You are on page 1of 22

‫مجلة البوغاز للدراسات القانونية والقضائية العدد ‪ 6‬يونيو ‪Revuebejj N°6 2020‬‬

‫إشكالية صناعة القرار الجبائي الترابي‬


‫ذ‪ .‬مينة زمـــراوي‬
‫باحثة بسلك الدكتوراه شعبة القانون العام‬
‫كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتامعية‪ ،‬عني السبع‬
‫جامعة الحسن الثاين‪ ،‬الدار البيضاء‬

‫مقدمة‪:‬‬

‫إن التحوالت التي عرفتها عملية صناعة قرار مالي‪ ،‬ال تعدو أن تكون‬
‫مجرد جزء من التحوالت الشاملة التي عرفها المجتمع الدولي بقيادة الدول المتقدمة‪،‬‬
‫فالحاجة إلى التطور وصياغة سياسات عمومية تأخذ فيها الدولة المكانة الرئيسية لم‬
‫تعد مقبولة‪ ،‬فهي لم تعد قادرة على االحتفاظ بوسائل االحتكار لتتخلى بذلك عن‬
‫دورها السلطوي لفائدة دور المشارك في العملية التنموية إلى جانب مجموعة من‬
‫الفواعل‪ ،‬وقد شكل ظهور مجموعة من المتغيرات االجتماعية دعوة إلى التعجيل‬
‫بإعادة البحث عن صياغة نظم سياسية واجتماعية جديدة‪ ،‬وهو ما أدى إلى انبثاق‬
‫العديد من المفاهيم مع مطلع ثمانينيات القرن الماضي كالفاعل المحلي‪ ،‬الحكم‬
‫المحلي‪ ،‬سياسة القرب‪ ،‬التدبير المحلي‪ ،‬الحكامة المحلية وغيرها‪.1‬‬
‫فظهور مصطلح الحكامة على هذا المستوى شكل أرضية لعودة كل ماهو محلي‬
‫للواجهة واإلقرار بمكانة الالمركزية‪،‬وتجسيد واضح ألهمية العالقة التي أصبحت‬
‫تربط الدولة بباقي المتدخلين والفاعلين المحليين خاصة المجتمع المدني والجماعات‬
‫الترابية‪ ،‬وبالتالي التأسيس لعالقة متكاملة تهتم بكل المطالب االجتماعية‪ ،‬وقائمة‬
‫على نه سياسات جديدة تحاول الخروج من أزمة الحكم المركزي وتضع حدا لكل‬
‫أشكال التدبير التقليدية‪ ،2‬ف تكريس الحكامة الترابية إذن كان هو البديل الذي راهنت‬
‫عليه مجموعة من المجتمعات الحديثة–سواء فاعلين رسميين أو غير رسميين‪ ،-‬وما‬

‫‪1‬‬
‫‪-François-Xavier Merrien: « De la gouvernance et des Etats providence‬‬
‫‪contemporains», Revue international des sciences sociales (R .I.S.S), N°‬‬
‫‪155, Mars 1998, P.61.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪-François Merrien: Op.cit, P.66 .‬‬
‫‪290‬‬
‫مجلة البوغاز للدراسات القانونية والقضائية العدد ‪ 6‬يونيو ‪Revuebejj N°6 2020‬‬

‫انتشار خطابات المبادرة الوطنية للتنمية البشرية والجهوية المتقدمة والتدبير‬


‫المفوض في الخطابات السياسية واالقتصادية المغربية بل وفي استراتيجية التنمية‬
‫بشكل عام التي تبناها مختلف الفاعلون السياسيون‪ ،‬إال دليل على قوة ومكانة كل ما‬
‫هو ترابي ضمن القيم التدبيرية الجديدة‪.‬‬
‫فالحكامة إذن هي مجموع اآلليات التي يتم بواسطتها تدبير الشأن العام عبر‬
‫مشاركة المواطنين وكل الشركاء والفاعلين المحليين في إطار من الشفافية والنزاهة‪،‬‬
‫وجعل التنمية على الصعيد االقتصادي مطلبا أساسيا‪ ،‬حيث يمكن اختزالها بشكل‬
‫عام في تحسين مستوى الدخل الفردي بل وفي توسيع دائرة اختيارات األفراد‬
‫وحرياتهم ومشاركتهم في صنع القرار‪ ،‬بإطالق دينامية متحكم فيها كأداة للنمو‬
‫االقتصادي واالجتماعي‪ ،‬وبذلك فالتنمية هنا تنطلق من رؤية تتحدد في تصور‬
‫شمولي ين بني على اعتبار أن الحكامة الترابية وجهين لعملة واحدة‪ ،‬الوجه األول‬
‫يتوخى الفعالية أما الثاني يقترن بشكل كبير بالديمقراطية الترابية‪.1‬‬
‫إذن فمابين الرهان على الحكامة الترابية والمقاربة التنموية تتموقع الظاهرة‬
‫القرارية التي تعد محور كل السياسات‪ ،‬ومن هذا المنبر يمكن تعريف القرار بأنه‬
‫سيرورة األفعال المترابطة وردود األفعال الرامية إلى تحديد وتصريف سياسة عامة‬
‫معينة سواء أكانت قطاعية أو وطنية‪ ،‬فهو اختيار واع يتخذه الفاعل سواء أكان فردا‬
‫أو مجموعة من بين العديد من االختيارات التي تعرض أمامه بشكل علني ويهدف‬
‫حل مشكلة ظهرت أثناء المناقشة‪ ،2‬وبإضافة مصطلح الترابي للمفهوم فإننا نقصد‬
‫بالقرار الترابي‪ ،‬مجموع األفعال وردود أفعال الفاعلين المحليين المشاركين أو‬
‫المؤثرين في صناعته لتحويل المشاكل الترابية إلى سياسة وطنية بعد تخطيها للعديد‬
‫من المساطر اإلجرائية والقانونية‪.3‬‬
‫ومن هذا ال منطلق‪ ،‬فإن القرار الترابي الذي كان ينظر إليه في السابق بنوع من‬
‫عدم التقدير أصبح في واقع األمر ذا أهمية مركزية بالنظر إلى كيفية اشتغال‬
‫المجتمعات المعاصرة التي بدأت تبتعد تدريجيا عن هيمنة السلطة المركزية‪ ،‬هذا‬

‫‪1‬‬
‫‪- Mhammed Echkoundi: « De la gouvernance à La gouvernance local »,‬‬
‫‪in revue Marocaine d’audit et de développement–R.M.U.D-, N°19,‬‬
‫‪Décembre 2004, P.58 .‬‬
‫‪ -2‬سويم العز ي‪" :‬المفاهيم السياسية المعاصرة ودول العالم الثالث‪ ،‬دراسة تحليلية نقدية"‪ ،‬المركز الثقافي‬
‫العربي‪ ،‬الرباط‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،1987 ،‬ص‪.104 .‬‬
‫‪ -3‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.106 .‬‬
‫‪291‬‬
‫مجلة البوغاز للدراسات القانونية والقضائية العدد ‪ 6‬يونيو ‪Revuebejj N°6 2020‬‬

‫زيادة على أن غالبية المهام والنشاطات التي كانت تقوم بها السلطات العاملة على‬
‫المستوى الترابي استنادا إلى مبدأ التفريع‪ ،‬هو ما يؤشر على نوع من تقسيم العمل‬
‫بين الدولة والجماعات الترابية وإضفاء طابع خاص على الفعل العمومي‪ ،‬وهو ما‬
‫جعل مفهوم اإلقليم يتراجع لفائدة المبدأ الجديد المتمثل في الترابية ‪La‬‬
‫‪ territorialité‬وأصبحنا نتحدث عن مفهوم جديد يت مثل في ما يمكن أن نسميه‬
‫بترابية الفعل الجماعي‪ ،‬وهذا االنتقال من المحلي إلى الترابي يعطي بعدا جديدا‬
‫للقرار العمومي‪ ،‬يتمثل أساسا في عناصر الفعالية‪ ،‬القرب والتشاركية أو الجماعية‬
‫في الفعل واإلنجاز‪.1‬‬
‫فصناعة القرار الجبائي هو عملية تفاعل بين مختلف المشاركين بصورة‬
‫رسمية أو غير رسمية في وضع سياسة جبائية‪ ،‬حيث يتم اختيار بديل من البدائل‬
‫المطروحة لحل المشكالت المثارة‪ ،‬على أساس تقييمها والمفاضلة بينها‪ ،‬لهذا تعد‬
‫دراسة القرارات الجبائية عملية جد معقدة ألنها تتعلق بمجموعة كبيرة من المتغيرات‬
‫المتفاعلة والتي تتحكم في ديناميات الوجود السياسي والحياة السياسية بشكل عام‪،‬‬
‫وعند ربطنا الماضي بالحاضر نجد بأن القرار الجبائي بالمغرب قد مر بثالث مراحل‬
‫تاريخية رئيسية تتمثل في‪:‬‬
‫‪ ‬مرحلة ما قبل الحماية‪ :‬حيث امتازت المنظومة الجبائية بالتقليدانية‪ ،‬عبر‬
‫تغليب مفهوم المخزن الجبائي انفردت فيه السلطات المخزنية بالسلطة؛‬
‫‪ ‬مرحلة الحماية الفرنسية‪ :‬عمل المستعمر خالل هذه الفترة على عصرنة‬
‫النظام الجبائي وتحديثه بما يخدم مصالحه ومخططاته االستعمارية‪ ،‬وهنا انفردت‬
‫السلطات الحماية آنذاك بصناعة القرار الجبائي؛‬
‫‪ ‬مرحلة ما بعد االستقالل‪ :‬العمل على تبني نظام جبائي يجمع ما بين‬
‫العصرنة وتدخل مجموعة من المؤسسات المركزية والترابية من أجل صناعة قرار‬
‫جبائي‪.2‬‬
‫وعلى الرغم من كون القرار الجبائي هو العمل الملموس للسياسة الجبائية‪،‬‬
‫فهذا ال يعني وحدته‪ ،‬أي اتخاذه من طرف واحد وبناء على مرجعية واحدة‪ ،‬وال‬

