Professional Documents
Culture Documents
العدد 40من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس 2022م
(
)
صدق اهلل العظيم
فهرسة العدد
54 اإلدارة اإللكترونية ( الرقمنة) كآلية لمكافحة الفساد اإلداري ورافعة للنموذج التنموي الجديد……..............
315 أثر الكفاية الذاتية لقانون المحاماة على تدخل المحامي في القضايا العقارية……………………..................
383 االختصاص القضائي للمنازعات االستهالكية بين النص القانوني و الواقع العملي…………...............…….
218 التحديد اإلداري ألراضي الجماعات الساللية على ضوء المستجدات التشريعية...........................................
Safae Zellal
م
افتتاحتة العدد ،يقدمها :د حمد القاسمي
بسم هلل الكريم ،وبه نستعين ،وبفضله نمضي ونغدو
في طريقنا حتى نبلغ مقام اليقين ،والصالة والسالم على
أشرف المرسلين ،نهر الهدى وبحر الندى وعلى آله
وصحبه أجمعين ،رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري
واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي...أما بعد :تتمة
للمسار الذي بدأناه مند سنوات خلت في مجال النشر
العلمي والبحث األكاديمي ،فإنه لمن دواعي السرور أن
نقص شريط عدد جديد من أعداد مجلتنا ،ويتعلق األمر
بالعدد 04مارس ،2422هذا األخير جاء بعد اصدار ثلة من األعداد المتنوعة من
المجلة ،بين تلك المتعلقة بالقانون الخاص أو تلك المتعلقة بالقانون العام ،باإلضافة
إلى إصدار ستة أعداد متعلقة بجائحة كورونا وحالة الطوارئ الصحية التي مازال العالم
يتجرع ويالتهما ،راجين من اهلل العلي القدير أن يعجل برفعهما ،آمين...
فالعدد األربعون ( ) 04من هذا الصرح غني بمقاالت وأبحاث في مجال القانون
والعدالة ،ألفها أساتذة التعليم العالي ودكاترة وممارسين وباحثين في أسالك الدكتوراه
من المغرب وبعض الدول العربية الشقيقة ،ستشكل بال شك أو أدنى ريب إضافة للخزانة
القانونية الرقمية ،ومادة علمية يعتمدها الفقيه والمتخصص والباحث وكل مهتم
بالتأليف في الشأن القانوني والقضائي المغربي والمقارن سواء في القانون العام أو
الخاص على حد سواء...
فالشكر الجزيل لكل من ساهم من قريب أو بعيد في تأليف وصياغة بنيان هذا
العدد ،والشكر الجزيل للجنة العلمية وللجنة التنقيح والمراجعة اللغوية والنشر ،وفي
انتظار اصدار العدد 04أبريل ،2422تفضلوا بقبول أسمى عبارات التقدير واالحترام؛
والسالم عليكم ورحمة اهلل تعالى وبركاته...
وجود حق متنازع عليه ،مما يترتب عليه نتائج قانونية ،وبالتالي فان اإلثبات في جوهره
يسعى إلى إقناع املحكمة بادعاء أو دحض ادعاء الخصم ،ألن القاعدة العامة في مجال
اإلثبات ،حسب الفصل 933من ق.ل.ع تقض ي بأن البينة على املدعي.
واملالحظ أن املشرع املغربي تطرق لوسائل اإلثبات في قانون االلتزامات ولعقود من
خالل الفصل .404كما أورد بعض قواعده في قانون املسطرة املدنية 1.لكن مدونة الشغل
الشغل2. كرست مبدأ الحرية في اإلثبات من خالل مقتضيات املادة 81من مدونة
وإذا كان موقف قانون االلتزامات والعقود ،قد تأثر إلى حد بعيد بقاعدة أنه من يدعي
الش يء هو من عليه اإلثبات ،إال أن مدونة الشغل وضعت حدا لهذه القاعدة ،وذلك نظرا
للصعوبات واإلرهاصات التي تواجه األجير أثناء عملية اإلثبات والتي تحول في غالب األحيان
وعموما تتنوع طرق اإلثبات في املادة االجتماعية ،وتضم باألساس اإلثبات الكتابي
تتعدد طرق االثبات الكتابي في املادة االجتماعية ،ولعل أهمها عقد الشغل ،هذا األخير
يفترض أن يتضمن فيه اسم طرفي العقد ومختلف الشروط وكذا حقوق والتزامات ،التي
يتوجب على كل طرف أن يمليها على اآلخر ،مرفوقة بتوقيعهما ،وهو ما يتجسد من خالل
إال أنه باقي الوثائق األخرى يشترط فيها فقط أن تكون صادرة عن املشغل أو املؤسسة
التي يعمل بها األجير ،والتي يجب أن تتوفر على املعلومات اآلتية :اسمه التجاري أو اسمه
الخاص ،إسم األجير الشخص ي أو العائلي ،تاريخ بداية عمله ،وتاريخ تحرير الوثيقة ،ثم
توقيع وتأشيرة املشغل أو من ينوب عنه ،وال يشترط أن يتم تصحيح اإلمضاء عليها أمام
السلطة املحلية.
وأيضا من وسائل االثبات الكتابي في املادة االجتماعية نجد شهادة العمل ،وهي هي
تلك الشهادة التي تسلم عند انقضاء العمل أو عند احتياج األجير لها ،وذلك بناءا على طلب
هذا األخير ،داخل أجل ال يتعدى ثمانية أيام ،وذلك تحت طائلة أداء تعويض مقابل أي
التسليم3. رفض أو تماطل في هذا
وحسب مقتضيات الفقرة األولى من املادة 27من مدونة الشغل " :يجب على املشغل
عند انتهاء عقد الشغل تحت طائلة أداء تعويض ،أن يسلم األجير شهادة شغل داخل أجل
بالتالي فشهادة العمل يمكن لألجير أن يستغلها كوسيلة إلثبات قيام العالقة الشغلية
في حالة إنكارها من قبل املشغل ،أو عند منازعته ملدة العمل أو األجر الذي كان يتقاضاه
الشغل4. األجير قبل إنهاء عقد
وفي هذا صدر قرار عن محكمة النقض" :حيث إن املحكمة وبعد دراستها لوثائق امللف
اتضح لها عدم صحة ما اعتمدته األجيرة كأساس الستئنافها ،ذلك أن صفتها كعاملة
موسمية ثابتة استنادا لشهادة العمل املحتج بها من طرف األجيرة نفسها والتي تشير إلى
صفتها كعاملة موسمية ،فمن أدلى بحجة فهو قائل بما جاء فيها ،ويؤكد ذلك ورقة األداء
3عبد اللطيف خالفي :الوسيط في مدونة الشغل" ،الجزء األول ،عالقات الشغل الفردية ،المطبعة والوراقة الوطنية
مراكش ،الطبعة األولى ،2004 ،ص .514 :
4سعيد الزهيري :القواعد المنظمة لطرق اإلثبات في دعوى فسخ عقد الشغل" ،مداخلة في الندوة الثانية للقضاء
االجتماعي ،مرجع سابق ،ص .55 :
التي تحمل أن طبيعة العالقة الشغلية التي تربط املستأنف باملستأنف عليه على أنها
موسمية"5.
كما جاء في حكم صادر عن املحكمة االبتدائية بأكادير والذي جاء فيه" :وحيث إن
تسليم شهادة العمل لفائدة املدعي يقتض ي من املدعى عليها القيام بعمل ،مما يكون طلبه
الرامي إلى إجباره على تنفيذ ذلك بواسطة غرامة تهديدية له ما يبرره وتحددها املحكمة
تبعا لذلك في إطار سلطتها التقديرية في مبلغ 800.00درهم عن كل يوم تأخير عن التنفيذ
التنفيذ"6. تحتسب من تاريخ ثبوت امتناع املدعى عليها عن
وتعتبر ورقة األداء من أهم طرق االثبات الكتابي في هذا املجال ،حيث نجد أن الفقرة
األولى من املادة 920من مدونة الشغل تنص على أنه " :يجب على كل مشغل أن يسلم
البيانات7 أجراءه عند أداء أجورهم ،وثيقة إثبات تسمى "ورقة األداء" ،وأن يضمنها وجوبا
ولورقة األداء أهمية كبيرة في إثبات مجموعة من األمور من أهمها ما يتعلق بإثبات
عالقة الشغل ،وفي هذا الصدد ما جاء به قرار صادر عن محكمة النقض على
أنه...":والطالب دفع في سائر مراحل الدعوى بأن املطلوب في النقض هو أجير مؤقت ،وما
5قرار عدد ،1212الصادر عن محكمة النقض بتاريخ ،2011/10/00في ملف اجتماعي عدد
2010/1/5/1240
6حكم عدد ،104الصادر عن المحكمة االبتدائية بأكادير ،بتاريخ ،2011/03/14في ملف اجتماعي عدد
.،05/212
7أنظر في هذا الصدد البيانات التي يجب أن تتضمنها ورقة األداء ،في قرار لوزير التشغيل والتكوين
المهني رقم 340.05الصادر في 22من ذي الحجة 2( 1425فبراير ،)2005منشور بالجريدة
الرسمية عدد 5300بتاريخ 0صفر 1420الموافق 12مارس ،2005ص .220 :
دامت ورقة أداء األجر املدرجة بامللف والتي تقوم مقام عقد العمل ،والتي ال ينفيها األجير
تتضمن صفة أجير مؤقت ،فإن القرار املطعون فيه عندما اعتبر املطلوب في النقض أجيرا
قارا لدى الطالب ورتب في حقه األثر القانوني بعلة ،أنه قض ى في العمل الفعلي مدة تفوق
أساس8."... سنة يكون غير مرتكز على
ونجد املادة 79من مدونة الشغل نصت في فقرتها الثالثة على أنه " :يجب على املشغل
أن يسلم األجير بطاقة شغل" ،كما أضافت الفقرة الرابعة من نفس املادة على أنه " :يجب
تنظيمي"9. أن تتضمن بطاقة الشغل البيانات التي تحدد بنص
وعلى العموم نجد أن بطاقة الشغل قد سهلت على القضاء في أن تكون دليل إلثبات
عالقة الشغل ،واألخذ بجميع العناصر األخرى مثل مدة الشغل وطبيعته ثم األجرة ،وأنها
تغني عن باقي الوسائل األخرى في اإلثبات.كما أن تسليم هذه البطاقة تعد التزاما وواجبا
على عاتق املشغل سواء كان ذلك باالتفاق الكتابي أو الشفوي أو بمجرد ممارسة االجير
واحد10. لعمله ولو ليوم
وبحكم أهمية هذه الحجة الكتابية في إثبات وجود العالقة الشغلية فقد رتب املشرع
درهم11. حسب مقتضيات املادة 72من مدونة الشغل غرامة مالية تتراوح بين 900و200
8قرار عدد 504صادر عن محكمة النقض بتاريخ ،2002/05/22منشور بمجلة قضاء المجلس األعلى عدد ،16
سنة ،2002ص 692 :وما بعدها.
9مرسوم عدد ،2.4.422الصادر في 10ذي القعدة 1425الموافق لـ 22دجنبر ،2004المحدد للبيانات التي
يجب أن تتضمنها بطاقة الشغل ،منشور بالجريدة الرسمية عدد ،5222بتاريخ ،2005/01/03ص .15 :
10محمد األمراني زنطار" :التشريع االجتماعي المغربي" ،المطبعة والوراقة الوطنية مراكش ،طبعة ،2002
ص .105 :
11تنص المادة 25من مدونة الشغل على أنه " :يعاقب بغرامة من 300إلى 500درهم عن األفعال
التالية :
كما نجد أن املشرع املغربي عمل على تنظيم توصيل عن تصفية كل حساب في إطار
مواد مدونة الشغل من املادة 29إلى املادة 27منها ،حيث نجد في الفقرة األولى من املادة
29من مدونة الشغل ،عملت على تعريفه على أنه " :هو التوصيل الذي يسلمه األجير
تجاهه"12. للمشغل ،عند إنهاء العقد ألي سبب كان ،وذلك قصد تصفية كل األداءات
ويسلم وصل اإلبراء أو وصل صافي الحساب عند انتهاء العالقة الشغلية ،وفي الوقت
الذي تكون فيه الحقوق قد صارت مستحقة ،وطلب تحرير الوصل وغالبا ما يكون من
طرف املشغل ،وذلك حتى يضع حدا ألية مطالبة الحقة من طرف األجير.
ونظرا لتأثير هذا اإلجراء على الحقوق املالية املكتسبة لألجير ،فقد خص املشرع هذا
الوصل بشروط منها ما هو موضوعي ،ومنها ما هو شكلي ،باعتباره تصرفا قانونيا صادرا
عن اإلرادة املنفردة لألجير ،فيجب أن يصدر عن إرادة حرة ،صريحة وخالية من العيوب،
كما أنه يبطل بمقتض ى الفقرة الثانية من املادة 29من مدونة الشغل كل إبراء أو صلح
يكون موضوعه تنازل األجير عن أي أداء وجب لفائدته بفعل تنفيذ العقد أو بفعل إنهائه.
عدم تسليم بطاقة الشغل أو عدم تجديدها وفق الشروط المنصوص عليها في المادة .23
عدم تضمين بطاقة الشغل أي بيان من البيانات المحددة بنص تنظيمي ،يتكرر تطبيق الغرامة بحسب عدد
األجراء الذين لم تراع في حقهم أحكام المادة ،23على أال يتجاوز مجموع مبلغ الغرامات 20000درهم.
يعاقب بغرامة من 2000إلى 5000درهم عن عدم اطالع األجراء لدى تشغيلهم على البيانات المنصوص عليها
في المادة 24أعاله وعلى كل تغيير يطرأ عليها.
تضاعف الغرامة المترتبة على مخالفة مقتضيات المادة 24في حالة العود ،إذا تم ارتكاب نفس الفعل داخل السنة
الموالية لصدور حكم نهائي".
12تنص المادة 23من مدونة الشغل ،على أنه " :التوصيل عن تصفية كل حساب "هو التوصيل الذي يسلمه األجير
للمشغل ،عند إنهاء العقد ألي سبب كان ،وذلك قصد تصفية كل األداءات تجاهه.
يعتبر باطال كل إبراء أو صلح ،طبقا للفصل 1025من قانون االلتزامات والعقود ،يتنازل فيه األجير عن أي أداء
وجب لفائدته بفعل تنفيذ العقد أو بفعل إنهائه".
وقد ذهبت محكمة النقض من خالل إحدى قراراته على أنه " :لكن ال يكفي القول
بأن املادة 24من مدونة الشغل تنص على البيانات التي يجب توفرها في وصل تصفية
الحساب لترتيب عليه أجل 70يوما إلقامة الدعوى بل يتعين ذكر البيانات التي يجب أن
تتوفر في الوصل املذكور املعتمد من طرف املحكمة حتى يمكن ملحكمة النقض من ممارسة
رقابتها بشأن التطبيق السليم للقانون مما تكون معه الوسائل املستدل بها غامضة فهي
غير مقبولة"13.
فتوصيل صافي الحساب بدوره يعد وسيلة وحجة في اإلثبات ،يمكن أن يلجأ إليها
كما أن للمراسالت املتبادلة بين طرفي عقد الشغل أهمية في االثبات في هذا املجال،
ويقصد بها تلك املراسالت التي تكون بين األجير واملشغل ،قد تكون بواسطة البريد العادي
والفاكس14. كالرسائل والبرقيات ،وقد تكون بواسطة أجهزة السلكية كالتلكس
فقد يؤدي املشغل مثال أجور األجراء عبر التحويالت البنكية أو البريدية ،وقد يصدر
أوامر ألجرائه بأداء أشغال معينة بواسطة الهاتف أو الفاكس ،أو البريد .كما قد يوجه
املشغل إنذارا ألحد أجرائه لحمله على الرجوع إلى العمل ،كما تتم هذه املراسالت عن طريق
البريد اإللكتروني والذي أصبحت مستخرجاته ذات حجية إثباتية ،وتخضع في جميع
13قرار عدد ،42صادر عن محكمة النقض ،بتاريخ ،2005/01/10في الملف االجتماعي عدد
.2002/1/5/522
14عبد المجيد الهباري " :عقد العمل الفردي ،ودعوى نزاع الشغل بصفة خاصة" ،الندوة الثانية للقضاء االجتماعي،
المعهد الوطني للدراسات القضائية ،الرباط في 20-25فبراير ،1222مطبعة األمنية الرباط ،ص .221 :
الحاالت إلى السلطة التقديرية للمحكمة في تقييم الحجج وال رقابة عليها إال من حيث
التعليل.
كما أن شهادة مفتش الشغل تعتبر من وسائل االثبات الكتابي ،فقد يحدث أن يسلم
مفتش الشغل شهادة موقعة من طرفه يشهد فيها بقيام عالقة الشغل ،وهذه الشهادة
تعتبر ورقة رسمية 15،على أساس أن مصدرها سلطة مختصة ،فهي بذلك حجة إثبات
حيث نجد أن القضاء املغربي قد اعتد بشهادة مفتش الشغل ،وهذا ما ذهبت اليه
محكمة النقض في إحدى قراراته والذي جاء فيه ..." :إن محكمة املوضوع كانت على صواب
حين أسست حكمها على الشهادة الصادرة عن مفتشية الشغل ،تلك الشهادة التي تثبت
إرادته16."... بصورة واضحة ظروف استقالة املدعي بمحض
كما أن بطاقة الصندوق الوطني للضمان االجتماعي تلعب دورا هاما في مجال االثبات
االجتماعي باألجير يخول لهذا األخير الحق في الحصول على بطاقة التسجيل ،والتي تحمل
االسم الكامل لألجير املسجل وعنوانه وتاريخ انخراطه وبيانات أخرى ،كما تعتبر هذه
البطاقة وسيلة إثبات كتابية ،خاصة عند قيام نزاع بين طرفي عقد الشغل بخصوص
إثبات العالقة الشغلية ،وهذا ما ذهبت إليه محكمة االستئناف بالرباط في إحدى قراراتها
" :وذلك إلثبات هذه العالقة حينما اعتبرت العالقة الشغلية ثابتة بين الطرفين بمقتض ى
شهادة أداء املشغلة للواجبات الدورية النخراط األجير لدى الصندوق الوطني للضمان
االجتماعي"17.
إال أنه في حالة إذا لم يقم املشغل بتسجيل األجير في الصندوق الوطني للضمان
االجتماعي ،فإنه تثار اإلشكالية التالية هل يتحمل املشغل املسؤولية عن ذلك وهذا ما يجد
أساسه في ظهير ،8327/02/72ويكون معه املشغل ملزم بتسجيل أجيره لدى هذا
الصندوق ،وهو ما أكده قرار محكمة النقض ،حيث رخص لألجير تسجيل نفسه لدى
إلى جانب االثبات الكتابي ،نجد اإلثبات غير الكتابي في املادة االجتماعية ،ولعل أهم
واألكيد أن شهادة الشهود تعد من بين أهم وسائل اإلثبات املقررة قانونا بمقتض ى
الفصل 404من قانون االلتزامات والعقود ،بل األكثر انتشارا على أرض الواقع والساحة
17قرار عدد 514صادر عن محكمة االستئناف بالرباط ،بتاريخ ،2010/00/05في ملف اجتماعي عدد
.2002/432
18قرار عدد ،2000/222صادر عن محكمة النقض بتاريخ ،2000/11/15في ملف اجتماعي
عدد.2000/533
بالتالي إذا كان عدم توفر األجير على وثائق كتابية من شأنه أن يحرمه من مجموعة
من الضمانات ،فإنه يمكنه من اعتماد وسيلة اإلثبات بشهادة الشهود وهذه ال تكون في
ونجد أن محكمة النقض ذهبت في إحدى قراراتها على أنه ..." :لكن ،حيث إنه من
الثابت من وقائع النازلة أن املطلوبة في النقض دفعت بمغادرة األجيرة لعملها تلقائيا بعد
رفضها العمل بالتوقيت الجديد ،وأنه طبقا ملقتضيات املادة 79من مدونة الشغل فإن
عبء إثبات املغادرة يقع على عاتق املشغل ،ومحكمة املوضوع بتأييدها للحكم املستأنف
تكون قد تبنت تعليالته املعتمدة على شهادة الشاهد ،املستمع إليه ابتدائيا طبقا للقانون
والذي لم تكن شهادته محل أي مالحظة وتفيد قيام املدعية بمغادرة عملها بعد رفضها
العمل بالتوقيت الجديد واستعملت سلطتها التقديرية في األخذ بشهادة الشاهد والتي ال
رقابة عليها من طرف محكمة النقض إال من حيث التعليل ،كما أنه ال يوجد أي نص قانوني
يلزم املشغل بإنذار املدعية بالرجوع إلى عملها عند مغادرتها له تلقائيا ،فيكون القرار قد
لها"19. تم تعليله بما فيه الكفاية وطبقا للقانون والوسيلة ال سند
فالقضاء االجتماعي غالبا ما يستند إلى الشهادة كوسيلة إلثبات عقد الشغل أو نفيه
وله في ذلك كامل السلطة في تقدير قيمتها ،ويمكن االكتفاء بشهادة شاهد واحد إلثبات
العالقة الشغلية مادام أنه ال يوجد نص قانوني يمنع ذلك ،كما أنه بخصوص شهادة
19قرار عدد ،1350الصادر عن محكمة النقض بتاريخ ،2012/00/21في ملف اجتماعي عدد
.2012/2/5/243
األجراء الذين يرتبطون مع املشغل بعالقة عمل فقد أكد القضاء في عدة مناسبات على
أنه ال يوجد أي مانع قانوني مع االستماع للشهود املرتبطين بعقد شغل مع املشغل سواء
أو ضده20. لقائدته
كما نجد في هذا الصدد اللفيف العدلي الذي يتجلى في أن يتلقى عدالن منتصبان
لإلشهاد من اثني عشر شخصا تصريحات بواقعة معينة ،إذ نجدها ترتبط في الغالب بعالقة
شغل بين املدعي (األجير) واملدعى عليه (املشغل) ،ومدة هذه العالقة.
وبالتالي نجد أنه إذا كان اللفيف العدلي ،يعتبر حجة قائمة الذات في قضايا األحوال
الشخصية والعقار ،فهو ليس كذلك في القضايا املدنية ،ألن اللفيف العدلي وإن كان وثيقة
وعموما ينبغي للمحكمة أن تقوم باالستماع لبعض شهود اللفيف الذين يكونون
قناعتها ،مع مواجهة هؤالء الشهود بما صرحوا به أمام العدلين حسب ما تم توثيقه بالرسم
العدلي.
كما يمكن االثبات باإلقرار ،ويبرز عندما يعترف شخص بحق عليه ،سواء قصد ترتيب
هذا الحق في ذمته أو لم يقصد ،فال يكون إقرارا إنشاء الشخص الحق في ذمته بتصرف
قانوني أو بواقعة قانونية ،كأن يتعهد املشغل بأداء األجر في مقابل تعهد األجير بأداء العمل.
20دنيا مباركة" :إثبات عقود الشغل في ضوء النص التشريعي والتوجهات القضائية والفقهية" ،سلسلة المعارف
القانونية والقضائية ،حول موضوع" :قضايا مدونة الشغل بين التشريع والقضاء" ،منشورات مجلة الحقوق
اإلصدار ،2010 ،34دار نشر المعرفة للنشر والتوزيع الرباط ،ص .103 :
واإلقرار إما أن يكون قضائيا أو غير قضائي ،فاإلقرار القضائي هو االعتراف الذي
يتقدم به أمام املحكمة أو نائبه املأذون له في ذلك إذن خاصا ،واإلقرار الحاصل أمام قاض ي
أثر اإلقرار القضائي21. غير مختص أو الصادر في دعوى أخرى يكون له نفس
ويعتبر اإلقرار من أهم وسائل اإلثبات خاصة بالنسبة للمشغل ويتخذ أحد الشكلين،
فإما أن يكون صريحا ،أو أن يكون ضمنيا ،فاإلقرار الصريح يتجلى في أن يعترف املشغل
ببعض ما جاء في املقال ،كأن يعترف بعالقة الشغل مثال ،من خالل تصريحات يدلي بها
أمام املحكمة ،كما جاء في حكم صادر عن املحكمة االبتدائية بمدينة طنجة " :حيث تبين
للمحكمة من خالل وثائق امللف ومحتوياته وما أتت به تصريحات كل من الطرف املدعي
واملدعى عليه ،من أن عالقة الشغل قائمة بين الطرف املدعي واملدعى عليه وملدة غير محددة
بصفة مستمرة 22."...أما بالنسبة لإلقرار الضمني فيستنتج من بعض مواقف رب العمل.
21حيث جاء في الفصل 405من ق.ل.ع ،على أنه " :اإلقرار القضائي أو غير قضائي ،فاإلقرار القضائي هو
االعتراف الذي يقوم به أمام المحكمة الخصم أو نائبه المأذون له في ذلك إذنا خاصا ،واإلقرار الحاصل أمام قاضي
غير مختص ،أو الصادر في دعوى أخرى ،يكون له نفس أثر اإلقرار القضائي".
22حكم صادر عن المحكمة االبتدائية بطنجة ،في ملف اجتماعي عدد 0313/30/1301بتاريخ
.0313/30/00
خاتمة:
نستنتج أن املشرع املغربي لم يلزم أطراف العالقة الشغلية باثبات ادعاءاتهم بطريقة
معينة ،فمثال لم يتم تقييد األجير بوسيلة محددة إلثبات عقد الشغل ،أي أن األجير يتمتع
بحرية اإلثبات وفق ما هو منصوص عليه في املادة 81من مدونة الشغل ،وبالتالي يجوز
لألجير إثبات عقد الشغل بكافة وسائل اإلثبات الكتابي مثل شهادة العمل أو بطاقة العمل
أو شهادة التسجيل في الصندوق الوطني للضمان االجتماعي ،بل يجوز لألجير إثبات عقد
الشغل حتى بوسائل اإلثبات غير الكتابية مثل شهادة الشهود وغيرها ،والتي سبق بيانها
وفي اعتقادي الشخص ي فان قواعد اإلثبات في املادة االجتماعية سوف تعرف تحوالت
وتغيرات مستقبلية بحكم البدء في اعتماد أنشطة الشغل عن بعد وأيضا بفعل خصوصيات
الئحة املراجع:
عبد اللطيف خالفي الوسيط في مدونة الشغل" ،الجزء األول ،عالقات الشغل
سعيد الزهيري :القواعد املنظمة لطرق اإلثبات في دعوى فسخ عقد الشغل" ،مداخلة
محمد األمراني زنطار" التشريع االجتماعي املغربي" ،املطبعة والوراقة الوطنية مراكش،
طبعة .7007
عبد املجيد الهباري " :عقد العمل الفردي ،ودعوى نزاع الشغل بصفة خاصة" ،الندوة
دنيا مباركة" :إثبات عقود الشغل في ضوء النص التشريعي والتوجهات القضائية
والفقهية" ،سلسلة املعارف القانونية والقضائية ،حول موضوع" :قضايا مدونة الشغل
بين التشريع والقضاء" ،منشورات مجلة الحقوق اإلصدار ،7087 ،94دار نشر املعرفة
استبدلت عبارة املصادقة بمفهوم التأشيرة ،فإن املدلوالت بقيت متقاربة إلى حد التطابق
في غالب األحيان ،وبالتالي تكريس الهيمنة املركزية على عمليات تدبير امليزانية الترابية في
وذلك من خالل العمل الرقابي الذي تمارسه السلطات املركزية على الجماعات
الترابية باملغرب وفق القوانين التنظيمية واملراسيم التطبيقية لهذه القوانين ،والذي يعتبر
بمثابة آلية لتوجيه ومراقبة النشاط املالي بشكل عام ولتنفيذ امليزانية الترابية بشكل خاص.
ويعتبر حضور هذه السلطات املكلفة بمراقبة مالية الجماعات الترابية إحدى أوجه التدخل
املركزي في عملية التدبير املالي الترابي ،وذلك من خالل مجموعة من املحددات القانونية
التي تعمل على توجيه الشؤون العامة واإلختيارات التنموية للمجالس التداولية .ونحن
نحاول من خالل هذه الورقة إبراز هذه العالقة بين الدولة والجماعة الترابية منطلقين من
سؤال مركزي ،هل هي عالقة هيمنة أم عالقة تكامل وتعاون في إطار إحترام القانون؟
ومن خالل القراءة املتأنية ملختلف النصوص القانونية سواء في القوانين التنظيمية
للجماعات الترابية أو املراسيم التطبيقية لها يظهر لنا حضور السلطة املركزية متمثلة في
وزارة الداخلية ووزارة املالية ،على مجموعة من املراحل التي تهم تدبير ميزانيات الجماعات
الترابية ،ومن أجل اإلحاطة بهذه العالقة في جميع جوانبها سوف نعمل على التطرق لها من
ويقصد بها تلك اآلليات املمنوحة لسلطات خولها القانون صالحية إجراء نوع من
الرقابة على النشاط املالي الترابي قبل إتخاذ القرار ،وهي بذلك تمثل نوع من أنواع رقابة
املشروعية واملالئمة على النشاط املالي ،23وإذا كانت هذه الرقابة تعتبر إستثنائية بطبيعتها
مقارنة مع مبدأ االستقالل اإلداري للهيئات الالمركزية ،فإن الرقابة السابقة على إتخاذ
القرار تعتبر في واقع األمر من أكثر اآلليات إعاقة لهذه اإلستقاللية خاصة في مجال النشاط
املالي الترابي ،في مختلف مراحله .وإذا كان اإلستقالل املالي للجماعات الترابية يعتبر أساس
-23تعريف منشور في "دليل الرقابة النظامية المسبقة" منشورات المجموعة العربية لألجهزة العليا للرقابة المالية
،ARABOSAIالجزء األول
www.arabosai.org/ao.osp
النظام الالمركزي ذاته وأحد أهم مبادئه ،فإن الدراسة املتأنية لواقع الرقابة القبلية على
امليزانية تبين بجالء أن التدخل الرقابي يبدأ حتى قبل إعداد هذه امليزانية.24
ويتم ذلك في غالب األحيان عن طريق الدوريات الصادرة عن السلطة املركزية من
أجل توجيه الجماعات الترابية أثناء إعداد امليزانيات الخاصة بها وهو ما يعتبر تناقض مع
مبدأ اإلستقالل املالي للجماعات الترابية وحد لحريتها في التدبير املالي الترابي ،ومن أمثلة
ذلك الدورية الصادرة عن وزير الداخلية إلى والة وعمال عماالت وأقاليم اململكة ورؤساء
مجالس الجماعات الترابية والتي تعتبر توجيها مليزانيات هذه الجماعات الترابية ،وبقراءتنا
آلخر دورية صادرة سنة ،7083تبين لنا حجم الهيمنة املركزية على النشاط املالي الترابي،
حيث تم وضع مجموعة من النقط التي يتوجب على كل جماعة ترابية اإللتزام بها وهو ما
نستخلص منه تضييق لحرية هذه األخيرة في إختيار التوجه والرؤية التي تتناسب مع
الخصوصيات املحلية وبالتالي تبقى هذه امليزانيات الترابية منفذة لتوجهات السلطة دون
منح هامش من الحرية للجماعات الترابية وتكريس تبعيتها للمركز ،بل األكثر من ذلك فإن
هذه الدوريات تعتبر بمثابة شرط أساس ي تضعه السلطة املركزية للجماعة الترابية وذلك
من أجل التأشير على ميزانياتها هذا باإلضافة إلى وضع ضوابط تتعلق بتقدير املداخيل
والنفقات والتي يتوجب على الجماعة الترابية اإللتزام بها .25وهو ما يجعل سلطات املراقبة
تتدخل فعليا في وضع وصياغة ميزانيات الجماعات الترابية وذلك عن طريق آلية الدوريات
التدخل ،إال أن الواقع يجعله ذا تأثير فعلي على اعتبار أن عدم إمتثال الجماعات الترابية
لهذه التوجيهات يؤدي في غالب األحيان الى رفض التأشير على امليزانية نظرا لغياب تحديد
واضح ملضامين الرقابة وحدودها .وهو ما يؤثر بشكل سلبي على املدلول الحقيقي لإلستقالل
الترابية26. املالي للجماعات
وبالرجوع إلى القوانين التنظيمية للجماعات الترابية نجد أن سلطة التأشير جعلها
القانون بيد وزارة الداخلية حصريا خالفا للنصوص القانونية السابقة ،وذلك وفق
بالداخلية ،وذلك وفق املادة 707من القانون التنظيمي رقم ،888.84ويتم ذلك في تاريخ
أقصاه 70نونبر ،وتصبح امليزانية قابلة للتنفيذ بعد التأشير عليها بعد مراقبة احترام أحكام
القانون التنظيمي والقوانين الجاري بها العمل ،واحترام توازن امليزانية على أساس صدقية
املكلفة بالداخلية على ميزانية الجهة داخل أجل عشرين يوما من تاريخ التوصل بها.27
أما بالنسبة للعماالت واألقاليم فيتم التأشير من طرف عامل العمالية أو اإلقليم،
وفق نفس االجراءات ويتم التأكد من نفس النقط الواجب إحترامها في إعداد امليزانية
واملتعلقة بإحترام القانون التنظيمي والقوانين الجاري بها العمل وكذلك احترام توازن
امليزانية وصدقية التقديرات واملداخيل والنفقات وتسجيل النفقات اإلجبارية ،إال أن
اإلختالف الوحيد املالحظ هنا ،يتعلق باألجل حيث أن املادة 707من القانون التنظيمي
رقم 888.84الخاص بالجهات قيدت السلطة املركزية من أجل التأشير داخل أجل عشرين
يوم ،في حين أن مقتضيات القوانين التنظيمية للعماالت واألقاليم والجماعات لم تتطرق
الى هذا األجل وهي بذلك لم تقيد سلطة الوصاية فيما يتعلق باملدة الزمنية املحددة من
أجل التأشير على امليزانية ،وهو ما قد تنتج عنه آثار سلبية نتيجة تأخر السلطة املكلفة
بالتأشير ،مما يعرقل مسار التنمية الترابية ،ويحد من إستقالل ميزانية الجماعة الترابية
هذا باإلضافة إلى أنه رغم محاولة املشرع املغربي تنظيم الرفض من طرف السلطة
املركزية وتقييده بآجال ،حيث نجده في املادة 704من القانون التنظيمي رقم 888.84
الخاص بالجهات يؤكد على أنه إذا رفضت السلطة الحكومية املكلفة بالداخلية التأشير
على امليزانية ألي سبب من األسباب املتعلقة بعدم احترام مقتضيات القوانين التنظيمية
والقوانين واألنظمة الجاري بها العمل أو عدم توازن امليزانية على أساس صدقية تقديرات
املداخيل والنفقات أو فيما يتعلق بعدم احترام تسجيل النفقات االجبارية ،تقوم السلطة
املكلفة بالتأشير بتبليغ رئيس املجلس بأسباب رفض التأشير داخل أجل ال يتعدى خمسة
عشر يوما إبتداءا من تاريخ توصلها بامليزانية ،ويقوم رئيس املجلس في هذه الحالة بتعديل
امليزانية وعرضها على املجلس للتصويت عليها داخل أجل عشر أيام ابتداءا من تاريخ
التوصل بأسباب رفض التأشير ويتعين عليه عرضها من جديد للتأشير عليها قبل 70دجنبر،
وفي هذه الحالة تؤشر السلطة الحكومية املكلفة بالداخلية على امليزانية في تاريخ أقصاه
ثالثين دجنبر.
أما إذا لم يتم عرض امليزانية على التأشيرة داخل هذه اآلجال ،أمكن للسلطة
الحكومية املكلفة بالداخلية ،بعد طلب إستفسارات من رئيس املجلس ،أن تقوم قبل فاتح
يناير بوضع ميزانية للتسيير للجهة على أساس آخر ميزانية مؤشر عليها مع مراعاة تطور
تكاليف وموارد الجهة مع ضرورة أداء األقساط السنوية لإلقتراضات ،وهنا نالحظ تدخل
السلطة املركزية في توجيه امليزانية وفرض طريقة تدبيرها للمداخيل والنفقات وهو بالتالي
ضرب في مبدأ االستقالل املالي وفي حرية الجهة والجماعات الترابية في اختيار الطريقة التي
تتناسب والخصوصيات املحلية وبالتالي تدبير ميزانيتها على هذا األساس .وهو نفس الش يء
املالحظ فيما يتعلق بميزانيات العماالت واألقاليم والجماعات حيث أنه بالرجوع إلى
مقتضيات النصوص القانونية املنظمة للتأشير نجد أنه في حالة رفض عامل العمالة أو
اإلقليم التأشير ،حدد املشرع آجال من أجل تبليغ رئيس املجلس سواء بالنسبة للعماالت
أو األقاليم أو الجماعات وذلك خالل خمسة عشر يوما إبتداءا من تاريخ توصله بامليزانية
لكي يقوم رئيس املجلس بتعديلها وعرضها للتصويت داخل اجل عشر أيام إبتداءا من تاريخ
التوصل بأسباب رفض التأشير ،ووفق نفس اإلجراءات الخاصة بالجهات فإنه بالنسبة
للعماالت واألقاليم والجماعات في حالة التأشير على امليزانية يمكن للسلطة الحكومية
املكلفة بالداخلية بعد طلب استفسارات من رئيس املجلس أن تقوم قبل فاتح يناير بوضع
ميزانية للتسيير تراعي فيها موارد وتكاليف سواء تعلق االمر بالعماالت أو األقاليم أو
لإلقتراضات29. الجماعات مع ضرورة أداء األقساط السنوية
إال أن ما يثير اإلنتباه عند قراءة هذه النصوص القانونية املنظمة للتأشير الخاص
وبتوجهاتها الخاصة ،وهو ما سينتج عنه خلل لم يتم التطرق له في القوانين التنظيمية،
مما يؤدي إلى نتيجة حتمية وهي إستمرار العمل بميزانية التسيير وهو ما يعني ضياع
مجموعة من املشاريع التنموية املبرمجة وبالتالي عرقلة مسار التنمية الترابية نتيجة التحكم
هذا وتجدر اإلشارة إلى أن إعداد ميزانية الجماعات الترابية يرتكز كذلك على البرمجة
املمتدة على ثالث سنوات والتي يجب أن ترفق عن طريق بيان الى السلطة الحكومية املكلفة
بالداخلية بالنسبة للجهات (املادة 709من القانون التنظيمي املتعلق بالجهات) ،وإلى عامل
بالجماعات) ،هذا باإلضافة إلى القوائم املحاسبية واملالية ،وهو مقتض ى يكرس النهج
السابق في تعامل السلطة املركزية بناءا على املادة 84من قانون التنظيم املالي املحلي رقم
،42.01والتي نصت على أنه تتم برمجة امليزانية على أساس ثالث سنوات ويتم تحديد كيفية
إعداد هذه البرمجة بقرار مشترك لوزير الداخلية والوزير املكلف باملالية 30واإلختالف الذي
جاء به القانون التنظيمي هو تعويض القرار املشترك بمرسوم يتخذ بإقتراح من السلطة
الحكومية املكلفة بالداخلية ،وهو تكريس في نهاية املطاف لهيمنة السلطة املركزية.
وهكذا يتبين حجم الهيمنة املركزية على مرحلة إعداد امليزانية سواء من حيث
التوجيهات الصادرة عبر دوريات وزير الداخلية والتي تعتبر تدخل فعلي كما رأينا في إعداد
امليزانية وتغليب الرؤية املركزية مقابل تغييب رؤية مجالس الجماعات الترابية ،ثمالبرمجة
املتعددة السنوات ،والتأشيرة التي تعتبر آلية قوية في يد السلطة املركزية لفرض هيمنتها
على عمليات إعداد امليزانية وتعديلها وفق املنظور املركزي قبل الشروع في تنفيذها وهو ما
يعتبر تناقض مع مبادئ اإلستقالل املالي الترابي ،وتضييق لحرية الجماعة الترابية هذا فضال
-30عبد العالي الماكوري ،محاضرات في الميزانية المحلية ،ألقيت على طلبة سلك االجازة تخصص القانون العام،
كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،ابن زهر ،اكادير الموسم الجامعي ،7100/7101غير منشور.
عن الرقابة املواكبة والالحقة التي تتوالها السلطة املركزية وكذا املفتشيات العامة لإلدارة
الترابية واملالية.
باالضافة إلى الرقابة السابقة التي تهدف إلى التحكم في القرار املالي كما رأينا ،تمارس
كذلك رقابة مواكبة أو آنية ،حيث تواكب عملية تنفيذ القرار والتأكد من احترام عملية
تنفيذه.
ولعل أهم املبادئ التي تنبني عليها هذه الرقابة ،أنها تؤسس على أركان محاسبية ،ذلك
ألنها ذات طبيعة محاسبية ،وتقوم بتتبع تنفيذ امليزانية ،وتسعى كذلك لدرء األخطاء
ومخالفة القواعد والحيلولة دون خرق القوانين املنظمة لتنفيذ ميزانية الجماعة الترابية.
كما تتضمن هذه املراقبة عمليات تنفيذ املداخيل والنفقات عبر القواعد واملقتضيات
القانونية املنظمة لعملية تنفيذ امليزانية وذلك وفق التحقق من تطبيق القانون.31
وعلى العموم يمكن تقسيم ذه املراقبة إلى نوعين من املراقبة على الشكل التالي:
-31بوجمعة العولي ،الرقابة المالية وهاجس تحقيق التنمية ،رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام ،كلية العلوم
القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،سطلت ،السنة الجامعية ،7107/7100ص 57
املالية املتعلقة بتنفيذ امليزانية يتوالها اآلمر بالصرف حيث يتولى قبض املداخيل وصرف
النفقات.32
الجماعات الترابية ،ومن هذا املنطلق يحرص على مراقبة صحة املداخيل وسالمتها وعلى
الترابية ،وكذا على الطابع السنوي لهذه املداخيل (تحتسب على أساس
سنوي تماشيا مع مضامين امليزانية) ،كما تطال أيضا إصدار أمر بالتحصيل
وفق القواعد والشكليات املحددة تنظيميا سواء فيما يتعلق بسند التحصيل
-رقابة قانونية على املداخيل ،وهنا ال يجوز إصدار سند للمداخيل أو إعتماده
أو تحمله أو الشروع في تحصيله ،إال إذا كان قانونيا ،محددا في القرار الجبائي
-32لالطالع على مزيد من التفاصيل انظر المراسيم التطبيقية الخاصة بالقوانين التنظيمية للجماعات الترابية.
-33بروحو عبد اللطيف ،مرجع سابق ،ص .82-88
-الرقابة على شكل ومضمون سند التحصيل ،وتعتبر هذه العملية ذات طابع
تقني ومحاسبي حيث يتم التأكد من مدى صحة قواعد تصفية املداخيل
وطرق احتساب مبالغها كما يقوم بمراقبة اصدار سندات املداخيل (أوامر
وبالتالي فإن املراقبة املواكبة التي يجريها املحاسب العمومي على عمليات املداخيل
تهدف باألساس إلى ضمان إحترام القوانين والقواعد والنماذج املنظمة لهذه املوارد.
ومما ينبغي االشارة اليه في هذا الصدد هو أن املراسيم التطبيقية للقوانين التنظيمية
وبصفة عامة فإن هذه املراسيم التطبيقية ميزت بين مرحلتين لخضوع النفقات
الخاصة بالجماعات الترابية للمراقبة ،بين املراقبة املسبقة في مرحلة اإللتزام ،ومراقبة
-34لالطالع على التفاصيل انظر المراسيم التطبيقية للقوانين التنظيمية للجماعات الترابية الصادرة في 75نوفمبر
،7102بشأن سن نظام للمحاسبة العمومية.
وهي تكون قبل قيام الجماعة الترابية املعنية بالشروع في إجراءات تنفيذ امليزانية في
جانب النفقات.35
ومما ينبغي اإلشارة إليه هنا هو أن املرسوم التطبيقي للجماعات رقم 7.82.428
للجماعات ومؤسسات التعاون بين الجماعات ،قد أكد على ضرورة التخفيف من هذه
املراقبة عن طريق ما يسمى "باملراقبة التراتبية" وذلك في مادته ،22وذلك وفق شروط
حددها الباب الثالث من هذا املرسوم ،ويقصد باملراقبة التراتبية للنفقة ،املراقبة املخففة
على نفقات الجماعة ومؤسسات التعاون بين الجماعات التي يجب أن تتوفر على نظام
مراقبة داخلية تمكنها من التأكد ،من بين عمليات املراقبة املسندة إليها وفق النصوص
-التأكد من مجموع النفقة التي تلتزم بها الجماعة طيلة سنة اإلدراج
-توفر اإلعتمادات
وعلى العموم تخضع العمليات املالية املتعلقة بتنفيذ نفقات الجماعات الترابية
بشكل عام سواء تعلق األمر بالجهة أو العمالة أو اإلقليم أو الجماعة إلى مراقبة قبلية
للتنفيذ الفعلي للنفقة ،وذلك عبر التأكد من إحترام العناصر املحددة طبقا للقوانين
وتفرض هذه املراقبة نتيجة تنامي النفقات الترابية مقابل اإلستقرار النسبي
للمداخيل ،زيادة على مظاهر تبذير املال العام الترابي الناتج عن سوء تدبير النفقات،38
وبالرجوع إلى املراسيم التطبيقية للقوانين التنظيمية للجماعات الترابية نجد أنها قد
-36العرفي حسن ،المبسط في شرح الميزانية الجماعية ،دليل منشور في موقع الفضاء الجمعوي ،ص 58-53
-37بروحو عبد اللطيف ،نفس المرجع ،ص 88
-38مكاوي نصير ،تدبير مالية الجماعات المحلية ،تدبير النفقات المحلية على ضوء القانون 53.18المتعلق
بالتنظيم المالي لجماعات المحلية ومجموعاتها ،دار أبي رقراق للطباعة والنشر ،الطبعة االولى ،7100 ،ص 83
حددت مجموعة من املقتضيات فيما يتعلق بمراقبة صحة النفقة في مرحلة األداء يمكن
يلي39: إجمالها فيما
-توفر األموال
-اإلدالء باملستندات املثبتة املنصوص عليها في األنشطة املعمول بها بما فيها
املؤهل.
أثناء تنفيذ ميزانية الجماعات الترابية فإن هذه األخيرة تخضع لرقابة من السلطات
املركزية الهدف منها هو ضمان حسن تنفيذ امليزانية ،حيث أنه بالرجوع إلى القوانين
التنظيمية نجد أن املشرع أعطى ملمثلي السلطة املركزية الوالة والعمال ،حق التدخل في
حالة إمتناع رئيس املجلس عن األمر بصرف نفقة وجب تسديدها حيث يقوم ممثل السلطة
املركزية بعد طلب استفسارات من اآلمر بالصرف ،بتوجيه إعذار إليه من أجل األمر بصرف
النفقة املعنية ،وفي حالة عدم صرف هذه النفقة في أجل أقصاه خمسة عشر يوما من
تاريخ اإلعذار وفي حالة إمتناع اآلمر بالصرف فإن األمر يحال إلى القضاء االستعجالي
باملحكمة اإلدارية من أجل البث في وجود حالة اإلمتناع ،وفي حالة أن أقر الحكم القضائي
اإلستعجالي حالة اإلمتناع ،جاز ملمثل السلطة املركزية (الوالي بالنسبة للجهات ،وعامل
العمالة أو اإلقليم بالنسبة للعماالت واألقاليم والجماعات) ،الحلول محل الرئيس في
القيام باألعمال التي إمتنع اآلمر بالصرف عن القيام بها 40.وهو ما يعني قيام السلطة
املركزية بممارسة االختصاصات املسندة للجماعات الترابية بصفة قانونية ،وهو ما يعتبر
خرقا ملبدأ االستقالل اإلداري واملالي لهذه الوحدات الترابية ،ولعل الغاية من إعطاء املشرع
هذه اإلمكانية هي إستمرار للرقابة السابقة التي رأينا كيف تهيمن بها السلطة املركزية على
امليزانية املحلية عن طريق توجيهها عبر الدوريات الوزارية ثم التأشير كضمانة لتطبيق تلك
التوجيهات ،حيث أن السلطة املركزية ال تؤشر على امليزانية التي ال تنصاع لتلك التوجيهات،
ثم بعد التأشير ومراقبة األداء املتعلق كما رأينا باملداخيل والنفقات ،فإنه لضمان الهيمنة
املركزية فإنه في حالة إمتناع اآلمرين الصرف ملجالس الجماعات الترابية فإن السلطة
-40لالطالع على المزيد منا لتفاصيل ،راجع مقتضيات تنفيذ الميزانية الواردة في القوانين التنظيمية للجماعات
الترابية
املركزية تحل محل الجماعة الترابية وتتولى تنفيذ إختصاصاتها وهو ما يعتبر تكريس
وهي تهم مراجعة وفحص املعامالت الحسابية واملالية في الفترة الالحقة إلتمام عملية
التنفيذ ،وتتم بالرجوع إلى فحص املستندات والسجالت املحاسبية الخاصة بصرف األموال
وتحصيلها للكشف عن املخالفات والجرائم املالية واألخطاء الفنية ومدى مطابقة هذا
فالرقابة الالحقة إذن هي مراجعة العمليات املالية التي تمت فعال بالكشف عن ما
حدث من أخطاء ومخالفات أثناء عملية التنفيذ املالي للميزانية ،وتشمل كذلك هذه الرقابة
فحص الحسابات في مجموعاتها وذلك بالرجوع الى املستندات املحاسبية الخاصة بصرف
األموال املعرضة للمخالفات واألخطاء التي وقعت بها من جهة التنفيذ ومدى مطابقة هذه
وبالرجوع إلى القوانين التنظيمية للجماعات الترابية نجد أنها تنص على أن هذه
األخيرة تخضع لرقابة بعدية وذلك عن طريق املجالس الجهوية للحسابات .في حين تخضع
العمليات املالية واملحاسبية للجماعات الترابية لتدقيق سنوي تنجزه إما املفتشية العامة
للمالية أو املفتشية العامة لإلدارة الترابية أو بشكل مشترك بين املفتشية العامة للمالية
واملفتشية العامة لإلدارة الترابية أو من قبل هيئة للتدقيق يتم انتداب أحد أعضائها وتحدد
صالحيتها بقرار مشترك للسلطة الحكومية املكلفة بالداخلية ،والسلطة الحكومية املكلفة
باملالية ،وينجز لهذه الغاية تقرير تبلغ نسخ منه إلى رئيس مجلس الجماعة الترابية سواء
تعلق األمر بالجهة أو العمالة واإلقليم أو الجماعة ،وكذا إلى املجلس الجهوي للحسابات
املعني الذي يتخذ ما يراه مناسبا في ضوء خالصات تقارير التحقيق .43وإذا كانت الرقابة
الالحقة من أهم املجاالت الرقابية التي تتيح للهيئات املختصة بها مراقبة وتقييم وتحليل
املعطيات املتعلقة بتنفيذ امليزانية ومعالجة اإلختالالت املرتبطة بها ،فهذه الرقابة تطال في
واقع األمر مختلف الفاعلين املحليين واملتدخلين في النشاط املالي الترابي كما تطال مجاالت
وإذا كان االتجاه نحو تقوية الرقابة الالحقة يعتبر من أكثر املطالب إلحاحا سواء من
قبل الباحثين واملتتبعين للشأن العام الترابي أو حتى من قبل املدبرين املحليين أنفسهم،
فإن هذه املطالبات تقترن عادة بالتخفيف من حدة الرقابة السابقة أو القبلية والتقليص
تدخلها44. من حدتها ومن مجاالت
خاتمة:
املمارسة الرقابية على ميزانية الجماعات الترابية يغلب عليها طابع الهيمنة املركزية
بدءا من مرحلة إعداد ميزانية الجماعة الترابية وذلك عبر مجموعة من اآلليات أبرزها
توجيهات السلطة املركزية عبر الدوريات ثم التأشير الذي يعتبر إمتداد لهذه الهيمنة كما
رأينا ثم أثناء تنفيذ امليزانية تحضر السلطة املركزية بقوة وفي حالة إمتناع اآلمرين بالصرف
عن القيام باألعمال املنوطة بهم بعد استيفاء شروط التأشير وقبول تنفيد امليزانية ،فإن
السلطة املركزية تتدخل عبر آلية الحلول لتحل محل اآلمر بالصرف ،كل هذه اآلليات إن
دلت على ش يء فهي تدل على الهيمنة املركزية وإفراغ مبدأ االستقالل املالي للجماعات
الترابية من محتواه وهو ما يشكل عائقا يحول دون تحقيق التنمية الترابية املنشودة ويؤثر
بشكل كبير على تدبير الشأن العام الترابي ويكرس الرؤية والتوجه الذي كان سائدا قبل
الئحة املراجع:
عبد العالي املاكوري ،محاضرات في امليزانية املحلية ،ألقيت على طلبة سلك االجازة
تخصص القانون العام ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،ابن زهر ،اكادير
بوجمعة العولي ،الرقابة املالية وهاجس تحقيق التنمية ،رسالة لنيل دبلوم املاستر في
القانون العام ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،سطلت ،السنة الجامعية
.7087/7088
العرفي حسن ،املبسط في شرح امليزانية الجماعية ،دليل منشور في موقع الفضاء
الجمعوي.
مكاوي نصير ،تدبير مالية الجماعات املحلية ،تدبير النفقات املحلية على ضوء القانون
42.01املتعلق بالتنظيم املالي لجماعات املحلية ومجموعاتها ،دار أبي رقراق للطباعة والنشر،
الرقمي يعهد بإدارتها إلى أعلى مستوى ،واالهتمام بتأهيل البنيات الرقمية للصبيب العالي،
وتطوير منصات رقمية بالنسبة لكل الخدمات املقدمة للمواطنين واملقاولة ،بحيث تسمح
هذه املنصات باملشاركة على املستوى الوطني والترابي ،وتكوين الكفاءات بأعداد كافية
لتكون قادرة على إنجاز التحول الرقمي وتنفيذه على أرض الواقع ،وإلعطاء فرصة أكثر
لنجاح هذه الرقمنة يجب استكمال اإلطار القانوني الهادف إلى ضمان الثقة الرقمية
مقدمة:
عرفت العقود األخيرة تحوالت مهمة في طبيعة املجتمعات اإلنسانية ،نتيجة الثورة
الرقمية التي شهدها العالم ،وكذا االستعمال املكثف للوسائط الحديثة لتكنولوجيا
املعلومات واالتصاالت ،التي أحدثت تغيرات جوهرية في الحياة اليومية لإلنسان ،فقد
املستدامة ،األمر الذي كان له انعكاس على كيفية تدبير وتسيير املرافق واإلدارات العمومية
وشبه العمومية ،والتي تعتبر القاطرة التي تحرك عجلة التنمية في الدول النامية.
لقد أحدث التطور السريع في أنظمة وشبكات االتصال ونظم املعلومات مساحة
عريضة لتطور األنظمة اإلدارية واملالية في املؤسسات الحكومية ،إذ أطلقت عدد من الدول
مبادرات اإلدارة اإللكترونية ،مما ساعدها على االنطالق والخروج من نطاقها الجغرافي رغم
إمكانياتها البشرية املحدودة ،كما أن وصول الخدمات اإلدارية للمواطنين واملستفيدين في
أماكن تواجدهم في املدن واألرياف ،أضحى في وقت قياس ي وعلى مدار الساعة ،مما يترتب
عليه فوائدا كبيرة لالقتصاد الوطني ،والذي ينعكس بدوره بشكل رئيس ي وإيجابي على
خالل استخدام تكنولوجيا املعلومات واالتصاالت ،وذلك بغية زيادة كفاءة وفعالية
وشفافية اإلدارة ،من خالل ما تقدمه من خدمات للمرتفقين ،فهي تعتبر منظومة تقنية
شاملة ،تختلف أنشطتها عن أنشطة اإلدارة التقليدية ،كونها تمثل منعطفا كبيرا وشامال
تقديم أفضل للخدمات ،قياسا ملا تقدمه اإلدارة التقليدية ،كما أن إدماج تكنولوجيا
املعلومات واالتصال من طرف اإلدارة املعاصرة يشكل مرحلة أساسية في مسلسل التنمية
والتحديث لهذه اإلدارة ،إذ يشكل بكل تأكيد قيمة مضافة لإلدارة واملواطنين ،فاعتماد
التكنولوجيا الرقمية في التدبير لها دور فعال في تحقيق مبادئ الحكامة الجيدة ،بما في ذلك
تحسين التواصل واالقتصاد في التكاليف وتحسين الخدمات واستمراريتها للوصول إلى أعلى
معايير الجودة ،ألنها آلية تسمح ببلورة إدارة حديثة ومواطنة ،فتحديث اإلدارة ليس بالش يء
الهين ،إذ لن يعطي النتائج املرجوة منه ما لم يكن قائما على مبادئ الحكامة الجيدة.
وللحديث أكثر عن اإلدارة اإللكترونية ،سنتطرق إلى أهميتها (املبحث األول) ،وإلى
دور الخدمات اإللكترونية في مكافحة الفساد اإلداري وإرسال نموذج تنموي جديد (املبحث
الثاني).
إن الحديث عن اإلدارة اإللكترونية يستلزم ضبط مختلف الجوانب ،بداية بتناول
مختلف التعريفات التي تناولها الباحثون واملهتمون ملحاولة تحديد مفهوم لإلدارة
اإللكترونية ،في ظل التطور الذي يعرفه قطاع تكنولوجيا املعلومات وانعكاساته على املرفق
العمومي ،فهذا التوجه نحو رقمنة اإلدارة وتجاوز التنظيم التقليدي ،أفرز عدة خصائص
ميزت التعامل اإللكتروني للعالقة بين اإلدارة واملرتفقين ،في املقابل فإن تطبيق اإلدارة
اإللكترونية ينطوي على عدة أبعاد تسعى اإلدارة من ورائها للوصول إليها ،وذلك من خالل
االلتزام بمبادئ اإلدارة اإللكترونية ،فالرقميات تمثل رافعة حقيقية للتغيير والتنمية ،لذا،
يتعين إيالؤها اهتماما خاصا على أعلى املستويات في هرم الدولة باعتبارها محفزا للتحوالت
فاإلدارة اإللكترونية تعتبر من املفاهيم الحديثة ،وهي نتاج مواكبة اإلدارة للتطور في
مجال تكنولوجيا املعلومات التي شهدها العالم ،وهذا ما أدى إلى االنتقال من النمط
انتهت الصالحية الزمنية لعدة أشكال مكتبية بسيطة من قبيل اآللة الراقنة،
فاختراع الحاسوب شكل لحظة فارقة بين حقبتين تاريخيتين ملا أحدثه من ثورة تكنولوجية
كبيرة ،فتحت الباب أمام عالم املعرفة والتخزين املعلوماتي للمعطيات وفق أشكال قاعدة
البيانات ،Base de Donnésوالتي أدى تراكمها إلى ظهور الشبكة العنكبوتية ومحركات
األبحاث التي قلصت املسافات واألزمة ،واستمر التطور بشكل سريع ومتواتر إلى حدود ظهور
هذا التطور دفع مختلف الباحثين واملهتمين بهذا املجال إلى محاولة تحديد اإلطار
املفاهيمي لإلدارة اإللكترونية ،من حيث التعريف (الفرع األول) ،وكذلك الخصائص املميزة
قبل التطرق إلى مختلف التعريفات التي يمكن إعطاؤها لإلدارة اإللكترونية ،يجب
اإلملام بالتداخل املفاهيمي بين اإلدارة اإللكترونية ،وبعض املفاهيم األخرى ،كالحكومة
اإللكترونية والحكومة الرقمية وغيرها ،وهذا يرجع باألساس إلى أن اإلدارة اإللكترونية
وبالتالي تبقى اإلدارة اإللكترونية مفهوما شامال لجميع الخدمات التي يقدمها سواء املرفق
العام أو الخاص.48
وقد تعددت تعريفات اإلدارة اإللكترونية على مستوى املنظمات والهيئات الدولية،
فقد عرف البنك الدولي اإلدارة اإللكترونية بأنها " مصطلح حديث يشير إلى استخدام
تكنولوجيا املعلومات واالتصال من أجل زيادة كفاءة وفعالية وشفافية ومساءلة الحكومة،
فيما تقدمه من خدمات إلى املواطن ومجتمع األعمال ،وتمكينهم من املعلومات ،بما يدعم
www.sajplus.com -47؛ اإلدارة اإللكترونية بالمغرب الواقع المعيقات الرهانات 7102/15/71 ،على الساعة .03:01
-48مهدي محمد ناني؛ اإلدارة اإللكترونية ،رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام ،جامعة المولى إسماعيل ،كلية العلوم
القانونية والقتصادية واالجتماعية ،مكناس ،السنة الجامعية ،7107/7100ص.8 -3 /
كافة النظم اإلجرائية الحكومية ،ويقض ي على الفساد ،وإعطاء الفرصة للمواطنين
للمشاركة في كافة مراحل العملية السياسية والقرارات املتعلقة بها ،والتي تؤثر على مختلف
نواحي الحياة " ،أما التعريف الذي تبناه االتحاد األوربي لإلدارة اإللكترونية فهو " استخدام
الذكية والبريد اإللكتروني ،األنترنت ووضع إطار لتحسين طرق إيصال الخدمات وتحقيق
وفي نفس السياق عرفت منظمة التعاون والتنمية اإلدارة اإللكترونية على أنها" :
استخدام تكنولوجيا املعلومات واالتصال ،والسيما األنترنيت من أجل تحسين إدارة املرافق
العامة " ،وفي سبيل التوافق بين مفهوم الحكومة اإللكترونية والخدمات التي تقدمها
إدارات الدولة ،فإن تعبير اإلدارة اإللكترونية هو املصطلح األقرب لتحقيق ذلك التوافق
على أساس أن املراد ليس ممارسة سلطة الحكم بطريقة إلكترونية ،وإنما املقصود إدارة
فاإلدارة اإللكترونية تعتبر فرعا معرفيا حديثا يدخل ضمن مواضيع علم اإلدارة،
وهي ال تشكل بديال لإلدارة التقليدية بقدر ما هي نمط جديد في اإلدارة ،وامتداد للفكر
اإلداري في تطوره عبر مدارس متعددة بدءا من املدرسة الكالسيكية والسلوكية ،مرورا
-مريم فضال؛ اإلدارة العمومية بالمغرب بين مطلب التحديث ورهان التنمية ،أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، 50
جامعة عبد المالك السعدي ،كلية الحقوق بطنجة ،السنة الجامعية ،7105/7105ص.578
باالتجاهات اإلدارية الحديثة ،والتي تشمل مدرسة علم اإلدارة ،مدرسة النظم املدرسة
الظرفية ،وغيرها من املدارس التي أفرزتها مسيرة الفكر اإلداري ،وهكذا فهي تجسد املوجة
وعلى الرغم من حداثة مصطلح " اإلدارة اإللكترونية " في الدول العربية ،فاملالحظ
وجود عدة محاوالت لتحديد مفهومه من زوايا وأبعاد مختلفة ،فاإلدارة اإللكترونية هي
مصطلح إداري يقصد به عملية مكننة جميع مهام املؤسسة اإلدارية ونشاطها ،باالعتماد
على كافة التقنيات املعلوماتية الضرورية للوصول إلى تحقيق أهداف اإلدارة الجديدة،52
وباملقابل هناك من يرى أن اإلدارة اإللكترونية ،هي التعامل مع موارد معلوماتية تعتمد
على األنترنيت وشبكات األعمال ،بحيث يصبح رأس املال املعلوماتي املعرفي الفكري هو
فاإلدارة اإللكترونية يمكن أن تشكل آلية لتجاوز بعض املشاكل ،وخاصة املتعلقة
فالتكنولوجيا يمكن أن ترسم عالقات أفقية بدل العمودية بين مختلف أجزاء املنظمة،
بشكل تداخلي دون حواجز أو عوائق ،كما أنها ترفع من درجة التنسيق بين الوحدات
اإلدارية ،وذلك من خالل وضع أبناك للمعلومات املشتركة يتم تبادلها بشكل سلس دون
-محسن الندوي؛ أهمية اإلدارة اإللكترونية في عصر العولمة ،مجلة شؤون استراتيجية ،مطبعة الخليج العربي ،تطوان، 51
-نجم عبود؛ اإلدارة اإللكترونية االستراتيجية والوظائف والمشكالت ،الدار الجامعية للنشر ،الرياض ،7115 ،ص-073 53
.078
اتباع اإلجراءات الورقية املعتمدة ،وهذا ما يضفي الطابع املرن والفعال لإلدارة
اإللكترونية.54
باإلضافة إلى ذلك فاإلدارة اإللكترونية تساعد على تبني سياسة علمية حديثة،
تتجاوز من خاللها أساليب العمل التقليدية التي تعتمد على أعداد كبيرة من املوظفين،
كما أنها تساعد على الكشف عن الفائض في الوحدات اإلدارية ،كما أنها تيسر عملية
إحصاء املوظفين ،وتحديد أماكن عملهم ومؤهالتهم ،مما يسهل عملية توزيعهم والكشف
عن الفائض املمكن ،كما أن الفعالية واملرونة والسرعة التي تطبع املعامالت اإلدارية
اإللكترونية سهلت إمكانية تجاوز مركزية القرار اإلداري ،حيث مكنت الوحدات اإلدارية من
حرية أكبر في التعامل ،مع اإلبقاء على روابط اإلخبار والتفاعل مع املركز وفقا للوحة قيادة
الجماعات الترابية ،بهدف تطوير أدائها الداخلي وتقديم خدمات ذات جودة عالية
وانطالقا مما سبق ،فاإلدارة اإللكترونية يقصد بها استخدام التقنيات الحديثة
للقيام بمختلف األنشطة اإلدارية ،وذلك بغية تحسين األداء وتحقيق األهداف بأقل وقت
54
- Bradier Agnés ; Le gouvernement électronique, une priorité européenne, revue française
d’administration publique, école nationale d’administrative,N°110 , 2004, p35.
-مهدي محمد ناني؛ اإلدارة اإللكترونية ،مرجع سابق ،ص.01 55
وجهد وتكلفة وبكفاءة عالية ،وبالتالي فاإلدارة اإللكترونية تتضمن عدة خصائص وأبعاد
اإلدارية ،نظرا ملا توفره من إمكانية تخزين املعطيات وتصنيفها حسب معايير عدة وجمع
اإلحصائيات والقيام باالستقراءات والبرمجة بشكل سريع ،يحسب بنقرة زر لوحة التحكم،
وهو ما يساعد على اتخاذ القرار الصحيح األقرب للموضوعية في أقصر مدة زمنية ممكنة،
وتوزيع القرار على الهياكل التنفيذية العمودية بسرعة ،مما يمكن من التحكم في عوامل
القوة التي هي السرعة والدقة ،كما تعتبر أبناك املعلومات بمثابة لوحة القيادة املثلى
إلصدار وتنفيذ القرار اإلداري في أحسن األحوال ،فهي شبكة تمكن من تواصل اإلدارات
أفقيا وعموديا.56
إن تطبيق اإلدارة اإللكترونية يؤدي إلى السرعة والفعالية في تقديم الخدمات
بشكل يطغى على العراقيل والتعقيدات اإلدارية ،وهذا يؤدي ملزيد من النجاعة في إنجاز
املعامالت والقيام بالوظائف بشكل تشاركي بين اإلدارة واملرتفقين ،وزيادة املصداقية
والشفافية ،57فتبني اإلدارة اإللكترونية يفرز إدارة بال ورق ،وهذا يؤدي للتقليل من
-محمد البوعزاوي؛ تحديث اإلدارة الترابية بالمغرب نحو ترسيخ الديمقراطية وكسب رهان التنمية ،مرجع سابق ،ص.025 56
-عشور عبد الكريم؛ دور اإلدارة اإللكترونية في ترشيد الخدمة العمومية في الواليات المتحدة األمريكية والجزائر ،رسالة 57
ماستر ،جامعة منتوري ،كلية الحقوق والعلوم السياسية ،قسم العلوم السياسية والعالقات الدولية ،قسطنطينة ،السنة الجامعية
،7102/7108ص.08 -02
استخدام الورق واالعتماد على وسائل أخرى كاألرشيف اإللكتروني ،وهذا من شأنه أن
يساعد على حفظ وتخزين أكثر للمعطيات دون الحاجة إلى أماكن التخزين التقليدية ،أما
بالنسبة للعامل الزمني ،فاإلدارة اإللكترونية تتيح إمكانية القيام بالعمليات اإلدارية في أي
وقت دون انتظار مواعيد العمل الرسمية لإلدارة ،وبإمكان املوظف كذلك متابعة أعماله
ومن خالل ما سبق تتضح أهمية توظيف تكنولوجيا املعلومات واالتصال في تطوير
وتحديث القطاع اإلداري ،وفيما يلي أوجه االختالف بين اإلدارة التقليدية واإللكترونية:
املراحل واملعامالت
- 58اإلدارة اإللكترونية بالمغرب الواقع المعيقات الرهانات؛ 7102/15/71 ، www.sajplus.comعلى الساعة .03:01
واالقتراح
والنتائج االهتمام
-رأفت رضوان؛ اإلدارة اإللكترونية اإلدارة والمتغيرات العالمية الجديدة ،الملتقى اإلداري الثاني للجمعية السعودية لإلدارة، 59
-زيادة اإلتقان :إن اإلدارة اإللكترونية كآلية عصرية في عمليات التطوير والتغيير
التنظيمي ،تمثل منعرجا حاسما في شكل املهام واألنشطة اإلدارية التقليدية وتنطوي على
مزايا ،أهمها املعالجة الفورية للطلبات ،الدقة والوضوح التام في إنجاز املعامالت.
-تخفيف التكاليف :إذا كانت اإلدارة اإللكترونية في البداية تحتاج ملشاريع مالية
معتبرة بهدف دفع عملية التحول ،فإن انتهاج نموذج املنظمات اإللكترونية بعد ذلك سيوفر
مالية ضخمة.
-تبسيط اإلجراءات :عملت جل اإلدارات على إدخال املعلومات إلى مصالحها ،وذلك
أمام الحاجة للتحديث والعصرنة اإلدارية ،وحرصت على استخدامها االستخدام األمثل ملا
لوجود الرقابة اإللكترونية ،التي تضمن املحاسبة الدورية على كل ما يقدم من خدمات،
إذ تعرف الشفافية أنها الجسر الذي يربط بين املواطن ومؤسسات املجتمع املدني من جهة،
والسلطات املسؤولة عن املهام اإلدارية من جهة أخرى ،فهي تتيح مشاركة املجتمع بأكمله.
فتبني اإلدارة اإللكترونية أضحى أمرا ال مفر منه ،قصد تطوير العمل اإلداري ،لتلبية
الحاجيات املتزايدة ملرتفقيها ،وتحقيق سهولة وصول املرتفقين ملختلف الخدمات اإلدارية،
إن توظيف تكنولوجيا املعلومات واالتصاالت باملغرب يهدف في املقام األول إلى
إحداث التغيير اإليجابي في النسق اإلداري ،من خالل السعي نحو تحسين وإثراء ما هو
موجود ورفع مستوى العمل اإلداري ،سواء قصد إرضاء املنتفعين أو قصد التفوق في
مجال املنافسة اإلدارية مع غيرها من اإلدارات ،وفي كل الحاالت يبقى املرتفق هو املستفيد
وضع نظام لقياس درجة رضا املتعاملين كجزء أساس ي يتيح للمتعاملين مع
إيجاد قنوات متعددة للسماح للمواطن بالدخول إلى النظام اإللكتروني في كل
وجود إجراءات لتلقي الشكاوى ومعالجتها وفقا ملعايير تحدد املدة التي يجب فيها
لذلك فإن اإلدارة اإللكترونية ستجعل اإلدارة أكثر قربا من املواطنين ،عن طريق
تزويدهم بدخول سهل وسريع إلى املعلومات عبر األنترنيت ،فاإلدارة اإللكترونية ستعمل
-محمد سمير أحمد؛ اإلدارة اإللكترونية ،دار المسيرة للنشر والتوزيع ،عمان ،7112 ،ص.53 60
على إعادة بناء عالقات جديدة بين اإلدارة واملواطنين ،من خالل التمكن من اآلليات
الحديثة لتقنيات املعلومات ،فاعتماد تكنولوجيا املعلومات والرقمنة أضحى محددا رئيسيا
لقياس التطور اإلداري ،نظرا النعكاسها املباشر على تبسيط املساطر اإلدارية والتقليص
من آجال تلبية الخدمات اإلدارية من االستقبال وحتى التنفيذ ،ومن تكلفتها وأيضا
جودتها ،61واملغرب وعلى غرار باقي الدول ،توجه منذ مطلع القرن الواحد والعشرين لدخول
عالم تكنولوجيا املعلومات واالتصال ،حيث برز رهان املغرب نحو دمج املرفق العمومي في
ركب التكنولوجيا.
إن عملية إدخال التكنولوجيا الحديثة بوسائلها املتنوعة إلى اإلدارة العمومية،
أمر أصبح مؤكدا لجميع العاملين واملتعاملين مع هذا الجهاز ،ذلك أنها آلية من اآلليات
املهمة التي ستمكن من تحسين وإرساء عالقات متميزة ما بين اإلدارة واملنتفعين مع هذا
الجهاز ،وهذا ما أكده امللك محمد السادس في رسالة توجيهية ،62على أنه ... " :سيظل
إصالح اإلدارة العمومية وعصرنتها من بين الرهانات الرئيسية التي يطرحها تقدم بالدنا ،إذ
يتعين أن نوفر ألجهزتنا ما يلزم من أدوات تكنولوجية عصرية بما فيها األنترنيت لتمكينها
من االنخراط في الشبكة العاملية وتوفير خدمات أكثر جودة ملتطلبات األفراد واملقاوالت ".
- 61محمد البوعزاوي؛ تحديث اإلدارة المحلية بالمغرب ،أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام ،جامعة محمد الخامس ،كلية
العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،أكدال ،الرباط ،السنة الجامعية ،7105/7107ص.021
-الرسالة الملكية الموجهة إلى أشغال المناظرة الوطنية حول " االستراتيجية الوطنية إلدماج المغرب في مجتمع المعرفة 62
ومن منطلق الحق في الحصول على املعلومة التي تنص عليه الفقرة األولى من الفصل72
من دستور ،637088وهذا أضحى يفرض بث جميع الوثائق عبر شبكة األنترنيت ،األمر الذي
قد يعطي بعدا جديدا ملفهوم الشفافية اإلدارية ،ويمهد الطريق لدمقرطة اإلدارة ،بجعلها
إدارة مواطنة تستجيب النتظارات كل الفاعلين ،فمن حق املواطنين أن يكونوا على بينة
من كل األمور التي تخص عالقتهم باإلدارة ،ومن حقهم االستفادة من ذلك بكل شفافية
ومصداقية.
