Professional Documents
Culture Documents
مقدمة:
إن التحوالت التي عرفتها عملية صناعة قرار مالي ،ال تعدو أن تكون
مجرد جزء من التحوالت الشاملة التي عرفها المجتمع الدولي بقيادة الدول المتقدمة،
فالحاجة إلى التطور وصياغة سياسات عمومية تأخذ فيها الدولة المكانة الرئيسية لم
تعد مقبولة ،فهي لم تعد قادرة على االحتفاظ بوسائل االحتكار لتتخلى بذلك عن
دورها السلطوي لفائدة دور المشارك في العملية التنموية إلى جانب مجموعة من
الفواعل ،وقد شكل ظهور مجموعة من المتغيرات االجتماعية دعوة إلى التعجيل
بإعادة البحث عن صياغة نظم سياسية واجتماعية جديدة ،وهو ما أدى إلى انبثاق
العديد من المفاهيم مع مطلع ثمانينيات القرن الماضي كالفاعل المحلي ،الحكم
المحلي ،سياسة القرب ،التدبير المحلي ،الحكامة المحلية وغيرها.1
فظهور مصطلح الحكامة على هذا المستوى شكل أرضية لعودة كل ماهو محلي
للواجهة واإلقرار بمكانة الالمركزية،وتجسيد واضح ألهمية العالقة التي أصبحت
تربط الدولة بباقي المتدخلين والفاعلين المحليين خاصة المجتمع المدني والجماعات
الترابية ،وبالتالي التأسيس لعالقة متكاملة تهتم بكل المطالب االجتماعية ،وقائمة
على نه سياسات جديدة تحاول الخروج من أزمة الحكم المركزي وتضع حدا لكل
أشكال التدبير التقليدية ،2ف تكريس الحكامة الترابية إذن كان هو البديل الذي راهنت
عليه مجموعة من المجتمعات الحديثة–سواء فاعلين رسميين أو غير رسميين ،-وما
1
-François-Xavier Merrien: « De la gouvernance et des Etats providence
contemporains», Revue international des sciences sociales (R .I.S.S), N°
155, Mars 1998, P.61.
2
-François Merrien: Op.cit, P.66 .
290
مجلة البوغاز للدراسات القانونية والقضائية العدد 6يونيو Revuebejj N°6 2020
1
- Mhammed Echkoundi: « De la gouvernance à La gouvernance local »,
in revue Marocaine d’audit et de développement–R.M.U.D-, N°19,
Décembre 2004, P.58 .
-2سويم العز ي" :المفاهيم السياسية المعاصرة ودول العالم الثالث ،دراسة تحليلية نقدية" ،المركز الثقافي
العربي ،الرباط ،الطبعة األولى ،1987 ،ص.104 .
-3المرجع السابق ،ص.106 .
291
مجلة البوغاز للدراسات القانونية والقضائية العدد 6يونيو Revuebejj N°6 2020
زيادة على أن غالبية المهام والنشاطات التي كانت تقوم بها السلطات العاملة على
المستوى الترابي استنادا إلى مبدأ التفريع ،هو ما يؤشر على نوع من تقسيم العمل
بين الدولة والجماعات الترابية وإضفاء طابع خاص على الفعل العمومي ،وهو ما
جعل مفهوم اإلقليم يتراجع لفائدة المبدأ الجديد المتمثل في الترابية La
territorialitéوأصبحنا نتحدث عن مفهوم جديد يت مثل في ما يمكن أن نسميه
بترابية الفعل الجماعي ،وهذا االنتقال من المحلي إلى الترابي يعطي بعدا جديدا
للقرار العمومي ،يتمثل أساسا في عناصر الفعالية ،القرب والتشاركية أو الجماعية
في الفعل واإلنجاز.1
فصناعة القرار الجبائي هو عملية تفاعل بين مختلف المشاركين بصورة
رسمية أو غير رسمية في وضع سياسة جبائية ،حيث يتم اختيار بديل من البدائل
المطروحة لحل المشكالت المثارة ،على أساس تقييمها والمفاضلة بينها ،لهذا تعد
دراسة القرارات الجبائية عملية جد معقدة ألنها تتعلق بمجموعة كبيرة من المتغيرات
المتفاعلة والتي تتحكم في ديناميات الوجود السياسي والحياة السياسية بشكل عام،
وعند ربطنا الماضي بالحاضر نجد بأن القرار الجبائي بالمغرب قد مر بثالث مراحل
تاريخية رئيسية تتمثل في:
مرحلة ما قبل الحماية :حيث امتازت المنظومة الجبائية بالتقليدانية ،عبر
تغليب مفهوم المخزن الجبائي انفردت فيه السلطات المخزنية بالسلطة؛
مرحلة الحماية الفرنسية :عمل المستعمر خالل هذه الفترة على عصرنة
النظام الجبائي وتحديثه بما يخدم مصالحه ومخططاته االستعمارية ،وهنا انفردت
السلطات الحماية آنذاك بصناعة القرار الجبائي؛
مرحلة ما بعد االستقالل :العمل على تبني نظام جبائي يجمع ما بين
العصرنة وتدخل مجموعة من المؤسسات المركزية والترابية من أجل صناعة قرار
جبائي.2
وعلى الرغم من كون القرار الجبائي هو العمل الملموس للسياسة الجبائية،
فهذا ال يعني وحدته ،أي اتخاذه من طرف واحد وبناء على مرجعية واحدة ،وال
-1الحنودي علي" :الدولة وتدبير السياسات العمومية الترابية" ،المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية،
عدد مزدوج ،135-134ماي -غشت ،2017ص.187.
-2عبد اإلله منظم" :صناعة القرار الجبائي المحلي بالمغرب (على ضوء القانون ")47.06رسالة لنيل
دبلوم الماستر ،القانون العام ،كلية العلوم القانونية ،االقتصادية واالجتماعية سطات ،السنة الجامعية
،2008-2009ص.6-5 .