‫‪ -1‬الحنودي علي‪" :‬الدولة وتدبير السياسات العمومية الترابية"‪ ،‬المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية‪،‬‬
‫عدد مزدوج ‪ ،135-134‬ماي‪ -‬غشت ‪ ،2017‬ص‪.187.‬‬
‫‪ -2‬عبد اإلله منظم‪" :‬صناعة القرار الجبائي المحلي بالمغرب (على ضوء القانون ‪ ")47.06‬رسالة لنيل‬
‫دبلوم الماستر‪ ،‬القانون العام‪ ،‬كلية العلوم القانونية‪ ،‬االقتصادية واالجتماعية سطات‪ ،‬السنة الجامعية‬
‫‪ ،2008-2009‬ص‪.6-5 .‬‬
‫‪292‬‬
‫مجلة البوغاز للدراسات القانونية والقضائية العدد ‪ 6‬يونيو ‪Revuebejj N°6 2020‬‬

‫يعني أيضا أنه قرار يعود إلى المؤسسات الدستورية فقط‪ ،‬ألن قواعد اللعبة السياسة‬
‫ال تقرأ من خالل اإلطار الدستوري والمؤسساتي‪ ،‬وإنما من خالل مقاربة نسقية‬
‫عالئقية تمكن من الوقوف عند كيفية اشتغال النسق القراري‪ ،‬وعند اإلطار المرجعي‬
‫لهذا االشتغال والتغييرات التي ت حدث في هذا الوسط والظروف المساهمة في هذه‬
‫التغيرات‪ ،1‬فالقرار الجبائي إذن هو نسق وليس معطى جاهز قبليا‪ ،‬وهو فسيفساء‬
‫ي عكس تعدد الفاعلين في صناعته سواء كانوا رسميين أو غير رسميين‪ ،‬مشاركين‬
‫أو مؤثرين‪ ،‬فهذه العملية إذن تمر عبر عدة مراحل‪:‬‬
‫‪ ‬دراسة المشكلة موضوع القرار وتشخيصها؛‬
‫‪ ‬إعداد واقتراح البدائل واالختيارات وتحديد هامش الخطر لكل‬
‫احتمال ممكن وقوعه‪ ،‬وتوقع ردود الفعل‪ ،‬وتعتبر مرحلة التحضير جوهر‬
‫عملية صناعة القرار في الوقت الحاضر؛‬
‫‪ ‬اتخاذ القرار واختيار البديل المناسب واإلعالن عنه؛‬
‫‪ ‬تنفيذ القرار ودخوله حيز التطبيق عن طريق اإلدارة؛‬
‫‪ ‬تقييم القرار وتلقي ردود الفعل والنتائ ؛‬
‫‪ ‬تصحيح مسار القرار‪ ،‬وتجنب األخطاء التي واكبته‪.‬‬
‫وعموما فإن أهم مراحل صناعة القرار الجبائي تتمثل بالخصوص في عملية‬
‫التحضير ثم المناقشة والتصويت‪ ،‬لتنتهي بمرحلة التنفيذ‪.2‬‬
‫فالقرار الجبائي إذن هو وسيلة تستعملها السلطة الحاكمة للضغط على كل‬
‫مكونات النسق السياسي‪ ،‬بهدف الوصول إلى غايات معينة‪ ،‬وبالتالي فالقرار القاضي‬
‫بمنح امتياز جبائي أو الزيادة فيه أو تقليصه أو إلغائه هو قرار له أسبابه ومبرراته‬
‫وآثاره‪ ،‬ألنه قد يرمي إلى تغيير أو المحافظة على البنيات االجتماعية‪،‬لذلك فدراسة‬
‫عملية صناعة القرار الجبائي الترابي على ضوء مبادئ الحكامة الترابية تكتسي‬
‫أهمية كبرى‪ ،‬لكون هذه العملية تمكننا من استجالء استراتيجيات وأدوار الفاعلين‬
‫المحليين‪ ،‬كما أنها البديل السياسي الذي يراهن عليه الجميع لمساهمتها في تجسيد‬
‫سياسة القرب والتشخيص الجيد للمشاكل‪ ،‬لذا فعملية صناعة القرار الجبائي عبارة‬

‫‪ -1‬عادل فراج‪" :‬القرار العام وبلورة السياسة العامة‪ :‬مقاربة لسلطة الفاعلين في بلورة السياسات‬
‫الضريبية"‪ ،‬أطروحة لنيل الدكتورة في القانون العام‪ ،‬جامعة القاضي عياض‪ ،‬كلية العلوم القانونية‬
‫واالقتصادية واالجتماعية مراكش‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،2006-2005‬ص‪.7 .‬‬

‫‪ -2‬عبد اإلله منظم‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.6 .‬‬


‫‪293‬‬
‫مجلة البوغاز للدراسات القانونية والقضائية العدد ‪ 6‬يونيو ‪Revuebejj N°6 2020‬‬

‫عن صيرورة معقدة من الخطوات المتكاملة الممنهجة والمنسقة‪ ،‬تتداخل فيها عدة‬
‫عوامل وفعاليات‪.1‬‬
‫وتأسيسا على ما سبق‪ ،‬ومن أجل التعمق أكثر في هذا الموضوع سنحاول‬
‫اإلجابة على اإلشكالية التالية‪:‬‬
‫هل ضوابط ومبادئ الحكامة كفيلة بتحقيق عملية صنع قرار جبائي ترابي قوي‬
‫وفعال ضمن السياسة العمومية المغربية؟ أم أن هناك معيقات لهذه العملية؟‬
‫لإلجابة عن هذه اإلشكالية سنلتزم بالتصميم التالي‪:‬‬
‫المطلب األول‪ :‬الفواعل المتدخلة في عملية صنع القرار الجبائي الترابي‬
‫المطلب الثاني‪ :‬حدود صناعة القرار الجبائي الترابي‬

‫المطلب األول‪:‬‬
‫الفواعل المتدخلة في صناعة القرار الجبائي الترابي‬

‫لقد اقترن رسم السياسة العامة داخل أي نظام سياسي بالحكومة باعتبارها‬
‫أهم المؤسسات الرسمية إلى جانب البرلمان‪ ،‬حيث تقوم بوضع القواعد العامة التي‬
‫تنظم مختلف مناحي الحياة السياسية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬إال أن إسناد المشرع‬
‫المغربي اختصاص تشريع الضرائب وتحديد مقاديرها للسلطة التشريعية ال يعني‬
‫أن المؤسسة البرلمانية فقط هي من تتولى تحديد السياسة الجبائية بالمغرب‪ ،‬وإن‬
‫كانت هي من تضفي عليها صبغة المشروعية من خالل عملية التصويت على‬
‫النصوص القانونية التي تؤطرها‪ ،‬إذ أن الفواعل المتدخلة سواء بشكل مباشر أو‬
‫‪2‬‬
‫غير مباشر في عملية بلورة السياسة الضريبية مثل أي سياسة عمومية أخرى تتعدد‬
‫طبة بذلك النص القانوني الذي يعكس توجهات السياسة المختارة‪،‬‬ ‫بتعدد الجهات المخا َ‬

‫‪ -1‬خالد العسالي‪" :‬صناعة القرار السياسي الجبائي في المغرب‪ ،‬محاولة تقويم السياسات العامة‪ ،‬نموذج‬
‫االمتيازات الضريبية"‪ ،‬أطروحة لنيل الدكتورة في الحقوق‪ ،‬جامعة محمد الخامس‪ ،‬كلية العلوم القانونية‬
‫واالقتصادية واالجتماعية بالرباط‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،2004-2003‬ص‪.15 .‬‬

‫‪ -2‬محمد الصابري‪" :‬التدبير الجبائي الترابي ورهان التنمية بالمغرب"‪ ،‬أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في‬
‫القانون العام‪ ،‬جامعة محمد الخامس‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية سال‪ ،‬السنة الجامعية‬
‫‪.40 .2016-2017‬‬
‫‪294‬‬
‫مجلة البوغاز للدراسات القانونية والقضائية العدد ‪ 6‬يونيو ‪Revuebejj N°6 2020‬‬

‫رغم أن انتشار مفهوم الحكامة في جميع الخطابات قد قلص بشكل كبير من مهام‬
‫الحكومة وساهم في تغيير أدوارها‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬على الصعيد المركزي‬


‫في النظرية السياسية األنجلوساكسونية يحيل مصطلح الحكومة على المؤسسات‬
‫الرسمية للدولة‪ ،‬حيث ظلت تستأثر وتسيطر على صياغة القرارات‪ ،‬وقد ارتبط‬
‫المصطلح بالخصو ص بالمساطر الشكلية والمؤسساتية على مستوى الدولة بهدف‬
‫تأمين وحفظ النظام العام وتسيير العمل الجماعي‪ ،1‬وتعد المذكرات الحكومية إحدى‬
‫القنوات الهامة لصياغة السياسات العامة‪ ،‬لكونها تتضمن ما تنوي الحكومة القيام به‬
‫من برام وقوانين وفق أولويات وآجال محددة‪ ،‬وتخضع للعديد من اإلجراءات‬
‫العملية التي تضعها لمعالجة المشاكل التي يتم حصرها وتحديدها‪ ،‬وبهذا يتم االنتقال‬
‫بالمشاكل إلى مرحلة التفكير العملي وتصبح االختيارات والحلول ذات طابع‬
‫إجرائي‪ ،2‬وإذا كانت الحكومة هي سلطة عمومية تتشكل من هرم يضم مجموعة من‬
‫البنيات اإلدارية على رأسها الجهاز الحكومي الذي يحتكر القرار‪ ،‬فإن مفهوم الحكامة‬
‫قلب هذا الهرم ليجعل الحكومة فاعال في صنع القرار‪ ،‬إلى جانب فاعلين آخرين‬
‫يكتسبون بدورهم أهمية بالغة كالشركاء االقتصاديين واالجتماعيين ومكونات‬
‫المجتمع المدني‪ ،3‬فتراجع دور الدولة كفاعل مركزي في بلورة السياسات العامة‬
‫كان نتيجة الحضور الملحوظ للفاعل الخارجي المتمثل في المؤسسات والمنظمات‬
‫الدولية ومؤتمرات األمم المتحدة‪.‬‬
‫لقد عمل المشرع المغربي من خالل اإلصالحات األخيرة للترسانة القانونية‬
‫المنظمة لالمركزية على إعطاء أهمية خاصة للتنمية المحلية‪ ،‬عبر تخويل الجماعات‬
‫الترابية اختصاصات تقريرية مهمة في مجال التنمية‪ ،‬إذ لم تعد هذه الجماعات مجرد‬
‫هيئات إدارية بل أصبحت كيانا ترابيا له وجود مادي يساهم في تقديم الخدمات في‬

