحكامه‪.‬‬
‫�ساد�س ًا ‪« :‬الف�ساد» ‪ ،Graft‬ويق�صد به قيا�س حجم الف�ساد ‪Corruption‬‬
‫املتمثل �أ�سا�س ًا يف ا�ستعمال ال�سلطة العامة لتحقيق منافع خا�صة‪ ،‬وهو م�ؤ�رش ُيظهر ‪-‬‬
‫عند انت�شار الف�ساد‪ -‬الف�شل الفادح يف تطبيق احلوكمة‪.‬‬
‫وقد �أظهرت النتائج التطبيقية لهذه الدرا�سة على عينة كبرية من الدول النامية‬
‫وجود عالقة �سببية �إيجابية قوية ‪strong positive causal relationship‬‬
‫بني حت�سني م�ؤ�رشات احلوكمة والعديد من املعطيات التنموية‪ ،‬مثل الدخل الفردي‬
‫املتو�سط ‪ ،per capita income‬ومعدل وفيات الر�ضع ‪، infant mortality‬‬
‫ومعدل حمو �أمية البالغني(‪ .adult literacy )1‬وقد جاءت نتائج درا�سة تطبيقية �أحدث‬
‫لتدعم النتائج ال�سابقة؛ حيث تو�صلت زهور �أحمد وعائ�شة �سليم من باك�ستان �إىل �أن‬
‫م�ؤ�رشات احلوكمة وعلى ر�أ�سها فاعلية احلكومة وال�سيطرة على الف�ساد واال�ستقرار‬
‫ال�سيا�سي وحت�سني النظام القانوين تلعب دور ًا حيوي ًا يف تنمية ر�أ�س املال الإن�ساين‬
‫‪ .)2(human capital‬وقد �أظهرت نتائج درا�سة تطبيقية ثالثة �أن العالقات بني النمو‬
‫االقت�صادي – مقا�س ًا مب�ستوى الدخل الفردي املتو�سط – وكل م�ؤ�رش من م�ؤ�رشات‬
‫احلوكمة ظل م�ؤثر ًا ‪ significant‬قبل وبعد ن�شوب الأزمة املالية العاملية يف عام‬
‫‪ ،2008‬و�إن تفاوتت �أهمية الت�أثري تبع ًا مل�ستويات منو الدول(‪.)3‬‬
‫وب�ش�أن العالقة بني الدميوقراطية كواحدة من �آليات احلوكمة والنمو االقت�صادي‪،‬‬
‫ك�شفت نتائج �إحدى الدرا�سات عن �أن حت�سن م�ؤ�رشات الدميوقراطية يقود �إىل زيادة‬
‫معدل النمو يف الدول التي تتمتع مب�شاركة �سيا�سية عالية‪ .‬ففي هذه الطائفة من الدول‬
‫يوجد حافز لدى ال�سلطة ال�سيا�سية لال�ستثمار يف ال�سلع العامة كي حتوز على ر�ضا‬

‫(‪ )1‬انظر‪KAUFMAN (D.) and al. (1999): P.15-18 :‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪AHMAD (Z.) and SALEEM (A.), (2014) , P. 625 :‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ALBASSAM (B.), (2013), P. 12-14 :‬‬

‫مجلة كلية القانون الكويتية العاملية ‪ -‬السنة الرابعة ‪ -‬مايو ‪2016‬‬ ‫‪48‬‬
‫�أ‪.‬د‪� .‬أحمد جمال الدين مو�سى‬

‫املواطنني‪ ،‬فت�ضمن البقاء يف احلكم؛ وهو ما يقود �إىل رفع معدل النمو االقت�صادي‪ .‬وعلى‬
‫النقي�ض من ذلك جند �سلوك النخب احلاكمة يف البلدان الأقل دميوقراطية يخ�ص�صون‬
‫جانب ًا من الإنفاق العام لل�سلع الريعية كي ي�ضمنوا والء �أن�صارهم وم�ؤيديهم؛ وهو ما‬
‫يقود �إىل تقليل معدل النمو(‪.)1‬‬
‫غري �أنه با�ستخدام امل�ؤ�رشات املجمعة ال�ستة ذاتها‪ ،‬وتطبيقها على عينة كبرية‬
‫من الدول النامية‪ ،‬تو�صل باحثون �آخرون من «بنني» �إىل نتائج مغايرة‪ .‬فقد تبني �أن‬
‫م�ؤ�رشين فقط هما «التعبري واخل�ضوع للم�ساءلة» و»فاعلية احلكومة» كان لهما ت�أثري‬
‫�إيجابي ‪ُ positive‬معترب ‪ significative‬على النمو االقت�صادي‪ ،‬على حني �أن م�ؤ�رش‬
‫أثر �سلبي ًا ‪ négativement‬على النمو؛ �إ�ضافة �إىل �أن هذه النتائج‬
‫«�سيادة القانون» � َّ‬
‫تتفاوت وفقا مل�ستوى الدخل الفردي املتو�سط للدول حمل الدرا�سة(‪.)2‬‬
‫وتثور يف الأدب االقت�صادي مناق�شة حامية ب�ش�أن امل�ؤ�رش اخلا�ص مبحاربة‬
‫الف�ساد‪ ،‬وين�ضوي حتت م�صطلح الف�ساد �أ�شكال عديدة من االنحراف تت�ضمن‬
‫الر�شوة واالختال�س واملح�سوبية واالبتزاز‪ ،‬والتهرب ال�رضيبي‪ ،‬وا�ستغالل الوظيفة‪،‬‬
‫وتعار�ض امل�صالح وحجب �أو �إف�شاء الأ�رسار االقت�صادية بغري الطريق امل�رشوع‪ ،‬وغري‬
‫ذلك من �صور ا�ستغالل ال�سلطة �أو الوظيفة للح�صول على مكا�سب خا�صة‪ ،‬ويعتقد‬
‫معظم الباحثني وكذلك امل�ؤ�س�سات املالية الدولية �أن تطبيق قواعد احلوكمة كفيل‬
‫بتحجيم الف�ساد املنت�رش يف الدول النامية على وجه اخل�صو�ص‪ .‬وقد جاءت العديد من‬
‫الدرا�سات لتظهر �أن �أثر م�ؤ�رش حماربة الف�ساد كان �إيجابي ًا يف عملية النمو االقت�صادي‪،‬‬
‫على حني تنتهي درا�سات �أخرى للتحفظ ب�ش�أن احتمالية هذا الأثر الإيجابي‪ ،‬والواقع‬
‫�أنه قد ظهر اجتاه يعتقد �أنه يف ظل ال�سيطرة الديكتاتورية والبريوقراطية الثقيلة التي‬
‫تعاين منها بع�ض الدول النامية‪ ،‬قد يكون الف�ساد مفيد ًا «لت�شحيم» عجل ‪grease the‬‬
‫‪ wheels‬و«تزييت ترو�س» البريوقراطية‪ ،‬ليكون متاح ًا للقطاع اخلا�ص الفر�صة‬
‫ملمار�سة ن�شاطه وحتقيق خطوة تنموية للأمام‪.‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪. PLÜMPER(T.) and & MARTIN (C.), (2003) , P. 44:‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪AHOU (D) and al. (2014), P. 14-15 :‬‬

‫ملحق خاص بأبحاث املؤتمر السنوي الثالث ‪ -‬الحوكمة والتنظيم القانوني ألسواق املال ‪ -‬العدد (‪ - )1‬الجزء األول ‪49‬‬
‫اقتصاديات الحوكمة دراسة يف األصول القانونية والسياسية واالقتصادية للحوكمة‬