292
مجلة البوغاز للدراسات القانونية والقضائية العدد 6يونيو Revuebejj N°6 2020
يعني أيضا أنه قرار يعود إلى المؤسسات الدستورية فقط ،ألن قواعد اللعبة السياسة
ال تقرأ من خالل اإلطار الدستوري والمؤسساتي ،وإنما من خالل مقاربة نسقية
عالئقية تمكن من الوقوف عند كيفية اشتغال النسق القراري ،وعند اإلطار المرجعي
لهذا االشتغال والتغييرات التي ت حدث في هذا الوسط والظروف المساهمة في هذه
التغيرات ،1فالقرار الجبائي إذن هو نسق وليس معطى جاهز قبليا ،وهو فسيفساء
ي عكس تعدد الفاعلين في صناعته سواء كانوا رسميين أو غير رسميين ،مشاركين
أو مؤثرين ،فهذه العملية إذن تمر عبر عدة مراحل:
دراسة المشكلة موضوع القرار وتشخيصها؛
إعداد واقتراح البدائل واالختيارات وتحديد هامش الخطر لكل
احتمال ممكن وقوعه ،وتوقع ردود الفعل ،وتعتبر مرحلة التحضير جوهر
عملية صناعة القرار في الوقت الحاضر؛
اتخاذ القرار واختيار البديل المناسب واإلعالن عنه؛
تنفيذ القرار ودخوله حيز التطبيق عن طريق اإلدارة؛
تقييم القرار وتلقي ردود الفعل والنتائ ؛
تصحيح مسار القرار ،وتجنب األخطاء التي واكبته.
وعموما فإن أهم مراحل صناعة القرار الجبائي تتمثل بالخصوص في عملية
التحضير ثم المناقشة والتصويت ،لتنتهي بمرحلة التنفيذ.2
فالقرار الجبائي إذن هو وسيلة تستعملها السلطة الحاكمة للضغط على كل
مكونات النسق السياسي ،بهدف الوصول إلى غايات معينة ،وبالتالي فالقرار القاضي
بمنح امتياز جبائي أو الزيادة فيه أو تقليصه أو إلغائه هو قرار له أسبابه ومبرراته
وآثاره ،ألنه قد يرمي إلى تغيير أو المحافظة على البنيات االجتماعية،لذلك فدراسة
عملية صناعة القرار الجبائي الترابي على ضوء مبادئ الحكامة الترابية تكتسي
أهمية كبرى ،لكون هذه العملية تمكننا من استجالء استراتيجيات وأدوار الفاعلين
المحليين ،كما أنها البديل السياسي الذي يراهن عليه الجميع لمساهمتها في تجسيد
سياسة القرب والتشخيص الجيد للمشاكل ،لذا فعملية صناعة القرار الجبائي عبارة
-1عادل فراج" :القرار العام وبلورة السياسة العامة :مقاربة لسلطة الفاعلين في بلورة السياسات
الضريبية" ،أطروحة لنيل الدكتورة في القانون العام ،جامعة القاضي عياض ،كلية العلوم القانونية
واالقتصادية واالجتماعية مراكش ،السنة الجامعية ،2006-2005ص.7 .
عن صيرورة معقدة من الخطوات المتكاملة الممنهجة والمنسقة ،تتداخل فيها عدة
عوامل وفعاليات.1
وتأسيسا على ما سبق ،ومن أجل التعمق أكثر في هذا الموضوع سنحاول
اإلجابة على اإلشكالية التالية:
هل ضوابط ومبادئ الحكامة كفيلة بتحقيق عملية صنع قرار جبائي ترابي قوي
وفعال ضمن السياسة العمومية المغربية؟ أم أن هناك معيقات لهذه العملية؟
لإلجابة عن هذه اإلشكالية سنلتزم بالتصميم التالي:
المطلب األول :الفواعل المتدخلة في عملية صنع القرار الجبائي الترابي
المطلب الثاني :حدود صناعة القرار الجبائي الترابي
المطلب األول:
الفواعل المتدخلة في صناعة القرار الجبائي الترابي
لقد اقترن رسم السياسة العامة داخل أي نظام سياسي بالحكومة باعتبارها
أهم المؤسسات الرسمية إلى جانب البرلمان ،حيث تقوم بوضع القواعد العامة التي
تنظم مختلف مناحي الحياة السياسية واالقتصادية واالجتماعية ،إال أن إسناد المشرع
المغربي اختصاص تشريع الضرائب وتحديد مقاديرها للسلطة التشريعية ال يعني
أن المؤسسة البرلمانية فقط هي من تتولى تحديد السياسة الجبائية بالمغرب ،وإن
كانت هي من تضفي عليها صبغة المشروعية من خالل عملية التصويت على
النصوص القانونية التي تؤطرها ،إذ أن الفواعل المتدخلة سواء بشكل مباشر أو
2
غير مباشر في عملية بلورة السياسة الضريبية مثل أي سياسة عمومية أخرى تتعدد
طبة بذلك النص القانوني الذي يعكس توجهات السياسة المختارة، بتعدد الجهات المخا َ
-1خالد العسالي" :صناعة القرار السياسي الجبائي في المغرب ،محاولة تقويم السياسات العامة ،نموذج
االمتيازات الضريبية" ،أطروحة لنيل الدكتورة في الحقوق ،جامعة محمد الخامس ،كلية العلوم القانونية
واالقتصادية واالجتماعية بالرباط ،السنة الجامعية ،2004-2003ص.15 .