وعليه ،فقد وضع املغرب في الفترة املمتدة ما بين 7002و 7001البرنامج الوطني
لإلدارة اإللكترونية تحت تسميته " إدارتي" ،حيث شمل ستة برامج ،بحيث مكنت هذه
البرامج من توفير عدد من الخدمات على البوابات الرسمية للقطاعات الوزارية ،وللتحفيز
على املش ي قدما في التجربة اإللكترونية تم إحداث جائزة " امتياز" لالحتفاء بأحسن مشروع
يقدم خدمة إلكترونية ذات جودة عالية ،إضافة إلى تنظيم منتديات سنوية لإلدارة
اإللكترونية.64
ومن أجل توفير أكبر عدد من الخدمات على الخط ،عملت الجهة الحكومية املكلفة
بتحديث القطاعات العامة في إطار البرنامج املذكور على توفير األرضية املثلى لتحقيق
االنتقال الرقمي ببالدنا ،عبر إعداد إطار مشترك للتبادل اإللكتروني بين األنظمة ،من أجل
سن معايير تقنية موحدة تمكن من تحسين التواصل داخل الوزارات وخارجها ،والتنسيق
- 63للمواطنات والمواطنين حق الحصول على المعلومات الموجودة في حوزة اإلدارة العمومية ،والمؤسسات المنتخبة ،والهيئات
المكلفة بمهام المرفق العام.
-و ازرة تحديث القطاعات العامة ،تقرير حول ميزانية الو ازرة برسم سنة ،7112نونبر ،7118ص.57 64
بين اإلدارات عبر تبادل الخبرات واالستغالل املشترك للكفاءات ،وإنجاز مشاريع إلكترونية
مشتركة بين اإلدارات ذات االختصاصات التكاملية ،كما تم إحداث نظام معلوماتي لتدابير
ويعتبر برنامج e-govمشروعا استراتيجيا طموحا ،وضع البالد على سكة اإلدارة
الرقمية ،وسهل الولوج الرقمي على كل اإلدارات ،فهو يعني من الناحية التعريفية رقمنة
املساطر والخدمات العمومية املقدمة من طرف الدولة واإلدارات الترابية عبر استعمال
وقد تم إحداث لجنة e-govفي فبراير 7009لدى الوزير األول آنذاك لتجميع املشاريع
إن موضوع التنمية في جوانبه املتعددة أصبح يحتل مكانة مهمة لدى الكثير من
الدارسين واملختصين ،الكل انطالقا من الحقل املعرفي الذي ينتمي إليه ،ولعل ما ولد هذه
العناية بمواضيع التنمية خصوصا اإلدارية منها ،هو إيمان كل الفاعلين السياسيين،
االقتصاديين واالجتماعيين ،وكذا املواطنين بأهمية ومدى انعكاساتها على مختلف املجاالت
ذات االرتباط الوثيق بانتظاراتهم ومصالحهم ،على اعتبار أن هذا األخير هو املعني األول
بالعملية التنموية.67
-محمد البوعزاوي؛ تحديث اإلدارة الترابية بالمغرب نحو ترسيخ الديمقراطية وكسب رهان التنمية ،مرجع سابق ،ص.028 65
-محمد البوعزاوي؛ تحديث اإلدارة الترابية بالمغرب نحو ترسيخ الديمقراطية وكسب رهان التنمية ،مرجع سابق ،ص.022 66
-جفري مراد؛ الثورة الرقمية وتأثيراتها على اإلدارة اإللكترونية 7102/01/71 ،www.9anonak.com ،على الساعة 67
.70:71
وتظهر أهمية هذه املسألة انطالقا من املزايا التي أصبحت تقدمها تكنولوجيا
املعلومات ،فالحديث لم يعد يتمحور اليوم حول سبل اإلصالح اإلداري أو التحديث
اإلداري ،وإنما حول القدرة على استيعاب التكنولوجيا الحديثة داخل املنظومة اإلدارية،
وأيضا مدى القدرة على وضع اإلطار القانوني الذي بإمكانه مجابهة كل األسئلة القانونية
التي سوف يطرحها استخدام الوسائط اإللكترونية الحديثة داخل اإلدارة اإللكترونية،
فهذه األخيرة هي ابنة بيئتها تتأثر بكافة العوامل املحيطة بها ،لذلك فإن تنميتها مرتبطة
واالجتماعية ،والعمل على نشر التوعية بأهمية التقنيات الحديثة داخل املجتمع ،ولعل
هذا ما دفع بالسلطات العمومية إلى اعتماد هذه التقنيات ،سواء على مستوى التنظيم
فاملجهود الذي بدل في مجال اإلدارة اإللكترونية ال يزال دون الحد املطلوب ،ولم
يرق بعد باملغرب إلى مصاف الدول التي تعتمد على التقنيات الحديثة للتواصل ،والتي هي
وسيلة لتقدم خدمات ذات قيمة مضافة إلى املواطنين ،الش يء الذي يتطلب من اإلدارة
املغربية مسايرة التطور العاملي الحاصل في مجال اإلدارة اإللكترونية وتقييم استعمالها،
وذلك بالنظر إلى ما توفره من مزايا تيسر على الناس حياتهم ،وذلك من خالل تعزيز
- 68نجاة أيت بوكايو؛ تحديات اإلدارة المغربية ورهانات التنمية ،رسالة لنيل الدراسات العليا المعمقة ،جامعة محمد الخامس،
كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،أكدال ،الرباط ،السنة الجامعية ،7115/7117ص.58
الشفافية في الحياة اإلدارية ،ويتمثل دور الخدمات اإللكترونية في مكافحة الفساد اإلداري
في:
-تطوير أداء املرفق العام :برزت الحاجة إلى البحث عن بدائل للتسيير التقليدي ،وهو
ما تكرس في تجارب العديد من الدول ،مثل الواليات املتحدة األمريكية وبريطانيا ،بحثا عن
أنماط التسيير التي توفر إمكانية رفع أداء املرافق العمومية ،فكان بذلك تكريس االستفادة
من تطبيقات تكنولوجيا املعلومات واالتصاالت كبديل إلصالح وظائف وأنشطة القطاع
العام ،وتهدف في مجملها إلى تحسين أداء الخدمة العمومية وجعلها تتميز بالفعالية
والشفافية ،وإلى تمكين املواطن من خدمة عمومية ذات جودة عالية ،69فالخدمة العمومية
بنمطها اإللكتروني الحديث ،هي توجه يفرض أحد أهم اآلليات التي يعمل من خاللها نموذج
اإلدارة اإللكترونية ،في الحد من ظاهرة الفساد اإلداري ،والحد من كل العوامل التي لها
آثار سلبية على أداء املرافق العمومية ،وتتعلق بالسلوكيات البشرية ،فنظام اإلدارة
اإللكترونية الذي يكرس تقديم الخدمات العمومية إلكترونيا ،يضمن بهذه اآللية التقليل
من االتصال بين املوظفين الفاسدين واملواطنين كمستفيدين من الخدمة العمومية ،وفي
الواقع طريقة تقديم الخدمات عبر األجهزة اآللية وعبر األنترنيت تزداد معها نسبة األمان
من التعسف في استخدام السلطة من املوظفين وتراجع مظاهر الفساد كاالبتزاز وطلب
-المك ي دراجي؛ دور اإلدارة اإللكترونية في تطوير الخدمة العمومية والمرفق العام في الجزائر ،مجلة العلوم القانونية 69
على الفساد اإلداري ،وذلك عن طريق حفظ بيانات إلكترونية مفصلة على املعامالت
اإللكترونية ،لتحقيق إمكانية املتابعة في حال عدم االلتزام باإلجراءات التقنية واإلدارية.
على مفهوم املرفق العام وطبيعة الخدمة التي يقدمها للمواطنين ،بحيث ستتحول كافة
األعمال والخدمات اإلدارية التقليدية التي تتسم بطول اإلجراءات وكثرة األوراق
واملستندات ،إلى أعمال وخدمات إلكترونية تنفذ بسرعة عالية ودقة متناهية ،وهكذا فإن
اإلدارة اإللكترونية ترقى إلى تمكين املواطن من إدارة فعالة وسريعة ،يستطيع من خاللها
قضاء أغراضه اإلدارية بطريقة شفافة وفعالة ،وذلك بالنظر إلى ما تتوفر عليه اإلدارة
اإللكترونية من إمكانية تدبير جيد للوقت اإلداري واختصاره ،واختزال مراحل عديدة،
الش يء الذي يترتب عنه تحسين في األداء واملردودية ،وتحسين عالقة اإلدارة بمرتفقيها،
ويوفر تطبيق اإلدارة اإللكترونية في مفهومه البسيط ،فوائد ذات أهمية كبرى يمكن
مالحظتها في اختصار الوقت والتكلفة ورقمنة األعمال اإلدارية ،إذ يجعل املعلومات
والخدمات اإلدارية في متناول املواطنين ،لكن هذا ال يعتبر إال تمهيدا لحقيقة اإلدارة
إن مواكبة ثورة املعلومات واالتصاالت تستدعي العمل من خالل إدارة تتحول فيها
العالقة بين اإلدارات العمومية والجمهور ،إلى عالقة شفافة بدال من السرية والكتمان،
معنى ذلك أن عالقة اإلدارة اإللكترونية بالجمهور تتحول في ظل الشفافية إلى عالقة
تشاورية ترس ي دعائم الديمقراطية اإلدارية ،70التي تتيح للمواطنين حق مشاركة اإلدارة في
أداء عملها وحقه في فهم تصرفاتها مادام بإمكانه االطالع على وثائقها ،كما أن الخدمات
اإللكترونية تضمن من خالل أدوات وتقنيات توفيرها ،تبسيط وتسهيل اإلجراءات اإلدارية.
-الرفع من مستوى التواصل اإلداري :تشكل تقنيات االتصال أساس عمل اإلدارة
اإللكترونية ،بحيث تساعد على تحقيق التواصل بين مختلف أقسام اإلدارة الواحدة ،وبين
هذه اإلدارة وباقي اإلدارات األخرى ،ويحصل هذا األمر بفضل االندماج الحاصل بين
تكنولوجيا الحواسب وتكنولوجيا االتصاالت ،ثم تكنولوجيا البرمجيات ،الش يء الذي يترتب
عنه فتح إمكانيات هائلة وآفاق واسعة ،فيما يتعلق بالتنسيق بين مكونات اإلدارة والقدرة
على الرقابة والتوجيه ،71فالتواصل مسألة ضرورية لتحقيق التنسيق بين الجهود واستثمار
نتائجها ،إال أن تحقيق هذا التنسيق والتكامل بين جهود عدد كبير من األفراد لن يتحقق،
إال عن طريق اإلدارة اإللكترونية ،بحيث تستند إلى التبادل اإللكتروني للمعطيات ،باعتباره
النموذج األمثل لتحقيق مبتغاهم ،ومن تم يستفيدون من املعالجة اآللية للمعطيات ،ومن
إمكانية تبادلها عن بعد ،وبسرعة كبيرة ،وبتكلفة معقولة وبين مراكز متواجدة في أماكن
متباعدة.72
-نصيرة ربيع؛ دور اإلدارة اإللكترونية في تفعيل مبدأ الشفافية ،مجلة الحقوق والعلوم السياسية ،العدد ،8جامعة عباس 70
برامج ،فتقوم اإلدارة اإللكترونية بمراقبة المعطيات المدخلة والمعطيات المخرجة ،ومراقبة مدى مالءمة الق اررات المتخذة ،الشيء
الذي يمكن الرئيس من االتصال بمرؤوسيه وتوجيههم إلى إنجاز األعمال التي عهد إليهم إنجازها.
-تبسيط اإلجراءات وتوفير الجهد واملال :تهدف اإلدارة اإللكترونية إلى جعل اإلدارة
أكثر قربا من املرتفقين وأكثر إرضاء للمتعاملين معها ،عن طريق الحد من العراقيل التي
يصطدمون بها ،خاصة تعقد املساطر ،وهكذا ،فاإلدارة اإللكترونية تتيح تبسيط املساطر
اإلدارية ( رخص ،شواهد ،وثائق ،)...والعمل بتقنية املساطر عن بعد ،والتي تضع رهن
إشارة العموم نماذج الطلبات واالستثمارات التي يجب تعبئتها بعناية للحصول على الوثيقة
املعنية ،إضافة إلى إتاحة تلقي تساؤالت واستفسارات جمهور املرتفقين من خالل البريد
اإللكتروني ،وتلقي شكاياتهم على شبكة األنترنيت ،األمر الذي يترتب عنه تقريب اإلدارة من
املواطنين ،وهكذا يمكن القول بأن اإلدارة اإللكترونية تعتبر بحكم توظيفها لتكنولوجيا
اإللكترونية ،إدارة رقمية في صميم مجتمع املعلومات ،تختزل املكان والزمان ،الش يء الذي
وهكذا أصبح الطموح باملغرب يتجسد في بناء إدارة عصرية دائمة اإلصغاء ملحيطها
الوطني والدولي ،ومتوفرة على اآلليات الالزمة لالستجابة لحاجيات جميع مكونات املجتمع
أفرادا وجماعات ،ومهتمة بتقديم أفضل خدمة عمومية ،ذلك أن التكنولوجيا الحديثة
أصبحت اليوم هي اللبنة األساسية لصناعة املستقبل اإلداري ملا توفره من اآلليات الالزمة
-فاطمة الزهرة أقبوش؛ التحديث اإلداري وعالقته بمناخ األعمال ،مرجع سابق ،ص.727 73
لالستجابة لحاجيات جميع مكونات املجتمع أفرادا وجماعات ،ومهتمة بتقديم أفضل
خدمة عمومية ،ذات جودة عالية ،وقريبة من املواطنين ،وبأقل تكلفة ممكنة.
تتعدد متطلبات اإلدارة اإللكترونية ،كما تتفاوت درجة أهمية تلك املتطلبات ،لكن
من الضروري أن يكون هناك تكامل فيما بينها ،فال يمكن إهمال املتطلبات القانونية
والتشريعية ،إذ يجب إيجاد الفضاء القانوني املناسب ،لتطبيقات اإلدارة اإللكترونية ،كما
من الضروري مراعاة البيئة اإللكترونية (املطلب األول) ،والعمل على تجاوز التحديات التي
تفرضها ،باإلضافة إلى تدريب األفراد القائمين على تطبيق وممارسة مشاريع اإلدارة
(املطلب الثاني).
سنتطرق في هذه الفقرة إلى املتطلبات القانونية لإلدارة اإللكترونية (الفرع األول)،
(الفرع الثاني) ،وإلى مطلب تكوين وتدريب املوارد البشرية (الفرع الثاني).
من أهم متطلبات تطبيق اإلدارة اإللكترونية هي إيجاد إطار تشريعي متكامل،
ومنظومة قانونية تتماش ى مع نظام اإلدارة الجديد ،بما يضمن مراعاة املستجدات
ويستوعب التطور املستمر في آليات عمل اإلدارة اإللكترونية ،وتجدر اإلشارة إلى أن العديد
من الحكومات قد سارعت حتى قبل تبني نظام اإلدارة اإللكترونية ،إلى إيجاد تشريعات
والهدف من ذلك تحديد ما هو محظور منها ،فكثيرا ما تصطدم سلطات التحقيق في عملها،
بجرائم إلكترونية عن طريق التقنيات الحديثة ال يمكن إيجاد غطاء تشريعي يجرمها.
وعرف قطاع تكنولوجيا املعلومات واالتصال باملغرب طفرة نوعية بالنظر للبرامج
واالستراتيجيات التي عملت على تنزيله وتعميمه وتيسير سبل الوصول إليه ،بحيث واكب
الثورة املعلوماتية على مستوى القطاعات واملؤسسات الحكومية ،وذلك بواسطة ترسانة
قطاعات وإصالحها ،إلى أن توجت سنة 8331باعتماد القانون 7474-37والذي كرس نهاية
احتكار الدولة لقطاع االتصاالت ،فمن بين القطاعات واملؤسسات املرتبطة بتكنولوجيا
أ -الوكالة الوطنية لتقنين املواصالت ) :(ANRTتعتبر مؤسسة عمومية مكلفة بتنظيم
وتقنين قطاع املواصالت ،وتتمتع بالشخصية املعنوية واالستقالل املالي ،فحسب القانون
-الظهير الشريف رقم 0.22.087صادر في 17ربيع الثاني 12( 0508غشت )0222بتنفيذ القانون رقم 75.28 74
المتعلق بالبريد والمواصالت ،الجريدة الرسمية عدد 5308بتاريخ 03جمادى األولى 08( 0508شتنبر ،)0222ص.5270
-مهام قانونية :تساهم الوكالة في إعداد اإلطار القانوني املنظم لقطاع االتصال من
خالل مشاريع القوانين واملراسيم والقرارات الوزارية ،ومنح التراخيص ملمارسة مهام
-مهام اقتصادية :تتولى الوكالة التقنين االقتصادي للقطاع ،من خالل املصادقة على
عروض الربط البيني للمتعهدين ،والسهر على احترام قواعد املنافسة ،والبث في النزاعات
املرتبطة بها ،وتعد مهام اليقظة من بين االختصاصات التي تتوالها الوكالة لحساب الدولة،
وتتجلى هذه املهام في التقارير التي تعدها هذه املؤسسة حول تطور قطاع تكنولوجيا
املعلومات واالتصال.
-مهام تقنية :تتولى الوكالة الوطنية لتقنين املواصالت تحديد القواعد اإلدارية
ب -املجلس الوطني لتكنولوجيا اإلعالم واالقتصاد الرقمي :تم إحداث املجلس الوطني
لتكنولوجيا اإلعالم واالقتصاد الرقمي سنة ،7002بناء على مرسوم رقم ،767.01.433
-الظهير الشريف رقم 0.15.035الصادر في 70رمضان 15 ( 0573نونبر )7115بتنفيذ القانون رقم 33.10 75
القاضي بتغيير وتتميم القانون رقم 75.28المتعلق بالبريد والمواصالت ،الجريدة الرسمية عدد 3785بتاريخ 73رمضان
18 (0573نونبر ،)7115ص.5880
- 76المرسوم رقم 7.18.555الصادر في 73جمادى األولى 70 ( 0551ماي )7112بإحداث مجلس وطني لتكنولوجيا
اإلعالم واالقتصاد الرقمي ،الجريدة الرسمية 3255بتاريخ 75جمادى الثانية 08 ( 0551يونيو .)7112ص.5337
وتناط بهذا املجلس مهمة تنسيق السياسات الوطنية الهادفة إلى تطوير تكنولوجيا اإلعالم
واالقتصاد الرقمي وضمان تتبعها وتقييم تنفيذها ،وذلك من خالل اقتراح التوجهات
الكبرى لتطوير تكنولوجيا اإلعالم واالقتصاد الرقمي على الحكومة ،باإلضافة القتراحه
عدة إجراءات تشريعية وتنظيمية من شأنها أن تساهم في هذا التطوير ،وتدابير لتسهيل
ولوج املجتمع لتجهيزات اإلعالميات وشبكات األنترنيت ،وتقديم توصيات من أجل تصور
وعليه ،فإصالح الوكالة الوطنية لتقنين املواصالت ساهم في تطوير املجال الرقمي
في املغرب من خالل قيامه بمختلف املهام املنوطة به ،واإلشراف الفعلي على القطاع ،غير
أنه وعلى عكس ذلك فاملجلس الوطني لتكنولوجيا اإلعالم واالقتصاد الرقمي يعاني من
غياب تفعيله منذ إحداثه ،مما ساهم في تعثرات هذا القطاع ،خاصة ما يخص مستوى
-7اإلطار القانوني لإلدارة اإللكترونية :عمل املشرع املغربي على وضع ترسانة قانونية
الذكر ،واملتعلق بإحداث املجلس الوطني لتكنولوجيا اإلعالم واالقتصاد الرقمي ،وكذا
الذي حدد اختصاصات وتنظيم وزارة الصناعة والتجارة 787.80.24 املرسوم رقم
- 78المرسوم رقم 7.01.25الصادر في 75رجب 18 ( 0550يوليوز )7101بتحديد اختصاصات وتنظيم و ازرة الصناعة
والتجارة والتكنولوجيا الحديثة ،الجريدة الرسمية عدد 3885الصادرة بتاريخ فاتح رمضان 07 ( 0550غشت .)7101
وقد عمل املشرع املغربي إلى التصدي ملختلف الجرائم واالختالالت املرتبطة
8203.01 بتكنولوجيا املعلومات واالتصال وتنظيمها ،وفي هذا اإلطار صدر القانون رقم
املتعلق بحماية األشخاص الذاتيين اتجاه معالجة املعطيات ذات الطابع الشخص ي،
وكذلك القانون رقم 8302.09والذي تمم مجموعة القانون الجنائي ،و املتعلقة بنظم
املعالجة اآللية للمعطيات ،كما ارتبطت بعض النصوص التشريعية بتنظيم بعض
املستجدات التي رافقت استخدام وسائل التكنولوجيا ،وأهم هذه النصوص ،القانون رقم
-المرسوم رقم 7.08.355الصادر في 72من شوال 15 ( 0552غشت )7108بتحديد اختصاصات وتنظيم و ازرة 79
الصناعة والتجارة واالستثمار واالقتصاد الرقمي ،الجريدة الرسمية عدد 8521بتاريخ 00غشت .7108
- 80المرسوم 7.02.531الصادر في 07من شوال 12 ( 0558يوليوز )7102بتغيير وتتميم المرسوم رقم 7.08.355
الصادر في 72من شوال 5 ( 0552غشت )7108بتحديد اختصاصات وتنظيم و ازرة الصناعة والتجارة واالستثمار واالقتصاد
الرقمي ،الجريدة الرسمية عدد 8383بتاريخ 03شوال 01 ( 0558يوليوز ،)7102ص .5235
-الظهير الشريف رقم 0.02.72الصادر في 18ذي الحجة 51 ( 0558غشت )7102بتنفيذ القانون رقم 80.08 81
المحدثة بموجبه وكالة التنمية الرقمية ،الجريدة الرسمية عدد 8815بتاريخ 75ذي الحجة 05 ( 0558دجنبر ،)7102ص
.3132
-الظهير الشريف رقم 0.12.03الصادر في 77من صفر 08 ( 0551فبراير )7112بتنفيذ القانون رقم 18.12 82
المتعلق بحماية األشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي ،الجريدة الرسمية عدد 3200بتاريخ 72
صفر 75 ( 0551فبراير ،)7112ص.337
-القانون رقم 12.15المتمم لمجموعة القانون الجنائي في ما يتعلق بالجرائم المتعلقة بنظم المعالجة اآللية للمعطيات، 83
الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 0.15.022بتاريخ 08من رمضان 00 ( 0575نونبر ،)7115الجريدة الرسمية عدد
3020بتاريخ 72شوال 77 ( 0575دجنبر ،)7115ص.5785
يقتصر على النصوص املذكورة فقط ،بل يتعداه إلى عدة قوانين متنوعة ،وتهم مختلف
جوانب مجال تكنولوجيا املعلومات واالتصال ،مما يظهر النظرة الدقيقة للمشرع لهذا
مستفيدة من اإلقبال البشري املتزايد ،باإلضافة إلى الواقع التكنولوجي الذي يفرض نفسه
بقوة على مختلف الحكومات واملجتمعات ،وبالتالي فإن التقدم التقني والتطور التكنولوجي
على املستوى العاملي ،انعكس على املستوى الوطني ،بحيث كان لزاما على اإلدارة املغربية
مواكبة هذا التطور من خالل إدماج البعد الرقمي في تطوير اإلدارة ،وبالتالي تجاوز
البيروقراطية اإلدارية.85
-البعد اإللكتروني في التحديث اإلداري :أصبحت الدول تقاس بوزن إدارتها داخل
محيطها الترابي ،في الوقت الذي باتت فيه اإلدارة الجماعية عاجزة عن تلبية حاجيات
املواطنين ،وذلك بفعل الفساد املنتشر فيها ،والتي لم تسلم منه جل إدارات املعمور عامة،
-الظهير الشريف رقم 0.12.072الصادر في 02ذي القعدة 51 ( 0578نونبر )7112بتنفيذ القانون رقم 35.13 84
المتعلق بالتبادل اإللكتروني للمعطيات القانونية ،الجريدة الرسمية عدد 3385بتاريخ 73ذو القعدة 18 ( 0578دجنبر
،)7112ص.5822
-اإلدارة اإللكترونية بالمغرب الواقع المعيقات الرهانات؛ .03:51 ،7102/13/70 ،www.sajplus.com 85
لذلك كان من الضروري على املغرب أن يفتح أوراشا مهمة من أجل مواكبة اإلدارة
للتطورات الرقمية ،حيث تعتبر سنة 8332بداية العالقة مع التكنولوجيا ،حيث شهدت
إدخال األنترنيت إلى املغرب ،وتوالت مع وضع البرنامج التنموي لتكنولوجيا املعلومات
والضرائب الغير املباشرة ،86كما اعتمد املغرب املخطط الخماس ي ( )7009 -8333كاختيار
استراتيجي لتحقيق التنمية االقتصادية واالجتماعية في اململكة ،87والذي كان هدفه هو
جعل تكنولوجيا اإلعالم أداة تنافسية لالقتصاد الوطني وتطوير الخدمات ،هذا املخطط
أفض ى سنة 7008لصياغة النسخة األولى من استراتيجية املغرب اإللكترونية ،والتي هدفت
لتعميم اإلدارة اإللكترونية ،ولكن فشل هذه البرامج في تحقيق األهداف املسطرة ،وغياب
رؤية واضحة ومستقبلية لهذا القطاع ،دفع إلى اعتماد عدة مخططات واستراتيجيات:
استراتيجيات وطنية قصد تعميم استعمال تكنولوجيا املعلومات واالتصال ،وذلك بغية
االنتقال نحو املجتمع الرقمي ،وقد كان التحديث اإلداري جزء من هذه االستراتيجيات،
87
- La direction du centre d’étude internationales ; une décennie de réformes au Maroc (1999-
2003), éditions khartola, 2010, p63.
أولوياتها تطوير املعلومات واالتصال وإرساء دعائم اإلدارة اإللكترونية وتعميم استعمالها،
وفي سنة 7002تم تفعيل البرنامج الوطني لإلدارة اإللكترونية " إدارتي ،"IDARATI -والذي
يقوم على فكرة االنتقال من تدبير إداري يعتمد على الورق إلى تدبير إداري إلكتروني بدون
ورق ،من خالل تطوير أساس معلوماتي يرفع من إنتاجية ومردودية الجهاز اإلداري ،وفي
نفس السنة أيضا تم تنظيم أول مؤثمر سنوي لإلدارة اإللكترونية ،كما قامت الوزارة
املكلفة بالوظيفة العمومية وتحديث اإلدارة بتنظيم الجائزة الوطنية لإلدارة اإللكترونية "
امتياز" ،التي تهدف رغم طابعها الرمزي إلى خلق نوع من املنافسة بين مختلف القطاعات
العمومية.89
باملغرب حملت االستراتيجية الوطنية ) ،(E. Maroc 2010على عاتقها سد الفجوة الرقمية
وتعميم الولوج إلى خدمات األنترنيت وخدمات االتصال بصفة عامة ،حيث اعتمدت
االستراتيجية على أربع محاور تتعلق بتنمية اإلدارة اإللكترونية وتعميم وسائل تكنولوجيا
االتصال ،إضافة للتكوين في مجال تكنولوجيا اإلعالم واالتصال ،وأخيرا تطوير الصناعات
-حاتم الشعيري؛ اإلدارة اإللكترونية بالمغرب بين عصرنة العمل اإلداري وعوائق التطبيق ،رسالة لنيل دبلوم الماستر في 88
القانون العام ،جامعة عبد المالك السعدي ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،طنجة ،السنة الجامعية
،7112/7118ص.78
89
- www.mmsp.gov.ma ; visite le 25/05/2019, 00 :30.
املرتبطة بتكنولوجيا املعلومات ،ففي إطار تفعيل اإلدارة اإللكترونية تم إطالق بوابة وطنية
) ،(www.maroc.maحيث ساهمت هذه البوابة في تقليص كافة الخدمات املقدمة والحد
من عناء التنقل ،والحصول على املعلومات املطلوبة ،وكذا تحسين نوعية الخدمات التي
:)7089
شكل الخطاب امللكي لسنة 7001بمناسبة عيد العرش ،مدخال مهما لتبني
استراتيجية املغرب الرقمي ،907089حيث دعا امللك الحكومة إلى " اعتماد استراتيجية
االستراتيجية على جعل قطاع تكنولوجيا املعلومات مصدرا لإلنتاجية والقيمة املضافة
واضحة ،حيث تتمحور حول أربع أولويات ،أوالها التحول االجتماعي من خالل تمكين
املواطنين من الولوج إلى األنترنيت ذي الصبيب العالي وتشجيع الولوج إلى املبادالت
واملعرفة ،ثم إنجاز الخدمات العمومية املوجهة إلى املتعاملين مع اإلدارة ،بهدف تقريب
-تم إطالقه في أكتوبر ،7112حيث مكن من تحسين جودة مواقع الو ازرات والخدمات اإللكترونية المرتبطة بها ،خاصة 90
في مجاالت التربية والشؤون االجتماعية واالقتصاد والمالية والصحة والشغل وولوج المواطنين لإلدارة اإللكترونية ،مع إطالق
بوابة maroc.gov.maوتحسين موقع ،servise-public.maوكذا الولوج إلى المعلومات العمومية مع إطالق أول موقع
للمعلومات بإفريقيا ،data.gov.maفضال عن تطوير المشاركة اإللكترونية ،مع األخذ بعين االعتبار أفكار وآراء المواطنين
عبر موقع .fikra.gov.ma
-المغرب الرقمي ،www.egov.com ،7105تاريخ التصفح 7102/18/72على الساعة .70:01 91
اإلدارة من حاجيات املتعاملين معها من حيث الفعالية والجودة والشفافية بواسطة برنامج
طموح لإلدارة اإللكترونية ،وثالثا ،اعتماد املعلومات في املقاوالت الصغرى واملتوسطة للرفع
ولدعم نجاح هذه االستراتيجية تم إحداث صندوق املغرب الرقمي ،الذي يقدم
قروضا للمقاوالت التكنولوجية واإللكترونية ،كما يستفيد من األموال التي تضخها له
مجموعة من األبناك التي تأكد لها االستثمار اآلمن في هذا املجال ،بل وابتكر برنامج املغرب
الرقمي ما يصطلح عليه رأسمال املخاطر ،وهي اآللية التي تسمح للصندوق بمنح قروضه
للمقاوالت الصغرى واملتوسطة ومقاوالت املغاربة بالخارج قصد منح خبراتهم لبلدهم مقابل
الدعم املالي لهم ،وهي كلها خطوات تنم على مهنية عالية.92
الحكومة اإللكترونية تتعثر وال تكتمل ،نظرا لعدة عوامل أهمها عدم مصاحبة هذه املشاريع
من طرف املتخصصين ،حيث تقتصر نصف الوزارات واملؤسسات التابعة للدولة على خلق
موقع إلكتروني لها بدون برنامج مضبوط للمصاحبة ،حتى يتم تحيين املعلومات وتوفيرها
للمواطن العادي ،كما أن مشكل إيصال املعلومة ومدى تفاعل املواطن مع املوقع
اإللكتروني لوزارة معينة وسهولة استعماله يعتبر عائقا أمام استقطاب املواطنين لالعتماد
على األنترنيت في الخدمات اإلدارية ،93وهذا راجع إلى عدة أسباب مرتبطة بالبيروقراطية
-محمد البوعزاوي؛ تحديث اإلدارة الترابية بالمغرب نحو ترسيخ الديمقراطية وكسب رهان التنمية ،مرجع سابق ،ص.083 92
السائدة في اإلدارات ،وعجز برنامج التكوين على مواكبة هذه املخططات للرفع من قدرات
املوظف على الصعيد التكنولوجي ،إضافة لغياب إحصائيات رسمية عن مستوى مؤشرات
فعجز االستراتيجيات السابقة أجبر املسؤولين على وضع استراتيجية جديدة لغاية
سنة ،7070ولكن يجب إيجاد حلول واقعية ملختلف االختالالت التي تعيق تطور تكنولوجيا
تحتاج اإلدارة اإللكترونية إلى تهيئة البيئة املناسبة ،حتى يكون تطبيقها ناجحا،
وتحقق أهدافها بدون أن تكون هناك عوائق تهدد بفشلها ،ومن بين هذه املتطلبات:
أ -التخطيط االستراتيجي والرؤية الواضحة :يحتاج تأسيس نظام اإلدارة اإللكترونية
إلى وجود استراتيجية واضحة ومصممة لتحكم سير تطبيق النظام في مراحله املختلفة،
وذلك لتحديد مالمح اإلدارة اإللكترونية والرؤية املرسومة لها واألهداف املتوخى تحقيقها
بوضوح ،وهنا يتجلى دور القيادة السياسية في تهيئة البيئة الالزمة واملناسبة لعملية التحول
واالنتقال لإلدارة اإللكترونية ،والقيادة التنفيذية التي تتولى عملية التغيير في الثقافة
- 94الزهرة بودريش؛ مداخلة بعنوان :اإلطار المفاهيمي والنظري للحكومة اإللكترونية ،الملتقى العلمي الدولي حول :متطلبات
إرساء الحكومة اإللكترونية في الجزائر ،دراسة تجارب بعض الدول ،مومي 05و 05ماي ،7105جامعة سعد دحلب ،البليدة،
الجزائر ،7105 ،ص.00-01
ب -التمويل واملتابعة املستمرة :يجب توفير التمويل الالزم ،والذي يتوافق مع حجم
مشروع ضخم كتطبيق اإلدارة اإللكترونية ،وليس ذلك فقط بل يتعدى األمر للدعم
تحدي كبير ،وهو ضرورة القيام بعمليات التحديث املستمرة ،سواء على مستوى العتاد
والتطبيقات والبرامج اإللكترونية املعتمدة ،أو تكوين وتدريب األفراد على املهارات
والتقنيات الحديثة.
اإللكترونية ،التي تمكن من توفير الخدمات املطلوبة ،وتأمين شبكة حديثة لالتصاالت
والبيانات ،تكون قادرة على تأمين التواصل ونقل املعلومات بين اإلدارات العمومية نفسها،
وبينها وبين املستفيدين من جهة أخرى ،وبالتالي البنية التحتية هنا ،ال تعني فقط الجانب
الذي يخص اإلدارات العمومية ،بل الجانب الذي يتيح إمكانية االستفادة من الخدمة
د -التوعية املجتمعية بالثقافة اإللكترونية :إن التوعية املجتمعية يمكن أن تسهم في
زيادة تقبل أفراد املجتمع لتطبيقات اإلدارة اإللكترونية واالستفادة منها ،وثقافة ممارسة
واستخدام ما توفره تكنولوجيا املعلومات واالتصاالت لتعزيز بناء مجتمع معلوماتي ،ويمكن
أن يتأتى ذلك عبر مشروع يؤكد على أن سلوكيات األفراد قد تشبعت بهذه الثقافة ،ويضمن
استمراريتها.
-ربحي مصطفى عليان؛ البيئة اإللكترونية ،دار صفاء للطباعة والنشر والتوزيع ،عمان ،7103 ،ص.57 95
يجب تكوين وتدريب املوظفين والقائمين على اإلدارات العمومية من خالل تنمية
قدراتهم على أداء األعمال والخدمات في نظام اإلدارة اإللكترونية ،بشكل سليم وفعال،
واالتصاالت ،وتأتي أهمية التكوين والتدريب للموارد البشرية ،إلرساء اإلدارة اإللكترونية،
وذلك لتغير الوظائف اإلدارية واملهارات املطلوبة ،96وذلك بسبب االعتماد أكثر على الوسائل
واألساليب اإللكترونية في تنفيذ األعمال ،فتختفي بعض الوظائف وتدمج أخرى ،ويتم توفير
وظائف جديدة ،تعتمد على املعرفة التقنية ،فالبد من توافر الفرد على القدرة على التعامل
مع الوسائل واألساليب اإللكترونية ،كما أن تطبيق اإلدارة اإللكترونية يتطلب موظفين
تكون لهم القدرة على إدارة الخدمة العمومية وفق ما يرض ي املواطنين ،وبالتالي يحتاجون
إلى معلومات وظيفية متخصصة عن عملهم بالذات ،ومهارات تعلم أساسية تمكنهم من
إن اهتمام اإلدارة اإللكترونية يقوم على توفير الكثير من الخدمات لفائدة
املواطنين ،وتسهيل وتبسيط هذه الخدمات ،فهي إذن ذات توجه واضح يركز على خدمة
-محمد بن أحمد بن محمد الفرازي؛ أثر الثورة التكنولوجية المعاصرة على تقييم برامج وسياسات إدارة الموارد البشرية، 96
نموذج و ازرة التربية والتعليم بسلطنة عمان ،أطروحة دكتوراه في إدارة األعمال ،جامعة تشرين ،الالذقية ،عمان،7112 ،
ص.010
املواطن ،مما يدعم إقبال األفراد على الدخول إلى بيئة الخدمة العامة اإللكترونية ،كما
تسعى حكومات الدول إلى الرفع من معدالت القبول والرضا لدى املستفيدين من خدماتها
وتقديمها في أحسن صورة وبجودة عالية ،وتعتبر املواقع اإللكترونية املخصصة لتقديم
الخدمات العامة إحدى اآلليات الهامة في تقريب اإلدارة من املواطن واالرتقاء بالخدمات
العمومية.
اإللكترونية يتحقق بتقوية االتصال بين اإلدارة واملواطن ،عن طريق االهتمام بميول
ورغبات املواطنين وإرضاء حاجياتهم من خالل اإلصغاء إليهم ،وأخذ اقتراحاتهم بعين
ومواصلة تكوين املوارد البشرية العاملة باإلدارة العمومية ،إضافة إلى اعتماد استراتيجية
ويعتبر تحسين العالقة بين اإلدارة العمومية واملواطن من بين أهم املبادئ التي يقوم
عليها نظام اإلدارة اإللكترونية ،على اعتبار أن تكريسها يجعل املواطن في قلب الخدمات
العمومية وإدماج املجتمع املدني في الدفع بعصرنة اإلدارة العمومية من خالل جودة
- 97محمد قارطي؛ دور اإلدارة اإللكترونية في تطوير الخدمة العمومية ،دبلوم الماستر في القانون العام المعمق ،جامعة عبد
الحميد بن باديس ،مستغانم ،كلية الحقوق والعلوم السياسية ،السنة الجامعية ،7102-7108ص.21-82
الخدمات وتقريبها من املواطن ،وتحقيق الثقة املتبادلة ،وهذه العملية ليست سهلة ألنها
العمومية دون الحديث عن تكنولوجيا اإلعالم واالتصال ،وبذلك يعد إدخال تكنولوجيا
املعلومات في تسيير اإلدارات ثورة حقيقية في عالم اإلدارة ،مفادها تحويل األعمال
والخدمات اإلدارية التقليدية إلى أعمال وخدمات إلكترونية تعمل على حماية اإلداري
واالرتقاء بأدائه ،وتحقيق االستخدام األمثل للخدمات بسرعة ودقة عالية من خالل رقمنة
كل القطاعات في كل اإلدارات ،وذلك من أجل تبسيط اإلجراءات اإلدارية وتمكين اإلدارات
خاتمة:
تساهم الرقميات في تحول جذري فيما يخص جودة الخدمات العمومية وطرق
الولوج إليها ،خصوصا في املناطق النائية ،األمر الذي يجعل منها وسيلة لإلدماج االقتصادي
واالجتماعي والترابي ،ويشكل األداء عن بعد ،من خالل تسهيل العمليات التجارية
والخدماتية ،فرصة لإلدماج االقتصادي واالجتماعي للساكنة التي في وضعية هشة ،وترفع
الرقمنة من منسوب الثقة بين املواطن واملقاوالت والدولة من خالل مساهمتها في جعل
العالقة بين الدولة واملواطن وبين الدولة واملقاولة أكثر انسيابية وشفافية.
(الرقمنة) إلى تحسين الخدمة العمومية للقضاء على البيروقراطية اإلدارية والحد من
الفساد اإلداري ،وهو رهان تطمح إليه منذ سنوات ،وهذا لتمكين املواطنين من مستوى
محمد سمير أحمد؛ اإلدارة اإللكترونية ،دار املسيرة للنشر والتوزيع ،عمان،
.7003
ربحي مصطفى عليان؛ البيئة اإللكترونية ،دار صفاء للطباعة والنشر والتوزيع،
عمان.7082 ،
املراجع بالفرنسية:
األطروحات:
مريم فضال؛ اإلدارة العمومية باملغرب بين مطلب التحديث ورهان التنمية،
أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام ،جامعة عبد املالك السعدي ،كلية
الحقوق بطنجة ،السنة الجامعية .7084/7089
محمد البوعزاوي؛ تحديث اإلدارة املحلية باملغرب ،أطروحة لنيل الدكتوراه في
القانون العام ،جامعة محمد الخامس ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية
واالجتماعية ،أكدال ،الرباط ،السنة الجامعية.7089/7087
محمد بن أحمد بن محمد الفرازي؛ أثر الثورة التكنولوجية املعاصرة على تقييم
برامج وسياسات إدارة املوارد البشرية ،نموذج وزارة التربية والتعليم بسلطنة
عمان ،أطروحة دكتوراه في إدارة األعمال ،جامعة تشرين ،الالذقية ،عمان،
.7003
الرسائل:
محمد قارطي؛ دور اإلدارة اإللكترونية في تطوير الخدمة العمومية ،دبلوم املاستر
في القانون العام املعمق ،جامعة عبد الحميد بن باديس ،مستغانم ،كلية
الحقوق والعلوم السياسية ،السنة الجامعية .7082-7087
عشور عبد الكريم؛ دور اإلدارة اإللكترونية في ترشيد الخدمة العمومية في
الواليات املتحدة األمريكية والجزائر ،رسالة ماستر ،جامعة منتوري ،كلية
الحقوق والعلوم السياسية ،قسم العلوم السياسية والعالقات الدولية،
قسطنطينة ،السنة الجامعية .7082/7087
مهدي محمد ناني؛ اإلدارة اإللكترونية ،رسالة لنيل دبلوم املاستر في القانون
العام ،جامعة املولى إسماعيل ،كلية العلوم القانونية والقتصادية واالجتماعية،
مكناس ،السنة الجامعية .7087/7088
حاتم الشعيري؛ اإلدارة اإللكترونية باملغرب بين عصرنة العمل اإلداري وعوائق
التطبيق ،رسالة لنيل دبلوم املاستر في القانون العام ،جامعة عبد املالك
السعدي ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،طنجة ،السنة
الجامعية .7003/7001
نجاة أيت بوكايو؛ تحديات اإلدارة املغربية ورهانات التنمية ،رسالة لنيل
الدراسات العليا املعمقة ،جامعة محمد الخامس ،كلية العلوم القانونية
واالقتصادية واالجتماعية ،أكدال ،الرباط ،السنة الجامعية .7009/7007
املقاالت:
-املكي دراجي؛ دور اإلدارة اإللكترونية في تطوير الخدمة العمومية واملرفق العام في
الجزائر ،مجلة العلوم القانونية والسياسية ،جامعة حمة لخضر ،الجزائر،7081 ،
عدد.82
-ملين علوطي؛ اإلدارة اإللكترونية للموارد البشرية ،مجلة بحوث اقتصادية عربية،
العدد.7001 ،47
-نصيرة ربيع؛ دور اإلدارة اإللكترونية في تفعيل مبدأ الشفافية ،مجلة الحقوق
والعلوم السياسية ،العدد ،1جامعة عباس لغرور ،الجزائر.7082 ،
-محمد البوعزاوي؛ تحديث اإلدارة الترابية باملغرب نحو ترسيخ الديمقراطية وكسب
رهان التنمية ،منشورات مجلة العلوم القانونية ،العدد .7082 ،3
املواقع اإللكترونية:
التقارير:
-وزارة تحديث القطاعات العامة ،تقرير حول ميزانية الوزارة برسم سنة،7003
نونبر.7001
السياق السياس ي واالجتماعي والثقافي الذي يتم استنباته فيه ،وإلى جانب السياقين
السياس ي واالجتماعي االيجابيين ،يتطلب تنزيل الورش أيضا نسج إستراتيجية رقمية
متكاملة.
وإذا كانت السلطات املعنية بورش تأهيل اإلدارة ملواجهة تحديات العوملة بكل
مفرزاتها ،قد نجحت وإلى حد ما في إدماج البعد التكنولوجي في سياق التدبير اإلداري
اليومي ،فإن املجهودات املبذولة في مجال إدماج البعد التكنولوجي كرافعة للنهوض
بالخدمة العمومية املوجهة للمرتفق ،ال زالت متواضعة ،ولن تسهم في إنجاح ورش التحول
الرقمي والذي يعول عليه كرافعة إلسناد النموذج التنموي الجديد ،وذلك بسبب مجموعة
وتأسيسا عليه ،تشكل اإلكراهات التي أثارها املجلس األعلى للحسابات سواء في
تقريره الصادر سنة 7089أو سنة 7083حول واقع الخدمات العمومية على الخط ،فرصة
للبحث عن مداخل ومقاربات لتفادي االختالالت التي تعيق التنزيل السليم لورش التحول
الرقمي.
وبالتالي ،فإن السؤال الذي يطرح نفسه يتعلق بطبيعة مداخل النهوض بورش
التحول الرقمي ،في سياق تجويد الخدمة العمومية املقدمة للمرتفق" املواطن /الزبون".
ولإلجابة عن هذا السؤال ،سأتطرق في (املطلب األول) إلى املتطلبات ذات الصلة
باإلعداد القبلي املادي لالستراتيجيات الرقمية خاصة محور اإلدارة الرقمية ،على أن أتطرق
في (املطلب الثاني) إلى آليات اإلسناد ذات الصلة ببيئة اإلدارة العمومية املغربية واملجتمع
املغربي.
املطلب األول :املتطلبات ذات الصلة بدورة حياة 98اإلستراتيجيات الوطنية الرقمية.
واملعلوميات ،وهو ما يتطلب تبني مقاربة مندمجة إلعداد وتنفيذ االستراتيجيات الوطنية
الرقمية ،وتستند هذه املقاربة املندمجة على أربعة محاور ،اعتبرتها OCDEمبادئ موجهة
- 98تشير دورة حياة االستراتيجية الى مختلف المراحل التي تمر منها االستراتيجية بدءا من اإلعداد وانتهاء بالتقييم.
99-Christine Aïdonidis, Giorgio Pauletto : « e-administration : enjeux et facteurs clés de succès ». Observatoire
technologique. Genève. ,v1,2007. P :19
-الحكامة الجيدة.
وهي املبادئ املوجهة ذاتها ،وغيرها)100(،التي سبق أن أشار اليها االتحاد األوروبي ،في
إحدى دراساته)101(،معتبرا إياها مفاتيحا إلنجاح ورش التحول الرقمي باإلدارة العمومية.
وبالتالي ،فيمكن تفييئ هذه املبادئ املوجهة ،إلى مبادئ موجهة أثناء صياغة
االستراتيجيات الرقمية ،تتعلق أساسا بالحكامة املتعددة األبعاد (الفرع األول) وأخرى،
الحقة بالتبعية ،تتعلق لزوما بضرورة إرساء سياسة عمومية لفتح البيانات وضمان أمنها
واستدامتها(الفرع الثاني).
لقد تطور مفهوم الحكامة عبر مراحل تاريخية،إذ ظهر هذا املفهوم ألول مرة ،في بداية
القرن العشرين ،في إطار السجال الذي كان قائما بين رجال االقتصاد ،حول إستراتيجيات
تدبير قطاع املال واألعمال ،ليتوسع املفهوم في أواخر الثمانينات ،ليشمل أيضا التنمية
- 100المشاركة.
-إشاعة الثقة الرقمية.
-العدالة المجالية الرقمية.
101- Union européenne Breaking Barriers to e-Government : Etude publiée le 16.08.2006 disponible sur le site
وفي مجال التدبير اإلداري الحديث ،وسعيا لتفعيل توصيات الهيآت املانحة ،في
مجال تحقيق الحكامة الجيدة ،صارت أجندات إصالح وتحديث القطاع العام في البلدان
النامية مهتمة أكثر بتدعيم البناء املؤسساتي وتعزيز القدرات البشرية عبر تبني إستراتيجيات
إن مكامن القصور التي واكبت التنزيل السليم لالستراتيجيات الرقمية املتعاقبة في
املغرب )102(،واملتعلقة بالسياق العام إلعداد وتنفيذ وتقييم االستراتيجيات الرقمية التي
تم تبنيها باملغرب خاصة في املحور املتعلق بالتحول الرقمي باإلدارة العمومية ،تحتم إذن
العمل على إعادة النظر في آليات إعداد االستراتيجيات الرقمية ،باعتبارها اإلطار العام
الذي يوجه سياسة الدولة في مجال التحديث اإلداري.وبالتالي ،إصالح إطار الحكامة
الرقمية مع تحديد واضح لالختصاصات (الفقرة األولى) وإشراك مختلف الفاعلين (الفقرة
الرقمية ( )103التي تم تبنيها باملغرب على إحداث هياكل يعهد لها قيادة ورش التحول الرقمي
األربعة)104(: بمحاوره
الرقمية).
لكن ،هياكل قيادة االستراتيجيات الرقمية هذه لم تضطلع بدورها )105(،وهو ما شكل
عائقا أمام إطالق أغلب املشاريع الرقمية للمحاور األربعة خاصة محور تقريب الخدمات
وبعد أن تعرفنا مظاهر قصور عمل هيآت قيادة حكامة القطاع الرقمي ،بمناسبة
غير أنه ولإلجابة عن هذا السؤال ،البد أوال ،أن نحدد مفهوم الحكامة الرقمية،
ومعايير الحكامة الجيدة ومؤشرات قياسها ،على أن نمر بعد ذلك ،لإلجابة عن سؤال آليات
إصالح إطار هيآت الحكامة الرقمية لتفادي سيناريو الفشل الذي واكب تنزيل استراتيجيتي
7080و 7089
تعرف الحكامة الرقمية ،على أنها ذلك التفاعل القائم بيت ثالث عناصر أساسية،
وهي؛
- 105لم يعقد المجلس الوطني لتكنولوجيا االتصاالت والمعلوميات إال ثالث اجتماعات في الفترة الزمنية الممتدة بين 0310/0330 :في حين أن المادة
الرابعة من المرسوم 30 31- 444تنص على ":أن المجلس يعقد جلساته بناء على طلب رئيسه ،كلما دفعت الحاجة الى ذلك ،ومرتين في السنة على
األقل".
-افتقاد لجنة الحكومة االلكترونية للقدرة على اتخاذ القرارات التحكيم والتحكيم.
-عدم إشراك وزارة إصالح اإلدارة وتحديث الوظيفة العمومية في مهام توجيه مشاريع اإلدارة الرقمية.
-السياسيةPolicy.
الدليل املرجعي الذي يتم اعتماده لضمان الحكامة الرقمية الجيدة لتدبير املشاريع الرقمية،
كما وتشمل الوثيقة اإلطارين النظري والعملي إلعداد إستراتيجيات رقمية داعمة للتحول
الرقمي باإلدارة العمومية ،ومن املعايير التي يجب أن( )108تؤخذ بعين االعتبار في معرض
)Primer 2009
-املسؤولية.
-الشفافية.
-سيادة القانون.
-االنصاف.
- 106ذ.محمد حركات " :الحكامة والتدبير العمومي الجديد بالمغرب " منشورات المجلة المغربية للتدقيق والتنمية سلسلة التدبير االستراتيجي الغدد 6
0332ص .00
- 107تم إعداد الوثيقة من طرف البنك الدولي سنة ،0336وثم نشرها سنة ،0330في إطار دعم مشروع تكنولوجيا المعلوميات في خدمة التنمية في البلدان
النامية.
- 108د.ادريس الكتاني ،د.برنار موالن " :تكنولوجيا الحاسوب في خدمة الحكامة الجيدة والتنمية في البلدان النامية " منشورات جامعة األخوين افران
المغرب 0314ص.77:
آليات إصالح إطار حكامة محور تقريب الخدمات الرقمية املوجهة للعموم
(اإلدارة الرقمية).
بما أن التحول الرقمي باإلدارة العمومية املغربية منعطف استراتيجي مفصلي يرهن
مستقبل التحديث اإلداري باملغرب على املدى البعيد ،فال شك والحالة هذه أن من شأن
إصالح إطار الحكامة إنجاح هذا الورش الوطني .وعليه ،يقتض ي إنجاح هذا االستحقاق،
-إشراك وزارة اصالح وتحديث اإلدارة العمومية بشكل مباشرة لتنفيذ كافة املشاريع
الرقمية)109(. املتعلقة بمحور اإلدارة
-ضرورة استقرار وزرارة إصالح اإلدارة والوظيفة العمومية ،وعدم ضمها إلى وزارة
أخرى حتى يتسنى لها تنفيذ وتتبع مشاريعها الرقمية املوجهة للعموم.
-ضرورة إصدار قانون داخلي يحدد قواعد اشتغال لجنة الحكومة االلكترونية كما
-إعادة النظر في تشكيلة لجنة الحكومة االلكترونية املشاركة بين الوزارات بهدف
- 109تجدر اإلشارة إلى أنه تم استثناء وزارة تحديث اإلدارة من مباشرة تنفيذ ا لمحور الثاني المتعلق باإلدارة الرقمية أتناء تنفيذ إستراتيجية المغرب الرقمي
، 0310رغم أنه تم إشراك ذات الوزارة لإلشراف على تسيير برنامج " " IDARATIالذي أعلن عنه سنة ، 0313أي خالل تنفيذ إستراتيجية المغرب
االلكتروني . 0313
-تشجيع وكالة التنمية الرقمية على إحداث فروع لها على كافة الجهات.
-إشراك ممثلين عن كافة القطاعات املعنية بتحديث اإلدارة في مختلف مراحل إعداد
-إشراك ذوي الكفاءات واألطر املنتمين إلى القطاعات اإلدارية في إدارة املشاريع
الرقمية.
-إضفاء الطابع الرسمي على املراسالت واملستندات املتعلقة بإطالق املشاريع املتبادلة
بين مختلف الجهات املعنية بتدبير مشاريع التحول الرقمي باإلدارة العمومية لتعزيز معيار
الشفافية.
فإن املقاربة التشاركية تمكن أيضا من " استفزاز االحتجاج بشكل قبلي ،وبالتالي يحمي
- 110القانون ( 61.16الظهير الشريف رقم 1-17-07الصادر بتاريخ 1ذي الحجة 1401الموافق ل 03غشت ) 0317الجريدة الرسمية 6634الصادر
بتاريخ 00ذو الحجة 1401الموافق ل 14شتنبر . 0317
111- Célie GODE-SANCHEZ : « la démocratie participative, outil d’aide à la décision publique » in « administration,
ومن ثم ،فتجاوزا للوقوع في مطبات مقاومات السياسات الغير التشاركية ،في معرض
تنزيل ورش التحول الرقمي باإلدارة العمومية املغربية ،البد من تبني خيار إشراك ومشاركة
كافة املعنين؛ (قطاع خاص ،املرتفق واملقاولة ،ممثلي الجهات والجماعات الترابية):
يمثل القطاع الخاص محور العملية التنموية ،بالنظر ملا يمتلكه من إمكانيات مادية
والمادية تؤهله التخاذ زمام املبادرة في مجاالت شتى؛ (تحسين البيئة االستثمارية ،تحفيز
يشكل التدبير التشاركي منهجا فعاال يقطع مع أسلوب األحادية واملركزية في اتخاذ
القرارَّ ،
ويمكن من إرساء جو من التعاون ،والتشارك ،واملساهمة الجماعية في صنع القرار
االستراتيجية)113(، بما يخدم مصلحة الجميع ،وباألخص ما يرتبط بتنزيل البرامج القطاعية
إذ أبانت التجارب ،محدودية تأثيرات البرامج التنموية املوجهة لألفراد املستهدفين دون
إشراكهم في مسلسل صياغة القرار العمومي ،وهو ما يؤكد فشل نظرية من األعلى إلى
الفوق ،والذي يعني ،أن الدولة تتواجد على هرم صياغة القرار العمومي وأن التنفيذ يتم
املستهدف)114(. عبر إشراك املواطن
- 112تختلف المشاركة عن اإلشراك ،فالمشاركة بصفتها الية لصنع السياسات العمومية تعني االنخراط التلقائي ،أما اإلشراك فيقوم على تحفيز وإثارة
واستفزاز وحمل طرف غير معني لسبب من األسباب قصد دفعه وحثه على المشاركة.
- 113د.محمد أبو الوفا " :السياسات العمومية والمرتكزات الدستورية للديمقراطية التشاركية :أي دور للمجتمع المدني بين الواقع والطموحات " أطروحة
لنيل الدكتوراة في القانون العام ،جامعة الحسن األول ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية ،السنة الجامعية ،0311/0317ص. 416 :
- 114د.مصطفى المناصفي :المجتمع المدني والديمقراطية التشاركية" مجلة نوافد ،عدد مزدوج ( ) 24/20يناير ، 0310ص. 171-177 :
التشريع ذات الصلة بالتحول الرقمي باإلدارة ،والذي يعد من جهة ،مرتكزا أساسيا
االستراتيجية .و من جهة أخرى ،مؤشرا كفيال بتنظيم العالقة بين الدولة واملواطن.
()115
- 115ينص الفصل 14من دستور المملكة المغربية 0311على ما يلي " :المواطنات والمواطنين ،وضمن شروط وكيفيات يحددها قانون تنظيمي الحق
في تقديم ملتمسات في مجال التشريع".
- 116من قبيل إحداث موقع الكتروني رسمي برئاسة الحكومة الستقبال العرائض كما هو الحال في بعض البلدان مثل بريطانيا ،اسكتلندا.
- 117ينص الفصل 10من دستور المملكة المغربية 0311على ان السلطات العمومية تعمل على إحداث هيآت للتشاور قصد إشراك مختلف الفاعلين
...في إعداد السياسات العمومية"...
الخضراء ،أصبح موضوع الجهوية يكتس ي اهتماما حقيقيا باملغرب ،باعتباره إطارا مالئما
لبلورة استراتيجية بديلة للتنمية االقتصادية واالجتماعية )118(،على اعتبار أن الجهة هي
الفضاء الذي البد منه لتنسيق برامج التنمية ،والذي ليس بمقدور ال الدولة وال الجماعات
به)119(. املحلية األخرى القيام
وبما أن الجهة ،ليست فقط مؤسسة جهوية المركزية يدير شؤونها مجلس جهوي
لتدبير شؤونها وحسب .لكنها أيضا ،هيئة إدارية تمارس نشاطا إداريا لتلبية الحاجيات،
واملتطلبات اليومية للمتعاملين معها من مواطنين ومستثمرين ورجال ألعمال ،وتسهم في
تحديث أجهزة الدولة وفي إغناء املشهد املؤسساتي واإلداري ،وتكوين نخبة من املوظفين
على صعيد الجهة،وفي دعم قدرة الالمركزية الجهوية على املنافسة وتعزيز الحكامة الترابية
فهي مدعوة اليوم العام)120(. والدفع بنظام عدم التمركز اإلداري وترسيخ ثقافة املرفق
وبقوة لالنخراط في مجال تطوير وتوطين الخدمات الرقمية الجهوية على املستوى الجهوي
مع العمل على إدماجها في صلب االستراتيجيات الرقمية الوطنية ،لالستجابة عن قرب
ملختلف حاجيات املرتفقين واملقاوالت املعبر عنها محليا،حتى ال يتم تكرار نفس الخطأ الذي
-118د.إبراهيم الزيتوني " :رهانات وآفاق الجهوية على ضوء القانون التنظيمي للجهات " مجلة مسالك العدد 04و 0312. 00ص.136 :
- 119د.عبد العزيز أشرقي " :الجهو ية الموسعة ،نمط جديد للحكامة الترابية والتنمية المندمجة" الطبعة األولى ،منشورات مطبعة النجاح الجديدة ،الدار
البيضاءً .ص.46:
- 120د.خليل اللواح " :دور اإلدارة في تحسين مناخ األعمال بالمغرب" مرجع سابق ص.000 :
واكب إعداد إستراتيجية املغرب الرقمي ،7089واملتمثل في " عدم إشراك ممثلي الجهات"
الفرع الثاني :إرساء سياسة عمومية لفتح البيانات واملعطيات وضمان استدامتها.
امتدادا له ،بعدا حقوقيا دشنه االنتشار الواسع النطاق للمد الرقمي ،ويعود الفضل في
املنفتحة()122 انتشار حركية املعطيات املفتوحة،إلى مبادرة الشراكة من أجل الحكومة
وفي املغرب ،فقد تم تكريس الحق في الحصول على املعلومات ،واملعطيات ،والولوج
- 121تقرير المجلس األعلى للحسابات يشأن " :تقييم إستراتيجية المغرب الرقمي " 0310مرجع سابق ص.10:
- 122هي شبكة تضم عدة أطراف ،تم اإلعالن عنها بتاريخ 03شتنبر ،0311بمناسبة الجلسة االفتتاحية السنوية للجمعية العامة لألمم المتحدة في نيويورك،
من قبل ثمان دول هي (:المكسيك ،النرويج ،إندونيسيا ،المكسيك النرويج ،البرازيل ،الفلبين ،بريطانيا ،جنوب إفريقيا ،الواليات المتحدة االمريكية) ،ووصل
عدد الدول التي انضمت للمبادرة سنة 62( 0312دولة) ،ويشترط لالنضمام إلى المبادرة ما يلي:
الشفافية المالية
الوصول إلى المعلومات
نشر التصريحات الخاصة بالممتلكات.
مشاركة المواطنين في صنع السياسات العمومية.
- 123ينص الفصل 72من دستور المملكة المغربية ل 7122على أن " :للمواطنين والمواطنات الحق في الولوج الى المعلومات التي بحوزة اإلدارة
العمومية و الهيا ت المنتخبة والمؤسسات المكلفة بمهمة من مهام الخدمة العمومية"...
- 124تم في إطار التحول الرقمي لإلدارة العمومية إنشاء وزارة الصناعة والتجارة والتكنولوجيات الحديثة اول نسخة من موقع عمومي يشكل قاعدة
بيانات سنة 0311أطلق عليه Data.Gov.maومن الغايات الكبرى للموقع تجميع المعطيات المفتوحة المتناثرة في مواقع مختلفة في موقع واحد بشكل
يجعلها قابلة لالستغالل وإعادة االستغالل.
غير أن تعزيز حق املواطنين في الولوج إلى املعطيات املفتوحة ،من وجهة نظر
اعتبارا بأن القانون وليد البيئة التي يتم سنه فيها ،فهو يتأثر ويتفاعل بالسلب
واإليجاب معها ،والقانون الذي ال يواكب التطور االجتماعي واالقتصادي والثقافي ،هو
بقاءه)126(. قانون فاشل وال يمتلك سبب
وعليه ،فإن تجويد القوانين الحالية )127(،مع العمل على ضمان تناغمها مع بعضها
البعض ،يشكل شرطا واقفا إلرساء سياسة عمومية للمعطيات املفتوحة ،وضمان
استدامتها ،وبالتالي فرصة محفزة على مواكبة اإلدارة لبراديكم التحول الرقمي.
وبما أنه يستعص ي تسريع وثيرة وحركية املعطيات املفتوحة ،في ظل نصوص قانونية
متقادمة تشجع على االنغالق والتستر ،فإلرساء سياسة عمومية لفتح البيانات واملعطيات
" - 125المعطيات المفتوحة :تحرير المعطيات المفتوحة في خدمة النمو والمعرفة " تقرير المجلس االقتصادي واالجتماعي والبيئي إحالة ذاتية رقم
.0310/14ص .13
-126كمال العياري " :دور التكنولوجيا في مجال اإلثبات " مجلة القضاء والتشريع العدد الرابع وزارة العدل وحقوق االنسان لتونسية ،أبريل 0331ص
.04
-127القانون 20-32المتعلق بالتبادل اآللي للمعطيات.
-القانون 01-10المتعلق بالحصول على المعلومة ( :الظهير 1.11.12الصادر بتاريخ 2جمادى االخرة 1400الموافق ل 00فبراير ، 0311المنشور
بالجريدة الرسمية عدد 6622بتاريخ جمادى اآلخرة 1400الموافق ل 10مارس . 0311
-القانون 30-31المتعلق بحماية المعطيات الشخصية
-القانون 00-60المتعلق باألرشيف الظهير 1.37.167الصادر بتاريخ 10دي القعدة 1401المنشور بالجريدة الرسمية رقم 2211بتاريخ 03دجنبر
.0337
التكتم املنهي،والذي غذا السبب الذي تتذرع به اإلدارة ملنع املرتفق من الحصول على
املعلومة ،وهو ما يجعل املرتفق " عاجزا عن التواصل معها ،و ال يمكنه الحصول على
الوثائق التي تلزمه إال في إطار التدخالت والعالقات الزبونية التي توسع هامش املحسوبية
()130 والغش واملحاباة ".
أساسية للتحول الرقمي باإلدارة العمومية،إذ ينص في املادة األولى" :يحدد هذا القانون
النظام املطبق على املعطيات القانونية التي يتم تبادلها بطريقة إلكترونية ،وعلى املعادلة
بين الوثائق املحررة على الورق ،وتلك املعدة على دعامة إلكترونية ،وعلى التوقيع
الكترونية ،إسوة منه باملشرع املدني الفرنس ي)133( ،كما لم يقم القانون 29-09أيضا بتبيان
نوع املسؤولية()134التي تترتب على كاهل جهات املصادقة االلكترونية ،إذ لم يخصها بقواعد
- 128ينص الفصل 11من ظهير 1.21.331على ما يلي :بقطع النظر عن القواعد المقررة في القانون الجنائي ،فيما يخص السر المهني ،فان كل موظف
يكون ملزما بكتم سر المهنة فيما يخص االعمال واالخبار التي يعلمها أثناء تأدية مهامه او بمناسبة مهامها (.)...
- 129ظهير شريف رقم 1.21.331 :بمثابة النظام األساسي للوظيفة العمومية .الصادر بتاريخ 04فبراير 1021بالمنشور بالجريدة الرسمية عدد 0070
بتاريخ ، 1021ص . 601
-130د.ميمون خراط " :الحق في الحصول على المعلومة بين الضرورة المجتمعية والتعامل الرسمي بعد إقرار الدستور الجديد " منشورات المجلة المغربية
للسياسات العمومية،دفاتر حقوق اإلنسان العدد األول 0310،ص . 66
- 131ظهير شريف رقم 1.37.100صادر في 10من ذي القعدة 03( 1401نونبر )0337بتنفيذ القانون رقم 20.32المتعلق بالتبادل اإللكتروني
للمعطيات القانونية .الجريدة الرسمية عدد 2214بتاريخ 02ذو القعدة 6( 1401ديسمبر ،0337ص .0170
- 132بخالف المشرع المغربي ،عرف المشرع التونسي في الفصل 11من قانون المبادالت والتجارة االلكترونية الشهادة االلكترونية على أنها " وثيقة
مؤمنة بالتوقيع االلكتروني من طرف الشخص الذي أصدرها ،والذي يشهد من خاللها على صحة البيانات التي تتضمنها".
- 133د.أحمد ادريوش :تأمالت حول قانون التبادل اإللكتروني للمعطيات القانونية ،عناصر لمناقشة مدى تأثير القانون 32-20على قانون االلتزامات
والعقود ،منشورات سلسلة المعرفة القانونية ،1403/0330 ،ص.20.
- 134اذ يطرح التساؤل التالي :ما هي طبيعة مسؤولية الجهات المعنية بالمصادقة في حالة اإلخالل بواجباتها ،هل سيتم تكييف ذلك على أساس المسؤولية
العقدية الناجمة عن اإلخالل بالتزام تعاقدي؟ أم ،سيتم تكييف ذلك على أساس مسؤولية تقصيرية بنيت على أساس اإلخالل بواجب قانوني ،أو التزام ببدل
عناية نتيجة اإلهمال والتقصير؟
خاصة ،في حالة اإلخالل بواجبها ،ومنه ،يكون قد ترك قواعد املسؤولية املدنية لتطبق
األغيار)135(. على جهات املصادقة االلكترونية ،تجاه املتعاقدين مع هذه الجهات أو تجاه
وفي السياق ذاته ،وإلرساء سياسة عمومية لفتح البيانات واملعطيات ،وضمان
استدامتها ،البد من إيالء العناية الالزمة بالحق في حماية املعطيات ذات الطابع الشخص ي،
كيفما كانت طبيعتها وبغض النظر عن دعامتها)136(.فإذا كانت املعطيات وقود التحول
الرقمي باإلدارة العمومية،فإنها في املقابل عرضة ملختلف أنواع املعالجة ()137التي قد تفتقر
للسند القانوني.
* ضعف الوعي عند املواطنين أوال بتواجد قانون مؤطر لهذا املجال أصال.
* مدى نجاعة هذا القانون في استرجاع الحقوق ،بالنظر إلى طول املساطر اإلدارية.
ال يكتس ي األرشيف صفة املحافظ على حقوق األفراد واملؤسسات فقط ،بل هو
أيضا إرث ثقافي مشترك،يستدعي حفظه لألجيال الالحقة ،ولعل تجربة الدولتين االستونية
والفنلندية لخير دليل على مدى اهتمام األنظمة املتقدمة باألرشيف كحافظ للذاكرة
-135د .صليحة حاجي " :اآلليات القانونية لتكريس األمن المعلوماتي " مجلة العلوم الجنائية العدد الثاني .0312 ،ص.04:
- 136المادة األولى من القانون . 30-31
137يقصد بالمعالجة بحسب منطوق المادة األولى من القانون 31-30ما يلي :التجميع ،التسجيل ،الحفظ ،االستخراج ،االطالع ،االستعمال ،االيصال ،أو
أي شكل من أشكال إتاحة المعلومات أو التقريب البيني ،وكذا اإلغالق أو المسح أو اإلتالف.
الجماعية ،إذ أحدثت الدولتين نموذج قنصليتين رقميتين افتراضيتين ،تحويان أرشيف
وفي السياق املغربي،يبقى تدبير األرشيف العامة إكراها قائما بذاته ،فرغم صدور
الذاكرة املغربية في جميع مجاالتها ،فإنه في مقابل ذلك الزال من جهة مرتهنا "لذاكرة
املوظف"()139
وعليه ،يشكل إصدار قانون لألرشيف الرقمي()140مرجعا قانونيا من شأنه اإلسهام في
إرساء سياسة عمومية لفتح البيانات واملعطيات وضمان استدامتها ،نظرا لدوره في تحقيق
-القدرة على مشاركة املعطيات بين أكثر من إدارة واحدة ،وهو ما قد يسهل حركية
- 138تم إصدار القانون في إطار تفعيل توصية هيئة االنصاف والمصالحة ،لالستزادة يمكن االطالع على :التقرير الختامي لهيئة االنصاف والمصالحة
والذي حمل عنوان :مقومات توطيد اإلصالح والمصالحة ،الكتاب الرابع الصادر بتاريخ 03نونبر ، 0332ص.01 :
- 139المعطيات المفتوحة " :تحرير المعطيات المفتوحة في خدمة النمو والمعرفة " مرجع سابق ،ص.63 :
- 140يعرف االرشيف الرقمي l’archive numériqueعلى أنه :أرشيف على سند ورقي تم حفظه وتخزينه الكترونيا إما بالمسح أو بالتصوير ليصبح
وسائط الكترونية موثوق بها.
-إمكانية جمع كافة أنشطة وخدمات األرشيف الرقمي بصورة تفاعلية في حيز واحد.
اإلدارة العمومية وبدون منازع تعتبر املنتج واملمتلك في اآلن ذاته للمعطيات ،هذه
()142 وتفريعا لذلك ،فإن هذه املعطيات يمكن أن تكون عبارة عن:
ميزانية)...
-141د.جمال شعبان " :األرشيف اإلداري الرقمي أساس اإلدارة االلكترونية " مجلة اعلم العدد السادس عشرة 0316،ص.10 :
142-Meszaros BRANISLAV, Samath SITTHIDA, Guerin-HAMDI SONIA, Faure CELINE : «le livre blanc sur
les données ouvertes ». Publication de l’Institut des Sciences de l’Homme. Lyon, France 2015. P : 20.
-معطيات حول أداء شبكات الخدمات الحضرية( :النقل ،الكهرباء ،املاء ،الطاقة،
االتصاالت)...
-معطيات انتخابية.
وللنهوض بتدبير هذه املعطيات في املغرب ،البد من توفير بنية مؤسساتية يسند لها
مهمة اإلشراف على عملية تدبير املعطيات املفتوحة ،على أن يتم استحضار التوجهات
التالية)143(:
-اختيار هيئة قائمة ،ال خلق هيئة جديدة قد تتطلب إمكانات مادية وبشرية وآجاال
-إناطة تحديد وتدبير الجوانب اللوجستية لألعمال املتعلقة بفتح املعطيات العمومية
املطلب الثاني :إعادة النظر في آليات اشتغال اإلدارة العمومية ،ومداخل التمكين
املجتمعي.
على الرغم من أهمية الحكامة الرقمية بأبعادها كاملة ( )144في النهوض بمجال إنجاح
ورش التحول الرقمي باإلدارة العمومية املغربية ،إال أن تبني هذه املقاربة لوحدها تبقى
قاصرة على تحقيق األهداف املرجوة ،ومن ثم ،يستدعي إنجاح ورش التحول الرقمي
-143تقرير المجلس االقتصادي واالجتماعي البيئي " :المعطيات المفتوحة :تحرير المعطيات المفتوحة في خدمة النمو والمعرفة" مرجع سابق ص60 :
-144المقاربة التشاركية ،المسؤولية والشفافية ،المنظور االستراتيجي الرقمي ،الشفافية الرقمي ،البعد الحقوقي واألمني الرقمي ،سلطة القانون.
يشكل تعزيز اإلدارة بوسائط االرتباط املعلوماتي (الفقرة األولى)،إلى جانب تنمية
وتمكين الرأسمال اإلداري البشري (الفقرة الثانية) ،ثم تدبير إشكالية مقاومة التغيير
التنظيمي(،الفقرة الثالثة) مداخال من شأنها إسناد ورش التحول الرقمي باإلدارة العمومية
املغربية.
إن قدرة مجتمع املعلومات)145(،على دخول بيئة الفضاء املعلوماتي ترتبط إلى حد
أي قدرة املجتمع على االستيطان بمؤسساته االلكترونية)146(، كبير بمستوى الجاهزية
وأفراده،داخل الفضاء املعلوماتي ،لكن القدرة على االستيطان في الفضاء املعلوماتي ،ال
يمكن أن تتحقق إال في ظل توفر بنية تحتية ()147كافية في مجال االتصاالت والبيانات ،ثم
بنية تحتية حديثة لالتصاالت السلكية والالسلكية ،قادرة على استيعاب مع جميع أشكال
145يستند عموما تحديد مفهوم مجتمع المعلومات بالرجوع إلى مجموعة متنوعة من المقومات التي تتألف منها ماهيته( ،المقصود هنا مجتمع المعلومات)،
ويرتكز عليها بنيانه الرقمي .وفي حالة انعدامها فإنها تعتبر عقبة تقنية واجتماعية على حد سواء ،أمام الكيانات االجتماعية التي تصبو إلى االنتقال من
المجتمع التقليدي إلى المجتمع الرقمي .وبصورة عامة فإن هذه المقومات التي يرتكز عليها مفهوم مجتمع المعلومات هي:
-البنية التحتية للمعلومات واالتصاالت.
