You are on page 1of 16

ISSN:2509-0291 2021 ‫ أكتوبر‬36 ‫اإلصدار‬

‫دور الشفافية وربط املسؤولية باملحاسبة يف إرساء الحكامة الجيدة‬


The role of transparency and linking responsibility to accountability in establishing good governance

‫ محسن الصباحي‬: ‫الدكتور‬


‫دكتور في الحقوق باحث في القانون والعلوم اإلدارية‬
‫كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية بطنجة‬

:‫ملخص‬
‫ حرصت على تبني أسس ومقومات الحكامة الجيدة كأساس‬،‫إن سياسات إصالح اإلدارة التي عرفتها العديد من دول املعمور‬
‫ وذلك اقتناعا منها‬،‫ وتبني الشفافية وربط املسؤولية باملحاسبة للحد من الفساد املتفش ي في اإلدارة‬،‫للتخليق وتحقيق التنمية‬
‫ ونظرا للتحديات الجديدة التي أصبحت تجابهها في إطار‬،‫باألهمية املتزايدة التي أضحت تمثلها اإلدارة العمومية في الوقت الراهن‬
‫ الش يء الذي حتم على اإلدارات العمومية املعاصرة األخذ بالتوجه الحكماتي املتمثل في التوصل‬،‫سياقات التيار الجارف للعوملة‬
‫ واملتسم بالضرورة بالعمل العميق على تمتين أداء اإلدارة من أجل مواكبة العوملة والشمولية‬،‫بتقنيات متطورة للتدبير والتنظيم‬
.‫والتنافسية‬

Abstrat :
The management reform policies that many countries around the world have been keen on adopting the
foundations and elements of good governance as a basis for creation and development, and the adoption of
transparency and linking responsibility to accountability to reduce the rampant corruption in the administration,
convinced of the increasing importance that has become represented by the public administration at the present
time, and given the Due to the new challenges that they are facing in the context of the sweeping current of
globalization, which has made it imperative for contemporary public administrations to adopt the wise approach
represented in reaching advanced techniques for management and organization, and which is necessarily
characterized by a deep work on strengthening the performance of the administration in order to keep pace with
globalization, comprehensiveness and competitiveness.

207
‫مجلة علمية معتمدة دوليا و محكمة تصدر عن مختبر البحث قانون األعمال – جامعة الحسن األول – سطات – املغرب‬
WWW.Droitetentreprise.com : ‫ املوقع الرسمي‬MFORKi22@Gmail.com : ‫اإلميل الرسمي‬
‫‪ISSN:2509-0291‬‬ ‫اإلصدار ‪ 36‬أكتوبر ‪2021‬‬
‫مقدمة‪:‬‬

‫يعتبر مفهوم الحكامة الجيدة من أقوى املفاهيم التي جاء بها دستور ‪ ،9100‬كتعبير عن الفلسفة العامة التي أسسها من أجل‬
‫إحداث التغيير املنشود‪ ،‬والحد من الفساد وسوء التدبير الذي تعاني منه مؤسسات الدولة واملجتمع‪ ،‬فقد خصص الدستور بابا‬
‫( الفصول ‪ 074‬إلى ‪ -)020‬سعيا منه إلى وضع مبادئ من شأنها‬ ‫كامال للحكامة الجيدة – الباب الثاني عشر‪ 02 ،‬فصال‬
‫أن تسهم في الحد من الفساد اإلداري‪ ،‬ومن هذه املبادئ نجد ما نص عليه الفصل ‪ 074‬من دستور ‪ ..." 9100‬تخضع املرافق‬
‫العمومية ملعايير الجودة والشفافية واملحاسبة وتخضع في تسييرها للمبادئ والقيم الديمقراطية التي أقرها الدستور"‪.493‬‬

‫وعليه‪ ،‬فإلى أي مدى يمكن للشفافية وربط املسؤولية باملحاسبة أن تكافح الفساد أو تحد منه‪ ،‬ومن تم إرساء حكامة جيدة؟‬
‫ومن خالل املمارسة يتضح أن معيار الشفافية يلعب دورا ال يمكن إغفاله وتجاهله‪ ،‬فهو بمثابة حجر عثرة في وجه كل من يفكر‬
‫في القيام بجرائم الفساد بكل أشكاله‪ ،‬باعتبارها ‪ -‬الشفافية ‪-‬تسد كل منافذ الشبهات التي من املمكن أن تقع بين املواطن‬
‫واملوظف داخل اإلدارة (املبحث األول)‪ ،‬وأن مبدأ ربط املسؤولية باملحاسبة (املبحث الثاني) كأحد مقومات الحكامة الجيدة‪،‬‬
‫ليس وليد اليوم أو وليد دستور ‪ ،9100‬بل كان له وجود سابق‪ ،‬سواء من خالل االتفاقيات الدولية‪ ،‬أو الخطب امللكية‪ ،‬والتي‬
‫تحدثت معظمها عن اإلصالح اإلداري‪ ،‬ولكن أهمية هذا املبدأ سيبرز أكثر بعد تكريسه دستوريا من طرف املشرع املغربي‪ ،‬وكذلك‬
‫تطبيقا لقاعدة أينما توجد مسؤولية هناك محاسبة‪.‬‬

‫املبحث األول‪ :‬ترسيخ مبدأ الشفافية للحد من الفساد‬

‫أصبح مبدأ الشفافية شرطا أساسيا في العمليات اإلدارية والتنظيمية‪ ،‬وذلك بهدف ارتقاء اإلدارة املغربية بمستوى أدائها‪،‬‬
‫ألنها تساهم في تحسين املستوى املعيش ي للفرد‪ ،‬وذلك باقتالع جذور الفساد واملمارسات الشادة التي تنعكس سلبا على تقدم‬
‫ورقي املجتمع‪ ،‬فمع الدعوات الواسعة والكبيرة التي تعنى بالشفافية بوصفها إحدى ركائز أي نظام ديمقراطي في العالم‪ ،‬نرى أن‬
‫الشفافية في كثير من األجهزة اإلدارية مصابة بالصداع‪ ،‬والفساد اإلداري واملالي يدب في مفاصل كثيرة من أعضائها‪ ،‬وحتى على‬
‫أعلى الهياكل اإلدارية‪ ،‬ومن خالل هذا سأتطرق إلى مفهوم مبدأ الشفافية (املطلب األول)‪ ،‬وإلى دور الشفافية في مكافحة الفساد‬
‫اإلداري أو الحد منه (املطلب الثاني)‪.‬‬

‫املطلب األول‪ :‬مفهوم مبدأ الشفافية‬

‫إن كلمة الشفافية‪ 494‬لو بحثنا عنها في متون الثقافات اإلنسانية‪ ،‬لوجدنا معاني تقابلها وأكثر قربا لها‪ ،‬مثل األمانة‪ ،‬الصدق‪،‬‬
‫اإلخالص والعدالة‪ ،‬والشفافية بمعناها املستعار في علم الفيزياء تعني املادة الشفافة‪ ،‬وهي املادة الواضحة الزجاجية التي يمكن‬
‫رؤية تصرفات األطراف من خاللها‪.‬‬

‫‪ - 493‬مريم الناصر؛ دور املساءلة في الحد من الفساد اإلداري‪ ،‬دبلوم املاستر في القانون العام‪ ،‬جامعة عبد املالك السعدي‪ ،‬كلية العلوم‬
‫القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬طنجة‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،9104/9102‬ص‪.12‬‬
‫‪ - 494‬تعتبر أحد أهم املبادئ األساسية للحكامة املالية‪ ،‬وعنصرا من العناصر التي يجب أن يتأسس عليها التدبير الجيد للشأن العام‪ ،‬فهي توفر‬
‫املعلومة الدقيقة وتفسح املجال أمام الجميع لالطالع على املعلومات الضرورية‪ ،‬وتتيح للمواطنين التتبع بوضوح طريقة تسيير الشأن العام من قبل‬
‫املسؤولين‪.‬‬

‫‪208‬‬
‫مجلة علمية معتمدة دوليا و محكمة تصدر عن مختبر البحث قانون األعمال – جامعة الحسن األول – سطات – املغرب‬
‫اإلميل الرسمي ‪ MFORKi22@Gmail.com :‬املوقع الرسمي ‪WWW.Droitetentreprise.com :‬‬
‫‪ISSN:2509-0291‬‬ ‫اإلصدار ‪ 36‬أكتوبر ‪2021‬‬
‫والشفافية هي إحدى املصطلحات الحديثة التي استخدمتها الجهات املعنية بمكافحة الفساد في العالم‪ ،‬معبرة عن ضرورة‬
‫إطالع الجمهور على منهج السياسات العامة‪ ،‬وكيفية إدارة الدولة من قبل القائمين عليها‪ ،‬من رؤساء دول وحكومات ووزراء‬
‫وكافة املعنيين في مؤسسات الدولة‪ ،‬بغية الحد من السياسات غير املعلنة‪ ،‬والتي تتسم بالغموض‪ ،‬وعدم مشاركة الجمهور فيها‬
‫بشكل واضح‪ ،495‬لذا تعرف الشفافية على أنها آلية للكشف واإلعالن من جانب الدولة على أنشطتها كافة في التخطيط والتنفيذ‪.‬‬

‫ولقد لعبت الجهود الدولية دورا في نشر الشفافية عن طريق األمم املتحدة واملنظمات التابعة لها‪ ،‬بحيث عرفت الشفافية‬
‫بأنها حرية تدفق املعلومات معرفة بأوسع مفاهيمها‪ ،‬أي توفير املعلومات والعمل بطريقة منفتحة تسمح ألصحاب الشأن بالحصول‬
‫على املعلومات الضرورية في الوقت املناسب واالنفتاح على كل األطراف ذوي العالقة‪ ،‬وتعتبر من أبرز سمات الديمقراطية‪ ،‬واتجه‬
‫رأي آخر إلى اعتبار الشفافية من الناحية السياسية هي‪ " :‬الحكم الشفاف والذي يعني أن املسؤولين الحكوميين يعملون بشكل‬
‫علني مع ضرورة معرفة املواطن بالقرارات التي يتخذونها "‪.496‬‬

‫وقد تناولت املعاجم والبحوث والدراسات مفهوم الشفافية من أوجه مختلفة‪ ،‬ففي املعاجم كان مفهوم ومعنى ‪،Transparency‬‬
‫بحيث أعطى قاموس ‪ Long man Dictionary‬معنى الحالة التي تكون شفافة ويمكن الرؤية من خاللها‪ ،497‬واعتبره قاموس ‪Oxford‬‬
‫‪ English Roaders Dictionary‬مفهوما يطلق على ما يمكن استيعابه بسهولة وفهمه أو ما يمكن استيضاحه بسهولة واكتشافه‪،498‬‬
‫أما قاموس ‪ Webster Dictionary‬فيحدد الشفافية بكلمة واحدة هي الوضوح‪.499‬‬

‫أما الباحثون والكتاب فيعتبرون الشفافية آلية مستخدمة ملواجهة الفساد في املجتمع وإصالحه‪ ،‬وهناك مفاهيم عبرت عن‬
‫الشفافية‪ ،‬ويمكن تصنيفها إلى الصنف األول ذات االتجاه السياس ي بحيث يرصد بعضها في‪:‬‬