‫‪1‬‬
‫‪- Gerry Stoker: « Cinq propositions pour une théorie de la‬‬
‫‪gouvernance », Revue internationale des sciences sociales‬‬
‫‪(RISS(,N°155,Mars 1998, P.16‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Raid Zighal: « Du gouvernement à la gouvernance : Nouveaux défis‬‬
‫‪lances à l’Etat », revue Marocaine d’audit et de développement‬‬
‫‪(R .M.U.D), N° 19, Décembre 2004.P.17.‬‬
‫‪ -3‬محمد زين الدين ‪":‬الحكامة مقاربة إبستمولوجيا في المفهوم ‪...‬والسياق"‪ ،‬وارد في مسالك في الفكر‬
‫والسياسة واالقتصاد‪ ،‬العدد ‪ 8‬ـ ‪ ، 2008‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪،‬ص‪. 5.‬‬
‫‪295‬‬
‫مجلة البوغاز للدراسات القانونية والقضائية العدد ‪ 6‬يونيو ‪Revuebejj N°6 2020‬‬

‫مختلف الميادين التنموية االقتصادية االجتماعية وأيضا الثقافية‪ ،‬ومن غير المستساغ‬
‫اليوم من منظور الحكامة الترابية أن تُحْ ت َ َكر على المستوى المركزي مسؤولية تحديد‬
‫االستراتيجيات التنموية التي تستهدف المستوى الترابي‪.1‬‬
‫إن المتتبع للتجربة المحلية والتنظيم الترابي للمملكة‪ ،‬سيالحظ دون أدنى شك‬
‫األدوار والمهام التي تقوم بها الجماعات الترابية من خالل االختصاصات التي‬
‫خولت لها كانت دائما في مسار تصاعدي‪ ،‬وذلك وعيا من السلطات المركزية بأهمية‬
‫الجماعات الترابية كشريك أساسي في تدبير التنمية بشكل عام‪ ،‬والتنمية الترابية‬
‫بشكل خاص‪ ،‬الشيء الذي سيدفع باتجاه االعتراف وتبني مبدأ التفريع الذي سيمثل‬
‫منطلقا لتوزيع االختصاصات بين الدولة والجماعات الترابية‪ ،2‬وهذا المبدأ سيسهل‬
‫وال شك المبادرات االقتصادية المحلية كما سيساعد على اقتسام السلطات التقريرية‬
‫مع الكيانات الترابية‪ ،3‬وسيصبح التراب إذن هو العنصر أو المجال المحدد للمشاكل‬
‫العامة وليس جهاز الدولة‪ ،‬الشيء الذي يفهم منه كذلك أن معالجة المشاكل العامة قد‬
‫بدأت بشكل تدريجي من التحكم أو القيادة المركزية‪.4‬‬
‫والمالحظ أن النصوص الدستورية والقانونية تمنح سلطة أساسية للبرلمان في‬
‫المجال الضريبي حيث "ال ضريبة وال رسم إال بنص تشريعي"‪ ،‬في حين تتكلف‬
‫السلطات الحكومية بعد إصدار النص من قبل الملك بتنفيذ تلك النصوص التشريعية‬
‫مستعملة الجهاز اإلداري‪ ،‬الذي يختص من الناحية النظرية بتحضير القرارات‬
‫الجبائية وفق توجيهات السلطات السياسية‪ ،‬ثم تنفيذها على الوجه المحدد في النص‬
‫التشريعي‪ ،‬فاألجهزة المحورية المساهمة إذن في صناعة القرار هي المؤسسة‬
‫الملكية‪ ،‬المؤسسة البرلمانية‪ ،‬السل طة التنفيذية‪ ،‬رغم أن الهوة الموجودة بين التأصيل‬
‫النظري والممارسة الفعلية تدعو إلى التساؤل عن مدى حقيقة هذا الطرح‪ ،‬باعتبار‬
‫أن تبني المقاربة السياسية الحديثة المعتمدة على دراسة ما هو كائن تجعلنا نعيد‬

‫‪ - 1‬مقاس أسماء‪" :‬المجالس الترابية بالمغرب ورهان التنمية المحلية"‪ ،‬مجلة آراء للعلوم اإلنسانية‬
‫واالجتماعية والقانونية‪ ،‬العدد األول ‪ ،2019‬ص‪.64-63.‬‬
‫‪ - 2‬هو مبدأ يقوم على التوزيع الشريف لالختصاصات والموارد عمال بالمبدأ األصيل في االلتزام‪ ،‬بناء‬
‫على حسم قانوني واضح أو تعاون وتفاهم شريف ألن ما يستطيع األدنى القيام به يترفع عنه األعلى‪ ،‬وما‬
‫يعجز عنه األدنى يتواله األعلى‪ ،‬أي تشييد الدولة من القاعدة إلى القمة وال يمكنها أن تتدخل إال على‬
‫أساس تصحيح نقائص أو تقوية عجز لدى الجماعات الترابية‪ .‬أنظر‪:‬‬
‫‪ -‬و ائل أشن‪" :‬األدوار التنموية للجماعات الترابية‪ -‬التسويق الترابي نموذجا‪ ،"-‬مجلة اآلراء للعلوم‬
‫اإلنسانية واالجتماعية والقانونية‪ ،‬العدد األول ‪ ،2019‬ص‪.19.‬‬
‫‪ - 3‬الحنودي علي‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.189.‬‬
‫‪ - 4‬نفس المرجع‪ ،‬ص‪.187.‬‬
‫‪296‬‬
‫مجلة البوغاز للدراسات القانونية والقضائية العدد ‪ 6‬يونيو ‪Revuebejj N°6 2020‬‬

‫النظر في هذا الطرح‪ ،‬فكل دراسة تكتفي بتتبع دور األجهزة التي تتوفر على سلطة‬
‫القرار ما هي إال اختزال لصيرورة تشارك فيها فعاليات أخرى قد يكون تأثيرها‬
‫أقوى من تأثير األجهزة الرسمية‪.‬‬
‫فالسلطة الحكومية إذن تتدخل في العديد من المواقع لتجسد سلطة ضريبية‬
‫حقيقية‪ ،‬من خالل مجموعة من اآلليات والوسائل التي تتيح لها التدخل لتحديد السياسة‬
‫الجبائية للدولة‪ ،‬هذه السياسة التي يقوم بتحديد معالمها وتوجهاتها الكبرى الملك‪ ،‬في‬
‫إطار المجال المحفوظ له بصفته رئيس دولة‪.1‬‬
‫وبذلك يكون الدستور المغربي قد منح لمجموعة من المؤسسات الدستورية‬
‫اختصاصات تهم صناعة القرار الجبائي‪ ،‬يوجد على رأسها المؤسسة الملكية‬
‫باعتبارها الفاعل المحوري في النسق السياسي‪ ،‬ثم السلطة التنفيذية كجهاز مسؤول‬
‫عن وضع وتحضير القرارات الجبائية وتنفيذها‪ ،‬وأخيرا سلطة تشريعية من‬
‫المفروض أنها تمثل عموم الشعب وتعبر عن مضمون التراضي الجبائي‪ ،‬إذن فماهي‬
‫مكانة كل من المؤسسة الملكية والسلطة التنفيذية داخل لعبة تشكيل قواعد السياسة‬
‫الجبائية والنفاذ إلى دائرة عملية صناعة القرار الجبائي؟‬
‫أ‪ -‬مكانة المؤسسة الملكية ضمن معادلة صناعة القرارات الجبائية‬
‫إن سمو المؤسسة الملكية يجعلها الفاعل األول في صناعة السياسات العمومية‬
‫بالمغرب وصاحبة القرار في جميع المجاالت بما في ذلك التدخل في مجال صناعة‬
‫القرار الجبائي‪ ،‬فرغم التنصيص الدستوري على المؤسسة البرلمانية وتخويلها سلطة‬
‫التشريع‪ ،‬فإن سلطة الملك في عالقته بالبرلمان تجعل منه المشرع األعظم والفاعل‬
‫األول في صناعة السياسات العمومية‪ ،‬وباعتباره أعلى سلطة دستورية فهو يقوم‬
‫ب ممارسة سلطة توجيهية من خالل توجيه خطابات في المجال الجبائي إلى كل من‬
‫البرلمان والحكومة بغية نه إصالحات في القانون الجبائي‪ ،‬هذه الخطابات لها تأثير‬
‫واضح على دوائر صناعة القرار الجبائي‪ ،‬حيث نجد أن عددا مهما من السياسات‬
‫العمومية التي تحكم األجهزة اإلدارية تستمد سياستها من الخطابات الملكية‪ ،‬لمعرفة‬
‫أهدافها ومصادرها‪ ،2‬حيث تعتبر بمثابة أوامر وتعليمات موجهة لجميع الفاعلين في‬
‫مجال صناعة القرار الجبائي ومضامينها ملزمة للجميع‪ ،‬كما أنها تتمتع بحصانة‬

‫‪ -1‬محمد الصابري‪" :‬التدبير الجبائي الترابي ورهان التنمية بالمغرب"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.41 .‬‬
‫‪ -2‬أمينة جبران‪" :‬المتخذ العملي في المادة اإلدارية‪ ،‬مدخل لصياغة جذر مشترك في المادة اإلدارية‬
‫المغاربية"‪ ،‬المطبعة والوراقة الوطنية مراكش‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،2006‬ص‪.237.‬‬
‫‪297‬‬
‫مجلة البوغاز للدراسات القانونية والقضائية العدد ‪ 6‬يونيو ‪Revuebejj N°6 2020‬‬