-الثقافة والقدرة على التعامل مع الوسائط الرقمية.
-المعلومات والخدمات الرقمية المتاحة.
- 146د.حسن مظفر الرزو " :الفضاء المعلوماتي " مركز دراسات الوحدة العربية ،الطبعة األولى 0331 ،ص.010 :
147استخدم اصطالح البنية ا لتحتية خالل العقد الثاني من القرن العشرين ،وتحديدا سنة 1001للداللة أو لوصف كيان من الكيانات التقنية ،ليتوسع إطالق
المفهوم على مجموع الموارد الالزمة لتنفيذ نشاط معين.
والمقصود بالبنية التحتية الرقمية:
األدوات والمعدات المعلوماتية( :الحواسيب /المعدات الشبكاتية).
األنساق المستخدمة لضمان متطلبات البيئة الرقمية( :البيانات /البرمجيات /األجهزة الخدمية).
الشبكات المعلوماتية.
األنشطة التواصلية ،من جهة ،بين اإلدارات بعضها ببعض ،ومن جهة أخرى ،بين اإلدارة و
-سهولة الولوج عبر القنوات االتصالية املتوفرة (شبكات داخلية ،شبكات خارجية،
شبكة االنترنت).
إحداث بنية تحتية تتصف بمواصفات الجودة ،والعمل على " توفيرها في كل اإلدارات
العمومية والوحدات الترابية ،وذلك عن طريق إتاحتها في األسواق بأثمنة معقولة تتيح
ملعظم املرتفقين الحصول عليها ،حتى يتمكنوا من االستفادة من الخدمات التي تقدمها
()149 اإلدارة االلكترونية.
- 148فيما يخص درجة تجهيز اإلدارات العمومية بالمعدات فقد سجل تقرير المجلس األعلى للحسابات ل 0310المالحظات التالية:
* هيمنة المواقع االلكترونية التفاعلية.
* قلة الحواسيب.
* تقادم األجهزة االلكترونية المستعملة باإلدارات العمومية في مقابل التطور التكنولوجي الغير متحكم فيه.
* عدم االهتمام بخدمات بعد الخدمة (صيانة المعدات).
-149الباحث حاتم الشعيري " :اإلدارة االلكترونية بين عصرنة العمل اإلداري وعوائق التطبيق " .رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام تخصص
اإلدارة والمالية العامة .جامعة عبد الملك السعدي ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،طنجة ،ص .100 :السنة الجامعية .0330 / 0331
الفقرة الثانية :تنمية الرأسمال البشري باإلدارة العمومية لقيادة ورش التحول
الرقمي.
على الشأن العام العمل على مواجهته)150(،على اعتبار أن العنصر البشري ليس أحد عوامل
اإلنتاج فقط ،بل هو استثمار حقيقي ومنتج للقيمة املضافة حاضرا و مستقبال ،ومن شأن
()151 تمكينه في مجال التكنولوجيا اإلسهام في " تحسين نسق العمل والتنظيم باإلدارات".
وفي سياق تبني املغرب إلستراتيجيتي " املغرب الرقمي ،" 7089و " املغرب الرقمي
ُ
" 7070فقد اعت ِبر محور تكوين وتأهيل الكفاءات152إن على مستوى الكم أو الكيف دعامة
ُ
()153 لدعم ورش التحول الرقمي ،إذ ِاعتبر تكوين وتأهيل الكفاءات من التدابير املواكبة
ذات األولوية لتنزيل املحور الرابع )154(،غير أنه لم تخصص أي ميزانية لتنفيذ التدبير األول
البشري)155(. املتعلق بتنمية الرأسمال
باملغرب ما يلي:
150- « stratégie e-Maroc 2010 Réalisations, Orientations, et Plans d’actions ; réussir notre société de l’information et
du savoir » op cité. p : 68.
- 151د.حميد ابوالس " :تدبير الموارد البشرية :نموذج اإلدارة الجماعية " دار القلم للطباعة والنشر والتوزيع .الطبعة األولى 0332 .ص.017 :
152- « Transformation numérique et maturité des entreprises et administration marocaine ». Rapport de l’Institut Royal
-إحداث آلية لتوجيه ،وتتبع تنفيذ وتقييم مخططات التكوين في قطاع تكنولوجيا
االتصاالت واملعلومات.
باإلدارات العمومية.157
إذا كانت الخبرة التقنية واإلطار القانوني واملؤسساتي محددات حاسمة إلنجاح
ورش التحول الرقمي باإلدارة العمومية ،فإن أهميتها ،ال تقل عن أهمية االنخراط الشامل
لكافة املكونات املجتمعية( ،سياسيين ،مرتفقين ،قطاع خاص ،إداريين ،مجتمع مدني)...
فليس على السياس ي أن يكون ملما بالضرورة بالتكنولوجيا حتى يمكنه دعم التحول الرقمي
باإلدارة العمومية ،بل إن كل ما عليه فعله هو إعادة بنينة " سلوكه السياس ي)158( " ،أي
العمل من موقعه على إقناع ودفع جيوب املقاومة داخل اإلدارة لتسهيل االنتقال من
التسيير التقليدي إلى التدبير اإلداري الحديث ،وينسحب األمر ذاته على املرتفق ،وباقي شركاء
156
- « stratégie e-Maroc 2010 Réalisations, Orientations, et Plans d’actions ; réussir notre société de l’information et
du savoir » op cité. P : 83.
-157من التجارب في المجال تجربة الواليات المتحدة األمريكية التي أطلق عليها Girls who codeوالتي توخت تكوين 733.333طالبة جامعية بمعدل
033ساعة سنوية وإدماجهن في سوق الشغل باإلدارات والمقاوالت الخاصة.
-158د.جوردون مارشال " :موسوعة علم االجتماع " المجلد األول ،الطبعة الثانية . 0331 ،ترجمة المجلس األعلى للثقافة ،المشروع القومي للترجمة.
ص 733
اإلدارة العمومية ،ألن تدبير التغيير هو في حقيقة األمر جهد مشترك ،يستدعي انخراط
الجميع.
يعد املجتمع الرقمي مظهرا لهيكلة اجتماعية من نوع جديد ،برزت بوصفها نتيجة
حتمية ملتطلبات عصر املعلومات ( ،)159ورغم أن املجتمع الرقمي كمفهوم غير محصن
بمشروعية مفاهيمية ،لكن تداوله وارتباطه بالثورة التكنولوجية جعل منه مفهوما
مألوفا)160(.
األولى) وإرساء العدالة املجالية الرقمية(،الفقرة الثانية) ثم تأهيل حضائر الولوج املجتمعي
-159د.حسن مظفر الزرو " :الفضاء المعلوماتي " مرجع سابق ص .040
160-
Isabelle Compiègne : « La société numérique en question(s) » collection petite bibliothèque. Edition science,
2010.p :7
وعليه ،فإن العديد من الجهود تبدل حاليا في سبيل إنجاح أوراش التحول الرقمي
باإلدارات بالعديد من الدول( .)164ويبقى اإلعالم( )165واحد من تلك الجهود ،من جهة ،على
اعتبار أن " الوظيفة اإلعالمية تتجسد في حل املشكل الجوهري الذي يعاني منه املواطن -
كمعاق قانوني -أمام اإلدارة 166" ،ومن جهة أخرى،ملا لإلعالم من سطوة على الجمهور،
وهو ما أشار إليه Wright Millsفي كتابه (the power Eliteقوة النخبة)الصادر بتاريخ
- 161ال شك أن عدد كبير من المرتفقين يجهلون الخدمات الرقمية التي تم إطالقها على www.service-public.maوهو ما يعيق االنتقال من ثقافة "
وجه لوجه " التي يفضلها عدد كبير من المرتفقين ،إلى ثقافة الخدمة عن بعد .وبالتالي فإن اإلعالم الرقمي المتخصص هو إعالم من شأن اعتماده توعية
المرتفق بالخدمات التي تقدمها اإلدارة الرقمية وتدريبه على كيفية تدبيرها.
162-تم تمويلها من طرف البنك الدولي ومن تلك التجارب مثال :
تجربة دولة والزاييروالزمبابوي وساحل العاج حول إدماج التقنيات الحديثة في الفالحة عبر قناة خاصة () télé pour tousوقد أسهمت القناة
في تحقيق النتائج التالية:
-الحد من الهجرة القروية.
-فك العزلة عن المجال القروي.
-النهوض بقطاع الفالحة االستهالكية.
تجربة اإلعالم الصحي التي تم تبنيها بالسنغال وقناة yourhealthالنيجيرية وقد أسهمت القنوات في تحقيق النتائج التالية:
-التوعية باألمراض المنقولة جنسيا.
-التعريف بمرض المالريا.
-األمراض التي تصيب األطفال في مراحلهم العمرية األولى (:الحصبة ،جدري الماء)...
-التوعية الغدائية.
تجربة التعليم عن بعد l’enseignement à distanceبالمغرب ،وتجارب محو األمية ( برنامج الف الم ) التي دُشنت انطالقتهما بشراكة
بين وزارة التربية الوطنية والشباب ووزارة االتصال أوائل سنة 0330.
163 - Lain MACLELLEAN: «la télévision pour le développement l’expérience africaine ».Rapport du centre de
8327بقوله؛إن " أهم ما يتسم به اإلعالم هو قدرة عدد محدود من الناس ،في االتصال
الجمهور)167(. والتأثير بعدد كبير من
األخيرة،أن اإلعالم ال يكاد ينفصل عن الواقع االجتماعي واإلنساني السائد في مجتمع من
املجتمعات،إلى درجة" أصبحت معها حكومات تخصص أقساما ودوائر ووزارات إعالم تتولى
متابع أهداف داخلية وخارجية... ،ومن تلك األهداف رفع مستوى الجماهير ثقافيا،وتطوير
()168 أوضاعها االجتماعية والثقافية "...
فمما الشك فيه ،فإن إحداث قناة أو برامج خاصة بالتوعية بالخدمات الرقمية
-تحفيز وتشجيع املرتفق على تفضيل الخدمات الرقمية على الخدمات التي تتم وجها
لوجه.
والقروي.
-167د.جوردون مارشال " :موسوعة علم االجتماع " مرجع سابق ص . 632
-168د.سعيد خمري " :قضايا علم السياسة مقاربات نظرية " مطبعة دار المناهل – الرباط.0311 .ص. 143-100 :
- 169يعتبر شعار " المواطن في قلب االهتمام " من الشعارات التي ما فتئ يطلقها صانعوا القرار ،بل تم التأكيد على ذلك في مثن الخطة الوطنية إلصالح
اإلدارة ،0301/0311وال شك أن إشراك المرتفق في اختيار نوع وطبيعة الخدمات الرقمية التي يتوق إليها لمن شأنه عق ُل الخطاب الرسمي بالممارسة.
ُ
يع ِرف توظيف املعطى الرقمي في مختلف مناحي الحياة اليومية،تصاعدا ملحوظا نتج
عنه تنامي الحاجة إلى االرتباط الشبكي املستمر)170(،ويشكل إحداث Wifi Territorial
ومراكز النفاذ املجتمعي لألنترنت ()Points d’Accès aux Services Publics Numériques
مبادرات من شأنها تحفيز املرتفقين على تفضيل الخدمات عن بعد التي تقدمها اإلدارة.
املجال الترابي لجماعة ترابية معينة،ويعتبر آلية من شأنها دعم مشروع املدن الذكية
والنهوض باملشاريع الرائدة ،كما يسهم من جهة أخرى ،في التعريف باملؤهالت االقتصادية
والسياحية للمجال الترابي املعني ،ويشكل أيضا فرصة لتغطية الفجوة الرقمية سواء داخل
العاملي)172(. املجال الجغرافي الوطني الواحد أو على املستوى
وبما أن ورش التحول الرقمي باإلدارة العمومية ،واحدا من املشاريع الرائدة ذات
الصلة بالذكاء االصطناعي ،فتشكل إذن ،نقط ولوج االنترنت الترابي فرصة للنهوض
170- « le wifi territorial une solution pour votre collectivité ».Publication de la direction de la communication des
caisses des dépôts – France- 2018, p : 4.
-171يمكن أن تكون نقط الولوج عبارة عن :مطاعم ،حدائق ،حافالت النقل العمومي ،متاحف ،مكتبات ،مكاتب البريد ،األماكن السياحية ،المترو ،األحياء
الجامعية ،المطاعم...
172- « le wifi territorial une solution pour votre collectivité ». Op cité, p : 5.
-ستشكل نقط الولوج الترابي لألنترنت ،فرصة لذوي االحتياجات الخاصة من جهة،
لالنخراط في الدينامية الرقمية،ومن جهة أخرى ،من تقريب خدمات اإلدارة الرقمية من
-ستشكل نقط الولوج الترابي لألنترنت فرصة للتدريب بواسطة القرين ،ملواجهة
-ستشجع املجانية على دفع املرتفق إلى تفضيل الخدمات الرقمية عن بعد ،خاصة
)Numériques
هي مراكز للقرب ،هدفها إتاحة فرصة ولوج االنترنت لكل فرد يفتقد للمهارات
الكافية ،أو ال يتوفر على املعدات الكفيلة بذلك )173(.و يأتي إحداث هذه املراكز في املغرب،
في سياق تنزيل إستراتيجية املغرب الرقمي ،7089خاصة املحور املتعلق ببرنامج تطوير
املواطنين)174(. الخدمة األساسية للمواصالت ،لتقريب خدمات املواصالت من
» Rapport de la cour des comptes, Janvier 2015, p : .173- « Relations aux usagers et modernisation de l’État
.108.disponible sur : www.ccomptes.fr
-174تجدر اإل شارة إلى أن لجنة تدبير الخدمة األساسية للمواصالت سبق أن وافقت على إحداث 733مركز ،لكن من جملة المالحظات التي خرج بها
تقرير المجلس األعلى للحسابات بتاريخ 0314ذات الصلة بإحداث هذه المراكز ما يلي:
لم يتم إطالق سوى 133مركز من أصل .733
من بين تلك المراكز المائة لم يتم إطالق سوى 06مركز.
وبحسب تقرير المجلس العلى للحسابات ل 0314ص 112 :فان التأخر في مجال إطالق تلك المراكز يعزى لألسباب التالية:
عدم انخراط كبار الفاعلين في مجال االتصاالت في المغرب ( )Orange/Inwi / Iamفي تنزيل هذه المشاريع.
صعوبات في اقتناء المحال واألماكن المخصصة إلدارة مثل هذا النوع من المشاريع.
لكن ،تجدر اإلشارة إلى أن إنجاح مشروع إحداث مراكز النفاذ املجتمعي ،يتوقف
بالدرجة األولى ،على انخراط كبار الفاعلين في مجال االتصاالت في املغرب .
الحق في املساواة والعدالة الرقمية املجالية ،هو من الحقوق التي أصبحت مكفولة
في بعض دساتير الدول املتقدمة )175(،والتي ي ِص ُح أن ُيطلق عليها »الدساتير الصديقة للتحول
الرقمي« ،غير أنه عمليا ،يطرح مفهومي املساواة والعدالة املجالية الرقمية جملة من
بإستراتيجيات واقعية لتمكين كافة فئات املجتمع ،على قدم املساواة واملنافسة الشريفة.
ففي السياق املغربي،مثال ففي الوقت الذي ارتفعت فيه نسبة تجهيز األسر باألنترنت
ودمقرطة االستفادة منها داخل املجال الحضري،والتي بلغت 20 %سنة ،7082فان نسبة
السنة)176(. تجهيز األسر بشبكة االنترنت بالقرى لم تتجاوز 28 %برسم نفس
وتطرح هذه اإلشكالية ،أسئلة من قبيل :طبيعة البدائل التي يمكن أن تسهم في
من البدائل املمكن اعتمادها لتمكين فئات املجتمع القروي من فرص التحول
الرقمي ما يلي:
- 175الدستور الفنلندي.
-الدستور االستوني
-الدستور الكوري الجنوبي.
176- «Evaluation des services publiques en ligne». Rapport de la cour des compte, 2019. p : 79.
-تعزيز آليات التخطيط الترابي في تناسق مع السياسات العامة للدولة في مجال إعداد
التراب ،والعمل على التقائية وتناسق برامج التنمية الجهوية فيما بينها ومع املخططات
القطاعية)177(.
-إحداث نقط الولوج الجماعي لألنترنتles points d’accès publics à Internet .
)179)(PAPI
-177من توصيات المناظرة الوطنية األولى للجهوية المتقدمة التي انعقدت بأكادير يومي 03و 01دجنبر .0310.
178-« Citoyens d’une société numérique ». Rapport du conseil national du numérique adressé au Ministre délégué
chargée des petites et moyennes entreprises, de l’Innovation et de l’Économie numérique (République Française).
2013. p : 27. Rapport disponible sur le lien : www.cnnumerique.fr.
179-من التجارب ذات الصلة بإحداث نقط الولوج الجماعي تجربة la ville de Brestبفرنسا ،التي ا ْنطلق العمل بها منذ ،1007و توخت التجربة
تحقيق العدالة الرقمية وتحقيق االندماج االجتماعي والتضامن الترابي ،وذلك من خالل ربط 132من األماكن العامة باألنترنت المجاني ،وساهم في إنجاح
هذه التجربة؛ النسيج الجمعوي ،المكتبات العامة ،عن طريق استعمال الالقطات الهوائية للبلديات.
-180تم تبني هذا النوع من الدعم من طرف أحد الفاعلين في مجال السكن االجتماعي بفرنسا ،وذلك في إطار مشروع Xnet Roseraieوالذياستهدف
ربط 633مسكن بشاشات تلفاز ذكية باألنترنت والهاتف الثابت ،مقابل 2أورو شهريا،مع إمكانيةتكوين غير المتمكنين من االنترنت.
خاتمة :
نظرا للدور الطالئعي لإلدارة العمومية املغربية في دعم النموذج التنموي الجديد،
وبناء دولة الحق والقانون ،وتعزيز التنافسية االقتصادية ،فقد شكل التحول الرقمي حجر
الزاوية للتحديث اإلداري ،كان من بين تجلياته تبني إستراتيجية املغرب االلكتروني 7080
ثم إستراتيجية املغرب الرقمي 7089ليليها تبني إستراتيجية املغرب الرقمي .7070
-االهتمام امللكي بضرورة إدماج البعد التكنولوجي كأحد آليات التدبير العمومي
-التغير في نمط استهالك الخدمات العمومية ،أي االنتقال من خدمة وجه لوجه (
-تأثير عوملة تكنولوجيا االتصال واملعلومات ،على البنيات اإلدارية التقليدية ،التي
وإذا كانت التجربة املغربية في مجال رقمنة الخدمات العمومية ،قد أبانت عن
محدوديتها كما أشارت إلى ذلك التقارير املوضوعاتية للمجلس األعلى للحسابات ،فاألكيد
أن نجاح سيناريو والدة تامة لورش التحول الرقمي املتعثر باملغرب ،يستدعي تبني
-ادريس الكتاني ،د.برنار موالن " :تكنولوجيا الحاسوب في خدمة الحكامة الجيدة
والتنمية في البلدان النامية " منشورات جامعة األخوين افران املغرب . 7084
-حسن مظفر الرزو " :الفضاء املعلوماتي " مركز دراسات الوحدة العربية،
-خليل اللواح " :دور اإلدارة في تحسين مناخ األعمال باملغرب" الطبعة األولى
. 7081
-سعيد خمري " :قضايا علم السياسة مقاربات نظرية " مطبعة دار املناهل –
الرباط.7081 .
-جوردون مارشال " :موسوعة علم االجتماع " املجلد األول ،الطبعة الثانية،
.7001
-محمد حركات " :الحكامة والتدبير العمومي الجديد باملغرب " منشورات املجلة
-حميد ابوالس " :تدبير املوارد البشرية :نموذج اإلدارة الجماعية " دار القلم
-عبد العزيز أشرقي " :الجهوية املوسعة ،نمط جديد للحكامة الترابية والتنمية
البيضاء.
في 83من ذي القعدة 90( 8471نونبر )7002بتنفيذ القانون رقم 29.02املتعلق بالتبادل
7089 " تقييم إستراتيجية املغرب الرقمي: تقرير املجلس األعلى للحسابات يشأن-
courdescompte.ma
-محمد اليعكوبي " :الوظيفة اإلعالمية لوسيط اململكة " املجلة املغربية لإلدارة
. -جمال شعبان " :األرشيف اإلداري الرقمي أساس اإلدارة االلكترونية " مجلة
-صليحة حاجي " :اآلليات القانونية لتكريس األمن املعلوماتي " مجلة العلوم
-إبراهيم الزيتوني " :رهانات وآفاق الجهوية على ضوء القانون التنظيمي للجهات
مزدوج ( ) 24/29يناير.7089
-ميمون خراط " :الحق في الحصول على املعلومة بين الضرورة املجتمعية
والتعامل الرسمي بعد إقرار الدستور الجديد " منشورات املجلة املغربية
للسياسات العمومية،دفاتر حقوق االنسان العدد األول . 7089،
-كمال العياري " :دور التكنولوجيا في مجال اإلثبات " مجلة القضاء والتشريع
العدد الرابع وزارة العدل وحقوق اإلنسان لتونسية ابريل . 7001
رسائل املاستر:
-الباحث حاتم الشعيري " :اإلدارة االلكترونية بين عصرنة العمل اإلداري وعوائق
التطبيق " .رسالة لنيل دبلوم املاستر في القانون العام تخصص اإلدارة واملالية العامة.
جامعة عبد امللك السعدي ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،طنجة،
السنة الجامعية .7003 / 7001
من الصالحيات التدبيرية ذات الطابع اإلداري واملالي ،وهو ما تم تأكيده من خالل القانون
التنظيمي 888.84املتعلق بالجهة ،وذلك حتى تتمكن من القيام بوظيفتها التنموية في
أبعادها املختلفة .غير أن تحقيق هذا الهدف املحوري يتطلب التوفر على عنصر بشري
مؤهل والذي يعتبر الحلقة األولى إلقرار جهوية متقدمة ناجحة .وإذا كان الواقع العملي قد
أبرز لنا على مدى سنين وجود إشكاالت حقيقية على مستوى تدبير املوارد البشرية املحلية،
فإنه يجب العمل على تداركها ومعالجتها حتى ال تكون عائقا أمام التنمية املنشودة على
مستوى الجهات.وبالتالي فقد ركزت املقالة على دور املوارد البشرية في تحسين التدبير
financial nature, which has been confirmed by the Regulatory Act 111.14 on the
authority, so that it can carry out its development function in its various
regional approval. While the practical reality has shown us over the years that
there are real problems at the level of local human resources management,
overcome them.
الكلمات املفتاحية
Management
:مقدمة
السياس ي،تشكل الجهوية املتقدمة إصالحا هاما ذا أثر في كل مناحي حياة املجتمع
لذلك فإن النتائج املرجوة منها مرتبطة أساسا،واالجتماعي والثقافي والبيئي واملجالي
بتحديث دواليب الدولة وإعادة إطالق الالمركزية عبر توضيح اختصاصات املؤسسات
املركزية وإعادة التوازن إلى نظام اقتسام املوارد املالية لفائدة املجاالت الترابية ،وكذا نقل
فإذا كان الكثيرون يتطلعون إلى أن تكون املستجدات والتطورات التي جرت بعد
دستور 7088على مستوى إقرار الجهوية ،وما ترتب عنها من إصالحات .بمثابة تصحيح
ملسارات التدبير العمومي الترابي فإن هذا األمر له متطلباته وشروطه 181،فال يكفي منح
الجهة اليات االستقالل اإلداري واملالي للقيام بأدوارها التنموية ،بل إن األمر يتوقف وبشكل
كبير على مستوى مواردها البشرية التي تشكل أحد العناصر املهمة في تدعيم استقاللية
الجهة عن املركز .فبدون موارد بشرية مؤهلة ال يمكن الحديث عن ممارسة عملية
لالستقالل اإلداري واملالي ،مما يجعل الالمركزية الترابية في عمقها ،تقوم أساسا على حجم
ونوعية مواردها البشرية ،فالقرارات اإلدارية واملالية تحتاج إلى من يجسدها على أرض
الواقع ،وهو األمر املوكل إلى املوظف واملنتخب الجهوي على حد سواء .و الذي يفترض فيه
التمتع بمستوى عالي من التكوين والخبرة ،وهو األمر الذي يتطلب وضع سياسات وبرامج
ويقصد بتدبير املوارد البشرية كل ما يتعلق بشؤون األفراد العاملين ،من حيث التعيين
والتأهيل والتدريب وتطوير الكفاءات وكذلك وصف أعمالهم ،كما تعرف بأنها فن اجتذاب
العاملين واختيارهم وتعيينهم وتنمية قدراتهم وتطوير مهاراتهم ،وتهيئة الظروف التنظيمية
181عماد أبركان :حكامة المدن بالمغرب بين إشكالية النخب السياسية ورهانات التنمية الترابي.مجلة مسالك العدد 45/42
سنة 2013ص133
املالئمة من حيث الكم والكيف الستخراج أفضل ما لديهم من طاقات وتشجيعهم على بدل
فاملوارد البشرية تعتبر عناصر استراتيجية في عمل الهيئات املحلية ،سواء تعلق األمر
باملجالس الجهوية أو اإلقليمية أو الجماعية ،باعتبارها ركائز تقوم عليها الالمركزية الترابية،
فبواسطة هذه الوسائل يتم تفعيل وتجسيد الصالحيات املنوطة بهذه الوحدات الترابية.183
لقد أولى الدستور للبعد الترابي مكانة هامة في صلب الوثيقة الدستورية ،وذلك من
خالل منح الجهة مكانة الصدارة في تحقيق التنمية االقتصادية واالجتماعية ومنحها
لتحقيق ذلك مجموعة من الوسائل واالليات املالية واإلدارية والبشرية ،حيث أعطيت
صالحيات واسعة ملدبري الشأن العام املحلي تعزز مكانة هذه الجماعات في سياقات التنمية
الشاملة وهو األمر الذي يعطي للبعد الترابي مكانة هامة ضمن النموذج التنموي الجديد
حيث إنه وفي نفس السياق ووفقا للدستور دعت اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي
إلـى "مغـرب الجهـات" ،ضمانـا اللتقائيـة ونجاعـة السياسـات العموميـة علـى مسـتوى
املجـاالت الترابيـة .لكن تحقيق كل هذا رهين بمدى توفر الجهات على املوارد البشرية املؤهلة
الكفيلة بتحقيق التنمية ،فال أحد ينكر الدور الحاسم الذي يمكن أن يلعبه مدبرو الشأن
املحلي في نجاح أي سياسة تنموية يسعى املغرب إلى إقرارها .ومن هنا تأتي أهمية تناول
182النمر ،سعود محمد وآخرون :اإلدارة العامة األسس والوظائف ،الرياض مطابع الفرزدق ، 1994 ،ص74
183عليه بلفقيه :مبدأ الموازنة في المغرب دراسة تحليلية الليات توزيع الموارد مابين الجهات ما بعد سنة 2011بحث لنيل
شهادة الماستر جامعة محمد الخامس الرباط 2015-2012ص 34
موضوع دور املوارد البشرية في الرفع من التدبير الجهوي ،إيمانا منا بأن املوارد البشرية
املؤهلة تعد عنصرا أساسيا لدعم استقاللية الجهة وتحقيق التنمية املنشودة ،سواء الشق
اإلشكالية
ما هي املداخل الرئيسية التي يمكن من خاللها تأهيل املوارد البشرية للجهة حتى
أمام املشكلة املطروحة تتبلور لنا العديد من الفرضيات نصوغ منها الفرضية التالية :
-إن قيام الجهة بدورها التنموي ،ال يتحقق فقط عبر التعديالت القانونية وإسناد
اختصاصات واسعة للمجالس الجهوية ،وإنما يتطلب األمر التوفر على املوارد البشرية
املؤهلة التي تمكن الجهة من القيام بدورها التنموي وهو ما يقتض ي الرفع من مستوى
الوصفي ،والتي نرى أنها ضرورية ملقاربة املوضوع بشكل أكثر دقة وبالتالي تحقيق الغاية
من البحث.
املطلب الثاني :االرتكاز على مبدأ حكامة تدبير املوارد البشرية
يشكل تأهيل املوارد البشرية الجهوية أحد التحديات الكبرى التي يجب على اإلدارة
الجهوية العمل على تحقيقها ،على املدى القريب سواء بالنسبة للمنتخب الجهوي أو
املوظف الجهوي على حد سواء .وذلك نظرا للنتائج التي تم تحقيقها على املستوى امليداني
في ظل املجالس الجهوية السابقة ،والتي طبعها غياب هيكلة إدارية منظمة ومعززة
بالكفاءات النوعية ،التي من املفترض أن تعمل على وضع االستراتيجيات التنموية وتطبقها
تتطلب التنمية الجهوية إلى جانب املوارد املالية ،التوفر على عنصر بشري فعال،
بمعنى قدرة املنتخبين الجهويين على تدبير الشؤون الترابية بكل كفاءة وحنكة .فكلما كان
املنتخب ذا كفاءة مهنية ومعرفية إال واتسع هامش االستقاللية املالية والعكس صحيح. 184
وقد أثبت واقع املمارسة ضعف التأطير السياس ي ومحدودية التكوين العلمي واملعرفي
للمنتخبين الجهويين ،وسيطرة عقلية اإلقليم على العمل الجهوي الش يء الذي أثر على األداء
العام للجهة وجعل نتائج املمارسة الجهوية محدودة ،في غياب اإلملام واملعرفة ببعض
املجاالت األساسية والحيوية كمجال التعمير وإعداد التراب والفالحة والتنمية القروية
والتدبير املالي واملحاسبي185.
وينتج عن سوء هذا التأطير العلمي واملعرفي والسياس ي والتنموي لهؤالء املنتخبين
الجهويين ،نوع من الرجعية التنموية على مستوى التسيير الجهوي ،وهذا األمر يؤول بطبيعة
الحال إلى ضعف الحس الجهوي الذي نلمسه من خالل الالمباالة تجاه الشؤون الجهوية،
مما يوفر فرصة سانحة وسهلة ملمثل السلطة املركزية ليحل محله ويوجه عمل املجالس
الجهوية حسب رغبته ،مما يساهم في تقليص حدود سلطة املنتخب املخولة له بموجب
184يوسف البريه :استقاللية القرار المالي للجماعات الترابية دراسة تحليلية .بحث لنيل دبلوم الماستر في القانون العام،
جامعة محمد الخامس ،كلية العلوم القانونية و االقتصادية و االجتماعية ،أكدال ،السنة الجامعية ، 2013 - 2014الصفحة
47
185حجيبة زيتوني :الجهة و اإلصالح الجهوي بالمغرب" ،السلسلة المغربية لبحوث اإلدارة و االقتصاد و المال ،عدد ، 3
طوب بريس ،الرباط ،الطبعة األولى ، 2011الصفحة19
القانون .خاصة على مستوى القرارات ذات الطابع اإلداري واملالي ،مما يتنافى ومسألة
التي تقوم عليها الالمركزية كأحد ركائزها األساسية186. االستقاللية
حيث أن املنتخب الجهوي ونظرا لضعف تكوينه املعرفي ،قد يقوده إلى اتخاذ قرارات
ال تكون في مصلحة الجهة والساكنة املحلية ،سواء من الناحية املالية أو اإلدراية .وهو ما
يؤدي إلى سوء في التدبير وإهدار للموارد وتدخل أكبر للسلطة املركزية.
والجدول التالي يوضح وبامللموس ضعف عدد الندوات واملؤتمرات التي يكون الهدف
منها تكوين املنتخبين الجهويين خالل الفترة مابين 7084و ،7082وهي الفترة التي يفترض أن
تعرف تطور على مستوى تكوين املنتخبين الجهويين نظرا لكون املرحلة هي مرحلة تنزيل
186عليه بلفقيه :مبدأ الموازنة في المغرب دراسة تحليلية آلليات توزيع الموارد مابين الجهات مابعد سنة. 2011مرجع
سابق ص.50
187تقرير صادر عن المديرية العامة للجماعات المحلية "الالمركزية في ارقام"2015-2014ص 15
فبالرغم من أهمية الدور الذي يلعبة االفتحاص الداخلي في التدبير االداري واملالي
للجهة إال أن عدد الندوات لم يتجاوز ستة خالل سنة ، 7084نفس الش يء بالنسبة للندوات
املتعلقة بالنزاعات القضائية والقيادة التنموية وهو ما يتطلب بدل مجهود أكبر في هذا
املجال.
فتكوين املنتخبين الجهويين يعتبر أحد العناصر الحاسمة لنجاح التجربة الجهوية
ببالدنا ،فاملنتخب الجهوي هو األداة التي من خاللها تتم بلورة وتفعيل مختلف القرارات
التنموية على مستوى الجهة ،وهو ما يستوجب توفره على حد معين من التكوين والذي
فإذا كان تدني املستوى الثقافي هو السمة الغالبة ملعظم املستشارين الجماعيين ،
فإن لذلك اثار انعكاسا سلبيا على مكانتهم ودورهم داخل الجماعة ،هذه الوضعية تجعلهم
في تبعية مفرطة لرجل السلطة بصفة عامة ،واملصالح التقنية بصفة خاصة ،بما أن
ملحة188. تدخلهم أصبح ضرورة
دون أن يراعي فيهم مدى توفرهم على الكفاءة والخبرة .فالضعف الكيفي للمنتخبين ينعكس
سلبا على الالمركزية ،إذ كيف يمكن ملستشارين جماعيين ورؤساء املجالس أميين يجهلون
188زكرياء او ميمون ”:األداء السياسي و اإلداري للمنتخب الجماعي بالمغرب ” ،بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا
المعمقة في القانون العام ،وحدة البحث ،تدبير الشأن العام ،كلية العلوم القانونية و االقتصادية واالجتماعية – اكدال ،
الرباط ،السنة الجامعية ، 2005- 2002.ص .20
الكتابة والقراءة أن يديروا شؤون ناخبيهم ،والقيام بمشاريع تجهيزية واستثمارية ،مع ما
فإذا كان القانون التنظيمي للجهات قد تضمن مقتضيات مهمة فيما يخص
على إلزامية التوفر على مستوى عالي من التعليم أو على إلزامية التكوين كما
حيث يوجد مجلس يسهر على تكوين املنتخبين ويسمى ” :باملجلس الوطني
لتكوين املنتخبين املحليين “.بل األكثر من ذلك فقد ذهبت فرنسا إلى حد إشراك
التكوين املستمر لفائدة أعضاء مجالس الجماعات الترابية ،حيث لم يشار إلى
خلق مراكز خاصة لتكوين املنتخبين ،بل اكتفى بإحداث التصميم املديري
الجهوي للتكوين املستمر من طرف اللجنة الجهوية تحت رئاسة رئيس مجلس
الجهة على مستوى الجهات .190فأكثر من ذلك أن مدة التكوين طيلة مدة انتداب
189سميرة جيادي :الحكامة الجيدة وتدبير الشأن العام المحلي ” أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام ،كلية العلوم
القانونية واالقتصادية و االجتماعية ،جامعة موالي إسماعيل بمكناس ،السنة الجامعية ، 2014-2013 ،ص 101
190المادة 04من المرسوم رقم 162.61.2المتعلق بتحديد كيفيات تنظيم دورات التكوين المستمر لفائدة اعضاء مجالس
الجماعات الترابية ومدتها وشروط االستفادة منها ومساهمة الجماعات الترابية في تغطية مصاريفها ،الصادر في 23رمضان
12 / 1432يونيو ، 2010الصادر بالجريدة الرسمية عدد 0452بتاريخ 14يوليوز 2010
املجلس ال تقل عن ثمانية أيام لكل عضو من أعضاء مجالس الجماعات الترابية
كحد أدنى 191،ولذا نتساءل كيف يعقل أن يتم تكوين املنتخب ال يتوفر على
مستوى دراس ي في مدة ثمانية أيام ،نهيك عن عدم إلزام املنتخبين بالحضور
في دورات التكوين إن كانت هناك دورات ،فغالبا ما تتحكم فيه هواجس
سياسية192.
ال يقل مستوى املوظفين أهمية عن املنتخبين ،193على اعتبار أن هناك عالقة تكاملية
بينهما والتي تتجلى في بناء أسس إدارة جماعية في مستوى الرهانات التنموية الالمركزية.
وفي سياق التطور الذي عرفته الالمركزية ،سيعرف تكوين املوظفين اهتماما متزايدا
حيث يشكل أحد املواضيع الرئيسية لتوصيات املناظرات الوطنية للجماعات املحلية.
ويمثل املوظف الجهوي إحدى الدعامات الرئيسية للنهوض بالشأن اإلداري ،لذا يعتبر
191المادة 02من المرسوم رقم 162.61.2المتعلق بتحديد كيفيات تنظيم دورات التكوين المستمر لفائدة اعضاء مجالس
الجماعات الترابية ومدتها وشروط االستفادة منها ومساهمة الجماعات الترابية في تغطية مصاريفها ،الصادر في 23رمضان
12 / 1432يونيو ، 2010الصادر بالجريدة الرسمية عدد 0452بتاريخ 14يوليوز 2010
192عائشة السكاكي :المنتخب الجماعي و التنمية المحلية – جماعة فاس نموذجا ،-رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون
العام ،كلية العلوم القانونية و االقتصادية واالجتماعية ،جامعة سيدي محمد بن عبد هللا – فاس – السنة الجامعية -2015
، 2012ص . 55
193منية بنلمليح :تأهيل الموارد البشرية بالجماعات الترابية خطوة نحو اإلصالح االداري الشامل .مجلة المنارة للدراسات
القانونية واإلدارية عدد2015/22ص 135
االقتصادية للجماعات الترابية وخاصة الجهة ،حيث تعتبر املجال األنسب واألفضل للنهوض
يتضمن مجموعة من النصوص القانونية والتنظيمية التي تعالج مختلف جوانب الحياة
اإلدارية للموظف الجماعي ،واعتبارا للمكانة التي يحتلها التكوين في املسار الوظيفي ،إال أن
الهياكل واملؤسسات املكلفة بتكوين موظفي الجماعات الترابية ،تعرف بعض النواقص
كما أن اإلطار القانوني الذي ينظم عمل مستخدمي الجماعات الترابية ،هو أبعد ما
يكون عن االنسجام والتوحيد باإلضافة إلى محدودية نظام التوظيف ويمكن القول بأن
مرسوم 1977بمثابة النظام األساس ي ملوظفي الجماعات ،شكل أول نص تنظيمي يؤسس
لوظيفة عمومية محلية ،موازية للوظيفة العمومية للدولة ومتشابهة لها من حيث الحقوق
والواجبات...ومع صدور القانون 00.21املتعلق بالتنظيم الجماعي ،تم إدراج تدبير جميع
الفئات ضمت صالحيات رئيس املجلس الجماعي ،مع إبقاء فئات األطر خارج سلطة رئيس
املجلس الجماعي إلى حين صدور القوانين التنظيمية للجماعات الترابية .وإذا كانت
الجماعات الترابية ببالدنا قد عرفت تطورا هاما في مجال التأطير اإلداري ،حيث أصبحت
194علي أمجد :الموارد المالية والبشرية ،مقومات أساسية الالمركزية الجهوية ووسيلة لتطويرها .المجلة المغربية لإلدارة
المحلية والتنمية ،عدد ، 2007،74ص125
195محمد باهي :تدبير الموارد البشرية باإلدارة العمومية مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء الطبعة األولى .2002ص05
تتوفر على موارد بشرية متنوعة التخصصات واملؤهالت العلمية والتقنية ،ورغم املكتسبات
التي تم تحقيقها على الصعيد القانوني ،فإن هذا الجانب مازال يعرف مجموعة من العوائق
فرغم التطور الحاصل في عدد املوظفين ،إال أن ما يالحظ هو عدم التوازن في توزيعهم
ما بين الجماعات الترابية عموما والجهات بالخصوص .ويرجع سبب هذا التوزيع غير املتكافئ
و باستنطاق األرقام املتعلقة بتوزيع املوظفين فهي تتوزع بشكل متفاوت بين مختلف
جهات اململكة اإلثني عشر ،حيث يتمركز حوالي ثلث 9/8املوظفين على مستوى جتهي الرباط
سال القنيطرة و الدار البيضاء سطات ويبين الجدول أسفله هذا االختالل في توزيع أعداد
196حليمة الهادف :التدبير العمومي المحلي و إشكالية التحديث ,أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام ،جامعة محمد
الخامس ،أكدال-الرباط ،السنة الجامعية ، 2011 / 2012الصفحة213
الحمراء
197تقرير حول الموارد البشرية بالوظيفة العمومية ،وزارة الوظيفة العمومية و تحديث اإلدارة ،دجنبر ، 2010ص 21
197
ويستنتج من هذا الجدول أن هناك ثالث مستويات متباينة لتوزيع أعداد املوظفين
الجهويين ،مما يفسر سوء العملية التوزيعية للموارد البشرية املحلية على مختلف الجهات
اإلثني عشر.198
املستوى األول والذي يتضمن أربع جهات وهي جهات الرباط -سال -القنيطرة وجهة
الدارالبيضاء -سطات وجهة فاس -مكناس وجهة مراكش -اسفي ،حيث تستحوذ هذه
الجهات األربع على أكثر من 23%من مجموع املوظفين العاملين على مستوى الجهات االثني
عشر.في حين تأتي جهة كل من طنجة-تطوان-الحسيمة وجهة سوس-ماسة وجهة بني مالل-
خنيفرة وجهة الشرق وجهة درعة-تافياللت ،في املستوى الثاني بنسبة ما يقارب.92%
بينما تضم املجموعة الثالثة جهات درعة -تافياللت ،العيون -الساقية الحمراء،
كلميم -واد نون ،و الداخلة -واد الذهب ،التي تقل نسب املوظفين العاملين بكل منها عن 5 %
وتضم هذه الجهات أقل من 9 %من مجموع املوظفين ،كنسب جد ضئيلة مقارنة مع باقي
املجموعات السابقة.
باإلضافة إلى الضعف النوعي للموظفين الجهويين ،حيث رصدت مجموعة من
التقارير واألبحاث املتعلقة بتدبير املوارد البشرية املحلية عن مجموعة من االختالالت التي
تعرفها اإلدارة الجهوية ،من ذلك مثال عدم إخراج القانون األساس ي ملوظفي الجماعات
الترابية الش يء الذي ساهم في تدهور الوضعية املادية واإلجتماعية لهذه الفئة من
املوظفين.199
وإذا كان املشرع من خالل املقتضيات التنظيمية للجهة قد عمل على تنظيم الوضعية
اإلدارية والوظيفية للبعض منهم ،خاصة بالنسبة إلى املدير العام للمصالح ،ومدير شؤون
الرئاسة واملجلس ورؤساء األقسام واملكلفون بمهام ومدير وكالة تنفيذ املشاريع ،فإن
الوضعية اإلدارية ملا تبقى من العاملين بالجهة كاألعوان واملستخدمين ،مازالت تفتقد إلى
نظام قانوني للوظيفة العمومية الجهوية ،يكون بمثابة اإلطار املرجعي لتنظيم حقوق
وواجبات هذه الفئة من املوظفين التي تشكل أغلب العاملين بالجهات مقابل نقص األطر
العليا200.
إن بلورة املمارسة املحلية والجهوية خصوصا ،يبقى رهينا بوضع نمط جديد لتدبير
املوارد البشرية يجعل من الحكامة أساسا لها ،سواء عبر اعتماد مقاربة جديدة لتكوين
املنتخبين والتي تكون مبنية على تنمية قدراتهم التدبيرية ومهاراتهم الفنية ،وذلك حتى
يتمكنوا من أداء املهام املوكولة إليهم ،والقيام بوظائفهم كمملثين للمواطنين من جهة
199فدوى والحاج :الفاعلون في تدبير مالية الجماعات الترابية بالمغرب ،بحث لنيل دبلوم الماستر في القانون العام و العلوم
السياسية،جامعة محمد الخامس ،كلية العلوم القانونية و االقتصادية و االجتماعية ،أكدال/الرباط ،السنة الجامعية 2013 -
،2014ص 05
200فدوى والحاج :مرجع سابق ،ص90
201علي أمجد :الموارد المالية والبشرية :مقومات أساسية لالمركزية الجهوي ووسيلة لتطويرها ،المجلة المغربية لإلدارة
المحلية والتنمية ،عدد ، 2007 ،74ص12،
أو عبر ضرورة تبني استراتيجية تهدف للتحفيز املادي واملعنوي للموظفين ،حيث
يعتبر الحافز املادي الذي يشمل األجور واملكافآت عامال مهما لنهوض املوظف بمهامه على
أكمل وجه .أما الحافز املعنوي فيهدف إلى إعطاء املوظف هامش من الحرية ليثبت ذاته
ويحقق طموحاته.
يعد التكوين اإلدراي من ضمن العناصر األساسية لتدبير املوارد البشرية ،وحلقة
رئيسية لتحقيق استراتيجية التنمية اإلدارية والنهوض بالعنصر البشري على مستوى اإلدارة
الجهوية ،وجعله يستجيب لكل التحوالت االقتصادية واالجتماعية التي يعرفها املحيط
املحلي،ومن املؤكد أن العنصر البشري هو املحرك األساس ي لكل تغيير ،لهذا فإن أي عملية
اإلصالح اإلداري ترتبط وترتكز على تأهيل الفرد والرفع من كفاءته املهنية وتكوينه على
التقنيات الحديثة بالشكل الذي يخوله كي يقوم بمهامه على أحسن وجه في فترة زمنية
قياسية.
إن عملية تطوير اإلدارة الجماعية وتنمية قدرات العاملين بها ،أمر تقتضيه ظروف
التكوين202. التنمية الشاملة للجماعات عن طريق نهج سياسة تتسم باالستراتيجية في
وذلك بتحويل هذا األخير من تكوين من أجل االستهالك إلى تكوين من أجل االستثمار ،أي
جعل التكوين ينسجم مع املعطيات الحالية واملستقبلية للجهات .كما يتوجب إحداث
مركزين للتكوين أحدهما يخصص للتكوين اإلداري والثاني للتكوين التقني على صعيد كل
لذلك الترابية203. جهة من الجهات اإلثني عشر باململكة وتعميمه بالنسبة لباقي الجماعات
يجب التعجيل بالعمل على وضع برامج للتكوين ،حيث يمكن أن تستفيد الجهات من
املعاهد واملراكز املتخصصة في التكوين والتأهيل ،املتاحة على الصعيد الوطني كاملدرسة
وذلك من أجل التنويع في تطوير وتجويد عمل إدارة املجالس الجهوية من خالل
تطوير الكفاءات اإلدارية الجهوية وتحديث طرائق تدبيرها اإلداري واملالي واملحاسباتي.
باإلضافة إلى مراعاة املعطيات الجهوية بمختلف مكوناتها في جميع برامج تكوين
املوظفين الجماعيين ،وربط التكوين العام بتكوين ميداني داخل مرافق الجماعات
املحلية،وإشراك األطر املتخصصة والكفاءات التي تتوفر عليها الجماعات في تأطير مدارس
التكوين وذلك ،من أجل ضمان تكوين عملي يستوحي مواده ومنهجيته من التجارب املعاشة
في الجماعات .وأيضا إحداث تخصصات في ميدان تسيير وتدبير الجماعات املحلية في
ومن أجل زيادة الرغبة لدى املوظفين في التكوين ،ال بد من ربطه بالتحفيز خاصة
املادي بحيث يجب أن يرتبط التكوين بالترقية .وأن ال يقتصر التكوين فقط على الجوانب
"الجوهرية" لعمل وتخصص املوظفين بل يجب أن يشمل كذلك تقنيات التواصل مع
203منية بنلمليح :تأهيل الموارد البشرية بالجماعات الترابية خطوة نحو اإلصالح االداري الشامل.مجلة المنارة للدراسات
القانونية واإلدارية عدد 2015/22ص 132
204في هذا اإلطار نجد مجلس جهة الرباط سال القنيطرة قام بالتوقيع على اتفاقيتين تتعلقان بالتكوين المستمر بين مجلس
الجهة والمدرسة الوطنية العليا لإلدارة
205محمد باهي :تدبير الموارد البشرية باإلدارات العمومية ،الطبعة األولى 2002ص120-125
املدى البعيد .خاصة أن التدبير الجهوي خصوصا واملحلي عموما ،أصبح يتطلب تملك
تقنيات واليات في التدبير ،تتجاوز ما كان معموال به في إطار التجارب السابقة وذلك من
قبيل التدبير االستراتيجي واملقاوالتي ،وكلها أمور تحتاج إلى تكوين متجدد يستجيب لحجم
كما تحتاج إلى تكوينات كثيفة وعلى مدار السنة وطنيا وجهويا ،تتناول مختلف أوجه
التدبير اإلداري واملالي سواء بالنسبة للموظفين أو املنتخبين ،حتى يتمكنوا من مواكبة
وفي املقابل ينبغي أن تعمل األحزاب السياسية ،بجهد أكبر لتطوير وتأهيل املستوى
املعرفي والعملي ملنتسبيها املدبرين لشؤون الجهات ،بالشكل الذي يجعل املنتخبين أكثر
قابلية للتعامل مع متطلبات التنمية وأساليب التدبير الحديثة وتقنيات التواصل بما يواكب
حاجيات وانتظارات املواطنين .وتبقى مساهمة األحزاب إلى اآلن محدودة للغاية ،في تأطير و
تأهيل املنتخبين التابعين لهم وهو دور ينبغي أن يكون أكثر بروزا لكون تكوين وتأهيل النخب
املحلية هو في الواقع شأن عام ال يهم الدولة أو الجماعات الترابية فقط ،حيث يمكن
الشأن206. للمساهمة اإليجابية لألحزاب أن تشكل إضافة نوعية في هذا
206تدبير وتنمية الكفاءات البشرية رافعة أساس لنجاح الجهوية المتقدمة ،تقرير للمجلس االقتصادي واالجتماعي والبيئي،
،2013ص23
في املقابل أصبح تطوير و تنمية الكفاءات يمثل أهمية كبرى الستراتيجية املوارد
البشرية نظرا ملا تقدمه الكفاءات من إمكانيات هائلة لتحسين أداء املؤسسة ،فتشير عملية
تطوير الكفاءات إلى مجموعة من النشاطات التعليمية تؤدي في آخر املطاف إلى زيادة
املردودية و القدرات لألفراد من أجل القيام باملهام املنوطة بهم على أحسن وجه،وذلك عبر
تحسين معارفهم و مهاراتهم و اتجاهاتهم.والذي يقوم على مجموعة من االساليب منها :
-التكوين املرتكز على الكفاءات :يستعمل هذا النوع من التكوين من قبل مكونين
قادرين على تحديد و مالحظة الكفاءات،عبر اعتماد تقنيات املقابلة و املرونة و اإلدارة
املرتكزة على الفرد و تحليل املشاكل بحيث يهدف الى اكساب سلوكيات خاصة لألفراد.
-التدريب باملرافقة املرتكز على الكفاءات :يتيح هذا النوع من التدريب مدربو
الكفاءات إلى تحديد وفهم العالقات الداخلية للكفاءات و تحفيزهم على التعلم،حيث قديما
-أدوات تقييم الكفاءات :تتميز هذه املرحلة باإلجابة عن األهداف املتوخاة من
العمليات التدريبية التي تؤدي إلى تقييم الكفاءات املستخدمة و يتم ذلك بتقييم املهام
حيث توجد مجموعة من أدوات تقييم الكفاءات و ترتكز مجملها على تحضير مرجعية
-8مقابلة سنوية :بحيث تتيح للمسير بوضع النقطة السنوية للفرد أو أحيانا
سداسية،لذلك فإن املؤسسات الرائدة في مجال تسيير الكفاءات قد أدخلت اإلعالم اآللي
في استعمال املقابالت السنوية للنشاط ،مما يتيح لهم بتكوين ارتباط مهم بين املشاركة في
-7املرافقة امليدانية :و تسمى أيضا ،coachingفهذه األداة تسمح للمسئولين بالتقييم
الدوري لكفاءات األفراد،وكذا تقدم لهم النصائح و تساعدتهم على التطوير،و تسمح
-9مرجعية الكفاءات :هي أداة تتيح للمسؤولين بإنجاز حركية العمل للمكلفين بإعداد
مختلف املهن،كما أنها تسمح بجرد الكفاءات الضرورية لكل نماذج العمل في فرع منهي ،ثم
تحديد نماذج العمل األساسية بما يساهم في إبراز الكفاءات الضرورية ملزاولة هذه األعمال
بشكل جيد ،و بالتالي فإن مرجعية الكفاءات تسمح بتموضع كل فرد بالنسبة ملستويات
وإذا كان التكوين التقني الصرف يشكل أهمية كبرى بالنسبة للموظف فإنه يعتبر غير
كافي بالنسبة للمنتخب وال يعطي نتائج حسنة إذا لم يرافقه تكوين موازي في الجانب
فالعالقة بين الحزب ومنتخبيه تتصدر واجهة العمل الجماعي ،ذلك أن طبيعة العمل
الجماعي ،وما تقتضيه من مبادرات يومية ومعالجات لسبل مطالب السكان املتنامية
تجعل من الضروري اعتبار هامش املبادرة والتحرك بالنسبة للمنتخب دون الرجوع املستمر
لألجهزة الحزبية في كل صغيرة وكبيرة فيما يطرحه التعامل اليومي ،ذلك أن املنتخب
الجماعي يتحرك ضمن التزام سياس ي وأخالقي عام بحكم انتمائه لحزب معين ،فمسؤولية
املستوى األول يتحدد من خالل مسؤولية تدخل الحزب بكل موضوعية وشفافية عند
إسناد املهام ،من خالل اعتماد معايير تجمع بين الوفاء لاللتزامات الحزبية من جهة ،ومن
فإحدى املالحظات األساسية التي يمكن تقديمها هنا ،وهي أن املسؤوليات غالبا ما
يتم الحسم فيها انطالقا من هاجس التراض ي ،أو تحت ثقل اعتبارات تنظيمية ظرفية .
وعموما فمهام املجالس الجماعية املتنوعة والتصاقها باملحيط الجماهيري الواسع تفرض
على كافة املنتخبين االشتغال الكتساب الخبرة في مجال التسيير و التدبير وإدارة القضايا
الجماعية واإلسهام في حل القضايا املتنوعة التي يقتضيها العمل الجماعي ،إلى جانب
أما فيما يتعلق باملستوى الثاني ملسؤولية الحزب ،فيتجلى في لعب املنتخب دورا فعاال
على مستوى اإلشعاع الحزبي السياس ي أمام املواطنين ،وذلك من خالل الوظيفة النضالية
التي يمكن أن يضطلع بها ،عبر مساهمته في تنظيم السكان وفتح حوارات معهم عبر
207سليم المنصوري ” :حكامة تدبير الشان العام الترابي للجماعات على ضوء القانون التتنظيمي رقم – 113.14جماعة
امزورن نموذجا” كلية العلوم القانونية و االقتصادية و االجتماعية ،جامعة عبد الملك السعدي ،تطوان ،الموسم الدراسي
، 2010/2015ص ص 152-155
اللقاءات واالتصال املباشر ،غير أن هذه املهمة ال زالت تصطدم بصعوبات عدة ،ذلك أن
الضعف في تأهيل املنتخبين يظهر جليا في تعقد تدبير الشأن العام الترابي للجماعات
يقصد بالتدبير التوقعي للموارد البشرية ،ذلك املسلسل الذي يمكن أي تنظيم من
الحصول في الوقت املحدد ،على أفراد ذوي قدرات و محفزات كافية.208فهو مقاربة لتدبير
األفراد داخل كل منظمة خاصة أو عمومية ،تفرضها ضرورة تمكين كل موظف أو عون من
تحسين وضعيته وأدائه وتحسين بنية الوظيفة العمومية املحلية ،حسب تخصصاتها
ويحدد التدبير التوقعي للموارد البشرية مجموعة من الوسائل واملناهج الدائمة ،التي
تكشف التطورات أو التغيرات املتوقعة والتي يمكن أن تؤثر على جميع أو جزء من األعداد
الفعلية للعاملين ،وبصفة عامة على حاجيات املنظمة التي تتعلق بأربعة ميادين ،اإلدارة و
208السعدية حساك :تدبير الموارد البشرية و دوره في التنمية نموذج اإلدارة المغربية .بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا
المعمقة في القانون العام ،جامعة محمد الخامس ،كلية العلوم القانونية و االجتماعية ،أكدال /الرباط ،الموسم الجامعي
،2007 - 2008الصفحة96
209محمد لوكو :إشكالية التحيز باإلدارة الجماعية ،بحث لنيل دبلوم الماستر في القانون العام ،جامعة عبد المالك السعدي
،كلية العلوم القانونية و االقتصادية و االجتماعية ،طنجة ،السنة الجامعية ، 2011 - 2012الصفحة131 .
210
: « la gestion prévisionnelle des ressources humainesاحمد رحمانيAhmed RAHMANI
dans la fonction publique : démarche et mise en œuvre » , REMALD , Numéro 6 ,
janvier – mars 1994, pages 74-75.
باإلضافة إلى اعتماد نظام فعال للتقييم ،والذي يعتبر مهما كونه يؤدي إلى الحكم
على دقة السياسات والبرامج املعتمدة من طرف اإلدارة .سواء تعلق األمر بسياسات االختيار
كما يمكن أن تستخدم العملية إذا ما أجادت اإلدارة في انجازها ،كوسيلة لجذب
املوظفين الجدد ،وقد تعكس عملية التقويم الصورة القانونية واالجتماعية واألخالقية
للجهاز اإلداري ومستوى العاملين أنفسهم ،وتعتبر عملية التقييم وسيلة يتعرف من خاللها
وهناك عدد من الخصائص ينبغي توفرها لقياس أداء العاملين ومثال ذلك :
-أن يكون التقويم دوريا ومستمرا ومتواصال ،وتتم املقارنة بين نتائجه السابقة
والحالية وتوضع نتائجه بين يدي العاملين وتتاح لهم فرصة النقاش مع رؤسائهم .وإذا كان
تقييم األداء الحالي باإلدارات العمومية والجماعية يقتصر فقط على تحديد املوظفين
املستحقين للمكافآت والترقيات والعالوات الدورية ،فإن أهميته وأهدافه أكبر من ذلك ،أي
لهذا فتقييم األداء اإلداري يجب أن يتعدى مفهومه الضيق املعمول به على مستوى
اإلدارات العمومية والجماعية ،ليمتد إلى مجاالت وظيفية أخرى والتي يمكن أن يسهم في
211منية بنلمليح :تأهيل الموارد البشرية بالجماعات الترابية خطوة نحو اإلصالح االداري الشامل.مرجع سابق ص140
-اختبار مدى نجاح عملية سياسات االختيار والتعيين ،من خالل تقييم أداء املوظفين
الجدد والوقوف على كمية ونوعية إنتاجهم وأدائهم ،ومعرفة التقديرات التي حصلوا
-تقوية اهتمام الرؤساء باملرؤوسين ،فحين يطالب الرؤساء بتقويم مرؤوسيهم تقويما
شامال ودوريا فإنهم سيجدون أنفسهم بحاجة ماسة إلى زيادة معلوماتهم عنهم وتقوية
عالقاتهم بهم ،حتى ال يخطئوا بتقويمهم ويعرضوا أنفسهم النتقادات زمالئهم ،وبالتالي
-تقرير نوع الحوافز التي تقدم للموظفين ومعرفة مستحقيها ،فاملوظف الجيد يحتاج
دوما إلى اهتمام ورعاية اإلدارة لتحفزه على االستمرار واملضاعفة من جهده وعطائه .
واملوظف الضعيف هو أيضا يحتاج إلى تشجيع اإلدارة لتجاوز ضعفه ورفع مستواه .ولكن
األسلوب املتبع مع املوظف األول ال ينبغي استخدامه مع املوظف الثاني ،فقد يحفز املجدون
بترقيتهم أو بمنحهم مكافأة مادية وتقديم شهادة شكر لهم .بينما يحفز املقصرون من خالل
تدريبهم وتحسين ظروف عملهم أو إشعارهم برغبة اإلدارة في تطويرهم لذاتهم قصد اللحاق
غير أن الواقع العملي للممارسة يبين أن عملية التقييم السابق ذكرها ،تتعرض
للمحسوبية والزبونية ومجموعة من املظاهر السلبية ،التي تفرغ عملية التقييم من الهدف
الرئيس ي لها.لذلك يجب على الرؤساء أن يتحملوا مسؤلياتهم ويتمسكوا باملوضوعية ،في
التقويم وعدم االنحياز ويتجنبو األهواء والنزاعات ويتعاملوا مع املرؤوسين بكل تجرد
ومصداقية.
خالصات
انطالقا مما سبق يتضح جليا أن العنصر البشري يشكل أحد الرافعات األساسية
لالرتقاء بمستوى املجالس املنتخبة ،وقد بينت املمارسة العملية من خالل األرقام
واملعطيات مدى الصعوبات التي يعاني منها تأهيل هذا العنصر ،بالرغم من كل املجهودات
املبذولة والتي تبقى في نظرنا غير كافية وينقسها الكثير الجدية والفعالية.
فقد كان لضعف تكوين املنتخبين واملوظفين الجهويين تأثير واضح وكبير على مستوى
التدبير املالي واالداري لسنوات مضت ،وهو األمر الذي يتطلب االنكباب على معالجته بشكل
جدي إذا أردنا أن نجعل من هذه الوحدات الالمركزية أداة فعالة لتحقيق التتنمية .هذا
-ضعف هيكلة وبناء إدارة الجهات ال يمكنها من القيام باألدوار املنوطة بها دون
تحفيزات ،ودون توفرها على أطر من نوعية خاصة سيما في املدن الكبرى ،والجهات التي
تواجه تدبير مرافق معقدة مثل مرفق النقل وانخفاض في املؤهالت الكمية والنوعية للموارد
-إن املوارد البشرية املؤهلة تعد عنصرا أساسيا لدعم استقاللية الجهة ،سواء الشق
املتعلق باملنتخبين الذين تفترض فيهم الكفاءة والخبرة أو املوظفين الجهويين.وذلك عبر
-ضرورة التركيز على الرفع من القدرات املعرفية والعلمية للمنتخبين ،وتدعيم الجهات
بأطر وموارد بشرية ذات اختصاصات متنوعة وألجل تحقيق ذلك يجب أن يتم التنصيص
في القانون التنظيمي املتعلق بالجهات على تنمية الكفاءات البشرية بصفتها من بين
-التنصيص على اشتراط مستوى تعليمي معين لدى رئيس الجهة وذلك بإضافة فقرة
للمادة 87من ق.ت.ج ،في القسم املتعلق بشروط تدبير الجهة تنص على أنه "ال ينتخب
رئيسا للجهة إال من يتوفر على شهادة اإلجازة وذلك بهدف تحسين قدرات الرئيس واألعضاء
املتوفرة لديها ،حيث يقوم التشخيص بتحديد حاجات كل جهم من املوارد البشرية كميا
ونوعيا وأيضا تحديد مجاالت التدبير التدبير التي تتطلب تدابير للتكييف في مجال التكوين
-ضرورة تبني سياسة عمومية إرادية في مجال تنمية الكفاءات البشرية على املستوى
وأن يكون هدفها الرفع من مستوى اإلدارة وجعلها أداة حقيقية لخدمة التنمية االقتصادية
واالجتماعية للجهات.
-ضرورة املالئمة بين النظام األساس ي للوظيفة العمومية وبين متطلبات الجهوية حيث
يبقى النظام األساس ي للوظيفة العمومية محكوما بمنطق تدبيري مركزي مما يجعله عائقا
في وجه تطوير الالمركزية والالتمركز في مجال تدبير املوارد البشرية لذلك البد من تكييفه
-إقرار إجبارية التكوين بالنسبة للمنتخبين الذين يقومون بوظيفة اتخاد القرار أو
املساعدة على اتخاذه ومن األفضل أن يتم في بداية ممارسة الوظائف وذلك بهدف تمكينهم
من التأقلم السريع مع مسؤولياتهم الجديدة وتقدير أهميتها واملساهمة في تحسين حكامة
الجماعات الترابية.214
-ضرورة قيام األحزاب السياسية باالستثمار في تكوين منتخبيها ودعم كفاءاتها الحزبية
-جعل مؤسسات التربية والتكوين شريكا رئيسيا في عملية تنمية كفاءات املوارد
البشرية العاملة على صعيد املجاالت الترابية وهو األمر الذي يتطلب من هذه املؤسسات
214تدبير وتنمية الكفاءات البشرية رافعة أساس لنجاح الجهوية المتقدمة ،تقرير للمجلس االقتصادي واالجتماعي والبيئي. ،
. 2013ص00
أن تقبل إدخال اإلصالحات الضرورية على أنظمتها الداخلية والبرامج واملضامين واملناهج
التعليمية وذلك كي تكون قادرة على االستجابة للحاجات املعبر عنها من قبل الجهات وباقي
-تثمين الوظائف التي تتم ممارستها على املستوى الترابي من أجل جعلها أكثر جاذبية
وذلك عبر تدابير تحفيزية وإيجابية بحيث يجب األخد بعين االعتبار هذه التدابير في إطار
مختلف القوانين املنظمة لتلك املهن والوظائف ويجب أن تكون موضوعا للتفسير
لألشخاص املعنيين وأن تواكبها اليات تحفيز تكميلية يمكن أن تحركها املجالس املحلية
وإعمال اإلسقاطات املمكنة على التجربة املغربية حيث يمكن لهذه التجارب أن تلهم
الجهات والدولة مدعوة من أجل ذلك إلى تعزيز برامج التعاون الدولي الرامية إلى دعم
الهيئات الترابية الالمركزية في مجال تقوية القدرات وتحسين مسارات تدبير وتنمية
الكفاءات البشرية على املستوى الترابي أما الجهات فبإمكانها اإلستفادة من النماذج
الناجحة في تنمية الكفاءات املعتمدة من قبل نظيراتها األجنبية على أن تأخذ بعين االعتبار
215تدبير وتنمية الكفاءات البشرية رافعة أساس لنجاح الجهوية المتقدمة ،تقرير للمجلس االقتصادي واالجتماعي والبيئي،
. 2013ص02
الكتب
-باهي محمد :تدبير املوارد البشرية باإلدارة العمومية مطبعة النجاح الجديدة ،الدار
-مطر الهيتي خالد عبد الرحيم ،إدارة املوارد البشرية مدخل استراتيجي ،الطبعة األولى
-زيتوني حجيبة :الجهة و اإلصالح الجهوي باملغرب" ،السلسلة املغربية لبحوث اإلدارة
األطروحات والرسائل
-او ميمون زكرياء ”:األداء السياس ي و اإلداري للمنتخب الجماعي باملغرب ” ،بحث
لنيل دبلوم الدراسات العليا املعمقة في القانون العام ،وحدة البحث ،تدبير الشأن العام
7001- 7002.
رسالة لنيل شهادة املاستر في القانون العام ،كلية العلوم القانونية و االقتصادية
واالجتماعية ،جامعة سيدي محمد بن عبد هللا – فاس – السنة الجامعية 7083-7081
-املنصوري سليم ” :حكامة تدبير الشان العام الترابي للجماعات على ضوء القانون
-الهادف حليمة :التدبير العمومي املحلي و إشكالية التحديث ,أطروحة لنيل الدكتوراه
في القانون العام ،جامعة محمد الخامس ،أكدال-الرباط ،السنة الجامعية2011 / 2012
-البريه يوسف :استقاللية القرار املالي للجماعات الترابية دراسة تحليلية .بحث لنيل
دبلوم املاستر في القانون العام ،جامعة محمد الخامس ،كلية العلوم القانونية و االقتصادية
-بلفقيه عليه:مبدأ املوازنة في املغرب دراسة تحليلية آلليات توزيع املوارد مابين
الجهات ما بعد سنة 7088بحث لنيل شهادة املاستر جامعة محمد الخامس الرباط -7082
7081
-جيادي سميرة :الحكامة الجيدة وتدبير الشأن العام املحلي ” أطروحة لنيل الدكتوراه
في القانون العام ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية و االجتماعية ،جامعة موالي
-والحاج فدوى :الفاعلون في تدبير مالية الجماعات الترابية باملغرب ،بحث لنيل دبلوم
املاستر في القانون العام و العلوم السياسية،جامعة محمد الخامس ،كلية العلوم القانونية
-حساك السعدية :تدبير املوارد البشرية و دوره في التنمية نموذج اإلدارة املغربية .
بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا املعمقة في القانون العام ،جامعة محمد الخامس ،كلية
-لوكو محمد :إشكالية التحيز باإلدارة الجماعية ،بحث لنيل دبلوم املاستر في القانون
العام ،جامعة عبد املالك السعدي ،كلية العلوم القانونية و االقتصادية و االجتماعية ،
املقاالت العلمية
-أمجد علي :املوارد املالية والبشرية ،مقومات أساسية الالمركزية الجهوية ووسيلة
-بنلمليح منية:تأهيل املوارد البشرية بالجماعات الترابية خطوة نحو اإلصالح االداري
-تدبير وتنمية الكفاءات البشرية رافعة أساس لنجاح الجهوية املتقدمة ،تقرير
لفائدة اعضاء مجالس الجماعات الترابية ومدتها وشروط االستفادة منها ومساهمة
-تقرير حول املوارد البشرية بالوظيفة العمومية ،وزارة الوظيفة العمومية و تحديث
املواقع االلكترونية
البشريةwww.alkanounia.com
املراجع االجنبية
املشكلة له ،خاصة في ظل سياق دولي يتسم بالعوملة ،والتأثيرات املتبادلة ،مما يؤدي إلى
الذي يوجه صانع القرار إلى اتخاذ إجراءات ،تحول دون حدوث االنفجار ،كمرحلة ما بعد
األزمة ،إن لم يتم تدبيرها بشكل سليم وعقالني ،ينظم مختلف مراحل األزمة وأبعادها.
يشير مجموعة من الباحثين ،إلى أن ما يسم الحياة الدولية املعاصرة ،هو كونها عصرا
ﹰ
لألزمات ،وتفترض من صناع القرارات الخارجية ،اتخاذ إجراءات تعكس قدراتهم على
املواجهة ،والحيلولة دون وصول الشرارة إلى مداها األقص ى ،من خالل توظيف مجموعة
من اآلليات السياسية واالستراتيجيات ملواجهة األزمات من منطلق الوعي أن كل خلل أو
أزمة تشكل تهديدا لألمن والسلم الدوليين ،خصوصا في ظل تنامي مجموعة من التحديات
الجديدة التي تستدعي تعبئة وجهدا كبيرين ملواجهتها كاإلرهاب والهجرة السرية وتمدد
الجماعات املتطرفة واإلجرامية ،...فما هي األزمة؟ وما خصائص األزمة الدولية؟ ثم ما هي
اآلليات السياسية لتدبير األزمات في السياق وامليثاق الدولي؟ وما هي مختلف االستراتيجيات
الدولية.
مقدمة:
َّ
إن تدبير األزمة ليس باألمر الجديد في العالقات الدولية ،بحكم أن طبيعة الحياة
الدولية مرتبطة بالتفاعل والتنافس والصراع والفوض ى حسب رواد املدرسة الواقعية،
الذين يؤكدون على أن السمة الغالبة على املجتمع الدولي ،هي الفوض ى وسيادة استعمال
القوة في حسم العديد من الخالفات واألزمات الدولية ،رغم وجود العديد من املؤسسات
واملنظمات التي تسعى إلى تدبير االختالف والصراع ،في إطار قواعد القانون الدولي ،إذ توجد
بعض القوى الدولية التي ال تلتزم بها ،وتعتبر سيادتها تعلو على كل نظام كوني ،وهذا ما
من منطلق أن البحث في األزمات الدولية ،وآليات تدبيرها يندرج ضمن أدوار
السياسة الخارجية ،التي أضحت من املواضيع التي تثير اهتمام الباحثين في املغرب على
وجه الخصوص ،سواء من خالل التركيز على مخرجات هذه السياسة على التنمية واألمن
الداخلي واإلقليمي ،أو من خالل البحث في املدخالت التي توجه السياسة الخارجية ألية
دولة ،من خالل القرارات التي تصنعها مؤسسات صنع القرار الخارجي الدولي واإلقليمي،
ﹰ لفهم الخلفية املعلوماتية ،وتحديد أسس املوضوع فإن اإلطار النظري يعتبر مدخال
ﹰ أساسيا
وللوقوف على اآلليات املؤسسية لصنع القرار الخارجي الدولي ،وكيفية اتخاذ قرار
ﹰ لألمن
االنخراط في تدبير األزمات التي يرتبط بها املجال الجغرافي ،والتي يشكل حدوثها تهديدا
واالستقرار والسلم الدولي ،نخصص الفرع األول للحديث عن األسس املفهومية لتدبير
األزمات ،على أن نتحدث في الفرع الثاني على اآلليات السياسية واالستراتيجيات املنصوص
عليها في املواثيق الدولية واملوجهة لعمل الهيئات واملؤسسات التي تعنى بحفظ األمن
واالستقرار.
َّ
إن غياب اتفاق بين الباحثين والدارسين ،حول مفهوم جامع ومانع ملفهوم األزمة
وآليات تدبيرها يرجع في جانب منه ،إلى افتقاد العلوم االجتماعية لنظرية تفسيرية عامة
لظاهرة األزمة الدولية ،وغياب بناء فكري تنظيري شامل يمكن تعميمه على كل الحاالت
الواقعية ،لذلك يلجأ كل باحث إلى تبني تعريف إجرائي يناسب موضوع البحث ،ويتفق مع
أهداف دراسته ،لكن هذا ال يمنع من البحث في مفهوم األزمة ومميزات األزمة الدولية
وخصائصها.