‫" الشفافية هي التدفق املستمر للمعلومات املتعلقة بالحكم من مصادرها الحقيقية‪ ،‬من أجل أن يكون الشعب املعني األول‬
‫بهذه املعلومات‪ ،‬وعلى بينة بما يجري في أروقة الحكم "‪ ،500‬أما الصنف الثاني فيهتم بمفهوم الشفافية من الجانب اإلداري ويعتبر‬
‫أن اإلصالح اإلداري يقتض ي أن تلتزم الهيئات بنمط الشفافية والوضوح في منهج عملها‪ ،‬وأن تتيح جدية وصول املعلومات عما‬
‫تقوم به من أعمال للمواطنين والدارسين‪ ،‬وليس فقط استجابة لطلباتهم‪ ،‬بل بمبادرات منها‪.‬‬

‫ويعتبر مفهوم الشفافية من املفاهيم الحديثة في القاموس االصطالحي العربي‪ ،‬والتي نشأ مع تأسيس منظمة الشفافية‬
‫‪ ،International Transparency‬وقد دخل هذا املصطلح حيز النقاش العمومي في املغرب حديثا‪ ،‬وقد عرف بعد ذلك تداوال واسعا‬
‫بين الباحثين املغاربة ووسائل اإلعالم‪ ،‬وشكل محورا أساسيا ملجموعة من الرسائل واألطروحات التي نوقشت في رحاب الجامعات‬
‫املغربية‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬فتكريس قواعد الشفافية في األداء املالي العمومي وتخليق الحياة العامة في تدبير املالية العامة للدولة‪ ،‬يعد شرطا أساسيا من أجل‬
‫دمقرطة التدبير املالي ومتابعة املفسدين وعدم إفالتهم من العقاب‪.‬‬
‫‪ - 495‬عصام عبد الفتاح مطر؛ الفساد اإلداري ماهيته ‪-‬أسبابه – مظاهره‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.992‬‬
‫‪ - 496‬مريم الناصر؛ دور املساءلة في الحد من الفساد اإلداري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.17‬‬
‫‪497 - Viginie Franch Allen ; Longman Dictionary, p718.‬‬
‫‪498 - Oxford English Readers Dictionary; 1959, London, Oxford Press, p464.‬‬
‫‪499 - Websters; New Riverside Dictionary, p729.‬‬
‫‪ - 500‬محمد قاسم القريوني؛ اإلصالح اإلداري بين النظرية والتطبيق‪ ،‬دار وائل للنشر‪ ،‬عمان‪ ،9110 ،‬ص‪.12‬‬

‫‪209‬‬
‫مجلة علمية معتمدة دوليا و محكمة تصدر عن مختبر البحث قانون األعمال – جامعة الحسن األول – سطات – املغرب‬
‫اإلميل الرسمي ‪ MFORKi22@Gmail.com :‬املوقع الرسمي ‪WWW.Droitetentreprise.com :‬‬
‫‪ISSN:2509-0291‬‬ ‫اإلصدار ‪ 36‬أكتوبر ‪2021‬‬
‫وتعني الشفافية في جانبها العلمي تقاسم املعلومات واملكاشفة بشكل يسمح ببناء نوع من الثقة املتبادلة بين مختلف مكونات‬
‫املجتمع‪ ،‬فهي تشمل التدفق الحر للمعلومات‪ ،‬بحيث تصبح متاحة للجميع‪ ،‬وفي قنوات واضحة بين أصحاب املصلحة واملسؤولين‪،‬‬
‫ومن متطلبات الشفافية أيضا الكشف عن مختلف القواعد واألنظمة والتعليمات واللوائح املعتمدة في وضع تنفيذ السياسات‬
‫العمومية واتخاذ القرارات‪ ،‬بحيث يسمح فيما بعد باملحاسبة واملساءلة والتقويم‪ ،‬فالشفافية تقي الحكومة من ارتكاب األخطاء‬
‫في تقدير املوارد وتجنب األخطاء التي قد تقود إلى وقوع الفساد في مؤسسات الدولة‪.501‬‬

‫فالشفافية تعد أحد أهم مبادئ الحكامة‪ ،‬وتعود هذه األهمية إلى أنها السالح األول ملحاربة الفساد واالختالسات املشبوهة‪،‬‬
‫خاصة تلك التي تهم األموال العمومية‪ ،‬فغياب الشفافية هو الذي يفتح الباب على مصراعيه لعقد صفقات الفساد وتمريرها‬
‫دون اللجوء إلى القوانين واملساطر الجاري بها العمل في مجال الصفقات العمومية‪ ،‬كما أن غياب الشفافية ينتج عنه تعدد‬
‫مظاهر الفساد اإلداري واملالي‪ ،‬والتي تعد من الظواهر الخطيرة التي تواجه البلدان‪ ،‬وعلى األخص الدول النامية‪ ،‬حيث أخذت‬
‫تنخر في جسم مجتمعاتها على جميع األصعدة‪ ،‬وما تبع ذلك من شلل في عملية البناء والتنمية االقتصادية‪ ،‬والتي تنطوي على‬
‫تدمير االقتصاد والقدرة املالية واإلدارية‪ ،‬وبالتالي عجز الدولة على مواجهة التحديات التي يفرضها عليها واقع تحقيق التنمية‬
‫وتجاوز األزمات‪.502‬‬

‫وينظر للشفافية على أنها تعني وضوح التشريعات وسهولة فهمها واستقرارها وانسجامها مع بعضها‪ ،‬وموضوعيتها‪ ،‬ووضوح‬
‫لغتها ومرونتها وتطورها وفقا للتغييرات االقتصادية واالجتماعية واإلدارية‪ ،‬فضال عن تبسيط اإلجراءات ونشر املعلومات واإلفصاح‬
‫عنها وسهولة الوصول إليها‪ ،‬بحيث تكون متاحة للجميع‪ ،‬ومن جهة أخرى فهي تعتبر الوضوح التام في اتخاذ القرارات ورسم‬
‫الخطط والسياسات وعرضها على الجهات املعنية بمراقبة أداء الحكومة نيابة عن الشعب‪ ،‬وخضوع املمارسات اإلدارية‬
‫والسياسية للمحاسبة واملراقبة املستمرة‪.503‬‬

‫وعليه‪ ،‬فالشفافية يقصد بها ممارسة حق الحصول على املعلومات واألخبار املتعلقة باملسائل التي تهم مواطنا بعينه أو بالقضايا‬
‫الوطنية الهامة‪ ،‬وفي نفس الوقت توفر إمكانية االطالع على أوجه إنفاق املال العام‪ ،‬وتعني كذلك خلق بيئة تكون فيها املعلومات‬
‫املتعلقة بالظروف والقرارات واألعمال الحالية متاحة ومنظورة ومفهومة‪ ،‬وبشكل أكثر تحديدا‪ ،‬ومنهج توفير املعلومات وجعل‬
‫القرارات املتصلة بالسياسة املتعلقة باملجتمع معلومة من خالل النشر في الوقت املناسب واالنفتاح لكل األطراف ذوي العالقة‪،504‬‬
‫وعموما‪ ،‬تهدف الشفافية إلى‪:‬‬

‫تحسين صورة الوطن محليا وإقليميا ودوليا في مجال اإلصالح ومناهضة الفساد‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫ترسيخ القيم التي تدعو إلى مناهضة الفساد‪ ،‬كالصدق واألمانة‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫تنمية ثقافة مناهضة كل أشكال الفساد وسوء استعمال السلطة في املجتمع‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫تحديد مواطن القصور التشريعي في مجال اإلصالح‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪ - 501‬محمد براو؛ الشفافية واملساءلة والرقابة العليا على املال العام في سياق الحكامة الرشيدة‪ ،‬دار القلم للتوزيع والنشر‪ ،‬الرباط‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪ ،9101 ،‬ص‪.03‬‬
‫‪ - 502‬العاقل العثماني‪ ،‬املال العام بين الحماية القانونية والضمانات الرقابية‪ ،‬بحث لنيل املاستر في القانون العام‪ ،‬جامعة عبد املالك السعدي‪،‬‬
‫كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬طنجة‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،9102/9109‬ص‪.91-02‬‬
‫‪ - 503‬مريم الناصر؛ دور املساءلة في الحد من الفساد اإلداري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.11‬‬
‫‪ - 504‬عصام عبد الفتاح مطر؛ الفساد اإلداري ماهيته أسبابه ومظاهره‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.992‬‬

‫‪210‬‬
‫مجلة علمية معتمدة دوليا و محكمة تصدر عن مختبر البحث قانون األعمال – جامعة الحسن األول – سطات – املغرب‬
‫اإلميل الرسمي ‪ MFORKi22@Gmail.com :‬املوقع الرسمي ‪WWW.Droitetentreprise.com :‬‬
‫‪ISSN:2509-0291‬‬ ‫اإلصدار ‪ 36‬أكتوبر ‪2021‬‬
‫البحث عن مواطن الفساد في املجتمع‪ ،‬وتشخيصه ودراسته والبحث عن أسبابه‪ ،‬واقتراح أساليب العالج‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫اعتبار القانون مرجعا للجميع‪ ،‬وضمان سيادته وتطبيقه على الجميع دون استثناء‪.505‬‬ ‫‪‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬دور الشفافية في مكافحة الفساد‬

‫إن الشفافية غالبا ما ترتبط باملصداقية‪ ،‬وهي املبدأ الذي حث عليه الدين اإلسالمي‪ ،‬حيث أكد على تحري الصدق في القول‬
‫والعمل‪ ،‬وفي جميع املعامالت‪ ،‬كما تعمل الشفافية على االنفتاح وعدم الغموض أو التضليل والتزام الوضوح والصراحة التامة‪،‬‬
‫بحيث ينظر إلى كافة األمور بشفافية‪ ،‬والتعامل معها بعقالنية وحكمة‪ ،‬فالتصدي للفساد يتطلب درجة عالية من الشفافية‪،‬‬
‫خاصة وأن أغلبية املواطنين يدركون بأن الفساد أصبح من األعمال الخطيرة التي تهدد مصالح العباد ومستقبل البالد‪ ،‬وأن‬
‫الشفافية هي الضمان لتخفيف التوتر بين املواطنين واملسؤولين‪ ،‬بسبب العالقات املشبوهة وغير املشروعة التي أفرزها مناخ‬
‫الفساد‪.506‬‬

‫إن أهمية الشفافية تكمن في كونها قناة مفتوحة لالتصال بين املواطنين (أصحاب املصالح) واملسؤولين‪ ،‬وهي بذلك تعتبر أداة‬
‫مهمة جدا ملحاربة الفساد‪ ،‬الذي يستشري خاصة في الدول النامية‪ ،‬حيث تتطلب الكشف عن مختلف األنظمة والقوانين‬
‫والتعليمات واإلجراءات واملعايير واآلليات بشكل عام لإلقرار عمليا باملساءلة واملحاسبة‪ ،‬في حال احترام أو مراعاة تلك األنظمة‬
‫والقوانين واآلليات واملعايير املحددة‪ ،507‬وتظهر الشفافية كذلك من خالل عملها على تمكين املعنيين بالقرارات الصادرة من خارج‬
‫وداخل املؤسسة‪ ،‬والعمل على تلبية حقوق العامة من خالل مشاركتهم في املعلومات وتقديم املساعدة لهم في فهم إدارة عمليات‬
‫البيانات الداخلية‪ ،‬وتسمح بتوعية املواطنين وإطالعهم على الخيارات املتاحة‪ ،‬وتسهيل عمليات تقييم األداء وتحقيق الديمقراطية‬
‫واملساءلة وضمان آلية الوصول إلى حكومة منفتحة لتحقيق املساءلة‪.508‬‬