‫دستورية مطلقة سواء أكانت موجهة للبرلمان أو لألمة‪ ،‬فالخطب الملكية الموجهة‬
‫إلى البرلمان في هذا اإلطار غالبا ما تكون بمثابة توجيهات سامية بل برنامجا كامال‬
‫يجب على البرلمانين تنفيذه دون مناقشة‪ ،1‬ويمكن التمييز في الخطب الملكية بين‬
‫الخطب الموجهة في إطار الفصل ‪ 52‬من الدستور باعتبار أن "للملك أن يخاطب‬
‫األمة والبرلمان‪ ،‬ويتلى خطابه أمام كال المجلسين وال يمكن أن يكون مضمونه‬
‫موضوع نقاش داخلهما"‪ ،‬والخطب الموجهة في إطار الفصل ‪ 65‬باعتبار أنه "يعقد‬
‫البرلمان جلساته أثناء دورتين في السنة‪ ،‬ويرأس الملك افتتاح الدورة األولى‪."...‬‬
‫ومن بين أهم الخطب التي وجهها الملك محمد السادس لصناع السياسة الجبائية‬
‫والتي تهم المجال الجبائي‪ ،‬تلك التي كانت يوم الجمعة ‪ 25‬شتنبر‪ 2000‬بالجر ف‬
‫األصفر‪ ،‬أمام رؤساء غرف التجارة والصناعة ورؤساء المكاتب الوطنية وعدد من‬
‫الفاعلين االقتصاديين‪ ،‬حين أشار فيها إلى أنه‪...":‬وبالنظر لما للنظام الجبائي من‬
‫دور تحفيزي لالستثمار فإننا قد أصدرنا تعليماتنا السامية لحكومتنا قصد وضع‬
‫إصالح جبائي قائم على الشفافية والتبسيط والعقالنية‪ ،‬وإعادة النظر في الجبايات‬
‫الترابية بحيث تكون الغاية المثلى للجبايات تشجيع االستثمار المنت الذي يخلق‬
‫فرص الشغل‪ ،"...‬ثم خطاب ثان كان يوم ‪ 10‬يناير‪ 2001‬بمراكش في مناظرة‬
‫وطنية حول السياحة والتي أكد فيها على أنه‪ ..." :‬وحرصا منا على تشجيعكم على‬
‫االنخراط الشامل في معركة اإلقالع الجديد لهذا القطاع االستراتيجي‪ ،‬فإننا نبشركم‬
‫بإصدار تعليماتنا السامية الموجهة لحكومة جاللتنا‪ ...‬وباإلسراع بضبط الجبايات‬
‫الترابية وتناسقها‪ ،‬جاعلين منها محفزا للقطاع عوض أن تكون عائقا أمام‬
‫ازدهاره‪."...‬‬
‫كما أنه قد أشار كذلك يوم ‪ 13‬أكتوبر ‪ 2000‬بالرباط أمام نواب األمة بمناسبة‬
‫افتتاح الدورة األولى من السنة التشريعية الرابعة إلى‪..." :‬وإننا لعازمون على مواكبة‬
‫إصالح مدونة الجماعات الترابية بإصالحات متقدمة تهم القانون االنتخابي والمالية‬
‫الترابية‪...‬غايتنا المثلى في ذلك خلق فضاءات منسجمة للتنمية‪ ،‬وجبايات محلية‬
‫محفزة على االستثمار‪ ،‬تتسم بالشفافية والعقلنة‪ ،‬والتقليص من العدد المرتفع‬
‫للضرائب والرسوم المحلية إلى أدنى عدد ممكن في إطار التنافس التام بين الجبايات‬

‫‪ -1‬نجيب الحجيوي‪" :‬سمو المؤسسة الملكية في المغرب‪ :‬دراسة قانونية"‪ ،‬أطروحة دكتوراه في الحقوق‪،‬‬
‫جامعة محمد الخامس أكدال‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية بالرباط‪ ،‬السنة الجامعية‬
‫‪ ،2000-2001‬ص‪48..‬‬
‫‪298‬‬
‫مجلة البوغاز للدراسات القانونية والقضائية العدد ‪ 6‬يونيو ‪Revuebejj N°6 2020‬‬

‫المحلية والوطنية‪ ،‬لجعلها جميعها من األدوات األساسية لتشجيع االستثمار المنت‬


‫وتوفير الموارد الضرورية لتمويل التنمية والعمليات ذات النفع العام‪ ،"...‬وأيضا‬
‫خطاب ‪ 12‬دجنبر ‪ 2006‬بأكادير بمناسبة الملتقى الوطني حول الجماعات الترابية‬
‫الذي أكد فيه على أنه‪ ..." :‬وبالرغم مما تتوفر عليه الجماعات الترابية‪ ،‬من موارد‬
‫مستقلة وهامة‪ ،‬فإن تفعيل هذه الصالحيات يستوجب إصالح النظام الجبائي والمالي‬
‫والمحاسبي لهذه الجماعات في اتجاه تبسيطه‪ ،‬وتحسين تدبيره‪ ،‬والرفع من‬
‫مردوديته‪ ،"...‬وما يمكن مالحظته من هاته الخطابات أن األسلوب فيها قد يكتسي‬
‫أحيانا طابع أمري وأحيانا أخرى طابعا دعويا فقط‪.‬‬
‫وال يقتصر تأثير المؤسسة الملكية من خالل الخطابات الرسمية فقط بل يتعداه‬
‫إلى الـتأثير الفعلي على جميع الفاعلين الرسميين في صناعة القرار الجبائي‪ ،‬كما‬
‫أنها تضطلع أيضا بجميع القرارات السياسية المزمع اتخاذها‪ ،‬ونشاط الحكومة في‬
‫مختلف المجاالت بما فيها المجال الضريبي‪ ،‬فال يمكن عرض أي مشروع كيفما‬
‫كان على مجلسي البرلمان دون أن تتم المداولة فيه ومناقشته داخل المجلس‬
‫الوزاري‪.‬‬
‫ب‪ -‬دور الجهاز التنفيذي في صناعة السياسة الجبائية‬
‫لقد كفل المشرع للسلطة التنفيذية حق التدخل لممارسة العمل التشريعي في‬
‫إطار المواد التي ال يشملها القانون‪ ،‬فحسب الفصل ‪ 72‬من دستور ‪ 2011‬فقد أكد‬
‫على أنه‪" :‬يختص المجال التنظيمي بالمواد التي ال يشملها اختصاص القانون"‪،‬‬
‫وبذلك يكون قد منح تفوقا كبيرا للحكومة على البرلمان لتصبح مشرعا أساسيا بينما‬
‫البرلمان مشرعا ثانويا بسبب ح صر مجاالت تدخله التشريعي‪ ،‬فالعمل الحكومي هو‬
‫حجر األساس بالنسبة للسياسات العامة‪ ،‬ألن الحكومة في دراستها للمشاكل تعتمد‬
‫على إدارة متخصصة عكس البرلمانين الغير قادريين على اإلحاطة بالمشاكل‬
‫وتحديدها في محاولة منهم إليجاد حلول مناسبة لها‪ ،1‬لذلك أسند المشرع المغربي‬
‫االختصاص الجبائي للسلطة التشريعية بشكل صريح‪ ،2‬فمن حيث المبدأ فسلطة‬
‫التشريع الضريبي تعود حصرا للمؤسسة البرلمانية باعتبارها صاحبة االختصاص‬
‫في مجال القانون‪ ،3‬إال أنه ومن خالل الواقع العملي نجد أن هذا المبدأ يصطدم‬

‫‪1‬‬
‫‪- Raid Zighal: Op.cit,P:15.‬‬
‫‪ -2‬الفصل ‪ 39‬من دستور ‪.2011‬‬
‫‪ -3‬الحكومة تختص بالمجال التنظيمي الذي ال يشمله اختصاص القانون حسب الفصل ‪ 72‬من دستور‬
‫‪.2011‬‬
‫‪299‬‬
‫مجلة البوغاز للدراسات القانونية والقضائية العدد ‪ 6‬يونيو ‪Revuebejj N°6 2020‬‬

‫بالعديد من القيود التي تحد من السلطة الضريبية للبرلمان وتُخ ََّول لسلطات أخرى‬
‫التدخل بشكل مباشر أو غير مباشر للمساهمة في تأسيس القواعد الضريبية‪.1‬‬
‫فعندما كفل المشرع للسلطة التنفيذية حق التدخل لممارسة العمل التشريعي‪،2‬‬
‫قسم مجال تدخل كل من السلطتين التنفيذية والتشريعية وحدد أيضا مجال الالئحة‬
‫في مقابل الم جال المحفوظ للقانون‪ ،3‬وما يالحظ هنا هو غلبة مشاريع القوانين‬
‫المقدمة من طرف الحكومة على مقترحات النصوص المتخذة بمبادرة تشريعية‬
‫برلمانية‪ ،‬فالحكومة إذن تظل هي المبادرة للتقدم بمشاريع القوانين في حين يبقى‬
‫دور البرلمان منحصرا في مناقشة هذه المشاريع والمصادقة عليها‪.‬‬
‫وما يمكن استخالصه هو التفوق الكبير للحكومة على البرلمان حيث تصبح‬
‫الحكومة هي المشرع الرئيسي‪ ،‬بينما البرلمان مشرع ثانوي نظرا للحصر في‬
‫مجاالت تدخله التشريعي‪ ،‬وهو ما جعل دور الحكومة محوريا في صناعة القرار‬
‫الجبائي‪ ،‬وخاصة عندما يتعلق األمر بمجال تدخل كل من وزارة الداخلية ووزارة‬
‫المالية اعتبارا لدورهما األساسي في إعداد السياسة الجبائية الوطنية والترابية‬
‫والعمل على تنفيذها‪:‬‬
‫‪ -1‬وزارة المالية‪ :‬هي جهاز أساسي في صناعة القرار الجبائي‪ ،‬حيث تتكلف‬
‫برسم الخطوط الكبرى للسياسة االقتصادية والمالية والضريبية‪ ،‬تحت إشراف مباشر‬
‫لوزير المالية‪ ،‬وبالنظر للطبيعة االزدواجية لمهام وزير المالية ‪-‬كما هو الشأن لباقي‬
‫الوزراء‪ ،-‬فهو يمارس ف ي نفس الوقت مهام سياسية وأخرى إدارية تتمثل باألساس‬
‫في دور اإلدارة الضريبية التابعة لسلطة وزارة المالية لتدبير بعض الرسوم‬
‫والضرائب‪ ،‬مما يعطيها سلطة مهمة في صناعة القرار الضريبي‪.‬‬
‫‪ -2‬وزارة الداخلية‪ :‬إن الحكومة في صياغتها للقرار الجبائي الترابي تعتمد‬
‫على وزارة الداخلية‪ ،‬لكونها تتوفر على المعلومات التي تهم القضايا السياسية‬
‫االجتماعية واالقتصادية على الصعيد الترابي‪ ،‬ولكونها الساهرة على تنفيذ السياسات‬