‫�ضمن االجتاه الأول‪ ،‬جاءت نتائج درا�سة باولو مورو ‪ Paolo Mauro‬الرائدة‬
‫يف املو�ضوع حا�سمة يف �إثبات قيام عالقة �سلبية بني الف�ساد وكل من اال�ستثمار‬
‫والنمو؛ ويرجع ذلك بوجه خا�ص �إىل الدور ال�سلبي الذي تلعبه البريوقراطية الفا�سدة‬
‫يف الإ�رضار باال�ستثمار والنمو واال�ستقرار ال�سيا�سي‪ ،‬وقد �سبق لذات الباحث �أن‬
‫�أظهر �أن احلكومات الفا�سدة وغري امل�ستقرة تنفق �أقل على التعليم مقارنة بغريه من‬
‫بنود الإنفاق(‪ .)1‬وتو�صلت نتائج درا�سة �أخرى �إىل �أن زيادة مقدارها ‪ % 1‬يف م�ستوى‬
‫الف�ساد ميكن �أن تقلل معدل النمو االقت�صادي بنحو ‪ .% 0.72‬ويرجع اجلانب الأكرب‬
‫من ذلك للت�أثري ال�سلبي للف�ساد على عدم اال�ستقرار ال�سيا�سي‪� ،‬إ�ضافة لت�أثريه ال�سلبي‬
‫على م�ستوى ر�أ�س املال الإن�ساين‪ ،‬وعلى م�شاركة اال�ستثمار اخلا�ص(‪ ،)2‬وكذلك ك�شفت‬
‫�إحدى الدرا�سات عن عالقة ارتباط �سلبية بني الف�ساد ومتو�سط الرثوة احلقيقية للفرد‬
‫(وهو مقيا�س مبا�رش للتنمية امل�ستدامة)‪ ،‬على حني �أن الف�ساد ي�ؤثر ب�شكل طفيف على‬
‫معدل منو الدخل الفردي املتو�سط(‪.)3‬‬
‫و�أكدت درا�سة �أخرى وجود عالقة ارتباط �سلبية بني الف�ساد والنمو االقت�صادي‬
‫من خالل �إعاقته لل�سري احل�سن للم�ؤ�س�سات(‪ ،)4‬ويدعم ذلك تو�صل �إحدى الدرا�سات‬
‫�إىل �أن ا�ستمرار الدول يف احرتام قواعد النظام الدميقراطي لفرتة طويلة (‪ 30‬عام ًا)‬
‫قد ارتبط بانخفا�ض م�ؤ�رشات الف�ساد‪ ،‬على حني ارتفعت هذه امل�ؤ�رشات يف ظل عدم‬
‫اال�ستقرار ال�سيا�سي‪ ،‬ووجدت هذه الدرا�سة �أي�ض ًا �أن انت�شار ال�صحافة وحرية الإعالم‬
‫ارتبط مب�ستويات �أدنى من الف�ساد(‪ ،)5‬وغيرَّ بعيد عن ذلك ما تو�صلت �إليه درا�سة‬
‫�أخرى من �أن خف�ض الف�ساد يرفع معدل النمو ب�شكل �أكرب يف الدول الدكتاتورية مقارنة‬
‫بالدول الدميوقراطية(‪ .)6‬وقد جاءت نتيجة درا�سة �شارك فيها �أ�ستاذ �شاب من كلية‬
‫حقوق املن�صورة لتظهر‪-‬على خالف درا�سات �سابقة‪� -‬أن متغريات مثل‪ :‬وفرة املوارد‬

‫(‪ )1‬انظر‪MAURO (P.), (1995( :‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪MO (P.), (2001( :‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪P.19 AIDT (T.), (2009(, :‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪VENARD (B.), (2013), P. 2554 :‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪PELLEGRINI (L.) and GERLAGH (R.), (2008) , P. 260-261:‬‬
‫(‪ )6‬انظر‪ASSIOTIS (A.) and SYLWESTER (K.), (2013), P. 23-24 :‬‬

‫مجلة كلية القانون الكويتية العاملية ‪ -‬السنة الرابعة ‪ -‬مايو ‪2016‬‬ ‫‪50‬‬
‫�أ‪.‬د‪� .‬أحمد جمال الدين مو�سى‬

‫الطبيعية وزيادة م�ستوى الإنفاق احلكومي اال�ستهالكي وارتفاع حجم ال�سكان‬


‫وانخفا�ض م�ستوى الأجور يف احلكومة ووجود توترات دينية وغياب العنف وتوافر‬
‫اال�ستقرار ال�سيا�سي‪ ،‬لي�س لأي منها ت�أثري وا�ضح على انت�شار الف�ساد‪ .‬ويف املقابل‬
‫�أثبتت هذه الدرا�سة وجود ارتباط �إيجابي قوي بني كل من احرتام القانون والنظام‬
‫(الذي يتحقق بفاعلية �إنفاذ القوانني والأحكام الق�ضائية) وتوفري حرية التعبري‬
‫(املرتبط باحرتام املبادئ الدميوقراطية) وانخفا�ض م�ستوى الف�ساد(‪.)1‬‬
‫وخل�صت درا�سة تطبيقية على دول ال�رشق الأو�سط و�شمال �إفريقيا ‪� MENA‬إىل‬
‫�أن هناك ت�أثريا قوي ًا غري مبا�رش للمتغريات امل�ؤ�س�سية وللف�ساد على النمو االقت�صادي‪،‬‬
‫من خالل قناتني هما اال�ستثمار ور�أ�س املال الب�رشي‪ ،‬مبا يتجاوز ما لوحظ يف بقية دول‬
‫العامل‪ .‬وكنتيجة لذلك ميكن القول �إن من �ش�أن حماربة الف�ساد وحت�سني �أداء امل�ؤ�س�سات‬
‫يف هذه الدول (من خالل تطبيق قواعد احلوكمة) رفع م�ستوى النمو االقت�صادي(‪.)2‬‬
‫وقد جاءت نتائج درا�سة لأ�ستاذ �شاب من كلية جتارة املن�صورة لتتوافق مع ما �سبق‪،‬‬
‫حيث �أظهرت �أن الف�ساد يزيد عدم كفاءة النفقات العامة ويقلل كال من اال�ستثمار ور�أ�س‬
‫املال الب�رشي واال�ستثمار الأجنبي املبا�رش ‪ ، FDI‬مما ي�ؤثر �سلبي ًا على الناجت القومي‪.‬‬
‫ويعد ر�أ�س املال الب�رشي واال�ستقرار ال�سيا�سي ودرجة االنفتاح �أبرز القنوات التي من‬
‫خاللها ي�ؤثر الف�ساد �سلبي ًا على النمو؛ حيث تف�رس وحدها نحو ‪ %70‬من �إجمايل هذا‬
‫(‪.)3‬‬
‫الأثر‬
‫وك�شفت درا�سة من ا�سرتاليا عن �أن الف�ساد يعيق النمو من خالل انعكا�ساته‬
‫ال�سلبية على اال�ستثمار ور�أ�س املال املادي ور�أ�س املال الإن�ساين واال�ستقرار ال�سيا�سي‪،‬‬
‫غري �أن الف�ساد ي�شجع النمو من خالل تقليله للنفقات احلكومية‪ ،‬وتدعم نتائج الدرا�سة‬
‫�أي�ض ًا فكرة �أن �أثر الف�ساد ال�سلبي على النمو متناق�ص يف االقت�صادات التي تعاين من‬
‫�ضعف م�ستويات احلوكمة �أو زيادة درجة التنظيم الالئحي من جانب الدولة‪ ،‬وهو‬
‫الأمر الذي ي�ستلزم �رشوع هذه الدول قبل غريها يف تبني �أ�ساليب احلوكمة والعمل‬

‫(‪ )1‬انظر‪ElBAHNASAWY (N.) and REVIER (Ch.), P. 326-328. :‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪)GUETAT (I.), (2006(, :‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪GHALWASH (T.), (2014),P. 1007-1008 :‬‬

‫ملحق خاص بأبحاث املؤتمر السنوي الثالث ‪ -‬الحوكمة والتنظيم القانوني ألسواق املال ‪ -‬العدد (‪ - )1‬الجزء األول ‪51‬‬
‫اقتصاديات الحوكمة دراسة يف األصول القانونية والسياسية واالقتصادية للحوكمة‬