-2محمد الصابري" :التدبير الجبائي الترابي ورهان التنمية بالمغرب" ،أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في
القانون العام ،جامعة محمد الخامس ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية سال ،السنة الجامعية
.40 .2016-2017
294
مجلة البوغاز للدراسات القانونية والقضائية العدد 6يونيو Revuebejj N°6 2020
رغم أن انتشار مفهوم الحكامة في جميع الخطابات قد قلص بشكل كبير من مهام
الحكومة وساهم في تغيير أدوارها.
1
- Gerry Stoker: « Cinq propositions pour une théorie de la
gouvernance », Revue internationale des sciences sociales
(RISS(,N°155,Mars 1998, P.16
2
- Raid Zighal: « Du gouvernement à la gouvernance : Nouveaux défis
lances à l’Etat », revue Marocaine d’audit et de développement
(R .M.U.D), N° 19, Décembre 2004.P.17.
-3محمد زين الدين ":الحكامة مقاربة إبستمولوجيا في المفهوم ...والسياق" ،وارد في مسالك في الفكر
والسياسة واالقتصاد ،العدد 8ـ ، 2008مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء،ص. 5.
295
مجلة البوغاز للدراسات القانونية والقضائية العدد 6يونيو Revuebejj N°6 2020
مختلف الميادين التنموية االقتصادية االجتماعية وأيضا الثقافية ،ومن غير المستساغ
اليوم من منظور الحكامة الترابية أن تُحْ ت َ َكر على المستوى المركزي مسؤولية تحديد
االستراتيجيات التنموية التي تستهدف المستوى الترابي.1
إن المتتبع للتجربة المحلية والتنظيم الترابي للمملكة ،سيالحظ دون أدنى شك
األدوار والمهام التي تقوم بها الجماعات الترابية من خالل االختصاصات التي
خولت لها كانت دائما في مسار تصاعدي ،وذلك وعيا من السلطات المركزية بأهمية
الجماعات الترابية كشريك أساسي في تدبير التنمية بشكل عام ،والتنمية الترابية
بشكل خاص ،الشيء الذي سيدفع باتجاه االعتراف وتبني مبدأ التفريع الذي سيمثل
منطلقا لتوزيع االختصاصات بين الدولة والجماعات الترابية ،2وهذا المبدأ سيسهل
وال شك المبادرات االقتصادية المحلية كما سيساعد على اقتسام السلطات التقريرية
مع الكيانات الترابية ،3وسيصبح التراب إذن هو العنصر أو المجال المحدد للمشاكل
العامة وليس جهاز الدولة ،الشيء الذي يفهم منه كذلك أن معالجة المشاكل العامة قد
بدأت بشكل تدريجي من التحكم أو القيادة المركزية.4
والمالحظ أن النصوص الدستورية والقانونية تمنح سلطة أساسية للبرلمان في
المجال الضريبي حيث "ال ضريبة وال رسم إال بنص تشريعي" ،في حين تتكلف
السلطات الحكومية بعد إصدار النص من قبل الملك بتنفيذ تلك النصوص التشريعية
مستعملة الجهاز اإلداري ،الذي يختص من الناحية النظرية بتحضير القرارات
الجبائية وفق توجيهات السلطات السياسية ،ثم تنفيذها على الوجه المحدد في النص
التشريعي ،فاألجهزة المحورية المساهمة إذن في صناعة القرار هي المؤسسة
الملكية ،المؤسسة البرلمانية ،السل طة التنفيذية ،رغم أن الهوة الموجودة بين التأصيل
النظري والممارسة الفعلية تدعو إلى التساؤل عن مدى حقيقة هذا الطرح ،باعتبار
أن تبني المقاربة السياسية الحديثة المعتمدة على دراسة ما هو كائن تجعلنا نعيد
- 1مقاس أسماء" :المجالس الترابية بالمغرب ورهان التنمية المحلية" ،مجلة آراء للعلوم اإلنسانية
واالجتماعية والقانونية ،العدد األول ،2019ص.64-63.
- 2هو مبدأ يقوم على التوزيع الشريف لالختصاصات والموارد عمال بالمبدأ األصيل في االلتزام ،بناء
على حسم قانوني واضح أو تعاون وتفاهم شريف ألن ما يستطيع األدنى القيام به يترفع عنه األعلى ،وما
يعجز عنه األدنى يتواله األعلى ،أي تشييد الدولة من القاعدة إلى القمة وال يمكنها أن تتدخل إال على
أساس تصحيح نقائص أو تقوية عجز لدى الجماعات الترابية .أنظر:
-و ائل أشن" :األدوار التنموية للجماعات الترابية -التسويق الترابي نموذجا ،"-مجلة اآلراء للعلوم
اإلنسانية واالجتماعية والقانونية ،العدد األول ،2019ص.19.
- 3الحنودي علي :مرجع سابق ،ص.189.
- 4نفس المرجع ،ص.187.
296
مجلة البوغاز للدراسات القانونية والقضائية العدد 6يونيو Revuebejj N°6 2020
النظر في هذا الطرح ،فكل دراسة تكتفي بتتبع دور األجهزة التي تتوفر على سلطة
القرار ما هي إال اختزال لصيرورة تشارك فيها فعاليات أخرى قد يكون تأثيرها
أقوى من تأثير األجهزة الرسمية.