‫‪ -1‬محمد الصابري‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.53 .‬‬


‫‪ -2‬الفصل ‪ 78‬من دستور ‪.2011‬‬
‫‪ -3‬حدد المشرع المغربي بموجب الفصل ‪ 71‬من الدستور مجال القانون بشكل حصري وعدده ضمن ‪30‬‬
‫بند ال يمكن أن تتجاوزهما المبادرة التشريعية لنواب ومستشاري األمة تحت طائلة عدم االختصاص‬
‫فبالرغم مما حمله النص الدستوري الحالي لسنة ‪ 2011‬من توسيع نوعي لمجال القانون بالمقارنة مع‬
‫مقتضيات فصول الدستور الممنوح لسنة ‪ ،1996‬فهو يظل مقيدا في المقابل فإن الحكومة بموجب الفصل‬
‫‪ 72‬من الدستور تتدخل لتنظيم المواد التي لم يم يدرجها المشرع بشكل صريح ضمن االختصاص‬
‫البرلماني أي أن المجال التنظيمي مطلق غير محصور عكس مجال القانون‪.‬‬
‫‪300‬‬
‫مجلة البوغاز للدراسات القانونية والقضائية العدد ‪ 6‬يونيو ‪Revuebejj N°6 2020‬‬

‫العمومية من جهة أخرى‪ ،‬وهذا ما يؤهلها ألن تكون قوة اقتراحية في هذا المجال‪،‬‬
‫ولعل هيمنة وزارة الداخلية على السلطة الجبائية وخاصة الترابية‪ ،‬تكمن في تحكمها‬
‫في مرحلة حاسمة من مراحل صناعة القرار الجبائي‪ ،‬وهي مرحلة تحضير مشروع‬
‫القانون الجبائي ألنها صاحبة المبادرة الجبائية الترابية التي تنتقل من مقر البرلمان‬
‫إلى مقر مديرية الجماعات الترابية لوزارة الداخلية‪ ،1‬وهذا ما يفسر توجه الضغوط‬
‫إلى مقر وزارة الداخلية‪ ،‬الذي يعتبر المجال المفضل واألرضية الخصبة لعمل‬
‫اللوبيات التي تكثف تحركاتها أثناء تحضير مشاريع القوانين‪ ،‬بحيث تصبح مديرية‬
‫المالية المحلية بوزارة الداخلية مركزا للصراع الضريبي من أجل االستفادة من‬
‫االمتيازات التي تمنحها النصوص الجبائية الترابية‪ ،‬ويسعى عندئذ الفاعل إلى تبرير‬
‫وجهات نظره‪ ،‬وفرض توجهاته‪ ،‬كي يستفيد بأكبر قدر من االمتيازات التي تمنحها‬
‫النصوص الجبائية الترابية‪.‬‬
‫وحتى تت مكن وزارة الداخلية من ضمان نوع من القبول لدى الجماعات‬
‫الترابية‪ 2‬والفاعل المحلي لقراراتها الجبائية‪ ،‬رفعت شعار الحوار الجبائي واالنفتاح‬
‫على محيطها‪ ،‬فاتحة بذلك باب المشاركة وفق تصور جديد لتأسيس العالقة بين‬
‫الفاعل المحلي والسلطة المركزية‪ ،‬نتيجة التحوالت التي عرفها المشهد السياسي‬
‫بالمغرب انطالقا من المفهوم الجديد للسلطة‪ ،3‬وهكذا فقد تم تنظيم مجموعة من‬
‫اللقاءات واالجتماعات مع الجهات المعنية باإلصالح‪ ،‬كما حدث مع مشروع قانون‬
‫الجبايات المحلية ‪ 47.06‬الذي عُ ِّرض للنقاش على مستوى الجماعات واألكاديميين‬
‫والهيئات المهنية‪ ،‬م ن خالل مسودة مشروع إصالح الجبايات الذي أعدته مديرية‬
‫الجماعات المحلية آنذاك وطرحته للنقاش العمومي‪.4‬‬
‫ج‪ -‬المؤسسة التشريعية‪:‬‬

‫‪ -1‬عبد اإلله منظم ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.29-25 .‬‬


‫‪ -2‬باعتبارها هي المعنية بتطبيق القرار الجبائي الترابي‪.‬‬
‫‪ -3‬سعيد خفيف‪" :‬مسار اإلصالح الجبائي المحلي على ضوء القانون ‪ ،"47.06‬رسالة لنيل دبلوم‬
‫الدراسات العليا المعمقة ‪ ،‬كلية الحقوق ‪ ،‬جامعة الحسن األول سطات‪ ،‬السنة الجامعية ‪،2007-2008‬‬
‫ص‪.113 .‬‬
‫‪ -4‬مسودة مشروع إصالح الجبايات المحلية ‪ ،‬مديرية الجماعات المحلية‪ ،‬وزارة الداخلية‪.2005 ،‬‬
‫‪301‬‬
‫مجلة البوغاز للدراسات القانونية والقضائية العدد ‪ 6‬يونيو ‪Revuebejj N°6 2020‬‬

‫من حيث المبدأ تعود السلطة التشريعية للمؤسسة البرلمانية‪ ،‬وبذلك فالوظيفة‬
‫التشريعية أساس قيام البرلمانات وهي وظيفة أصلية لهذه المؤسسات‪ ،1‬وتبعا لذلك‬
‫صب البرلمان كسلطة تشريعية أصيلة بالمملكة‪ ،‬غير أن هذا‬ ‫فإن الدستور المغربي يُنَ ِّ ّ‬
‫ال ينفي تدخل السلطة الحكومية لممارسة االختصاص التشريعي‪.‬‬
‫وبالعودة إلى الفصل ‪ 75‬من الدستور نجده يؤكد على أن مساهمة السلطة‬
‫التشريعية في إنتاج وتعديل القوانين هي جد محدودة في مقابل توسيع آلية تفويض‬
‫البرلمان سلطته لفائدة الحكومة‪ ،‬فمجموع المبادرات الجبائية هي عبارة عن مشاريع‬
‫قوانين تتقدم بها الحكومة وتحظى باألسبقية داخل البرلمان‪ ،‬والممارسة العملية تؤكد‬
‫استبعاد المقترحات القانونية للبرلمان في المجال الجبائي وقصر هذا الحق على‬
‫الحكومة وحدها‪ ،‬مما يتيح لها مجاال واسعا للتحكم في كل مرحلة من مراحل صناعة‬
‫القرار‪ ،‬أما القانون التنظيمي رقم ‪ 130.13‬للمالية‪ 2‬فيؤكد على أن اختصاص إعداد‬
‫مشاريع قوانين المالية يعود للسلطة الحكومية المكلفة بالمالية تحت سلطة رئيس‬
‫الحكومة‪.3‬‬
‫فالمالحظ إذن أن المؤسسة التشريعية ال تتوفر على اختصاص شامل وخالص‬
‫في المجال الجبائي‪ ،‬ألن البرلمان يتكلف بوضع األسس والقواعد العامة‪ ،‬ويكتفي‬
‫فقط بالمصادقة على ما تحيله عليه الحكومة‪ ،‬بينما كل ما يتعلق بطرق التنفيذ يعتبر‬
‫من اختصاص الحكومة والسلطات اإلدارية‪ ،‬بالنظر لعدم توفر البرلمان على جهاز‬
‫تابع له يسهر على تنفيذ ما يقرره‪.‬‬
‫وإذا كان حق التقدم بمقترحات قوانين جبائية من قبل البرلمان محدودا‪ ،‬فإن‬
‫السلطة الوحيدة المتبقية هي حق التقدم بتعديالت‪ ،‬ولعل مراحل بلورة القانون رقم‬
‫‪ 47.06‬توضح هذه الفرضية‪ ،‬سواء من خالل تدخل مجلس المستشارين أو من‬
‫خالل دور مجلس النواب‪.4‬‬

‫‪ -1‬سمير الشحواطي‪" :‬المؤسسات الدستورية والتنمية السياسية في المغرب‪ :‬نموذج المؤسسة البرلمانية‬
‫على ضوء التعديل الدستوري"‪ ،‬مجلة أنفاس قانونية‪ ،‬مجلة مغربية لتنمية الثقافة الحقوقية والقانونية‪،‬‬
‫مطبعة إمستيتن ‪ ،‬الرباط‪ ،‬العدد الرابع يوليوز ‪ ،2012‬ص‪.41 .‬‬
‫‪ -2‬جريدة رسمية عدد ‪ 6370‬فاتح رمضان‪ 18 /‬يونيو ‪.2015‬‬
‫‪ -3‬المادة ‪ 46‬من القانون التنظيمي ‪.130.13‬‬
‫‪ -4‬عبد الحق المرجاني‪" :‬دور اإلدارة الجبائية المحلية في التنمية المحلية"‪ ،‬دبلوم الدراسات العليا في‬
‫العلوم السياسية‪ ،‬جامعة الحسن الثاني‪ ،‬كلية الحقوق الدار البيضاء ‪ ،1999‬ص‪.15-14 .‬‬
‫‪302‬‬
‫مجلة البوغاز للدراسات القانونية والقضائية العدد ‪ 6‬يونيو ‪Revuebejj N°6 2020‬‬