‫على �ضمان تطبيقها على �أر�ض الواقع؛ مع الأخذ بعني االعتبار �أنه ال توجد �سيا�سة‬
‫موحدة �أو منطية “‪ ”one-size-fits-all‬خلف�ض معدل الف�ساد(‪ .)1‬ويف ذات االجتاه‬
‫انتهت درا�سة قائمة على حتليل املعطيات الإح�صائية ل�ستة م�ؤ�رشات متعلقة بالف�ساد‬
‫على م�ستوى الدول وال�رشكات‪ ،‬ولي�س على م�ستوى الدول فقط كما جرت العادة‪� ،‬إىل‬
‫�أن ت�أثري الف�ساد على اال�ستثمار املحفز للنمو يتفاوت بو�ضوح بني مناطق العامل؛ فهو‬
‫�سلبي متاما يف دول التحول االقت�صادي ‪�( Transition Countries‬أوروبا ال�رشقية‬
‫�سابق ًا)‪ ،‬لكنه غري م�ؤثر يف منطقتي �أمريكا الالتينية و�أفريقيا جنوب ال�صحراء(‪.)2‬‬
‫و�أ�شارت نتائج �إحدى الدرا�سات التطبيقية على ‪ 33‬دولة �أفريقية �أن الف�ساد ي�ؤثر‬
‫ب�شكل مبا�رش على النمو االقت�صادي من خالل ت�أثريه على اال�ستثمار املحلي‪ ،‬غري �أن‬
‫هذا الت�أثري كان متفاوت ًا بح�سب نوع اال�ستثمار؛ حيث ت�شري النتائج �إىل �أنه كان للف�ساد‬
‫ت�أثري �إيجابي على اال�ستثمار العام‪ ،‬بينما كان ت�أثريه �سلبي ًا على اال�ستثمار اخلا�ص‪،‬‬
‫ويدعم االرتباط الإيجابي بني الف�ساد واال�ستثمار العام وجهة النظر التي ترى �أن‬
‫البريوقراطيني الفا�سدين ي�سعون �إىل زيادة النفقات اال�ستثمارية الر�أ�سمالية ‪capital‬‬
‫‪( expenditure‬على ح�ساب نفقات ال�صيانة ‪ )maintenance‬لتعظيم مكا�سبهم‬
‫الريعية اخلا�صة‪ ،‬وعلى العك�س ف�إن نتائج الدرا�سة ت�ؤكد �أن الف�ساد ُيحبط اال�ستثمار‬
‫اخلا�ص؛ لأنه يرفع نفقة الأعمال ويزيد ال�شعور بعدم اليقني ب�ش�أن امل�ستقبل‪ ،‬وهذه‬
‫النتائج تدعم فكرة �أن الف�ساد يعيق النمو‪ ،‬مما ي�ستلزم القيام ب�إ�صالحات م�ؤ�س�سية‬
‫لتح�سني نوعية احلوكمة كمتطلب �سابق للتنمية(‪ .)3‬وعلى الرغم من انتقاد درا�سة‬
‫حديثة ن�سبي ًا ملا وجدته من انحياز ‪ bias‬يف معظم الدرا�سات ال�سابقة‪ ،‬مما �أثر على‬
‫مو�ضوعية نتائجها؛ ف�إنها ت�ؤكد �أن املعطيات اجلدية تدعم وجود �أثر �سلبي للف�ساد على‬
‫النمو(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪HODGE (A.) and al., (2009), P. 30-31 :‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪ASIEDU (E.) and FREEMAN (J.), (2009), P. 213 :‬‬
‫(‪ )3‬انظر ‪BALIMOUNE-LUTZ (M.) and NDIKUMANN (L.), (2008), P. 13-14 :‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪CAMPOS (N.) and al. (2010), P. 3 :‬‬

‫مجلة كلية القانون الكويتية العاملية ‪ -‬السنة الرابعة ‪ -‬مايو ‪2016‬‬ ‫‪52‬‬
‫�أ‪.‬د‪� .‬أحمد جمال الدين مو�سى‬

‫وعلى النقي�ض مما �سبق‪� ،‬أظهرت نتائج درا�سة تطبيقية على كوريا اجلنوبية خالل‬
‫الفرتة ‪ 2011-1970‬عدم وجود عالقة ارتباط �سلبي ‪negative correlations‬‬
‫بني الف�ساد والنمو االقت�صادي(‪ .)1‬ويدعم ذلك ما خل�صت �إليه درا�سة تطبيقية على‬
‫دول �رشق �آ�سيا من �أنه على حني يبطئ الف�ساد النمو ويقلل اال�ستثمار يف معظم الدول‬
‫النامية‪ ،‬خا�صة ال�صغرية منها‪ ،‬ف�إنه يزيد النمو يف اقت�صادات �رشق �آ�سيا الكبرية‪ .‬وهذه‬
‫النتيجة تدعم مقولة «املفارقة الآ�سيوية» ‪ Asian Paradox‬التي تعرب عن االرتباط‬
‫بني انت�شار الف�ساد وارتفاع معدل النمو(‪.)2‬‬
‫وبعد التطبيق على ‪ 60‬دولة‪ ،‬انتهت �إحدى الدرا�سات �إىل �أن الف�ساد ي�ضعف‬
‫النمو االقت�صادي يف البالد التي تعاين من �ضعف احلرية االقت�صادية ‪economic‬‬
‫‪ ،freedom‬على حني �أنه يح�سن النمو يف البالد املتمتعة بدرجة عالية من احلرية‬
‫االقت�صادية(‪ ،)3‬وخل�صت نتائج درا�سة �أخرى‪� ،‬سعت للربط بني نوعية التنظيم‬
‫امل�ؤ�س�سي للدولة وكل من الف�ساد والنمو‪� ،‬إىل �أن انت�شار الف�ساد ال ي�ؤثر على معدل‬
‫النمو االقت�صادي يف الدول التي تعاين من �ضعف امل�ؤ�س�سات؛ مما يدعم مقولة �إن‬
‫الف�ساد قد يكون مفيد ًا «لت�شحيم العجالت» ورفع الكفاءة‪ ،‬باعتباره و�سيلة للتغلب على‬
‫العجز امل�ؤ�س�سي ال�صارخ‪ ،‬وعلى النقي�ض ف�إنه قد ثبت �أن الف�ساد �ضار بالنمو يف الدول‬
‫التي تتمتع مب�ؤ�س�سات تتميز بالكفاءة(‪.)4‬‬
‫و�إذا فهمنا احلوكمة على �أنها �أداة لتحقيق الكفاءة االقت�صادية للم�ؤ�س�سات والدول‪،‬‬
‫ف�إننا البد و�أن ننظر لآلياتها يف الدول النامية مبنظور خمتلف قلي ًال عن الدول الغربية؛‬
‫حيث ال يكفي �أن نعرف �أف�ضل �أداء ممكن للم�ؤ�س�سات لتحقيق الأهداف املتوخاة‪ ،‬و�إمنا‬
‫يلزم �أي�ض ًا التعامل بواقعية مع امل�ؤ�س�سات ال�ضعيفة �أو املعيبة لإ�صالحها‪ ،‬كي تتمكن‬
‫من لعب دورها يف عملية التطوير رغم �صعوبات الواقع ال�سيا�سي واالقت�صادي‪.‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪KIM (C.) and LIM (G.), (2015), P. 7 :‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪ROCK (M.) and BONNETT (H.), (2004), P.1010-1011 :‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪SWALEHEEN (S.) and STANSEL (D.), (2007) , P. 353-354 :‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪(T.), DUTTA (J.) and SENA (V.), (2008) , P. 213 AIDT :‬‬

‫ملحق خاص بأبحاث املؤتمر السنوي الثالث ‪ -‬الحوكمة والتنظيم القانوني ألسواق املال ‪ -‬العدد (‪ - )1‬الجزء األول ‪53‬‬
‫اقتصاديات الحوكمة دراسة يف األصول القانونية والسياسية واالقتصادية للحوكمة‬