تعرف الداللة املفهومية لألزمة بعض الصعوبة في تحديدها ،بحكم اتساع نطاقها
وتداخلها مع مجموعة من املفاهيم التي تتقاطع معها ،مثل النزاع واملشكل والكارثة ،لكن
ما يمكن قوله إن مفهوم األزمة ،مفهوم ضارب بجذوره في عمق تاريخ اإلنسانية ،بدءا من
الحديث عن أزمة الثقة بين األفراد ،وانتهاء بأزمة العالقة بين الدول وما ينتج عنها من
مخاطر كبرى .216وقد نشأ مصطلح األزمة في العصر اإلغريقي ،للداللة على تلك اللحظة
قاطعا من
ﹰو ﹰ ﹰ مفاجئا
العرضية الحرجة التي ترتبط بها حياة اإلنسان ،حيث كان يصف تغيرا
املمكن أن يقود إلى الشفاء أو املوت ،217ليتطور املفهوم في القرن السابع عشر ليدل على
ارتفاع درجة التوتر بين السلطة السياسية والكنسية ،ومع ظهور الديمقراطية والليبرالية
في أوروبا ،استخدم املفهوم لإلشارة إلى لحظات التحول أو املشكالت الخطيرة في العالقات
َّ
إن األزمة هي فعل أو نشاط من صنع اإلنسان بإرادته املباشرة أو بدون قصدية،
كتمييز لها عن الكارثة الطبيعية ،ومرحلة من مراحل الصراع ،تعبر عن اللحظة الحرجة أو
نقطة التحول الخطرة التي تهدد العالقات بين الفاعلين أو بينهم والبيئة املحيطة بهم ،وقد
216ـ سامي ابراهيم الخزندار :إدارة الصراع وفض المنازعات –إطار نظري – الدار العربية للعلو م ناشرون،
بيروت ،لبنان ،الطبعة األولى ،0314 ،ص .130
0ـ عبادة محمد التامر ،سياسة الواليات المتحدة األمريكية وإدارة األزمات الدولية ،المركز العربي لألبحاث ودراسات
السياسات ،الطبعة األولى ،بيروت ،أبريل 0312ص .06
-218سامي إبراهيم الخزندار ،المرجع السابق ،ص .132
قد تتحدد فيها مسارات تطور العالقة إما إلى الحرب أو إلى السلم .219وتتعدد املفاهيم
املرتبطة بتحديد مفهوم األزمة ،بين من اعتبرها الوضع الذي يتم فيه تحديد األهداف ذات
األولوية لصناع القرار ،220وبين من يرى أن األزمة هي مرحلة من مراحل الصراع ،تشمل
-7وضع فيه تهديد جزئي ملنظومة القيم أو املؤسسات السياسية أو االجتماعية أو
األمنية.222
إليضاح أكبر ملفهوم األزمة ،البد من تحديد بعض املفاهيم ذات الصلة بمفهوم
األزمة ،حتى تكون النتائج والخالصات املرتبطة به ،تسير في االتجاه الصحيح ،فهناك
الكارثة هي ذلك الحدث الذي يسبب دمارا شامال وأضرارا كثيرة مما يجعلها حادثا
ﹰ ،يربك الحياة بشكل بالغ ،ويوقع العديد من الخسائر املادية والبشرية.
مفجعا ومأساويا
تتميز الكارثة بثالث صفات أساسية :أولها الشدة والقساوة ،بحيث يمكن قياس تلك الشدة
-219جمال أحمد المختار ،المفاوضات وإدارة األزمات ،مجلة السياسة الدولية ،مركز األهرام ،مصر ،العدد،137
1000ص .001
220
-Hermann, Charles، "International Crisis as a Situational Variable." In International
Politics and Foreign Policy. A Reader in Research and Theory, new york : the free press
1969 p 409.
221
- Holsti, OR. "Historians, Social Scientists, and Crisis Management: An Alternative
View." Journal of Conflict Resolution ,December 1980, p 655.
-7سامي ابراهيم الخزندار ،مرجع سابق ،ص .132
انطالقا من رصد حجم الدمار والخسائر التي ال يشترط وجودها في األزمة ،وثانيها اتساع
النطاق ،بحيث تشمل مخلفاتها مناطق جغرافية واسعة ،أو مؤسسات ومنظمات ،وثالثها
الشيوع والعلنية ،بحيث تكون الكارثة بارزة وواضحة ال يمكن تجاهلها أو حجبها ،كما يمكن
القول إن الفرق بين الكارثة واألزمة ،يكمن في كون األولى يمكن أن تحدث فجأة ،ويستحيل
التنبؤ بها التخاذ اإلجراءات الكفيلة بالحد منها ،في حين تشكل األزمة حصيلة مجموعة من
أما الصراع ،فهو ظاهرة اجتماعية تعبر عن حالة من عدم االرتياح أو الوقوع تحت
الضغط النفس ي ،الذي يحدث بسبب غياب التوافق بين رغبتين أو أكثر ،أو وجود تعارض
بين إرادتين أو أكثر .وفي املستوى الدولي يعبر الصراع عن حالة من تعارض املصالح ،أو
اختالف القيم ،بين مجموعة من التنظيمات أو املؤسسات ،التي لها تمايزها أو مصالحها
املتعارضة مع بنيات أخرى ،داخليا أو خارجيا .ويشير سياسيا إلى الحروب أو الثورات التي
تستخدم فيها القوة ،كما هو في الصراعات املسلحة ،224وقد يقترب مفهوم األزمة من مفهوم
تختلف األزمة كذلك عن مفهوم املشكلة ،بكون األخيرة تعني تلك الحالة الصعبة
التي تتطلب حال ،وهي كذلك حاالت تتعقد فيها عوامل متشابكة تتصف بالغموض ،ويحتاج
-8ادريس زروقي ،إدارة األزمات ونزاع الصحراء المغربية-دراسة تحليلية-الطبعة األولى ،0317مطبعة الكتاب،
الدار البيضاء ،ص .00
-9ادريس زروقي ،المرجع السابق ص .03
حلها إلى معرفة أسبابها وتحليل عناصرها وظروفها ،ويؤدي تراكم املشكالت إلى ظهور
إذا كان التحديد السابق قد ساهم في الوقوف عند االختالفات وتحديد التمايزات
القائمة بين األزمة واملفاهيم األخرى املرتبطة بها ،فإن ذلك التوصيف في البعد السياس ي
ال يرتبط أكثر إال بمفهوم األزمة ،على اعتبار أن املجال السياس ي ،خاصة في شقه الدولي،
ﹰ حينما
غني بالخصائص والصفات التي تؤثر على تمظهرات األزمات السياسية وتحديدا
تكون تلك التمظهرات ذات صلة وثيقة باملحيط الخارجي ،ومتغيراته في مسمى األزمة
الدولية ،التي تعني حسب أمين هويدي" سلسلة من التفاعالت بين دولتين أو أكثر ،يدور
بينهما صراع شديد يمكن أن يؤدي إلى نشوب حرب بينهما ،وفيها يكون صاحب القرار في
مواجهة ذلك املوقف املهدد للمصالح العليا للوطن ،فيتطلب األمر وقتا وجيزا للتعامل مع
ذلك املوقف واتخاذ قرارات نوعية وحاسمة" .226وتتسم بخصائص رئيسية ،تحدد رؤية
-10حسن عماد مكاوي ،اإلعالم ومعالجة األزمات ،ط ،0332 ،1الدار المصرية اللبنانية ،القاهرة ،مصر ،ص .20
-11أمين هويدي ،التحوالت االستراتيجية ،البيروسترويكا وحرب الخليج األولى ،الطبعة األولى ،1007 ،دار
الشروق مصر ،ص .101
لذا يمكن القول إن األزمة الدولية هي ذلك الجزء الحاسم من الصراع الدولي الذي
يتسم بتصاعد وتيرته ،نتيجة مساسها باملصالح القومية والقيم العليا ،بحيث يشعر صناع
ينطوي تعريف "األزمة الدولية" على أهمية علمية وعملية في آن واحد ،لذلك
حظيت باهتمام الفكر السياس ي األمريكي على الخصوص ،فإدوارد موس يعرف األزمة
الدولية ،بأنها "حالة طارئة ومفاجئة يمكن أن تكون غير متوقعة ،تتطلب خيارا سياسيا
الدولية هي فترة انتقالية بين الحرب والسلم ،لكن احتمال اللجوء إلى الحرب يتضاءل من
قبل الدول املتورطة فيها عندما يقل اللجوء إلى استخدام القوة" .231أما تشارلز هيرمان
الذي يعد من أهم رواد مدرسة صنع القرار ،فيعرف األزمة الدولية انطالقا من ثالث
خصائص:
-10عبادة محمد التامر ،سياسة الواليات المتحدة ،مرجع سابق ،ص .43
-10هيا عدنان عاشور ،الديناميكا السياسية وإدارة األزمات الدولية :اإلدارة األمريكية ألزمة الملف النووي
اإليراني أنموذجا ،الطبعة األولى ،0316 ،دار الجندي للنشر والتوزيع ،القدس ،ص .20
229
-raymond tanter and richard ulman, «theory and policy international relations-
washington,center of international studies, 1972 p 126.
-230أستاذ العالقات الدولية وأول صاحب بنك للمعلومات حول وقائع التفاعل /األحداث ،WEISالذي يحلل به
وقائع التعاون و الصراع في العالم منذ األربعينات .من أبرز منظري المدرسة النظمية في دراسة علم السياسة.
-231حسن بكر أحمد ،إدارة األزمة الدولية :نحو بناء نموذج عربي في القرن الواحد والعشرين ،مركز الدراسات
السياسية واالستراتيجية ،القاهرة ،مصر ،0332 ،ص .73
أ-تهدد واحدا أو أكثر من أهداف الدولة ،التي تحددها مجموعة من صناع القرار
املسيطرين.
ب-تسمح بفترة قليلة من الوقت التخاذ القرار ،قبل أن يتغير املوقف جوهريا.
يعكس مفهوم" األزمة الدولية" تفاعل مضمون األزمة مع البيئة املحيطة به في
النظام الدولي ،وباعتباره مرحلة من مراحل الصراع ،فإن مفهوم األزمة الدولية ،يمكن
بين دولتين أو أكثر ،وقد تتطور إلى مواجهة عسكرية .233ويمكن اعتبار األزمة الدولية
الصورة األشد كثافة للصراعات ،والتي تجري داخل النظام الدولي ،مما يحيل إلى تنشيط
محتمل للحرب ويعرف بأنها تدهور خطير في العالقات الدولية ،نتيجة تغير في البيئة
الخارجية أو الداخلية لألطراف املشاركين في األزمة ،هذا التدهور يولد لدى صناع القرار
ﹰ بوجود تهديد خارجي للقيم واألهداف الرئيسية للسياسة الخارجية ،مما يرجح
إدراكا
– الوجه الخارجي املتمثل في البعد الدولي الذي يؤثر في العالقات الدولية ،وهي من
األمور الطبيعية املسلم بها ،فال يمكن تصور العالقات الدولية دون أزمات ناتجة عن
التحديات الخارجية.
نتيجة للتفاعالت وتعارض املصالح بين الوحدات السياسية الدولية ،وجب على
صناع السياسات الخارجية االستعداد ملجابهة األزمات املحتملة حال حدوثها ،وقراءتها
بشكل يمكن من تدبيرها بالشكل األمثل ،والقيام بشكل مستمر بإعداد السيناريوهات
املستقبلية ملواجهة التحديات والتهديدات الخارجية املحتملة ،التي يمكن أن تواجهها في
املستقبل القريب.235
يرتبط تحليل دور آليات تدبير األزمات ودراسته باستحضار كل أبعاد األزمات
الداخلية منها والخارجية ،باعتبار أن العالم واملنطقة العربية على وجه التحديد تعاني من
طبيعة بنيتها الداخلية التي تعيق مسارات التنمية والتطور بها ،وكذلك تأثيراتها التي تتعدى
حدودها الضيقة لتهدد كل دول الجوار ،خصوصا في ظل الهشاشة األمنية والسياسية التي
تسم طبيعة الدولة في مجموعة من الوحدات السياسية ،ورغم أن هذه األزمات في عالقتها
-235سوران اسماعيل عبد هللا ،دور العقوبات الذكية في إدارة األزمات الدولية ،الطبعة األولى ،0310 ،منشورات
الحلبي الحقوقية ،لبنان ،ص 20-21
باملجال املغربي مثال ،تتحدد كأزمات إقليمية ،إال أنها كذلك بنفس دولي ،بحكم التدخالت
الدولية املوازية للتدخالت اإلقليمية من جهة ،وباعتبار التأثيرات املحتملة لتلك األزمات
على السياقات الدولية ،كظاهرة اإلرهاب والهجرة غير الشرعية ،التي تتجاوز نطاقات تأثيرها
مستوى القارة أو املجال اإلقليمي لتصير ظواهر مهددة للسلم واألمن الدوليين.
إذا كان من الصعب إيجاد تعريف جامع مانع ملفهوم األزمة الدولية ،فإنه من
البساطة القول بأن األزمة السياسية موقف من مواقف الصراع ،تتسم باملفاجآت وضيق
مجال التحرك ،وكثافة األحداث وحدة املخاطر املهددة للنظام املحلي أو اإلقليمي أو الدولي.
َّ
إن األزمة الدولية تتحدد من خالل عناصر عدة ،تعد الخصائص والسمات
املفاجأة :بمعنى مباغثة أطراف النزاع في الزمان واملكان اللذين ال يتوقعهما ،مما
االستقرار العام.
ضيق الوقت :حيث يكون لعامل الوقت أهمية بالغة قبل استفحال األزمة
وتعقدها ،مما يجعل إمكانيات الحل أمام متخذ القرار محدودة جدا ،وتزداد
كما يعد عنصر نقص املعلومات من العناصر األساسية في األزمات ،حيث إن
توافرها ينفي صفة املفاجأة بالتنبؤ ،ووضع تخطيط مسبق ،ويمكن من تدبير عامل الوقت
باستراتيجيات وسيناريوهات بديلة ومتناسبة مع مرحلة تطور األزمة ،بما يقلص من مخاطر
إضافة إلى ذلك ،يمكن القول إن من سمات األزمة الدولية املحتملة236. التهديدات
القائم.
-أولويات تأثيراتها يمكن أن تقود إلى نتائج محورية على األطراف في مجاالتها.
- 236سالم عبد هللا علوان الحبسي ،إدارة األزمات األمنية ،مركز اإلمارات للدراسات والبحوث االستراتيجية ،الطبعة
األولى ،0313ص .11
-20حسن بكر احمد ،إدارة األزمة الدولية ،مرجع سابق ص .60
-اإلحساس باألهمية القصوى ملا يجري ،مما يشكل ضغطا على صناع القرارات
الخارجي.
-قلة املعلومات املتاحة ،وارتفاع في حدة التوتر بين أطراف األزمة ،بما يهدد السلم
وتنقسم األزمات الدولية من حيث تكرارها إلى أزمات دولية غير قابلة للتجدد ،وهي
األزمات التي ترتقي إلى الحل ،ويكون حلها نهائيا يحول دون ظهورها على الساحة الدولية،
والنوع الثاني يرتبط باألزمات الدولية املمتدة ،والقابلة للتجدد ،أي األزمات التي يتم
َّأما األزمات من حيث املدى الزمني فتنقسم إلى األزمات الدولية السريعة الظهور؛
التي يتصارع فيها الزمن مع عمل صانع القرار السياس ي ،بحكم تمددها السريع واملفاجئ
واملتحول إلى درجة الخطورة بصورة كبيرة .والنوع الثاني هو األزمات الدولية البطيئة التي
تنمو بصورة تدريجية ،تستطيع الحلول املتدرجة معالجتها والحيلولة دون استفحالها.238
كما تتميز األزمة الدولية بخصائص متعددة ،تتحدد حسب طبيعة األزمة ،والزاوية
التالي239: التي ينظر إليها من خاللها .كما هو مبين في الجدول
-238سوران إسماعيل عبد هللا بنديان "،دور العقوبات الذكية في إدارة األزمات الدولية" ،منشورات الحلبي الحقوقية،
لبنان ،الطبعة األولى ،0310 ،ص.64
-239سالم عبد هللا علوان الحبسي" ،إدارة األزمة األمنية" ،مركز اإلمارات للدراسات والبحوث االستراتيجية ،الطبعة
األولى 0313ص.03
أزمات ذات أثار من حيث اآلثار أزمات إدارية /اجتماعية/سياسية من حيث النوع
بشرية/مادية/معنوية/مختلطة داخلية/محلية/ أزمات
/اقتصادية /أمنية من حيث أبعادهما
عمدية أزمات عمدية /غير من حيث القصد
إقليمية/دولية ومستوى حدوثهما
أزمات ذات تهديد عال الشدة/ من حيث تهديد أزمات إنسانية أو طبيعية أو من حيث طبيعة
متوسط الشدة /تهديد محدود املصالح الحيوية ناجمة عن سلوك غير معلوم. الحدث
من حيث التطور أزمات ثنائية /متعددة األطراف/ من حيث األطراف
أزمات كامنة /متوقعة/جديدة
التاريخي معقدة املتدخلين فيها
إرهاب الطرف اآلخر /االبتزاز/ من حيث الهدف أزمات عامة /شاملة/خاصة/ من حيث الشمول
تحقيق املصالح جزئية والتأثير
أزمات مصدرة /لها جذور في بلد
أزمات قصيرة األمد /طويلة األمد من حيث املدة من حيث املصدر
الحادث
أزمات متوقعة /أزمات مفاجئة من حيث درجة أزمات داخلية /خارجية من حيث نوع الجمهور
توقعها املتأثر بها
أزمات دورية مكررة /عشوائية غير من حيث معدل من حيث الفوائد
أزمات تنموية /عرضية
مكررة تكرار حدوثها واألضرار
أزمات سطحية /هامشية/
أزمات عنيفة/خفيفة من حيث شدتها من حيث عمق األزمة
عميقة /هيكلية /جوهرية
أما بخصوص مراحل األزمة فقد انبرى الباحثون والدارسون ،إلى الحديث عن
مراحل متعددة تمر منها األزمة ،وهذا التعدد يعود باألساس إلى طبيعة األزمة وحدتها
ومؤشرات وقوعها ،في إطار ما يطلق عليه دورة حياة األزمة ،التي تشبه دورة حياة الكائن
البشري ،الذي يمر من مرحلة النشوء ،وامليالد ،ثم مرحلة النمو ،والنضج وصوال إلى
االنحدار واملوت .وترتبط قدرات الفاعل في استطاعته إدراك مراحل تطور األزمة
و"إجهاضها" قبل وصولها إلى مرحلة الذروة ،ويحصرها " محمد الشافعي" في ثالث مراحل
أساسية:
-مرحلة ما قبل وقوع األزمة :وهو ما يعرف باستشعار األزمة واتخاذ اإلجراءات
الوقائية حتى يمكن تالفيها ،وهذا ال يتوفر إال للمنظمات والدول التي تتوفر لديها
األزمات.
-مرحلة مواجهة األزمة حال وقوعها :من خالل اتخاذ اإلجراءات التي تحد من أثارها
-مرحلة إجراءات ما بعد األزمة :من خالل دراسة وتقييم للرهانات واألثر impact
والتساؤل عما حدث؟ وملاذا حدث؟ وكيف حدث؟ وماهي البدائل والسبل الكفيلة
؟240. بعدم الحدوث
إن أهمية معرفة دورة األزمة ومراحلها يفيد في تحديد املرحلة التي تعيشها
للتعامل معها ،وإدارتها بشكل جيد رغم الصعوبة العملية ،واملنهجية الشاقة التي تعتري
هاته القدرة على املعرفة لطغيان األحكام واآلراء الذاتية في مقاربة املرحلة التي وصلت إليها
-25حسن عماد مكاوي ،اإلعالم ومعالجة األزمات ،ط ،1الدار المصرية اللبنانية ،0332 ،مرجع سابق ،ص .74
ومما تجدر اإلشارة إليه في هذا الصدد ،أنه في جميع مراحل نشأة األزمة الدولية،
هناك ضرورة أن يكون صانع القرار ُملما ومدركا بشكل كاف بأدوات التعامل ومواجهة
ملصالحه241. مخلفات األزمات املهددة
كما تتحدد أهمية تحديد مراحل األزمة في الوقوف على العوامل املسببة لها،
واتخاذ القرارات الالزمة ملواجهتها ،أما بعد انحسار األزمة أو اختفائها فيجب على األجهزة
املسؤولة عن تدبير األزمة ،القيام بتقييم وبحث موضوعيين لألدوار والرهانات ،بغية
تطويقها وتوفير حلول ملواجهتها ثانية ،بما يحقق األهداف والرهانات التي يود تحقيقها
إن إدارة األزمة وتدبيرها أو التدبير باألزمة ،ليست مسالة مرتبطة فقط بالظواهر
السياسية بل تتعداها لتشمل كل مناحي الحياة البشرية ،رغم أن دراستنا سوف تقتصر
فقط على دراسة األزمات السياسية ،والتركيز على اإلقليمية منها ،رغم أن الوصف سيميل
إلى اعتبارها أزمات دولية .ومما ال شك فيه أن مسألة تدبير األزمات تتحدد بالقدرة على
صناعة القرار واتخاذ اإلجراءات الالزمة في وقت مناسب ،مما يفرض توفر مهارات،
-26سالم عبد هللا علوان الحبسي ،إدارة األزمات األمنية ،مرجع سابق ص .10
التدبير الس يء لألزمة عائقا أمام صانع القرار ،يؤدي به إلى تسديد فاتورة باهظة على
هذه اإلكراهات تجعل من تدبير األزمة فنا لتدبير املخاطر ،وعلما يقتض ي منهجية
علمية ومقاربات نظرية ،تنهل من املرجعيات األكاديمية ،بما يحيل على تدبير عقالني وموجه
تتماش ى مع الثوابت والرهانات املحددة سلفا ،قبل اتخاذ القرار السياس ي باالنخراط في
تدبير أزمة إقليمية أو دولية معينة .لذلك تظهر أوال أهمية تحديد مفهوم تدبير األزمات
ومختلف املقاربات التي عملت على ربطه بمنهجية علمية وعملية محددة ،وقبل استحضار
اآلليات املعتمدة في تدبير األزمات ثانيا ،وثالثا االستراتيجيات التي يوظفها مدبر األزمة.
يرتبط بتدبير حالتي السلم والحرب ،أو ما بينهما بمسمى األزمة ،حتى ال تتحول إلى حرب،
مما يقتض ي القيام بإجراءات وتدابير تحول دون ذلك ،وهو ما يطلق على تسميته "بتدبير
األزمة" ،التي تعني بشكل مبسط " فن إدارة السيطرة على األحداث وعدم السماح لها
بالخروج عن نطاق التحكم" 242في محاولة للتغلب على األزمة الواقعة بين دولتين أو أكثر،
أو بين فاعلين في مجال معين ،من أجل منع تفاقمها ووصولها إلى مرحلة تهدد األمن اإلقليمي
-242ادريس لكريني ،إدارة األزمات في عالم متغير :المفهوم والمقومات والوسائل والتحديات ،المركز العلمي
للدراسات السياسية ،المطبعة والوراقة الوطنية ،مراكش ،المغرب ،الطبعة الثانية ،0314 ،ص .00
والدولي ،وتنذر بتبعات أمنية أو اقتصادية أو اجتماعية ،تؤثر في املجال املحيط بها ،الذي
قد يكون محدودا كما قد يكون ممتدا في حدود كبيرة جدا .لذلك ارتبط تدبير األزمة
بالتوظيف األمثل للمعلومات املتوفرة ،ورصد حركة املتغيرات واألطراف ،واتجاهات القوة
وخارجيا243. ومحاولة التكيف السريع مع املتغيرات واملؤثرات املحيطة باألزمة داخليا
يمكن القول بأن تعريفات مفهوم " تدبير األزمات " متعددة ومتنوعة أيضا،
بحسب االتجاهات واملقاربات واملنطلقات الفكرية للباحثين في املجال ،لكن ذلك ال يمنع
يعرف العماري تدبير األزمات وإدارتها بأنها "العمل على تجنب تحول النزاع إلى
صراع شامل بتكلفة مقبولة ،ال تتضمن التضحية بمصلحة أو قيمة جوهرية " 244وبالتالي
فإنها نشاط عملي يستحضر فيه مدبر األزمة املصالح القومية ،ومدى تأثر مجاله باستفحال
األزمة ،مع األخذ بعين االعتبار منطق الربح والخسارة في حالة اتخاذ القرار باالنخراط في
كما يرى محمد الشافعي بأن تدبير األزمة وإدارتها هي " كيفية التعامل والتغلب
على األزمة باألدوات العلمية املختلفة وتجنب سلبياتها واالستفادة منها مستقبال" ،وهنا
تتداخل املعرفة العلمية وتوظيف املنهج العلمي في مقاربة الظواهر السياسية ،إلى جانب
-243هيا عدنان عاشور ،الديناميكا السياسية ،وإدارة األزمات الدولية ،مرجع سابق ص .70
-244عباس رشدي العماري ،إدارة األزمات في عالم متغير ،مركز األهرام للترجمة والنشر ،القاهرة ،مصر،1000 ،
ص .40
ويشير الباحثون واملمارسون ،إلى أن إدارة األزمات وحسن تدبيرها هي علم ،بمعنى
وجود منهج له أصوله وقواعده ،وقد بدأ هذا العلم يتبلور في العقود األخيرة رغم أن
ممارسته قديمة جدا في السلوك اإلنساني الذي كان دائما يتفاعل مع أزماته بإيجاد حلول
فضلى لها ،لكن في مجال العلوم السياسية أصبح املفهوم حاضرا بقوة ،منذ بدايات القرن
والعسكرية والعلمية ،فشاع استخدام كلمة " األزمة " فعرفت األزمة االقتصادية ل8373
وما تالها من أزمات سياسية وعسكرية ،أدت إلى نشوب الحرب العاملية الثانية ،وبعد انتهاء
الحرب وظهور أزمات الحرب الباردة بين املعسكرين الشرقي والغربي ،برزت أزمات جديدة
هددت السلم واألمن الدوليين ،فكانت األزمة الصينية ( )8342-8342وأزمة برلين (-8341
)8343وغيرها كثير.
ويمكن القول إن موضوع تدبير األزمات ،أصبح على رأس املوضوعات الحيوية في
العالم ،منذ أزمة الصواريخ الكوبية ،2458377وتكمن أهمية هذا الحدث في تصريح وزير
الدفاع األمريكي في ذلك الوقت ماكنمارا ،بقول مفاده أن الحديث عن اإلدارة االستراتيجية
ألحداث العالم قد انتهى ،ليصبح الحديث عن إدارة لألزمات .فأصبح للمفهوم أهمية كبيرة
َّ
كونه جنب البشرية ويالت حرب نووية بين االتحاد السوفياتي والواليات املتحدة األمريكية،
-245خالل سنة 1060اكتشفت الواليات المتحدة األمريكية وجود خطة سوفييتية ترمي إلى نصب صواريخ متطورة
على األراضي الكوبية موجهة ضد أهداف أمريكية؛ وهو ماحذا بها إلى فرض حصار بحري حول كوبا للحيلولة
دون نصب هاته الصواريخ م ّما أدى إلى تأزيم العالقة بين موسكو وواشنطن؛ لتنتهي األزمة بعد اإلتصاالت بين
خروتشوف وكينيدي بعد تفكيك الصواريخ السوفييتية مقابل التزام امريكا بعدم التعرض للشؤون الداخلية الكوبية و
سحبها الصواريخ النووية من األراضي التركية المتاخمة لالتحاد السوفياتي؛ للتوسع في الموضوع ينظر ،علي صبح:
الصراع الدولي في نصف قرن ،1002-1042دار المنهل اللبنانية ،الطبعة التانية 0336ص 161-163و ما يليها.
ونظرا لتكلفة آلياته املتواضعة أمام التكاليف الباهظة التي تؤدي إليها الحروب
التقليدية .246كما أن تدبير األزمات فن أيضا ،بمعنى أن ممارستها تعتمد على أشخاص
يتحلون بقدرات ومهارات خاصة ،منها القدرة على التحليل والتخيل واإلبداع ،والتقدير
ُ َّ ُ ُ
ومتخذ القرار السياس ي ،إضافة دبر
السليم وغيرها من الصفات التي يفترض توفرها في م ِ
إلى ِاتصافه بالكاريزما واملقبولية لدى أطراف النزاع.
إذا كان من الطبيعي القول بأن وجود األزمات داخل بنية املجتمع الدولي ،بحكم
تضارب املصالح وتعقد الرهانات أمر طبيعي ،فإن املالحظ أن األزمات ازدادت استفحاال،
وأضحت أكثر تعقيدا ،خصوصا بعد انهيار الثنائية القطبية ،وما تمخض عنها من متغيرات
على البيئة الخارجية وظهور قوى وظواهر مؤثرة في البيئة الدولية مثل العوملة والجماعات
اإلرهابية وتشابك املصالح املالية ،بتنامي دور الشركات الدولية أو العابرة للقارات؛ وغيرها
من الظواهر التي تشكل مصادر لألزمات ومسسبباتها ،خصوصا في مجاالت محددة ،حيث
تالزمت األزمات في إفريقيا والشرق األوسط بشكل كبير ومهول ،تجاوز في قدراته إمكانية
حلها باالعتماد على املنظمات الدولية ،التي أضحت عاجزة عن ذلك بحكم أزمتها البنيوية،
وخروجها في كثير من األحايين عن املصداقية والحياد الالزمين ،مما أثر في شرعيتها لدى
أطراف النزاع ،الش يء الذي فرض القيام بمبادرات فردية أو متعددة األطراف ،من أجل
إيجاد حلول تجنب الدخول في متاهات الحروب التي ستؤثر على مجاالت حيوية مباشرة،
دأب املجتمع الدولي منذ البدايات األولى لنشأة الدولة ،على ابتداع مجموعة من
الوسائل واآلليات السلمية الحتواء األزمات وتطويقها ،والحيلولة دون وصولها إلى لحظة
االنفجار ،من منطلق إدراك للواقع الدولي ،وما يرتبط به من صراع للمصالح وتضاربها،
مما يفرض اللجوء إلى الوسائل السلمية ،بغاية تأمين السلم واألمن الدوليين ،247فقد جاء
في املادة الثانية من ميثاق األمم املتحدة ما يلي " :يفض جميع أعضاء الهيئة منازعاتهم
الدولية بالوسائل السلمية على وجه ال يجعل السلم واألمن والعدل الدولي عرضة للخطر".
ومهما يكن فإن حظر اللجوء إلى القوة والتسوية السلمية للنزاعات الدولية،
يشكالن اليوم قواعد أساسية للقانون الدولي املنصوص عليها في الوثائق التأسيسية
للمنظمات الدولية واإلقليمية (ميثاق األمم املتحدة ،248اتفاقية حلف الشمال األطلس ي،249
ميثاق الجامعة العربية ،250ميثاق االتحاد اإلفريقي .)251وكذلك اإلعالن الخاص بمبادئ
القانون الدولي ،التي تخص العالقات الودية والتعاون بين الدول ،الذي صوت عليه من
ُ
ؤكد
قبل الجمعية العامة لهيئة األمم املتحدة في 84أكتوبر ( 8320القرار رقم )7772وامل ِ
على أهمية مبدإ التسوية السلمية للنزاعات ،وذلك بنصه على َّ
أن "الدول يجب عليها تسوية
-247ادريس لكريني " إدارة األزمات في عالم متغير ،"...مرجع سابق ذكره ،ص .20
-248المادة 30من ميثاق هيئة األمم المتحدة.
-249المادة 31من اتفاقية حلف األطلسي.
-250المادة 32من ميثاق الجامعة العربية.
-251المادة 30من ميثاق منظمة االتحاد اإلفريقي.
نزاعاتها مع الدول األخرى بطرق سلمية ،بطريقة ال تضع السلم واألمن الدوليين ،وال حتى
خطر"252. العدالة في
وقد جاءت املادة الثالثة والثالثون من ميثاق األمم املتحدة بمجموعة من
الوسائل التي يجب التماسها من أجل حل الصراعات؛ عبر سلك درب املفاوضات والتحقيق
والتحكيم والتسوية القضائية؛ أو االلتجاء إلى الوكاالت أو املنظمات اإلقليمية أو غيرها من
وسائل تدبير الصراعات بالطرق السلمية كالوساطة واملساعي الحميدة والتوفيق بين
أطراف النزاع.
َّ
إن الوسائل الدولية إلدارة األزمات متعددة ومتباينة ،وتتنوع بين وسائل
الورقة يقارب أهم آليات تدبير األزمات املنصوص عليها دوليا ،فإن انخراط الدول في هذا
األمر يرتبط بتداعيات األزمات على األمن اإلقليمي ،وما يشكله ذلك من تمدد للجماعات
اإلرهابية وحشود الهجرة غير الشرعية ،ومن انعكاسات سلبية على التنمية والسلم في
الدوائر الجيو-استراتيجية العاملية؛ وعلى هذا األساس فإن مساهمة املؤسسات الدولية
-252هناك مجموعة من النصوص القانونية األخرى التي تتضمن بعض األحكام الخاصة بالتسوية السلمية للنزاعات
كالعقد الختامي للملتقى حول األمن والتعاون في أوربا المبرم في هلسنكي في 31غشت .1072
-253ادريس لكريني " إدارة األزمات الدولية في عالم متحول :مقاربة الدور األمريكي في المنطقة العربية" ،مقالة
منشورة بموقع ديوان العرب ،بتاريخ 7 ،أكتوبر ،0336على الرابطhttps://bit.ly/2OPiVOt :
والقارية وحتى الدول في تدبير األزمات ترتكز باألساس على توظيف اآلليات الدبلوماسية
عندما تستفحل أزمة ما ،فإن الدبلوماسية التقليدية تستمر في أداء وظيفتها،
ولكن تظهر الحاجة إلى التوازن مع التدخل وسرعة تطور األزمة ،وتتمثل هذه الجهود من
خالل فتح قنوات ومسالك ،بممارسة الضغط على األطراف أو تقديم الوساطة بينهم ،أو
بمساع حميدة ،وذلك لتشجيعهم على الحوار وحل األزمة ،بانتهاج السبل
ٍ السعي بينهم
السلمية وتنويعها ،ألن إدارة أية دولة لألزمات ،ال تستخدم أسلوبا واحدا ،بل يمكن اعتماد
أساليب متعددة في نفس الوقت ،ومراعاة حسن التوقيت في استخدام األسلوب واستثمار
نتطرق في ورقتنا لتدبير األزمات الدولية إلى طرق وكيفيات الحل الدبلوماس ي
والسياس ي التي تعتمدها املواثيق الدولية وتفعلها املؤسسات والوحدات السياسية ،وذلك
8ـ الوساطة :تتمثل في تلك األعمال التي يقوم بها الغير( ،الدولة ،املنظمات الدولية
أو شخصيات معينة )...وذلك بهدف تقريب الرؤى بين األطراف املتنازعة ،بواسطة
ًّ
اقتراحات فعلية ،تتضمن قواعد تسوية أو حال نهائيا للخالف بينها .وعليه فإن الطرف
الوسيط يمتاز بنشاط وحركية ،وال يكتفي فقط بتقريب وجهات النظر ،والدعوة إلى
املفاوضات ،بل يقترح قواعد للتفاوض ،ومداخل لحل األزمة ،وقد َّ
عرفها الكونت برندوت
-254إسماعيل عبد الفتاح عبد الكافي" إدارة الصراعات واألزمات الدولية" ،مطبعة كتب عربية ،0336 ،ص.06
إلى األمم املتحدة " :إن الوساطة تنتج عن عرض املساعي الحميدة ،وإن املهمة األولى
للوسيط هي املبادرة باقتراحات موجهة إلى تنشيط املصالح وتقريبها ،وتوحيد اآلراء
املتضاربة".255
وتهدف الوساطة إلى وضع حدود ألزمة بين دولتين أو أكثر ،كبديل للتقاض ي،
ومساعدة األطراف املعنية دون اتخاذ قرارات عنهم ،كما يحدث في التحكيم القضائي ،ولكن
مساعدة األطراف عن طريق تسهيل عملية االتصال بينهم وإيجاد الحلول ،واالتفاق على
مجموعة من الخطوات لحل املشاكل ،256ونذكر هنا الوساطة األمريكية سنة 8302بغية
7ـ املساعي الحميدة :نعني بها تلك األعمال الودية التي تقوم بها الدول أو املنظمات
-255بسكاك مختار "حل النزاعات الدولية على ضوء القانون الدولي" ،مذكرة مقدمة لنيل شهادة ماجستير ،كلية
الحقوق والعلوم السياسية ،جامعة وهران ،السنة الجامعية ،0310/0311ص .70
-256كارل سيليكيو" ،عندما يحتدم الصراع :دليل عملي الستخدام الوساطة في حل النزاعات" ،الدار الدولية للنشر
والتوزيع ،القاهرة ،الطبعة األولى ،1000 ،ص .04
CHRONIQUE DE L’HUMANITE-larousse-édition JAQUES LE -257
p978. GRAND.S.A.PARIS 1986,
-258منذ منتصف التسعينات وب داية األلفية الجديدة ،اندلعت سلسلة من الحروب األهلية الوحشية في منطقة حوض
نهر مانو في غرب إفريقيا ،و بدأت هذه الحروب في ليبيريا وسرعان ما امتدت إلى سيراليون وكوت ديفوار ،م َما
أدَى إلى تفتت المجتمعات بسبب الصراعات والخالفات العنيفة و الوحشية ،كما أدَت هذه الصراعات إلى حل سلطة
الدولة ،وانهيار مؤسسات الحكم ،وفرار الماليين من السكان و تهديد منطقة غرب إفريقيا كاملة وزعزعة االستقرار
فيها ،للتفاصيل أكثر حول أزمة دول نهر المانو .ينظر " الصراعات العرقية والسياسية في إفريقيا" لحمدي عبد
الرحمان حسن ،مجلة قراءات إفريقية ،العدد األول ،أكتوبر ،0334ص .40
استئنافها إذا كانت متوقفة ،أو اللجوء إلى أي نوع آخر لتسوية النزاع القائم بينها ،ويتقاطع
مع مفهوم الوساطة ،إلى أن هناك اختالفا بينهما من خالل مجال التطبيق املحدود
للمساعي الحميدة وكون هذه األخيرة ال تشارك بمقترحات أو شروط ،بل هدفها تنقية
األجواء بين األطراف ودعوتهم إلى الجلوس على طاولة التفاوض ،وال يخرج دورها عن كونه
عمال تحضيريا وتمهيديا ،أما الطرف الثالث في الوساطة ،فإن نشاطه يساهم في تحقيق
9ـ التوفيق :يعتبر من الوسائل السلمية إلدارة األزمات ،شكال مستحدثا من الوساطة،
وسبيال يتموقع بينها وبين وسيلتي التحكيم والقضاء ،260حيث تقوم لجنة يعينها أطراف
النزاع أو إحدى املنظمات الدولية لدراسة أسباب النزاع ورفع تقرير تقترح فيه تسوية معينة
وقد تزايدت شعبية التوفيق في الحقب األخيرة ،بفعل تعدد املعاهدات الدولية
التي تنص على نظام التوفيق ،كوسيلة لحل الخالفات السلمية ،حيث نجدها في أهم
االتفاقيات العامة ،ذات الطابع التشريعي ،ومن بينها اتفاقية " فيينا" حول العالقات
لعام .2618373
-259صالح يحيى الشاعري" ،تسوية النزاعات الدولية سلميا" ،مكتبة مدبولي ،القاهرة ،الطبعة األولى ،0336،ص
.20
-ادريس لكريني "،إدارة األزمات في عالم متغير :المفهوم والمقومات والوسائل والتحديات" ،المركز العلمي 260
للدراسات السياسية ،الطبعة الثانية ،0314،المطبعة والوراقة الوطنية ،مراكش ،ص .66
-261حفناوي مدلل "،الدبلوماسية الوقائية كآلية لحفظ السلم واألمن الدوليين" ،مذكرة مكملة لنيل شهادة الماجستير
في الحقوق ،كلية الحقوق والعلوم السياسية ،جامعة محمد خيضر ببسكرة ،الجزائر ،ص .60
فالتوفيق إذن ،إجراء شبه قضائي ،يتوسط التحقيق والتحكيم ويتميز بمرونة
أكبر ،وال يشكل أي مس بسيادة أطراف النزاع ،وقد شجعت هذه امليزة معهد القانون الدولي
على اقتراح نموذج لتسهيل إنشاء لجان التوفيق ،وتوضيح كيفية عملها ،العتقاده بأن
الحلول التي تقترحها هيئة حيادية ،حول كيفية تسوية النزاع ،دون إلزام األطراف بذلك،
4ـ التحقيق :يعتبر من األعمال التي بواسطتها ،تجتهد مؤسسة دولية في وضع وتوضيح
وقائع تكون أصل نزاع أو مرتبطة به ارتباطا وثيقا ،ويكون التحقيق ثنائيا إذا كان مقررا
من قبل الدول األطراف في النزاع ،ويكون جماعيا إذا كان مقررا من قبل مؤسسة دولية.262
َّ
فالتحقيق ال يتولى منع التوتر ،بقدر ما تتأتى فائدته العملية في التحري املوضوعي عن
تفصيالت الوقائع املادية ،وبصفة إجمالية فإن مهمة لجان التحقيق تقتصر على سرد
الوقائع دون إبداء رأي في املسؤوليات بأي شكل من األشكال ،وعادة ما تستخلص
املسؤوليات من التقرير املوضوعي لسرد الوقائع ،ويبقى األطراف أحرارا في األخذ بما جاء
2ـ الصلح :يعرف الصلح بأنه ذلك التدخل لتسوية خالف من طرف جهاز مشكل
َّ
مسبقا وفقا التفاقية ،ويحظى بثقة أطراف النزاع ،ويكلف الجهاز بدراسة كل العوامل
-262بسكاك مختار "،حل النزاعات الدولية على ضوء القانون الدولي" ،مذكرة مقدمة لنيل شهادة ماجستير ،مرجع
سابق ص .62
-263محمد الوحيشي "،مكانة الموظف الدولي في حل النزاعات " ،منشورات المنظمة العربية للتنمية اإلدارية،
القاهرة ،مصر ،الطبعة األولى ،0336 ،ص.114
بصفة عامة عن اإلجراءات ذات الطابع القضائي ،من حيث كونه اختياريا وال ُين ِتج قرارا
ملزما كما هو الشأن بالنسبة للحكم أو القرار ،والهدف من املصالحة دراسة القضية
وتحليلها في مجملها ،من إعداد أرضية توافق من قبل األطراف واعتماد إجراءات لينة
ُ
لتسوية النزاعات ،تم ِك ُن األطراف من املحافظة على كامل سيادتها بكل حرية.
ويذهب بعض كتاب القانون الدولي إلى أن الصلح تعامل وإثبات حسن النية في
حل األزمة ،وال ُتؤخذ بعين الجد لكونها بداية ومقدمة إلجراءات حقيقية قد تنتهي بقبول
7ـ املفاوضات :تشكل املفاوضات الطريقة العادية لحل النزاعات والصراعات واألزمات
التي قد تنشب بين الدول وتعني" تبادل الرأي بين دولتين متنازعتين قصد الوصول إلى
تسوية النزاع القائم بينهما" ،265ويتم اللجوء عادة إلى هذه اآللية في الخالفات الجسيمة
التي قد تؤثر على مصالح الجماعة الدولية ،266لذلك تعتبر تلك العملية التي تستهدف
الوصول إلى حلول مقبولة ،أو اتفاق يسهم في تحقيق مصالح األطراف املتنازعة من أجل
وال يتصور التفاوض دون وجود عناصر أساسية ،ترتبط بها أهمية املفاوض وقدرة
املفاوضات على حل األزمة وهي القدرات املادية ،وتوفير الخيارات والبدائل املمكنة ،إضافة
إلى القدرة التفاوضية ،واستثمار التوقيت املناسب ،لذلك تقتض ي من املفاوض التمتع
بخصائص مهنية ،ومزايا وخبرات ومهارات وااللتزام باملبادئ العامة التي تتعلق بعملية
التفاوض ومراحلها ،من مكان وتوقيت ،وهدف واستراتيجية ،وخطة مدروسة ،وبدائل
وتأتي أهمية املفاوضات في تسوية النزاعات الدولية ،من كون جوهر التسوية دائما
هو نقل النزاع من مستوى القتال إلى مستوى النقاش والحوار ،ومن عملية املواجهة إلى
-حل أزمة الصواريخ بكوبا سنة 8377عن طريق املفاوضات بين الرئيسين األمريكي
-وقف التدخل األمريكي في الفيتنام بعد املصادقة على اتفاقية باريس سنة.8329
90ماي ،8327والوصول إلى أولى االتفاقيات حول الحد من التسلح االستراتيجي في
(8327/02/77سالت.)8
إن مفهوم االستراتيجية يحيل على عملية الجمع بين الهدف والوسيلة ،من خالل
التخطيط الجيد ،الذي يفترض عنصرا ال محيد عنه عند الشروع في الفعل االستراتيجي،
وهو عنصر القدرة ،أي القدرة على استخدام الوسائل إلنجاز أهداف معلومة ،فاألهداف
تبقى معلقة والوسائل غير ذات قيمة ما لم تتوفر القدرة على توظيف الوسائل لبلوغ
األهداف.267
إن عملية صنع استراتيجية ما ،تقتض ي البحث عن أفضل األساليب واألدوات
لتحقيق األهداف واملصالح املحددة سلفا ،ولهذا عند وضع استراتيجية لتدبير أزمة ما،
يجب التوفر على عناصر أساسية ،تحيل على وضوح الرؤية ،وتحديد الكلفة والخطط
أ /وضوح األهداف وتكاملها :إذا كانت االستراتيجية هي عملية توظيف ألفضل
الخيارات والوسائل لتحقيق األهداف ،فيفترض في هذه األخيرة أن تكون واضحة وسليمة
ب /واقعية الهدف ونفعيته :إن اختيار الوسائل الناجحة للوصول إلى األهداف،
يفترض وجود أهداف واقعية وقابلة للتحقيق ،ومن ثم أهمية تحقيق التوازن بين املوارد
-267عبد القادر محمد فهمي ،المدخل إلى دراسة االستراتيجية ،دار مجدالوي ،عمان ،األردن ،ط ،0336 ،1ص
.04
باإلمكانيات املتاحة.
ج /العقالنية :تفترض عملية تدبير األزمات وضع استراتيجية ،تتضمن اختيارات
عقالنية هادفة ،بين وسائل ومقاربات متعددة ومحسوبة مدى فعاليتها في تحقيق األهداف،
وبالتالي فالعقالنية تتصل بعملية اختيار الوسائل التي تؤدي إلى تحقيق األهداف عبر
قصير ومتوسط وطويل املدى ،طاملا أن األهداف التي يسعى إليها الطرف الواضع
االستراتيجيات درجة من املرونة التي تسمح بتدبير التحوالت غير املتوقعة وغير املحتملة.269
وتعتبر أعمال ألكسندر جورج ALEXANDER .Gمن أهم املراجع التي أثرت
ُ
موضوع استراتيجيات إدارة األزمات ،التي تعتمد كمصادر مهمة لفهم االستراتيجيات التي
تمكننا من ربطها بأزمات واقعية مختلفة ،كما تمكن األطراف املتدخلة لتدبير األزمات من
اتباع االستراتيجية املناسبة ،انطالقا من املعلومات والقدرات املتوفرة ،وكان ميشيل الجوا
إدارة األزمات.
الدولية.
-تصنيف محمد أحمد عبد الغفار التي تبحث عن التكامل بين وقف التصعيد
َّ
قدم ألكسندر جورج إثنتا عشرة استراتيجية يمكن اعتمادها إلدارة األزمات ،وقام
واملوارد املتوفرة لدى الخصم ،من خالل استراتيجيات االبتزاز التمهيدي /جس النبض
) stratégiesالتي يحاول من خاللها الطرف املدافع عرقلة الخصم وإجباره على عدم
االستمرار في تطبيق استراتيجيته الهادفة إلى تغيير الوضع القائم من خالل :دبلوماسية
الخطوة خطوة /استراتيجية اختبار القدرات /استراتيجية رسم الخط /استراتيجية شراء
ويعتمد ألكسندر جورج على مفهوم املكاسب النسبية ،بمعنى أن اإلدارة الناجحة
ليست التي تحقق كل األهداف ،بل التي تعمل على تعظيم املكاسب وتقليل الخسائر.
قسم أحمد محمد عبد الغفار استراتيجيات إدارة األزمات إلى قسمين:
استراتيجية التدخل الخفيف ودرء األزمة املبتدئة :التي تستهدف وقف التصعيد
في بداية األزمة قبل أن تتطور وتتحول إلى نزاع مسلح ،وذلك عبر توظيف
الوسائل الدبلوماسية املنصوص عليها في املواثيق الدولية ،والتي تسعى إلى صنع
السالم ،عبر مجموعة من اآلليات ،كإقامة التواصل وتسهيله بين أطراف النزاع
op,cit, p 378.-271
والدعوة إلى عقد مفاوضات وحوارات حول سبل تعزيز األمن من أجل زرع الثقة
بين األطراف.272
ومعالجتها بعد حدوث األزمة ،وال تعني التسوية أو الحل اللذين يعتمدان على
توقيع االتفاقات ،وإنما القصد هو وضع الضمانات التي تجعل األطراف ال
يرتدون عن عملية السالم التي تلت عملية التسوية ،وبالتالي خلق الظروف
بوجود:
-العب قيادي ،قد يكون منظمة أو دولة راعية للسالم ،وتحظى باملصداقية والقبول
-وجود طرق سياسية وعسكرية منظمة ،تهدف إلى وقف العنف ،وتلبية االحتياجات
-وجود تخطيط واضح وبدائل لرسم معالم الدولة أو املجال بعد التسوية.273
-272أحمد محمد عبد الغفار" فض النزاعات في الفكر والممارسة الغربية :دراسة نقدية وتحليلية" ،الجزء األول
تحت عنوان :الدبلوماسية الوقائية وصنع السالم ،دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع ،الجزائر ،0330 ،ص .062
-273المرجع السابق ،ص .076
وبالتالي فإن حدوث أزمة ما ،يدفع الدول إلى اعتماد استراتيجيات ووسائل تحول
دون امتدادها إلى مجالها ،عبر الدبلوماسية الوقائية أو السياسية أو االقتصادية وتسهيل
حلول سلمية لألزمات ،من خالل استثمار أمثل إلمكاناتها وقدراتها الجغرافية والتاريخية
واالقتصادية.
خاتمة:
لقد وضعت املؤسسات الدولية وهيئة األمم املتحدة باعتبارها أعلى مؤسسة أممية
تعنى بحفظ األمن والسلم الدوليين ،مجموعة من الوسائل واآلليات السلمية للحفاظ على
أسس االستقرار والتعايش على مستوى العالم ،والحد من النزاعات والصراعات ،منها ما
جاء في امليثاق األممي ،ومنها ما تفرق في نصوص مؤسسات وهيئات قارية وإقليمية ،غير ان
الخيط الناظم بينها مرتبط بالهدف العام منها؛ فهي وسائل سياسية ودبلوماسية هدفها
حفظ األمن والسلم الدوليين ،وذلك بالحد من كل ما من شأنه خلق التوترات بين الحدود
والدول في إطار استباقي ووقائي يحول دون الوصول إلى مرحلة املواجهة املسلحة .وعليه
فـإن تقييم قدرة الهيئات واملؤسسات واملواثيق الدولية على حفظ االستقرار الدولي يرتبط
بمستوى قدرتها الفعلية على فرض القانون واإلكراه على الخضوع له ،ويسائل نجاعة
وختاما ،يمكن إسقاط هذه اآلليات والوسائل الدبلوماسية حتى على عالقات األفراد
فيما بينهم املؤطرة بقواعد أخالقية وقيمية ،ومنظمة كذلك في قواعد قانونية ملزمة
للجميع ،تسعى لتحقيق التعايش واألمن الروحي ،وتحقق تدبير عقالنيا وسلميا لالختالف
والصراع واألزمات.
الئحة املراجع
الكتب بالعربية:
-أحمد محمد عبد الغفار" فض النزاعات في الفكر واملمارسة الغربية :دراسة نقدية
وتحليلية" ،الجزء األول تحت عنوان :الدبلوماسية الوقائية وصنع السالم ،دار هومة
-إسماعيل عبد الفتاح عبد الكافي" إدارة الصراعات واألزمات الدولية" ،مطبعة كتب
عربية.7007 ،
-جمال أحمد املختار ،املفاوضات وإدارة األزمات ،مجلة السياسة الدولية ،مركز
-حسن بكر أحمد ،إدارة األزمة الدولية :نحو بناء نموذج عربي في القرن الواحد
-حسن عماد مكاوي ،اإلعالم ومعالجة األزمات ،ط ،8الدار املصرية اللبنانية ،القاهرة،
مصر.7002،
-حسن عماد مكاوي ،اإلعالم ومعالجة األزمات ،ط ،8الدار املصرية اللبنانية.7002 ،
-سالم عبد هللا علوان الحبس ي ،إدارة األزمات األمنية ،مركز اإلمارات للدراسات
-سالم عبد هللا علوان الحبس ي"،إدارة األزمة األمنية" ،مركز اإلمارات للدراسات
-سامي ابراهيم الخزندار :إدارة الصراع وفض املنازعات –إطار نظري – الدار العربية
-سوران إسماعيل عبد هللا بنديان "،دور العقوبات الذكية في إدارة األزمات الدولية"،
-سوران اسماعيل عبد هللا ،دور العقوبات الذكية في إدارة األزمات الدولية ،الطبعة
-شدود ماجد محمد ،إدارة األزمات واإلدارة باألزمة ،األوائل للنشر والتوزيع دمشق،
سوريا.7007 ،
-صالح يحيى الشاعري" ،تسوية النزاعات الدولية سلميا" ،مكتبة مدبولي ،القاهرة،
الطبعة األولى.7007،
-عبادة محمد التامر ،سياسة الواليات املتحدة األمريكية وإدارة األزمات الدولية،
املركز العربي لألبحاث ودراسات السياسات ،الطبعة األولى ،بيروت ،أبريل .7082
-عباس رشدي العماري ،إدارة األزمات في عالم متغير ،مركز األهرام للترجمة والنشر،
-عبد القادر محمد فهمي ،املدخل إلى دراسة االستراتيجية ،دار مجدالوي ،عمان،
-علي صبح :الصراع الدولي في نصف قرن ،8332-8342دار املنهل اللبنانية ،الطبعة
الثانية .7007
-كارل سيليكيو" ،عندما يحتدم الصراع :دليل عملي الستخدام الوساطة في حل
-هيا عدنان عاشور ،الديناميكا السياسية وإدارة األزمات الدولية :اإلدارة األمريكية
ألزمة امللف النووي اإليراني أنموذجا ،الطبعة األولى ،دار الجندي للنشر والتوزيع ،القدس،
سنة.7087
أطروحات جامعية
-ادريس لكريني ،إدارة مجلس األمن لألزمات العربية في التسعينيات -أزمة لوكيربي
نموذجا -أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام ،جامعة محمد الخامس ،كلية العلوم
-بسكاك مختار "حل النزاعات الدولية على ضوء القانون الدولي" ،مذكرة مقدمة
لنيل شهادة ماجستير ،كلية الحقوق والعلوم السياسية ،جامعة وهران ،السنة الجامعية
.7087/7088
-حفناوي مدلل "،الدبلوماسية الوقائية كآلية لحفظ السلم واألمن الدوليين" ،مذكرة
مكملة لنيل شهادة املاجستير في الحقوق ،كلية الحقوق والعلوم السياسية ،جامعة محمد
مقاالت ودراسات
-أحمد محمد وهبان "،تحليل إدارة الصراع الدولي ،دراسة مسحية لألدبيات
املعاصرة " ،مجلة عالم الفكر ،الصادرة عن املجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب،
مقاربة الدور األمريكي في:ادريس لكريني " إدارة األزمات الدولية في عالم متحول-
https://bit.ly/2OPiVOt:الرابط
مراجع أجنبية
،8342شكل امليثاق نظاما قانونيا دوليا لحمايتها ،حين أشار إليها سبعة مرات في بنود
امليثاق ،منها الديباجة ،التي أكدت إيمانا بهذه الحقوق ،لكن هذه اإلشارات جاءت خالية
من أي تعريف لها ،كما أنها لم تنص على آلية للرقابة على تنفيذها.
تدارك لهذا النقص ،قامت لجنة األمم املتحدة لحقوق اإلنسان بصياغة
اإلعالن العاملي لحقوق اإلنسان ،وبعده صدر العهدين الدوليين لحقوق اإلنسان ،وقد
كونت هذه املواثيق ما يسمى بالشرعة الدولية لحقوق اإلنسان .وباإلضافة إلى هذه املواثيق
صدرت عشرات من اإلعالنات والعهود التي تتناول حقوق اإلنسان من شد الجوانب ،وتحدد
ومع توالي ظهور هذه املواثيق واالتفاقيات أدرك املجتمع الدولي الحاجة إلى وجود
آليات تقوم على حماية وتعزيز حقوق اإلنسان ،وتضمن وفاء الدول بااللتزامات الناتجة
عن انضمامها إلى هذه االتفاقيات وأضحت حقوق اإلنسان محال لتنظيم دولي تقوم على
وبغرض حماية حقوق اإلنسان الواردة في اإلعالنات و املواثيق الدولية ،أنشأت األمم
املتحدة عدد من اآلليات لنشر معايير حقوق اإلنسان وتطبيقها ورصدها ووضع هذه
من املؤكد أن أحكام االتفاقيات الدولية املتعلقة بحقوق اإلنسان وعلى رأسها
العهدين الدوليين لسنة 8377تعتبر ملزمة للدول التي صادقت عليها أو انضمت إليها .ومن
آليات أوميكانيزمات وتدابير تنفيذ ،خاصة لتطبيق بنودها ومرعاة الدول األطراف للحقوق
التي تحميها.
كما يتضح كذلك ،أنه لتعزيز حماية هذه الحقوق وضمانها من كل انواع البطش
واالعتداء اتجهت جهود املجموعة الدولية إلى إحداث آلية قضائية غير مسبوقة لتوفير
أهمية املوضوع:
كموضوع البحث أهمية كبيرة ،لكونه يتناول موضوعا من املواضيع املهمة في مجال
منظومة األمم املتحدة للرقابة على حماية حقوق اإلنسان ،باعتباره يبحث في مدى نجاعة
و فعالية وسائل الرقابة مع على امتثال الدول ألحكام اتفاقيات حقوق اإلنسان.
إشكالية الدراسة:
انطالقا مما سبق ،يحاول املقال البحث في مدى فعالية هذه اآلليات وامليكانيزميات في
أسئلة الدراسة:
-هل استطاعت هذه اآلليات اخضاع الدول إلى االمتثال ألحكام االتفاقية
لحقوق اإلنسان؟
-هل هناك آلية قضائية دولية أثبتت فعاليتها ونجاعتها في زجر و معاقبة منتهكي
فرضية الدراسة:
تنطلق الدراسة من فرضية مفادها أن منظومة األمم املتحدة لحماية حقوق اإلنسان
أنشأت مجموعة من اآلليات كنظام يعمل على نشر وتطبيق معايير حقوق اإلنسان الواردة
في أحكام االتفاقيات املعنية بحقوق اإلنسان لعل أهمها :آلية التقارير و آلية الشكاوى
كنظامين أساسيين في الرقابة على مدى احترام و تطبيق قواعد حقوق اإلنسان.
أهمية الدراسة:
االنسان ،ونعني بذلك التقارير التي تقدمها الدول و شكاوى الدول و شكاوى
األفراد.
خطة الدراسة:
نص ميثاق األمم املتحدة لحماية حقوق اإلنسان على العديد من األجهزة
واإلجراءات الدولية املعنية باحترام حقوق اإلنسان ،لعل أهمها إنشاء لجان ملراقبة تطبيق
الوثائق الدولية الخاصة بحقوق اإلنسان .فإن هذه اللجان تهدف ،من جهة إلى مراقبة
أوضاع حقوق اإلنسان للوقاية من حدوث االنتهاكات وذلك عن طريق نظام التقارير
الدولية ،ومن جهة اخرى قد تتلقى العرائض والشكاوى وتجري التحقيقات الالزمة اثرى
لكن ما يالحظ هو عدم نجاعة هذه اآلليات في التصدي ملنع وقوع االنتهاكات للحقوق
والحريات الفردية وذلك بسبب ضعف نظام التقارير( مطلب األول) و محدودية
من اجل تقييم دور اللجان يجب البحث في مدى نجاعة أسلوب عملها في ما يتعلق
من وسائل حماية حقوق اإلنسان على املستوى الدولي نظام التقارير الذي أنش ئ بناء
على اتفاقيات دولية تلت ميثاق األمم املتحدة ،أو بناء على اتفاقيات الوكاالت
الدولية املتخصصة التي تعاهدت الدول األطراف فيها بتقديم تقارير عن التدابير التي تكون
قد اتخذتها في سبيل حماية حقوق اإلنسان و عن التقدم املحرز في مجال حقوق
التعاقدية274. اإلنسان ،ويتم توجيه هذه التقارير إلى اللجان
تضمن وسيلة التقارير الدولية استعراض شامل ملختلف القوانين والتدابير اإلدارية
وغيرها ،التي تتخذها الدول األطراف بغية تنفيذ التزاماتها املنبثقة عن االتفاقيات وإعمال
الحقوق الواردة فيها ،كما تمكن وسيلة التقارير الدولية اللجان الرقابية من إجراء
تقييم التقدم املحرز بشأن تطبيق مضمونها والذي يتطلب من الدول إيجاد اآلليات الكافية
إلعداد تقارير شاملة على جميع الحقوق املنصوص عليها في االتفاقيات وعلى مدى تمتع
بفضل وسيلة التقارير يمكن الحد من انتهاكات حقوق اإلنسان وتصحيحها ،فقد تسفر
عملية فحص التقارير خاصة عند مشاركة الجهات غير الرسمية عن تصورات
جديدة وتغيرات في القوانين الوطنية ،النموذج األمثل أن املغرب غير قوانينه الوطنية بعد
دراسة اللجنة املعنية بالقضاء على التمييز ضد املرأة ورفع تحفظاته على بعض األحكام
الواردة في االتفاقية .كما غيرت نيوزيالندا قانونها الوطني بعد دراسة اللجنة املعنية بحقوق
اإلنسان لتقريرها واستنتاجاتها بوجود مساس ملصالح األفراد .تجدر اإلشارة أن هذه اللجان
تقوم بدور حمائي لحقوق اإلنسان وذلك من خالل وظائف الرقابة العامة والرصد والتقييم
274عبد العزيز العروسي " :التشريع المغربي و االتفاقيات الدولية لحقوق اإلنسان :مالئمات قانونية و دستورية" ،المجلة
المغربية لإلدارة المحلية و التنمية ،سلسلة مواضيع الساعة ،العدد ،2065 ،08ص .692
فقد اللجان275. ألوضاع حقوق اإلنسان في الدول املصادقة على االتفاقيات املحدثة لهذه
ساهمت آلية توجيه التقارير الدورية الوطنية إلى الهياكل التابعة ملنظمة األمم املتحدة في
تحسين وضعية حقوق اإلنسان بصفة عامة وذلك بموجب تنصيص الدول املعنية ،ضمن
تلك التقارير على التدابير التشريعية والبرامج التنفيذية املتخذة في سبيل تكريس تلك
الحقوق من مستوى النصوص القانونية إلى مستوى الواقع اليومي وحرص الدول على
تجدر اإلشارة إلى وجود مشاكل وانتهاكات يمكن حلها بواسطة تعديل التشريعات ذات
الصلة أو تغيير املمارسات اإلدارية غير إن ثمة مشاكل أخرى يتعذر حلها بهذا الشكل
السريع حيث تتطلب صيانة مجموعة من السياسات طويلة األمد بهدف اإلمتثال الدائم
والكامل لاللتزامات التي تتضمنها االتفاقية ،فعل سبيل املثال فإن القضاء على
التمييز القائم على العنصر أو الجنس ،يتطلب بذل جهود إلحداث تغيرات في التقاليد
الثقافية ،وهذا يستحيل تحقيقه بين عشية وضحاها ،وعليه فعملية تقديم التقارير يمكن
أن تتساعد على صياغة سياسة مفصلة والحد من االنتهاكات املمنهجة لحقوق اإلنسان.
تتولى اللجان املعنية بحماية حقوق اإلنسان دراسة التقارير املقدمة إليها .ومناقشة
الدول بشأنها ثم تبدي مالحظاتها الختامية التي تتضمن الجوانب اإليجابية في
275ابراهيم أحمد خليفة" :االلتزام الدولي باحترام حقوق اإلنسان وحرياته األساسية" :دار الجامعة الجديدة اإلسكندرية 2008
ص1
التقرير وتوجه التوصيات التي يتعين على الدولة العمل على تنفيذها ثم رفع هذه التوصيات
إلى الدول وإلى الجمعية العامة عن طريق املجلس االقتصادي واالجتماعي في التقرير
السنوي276.
تتلقى اللجان التقارير البديلة أو تقارير الظل أو املوازية املقدمة من املنظمات غير
الحكومية حيث تتولى هذه املنظمات تقديم معلومات إضافية حول حالة حقوق
التعاقدية ،على التزام الدول األطراف باالتفاقيات الدولية لحقوق اإلنسان ،فإن هذه
ال توجد آلية لضمان رفع التقارير من الدول األطراف في الوقت املحدد .هذا عدا عن
أن أجهزة اإلشراف التي تتلقي هذه التقارير ،ال تملك سلطة حمل الدولة على أداء التزامها
برفع التقارير" 277.خاصة في ظل إنفاق عدد ليس بقليل من الدول في تقديم تقاريرها "إما
التقارير278. إهماال أو عمدة ،رغم تذكير اللجان لها مرات عديدة برفع هذه
276تتلقى اللجان التقارير البديلة أو تقارير الظل أو الموازية المقدمة من المنظمات غير الحكومية ،حيث تتولى هذه المنظمات
تقديم معلومات اضافية حول حالة حقوق اإلنسان في الدولة المعنية .
277د .أحمد الرشيدي ،آ ليات الحماية الدولية لحقوق االنسان ،نظام التقارير و الشكاوى .مقال منشور على األنترنيت.
http://www.4shared.com/documant/7o1Py7y0/.htm
278د .عبد هللا علي عبو ساطان ،دور القانون الدول الجنائي في حماية حقوق اإلنسان ،دار دجلة ،عمان ،2000ص.22
إن اقتصار الدول املتعاقدة عادة في تقديم تقاريرها على مجرد عرض تشريعاتها
الوطنية املتفقة مع مقتضيات االتفاقية ذات صلة ،يجعل من نظام التقارير نظاما شكليا
وضعيفا ،بحكم ارتكانه من جهة أولى ،إلرادة دول األطراف في إعمال أو
استبعاد أحكام اتفاقيات حقوق اإلنسان ،ومن جهة ثانية غياب تقييم نقدي
من املحتمل بل والغالب ،أن تصور الدول في تقاريرها حالة حقوق اإلنسان بالجيدة،
وإنها تقوم بالوفاء بالتزاماتها التعاقدية .بعبارة أخرى ،ال يعقل أن ترفع حكومة ما تقريرا
التعاقدية.
من هذا املنطلق يرى أحد الباحثين أن وسيلة إعداد التقارير تعد " أقل وسائل الرقابة
لكن بمقدورنا تجاوز ذاتها"280. الفعالة ،حيث أن تحصيل املعلومات يتم بواسطة الدول
إشكالية عدم مصداقية الدولة في التقارير املقدمة منها ،حال قيام املنظمات غير الحكومية
279محمد يوسف علوان ،محمد خليل موسى ،القانون الدولي لحقوق اإلنسان ،المصادر ووسائل الرقابة ،الجزء األول ،دار
الثقافة للنشر و التوزيع ،األردن 2004 ،ص .210
محمد سامي عبد الحميد و مصطفى سالمة حسين ،القانون الدولي العام دار الجامعي ،اسكندرية ،6990ص .211 280
ال تمتلك اللجان التعاقدية القدرة على اتخاذ القرارات ،وال تمتلك صالحيات فعالة
تمكنها "
من اتخاذ إجراءات محددة في مواجهة الدولة الطرف ،عند ثبوت إخاللها بإحكام
االتفاقية"281.
كثيرا ما تقف اللجان التعاقدية لدي قيامها بدورها الرقابي واإلشرافي ،أمام مجموعة
من االنتهاكات ألحكام االتفاقية ،وهنا يثار السؤال الجوهري ،حول القرارات واإلجراءات،
التي تستطيع اللجنة اتخاذها في مواجهة الدولة .فكافة اللجان التعاقدية وبدون استثناء،
ال تمتلك الصالحية إلصدار قرارات ملزمة من ناحية أولى ،كما أنها غير مخولة باتخاذ أية
إجراءات.
إن النتيجة املترتبة على فحص التقارير ،عدم اتخاذ أية قرارات أو إجراءات هامة،
كون اللجان التعاقدية املخولة ببحث التقارير" ال تملك أن تتخذ إجراءات وقرارات تنفيذية
محددة"282.
281سعيد فهيم خليل ،الحماية الدولية لحقوق اإلنسان في الظروف االستثنائية .اميديست.6996 ،
282عبد الواحد محمد الفار ،قانون حقوق اإلنسان في الفكر الوضعي و الشريعة االسالمية ،دار النهضة العربية القاهرة،
،6996ص .525
ال يقصد من وراء ذلك التقليل من الدور الذي تقوم به اللجنة ،ولكن صالحياتها
محدودة ،وبعد فحص التقارير ،ال تصدر اللجان املتخصصة" أية قرارات ضد الدولة غير
283. امللتزمة وإنما تكتفي بإصدار مجموعة مالحظات وتوصيات تضمنها تقريرها السنوي
للدول أمام األجهزة 284،خاصة وأنها تفتقر للمسؤولية الجزائية ،وتعويض ضحايا االنتهاكات.
تحمل آلية تقديم التقارير العديد من السمات اإليجابية ،لحملها الدول تقديم كشف
حساب اللجنة حول مدى تقدمها في تطبيق أحكام االتفاقية ،وطبيعة اإلجراءات التشريعية
والسياسات ،التي اتبعتها لتحقيق هذا التقدم ،والزامها الدول على تقديم تقارير لجهات
اإلشراف والرقابة الدولية ،وما يعنيه ذلك من إفساح الدول املجال للهيئات التعاقدية على
كما تجدر اإلشارة إلى أن نظام املراقبة ألوضاع حقوق اإلنسان من طرف اللجان
التعاهدية ،املرتكز على تقنية التقارير الدورية ،ال يمكنه حتى ولو رصد انتهاكات لحقوق
اإلنسان ،معاقبة الدول املنتهكة ،وإنما يكتفي بإصدار توصيات إلى الدول املعنية وبالتالي
ال يمكن ضحايا تلك االنتهاكات من إمكانية املطالبة التعويضات الالزمة عند االعتداء على
حقوق اإلنسان ،وهذا ما يحد من فاعلية حماية حقوق اإلنسان من طرف هذه اآللية،
283عبد هللا علي عبو سلطان ،دور القانون الدولي الجنائي في حماية حقوق اإلنسان ،مرجع سابق ،ص .24-25
284علي محمد الدباس و علي عليان أبو زيد ،حقوق اإلنسان و حرياته ودور شرعية اإلجراءات الشرطية في تعزيزها،
دراسة تحليلة لتحقيق التوازن بين حقوق اإلنسان و حرياته و أمن المجتمع تشريعا و فقها و قضاء .دار الثقافة للنشر و
التوزيع ،عمان 2009 ،ص .212
وهو ما حدا بمنظمة األمم املتحدة إلى اعتماد آلية رفع الشكاوى من طرف األفراد ،الذين
يعد نظام الشكاوى أحد االجراءات فيمكن ألية دولة طرف أو لألفراد التقدم
للجنة املعنية بشكوى لعدم تقييد دولة طرف بالتزاماتها التعاقدية ولذلك النظام
هناك معاهدات أو اتفاقات التي نصت بصريح العبارة في موادها السماح للدول
باللجوء إلى هيئة قصد إخطارها ببالغات ضد دولة أخرى ،حول خروقات حقوق
اإلنسان285.
حق تقديم شكوى ضد أي طرف آخر يرى أنه لم يفي بالتزاماته التعاقدية ،حيث تتم دراسة
إذا رأى طرف بأن طرفا آخر خرق أحكام العهد جاز له أن يستدعي نظيره ببالغ
خطي يبين فيه هذا الخرق وعلى الدولة املستلمة خالل 9أشهر إيداع الدولة املرسلة تفسيرا
عمر بندورو :حقوق اإلنسان و الحريات اإلساسية ،دار القلم ،الرباط ،2002 ،ص .56 285
خطيا ،ينطوي على اإلشارة إلى مساعي حل املشكلة 286إذا لم تعالج املسألة بما يرض ي
الدولتين ،خالل 7أشهر ابتداء من تلقي الدولة للتبليغ األول حق لكليهما إحالة املسألة على
قبل بدء اللجنة دراسة القضية تتأكد من استنفاذ الوسائل الداخلية ،أو من أنها قد
طالت لحد ،غير مقتول ،ثم تعرض الجنة مساعيها الحميدة على الطرفين للوصول إلى حل،
العهد288. على أساس احترام الحقوق املعترف بها في هذا
موقفيهما .هذا الجهد ان التوفيقي محکوم بسقف ،زمني محدد ب 87شهرا من تاريخ
إذا نجحت اللجنة في مساعيها الحميدة ،فإن التقرير يقتصر على بيان موجز الوقائع
وللحل ،وفي نيابة فإنه يقتصرعلى بيان بالوقائع مرفقا بالبيانات املقدمة من طرفي
املعنية289. الخصومة ،وكذا محضر املالحظات الشفوية التي قد تدلي بها الدول
إذا استمر الخالف تعين اللجنة هيئة توفيق ، 290بعد الحصول املسبق على موافقة
الخصمين .تتألف من خمسة أشخاص تقبلهم الدولتان ،فإذا تعذر تشكيلها خالل ثالثة
أشهر تنتخبهم اللجنة من أعضائها باالقتراع السري وبأكثرية الثلثين ،يعملون بصفتهم
الشخصية وال يكونوا من مواطني الدولتين املعنيتين أو من مواطني أية دولة غير طرف في
العهد ،أو تكون طرفا فيه لكنها لم تصدر اإلعالن املنصوص عليه في املادة (.)48
تقوم اللجنة بعد نظرها املسألة خالل مهلة ال تتجاوز 87شهرا ،بتقديم تقرير إلى
رئيس اللجنة ليقدم بدوره إلى الدولتين ،ويكون التقرير بحسب الحال ،إذا تم التوصل إلى
حل قصرت اللجنة تقريرها على عرض للوقائع وللحل املتوصل إليه .أما إذا تعذر ذلك
خالل 87شهرا قصرت تقريرها على إشارة موجزة إلى املرحلة التي بلغتها في نظرها وللنتائج
الجزئية التي توصلت إليها وآرائها بشأن إمكانية حل املسألة وديا ،وكذلك املذكرات الخطية
ومحضر املحطات الشفوية .على الدولتين في غضون 9أشهر من استالمهما تقرير الهيئة،
290التوف يق أداة لحل النزاعات الدولية ،تقوم به لجنة تتكون من شخصيات بارزة ،بقصد تقديم اقتراحات غير ملزمة لحل النزاع.
تتألف اللجنة عادة من ثالثة أعضاءـ يعين كل طرف عضو ،ويختار العضوان ثالثهما .تهتم اللجنة بدراسة وقائع النزاع واقتراح
حل أطرافه ،وتقديم تقرير نهائي لهم ا ،مكون من عنصرين :األول مقترحات اللجنة لحل النزاع و الثاني يتضمن أسباب اقتناع
اللجنة بمقترحاتها.