‫وتعمل الشفافية على تحقيق ترابط اإلدارة على جميع املستويات اإلدارية والتنفيذية‪ ،‬وإحداث التكامل بين أهدافها وإشاعة‬
‫النظام واالنضباط والحرص والدقة واإلنجاز والحسم وتقوية الترابط املجتمعي‪ ،‬بما ينسجم مع الحقوق االجتماعية واالقتصادية‬
‫للفئات املهمشة‪ ،‬كما تعمل الشفافية على اختيار قيادات تتصف باملوضوعية والنزاهة واالنتماء والوالء للمؤسسة والصالح العام‬
‫وتقليل الغموض والضبابية‪ ،‬وتسهم في القضاء على الفساد‪ ،509‬فالشفافية وإن كانت مطلوبة في حياة الناس مع بعضهم البعض‪،‬‬
‫وفي العالقات اإلنسانية بشكل عام‪ ،‬إال أنها تبقى ضرورة ملحة في منظمات العمل اإلدارية الخاصة والعامة‪ ،‬وخصوصا بين‬
‫القيادات مع بعضها البعض من جهة وبين القيادات والعاملين تحت إدارتها من جهة أخرى‪ ،‬حتى ال تكون املنظمة غامضة في‬
‫توجهاتها وأهدافها‪ ،‬لذا فإن الشفافية تعزز الوالء لدى العاملين وتزيد من إنجازاتهم وتشد هممهم‪ ،‬وترسيخ قيم التعاون وتضافر‬
‫الجهود ووضوح النتائج وتحسينها‪.‬‬

‫‪ - 505‬عمر رياض؛ الشفافية واملساءلة‪ ،‬مركز الدراسات في األبحاث والقيم‪ ،‬الرابطة املحمدية للعلماء‪ ،‬اململكة املغربية‪ ،www.alqiam.ma ،‬تم‬
‫االطالع عليه بتاريخ ‪ 9103/09/03‬على الساعة ‪.04:42‬‬
‫‪ - 506‬أشرف العطيفي؛ إشكالية الشفافية داخل اإلدارة املغربية‪ -‬إدارة وزارة العدل والحريات نموذجا‪ ،‬بحث لنيل دبلوم املاستر في القانون‬
‫العام‪ ،‬جامعة عبد املالك السعدي‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬طنجة‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،9109/9100‬ص‪.42‬‬
‫‪ - 507‬مريم الناصر؛ دور املساءلة في الحد من الفساد اإلداري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.12‬‬
‫‪ - 508‬عطية حسين أفندي؛ اإلدارة العامة إطار نظري‪-‬مداخل للتطوير وقضايا هامة في املمارسة‪ ،‬جامعة القاهرة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬طبعة سنة‪،9119‬‬
‫ص‪.912‬‬
‫‪ - 509‬مريم الناصر؛ املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.21‬‬

‫‪211‬‬
‫مجلة علمية معتمدة دوليا و محكمة تصدر عن مختبر البحث قانون األعمال – جامعة الحسن األول – سطات – املغرب‬
‫اإلميل الرسمي ‪ MFORKi22@Gmail.com :‬املوقع الرسمي ‪WWW.Droitetentreprise.com :‬‬
‫‪ISSN:2509-0291‬‬ ‫اإلصدار ‪ 36‬أكتوبر ‪2021‬‬
‫فتبني مبدأ الشفافية في عمل اإلدارة بغية تعزيز روابط الثقة بينها وبين املجتمع‪ ،510‬فسيرورة االرتقاء بالحكامة يجب أن‬
‫تصاحب بتقوية األدوات الجديدة التي تمكن هؤالء الفاعلين من تقنيات تقييم النتائج‪ ،‬أي القدرة على امتالك أدوات تفاعلية‬
‫توظف لصالح املواطنين‪ ،‬تسمح أساسا بالولوج إلى املعلومة العمومية وتقييم السياسات الجديدة امللتزم بها‪ ،‬ومن تم يترسخ‬
‫مفهوم االنفتاح كإحدى املفاهيم التي ينبغي أن تميز سلوكيات اإلدارة‪ ،‬وهنا ينبغي على املسؤولين التزام الشفافية‪ 511‬أكثر ما يمكن‬
‫فيما يخص القرارات واألعمال التي يقومون بها‪ ،‬وأن ال يكتموا املعلومات‪ ،‬إال عندما تستوجب ذلك املصلحة العامة أو الحياة‬
‫الخاصة لألفراد‪.512‬‬

‫وفي هذا املستوى تفهم الشفافية كشرط للحوار والتشاور‪ ،‬وكذا وسيلة لالندماج االجتماعي وتعلم مراقبة عمل املرافق‬
‫العمومية‪ ،‬كما تتطلب تغييرا في العقليات وإعادة النظر في عالقات اإلدارة باملواطنين‪ ،‬من خالل توسيع مبدأ املشاركة في النشاط‬
‫اإلداري و محاولة لتقريب اإلدارة من املواطنين‪ ،‬وإشراكهم فعليا في تسيير دواليبها‪ ،‬وعليه‪ ،‬فالشفافية بهذا املفهوم املتطور جعلت‬
‫اإلدارة املغربية تتمكن من تطوير خبرة عالية في معالجة حاجيات السكان واالستجابة لها‪ ،‬كما مكنتها من مراعاة وتطوير ثقافة‬
‫التفوق واالمتياز في مجالي التنظيم والتدبير اإلداريين‪.‬‬

‫ومن أجل دعم وتحسين الشفافية في أداء الوحدات واملؤسسات السياسية واالقتصادية في مجتمع ما‪ ،‬طاملا توافرت اإلرادة‬
‫الحقيقية لتحقيق ذلك لدى الجهات املعنية‪ ،‬هناك عدة أساليب وإجراءات‪ ،‬نبرز أهمها فيما يلي‪:‬‬

‫توافر الديمقراطية في املجتمع‪ ،‬فالشفافية تتطلب وجود ديمقراطية في املمارسات العملية‪ ،‬فاملمارسات‬ ‫‪‬‬
‫الديمقراطية تضمن قانونية الوصول إلى املعلومات من خالل قوانين لحرية املعلومات والحصول عليها من قبل املواطنين‬
‫املعنيين‪ ،‬أو من خالل توافر الشفافية في القوانين واإلجراءات‪.513‬‬
‫انتهاج الشفافية والوضوح وعدم الغموض في األنظمة والقوانين واإلجراءات من خالل مراجعتها ومعالجة‬ ‫‪‬‬
‫نصوصها وفقراتها الغامضة وتوضيحها وإعالنها للموظفين واملواطنين‪.514‬‬
‫تنمية القيم الدينية والتركيز على البعد األخالقي في محاربة الفساد‪ ،‬وذلك ألن معظم حاالت الفساد تتم بسرية‬ ‫‪‬‬
‫وبطرق عالية املهارة‪ ،‬فيكون من الصعب وضع تشريعات وقوانين تقض ي على أنماط الفساد بصورة تامة في ظل هذه‬
‫السرية‪ ،‬فال شك أن القيم الدينية في جميع الديانات السماوية تدعو إلى الفضيلة وااللتزام باألخالق في جميع نواحي‬
‫السلوك البشري‪ ،‬ويقوم جوهر تلك القيم على فرض رقابة ذاتية على الفرد في كل أعماله‪.515‬‬

‫‪ - 510‬ميثاق حسن التدبير؛ اململكة املغربية وزارة الوظيفة العمومية واإلصالح اإلداري‪ ،0222 ،‬ص‪.04‬‬
‫‪ - 511‬الشفافية والفساد يقعان على طرفي نقيض‪ ،‬فكلما اتسعت دائرة الشفافية ضاقت دائرة الفساد‪ ،‬ولهذا يعتبر انعدام الشفافية انتشارا‬
‫واستفحاال للفساد‪ ،‬ومحاولة واضحة للتغطية عليه وتمريره‪ ،‬فالتعامل غير الشفاف يخفي وراءه كل ما يمكن أن يضر باملصلحة العامة والخاصة‪.‬‬
‫فبواسطة الشفافية يمكننا تحديد بؤرة الفساد وحصرها ومعالجتها‪ ،‬فتصبح الشفافية أحد أدوات وسائل الوقاية من الفساد‪.‬‬
‫‪ - 512‬عبد العزيز أشرقي؛ الحكامة الجيدة‪ ،‬الدولة الوطنية الجماعية ومتطلبات اإلدارة املواطنة‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪،‬‬
‫الطبعة األولى ‪ ،9112‬ص‪.029‬‬
‫‪ - 513‬فارس بن علوش بن بادي السبيعي؛ دور الشفافية واملساءلة في الحد من الفساد اإلداري في القطاعات الحكومية‪ ،‬أطروحة مقدمة‬
‫استكماال ملتطلبات الحصول على درجة دكتوراه الفلسفة في العلوم األمنية‪ ،‬جامعة نايف العربية للعلوم األمنية‪ ،‬كلية الدراسات العليا قسم‬
‫العلوم اإلدارية‪ ،‬جدة‪ ،9101 ،‬ص‪.90‬‬
‫‪ - 514‬مريم الناصر؛ دور املساءلة في الحد من الفساد اإلداري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.21‬‬
‫‪ - 515‬عصام عبد الفتاح مطر‪ ،‬الفساد اإلداري ماهيته أسبابه مظاهره‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.921-927‬‬

‫‪212‬‬
‫مجلة علمية معتمدة دوليا و محكمة تصدر عن مختبر البحث قانون األعمال – جامعة الحسن األول – سطات – املغرب‬
‫اإلميل الرسمي ‪ MFORKi22@Gmail.com :‬املوقع الرسمي ‪WWW.Droitetentreprise.com :‬‬
‫‪ISSN:2509-0291‬‬ ‫اإلصدار ‪ 36‬أكتوبر ‪2021‬‬
‫تنمية وعي موظفي القطاع العام واملتعاملين معه بمختلف أشكال الفساد‪ ،‬ومعرفة األدوات واألساليب الالزمة‬ ‫‪‬‬
‫ملكافحته‪ ،‬وأهمية بناء الشفافية في األنظمة اإلدارية واملالية‪.‬‬
‫التنسيق املستمر بين األجهزة املعنية بالقوى البشرية والتطوير اإلداري‪ ،‬وتبسيط إجراءات العمل وتطوير قدرات‬ ‫‪‬‬
‫املوظفين‪.‬‬
‫دراسة وتطبيق آليات املكاشفة واملصارحة من خالل التأكد على التزام كل املوظفين بمسؤولياتهم عن نشر‬ ‫‪‬‬
‫املعلومات للمواطنين عبر آليات منظمة قانونا والرد على استفساراتهم‪.‬‬
‫دعوة مؤسسات املجتمع املدني للعمل على رفع شعار مكافحة الفساد والبدء باإلصالح‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫التعيين في الوظائف على أساس الكفاءة املطلقة‪.516‬‬ ‫‪‬‬