‫ويرى �أفينا�ش ديك�ست ‪� Avinash Dixit‬أن احلوكمة ال توفرها احلكومة وحدها‬


‫كجزء من خدماتها العامة‪ ،‬لكن الأطراف اخلا�صة ت�ستطيع �أن ت�ؤمنها‪ ،‬و�إن كان ذلك‬
‫لدوافع �أخرى‪ .‬ففي معظم البالد ‪-‬مبا فيها املتقدمة‪ -‬جند مزيج ًا من النظام القانوين‬
‫الر�سمي ‪formal legal system‬وجمموعة معقدة من م�ؤ�س�سات احلوكمة‬
‫االجتماعية غري الر�سمية ‪.informal social institutions of governance‬‬
‫ويعك�س هذا اخلليط م�ستوى كل بلد من التنمية االقت�صادية‪ ،‬ومن َث َّم ي�ساعد على‬
‫حتديد �أفقه االقت�صادي‪ ،‬وات�ساق ًا مع هذه احلقيقة‪ ،‬يتعني على الدول النامية جتاوز‬
‫التق�سيم العتيق العقيم «ال�سوق يف مواجهة احلكومة»؛ لتدبر كيف تقدم امل�ؤ�س�سات‬
‫املختلفة (حكومية وغري حكومية‪ ،‬ر�سمية وغري ر�سمية‪ ،‬جمتمعية واقت�صادية‪ ،‬منفردة‬
‫وجمتمعة) الدعم الالزم لإجناح الن�شاط االقت�صادي (ب�صوره املتعددة‪ :‬الإنتاج‪،‬‬
‫التبادل‪ ،‬الرتاكم الر�أ�سمايل‪ ،‬االبتكار‪..،‬الخ)‪ ،‬و�سواء مت هذا الن�شاط يف �إطار الأ�سواق‬
‫املنظمة �أو يف خارج هذا الإطار(‪.)1‬‬
‫ووفق ًا لكل من نيكوال�س ميزيل ‪ Nicolas MEISEL‬وجاك �أولد �أوديا‬
‫‪ ،Jacques OULD AOUDIA‬ف�إن ما مييز الدول املتقدمة هو قيامها على منط‬
‫�إنتاج للثقة ‪ mode de production de confiance‬خمتلف راديكالي ًا عما‬
‫ي�سود يف الدول النامية‪ ،‬ويعتمد هذا النمط على �أ�س�س وقواعد غري �شخ�صية‪règles‬‬
‫‪ impersonnelles‬تطبق على اجلميع‪ ،‬متخل�صة من كل �سمة �شخ�صية ذات ارتباط‬
‫بالفرد؛ فامل�ؤ�س�سات منف�صلة عن الأ�شخا�ص‪ ،‬وقد جاء هذا االنف�صال كثمرة جلهد‬
‫كبري يف �إعداد قواعد ونظم م�ؤ�س�سية‪ règles formalisées‬ت� ِّؤمن درجة عالية من‬
‫الثقة يف احرتام القانون على نحو م�ستمر وم�ستقر‪ ،‬وهدف احلوكمة التي حتث عليها‬
‫امل�ؤ�س�سات املالية الدولية هو متكني الدول النامية من الأخذ ب�أ�سلوب �إنتاج الثقة املطبق‬
‫يف الدول املتقدمة(‪.)2‬‬
‫وينبغي فهم احلوكمة لي�س فقط يف �إطار متطلباتها الت�رشيعية والتنظيمية‪،‬‬
‫ولكن �أي�ض ًا من خالل �إدراك مدى حتققها على �أر�ض الواقع؛ فقد �أظهرت العديد‬

‫(‪ )1‬انظر‪DIXIT (A.), (2007), P. 3 :‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪MEISEL (N.) & OULD AOUDIA (J), (2008). :‬‬

‫مجلة كلية القانون الكويتية العاملية ‪ -‬السنة الرابعة ‪ -‬مايو ‪2016‬‬ ‫‪54‬‬
‫�أ‪.‬د‪� .‬أحمد جمال الدين مو�سى‬

‫من البحوث التطبيقية حول حماية حقوق امللكية والف�ساد مدى ات�ساع الفجوة‬
‫املوجودة بني احلوكمة يف حكم القانون ‪ De jure‬وتلك املطبقة واقعيا ‪.De facto‬‬
‫ويذكر يف هذا ال�صدد التناق�ض بني ال�صني ورو�سيا‪ ،‬فال�صني مل تكن تقدم حتى‬
‫وقت قريب �سوى حماية قانونية ر�سمية متوا�ضعة حلقوق امللكية‪ ،‬خا�صة بالن�سبة‬
‫للم�ستثمرين الأجانب؛ على حني �أنها ‪ -‬يف الواقع‪ -‬كانت قادرة على �أن تقدم لهم‬
‫�ضمانات كافية‪ ،‬مما جذب �أحجام ًا هائلة من اال�ستثمارات الأجنبية‪ ،‬ويف املقابل كان‬
‫الإطار القانوين للحوكمة يف رو�سيا – على الورق‪� -‬أف�ضل بكثري‪ ،‬لكنه عند التطبيق‬
‫بدا �أكرث �سوء ًا(‪.)1‬‬
‫وبح�سب ت�شاملر�س جون�سون ‪Chalmers Johnson‬ف�إن املعجزة االقت�صادية‬
‫اليابانية ‪Japanese miracle‬هي نتاج منوذج ناجح للحوكمة االقت�صادية ت�ضمن‬
‫عنا�رص عديدة‪� ،‬أبرزها خم�سة‪� :‬أو ًال‪ -‬بريوقراطية حمدودة العدد تقودها نخبة‪elite‬‬
‫من امل�س�ؤولني �أ�صحاب املواهب الإدارية املتميزة‪ ،‬ثاني ًا‪ -‬نظام �سيا�سي كفء مينح‬
‫النخبة البريوقراطية القيادية هام�ش ًا منا�سب ًا للمبادرة والت�رصف بكفاءة‪ ،‬ثالث ًا‪-‬‬
‫�سوق ي�سمح للدولة بالتدخل والتوجيه والرقابة‪ ،‬رابع ًا‪� -‬سيا�سات حكومية حمفزة‬
‫بقوة لأرباب الأعمال والعمال على حد �سواء‪ ،‬و�أخري َا‪ -‬م�ؤ�س�سات خا�صة‪Japan›s‬‬
‫‪ Special Institutions‬قائدة (مثل بنوك االدخار التي تعبئ مدخرات العائالت‬
‫وتدفعها لال�ستثمار املنتج) قادرة على الدفع باالقت�صاد نحو �آفاق جديدة(‪.)2‬‬
‫ويرجع جناح ال�صني بح�سب ينجي ت�شيان ‪Yingyi Qian‬ب�صورة جوهرية‬
‫لدور الالمركزية‪ ،‬فمن ناحية �سمح نظام م�شاريع البلدات والقرى ‪Township)-‬‬
‫‪ )Village Enterprises) (TVEs‬للمحليات للتعامل مع امل�رشوعات القائمة‬
‫واجلديدة كملاّ ك‪ ،‬مما منحها احلافز التخاذ قرارات ذات كفاءة عالية ونزيهة‪ ،‬و�إال‬
‫عانت من تبعة اخليارات الرديئة �أو الفا�سدة‪ ،‬ومن ناحية ثانية �سمح النظام ال�رضيبي‬
‫بنوع من ال�رشاكة �أو التعاقد بني احلكومة املركزية واحلكومات املحلية لت�شجيع‬
‫املحليات على حتقيق ازدهارها االقت�صادي؛ فقد ُ�سمح للمحليات باالحتفاظ بن�سبة‬

‫(‪ )1‬انظر‪DIXIT (A.), (2007),P.5 :‬‬


‫(‪ )2‬راجع‪JOHNSON (CH.), (1993),P. 11-23 :‬‬

‫ملحق خاص بأبحاث املؤتمر السنوي الثالث ‪ -‬الحوكمة والتنظيم القانوني ألسواق املال ‪ -‬العدد (‪ - )1‬الجزء األول ‪55‬‬
‫اقتصاديات الحوكمة دراسة يف األصول القانونية والسياسية واالقتصادية للحوكمة‬