يعد نظام الشكاوى أحد اإلجراءات املتبعة من طرف األجهزة التابعة لهيئة األمم
املتحدة و كذا بعض األجهزة التعاهدية املنشأة بمقتض ى اتفاقيات دولية بهدف حماية
األساسية291. حقوق اإلنسان و حرياته
من خالل هذه اآللية يحق لألفراد تقديم شكاوى إلى اللجان تتضمن ادعاء بانتهاك
دولة طرف لحقوقهم ،شريطة قبول الدولة املشكو ضدها اختصاص اللجنة في
الداخلية292. ذلك ،واستنفاذ سبل االنتهاك
وأسلوب تلقي وفحص الرسائل الفردية لم يرد في كافة اتفاقية حقوق اإلنسان
وحرياته األساسية ،حيث تتمتع فقط خمس لجان من اللجان االتفاقية بصالحية تلقي أو
استقبال تبليغات فردية أو من جماعات األفراد الخاضعين لوالية الدولة األطراف والذين
يدعون أنهم ضحايا اي خرق من جانب احدى الدول األطراف ألي من الحقوق املقررة في
االتفاقية أو اكثر واللجان املختصة هي لجنة مناهضة التعذيب ،لجنة القضاء على التميز
العنصري ،لجنة القضاء على التمييز ضد املرأة ولجنة حماية جميع العمال
املهاجرين وأسرهم293.
291بدر الدين شبل" ،إجراءات نظام الشكاوى لحماية حقوق االنسان و حرياته األساسية على مستوى األمم المتحدة" مجلة
البحوث و الدراسات ،العدد ،2066 ،66ض .658
292لمياء علي الزرعوني ":اآلليات الدولية للرقابة على حماية حقوق اإلنسان بالتطبيق على دولة اإلمارات العربية المتحدة"
مجلة جامعة الشارقة للعلوم القانونية ،المجلد ،61العدد ،6يونيو ،2069ص.22
293محمد يوسف علوان/محمد جليل الموسى" :القانون الدولي لحقوق اإلنسان ،المصادر ورسائل الحماية" الجزء الثاني ،دار
الثقافة األردن ،2004ص .212
وفقا لهذا النظام تحيل اللجنة املعنية الشكوى إلى الدولة الطرف املتهمة بانتهاك
حقوق اإلنسان لبيان موقفها حيال الشكوى ،ثم تدرس الشكوى بناء على املعلومات
املقدمة من كل الطرفين للجنة ،في حالة ثبت االنتهاك تقديم توصيات للدولة
العامة294. املعنية وتنشرها في تقريرها السنوي املقدم إلى الجمعية
لعبت آلية الشكاوى الفردية بوجه عام -دورا مميزا في توفير آلية جيدة لضحايا
انتهاكات حقوق اإلنسان في مواجهة دولهم من ناحية أولى ،وشكلت عامل ضغط على الدول
االحترام االتفاقيات من ناحية أخرى ،وذلك حرصا على صورتها أمام الرأي العام املحلي
والدولي ،لذلك فقد حققت وسيلة شكاوى األفراد نتائج إيجابية في حماية حقوق اإلنسان
الدولية295. بطريقة فعالة ومؤثرة في سلوك الدول ودرجة استجابتها للجهود
ولكن آليات الحماية الدولية تتطور بشكل بطيء ،ومن األقل إلى األكثر فعالية ،حيث
الزالت آلية الشكاوى الفردية تنطوي على نواقص وعیوب تعيق من فعاليته وجودته ،وذلك
294لمياء علي الزرعوني" :اآلليات الدولية للرقابة على حماية حقوق اإلنسان بالتطبيق على دولة اإلمارات العربية المتحدة" ،
مجلة جامعة الشارقة للعلوم القانونية ،المجلد 61،العدد ،6يونيو ،2069ص.22
295ليفا ليفين ":حقوق اإلنسان ،أسئلة و أجوبة" ،ترجمة عالء شلبي وجيوسي إدريسي ،اليونسكو .2009
تمارس اللجان اختصاصها في نظام الشكاوى الفردية " بأسلوب شبه قضائي وسري
296.ويكون لهذا األسلوب شبه القضائي والسري تأثيرات سلبية ،على طبيعة القرارات أو
تتسم قرارات وتوصيات اللجنة ،والتي تعتبر التتويج النهائي لنظرها في الشكاوى
الفردية بأنها غير ملزمة" 297 .فاللجان التعاقدية ،تبذل جهد بموجب إجراء شبه قضائي
وسري للنظر في الشكاوى الفردية ،لتصل إلى قرار نهائي غير ملزم.
كما أن معايير قبول الشكوى الصارمة تحد من نطاق القضايا التي تناقش في اللجنة،
فقط"298. حيث تعالج حاالت االنتهاكات الفادحة و املنظمة
جزء من الفقه يشكك في إجراءات معالجة الشكاوى والطعون املعترف بها في بعض
االتفاقيات ،باالستناد إلى طريقة تشكيل اللجان نفسها ،بوصفها لجان أو أجهزة "هزيلة
الحكومات299. من صنع
296مانفريد نوواك ":دليل البرلمانين العرب إلى حقوق اإلنسان ،مفوضية األمم السامية لحقوق اإلنسان و اإلتحاد البرلماني
العالمي" ،.2004 ،ص.20
297د .بطاهر بو جالل ":دليل آليات المنظومة األممية لحقوق اإلنسان ،المعهد العربي لحقوق اإلنسان" ،تونس ، 2005ص.42
298سعيد فهيم خليل ":الحماية الدولية لحقوق اإلنسان في الظروف االستثنائية" مرجع سابق ،ص.568
299عبد الواحد محمد الفار ":قانون حقوق اإلنسان في الفكر الوضعي و الشريعة االسالمية" ،مرجع سابق ،ص .528
تستند هذه اآللية على رضا األطراف ،فآلية الشكاوى "رهن برضا الدول األطراف
الكتابية املقدمة من األطراف ،وال يتضمن االنتقال أو سماع الشهود" ،ما يفقدها الفعالية
والجدية في الوصول للحقيقة ،وفي الضغط الجدي على الدولة املعنية .كما أن النظام
النصوص300. يعتمد على التوفيق ،ويرى البعض أن التوفيق انحراف عن تطبيق
يتضح إذن أن آليات القانون الدولي لحقوق اإلنسان ،ملراقبة الحقوق والحريات
العامة وحمايتها من االنتهاكات ،غير كافية بل عاجزة عن زجر االنتهاكات ومعاقبة املعتدين،
وال يبقى أمام املجموعة الدولية سوى اللجوء لألليات القضائية الدولية للبحث عن حماية
نجح مؤتمر روما الدبلوماس ي في إقرار النظام األساس ي للمحكمة الجنائية الدولية يوم
82يوليوز 8331والذي بموجبه تم تكريس ألول مرة في تاريخ البشرية نظام قضائي
محمد سامي عبد الحميد و مصطفى سالمة حسين ":القانون الدولي العام دار الجامعي" ،مرجع سابق ،ص .219 300
دائم للمساءلة الجنائية الدولية عن االنتهاكات الجسيمة لحقوق اإلنسان زمن النزاعات
"الهاي"301. املسلحة وقد دخل النظام األساس ي لهذه املحكمة سنة 7007ومقرها الرسمي
ويتمثل الهدف من إنشاء محكمة جنائية دولية دائمة في منحها اختصاصا بشأن
الجرائم الخطيرة التي تهم املجتمع الدولي ،باعتبارها مكملة اختصاص املحاكم الجنائية
الوطنية .فهذا النظام القضائي الدولي الدائم يعطي األولوية للقضاء الوطني ملعاقبة
منتهكي أإحكام القانون الدولي اإلنساني الذي يحمي حقوق اإلنسان زمن
الحرب باالعتماد خاصة على اتفاقية جنيف لعام 8343وال يتدخل إال كنظام تكميلي عند
غياب الرغبة أو فقدان القدرة على املحاكمة على مستوى القضاء الوطني ،أو صورية
تلك املحاكمات إن وجدت .وقد كانت الغاية من وراء إنشاء املحكمة الجنائية الدولية وضع
حد لفراغ قانوني على الساحة الدولية إزاء مسألة تكريس االختصاص الكوني الدائم ملعاقبة
االنتهاكات الجسيمة املرتكبة أثناء النزاعات املسلحة .لكن ما يالحظ أن العدالة الجنائية
الدولية املجسدة في اطار املحكمة الجنائية الدولية ليست سوى عدالة ناقصة (املطلب
إن انتهاء الحرب الباردة وتغيير موازين القوى في العالقات الدولية وطبيعة الحروب
الحديثة وكل ذلك ساهم بشكل كبير في تطوير مفهوم العدالة الجنائية الدولية من
سامية دولة ":القانون الدولي اإلنساني و القانون الدولي لحقوق اإلنسان :أية عالقة؟" مجلة القضاء و التشريع ، 2009 ،ص .41 301
خالل الدعوة إلى إحداث آليات ملعاقبة مرتكب الجرائم الدولية األكثر خطورة والتي تتناقض
النبيلة302. مع القيم اإلنسانية
لهذا يعتبر إنشاء املحكمة الجنائية الدولية أهم حدث تشهده الساحة القانونية
الدولية اواخر القرن املاض ي ،ولم يصبح هذا الحلم حقيقة إال بعد انتهاء الحرب الباردة في
أعقاب إنهيار االتحاد السوفياتي (سابقا) ،وفي ظل العوملة التي شملت املجاالت القانونية
واإلنسانية واالجتماعية وغيرها من املجاالت و تعتبر عوملة القانون سمة من سمات هذا
العصر الذي يشهد فيه العالم صيانة قواعد وآليات لنظام قانوني عاملي جديد يهدف إلى
تقليص السيادة الوطنية ملصالح العدالة الجنائية الدولية وحماية حقوق اإلنسان مع ما
يحمله ذلك من رهانات وتحديات وتساؤالت حول اآلثار املحتملة إلنشاء املحكمة الجنائية
الدولية303.
وعليه فقد شكل إنشاء املحكمة الجنائية الدولية الحدث األكبر ،وغير املسبوق على
طريق تعزيز الضمانات الالزمة لكفالة االحترام الواجب لحقوق اإلنسان وحرياته األساسية،
اإلنسان304. وكذا التصدي لالنتهاكات الجسيمة لحقوق
انطالقا مما سبق ،سيتم توضيح هذا املطلب من خالل الفروع التالية:
302محمد البراز " :القان ون الدولي و العدالة الجنائية الدولية ،أي مستقبل" .المجلة المغربية لإلدارة المحلية و التنمية ،سلسلة
"مواضيع الساعة" عدد 2005 ،50ص.24
303علي عواد " :القضاء الجنائي الدولي وقانون النزاعات المسلحة" مجلة األمن و القانون ،كلية شرطة دبي ،العدد األول ،2000
ص.2
304نورالدين مورو" :طغيان واقع التسييس على عمل وفعالية المحكمة الجنائية الدولية" ،مجلة العلوم السياسية و القانون،
المركز الديموقراطي العربي ،ألمانيا ،برلين ،العدد ،64ماي ،2069ص .289
لقد أولى املجتمع الدولي أهمية كبرى للسيادة الوطنية لسيادة الدول وسن
مجموعة من الضوابط القانونية واالتفاقية التي تروم حمايتها ،غير أن املمارسات الدولية
في السنوات األخيرة وما رافقتها من متغيرات وتحوالت مرتبطة بتشابك العالقات الدولية في
مختلف املجاالت وامليادين ،وتنامي االعتماد املتبادل بين الدول ،أثرت بشكل ملموس على
االختصاص الوطني بدأت تسحب من الدول رويدا لتخضع ملقاربة دولية مثل (مكافحة
اإلنسان)305. اإلرهاب ،وتلوث البيئة ،القضايا الديمقراطية وحقوق
نتيجة لذلك اعتبرت العديد من األقطار أن التصديق على نظام املحكمة سيشكل
مدخال لتجاوز سلطاتها الداخلية و سبيال لتدخل في سيادتها على اعتبار أن هذا النظام
يتضمن بنودا التي تعتبر من منظورها تدخل في مجال ينطوي ضمن االختصاص الداخلي
للدول .من قبيل رفض نظام الحصانات ضد املحاكمات الجنائية املمنوحة بموجب عدد
من الدساتير لبعض االشخاص بصفتهم املدنية والعسكرية ( رئيس الدولة واملسؤولون
جرائم تندرج ضمن األساس ي للمحكمة وفرض تسليم األشخاص املتهمين في
اختصاصات املحكمة والذي يتعارض مع عدد من الدساتير ،أيضا وعدم القبول بتقادم
305ادريس لكريني " :المحكمة الجنائية الدولية :الرهانات و المعوقات" السياسة الدولية ،العدد 681أبريل ،2009ص.42
الجرائم املدرجة ضمن هذا السياق ،باإلضافة إلى رفض حق العفو الذي يملكه رؤساء
اإلنسانية306. الدول وبخاصة في ما يتعلق بالجناة املتورطين في ارتكاب جرائم ضد
ومن ضمن بنود نظام املحكمة التي أثارت التخوفات والشكوك لدى هذه الدول في
-نص املادة الثالثة 9/الذي يقرر أن " :للمحكمة إذا ارتأت ضرورة ذلك ،أن
تعقد جلساتها خارج مقرها" .ومعنى ذلك أنه يمكن أن يتواجد فوق إقليم
أو رعاياها.
-نص املادة 24الفقرة األولى ،الذي يقرر أن للمدعي العام أن يقوم بالتحقيق
فوق إقليم دولة ما وفقا للنصوص الباب التاسع أو بإذن من دائرة املحكمة
-نص املادة 23الذي يوجب على الدولة الطرف التي تتلقى طلبا
بالقبض االحتياطي على مرتكبي انتهاكات حقوق اإلنسان باتخاذ خطوات على
لطلبات القبض واإلحضار وأن تسمح بنقل املقبوض عليهم عبر إقليمها ليتم
اخرى307. تسليمهم إلى املحكمة بواسطة دول
غير أن هذه التخوفات تنطوي في الواقع على تصورات مبالغ فيها وتخفي وراءها غياب
اإلرادة السياسية الالزمة للتصديق على معاهدة روما وعدم الجدية في متابعة
الجناة املتورطين في جرائم خطيرة ضد اإلنسانية ،كما أنها تنم في جانب آخر منها عن
عدم استيعاب أو فهم مقتضيات ميثاق املحكمة بشكل دقيق ،ذلك أن تدخل املحكمة ليس
أصيال أو بديال عن املحاكم املحلية بل هو تدخل ينطوي على تحقيق أهدف إنسانية تفرض
التعاون ،كما أنه تدخل مدعم واحتياطي و مكمل لهذه املحاكم ،و بخاصة في حال عدم
قدرتها أو عدم فعاليتها في مواجهة الجناة والحد من إفالتهم من العقاب ،و تدخل
يكفل تحقيق نوع من التوازن بين سيادة الدول من جهة وبين التزاماتها الدولية في مجال
حقوق اإلنسان.308
من وجهة نظرنا نرى أنه لبلوغ الكونية قواعد ومبادئ حقوق اإلنسان ،من الضروري
تسهيل عمل املحكمة لحماية حقوق اإلنسان وتوفر إدارة سياسية دولية ملحاربة اإلفالت
من العقاب.
بالرغم من توصل املؤتمر االستعراض ي للمحكمة الجنائية الدولية إلى تحديد تعريف
لجريمة العدوان ،فإنه لم ينجح في منح املحكمة صالحيات تتعلق بمالحقة مرتكبي جرائم
العدوان ،وعلق هذه املسألة إلى حين تصديق 90دولة على التعديل الجديد .إضافة إلى
308ادريس لكريني ":المحكمة الجنائية الدولية ،الرهانات و المعوقات" مرجع سابق ،ص .45
ذلك سيتعين على الدول األعضاء اتخاذ القرارات الالزمة من أجل تفعيل صالحياتها سنة
.7082
من خالل إخفاق مؤتمر «كمباال» في توسيع صالحيات املحكمة الجنائية الدولية
لتشمل الجرائم العدوانية ،في املرحلة اآلنية ،فإنه يكون قد سمح فعليا بمواصلة ارتكاب
جرائم بحق السكان في شتى أنحاء العالم (وخاصة في فلسطين) إلى حين تصديق الدول
الجديد309. الثالثين على القانون
وهكذا تتواصل انتهاكات حقوق اإلنسان تحت غطاء شرعي يستند إلى غياب أو
أن تعمد الدول الكبرى عدم تحديد مفهوم للعدوان وتعطيل اختصاص املحكمة في
هذه الجريمة (منذ دخول النظام األساس ي حيز النفاذ سنة ،)7007ومواصلة «شدید
العدالة الجنائية» (رغم تعريف هذه الجريمة) إلى حدود سنة ( 7082وربما بعد ذلك األجل)
العدوانية املرتكبة في عديد الدول (كفلسطين ،العراق ،أفغانستان )....تحت مظلة الحرب
عالوة عن هذه اإلشكاليات التي تشوش على مسار املحكمة الجنائية وتحول دون بلورة
قضاء جنائي دولي قوي يحمي الكرامة اإلنسانية زمن النزاعات املسلحة ويعاقب مرتكبي
309المحكمة الجنائية الدولية قيد المحاسبة ،مقال منشور على األنترنيت ،على العنوان التالي:
http://www.al.akhbar.em/er/nozel/196971
الجرائم اإلنسانية ويمنع العدوان على الدول ،هناك عامل آخر يحد من فعالية أداء
املحكمة ويؤجل العدالة الدولية وقد »يسيسها» ،ويتعلق األمر بالصالحيات التي خلوها
نظام املحكمة ملجلس األمن والتي تخوله طلب إرجاء التحقيق أو املقاضاة التي تباشرها
املحكمة ،إذ تنص املادة 87من نظام روما األساس ي على أنه" :ال يجوز البدء أو املض ي في
تحقيق أو مقاضاة بموجب هذا النظام األساس ي ملدة اثني عشر شهرا بناء على طلب من
يقدم مجلس األمن إلى املحكمة بهذا املعنى يتضمنه قرار يصدر عن املجلس بموجب الفصل
السابع من ميثاق األمم املتحدة ويجوز للمجلس تجديد هذا الطلب بالشروط ذاتها "
إن هذا اإلجراء يمكن أن يعرقل عمل املحكمة ويحول دون تحركها في الوقت املناسب
كما يمكن أن يسهم في ضياع الوثائق واألدلة اإلثباتية مما يسمح ببقاء الجناة خارج أي
متابعة قضائية من قبل املحكمة ،ناهيك عن انعكاساته على عمليات األمم املتحدة لحفظ
السالم بالشكل الذي قد يؤدي إلى تحريفها عن أهدافها النبيلة املفترضة بل ويمنع إنجازها
متباينة310. أحيانا تحت ذرائع
إن بلوغ الكونية فيما يتعلق باآلليات القضائية لحماية حقوق اإلنسان يستوجب
مصادقة جميع الدول على نظام روما األساس ي ،فضال عن إزاحة جميع العراقيل أمام
اختصاص املحكمة الجنائية بجميع الجرائم الخطيرة على البشرية بما فيها جريمة العدوان،
310ادريس لكريني " :المحكمة الجنائية الدولية و العدالة المؤجلة" ،مقال منشور على االنترنيت على العنوان التالي:
http://drisslagrimi.maktoobblog.com
وهو ما يسمح بمحاكمة ومعاقبة ومالحقة مجرمي الحرب وحماية حقوق اإلنسان من
املطلب الثاني :طغيان االعتبارات السياسية على عمل املحكمة الجنائية الدولية.
واملبررات التي أدت إلى إنشاء املحكمة واآلمال املعقودة علي حيث قررت أن ":الدول
األطراف في هذا النظام األساس ي ،إذ تدرك أن ثم روابط مشتركة توحد جميع الشعوب وأن
ثقافات الشعوب تشكل تراثا مشتركا ،وإذ يقلقها أن هذا النسيج الرقيق يمكن أن يتمزق في
أي وقت إذا تضع في اعتبارها أن ماليين األطفال والنساء والرجال قد وقعوا خالل القرن
الحالي ضحايا فضائع ال يمكن تصورها هزت ضمير اإلنسانية بقوة ،وأن تسلم هذه الجرائم
الخطيرة تهدد السلم واألمن والرفاهية في العالم ،فقد عقدت العزم على وضع حد
الجرائم311. إلفالت مرتكبي هذه الجرائم من العقاب وعلى اإلسهام بالتالي في قمع هذه
فهل نجحت املحكمة الجنائية الدولية في تحقيق األهداف املذكورة وبالتالي مالحقة
مرتكبي االنتهاكات الجسيمة لحقوق اإلنسان اينما كانوا وبدون نهج سياسة انتقائية مبنية
على مبدأ ازدواجية املعايير و االنقائية ،سيتم توضيح هذه املسألة من خالل الفروع التالية:
311صباح عزام " :ازدواجية المعايير في العدالة الدولية" مقال منشور على االنترنيت على العنوان
التاليhttp://thawra.alwehda.gov.sy/archive.asp ? :
للمحاكمة ومعاقبة مرتكبي الجرائم الدولية ،إال أن ذلك يجب أن يكون بمعيار واحد
" الكيل بمكيالين" وهما لألسف فكرتان مطبقتان حاليا على نطاق واسعة في العالقات
الدولية312. الدولية وفي إطار املنظمات
وتجدر اإلشارة إلى أن إنشاء املحكمة الجنائية الدولية في عام ،7007قد علقت عليها
الشعوب والدول ،وال سيما الصغيرة منها آمال عريضة بأن تحاسب مرتكبي الجرائم الدولية
(مثل جرائم الحرب واإلبادة والجرائم األخرى )...التي تنال من كرامة اإلنسان وأدميته ،وأن
تنهي أسلوب االزدواجية و االنتقائية في التعامل مع هذه الجرائم ،وأن ال تكتفي بمالحقة
ومحاكمة الضعفاء.
لكن تبين ،مع األسف أن هذه املحكمة لم تتجرأ على محاسبة دول الكبرى ولم تقدر
ُ
على مرتكبي الجرائم الحقيقيين لحقوق اإلنسان دوال وأفرادا وجماعات ،بل تغاضت عن
هؤالء تحت ذرائع وحجج واهية ،فعل سبيل املثال رفض املدعي العام للمحكمة "
أوكامبو" أكثر من 720طلبا للنظر في جرائم واضحة ارتكبت في العراق ،من قبل قوات
312أحمد أبو الوفاء " :المالمح السياسية للمحكمة الجنائية الدولية" ،المرجع السابق ،ص15
نالحظ أن رغم خطورة هذه الجرائم التي ارتكبت ضد الشعب العراقي ،لم يجرأ املدعي
العام " أوكامبو" أو غيره على توجيه االتهامات إلى الواليات املتحدة األمريكية و بريطانيا رغم
ما تسببوا فيه من جرائم حرب وجرائم ضد اإلنسانية في العراق ،وبالرغم من مصادقة
يتضح إذن أن املحكمة الجنائية الدولية أداة بيد الواليات املتحدة األمريكية لتنتقم
من أعدائها وتبقى هي بمنأى عن املحاسبة الجنائية (عدم املصادقة على نظام روما
األساس ي والهيمنة على مجلس األمن) فمنذ إنشاء املحكمة والواليات املتحدة األمريكية تصر
على أن مواطنيها سواء كانوا جنودا أو أفرادا بقوات األمم املتحدة لحفظ السالم أو غيرهم
من العسكريين األمريكيين يجب استثنائهم من املتابعة الجنائية بمقتض ى القانون الدولي
أخرى314. وكذا قوانين أي دولة
ولبلوغ هذا الهدف حرصت الواليات املتحدة األمريكية على عقد اتفاقيات ثنائية مع
بعض الحكومات ملنع تسليم مواطنين امريكيين للمحكمة ،وفعال تمكنت اإلدارة األمريكية
دولة إلرادتها315. حتى األن من ضمان انصياع أكثر من 40
313صباح عزام " :ازدواجية المعايير في العدالة الدولية" مرجع السابق .
314محمد البزاز " :القانون الدولي و العدالة الجنائية الدولية ،أي مستقبل؟ " مرجع سابق ،ص.51
315نفس المرجع ،ص51
نشير في هذا الصدد أن موقف الواليات املتحدة كان واضحا ،و املتمثل في رفض وجود
لقد حاولت الواليات املتحدة جعل هذه املحكمة خاضعة ملراقبة مجلس األمن ،حتى
تتمكن من ربط قراراتها بممارسة حق الفيتو ،مما يشكل حصانة ليست فقط للواليات
املتحدة ومسؤوليها وإنما لكل من تورط من حلفائها في جرائم من هذا النوع (اسرائيل بشكل
خاص) ،وحتى وإن كانت املتابعة ستصدر عن مجلس األمن ،فإن هذا فأن هذا األمر سيبقى
خاضعا لحسابات ومصالح الدول الدائمة العضوية ولحلفائها ومن ثم إمكانية توظيف حق
الفيتو316.
مبادئ حقوق اإلنسان تؤدي إلى افالت مجرمي الحرب (خاصة االسرائيليين) من
العقاب وتمنعهم من املثول أمام القضاء الدولي نتيجة الهيمنة األمريكية على املؤسسات
الدولية بشكل خاص كالجمعية العامة لألمم املتحدة ومجلس األمن الدولي.
كما نشير في هذا الصدد ،أن إزدواجية املعايير والكيل بمكيالين السمة البارزة التي
تميز منظومة عمل املحكمة الجنائية الدولية ،وبات واضحا بما ال يقبل مجاال للشاك أن
هناك قانونين دوليين أحدهما للتعامل مع القضايا االفريقية واآلخر للتعامل مع قضايا
الدول العظمى ،إذ ال يعقل أن تقوم املحكمة الجنائية الدولية باتخاذ إجراءات ضد ما
316محمد نشطاوي " :العالقات الدولية :مقترب في دراسات النظريات الفاعلين وأنماط التفاعل" الطبعة والوراقة الوطنية،
مراكش ،الطبعة األولى ،2002ص 2064-2065
تزعم أنه يقع تحت بند يشكل تهديد للسلم و األمن الدوليين ،وفي نفس الوقت تتجاوز عن
انتهاكات واضحة في أماكن أخرى ال تحتاج الى ما يثبتها ،نظرا لتوافر األدلة القاطعة على
ارتكابها ،إال أنها تغض الطرف عن تلك االنتهاكات ،فبدال من إلتزام املحكمة الجنائية الدولية
الصمت التام في العديد من القضايا التي ارتكبت فيها جرائم فظيعة في شتى أنحاء
العالم ،وكان ملنطقة الشرق األوسط النصيب األكبر منها ،كان عليها تحقيق للعدالة الجنائية
الفلسطينية والعراق وسوريا ولبنان والروهينغا ،وأمام هذه اإلزدواجية وغض الطرف عن
الكثير من االنتهاكات التي تمارس يوميا حول العالم بشكل عام وفي الشرق األوسط بشكل
لقراراتها وابتعادها عن هدفها األسمى الذي من أجله أنشئت وهو تحقيق العدالة
الدولية بكل شفافية و دون تمييز وبعيدا عن املؤثرات السياسية والضغوط الدولية.
لقد تعالت أصوات تنادي بأن قضاء املحكمة الجنائية الدولية هو قضاء انتقائي،
ويخدم مصالح الدول الكبرى ،في مقدمتها الواليات املتحدة األمريكية و إسرائيل ،فهذا األمر
بات واضحا في مجال العالقات الدولية ،التي أصبح يحكمها معيارين مهمين وهما القوة و
املصلحة ،لذلك فهذه املحكمة منذ نشأتها ،لم تتطرق ولم تباشر ممارستها ،إال في قضايا
إلفريقيا317. خاصة ،وجلها تنتمي إلى القارة اإلفريقية ،بل هناك من اعتبرها محكمة
نور الدين مورو ":طغيان واقع التسييس على فعالية المحكمة الجنائية الدولية" ،مرجع سابق ،ص.205 317
رغم مرور أزيد من عقد على إنشاء املحكمة الجنائية الدولية ،نالحظ أن املتابعين
خاصة318. واملاثلين أمامها ،و يا للصدفة من إفريقيا ،وأحيلوا عليها من محاكم
فاملحكمة الجنائية الدولية بدأت عملها بمحاكمة " تشارلز تايلور " الذي فر من
ليبيريا إلى نيجيريا عام 7009بعد أن تولى خصومه السياسيون السلطة وطلبت رئيسة ليبيريا
سابقا (سيرليف) من نيجيريا إعتقاله ونقله ليمثل أمام املحكمة الخاصة لسيراليون .لكن
املخاوف من تبعات احتجازه في افريقيا وما قد يذكيه من اضطرابات ،عجلت بنقل محاكمة
تايلور إلى املحكمة الجنائية الدولية في الهاي عام ،7002حيث زج به في نفس السجن الذي
ميلوسيفيتش319. نزل به
وأول شخص مثل ( باألحرى أحيلت محاكمته) أمام املحكمة الجنائية الدولية هو
(توماس لوبانغا) زعيم احدى املليشيات املسلحة في جمهورية الكونغو الديمقراطية بتهمة
ومثل أمامها كذلك نائب الرئيس السابق للكونغو الديمقراطية " جان بيير بيمبا
" املتهم بجرائم حرب ضد اإلنسانية وعمليات اغتصاب ونهب وقتل ارتكبها ارتكبتها
و 320.7009 ميليشياته في افريقيا الوسطى في العامين 7007
318رجاء ناجي المكاوي ":علم القانون :ماهيته ،مصادره ،فلسفته وتطبيقاته" ،دار أبي رقاق للطباعة و النشر ،الرباط ،الطبعة
الثالثة ،2062ص .240
319في عام 2001نشب جدال عنيف حول مكان محاكمة تايلور إثر طلب مجلس األمن الدولي نقل تشارلز تايلور من
سيراليون إلى الهاي لمحاكمته ولكن طلبه هذا أثار جدال عنيفا بسبب تهديد األمن الذي قد ينتج عن احتجازه في محكمة
سيراليون ،وبخصوص محاكمته و بادانته أمام المحكمة الجنائية الدولية ،ثار خالف حول أي دولة سترضى بالسماح بسجنه
لديها ما رفضته السويد و النمسا وفي النهاية سجن في الهاي.
320وكان حوالي 6400رجل من حركة تحرير الكونغو توجهو الى افريقيا الوسطى في اكتوبر 2002بطلب من رئيس
افريقيا الوسطى ...فيليكس باتاسيه الذي تعرض لمحاولة انقالب قام بها الجنرال فرانسوا بوزيزيه ،فارتكب هؤالء في خمسة
أشهر فضائع.
ورفع القضية فرانسوا بوزيزيه رئيس افريقيا الوسطى منذ .7009وفر "بيمبا" من
جمهورية الكونغو الديمقراطية في عام ،7002وتم توقيفه في 74ماي 7001في بروكسيل321.
ورابع قضية تلك التي أحالها على املحكمة مجلس األمن متهما فيها الرئيس السوداني
(السابق) عمر البشير ومسؤولين آخرين بارتكاب جرائم حرب في إقليم دارفور ،فطلب املدعي
العام "أوكامبو" اعتقال البشير في 84يوليوز .7001وأصدرت املحكمة مذكرة اعتقال في 4
مارس .7003فأصبح البشير ثالث رئيس دولة يتابع بعد رئيس ليبيريا تشارلز تايلور و الرئيس
السابق ليوغسالفيا سلوبودان ميلوسوفيتش ،بفارق أساس ي وهو صدور مذكرة اإلعتقال
فقد أحالت المحكمة العليا في جمهورية افريقيا الوسطى إلى المحكمة الجنائية الدولية إتهامات القتل و االغتصاب الموجهة إلى
الرئيس السابق فيليكس أنجي باتاسي و اثنين من مساعديه ونائب جمهورية الكونغو الديموقراطية جان بيير بيمبا ( بتهم القمع
الوحشي ،محاولي انقالب عسكري في عام 2002ولم يلقى القبض سوى على بيمبا.
خاتمة:
-ال يمكن اعتبار آلية تقديم التقارير لوحدها ،أسلوب فعاال وكافيا على حمل الدول لالمتثال
-من عيوب وسيلة التقارير املرتبطة باللجان نجد أن اللجان التعاهدية ال تملك القدرة على
اتخاذ قرارات ،وال تملك صالحية فعالة تمكنها من اجراءات محددة في مواجهة دول عند
-الظاهر أنه رغم النجاح النسبي لنظام الشكاوى ،فإنة يضل قاصرا لعدم إلزاميته من
الناحية القانونية للدولة املشكو منها ،وإنما يكون ملزما فقط من الناحية األدبية بما يمثله
-يؤكد واقع عمل املحكمة الجنائية الدولية تكريس تسييس مسألة حقوق اإلنسان ،حيث
تستخدم الدول العظمى وعلى رأسهم الواليات املتحدة األمريكية املحكمة ومجلس األمن
-جعل املحكمة الجنائية الدولية كأداة سياسية وليس قضائية لخدمة أجندة الدول
-من الضروري إبعاد قضية حقوق اإلنسان عن حلبة املصالح الشخصية ،والصراعات
الئحة املراجع:
عبد العزيز العروس ي " :التشريع املغربي واالتفاقيات الدولية لحقوق اإلنسان:
مالئمات قانونية و دستورية" ،املجلة املغربية لإلدارة املحلية و التنمية ،سلسلة مواضيع
الساعة ،العدد .7084 ،12
عبد هللا علي عبو ساطان ،دور القانون الدول الجنائي في حماية حقوق اإلنسان،
دار دجلة ،عمان .7001
محمد يوسف علوان ،محمد خليل موس ى ،القانون الدولي لحقوق اإلنسان،
املصادر ووسائل الرقابة ،الجزء األول ،دار الثقافة للنشر و التوزيع ،األردن.7002 ،
محمد سامي عبد الحميد ومصطفى سالمة حسين ،القانون الدولي العام دار
الجامعي ،اسكندرية .8331
عبد الواحد محمد الفار ،قانون حقوق اإلنسان في الفكر الوضعي والشريعة
االسالمية ،دار النهضة العربية القاهرة.8338 ،
القضائى وليس هناك جهة تختص بالتكوين املنهى والتدريب للقاض ى ،السيما ان هناك
عدة وسائل تساهم في ذلك ،يأتى في مقدمتها اإلعداد املنهى الجيد من خالل املعاهد
القضائية ،والدورات التدريبية والندوات واملؤتمرات العلمية والعملية وإتاحة كافة وسائل
توفير وسائل تكنولوجيا املعلومات الحديثة :وذلك بإنشاء شبكة معلومات
إلكترونية متكاملة تربط جميع املحاكم ،وإنشاء موقع على شبكة املعلومات تنشر فيه جميع
وكذلك توفير الكتب واملجلدات واملوسوعات واملراجع ،وآراء الفقه وأحكام القضاء،
فالتكوين املنهى للقاض ى يحتاج لكافة هذه الوسائل لتنمية آفاقه القانونية ،لذلك يجب أن
تكون هناك آلية معينة لتجميع األحكام واآلراء التى تصدر عن املحاكم العليا في كافة جهات
بيد ان تخصص القضاة ركيزة أساسية من: توفير ضمانات التخصص والكفاءة في القضاء
ركائز الخبرة واملعرفة ألن غالبية النظم القضائية تشترط في الشخص الذى يتولى القضاء
judges took over in the judicial field and there is no body specialized in
professional training and training for the judge, especially since there are
and scientific conferences And the process and making available all means of
integrated electronic information network that links all courts, and creating a
website on the information network that publishes all rulings issued by the
needs all these means to develop his legal horizons. Therefore, there must be a
specific mechanism for collecting judgments and opinions issued by the higher
courts in all judicial bodies, to facilitate the access of judges to the legislation
and judicial opinions they need according to It is easy and easy to facilitate all
However, the allocation of judges is one of the main pillars of experience and
knowledge because the majority of judicial systems stipulate in the person who
specialized.
: مقـدمة
تعد الرقابة القضائية ضمانة جوهرية لحماية الحقوق والحريات وحصنا للدولة
والذي، السيما إن استقالل السلطة القضائية، القضائية لحماية كافة الحقوق والحريات
يعنى باألساس عدم تدخل أي سلطة باى شكل في عمل السلطة القضائية وخاصة السلطة
وهذه الضمانة ليست لحماية الحقوق، التنفيذية تنفيذا ملبدأ الفصل بين السلطات
والحريات فقط بل هي ضمانة أساسية لقيام دولة القانون ،فال سبيل إلى إقامة العدل
دون توفير الحماية واالستقالل الكامل للقضاء والقضاة وكذا الفصل بين كافة سلطات
وإذا لم يقم القضاء على أساس قوى من االستقالل والكفاءة والخبرة والحيدة
الخطيرة ،انهار أساس الحياة الديمقراطية فى البالد ،فال غرو أن العدل دوما أساسا للملك
ويتطلب القضاء فيمن يليه فوق العلم واملعرفة واالملام بالقواعد القانونية ان يكون
متصفا باسمى خصال االستقامة والكفاءة والنزاهة والحيدة متشبعا بروح العدالة مومنا
يعد تحقيق كفاءة القضاء والقضاة مطلبا اساسيا وجوهريا لتحقيق حاجات االفراد
واملجتمع الى العدالة واالطمئنان الى حقوقهم بل هو املكمل الطبيعى لفكرة املساواة امام
القضاء وكذا تأتي أهمية البحث والعالم يشهد ثورة تكنولوجية غير مسبوقة نتيجة لتسابق
دول العالم في استخدام التكنولوجيا واالستعانة بها فى كافة املجاالت وكذا االستعانة بها
ما لوحظ فى اآلونة األخيرة من عدم خبرة الكثير من القضاة فى القيام بالوظيفة
القضائية ،والعمل بالحقل القضائى بشكل الئق نتيجة عدم كفاءتهم أو لنقص فى الخبرة
أو نقص فى االمكانيات املتاحة لهم سواء نقص فى التدريب أو املعلومات املتاحة لهم أو عدم
توفير االنظمة الخبيرة فى مجال اعمالهم التى تساعدهم فى انجاز ما هو موكول لهم فضال
عن عدم وجود جهة معينة مسئولة عن تدريب وإعداد القضاة بشكل الئق.
ثالثا -:تقسيمات البحث -:قسمنا البحث الى اربعة مباحث وذلك على النحو التالي -:
املبحث االول -:متطلبات تحقيق كفاءة القضاء .املبحث الثاني -:متطلبات تحقيق كفاءة
القضاة .املبحث الثالث -:متطلبات تحقيق كفاءة القضاء والقضاة بين النظرية والتطبيق.
املبحث الرابع -:ضمانات عدم انتهاك استقالل القضاء والقضاة .وذلك على التفصيل
التالى -:
ويعتبر تحقيق كفاءة القضاء عنصر هام وحاسم فى حل املنازعات التى تثور فى
املجتمع ،ولذا فان فاعلية القضاء وكفاءته جزء اساس ى من فكرة األمن القانونى ،فاذا
كانت السلطة التشريعية هى املسئولة عن إرساء األمن القانونى ،فإن السلطة القضائية
هى املسئولة عن تحقيق وتطبيق هذا االمن القانونى وإستكمال ما لم تحققه السلطة
التشريعية ،ولن يتأتى هذا إال بقضاة نزيه مستقل مدرب يعمل على ترميم النصوص مما
اعتراها من عيوب ،وذلك عن طريق قضاة ذو خبرة وثقافة قانونية وفهم للقانون والواقع
بشكل جيد ،ولذا سوف نناقش متطلبات تحقيق كفاءة القضاء فى ثالثة مطالب على الوجه
()322 التالى -:
املطلب االول -:أهمية التكنولوجيا ونظم املعلومات فى تيسير وفاعلية القضاء .
يشهد العالم ثورة هائلة فى التكنولوجيا ونظم املعلومات نتيجة تطورها بشكل
ملحوظ نتيجة الكم الهائل من املعلومات ،ونظرا ألهمية نظم املعلومات فى أداء كافة
األعمال القضائية وتطويرها ،وملا تؤدى له من سرعة فى إتخاذ القرار على كافة املستويات،
األمر الذى استتبع ضرورة تطوير االجهزة التى بنيت عليها هذه النظم ،وأصبحت اإلدارة
الحديثة ال تبنى على القدرات الشخصية فقط بل علما له قواعده وأصوله ،ولكى تحقق
اإلدارة الحديثة أهدافها يلزم وجود نظم معلومات مواكبة للعصر للممارسة االنشطة
( (322د .محمود حمدى عطية :دور دائرة توحيد المبادئ القانونية بمجلس الدولة فى كفالة االمن القضائى ،ط
، 7105ص .78
القضائية املرتبطة بها ،فال يوجد نشاط يتم بنجاح إال بتوافر البيانات واملعلومات بالقدر
ونظرا ملا يشهده العالم من تطور تكنولوجى سواء ما طرأ من ثورة فى املعلومات والتى
تمثلت فى الكم الهائل من املعرفة بواسطة تكنولوجيا املعلومات ،أو سواء فى وسائل
االتصال والتى تمثلت فى تكنولوجيا االتصال الحديث التى إنتهت باالقمار الصناعية ،وكذا
الحاسبات االلية والبرامج الاللكترونية الحديثة والنظم الخبيرة والتى توغلت فى كافة
)323( . مناحى الحياة
ويسهم تطبيق تكنولوجيا املعلومات املعاصرة بواسطة نظم املعلومات الحديثة فى
توفير القدرة على اداء عمليات كثيرة ومتباعدة ومتنوعة بسرعة فائقة وبدقة متناهية وكذا
تخزين واسترجاع كم كبير من املعلومات والبيانات فى انماط موحدة باساليب مبرمجة سهلة
)324( . بسيطة سريعة دقيقة
وتشير العديد من الدراسات لقوة تاثير تكنولوجيا املعلومات على االنجاز القضائى
وسرعة البت فى القضايا املتراكمة منذ سنوات امام املحاكم وذلك باستخدام التكنولوجيا
فى االعالنات القضائية واالستعانة باالنظمة الخبيرة وندب الخبراء وابحاث التزييف والتزوير
وارسال واعالن القضايا الكترونيا وغير ذلك من الطرق امليسرة واملساعدة فى االنجاز فى
( (323د.عصمت عبد اهلل الشيخ :دور نظم وتكنولوجيا المعلومات فى تيسير وفاعلية العمل االدارى ،دار النهضة
العربية ،ط ، 0228ص 05وما بعدها.
( (324د.عصمت عبد اهلل الشيخ :دور نظم وتكنولوجيا المعلومات ،مرجع سابق ،ص 32وما بعدها
العملية القضائية ،وتنقسم تكنولوجيا املعلومات واالتصاالت الى ثالث مجموعات رئيسية
خالل االنترنت والتطبيقات الحديثة التى يجب االستفادة منها فى تطوير وتحديث العملية
)325(. القضائية
ومن جماع ما تقدم نجد وجوب استخدام تكنولوجيا املعلومات الحديثة وتطبيقاتها
فى العملية القضائية والعمليات املتداخلة معها ،ملا لها من دور متميز فى توفير حاجات
القضاء فى االنجاز ،وحاجات القضاة للمعلومات بسرعة متناهية وترشيد عملية اتخاذ
القرارات وتحسين دقة وتكامل امللفات وتنسيق املداخل املتعددة للبيانات وتحقيق القضاء
الناجز )326( .
بيد أن استقالل القضاة استقالال تاما ،من األمور املسلم بها لتحقيق كفاءة القضاء،
وأن ال سلطان على القاض ي وهو يؤدى واجبه لغير القانون ،وليس ألحد أن يملى عليه حكمه
سوى ضميره.
وإذا كان الدستور قد جعل من استقالل القضاء وحصانته ضمانين أساسيين لحماية
الحقوق والحريات ،فقد أضحى لزاما أن يكون هذا الحق مكفوال ومفعال ومطبق بنص
( ) 325د .عاطف وليم اندراوس :الفجوة الرقمية ودور الحكومة فى معالجتها ،دار الفكر الجامعى ،ص .07
( (326د.عصمت عبد اهلل الشيخ :دور نظم وتكنولوجيا المعلومات ،مرجع سابق ،ص 32وما بعدها
صريح كى ال تكون الحقوق والحريات التى نص عليها مجردة من وسيلة حمايتها ،بل معززة
()327 بها لضمان فعاليتها وضمان حسن تطبيقها .
ويعنى ذلك وجوب وجود بعض املقومات واملرتكزات األساسية الستقالل القضاء
والقضاة وفى حالة عدم وجودها أو انتقاص شرط من تلك الشروط ال يتصف ذلك القضاء
أوال -:استقالل القضاة دون غيرهم بتطبيق القانون على املنازعات والدعاوى وأنهم
دون غيرهم الذين يقضون بتجريم أفعال معينة ويحكمون بعقوبات معينة تطبيقا لتلك
القوانين ،وال يجوز لجهة فى الدولة أيا كانت أن تتداخل فى أعمال القضاء أو أن تطلب
تطبيقا معينا لنص معين أو أن تفرض حكما معينا فى قضية معينة .
ويتفق مع ما تقدم ويجرى مجراه أنه ال يجوز لغير القضاة أن يحكموا فى الدعاوى ،
إن القاض ي العادي هو الذى يجب أن يناط به وحده الفصل فى القضايا واملنازعات فى
الدولة القانونية ،أما أن تنتزع بعض القضايا ألهمية معينة معينة فى نظر السلطات ويعطى
االختصاص بالفصل فى تلك القضايا لغير جهة القضاء العادية أو لجهة قضاء مخصصة
لسبب معين ،فهو أمر يتعارض مع مفهوم استقالل القضاء تماما وينتقص من قدر القضاة
والقضاء ،األمر الذى يوثر سلبا فى كفاءة القضاة والقضاء ويززع ثقة املواطنين فى العدالة.
( (327راجع الحكم الصادر من المحكمة بجلسة 8مايو سنة 0225في القضة رقم 32لسنة 5ق ،مجموعة
أحكام المحكمة الدستورية العليا ،الجزء الخامس ،المجلد الثانى ،قاعدة رقم ، 05ص 031
ثانيا -:استقالل القضاة دون غيرهم بإنزال أحكام القوانين على كافة املواطنين دون
تمييز ويستلزم ذلك بالضرورة أن يكون الحبس االحتياطي بكل صوره وكذا االعتقال فى غير
حالة األحكام العرفية التى يجب أن تبقى فى أضيق نطاق ولضرورات ملجئه من اختصاص
ثالثا -:ممارسة السلطة بصفة دائمة فى إطار الدستور والقانون ،مما يؤدى بالضرورة
إلى أن تسأل كافة أجهزة السلطة العامة عن أفعالها وقراراتها وأن ال تكون تلك األفعال
والقرارات محصنة من املسئولية وااللغاء أمام القضاء وفقا للدستور والقانون .
السيما أن خضوع أعمال وقرارات أجهزة السلطة للقانون وإعطاء القضاء الحق فى
مراقبة هذا الخضوع والغاء املخالف للقانون عندما يدعى صاحب مصلحة بعدم تحققه
)328( . أمر من صميم الدولة القانونية
رابعا -:استقالل القضاء بميزانيته -:من أعظم األمور خطرا على استقالل السلطة
القضائية هو التقتير عليها في مواردها ورواتب القضاة ومخصصاتهم حتى تقف موقف
املستجدى من السلطتين األخيرتين ،لذا فإنه يتعين أن يستقل القضاة بميزانيتهم وفق
()329 ضوابط محددة عامة مجردة .
( )328د .يحيى الجمل :القضاء الدستورى فى مصر ،مرجع سابق ،ص 58وما بعدها
( (329د .فاروق عبد البر :دراسات في حرية التعبير واستغالل القضاء وضمانات التقاضي ،ط ، 7118ص
715وما بعدها
ومن املستقر عليه أن استقالل القضاء بميزانيته ليس أمرا غريبا ،فما دام القضاء
سلطة مستقلة فإنه ينبغي أن يستقل بميزانيته ،وال ينبغي أن تكون هذه امليزانية محل
رقابة من السلطة التشريعية وإال كانت هذه الرقابة بابا للسيطرة على مصائر القضاة ،
كما أن تدخل السلطة التنفيذية فى تحديد كيفية معاملة القضاة ماليا أمر ال يتفق
واستفالل السلطة القضائية ألنه ال يجوز أن يكون محل مساومة بين السلطة القضائية
والسلطة التنفيذية ،ذلك إن إعداد ميزانية القضاء ينبغي أن يكون من اختصاص القضاة
أنفسهم ،بما فى ذلك تحديد موارد هذه امليزانية وأوجه إنفاقها ،وأن تدرج رقما واحدا فى
املوازنة العامة للدولة ،وأن يكون للقضاء فى شأنها السلطة املقررة للوزير املختص ووزير
()330 املالية .
بيد ان إعالء حجية االحكام القضائية الحائزة لقوة االمر املقض ى والتى استقرت بها
املراكز القانونية لالفراد فى املجتمع هو ما يحقق األمن القانونى بمعناه العام ويحفظ األمن
القضائى.
ذلك ان النفاذ الى القضاء ال يعتبر كافيا لصون الحقوق التى تستمد وجودها من
النصوص والقانونية واالحكام القضائية بل يتعين دوما ان يقترن هذا النفاذ بازالة كافة
( )330المستشار يحيى الرفاعى :حديث الحقائق والوثائق ( )0الديمقراطية الحقيقية ( ،الطوارئ وافساد الطبائع ،
تأصيل تاريخي منشور منذ عام 0221للمستشار الجليل احمد مكي ،الطبعة الثانية ،طبعة ، 7115المكتب
المصري الحديث ،ص 77
العوائق التى تحول دون تنفيذ االحكام القضائية كى توفر للخصومة فى نهاية املطاف حال
منصفا يقوم على حيدة املحكمة وإستقاللها ويعكس بمضمونة التسوية التى يعمد الخصم
وتاتى ضرورة اقتران الترضية القضائية بوسائل تنفيذها جبرا باعتبارها أهم مفردات
املنظومة املتكاملة للحق فى التقاض ى فالترضية القضائية التى ال تقترن بوسائل تنفيذها
تغدو وهما وسرابا وتفقد قيمتها عمال ،األمر الذى يؤول إلى تجريدها من قوة نفاذها وإهدار
كافة الحقوق التى كفلتها وتعطيل دور القضاء فى مجال تاميمها وافراغ حق اللجوء إليها
من كل مضمون وعدوان على واليتها وإنتهاك صارخ للعدالة يثبط القضاة واملتقاضين ولذا
يجب اسناد امر تنفيذ االحكام القضائية الى السلطة القضائية نفسها دون تدخل من
)331( . السلطة التنفيذية
وحيث أن الدستور عزز كذلك سيادة القانون وضرورة تنفيذ االحكام القضائية بنص
املادة 27التى صاغها بوصفها ضمانا جوهريا لتنفيذ األحكام القضائية من قبل املوظفين
املختصين ،وأعتبر إمتناعهم عن إعمال مقتضاها ،أو تعطيل تنفيذها جريمة معاقبا عليها
قانونا ،وما ذلك إال توكيدا من الدستور لقوة الحقيقة الراجحة التى يقوم عليها الحكم
()333(،)332 القضائى ،وهى حقيقة قانونية ال تجوز املماراة فيها .
( (331د .محمود حمدى عباس عطية :دور دائرة توحيد المبادئ القانونية ،مرجع سابق ،ص 78وما بعدها
( )332حكم المحكمة الدستورية العليا بجلسة 03أبريل سنة 0223فى القضية رقم 72لسنة 08ق " دستورية "
( )333عبد العزيز سالمان ،الدولة القانونية ورقابة الدستورية ،مجلة الدستورية العدد 08اكتوبر ، 7112ص82
ذلك ان أهم متطلبات تحقيق كفاءة القضاة هو وضع معايير دقيقة ثابتة ال تتغير وال
تتبدل للتعين القضاة ،والتعين فى سلك القضاء أهمها التفوق العلمي واألدبي ،واال يكون
التعيين فى القضاء باملحاباة أو املجاملة أو املحسوبية أو غير ذلك من طرق غير شريفة وغير
مشروعة ،وكذا يجب أن تتوافر في القضاة ضمانات التفوق والتخصص والكفاءة وذلك
لتحقيق كفاءة القضاة والقضاء وضمان حيدته منذ بداية تعيينه في سلك القضاء حتى
خروجه على املعاش ،وكذا تحقيق التخصص للقضاء والقضاة وتنفيذ التدريب املستمر
ملا لهما من عوامل فى ثقل خبرة وكفاءة القضاة ،وملا له من تحقيق كفاءة القضاء ،وذلك
املطلب األول -:وضع ضوابط عامة مجردة لتعيين وترقية ونقل وعزل القضاة .
املطلب الثالث -:أن يتوافر للقضاة كافة ضمانات التخصص والكفاءة .
املطلب االول -:وضع ضوابط عامة مجردة لتعيين وترقية ونقل وعزل القضاة .
ولعل أهم ضمان لهذا االستقالل هو اختيار القضاة بدقة متناهية وضوابط محددة
عامة مجردة ،وكذا عدم قابلية القضاة للعزل أو النقل النوعي أو املكاني إال بمقتض ى
قواعد عامة محددة مجردة ثابتة ،وأن تعطى سلطة التعيين والترقية والنقل والتأديب
والعزل لهيئة مستقلة تابعة للسلطة القضائية ،ولهذا ورد النص على هذه الضمانة
صراحة فى معظم الدساتير ،وإن كانت قد أحالت فى التفاصيل إلى القانون املنظم للسلطة
القضائية ،فمن دواعي وعوامل هذا االستقالل أال يكون تعيين القضاة مبنيا على اعتبارات
سياسية وأال يوكل تعيين وترقية وعزل القضاة أو تأديبهم أو نقلهم إلى األجهزة السياسية
وأن تضمن لهم الرواتب املناسبة ،وقد أقرت غالبية الديمقراطيات الحديثة قاعدة عدم
()334 عزل القضاة .
من ابرز الضمانات لتحقيق كفاءة القضاة والقضاء هو اختيار القضاة انفسهم
وتشمل كلمة القضاة اعضاء النيابة العامة باعتبار ان النيابة العامة شعبة أصيلة فى
العملية القضائية ( ، )335ويعتبر اختيار القضاة الضمانة االولى الستقالل القضاة إذ انه
باحسان اختيار القضاة نضمن أن من يلى هذا املنصب كل من هو جدير بتحمل تبعاته
والنظر اليه على انه تكليف ال تشريف وانه امانة سوف يسأل عنها امام هللا سبحانه وتعالى،
فإما يبيض وجه يوم تسود الوجوه ،وإما أن يلقى فى النار جزاء ملا قصر فى إحق الحقوق
وحماية املواطنين من ظلم وقهر الظاملين ،ولذا يجب ان يكون اختيار القضاة بشفافية
( (334الموسوعة العربية للدساتير العالمية – بمجلس األمة ( مجلس الشعب حاليا ) ط ، 0288ص ، 215د.
شحاتة أبو زيد شحاتة :مبدأ المساواة فى الدساتير العربية ،متطلبات استقالل القضاء ،طبعة ، 7110ص ،820
827
( (335التى نرى وجوب فصلها تمام عن السلطة القضائية لتكون سلطة مستقلة ترفع لواء االدعاء العام
وموضوعية وفقا لقواعد عادلة ثابتة ( ، )336ال تتغير وال تتبدل على ان يكون اهم شروط
اختيار القضاة هو العلم والكفاءة والجدارة والتفوق بعيدا عن املحسوبية والوراثة وغير
ذلك من الطرق غير املشروعة ،وبعيدا عن تدخل السلطة التنفيذية فى اختيارهم عبر
لعل خير ما يصف لنا الصفات التى يجب ان يتصف بها القاض ى هو قول الخليفة
عمر بن عبد العزيز " اذا كان فى القاض ى خمس خصال فقد كمل ،علم بما قبله ،ونزاهة
من الطمع ،وحلم على الخصم ،واقتداء باالئمة ،ومشاركة اهل العلم والراى "
وكذا قول االمام على بن ابى طالب رض ى هللا عنه " ال ينبغى أن يكون القاض ى قاضيا
حتى تكون فيه خمس خصال ،عفيف ،حليم ،عالم بما كان قبله ،يستشير ذوى االلباب،
-7التكوين املنهى والذى يتم نظريا من خالل املراكز املتخصصة العداد القضاة
( (336المستشار محمود الخضيرى :تشريعات السلطة القضائية فى دولة االمارات العربية ،دراسة مقارنة بالشريعة
االسالمية والقوانين الوضعية ،دار النهضة العربية ، 0228 ،ص03
-9التكوين والتدريب املستمر الذى يتم بصفة دورية من خالل االطالع والتدريب
تسعى السلطة التنفيذية إلي التأثير بكافة الطرق على السلطة القضائية ،ومن ضمن
الطرق التى تستغلها وتنفذها هي التدخل فى تعيين القضاة وإحالة القضاة الغير مرغوب
فيهم إلى لجان عدم الصالحية ،وذلك على الرغم من وجود النصوص الدستورية
والتشريعية التى أكدت على تمتع القضاة بضمانة الحصانة ضد العزل ،فقد تعرض هذا
)339( ، )338( . املبدأ للعديد من االنتهاكات والخروقات
خامسا -:عدم املساس بمبدأ الحصانة ضد العزل بطريق إعادة تنظيم القضاء .
أحيانا تلجأ السلطة التشريعية إلى االعتداء على إستقالل القضاء تحت ستار " إعادة
تنظيم القضاء " وال يكون املقصود في الواقع إعادة التنظيم ،وإنما إخراج بعض القضاة
( (337المستشار محمود الخضيرى :تشريعات السلطة القضائية فى دولة االمارات العربية ،دراسة مقارنة بالشريعة
االسالمية والقوانين الوضعية ،دار النهضة العربية ، 0228 ،ص 27
( (338وذلك انه قد تعرض القضاء اإلدارى والعادي لمحنتين في عامي 0233و 0282راجع في ذلك تفصيال ،
د .محمد كامل عبيد :استقالل القضاء " دراسة مقارنة " رسالة دكتوراه ،جامعة القاهرة ،كلية الحقوق ، 0220 ،
ص ،730 – 750د .عبد الناصر على عثمان حسين :استقالل القضاء اإلدارى " دراسة مقارنة " ،دار الكتب
القانونية ، 7118ص 750 – 758
( (339وكذلك يتعرض القضاة لمحنة بسبب آراءهم الشخصية أو السياسية منذ عام 7105حتى أالن مما تسبب
في استبعاد عدد كبير منهم من أعمالهم القضائية .
الغير مرغوب فيهم سياسيا ،وذلك عن طريق عدم ظهور أسمائهم في قوائم القضاة بعد
()340 إعادة تنظيمها املزعوم .
بيد ان تعيين املحامين فى القضاء بنسبة ال تقل عن %72تنفيذا للمواد 48 ،93، 91
42، 49،من قانون السلطة القضائية ملا يتمتعون به من قدرة وكفاءة وخبرة فى العمل
القضائى وفى كتابة املذكرات والطعن على االحكام وتسبيب طعونهم وكذا ملا يتمتعون به
من قدرة على التحليل والفحص والتمحيص ،وملا لهم من قدرة فنية وعملية فى إصالح
وتطوير السلطة القضائية وذلك النهم ملئمون بكافة التداخالت القضائية والقانونية .
ذلك أن تعيين املحامين بالقضاء وأنهم أكثر خبرة ودراية من غيرهم ،وخاصة أن املادة
الخاصة بتعيين املحامين بقانون السلطة القضائية غير مفعلة منذ ما يزيد عن عشرون
سنة ماضية ،باعتبار أن هناك عدد كاف من املتقدمين من خريجي كليات الحقوق ووكالء
النيابة األمر الذى أصبح معه كافة التعيينات التى تمت مؤخرا فى السلطة القضائية مما
( (340د .محمد عصفور :استقالل القضاء ،مجلة القضاة ،السنة األولى ،العدد الثالث ،يونيو ، 0288
مصر ،ص ، 515مجلة الحقوق ،العدد الرابع ،السنة التاسعة والثالثون ،ربيع األول 0552هـ – ديسمبر
7103م ،ص 588وما بعدها
انشاء مركز قضائى متخصص فى تطوير وتدريب وتثقيف وإعداد القضاة وخاصة
الشباب منهم ومدهم بكافة املعلومات والبيانات التى يحتاجونها وتكوين الشخصية
القضائية الواعية برسالتها واكساب القاض ى القدرة على اتخاذ القرار العادل فيما يعرض
عليه من وقائع ،وما يكفل تحقيق تلك االهداف باساليب متعددة من بينها املوتمرات
ال سيما انه أصبح من السهل نتيجة التطورات التكنولوجية الحديثة املتواكبة فى
ومعلومات اذا كان هناك رغبة من اجل توفيرها فى اى مكان يتواجد فيه وصار سهال نقل
من وسائل االتصال املتقدمة ،ولكن بجانب ذلك يجب التدريب املستمر واطالعهم على
)342( . كل ما هو جديد وحديث وذلك من خالل مركز متخصص
( (341المستشار محمود الخضيرى :تشريعات السلطة القضائية ،مرجع سابق ،ص 3
( (342د.عصمت عبد اهلل الشيخ :دور نظم وتكنولوجيا المعلومات فى تيسير وفاعلية العمل االدارى ،دار
النهضة العربية ،ط ، 0228ص 32وما بعدها
اوال -:يتولى املركز انشاء وادارة وتطوير نظم املعلومات ودعم اتخاذ القرار بشكل سهل
-4توفير احتياجات القضاة واملجلس االعلى للقضاء من نظم دعم اتخاذ القرار وما
-2توفير احتياجات القضاة واملتقاضين وتيسير عمل املنظومة القضائية بما يحقق
-7اعداد خطة تحديث دورية لتحديث االدارة من خالل انشاء قواعد املعلومات
-2انشاء مركز معلومات ودعم اتخاذ القرارات بكافة املحاكم على مستوى الدولة .
قدراتهم على الدراسة والفحص والتسبيب واتخاذ القرار ،وكذا وضع نظام قادر
-3اقتراح وصياغة الخطة القضائية لتوفير املعلومات والبيانات ودعم اتخاذ القرار
االستعانة بالنظم الخبيرة التى تعتبير من أهم تطبيقات الذكاء االصطناعى -80
مع الذكاء الذى يوديه العقل البشرى ويشتمل على مجموعة من تكنولوجيا
املعلومات فهو غير مقتصر على نوع واحد من أنواع برامج الكمبيوتر املتاحة بل
القضائى.
( (343د.عصمت عبد اهلل الشيخ :دور نظم وتكنولوجيا المعلومات ،مرجع سابق ، 0228ص 53وما بعدها
-9تلقين القضاة فن القضاء بفروعه املختلفة مثل التحقيق وتقدير الدليل عند
وغير قانونية كالطب الشرعى واالدلة املادية وخبرة معرفة التزييف والتزوير فى
املستندات واملعاينة الفنية ملحل الواقعة وتوفير كافة املراجع ورقية والكترونية
ومدمجة .
-2تقييم القاض ى بصفة دورية ومدى صالحيته لحمل اعباء ومسئوليات العمل
()344 القضائى من عدمه .
( (344المستشار محمود الخضيرى :تشريعات السلطة القضائية فى دولة االمارات العربية ،دراسة مقارنة
بالشريعة االسالمية والقوانين الوضعية ،دار النهضة العربية ، 0228 ،ص 28
الكترونية وكذا كافة املراجع والكتب واملوسوعات والتشريعات واالحكام القضائية واآلراء
القضائية والفقهية بسهولة ويسر ،وكذلك كافة املجالت القانونية املتخصصة ،سواء
التى تصدر عن وزارة العدل أو نقابة املحامين أو مجلس الدولة أو كليات الحقوق او من
التحضيرية ،وآراء الفقه ،وأحكام القضاء ،فالتكوين املنهى للقاض ى يحتاج إلى هذه
الوسائل لتنمية أفاقه القانونية ،لذلك يجب أن تكون هناك آلية معينة لتجميع األحكام
واآلراء التى تصدر عن املحاكم العليا في كافة جهات القضاء الدستوري والعادى واإلدارى،
وطريقة مناسبة النتقاء األحكام الهامة واملتميزة الصادرة عن املحاكم األخرى .
أما بالنسبة لوسائل املعلومات الحديثة ،فتتمثل بإنشاء شبكة معلومات إلكترونية
متكاملة تربط جميع املحاكم بعضها ببعض ،وكذا إنشاء موقع على شبكة املعلومات تنشر
فيه جميع األحكام الصادرة عن محكمة النقض ،واملحكمة اإلدارية العليا واآلراء الصادرة
عن املحكمة الدستورية العليا ،وأهم األبحاث الفقهية املنشورة في كل مجال من مجاالت
القانون وكافة املجاالت املتداخلة مع املجاالت القانونية كالطب الشرعى وابحاث التزييف
والتزوير وغير ذلك من اتاحة برامج حديثة واالستعانة بالنظم الخبيرة فى املجال القضائى .
()345
بيد أن القضاء خبرة مبنية على التجربة التى تكتسب طوال املراس فى عمق التكوين
فى بيئة معينة وقضايا معينة ومخصصة ،واملعرفة الواسعة حول القضايا املنظورة امام
القاض ى من اجل الوصول الى الحقيقة املجردة تتم بناء على علم ومعرفة وخبرة ودراية
السيما ان القضاء فرع متخصص ال يليه غير املتخصصين ويرتبط بهذا التخصص
معنى اساس ى هو العمل ومداومة العمل فى نوع خاص من القضايا ،وبالتحصيل واملكابدة
والتدريب املستمر والخبرة خالل العديد من السنوات والعديد من القضايا قادرة على ان
تصوغ شخصية القاض ى وعقله وعلمه وفكره وقدرته على االستنباط والقياس فليس العلم
وحده هو الذى يصنع القاض ى من الناحية الفنية وانما املران الشاق والعمل الدوؤب
()346 الطويل فى بيئة فنية معينة ونوعية معينة من انواع القضايا املتخصصة .
ال سيما ان التخصص هو الكفيل بدعم االمن القضائى الفعال القادر على االنجاز
واالبداع ملا يتيحه من حرية واسعة فى تكوين العقيدة وحرية فى االجتهاد بما يكفل الوصول
( (345مجلة الحقوق ،العدد الرابع ،السنة التاسعة والثالثون ،ربيع األول 0552ه – ديسمبر 7103م ص
535وما بعدها.
( (346المستشار محمود الخضيرى :تشريعات السلطة القضائية ،مرجع سابق ،ص .85
الى االمن القضائى الذى يضمن االمن والسكاينة والرضا والقبول لكل من القاض ى
()347 واملتقاض ى .
ومن أهم املزايا التى يتمتع بها القاض ى الطبيعى ،أنه قاض متخصص في عمله ،ممتهن
ومتفرغ له ،ويتمتع بالكفاية العلمية والعملية التى تؤهله للقيام بمهمته القضائية على
وبذلك يعد تخصص القضاة ركيزة أساسية من ركائز القضاء الطبيعى ،ألن غالبية
النظم القضائية ،تشترط في القاض ى الذى يتولى القضاء صفات ومؤهالت قانونية وعلمية
وعملية محددة ،باإلضافة إلى تفرغه التام لالضطالع بهذه املهمة ،فمن الطبيعى أن ال يتولى
القضاء إال شخص تتوافر لديه املعرفة القانونية املتولدة عن دراسة أكاديمية رصينة،
مصقولة بالخبرات العملية الناجمة عن معرفة بواقع هذه املهنة ،وبالتأكيد فإن ذلك ال
)348(. يكون إال إذا تفرغ هذا الشخص للعمل القضائى وتخصص فيه
( (347د .محمود حمدى عباس عطية :دور دائرة توحيد المبادئ القانونية ،مرجع سابق ،ص .57
( (348مجلة الحقوق ،العدد الرابع ،السنة التاسعة والثالثون ،ربيع األول 0552ه – ديسمبر 7103م ص
535وما بعدها.
املبحث الثالث :متطلبات تحقيق كفاءة القضاء والقضاة بين النظرية والتطبيق
العملى
مستقلة تماما عن هاتين السلطتين ،وقد أبرزت كافة الدساتير هذه الحقيقة ،فمن طبيعة
القضاء أن يكون مستقال ،وكل مساس بهذا األصل من شأنه أن يعبث بجالل القضاء
والقضاة وهيبتهم ،وكل تدخل فى عمل القضاء من جانب أية سلطة من السلطتين يخل
بميزان العدل ،ويقوض دعائم الحكم ،وفى قيام القاض ي بأداء وظيفته " نزيها حرا مستقال"
مطمئنا على سلطته آمنا على مصيره أكبر ضمانة لحماية الحقوق العامة والخاصة " أليس
هو األمين على األرواح واألنفس والحقوق والحريات ؟ أليس هو الحارس للشرف والعرض
نزيه عادل شريف مستقل ،ذلك أن كفالة القضاء أمنع حمى وأعز ملجأ ؟ أو ليس من حق
الضعيف إذا ناله ضيم أو حاق به ظلم أنه يطمئن إلى أنه أمام قضاء قوى بحقه " عزيز
بنفسه " مهما يكن خصمه قويا بماله أو نفوذه أو سلطانه ؟ فمن الحق أن يتساوى أصغر
شخص فى الدولة بأكبر حاكم فيها وأن ترعى الجميع عين العدالة ( )349ولذا سوف نناقش
أهم املتطلبات الستقالل القضاء والقضاة وتحقيق كفاءتهم وتطبيق اإلصالح املنشود وذلك
( (349د .محمد عصفور :استقالل السلطة القضائية ،مطبعة اطلس ،ص .0،7
املطلب االول -:تطبيق اإلصــالح القضائي املنشود بدون وضــع عراقيل .
املطلب االول -:تطبيق اإلصــالح القضائي املنشود بدون وضــع عراقيل .
تتركز وظيفة السلطة القضائية كسلطة من سلطات الدولة الثالث فى تأكيد سيادة
القانون عن طريق فض املنازعات والحكم فيها ،سواء وقعت هذه املنازعات بين األفراد أم
بينهم وبين إحدى سلطات الدولة ،وذلك حفاظا على الحقوق والحريات ،ولكي تقوم هذه
السلطة بوظيفتها على خير وجه ،يجب أن تتمتع باستقالل يضمن لها حسن القيام بعملها
دون تدخل من أحد ،ويحول دون اعتداء سلطة اخرى عليها .
ونجد من أهم الطرق إلى اإلصالح القضائي هو إلغاء القضاء العسكري كجهة قضاء
استثنائي بالنسبة للمدنيين وحصر نطاقه على محاكمة العسكريين على األفعال التى
يرتكبونها باملخالفة ألحكام نظامهم العسكري فقط ،وكذلك إلغاء محاكم أمن الدولة ،
وكذلك ضم بقية الجهات القضائية تحت لواء سلطة قضائية واحدة ،وهذه الجهات
هى املحكمة الدستورية العليا والتى يحكمها قانونها الخاص ،وجهة القضاء العادي التى
ينظمها قانون السلطة القضائية ،وجهة القضاء اإلداري أو القسم القضائي بمجلس
الدولة ،والنيابة العامة وهى إدارة تحقيق وادعاء أمام القضاء العادي ،والنيابة اإلدارية
هيئة مستقلة تقوم أمام القضاء اإلداري بالدور الذى تقوم به النيابة العامة أمام القضاء
العادي ،وذلك على أال ينال االنضواء تحت لواء هذه السلطة الواحدة من التقسيم القائم
بين القضاء العادي والقضاء اإلداري باعتباره تقسيما متخصص فى نوعية معينة من
أما قسمى الفتوى والتشريع بمجلس الدولة اللذان يمدان الحكومة بما تحتاج إليه
من فتاوى وصياغة تشريعية ،وكذلك هيئة قضايا الدولة التى تتولى الدفاع عن كافة
إدارات الدولة فى املنازعات التى تكون طرفا فيها ،فنرى ضمها معا فى السلطة التنفيذية ،
ويمكن أن تسمى اإلدارة القانونية للدولة وتكون تابعة للسلطة التنفيذية وليس السلطة
القضائية .
ذلك أن استقالل رئيس السلطة القضائية أو رئيس املجلس األعلى للقضاء – أسوة
برئيس ي السلطتين التشريعية والتنفيذية -مع إحاطته بقدر كاف من الضمانات التى أهمها
تولى منصبه عن طريق االنتخاب بواسطة زمالئه من رجال القضاء ،وعدم قابليته للعزل
،وتلغى وظيفة وزير العدل باعتباره أحد الوزراء التابعين للسلطة التنفيذية ،على أن يحل
محله فى كافة الصالحيات والسلطات رئيس املجلس األعلى للقضاء املنتخب من قبل
القضاء انفسهم وذلك للحفاظ على العالقة الالزمة بين الوزارة والقضاء واحتراما ملبدأ
()350 الفصل بين السلطات .
ذلك أن استقالل القضاء ليس مجرد عاصم من جموح السلطة التنفيذية يكفها عن
التدخل فى شئون العدالة ويمنعها من التأثير فيها إضرارا بقواعد إدارتها بل هو فوق هذا
مدخل لسيادة القانون ،بما يصون للشرعية بنيانها ،ويرسم تخومها ،تلك السيادة التى
كفلها الدستور ،وقرنها بمبدأ خضوع الدولة للقانون ليكونا معا قاعدة للحكم فيها ،
()351 وضابطا لتصرفاتها .
وبالتأكيد على استقالل القضاء املنقوص وتحقيقا إلدارة كفء للعدالة من خالل
القضاء نفسه ودون سيطرة السلطة التنفيذية ممثلة في وزير العدل على القضاء وإفراغ
مبدأ استقالل القضاء من مضمونه وفق ما يحدث اآلن بضراوة وعدوان وترغيب وترهيب
)352(. تجاه أعز ما يملكه الوطن
ونتساءل كيف يتوافر االستقالل للقضاء والقضاة ؟ إال إذا كان القضاء سلطة تقف
على قدم املساواة مع السلطتين التشريعية والتنفيذية ،فان األثر الحتمي لذلك أن يكون
( )350د .ماجد راغب الحلو :القانون الدستوري ،دار المطبوعات الجامعية اإلسكندرية ،ط ، 0288ص 538
وما بعدها
( ) 351د .عبد العزيز سالمان :الدولة القانونية ورقابة الدستورية ،مجلة الدستورية العدد 08أكتوبر ، 7112ص
82
( (352د .محمد إبراهيم درويش د 1إبراهيم محمد درويش :القانون الدستوري ،،دار النهضة العربية ،ط 0
، 7112،ص 828وما بعدها
القضاء مستقال ،وأن ال يمس استقالله على أى نحو من جانب أى من السلطتين :فمن
جانب السلطة التشريعية فإنه ال يجوز للمشرع أن يتدخل فى أعمال القضاء أو تنظيمه
على النحو الذى يهدد استقالله وكذلك من جانب السلطة التنفيذية ال يجب ان تتدخل
بحال من االحوال فى االعمال القضائية او التدخل بشكل او باخر فى تعيين القضاة عبر اى
وال يجوز للسلطة التشريعية أن تناقش موضوعا على القضاء وال أن تطلب منه
الفصل فيه على نحو معين ،وكذلك ال يجوز لها أن تصدر قوانين تعطل بها أحكام القضاء
أو تلغيها ،سواء انصبت هذه القوانين صراحة على أحكام بذاتها ،أو أعطت وصف "
القوانين التفسيرية " لكى يسوغ هذا الوصف سريانها بأثر رجعى على املاض ي ،وإهدار
األحكام القضائية التى تكون قد صدرت بالفعل غير أن هذا ال يحول بداهة دون حق
السلطة التشريعية فى أن تصدر قانونا يخالف حكما قضائيا فيما ذهب إليه دون أن يعنى
ذلك إلغاء هذا الحكم وإنما سريان املعاني الجديدة التى تضمنها القانون بالنسبة
للمستقبل ( ، )353لذلك يعتبر استقالل القضاء وحصانته الضمانة األساسية والركيزة األولى
ملبدأ سيادة القانون ،باعتباره مالذ األفراد ،وضمانه لحماية حقوقهم وحرياتهم التى كفلها
( (353د .محمد عصفور :استقالل السلطة القضائية ،مرجع سابق ،ص 703 ، 705
ولذلك سوف نتناول بعض املبادى واملفاهيم املغلوطة لدى الكثير املرتبطة باستقالل
إن ما قيل وما كتب عن استقالل القضاء يدور فى نطاق محدود ومغلق ،ويعطى
االستقالل معنى شكليا وحرفيا ،وهو يجرد القضاء من كل املقومات التى تجعله جديرا
بهذا االسم ،وكذلك ال يجوز أن يكون طموحنا استقالل القضاة فحسب ،وإنما يجب أن
يكون املطمح هو استقالل القضاء كسلطة ،ذلك أن "استقالل القضاة " ال يعبر عن كل
املعاني التى يمثلها القضاء وإنما هو معنى واحد من كل املعاني التى يجب ضمانتها .