‫املبحث الثاني‪ :‬دور ربط املسؤولية باملحاسبة وتفعيل املساءلة إلرساء الحكامة‬

‫إن مبدأ ربط املسؤولية باملحاسبة يعتبر أهم مقومات الحكامة الجيدة‪ ،‬بحيث كان له وجود سابق‪ ،‬سواء على مستوى‬
‫االتفاقيات الدولية أو الخطب امللكية‪ ،‬والتي تحدثت معظمها عن اإلصالح اإلداري‪ ،‬ولكن أهمية هذا املبدأ ستبرز أكثر بعد‬
‫تكريسه دستوريا‪ ،‬فنظرا ألهميته نص عليه املشرع الدستوري في الفصل األول من دستور‪ ،9100‬وذلك تطبيقا لقاعدة أينما‬
‫توجد مسؤولية هناك محاسبة‪ ،‬والذي يمكن أن نعرفه بأنه نظام يهدف إلى جمع البيانات التي تعكس نشاط كل مسؤول خالل‬
‫فترة معينة‪ ،‬مقارنة باملسؤوليات املحددة مقدما وامللقاة على عاتقه‪ ،‬ونشرها في التقارير‪ ،‬وذلك لتقييم أداء الشخص وقدرته على‬
‫التحكم‪ ،‬ومحاسبته في حالة إخالله بواجبه‪.‬‬

‫ومن خالل هذا‪ ،‬يمكن القول إن توفير هذه اآلليات الدستورية من شأنها تمهيد الطريق نحو تحقيق مطلب محاربة الفساد‪،‬‬
‫حيث أن التنزيل الديمقراطي ملبادئه سيفعل حتما إحقاق مسؤولية ومحاسبة قوية‪ ،‬األمر الذي يتطلب مواكبة قانونية وتعديل‬
‫مجموعة من النصوص القانونية (املطلب األول)‪ ،‬والذي ال يقتصر عند هذا الحد‪ ،‬بل أيضا هناك ترابط وظيفي وبنيوي بين‬
‫الشفافية واملسؤولية واملحاسبة‪ ،‬والذي يعد ثالثي فعال في الوقوف أمام الفساد ومكافحته بكافة أشكاله ومظاهره (املطلب‬
‫الثاني)‪ ،‬غير أن تحقيق املساءلة يتعين التوفر على مجموعة من املتطلبات سواء املتعلقة باإلدارة أو املوظف (املطلب الثالث)‪.‬‬

‫املطلب األول‪ :‬دور ربط املسؤولية باملحاسبة‬

‫تختلف املحاسبة عن مصطلحات مماثلة كالرقابة واملساءلة‪ ،517‬فهي تعني أن يكون املوظف معينا أو منتخبا مسؤوال قانونيا‬
‫وإداريا وأخالقيا عن كل تصرفاته وقراراته املتخذة بمناسبة مزاولته ملهامه‪.‬‬

‫ونشأت محاسبة املسؤولية كأسلوب يهدف إلى الرقابة وتقييم أداء العاملين في الوحدة اإلدارية ملساءلتهم عن نتيجة أعمالهم‬
‫مقارنة باألداء املخطط له‪ ،‬ويتطلب تطبيق هذا األسلوب تطوير األنظمة املحاسبية بهدف مراقبة هذا األداء والتعرف على مشاكل‬
‫تنفيذ الخطط لدى مختلف املستويات اإلدارية‪ ،‬ومن هذه األنظمة جمع البيانات التي تعكس نشاط كل مسؤول خالل فترة‬

‫‪ - 516‬محمد الطويل؛ دور الحكومة اإللكترونية في شفافية العمل الحكومي ومكافحة الفساد‪ ،‬مجلة األسواق واألموال‪ ،‬العدد ‪ ،011‬وكالة مكة‬
‫لإلعالم‪ ،‬جدة ‪ ،9114‬ص‪.09‬‬
‫‪ - 517‬تعني الرقابة واإلشراف والفحص والتفتيش واملراجعة والتحقق‪ ،‬أما املساءلة فهي أن يخضع كل من حصل على تفويض بصالحيات وأدوات‬
‫عمل التقدم بإجابات عن كيفية استعمال الصالحيات وإدارة املوارد التي وضعت تحت تصرفه‪.‬‬

‫‪213‬‬
‫مجلة علمية معتمدة دوليا و محكمة تصدر عن مختبر البحث قانون األعمال – جامعة الحسن األول – سطات – املغرب‬
‫اإلميل الرسمي ‪ MFORKi22@Gmail.com :‬املوقع الرسمي ‪WWW.Droitetentreprise.com :‬‬
‫‪ISSN:2509-0291‬‬ ‫اإلصدار ‪ 36‬أكتوبر ‪2021‬‬
‫معينة‪ ،‬مقارنة باملسؤوليات املحددة مقدما‪ ،‬ونشرها في التقارير وذلك لتقييم أداء الشخص وقدرته على التحكم‪ ،‬كما أنها عبارة‬
‫عن أسلوب رقابي محاسبي لخدمة اإلدارة في تقييم أداء املسؤولين من الناحية األخالقية عموما‪.518‬‬

‫ففي املغرب يعتبر تصدير دستور‪ 9100‬إعالنا سياسيا للمبادئ الكبرى التي تضبط سير الدولة في جميع امليادين وعلى كل‬
‫املستويات‪ ،‬وأن إقامة مؤسسات حديثة يجب أن ينبني على املشاركة والتعددية والحكامة الجيدة‪ ،‬وضمان ذلك بمبدأ ربط‬
‫املسؤولية باملحاسبة املنصوص عليه في الفصل‪ " ،074‬كما أن دمقرطة الدولة واملجتمع‪ ،‬وتحسين مناخ األعمال‪ ،‬يتطلب‬
‫انتهاج الحكامة الجيدة‪ ،‬بتفعيل املبادئ واآلليات التي ينص عليها الدستور‪ ،‬وعلى رأسها ربط تحمل املسؤولية باملساءلة‬
‫واملحاسبة‪ ،‬وتخليق الحياة العامة‪ ،‬بالتصدي لكل أشكال الفساد والرشوة‪ ،‬والريع االقتصادي والسياس ي واالحتكار‪ ،‬وكذا‬
‫العمل على ضمان تكافؤ الفرص‪ ،‬وحرية املبادرة الخاصة‪ ،‬واملنافسة الحرة"‪.519‬‬

‫ونجد كذلك أن الخطاب امللكي لـ ‪ 91‬غشت ‪ 5209100‬قبيل االنتخابات البرملانية حيث قال‪ :‬بأن ممارسة السلطة مرتبط‬
‫باملحاسبة‪ ،‬ولتأسيس األرضية إلطالق هذا الورش تم وضع مؤسسات متخصصة للسهر على ممارسة أفضل للسلطة‪ ،‬قبل أن‬
‫تتم دسترتها‪ ،‬كما هو الشأن بالنسبة للهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها ومجلس املنافسة وكذا املجلس األعلى‬
‫للحسابات‪ ،‬مع تعزيز عمل مفتشيات مجموعة من الوزارات‪ ،521‬وفي هذا اإلطار نجد تقارير املجلس األعلى للحسابات التي جاءت‬
‫للتدقيق في مالية عدة جماعات ترابية‪ ،‬وهي التقارير التي تمخضت عنها قرارات زجرية في حق املخالفين لشروط التدبير الرشيد‬
‫والحكيم‪ ،‬والذي من مبادئه ربط املسؤولية باملحاسبة كمفهوم جديد وجب إعماله بتفعيل املتابعات وليس االكتفاء بوصف‬
‫املخالفات وضبطها‪ ،‬خصوصا بعد تعميق استقاللية القضاء وترسيخا لدولة الحق والقانون وفصل السلط‪.‬‬

‫وقد كان أشد خطابات امللك لهجة من أجل اإلصالح هو خطابه بمناسبة الذكرى ‪ 03‬لتربعه على العرش‪ 522‬بتاريخ ‪92‬‬
‫يوليوز‪ ،9102‬والذي شكل جسرا للتواصل بين امللك والشعب‪ ،‬واستعملت فيه كلمتين أساسيتين هما‪ :‬االنتهازية وانعدام‬
‫املسؤولية للعقليات الفاسدة واملتحجرة التي تتغلغل في إدارتنا املغربية‪ ،‬وبالفعل قام امللك بتفعيل مبدأ ربط املسؤولية باملحاسبة‬
‫في أرض الواقع بإعفائه لوزير الشباب والرياضة‪ ،‬والذي يعتبر أول وزير يتم إعفاؤه في عهد امللك محمد السادس‪ ،‬وذلك من منطق‬
‫روح املسؤولية‪ ،‬وأمر امللك رئيس الحكومة آنذاك بفتح تحقيق لتحديد املسؤوليات‪.‬‬

‫كما قام امللك تفعيال لهذا املبدأ بإعفاء عدد من الوزراء استنادا إلى مختلف التقارير املرفوعة إليه‪ ،‬والتي أعدت من طرف‬
‫املفتشية العامة للمالية‪ ،‬واملجلس األعلى للحسابات عند استقبال الرئيس األول به من طرف امللك وتقديمه لتقرير مفصل بشأن‬

‫‪ - 518‬محمد البوعزاوي؛ تحديث اإلدارة الترابية باملغرب نحو ترسيخ الديمقراطية وكسب رهان التنمية‪ ،‬منشورات مجلة العلوم القانونية‪ ،‬العدد‬
‫‪ ،9107 ،2‬ص ‪.979‬‬
‫‪ - 519‬الخطاب امللكي السامي بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية الخامسة من الوالية التشريعية الثامنة في ‪ 04‬أكتوبر‪.9100‬‬
‫‪ ... " - 520‬لقد آن األوان للقطيعة النهائية مع املمارسات النخبوية املشينة التي أضرت بمصداقية املجالس املنتخبة‪ ،‬وأساءت لنبل العمل‬
‫السياس ي‪ ،‬فعلى كل من ينوي الترشح لالنتخابات املقبلة أن يستحضر تكريس الدستور لربط ممارسة السلطة باملحاسبة "‪.‬‬
‫‪ - 521‬محمد البوعزاوي؛ تحديث اإلدارة الترابية باملغرب نحو ترسيخ الديمقراطية وكسب رهان التنمية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.972‬‬
‫‪ ... " - 522‬أنا ال أفهم كيف يستطيع أي مسؤول‪ ،‬ال يقوم بواجبه‪ ،‬أن يخرج من بيته ويستقل سيارته‪ ،‬ويقف في الضوء األحمر وينظر إلى الناس‬
‫دون خجل وال حياء‪ ،‬وهو يعلم بأنهم يعرفون بأنه ليس له ضمير‪ ،‬أال يخجل هؤالء من أنفسهم‪ ،‬رغم أنهم يؤدون القسم أمام هللا والوطن وامللك‪،‬‬
‫وال يقومون بواجبهم‪ ،‬أال يجدر أن تتم محاسبة أو إقالة أي مسؤول إذا ثبت في حقه تقصير أو إخالل في النهوض بمهامه‪ ،‬وهنا أشدد على ضرورة‬
‫التطبيق الصارم ملقتضيات الفقرة الثانية من الفصل األول من الدستور‪ ،‬التي تنص على ربط املسؤولية باملحاسبة‪ ،‬لقد حان الوقت للتفعيل‬
‫الكامل لهذا املبدأ‪ ،‬فكما يطبق القانون على جميع املغاربة يجب أن يطبق أوال على املسؤولين بدون استثناء أو تمييز وبكافة مناطق اململكة "‪.‬‬