‫متزايدة من العوائد ال�رضيبية املتحققة ‪ ،high marginal retention rates‬مما‬


‫كـان له الأثر الأكرب فـي حتويل احلكومات املحلية �إىل �أيادٍ م�ساعدة ‪helping hands‬‬
‫للأن�شطة االقت�صادية؛ حيث �سعت لدعم امل�رشوعات غري احلكومية و�شاركت يف‬
‫�إ�صالح امل�رشوعات احلكومية(‪ .)1‬وال جدال يف �أن هذه ال�صورة الفريدة من احلوكمة‬
‫املحلية بدت �أكرث كفاءة من منهج اخل�صخ�صة الذي اتبعته رو�سيا يف فرتة حكم يلت�سني‬
‫و�شابه ف�ساد هائل‪.‬‬
‫وي�صعب يف اعتقاد ميزل و�أولد �أوديا تطبيق احلوكمة يف الدول النامية ذات النمو‬
‫ال�ضعيف ‪pays en développement à faible croissance‬؛ لأنها قد تقود‬
‫�إىل ا�ضطرابات و�صعوبات تعرقل منوها‪ ،‬على حني تبدو الدول النامية التي حققت‬
‫معدالت منو مرتفعة‪ ،‬و�أخذت طريقها نحو الإقالع االقت�صادي ‪le décollage‬‬
‫‪( économique‬دول �رشق �آ�سيا والربازيل على �سبيل املثال)‪ ،‬مهي�أة بدرجة �أكرب‬
‫لتقليد الدول املتقدمة يف الأخذ بقواعد احلوكمة مبفهومها ال�شامل‪ ،‬رغم �أنها اعتمدت يف‬
‫منوها على منهج مناق�ض غالب ًا ملا تتطلبه هذه القواعد(‪.)2‬‬
‫ومن اجللي قدر التب�سيط املخل الذي ي�شوب نتائج هذه الدرا�سة املبنية على‬
‫جمرد حتليل �إح�صائي ملعطيات جمموعة من امل�ؤ�رشات العامة االقت�صادية والتنموية‪.‬‬
‫وميكننا �أي�ض ًا انتقاد هذه الدرا�سة لكونها تعيد �إنتاج ذات املفاهيم التي �سبق و�أن طرحها‬
‫(‪)3‬‬
‫والت رو�ستـو ‪ Walt Rostow‬فـي نظريته ال�شهرية «مـراحل النمـو االقت�صـادي»‬
‫‪ The Stages of Economic Growth‬والتي ات�سمت بالنظرة الغربية املركزية‬
‫احلتمية للتطور االقت�صادي‪ ،‬وهي كذلك تدعم �إىل حد ما نتائج درا�سة روبرت بارو‬
‫‪ Robert J. Barro‬ال�شهرية عن «الدميوقراطية والنمو»‪ ،‬والتي انتهى فيها �إىل �أنه‬
‫يف الدول النامية ال يجب اعتبار الدميقراطية مفتاح النمو االقت�صادي‪ ،‬ومن َث َّم ف�إن‬
‫الدول الغربية الغنية ميكنها �أن ت�ساهم ب�شكل �أكرب يف رفاهة ‪ welfare‬الدول الفقرية‬

‫(‪ )1‬انظر‪QIAN (Y.), (2003), P. 310 :‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪MEISEL (N.) & OULD AOUDIA (J), (2008), P.1171-1176. :‬‬
‫(‪ ،ROSTOW W, (1960) )3‬وقد �رشحنا هذ النظرية وانتقدناها يف م�ؤلفنا‪ :‬العالقات االقت�صادية الدولية ونظريات‬
‫التنمية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار النه�ضة العربية‪ ،‬الطبعة الرابعة‪� ،2015 ،‬ص ‪.233-225‬‬

‫مجلة كلية القانون الكويتية العاملية ‪ -‬السنة الرابعة ‪ -‬مايو ‪2016‬‬ ‫‪56‬‬
‫�أ‪.‬د‪� .‬أحمد جمال الدين مو�سى‬

‫�إذا �صدرت لها نظمها االقت�صادية‪ ،‬خا�صة حقوق امللكية وال�سوق احلرة‪ ،‬بد ًال من �أن‬
‫ت�صدر لها نظمها ال�سيا�سية الدميوقراطية(‪.)1‬‬
‫ويبدو لنا �أن ميزيل و�أولد �أوديا قد �سارا �أي�ض ًا على نف�س الدرب الذي �سبق �إليه‬
‫النت بريت�شت ‪Lant Pritchett‬يف درا�سته التطبيقية على الفلبني وفيتنام؛ فقد‬
‫�أظهر �أ�ستاذ هارفارد �أنه على الرغم من التح�سن الن�سبي يف امل�ؤ�س�سات ال�سيا�سية‬
‫يف الفلبني بعد عزل الرئي�س ماركو�س‪ ،‬ف�إن عدم اليقني امل�ؤ�س�سي ‪institutional‬‬
‫‪ uncertainty‬قد زاد‪ ،‬مما جعل الفاعلني االقت�صاديني غري قادرين على توقع‬
‫قواعد اللعبة ‪( rules of the game‬جيدة كانت �أو رديئة)‪ ،‬الأمر الذي �أدى �إىل ركود‬
‫يف م�ستوى الإنتاج الذي يعتد به يف ديناميكا النمو ‪ ،growth dynamic‬ويف املقابل‬
‫ف�إنه يف فيتنام ويف �أندوني�سيا �أثناء حكم �سوهارتو‪ ،‬بل يف الفلبني نف�سها �أثناء حكم‬
‫ماركو�س ‪-‬ورغم �ضعف امل�ؤ�س�سات ال�سيا�سية الدميقراطية �أو غيابها‪ -‬ا�ستطاعت‬
‫هذه الأنظمة رفع معدل النمو ب�شكل ملحوظ‪ ،‬الأمر الذي يجد تف�سريه يف توفر نظرة‬
‫معقولة للم�ستقبل ونظام قادر على �إنفاذ العقود و�ضمان اال�ستقرار على النحو الذي‬
‫يلبي توقعات امل�ستثمرين‪ ،‬ورغم ت�ساهل تلك الأنظمة مع م�ستوى معني من الف�ساد؛‬
‫ف�إنها كانت قادرة على حتقيق قدر من الكفاءة ُيحجم الت�أثري املُ�شوِ �ش ‪disorganized‬‬
‫لذلك الف�ساد‪ .‬هذه احلاالت عرفت �إذن م�ستوى �إنتاج �أعلى‪ ،‬حتى مع وجود الف�ساد‪،‬‬
‫مما دعم معدل النمو االقت�صادي ال�رسيع(‪.)2‬‬
‫ولعل هذه املقارنة تنطبق على م�رص قبل وبعد يناير ‪ ،2011‬حيث مل يحل م�ستوى‬
‫الف�ساد املنت�رش يف غ�ضون الن�صف الثاين من العقد الأول من القرن احلادي والع�رشين‬
‫من حتقيق البالد �أعلى معدالت منوها االقت�صادي؛ ورمبا يعود ذلك �إىل توافر ثقة‬
‫امل�ستثمرين املحليني والأجانب يف م�ستقبل االقت�صاد امل�رصي‪ ،‬وعلى النقي�ض‪ ،‬ف�إن‬
‫هذه الثقة قد تراجعت‪ ،‬وتدهور معها م�ستوى الإنتاج ومعدل النمو‪ ،‬ب�سبب عدم اليقني‬
‫الذي �صبغ امل�شهد امل�رصي يف ال�سنوات الالحقة على الثورة؛ لقد كان امل�ستثمرون‬
‫فيما يبدو قادرين على التعامل مع امل�ستويات املتوقعة من الف�ساد‪ ،‬ماداموا واثقني من‬

‫(‪ )1‬انظر‪BARRO (R.), (1996), P. 23-24 :‬‬


‫(‪ )2‬انظر‪PRITCHETT (L.), (2001), P.41-43 :‬‬

‫ملحق خاص بأبحاث املؤتمر السنوي الثالث ‪ -‬الحوكمة والتنظيم القانوني ألسواق املال ‪ -‬العدد (‪ - )1‬الجزء األول ‪57‬‬
‫اقتصاديات الحوكمة دراسة يف األصول القانونية والسياسية واالقتصادية للحوكمة‬