وهذا يدعو إلى التساؤل أي جدوى فى استقالل القضاء إذا لم يكن للقضاء نفسه
وجود أو كيان ؟ وهل يمكن أن يكون للقضاء وجود إذا لم يعترف بأنه ذو كيان متميز
ومستقل ؟ إذا لم يعترف بالقضاء كسلطة من السلطات الثالث تنبسط حتما على كل نزاع
قانونى ،فلن يكن هناك عاصم يعصم الفرد ويعصم املجتمع من االضطهاد إذ يستطيع
الحاكم أن يمنع صوته عن الوصول الى القضاء بتحصين بعض التصرفات او تقييد
الحريات أو حظر سماع او نظر بعض الدعاوى ،ليس هذا فحسب ،بل أنه لن يكون هناك
سند قانوني يحول بين قيام محاكم خاصة أو عسكرية أو غيرها ،إال بالتسليم بأن القضاء
سلطة وأن املحاكم العادية هي وحدها التى تملك املحاكمة وأنه ال يشاركها فى هذا السلطة
محاكم غيرها وال يستطيع ان يتدخل اى فرد او اى موسسة فى االحكام القضائية .
فما جدوى استقالل القضاء ،إذا اعتدينا على حيدة القضاء وأقحمناه فى السياسة
فيضيع حياده كجهة تحافظ على احترام القانون والدستور ،ويغدو جزءا من إرادة الحاكم
طاملا فرض على أعضائه أن يكونوا أعضاء فى جهاز من أجهزة الدولة السياسية ؟ وهل
يمكن أن تسمى جهة غير محايدة " قضاء " والحيدة هي جوهر القضاء ؟ وكذلك فما جدوى
استقالل القضاء ،إذا سمحنا تحت شعار تعبير مخادع أن يكون الحكم القضائي مثار
مناقشة أو تقييم أو تحليل أو نقد بدال من سلوك الطريق القضائى فى الطعن عليه أمام
املحكمة األعلى ؟
لعل هذه األمثلة توضح أن " استقالل القضاء " باملعنى املحدود الذى تدور حوله
األحاديث اليوم هو مظهر واحد من مظاهر القضاء وأنه ال يعبر عن املعاني الكثيرة التى
يمثلها القضاء ،وأن هذا االستقالل يكون خرافة أو عديم الجدوى إذا لم يسبقه تأكيد
ملقومات القضاء الذى نطالب باستقالله وتحقيق كفاءته وكفاءة أعضائه ،وهى املقومات
أن يكون القضاء جهة متخصصة فال يقحم عليه أفراد عاديون فى شئون
القضاء.
أن يكون القضاء جهة محايدة فال تصبغه صبغة سياسية سواء فى التعيين او
أن ال يكون استقالل القضاء مجرد " ميزة " تضفى على مرفق من مرافق الدولة
،وإنما يكون أثرا طبيعيا لوجود سلطة تقف على قدم املساواة مع سلطتي الدولة
()354 األخريين .
أن يتم التعيين فى القضاء وفقا ملعايير وضوابط أكثر صرامة وأكثر دقة ،بعيدة
كل البعد عن التوريث واملحسوبية وغير ذلك من الطرق غير املشروعة .
ولكى يكون هناك سلطة قضائية مستقلة يجب أن يتوافر للقضاة كأفراد معنى
االستقالل ،وهذا االستقالل يجب أن يكون أوال وقبل كل ش يء وقبل السلطة التنفيذية
ذاتها )355( .ذلك أن الحديث عن دولة املؤسسات وعن مبدأ سيادة القانون وعن املشروعية
)356(. فى دولة ال يوجد فيها قضاة وقضاء مستقل يصبح ضربا من العبث
السيما ان من أهم املبادئ املتعارف عليها فى الدول الديمقراطية " ضرورة استقالل
القضاء ،فالهيئة القضائية هى وحدها التى تقوم على الفصل في النزاعات وتطبيق القانون
،وليس ألى من السلطتين التنفيذية والتشريعية أن تملى رأيها على القضاء ،وال أن تمارس
( (354د .محمد عصفور :استقالل السلطة القضائية ،مرجع سابق ،ص 5 ، 5
( )355د .وليد سليم النمر :القانون الدستوري المبادئ الدستورية العامة ،دار الفكر الجامعي ،ط ،7105ص
320
( (356د .يحيى الجمل ،القضاء الدستوري في مصر ،دار النهضة العربية ،ط ، 7111ص 53
أي نفوذ على القضاة في عملهم بل رجال الهيئة القضائية فقط هم الذين يمكنهم إصدار
()357 األحكام أو تعديلها أو الغائها إن كانت مخالفة للقانون" .
من املؤكد أن حق التقاض ي من الحقوق الطبيعية لإلنسان ،وأن لكل فرد وقع اعتداء
على حق من حقوقه أن يلجأ إلى القضاء لرد ذلك االعتداء واالنتصاف لنفسه ممن ظلمه
وسلبه حقه ،ومن املسلم به أن الحقوق الطبيعية لصيقة بشخص اإلنسان ،وأنها ال
تنفك عنه أبدا ،ألنها مستمدة من القانون الطبيعي السابق على القانون الوضعي ،)358( .
فحق التقاض ي حق أصيل ،وبدونه يستحيل على األفراد أن يأمنوا على حقوقهم وحرياتهم
وأن يردوا ما يقع عليهم من اعتداء ،وال يمكن أن يعتبر نظم الحكم فى دولة ما ديمقراطيا
إال بكفالة حق التقاض ي وتقريب مسافات جهات التقاض ى الذى يطمئن األفراد على
()359 حقوقهم وحرياتهم ويزيل من نفوسهم الشعور بالظلم .
وهكذا فإن أية سلطة من السلطات ال تملك مصادرة هذا الحق ،أو منع أي فرد من
االلتجاء إلى القضاء باعتباره امللجأ واملالذ لهم للدفاع عن حقوقهم ورد ما يقع عليهم من
( ) 357د .عاصم الفولى :اإلسالميون والديمقراطية دفاع عن الحل اإلسالمي في مواجهة أنصاره ،دار التوزيع
والنشر ،الطبعة األولى ،ص 088
( (358د .أنور احمد رسالن :الديمقراطية بين الفكر الفردى والفكر االشتراكى ،رسالة دكتوراه ، 0220 ،ص
، 753د .السيد عبد الحميد فوده :مبدأ المساواة ومدى تطبيقه فى مصر دراسة تاريخية دار النهضة العربية القاهرة
، 7118ص 72
( (359د .سعد عصفور :النظام الدستوري المصري " دستور سنة " 0220منشاة المعارف باإلسكندرية ،طبعة
، 0281ص ، 700د .السيد عبد الحميد فوده :مبدأ المساواة ومدى تطبيقه فى مصر ،مرجع سابق ،ص 72
اعتداء ،إذ أن القانون يتضمن قاعدة عامة مجردة تنطبق على كل من تتوافر فيه شروط
بفرد أو طائفة ،فعندما يأتي نص تشريعي ويمنع ذلك الفرد أو تلك الطائفة من ممارسة
حقها الطبيعي فى التقاض ي بينما يتمتع بقية األفراد والطوائف بهذا الحق دون ثمة عقبات
أو موانع ،فهنا يحدث الخلل الفادح ملبدأ املساواة أمام القضاء ،والخرق الجسيم لحق
()360 التقاض ى .
ومن هنا فقد وجب على كل دولة تستهدف إقامة العدل أن تعمل على دعم استقالل
القضاء ،وتبسيط نظام التقاض ي ،وتيسير إجراءاته ،والقضاء على مشكالته وسلبياته
وتحقيق القضاء الناجز ،ومجانية اللجوء إليه ،حتى تتأكد الثقة لدى املتقاضين ،وتسود
يعتبر التعدد فى التشريع وقصوره من االسباب التى تؤدى إلى عرقلة حسن سير العدالة
وأكثرها عمقا وأشدها تشعبا وتعقيدا ،ومن أهم هذه املشكالت والعراقيل والتى منها على
سبيل املثال ،تعدد فى جهات التحقيق ،وتعدد آخر فى جهات القضاء ،وتعدد ثالث فى
التقادم وتعدد فى مواعيد السقوط ،كل ذلك شقي به القضاة واملحامون واملتقاضون ،
( ) 360د .السيد عبد الحميد فوده :مبدأ المساواة ومدى تطبيقه فى مصر ،مرجع سابق ،ص 78
وعميت بسببه مسالك الحق والعدل والقانون ،وضاعت حقوق ومستحقات وسقطت
احكام ،مما غدا كثرة التشريعات وتفرعه وما اصابها من قصور يعد بدوره من أسباب
تناقض األحكام وتهديد الثقة فى معنى العدل وجدوى القانون ،حتى بات مطلبا قوميا ملحا
أن نجد طريقا عاجال لتوحيد التشريع وتوحيد القضاء وتوحيد املواعيد فيكون ذلك مدخل
حقيقى وواقعى ،ملعالجة كافة املشاكل ،التى تعترض حسن سير العدالة وهى غاية الغايات
()361 التى يبتغيها القضاة واملحامين واملتقاضين .
كان القضاء وسيظل هو الحصن األول واألخير لحماية العدل والحقوق والحريات ،
فأي ضمانة للحقوق والحريات ال قيمة لها بدون قضاء مستقل يزود عن الحقوق والحريات
ويمنع السلطة من االعتداء عليها ،ويلغى ويعوض عن كل ما يتضمن مساسا بهذه الحقوق
والحريات ،فالقضاء املستقل صمام أمان للمجتمع ،وحماية لألفراد والهيئات ضد افتئات
السلطة وطغيانها وال يتحقق ذلك اال من خالل قضاة يتمتعون بقدر كبير من الكفاءة والعلم
()362 والخبرة والتخصص .
ذلك أن القضاء فى كل أمة هو أعز مقدساتها ،وهو الحصن الحصين الذى يحمى كل
مواطن فيها حاكما كان أو محكوما من كل حيف يراد به فى يومه وفي غده وفى مستقبله ،
( )361المستشار يحيى الرفاعى :كلمة قضاة مصر في افتتاح المؤتمر ،حديث الحقائق والوثائق استقالل القضاء
،المكتب المصري الحديث ،ص 735 ، 735
( (362د .أنور أحمد رسالن :الحقوق والحريات العامة فى عالم متغير ،دار النهضة العربية ،ط ،0225ص
750
وإن كان القضاء بهذا مأمن الخائفين ،ومالذ املظلومين ،وسياج الحريات ،وحصن
الحرمات ،فإن قوته تكون من غير شك قوة للمستضعفين ،وضعفه يكون إيذانا بوهن
ضمانات املتقاضين وضياع حقوق املتقاضين ،وإذا لم يقم القضاء على أساس متين من
االستقالل والعلم والحيدة والكفاءة والتخصص ،وإذا لم يتحصن بالضمانات الكاملة التى
تكفل له أن يضطلع بمسئولياته الخطيرة إنهار أساس الحياة الديمقراطية فى البالد ،فال
غرر أن كان العدل دوما أساسا للملك وأساسا للحكم وأساسا للتقدم والرقى واالزدهار .
()363
بيد ان سلطة القضاء يجب أن تتسع ملراقبة مشروعية الدستور نفسه ،وأال يخضع
حق الفرد فى التقاض ي ألي قيد ,وحق للبشرية أن ترى فى كفالة حق التقاض ي أقوى
ضمانات حقوق اإلنسان وحماية حرماته ضد بطش القوة – سواء كان مصدر هذا البطش
دكتاتورية السلطة فى النظم الشمولية ،أو شطط األغلبية فى النظم الديمقراطية .
وهكذا كانت كفالة حق التقاض ي أبعد أثرا – فى حماية اإلنسان وحرياته – فقدرتها
على التأثير تأتى من خالل قضاة ذوى خبرة وعلم وثقافة وكفاءة وفهم وقوة وشجاعة ،وكذا
قدرة الرأي العام فى التأثير الذى يصعب أن يكون له أثر فى مجتمعات العالم الثالث ،فضال
( )363المستشار يحيى الرفاعى :كلمة قضاة مصر في افتتاح المؤتمر ،مرجع سابق ،ص 737
عن العجز املتزايد فى قدرة األفراد على حشد الرأي العام والتأثير فيه فى هذه املجتمعات .
()364
وكذا تخضع شرعية اإلجراءات التى تتم مباشرتها فى الظروف االستثنائية لرقابة
القضاء ،فالقضاء مهما كانت الظروف فهو حصن الحقوق والحريات وحاميها وحارسها ،
وإال تحولت السلطة االستثنائية إلى سلطة تحكمية ,فالقرارات اإلدارية الصادرة من
الحكومة فى إطار حالة الطوارئ ال تكون بمنأى عن رقابة القضاء وال تفلت أعمال الحكومة
فالقاض ي يتحقق من شرعية األعمال واإلجراءات التى تتم مباشرتها تحت مظلة
املشروعية ،تصبح كالما بغير مضمون أو شعارا عديم الفاعلية ما لم يوجد قضاء يراقب
()365 املشروعية ويضع حدودها .
من املبادئ الهامة في كافة الدول هو ضمان عدم تعدى سلطة على إحدى السلطات
األخرى وذلك فيما عرف قانونا بمبدأ الفصل بين السلطات ،وعدم التعدي من قبل
( (364المستشار يحيى الرفاعى :حديث الحقائق والوثائق ( ، )0الديمقراطية الحقيقية ،مرجع سابق ،ص 77
مختص ار.
( )365د .أحمد فتحي سرور :الحماية الدستورية للحقوق والحريات ،دار الشروق ،الطبعة الثانية ،طبعة ،7111
ص .808
السلطة التشريعية أو السلطة التنفيذية على أعمال السلطة القضائية والعكس وضمان
ذلك في الدستور وتنظيمها بما يتناسب مع الدور املوكول لكل سلطة في حدود اختصاصها
" ،وتنظيم عالقة السلطة القضائية بكل منهما على ضوء مبدأ توزيع السلطات ،وترتبط
ال يجوز للسلطة التشريعية أن تتعدى على أعمال القضاء أو تتدخل باى شكل للتأثير
عليها فى أصدر أحكامها على شكل معين ،ذلك أن من وظائف السلطة القضائية أن تفصل
فى القضايا املعروضة عليها وأن تصدر لكل منها حكما مسببا يالئمها ،ولكن حكمها ال يطبق
إال فى القضية املعينة التى يتعلق بها ،ومن ثم ال يمكن أن يصاغ هذا الحكم بصيغة
التشريع العام لجميع القضايا ،ألن ذلك من اختصاص السلطة التشريعية ،وكذا يجب
يجب على السلطة التنفيذية أن ال تتدخل فى أعمال القضاء أو تملى عليها امر معين
أو حكم معين ،وكذلك ال يجوز للسلطة القضائية أن تتعرض ألعمال السلطة التنفيذية
واإلدارية وال أن تصوغ أحكامها بصيغة األنظمة امللزمة لإلدارة ،وكذا يجب على السلطة
()366 التنفيذية ان تلتزم بتنفيذ االحكام القضائية .
واستقرت محاكم القضاء اإلداري فى فرنسا على أن اإلجراءات والتدابير التى يتخذها
الحاكم العسكري سواء كان رئيس الجمهورية أم املفوض من قبله وذلك بالتطبيق لحالة
الطوارئ هي قرارات إدارية صادرة عن جهة إدارية وتخضع بالتالي لرقابة القضاء اإلداري
أي أن القاض ي اإلداري هو القاض ي الطبيعي بالنسبة للطعون التى ترفع ضد هذه
اإلجراءات ،وهنا اتفقت وجهات النظر بين مجلس الدولة املصري ومجلس الدولة الفرنس ي
بعدما اختلفت بصدد الرقابة على قرار إعالن حالة الطوارئ ،فالقضاء الفرنس ي مستقر
منذ وقت طويل على أن إعالن حالة الطوارئ يعد عمال إداريا عاديا يخضع لرقابة القضاء
()367 اإلداري وال يعد من أعمال السيادة .
والواقع أن القضاء املستقل فى الدول الديمقراطية ،هو الدعامة التى تقوم عليها
صروح العدالة والحرية واملساواة ،وحيثما فقد القضاء استقالله وكفاءته ،فال حرية وال
مساواة ،وال ضمان للنفس أو للحق أو للحرية ،وأما القضاء فى ظل الدكتاتورية ،فإنه
يغدو أداة فى يد السلطة التنفيذية ،تسلطه وتوجهه كيفما شاءت وفقا لتشريعاتها
( )366صبحي محمصانى :مبادئ القانون األساسي والعلم السياسي وتطبيقها فى لبنان وسائر البالد العربية ،دار
العلم للماليين بيروت ،ط ، 0237ص 072
( ) 367د .رأفت فوده :الموازنات الدستورية لسلطات رئيس الجمهورية ،دار النهضة العربية ،ط ، 7111ص
583
االستثنائية وأهوائها الخاصة ،وهو بهذه الصورة يغدو أداة خطيرة لتدعيم الظلم
368 واالستبداد .
استقالل القضــاء هو القضاة أنفسهم وكفاءتهم ومدى قدرتهم واتحادهم وترابطهم في الذود
عن أنفسهم وعن السلطة القضائية أى اعتداء يحاق لهم وبهم من قبل أى سلطة أخرى
وعليهم أن يسعوا إلى تطبيق الدستور والقانون بال تمييز وعليهم أال يخشوا في الحق لومة
الئم وسيجد القضاة كافة املواطنين بكافة توجهاتهم وإنتماءاتهم درعا يتقدمهم في مواجهة
بيد أن يجب تحقيق كافة ضمانات تحقيق استقالل القضاء وضمان عدم انتهاك
استقالله ،حيث ان هناك من األمور التى نص عليها القانون تنتهك استقالل القضاء
وتنتهك حق املواطنين ،وتنتهك الحق فى التقاض ى للمواطنين أمام قاضيهم الطبيعى مثل
املثول أمام القضاء العسكرى أو أمام محاكم أمن الدولة أو القضاء االستثنائى ،والتى
يجب إلغائها ،والشروط اغلواجب توافرها فى القاض ى الطبيعى والتى سوف نتناولهم فى
( )368د .السيد خليل هيكل :موقف الفقه الدستورى والتقليدى والفقه اإلسالمى فى بناء وتنظيم الدولة ،كلية
الحقوق جامعة أسيوط ،دار النهضة العربية القاهرة ،ص088
القضاء العسكري ليس قضاء عاديا أو قضاء طبيعيا ذلك أن املشرع لم يوفر للقضاء
العسكري الضمانات الالزم توافرها بالنسبة ألى جهة قضائية ،إذ أن رجال القضاء
العسكري يخضعون كغيرهم من العسكريين لكافة أحكام قوانين الخدمة العسكرية ،لذلك
القضاء العسكري ال يعتبر جهة قضائية باملعنى الصحيح ،كما ال يعتبر القرارات الصادرة
()369 منه من قبيل األحكام القضائية وإنما هى قرارات صادرة من سلطة عسكرية .
وذلك ألن حق التجاء املتقاضين إلى قاضيهم الطبيعي حق أصيل وطبيعى ،ألن ذلك
القاض ي يمثل الضمانة الرئيسية للمتقاضين ألنه يوفر له قاضيا محايدا متخصص ينظر
دعواه خالل أدائه لعمله املعتاد وفقا للقواعد واإلجراءات القانونية املعتادة واملعروفة
()370 سلفا .
ذلك أنه ال يجوز منع املواطنين من حقهم فى املحاكمة أمام قاضيهم الطبيعي ؟ وكذلك
ال يجوز إنشاء محاكم خاصة ملحاكمة املواطنين ،ألن إنشاء مثل هذه املحاكم فيه مساس
بمبدأ حيدة القاض ي ،وكذلك ال يسوغ محاكمة مدني أمام محكمة عسكرية فى أية صورة
()371 وعلى أى وجه ،وهذه املبادئ استقرت فى أغلب دساتير العالم .
( )369د .سمير عبد السيد تناغو :النظرية العامة للقانون ، 0225 ،ص ، 358د .ماجد راغب الحلو ،القانون
الدستوري ،مرجع سابق ،ص 538
( )370د .عماد ملوخية :الحريات العامة ،دار الجامعة الجديدة ،اإلسكندرية ، 7107 ،ص 018
( )371ممتاز نصار :معركة العدالة فى مصر -دار الشروق ،0225ص 052
السيما أن توزيع الوالية على املحاكم ال يكون إال بقانون ،أو بناء على حكم محكمة
عليا تختص بموجب القانون بالفصل في التنازع بين جهتين قضائيتين عند حدوث ذلك
التنازع ،وال شك أن إعطاء مثل هذا الحق للسلطات القضائية العسكرية يعنى أنها
أصبحت في وضع متساو للسلطة التشريعية التى أصدرت القانون املحدد لوالية املحاكم ،
أو في وضع مساو ملحكمة تنازع االختصاص ،وفى الحالتين تكون ،املحاكم العسكرية ،أعلى
من السلطة القضائية العادية ،خاصة إذا قضت بعدم اختصاصها بنظر قضية معينة ،
إذ في هذه الحالة يلتزم القضاء العادى بالفصل فيها ،يكون هذا القضاء تابعا للقضاء
ذلك أنه ال نمانع من وجود محاكم عسكرية للجرائم العسكرية البحتة التى قد يكون
فيها أسرارا عسكرية ال يمكن أن تقام وتعلن في القضاء العادى طبقا لعالنية املحاكمة أو
سريتها إال أنه حتى في ذلك ينبغي كفالة حق التقاض ي أمامها وكفالة حق الدفاع وكفالة
()373 كافة الحقوق اللصيقة بها " .
وبذلك يتضح أن من أهم هذه املبادئ القضائية التى تستمد أصولها من طبيعة
القضاء نفسه ومن أعماق نفوس القضاة والواقع ،أن للقضاء خصائص ذاتية وطبيعية
( (372د .عبد القادر محمد الشيخ محمد :ذاتية القانون الجنائي العسكري " دراسة مقارنة " ،رسالة دكتوراه ،
جامعة القاهرة ،كلية الحقوق ،0222 ،ص 702 – 708مشا ار إليه مجلة الحقوق ،العدد الرابع ،السنة
التاسعة والثالثون ،ربيع األول 0552هـ ،ديسمبر 7103م ص 558
( ) 373د .أشرف فايز اللمساوى :دور الرقابة الدستورية في حماية الحقوق والحريات في إطار التشريعات الوطنية
والمواثيق الدولية ،الطبعة األولى ، 7112 ،المركز القومي لإلصدارات القانونية ،ص 027
تكشف عنها الدساتير والقوانين وال تخلقها فال تثور شبهة فى أن وجود قضاء طبيعى مستقل
()374 محايد هو الضمان األساس ى لدولة القانون .
ويقصد بالقاض ي الطبيعي وفقا ملا انتهى إليه مؤتمر العدالة األول الذى أقامه قضاة
مصر بالقاهرة فى إبريل سنة 8317فى توصياته " بأنه القضاء الذى يكون محددا وفق
قواعد قانونية مجردة إلى وقت سابق على نشوء الدعوى ،وظهرت فكرة القاض ي الطبيعي
كأصل من أصول الدولة القانونية ،وعبر عنها الدستور الفرنس ي الصادر سنة 8230فى
،والذي تتوافر فيه الضمانات ()375 املادة 82منه بوصفها ضمانا أساسيا للحريات
( )374د .محمد عصفور :استقالل السلطة القضائية ،مرجع سابق ،ص 7
( )375د .أحمد فتحي سرور :الشرعية الدستورية وحقوق اإلنسان في اإلجراءات الجنائية ،ط ، 0223ص 578
،د .محمد جمال عطيه عيسى :تطور نظام القضاء فى القانون المصري الحديث وفكرة القاضي الطبيعي ،دار
النهضة العربية القاهرة ، 7115ص 00
أن يكون القانون الذى يطبقه القضاة ملتئما مع الدستور والواقع وفى إطار من
االحترام الدولي لحقوق اإلنسان وكرامة املواطن حتى تتوافر للقانون السيادة التى
)376( . نص الدستور عليها فى املادة 74منه على أساس الحكم فى الدولة
ولتكريس مفهوم القضاء الطبيعي دستوريا يعنى بمفهوم املخالفة عدم دستورية
القضاء االستثنائي ،فضال عن أنه يخل بمبدأ املساواة أمام القضاء ،فإنه يتعارض مع
كفالة حق الفرد فى اللجوء إلى قاضيه الطبيعي ،خاصة إذا علمنا شدة االنتهاكات
والخروقات التى تتعرض لها ضمانات التقاض ي أمام هذه الجهات لدرجة تجعل الفرد يفقد
()377 الشعور الواقعي بحقوقه وحرياته فضال عن انتهاك كرامته .
ثالثا -:الشروط الواجب توافرها فى القضاء الطبيعي لكي يوصف بأنه قضاء طبيعي-:
اشترط املشرع الدستوري والقانونى بعض الشروط التى من شأنها أن تصبغ وتوصف
القضاء بالقضاء الطبيعى ،وافتقاد أى شرط من تلك الشروط ينفى تلك الصفة عن
القضاء مما يصمه بعيب عدم الدستورية ومن أهم تلك الشروط -:
( (376توصيات لجنة نظام القضاء ،وثائق مؤتمر العدالة األول ،القاهرة 0288 ،مشا ار إليه د .محمد جمال
عطية عيسى :تطور نظام القضاء ،ص 07،05
( )377مجلة الحقوق ،العدد الرابع ،السنة التاسعة والثالثون ،ربيع األول 0552ه – ديسمبر 7103م ص
555
تنص املادة 84من العهد الدولي للحقوق املدنية والسياسية الصادر سنة 8377على
أن لكل فرد الحق فى محكمة مختصة ومستقلة ومحايدة قائمة استنادا إلى القانون ،كما
تنص املادة الثامنة من االتفاقية األمريكية لحقوق اإلنسان الصادر سنة 8321على أن
تكون املحاكمة أمام محكمة مختصة مستقلة غير متميزة أسست من قبل وفقا للقانون .
ووفقا لذلك فانه يجب فى املحكمة املختصة بنظر الدعوى ،أن تكون قد أنشأت عن
طريق السلطة التشريعية ،وتملك الوظيفة القضائية وفقا للمعيار الشكلي للمحكمة قبل
ارتكاب الفعل اى لم تسن خصيص بعد او بمناسبة ارتكاب هذا الفعل املؤثم .
يجب أن تنشأ املحكمة بقواعد عامة محددة مجردة ،حتى يعلم كل مواطن من هو
قاضيه ،وال يجوز تحديد اختصاصها بنظر الجريمة بعد وقوعها ،وذلك من خالل انتزاع
هذا االختصاص من املحكمة التى كانت مختصة بنظرها بموجب قواعد عامة محددة
ومجردة ،ألن ذلك يؤدى إلى عدم محاكمة الشخص أمام قاضيه الطبيعي ،وإنما أمام
محكمة أنشأت خصيصا لنظر القضية املتهم فيها مما يوصمها بعدم الدستورية وافتقادها
ويقصد بهذا الشرط أن يكون إنشاء املحكمة وتحديد اختصاصها غير مرتبط بقيد
زمني معين ،أي غير مقيد بمدة معينة أو بظروف مؤقتة مثل حالة الحرب أو حالة الطوارئ،
وذلك ألن املحاكم املؤقتة ال تعتبر من قبيل القضاء الطبيعي إال بالنسبة للجرائم التى
)378( . أنشئت من أجلها وتعتبر محاكم استثنائية ليست محاكم طبيعية
املتقاضين ،فهو يتيح لكل من املدعى واملدعى عليه الحق في أن يستمع القاض ى إلى وجهة
نظرهما ،ويشكل هذا الحق داللة هامة للمتقاضين إنه يقف في محراب قضاء طبيعى ،
وعلى العكس من ذلك فإن انتهاكه يخل ميزان العدل والنزاهة ويجعل القاض ى في موضع
قد يخطئ القاض ى في تقييمه القانونى للوقائع املعروضة أمامه ،فيصدر حكمه
مجانبا للصواب ،األمر الذى يشكل ظلما للخصم الصادر ضده الحكم ،لذلك أقرت كافة
النظم القانونية لهذا الخصم الحق في أن يطعن على هذا الحكم أمام محكمة أعلى درجة
()379 لتعيد النظر في القضية ،كى تعيد األمور إلى نصابها .
بمعنى أن الحكم الصادر من محكمة أول درجة قابل لالستئناف أمام محكمة
استئناف أعلى ،وال يصبح نهائيا بعد صدوره من املحكمة األولى إال إذا شاء املحكوم عليه
( ) 378د .محمد جمال عطيه عيسى :تطور نظام القضاء فى القانون المصري ،مرجع سابق ،ص 00وما بعدها
( )379مجلة الحقوق ،العدد الرابع ،السنة التاسعة والثالثون ،ربيع األول 0552هـ – ديسمبر 7103م ص
520وما بعدها
فيه أال يستأنفه فى املواعيد املحددة قانونا لذلك ،ويقوم هذا املبدأ على اعتبارات قوامها
أن الحكم كأي عمل بشرى قد يكون غير عادل بسبب خطأ القاض ي ،فإذا توافرت إمكانية
عرض القضية مرة أخرى على محكمة غير التى أصدرته ،فإنه تتوافر بذلك إمكانية تحقيق
العدل وتصويب ما وقعت فيه محكمة أول درجة من خطأ ،فضال عن ذلك فإن القاض ي
الذى يعلم أن حكمه سيكون محل بحث والفحص والتمحيص ومعرض للتعديل من
محكمة أخرى سيبذل حرصا أكبر وعناية أشد فى بحثه للقضية وعند تسبيبه وإصداره
()380 لحكمه ".
) )380د .محمد فتحي نجيب :التنظيم القضائي المصري ،دار الشروق ،القاهرة ،7115ص 33
الخاتمة والتوصيات:
ومن خالل ما ناقشناه فى النقاط السابقة وعلى ضوء ما تقدمه الدول في التشريعات
الوطنية وزفى الواقع العملى من ضمانات لتحقيق كفاءة القضاء والقضاة ،ونظرا ملا تمثله
الكفاءة والجدارة من أهمية بالغة لتحقيق العدل والعدالة ،وذلك من خالل وضع
استراتيجية قضائية لتحقيق متطلبات كفاءة القضاء والقضاة ،وان يتم وضعها من قبل
القضاة انفسهم وان يراعى فى الخطة واالستراتيجية التوصيات واملبادئ التالية -:
ومن أهم شروط اإلصالح القضائي املنشود الذى يتمناه كافة املواطنين يتمثل في -:
وضع معايير دقيقة ثابتة ال تتغير وال تتبدل للتعيين فى سلك القضاء أهمها التفوق
العلمي واألدبي وأن ال يكون االلتحاق بالسلطة القضائية والعمل فيه باملحاباة
أو املجاملة أو التوريث أو غير ذلك من الطرق الغير قانونية ،وتعيين أوائل جريجى
كليات الحقوق والشريعة والقانون ،وإلغاء شرط التحريات ،الذى يعد تدخل
خالله التأثير على القضاة انفسهم ،وكذا يجب أن يتوافر للقضاة والقضاء
الحيدة منذ بداية تعيين القضاة حتى إحالتهم إلى املعاش .
والعمليات املتداخلة معها ،ملا لها من دور متميز فى توفير حاجات القضاء فى
انشاء مركز متخصص لتطوير وتدريب القضاة وذلك للتيسير على القضاة وتوفير
ونقلها وتخزينها وذلك من خالل توفير وسائل االتصال املتقدمة وتدريبهم بشكل
اشتراط فى ترقية القضاة اعداد ابحاث قانونية والحصول على درجة املاجستير
انشاء وتطوير كافة املكتبات الكائنة في دور املحاكم وذلك لتيسير وصول القضاة
إتاحة ونشر كافة وسائل املعلومات سواء من الكتب واملجلدات املهتمة بنشر
التشريعات ،ونشر كافة أعمالها التحضيرية ،وآراء الفقه ،وأحكام القضاء ،
فالتكوين املنهى للقاض ى يحتاج إلى هذه الوسائل لتنمية آفاقه القانونية .
ومجانية التقاض ى ومعالجة كافة املشاكل املتعلقة بذلك ،التى تعرقل وتعطل
تطبيق مبدأ التقاض ى على درجتين فى كافة انواع القضايا بال استثناء الذى يعد
من أهم املبادئ القضائية في كافة الدول التى تسعى إلقامة العدل ولضمان
حسن سير العدالة ولبث الطمأنينة في قلوب املواطنين والذي نفتقده حتى اآلن
سرعة إصدار األحكام القضائية ،وضمان تنفيذها وذلك بإنشاء إدارة قضائية
باملحاكم تكون هي املنوط بها تنفيذ كافة األحكام القضائية بال استثناء وذلك
منذ صدور الحكم حتى نهاية تنفيذه وذلك تحت إشراف القضاة والقضاء في
إلغاء منصب وزير العدل وأن يحل محله ويمارس اختصاصاته رئيس املجلس
األعلى للقضاء دون غيره ،وأن يتم انتخاب رؤساء كافة الهيئات القضائية من
قبل القضاء انفسهم وال سلطان عليهم فى التعيين من قبل السلطة التنفيذية ،
وكذلك منع القضاة من العمل فى أعمال غير قضائية كمستشارين لدى هيئات
أو وزارت أو مصالح أثناء خدمتهم ،وكذلك إلغاء لجان فض املنازعات التى
إلغاء هيئة قضايا الدولة ،على أن يحل محلها فى العمل اإلدارات القانونية بكل
جهة على حدة باستقالل تام عن الهيئات القضائية وذلك لعدم استساغة أن
يكون العاملين بهيئة قضايا الدولة " محامى الحكومة " هيئة قضائية على أى
إلغاء ما يسمى بالقضاء العسكري وقصر مهام املحاكم العسكرية على محاكمة
العسكريين فقط فى الجرائم العسكرية فقط ،دون غيرهم من املدنيين أيا كانت
الجريمة التى ارتكبت وكذلك إلغاء كافة املحاكم املؤقتة وكذلك إلغاء كافة
د.أشرف فايز اللمساوى :دور الرقابة الدستورية في حماية الحقوق والحريات في إطار
التشريعات الوطنية واملواثيق الدولية ،الطبعة األولى ، 7003 ،املركز القومي لإلصدارات
القانونية.
د.السيد خليل هيكل :موقف الفقه الدستورى والتقليدى والفقه اإلسالمى فى بناء
وتنظيم الدولة ،كلية الحقوق ،جامعة أسيوط ،دار النهضة العربية القاهرة
د .السيد عبد الحميد فوده :مبدأ املساواة ومدى تطبيقه فى مصر دراسة تاريخية دار
النهضة العربية ط . 7007
د .أنور أحمد رسالن :الحقوق والحريات العامة فى عالم متغير ،دار النهضة العربية
،ط .8339
د .رأفت فوده :املوازنات الدستورية لسلطات رئيس الجمهورية ،دار النهضة العربية
،ط . 7000
د .سعد عصفور :النظام الدستوري املصري " دستور سنة " 8328منشاة املعارف
باإلسكندرية ،ط . 8310
د .سمير عبد السيد تناغو :النظرية العامة للقانون . 8324 ،
د .شحاتة أبو زيد شحاتة :مبدأ املساواة فى الدساتير العربية ،متطلبات استقالل
القضاء ،طبعة 7008
د .عاطف وليم اندراوس :الفجوة الرقمية ودور الحكومة فى معالجتها ،دار الفكر
الجامعى
د .عبد الناصر على عثمان حسين :استقالل القضاء اإلدارى " دراسة مقارنة " ،دار
الكتب القانونية 7001
د .عماد ملوخية :الحريات العامة ،دار الجامعة الجديدة ،اإلسكندرية 7087 ،
د .فاروق عبد البر :دراسات في حرية التعبير واستغالل القضاء وضمانات التقاض ي
،ط 7007
د .محمد إبراهيم درويش د 0إبراهيم محمد درويش :القانون الدستوري ،،دار
النهضة العربية ،ط 7002، 8
د .محمد جمال عطية عيس ى :تطور نظام القضاء فى القانون املصري الحديث وفكرة
القاض ي الطبيعي ،دار النهضة العربية القاهرة 7004
د .محمد فتحي نجيب :التنظيم القضائي املصري ،دار الشروق ،القاهرة 7009
د .محمود عطية :دور دائرة توحيد املبادئ القانونية بمجلس الدولة فى كفالة االمن
القضائى ،ط 7089
د .وليد سليم النمر :القانون الدستوري املبادئ الدستورية العامة ،دار الفكر
الجامعي ،ط 7084
د .يحيى الجمل :القضاء الدستوري في مصر ،دار النهضة العربية ،ط 7000
د.عصمت عبد هللا الشيخ :دور نظم وتكنولوجيا املعلومات فى تيسير وفاعلية العمل
االدارى ،دار النهضة العربية ،ط 8331
صبحي محمصانى :مبادئ القانون األساس ي والعلم السياس ي وتطبيقها فى لبنان وسائر
البالد العربية ،دار العلم للماليين بيروت ،ط 8327
عبد العزيز ساملان :الدولة القانونية ورقابة الدستورية ،مجلة الدستورية العدد
87اكتوبر 7003
املستشار محمود الخضيرى :تشريعات السلطة القضائية فى دولة االمارات العربية ،
دراسة مقارنة بالشريعة االسالمية والقوانين الوضعية ،دار النهضة العربية 8337 ،
د .أنور احمد رسالن :الديمقراطية بين الفكر الفردى والفكر االشتراكى ،رسالة
دكتوراه .8328 ،
د .عبد القادر محمد الشيخ محمد :ذاتية القانون الجنائي العسكري " دراسة
مقارنة" ،رسالة دكتوراه ،جامعة القاهرة ،كلية الحقوق 8333 ،
املستشار يحيى الرفاعى :كلمة قضاة مصر في افتتاح املؤتمر ،حديث الحقائق والوثائق
استقالل القضاء ،املكتب املصري الحديث
توصيات لجنة نظام القضاء ،وثائق مؤتمر العدالة األول ،القاهرة 8317 ،
د .عبد العزيز ساملان :الدولة القانونية ورقابة الدستورية ،مجلة الدستورية العدد
87أكتوبر 7003
د .محمد عصفور :استقالل القضاء ،مجلة القضاة ،السنة األولى ،العدد الثالث،
يونيو ، 8371مصر
محكمة النقض :املكتب الفني ،النشرة التشريعية ،العدد الثالث ،مارس 7087
مجموعة أحكام املحكمة الدستورية العليا ،الجزء الخامس ،املجلد الثانى ،قاعدة
رقم .89
مجلة الحقوق ،العدد الرابع ،السنة التاسعة والثالثون ،ربيع األول 8492هـ ،
ديسمبر 7082م.
مبدأ االقتناع الذاتي للقاض ي الجنائي ،ومن خالل هذا املبدأ فإننا سنتعرض لبيان ماهية
مبدأ االقتناع الذاتي وذلك من حيث التعريف به وبيان مبرراته وما يتعلق به من أحكام
ونطاق هذا املبدأ ،ثم التعرض للقيود واالستثناءات التي ترد على هذا املبدأ ،ثم نبين
التطبيق العملي لهذا املبدأ على أدلة االثبات في الدعوى الجنائية وهي االعتراف والشهادة
والخبرة والقرائن ،والدليل الكتابي ،مستعينين في ذلك برأي الفقه والقضاء والتشريعات
املقارنة ،ثم في األخير وضعنا خاتمة فيها خالصة البحث باإلضافة إلى مجموعة من النتائج
والتوصيات املرجوة.
Abstract
This research, which we have in hand, examines the main general principle
judge, and through this principle, we will discuss the nature of the principle of
related provisions and scope of this principle, then exposure to restrictions And
the exceptions to this principle, and then we show the practical application of
مقدمة:
الهدف األساس ي من ممارسة القاض ي لسلطته في مجال تقدير األدلة هو الوصول
إلى الحقيقة ،وفيما إذا كان من املمكن أن يتحول الشك املفترض إلى يقين قائم ،ومن
املعروف أن التحقيق االبتدائي يسعى في املقام األول إلى جمع األدلة وتقديرها تقديرا أولياء،
أما مرحلة املحاكمة فتهدف أساسا إلى تمحيص األدلة وتقديرها بصفة نهائية ،وعليه
فيجوز القول بأن الشك في مرحلة التحقيق االبتدائي يفسر أحيانا ضد مصلحة املتهم،
وهذا القول صحيح في جملته والسبب في ذلك هو أنه إذ رجحت أدلة إدانة املتهم بعد
انتهاء التحقيق االبتدائي فهذا يكون كافيا لرفع الدعوى الجنائية ضده ،مع الرجحان ال
ينفي الشك بشكل تام ،بل إنه يتسع لقدر منه ،وأما حكم اإلدانة فال يبني إال على اليقين،
ولهذا يكون صحيح القول بأن الشك ال يمنع سلطة االتهام من رفع الدعوى ،لكن الشط
يعتبر مانع لإلدانة وموجب بحكم البراءة خالل نظر الدعوى أمام قاض ي املوضوع.
ونشير إلى أن االتهام يبدأ في العادة بالشك فيما إذا كان املتهم قد قام بارتكاب الجريمة،
وقاض ي املوضوع بعد ذلك يستهدف أساسا تمحيص هذا الشك وتحري الوقائع التي نتج
عنها ،ليصل إلى حكمه فيما إذا كان هذا الشك قد تحول إلى يقين بني عليه اإلدانة ،أم أن
ما لديه من أدلة ال تكفي للوصول على هذا اليقين وفي هذا الوقت يبقى الشك قائم ومعه
اإلدانة381 تستحيل
ارتكاب الواقعة يكفي مجرد الشك لالستمرار في اإلجراءات ضد املتهم ،فالشبهة في مرحلة
االتهام ،تكفي لترجيح جانب االتهام ،وكذلك مرحلة التحقيق االبتدائي ،فإن هذا الشك
القائم في صالح االتهام ،والذي بناء عليه اتخذت في اإلجراءات ضد املتهم ،يكون قابال
ألن يتالش ى أو يتضاعف ،وذلك ألن سلطة التحقيق االبتدائي مكلفة أساسا بالبحث عن
األدلة التي تفيد في الكشف عن الحقيقة على نحو إما ينتهي بتعزيز الشك أو الشبهة أو
بنفيهما ،بالتالي فإذا تعززت الشبهة انقلبت الحتمال وهو أمر يعني تضاعف فرص
الترجيح في صالح االتهام ،وفي هذه الحالة تحال الدعوى للمحكمة من أجل الفصل
فيها ،وعليه تعمل املحكمة على استبعاد كل فرص الشك في ثبوت الجريمة ونسبتها
295 381
للمتهم ،والقاعدة هي أن الشك في مرحلة االتهام يفسر املتهم بينما في مرحلة الحكم يفسر
في صالحه.
أهمية البحث:
اإلثبات الجنائي يتم بكل الطرق الخاصة باإلثبات ،كما أنه يقوم على إعطاء
القاض ي الجنائي سلطة واسعة في تقدير األدلة ،والبحث عن أي دليل والقيام بأي إجراء
يراه الزما لكشف الحقيقة ،حيث أنه يلعب دور إيجابي في اإلثبات ،على خالف القاض ي
املدني والذي يكون مقيد بأدلة محددة ،وقد حددها القانون وبين شروطها كما أنه ال
يملك القاض ي املدني أن يتجاوزها ،والسبب في منح القاض ي الجنائي كل هذه السلطة
الواسعة ،يكمن في كون اإلثبات الجنائي يستهدف الوقائع املادية واملعنوية وليس
تصرفات قانونية مثل العقود بالتالي فهي ال تعد بشكل مسبق ،والسبب في ذلك هو أن
الجريمة تقع بشكل مفاجئ من هنا فإنه يلزم منح هذا القاض ي سلطة واسعة في تقديره
للدليل الجنائي ،ومن هنا تبرز أهمية هذا البحث وضرورة تدعيمه ،وبشكل خاص إذا
ما عرفنا أن اإلثبات الجنائي يستهدف مجموعة من الوقائع املعنوية ،مثل القصد
الجرمي.
أهداف البحث:
يهدف هذا البحث إلى تحقيق مجموعة من األهداف العملية والواقعية ،هي:
.7التعرف على االستثناءات التي ترد على مبدأ االقتناع الذاتي للقاض ي الجنائي.
.9التعرف على مبدأ االقتناع الذاتي وعلى أدلة اإلثبات االعتراف والشهادة والخبرة
والقرائن والدليل الكتابي من خالل التعرض لرأي الفقه والقضاء والتشريعات املقارنة
محل الدراسة.
مشكلة البحث:
تظهر مشكلة البحث في أنه وعلى الرغم من ورود النص الصريح على مبدأ االقتناع
الذاتي للقاض ي الجنائي ،وعلى الرغم من ذلك فاملشرع لم يحدد الضوابط التي تكفي
لهذا األمر الذي يخش ى معه من أن تتم إساءة استخدام هذا املبدأ وذلك بسبب السلطة
املطلقة املعطاه للقاض ي الجنائي بوزن األدلة ،وعلى الرغم من كون هذا املبدأ قد ورد
بشكل مطلق مما يستدعي التحوط من خالل أخذ املبررات التشريعية والعملية
منهج البحث:
تم اتباع املنهج الوصفي التحليلي من خالل وصف عنوان البحث باعتباره مبدأ
مهم يحتاج إلى تفسير وبيان ثم املنهج التحليلي من خالل املقارنة بين مجموعة من
التشريعات العربية املقارنة ،وتحليلها بشكل يساعد على فهم هذا املبدأ.
خطة الدراسة:
املبحث الثاني :القيود واالستثناءات على مبدأ االقتناع الذاتي للقاض ي الجنائي.
املراجع واملصادر.
من املمكن أن نتعرض لبيان إطار مبدا االقتناع الذاتي للقاض ي الجنائي من خالل
التعرف على مقصود هذا املبدأ ومفهومه ،ثم بيان مدلول االقتناع الذاتي للقاض ي
الجنائي ،ونعرض لكل من هذين العنصرين في مطلب مستقل على النحو التالي:
بشكل نسبي في القانون الجنائي ،فأول ظهور تشريعي لهذا املبدأ كان في نهاية القرن
الثامن عشر ،حيث ورد في قانون تحقيق الجنايات الفرنس ي وقانون العقوبات الفرنس ي
الصادرين عام ١٩٧١م ،حيث أنه قد ورد في املادة ٤٢من القسم السادس من قانون
تحقيق الجنايات حيث أوجب على املحلفين أن يبنوا قناعتهم بصورة خاصة على األدلة
واملناقشات التي تطرح أو تلك التي تدور أمامهم ،ومن خالل قناعتهم الشخصية يطالبهم
القانون واملجتمع بأن يقوموا بإصدار أحكامهم على املتهمين ،كذلك فقد ورد في املادة
٢٩٤من قانون العقوبات الفرنس ي ١٩٧١بنفس املضمون ،ويقصد بهذا املبدأ أن
382
القاض ي الجزائي يحكم وفقأ للعقيدة التي تتكون لديه في الدعوى بكامل حريته ،وأن له
مطلق الحرية في تقدير قيمة الدليل ،واألخذ بما يرتاح ضميره له من األدلة ويطرح ما
سواه ،وله أن يستمد قناعته من أي دليل وله تجزئة الدليل فيأخذ ببعضه ويطرح 383
البعض اآلخر ،فاالقتناع الذاتي قد تتكون من شذرات متفرقة من الظروف واألدلة .
384
25 382
383
623 1 384
األول :إذعان القاض ي وتسليمه بنشوء حق الدولة في معاقبة املتهم حال ثبوت
الجريمة اليقيني.
والثاني :هو إذعانه وتسليمه بعدم نشوء حق الدولة في معاقبة املتهم ويكون ذلك
في حالة عدم ثبوت الجريمة أو الشك في وقائعها أو في نسبتها للمتهم .
385
فإذا كان االقتناع القضائي بنشوء حق الدولة في معاقبة املتهم إذا تمت إدانته يأتي
نقضا وهدما ألصل البراءة في املتهم ،فإن ذلك يستوجب أن يصل االقتناع إلى حد الجزم،
كما أنه من جهة أخرى يعتبر االقتناع باإلدانة أو البراءة هو استخالص لهما من عناصر
اإلثبات املطروحة على بساط البحث كاستخالص النتائج من املقدمات ،وهو األمر الذي
وهذا املبدأ يوصف باالقتناع الذاتي للقاض ي وذلك من أجل الداللة على قيام
القاض ي بالحكم في دعواه وفقا ملا يمليه عليه ضميره بواسطة أدلة يستشعر منها قدرته
كذلك يوصف هذا املبدأ بالوجداني ،حيث يكون اقتناع القاض ي الجنائي متروكا
لوجدانه واطمئنانه الداخلي بثبوت الواقعة التي تعرض عليه أو عدم ثبوتها .
388
وهذا الوصف قد ال يكون كافيا أيضا للتعبير عن حقيقة وجوهر االقتناع ذلك ألن
االقتناع في حد ذاته ال يكون إال داخلي ونابعا من ذات الشخص ،فال يعقل لذلك أن
ينشا االقتناع من غير ذات القاض ي أو فرضه عليه من الخارج أي من ذات أخرى غير
ذاته ،ومن هنا من املمكن أن نقول أن وصف االقتناع بالعقلي أو العقالني هو وصف
يصيب جوهر هذا املبدأ على اعتبار أن حقيقة ما يمارسه القاض ي من عملية ذهنية
تجاه ما يقدم إليه من أدلة في الدعوى تنشا أصال من وعيه وإدراكه لجميع أدلة الدعوى.
لقد استقر القانون والفقه في العالم العربي على قاعدة قانونية ثابتة هذه القاعدة
تقول :إنه ال سلطان على عمل القاض ي إال للقانون ،كما يرتكز عمله ضمن حدود
القانون.389
وضمن حدود القانون فللقاض ي أن يناقش كل األدلة التي لها أصل في أوراق
الدعوى ،املقدمة من قبل الخصوم ،فله أن يقبلها وينظر فيها ولكنه غير ملزم باألخذ
بدليل بعينه ،فإما أن يأخذ بما جاء فيه وإما أن يطرح الدليل الذي ال يطمئن إليه
ضميره ،ويستبعده ،وإن عدم اقتناع محكمة املوضوع بقسم من شهادات الشهود
واقتناعها بالقسم اآلخر وهو ماال يستلزم رد البينات ،ألنها تحكم بحسب قناعاتها التي
تستخلصها من البينات التي تقدم إليها ،إال أن الدليل الذي يأخذ به القاض ي يجب أن
يكون كافي؛ فال يجوز ألية محكمة في قضية جزائية أن تحكم بإدانة شخص ،دون أن
يتوفر أمامها بينات كافية مثل حصول االقتناع بارتكاب املتهم للجريمة التي يدان من
أجلها .
390
كذلك فإن للقاض ي الجنائي سلطة واسعة في وزن األدلة والتنسيق فيما بينها،
واستخالص النتائج التي تؤدي إلى اقتناعه بها واالعتماد عليها في إصدار الحكم ،إما
بالبراءة أو باإلدانة ،وهذا ما نصت عليه املادة 828من قانون اإلجراءات الجنائية الكويتي
فنصت على أن" :تعتمد املحكمة في اقتناعها على األدلة املستمدة من التحقيق ،الذي
أجرته في القضية أو من التحقيقات السابقة على املحاكمة ،ولها الحرية املطلقة في
ترجيح دليل على دليل ،وتكوين اقتناعها حسبما يوحيه إليه ضميرها" ،وهذا ايضا ما
ونجد أن لقاض ي املوضوع الحرية املطلقة في تكوينه العتقاده وتقدير الدليل املقدم
إليه ،بأخذه إذا اقتنع به ويطرحه كذلك إذا تطرق الشك لوجدانه دون رقابة عليه من
390
621 5111 6 61
126 121 65 1911 11 391
ونعرض في نقطتين متتاليتين لرأي القانون والقضاء والفقه في مفهوم مبدأ حرية
يعتبر املشرع األردني من أوائل التشريعات العربية التي أرست مبدأ حرية القاض ي
الجنائي في االقتناع بالفقرة األولى من املادة 842من قانون أصول املحاكمات الجزائية،
والتي قد نصت على أنه تقام البينة في الجنايات والجنح واملخالفات بجميع طرق االثبات
كما نصت كذلك املادة 738من قانون اإلجراءات الجنائية املصري على أن:
"للمحكمة أن تأمر ولو من تلقاء نفسها أثناء نظر الدعوى بتقديم أي دليل تراه الزما
لظهور الحقيقة".
كذلك فقد نصت املادة 907على أن" :القاض ي يحكم بالدعوى بحسب العقيدة
التي تكونت لديه بكامل حريته ،ومع ذلك فال يجوز له أن يبني حكمه على إيجاز دليل لم
وأما القانون الكويت فقد نصت املادة 828من قانون اإلجراءات الجنائية منه على
أن" :املحكمة تعتمد في اقتناعها على األدلة املستمدة من التحقيق ولها الحرية املطلقة
في ترجيح دليل على دليل وتكون اقتناعها حسبما يوحيه إليه ضميرها".
ومن هنا يتبين لنا أن القانون والقضاء قد اتفقا على اعتماد الدليل الذي تقتنع
به املحكمة وترجحه على األدلة األخرى ،وأنه يتوجب على املحكمة تقدير البينات
والدالئل وتحديد الوقائع التي اقتنعت بصحتها قبل اصدار حكمها .
392
وكلما اطمئن القاض ي إلى صدق دليل منها كان له أن يأخذ به ،وكلما تعذر االطمئنان
إليه تعذر األخذ به ،بغير رقابة من أحد عليه في مبررات اطمئنانه عنه أو عدم اطمئنانه،
متى كان في تقديره العام لم يخرج عن حدود االتزان في فهم الدليل وعن حدود املنطق
املقبول في االستدالل به ،فاملحكمة الجزائية تحكم وفقا ملا يقتنع به ضميرها ،ما دامت
هناك بينات تستطيع الوصول إلى النتيجة التي استخلصتها ،ألن القانون ترك لقاض ي
املوضوع الحرية املطلقة في تكوين اعتقاده وتقدير الدليل املقدم له ،ويجب أن تكون
قناعة القاض ي وما توصل إليه من نتائج في تكوين عقيدته واقتناعه الوجداني مستندة
يرى الدكتور أحمد فتحي سرور أن الحرية التي منحها املشرع للقاض ي في تقدير
قيمة األدلة ،تعني أن عليه أن يبحث عن األدلة الالزمة ،دون أن يصل التقدير الحر لديه
إلى حد التحكم الكامل ،فاالقتناع يجب أن يخضع بشكل دائم للعقل واملنطق ،كما أنه
622 392
622 393
ال يجوز أن يعني مبدأ االقتناع الذاتي للقاض ي إطالق حريته في أن يحل تخميناته
وال بد أن يكون اقتناع القاض ي يقينيا وأن يستمد اقتناعه من أدلة صحيحة
طرحت أمامه ،وتناقش فيها الخصوم بصورة علنية ،فيمنع على املحكمة أن تبني حكمها
على دليل لم تطرحه في املناقشة في جلساتها حتى لو كان له أصل في أوراق الدعوى،
فينبغي على القاض ي أن يستمد عقيدته من أدلة مشروعة ووليدة إجراءات قانونية
صحيحة ،وكذلك ال يجوز للقاض ي االستناد إلى أدلة غير قضائية كأن يحكم بناء على
فالدليل الذي جاء وليد إجراءات مخالفة للنظام العام ال يؤاخذ به ،فحرية القاض ي
باالقتناع تعني إطالق حريته في اإلثبات بجميع األدلة املشروعة بدون تقييده بدليل معين
باستثناء ما قد نص عليه القانون؛ ألن القانون إذا نص على طريقة معينة لإلثبات وجب
التقيد بهذه الطريقة كذلك فإن له أن يستخلص الواقعة بطريق االستنتاج واالستقراء
وجميع املمكنات العقلية ما دام ذلك سليما متفقا مع حكم العقل واملنطق اعتمادا على
األدلة املقدمة إليه في الدعوى ،وأما التحكم الكامل وبناء الدليل على علمه الشخص ي
أو ما يتراءى له بالعين املجردة فال يعتد به دليل ،وإذا لم يقتنع يقينيا بالدليل بقي الشك
233 394
623 395
املبحث الثاني :القيود واالستثناءات على مبدأ االقتناع الذاتي للقاض ي الجنائي
لقد منح املشرح الحرية للقاض ي الجنائي في االقتناع باألدلة ،كما أنه قد أعطاه
كذلك حرية األخذ ببعضها ثم طرح البعض اآلخر ،وعلى الرغم من ذلك فهناك قيود
على حرية القاض ي في االقتناع ليست كيفية ،وهذه قناعة مبنية على تدقيق الوقائع
وتمحيصها ،وفي إطار القانون ومن املمكن أن نعرض لتلك القيود على النحو التالي:
وهذا القيد يعتبر أحد أهم القيود التي ترد على مبدأ االقتناع الذاتي ،فقد أوجب
القانون على القاض ي أن يلتزم في إثبات املسائل الغير جنائية من خالل وعن طريق طرق
اإلثبات املقررة الخاصة بإثبات هذه املسائل ،وهذا القيد قد ورد في املادة ( )١٢٧من
وكذلك هو ما نصت عليه املادة ( )٤٤٢من قانون اإلجراءات الجنائية املصري .
397
والسبب في هذا القيد هي ارتباط قواعد اإلثبات بطبيعة املوضوع الذي ترد عليه،
396
397
.
1911 1 398
.7كذلك يجب أن يكون الدليل الذي يعتمده القاض ي له أصل في ملف الدعوى،
وهذا القيد أوردته املادة ( ،)١ / ١٢١من قانون أصول املحكمات الجزائية األردني
ونصت عليه ويعرف بمبدأ شفوية املحاكمة وتطبيقا لهذا القيد ال تعتمد املحكمة تقرير
الطبيب الشرعي الذي يبين سبب الوفاة إال إذا حضر الطبيب إلى املحكمة وتمت
كما أنه قد نص على هذا املبدأ القانون العراقي ،فقد نصت املادة ( )789من قانون
اصول املحاكمات الجزائية على أنه" :ال يجوز للمحكمة ان تستند في حكمها الى دليل
لم يطرح للمناقشة او لم يشر ليه في الجلسة والى ورقة قدمها احد الخصوم من دون
ان يتمكن باقي الخصوم من االطالع عليها وليس للقاض ي ان يحكم في الدعوى بناء على
.9كذلك ال يجوز أن يبنى الحكم إال على أدلة كاملة توفرت فيها شروط األدلة
وحدها ،فال يجوز للقاض ي أن يبني حكمه على استدالالت فقط ،وهي ما يطلق عليها
399
في القانون األردني األدلة التي تؤخذ على سبيل االستئناس مثل الشهادة بدون يمين أو
399
استعراف الكلب البوليس ي لوحده فقط ،أو أقوال متهم ضد متهم بدون وجود قرينة
وفي القانون العراقي نجد نص املادة (/789أ) من قانون أصول املحاكمات الجزائية
العراقية هذه األدلة على الوجه التي" :تحكم املحكمة في الدعوى بناء على اقتناعها الذي
تكون لديها من األدلة املقدمة في أي دور من أدوار التحقيق أو املحاكمة وهي اإلقرار
وشهادة الشهود ومحاضر التحقيق واملحاضر والكشوف الرسمية األخرى وتقرير الخبراء
وهذا القيد املقصود به أن ما يعتمده القاض ي من أدلة يلزم أن تؤدي عقال للنتيجة
التي خلص إليها ،فمثال ال يجوز االعتماد على شهادة شاهد ضعيف البصر ورأى املتهم
وهذا معناه أن تكون قناعة القاض ي قاطعة وال يخالطها الشك وال يشوبها
االستفهام ،وذلك ألن األحكام الجزائية تبنى على الجزم واليقين ال على الشك والتخمين،
كما أن الشك يفسر لصالح املتهم ،والدليل إذا تطرق إليه االحتمال فسد به االستدالل،
وهذا االقتناع اليقيني يجب أن يكون في مرحلة املحاكمة ،أما في مرحلة التحقيق فال
400
401
يشترط أن تصل قناعة املدعي العام إلى درجة اليقين بل أن تترجح لديه اإلدانة على
البراءة.
لكي تكون قناعة القاض ي سليمة في تقديرها لألدلة ،يجب أن تكون النتيجة التي
توصل إليها تتفق مع العقل واملنطق ،وتكون مطابقة للنموذج املنصوص عليه في
القانون وهو ما يطلق عليه بالحقيقة القضائية ،والتي يشترط فيها أن تتفق مع الحقيقة
الواقعية ،فحرية القاض ي الجنائي أن ال يبنى حكمه على مجرد الظن والتخمين بل يجب
التأكد ،وبشكل جازم مبني على اليقين بأن املتهم املاثل أمامه هو من قام بارتكاب الفعل
املجرم ،فالحقيقة ال يمكن توافرها إال باليقين ال مجرد الظن واالحتمال ،باعتبار أن هذا
الشرط -أن تبني األحكام على الجزم واليقين -ما هو إال نتيجة مترتبة ومنطقية على قاعدة
األصل في اإلنسان البراءة .فاألحكام الصادرة بالبراءة يجب أال تبقى إال على حجج قطيعة
الثبوت تفيد الجزم واليقين فإذا ما ثار في نفس القاض ي نوع من الشك وجب عليه أن
يفسره ملصلحة املتهم فالدليل اليقيني هو الذي يجسد حقيقة الواقعة أمام املحكمة
تأكيدا ال يداخلها في حقيقته شك ،فتقتنع بحدوث الواقعة كما دل عليها الدليل .
402
2000 402
629
.7التسبيب:
وهذا القيد يعتبر أهم القيود التي ترد على حرية القاض ي في تكوين اقتناعه
والتسبيب هو بسط االعتبارات القانونية والواقعية التي أدت إلى تكوين عقيدة
املحكمة .
403
وتبدو أهمية التسبيب في أنه ضمانة كبرى ملصلحة الخصوم ،حيث أنه يدفع
املحكمة إلى تمحيص األدلة والبحث والتحقيق للوصول إلى الحقيقة وبالتالي إلى نتائج
فيرد على مبدأ القناعة القضائية قيد آخر يتمثل في بيان القاض ي لألسباب التي
بني عليها حكمه أو قراره ،فالقاض ي يكون ملزما بتسبيب أحكامه وقراراته ولكنه غير ملزم
403
404
161 5113
552 405
"...
.1 1916
وهذا ما استقر عليه قضاة املحكمة العليا ":أن قناعة القضاة مشروطة بضرورة
تسبيب قرارهم دون تناقض مع العناصر املوجودة بملف الدعوى واملناقشات التي دارت
مبدأ االقتناع الذاتي للقاض ي الجنائي مبدأ ليس على إطالقه بل ترد عليه مجموعة
.8القرائن القانونية:
وهذه القرائن نوعان ،نوع منها قطعي ال يقبل إثبات العكس ،ونوع آخر بسيط قابل
إلثبات العكس ،ويعتبر من قبيل القرينة القانونية القاطعة والتي ال تقبل إثبات
407
العكس هي أن سن التمييز سبع سنوات ،بمعنى أن الطفل الذي لم يبلغ السابعة من
والقرينة القانونية التي تمثل قيدا على القناعة القضائية هي القرينة القانونية
القاطعة التي ال تقبل إثبات ما يخالفها ،مثال ذلك حالة الصغير الذي لم يبلغ وقت
ارتكاب الجريمة سن املسؤولية الجزائية التي يحددها القانون وهي تمام السابعة من
العمر في القانون املصري وتمام التاسعة في القانون العراقي بحسب ما ورد في قانون
فاستثناء من هذا املبدأ فمن املمكن أن يحدد القانون أدلة محددة من أجل إثبات
جريمة معينة ،بالتالي فيجب على القاض ي أن يلتزم بهذه األدلة كما أنه ال يجوز له أن
يتجاوزها ألدلة أخرى ،كما ورد هذا القيد في املادة ( )٤/١٢٩من قانون أصول املحاكمات
تساند األدلة) أو مجتمعة ،وعليه يجب أن تكون األدلة في اإلثبات الجنائي متساندة
ويعزز بعضها البعض ،وبينت محكمة التمييز العراقية هذا في أحد قراراتها حيث جاء
فيه" :الشهادات العيانية املنفردة املؤيدة بشهادات على السماع املعززة بالكشوف
والتقارير الطبية وبقرينة هروب املتهم رغم التحري عنه واإلعالن عن موعد محاكمته
408
16 2 1 1916 61 409
.63 1916
وهذه نصت عليها املادة 778من قانون أصول املحاكمات الجزائية العراقي ،فنصت
على" :تعتبر املحاضر والتقارير والكتب الرسمية التي يحررها املوظفون واملستخدمون
املتخصصون في املخالفات حجة بالنسبة للوقائع املكونة للجريمة ونسبتها إلى فاعلها
ووصفها القانوني".
بالتالي فال يستطيع القاض ي بعد اصدار الحكم التعديل في حكمه الصادر في هذه
األمور مهما توصلت قناعته القضائية في خطأ األمور التي اشتملت عليها املادة املذكورة
بل يتم اتباع طرق الطعن التي يحددها املشرع ملثل تلك األحكام.
كما أن من القيود الواردة على القناعة القضائية ما يتعلق بالشهادة وقد نصت
املادة /789أ من قانون أصول املحاكمات الجزائية العراقي على نصاب الشهادة بقولها:
"ال تكفي الشهادة الواحدة مهما اطمأنت إليها قناعة املحكمة فال يجوز إصدار الحكم
بناء عليها.
املبحث الثالث
في هذا املبحث نتناول ألدلة االثبات في الدعوى الجزائية ونعرض في هذا املبحث
ملبدأ االقتناع الذاتي ونتعرض ألدلة اإلثبات ونعرض ألدلة االثبات على النحو التالي:
أوال :االعتراف:
االعتراف هو اإلقرار من قبل املتهم على نفسه بالتهمة التي أسندت إليه ،لذلك فال
يعتبر هذا اعتراف ملا يسلم به املحامي عن موكله ،كما أنه ال يعد اعتراف للمتهم على
شركائه كما أنه ليس سوى استدالل ،كما أنه ال يجوز أن يحلف املتهم اليمين فاملبادئ
الراسخة في التشريع الجنائي أن املشتكى عليه ال يجوز أن يحلف اليمين بأي حال من
األحوال حتى ولو لم يكن يحاكم أمام املحكمة نفسها الختالف االختصاص الشخص ي،
وقد ورد هذا الحظر في بعض التشريعات منها قانون اإلجراءات واملحاكمات الجزائية
التشريعات لم تنص عليه ،وقد اجاز املشرع العراقي للمحكمة اذا تبين لها ان االعتراف
سليم مما يشوبه وان املتهم يقدر نتائج االعتراف أن تأخذ به وحده في االدانة من دون
الحاجة الى ادلة اخرى وفي جميع الجرائم ما عدا املعاقب عليها باإلعدام .
412
واالعتراف بكامله يخضع لقناعة املحكمة ،فيجب على املحكمة أن تستمع العتراف
410
411
111 412
ويعتبر االعتراف دليال كامال وكافيا إلصدار الحكم متى اقتنعت به املحكمة ،وليس
بالزم أن يؤيد بأدلة أخرى ،وأن الباحث ال يتفق مع بعض الفقه الذي يرى أنه ال يجوز
أن يتم االكتفاء باالعتراف فقط ،وذلك استنادا إلى الحجج التالية:
كما أن االجتهاد القضائي يتفق مع رأي الباحث وهذا ما استقر عليه اجتهاد محكمة
التمييز املوقرة (-١ملحكمة املوضوع االكتفاء باعتراف املتهم بالتهمة املسندة إليه ،عمال
بأحكام املادة ( )7/787من قانون أصول املحاكمات الجزائية ،وال يرد االحتجاج بعدم
دعوة الشهود ،ألن االعتراف بينة قانونية وقد قنعت بها املحكمة) .
413
وهذا ما أكدته محكمة النقض املصرية ،أيضا( :من الجائز أن يكون االعتراف
أن رفض االعتراف يعني إطالة أمد النزاع في قضايا قد تكون واضحة وال لبس فيها،
مما يعد إرهاقا للمحاكم بسماع بينات النيابة وبينات الدفاع والذي يأخذ وقتا طويال.
أن رفض األخذ باالعتراف يضر املتهم نفسه وال يصب في مصلحته دائما ،حيث إن
1 413
414
إن رفض األخذ باالعتراف قد يحرم املرأة من العذر املخفف القانوني الوارد في
املادة ( )7/82عقوبات أردني ،والذي يستبدل عقوبة اإلعدام للمرأة الحامل باألشغال
415
الشاقة املؤبدة ،حيث إن إطالة أمد القضية سوف يؤدي إلى والدة املرأة قبل صدور
إن رفض األخذ باالعتراف سوف يؤخر استفادة املتهم من نظام إعادة االعتبار سواء
في الجنايات أو الجنح ،ذلك أن مدة التجربة أو االختبار التي يتطلبها القانون ال تبدأ إال
من لحظة انتهاء تنفيذ العقوبة أو سقوطها ،وال شك أن مدة املحاكمة سوف تضاف إلى
فترة العقوبة.
إن رفض االكتفاء باالعتراف قد يفوت على املتهم االستفادة من العفو الخاص،
حيث إن العفو الخاص ال يطال إال من صدر بحقه حكم مكتسب الدرجة القطعية.
إال أن الباحث يرى أنه وان كان هذا هو القاعدة العامة إال أنه يمكن أن يقرر
استثناء خاص بالنسبة للجرائم املعاقب عليها باإلعدام ،فيرى الباحث أنه يجب أال يأخذ
باالعتراف فقط بل يجب سماع األدلة وذلك لخطورة هذه العقوبة وجسامتها.
ثانيا :الشهادة:
الشهادة تعتبر أحد أهم وسائل اإلثبات املباشرة ،حيث أنها عيون العدالة وأذانها،
بل إنها هي الوسيلة الطبيعة الخاصة بإثبات الدعوى الجزائية ،والشهادة هي :رواية
415
شخص عما أدركه بإحدى حواسه املختلفة عن واقعة معينة ،ومما يالحظ أن قانون
العقوبات األردني وقانون أصول املحاكمات الجزائية العراقي أنهما لم يقوما بوضع قيود
على الشهادة من حيث سوابق الشاهد أو من حيث سلوكه ،وترك األمر له على إطالقه
وهذا بال شك على العكس من موقف املشرع املصري ،فقانون العقوبات املصري في
املادة ( )72يحرم كل من حكم بعقوبة جنائية خالل مدة العقوبة من أداء الشهادة فقط
إال على سبيل االستدالل ،وهو ما نص عليه ايضا قانون العقوبات الفرنس ي في املادة
(. )٢ / ٢٢
416
لم يتطلب قانون أصول املحاكمات الجزائية العراقي عدد معين في الشهادة ،
417
فالشهادة الفردية تكون مقبولة أمام املحكمة ومن املمكن الحكم على أساسها في حال
إذا ما اقتنعت بها املحكمة ،وهذا هو ما قد استقر عليه اجتهاد محكمة التمييز املصرية
وذلك في العديد من أحكامها ،وملحكمة املوضوع أن تؤسس قناعتها على أي بينة قانونية
تقدم في الدعوى ،سواء كانت شهادة فردية أو غيرها ،مع مالحظة أن بعض قوانين
األصول الجزائية تتطلب أكثر من شاهد إلثبات الدعوى الجزائية ،كما هو الحال في
قانون أصول املحاكمات العراقي املادة / ٤١٢ب ،والقوانين األملانية والبرتغال والنمسا
وهولندا .
418
416
665 417
418
ثالثا :الخبرة :حيث تعرف الخبرة على أنها إبداء رأي فني من شخص مختص فنيا،
في شأن واقعة ذات أهمية في الدعوى الجزائية ،والخبرة تخضع باعتبارها نوع من
البينات في تقدير قيمتها واالستناد إليها في الحكم لصالحية محكمة املوضوع ،وذلك
يستلزم ألن تكون الخبرة متفقة مع القانون ،وبناء على ذلك فيكون ملحكمه التمييز أن
تنقضها في حال مخالفتها للقانون ،وال بد أن تكون الخبرة الجديدة مساوية للخبرة
السابقة أو أقوى منها ،بالتالي فإذا تكونت الخبرة األولى من خبير واحد فالخبرة الثانية ال
بد وأن تكون ثالثية ،وإذا كانت األولى ثالثية فالثانية تكون خماسية وهكذا ،وبالتالي ال
يجوز أن تطرح املحكمة الخبرة لتناقضها مع اعتراف املتهم أو أقوال الشهود .
419
وقد نص القانون العراقي في املادة ( )73منه على موضوع الخبير بقولها( :يجوز
للقاض ي او املحقق من تلقاء نفسه او بناء على طلب الخصوم ان يندب خبيرا……) ،أن
طلب تعيين خبير هو طريق من طرق الدفاع املباحة للخصوم ،والتي ال يجوز حرمانهم
من االنتفاع به ،كما أنه( :من الطلبات الهامة لتعلقه بتحقيق الدعوى وإلظهار وجه
الحق فيها ،فاذا لم تر املحكمة اجابته لعدم حاجة الدعوى اليه وجب الرد عليه في
الحكم بما يبرر رفضه ،فإذا هي لم تفعل كان حكمها معيبا لقصوره في البيان) .