‫‪214‬‬
‫مجلة علمية معتمدة دوليا و محكمة تصدر عن مختبر البحث قانون األعمال – جامعة الحسن األول – سطات – املغرب‬
‫اإلميل الرسمي ‪ MFORKi22@Gmail.com :‬املوقع الرسمي ‪WWW.Droitetentreprise.com :‬‬
‫‪ISSN:2509-0291‬‬ ‫اإلصدار ‪ 36‬أكتوبر ‪2021‬‬
‫خالصات ونتائج املجلس بصدد برنامج " الحسيمة منارة املتوسط "‪ ،‬إذ وقف من خالله املجلس على جملة من االختالالت التي‬
‫عرفها املشروع‪ ،‬فقام امللك استنادا على الفصل‪ 42‬من دستور‪ ،9100‬وبعد تحديد املسؤوليات بشكل دقيق واستشارة رئيس‬
‫الحكومة‪ ،‬بإعفاء عدد من الوزراء املعنيين بهذه االختالالت‪ ،‬مؤكدا بأنه لن تسند لهم أية مهام رسمية مستقبال‪ ،‬بسبب إخاللهم‬
‫بالثقة التي وضعت فيهم‪ ،‬ولعدم تحملهم للمسؤوليات امللقاة على عاتقهم‪.‬‬

‫فمبدأ مساءلة املسؤولين ينطلق من خلفية تعزيز األخالقيات والنزاهة ونكران الذات في التعاطي مع الشأن العام‪ ،‬ومن شأن‬
‫تكريس ربط املسؤولية باملحاسبة إشاعة نوع من الثقة‪ ،‬مما ينعكس إيجابا على مسلسل التنمية االقتصادية واالجتماعية وعلى‬
‫مناخ االستثمارات الوطنية واألجنبية بفضل قيم الشفافية واملهنية وااللتزام التي يرتكز عليهم هذا املبدأ‪ ،‬والذي يعتبر بذلك مدخال‬
‫لتعميم ثقافة املسؤولية في شقها األخالقي‪.523‬‬

‫وبالتالي فمبدأ ربط املسؤولية باملحاسبة بات له حضور ملحوظ في الخطاب السياس ي بعد دستور‪ ،9100‬وهو ما يوحي بإشارة‬
‫واضحة على أن الدستور الجديد يشكل قطيعة مع كل املمارسات التي كانت تشوب العمل اإلداري‪ ،‬وقد أحاط الدستور املسؤولية‬
‫بمجموعة من القواعد والضوابط‪ ،‬فأعوان املرافق العامة يمارسون وظائفهم وفق مبادئ احترام القانون والحياد والشفافية‬
‫والنزاهة واملصلحة العامة‪ ،‬كما أن تمكين املواطنين من تقديم مالحظاتهم وتظلماتهم لإلدارة من شأنه أن يساهم في تخليق املرافق‬
‫العامة‪.524‬‬

‫وبالرجوع إلى الفصل األول‪ 525‬من دستور‪ ،9100‬نالحظ أن السياق الدستوري قد حشد مفاهيم سياسية مكثفة بشكل‬
‫متداخل‪ ،‬فنجد أن الديمقراطية تحيل بالضرورة على توفير شروط املواطنة واعتماد املقاربة التشاركية واقتران املسؤولية‬
‫باملحاسبة‪ ،‬فالديمقراطية نفسها ال يمكن أن تشتغل بشكل سليم بمعزل عن الحكامة الجيدة‪ ،‬وعليه‪ ،‬فالرقابة واملحاسبة‬
‫والنزاهة تشكل محورا أساسيا في تحريك وضمان نجاح الحكامة التنموية في كافة أبعادها ومستوياتها وتفاعالتها‪ ،‬فهي جزء ال‬
‫يتجزأ من منظومة الحكامة الديمقراطية الرشيدة‪ ،‬إذ ال ديمقراطية بدون رقابة ومحاسبة ونزاهة‪.‬‬

‫وعموما فمبدأ ربط املسؤولية باملحاسبة يجب أن يطبق في جميع املجاالت االقتصادية واالجتماعية والثقافية والرياضية‬
‫والجمعوية‪ ،‬فحيثما هناك ميزانية وخدمات إدارية أو غيرها‪ ،‬هناك ضرورة للمراقبة وتقييم األداء‪ ،‬وبالتالي املحاسبة وترتيب‬
‫الجزاءات‪ ،‬فمن أجل تفعيل مبدأ ربط املسؤولية باملحاسبة ال نحتاج فقط إلى مؤسسات محددة املهام ومتوفرة على الوسائل‬
‫الكافية للقيام بواجبها‪ ،‬بل البد أيضا من التوفر على موارد بشرية تتميز بالكفاءة والنزاهة‪ ،‬وذلك لن يكون إال بتغيير العقليات‬
‫باللجوء إلى كل الوسائل التثقيفية والتربوية والزجرية عند الحاجة من أجل ترسيخ قيم املواطنة‪ ،‬إذ ال يمكن أن ننتظر من الراش ي‬
‫أن يحارب الرشوة‪ ،‬ومن الظالم أن يحقق العدل أو يساهم في انتشاره‪ ،‬أو من الفاسد أن يساهم في اإلصالح‪.‬‬

‫‪ - 523‬محمد البوعزاوي؛ تحديث اإلدارة الترابية باملغرب نحو ترسيخ الديمقراطية وكسب رهان التنمية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.979‬‬
‫‪ - 524‬أحمد أجعون؛ الوجيز في التنظيم اإلداري املغربي‪ ،‬مطبعة الوراقة سجلماسة‪ ،‬طبعة ‪ ،9107‬ص‪.022-029‬‬
‫‪ " - 525‬نظام الحكم باملغرب نظام ملكية دستورية‪ ،‬ديمقراطية برملانية واجتماعية‪.‬‬
‫يقوم النظام الدستوري للمملكة على أساس فصل السلط‪ ،‬وتوازنها وتعاونها‪ ،‬والديمقراطية املواطنة والتشاركية‪ ،‬وعلى مبادئ الحكامة‬
‫الجيدة‪ ،‬وربط املسؤولية باملحاسبة "‪.‬‬

‫‪215‬‬
‫مجلة علمية معتمدة دوليا و محكمة تصدر عن مختبر البحث قانون األعمال – جامعة الحسن األول – سطات – املغرب‬
‫اإلميل الرسمي ‪ MFORKi22@Gmail.com :‬املوقع الرسمي ‪WWW.Droitetentreprise.com :‬‬
‫‪ISSN:2509-0291‬‬ ‫اإلصدار ‪ 36‬أكتوبر ‪2021‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬عالقة ربط املسؤولية باملحاسبة بالشفافية‬

‫إن التفعيل السليم ملبدأ ربط املسؤولية باملحاسبة يتمثل في الشفافية والحق في الحصول على املعلومة وحرية تداولها‪ ،‬ذلك‬
‫أن الشفافية واملحاسبة متالزمتان‪ ،‬وأن النظام الشفاف يضمن التدفق الحر والشامل للمعلومات‪ ،‬بحيث تصبح متاحة ومتداولة‬
‫بين جميع املعنيين بها‪ ،‬وفائدة الشفافية كونها تلعب دورا كاشفا للحقائق‪ ،‬وبالتالي استباقيا ووقائيا من األخطاء‪ ،‬ومن سوء تقدير‬
‫املوارد ومن الفساد‪ ،‬فاإلفصاح عن مختلف القواعد واألنظمة والتعليمات واللوائح املعتمدة في وضع وتنفيذ السياسات واتخاذ‬
‫القرارات من شأنه أن يسمح فيما بعد باملحاسبة‪ 526‬واملساءلة والتصويب والتقويم‪ ،‬وأن يسمح قبل ذلك بتحديد األدوار‬
‫واملسؤوليات‪ ،‬باعتبار هذا التحديد هو فاتحة مسلسل الربط العملي بين املسؤولية واملحاسبة‪ ،‬وتكمن أهمية التحديد الدقيق‬
‫لألدوار واملسؤوليات في مواجهة إشكالية رسم حدود املسؤولية وتبديد غموضها‪ ،‬ومن خالل التمييز بين مختلف أنواع وأشكال‬
‫ودرجات املسؤولية‪ ،‬وفك عقدة تداخل املسؤوليات املؤدية لإلفالت من املحاسبة‪527.‬‬

‫ولتحقيق الحكامة املالية يجب تفعيل ربط املسؤولية باملحاسبة‪ ،‬هذا املبدأ أصبح ضرورة من ضرورات اإلصالح‪ ،‬وبالتالي يجب‬
‫تحديد املسؤوليات بدقة حتى تتم املحاسبة بموضوعية ونزاهة وشفافية وطبقا للقانون‪ ،‬فغياب املحاسبة واملساءلة له بطبيعة‬
‫الحال تداعيات على مالية الدولة‪ ،‬هذه التداعيات تتجلى باألساس في الفساد‪ ،‬واالختالس وسرقة املال العام‪ ،‬هذا ما جعل‬
‫املواطن يفقد الثقة في املؤسسات‪ ،‬ومن أجل استرجاع الثقة وتحقيق التنمية‪ ،‬يجب االعتماد على الحكامة املالية‪ ،‬بااللتزام‬
‫بمبادئ الشفافية واملشاركة والفعالية والتعاقد واملساءلة في إطار احترام القانون‪ ،‬بواسطة اعتماد آليات التخطيط االستراتيجي‬
‫والتتبع والتقييم‪.528‬‬

‫فاإلفالت من العقاب الذي يتيحه غياب املحاسبة‪ ،‬يشجع على التمادي في استغالل النفوذ‪ ،‬ونهب املال العام وتأخير عجلة‬
‫التنمية في البالد‪ ،‬ودون شك‪ ،‬فإن تفعيل ربط املسؤولية باملحاسبة‪ ،‬في الشق املتعلق باملال العام سيدشن ال محالة ملرحلة‬
‫جديدة‪ ،‬تجعل املسؤول حريصا على أداء مهامه دون التفكير في التطاول على املال العام‪ ،‬الذي يخدم املصلحة العامة للمجتمع‬
‫بإسهاماته في املشاريع التنموية للبالد‪ ،‬وبالتالي فمبدأ ربط املسؤولية حان الوقت لتطبيقه‪ ،‬وأي شخص تبث في حقه تقصير أو‬
‫إخالل في النهوض بمهامه أو قام باختالس أموال الدولة‪ ،‬يجب محاسبته طبقا للقانون‪.529‬‬