‫حتقيقهم مل�ستويات �أعلى من الأرباح‪ .‬ويف املقابل �أ�ضحوا‪ ،‬يف ظل عدم اليقني واخل�شية‬
‫مما �سي�أتي به امل�ستقبل‪ ،‬غري قادرين �أو غري راغبني يف حتمل خماطرة اال�ستثمار‪.‬‬
‫غري �أننا يجب هنا �أن نالحظ ثالثة �أمور‪� :‬أو ًال‪� -‬إن هذا التحليل يغفل الآثار املتعلقة‬
‫بالعدالة االجتماعية وبالقيم الأخالقية والقانونية التي ال تغفر الف�ساد مهما بدا �صغري ًا‪،‬‬
‫وال جتد عذر ًا لكل تقاع�س من جانب ر�أ�س املال اخلا�ص‪ ،‬ثاني ًا‪� -‬إن النمو االقت�صادي يف‬
‫ظل الف�ساد والدكتاتورية يكون عادة ق�صري ال َّنفَ�س ويفتقد اال�ستدامة الالزمة لتحقيق‬
‫التنمية مبعناها ال�شامل‪ ،‬ثالث ًا‪� -‬إن االنتقال �إىل م�ستويات �أعلى من النمو‪ ،‬مماثلة للدول‬
‫املتقدمة‪ ،‬ي�ستوجب حماربة كل �صور الف�ساد‪ ،‬وااللتزام بكامل قواعد احلوكمة التي‬
‫�سلفت الإ�شارة �إليها‪ ،‬وهو ما تواترت على ت�أكيده كما �أ�سلفنا معظم الدرا�سات التطبيقية‬
‫التي �أجريت يف ال�سنوات الأخرية‪.‬‬

‫مجلة كلية القانون الكويتية العاملية ‪ -‬السنة الرابعة ‪ -‬مايو ‪2016‬‬ ‫‪58‬‬
‫�أ‪.‬د‪� .‬أحمد جمال الدين مو�سى‬

‫خامتة‪:‬‬
‫�سعت هذه الدرا�سة �إىل عر�ض الأ�صول القانونية وال�سيا�سية واالقت�صادية التي‬
‫ت�ستند �إليها الدعوة لتطبيق مفهوم احلوكمة‪ ،‬على الرغم من ات�ساع وتنوع هذا املفهوم‪.‬‬
‫ولعل الالفت لالنتباه هو وجود قدر كبري من الت�سليم ب�أن هناك حاجة �إىل نوع من‬
‫التنظيم والتن�سيق‪� ،‬سواء على م�ستوى ال�رشكات وامل�ؤ�س�سات �أو على م�ستوى الدولة‬
‫يتجاوز املفهوم التقليدي للحرية املطلقة للإرادة �أو الثقة العمياء يف قدرة �آليات ال�سوق‬
‫على حتقيق التوازن االقت�صادي واالجتماعي ب�شكل �آيل‪ ،‬وكذلك بدت جلية احلاجة‬
‫�إىل و�ضع عالمات هادية وقيود و�آليات تقومي وحما�سبة يخ�ضع لها امل�س�ؤولون‬
‫الإداريون وال�سيا�سيون على ال�سواء‪ ،‬ومع ذلك ال يجب اخللط بني احلوكمة و�أ�شكال‬
‫التقييد املتع�سف لالخت�صا�صات وال�سلطات و�إال قادت �إىل مزيد من البريوقراطية‬
‫والعجز التنظيمي‪ ،‬كما ال يجب اخللط بينها وبني دعاوى اال�ستغناء عن احلكومات‬
‫وترك املجال لل�شبكات والهياكل الأفقية لتقود عاملنا يف القرن احلادي والع�رشين‪ ،‬و�إال‬
‫بلغت جمتمعاتنا مرحلة من التفكك والفو�ضى‪� ،‬سيكون �أبرز �ضحاياها الأقل تنظيم ًا‬
‫والأكرث �ضعف ًا وفقر ًا‪.‬‬
‫�إنه ال�سعي‪ ،‬وكما كان احلال دائم ًا منذ ن�ش�أة التجمعات الب�رشية‪ ،‬نحو التوازن‬
‫الدقيق وال�صعب بني احلرية وامل�س�ؤولية؛ فاحلوكمة هي جمرد �أداة جديدة قد تكون‬
‫�أكرث فاعلية وكفاءة من �سابقيها يف حتقيق ذلك التوازن‪� ،‬إذا �صيغت على نحو يتجنب‬
‫وط ِّبقت ب�إخال�ص فع ًال على �أر�ض الواقع؛ وذلك يف اعتقادنا واجب‬
‫الإفراط والتفريط ُ‬
‫الدول النامية قبل غريها‪ ،‬حلاجتها امللحة للخروج من �أزماتها املتالحقة وواقعها املر‪.‬‬

‫ملحق خاص بأبحاث املؤتمر السنوي الثالث ‪ -‬الحوكمة والتنظيم القانوني ألسواق املال ‪ -‬العدد (‪ - )1‬الجزء األول ‪59‬‬
‫اقتصاديات الحوكمة دراسة يف األصول القانونية والسياسية واالقتصادية للحوكمة‬

:‫املراجع‬
- AHMAD (N.), (2015): “Reinforcement of Good Governance in the
International Financial Institutions”, Law, Social Justice & Global
Development Journal (LGD), No.1 October 2015. https://www2.
warwick.ac.uk/fac/soc/law/elj/lgd/20151/ahmed/lgd_2015_1_
ahmed_pdf.pdf

- AHMAD (Z.) and SALEEM (A.), (2014): “Impact of Governance on


Human Development”, Pakistan Journal of Commerce and Social
Sciences, 2014, Vol. 8 (3), 612-628.

- AHOU (D.), ODOUM-JFA, and COUAO-ZOTTI (G.):, (2014):


Gouvernance et croissance économique : une analyse des effets
de seuil, Université d’Abomey-Calavi (UAC), 2014. http://www.
ecoasso.org/articles/Ahou_et_al.pdf

- AIDT (T.), DUTTA (J.) and SENA (V.), (2008): “Governance Regimes,
Corruption and Growth: Theory and Evidence”, Journal of
Comparative Economics, Vol. 36 (2008), PP. 195–220.

- AIDT (T.), (2009): “Corruption, Institutions and Economic


Development”, Paper prepared for a special issue of the Oxford
Review of Economic Policy, April 2009. http://www.iig.ox.ac.uk/
output/articles/OxREP/iiG-OxREP-Aidt.pdf

- ALBASSAM (B.), (2013): “The Relationship Between Governance


and Economic Growth During Times of Crisis”, European Journal of
Sustainable Development (2013), 2, 4, PP. 1-18.

2016 ‫ مايو‬- ‫ السنة الرابعة‬- ‫مجلة كلية القانون الكويتية العاملية‬ 60


‫ �أحمد جمال الدين مو�سى‬.‫د‬.‫�أ‬

- ALDASHEV (G.): (2009): Legal Institutions, Political Economy and


Development, University of Namur, April 2009. http://www.iig.
ox.ac.uk/output/articles/OxREP/iiG-OxREP-Aldashev.pdf

- ASIEDU (E.) and FREEMAN (J.), (2009): “The Effect of Corruption on


Investment Growth: Evidence from Firms in Latin America, Sub-
Saharan Africa and Transition Countries”, Review of Development
Economics, Vol.13 (2), 2009, PP. 200–214.

- ASSIOTIS (A.) and SYLWESTER (K.), (2013): Do the effects of corruption


upon growth differ between democracies and autocracies?
University of Cyprus, Working Papers 06-2013. http://www.ucy.
ac.cy/econ/documents/working_papers/06-13.pdf

- BALIMOUNE-LUTZ (M.) and NDIKUMANN (L.), (2008):


Corruption and Growth: Exploring the Investment Channel,
University of Massachusetts Amherst, Working Paper, May
2008. http://scholarworks.umass.edu/cgi/viewcontent.
cgi?article=1022&context=econ_workingpaper

- BANARD (C.), (1938): The Functions of the Executive, Cambridge.