420
419
5 51 566 1921 59 420
.339
أوال :القرائن:
والقرائن عبارة عن الصلة الضرورية التي ينشئها القانون بين مجموعة من الوقائع
املعينة ،أو هي عبارة عن النتيجة التي يتحتم على القاض ي أن يستخلصها من واقعة
معينة وهي عبارة عن استنباط واقعة مجهولة من واقعة معلومة ،421كما أن هذا
التعريف يجمع بين القرائن القانونية وكذا القضائية كما أنها تكون قانونية إذا ما نص
عليها القانون ،وأما تلك القضائية فهي تلك التي يستنبطها القاض ي من خالل ظروف
الدعوى ،كما أن القرينة القانونية من املمكن أن تكون قاطعة وهي ال تقبل إثبات
العكس ،كسن التمييز سبع سنوات ،فهذه قرينة قانونية قاطعة على انعدام التمييز ملن
هو دون السابعة إال أن هناك قرائن قانونية تقبل إثبات العكس ،كما هو الحال في أن
من يحلف اليمين يجب أن يبلغ خمسة عشر عاما ،فيجوز للمحكمة تحليف من لم يبلغ
خمسة عشر عاما إذا رأت أنه يدرك كنه اليمين ،422وهذا النوع من القرائن يجري عليه
وأما ما يخص القرائن القضائية فنجد أنها ال تصلح ألن تكون أدلة كاملة ،وهي من
املمكن أن يتم إثبات عكسها واعتمادها باعتبارها دليل كامل مرهون بقيدين .
423
421
422
423
أن يكون االستنتاج على سبيل الجزم واليقين وليس على الشك والتخمين.
املحكمة في الدعوى بناء على اقتناعها الذي تكون لديها من األدلة املقدمة في أي دور
من أدوار التحقيق أو املحاكمة ومنها-2 :والقرائن واألدلة األخرى املقررة قانونا.
وهذا الدليل هو عبارة عن ورقة تحمل بيانات في شأن واقعة لها أهمية في إثبات
ارتكاب وقوع الجريمة ونسبتها للمتهم كما أن الدليل الكتابي من املمكن أن يكون جسم
الجريمة مثل ورقة النقد املزيف ،وقد يكون مجرد دليل على الجريمة مثل االعتراف
الخطي وقد يجمع بين الصفتين معا مثل ورقة الشيك الذي ال يقابله رصيد ،والقاعدة
العامة في إثبات الدعوى الجزائية أن جميع األدلة سواء أكانت كتابية أم غيرها تخضع
لتقدير القاض ي الجزائي ،ودون فرق بين املحررات العرفية والرسمية ،فال يتقيد القاض ي
الجزائي بما جاء في قانون البينات من أن املحررات الرسمية املنظمة حجة على الناس
كافة بما دون فيها من أفعال مادية قام بها املوظف العام في حدود اختصاصه ،أو وقعت
من ذوي الشأن في حضوره ،وذلك ما لم يتبين تزويرها بالطرق املقررة قانونا ،424ولم
ينص قانون اصول املحاكمات الجزائية العراقي عليه إال أنه موجود في قانون االثبات
424
والقانون املدني وأحكام التمييز ،في املادة 438من القانون املدني واملادة ( )81من قانون
االثبات العراقي التي نصت على أنه( :يجوز ان يثبت بجميع طرق االثبات ما كان اثباته
بالكتابة في حالتين اوال :اذا فقد السند الكتابي بسبب ال دخل إلرادة صاحبه فيه .ثانيا:
اذا وجد مانع ادبي او مادي حال دون الحصول على دليل كتابي) .425
فال يجوز اثبات ما يخالف الدليل الكتابي اال بمثله ولو كان بين الطرفين مانع
ادبي ،مطالبة املدعي للمدعي عليه بثمن املصوغات الذهبية البالغة ( )100دينار ينبغي
اثباته بالبينة التحريرية استنادا ألحكام قانون االثبات؛ اذا رافقت انشاء الدليل الكتابي
غش أو تدليس فيجوز للخصم أن يثبت خالف هذا الدليل بكافة طرق االثبات بما فيها
الشهادة والقرائن".426
5 425
.121 1936
.15 1911
خاتمة:
من خالل البحث في حرية القاض ي باالقتناع والسلطة التقديرية للقاض ي الجنائي
في تمحيص األدلة تبين أن املشرع العربي قد عالج موضوع األخذ باألدلة في عملية عقلية
منطقية تتلمس الحقيقة وتسعى إلى تحقيق العدالة بعيدا عن استبداد القضاة
وتحكمهم املطلق ،وبعيدا عن منحهم الحرية املطلقة في األخذ باألدلة التي تقع تحت
أيديهم دون رقابة أو إشراف ،ونخلص إلى أن الحقيقة القضائية ال تدرك بشكل مباشر،
بل يتم التوصل إليها من خالل تدقيق وتمحيص أدلة اإلثبات ،فهي ليست ش يء مطلق
ولكنها نشاط ذهني موضوعي ،ولذلك فالحقيقة التي يعلنها الحكم الجنائي ال يلزم دوما
أن تكون هي ذاتها الحقيقة املطلقة فهي نسبية ،كما أن عملية تكوين القناعة تستلزم
االستدالل الدقيق والحذر لوقائع الدعوى وظروفها املحيطة من قبل القاض ي الجنائي
الذي يجب أن يكون على قدر عال من اإلدراك والدقة والتروي والذكاء واملنطق السليم
واملنهجية املنتظمة فالقناعة القضائية هي املرتكز التي تقوم عليه سلطته التقديرية في
مجال تقدير األدلة ،فهي عنوان الحقيقة ومحل ثقة الخصوم والكافة طاملا أحيطت
بالضمانات الكافية ،ويمكن أن نعرض ألهم النتائج والتوصيات على النحو التالي:
أوال :النتائج:
.8ال يجوز للقاض ي أن يحكم بناء على معلوماته الشخصية أو بناء على ما رآه أو
سمعه بنفسه.
.7ال يسوغ تقدير الدليل دون مناقشته وتمحيصه ومواجهة الخصوم به.
.9ال يجوز أن يؤسس اقتناع قاض ي املوضوع على استنتاج سيئ ينطوي على
.4ال يجوز االعتماد على األدلة التي ثارت حولها الشك في إصدار األحكام وال على
.2للقاض ي أن يأخذ بالدليل الذي يرتاح إليه ضميره ووجدانه وأن يطرح جانبا
الدليل الذي ال يرتاح إليه ،كما أن للقاض ي أن يستعين باألمور العلمية والفنية في مجال
كشف الحقيقة.
.7ال بد من تحديد مفهوم سلطة القاض ي الجنائي في تقدير األدلة بطريقة عقلية
ومنطقية للوصول إلى الحقيقة ،وإتاحة الفرصة للقضاة بممارسة سلطتهم التقديرية
ثانيا :التوصيات:
.8إلزام القضاة بتعليل األحكام الصادرة منهم وبيان األسباب التي أدت لذلك.
.7يلزم ابراز القدرة الفائقة للمبادئ الت يرسيها قضاة املحكمة خاصة محكمة
.9منح القضاة سلطة واسعة في وزن األدلة والتنسيق فيما بينها ،واستخالص
.4حتى يكون اقتناع القاض ي يقينيا عليه أن يستمد اقتناعه من أدلة لها أصل في
األوراق ،وأن تطرح في جلسات الحكم وأن تتم مناقشتها من قبل الخصوم.
.2يلزم تشجيع القضاة على تأسيس أحكامهم على الجزم واليقين والعقل والدقة
املراجع واملصادر:
أحمد الخملبش ي ،شرح قانون املسطرة الجنائية ،الجزء الثاني ،الرباط ،مطبعة
حسام أحمد العطار ،تسبيب األحكام القضائية دراسة في قانون املرافعات املصري
والفرنس ي ،العدد الثاني ،الجزء الثاني ،السنة الثامنة والخمسون ،يوليو 7087م
عبد العزيز سهيل املحامي ،احكام القضاء العراقي على مواد القانون املدني ،ج،7
كامل السعيد ،شرح قانون أصول املحاكمات الجزائية ،مكتبة دار الثقافة عمان،
ط ٤١١١ ،٢م
منشأة املعارف
فاضل زيدان محمد ،سلطة القاض ي الجنائي في تقدير األدلة مكتبة دار الثقافة
حسن الجوخدار ،شرح قانون أصول املحاكمات الجزائية األردنية مكتبة دار
خالد حمد ،القناعة القضائية في مجال تقدير األدلة الجنائية ،مجلة البحثية
عدد7082 ،9
نبيل حميد البياتي ،تسبيب األحكام الجزائية في القانون العراقي ،رسالة ماجستير ،
مأمون محمد سالمة ،قانون اإلجراءات الجنائية معلقا عليه بالفقه وأحكام
مروك نصر الدين ،محاضرات في اإلثبات الجنائي ،الجزء األول ،دار هومة7009 ،م
محمد سعيد نمور ،أصول اإلجراءات الجزائية دار الثقافة عمان7002 ،
محمد الحلبي ،شرح قانون اإلجراءات الجزائية ،القدس ،دار الفكر7087 ،
محمد علي السالم عياد الحلبي ،حرية القاضية الجنائية في االقتناع الذاتي في
قوانين مصر واألردن والكويت ،مجلة الحقوق ،جامعة الكويت ،مجلس النشر
محمد عيد الغريب ،حرية القاض ي الجنائي في االقتناع اليقيني وأثره في تسبب
األحكام الجنائية ،دون طبعة ،الناشر دار النهضة العربية ،القاهرة7001 ،م
محمد علي الكيك ،أصول تسبيب األحكام الجنائية مطبعة اإلشعاع ط ١٧١١ ،١م
محمود نجيب حسني ،شرح قانون اإلجراءات الجنائية ،ط .دار النهضة العربية،
ط8311 ،8.م
محمود مصطفى ،شرح قانون اإلجراءات الجنائية ،دار النهضة العربية ،القاهرة ط
١٧١١ ١٤م
القوانين:
أحكام املحاكم:
نقص مصري 80 ،نوفمبر 8318م ،مجلة أحكام النقض ،سنة ،97رقم ،842ص129
القرار رقم /98هيأة عامة ثانية 8329/في ، 29- 4-2النشرة القضائية ،يصدرها
املكتب الفني في محكمة التمييز العراقية ،السنة الرابعة ،العدد الثاني ، 8329،
ص.97
على الصفحة ( ) ٤١٢٤من العدد ( ) 8من مجلة نقابة املحامين لسنة (.) ١٧٧٢
املغربي ،ابتداء من مقتضيات ظهير 81نونبر 8387باعتباره أول قانون مغربي أحدث بصفة
مبدئية حق املحامي في احتكار مهام النيابة أمام املحاكم 427وانتهاء بالقانون القانون رقم
واذا كان املشرع املغربي قد عامل قضايا التحفيظ معاملة خاصة منذ البدايات األولى
للقانون املنظم للمهنة ،فإن تحديد ماهية قضايا التحفيظ ضمن القضايا العقارية ،أي
تحديد القضايا التي تدخل في األحكام الخاصة به كانت بدورها محل تساؤل من طرف
427محمد بفقير /مدى خضوع قضايا التحفيظ العقاري لمبدأ وجوب تنصيب محام أمام القضاء /مؤلف دراسات قضائية
الجزء الثالث /ط 2003مطبعة النجاح الجديدة ص 45وما بعدها.
- 428الجريدة الرسمية عدد 5050بتاريخ 2ذو القعدة 0( 1422نوفمبر ،)2005ص .4044
الباحثين ،ملا لتحديد املقصود من عبارة التحفيظ العقاري من أثر على شمول أو قصر
نحاول في هذا البحث مقاربة املوضوع من زاويتين اثنتين ،نرى في األولى تطور
التشريع املنظم لهذه النقطة بخصوص املوقف من مبدأ اإللزامية ،ونرى في النقطة الثانية
تعامل القضاء مع التطور التشريعي وبيان املوقف منه على مستوى قضاء املوضوع وأيضا
الفقرة األولى :تطور موقف املشرع من إلزامية تنصيب املحامي في قضايا التحفيظ
العقاري.
نحاول في هذه النقطة مالمسة جانب من هذا اإلطار التشريعي من خالل التساؤل
عن مدى كفاية القانون املنظم للمهنة دون حاجة إلى فتح نوافذ قانونية أخرى يمكن من
خاللها استجالء موقف املشرع بشكل شمولي ،أم أن اتجاه املشرع نحو حذف االستثناء
الصريح من متن القانون املنظم للمهنة يستتبع القول بأن املشرع لم يفرد أية خصوصية
لقضايا التحفيظ العقاري ومن ثمة ال مجال للحديث عن استثنائها من عموم ما أطر به
باقي القضايا؟ ثم ماذا نقصد بقضايا التحفيظ العقاري التي أثير بشأنها الكثير من النقاش
قبل أن يحسم املشرع في تحديدها؟ وهل يمكن أن يكون هذا التحديد سببا للتعامل مع
كل القضايا التي تندرج ضمن التحديد القانوني لقضايا التحفيظ بنفس املنهج اإلجرائي،
وبالتالي سيسري على الواحدة منها ما يسري على جميع قضايا التحفيظ من دخولها في
أوال :تطور موقف قانون مهنة املحاماة من إلزامية تنصيب محامي في قضايا التحفيظ
القضايا الخاضعة ملبدأ تنصيب محام أمام املحاكم االبتدائية وكذا أمام محاكم
االستئناف ،وقد ورد فيها أن العرائض واملذكرات الدفاعية وبوجه عام جميع املستنتجات
الختامية في مختلف القضايا ماعدا القضايا الجنائية وقضايا التحفيظ العقاري املرفوعة
لدى املحاكم االبتدائية وأمام محاكم االستئناف ،فيقدمها وجوبا املحامي املقبول وحده
إلجراء املسطرة الكتابية ،هذا ما لم يرخص بصفة خاصة للخصم من طرف رئيس املحكمة
أو نائبه في إجراء املسطرة بنفسه إذا كان متوفرا على الكفاءة الالزمة أو بواسطة أحد
األشخاص املنصوص عليهم في الفقرة السابقة املتوفرة فيهم شروط الكفاءة .واستمر هذا
في املادة 94منه على أنه تقدم وجوبا بواسطة محام املقاالت واملذكرات الدفاعية بوجه
عام كل املستنتجات في جميع القضايا باستثناء القضايا الجنائية كلما كانت املسطرة
كتابية بمقتض ى القانون عدا إذا رخص للطرف بصفة خاصة بتتبع املسطرة بنفسه عند
توفره على الكفاءة الالزمة أو بواسطة أحد األشخاص املنصوص عليهم في الفصل 99من
قانون املسطرة املدنية املتوفرة فيه نفس الكفاءة .حيث أبقت على استثناء وحيد بخصوص
نوع القضايا الخارجة عن دائرة احتكارية املحامي ،إضافة إلى تأطير هذه الدائرة بالطبيعة
الكتابية للمسطرة ،بمعنى أنها استثنت قضايا التحفيظ من هذا االستثناء ،وبقيت
التعديالت الالحقة وفية لهذا التوجه بشأن عدم شمول قضايا التحفيظ باالستثناء من
احتكارية املحامي ،وهجرت كما سبق الحديث ع ذلك ربط االحتكارية بطبيعة املسطرة
فهل يعني ذلك أن املشرع كرس شمول قضايا التحفيظ العقاري بمبدأ إلزامية
تنصيب محامي أم أن التفاصيل التي تتضمنها مواد القانون املنظم للمهنة تجعل الفهم
يذهب إلى أن املشرع لم يغير موقفه بشان استثناء قضايا التحفيظ من دائرة اإللزام
نشير في البداية إلى أن تحرير املسألة يقتض ي البحث في مدى قابلية االنفتاح على
نوافذ قانونية أخرى لتأطير مبدأ اإللزامية أم يتعين الوقوف عند النص املنظم ملهنة
املحاماة دون تجاوزه إلى أي نص قانوني آخر ،ومن ثمة االنصياع لحكم القانون في هذا
الشأن.
ال شك أن مقارنة بين النصوص القانونية ستوضح أن اإلطار القانوني املنظم ملهنة
املحاماة يسمح في العديد من املناسبات باإلحالة على نصوص قانونية أخرى قد تكون
مكملة ملقتض ى القاعدة القانونية ،ومن ذلك مثال :ما نصت عليه املادة 97من قانون
مهنة املحاماة بخصوص استثناء بعض القضايا من مبدأ اإللزام وال سيما القضايا التي
تختص املحاكم االبتدائية بالنظر فيها ابتدائيا وانتهائيا ،فاملشرع في هذه املادة وضع نوعا
من أنواع القضايا دون بيان ملاهيتها حيث ترك نافذة أخرى من نوافذ القانون ،وقد تكون
نوافذ أخرى رديفة لقانون املسطرة املدنية هي من تحدد ماهية هذه القضايا .ومن ذلك
ما كان يتبناه املشرع من ربط بين إلزامية تنصيب املحامي واملسطرة الكتابية إلى غاية
املقاالت وغيرها من املكتوبات بواسطة محام ،كلما كانت املسطرة كتابية وفي جميع القضايا
باستثناء القضايا الجنائية ،ومعلوم أن تحديد طبيعة املسطرة يخرح عن اختصاص هذا
النص ،أضف إلى ذلك أن املادة الثانية في فقرتها األخيرة اعتبرت أن هذا النص هو بمثابة
الحد األدنى من الحقوق ،حين نصت على أنه مهنة املحاماة '' تمارس طبقا ملقتضيات هذا
القانون ،مع مراعاة الحقوق املكتسبة ''.ومن ثمة فإنه ال يسلم القول بأن قانون مهنة
املحاماة يحوز الكفاية الذاتية ،429بل ال بد من تكملته بقوانين إجرائية وأحيانا موضوعية
تحيل عليها نصوصه بشكل صريح أو أن تطبيق النص في حد ذاته متوقف على االستعانة
بها.
ومن ناحية أخرى نرى أن فرض إلزامية املحامي أو اإلعفاء منها يجد سنده أيضا
في نصوص أخرى غير النص املتعلق بتنظيم املهنة ،بمعنى أنه يتصور أن يشارك النص
املنظم ملهنة املحاماة نصوص أخرى تفرض أو تعفي من تنصيب املحامي ،وفي ذلك إمعان
في إفراغ النص من مرجعيته األساس ،بجعله أوال ال ينظم كل املسائل املتعلقة بتدخل
املحامي في القضايا ،ومن جهة أخرى يرخص لنصوص أجنبية عنه للتشريع بخصوص
مسائل هي من صميم اختصاصه ،أي أنه كما يقول علماء األصول غير جامع وال مانع،
429استعرنا هذه العبارة من القانون الصرفي للداللة على ان قانون مهنة المحاماة يجب ان يكون كافيا لوحده في تأطير
تدخل المحامي في القضايا ،اليحتاج الى نوافذ قانونية تكميلية ال باإلضافة وال باالنقاص.
ولنضرب على ذلك أمثلة من قبيل ما ينص عليه الفصل 924من ق م م الذي يتجاوز
طبيعة املسطرة وال يأخذ باالعتبار انتهائية األحكام ،والذي ورد فيه
ترفع طلبات النقض واإللغاء املشار إليها في الفصل السابق بواسطة مقال مكتوب
موقع عليه من طرف أحد املدافعين املقبولين للترافع أمام محكمة النقض.
يمكن للمحكمة عند عدم تقديم مقال أو تقديمه موقعا عليه من طرف طالب النقض
نفسه أو من طرف مدافع ال تتوفر فيه الشروط املقررة في الفقرة السابقة أن تشطب على
في حين نصت الفقرتان 4و 2من الفصل 924من قانون املسطرة املدنية (الجاري
"تعفى الدولة من مساعدة املحامي طالبة كانت أو مطلوبا ضدها وذلك خالفا
يوقع في هذه الحالة على مقاالتها ومذكراتها الوزير املعني باألمر أو موظف منتدب لهذا
القضايا"430. الغرض ويمكن أن يكون هذا االنتداب عاما يشمل نوعا من
كما نص الفصل 917من نفس القانون ينص على أنه يمكن لوزير العدل أن يأمر
الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بأن يحيل على هذه املحكمة بقصد إلغاء األحكام
( 430ظهير شريف بمثابة قانون رقم 1.24.442بتاريخ 11رمضان 25( 1324شتنبر )1224بالمصادقة على نص
قانون المسطرة المدنية؛ الجريدة الرسمية عدد 3230مكرر ،بتاريخ 13رمضان 30( 1324شتنبر ،)1224ص 2241
؛ كما تم تغييره وتتميمه).
التي قد يتجاوز فيها القضاة سلطاتهم .و يقع إدخال األطراف في الدعوى من طرف الوكيل
العام للملك الذي يحدد لهم أجال لتقديم مذكراتهم دون أن يكونوا ملزمين باالستعانة
بمحام.
و نص الفصل 929من ذات القانون على أنه ال يلزم أن يكون طلب .9
ودائما في نفس السياق ،نصت املادة 273من القانون رقم 77.08املتعلق باملسطرة
الجنائية:431
"تعفى من مؤازرة املحامي كل من النيابة العامة والدولة سواء كانتا مدعيتين أو مدعى
عليهما.
يتولى التوقيع على مذكرات الدولة عند عدم التجائها إلى محام ،الوزير الذي يعنيه
ونص الفصل 720من مدونة الجمارك املتعلق بتمثيل إدارة الجمارك والضرائب غير
املباشرة بجلسات املحاكم في إطار متابعة األفعال املخالفة للقوانين واألنظمة الجمركية:
431الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.02.255بتاريخ 25من رجب 3( 1423أكتوبر )2002؛ الجريدة الرسمية
عدد 5025بتاريخ 22ذي القعدة 30( 1423يناير ،)2003ص 315؛ كما تم تغييره وتتميمه
"يمكن أن تعين اإلدارة من يمثلها في الجلسة ،ويعرض ممثلها القضية على املحكمة
طلباتها"432. ويودع
فمن خالل ما تقدم يبرز بجالء توجه املشرع إزاء مسألة احتكارية النص املنظم
ملهنة املحاماة ،للتشريع بخصوص تدخل املحامي في القضايا ،وان كانت اإلرادة تتجه إلى
تكريس مبدأ الكفاية الذاتية لقانون املحاماة ،وال أدل على ذلك من استغنائه عن الربط
العضوي بن ضرورة تنصيب املحامي وطبيعة املسطرة الكتابية 433إلى انفتاح املشرع عن
نوافذ قانونية أخرى يجعل من هذه اإلرادة غير عاملة في الوقت الراهن.
ال شك أن قضايا التحفيظ العقاري تندرج ضمن القضايا العقارية العتبار موضوعها
الذي هو العقار ،لكن مفهوم قضايا التحفيظ لم يكن محل اتفاق بين الباحثين بالنظر ملا
عرفه القانون املغربي من تعامل خاص مع قضايا التحفيظ سواء بالنص على قوانين
خاصة من تعني بمسطرة تحفيظ العقارات ،أو بالنص على وضعه ضمن حاالت االستثناء
من األصل العام عند تنظيمه مجاال من املجاالت ،وذلك كما هو الحال بالنسبة ألثر الطعن
ال يوقف الطعن أمام محكمة النقض التنفيذ إال في األحوال اآلتية:
( 432ظهير شريف بمثابة قانون رقم 1.22.332بتاريخ 25شوال 2( 1322أكتوبر )1222يصادق بموجبه على
مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة الراجعة إلدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة؛ الجريدة الرسمية عدد 3352
مكرر بتاريخ 22شوال 13( 1322أكتوبر ،)1222ص 2252؛ كما تم تغييره وتتميمه).
433انظر ما تم تفصيله أعاله.
- 9التحفيظ العقاري.
يمكن عالوة على ذلك للمحكمة بطلب صريح من رافع الدعوى وبصفة استثنائية أن
تأمر بإيقاف تنفيذ القرارات واألحكام الصادرة في القضايا اإلدارية ومقررات السلطات
عالوة على أن املشرع استثنى بشكل صريح قضايا التحفيظ من عموم حكم اإللزام،
وقد سبقت اإلشارة إلى أن املشرع استثنى هذا النوع من القضايا بنص صريح من الخضوع
لشرط تنصيب املحامي أمام محكمتي أول درجة وثاني درجة ،وذلك بمقتض ى املادة 77فق
4من ظهير 8374/08/80كما وقع تغييره بالظهير املؤرخ في 8320/07/80بعد أن كان ظهير
81نونبر 8387أول قانون مغربي أحدث بصفة مبدئية حق املحامي في احتكار مهام النيابة
أمام املحاكم 435.وحافظ ظهير 8374/08/80على مبدأ االحتكارية في مجال النيابة لفائدة
املحامي ،والى غاية تعديل 02يونيو 8323وذلك عندما نص املشرع في املادة 94منه على
أنه تقدم وجوبا بواسطة محام املقاالت واملذكرات الدفاعية بوجه عام كل املستنتجات في
جميع القضايا باستثناء القضايا الجنائية كلما كانت املسطرة كتابية ،حيث لم يعد لقضايا
- 434نسخت الفقرة األخيرة من الفصل 301أعاله ،بمقتضى المادة األولى من القانون رقم 04.52الصادر األمر بتنفيذه
بمقتضى الظهير الشريف رقم 1.52.10بتاريخ 22من ربيع األول 10( 1414شتنبر ،)1223الجريدة الرسمية عدد
4225بتاريخ 4جمادى األولى 20( 1414أكتوبر ،)1223ص .2032
435435محمد بفقير/مدى إلزامية تنصيب محام |أمام المحاكم االبتدائية/دراسات قضائية ج 5ط /2000 – 1مطبعة النجاح
الجديدة /ص.50
التحفيظ أي امتياز يذكر ،وبالتالي لم تعد تخرج عن مبدأ اإللزام .على األقل بالنسبة لهذا
القانون ،ما يدفعها إلى التساؤل عن مفهوم قضايا التحفيظ لتحديد ماهية القضايا التي
لقد وقع التساؤل من طرف املهنيين حول املقصود من عبارة التحفيظ العقاري
اثنين436: بمناسبة البحث في أثر الفصل 978من ق م م .وانقسم إلى اتجاهين
-االتجاه األول :يفسر هذه العبارة تفسيرا ضيقا ،ويقض ي بأن هذه العبارة تشمل
العقارات التي توجد في طور التحفيظ ليس إال .وقد أعطى املجلس األعلى
(محكمة النقض حاليا) هذا املفهوم في قرار له 437حيث ذهب إلى أن املقصود
فيها إلى وقف التنفيذ هي مجموع اإلجراءات التي يقام بالنسبة مللك غير محفظ
وتنتهي بإنشاء الصك العقاري له .وهذا التوجه في نظرنا ينطلق من اإلطار
التشريعي الذي يعنى بإجراءات تحفيظ العقار اإلدارية والقضائية حتى يصبح
داخال في نظام التحفيظ العقاري ،وما يعضد هذا الطرح هو أن املشرع نفسه
قبل التعديل األخير الذي عرفه ظهير التحفيظ العقاري والذي كان متزامنا
باملناسبة مع تشريع آخر هو التشريع املطبق على العقارات املحفظة ،438ميز بين
ظهير التحفيظ العقاري وأعطاه هذا الوصف ،وبين التشريع املطبق على
العقارات املحفظة .بحيث جعل فاصال بين ما يعتبره تحفيظ ،وما يخالفه من
تنظيم للتصرفات والوقائع التي تتعلق بالعقارات املحفظة ،تماما كما أحال
بمقتض ى هذا التشريع املذكور أخيرا على قواعد الشريعة اإلسالمية فيما يرجع
إلى الوقائع والتصرفات الواردة على العقارات غير املحفظة .ومن ثمة فالتشريع
نفسه ميز بين قانون التحفيظ العقاري الذي يطبق حصرا على مساطر نقل
العقار من الوضع العادي إلى وضع العقار املحفظ وما يرافق ذلك من مساطر
إدارية وقضائية .وان كان ينظم في جزء منه إشهار الحقوق العينية العقارية
املقامة على العقارات املحفظة وتسجيلها في السجالت العقارية ،فإنه أكد على
أن املقصود بالتحفيظ جعل العقار املحفظ خاضعا لنظام هذا الظهير من غير
أن يكون في اإلمكان إخراجه منه فيما بعد 439.قبل أن يطور املشرع موقفه من
-االتجاه الثاني :يفسر هذه العبارة تفسيرا موسعا يشمل كل القضايا املتعلقة
بالتحفيظ ،سواء تعلق األمر بعقار في طور التحفيظ ،أو بعقار انتهت بشأنه
مسطرة التحفيظ ،وسنده أن ظهير التحفيظ العقاري ،هو قانون واحد ال يعرف
439الفصل األول من ظهير التحفيظ العقاري بتاريخ 2رمضان 12( 1331غشت )1213بشأن التحفيظ العقاري.
- 440الظهير الشريف الصادر في 2رمضان 12( 1331أغسطس )1213المتعلق بالتحفيظ العقاري كما وقع تغييره
وتتميمه بالقانون رقم 14.02الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.122في 25من ذي الحجة 22( 1432نوفمبر
)2011المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5225بتاريخ 22ذو الحجة 24( 1432نوفمبر ،)2011ص .5525
آثار تختلف في تقييد التصرفات والحقوق عنها بالنسبة للتحفيظ الذي أحاطه
بقاعدة عدم جواز الرجوع في طلب التحفيظ ،وبقاعدة التطهير وببطالن العقود
إلى غير ذلك من اآلثار القوية والحاسمة في تثبيت الحق .أما آثار التقييد فلم
يحطها إال بحجية نسبية قابلة إلثبات العكس وفق القواعد العادية لإلثبات
دون أن تكون مشمولة بقاعدة التطهير .وكل ذلك مضمن في نص واحد .ما يؤكد
شمولية مفهوم التحفيظ العقاري .ولعل تطور موقف املشرع املغربي يتجه
صوب هذا الرأي ،حيث انه حدد طبيعة التحفيظ والغرض منه 441بمقتض ى
الفصل 8من ظهير التحفيظ العقاري بعد تعديله بمقتض ى القانون رقم 84.02
الذي نص على أنه يرمي التحفيظ إلى جعل العقار املحفظ خاضعا للنظام املقرر
في هذا القانون من غير أن يكون في اإلمكان إخراجه منه فيما بعد ويقصد منه:
-تحفيظ العقار بعد إجراء مسطرة للتطهير يترتب عنها تأسيس رسم عقاري وبطالن
ما عداه من الرسوم ،وتطهير امللك من جميع الحقوق السالفة غير املضمنة به؛
-تقييد كل التصرفات والوقائع الرامية إلى تأسيس أو نقل أو تغيير أو إقرار أو إسقاط
الحقوق العينية أو التحمالت املتعلقة بامللك ،في الرسم العقاري املؤسس له.
- 441تم تغيير وتتميم أحكام الفصول 1و 0و 5من الباب األول أعاله بمقتضى المادة األولى من القانون رقم ،14.02
سالف الذكر.
ما يدل على أن كل التصرفات واملنازعات املتعلقة بها أو بوقائع قانونية متعلقة بعقار
محفظ أو في طور التحفيظ إال وتندرج ضمن املفهوم الشمولي لقضايا التحفيظ العقاري.
ما سيثير التساؤل عن أثر هذا التحول على عمل القضاء بخصوص مبدأ إلزامية تنصيب
محامي في قضايا التحفيظ العقاري ،ال سيما إذا ما اعتبرنا أن القانون املنظم ملهنة املحاماة
ليس بالقانون الجامع املانع لهذا اإللزام ،فهل عرف العمل القضائي بدوره تحوال بخصوص
هذه النقطة ،أم أنه ظل ثابتا على املوقف الذي اتخذه قبل تعديل 8323الذي فصلنا فيه
أعاله.
الفقرة الثانية :تعامل القضاء مع تطور موقف املشرع من إلزامية تنصيب املحامي
نحاول الجواب في هذه النقطة عن السؤال التالي :ما مدى إلزام شرط تنصيب محام
في قضايا التحفيظ ،أي هل يمكن لطالب التحفيظ أو املتعرض أن يرافع شخصيا دون
االستعانة بمحام؟
تبعا لعدم كفاية القانون املنظم ملهنة املحاماة في تأطير هذه املسألة ،فإن ضرورة
اتخاذ موقف يضمن األمن القضائي والثبات الذي هو شرط أصيل في تحقيقه ،جعلت
القضاء يقارب هذا اإلشكال من خالل نوافذ قانونية مختلفة .وهي إضافة إلى قانون املهنة،
ظهير التحفيز العقاري كقانون إجرائي خاص ،ثم قانون املسطرة املدنية كمرجع إجرائي في
فمن خالل ما نص عليه املشرع في الفصول 92و 92و 47من ظهير التحفيظ
العقاري ال نجد ما يشير إلى إلزام من ذكر بتنصيب محام عنهما من جهة ،ومن جهة أخرى
نسجل ما انتهى إليه املشرع في القانون املنظم ملهنة املحاماة من ضرورة تقديم املقاالت
واملذكرات بواسطة محام 442ما يجعل هذه املقتضيات متناقضة فيما بينها ،وال يقف األمر
عند هذا الحد ،إذا ما ستحضرنا مقتضيات قانون املسطرة املدنية التي توجب تقديم
العرائض واملذكرات من طرف محام متوفرة فيه شروط معينة عند الطعن بالنقض .لذلك
كان على القضاء أن يتخذ موقفا من هذه الحزمة القانونية وهو ما سنسلط عليه الضوء
انطالقا من التمييز بين قضاء املوضوع ممثال في محكمة أول درجة ومحكمة االستئناف،
وقضاء القانون ممثال في محكمة النقض من خالل نقطتين كاآلتي :أوال :شرط تمثيل
األطراف بواسطة محام أمام محاكم املوضوع .ثانيا :شرط تمثيل األطراف بواسطة محام
ينص الفصل 92من ظهير التحفيظ العقاري على أنه عندما يرى القاض ي املقرر
أن القضية قد أصبحت جاهزة يخبر األطراف بيوم الجلسة العلنية التي ستعرض فيها
وذلك قبل موعدها بثمانية أيام على األقل بعد التوصل باالستدعاء .كما أن الفصل 92
من نفس القانون يقرر عند افتتاح املناقشات ...االستماع إلى األطراف ويقدم ممثل النيابة
العامة إن اقتض ى الحال مستنتجاته ،ثم يفصل في القضية إما في الحين وإما بعد املداولة.
وفي نفس السياق ينص الفصل 47من ظهير التحفيظ العقاري على أنه بمجرد توصل
كتابة الضبط لدى محكمة االستئناف بامللف ،يعين الرئيس األول مستشارا مقررا وينذر
هذا األخير املستأنف باإلدالء بأسباب استئنافه ووسائل دفاعه خالل أجل ال يتعدى خمسة
عشر يوما ،ثم يستدعي األطراف املعنية باألمر لالطالع على ما أدلى به املستأنف إلبداء
منازعاتهم ووسائل دفاعهم في أجل آخر مماثل .ومن ذلك فإن نصوص ظهير التحفيظ
العقاري تخاطب األطراف شخصيا دون ذكر لتمثيل ،ومنه أيضا أن للمستأنف تقديم
أسباب االستئناف بشكل شخص ي ودون حاجة إلى تنصيب محام حيادا عن الشرط
املنصوص عليه باملادة 94من قانون املحاماة .والذي ال يطبق من خالل ما ذكر على قضايا
التحفيظ ،وهذا ما كرسته محكمة النقض (املجلس األعلى) في عدة قرارات لها منها القرار
املؤرخ في 1ابريل 8337الذي جاء فيه :أن وضع املقاالت واملذكرات من طرف املحامين أو
من الخصم شريطة السماح له بإجراء املسطرة بنفسه ،إنما يكون في املسطرة التي يوجب
القانون أن تكون كتابية أو تتم بواسطة العرائض واملذكرات ،وان املسطرة في نطاق
التحفيظ العقاري ،ال يجب أن تكون كتابية ولو حتى أمام محكمة االستئناف وذلك حسب
ما يستفاد من الفصل 47من الظهير املذكور ،ولذلك فإن تطبيق الفصل 94من قانون
غير محله443 املحاماة في
443ملف مدني عدد 52/1401منشور بندوة ثمانين سنة من التحفيظ ص 12ذكرته كنزة الريكوش /االجراءات
المسطرية لدعوى التعرض على مطلب التحفيظ ،رسالة ماستر /نوقشت بكلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية
بمراكش /السنة الجامعية 2002ـ 2010ص .15
وفي نفس السياق ذهبت نفس املحكمة إلى أن الفصل 42من قانون املسطرة املدنية
ال يطبق على قضايا التحفيظ العقاري ،وتبقى املسطرة فيها شفوية ،وقد أجابت عن هذا
الوضع املحكمة بقولها :إن قضايا التحفيظ ال تدخل ضمن القضايا املدنية فإن تعليلها
يبقى صحيحا 444ومن ثمة فإن تنصيب املحامي ليس إلزاميا في قضايا التحفيظ العقاري،
فللخصوم مباشرة املسطرة شخصيا في قضاياهم والدفاع فيها عن أنفسهم دون إجبارهم
املحامي445. على تنصيب
واملالحظ في هذا اإلطار أن القضاء املغربي الزال متشبثا بفكرة ارتباط إلزامية تنصيب
محامي من جهة ،وطبيعة املسطرة الكتابية من جهة ثانية ،فكون املسطرة في قضايا
التحفيظ شفوية وليست كتابية معان هان األطرف معفون من تنصيب محامي ،وهذا في
حد ذاته خلط بين مؤسسات حسم املشرع نفسه فيه ،حينما اختار عدم ربط إلزامية
إلى وجوب تنصيب محام في قضايا الباحثين446 وفي هذا السياق يذهب بعض
القضايا غير الخاضعة ملبدأ وجوب تنصيب محام أمام القضاء ال يمكن أن يفهم
444قرار عدد 2105صادر عن محكمة النقض (المجلس األعلى) بتاريخ 1220/10/24ملف مدني عدد 52/1532
نفس المرجع ص 10
445عمر أزوكار /م س /ص .102
-446محمد بفقير ،مدى خضوع قضايا التحفيظ العقاري لمبدأ وجوب تنصيب محام أمام القضاء ،م س ,ص 45و ما
بعدها.
املحاماة447. منه إال إصرار املشرع على إخضاعها ملقتضيات املادة 97من قانون
-إن مقتضيات املادة 98من قانون املحاماة ،لم تسمح بإعمال مقتضيات خاصة
عند التعارض ،كان ينص صراحة على العبارة اآلتية'':ما لم تنص مقتضيات
قانونية خاصة خالف ذلك ''.مما يستفاد من ذلك أنه ينسخ ضمنيا جميع
الفقرة األولى من املادة 98من قانون املحاماة تعتبر مقتضيات قانونية إجرائية
خاصة بمبدأ تنصيب محام أمام القضاء .وبالتالي فهي قواعد إجرائية أخص
من القواعد اإلجرائية الخاصة الواردة في ظهير التحفيظ العقاري فيما يخص
املبدأ املذكور.
-إذا كانت مقتضيات املواد 47 ،92 ،92من قانون التحفيظ العقاري ،لم تنص
صراحة على عدم خضوع قضايا التحفيظ العقاري ملبدأ تنصيب محام أمام
القضاء .ولم تلزم املتقاض ي بمتابعة قضيته شخصيا أمام محكمة التحفيظ
العقاري ،بل إن ما جاء فيها تعتبر صياغة عرضية لم يتوخى منها املشرع املغربي
ترتيب أي أثر قانوني من هذا القبيل .وبالتالي يمكن القول بأنه ليس هناك أي
447نشير إلى أن المادة المتحدث عنها تحدد األشخاص المخول لهم في إطار تمثيل األطراف تقديم المقاالت والمذكرات.
-إن شكليات وطريقة إحالة قضايا التعرض على التحفيظ العقاري من طرف
املحافظ على املحكمة وفقا للمادة 72من قانون التحفيظ العقاري املؤرخ في
87غشت 8389بعد توليه تيهئ امللف وإعداده .ال يمنع خضوع هذه القضايا
ملبدأ تنصيب محام أمام القضاء ،إذ يجب إنذار األطراف بذلك وان لم يكونوا
هم أنفسهم من قيدوا املقال أمام املحكمة كما هو الشأن في باقي القضايا التي
-إن القول ولو بشكل مجرد بخضوع قضايا التحفيظ العقاري ملبدأ تنصيب محام
أمام قضاء التحفيظ العقاري ،يعتبر إيجابيا على أكثر من مستوى ،فهو في
مصلحة املتقاض ي نظرا لتعقيدات املساطر العقارية بصفة عامة .وفي مصلحة
وهذه املبررات على وجاهتها ال تسلم من املالحظات التي يمكن أن تبرر موقف القضاء
املتمسك بعدم إلزام طرفي دعوى التحفيظ بتنصيب محام ،ومن ذلك:
أن صالحية املحكمة في قضايا التحفيظ منحصرة طبقا للفصل 92من ظهير
التحفيظ العقاري في الشق املوضوعي منها ،حيث تبت في وجود الحق املدعى به من قبل
املتعرضين وطبيعته ومشتمالته ونطاقه ،وتحيل األطراف للعمل بقرارها ،بعد اكتساب
الحكم قوة الش يء املقض ي به ،على املحافظ على األمالك العقارية الذي له وحده النظر في
قبول أو رفض مطلب التحفيظ كال أو بعضا مع االحتفاظ بحق الطعن املنصوص عليه في
صحة التعرض :إذا كان التعرض مؤسسا على حجج مثبتة للحق ،سواء أتعلقت بكامل
الوعاء العقاري حيث تحكم بصحة التعرض كليا ،أو فقط في حدود منه فتحكم بصحة
عدم صحة التعرض :إذا لم يثبت املتعرض صحة ادعائه أو رجحت حجة طالب
و الجدير بالتنويه أيضا أنه ليس من صالحيات املحكمة البت في شكل الطلب ،وال
يمكنها التصريح بعدم قبول دعوى التحفيظ .وفي املقابل ال يستساغ أن تقض ي املحكمة
بعدم صحة التعرض إذا أخل املتعرض بـ ''واجب'' تنصيب محام ،تماما كما ال يمكنها أن
تحكم بصحة التعرض إذا لم ينصب طالب التحفيظ محاميا ينوب عنه .ما سيجعل
القضاء في معضلة حقيقية أن تبنى مبدأ اإللزامية في ضوء قانون يكبل يده عن البت في
شكل الدعوى ،وبل ويحصر منطوق الحكم بشكل حتمي إما في الصحة أو عدم الصحة.
وهذه النقطة وحدها كفيلة ببيان عدم التناسق الذي تعاني منه القواعد اإلجرائية الذي
تؤطر هذا النوع من الدعاوى ،وهي أيضا كافية لجعل كثير من املبررات التي يستند إليها
غير الخاضعة ملبدأ وجوب تنصيب محام أمام القضاء لم يواكب بتراجعه عن
ذلك أن املشرع نفسه فتح املجال أمام أطراف الدعوى الذين ال يرغبون في إنابة
محال من طرف املحافظ ،و التعرض مقدم أمام املحافظ أو أمام املهندس
القائم بالتحديد ،و مذكرة بيان أوجه التعرض غير إلزامية الن وجه التعرض يعبر
عنه أثناء املرحلة اإلدارية عند التعرض على املطلب .وباقي مقتضيات ظهير
التحفيظ تجعل املحكمة مدعوة إلى البحث في الوثائق املحالة عليها وتطبيقها
على الوعاء العقاري للنزاع مع إمكانية االستماع إلى األطراف بما يوحي أن تدخل
األطراف أنفسهم في الدعوى يكاد يكون ثانويا مقارنة مع امللف املحال من
التحفيظ نهائيا من دائرة االستثناء من إلزامية املحامي غير دقيق ،السيما وأن
مقتضيات املواد 92،92،47من قانون التحفيظ العقاري ،لم تنص أيضا على
خضوع قضايا التحفيظ العقاري ملبدأ تنصيب محام أمام القضاء .ولم تحرم
ال يمكن اعتبار ما جاء فيها صياغة عرضية أو نصوص غير قابلة لإلعمال ونفس
النتيجة يمكن الوصول إليها بخصوص استغناء املشرع عن اعتبار املادة 98من
أخص وقد سبق وان ضربنا على ذلك أمثلة من بينها ما ورد بالفصل 917من
قانون املسطرة املدنية الذي ينص على أنه يمكن لوزير العدل أن يأمر الوكيل
العام للملك لدى محكمة النقض بأن يحيل على هذه املحكمة بقصد إلغاء
األحكام التي قد يتجاوز فيها القضاة سلطاتهم .و يقع إدخال األطراف في الدعوى
من طرف الوكيل العام للملك الذي يحدد لهم أجال لتقديم مذكراتهم دون أن
على أنه ال يلزم أن يكون طلب تجريح قاض من قضاة محكمة النقض بواسطة
محام .وهي نصوص إجرائية ال يمكن التسليم بان املادة 97املذكورة نسختها
ضمنيا.
ان التباين في مسألة مدى اشتراط تمثيل األطراف بواسطة محام أمام محاكم
املوضوع بين تجاذب النصوص القانونية ،واآلراء الفقهية ،وأيضا العمل القضائي ،وان في
حدود جد ضيقة لكونه مستقر على عدم إلزامية هذا التمثيل في قضايا التحفيظ ،غير
وارد بالنسبة للطعن بالنقض أمام محكمة القانون .ذلك أن هذا الطعن يلزم أن يتم على
شكل عريضة كتابية تحترم الشروط الواردة في الفصل 924من ق م م 451تحت طائلة عدم
قبول عريضة النقض ،كما أن التمثيل بواسطة محام ال يقتصر على طالب النقض
فحسب ،إنما كذلك على املطلوب في النقض ،على اعتبار أن مذكرات الجواب وغيرها من
املستندات التي ينوي الطرف استعمالها ،ال بد أن ترفق بمكتوب موقع من لدن محام
ونرى أن هذا اإللزام في شأن تمثيل األطراف يتجاوز مقبول للترافع أمام محكمة النقض452.
تباين النصوص القانونية بين ما يتعلق بظهير التحفيظ العقاري و القانون املنظم ملهنة
املحاماة ،إلى نص أخص يرتبط عضويا بممارسة الدعوى أمام محكمة النقض .وبالتالي
فهو مرجح على غيره من النصوص في التطبيق .وال يستثنى من ذلك إال ما استثناه ذات
النص .ومن ذلك مثال إعفاء الدولة ـ طالبة كانت أو مطلوبة ـ من تنصيب محام .وبالتبعية
طالبة للتحفيظ أو متعرضة على حقوقها 453.وال يتوسع في تفسير هذا االستثناء أو يقاس
451ينص الفصل 354ترفع طلبات النقض واإللغاء المشار إليها في الفصل السابق بواسطة مقال مكتوب موقع عليه من
طرف أحد المدافعين المقبولين للترافع أمام محكمة النقض.
452ينص الفصل 305من ق م م على أنه يجب :على األطراف المعنية باألمر أن يقدموا مذكرات جوابهم وكذا
المستندات التي يريدون استعمالها في ظرف ثالثين يوما من تاريخ التبليغ.
يتعين -مع مراعاة مقتضيات الفقرتين 4و 5من الفصل - 354أن يوقع على هذه المذكرة من له الصفة وفقا للفقرة األولى
من الفصل المذكور .....
453جاء في الفقرتين االخيرتين من الفصل 354من ق م م :تعفى الدولة من مساعدة المحامي طالبة كانت أو مطلوبا
ضدها وذلك خالفا لمقتضيات الفقرتين 1و 2أعاله.
عليه بأن تأخذ املؤسسات العمومية نفس الحكم وتعفى من تنصيب محام شأنها شأن
الدولة .وهو ما ذهبت إليه محكمة النقض في قرار لها جاء فيه :بما أن املحافظ على األمالك
العقارية هو رئيس ملصلحة خارجية للوكالة الوطنية للمحافظة العقارية التي هي مؤسسة
عمومية ،فإنه غير معفي من االستعانة بمحامي وفق أحكام قانون املحاماة 454.وان كان
لم يستعمل املشرع في قانون املسطرة املدنية صفة املحامين اال عندما قصد استثناء
الدولة من االستعانة بمحامي ،حيث نص الفصل 924من ق م م على أنه :ترفع طلبات
النقض واإللغاء املشار إليها في الفصل السابق بواسطة مقال مكتوب موقع عليه من طرف
أحد املدافعين املقبولين للترافع أمام محكمة النقض .ويتعين مراعاة مقتضيات الفقرتين
4و 2من الفصل 924املذكور ،حيث إن يوقع على هذه املذكرة من له الصفة وفقا للفقرة
األولى من الفصل املذكور كما جاء في الفقرتين األخيرتين من الفصل 924من ق م م :تعفى
الدولة من مساعدة املحامي طالبة كانت أو مطلوبا ضدها وذلك خالفا ملقتضيات الفقرتين
8و 7أعاله .يوقع في هذه الحالة على مقاالتها ومذكراتها الوزير املعني باألمر أو موظف
منتدب لهذا الغرض ويمكن أن يكون هذا االنتداب عاما يشمل نوعا من القضايا .ما يدفع
إلى طرح السؤال عن السبب وراء اختيار املشرع عبارة املدافعين عوض املحامين ،مع أن
يوقع في هذه الحالة على مقاالتها ومذكراتها الوزير المعني باألمر أو موظف منتدب لهذا الغرض ويمكن أن يكون هذا
االنتداب عاما يشمل نوعا من القضايا.
454قرار عدد 5ـ 110وتاريخ 2015/02/22ملف رقم 5200ـ1ـ5ـ 2012غير منشور.
.4ليس هناك من داع للتمييز بين املدافع واملحامي ،بل لم يعد هناك سند
بجداول هيئات املحامين باململكة ،هم وحدهم املؤهلون ،في نطاق تمثيل
ال يمكن ملن ال يتمتع بحق تمثيل األطراف أمام القضاء أن يرافع نيابة عن الغير إال
إذا كان زوجا أو قريبا أو صهرا من األصول أو الفروع أو الحواش ي إلى الدرجة الثالثة بإدخال
الغاية.
ومعلوم أن هذا الفصل وما يليه 455ينظم الوكالة في التقاض ي لغير املحامين ،وهو ما
لم يتم إلغاؤه إلى غاية كتابة هذه السطور ،رغم توالي التعديالت التي لحقت بقانون
455ونقصد على وجه التحديد الفصلين 34و 35من ق م م المحددين لنطاق وشروط الوكالة في التقاضي لغير المحامين:
وقد جاء الفصل 34من ق م م انه :يجب على الوكيل الذي ال يتمتع بحق التمثيل أمام القضاء أن يثبت نيابته بسند رسمي،
أو عرفي مصادق على صحة توقيعه بصفة قانونية ،أو بتصريح شفوي يدلي به الطرف شخصيا أمام القاضي بمحضر
وكيله.
غير أن اإلدارات العمومية تكون ممثلة بصفة قانونية أمام القضاء بواسطة أحد الموظفين المنتدبين لهذه الغاية.
1. كما ورد في الفصل 53من نفس القانون :ال يصح أن يكون وكيال لألطراف:
الشخص المحروم من حق أداء الشهادة أمام القضاء؛ -1
تعديل قانون املسطرة 4577088 املحاماة والتي كان آخرها سنة 4567001وقد تالها سنة
املدنية دون أن يشمل اإللغاء هذه املقتضيات 458بل إن القضاء نفسه ما فتئ يعتمد على
مقتضيات هذا الفصل من أجل حل مسائل تتعلق بمحل املخابرة مع الوكيل ،ويمزجها مع
املقتضيات املتعلقة بوكالة املحامي 459،ويرتب على ذلك قرارات قضائية مرجعية ،ومن ذلك
ما ورد بقرار ملحكمة النقض 460اختيار املتقاض ي ملحاميه وكيال عنه يعتبر اختيارا للمخابرة
معه موطن هذا الوكيل طبقا للفصل 99من قانون املسطرة املدنية ،وبالتالي فإن إشعار
املطلوب بأداء صائر الخبرة مكتب محاميه يعتبر إشعارا صحيحا ومنتجا ألثره القانونية،
-2المحكوم عليه حكما غير قابل ألي طعن بسبب جناية أو جنحة الزور ،أو السرقة أو خيانة األمانة أو النصب ،أو
التفالس البسيط أو بالتدليس أو انتزاع األموال أو محاولة انتزاعها؛
الوكيل الذي وقع حرمانه من تمثيل األطراف بمقتضى إجراء تأديبي؛ -3
-4العدول والموثقون المعزولون.
456وذلك بموجب الظهير الشريف رقم 1.05.101صادر في 20من شوال 20( 1422أكتوبر )2005بتنفيذ القانون
رقم 25.05
457ظهير شريف بمثابة قانون رقم 1.24.442بتاريخ 11رمضان 25( 1324شتنبر )1224بالمصادقة على نص
قانون المسطرة المدنية .الجريدة الرسمية عدد 3230مكرر ،بتاريخ 13رمضان 30( 1324شتنبر ،)1224ص
.2241
- 458دون احتساب الصيغ الواردة عليه في بعض الفصول وآخرها صيغة .2014/03/20
459وقد سبقت اإلشارة الى ان بعض الباحثين طرحوا سؤاال مهما حول مصير مهنة الوكيل الشرعي في ضوء قانون المحاماة
لسنة 1223المنظم بمقتضى الظهير الشريف المؤرخ في 15صفر 1344الموافق 2شتنبر 1225وحصر مهامه في
تمثيل األطراف أمام المحاكم في قضايا األحوال الشخصية والميراث اإلسالمي وكذا القضايا العقارية باستثناء النزاع المتعلق
بالتحفيظ والنزاعات الراجعة للعقارات المحفظة .حيث انقسم الفقه الى قسمين احدهما اعتبر ان مهمة الوكيل الشرعي انتهت
مع األدوار الجديدة للمحامي والتي نصت على مبدأ االحتكارية ،منذ تعديل 1205بالمرسوم الملكي ،ومنهم من اتخذ موقفا
مخالفا حيث اعتبر ان النص المؤسس لمهنة الوكيل الشرعي لم يلغ وبالتالي ال زال العمل ساريا به ،كما ان القضاء ذهب قبيل
تعديل سنة 1223الى نفس االتجاه( .انظر للمزيد :محمد بفقير /م س /ص 04وما بعدها ).والغرض من طرح هذا
االستشهاد هو للتدليل على عدم استيعاب النصوص القانونية المتفرقة لمبدأ االنسجام الذي يحقق االمن القانوني ،فقانون المحاماة
لم ينص بشكل صريح على الغاء هذه المقتضيات ،وبالتالي سيكون للسؤال محل جدي عند مقارنته بمقتضيات الفصل 33من
ق م م محل الدراسة .وفي هذا السياق صدر قرار عن المجلس األعلى (محكمة النقض حاليا) يعتبر أن الوكيل الشرعي وان
كان مقبوال للترافع امام المجلس األعلى بمقتضى قرار من سيادة وزير العدل ،فان صالحيته للترافع امام المجلس المذكور
محصورة في قضايا األحوال الشخصية والميراث اإلسالمي .قرار عدد 205بتاريخ 1222/12/05ملف مدني عدد
20122منشور بمجلة رابطة القضاة عدد 2 – 5ص .51
460بالقرار عدد 5-452الصادر بتاريخ 2010/10/04ملف عدد 2015-5-1-5020منشور في كتاب الخبرة والخبراء
من خالل اجتهاد محكمة النقض الصادر عن محكمة النقض سلسلة إصدارات المكتب الفني العدد 3مطبعة األمنية الرباط
.2012
يمكن االطالع على القرار كامال بموقع السادة الخبراء القضائيون على االنترنتhttps://www.cnej.ma .
وأنه طبقا للفصل 44من القانون رقم 01.71بتعديل القانون املنظم ملهنة املحاماة ،فإن
املحامي يمكنه أن يطلب من موكله تسبيقا جديدا أثناء سير الدعوى ،أو مناسبة أي إجراء
اقتضته املسطرة وفي هذه الحالة يوافي موكله بتوضيح عن مصاريف الدعوى ،وهو ما يعني
أن املحامي ،الذي هو صلة الوصل بين املتقاض ي واملحكمة ،يمكن إشعاره من طرف
كما أن محكمة النقض أكدت مضمون الفصل املذكور بخصوص حصر حق تمثيل
األطراف أمام القضاء أو املرافعة عن الغير في الزوج أو القريب أو من ورد ذكرهم في الفصل
99من ق م م دون أن ينطبق ذلك على الشركة الخاصة في رفع الدعوى باعتبارها وكيلة
عن الدائنة بمقتض ى توكيل خاص ،مادامت ال تتوفر فيها الشروط املنصوص عليها في هذا
الفصل461.
وقد سارت محكمة النقض في هذا االتجاه في عدة قرارات 462ما يضع األمن القانوني
وأيضا األمن القضائي على محك حقيقي وذلك اعتبارا ملا يلي:
املحامي في القضايا العقارية ،فمن جهة ال يضمن القانون املتعلق بمهنة املحاماة
مبدأ الكفاية الذاتية في تأطير هذه املسألة ،فهو كما سبقت اإلشارة إلى ذلك غير
461قرار عدد 505بتاريخ 2005/1002ملف عدد 03/232منشور بمجلة قضاء المجلس األعلى عدد 00ص .34
462قرار عدد 1052ملف عدد 54555منشور بمجلة قضاء المجلس األعلى عدد 32ص .32
قرار عدد 3210ملف عدد 22225بتاريخ 1255/11/30منشور بمجلة المحامي عدد 15ص .05
قرار عدد 5112بتاريخ 1223/02/05منشور بمجلة االشعاع عدد 13ص .122
انظر للمزيد مؤلف محمد بفقير قانون المسطرة المدنية والعمل القضائي المغربي منشورات دراسات قضائية سلسلة القانون
والعمل القضائي المغربيين /ط / 2020 0الجزء 1ص 122وما بعدها.
مانع لغيره من النوافذ القانونية من إضافة حاالت غير واردة فيه ،كما أنه غير
جامع لكل الحاالت التي تدخل فيه حكمه .ومن جهة ثانية نجد القضاء قد اتخذ
موقفا مختلفا إزاء مبدأ إلزامية املحامي في قضايا التحفيظ العقاري استنادا
إلى املكنة املتاحة بسبب عدم تضمن قانون املحاماة ملبدأ الكفاية الذاتية ،و
بغية الخروج من املعضلة القانونية التي ُوضع القضاء فيها ،وهي عدم إمكانية
الحكم بعدم قبول طلب التعرض ،أو حتى بعدم صحة التعرض تجاوزا للشكل
إلى املوضوع .أو الحكم بصحة التعرض إذا ما استنكف املتعرض أو طالب
-وامتدادا لهذه النتيجة ،يستعص ي على املنطق القانوني استيعاب التمييز الذي
فامليزة التي أقرها لدعاوى التحفيظ ،ال تعتبر في جميع الدعاوى التي تدخل في
األول من ظهير التحفيظ العقاري بعد تعديله بمقتض ى القانون رقم 84.02
مفهوما موسعا للتحفيظ العقاري حينما نص على أنه يرمي التحفيظ إلى جعل
العقار املحفظ خاضعا للنظام املقرر في هذا القانون من غير أن يكون في اإلمكان
-تحفيظ العقار بعد إجراء مسطرة للتطهير يترتب عنها تأسيس رسم عقاري وبطالن
ما عداه من الرسوم ،وتطهير امللك من جميع الحقوق السالفة غير املضمنة به؛
-تقييد كل التصرفات والوقائع الرامية إلى تأسيس أو نقل أو تغيير أو إقرار أو إسقاط
الحقوق العينية أو التحمالت املتعلقة بامللك ،في الرسم العقاري املؤسس له.
خاتمة:
من خالل ما سبق ،يتبين أن ثمة أزمة قضائية تتجلى واضحة في تبني املفهوم الضيق
للتحفيظ عند التقرير في إلزامية املحامي ،وهجر هذا املفهوم إلى املفهوم املوسع كما يحدده
القانون ،بل وكما تبناه القضاء نفسه في أكثر من مناسبة 463،عند البت في غير هذه املسألة
من الدعاوى العقارية .ما يجعلنا نلح في طلب تعديل هذه النصوص وجعلها أكثر انسجاما
مع مبادئ األمن القانوني واألمن القضائي .وذلك باتخاذ موقف واضح من هذه املسألة
العقاري464 والنص في صلب القانون املتعلق بمهنة املحاماة على استثناء قضايا التحفيظ
مع تحديد أكثر دقة لنوع هذه القضايا ،حتى يخرج القضاء من هذه املعضلة وتنسجم
قراراته مع مختلف النوافذ القانونية التي تؤطر املسألة ،ويغلب عليها التعارض بل
463جاء في قرار لمحكمة النقض صادر بتاريخ 2015/02/22تحت عدد 3/500في الملف اإلداري عدد
10/3/4/3004أن الفصل 1من القانون رقم 14-02عرف التحفيظ العقاري والغرض منه:
أوال :تحفيظ العقار بعد إجراء مسطرة للتطهير يترتب عنها تأسيس رسم عقاري وبطالن ما عداه من الرسوم ،وتطهير
الملك من جميع الحقوق السالفة غير المضمنة به؛
ثانيا :تقييد كل التصرفات والوقائع الرامية إلى تأسيس أو نقل أو تغيير أو إقرار أو إسقاط الحقوق العينية أو التحمالت
المتعلقة بالملك ،في الرسم العقاري المؤسس له .ومؤدى ذا التعريف أن عبارة التحفيظ العقاري المنصوص عليها في الفصل
301من قانون المسطرة المدنية .ال تقتصر على مسطرة التحفيظ العقاري كما ذهب الى ذلك عن خطأ القرار المطعون فيه،
وانما تشمل جميع ماهو منصوص عليه في الفصل أعاله وترتب عنه جميع االثار المنصوص عليها في الفصل 301من
قانون المسطرة المدنية.
464كما سبق لقانون مهنة لمحاماة أن تبنى االستثناء بشأنه قبل تعديل 1222السابق بيانه ،وتبين من خالل ما ذكرنا من
أسباب ومؤيدات أن المشرع لم يستثن هذا النوع من القضايا عبثا ،بل كان موقفه معتبرا لالنسجام بين المساطر المختلفة التي
تنظم الدعوى العقارية ،والسيما دعاوى التحفيظ العقاري.
الئحة املراجع:
محمد بفقير /مدى خضوع قضايا التحفيظ العقاري ملبدأ وجوب تنصيب محام أمام
القضاء /مؤلف دراسات قضائية الجزء الثالث /ط 7009مطبعة النجاح الجديدة .
الرسمية عدد 2021بتاريخ 72ذي القعدة 90( 8479يناير ،)7009ص 982؛ كما تم تغييره
وتتميمه.
يصادق بموجبه على مدونة الجمارك والضرائب غير املباشرة الراجعة إلدارة الجمارك
والضرائب غير املباشرة؛ الجريدة الرسمية عدد 9913مكرر بتاريخ 73شوال 89( 8932
القانون رقم 04.17الصادر األمر بتنفيذه بمقتض ى الظهير الشريف رقم 8.12.87بتاريخ
77من ربيع األول 80( 8484شتنبر ،)8339الجريدة الرسمية عدد 4225بتاريخ 4جمادى
من حيث تنظيم أحكام الزواج والطالق والوصية وامليراث ،وكل ما له عالقة باألسرة ،وهو
ما صار عليه الدستور املغربي من خالل التنصيص في الفصل 97على أن األسرة القائمة
ونظرا لكون األوراد ثمرة الحياة الزوجية وغايتها ،ولكونها الطرق األضعف في تركيبة
النواة األولى لكل مجتمع ،فقد أولتهم الشريعة اإلسالمية ومن بعدها القوانين والتشريعات
الوضعية عناية كبيرة ،حيث شرعت الكثير من األحكام املتعلقة بالطفل بمجرد أن تدب
فيه الحياة وهو ما يزال جنينا في بطن أمه ،إلى أن يشب ويترعرع.
ويعتبر النسب أول حق يثبت للمولود بعد انفصاله عن أمه ،إذ يعد أحد أركان
ومقاصد الشريعة الخمسة ،وهي حفظ الدين والنفس والنسل "النسب" واملال والعقل،
وذلك من أجل منع اختالط األنساب ،حتى تقوم األسرة على وحدة الدم الذي يعتبر أقوى
وقد انطلق االهتمام الدولي بحقوق الطفل بدأ بإنشاء عصبة األمم املتحدة 465سنة
،8383وتعزز سنة 8374بإصدار إعالن جنيف املتألف من خمس نقاط عن االتحاد الدولي
سنة 8347تحت عنوان اليونسيف467 لحماية األطفال ،466ثم بعد ذلك أنشأت هيأة
"صندوق األمم املتحدة إلغاثة الطفل ،وكانت تهدف إلى حماية ماليين األطفال ورعايتهم في
وعليه ،فإن أهمية موضوع أحكام البنوة والنسب بين مدونة األسرة واالتفاقيات
الدولية تتجلى من خالل الجزء األول من املوضوع ،والذي هو البنوة والنسب باعتباره
يتعلق بمستقبل األمة ،كما تتضاعف أهميته من خالل الجزء الثاني املتعلق باملواثيق
الدولية التي اكتسبت صفة اإللزام للدول التي وقعت وصادقت عليها حيث يصير لزاما على
هذه الدول تغيير قوانينها الداخلية لكي تنسجم مع تلك املواثيق الدولية وال تتعارض معها.
-465حيث نصت المادة 23من نظامها األساسي على تعهد كل الدول األعضاء بالسعي إلى توفير وضمان ظروف عادلة
للعمل وإنسانية للرجال والنساء واألطفال في بالدهم وفي جميع البلدان األخرى التي تمتد إليها عالقاتهم التجارية والصناعية
سواء بسواء6
-466حيث جاء في ديباجته أن البشرية مدينة للطفل بأفضل ما يمكن منحه له من حقوق وضمانات دون أي تمييز قائم على
أساس العرق أو الدين أو العقيدة أو الجنسية6
-467أنشأت الجمعية العامة لألمم المتحدة مؤسسة األمم المتحدة للمساعدة الدولية الطارئة للطفولة (اليونسيف) بمقتضى
القرار رقم ( 57د )1-المؤرخ في 16دجنبر 61146
-468من أبرزها االتفاقية الدولية الخاصة بحماية حقوق الطفل6
كما تبرز أهمية املوضوع من خالل تعدد القوانين التي تضمنت مقتضيات خاصة
بنسب الطفل ،ليس فقط مدونة األسرة واملواثيق الدولية ،وإنما أيضا في قانون الحالة
واعتبارا لكون موضوع النسب هو صلة اإلنسان بمن ينتمي إليه من اآلباء واألجداد،
فإنه يدور حول محورين أساسيين ،وهما اإلثبات ،بمعنى تأكيد حق متنازع فيه له أثر
قانوني بالدليل الذي أباحه القانون إلثبات ذلك الحق ،والنفي وفق الشروط والضوابط
الشرعية لذلك.
ومن خالل ما سبق عرضه ،تثير اإلشكالية األساسية التالية :ما هي األحكام التي
وضعها املشرع املغربي وكذا االتفاقيات الدولية لتنظيم مسائل البنوة والنسب؟؟ وما مدى
ولإلجابة على هذه اإلشكالية سنتناول هذا املوضوع من خالل مبحثين ،سنخصص
األول للبنوة بين املدونة واملواثيق الدولية ،على أن نتطرق في املبحث الثاني للنسب بين
-469من خالل المادة الثالثة التي تنص على أنه يخضع لنظام الحالة المدنية بصفة إلزامية جميع الغاربة ،كما يسري نفس
النظام على الجانب بالنسبة للواليات والوفيات التي تقع فوق التراب الوطني6
-470من خالل الفصل 468الذي يعتبر عدم التصريح باالزدياد جنحة6
-471من خالل اعتبار رابطة الدم من طرف األب واألم هي أساس ثبوت الجنسية األصلية6
أقرت االتفاقيات الدولية مجموعة من الحقوق لفائدة الطفل ورتبها إما على عاتق
ولكي تتحقق هذه الحقوق اللصيقة بالطفل وهي الحق في اإلسم والحق في الهوية
والحق في الحياة وفي الجنسية والرعاية والتربية والتعليم والصحة وفقا لإلعالن العاملي
وإذا ما تم ربط هذه الحقوق باألشخاص امللزمين بالحرص على تنفيذها والسهر على
تطبيقها ،نجد بالدرجة األولى املساهمين في والدة هذا الطفل ،وهما األبوان اعتبارا لكون
وهذا املبدأ يجد صعوبة في التطبيق من طرف بعض الدول التي تقوم على أسس
دينية ،والتي تحدد رابطة معينة للعالقات الجنسية ،وتجعل منها اإلطار القانوني لتحمل
مسؤوليات تنفيذ حقوق وحاجيات الطفل ،ومن بين هذه الدول نجد املغرب الذي يجرم
اتصال الرجل واملرأة جنسيا خارج إطاره الشرعي ،وهو مؤسسة الزواج ،حيث يعتبرها فعال
مجرما يعاقب عليه القانون في إطار الفصل 430من القانون الجنائي عند تطابق إرادتي
وبالتالي فإنه على الرغم من إمكانية حدوث حمل ووالدة نتيجة هذا االتصال غير
الشرعي تبقى الرابطة القانونية في تحمل مسؤولية املولود مختلفة بين الرجل واملرأة.
وحري بالذكر أن املشرع املغربي تطرق للبنوة ورتب آثارا تختلف بين حالتين وهما:
البنوة الشرعية والبنوة غير الشرعية ،هذه األخيرة ال تنتج أثرها في مواجهة الطرفين حيث
تبقى البنوة بالنسبة لألم شرعية وغير شرعية بالنسبة لألم البيولوجي ،وهذا األثر ناتج عن
وبخالف ذلك قد رتب للبنوة الشرعية ضوابط يجب التقيد بها وسلوكها في بعض
وقد تطرقت مدونة األسرة إلى تعريف النسب ووسائل إثباته ونفيه غايتها في ذلك،
حمايته ملؤسسة الزواج املحمية شرعا ومراعاة املصلحة الفضلى للطفل وفق ضوابط
الشريعة لتحقيق آثار البنوة الشرعية واملتمثلة في تحمل األبوين ملسؤوليتهما في قيام بكل
ما يلزم لحفظ حقوق الطفل في انسجام مع ما تضمنته االتفاقيات واملواثيق الدولية .في
هذا الصدد يتبع أباه في نسبه ودينه ،ويتوارثان وينتج عنه موانع الزواج ،ويترتب عليه
قبل الحديث أو باألحرى التطرق إلى موضوع البنوة الشرعية ،كان لزاما علينا أن
نحدد مفهوم البنوة أوال ،فالبنوة لغة :هي كلمة مشتقة من االبن ،واالبن الولد ،وأصله بني
وقد جاء في لسان العرب..." :البنوة مصدر االبن ،يقال :ابن بين البنوة ،ويقال :تبنيته،
ومن الناحية االصطالحية ،اعتبرت املادة 847من مدونة األسرة أن البنوة تتحقق
عادة بتنسل الولد من أبويه معا ،وهي قد تكون شرعية ،وقد تكون غير شرعية حسب
األحوال.473
إذا فاالتصال الجنس ي بين رجل وامرأة أو ذكر وأنثى تكون نتيجته ابنا ،فهنا االبن
يكون ابنا طبيعيا لطرفي العالقة التي كانت سببا في وجوده ،فهذه العالقة الجنسية لكي
وبالرجوع إلى املادة 847من مدونة األسرة ،نجد أن املشرع قد قسم العالقة إلى
قسمين األولى شرعية والثانية غير شرعية .وقد جاء في املادة 844من نفس املدونة على أن:
"تكون البنوة شرعية بالنسبة لألب في حاالت قيام سبب من أسباب النسب وتنتج عنها
وهكذا ،يكون هناك تالزم جد واضح بين البنوة الشرعية واألسباب املثبتة للنسب
الشرعي بالنسبة لألب ،ذلك أنه ،وحسب هذا النص التشريعي ،تكون البنوة شرعية في
حالة قيام سبب من أسباب ثبوت النسب الشرعي الصحيح الذي تنبني عليه ،وهذه
-473محمد الكشبور" :البنوة والنسب في مدونة األسرة ،قراءة في المستجدات البيولوجية" مطبعة النجاح الجديدة ،طبعة
،2117ص611 :
-474المادة 14من مدونة األسرة6
األسباب األخيرة –حسب مدونة األسرة -هي الفراش واإلقرار والشبهة ،وهو ما سيتم التطرق
وبالنسبة لألم ،نصت الفقرة األخيرة من املادة 842من مدونة األسرة على أنه" :تعتبر
من هنا نالحظ أن األبوة الشرعية واألمومة الشرعية يلتقيان في سببين اثنين هما
الزوجية والشبهة.
البنوة الشرعية أصل تقتض ي حماية األعراض واألنساب ،إذ حسب املادة 849من
مدونة األسرة" :تعتبر البنوة بالنسبة لألب واألم شرعية إلى أن يثبت العكس" ،وهي حق
للولد كذلك ،رغم عدم إشارة املشرع إلى ذلك الحق في النص.
ومن هذه الناحية ،يجب على من يدعي خالف هذا األصل الشرعي أن يثبت ما يدعيه
ومن البديهي أن إثبات العكس فيه نفي للبنوة ،وهو إثبات من الصعوبة بمكان ،حيث
يحتاج إلى التمتع بالصفة كشرط إلقامة الدعوى ،وهي غير متوفرة مبدئيا لغير األب ،كما
أن األمر يحتاج إلى صدور حكم قضائي بذلك .وهكذا ،فقد جاء في مطلع الفقرة الثانية من
املادة 829من مدونة األسرة أنه" :يعتبر الفراش بشروطه حجة قاطعة على ثبوت النسب
وتطبيقا لهذا املقتض ى ،جاء في قرار للمجلس األعلى" :الفراش حجة قاطعة على ثبوت
النسب."...
أما فيما يخص أثر البنوة الشرعية ،فهي أثر النسب الصحيح ،أضار املشرع املغربي
إلى أهم هذه اآلثار ،باختصار جد شديد ضمن مقتضيات املادة 822من مدونة األسرة وقد
"متى ثبت النسب ولو في زواج فاسد أو بشبهة أو باالستلحاق ،تترتب عليه جميع نتائج
ولقد نظم املشرع تحريم الزواج بسبب القرابة ضمن مقتضيات املادة 97من مدونة
األسرة ،ونظم تحريم الزواج بسبب املصاهرة ضمن مقتضيات املادة 92من نفس املدونة،
ونظم تحريم الزواج بسبب الرضاع ضمن مقتضيات املادة 91من نفس املدونة.476
عندما تنتج البنوة بالنسبة لألم عن عالقة غير شرعية ،يكون الولد غير شرعي ويلحق
نسبه بنسبها.