‫وما يتضح لنا هنا أن القانون ينفرد بتحديد الوعاء الضريبي ومقدار الجبايات‬
‫وطرق تحصيلها‪ ،‬وهو ما يدفعنا للقول أن الجماعات الترابية ال تتوفر على سلطة‬
‫تأسيسية في المجال الضريبي‪.‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬الفاعلون على المستوى الترابي‬
‫لعل المكانة السا مية للدستور تجعله يهتم بكل ما يخص مسار الالمركزية من‬
‫توزيع لالختصاصات بين الدولة والجماعات الترابية‪ ،‬إال أنه لم يتطرق لحيثيات‬
‫تدبير القرارات الجبائية الترابية‪ ،‬فهو يحيل على سلطة خاصة لتنظيم الشؤون‬
‫الترابية عبر تخويلها للسلطة التنظيمية والقرار الجبائي هو أحد مظاهرها‪ ،‬وقد‬
‫شكلت القوانين المنظمة للجماعات الترابية‪ 1‬مجاال واضحا لتباين االختصاصات‬
‫المخولة لها في مادة الجبايات‪ ،‬حيث تعطي لآلمرين بالصرف في الجماعات سلطة‬
‫إعداد القرارات المالية‪ ،‬إال أن اقتراحاتهم تحاط بنوع من العناية والتبصر قبل‬
‫عرضها على المجالس‪ ،‬وقد ظل دور السلطة الجبائية الترابية في صناعة القرار‬
‫الضريبي الترابي جد محدود‪ ،‬حيث أن قانون ‪ 47.06‬منح للمجالس التداولية‬
‫(المجلس الجهوي‪ ،‬مجلس العمالة واإلقليم‪ ،‬مجلس الجماعة الحضرية أو القروية‪،‬‬
‫ومجلس المجموعة الحضرية ولجان التعاون المشتركة بين الجهات‪ ،‬واللجن النقابية)‬
‫سلطة تسعير بعض الرسوم على اعتبار أن سلطة التأسيس الجبائي هي من‬
‫اختصاص المشرع‪ ،‬سواء تعلق األمر بالضرائب الوطنية أو الرسوم نظرا للعالقة‬
‫بين السيادة الجبائية والسيادة السياسية‪ ،‬ليظل بذلك دور المجالس التداولية منحصرا‬
‫في تقدير مجموعة من الرسوم المنظمة بقانون ‪47.06‬عبر آليات القرار الجبائي‬
‫كسلطة مهمة‪ ،‬تستطيع من خاللها المجالس التداولية لعب دور أساسي في تحديد‬
‫رسوم تالئم التطور االقتصادي واالجتماعي لكل جماعة ترابية‪.‬‬
‫إن تنوع الجماعات الترابية واختالف خصوصياتها وأوضاعها‪ ،‬يجعل من غير‬
‫المقبول والمنطقي أن يعمل النظا م الجبائي الجماعي المرتبط بهذه الوحدات على‬
‫توحيد أسعار ونسب مجموعات الجبايات الترابية وكذلك أوعيتها الجبائية‪ ،‬واستجابة‬
‫لهذا التصور‪ ،‬حرص المشرع المغربي على تمكين الجماعات الترابية من التدخل‬
‫في ميدان التدبير المالي الترابي‪ ،‬عبر إشراكها في تنظيم هامش ال يستهان به من‬

‫‪ -1‬القانون رقم ‪ 47-96‬المتعلق بالجهة‪،‬الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم‪،84.97.1‬ج‪.‬ر عدد‪4470‬‬


‫بتاريخ‪ 3‬أبريل ‪ ،1997‬والقانون رقم ‪ 79-00‬المتعلق بتنظيم العماالت واألقاليم‪،‬الصادر بتنفيذه الظهير‬
‫الشريف رقم ‪،1-02-269‬بتاريخ ‪ 3‬اكتوبر‪،2002‬ج‪.‬ر عدد‪،5058‬بتاريخ ‪ 21‬نونبر‪.2002‬‬
‫‪303‬‬
‫مجلة البوغاز للدراسات القانونية والقضائية العدد ‪ 6‬يونيو ‪Revuebejj N°6 2020‬‬

‫جباياتها‪ ،‬انطالقا من معطياتها االقتصادية واالجتماعية‪ ،‬بحيث أعطاها صالحية‬


‫تحديد نسب وأسعار الجبايات الترابية المستحقة لفائدة الميزانية الجماعية عبر القرار‬
‫الجبائي الجماعي‪ ،‬كآلية قانونية تستند في تأسيسها على جملة من األسس القانونية‬
‫بتدخل عدة فاعلين‪ ،‬ومن خالل مراحل تحكم بلورة القرار الجبائي الجماعي‪.1‬‬
‫أ‪ -‬األسس القانونية للقرار الجبائي الجماعي‬
‫تلجأ الجماعات الترابية في إطار االختصاصات المسندة إليها إلى صياغة‬
‫وإعداد قرارات جبائية تهدف من خاللها تحصيل حقوق وواجبات لفائدة ميزانياتها‪،‬‬
‫وهذا التأسيس الختصاصها الجبائي يتم بناء على مجموعة قوانين منها المادة ‪37‬‬
‫من القانون رقم ‪ 17-08‬المتعلق بالميثاق الجماعي‪ ،‬والتي تجعل االختصاص‬
‫الجبائي من االختصاصات الذاتية للمجلس‪ ،‬فعلى ضوءه يحدد سعر الرسوم وتعرفة‬
‫الوجيبات ومختلف الحقوق التي تقبض لفائدة الجماعات‪.‬‬
‫أما بالنسبة للعماالت واألقاليم فالمادة ‪ 36‬من القانون رقم ‪ 79-00‬تجعل‬
‫االختصاص الجبائي للمجلس ضمن االختصاصات الذاتية‪ ،‬فهو يحدد سعر الرسوم‬
‫وتعرفة الوجيبات ومختلف الحقوق التي تقبض لفائدة العمالة أو اإلقليم‪.‬‬
‫أما على مستوى الجهات فالمادة ‪ 7‬من القانون رقم ‪ 47-96‬المتعلق بالجهات‪،‬‬
‫تنص ع لى أن المجلس يمارس داخل الدائرة الترابية للجهة وفقا للقوانين واألنظمة‬
‫الجاري بها العمل‪ ،‬االختصاصات الخاصة به مع تحديد كيفية وضع أساس الرسوم‬
‫واألتاوى ومختلف الحقوق المختصة لفائدة الجهة وتحديد تعريفاتها وقواعد‬
‫تحصيلها‪.‬‬
‫فممارسة الصالحيات الجبائية الترابية تخضع للمقتضيات القانونية التي تطبق‬
‫أيضا على ضرائب الدولة وأجهزتها‪ ،‬والمادة األولى من القانون رقم ‪47-06‬‬
‫المتعلق بجبايات الجماعات الترابية تنص على أنه "يرخص للجماعات المحلية‬
‫باستيفاء الرسوم المنصوص عليها في هذا القانون"‪ ،‬فهي تخضع إذن لما يحدده‬
‫المشرع ولو تعلق األمر بمجال يخضع بشكل صرف للسلطات المحلية المنتخبة‪،‬‬
‫وهو ما يدل على كون اختصاصاها هو اختصاص تابع وليس أصلي‪.‬‬
‫ب‪ -‬مظاهر تدخل الجماعات الترابية في صناعة القرار الجبائي‬

‫‪ -1‬المهدي بنمير‪" :‬الجماعات المحلية والممارسة المالية بالمغرب" المطبعة والوراقة الوطنية مراكش‪،‬‬
‫‪ ،1994‬ص‪.101.‬‬
‫‪304‬‬
‫مجلة البوغاز للدراسات القانونية والقضائية العدد ‪ 6‬يونيو ‪Revuebejj N°6 2020‬‬

‫إن الحديث عن قدرة تدخل الجماعات الترابية في صناعة القرار الجبائي هو‬
‫حديث عن درجة االستقالل المالي للجماعات الترابية‪ ،‬وهنا يتبادر إلى ذهننا سؤال‬
‫جوهري‪ ،‬هل وجود نظام جبائي ترابي مستقل عن النظام الجبائي الوطني يجعلنا‬
‫نجزم باالختصاص الجبائي الترابي؟‪ ،‬ومن المعلوم لدينا أيضا أن سلطة فرض‬
‫الضريبة وتحديد وعائها من االختصاصات الحصرية للسلطة التشريعية‪ ،1‬وهو أحد‬
‫تجليات ممارسة السيادة بالنظر إلى الطابع السيادي الذي تحمله الضريبة‪.‬‬
‫ج‪ -‬س لطة تسعير الرسوم لدى الجماعات الترابية‬
‫تحظى الوحدات الترابية بمجموعة من االختصاصات التي تترجم بها سلطة‬
‫تدبيرها لجباياتها الذاتية‪ ،‬فهي تضطلع بكل اإلجراءات التي من شأنها تنزيل أحكام‬
‫المنظومة الجبائية الترابية‪ ،2‬فتسعير الرسوم الجبائية على المستوى الترابي يكتسي‬
‫أهمية من حيث تحديد االستقالل المالي للجماعات الترابية والرفع من مواردها‬
‫الجبائية‪ ،‬فاألصل في القانون الجبائي أن أسعار الرسوم الترابية تحددها النصوص‬
‫التشريعية التي تؤسسها‪ ،‬حيث أن المشرع هو من يحدد أسعار الرسوم التي ينشئها‬
‫وذلك كقاعدة عامة‪ ،‬إال أنه يكون من المالئم في بعض الحاالت إبداء بعض المرونة‬
‫وتخويل الجماعات الترابية سلطة تسعير بعض من رسومها وفقا لحاجياتها‪.3‬‬
‫وطبقا ألحكام المادة ‪ 168‬من القانون رقم ‪ 47-06‬فإن أمر تحديد نسب‬
‫وأسعار الرسو م غير المحددة السعر والتعريفات بشكل ثابت يتم بقرار يصدره اآلمر‬
‫بالصرف للجماعة الترابية المعنية بعد مداوالت مجلسها‪ ،‬فهي التي تحدد مجال‬
‫تدخلها في صناعة القرار الجبائي الترابي‪ ،‬لذاك نجد أن المشرع خول لها هامشا‬
‫من التدخل لممارسة االختصاص الجبائي من أجل المساهمة في رسم معالم السياسة‬
‫الجبائية المغربية عبر آلية خاصة وهي القرار أو المقرر الجبائي‪ ،‬إال أن هذا‬
‫االختصاص تم تقييده من طرف المشرع بمقتضى المادة ‪ 32‬من القانون ‪45-08‬‬
‫المتعلق بالتنظيم المالي للجماعات الترابية ومجموعاتها‪ ،‬فالمغرب من بين الدول‬
‫التي فرضت قيودا عل ى تحديد أسعار الجبايات الترابية‪ ،‬وتم تجسيد ذلك من خالل‬
‫قانون ‪ 30-89‬الذي حدد مجموع الرسوم والضرائب واألتاوى المستحقة للجماعات‬
‫الترابية‪ ،‬فباالستناد إلى مادته السادسة في الفصل الثاني منه والتي تؤكد على أنه يتم‬