- BANG (A.) and ESMARK (A.), (2013): A systems theory of Good
Governance, ICCP, Grenoble 2013. http://www.icpublicpolicy.org/
IMG/pdf/panel_45_s1_esmark.pdf

- BARNETT (R.), (1992): “Conflicting visions: A Critique of Ian Macneil’s


relational Theory of Contract”, Virginia Law Review, Vol. 78, 1992,
pp. 1175-1206.

61 ‫ الجزء األول‬- )1( ‫ العدد‬- ‫ الحوكمة والتنظيم القانوني ألسواق املال‬- ‫ملحق خاص بأبحاث املؤتمر السنوي الثالث‬
‫اقتصاديات الحوكمة دراسة يف األصول القانونية والسياسية واالقتصادية للحوكمة‬

- BARRO (R.), (1996): “Democracy and growth”, Journal of Economic


Growth, No.1, (March, 1996), PP. 1-27.

- BJORK (P.) and JOHANSSON (H), (1999): Towards Governance


Theory: In search for a common ground. http://www.bvsde.paho.
org/texcom/cd050853/bjork.pdf

- BROUSSEAU (E.) and GLACHANT (J.- M.), (2002): The Economics of


Contracts: Theories and Applications, Cambridge University Press, 2002.

- BUCHANAN (J.), (1977): The Limits of Liberty: Between Anarchy and


Leviathan, Chicago: University of Chicago Press, 1977

- CAMPBELL (D.), (2004): Ian Macneil and the Relational theory of


contract, Cobe University, CDAMS Discussion Paper 04/IE, March
2004. http://www.lib.kobe-u.ac.jp/repository/80100023.pdf

- CAMPOS (N.) and al. (2010): Whither Corruption? A Quantitative


Survey of the Literature on Corruption and Growth, IZA (Bonn-
Germany) Discussion Paper No. 5334 November 2010. http://ftp.
iza.org/dp5334.pdf

- CHARRAUX (G.), (2004): Les théories de la gouvernance: De la


gouvernance des entreprises à la gouvernance des systèmes
nationaux, Université de Bourgogne, Cahier du FARGO, n° 1040101,
Version révisée, Décembre 2004. https://ideas.repec.org/p/dij/
wpfarg/1040101.html

- CLARK (R.), (1978): “Karl Llewellyn on Legal Method: A Social Science


Reconsideration”, Tulsa Law Journal, Vol. 1, No. 3, 491 (1978). http://
digitalcommons.law.utulsa.edu/tlr/vol14/iss3/3

2016 ‫ مايو‬- ‫ السنة الرابعة‬- ‫مجلة كلية القانون الكويتية العاملية‬ 62


‫ �أحمد جمال الدين مو�سى‬.‫د‬.‫�أ‬

- DIATHESOPOULOS (M.), (2010): Relational Contract Theory and


Management Contracts: A Paradigm for the Application of the
Theory of the Norms, Cambridge University, MPRA Paper, No.
24028, July 2010. https://mpra.ub.uni-muenchen.de/24028/1/
MPRA_paper_24028.pdf

- DIXIT (A.), (2007): Governance Institutions and Development, the P.


R. Brahmananda Memorial Lecture to be delivered at the Reserve
Bank of India, Mumbai, on June 28, 2007 , https://www.rbi.org.in/
Upload/Publications/PDFs/78261.pdf

- DIXIT (A.), (2009): Governance Institutions and Economic Activity,


Delivered as the Presidential Address to the American Economic
Association on January 4, 2009, https://www.princeton.
edu/~dixitak/home/PresAd_F1.pdf

- DONNELLY (S.), (1975): Books Review: “Karl Llewellyn and the Realist
Movement”, By William Twining; “Roscoe Pound: Philosopher of
Law”, By David Wigdor, Hofstra Law Review, Vol. 3, Issue 3, p.899-
916.

- DUIT (A.) and GALAZ (V.), (2008): “Governance and Complexity


-Emerging Issues for Governance Theory”, Governance: An
International Journal of Policy, Administration, and Institutions,
Vol. 21, No. 3, July 2008, pp. 311–335.

- ElBAHNASAWY (N.) and REVIER (Ch.), (2012): “THE DETERMINANTS


OF CORRUPTION: CROSS-COUNTRY-PANEL-DATA ANALYSIS”, The
Developing Economies, Vol. 50, No. 4 (December 2012),PP. 311–
333.

63 ‫ الجزء األول‬- )1( ‫ العدد‬- ‫ الحوكمة والتنظيم القانوني ألسواق املال‬- ‫ملحق خاص بأبحاث املؤتمر السنوي الثالث‬
‫اقتصاديات الحوكمة دراسة يف األصول القانونية والسياسية واالقتصادية للحوكمة‬

- ELLICKSON (R.), (1991): Order without Law: How Neighbors Settle


Disputes, Harvard University Press, Cambridge, Massachusetts.

- ENJOLRAS (B.), (2005): « Economie Sociale et Solidaire et Régimes


de Gouvernance», Revue Internationale de l’Economie Sociale, No.
296, 2005, PP. 56-69.

- FARBER (D.), (1983): «Contract Law and Modern Economic Theory»,


Northwestern University Law Review, Vol.78, No.2, 1983,PP. 303-339.

- FREDERICKSON (H.), (2004): Whatever Happened to Public


Administration? Governance, Governance Everywhere, Queen’s
University, Belfast, Institute of Governance, Public Policy and
Social Research, Working Paper QU/GOV/3/2004. https://qub.
ac.uk/schools/SchoolofLaw/Research/InstituteofGovernance/
Publications/briefingpapers/Filetoupload,47649,en.pdf

- FRIEDEN (J.), (2012): Global Economic Governance after the Crisis,


Perspektiven der Wirtschaftspolitik, 2012, 13 (Special Issue):
1–12. http://scholar.harvard.edu/files/jfrieden/files/global_
governance_after_the_crisis.pdf

- GHALWASH (T.), (2014): “Corruption and Economic Growth: Evidence


from Egypt”, Modern Economy, Vol. 5, PP.1001-1009. http://dx.doi.
org/10.4236/me.2014.510092

- GILMORE (G.), (1974): The Death of Contract, Ohio State University,


Columbus, UP, 1974.

- GORDON (R.), (1974): “The Death of Contract”, Book Review,


Wisconsin Law Review, No. 4, 1974, PP. 1216-1239.

2016 ‫ مايو‬- ‫ السنة الرابعة‬- ‫مجلة كلية القانون الكويتية العاملية‬ 64


‫ �أحمد جمال الدين مو�سى‬.‫د‬.‫�أ‬

- GRAY (Ch.), (1989): Legal Process and Economic Development - A


Case Study of Indonesia, The World Bank, December 1989, WPS 350.

- GUETAT (I.), (2006): The Effects of Corruption on Growth Performance


of the MENA Countries, Journal of Economics and Finance, Vol. 30,
No. 2, Summer 2006, PP. 208-221.

- HART (D.), (2011): “Cross Purposes & Unintended Consequences: Karl


LLEWELLYN, Article 2, and the Limits of Social Transformations”,
Nevada Law Journal, Vol.12, Fall 2011, P.54-82.

- HODGE (A.) and al., (2009): Exploring the links between corruption
and growth, The University of Queensland, Australia, School of
Economics Discussion, Paper No. 392, June 2009. http://www.
uq.edu.au/economics/abstract/392.pdf

- JOHNSON (CH.), (1993): MITI and the Japanese Miracle: The Growth
of Industrial Policy, 1925-1975, Stanford University Press, Stanford,
California, 1993.

- KAUFMAN (D.), KRAAY (A.), and ZOIDO-LOBATON (P.), (1999):


Governance Matters, World Bank, Policy Research Working Paper,
No. 2196, October 1999.

- KIM (C.) and LIM (G.), (2015): “Corruption and Economic Growth:
A South Korean Study”, Journal of Reviews on Global Economics,
2015, 4, 1-7.