فالسلطة الحكومية إذن تتدخل في العديد من المواقع لتجسد سلطة ضريبية
حقيقية ،من خالل مجموعة من اآلليات والوسائل التي تتيح لها التدخل لتحديد السياسة
الجبائية للدولة ،هذه السياسة التي يقوم بتحديد معالمها وتوجهاتها الكبرى الملك ،في
إطار المجال المحفوظ له بصفته رئيس دولة.1
وبذلك يكون الدستور المغربي قد منح لمجموعة من المؤسسات الدستورية
اختصاصات تهم صناعة القرار الجبائي ،يوجد على رأسها المؤسسة الملكية
باعتبارها الفاعل المحوري في النسق السياسي ،ثم السلطة التنفيذية كجهاز مسؤول
عن وضع وتحضير القرارات الجبائية وتنفيذها ،وأخيرا سلطة تشريعية من
المفروض أنها تمثل عموم الشعب وتعبر عن مضمون التراضي الجبائي ،إذن فماهي
مكانة كل من المؤسسة الملكية والسلطة التنفيذية داخل لعبة تشكيل قواعد السياسة
الجبائية والنفاذ إلى دائرة عملية صناعة القرار الجبائي؟
أ -مكانة المؤسسة الملكية ضمن معادلة صناعة القرارات الجبائية
إن سمو المؤسسة الملكية يجعلها الفاعل األول في صناعة السياسات العمومية
بالمغرب وصاحبة القرار في جميع المجاالت بما في ذلك التدخل في مجال صناعة
القرار الجبائي ،فرغم التنصيص الدستوري على المؤسسة البرلمانية وتخويلها سلطة
التشريع ،فإن سلطة الملك في عالقته بالبرلمان تجعل منه المشرع األعظم والفاعل
األول في صناعة السياسات العمومية ،وباعتباره أعلى سلطة دستورية فهو يقوم
ب ممارسة سلطة توجيهية من خالل توجيه خطابات في المجال الجبائي إلى كل من
البرلمان والحكومة بغية نه إصالحات في القانون الجبائي ،هذه الخطابات لها تأثير
واضح على دوائر صناعة القرار الجبائي ،حيث نجد أن عددا مهما من السياسات
العمومية التي تحكم األجهزة اإلدارية تستمد سياستها من الخطابات الملكية ،لمعرفة
أهدافها ومصادرها ،2حيث تعتبر بمثابة أوامر وتعليمات موجهة لجميع الفاعلين في
مجال صناعة القرار الجبائي ومضامينها ملزمة للجميع ،كما أنها تتمتع بحصانة
-1محمد الصابري" :التدبير الجبائي الترابي ورهان التنمية بالمغرب" ،مرجع سابق ،ص.41 .
-2أمينة جبران" :المتخذ العملي في المادة اإلدارية ،مدخل لصياغة جذر مشترك في المادة اإلدارية
المغاربية" ،المطبعة والوراقة الوطنية مراكش ،الطبعة األولى ،2006ص.237.
297
مجلة البوغاز للدراسات القانونية والقضائية العدد 6يونيو Revuebejj N°6 2020
دستورية مطلقة سواء أكانت موجهة للبرلمان أو لألمة ،فالخطب الملكية الموجهة
إلى البرلمان في هذا اإلطار غالبا ما تكون بمثابة توجيهات سامية بل برنامجا كامال
يجب على البرلمانين تنفيذه دون مناقشة ،1ويمكن التمييز في الخطب الملكية بين
الخطب الموجهة في إطار الفصل 52من الدستور باعتبار أن "للملك أن يخاطب
األمة والبرلمان ،ويتلى خطابه أمام كال المجلسين وال يمكن أن يكون مضمونه
موضوع نقاش داخلهما" ،والخطب الموجهة في إطار الفصل 65باعتبار أنه "يعقد
البرلمان جلساته أثناء دورتين في السنة ،ويرأس الملك افتتاح الدورة األولى."...
ومن بين أهم الخطب التي وجهها الملك محمد السادس لصناع السياسة الجبائية
والتي تهم المجال الجبائي ،تلك التي كانت يوم الجمعة 25شتنبر 2000بالجر ف
األصفر ،أمام رؤساء غرف التجارة والصناعة ورؤساء المكاتب الوطنية وعدد من
الفاعلين االقتصاديين ،حين أشار فيها إلى أنه...":وبالنظر لما للنظام الجبائي من
دور تحفيزي لالستثمار فإننا قد أصدرنا تعليماتنا السامية لحكومتنا قصد وضع
إصالح جبائي قائم على الشفافية والتبسيط والعقالنية ،وإعادة النظر في الجبايات
الترابية بحيث تكون الغاية المثلى للجبايات تشجيع االستثمار المنت الذي يخلق
فرص الشغل ،"...ثم خطاب ثان كان يوم 10يناير 2001بمراكش في مناظرة
وطنية حول السياحة والتي أكد فيها على أنه ..." :وحرصا منا على تشجيعكم على
االنخراط الشامل في معركة اإلقالع الجديد لهذا القطاع االستراتيجي ،فإننا نبشركم
بإصدار تعليماتنا السامية الموجهة لحكومة جاللتنا ...وباإلسراع بضبط الجبايات
الترابية وتناسقها ،جاعلين منها محفزا للقطاع عوض أن تكون عائقا أمام
ازدهاره."...
كما أنه قد أشار كذلك يوم 13أكتوبر 2000بالرباط أمام نواب األمة بمناسبة
افتتاح الدورة األولى من السنة التشريعية الرابعة إلى..." :وإننا لعازمون على مواكبة
إصالح مدونة الجماعات الترابية بإصالحات متقدمة تهم القانون االنتخابي والمالية
الترابية...غايتنا المثلى في ذلك خلق فضاءات منسجمة للتنمية ،وجبايات محلية
محفزة على االستثمار ،تتسم بالشفافية والعقلنة ،والتقليص من العدد المرتفع
للضرائب والرسوم المحلية إلى أدنى عدد ممكن في إطار التنافس التام بين الجبايات
-1نجيب الحجيوي" :سمو المؤسسة الملكية في المغرب :دراسة قانونية" ،أطروحة دكتوراه في الحقوق،
جامعة محمد الخامس أكدال ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية بالرباط ،السنة الجامعية
،2000-2001ص48..
298
مجلة البوغاز للدراسات القانونية والقضائية العدد 6يونيو Revuebejj N°6 2020
1
- Raid Zighal: Op.cit,P:15.