‫‪ - 526‬تعني املحاسبة خضوع األشخاص الذين يتولون منصب عام للمحاسبة عن أعمالهم نتيجة للفحص واملساءلة من قبل املسؤولين عنهم في‬
‫املناصب العليا مثل الوزراء ومن هم في مراتبهم‪ ،‬وتكون املحاسبة في ثالثة جوانب‪:‬‬
‫املتابعة القانونية‪ :‬أي مطابقة تصرفات األفراد مع بنود القانون في األعمال التي يقومون بها‪ ،‬فإذا ثبت وجود تجاوز للقانون ترتب عليه‬ ‫‪‬‬
‫ضرر جرمي‪ ،‬ويحاسبون وفق ما ينص عليه القانون لدى الجهات القضائية‪.‬‬
‫املتابعة اإلدارية‪ :‬وتعني تعرض األفراد العاملين في املؤسسة الحكومية للفحص واملتابعة والتقويم املستمر الذي يقوم به أفراد أعلى منهم‬ ‫‪‬‬
‫درجة في سلم الهرم الوظيفي للمؤسسة أو الوزارة‪.‬‬
‫املتابعة األخالقية‪ :‬وتعني مقارنة األعمال التي يقوم بها الشخص مع القيم األخالقية التي يجب االلتزام بها مثل‪ :‬األمانة في العمل (عدم‬ ‫‪‬‬
‫قبول الرشوة‪ ،‬وعدم العمل العتبارات الوساطة واملحسوبية)‪ ،‬الصدق في القول‪ ،‬العدالة في املعاملة‪ ،‬وعند ثبوت تجاوز الشخص لواحدة أو أكثر‬
‫من هذه الصفات األخالقية في عمله يستدعي محاسبته من قبل الجهات املسؤولة عنه‪ ،‬وفي معظم املؤسسات العامة يتم تحديد قواعد السلوك‬
‫السليم‪ ،‬أو تجنب السلوك املنبوذ في أحكام مدونة السلوك‪.‬‬
‫‪ - 527‬محمد براو؛ مبدأ ربط املسؤولية باملحاسبة‪ www.hespress.com ،‬تاريخ التصفح ‪ 9102/17/17‬على الساعة ‪.99:17‬‬
‫‪ - 528‬حميد مالح؛ الحكامة املالية وربط املسؤولية باملحاسبة‪ www.frssiwa.blogspot.com ،‬تاريخ التصفح ‪ 9102/17/01‬على الساعة ‪.02:92‬‬
‫‪ - 529‬حميد أمالح؛ املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.007‬‬

‫‪216‬‬
‫مجلة علمية معتمدة دوليا و محكمة تصدر عن مختبر البحث قانون األعمال – جامعة الحسن األول – سطات – املغرب‬
‫اإلميل الرسمي ‪ MFORKi22@Gmail.com :‬املوقع الرسمي ‪WWW.Droitetentreprise.com :‬‬
‫‪ISSN:2509-0291‬‬ ‫اإلصدار ‪ 36‬أكتوبر ‪2021‬‬
‫ولقد أصبحت اليوم مبررات منطقية وقوية العتبار آليتي املسؤولية واملحاسبة بمثابة مبدأ واحد ال يمكن الفصل بينهما‪ ،‬فإذا‬
‫اعتبرنا أن نجاح آلية املسؤولية على املستوى اإلداري بالخصوص‪ ،‬يستدعي أن تكون عملية مستمرة ومنتظمة مقترنة باستقاللية‬
‫تامة وشفافية حقيقية‪ ،‬باعتبارها مبدأ استراتيجيا في مجال الحكامة الجيدة‪ ،‬خاصة في ظل تنامي آفة الفساد‪ ،‬وما تحمله من‬
‫تأثيرات سلبية من إضعاف لشروط تحقيق تنمية شاملة لإلدارة ومحاربة كافة أشكال الفساد‪ ،‬واملحاسبة هي تلك النتيجة‬
‫الحتمية واملوضوعية لهذه الصيرورة‪ ،‬وال يمكن إعطاء املحاسبة هنا املقاربة الزجرية أو العقابية بقدر ما يتوجب اعتبارها مبدأ‬
‫أساسيا من مبادئ الحكامة اإلدارية‪ ،‬وأسلوبا فعاال ملحاربة الفساد اإلداري بكل أشكاله ومظاهره‪ ،‬وفي املقابل نجد أن هناك‬
‫تكامال وظيفيا وبنيويا بين مبدأ املسؤولية واملحاسبة وبين الشفافية والنزاهة‪ ،‬وكلها مقومات أساسية من مقومات املعيارية‬
‫والعملية للحكامة الجيدة‪.530‬‬

‫فالشفافية واملسؤولية وجهان لعملة واحدة‪ ،‬فالشفافية تشكل مسبقا للمسؤولية‪ ،‬والثانية تعد استكماال لألولى وقوة دفع‬
‫لها‪ ،‬وإذا كان هذا كذلك فإن الترجمة لهذه العالقة الجدلية على مستوى الدور العملي لألجهزة األعلى لرقابة املالية واملحاسبية‪،‬‬
‫تكمن في املوقع املركزي للجهاز الرقابي في منظومة الشفافية واملسؤولية‪ ،‬وفي تفاعالت النسق العام لعالقات املسؤولية بالشفافية‬
‫واملحاسبة داخل الدولة‪.‬‬

‫ونجاح خطط وبرامج التنمية يرتبط بالقضاء على الفساد وغرس قيم النزاهة ودعم الشفافية واملساءلة‪ ،‬وهي أهداف أساسية‬
‫تسعى األجهزة العليا للرقابة واملحاسبة إلى تحقيقها‪ ،‬وبذلك فهي تلعب دورا هاما في مكافحة الفساد‪ ،‬وتولي الشفافية واملساءلة‬
‫أهمية كبيرة‪ ،‬وتعمل على دعمها من خالل تطوير الوسائل واألدوات واألساليب املستخدمة في بيئة العمل الرقابي‪ ،531‬فالرقابة‬
‫والشفافية واملساءلة واملسؤولية في املنظور الديمقراطي آليات تمارس وظيفة ضبط أعمال الدولة وإفراغها في قواليب معيارية‬
‫تحرسها وتضفي عليها رداء الشرعية‪.‬‬

‫وتظهر أهمية املساءلة من خالل ارتباطها بقيم الشفافية والديمقراطية‪ ،‬وتحقيق االلتزام بالتنفيذ الصحيح واملالئم للسياسات‬
‫العمومية‪ ،‬من خالل التوضيح املعقول واملقبول لتحمل املسؤولية نحو نتائج األعمال‪ ،‬ما يعني أنه يجب أن تكون املسؤوليات‬
‫واضحة‪ ،‬ومحددة كعقد متفق عليه‪ ،‬يحتوي على معايير محددة‪ ،‬وهي وسيلة لتحسين بيئة اإلدارة من خالل توفير الثقة بين‬
‫املوظف وصاحب العمل وبين املوظفين فيما بينهم‪ ،‬فوجود املساءلة يدعم تصميم وتنفيذ السياسات بشكل فعال‪.532‬‬

‫وتتوزع منظومة الرقابة واملسؤولية واملحاسبة والشفافية حسب السلطات الثالث في الدولة‪:‬‬

‫أجهزة تنفيذية أو حكومية تتولى املراقبة الفعلية وامللموسة واليومية ملواكبة التدبير‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫أجهزة قضائية هي املحاكم العادية واملجلس األعلى للحسابات واملجالس الجهوية للحسابات‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫البرملان والذي قد يلجأ إلى توظيف آليات تشريعية للبحث والتحري وهي لجن تقص ي الحقائق البرملانية‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫ورغم ذلك‪ ،‬فإن التطورات املتالحقة في بيئة األعمال واستخدام التقنيات الحديثة وثورة املعلومات تستدعي تطوير أدوات‬
‫وأساليب املمارسة الرقابية‪ ،‬واستخدام البرمجيات الحديثة‪ ،‬وفي الوقت التي تشكل ربط املسؤولية باملحاسبة ركيزة أساسية‬
‫لتفعيل الرقابة ضد الفساد‪ ،‬ذلك أنه ال رقابة بدون مسؤولية ومحاسبة‪ ،‬وبالنظر إلى أن املسؤولية واملحاسبة الحقيقية تعني‬

‫‪ - 530‬مريم الناصر؛ دور املساءلة في الحد من الفساد اإلداري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.24‬‬
‫‪ - 531‬عصام عبد الفتاح مطر؛ الفساد اإلداري ماهيته أسبابه مظاهره‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.944‬‬
‫‪ - 532‬فارس بن علوش بن بادي السبيعي؛ دور الشفافية واملساءلة في الحد من الفساد اإلداري في القطاعات الحكومية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.40‬‬

‫‪217‬‬
‫مجلة علمية معتمدة دوليا و محكمة تصدر عن مختبر البحث قانون األعمال – جامعة الحسن األول – سطات – املغرب‬
‫اإلميل الرسمي ‪ MFORKi22@Gmail.com :‬املوقع الرسمي ‪WWW.Droitetentreprise.com :‬‬
‫‪ISSN:2509-0291‬‬ ‫اإلصدار ‪ 36‬أكتوبر ‪2021‬‬
‫القدرة على مساءلة املسؤولين على اختالف مستوياتهم دون تمييز بسبب مناصبهم‪ ،‬فهي بذلك تسهم بشكل فعال في مكافحة‬
‫الغش والفساد وتدعيم الشفافية‪.533‬‬

‫كما أن وجود الشفافية وتعزيزها يؤدي إلى تقوية وتفعيل حق املواطنين وأصحاب املصالح في مساءلة املسؤولين عن قراراتهم‬
‫وأعمالهم املختلفة املشكوك فيها‪ ،‬فالشفافية عنصر من عناصر املساءلة‪ ،‬فهي تقي من األخطاء وبالتالي الحد أو القضاء على‬
‫الفساد‪ ،‬إذ يكون للشفافية دور حاسم على صعيد الفعالية‪ ،‬فتوافر الشفافية يدعم ممارسة املساءلة من قبل املواطنين لإلدارة‬
‫من خالل الوسائل املختلفة كالبرملان ووسائل اإلعالم واملجتمع املدني‪ ،‬ويساعد على تحقيق أهداف الرقابة‪.534‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬أهمية تفعيل املساءلة للحد من الفساد‬

‫تلعب املساءلة دورا محوريا في تشكيل وتوجيه العمليات والنشاطات اليومية لإلدارة العمومية‪ ،‬وتمثل قيمة في النسق القيمي‬
‫للمجتمع‪ ،‬قبل أن تكون مجرد آليات‪ ،‬وأن أهميتها القيمية ترتبط بتحقيق قيم أخرى أبرزها الديمقراطية والشفافية‪ ،‬ونجد أن‬
‫وسائل اإلعالم املختلفة تكثر من استخدام كلمة املساءلة‪ ،‬وتتناولها بشكل مبسط‪ ،‬مشيرة إلى وضع اللوم على بعض الفاعلين‪،‬‬
‫وذلك بسبب بعض أوجه القصور في إدارة الخدمات العمومية‪ ،‬وهي تتضمن إشارات إلى ضرورة معاقبة ومساءلة املتسببين في‬
‫ذلك‪ ،‬فيكثر ترديد كلمة املساءلة بين العاملين في أجهزة اإلدارة العمومية واملواطنين بشكل عام‪.535‬‬