- KOOIMAN (J.) and al., (2008): Interactive Governance and


Governability: An Introduction, The Journal of Transdisciplinary
Environmental Studies, vol. 7, no. 1, 2008, http://hdl.handle.
net/11245/2.59200

65 ‫ الجزء األول‬- )1( ‫ العدد‬- ‫ الحوكمة والتنظيم القانوني ألسواق املال‬- ‫ملحق خاص بأبحاث املؤتمر السنوي الثالث‬
‫اقتصاديات الحوكمة دراسة يف األصول القانونية والسياسية واالقتصادية للحوكمة‬

- LAFFON (J.-J.) & MARTIMORT (D.), (2001): The theory of incentives:


The principal-agent model, February 6, 2001, p.21-23 file:///C:/
Users/Bright%20Star/Desktop/Laffont%20&%20Martimort%20
-%20The%20Theory%20of%20Incentives.pdf

- LLEWELLYN (K.), (1960): The Common Law Tradition: Deciding


Appeals (1960).

- LESSON (P.) & WILLIMSON (C.), (2009): “Anarchy and Development:


An Application of the Theory of Second Best”, The Law and
Development Review, Vol.2, Issue1, PP.75-96.

- MACNEIL (I.), (1985): “Relational Contracts: What We Do and Do Not


Know”, Wisconsin Law Review, No. 483, 1985, PP.483-525.

- MAURO (P.), (1995): “Corruption and Growth”, Quarterly Journal of


Economics, Vol. 110, No. 3 (Aug., 1995), PP. 681-712.

- MEISEL (N.) & OULD AOUDIA (J.), (2008): « L’insaisissable relation entre
‘Bonne Gouvernance’ et Développement », Revue économique,
Vol. 59, 2008/6, P.1159-1191.

- MO (P.), (2001): «Corruption and Economic growth», Journal of


Comparative Economics, Vol. 29, ( (200PP. 66–79.

- MOHAN (R.) and KAPUR (M.), (2015): Emerging Powers and Global
Governance: Whither the IMF?, IMF Working Paper, WP/15/219,
October 2015. http://www.imf.org/external/pubs/ft/wp/2015/
wp15219.pdf

- MORCK (R) and STEIR (L.), (2005): The Global History of Corporate
Governance: An Introduction, NBER Working Paper No. 11062,
January 2005.

2016 ‫ مايو‬- ‫ السنة الرابعة‬- ‫مجلة كلية القانون الكويتية العاملية‬ 66


‫ �أحمد جمال الدين مو�سى‬.‫د‬.‫�أ‬

- MOUZAS (S.) and BLOIS (R.), (2009): Relational Contract Theory:


Confirmations and Contradictions, University of Lancaster, 2009.
http://impgroup.org/uploads/papers/6417.pdf

- PELLEGRINI (L.) and GERLAGH (R.), (2008): Causes of corruption: a


survey of cross-country analyses and extended results, Economics
of Governance (Springer-Verlag), Vol. 9, PP. 245–263.

- PIERRE (J.) and PETERS (B.), (2005): Governing Complex Societies,


London, Palgrave Macmillan, 2005.

- PLÜMPER (T.) and & MARTIN (C.), (2003): Democracy, government


spending, and economic growth: A political-economic explanation
of the Barro-effect, Public Choice, No. 117, PP. 27–50

- POSNER (E.), (2002): Economic Analysis of Contract Law after Three


Decade: Success or Failure? The Law School, University of Chicago,
Chicago Working Paper Series No.146, March 2002. http://www.
law.uchicago.edu/files/files/146.EAP_.ContractLaw.pdf

- PRITCHETT (L.), (2001): A Toy Collection, A Socialist Star and A Democratic


Dud? (Growth Theory, Vietnam and the Philippines), Kennedy School
of Government, Harvard University, September 27, 2001.

- QIAN (Y.), (2003): “How Reform Worked in China”, in: RODRIK (D.):
In Search of Prosperity: Analytic Narratives on Economic Growth,
Princeton University Press, 2003, PP.297-333.

- ROCK (M.) and BONNETT (H.), (2004): “The Comparative Politics


of Corruption: Accounting for the East Asian Paradox in
Empirical Studies of Corruption, Growth and Investment”, World
Development, Vol. 32, No. 6, PP. 999–1017.

67 ‫ الجزء األول‬- )1( ‫ العدد‬- ‫ الحوكمة والتنظيم القانوني ألسواق املال‬- ‫ملحق خاص بأبحاث املؤتمر السنوي الثالث‬
‫اقتصاديات الحوكمة دراسة يف األصول القانونية والسياسية واالقتصادية للحوكمة‬

- ROSTOW (W), (1960): The Stages of Economic Growth: A Non-


Communist Manifesto, Cambridge University Press, 1960.

- RUTHERFORD (M.), (2001): “Institutional Economics: Then and Now”,


Journal of Economic Perspectives, Volume 15, Number 3-Summer
2001, PP. 173-194.

- SCHWARTZ (A.), (2000): Karl Llewellyn and the Origins of Contract


Theory, Yale Law School, Faculty Scholarship Series, P. 11-53.

- SHARINA (E.), (2013): Government and Governance – Traditional


and Novel Research Agenda, http://www.kisc.meiji.ac.jp/~follow/
topics/AP/ElenaShadrina.pdf

- SIMON (H), (1991): “Bounded Rationality and Organizational


Learning”. Organization Science 2 (1): 125–134.

- SONIN (K.), (2003): “Why the rich may favor poor protection of
property rights”, Journal of Comparative Economics, Vol.31 (2003),
P. 715–731.

- SWALEHEEN (S.) and STANSEL (D.), (2007): “Economic Freedom,


Corruption and Growth”, Cato Journal, Vol. 27, No. 3 (Fall 2007), PP.
343-358.

- UNITED NATIONS, (2000): Economic Governance: Guidelines for


Effective Financial Management, United Nations, ST/ESA/PAD/
SER.E/9, New York, 2000.

- VENARD (B.), (2013): “Institutions, Corruption and Sustainable


Development”, Economic Bulletin, Vol. 3, No 4, PP. 2545-2562.
https://halshs.archives-ouvertes.fr/hal-00874275/document

2016 ‫ مايو‬- ‫ السنة الرابعة‬- ‫مجلة كلية القانون الكويتية العاملية‬ 68


‫ �أحمد جمال الدين مو�سى‬.‫د‬.‫�أ‬

- VIRMANI (A.), (2011): Global Economic Governance: IMF Quota


Reform, IMF Working Paper, WP/11/208, July 2011.

- VISARIA (S.), (2006): Legal Reform and Loan Repayment: The


Microeconomic Impact of Debt Recovery Tribunals in India. Boston
University, April 2006. http://www.bu.edu/econ/files/2012/11/
dp157-Visaria.pdf

- WILLIAMSUN (O.), (2005): The Economics of Governance,


University of California, Berkeley, The American Economic
Association, January 2005, p.6-11. https://www.aeaweb.org/
assa/2005/0107_1645_0101.pdf

69 ‫ الجزء األول‬- )1( ‫ العدد‬- ‫ الحوكمة والتنظيم القانوني ألسواق املال‬- ‫ملحق خاص بأبحاث املؤتمر السنوي الثالث‬
‫اقتصاديات الحوكمة دراسة يف األصول القانونية والسياسية واالقتصادية للحوكمة‬

‫ال�صفحة‬ ‫املــو�ضــوع‬

‫‪19‬‬ ‫ملخ�ص‬

‫‪20‬‬ ‫مقـــدمــة‬

‫‪20‬‬ ‫�أو ًال ‪ -‬مفهوم احلوكمة وركائزها‬

‫‪25‬‬ ‫ثاني ًا ‪ -‬الأ�صول القانونية للحوكمة‬

‫‪36‬‬ ‫ثالث ًا ‪ -‬احلوكمة من منظور العلوم ال�سيا�سية‬

‫‪47‬‬ ‫رابع ًا ‪ -‬احلوكمة والتنمية االقت�صادية‬

‫‪59‬‬ ‫خــامتــة‬

‫‪60‬‬ ‫املراجع‬

‫مجلة كلية القانون الكويتية العاملية ‪ -‬السنة الرابعة ‪ -‬مايو ‪2016‬‬ ‫‪70‬‬

You might also like