‫‪ -1‬الفصل ‪ 39‬من الدستور ‪.2011‬‬


‫‪ -2‬محمد الصابري‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.122.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Rachid El MOUSSAOUI, « La fixation des taux locales pouvoir fiscal‬‬
‫‪ou pure chimère?», REMALD n° 38-39, 2005, P:30.‬‬
‫‪305‬‬
‫مجلة البوغاز للدراسات القانونية والقضائية العدد ‪ 6‬يونيو ‪Revuebejj N°6 2020‬‬

‫تحديد أسعار وتعريفات الضرائب والرسوم‪ ،‬حيث أن المشرع وضع أسعارا ثابتة‬
‫ل‪ 21‬رسما وضريبة والجماعات الترابية ملزمة بتطبيقها كما هي‪ ،‬أما الضرائب‬
‫التي تم وضع لها سعرا كحد أقصى فالجماعات الترابية تستطيع أن تتدخل فيها بشكل‬
‫نسبي وتبل ‪ 11‬ضريبة‪ ،‬فهو إذن قد حصر تدخل الجماعات الترابية في تحديد‬
‫أسعار غالبية الرسوم والضرائب‪ ،‬وحتى في الحالة التي ترك لها حرية تحديد السعر‬
‫فقد قيدها بأسعار قصوى‪ ،‬كما أن ممارسة السلطة الجبائية تخضع لمصادقة سلطة‬
‫الوصاية‪ ، 1‬فسلطة التسعير مقيدة إلى جانب وجود إذن قانوني يسمح للجماعات‬
‫الترابية باتخاذ المقرر الجبائي واحترام معدالت التسعير الدنيا والقصوى التي حددها‬
‫القانون‪2‬بالمرور بمصادقة سلطة الوصاية‪.3‬‬
‫إن الحديث عن صناعة قرار ج بائي ترابي حديث ال يستقيم إال ضمن السعر‬
‫المحدد من قبل السلطة بين حد أدنى وحد أقصى وهذا المجال هو مجال مقيد لتدخل‬
‫الجماعات الترابية‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬حدود التدخل في صناعة القرار الجبائي الترابي‬
‫عند ممارسة الجماعات الترابية الختصاصاتها فهي تستفيد من موارد مالية‬
‫تشكل فيها الموارد الضريبية عصب مواردها الذاتية نظرا لضعف مداخيل األمالك‬
‫الترابية‪ ، 4‬إال أن حصيلة هذه العائدات تظل دون المستوى المطلوب‪ ،‬فالجماعات‬
‫الترابية تفتقر إلى منظومة جبائية حقيقية‪ ،‬ويتضح لنا ذلك أكثر من خالل بنية وعدد‬
‫الرسوم المخولة لهذه المستويات الترابية الالمركزية‪.‬‬
‫فأي دولة كيفما كانت طبيعتها الدستورية وشكل تنظيمها السياسي فهي تحتفظ‬
‫بحق فرض الضريبة للسلطة المركزية أما الوحدات الترابية فإنها تتكلف بتطبيقها‬

‫‪ -1‬الفقرة ‪ 6‬من المادة ‪ 2‬من قانون ‪.45.08‬‬


‫‪ -2‬يحدد سعر الرسم على استغالل المناجم ما بين درهم واحد وثالثة دراهم عن كل طن مستخرج حسب‬
‫المادة ‪ 119‬من القانون رقم ‪ ، 47.06‬أما بالنسبة للرسم عن الخدمات المقدمة بالموانئ فقد حدد المشرع‬
‫نسبته الدنيا والقصوى في إطار المادة ‪ 123‬من القانون رقم ‪ 47.06‬والمتراوحة بين ‪%2‬إلى ‪ %5‬من‬
‫رقم األعمال دون احتساب الضريبة على القيمة المضافة‪.‬‬
‫‪ -3‬نصت المادة ‪ 41‬من القانون رقم ‪ 47.06‬المنظم للجهة‪ ،‬على أنه ال تكون قرارات المجلس الجهوي‬
‫الخاصة بالمسائل المتعلقة بالميزانية الجهوية‪ ،‬وتحديد كيفية وضع أساس الرسوم واألتاوى ومختلف‬
‫الحقوق المحصلة لفائدة الجهة وتحديد تعريفاتها وقواعد تحصيلها قابلة للتنفيذ‪ ،‬إال إذا صادقت عليها سلطة‬
‫الوصاية‪.‬‬
‫‪ -4‬عبد المجيد أسعد‪" :‬مالية الجماعات الترابية بالمغرب"‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء طبعة‬
‫يناير ‪ ،1991‬ص‪.26.‬‬
‫‪306‬‬
‫مجلة البوغاز للدراسات القانونية والقضائية العدد ‪ 6‬يونيو ‪Revuebejj N°6 2020‬‬

‫فقط‪ ،1‬ورغم ما نص عليه دستور‪ 2011‬من منح السلطة التنظيمية للجماعات‬


‫الترابية على عكس القوانين السابقة التي اتسمت بمركزة فرض الضريبة‪ ،‬فإن‬
‫ق للجماعات الترابية إال‬‫احتكار الدولة المركزية لسلطة تأسيس الضريبة لم يُ ْب ِّ‬
‫اختصاص فرعي وثانوي لممارسة السلطة الضريبة‪ ،‬ورغم كل اإلصالحات فسلطة‬
‫الجماعات الترابية في صناعة القرار الجبائي ظلت محدودة في مستوى تدخلها‬
‫وشكلها ومحتواها‪.‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬محدودية دور المجالس التداولية في عملية التأسيس الجبائي‬
‫الترابي‬
‫لقد أثارت مسألة تأسيس الجبايات من طرف الجماعات الترابية مواقف متباينة‬
‫بين فقهاء المالي ة العامة‪ ،‬فهناك من يتحفظ في إعطاء الوحدات الترابية سلطات‬
‫مطلقة في مجال فرض الضرائب‪ ،‬ألن توزيع سلطة تأسيس الضرائب بين المركز‬
‫والهيئات الترابية من شأنه أن يكون مصدر فوضى جبائية‪ ،‬كما أنه قد يخلق لنا‬
‫سلطتين ماليتين لكل منهما حق فرض الضريبة فنكون إذن أمام ضريبتين على نفس‬
‫الوعاء‪ ،‬في حين هناك من ذهب إلى اعتبار منح الجماعات حق فرض الضريبة‬
‫شيء إيجابي‪،‬من شأنه أن يدعم االستقالل المالي للهيئات المنتخبة اتجاه السلطات‬
‫المركزية‪ ، 2‬باعتبار أن المسؤولين المحليين هم األقرب من المواطنين ولهم عالقة‬
‫مباشرة بمشاكلهم وحاجياتهم الترابية‪ ،‬ويجعلها أكثر تحكما في مواردها المالية‬
‫الشيء الذي يعزز ممارسة الديمقراطية ببالدنا ويقويها‪ ،‬ويمكنها من النهوض‬
‫بدورها االقتصادي والتنموي‪.‬‬
‫إال أن التجربة المغربية أبانت أن المشرع الوطني هو المؤهل لخلق ضرائب‬
‫سواء وطنية كانت أو ترابية‪ ،‬فهو هنا إذن يساير االتجاه األول والذي يعتبر السلطة‬
‫الجبائية اختصاص للهيئة التشريعية‪ ،‬فالقاعدة العامة تؤكد على أن البرلمان هو من‬
‫يشرع الضرائب ويلغيها ويحدد أسعارها ونسبها وطرق تحصيلها‪ ،‬وبالتالي‬
‫فالمجالس التداولية ال تتمتع بسلطة الفرض الضريبي وال بسلطة تأسيس قرار جبائي‬
‫ترابي أ و تعديله أو إلغائه‪ ،‬بمعنى أن النظام الجبائي الترابي يقوم على مبدأ عدم‬

‫‪ -1‬محمد علي أديبا‪" :‬إشكالية االستقالل المالي للجماعات الترابية بالمغرب نحو مقاربة أكثر واقعية"‪،‬‬
‫منشورات المجلة المغربية لإلدارة الترابية والتنمية‪ ،‬سلسلة مواضيع الساعة‪ ،‬عدد ‪ ،29‬الطبعة األولى‬
‫‪ ،2001‬ص‪.229.‬‬
‫‪ -2‬عبد الحق المرجاني‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.15-14.‬‬
‫‪307‬‬
‫مجلة البوغاز للدراسات القانونية والقضائية العدد ‪ 6‬يونيو ‪Revuebejj N°6 2020‬‬