‫ويمكن القول أن كثرة ترديد كلمة املساءلة يدل نسبيا على أهميتها في مجال املمارسة لتصويب حاالت القصور التي يشعر بها‬
‫أفراد املجتمع‪ ،‬وفي املقابل استخدم مصطلح املساءلة في أدبيات اإلدارة العمومية على أنها حافز إيجابي إلظهار اإلنجاز الجيد‪،‬‬
‫ومعاقبة أصحاب اإلنجاز القاصر‪ ،‬وأن تفعيل املساءلة كمبدأ‪ ،‬وعملية انتشارها كقيمة في ممارسات اإلدارة العمومية تؤدي إلى‬
‫تصحيح أعمالها من خالل خلق ثقافة إدارية وتنظيمية تعتمد على التوجيه بالنتائج والتزام الشفافية‪.536‬‬

‫فاملساءلة تمثل قيمة اجتماعية ترتبط بتحقيق قيم الديمقراطية والشفافية والتمكين‪ ،‬بحيث يؤدي رسوخ الشفافية في‬
‫أعمال اإلدارة العمومية إلى تدعيم املساءلة‪ ،‬ومن دون املساءلة فال قيمة للشفافية في العمل‪ ،‬ومن دون الشفافية ال يمكن تفعيل‬

‫‪ - 533‬مريم الناصر؛ دور املساءلة في الحد من الفساد اإلداري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.27-24‬‬
‫‪ - 534‬فارس بن علوش بن بادي السبيعي؛ دور الشفافية واملساءلة في الحد من الفساد اإلداري في القطاعات الحكومية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪-40‬‬
‫‪.49‬‬
‫‪ - 535‬مريم الناصر؛ املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.32‬‬
‫‪ - 536‬وتبرز أهمية املساءلة كأحد األركان األساسية في مفهوم أو أسلوب الحكم الجديد‪ ،‬وهو ما عرف بالعقد االجتماعي املمثل بشراكة ثالثية بين‬
‫الحكومة والقطاع الخاص واملجتمع املدني‪ ،‬والهادف لتحقيق استغالل أفضل لقدرات املجتمع‪ ،‬وتحقيق عقالنية اإلدارة‪ ،‬فتشكل املساءلة أداء‬
‫لضمان ما يسمى بديمقراطية اإلدارة العمومية‪ ،‬ولكون غياب املساءلة يساعد على انتشار الفساد وظهور األمراض اإلدارية‪ ،‬بسبب تدني كفاءة‬
‫وظيفة الحكومة السياسية وتدني وظيفة القطاع الخاص االقتصادية‪ ،‬فقد أشارت بعض الدراسات إلى أن هناك عالقة إيجابية بين مستوى‬
‫املساءلة وفعالية وكفاءة األداء‪.‬‬

‫‪218‬‬
‫مجلة علمية معتمدة دوليا و محكمة تصدر عن مختبر البحث قانون األعمال – جامعة الحسن األول – سطات – املغرب‬
‫اإلميل الرسمي ‪ MFORKi22@Gmail.com :‬املوقع الرسمي ‪WWW.Droitetentreprise.com :‬‬
‫‪ISSN:2509-0291‬‬ ‫اإلصدار ‪ 36‬أكتوبر ‪2021‬‬
‫املساءلة ‪ .،537‬ويعتبر شيوع قيمة املساءلة مرتبطا ببقاء ثقة املواطنين في أي نظام للحكم العام‪ ،‬ألن ترسيخ قيمة املساءلة في‬
‫املجتمع يعني أن الجهاز اإلداري في الدولة يعمل من أجل مصلحة املجتمع‪.538‬‬

‫وتوثيقا للعالقة بين الفساد والشفافية واملساءلة قام بيتر آيجن مدير البنك الدولي السابق‪ ،‬بتأسيس منظمة الشفافية الدولية‬
‫في عام ‪ ،0222‬والتي تعد أكبر منظمة غير حكومية في العالم ملحاربة الفساد بصفته آفة العصر األولى أو مشكلة القرن الراهن‪،‬‬
‫والتي تمثل وفق تقدير بيتر آيجن أكبر عائق أمام التطور االقتصادي والديمقراطي في دول العالم بصورة عامة‪ ،‬وتمخض عن‬
‫عمل منظمة الشفافية الدولية مجموعة من أدوات وآليات ناجعة ملحاربة الفساد‪ ،‬والتي تم تكييفها وتطوير عملها من قبل فروع‬
‫منظمة الشفافية الدولية‪ ،‬لتتناسب مع طبيعة االحتياجات على املستوى املحلي‪ ،‬حيث استطاعت أن تثبت أن الفساد ال يقتصر‬
‫على الجزء الجنوبي من العالم‪ ،‬كما كان متصورا‪ ،‬بل استشرى في الشمال كذلك كما هو الحال في الواليات املتحدة وأروبا‪ ،‬ولقد‬
‫نجحت منظمة الشفافية الدولية في تعزيز التعاون بين الكثير من الحكومات ومنظمات املجتمع املدني‪.539‬‬

‫وهكذا تبرز أهمية املساءلة كآلية لضبط العمل اإلداري وضمان حسن توجيه وتحقيق الفعالية والكفاءة لإلدارات العمومية‪،‬‬
‫أي القدرة على إنجاز املهام املطلوبة وتحقيق األهداف املوضوعة‪ ،‬واختيار أنجع الوسائل لتحقيق تلك األهداف‪ ،540‬وتعد املساءلة‬
‫مدخال لتحقيق الثقة داخل التنظيم الواحد‪ ،‬فعندما ينظر إليها على أنها عملية تتضمن التوضيح والتبرير بطبيعة األداء والكيفية‬
‫التي تم بها‪ ،‬بين طرفين مساءل ومسائل أو مرؤوس ورئيس‪ ،‬فإن هذه العملية تتضمن في ثناياها وجود االستعداد للقبول بالتبرير‬
‫الذي يجب أن يتسم بالوضوح واملوضوعية ليكون مقنعا للطرف اآلخر‪ ،‬وهذا يتطلب أن يكون العمل والتفسير واعيا وعقالنيا‪،‬‬
‫ويقتض ي االلتزام بتحقيق أهداف محددة‪ ،‬واالنسجام مع سياسة عامة متفق عليها‪.541‬‬

‫إن تفعيل املساءلة له دور مهم في تحقيق التماسك التنظيمي ملختلف املنظمات واملؤسسات‪ ،‬وكذلك لصيانة التماسك‬
‫االجتماعي على مستوى املجتمع‪ ،‬وتحسين وتحقيق الثقة العامة في عمل اإلدارة العمومية‪ ،‬وفي حالة النظر إلى املساءلة كوسيلة‬

‫‪ - 537‬من املالحظ أن العالقة بين مفهومي املساءلة والشفافية تبادلية وطردية‪ ،‬بمعنى كلما زاد معدل الشفافية زاد مستوى املساءلة والعكس‬
‫صحيح‪ ،‬االنفتاح على املجتمع من شأنه أن يؤدي إلى نجاح عملية املساءلة وتثبيت املصداقية‪ ،‬وبالتالي حصول برامج الدولة وسياساتها‬
‫االقتصادية على التأييد‪ ،‬أمام انعدام الشفافية فإنه يفض ي إلى زعزعة االستقرار االجتماعي واالقتصادي‪ ،‬وتعد املساءلة آلية مهمة من آليات‬
‫مكافحة الفساد‪ ،‬فهي معيار ضابط ألداء املؤسسات وتقويم هذا األداء من خالل املحاسبة التي تخضع لها على يد السلطات التشريعية أو‬
‫القضائية أو الجهات املختصة بمكافحة الفساد كالهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها‪ ،‬وتنطوي زيادة الشفافية واملساءلة في‬
‫املجتمع على مجموعة من اآلثار اإليجابية بالنسبة لالقتصاد الوطني‪.‬‬
‫‪ - 538‬فارس بن علوش بن بادي السبيعي؛ دور الشفافية واملساءلة في الحد من الفساد اإلداري في القطاعات الحكومية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.42‬‬
‫‪ - 539‬منظمة الشفافية الدولية؛ ‪ www.Transparency.or‬تاريخ التصفح ‪ 9103/17/13‬على الساعة ‪.92:00‬‬
‫‪ - 540‬وقد لوحظ أنه في إطار توزيع املهام واملسؤوليات بين القطاعين العام والخاص يزداد اقتراب املساءلة بهدف تحسين جودة الخدمة وإلى‬
‫زيادة دور املواطن املستفيد من الخدمة في عمليات صنع القرارات وإعادة إنتاج أنماط جديدة من املسؤولية واملساءلة‪ ،‬ما يوفر تحسين جودة‬
‫الخدمات من خالل مراعاة رغبات املستهلكين‪.‬‬
‫‪ - 541‬وعند تعميم ذلك في جميع فروع املنظمة وبين مختلف مستوياتها التنظيمية‪ ،‬وتفعيل هذه القيمة واملبدأ في عمل املنظمات العامة لإلدارة‪،‬‬
‫مع البيئة الخارجية واملتمثلة في املجتمع ومنظماته‪ ،‬فإن ذلك يحقق الثقة املتبادلة التي توجد مناخا تنظيميا عاما وأنسب لإلنجاز الجيد‪.‬‬

‫‪219‬‬
‫مجلة علمية معتمدة دوليا و محكمة تصدر عن مختبر البحث قانون األعمال – جامعة الحسن األول – سطات – املغرب‬
‫اإلميل الرسمي ‪ MFORKi22@Gmail.com :‬املوقع الرسمي ‪WWW.Droitetentreprise.com :‬‬
‫‪ISSN:2509-0291‬‬ ‫اإلصدار ‪ 36‬أكتوبر ‪2021‬‬
‫لدعم التنمية والتحسن املستمر في األداء‪ ،‬وتحقيق اإلنصاف وإظهار اإلنجاز الجيد‪ ،‬إضافة إلى محاسبة صاحب األداء القاصر‪،‬‬
‫عندها يمكن توقع نتائج إيجابية واضحة‪ ،‬تشكل بمجملها منافع لتفعيل عملية املساءلة‪ ،‬وتشمل‪:542‬‬

‫‪ ‬تحسين األداء‬
‫‪ ‬تشجيع املوظفين على املشاركة أكثر في عملية صنع القرارات اإلدارية‪ ،‬ما يحقق مستوى أفضل من االلتزام في‬
‫إنجاح العملية اإلدارية‪ ،‬نظرا إلى احتوائهم وشعورهم باألهمية‪.‬‬
‫‪ ‬تعزيز الشعور بالجدارة والكفاءة على مستوى األفراد واملنظمات‪.‬‬
‫‪ ‬تساعد على اإلبداعية واالبتكار‪ ،‬حيث إن تفعيل املساءلة‪ 543‬في حالة إظهار اإلنجاز الحسن تنمي لدى العاملين‬
‫الرغبة بمحاولة اإلبداع والبحث عن الوسائل لتحقيق ذلك‪ ،‬وهو ما يمكن ربطه بحب تحقيق الذات لدى العامل‪،‬‬
‫اعتمادا على أن املوظف يسعى لتحقيق املسؤولية امللقاة على عاتقه‪.‬‬
‫‪ ‬ترفع من مستوى الرضا لدى العاملين‪ ،‬وتحقق تحسين وصيانة الجانب املعنوي لدى األفراد‪ ،‬ما يعزز الوالء‬
‫للمنظمة والعمل‪.‬‬
‫‪ ‬بيان وتوضيح األدوار واملسؤوليات لألطراف املشتركة في تقديم خدمات معينة أو إنجاز عملية إدارية مشتركة‪.‬‬
‫‪ ‬املوازنة الواقعية بين طبيعة توقعات األداء‪ ،‬واألهداف املحددة لكل طرف في العملية اإلدارية‪.‬‬
‫‪ ‬املراجعة املشتركة بين األطراف ومناقشة النتائج املتحققة ومقارنتها مع املخطط لها‪ ،‬والتعاون على تحديد‬
‫سبل العالج‪ ،‬وإجراءات التحسين والتطوير‪ ،‬ووضع نظام لالستفادة من التغذية الراجعة بين األطراف‪.‬‬