-2الفصل 39من دستور .2011
-3الحكومة تختص بالمجال التنظيمي الذي ال يشمله اختصاص القانون حسب الفصل 72من دستور
.2011
299
مجلة البوغاز للدراسات القانونية والقضائية العدد 6يونيو Revuebejj N°6 2020
بالعديد من القيود التي تحد من السلطة الضريبية للبرلمان وتُخ ََّول لسلطات أخرى
التدخل بشكل مباشر أو غير مباشر للمساهمة في تأسيس القواعد الضريبية.1
فعندما كفل المشرع للسلطة التنفيذية حق التدخل لممارسة العمل التشريعي،2
قسم مجال تدخل كل من السلطتين التنفيذية والتشريعية وحدد أيضا مجال الالئحة
في مقابل الم جال المحفوظ للقانون ،3وما يالحظ هنا هو غلبة مشاريع القوانين
المقدمة من طرف الحكومة على مقترحات النصوص المتخذة بمبادرة تشريعية
برلمانية ،فالحكومة إذن تظل هي المبادرة للتقدم بمشاريع القوانين في حين يبقى
دور البرلمان منحصرا في مناقشة هذه المشاريع والمصادقة عليها.
وما يمكن استخالصه هو التفوق الكبير للحكومة على البرلمان حيث تصبح
الحكومة هي المشرع الرئيسي ،بينما البرلمان مشرع ثانوي نظرا للحصر في
مجاالت تدخله التشريعي ،وهو ما جعل دور الحكومة محوريا في صناعة القرار
الجبائي ،وخاصة عندما يتعلق األمر بمجال تدخل كل من وزارة الداخلية ووزارة
المالية اعتبارا لدورهما األساسي في إعداد السياسة الجبائية الوطنية والترابية
والعمل على تنفيذها:
-1وزارة المالية :هي جهاز أساسي في صناعة القرار الجبائي ،حيث تتكلف
برسم الخطوط الكبرى للسياسة االقتصادية والمالية والضريبية ،تحت إشراف مباشر
لوزير المالية ،وبالنظر للطبيعة االزدواجية لمهام وزير المالية -كما هو الشأن لباقي
الوزراء ،-فهو يمارس ف ي نفس الوقت مهام سياسية وأخرى إدارية تتمثل باألساس
في دور اإلدارة الضريبية التابعة لسلطة وزارة المالية لتدبير بعض الرسوم
والضرائب ،مما يعطيها سلطة مهمة في صناعة القرار الضريبي.
-2وزارة الداخلية :إن الحكومة في صياغتها للقرار الجبائي الترابي تعتمد
على وزارة الداخلية ،لكونها تتوفر على المعلومات التي تهم القضايا السياسية
االجتماعية واالقتصادية على الصعيد الترابي ،ولكونها الساهرة على تنفيذ السياسات
العمومية من جهة أخرى ،وهذا ما يؤهلها ألن تكون قوة اقتراحية في هذا المجال،
ولعل هيمنة وزارة الداخلية على السلطة الجبائية وخاصة الترابية ،تكمن في تحكمها
في مرحلة حاسمة من مراحل صناعة القرار الجبائي ،وهي مرحلة تحضير مشروع
القانون الجبائي ألنها صاحبة المبادرة الجبائية الترابية التي تنتقل من مقر البرلمان
إلى مقر مديرية الجماعات الترابية لوزارة الداخلية ،1وهذا ما يفسر توجه الضغوط
إلى مقر وزارة الداخلية ،الذي يعتبر المجال المفضل واألرضية الخصبة لعمل
اللوبيات التي تكثف تحركاتها أثناء تحضير مشاريع القوانين ،بحيث تصبح مديرية
المالية المحلية بوزارة الداخلية مركزا للصراع الضريبي من أجل االستفادة من
االمتيازات التي تمنحها النصوص الجبائية الترابية ،ويسعى عندئذ الفاعل إلى تبرير
وجهات نظره ،وفرض توجهاته ،كي يستفيد بأكبر قدر من االمتيازات التي تمنحها
النصوص الجبائية الترابية.
وحتى تت مكن وزارة الداخلية من ضمان نوع من القبول لدى الجماعات
الترابية 2والفاعل المحلي لقراراتها الجبائية ،رفعت شعار الحوار الجبائي واالنفتاح
على محيطها ،فاتحة بذلك باب المشاركة وفق تصور جديد لتأسيس العالقة بين
الفاعل المحلي والسلطة المركزية ،نتيجة التحوالت التي عرفها المشهد السياسي
بالمغرب انطالقا من المفهوم الجديد للسلطة ،3وهكذا فقد تم تنظيم مجموعة من
اللقاءات واالجتماعات مع الجهات المعنية باإلصالح ،كما حدث مع مشروع قانون
الجبايات المحلية 47.06الذي عُ ِّرض للنقاش على مستوى الجماعات واألكاديميين
والهيئات المهنية ،م ن خالل مسودة مشروع إصالح الجبايات الذي أعدته مديرية
الجماعات المحلية آنذاك وطرحته للنقاش العمومي.4
ج -المؤسسة التشريعية:
من حيث المبدأ تعود السلطة التشريعية للمؤسسة البرلمانية ،وبذلك فالوظيفة
التشريعية أساس قيام البرلمانات وهي وظيفة أصلية لهذه المؤسسات ،1وتبعا لذلك
صب البرلمان كسلطة تشريعية أصيلة بالمملكة ،غير أن هذا فإن الدستور المغربي يُنَ ِّ ّ
ال ينفي تدخل السلطة الحكومية لممارسة االختصاص التشريعي.