‫االستقاللية في سن الجبايات الترابية‪ ،‬وبالتالي فهو اختصاص حصري وامتياز‬


‫للدولة كمركز وكتعبير عن سيادتها‪ ،1‬عالوة على أن كل الجبايات تصدر بظهير‬
‫وكل اإلعفاءات واإللغاءات والتعديالت الضريبية تتم بواسطة القانون المالي للسنة‬
‫الذي يتطلب موافقة البرلمان عليه‪.‬‬
‫فعدم جواز خلق أي رسم محلي من قبل السلطة المحلية إذن‪ ،‬يؤكد إرادة‬
‫المشرع المغربي في الحسم المبكر في مصير ومآل النظام الجبائي الترابي‪ ،‬وتقييد‬
‫اختصاص الهيئات الترابية في هذا المجال يقلص من سلطتها ويبقيها خارج دائرة‬
‫اإلصالح‪ ،‬لتظل سلطة اتخاذ القرار الجبائي محدودة‪.‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬محاصرة حرية تسعير الجماعات الترابية لرسومها الترابية‬
‫‪2‬‬
‫يرجع ضعف المنظومة الجبائية الترابية إلى بنية هذه المنظومة في حد ذاتها ‪،‬‬
‫كما أن آليات تدبيرها لرسومها تزيد من إضعافها‪ ،‬رغم أن الرسوم التي يعود‬
‫االختصاص في تحديد أسعارها للمجالس التداولية تتسم بالضعف من حيث المردودية‬
‫بالمقارنة مع باقي الرسوم‪ ،‬لدرجة أن أحد الباحثين وصف تلك الرسوم بالتافهة‪،3‬‬
‫والمالحظ أن المشرع لم يكتف فقط بتحديد أسعار أهم الرسوم الترابية‪ ،‬بل قام أيضا‬
‫بمحاصرة ال سلطة التقديرية للجماعات الترابية وهي بصدد تسعير رسومها غير‬
‫المحددة السعر والنسبة بشكل مسبق من طرفه‪ ،‬وذلك باعتماده على قاعدة تحديد‬
‫سقف التسعير بوضعه لحد أدنى وأقصى ألسعار ونسب الرسوم‪ ،‬مع إلزامية عدم‬
‫تجاوزها تحت طائلة بطالن المقرر الجبائي‪.4‬‬
‫فإعداد مسودة القر ار الجبائي من طرف اآلمر بالصرف‪ 5‬في حدود النسب‬
‫القصوى والدنيا المحددة بالقانون‪ ،‬يمر بعد المصادقة عليه من طرف أعضاء‬
‫المجلس التداولي‪ ،‬بسلطة المراقبة اإلدارية التي يتم إحالة القرار عليها قصد التأشير‬
‫عليه طبقا لمقتضيات القوانين التنظيمية للجماعات الترابية حتى يصير المقرر نافذا‬

‫‪ -1‬عبد الحق المرجاني‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.212.‬‬


‫‪ -2‬عبد الرحمان حداد‪ :‬اإلصالح الجبائي المحلي ورهان التنمية"‪ ،‬رسا لة لنيل شهادة الماستر في القانون‬
‫العام‪ ،‬جامعة المولى اسماعيل‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية مكناس‪ ،‬السنة الجامعية‬
‫‪ ،2009-2010‬ص‪.103.‬‬
‫‪ -3‬محمد علي أديبا‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.233 .‬‬
‫‪ -4‬محمد الصابري‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.145.‬‬
‫‪ -5‬المتمثل في رئيس المجلس الجهوي على مستوى الجهة بعد التعديل األخير لسنة ‪ ،2011‬بعدما كان‬
‫يضطلع بهذا الدور العامل مركز الجهة في ظل القوانين السابقة‪.‬‬
‫‪308‬‬
‫مجلة البوغاز للدراسات القانونية والقضائية العدد ‪ 6‬يونيو ‪Revuebejj N°6 2020‬‬

‫بموجبها‪ ، 1‬فالحدود إذن تطال حرية الجماعات الترابية في إعداد مقرراتها الجبائية‪،‬‬
‫وهامش الحرية في تحديد الحد األدنى واألقصى ألسعار رسومها هو مقيد أيضا‬
‫بمقتضى قانون‪ ،‬وقد أخضع المشرع القرارات المتعلقة بهذا الشأن في النصوص‬
‫المنظمة للجماعات الترابية لمصادقة سلطة الوصاية‪ ،‬ومنصوص على ذلك في المادة‬
‫‪ 59‬من القانون ‪ 79-00‬والمادة ‪ 41‬من قانون ‪ 47-96‬ثم المادة ‪ 168‬من قانون‬
‫‪ ، 06-47‬فلسلطة الوصاية إذن الكلمة الفصل في المصادقة على القرار الجبائي‪،‬‬
‫وهو ما يؤكد المحدودية في صناعة قراراتها الجبائية‪.‬‬
‫الفقرة الثالثة‪ :‬غياب المقاربة التشاركية في بلورة السياسة الجبائية‬
‫إن دائرة صناعة السياسات العمومية ألي دولة ال تشكلها الفواعل الرسمية‬
‫فقط‪ ،‬بل تمتد إلى الفواعل ذات االختصاصات غير المباشرة‪ ،‬وبالعودة إلى القوانين‬
‫التنظيمية للوحدات الترابية نستشف أن المشرع قد أسند للجماعات الترابية مجموعة‬
‫من االختصاصات ذاتية ومنقولة وأخرى استشارية في مجاالت مختلفة‪ ،‬إال أنها ال‬
‫تشمل مجال السياسة الجبائية‪.‬‬
‫فالواقع الحالي يؤكد محدودية السلطة الجبائية للفاعلين الترابيين‪ ،‬في مواجهة‬
‫مركزية السلطة الجبائية واإلقصاء الذي تتعرض له الجماعات الترابية من دائرة‬
‫صناع القرار‪ ،‬سواء على مستوى التشريع الدستوري أو مستوى التشريع القانوني‪،‬‬
‫الذي لم يخول لها من االختصاصات ما يمكنها من ولوج دائرة صناعة القرار‪ ،‬كل‬
‫هذا يجعل الحديث عن سلطة الجماعات الترابية في تأسيس ضرائبها الترابية دون‬
‫أساس‪ ،‬إال أن غياب سلطة تأسيسية مباشرة للجماعات في المجال الجبائي ال ينفي‬
‫إمكانية إسهام ومشاركة هذه األخيرة من خالل آليات موازية في عملية التأسيس‬
‫الجبائي‪.‬‬
‫فالجماعات الترابية إذن هي من لها السلطة نسبيا في اختيار السياسة الجبائية‬
‫التي تناسبها‪ ،‬مع هامش بسيط من المجال المتاح للمجالس الجهوية لتقرير رسومها‬
‫الترابية‪ ،‬وانعدام هذه اإلمكانية بخصوص مجالس العماالت واألقاليم رغم توفر هذه‬
‫األخيرة على سلطة التسعير الجبائي بمقتضى قانونها التنظيمي شأنها في ذلك شأن‬
‫باقي الوحدات الترابية األخرى‪ ،‬باإلضافة إلى ما تعانيه المنظومة الجبائية للجماعات‬
‫الترابية من هي منة مركزية من خالل االستحواذ على وضع تصوراتها وتحديدها فإن‬

‫‪ -1‬محمد الصابري‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.149.‬‬


‫‪309‬‬
‫مجلة البوغاز للدراسات القانونية والقضائية العدد ‪ 6‬يونيو ‪Revuebejj N°6 2020‬‬

‫الهوامش المتاحة للوحدات الترابية لإلسهام في وضع بصمتها الخاصة على منظومة‬
‫جبايتها الذاتية قد تصطدم بمحددات عديدة أخرى‪.1‬‬
‫خاتمة‪:‬‬
‫إن التعمق إلى حد ما في عملية تأسيس القرار الجبائي بالمغرب‪ ،‬هي محاولة‬
‫لل نظر عن بعد للمنظومة الجبائية‪ ،‬والوقوف على أهم الفواعل الرسمية المؤثرة في‬
‫تشكيلها‪ ،‬فصناعة القرار الجبائي هو عبارة عن صيرورة وتدخل مجموعة من‬
‫الفاعلين على الصعيد المركزي‪ ،‬وبالخصوص المؤسسة الملكية باعتبارها الفاعل‬
‫الرئيسي في النسق السياسي الوطني‪ ،‬ثم الحكومة المتمثلة في وزارة المالية والداخلية‬
‫باعتبارهما أهم المتدخلين في صناعة القرار الجبائي لتوفرهما على الوسائل التقنية‬
‫والفنية‪ ،‬وهذا ما زكى تفوق الحكومة على العمل البرلماني بغرفتيه حيث ينحصر‬
‫دورهما في المناقشة والتصويت على القوانين‪ ،‬الشيء الذي عكس قوة المؤسسة‬
‫التنفيذية واحتكارها للمادة الجبائية‪ ،‬فالمغرب لم يتخلى عن سلطة التحكم في صناعة‬
‫سياسته الجبائية سواء الوطنية أو الترابية‪ ،‬وهي امتداد لممارسة قديمة حيث كانت‬
‫الضريبة تجسد سلطة الدولة المركزية على باقي أقاليم المملكة‪ ،‬إال أن انفتاح المغرب‬
‫على المنتظم الدولي وتبنيه للرأسمالية أدى إلى تدخل مؤسسات أجنبية في صناعة‬
‫القرار الجبائي الداخلي من قبل المؤسسات المانحة للقروض والشركات العابرة‬
‫للقارات‪.‬‬
‫أما فيما يخص المؤسسات الترابية فيرجع ضعف تدخلها في صناعة المادة‬
‫الجبائية الترابية‪ ،‬رغم أنها هي المعنية األولى بها على المستوى الترابي إلى عدم‬
‫ثقة المركز في الجماعات الترابية‪ ،‬فانحصر دورها فقط في تسعير بعض الرسوم‬
‫الترابية‪ ،‬حيث أن القانون ‪ 47-06‬حدد أسعار الضرائب والرسوم الدنيا والقصوى‪،‬‬
‫وبذلك فالهامش الذي أعطاه المشرع لمجالس الجماعات الترابية ال يتعدى سلطة‬
‫اقتراح السعر فقط‪.‬‬
‫كل هذا يدفعنا إلى القول إن التدبير الذاتي لمنظومة الجبايات الترابية تدبير‬
‫محاصر‪ ،‬وهو ما نت عنه تقييد قانوني الختصاصاتها ومجاالت تدخلها‪ ،‬وهو ما‬
‫جعل مهام مصالحها الجبائية مجزأة‪ ،‬لذلك فالمشرع المغربي مطالب بمراجعة هذه‬
‫المقاربة‪ ،‬ونه مقاربة تشاركية في صناعة القرار الضريبي بين المركز والمحيط‬

‫‪ -1‬محمد الصابري‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.143.‬‬


‫‪310‬‬
‫مجلة البوغاز للدراسات القانونية والقضائية العدد ‪ 6‬يونيو ‪Revuebejj N°6 2020‬‬

‫ومختلف الفعاليات‪ ،‬ألنه ال يمكن الحديث عن قرار جبائي ترابي حقيقي إال إذا كانت‬
‫هناك حرية للمجالس التداولية في تحديد أسعار ضرائبها ورسومها‪.‬‬

‫‪311‬‬

You might also like