‫واملساءلة عند تفعيلها كمبدأ وممارستها كعملية في مجال نشاطات وأعمال اإلدارة العمومية‪ ،‬تساعد في القضاء على األمراض‬
‫اإلدارية املتمثلة في املحسوبية وهدر الوقت وإضاعة املال العام‪ ،‬وتساعد على تعزيز الثقة بالجهاز اإلداري للدولة‪ ،‬وخلق إدارة‬
‫أكثر استجابة لحاجات املواطنين‪ ،‬حيث وجودها يؤكد سيادة االلتزام األخالقي والعقالنية‪ ،‬وسيادة القانون‪ ،‬ما يعزز السعي‬
‫لتحقيق كفاءة العمل اإلداري‪ ،‬وتعزيز الشعور باألمان الوظيفي‪ ،‬ما ينعكس إيجابا على األداء واإلنتاجية‪ ،‬الذي يؤدي إلى رفع‬
‫مستوى األمن الوطني كمحصلة نهائية‪.544‬‬

‫وتعد آلية املساءلة‪ 545‬إحدى أهم أدوات الرقابة في إطار مكافحة الفساد‪ ،‬فهي تعد معيارا ضابطا لألداء الحكومي‪ ،‬وأداة‬
‫تقويمية لألشخاص العاملين في مؤسسات الدولة املختلفة‪ ،‬عندما تتم محاسبتهم من قبل الهيئات املخولة بذلك رسميا‪ ،‬أو من‬

‫‪ - 542‬فارس بن علوش بن بادي السبيعي؛ دور الشفافية واملساءلة في الحد من الفساد اإلداري في القطاعات الحكومية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪-42‬‬
‫‪.43‬‬
‫‪ - 543‬وتعرف نظم املساءلة على أنها واجب املسؤولين عن الوظائف الرسمية ( سواء أكانوا منتخبين أم معينين‪ ،‬وزراء أم موظفين ومن في‬
‫حكمهم)‪ ،‬في تقديم تقارير دورية حول سير العمل في املؤسسة أو الوزارة‪ ،‬بشكل يتم فيه توضيح قراراتهم وتفسير سياساتهم‪ ،‬واالستعداد لتحمل‬
‫املسؤوليات املترتبة على هذه القرارات‪ ،‬وااللتزام بتقديم تقارير عن سير العمل في مؤسستهم‪ ،‬يوضح اإليجابيات والسلبيات‪ ،‬ومدى النجاح أو‬
‫اإلخفاق في تنفيذ سياساتهم في العمل‪ ،‬وكذلك يعني املبدأ حق املواطنين العاديين في االطالع على هذه التقارير العامة‪ ،‬وعن أعمال اإلدارات‪.‬‬
‫‪ - 544‬فارس بن علوش بن بادي السبيعي؛ دور الشفافية واملساءلة في الحد من الفساد اإلداري في القطاعات الحكومية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.42‬‬
‫‪ - 545‬من أكثر وسائل الرقابة البرملانية التي يمارسها أعضاء البرملان شيوعا عن طريق االستجواب‪ ،‬إذ يستطيعون عبر أداة السؤال طرح أسئلتهم‬
‫املتنوعة على أعضاء السلطة التنفيذية‪.‬‬

‫‪220‬‬
‫مجلة علمية معتمدة دوليا و محكمة تصدر عن مختبر البحث قانون األعمال – جامعة الحسن األول – سطات – املغرب‬
‫اإلميل الرسمي ‪ MFORKi22@Gmail.com :‬املوقع الرسمي ‪WWW.Droitetentreprise.com :‬‬
‫‪ISSN:2509-0291‬‬ ‫اإلصدار ‪ 36‬أكتوبر ‪2021‬‬
‫قبل مؤسسات املجتمع املدني والرأي العام‪ ،‬للحد من الخروقات واالنحرافات في عمل الحكومة‪ ،‬التي تحيد عن مسارها الصحيح‬
‫إذا ما ضعفت أشكال املحاسبة‪.‬‬

‫خاتمة‪:‬‬

‫إن التربية والتحسيس هما املدخالن الرئيسيان الذي ينبغي مراعاتهما وأخذهما بعين االعتبار من أجل تخليق الحياة اإلدارية‪،‬‬
‫علما أن إشكالية الرشوة والفساد هي بالدرجة األولى إشكالية قيم وسلوك وأخالق‪ ،‬وهذا ما يتطلب معه اتباع مقاربة تشاركية‬
‫في تخليق الحياة العامة‪ ،‬واالعتماد على آليتي الشفافية وربط املسؤولية باملحاسبة إلرساء الحكامة الجيدة‪ ،‬لتتوحد فيها جهود‬
‫الدولة واملقاولة وهيئات املجتمع املدني باعتبارها سالح وقائي من الرشوة والفساد‪.‬‬
‫املراجع واملصادر‬

‫املراجع بالعربية‪:‬‬
‫‪ -‬محمد قاسم القريوني؛ اإلصالح اإلداري بين النظرية والتطبيق‪ ،‬دار وائل للنشر‪ ،‬عمان‪.9110 ،‬‬
‫‪ -‬محمد براو؛ الشفافية واملساءلة والرقابة العليا على املال العام في سياق الحكامة الرشيدة‪ ،‬دار القلم للتوزيع والنشر‪ ،‬الرباط‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪.9101 ،‬‬
‫‪ -‬عطية حسين أفندي؛ اإلدارة العامة إطار نظري‪-‬مداخل للتطوير وقضايا هامة في املمارسة‪ ،‬جامعة القاهرة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬طبعة‬
‫‪.9119‬‬
‫‪ -‬ميثاق حسن التدبير؛ اململكة املغربية وزارة الوظيفة العمومية واإلصالح اإلداري‪.0222 ،‬‬
‫‪ -‬عبد العزيز أشرقي؛ الحكامة الجيدة‪ ،‬الدولة الوطنية الجماعية ومتطلبات اإلدارة املواطنة‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار‬
‫البيضاء‪ ،‬الطبعة األولى ‪.9112‬‬
‫‪ -‬أحمد أجعون؛ الوجيز في التنظيم اإلداري املغربي‪ ،‬مطبعة الوراقة سجلماسة‪ ،‬طبعة ‪.9107‬‬
‫األطروحات والرسائل‪:‬‬

‫األطروحات‪:‬‬
‫‪ -‬فارس بن علوش بن بادي السبيعي؛ دور الشفافية واملساءلة في الحد من الفساد اإلداري في القطاعات الحكومية‪ ،‬أطروحة‬
‫مقدمة استكماال ملتطلبات الحصول على درجة دكتوراه الفلسفة في العلوم األمنية‪ ،‬جامعة نايف العربية للعلوم األمنية‪ ،‬كلية‬
‫الدراسات العليا قسم العلوم اإلدارية‪ ،‬جدة‪.9101 ،‬‬

‫الرسائل‪:‬‬
‫‪ -‬مريم الناصر؛ دور املساءلة في الحد من الفساد اإلداري‪ ،‬دبلوم املاستر في القانون العام‪ ،‬جامعة عبد املالك السعدي‪ ،‬كلية‬
‫العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬طنجة‪ ،‬السنة الجامعية ‪.9104/9102‬‬
‫‪ -‬العاقل العثماني‪ ،‬املال العام بين الحماية القانونية والضمانات الرقابية‪ ،‬بحث لنيل املاستر في القانون العام‪ ،‬جامعة عبد املالك‬
‫السعدي‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬طنجة‪ ،‬السنة الجامعية ‪.9102/9109‬‬

‫‪221‬‬
‫مجلة علمية معتمدة دوليا و محكمة تصدر عن مختبر البحث قانون األعمال – جامعة الحسن األول – سطات – املغرب‬
‫اإلميل الرسمي ‪ MFORKi22@Gmail.com :‬املوقع الرسمي ‪WWW.Droitetentreprise.com :‬‬
‫‪ISSN:2509-0291‬‬ ‫اإلصدار ‪ 36‬أكتوبر ‪2021‬‬
‫‪ -‬أشرف العطيفي؛ إشكالية الشفافية داخل اإلدارة املغربية ‪-‬إدارة وزارة العدل والحريات نموذجا‪ ،‬بحث لنيل دبلوم املاستر في‬
‫القانون العام‪ ،‬جامعة عبد املالك السعدي‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬طنجة‪ ،‬السنة الجامعية‬
‫‪.9109/9100‬‬

‫املقاالت‪:‬‬
‫‪ -‬محمد الطويل؛ دور الحكومة اإللكترونية في شفافية العمل الحكومي ومكافحة الفساد‪ ،‬مجلة األسواق واألموال‪ ،‬العدد ‪،011‬‬
‫وكالة مكة لإلعالم‪ ،‬جدة ‪ ،9114‬ص‪.09‬‬
‫‪ -‬محمد البوعزاوي؛ تحديث اإلدارة الترابية باملغرب نحو ترسيخ الديمقراطية وكسب رهان التنمية‪ ،‬منشورات مجلة العلوم‬
‫القانونية‪ ،‬العدد ‪ ،9107 ،2‬ص ‪.979‬‬

‫املواقع اإللكترونية‪:‬‬
‫‪ -‬عمر رياض؛ الشفافية واملساءلة‪ ،‬مركز الدراسات في األبحاث والقيم‪ ،‬الرابطة املحمدية للعلماء‪ ،‬اململكة املغربية‪،‬‬
‫‪ ،www.alqiam.ma‬تم االطالع عليه بتاريخ ‪ 9103/09/03‬على الساعة ‪.04:42‬‬
‫‪ -‬محمد براو؛ مبدأ ربط املسؤولية باملحاسبة‪ www.hespress.com ،‬تاريخ التصفح ‪ 9102/17/17‬على الساعة ‪.99:17‬‬
‫‪ -‬حميد مالح؛ الحكامة املالية وربط املسؤولية باملحاسبة‪ www.frssiwa.blogspot.com ،‬تاريخ التصفح ‪ 9102/17/01‬على‬
‫الساعة ‪.02:92‬‬
‫‪ -‬منظمة الشفافية الدولية؛ ‪ www.Transparency.or‬تاريخ التصفح ‪ 9103/17/13‬على الساعة ‪.92:00‬‬

‫‪222‬‬
‫مجلة علمية معتمدة دوليا و محكمة تصدر عن مختبر البحث قانون األعمال – جامعة الحسن األول – سطات – املغرب‬
‫اإلميل الرسمي ‪ MFORKi22@Gmail.com :‬املوقع الرسمي ‪WWW.Droitetentreprise.com :‬‬

You might also like