وبالعودة إلى الفصل 75من الدستور نجده يؤكد على أن مساهمة السلطة
التشريعية في إنتاج وتعديل القوانين هي جد محدودة في مقابل توسيع آلية تفويض
البرلمان سلطته لفائدة الحكومة ،فمجموع المبادرات الجبائية هي عبارة عن مشاريع
قوانين تتقدم بها الحكومة وتحظى باألسبقية داخل البرلمان ،والممارسة العملية تؤكد
استبعاد المقترحات القانونية للبرلمان في المجال الجبائي وقصر هذا الحق على
الحكومة وحدها ،مما يتيح لها مجاال واسعا للتحكم في كل مرحلة من مراحل صناعة
القرار ،أما القانون التنظيمي رقم 130.13للمالية 2فيؤكد على أن اختصاص إعداد
مشاريع قوانين المالية يعود للسلطة الحكومية المكلفة بالمالية تحت سلطة رئيس
الحكومة.3
فالمالحظ إذن أن المؤسسة التشريعية ال تتوفر على اختصاص شامل وخالص
في المجال الجبائي ،ألن البرلمان يتكلف بوضع األسس والقواعد العامة ،ويكتفي
فقط بالمصادقة على ما تحيله عليه الحكومة ،بينما كل ما يتعلق بطرق التنفيذ يعتبر
من اختصاص الحكومة والسلطات اإلدارية ،بالنظر لعدم توفر البرلمان على جهاز
تابع له يسهر على تنفيذ ما يقرره.
وإذا كان حق التقدم بمقترحات قوانين جبائية من قبل البرلمان محدودا ،فإن
السلطة الوحيدة المتبقية هي حق التقدم بتعديالت ،ولعل مراحل بلورة القانون رقم
47.06توضح هذه الفرضية ،سواء من خالل تدخل مجلس المستشارين أو من
خالل دور مجلس النواب.4
-1سمير الشحواطي" :المؤسسات الدستورية والتنمية السياسية في المغرب :نموذج المؤسسة البرلمانية
على ضوء التعديل الدستوري" ،مجلة أنفاس قانونية ،مجلة مغربية لتنمية الثقافة الحقوقية والقانونية،
مطبعة إمستيتن ،الرباط ،العدد الرابع يوليوز ،2012ص.41 .
-2جريدة رسمية عدد 6370فاتح رمضان 18 /يونيو .2015
-3المادة 46من القانون التنظيمي .130.13
-4عبد الحق المرجاني" :دور اإلدارة الجبائية المحلية في التنمية المحلية" ،دبلوم الدراسات العليا في
العلوم السياسية ،جامعة الحسن الثاني ،كلية الحقوق الدار البيضاء ،1999ص.15-14 .
302
مجلة البوغاز للدراسات القانونية والقضائية العدد 6يونيو Revuebejj N°6 2020
وما يتضح لنا هنا أن القانون ينفرد بتحديد الوعاء الضريبي ومقدار الجبايات
وطرق تحصيلها ،وهو ما يدفعنا للقول أن الجماعات الترابية ال تتوفر على سلطة
تأسيسية في المجال الضريبي.
الفقرة الثانية :الفاعلون على المستوى الترابي
لعل المكانة السا مية للدستور تجعله يهتم بكل ما يخص مسار الالمركزية من
توزيع لالختصاصات بين الدولة والجماعات الترابية ،إال أنه لم يتطرق لحيثيات
تدبير القرارات الجبائية الترابية ،فهو يحيل على سلطة خاصة لتنظيم الشؤون
الترابية عبر تخويلها للسلطة التنظيمية والقرار الجبائي هو أحد مظاهرها ،وقد
شكلت القوانين المنظمة للجماعات الترابية 1مجاال واضحا لتباين االختصاصات
المخولة لها في مادة الجبايات ،حيث تعطي لآلمرين بالصرف في الجماعات سلطة
إعداد القرارات المالية ،إال أن اقتراحاتهم تحاط بنوع من العناية والتبصر قبل
عرضها على المجالس ،وقد ظل دور السلطة الجبائية الترابية في صناعة القرار
الضريبي الترابي جد محدود ،حيث أن قانون 47.06منح للمجالس التداولية
(المجلس الجهوي ،مجلس العمالة واإلقليم ،مجلس الجماعة الحضرية أو القروية،
ومجلس المجموعة الحضرية ولجان التعاون المشتركة بين الجهات ،واللجن النقابية)
سلطة تسعير بعض الرسوم على اعتبار أن سلطة التأسيس الجبائي هي من
اختصاص المشرع ،سواء تعلق األمر بالضرائب الوطنية أو الرسوم نظرا للعالقة
بين السيادة الجبائية والسيادة السياسية ،ليظل بذلك دور المجالس التداولية منحصرا
في تقدير مجموعة من الرسوم المنظمة بقانون 47.06عبر آليات القرار الجبائي
كسلطة مهمة ،تستطيع من خاللها المجالس التداولية لعب دور أساسي في تحديد
رسوم تالئم التطور االقتصادي واالجتماعي لكل جماعة ترابية.
إن تنوع الجماعات الترابية واختالف خصوصياتها وأوضاعها ،يجعل من غير
المقبول والمنطقي أن يعمل النظا م الجبائي الجماعي المرتبط بهذه الوحدات على
توحيد أسعار ونسب مجموعات الجبايات الترابية وكذلك أوعيتها الجبائية ،واستجابة
لهذا التصور ،حرص المشرع المغربي على تمكين الجماعات الترابية من التدخل
في ميدان التدبير المالي الترابي ،عبر إشراكها في تنظيم هامش ال يستهان به من
-1المهدي بنمير" :الجماعات المحلية والممارسة المالية بالمغرب" المطبعة والوراقة الوطنية مراكش،
،1994ص.101.
304
مجلة البوغاز للدراسات القانونية والقضائية العدد 6يونيو Revuebejj N°6 2020
إن الحديث عن قدرة تدخل الجماعات الترابية في صناعة القرار الجبائي هو
حديث عن درجة االستقالل المالي للجماعات الترابية ،وهنا يتبادر إلى ذهننا سؤال
جوهري ،هل وجود نظام جبائي ترابي مستقل عن النظام الجبائي الوطني يجعلنا
نجزم باالختصاص الجبائي الترابي؟ ،ومن المعلوم لدينا أيضا أن سلطة فرض
الضريبة وتحديد وعائها من االختصاصات الحصرية للسلطة التشريعية ،1وهو أحد
تجليات ممارسة السيادة بالنظر إلى الطابع السيادي الذي تحمله الضريبة.
ج -س لطة تسعير الرسوم لدى الجماعات الترابية
تحظى الوحدات الترابية بمجموعة من االختصاصات التي تترجم بها سلطة
تدبيرها لجباياتها الذاتية ،فهي تضطلع بكل اإلجراءات التي من شأنها تنزيل أحكام
المنظومة الجبائية الترابية ،2فتسعير الرسوم الجبائية على المستوى الترابي يكتسي
أهمية من حيث تحديد االستقالل المالي للجماعات الترابية والرفع من مواردها
الجبائية ،فاألصل في القانون الجبائي أن أسعار الرسوم الترابية تحددها النصوص
التشريعية التي تؤسسها ،حيث أن المشرع هو من يحدد أسعار الرسوم التي ينشئها
وذلك كقاعدة عامة ،إال أنه يكون من المالئم في بعض الحاالت إبداء بعض المرونة
وتخويل الجماعات الترابية سلطة تسعير بعض من رسومها وفقا لحاجياتها.3
وطبقا ألحكام المادة 168من القانون رقم 47-06فإن أمر تحديد نسب
وأسعار الرسو م غير المحددة السعر والتعريفات بشكل ثابت يتم بقرار يصدره اآلمر
بالصرف للجماعة الترابية المعنية بعد مداوالت مجلسها ،فهي التي تحدد مجال
تدخلها في صناعة القرار الجبائي الترابي ،لذاك نجد أن المشرع خول لها هامشا
من التدخل لممارسة االختصاص الجبائي من أجل المساهمة في رسم معالم السياسة
الجبائية المغربية عبر آلية خاصة وهي القرار أو المقرر الجبائي ،إال أن هذا
االختصاص تم تقييده من طرف المشرع بمقتضى المادة 32من القانون 45-08
المتعلق بالتنظيم المالي للجماعات الترابية ومجموعاتها ،فالمغرب من بين الدول
التي فرضت قيودا عل ى تحديد أسعار الجبايات الترابية ،وتم تجسيد ذلك من خالل
قانون 30-89الذي حدد مجموع الرسوم والضرائب واألتاوى المستحقة للجماعات
الترابية ،فباالستناد إلى مادته السادسة في الفصل الثاني منه والتي تؤكد على أنه يتم
تحديد أسعار وتعريفات الضرائب والرسوم ،حيث أن المشرع وضع أسعارا ثابتة
ل 21رسما وضريبة والجماعات الترابية ملزمة بتطبيقها كما هي ،أما الضرائب
التي تم وضع لها سعرا كحد أقصى فالجماعات الترابية تستطيع أن تتدخل فيها بشكل
نسبي وتبل 11ضريبة ،فهو إذن قد حصر تدخل الجماعات الترابية في تحديد
أسعار غالبية الرسوم والضرائب ،وحتى في الحالة التي ترك لها حرية تحديد السعر
فقد قيدها بأسعار قصوى ،كما أن ممارسة السلطة الجبائية تخضع لمصادقة سلطة
الوصاية ، 1فسلطة التسعير مقيدة إلى جانب وجود إذن قانوني يسمح للجماعات
الترابية باتخاذ المقرر الجبائي واحترام معدالت التسعير الدنيا والقصوى التي حددها
القانون2بالمرور بمصادقة سلطة الوصاية.3
إن الحديث عن صناعة قرار ج بائي ترابي حديث ال يستقيم إال ضمن السعر
المحدد من قبل السلطة بين حد أدنى وحد أقصى وهذا المجال هو مجال مقيد لتدخل
الجماعات الترابية.
المطلب الثاني :حدود التدخل في صناعة القرار الجبائي الترابي
عند ممارسة الجماعات الترابية الختصاصاتها فهي تستفيد من موارد مالية
تشكل فيها الموارد الضريبية عصب مواردها الذاتية نظرا لضعف مداخيل األمالك
الترابية ، 4إال أن حصيلة هذه العائدات تظل دون المستوى المطلوب ،فالجماعات
الترابية تفتقر إلى منظومة جبائية حقيقية ،ويتضح لنا ذلك أكثر من خالل بنية وعدد
الرسوم المخولة لهذه المستويات الترابية الالمركزية.
فأي دولة كيفما كانت طبيعتها الدستورية وشكل تنظيمها السياسي فهي تحتفظ
بحق فرض الضريبة للسلطة المركزية أما الوحدات الترابية فإنها تتكلف بتطبيقها
-1محمد علي أديبا" :إشكالية االستقالل المالي للجماعات الترابية بالمغرب نحو مقاربة أكثر واقعية"،
منشورات المجلة المغربية لإلدارة الترابية والتنمية ،سلسلة مواضيع الساعة ،عدد ،29الطبعة األولى
،2001ص.229.
-2عبد الحق المرجاني :مرجع سابق ،ص.15-14.
307
مجلة البوغاز للدراسات القانونية والقضائية العدد 6يونيو Revuebejj N°6 2020
بموجبها ، 1فالحدود إذن تطال حرية الجماعات الترابية في إعداد مقرراتها الجبائية،
وهامش الحرية في تحديد الحد األدنى واألقصى ألسعار رسومها هو مقيد أيضا
بمقتضى قانون ،وقد أخضع المشرع القرارات المتعلقة بهذا الشأن في النصوص
المنظمة للجماعات الترابية لمصادقة سلطة الوصاية ،ومنصوص على ذلك في المادة
59من القانون 79-00والمادة 41من قانون 47-96ثم المادة 168من قانون
، 06-47فلسلطة الوصاية إذن الكلمة الفصل في المصادقة على القرار الجبائي،
وهو ما يؤكد المحدودية في صناعة قراراتها الجبائية.
الفقرة الثالثة :غياب المقاربة التشاركية في بلورة السياسة الجبائية
إن دائرة صناعة السياسات العمومية ألي دولة ال تشكلها الفواعل الرسمية
فقط ،بل تمتد إلى الفواعل ذات االختصاصات غير المباشرة ،وبالعودة إلى القوانين
التنظيمية للوحدات الترابية نستشف أن المشرع قد أسند للجماعات الترابية مجموعة
من االختصاصات ذاتية ومنقولة وأخرى استشارية في مجاالت مختلفة ،إال أنها ال
تشمل مجال السياسة الجبائية.
فالواقع الحالي يؤكد محدودية السلطة الجبائية للفاعلين الترابيين ،في مواجهة
مركزية السلطة الجبائية واإلقصاء الذي تتعرض له الجماعات الترابية من دائرة
صناع القرار ،سواء على مستوى التشريع الدستوري أو مستوى التشريع القانوني،
الذي لم يخول لها من االختصاصات ما يمكنها من ولوج دائرة صناعة القرار ،كل
هذا يجعل الحديث عن سلطة الجماعات الترابية في تأسيس ضرائبها الترابية دون
أساس ،إال أن غياب سلطة تأسيسية مباشرة للجماعات في المجال الجبائي ال ينفي
إمكانية إسهام ومشاركة هذه األخيرة من خالل آليات موازية في عملية التأسيس
الجبائي.
فالجماعات الترابية إذن هي من لها السلطة نسبيا في اختيار السياسة الجبائية
التي تناسبها ،مع هامش بسيط من المجال المتاح للمجالس الجهوية لتقرير رسومها
الترابية ،وانعدام هذه اإلمكانية بخصوص مجالس العماالت واألقاليم رغم توفر هذه
األخيرة على سلطة التسعير الجبائي بمقتضى قانونها التنظيمي شأنها في ذلك شأن
باقي الوحدات الترابية األخرى ،باإلضافة إلى ما تعانيه المنظومة الجبائية للجماعات
الترابية من هي منة مركزية من خالل االستحواذ على وضع تصوراتها وتحديدها فإن
الهوامش المتاحة للوحدات الترابية لإلسهام في وضع بصمتها الخاصة على منظومة
جبايتها الذاتية قد تصطدم بمحددات عديدة أخرى.1
خاتمة:
إن التعمق إلى حد ما في عملية تأسيس القرار الجبائي بالمغرب ،هي محاولة
لل نظر عن بعد للمنظومة الجبائية ،والوقوف على أهم الفواعل الرسمية المؤثرة في
تشكيلها ،فصناعة القرار الجبائي هو عبارة عن صيرورة وتدخل مجموعة من
الفاعلين على الصعيد المركزي ،وبالخصوص المؤسسة الملكية باعتبارها الفاعل
الرئيسي في النسق السياسي الوطني ،ثم الحكومة المتمثلة في وزارة المالية والداخلية
باعتبارهما أهم المتدخلين في صناعة القرار الجبائي لتوفرهما على الوسائل التقنية
والفنية ،وهذا ما زكى تفوق الحكومة على العمل البرلماني بغرفتيه حيث ينحصر
دورهما في المناقشة والتصويت على القوانين ،الشيء الذي عكس قوة المؤسسة
التنفيذية واحتكارها للمادة الجبائية ،فالمغرب لم يتخلى عن سلطة التحكم في صناعة
سياسته الجبائية سواء الوطنية أو الترابية ،وهي امتداد لممارسة قديمة حيث كانت
الضريبة تجسد سلطة الدولة المركزية على باقي أقاليم المملكة ،إال أن انفتاح المغرب
على المنتظم الدولي وتبنيه للرأسمالية أدى إلى تدخل مؤسسات أجنبية في صناعة
القرار الجبائي الداخلي من قبل المؤسسات المانحة للقروض والشركات العابرة
للقارات.
أما فيما يخص المؤسسات الترابية فيرجع ضعف تدخلها في صناعة المادة
الجبائية الترابية ،رغم أنها هي المعنية األولى بها على المستوى الترابي إلى عدم
ثقة المركز في الجماعات الترابية ،فانحصر دورها فقط في تسعير بعض الرسوم
الترابية ،حيث أن القانون 47-06حدد أسعار الضرائب والرسوم الدنيا والقصوى،
وبذلك فالهامش الذي أعطاه المشرع لمجالس الجماعات الترابية ال يتعدى سلطة
اقتراح السعر فقط.
كل هذا يدفعنا إلى القول إن التدبير الذاتي لمنظومة الجبايات الترابية تدبير
محاصر ،وهو ما نت عنه تقييد قانوني الختصاصاتها ومجاالت تدخلها ،وهو ما
جعل مهام مصالحها الجبائية مجزأة ،لذلك فالمشرع المغربي مطالب بمراجعة هذه
المقاربة ،ونه مقاربة تشاركية في صناعة القرار الضريبي بين المركز والمحيط
ومختلف الفعاليات ،ألنه ال يمكن الحديث عن قرار جبائي ترابي حقيقي إال إذا كانت
هناك حرية للمجالس التداولية في تحديد أسعار ضرائبها ورسومها.
311