وتثبت البنوة بالنسبة لألم إما عن طريق واقعة الوالدة ،أو إقرار األم أو صدور حكم
قضائي بها.477
من هنا يتضح لنا جليا أن مدونة األسرة كانت في صف نسب الطفل وحمايته حتى
ولو نتج عن عالقة غير شرعية ،ومن هذا املنطلق ال يمكن لنا بتاتا أن نتصور سوء نية
الزوج فهنا ال يعتبر النسب قائما للطفل في حق أبيه .وأن جاز لنا أن نتصور هنا بنوة غير
شرعية لألب فعلية أو طبيعية أو عملية ،ومع ذلك ال يترتب عنها أي أثر من آثار البنوة
الشرعية طبقا للمادة 841من م أ س ،هنا يحق لنا أن نتساءل :ألم يكن حريا باملشرع
املغربي أن يعترف بنسب الطفل لوالده في هذه الحالة؟ بل مع إنزال عقوبة قاسية في حق
من يتعمد سوء في النية في الزواج الباطل ،ألن اإلبن أو الطفل ال ذنب له إن كان أبوه
قد ينتج الولد عن عالقة غير شرعية ومع ذلك /،اعتبرت مدونة األسرة أن اإلبن الناتج
عن حالة الشبهة أو عن حالة االغتصاب ابنا شرعيا مرة يلحق بأبيه ومره يلحق بأمه.
هي الحالة التي يقع فيها الوطء بشبهة كمن اتصل بامرأة ،ظنها زوجته وظنته زوجها،
ففي مثل هذه الحالة يكون النسب شرعيا للمتصل ،إذا ظهر باملرأة املتصل بها حمل أثناء
مدة االستبراء .فهنا وحتى خارج الزواج أثبتت مدونة األسرة في مادتها 822النسب للطفل
واعتبرته شرعيا ،كما أتت املدونة بجديد في املادة ،827عندما أقرت النسب حتى للخاطب
للشبهة عندما تحول ظروف قاهرة دون توثيق عقد الزواج وكان قد حصل اإليجاب والقبول
بالشروط التالية:
"أ-إذا اشتهرت الخطبة بين أسرتيهما ووافق ولي الزوجة عليها عند االقتضاء.
ج-إذا أقر الخاطبان أن الحمل منهما ...إذا أنكر الخاطب أن يكون ذلك الحمل منه،
أمكن اللجوء إلى جميع الوسائل الشرعية في إثبات النسب" .وهذه املادة لن تستقر إال
عندما تتعرض املرأة لالغتصاب ،فاملدونة اعتبرت في هذه الحالة أن اإلبن يكون نسبه
شرعيا لألم ،فقد طبقا للفقرة األخيرة من املادة 842من م.أ.س ،التي جاء فيها "تعتبر بنوة
األمومة شرعية في حالة الزوجية والشبهة واالغتصاب ،وال ينسب ملرتكب فعل االغتصاب.
فحتى عندما تتعرض املرأة لالغتصاب راعى املشرع املغربي وضعها ووضعيتها النفسية
-478في هذا السياق كان قد سبق أن صدر قرار عن المجلس األعلى يحمل رقم 622صادر بتاريخ 118/15/11وهو منشور
بمجلة القضاء والقانون العدد 141و ،141ص ،155 :يتعلق بموضوع حمل المخاطبة وجاء فيه أن المحكمة لما تيقنت
من أن المرأة وضعت حملها بعد الزواج بأربعة أشهر فقط وألحقت مع ذلك نسب هذا المولد بالزوج بناءا عليه ثبت للمحكمة
أنه كان يعاشرها معاشرة األزواج قبل أن يعقد عليها أخذ بالنظرية الفقهية القائلة يجوز اعتبار الحمل الذي يظهر بالمخطوبة
قبل أن يعقد عليها الخاطب ولحوق نسب به ،إذا أمكن االتصال تكون المحكمة بصنعها هذا قد خالفت أصول الفقه المعمول
به والحديث الشريف ،الولد للفراش أي للعقد الصحيح بعد إمكان الوطء ،وجاءت بعد ستة أشهر من العقد "666أورد هذا
القرار إبراهيم بحماني ،في م س ،ص 51 :بهذا يتضح أن المجلس األعلى في هذا القرار الذي أصدره في ظل مدونة
األحوال الشخصية عارض المادة 157من م أ س ،واتجه اتجاها مخالفا لها لكن بمقتضى هذه المادة تغيرت األمور وسننظر
كيفية تطبيق المجلس األعلى لها6
-479مقتضيات الجديدة لمدونة ،م س ،ص151 :و6161
يكون الزواج باطال طبقا للمادة 22من م.أ.س ،إذا اختل فيه اإليجاب والقبول ،أو
إذا اعتبره أحد املوانع املؤبدة أو املؤقتة املنصوص عليها في املادة 93من نفس املدونة.
فالزواج الباطل هو الزواج املنعدم الذي يمكن للمحكمة أن تصرح ببطالنه إما تلقائيا ألن
البطالن في هذه الحالة هو من النظام العام أو إما بطلب ممن يعينه األمر طبقا للمادة 21
من م.أ.س.
ويترتب عن هذا الزواج الباطل عند حسن النية ثبوت النسب ،أما في حالة سوء النية
فال يمكن الحديث عن ثبوت النسب ،وذلك حتى ال يفتح املجال تمثل فإنه العالقات غير
قسمت املدونة الزواج الفاسد إلى قسمين الفاسد لصداقه ،والفاسد لعقده.
فالفاسد لصداقه يفسخ قبل البناء وال صداق فيه ويصح بعد البناء بصداق املثل
وأما الفاسد لعقده فيفسخ قبل البناء وبعده حسب نص املادة 78من م.أ.س ،في
الحاالت التالية:
-480المقتضيات الجديدة لمدونة األسرة من خالل أجوبة السيد وزير العدل ووزير األوقاف والشؤون اإلسالمية ،عن األسئلة
واالستفسارات المثارة أثناء مناقشة مشروع المدونة أمام مجلسي البرلمان منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية
والقضائية ،سلسلة الشروح والدالئل ،مطبعة فضالة المحمدية العدد ،2114 ،4ط األولى ،ص6111-118 :
"إذا كان الزواج في املرض املخوف ألحد الزوجين ،إال أن يشفى املريض بعد الزواج.
وتترتب عن الزواج الفاسد سواء لصداقة أو لعقده ،إذا وقع فيه البناء جميع آثار
وهكذا يتضح لنا أن مدونة األسرة كانت صريحة أكثر من االتفاقيات الدولية ذات
الصلة بخصوص حماية نسب األطفال ،وذلك بتشريعها أحكاما مفصلة تبين كيفية ثبوت
النسب األطفال ،وذلك بتشريعها أحكاما مفصلة تبين كيفية ثبوت النسب وكذا اآلثار
املترتبة عن ثبوته.
النسب لغة هو القرابة ،وقيل هو في اآلباء خاصة ،وانتسب واستنسب ،ذكر نسبه.482
ويطابق املفهوم االصطالحي للنسب مفهومه اللغوي ،فهو القرابة ،وهي االتصال بين
فردين باالشتراك في والدة قريبة أو بعيدة ،483ومن ذلك قوله تعالى﴿ :فجعل منه نسبا
وصهرا﴾.484
-481إبراهيم بحماني" "نسب األبناء في الزواج الفاسد" مقال منشور بمجلة القضاء والقانون العدد 141لسنة ،31ص:
23إلى 651
-482مجد الدين الفيروز أبادي" :القاموس المحيط" دار إحياء التراث العربي ،سنة ،2111ص6221 :
-483محمود محمد حسن" :النسب وأحكامه في الشريعة اإلسالمية وفي القانون الكويتي" مطبعة الفجر الكويتية،1111 ،
ص6372 :
-484اآلية 54من سورة الفرقان6
لقد تبنى املشرع املغربي مبدأ املرونة في ثبوت النسب تماشيا مع التوجه الذي أقرت
فيه مصلحة الطفل أوال ويظهر ذلك من خالل ما نص عليه في املادة 828بقوله يثبت
النسب بالظن ....وبالنظر إلى تبني هذا األخير الوسائل الحديثة ،كان له وقع على املمارسة
القضائية بخصوص إعمالها من عمده واعتماد حجيتها ،مما ارتأينا معه تطعيم العرض في
-8الفراش
-7اإلقرار
-9الشبهة.485
وقد نصت املادة 821من نفس املدونة على أنه" :يثبت النسب بالفراش أو بإقرار
األب ،أو بشهادة عدلين ،أو ببينة السماع ،وبكل الوسائل األخرى املقررة شرعا بما في ذلك
الخبرة القضائية".486
املالحظ من خالل املادتين 827و 821من املدونة ،أن من أهم الوسائل التقليدية
-8مفهوم الفراش
يقصد بالفراش ،من الناحية اللغوية ،ما يبسط عادة للنوم أو للجلوس عليه ،ويطلق
هذا اللفظ أحيانا على املرأة التي يستمتع بها زوجها ،487انطالقا من قوله تعالى﴿ :وفرش
مرفوعة إذا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكارا عريا أترابا ألصحاب اليمين﴾ .488واملفرد
واصطالحا يقصد بالفراش الزوجية القائمة بين الرجل واملرأة ،أو إن املرأة معدة
-487وفي لسان العرب" :الفراش الزوج ،والفراش المرأة ،والفراش ما ينامان عليه ،والفراش البيت ،والفراش عش الطائر"
ابن منظور ،م س ،ص63116 :
-488اآلية من 34إلى 38من سورة الواقعة6
-489محمد مصطفى شلبي" :أحكام األسرة في اإلسالم ،دراسة مقارنة" دار النهضة العربية ،بيروت ،لبنان ،1177ص:
6683
-490محمد مصطفى شلبي ،مرجع سابق ،ص6684 :
الزواج الصحيح هو الذي استجمع كافة أركانه ككل شروط صحته ،وهو زواج مرتب
آلثاره الشرعية ،ولعل من أهم هذه اآلثار ثبوت نسب األوالد الذين يولدون على فراش
لغة :مشتقة من فعل شبه ،يقال الشبه كالشبيه ويقصد بذلك املثل ،كالجمع أشباه،
وأشبه الش يء ماثله ،وفي املثل من أشباه أباه فما ظلم ،وتشابه الشبان واشتبها ،أشبه كل
منهما صاحبه.
وشبه عليه :خلط عليه األمر حتى اشتبه بغيره ،كشبه الش يء إذا أشكل ،واشتبه األمر
إذا اختلط.
-اصطالحا :هو االتصال الغير شرعي بين رجل وامرأة ،مع اعتقاد الرجل شرعية
االتصال نتيجة غلط في الواقع والتزوج بمن تحرم عليه نسبا أو رضاعا أو مصاهرة وهو ال
يعلم العالقة الرابطة بينهما التي تشكل مانعا للزواج ،أو في الشخص أو في الحكم الشرعي
مثل العقد على امرأة في العدة ،أو بعد أن طلقها ثالث مرات وقبل أن تتزوج غيره جاهال أن
-491محمد الكشبور" :الوسيط في شرح مدونة األسرة ،الكتاب الثاني ،انحالل ميثاق الزوجية وأثره" طبعة ،2111مطبعة
النجاح الجديدة ،ص6113 :
-492عبد الكريم شهبون" :الشافي في شرح مدونة األسرة" الجزء األول ،ص6373 :
أنواع الشبهة:
الشبهة بمعناه العام هي كل ما لم يتيقن منه ،هل هي حالل أم حرام ،وحددت أنواع
شبهة امللك
ويطلق عليها أيضا شبهة الحل ،وتعد حكمية الرتباطها بحكم الشارع ،ومن أمثلتها
مواقعة األب لجارية ابنه ظنا إباحتها له ،لقوله صلى هللا عليه وسلم" :أنت ومالك ألبيك"
رواه اإلمام أحمد .كما تتجسد أيضا في مخالطة الرجل ملطلقته طالقا بائنا وهي في عدتها
منه ظنا أن ذلك جائز ومشروع مستندا في ذلك على حديث سيدنا عمر رض ي هللا عنه
"الكتابة رواجع".493
شبهة العقد
هي التي تكون مقرونة بوجود العقد صورة ال حقيقة ،كحالة الرجل الذي يعقد على
امرأة ،ثم تبين له فساد العقد لوجود سبب من األسباب املوجبة لفساده ،ومن أمثلة ذلك:
عقد رجل على معتدة الغير ،أو على من هي محرمة عليه رضاعا ،أو مصاهرة أو نسبا ،وهو
-493مشار إليه عند محمد ابن معجوز في كتاب أحكام النسب في الشريعة اإلسالمية ،ص632 :
شبهة الفعل
وتسمى أيضا شبهة اشتباه ،وتتحقق في حالة من اشتبه عليه الحل والحرمة ،كأن
يظن الرجل ما ليس بدليل ،بمعنى دليل موجب لفعله دون أن يكون ذلك في الواقع ،وهذه
الشبهة تسقط الحد ،كحالة املرأة التي زقت غلى رجل كقيل له هي زوجتك فوطنها ولم تكن
كذلك.
-8مفهوم اإلقرار
ومن الناحية االصطالحية ،فاإلقرار لدى جانب من الفقه هو عبارة عن "خير يوجب
-7أنواع اإلقرار
اإلقرار أربعة أنواع :اإلقرار املباشر ،اإلقرار غير املباشر ،اإلقرار باألمومة ،اإلقرار
باألبوة ،إال أن املشرع املغربي لم يشر إال للنوعين األوليين فقط ،وهو ما سنتطرق إليه أيضا
أ-اإلقرار املباشر
واملقصود به هو اإلقرار بالنسب على نفس املقر ،أي إقرار الرجل لطفل أنه ابنه
شريطة أن يكون هذا الطفل مجهول النسب ،وبالتالي يثبت نسبه إلى هذا املقر ،وهو ما
صرحت به املادة 870من مدونة األسرة" :يثبت النسب بإقرار األب ببنوة املقر به ولو في
مرض املوت".495
يستنتج من هذه املادة أن املقصود هنا هو اإلقرار املباشر الصادر عن األب ببنوة
معناه تحميل النسب على غير املقر من القرابة ،ويسمى اإلقرار أن بفرع النسب،
كاإلقرار باألخوة واألعمام واألجداد وأوالد األوالد ،وهو ما يسميه الفقهاء ،إقرار فيه حمل
النسب على غير املقر ابتداء ثم يتعدى إليه نفسه ،ومثاله إذا أقر إنسان بأن هذا حفيدي،
وقد نصت املادة 878من مدونة األسرة على أنه" :ال يثبت النسب بإقرار غير األب".496
-9شروط اإلقرار
لصحة اإلقرار يشترط أربعة شروط طبقا للمادة 870من مدونة األسرة ،فقد جاء في
املادة املذكورة على أنه" :يثبت النسب بإقرار األب ببنوة املقر به ولو في مرض املوت ،وفق
الشروط اآلتية:
-4أن يوافق املستلحق –بفتح الحاء -إذا كان راشدا حين االستلحاق.
الشهادة لغة إسم مشتق من املشاهدة ،وهي املعاينة ،ألن الشاهد يخبر عما شاهده
وعاينه ،وقيل الشهادة مأخوذة من اإلعالم من قوله تعالى﴿ :شهد هللا أنه ال إله إال هو﴾
أي علم ،ال يحل ألحد أن يشهد إال بعلم والعلم يحصل بالرؤيا أو بالسماع أو باستفاضة
فيما يتعذر علمه غالبا بدونها ،كما يقال لها أيضا البينة ،وهي مأخوذة من الناحية اللغوية
من البيان والوضوح ،واستبان الصبح وضح ،وهو على بينة من أمره ،أي على وضوح.
والشهادة في حقيقتها إخبار الناس بحق ما لغيره على غيره ،ومن هنا يتضح اختالفها
عن اإلقرار الذي يعد في جوهره إخبار الناس بحق لغيره على نفسه ،إضافة إلى أنها "أي
الشهادة تعتبر واجبة من الناحية الشرعية كذلك تطبيقا لقوله تعالى.497﴾﴿ :
-مفهومها
باإلضافة إلى شهادة العدلين يمكن إثبات النسب عن طريق بينة السماع كما جاء في
مدونة األسرة ،ويقصد بشهادة السماع من الناحية الفقهية ،إخبار الشاهد أمام القضاءأنه
سمع سماعا فاشيا بأن واقعة ما قد تحققت ،وفي الوقت الحاضر أن يشهد شاهد أنه قد
سمع سماعا فاشيا ان فالنا ابن فالن ،أو أن فالنا أبا لفالن.498
-أنواعها:
أ-الشهادة األصلية
وهي التي يكون مضمونها كموضوعها من إمالء العاقد املشهود عليه أو "املتعاقدين
املشهود عليهما" ،على الشاهد العدل أو "الشاهدين العدلين" ،الذي يقتصر دوره على
تسجيل ما يسمعه والشهادة عليه ،كما هو األمر في عقد البيع أو الهبة ،والزواج أو الطالق.
ب-الشهادة االسترعائية
هي التي يمليها العدل من حفظه ويسندها إلى علمه أي أن العدل يشهد بما يعلم،
مما الشك فيه أنه يوجد في يومنا هذا مجموعة من الوسائل الحديثة التي تساهم في
ففصيلة الدم يستعان بها لنفي النسب ال إلثباته ،بصيغة أخرى ففحص فصيلة دم
-الفرض األول :ظهور فصيلة دم الولد مخالفة ملقتضيات تناسل الزوجين دليل على
أن الزوج ليس هو األب الحقيقي للطفل كذلك على وجه التأكيد.499
فمثال إذا كانت فصيلة دم الزوجين oوكانت فصيلة الطفل ،Aفهذا يعني أن هذا
-الفرض الثاني :ظهور فصيلة دم الولد متوافقة ملقتضيات تناسل فصيلتي دم
الزوجين ،معناه أن األب قد يكون األب الحقيقي وقد ال يكون ،كذلك أن الفصيلة الواحدة
فإذا كانت فصيلة األبوين كالطفل Aفهذا ليس دليال مؤكدا وقاطع على إثبات نسبه
إلى الزوج باعتباره أبا حقيقا لوجود آباء لديهم نفس فصيلة الدم.
من خالل ما سبق توضيحه ،تبين لنا أن فحص الدم يمكن اعتمادها كدليل قاطع
للنفي ،لكن ال يمكن اعتبارها دليل إثبات إلثبات النسب تأكيدا ،بل هي تفتقد البرهان.
تعتبر البصمة الوراثية من بين املستجدات العلمية التي كرستها مدونة األسرة
بخصوص إثبات النسب ،لكونها تضمنت مجموعة من الحقوق لفائدة الطفل معززة
مكانته داخل األسرة ،وذلك بتثبيت حقه في االنتساب إلى أبيه ،وقد اعتمدها املشرع املغربي
كوسيلة إلثبات النسب أو نفيه ،وقد أشارت مدونة األسرة في املادة 821إلى أن البصمة
كوسيلة غال يلتجأ إليها إال في حالة النزاع ،أو في حالة اختالل شروط الفراش ،أو إذا تعذر
كما أشارت املادة 829من نفس املدونة إلى أن الفراش حجة قاطعة على ثبوت
النسب ،ال يمكن الطعن فيه إال من طرف الزوج عن طريق اللعان ،أو خبرة تفيد القطع
بشرطين ،أولهما إدالء الزوج بدالئل قوية على إدعانه ،ثم صدور أمر قضائي بهذه األخيرة.
وقد جاء في حكم للمحكمة االبتدائية "أن الفراش بشروطه يعتبر حجة قاطعة على
ثبوت النسب ال يمكن الطعن فيه إال من طرف الزوج عن طريق اللعان ،أو بواسطة خبرة
طبية تفيد القطع بشرطين :إدالء الزوج بدالئل قوية على إدعائه وصدور أمر قضائي بهذه
الخبرة".501
وجاء في حكم آخر للمحكمة االبتدائية "ال يمكن للمحكمة أن تأمر بإجراء خبرة طبية
إال إذا عزز الزوج ادعائه بقرائن قوية ترجح صدقه فيه ،وهو ما كان مسافرا أو غائبا عن
زوجته منذ تاريخ اقترانه بها ،فضال على أنه في حالة ثبوت ذلك السفر داخل املغرب ال يمنع
إذا كان املشرع قد توسع في األخذ بمبدأ الظن بثبوت النسب إال أنه على عكس ذلك
قد ضيق في نفس النسب وربطه بصدور حكم قضائي من خالل نفس املادة 828والتي جاء
فيها (يثبت النسب بالظن وال ينفي إال بحكم قضائي) وهو ما يستشف منه تشوف املشرع
للحقوق األنساب على نفيها وهو ما يتماش ى وفلسفة املواثيق واالتفاقيات الدولية التي أقرت
في هذه الفقرة سنتحدث عن نفي النسب عن طريق اختالل شروط الفراش (أوال)،
-501حكم المحكمة اإلبتدائية صادر بتاريخ 28-11-2116الملف عدد 3-16-245منشور في الملتقى من عمل القضاء في
تطبيق مدونة األسرة ،ص6255 :
-502حكم المحكمة بالراشيدية ،بتاريخ ،2116-11-28ملف عدد 3-16-245المنتقى من عمل القضاء في تطبيق مدونة
األسرة ،م نفسه ،ص6255 :
يعتبر الفراش أقوى األسباب القانونية لثبوت النسب ،وقاعدة الولد للفراش هي
مستمدة في أصلها من حديث نبوي شريف ،لقوله صلى هللا عليه وسلم في خطبة يوم حجة
-8مفهوم اللعان
اللعان من الناحية اللغوية يفيد البعد ،يقال عادة لعنه هللا ،أي أبعده عنه ،فهو
لعين وملعون ولعن نفسه إذا قال ابتداء عليه لعنة هللا.504
ومن الناحية االصطالحية ،فاللعان حسب الفقيه املالكي ابن عرفة يتمثل في:
"...حلف الزوج على زنا زوجته أو نفي حملها الالزم له وحلفها على تكذيبه إن أوجب
-7صور اللعان
وقد تدرج قرار للمجلس األعلى بهذا الخصوص ،حيث جاء" :من املتفق عليه أن
الوضع ألقل من ستة أشهر ينفي النسب بغير لعان ،لقيام املانع الشرعي على نفيه".506
لقد عملنا على توضيح الوسائل الحديثة لنفي النسب في املطلب األول من هذا
املبحث ،وذلك من خالل فحص فصائل الدم والبصمة الوراثية ،ومن هنا سنذهب إلى
تنص املادة 87من مدونة األسرة على ما يلي" :إذا حالت أسباب قاهرة دون توثيق
العقد في وقته ،تعتمد املحكمة في سماع دعوة الزوجية على سائر وسائل اإلثبات وكذا
الخبرة."...
يعتبر الفراش بشروطه حجة قاطعة على ثبوت النسب ،ال يمكن الطعن فيه إال من
-506وسائل إثبات النسب ونفيه بين الشريعة والقانون المغربي ،ص681 :
وقد جاء في املادة 821من نفس املدونة على أنه" :يثبت النسب بالفراش أو بإقرار
األب ،أو بشهادة عدلين ،أو ببينة السماع ،وبكل الوسائل املقررة شرعا بما في ذلك الخبرة
القضائية".507
من خالل املواد التي ذكرناها سلفا ،نجد أن الخبرة القضائية هي وسيلة من وسائل
إثبات النسب.
خاتمة:
بناء على ما سبق نالحظ أن املشرع املغربي ظل متوافقا مع موقف الفقه اإلسالمي
املالكي من النسب إلى درجة التطابق ،وهذا في نظرنا ال يعود إلى النقل الحرفي ملعالجة هذا
الفقه ملوضوع النسب ،بل إلى اإلعمال العقلي واملنطقي لهذا الفقه ،واكتشاف أن معالجته
للنسب هي صالحة لكل زمان ومكان ،وتأخذ في اعتبارها بالدرجة األولى مصلحة الولد
املزداد أو الذي سيزداد ،وذلك بلحوق نسب الولد إلى أبيه أوال ،ثم ثانيا صيانة هذا النسب
طوال حياة الولد ،وبدرجة موازية رعى الفقه اإلسالمي املالكي أيضا مصلحة املرأة الحامل
سواء أكانت متزوجة أو مخطوبة ،وذلك حفاظا لشرفها ،وتجنب لحقوق عار ابن الزنا
لوليدها.
والفقه اإلسالمي لم يقف عند مصلحة املرأة والولد ،بل من خالل مصلحة هذين
األخيرين ،ستمكن الرجل من حفظ شرفه ونسب أجداده في ولده ،وذلك في إطار نظام
إال أن ما نسجله على املشرع املغربي رقم املستجدات القيمة التي جاء بها في مدونة
األسرة ،هو الحيف الواقع في حق املرأة والذي تتجسد مالمحه في حالة البنوة غير الشرعية
حيث ال يتحمل أب اإلبن غير الشرعي أية مسؤولية تطلق ،رغم أنه مشارك في ارتكاب جريمة
الزنا التي أدت إلى الحمل الغير الشرعي ،وهللا سبحانه وتعالى في ذكره الحكيم لم يعاقب
املرأة وحدها في جريمة الزنا بل ساوى بينها وبين الرجل في حد الزنا ،وبهذا فمن املفروض
أن يتحمل هذا الرجل نتيجة خطئه ،وأن يتحمل مسؤولية هذا الطفل املزداد ولو من
الناحية املادية ،وذلك استنادا لقواعد املسؤولية املدنية (الفصل 22من قانون االلتزامات
والعقود املغربي) ،التي تلزم كل إنسان ارتكب فعال عن بينة ومن غير أن يسمح به القانون
فأحدث ضررا للغير ماديا أو معنويا بتعويض هذا الضرر إن كان الفعل هو السبب في
حدوث الضرر.
الئحة املراجع:
إبراهيم أحمد عثمان :دور البصمة الوراثية في إثبات النسب والجرائم الجنائية"
املؤتمر العربي األول لعلوم األدلة الجنائية والطب الشرعي ،جامعة نايف العربية للعلوم
إبراهيم بحماني" :نسب األبناء في الزواج الفاسد" مقال منشور بمجلة القضاء
أجوبة السيد وزير العدل ووزير األوقاف والشؤون اإلسالمية ،عن األسئلة
واالستفسارات املثارة أثناء مناقشة مشروع املدونة أمام مجلس ي البرملان منشورات
جمعية نشر املعلومة القانونية والقضائية ،سلسلة الشروح والدالئل ،مطبعة فضالة
مجد الدين الفيروز أبادي" :القاموس املحيط" دار إحياء التراث العربي ،سنة
.7000
محمد الكشبور" :الوسيط في شرح مدونة األسرة ،الكتاب الثاني ،انحالل ميثاق
محمد مصطفى شلبي" :أحكام األسرة في اإلسالم ،دراسة مقارنة" دار النهضة
مدونة األسرة.
دليل علمي ملدونة األسرة صادر عن وزارة العدل ،من منشورات جمعية نشر
املعلومة القانونية والقضائية سلسلة الشروح والدالئل العدد ،7004 ،8مطبعة فضالة
املحمدية.
Jurisdiction for consumer disputes between the legal text and the practical
reality
مقدمة:
إن تطور الحياة االجتماعية و االقتصادية و ما صاحبها من ارتفاع على مستوى
معيشة األفراد عن طريق تطور وسائل اإلنتاج و زيادة االستهالك و تنوع الخدمات املقدمة
للمستهلك ترتب عنه إلحاق أضرار كبيرة بهذا األخير الذي وجد نفسه أمام تنوع السلع و
الخدمات عرضة ملجموعة من املمارسات الغير شريفة ،خاصة من طرف مقدمي الخدمات
األمر الذي تحتم معه إيجاد إطار قانوني لحماية املستهلك حيث بدأ التفكير في حماية حقوق
املستهلك في ستينيات القرن املاض ي ،وذلك بعد خطاب الرئيس األمريكي " جون كندي"
التي تؤثر وتتأثر في السوق االقتصادي إال أن صوتها ال يزال غير مسموع ،وحينها أعلن ما
يسمى بالحقوق األربعة للمستهلكين .وبعد ذلك ثم اإلعالن اليوم العاملي لحقوق املستهلكين
ومنذ ذلك التاريخ إلى يومنا هذا يتم االحتفال باليوم العاملي لحقوق املستهلك
في 82مارس ،وتتم مناقشة مواضيع لها عالقة باملستهلك في كل احتفال ،فمثال في 7080تم
مناقشة موضوع " الطرق البديلة لتسوية نزاعات االستهالك" وذلك باملغرب ،وأصبحت
املطالبة من طرف املستهلكين بحماية حقوقهم ،وفي سبيل هذا أصدر املشرع املغربي سنة
االستهالك أرضية خصبة يلعب فيها القضاء دورا مهما نظرا لخصوصية هذه النزاعات
وعلى ضوء ذلك فقد كان من الواجب تحديد قواعد االختصاص لهذا النوع من
النزاعات الذي يتميز بطابعه الخاص وتحديد االختصاص القضائي في نزاعات االستهالك
يقصد به معرفة الجهة القضائية واملحكمة املؤهلة للنظر في النزاعات على اختالفها،
فاالختصاص هو سلطة املحكمة للبث في قضية معينة أو نزاع معين و عدم االختصاص هو
فقدان والية هذه الجهة أو املحكمة صالحية البث في نزاع معين و تحديد اختصاص محكمة
معينة يكون بتمييز القضايا التي لها سلطة النظر فيها وفقا للقواعد التي ينص عليها
القانون.
ضرورة ضمان األمن القضائي في هذه املنازعات ،وإعطاء املستهلك الضمانات األزمة من
أجل اللجوء إلى القضاء كمؤسسة تضمن له حقوقه في هذا النوع من املعامالت
االستهالكية.
ومن خالل ما سبق فان التساؤل الذي يطرح نفسه ،كيف قام املشرع املغربي
تجاوزها.
من املعروف أن الحقوق تعد بال قيمة إن لم توفر للمستهلك حقوقه القضائية
وتمنحه الحماية القضائية في كل مراحل االستهالك وتنفيذ عقد االستهالك لكن ما يالحظ
هنا هو تنوع وتشعب االختصاص فيما يخص نزاعات االستهالك ذلك أن االختصاص
النوعي يعهد إلى كل من املحاكم التجارية واإلدارية واالبتدائية ،هذا باإلضافة إلى حرية
األطراف فيما يخص االختصاص املحلي بالنسبة ملنازعات االستهالك .وهذا ما سنتعرض
له في هذا املبحث وذلك بالتطرق إلى قواعد االختصاص النوعي في منازعات االستهالك
(املطلب األول) واالختصاص املحلي أيضا في هذا النوع من املنازعات (املطلب الثاني).
إن نزاعات االستهالك تعرف تنوع االختصاص القضائي حسب طبيعة النزاع
األول من الظهير الشريف رقم 8.88.841بتنفيد القانون رقم 80/94الصادر بتاريخ 82
8ـاملحاكم االبتدائية.
املحاكم االبتدائية املدنية وتضم أقسام قضاء القرب ،غرف مدنية وتجارية وغرف
املحاكم االبتدائية الزجرية وتضم :قضاء القرب .غرف جنحية .غرف حوادث السير.
7ـاملحاكم اإلدارية.
9ـاملحاكم التجارية.
4ـمحاكم االستئناف.
وتجدر اإلشارة إلى أن الفصل 81من ق.م.م ينص على ما يلي " تختص املحاكم
االبتدائية مع مراعاة االختصاصات الخاصة املخولة إلى أقسام قضاء القرب بالنظر في
جميع القضايا املدنية" ،.....وبقراءة قانونية لهذا املستجد التشريعي نالحظ بأنه يمكن
508تجدر اإلشارة إلى أنه تم تغيير هذه التسمية بمقتضى ظهير شريف رقم 61661680صادر في 28ذي القعدة 24(6522
أكتوبر )2066بتنفيذ القانون رقم 40166المتعلق بمحكمة النقض ،المغير بموجبه الظهير الشريف رقم 61481222الصادر في 2ربيع
األول 6288ه(28شتنبر )6948بشأن المجلس األعلى.
للمحكمة االبتدائية النظر في جميع القضايا بما فيها قضايا نزاعات االستهالك أي بين
509 املستهلك الطرف الضعيف في العالقة التعاقدية والتاجر املورد.
وعليه فإن تحديد نوع املحكمة املختصة للنظر في نزاع معين يكون باالستناد
على مجموعة من االعتبارات كقيمة النزاع مثال بحيث كلما كانت قيمة النزاع تقل عن 2000
القرب510. درهم ،فان االختصاص في هذه الحالة ينعقد ألقسام قضاء
وقد يشكل النزاع أحيانا كثيرة عمال إجراميا يعاقب عليه املشرع املغربي ،وفق
املقتضيات القسم السابع من القانون رقم 01ـ ،98وفي هذه الحالة فإن االختصاص ينعقد
للمحكمة الزجرية ،وهو خيار يوسع من طرق ممارسة الدعوى من طرف املستهلك وجعله
كما تختص كذلك في الجرائم اإلثبات511 يستفيد من وجود النيابة العامة في مجال
أما بالنسبة للدعاوى التي يكون أحد أطرافها تاجرا سواء كان شخصا طبيعيا أو
معنويا و اآلخر مدنيا مثل املستهلك املقترض ففي هذه الحالة يكون االختصاص إما
للمحكمة التجارية وإما للحكمة املدنية املتمثلة في املحكمة االبتدائية ،وذلك حسب نوع
العمل املختلط بالنسبة للخصم أو املدعى عليه ،بذلك يبقى للمستهلك املقترض الحق في
االختيار بين املحكمة املدنية و املحكمة التجارية .ففي الحالة التي يكون فيها هو املدعي
509يوسف الزوجال ،نظام الوسائل البديلة لفض منازعات عقود االستهالك بالمغرب بين التأصيل والتأويل والتحليل،الطبعة األول ىسنة
2068ص626
510المادة 60من القانون رقم 52ـ 60الصادر في غشت 2066المحدث ألقسام قضاء القرب
511المهدي العزوزي ،اإلختصاص القضائي في نزاعات االستهالك ،دراسة في ضوء قانون تدابير حماية المستهلك وأولى االجتهادات
القضائية الصادرة في ظله المجلة المغربية للقانون االقتصاد يعدد 4و1ص625
يترك له الخيار في اللجوء إلى املحاكم املدنية أو التجارية قصد املطالبة بحقوقه ،وذلك
ألن املعاملة هنا تكتس ي طابعا مختلطا ،إذ تعد مدنية بالنسبة للمستهلك وتجارية في الغالب
بالنسبة للمنهي مما دفع باالجتهاد القضائي إلى ترسيخ هذه القاعدة من خالل مجموعة من
القرارات كلها تصب في حماية املصلحة الفردية للمستهلكين باعتبارهم أطرافا ضعيفة في
العالقة التعاقدية مع املهنيين .512أما إذا كان املورد هو املدعي فيمكن له أن يرفع دعواه
أمام املحاكم االبتدائية الطبيعية للمستهلك .كما يمكن للمورد أن يرفع دعواه أمام
املحكمة التجارية ،لكن في هذه الحالة األخيرة يمكن للمستهلك الدفع بعدم اختصاص
املحكمة التجارية نوعيا في النزاعات املختلطة ،وهو ما حدث فعال في قضية عرضت على
املحكمة التجارية بالدار البيضاء إذ بادرت املدعية شركة ليونيز للمياه (ليدك) برفع دعوى
أمام املحكمة التجارية ضد املدعى عليها املستهلك ملطالبتها بأداء مبلغ 29.477.12درهم
عن واجبات استهالك املاء والكهرباء فتقدمت املدعى عليها بواسطة نائبها بمذكرة دفعت
فيها بعدم االختصاص النوعي ،ملتمستا التصريح بعدم االختصاص النوعي للمحكمة
التجارية ألن العارضة شخص مدني وأن النزاع ال يندرج تحت الشروط املنصوص عليها في
املادة 2من قانون إحداث املحاكم التجارية ،وبعد تأكد املحكمة من خضوع النزاع لقانون
513. حماية املستهلك صرحت بعدم اختصاصها نوعيا للبث في النزاع املعروض عليها
512قوبعي بلحول ،الحماية اإلجرائية للمستهلك رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون الخاص جامعة تلمسان سنة ،2009/2000ص
.61-64
513حكم المحكمة التجارية بالدارالبيضاءعدد 1668بتاريخ 2062/05/24ملف رقم أورده المهدي العزوزي ،ص.6201629
أما فيما يخص االختصاص بالنسبة للمحاكم اإلدارية كلما تعلق األمر بسوء تدبير
املرافق العمومية اإلدارية ،كاملستشفيات واملدارس مثال أو تسبب أحد أشخاص القانون
العام في إلحاق الضرر باملستهلك ،لتأكيد على كون املشرع املغربي عمل على تحديد
اإلختصاص النوعي للمحاكم اإلدارية بنوع من الدقة ،وجعله من متعلقات النظام العام
رقم30ـ514.41 طبقا للمادة 87من القانون املحدث للمحاكم اإلدارية
أما فيما يخص لالختصاص املحلي املتعلق بالقضايا االستهالكية ،فإن ممارسة
الدعوى املدنية يكون إما أمام محكمة املوطن الحقيقي أو املختار للمدعى عليه ،وإذا لم
يكن لهذا األخير موطن في املغرب ولكن يتوفر على محل إقامة ،كان االختصاص ملحكمة
هذا املحل وإذا لم يكن للمدعي عليه ال موطن له وال محل إقامة في املغرب فيمكن تقديم
الدعوى ضده أمام محكمة أو موطن أو إقامة املدعى أو واحد منهم عند تعددهم ،أما إذا
تعدد املدعى عليهم جاز للمدعي أن يختار محكمة موطن أو محل إقامة أي واحد منهم ،هذا
هذا ويضيف بعض الفقه (عامر أحمد القيس ي) ،على أنه بإمكان املستهلك إقامة
الدعوى أمام محكمة املكان الذي يقيم فيه املدعى عليه أو املكان الذي يحصل فيه التسليم
الفعلي للش يء املبيع أو املكان الذي تؤدى فيه الخدمة ،حيث أن أفضل مكان للمستهلك
وهو مكان أداء الخدمة ألنه عادة ما يكون مكانها هو مكان إقامة املستهلك ،واملقصود بمكان
-514المهدي العزوزي ,تسوية نزاعات اإلستهالك في ضوء قانون رقم 00/26القاضي بتحديد تدابير حماية المستهلك ,ص 20و .26
التسليم الفعلي املكان الذي يتم فيه التسليم ماديا .لذلك إذا لم يحصل التسليم ،فإن
على املستهلك أن يقيم الدعوى أمام محكمة مكان وجود البائع .515
غير أنه بصدور قانون حماية املستهلك باملغرب ،فقد سن املشرع املغربي نظاما
جديدا لالختصاص املحلي وهو ما يتضح من خالل املادة 888ق ح م التي تنص على أنه "
يجب أن تقام دعوى األداء أمام املحكمة التابع لها موطن أو محل إقامة املقترض خالل
السنتين املواليتين للحدث الذي أدى إلى إقامتها تحت طائلة السقوط حق املطالبة بفوائد
516 التأخير"
كما تنص املادة 707من نفس القانون" في حالة نزاع بين املورد واملستهلك ،ورغم
وجود أي شرط مخالف ،فإن املحكمة املختصة هي محكمة موطن أو محل إقامة املستهلك
517 أو محكمة املحل الذي يقع فيع الفعل املتسبب في الضرر باختيار هذا األخير"
وتبعا لذلك فإن االختصاص املحلي أصبح ينعقد ملحكمة موطن أو إقامة املستهلك،
تنص على صيغة "املدعى عليه" لتحديد املحكمة املختصة محليا جاء قانون
515آسيا شعبان ،فضل المنازعات المرتبطة باالستهالك رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص كلية العلوم القانونية واالقتصادية
واالجتماعية مكناس ص 29
516المادة 666من قانون رقم 26100القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك.
517المادة 202من القانون رقم 26100القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك
01-98لينص على كون االختصاص يرجع ملحكمة موطن أو إقامة املستهلك أو
-جاءت بصيغة عامة قابلة للتطبيق على كافة أنواع النزاعات املتعلقة بقانون
حماية املستهلك ،سواء أكانت ذات بعد مدني ،مختلط ،إداري ،زجري ،وبغض
النظر عن املحكمة املختصة في النزاع على اعتبار أنها قواعد جاءت عامة في نص
مقتضيات املادة 828من قانون القاض ي بتحديد تدابير لحماية املستهلك .خصوصا في
-ال يمكن للخصوم االتفاق على رفع دعوى أمام محكمة غير مختصة محليا
بصورة مطلقة
الدعوى ،ولو ألول مرة أمام محكمة النقض عند الطعن بالنقض.
-على النيابة العامة سواء كان تدخلها إلزاميا أو إختياريا ،إبداء الدفع بعدم
االختصاص املحلي.
-وهو ذاته التوجه الذي بدأت تسلكه املحاكم املغربية سواء منها االبتدائية أو
املختصة في حال وقوع نزاع بين املورد واملستهلك رغم وجود أي شرط مخالف
لذالك تكون املحكمة محقة فيما ذهبت إليه عندما صرحت بعدم اختصاصها
وتجدر اإلشارة إلى أنه يكون االختصاص املحلي للدعاوى املدنية ملحكمة املحل
الذي وقع فيه الفعل املتسبب للضرر أو أمام محكمة موطن املدعى عليه باختيار الجامعة
الوطنية أو جمعية حماية املستهلك .و تقام الدعاوى املدنية التابعة أمام املحكمة الزجرية
وفقا للشروط املقررة في قانون 77.08املتعلق باملسطرة الجنائية و ذلك حسب مقتضيات
هذا وقد كان املشرع الفرنس ي يعتبر االختصاص املحلي من النظام العام ويبطل
كل شرط مخالف له ،لكن وعلى الرغم من وجود هذا النص إال أن الواقع يعكس حقيقة
518المهدي العزوزي تسوية نزاعات االستهالك في ضوء قانون رقم 26100القاضي بتحديد تدابير حماية المستهلك ص52-52 :
الفرنسية ومن بينها عقود القرض السكني تتضمن شروطا يمنح بموجبها االختصاص
ملحكمة موطن املنهي من أجل فض النزاعات ،وهو األمر الذي يدفع املستهلك إلى االعتقاد
بصحة هذا الشرط ويؤدي به إلى التزام الحياد وعدم القيام برفع الدعوى القضائية أو
اللجوء إلى العدالة ملقاضاة املنهي ،ألنه من الناحية النفسية سوف تسيطر عليه فكرة أن
إلغاء أو عرقلة حق املستهلك في ممارسة الدعوى القضائية شرط تعسفي يترتب عنه
البطالن520وقد بادرت لجنة إعادة صياغة قانون االستهالك الفرنس ي إلى اقتراح ضرورة
السماح للقاض ي بإثارة وسائل املستهلكين من تلقاء نفسه ،وهو ما لم تقبله محكمة النقض
الفرنسية حينما قررت بأنه عندما يكون هناك نص تم سنه لغرض حمائي ،فان البطالن
ال يمكن إثارته إال من قبل الشخص املقصود بالحماية ،األمر الدي يمنع القاض ي من اثارته
لكن محكمة العدل االروبية وعن حق ذهبت في اتجاه مخالف في قرارها الصادر
بتاريخ 7000/07/72معتبرة انه يحق للقاض ي إثارة بطالن الشروط التعسفية من تلقاء
نفسه ولو لم يطلب األطراف ذالك صراحة .521وتجدر اإلشارة إلى أنه على صعيد االتحاد
519حيدر طالب محمد علي االختصاص القضائي بمنازعة عقد التوريد جامعة النهرين ص.2 :
520عبد المهيمن حم زة ،حماية المستهلك في القروض العقارية مسألة االختصاص والمهلة القضائية (نمودجا) مقال منشور بمجلة القضاء
المدني عدد 8ص.220 – 228 :
521المهدي العزوزي مرجع سابق ص.52 :
عبر الحدود بين الدول األعضاء بموجب االتفاقية املوقعة في العاصمة البلجيكية بروكسيل
املطبقة على كافة النزاعات املدنية والتجارية بما فيها املنازعات االستهالكية ،حيث تم النص
على أن محكمة التراب الوطني لدولة املدعى عليه هي املختصة للفصل في جميع القضايا
غير أن املواد 89و84و 82من االتفاقية نفسها تنص على أن االختصاص يعود ملحكمة
عليه522 موطن املستهلك سواء كان مدعيا أو مدعى
أما بالنسبة للتشريع الجزائري فإن قانون اإلجراءات املدنية في املواد 1و 3و 80أعطى
مجموعة من القواعد التي يقوم عليها هدا االختصاص والتي تسمح للمدعي أن يوجه دعواه
بطريقة صحيحة ،فاألصل أن الدعوى ترفع للجهة القضائية التي فيها موطن املدعى عليه،
فعلى املستهلك إذن في حالة تضرره من أي خطأ أو تقصير أو إهمال من خالل استهالكه
ملنتوج ما أو إهماله أو سوء الخدمة املقدمة له من طرف املنهي أو الصناعي أو الحرفي أن
523. يرفع الدعوى أمام املحكمة التي فيها موطن املدعى عليه
522مهدي منير ،المظاهر القانونية لحماية المستهلك أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص كلية العلوم القانونية واالقتصادية وجدة
ص 206
523قوبعي بلحول" الحماية االجرائية للمستهلك" رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون الخاص جامعة تلمسان سنة 2009/2000ص
20
تجاوزها
بعد الحديث في املبحث األول عن قواعد االختصاص سواء النوعي أو املحلي في
منازعات االستهالك ،يجب أن ال ننس ى تبيان مظاهر القصور واملحدودية التي تعتري قواعد
االختصاص فيما يخص نزاعات االستهالك ،وذلك من شأنه أن يبعد املستهلك عن الولوج
إلى القضاء وذلك لتعقد وقصور قواعد االختصاص في املنازعات االستهالكية .لذلك ارتأينا
أن نتطرق إلى مظاهر قصور قواعد االختصاص (املطلب األول) على أن نعرض بعض
بعد أن نتطرق إلى مظاهر قصور االختصاص املحلي في قانون حماية املستهلك
في( الفقرة األولى) سنتحدث في (الفقرة الثانية) عن مظاهر قصور االختصاص املحلي
املشرع املغربي في قانون االستهالك لإلختصاص النوعي في قضايا االستهالك ،حيث ظل األمر
خاضعا للقواعد العامة الش يء الذي انعكس سلبا على املستهلك وذلك ألنه في بعض
الحاالت قد يفرض على هدا االخير من قبل املنهي اللجوء لجهة قضائية أخرى غير القضاء
املدني كاملحاكم التجارية مثال وذلك بحجة امتياز نزاعات االستهالك بالطابع املختلط ،أو
التوجه إلى املحاكم اإلدارية إذا تعلق األمر بشخص من أشخاص القانون العام فيجد
بالتالي نفسه أمام أكثر من جهة قضائية مفروض عليه اللجوء إليها ،إما بسبب شرط
لكن تجدر اإلشارة إلى أنه حين يكون املستهلك مدعى عليه فاليمكن للمنهي
مقاضاته إال أمام املحكمة االبتدائية وله أن يدفع بعدم االختصاص إذا ما تمت مقاضاته
إذن نالحظ أنه بالنسبة لالختصاص النوعي فإن املشرع املغربي لم يراعي خصوصية
نزاعات االستهالك وذلك بعدم تحديده في القانون 98-01املتعلق بحماية املستهلك على
نصوص خاصة باالختصاص النوعي في إطار منازعات االستهالك ،وأبقى األمر مقتصر على
كما تم الذكر سابقا فإن قواعد االختصاص املحلي في نزاعات االستهالك يخضع
ايضا لقانون املسطرة املدنية أو قانون إحداث املحاكم التجارية أو اإلدارية وبذلك فإن
االختصاص املحلي في منازعات االستهالك يعود ملحكمة موطن املدعى عليه ،كما أنه ال يعتبر
الش يء الذي ترتب عليه آثار سلبية خصوصا في مواجهة املستهلك الذي يعد
طرفا ضعيفا في العالقة التعاقدية ،في ظل انتشار البنود التعاقدية التي تمنح االختصاص
ملحكمة بعيدة عن املستهلك غالبا ما تكون هي محكمة الدار البيضاء ،وبذلك يكون املشرع
قد فتح الباب أمام املنهي إلدراج الشروط التعسفية في عقد القرض ،ويعني ذلك إسناد
االختصاص إلى املحكمة التي يوجد بها املقر االجتماعي للمؤسسة املقرضة ،ألن رفع الدعوى
في مثل هده الحاالت يقتض ي االنتقال الى املكان الذي يوجد به املقراالجتماعى الذي قد
يكون بعيدا عن موطن املستهلك ،مما يؤدي إلى عزوفه عن طرق باب القضاء للمطالبة
524 بحقوقه.
525 وهذه اإلشكالية تداركها املشرع املغربي في قانون تدابير حماية املستهلك.
بعد رصد بعض اإلشكاالت واملعيقات التي تجعل قواعد االختصاص القضائي
في منازعات االستهالك ،يشوبها القصور واملحدودية ،سنحاول اآلن ذكر مجموعة من
إن أهم آلية لتجاوز القصور الذي يعتري االختصاص النوعي في نزاعات
االستهالك هي إضافة قسم خاص بالحقوق القضائية للمستهلك والولوج إلى العدالة في
القانون رقم 98-01يتضمن مادة خاصة باالختصاص النوعي حسب رأي األستاذ عبد
االبتدائية ملوطن املستهلك أو للمحكمة االبتدائية ملحل إبرام العقد وكل اتفاق على خالف
526 ذلك يعتبر باطال.
إن مثل هذا التعديل ضرورة ملحة لتجنب املستهلك بصفة عامة ،واملقترض ألجل
السكن بصفة خاصة ،مشاق اللجوء إلى القضاء التجاري الذي يبقى قضاء غريبا عنه بما
يتسم به من قواعد قاسية تتميز بالصرامة والسرعة مقارنة مع القواعد املدنية كما أن
هذا التعديل سيضع حدا لتضارب االجتهادات القضائية حول االختصاص النوعي في
منازعات القروض البنكية املخصصة للسكن خاصة وأن القضاء التجاري املغربي يميل في
غالب األحيان إلى إسناد االختصاص في هذه املنازعات إلى املحاكم التجارية على اعتبار أن
527 القرض البنكي عقد تجاري بطبيعته.
باالختصاص القضائي
إنه ومن بين السبل التي يجب اتخاذها كحلول ألزمة االختصاص القضائي في
منازعات االستهالك ،تعزيز حق املستهلك في الدفع بالشرط التعسفي الذي قد يتعلق في
بعض الحاالت بإدراج املقرض لشرط تعسفي في العقد يفرض بموجبه على املستهلك نوع
املحكمة التي يرجع لها االختصاص في حسم النزاع ،وذلك ما يعتبر تعسفا في حق املستهلك
526عبد الحميد أخريف :قراءة في مشروع قانون 26-00القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك .المجلة المغربية للقانون االقتصادي،
العدد 2سنة 2060ص 262
527عبد المهيمن حمزة ،مرجع سابق 224
كما أنه ال يجب فرض الطرق البديلة لتسوية املنازعات في عقد االستهالك
بكيفية تقص ي بها القضاء العادي من النظر في النزاع ،وهذا ما أشار إله قانون حماية
املستهلك في حديثه عن الشروط التعسفية لكنه ال يشير إلى الوسائل البديلة بصيغة
صريحة ،كما أنه يجب حين اعتماد هذه الطرق البديلة كطريق أولي قبل عرض النزاع على
القضاء اختيار الوسيلة األكثر تالؤما مع طبيعة نزاعات االستهالك كالوساطة مثال وليس
528 التحكيم على اعتبار هذا األخير خاص بالنزاعات التجارية.
وفي األخير يمكننا القول أن موضوع تدبير االختصاص في منازعات االستهالك ،من
أهم املواضيع التي تمت مناقشتها ومعالجتها في عدة كتابات ملا لها من أهمية في تحقيق
األمن القضائي على مستوى نزاعات االستهالك ،ذلك باعتبار القضاء هو ملجأ املستهلك
ومالذه ألخذ واملطالبة بحقوقه ،لكن ال زالت تعترضه عدة إشكاالت وال زال املشرع املغربي
لم يضع لالختصاص إطارا قانونيا كافيا وواضحا ،لذلك وجب التفات املشرع املغربي إلى
هذا القصور على مستوى تدبير االختصاص في نزاعات االستهالك بالنسبة للنصوص
528االمن القضائي وفض نزاعات االستهالك أمام القضاء ،مقال منشور بالموقع االكتروني www.marocdroit.comتاريخ الزيارة
02/04/2068على الساعة 68:50
الئحة املراجع
القوانين:
قانون املسطرة املدنية
القانون املتعلق بمحكمة النقض
القانون املتعلق بتحديد تدابير حماية املستهلك
القانون املحدث لقضاء القرب
القانون املحدث للمحاكم اإلدارية
القانون املحدث للمحاكم التجارية
كتب:
يوسف الزوجال" نظام الوسائل البديلة لفض منازعات عقود االستهالك
باملغرب بين التأصيل و التأويل والتحليل"الطبعة األولى سنة 7082
املهدي العزوزي"تسوية نزاعات االستهالك في ضوء قانون رقم 01/98
القاض ي بتحديد تدابير حماية املستهلك"
مقاالت :
املهدي العزوزي" اإلختصاص القضائي في نزاعات االستهالك ،دراسة في
ضوء قانون تدابير حماية املستهلك وأولى االجتهادات القضائية الصادرة في ظله املجلة
املغربية للقانون االقتصادي
عبد الحميد أخريف" قراءة في مشروع قانون 98-01القاض ي بتحديد
تدابير لحماية املستهلك" املجلة املغربية للقانون االقتصادي ،العدد 9سنة 7080
عبد املهيمن حمزة" حماية املستهلك في القروض العقارية مسألة
االختصاص واملهلة القضائية (نمودجا) "مقال منشور بمجلة القضاء املدني عدد 2
األطروحات والرسائل:
مهدي منير ،املظاهر القانونية لحماية املستهلك أطروحة لنيل الدكتوراه
في القانون الخاص كلية العلوم القانونية واالقتصادية وجدة
قوبعي بلحول ،الحماية اإلجرائية للمستهلك رسالة لنيل شهادة املاستر في
القانون الخاص جامعة تلمسان سنة 7003/7001
آسيا شعبان ،فضل املنازعات املرتبطة باالستهالك رسالة لنيل دبلوم
املاستر في القانون الخاص كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية مكناس
حيدر طالب محمد علي االختصاص القضائي بمنازعة عقد التوريد
جامعة النهرين.
صدور امليثاق الجماعي األول بتاريخ 23يونيو 1960الذي شكل النواة األولى نحو الالمركزية
اإلدارية ونص على نوعين من الجماعات ،الجماعات الحضرية والجماعات القروية أسندت
لها آنذاك اختصاصات ثانوية إذ انحصر دورها في املهام االستشارية وفي التسيير اإلداري
فقط نظرا لحداثة التجربة مع فرض وصاية صارمة ثالثية األبعاد بعدية،موازية وقبلية ،ثم
ٌ
بعد ذلك صدر ظهير 12دجنبر 1963الذي احدث بمقتضاه املشرع مستوى ثان من
الالمركزية ويتعلق األمر بمجالس العماالت واألقاليم ،ثم تاله ظهير 30شتنبر 1976املتعلق
بالتنظيم الجماعي والذي مثل االنطالقة ملساهمة الجماعات في التنمية وبعدما تم االرتقاء
خالل التعديالت الدستورية لسنتي 1992و 1996بالجهة إلى جماعة ترابية أحدث في أبريل
1997صنف جديد من الجماعات الترابية ويتعلق األمر بالجهات .تاله إصدار قانون 78.00
والتخفيف من الوصاية وتخفيض آجال املصادقة ،و مستجدات أخرى على مستوى عالقات
على بعد شهور قليلة عن موعد استحقاقات شتنبر 2015عرف شهر يوليوز من نفس
السنة وألول مرة إصدار العديد من القوانين في شكل قوانين تنظيمية تتعلق بالجهات
هذا ويعد كسب رهان التنمية ،ضرورة ملحة في عصرنا الحاضر خصوصا مع تزايد
املطالب واالحتياجات املجتمعية من جهة ،واألزمة املالية التي تعاني منها الدولة والجماعات
الترابية من جهة ثانية ولعل البحث عن كسب هذا الرهان االستراتيجي في ظل هذه األزمة،
يقتض ي البحث عن أنجع الوسائل واآلليات الحديثة لتحقيق التنمية الترابية ،وتمثل
الالمركزية خيارا استراتيجيا لتدبير الشأن العام الترابي ،كونها تتيح لكيانات ترابية – أي
الجماعات الترابية -فرصة تدبير شونها الذاتية ومعالجة املشاكل والتحديات التنموية التي
تعاني منها ،بعيدا عن املقارية املركزية في التدبير التي أبانت عن عجز وقصور في تدبير
وقد أفرد دستور 2011الباب التاسع للجماعات الترابية وحسب الفصل 842من هذا
اعتبارية ،خاضعة للقانون العام،تسير شؤونها بكيفية ديمقراطية ،وهكذا سیقع تحول
مهم على مستوى التسمیة ،ففي الدساتير السابقة كان املشرع الدستوري یستعمل
الجماعات املحلیة للداللة على الوظیفة اإلداریة لهذه الجماعات ،لكن مع دستور 2011تم
استعمال الجهات والجماعات الترابیة األخرى ،حیث أدخل املشرع الدستوري البعد الترابي
في تصوره للجماعات املحلیة باعتباره أحد املداخل األساسیة والجدیدة للسیاسات
إذا كانت التنمية نشاطا إنسانيا يشمل صيرورات تحويلية متعددة األبعاد يمتزج فيها
السياس ي والثقافي واالجتماعي واالقتصادي ،وهي تسعى ،پذلك ،إلى تطوير اإلنسان ماديا
وثقافيا وروحيا من خالل إعادة االعتبار لدوره ومكانته في توجيه تلك الصيرورات ،وذلك
بما يمكنه من استغالل املوارد واإلمكانات املتاحة له ماديا وبشريا بشكل فعال وعادل
وراشد .530وعلى هذا ،تشمل التنمية ،كعملية مركبة ،كل القطاعات ،وتسعى إلى تغيير كل
البنيات واملؤسسات وانساق القيم .كما تتداخل في بلورتها عوامل مختلفة منها البشرية
531 والفكرية واملالية والتقنية...
وتحتاج التنمية على املستوى املحلي إلى مساهمة العديد من الفاعلين من أبرزها -
إلى جانب الدولة واملجتمع املدني والخواص -....الجماعات الترابية ،وإن كان األمر كذلك ،
530-voir a ce propos : Norbert Elias, Qu’est ce que la Sociologie ? ,Pocket ,éditions de l’aube , 1993,p 178
القانونية باملغرب ؟
ملعالجة هذه اإلشكالية ،سنقوم بتقسيم هذا العمل إلى مطلبين كالتالي :املطلب
أضحى ربح رهان التنمية يرتبط بشكل كبير بدور الجماعات الترابية ،باعتبارها األقرب
وإيمانا من املغرب بدور الجماعات الترابية في التنمية عمل اإلصالح الدستوري لسنة
،حيث سيشمل هذا التوسع عدد الفصول املخولة للجهات والجماعات الترابية األخرى إذ
و یحیل الفصل 146من دستور 2011في فقرته الرابعة على تحدید اختصاصات
الجماعات الترابیة بقوانين تنظیمیة ،وبهذا الشأن صدر القانون التنظیمي رقم 888.84
الثاني منها لالختصاصات املمنوحة لكل منها .وتقسم إلى اختصاصات ذاتية (الفقرة
إن الجهة تمارس اختصاصاتها الذاتیة 533في مجال التنمیة الجهوية ،وتعد برنامجها
التنموي للنهوض بالتنمیة املندمجة واملستدامة ،وتتابع تنفیذه إلى جانب التصمیم الجهوي
إلعداد التراب،ولهذا فقد حدد املشرع میادین االختصاصات الذاتیة للجهة في التنمیة
أما مهام النهوض بالتنمیة االجتماعية خاصة في الوسط القروي وكذا في املجاالت
الحضریة فأناطها املشرع بالعمالة واإلقلیم ، 534إلى جانب تعزیز التعاون بين الجماعات
وقد ترك املشرع مهام تقدیم خدمات القرب للمواطن للجماعة 535داخل دائرتها الترابیة
العمومیة في عدة مجاالت ،منها ما یتعلق بالنقل الحضري ،وما یتعلق بتوزیع املاء
كما سمح املشرع للجماعات الترابیة األخرى 536شأنها شأن الجهات 537بإمكانیة إبرام
اتفاقيات مع فاعلين من خارج اململكة في إطار التعاون الدولي ،وكذا الحصول في نفس اإلطار
على تمویالت طبقا للقوانين الجاري بها العمل بعد موافقة السلطات العمومیة.
وفي نفس اإلطار حدد املشرع مسطرة إعداد وتتبع الجماعات الترابیة لبرنامج عملها
خالل مدة انتداب مجالسها ،حیث یضع مجلس الجهات برنامج عمله 538تحت إشراف رئیس
مجلسها خالل السنة األولى من اإلنتذاب ،یتضمن تحدید األعمال التنمویة املقرر برمجتها و
إنجازها بمجالها الترابي ملدة 6سنوات ،یخضع بالتزامن معها للتحیين والتقییم اعتبارا
لنوعیتها وكلفتها وتوطینها لتحقیق تنمیة مستدامة وفق برنامج تشاركي ،مع ضرورة التنسیق
مع والي الجهة ،كما یلزم أن یكون برنامج العمل هذا مواكبا للتوجهات اإلستراتیجیة لسیاسة
الدولة وللتصمیم الجهوي إلعداد التراب ،مع األخذ بعين االعتبار االلتزامات املتفق بشأنها
واالجتماعية الجهوية.
اختصاصها وفي نفس املدة الزمنیة لالنتداب ،وبناءا على نفس االعتبارات تحت إشراف
رئیس ي مجلسهما ،مع التنسیق مع عامل العمالة أو اإلقلیم أو من ینوب عنها بصفته مكلفا
كما یلزم أن یتضمن برنامج العمل تشخیصا للحاجیات واإلمكانیات وتحدید األولویات،
كما سمح املشرع للجماعات الترابیة بإمكانیة تحیين برنامجها التنموي إبتداءا من
سوف نرى في هذه الفقرة الثانية نوع آخر من االختصاصات التي تمتلكها الجماعات
الترابية الثالث في مجال التنمية ويتعلق األمر باالختصاصات املشتركة (أوال) ثم
التنظیمیة للجماعات الترابية تنص مجتمعة على أن هذا الصنف من االختصاصات یتم
والجماعة , 542ووفق ذات األسلوب التعاقدي بمبادرة من كل وحدة ترابیة ،واعتمادا على
مواردها الذاتیة أن تتولى كل واحدة تمویل أو تشارك في تمویل إنجاز مرفق أو تجهيز أو تقدیم
خدمة عمومیة ال تدخل ضمن اختصاصاتها الذاتیة ،إذا تبين أن هذا التمویل یيساهم في
بلوغ أهدافها .أما النوع الثالث من اختصاصات ،ویتعلق األمر باالختصاصات املنقولة من
الدولة للجماعات الترابیة ،فیقتض ي وفقا ملنطوق القوانين التنظیمیة الثالث ،543مراعاة
مبدأ التدرج في الزمن والتمایز في املجال بين كل الوحدات الترابیة عند نقل االختصاص إليها
بأصنافها الثالثة من الدولة ،وتحدد مجاالتها اعتمادا على مبدأ التفریع ،الذي یمنح للجهة
بصفة خاصة ،االختصاص في مجاالت التجهيزات والبنیات التحتیة ذات البعد الجهوي.
واملرتبطة بالصناعة والصحة والتجارة والتعلیم والثقافة والریاضة والبیئة واملاء والكهرباء
ووفق نفس املبدأ تمنح للعمالة اختصاصات في مجال التنمیة االجتماعية وإحداث
تشمل حمایة وترسیم املآثر التاریخیة والتراث الثقافي والحفاظ على املواقع الطبیعیة
إن الهدف من دسترة اختصاصات الجماعات الترابیة ،یؤشر على أهمية البعد الترابيي
في التنظیم اإلداري املغربي ،وذلك عبر منح صالحیات واسعة للنظام الالمركزي بعیدا عن
الوصایة املركزیة ،544إال أن تحقیق ذلك الهدف وما یرتبط به من مؤهالت إصالحیة ال زالت
تعتريهما بعض الشوائب التي تتصل بطریقة أو بأخرى بالتوجهات العامة التي ستحكم مسار
العمل املحلي ،من حیث السبل واإلمكانیات ،في ظل قوانين تنظیمیة تتسم بعض مقتضیاتها
بنوع من الغموض والعمومیة في الطرح املتعلق بالتنمیة املحلیة واملجالیة،األمر الذي یبرر
معها عمق التداخل في الحدود الجغرافیة للجماعات الترابیة التي تخضع املستوى األدنى
للمستوى األعلى منها ،بالرغم من التنصیص الدستوري على االستقاللية املالیة واإلداریة
لكل وحدة ترابیة على األخرى مع عدم السماح ملمارسة الوصایة على بعضها البعض ،مما
وعلى هذا األساس فإن أهمية البعد الترابي في التنظیم الترابي املغربي یتطلب بذل املزید
من الجهود لتفسير املقتضیات القانونیة الترابیة بما یتوافق وروح الدستور ،من أجل توضیح
أكثر الختصاصات الجماعات الترابیة شكال ومضمونا ،وكذلك لضبط حدود املتدخلين في
تدبير الشأن الترابي ،مع األخذ بعين االعتبار الدور الریادي للقضاء اإلداري والسیما
إذا كانت الجماعات الترابية أصبحت خيارا استراتيجيا من أجل تحقيق التنمية
الترابية من خالل صالحيتها الواسعة واختصاصاتها املتعددة ،فإن الواقع العملي الشتغال
هذه الجماعات يفرز لنا مجموعة من اإلكراهات وهو ما سنراه من خالل التركيز على أبرز
الواسعة التي تتمتع بها ،نتيجة التركيز على البعد االقتصادي لالمركزية اإلدارية القادر
لوحده على جعل الدولة مؤهلة ملواجهة التحديات املطروحة على الصعيدين الداخلي
والخارجي املطبوعة بعوملة االقتصاد و التزايد املستمر لحاجيات املواطنين ،حيث تبدو من
خاللها كأقطاب التنمية املحلية والوطنية ،وهو وضع لم يأت صدفة وإنما هو وليد
إال أنه بالرجوع إلى تجارب الجماعات الترابية طيلة الحقب املاضية ،نجد أنها تعرف
مجموعة من املعيقات منها ما هو مرتبط بما هو مادي ( الفقرة األولى ) ،ومنها املعيقات
تعتبر املوارد الحلقة األساسية ألي مسلسل تنموي ،فاملوارد املالية والبشرية هي
الركيزة التي يمكن أن تعتمد عليها الجماعة الترابية لتحقيق التنافسية في أهدافها التنموية
على مختلف األصعدة ،لكن هذه املنظومة الزالت تعاني من عدة إكراهات مما يؤثر سلبا
على أوجه تصريف الشؤون املحلية .ولعل أبرز هذه املعيقات ما يرتبط بضعف ومحدودية
حيث رغم أن مسلسل تجربة الالمركزية عرف منذ 8370مرورا بالتنظيم الجماعي
سواء على املستوى التنظيمي واملؤسساتي خاصة في املجال القانوني املتعلق بتوسيع
االختصاصات إال أن هذا التطور لم يرافقه تطور مادي مواز ،يمكن هذه الوحدات الترابية
من مواجهة تكاليف ممارسة مهام التسيير وتمويل انجاز التنمية التي يفرضها التناسب بين
توسيع االختصاصات والقدرة على التمويل ،خاصة وأن املوارد الذاتية ال تستطيع حتى
تغطية نفقات التسيير ،فباألحرى تمويل البرامج واملشاريع التنموية ،إذ بالرغم من
اإلصالحات التي عرفتها الجبايات املحلية في السنوات األخيرة ،فإن هذه األخيرة ال زالت
دون املستوى املطلوب ، 546هذا باإلضافة إلى إشكالية التهرب الضريبي .
للجبايات املحلية ،547 42.07إلى موارد ذاتية ذات طبيعة جبائية ،وتحويالت الدولة من
القيمة املضافة بنسبة ، %90ثم موارد ذات طبيعة غير جبائية تتمثل في موارد أمالك
الجماعات وإعانات وإمدادات الدولة ،باإلضافة إلى املوارد االستثنائية املتمثلة في القروض
546-Fatima chahid :"territorialisation des politiques "publications de la revue marocaine, l'administration locale
Développement collection, manuelet traveaux n° 63 2005 p 111
املقدمة من صندوق التجهيز الجماعي األمر الذي يؤدي بداهة إلى فرض الوصاية الختياراتها
وتوجهاتها.
وهكذا تتلخص املوارد الذاتية للجماعات الحضرية والقروية من مجموع املوارد التي
تقوم بتحصيلها في إطار نطاقها الترابي واملنصوص عليها في املادة الثانية من القانون
الجباني في 88رسما ،إال أن املستفيد األكبر من هذه الرسوم ،هي الجماعات الحضرية
باملقارنة الجماعات القروية ،548علما أن عدد الجماعات الترابية يبلغ 8242جماعة ،مع
تشكل 549 %17.48بالنسبة إلى باقي الجماعات الترابية ،وهو ما يستدعي إعادة النظر في
إصالح املالية املحلية وإقرار التوزيع املتكافئ لها ،إذا ما أريد للجماعة أن تمارس التنمية
حقا وبخصوص تحويالت الدولة من الضريبة على القيمة املضافة ،فتبلغ حوالي %70من
مجموع مداخيل الجماعات القروية ،و %40من مداخيل الجماعات الحضرية ،مما يبين
بوضوح ارتباط الجماعات الوثيق وخاصة القروية منها ،باملالية العامة للدولة والتبعية
املطلقة لها على املستوى املالي ،مما يتنافى ومبدأ االستقاللية املالية واإلدارية للوحدات
أما بالنسبة لألمالك الجماعية ،فرغم الدور الذي يمكن أن تلعبه عبر توفير رصيد
عقاري قد تراهن عليه في تحفيز االستثمار املحلي والوطني واألجنبي ،فال زالت املمارسة
وفيما يخص اإلعاقات واإلمدادات ،فهي عبارة عن مبالغ تقدمها الدولة من خزينتها
العامة ،كمساهمة منها بهدف تغطية العجز املستديم الذي تتخبط فيه ميزانيات هذه
ومن جهة أخرى تستعين الجماعات الترابية في تدبير ماليتها عن طريق القروض
باعتبارها موارد استثنائية يتم رصدها للتجهيز وتمويل املشاريع ،إال أن هذه املوارد ال يمكن
الحصول عليها إال في إطار مجموعة من الشروط واإلجراءات املسطرية املعقدة والتي يحرم
االستفادة منها العديد من الجماعات الفقيرة ،كما يتفاقم مشكل ضعف التمويل أمام
تحريم القانون إمكانية االقتراض من األبناك ،وحصره في صندوق التجهيز الجماعي رغم
أما الرسوم املستحقة لفائدة العماالت واألقاليم والجهات فتبلغ 7أي معدل 9رسوم
لكل من العمالة أو اإلقليم و 9رسوم للجهة ،ومن خالل هذه املعطيات يمكن أن نستنتج
أن اإلمكانيات واملوارد املالية املخصصة للجماعات الترابية ال يمكنها بأي حال من األحوال
أن تواجه أعباء ومتطلبات التنمية ،وال بانتظارات املواطنين من ممثليهم ،خاصة إذا علمنا
أن الجماعات الحضرية في إطار وحدة املدينة للمدن الكبرى وعلى رأسها الجماعة الحضرية
للعاصمة اإلدارية ،تعرف خصاصا ماليا هائال من جراء باقي استخالصه املقدر باملالير من
الدراهم. 551
فقد عرفت بدورها اختالالت مالية منها على املستوى الجهوي عدم حسم القانون التنظيمي
للجهة في مشكل محدودية املوارد الجهوية ،إذ رغم تنصيصه على الزيادة في املوارد ،من
خالل الزيادة في نصيب الجهة من الضريبة على الشركات ( ،)%2ومن الضريبة على الدخل
( ، ) %2ومن رسوم التأمين ( ،)%2فإن األمر وبالنظر إلى حجم االنتظارات ،ينذر مرة
بمحدودية هذه املوارد ،السيما في ظل افتقار املشروع لتصور قادر على حل املشاكل العالقة
،خزينة ترابية تعوزها املوارد البشرية الكافية واملؤهلة .عجز بنيوي في تجاوز مشكل الباقي
استخالصه ،غياب إحصاء حقيقي للملك العمومي املتسم أصال بضعف املردودية.552
أما على مستوى الجماعات فإن غياب االستقالل املالي للجماعات يطرح إشكالية
مدى تمتع الجماعة بالشخصية املعنوية املكرسة بموجب الدستور ،ويحولها بالتالي إلى
جماعة مستهلكة للميزانية وليست جماعة مبادرة وقادرة على تحقيق التنمية ،وكذلك
اإلبقاء على الوصاية القبلية على املقررات املالية في القانون التنظيمي الخاص بالجماعات
الترابية يعكس نوعا من استمرار هاجس عدم الثقة باملنتخب املحلي .أكثر من ذلك ،يالحظ
أن أغلب األنشطة االقتصادية املحلية مازالت خاضعة لضرورة تأشير الدولة ،كما أن كل
املداوالت املهمة أو التي هي على درجة كبيرة من األهمية في املجال االقتصادي أو املالي تكون
خاضعة إلعادة القراءة من طرف سلطات الوصاية ،وهو ما يؤكد حضور القوي الذي ما
زال قائما من طرف ممثل وزارة الداخلية ،وقد يؤثر على مفهوم التدبير الحر الذي أكد
يعتبر العنصر البشري عصب تحقيق النجاح في كل عملية تنموية كيفما كان نوعها
ومهما اختلفت مهامها وأهدافها ،ومفهوم تدبير املوارد البشرية بكل املقومات املوجودة
لدى الجماعات الترابية في الوقت الراهن ال زال غائبا بسبب افتقادها للتقنيات الحديثة
في التخطيط والتنظيم والرقابة لهذه املوارد ،والجماعات الترابية تعاني في مجال تحقيق
التنمية من عدة إكراهات مرتبطة بهذا العنصر الحيوي أي العنصر البشري خصوصا ما
حيث يحتل املنتخب الجماعي سواء كان مستشارا أو رئيسا للمجلس هرم السلطة
التنفيذية للوحدة الترابية التي يرأسها يتعين من خالل تدبيره للشأن املحلي التابع لنفوذه
،أن يتحرك بمهارة في محيطه الترابي الذي تحكمه مجموعة من التناقضات الطبقية ،
متكامال االنجاز التنمية التي تسعى إليها ،لكن املسؤولية الجماعية الزالت تتسم بثغرات
إن املنتخب في معظم الجماعات وفي إطار الصالحيات القانونية الواسعة املمنوحة
له ،ال يتوفر على الكفاءة واملؤهالت العلمية والثقافية التي تمكنه من استيعاب هذه املهام
على املستوى اإلداري ( باملقارنة مع رجل السلطة املتفوق عليه ،والذي تربطه به عالقات
أدارية متعددة الجوانب ) تسمح له باالضطالع بمسؤولياته على الوجه املطلوب ،وإذ كان
ضعف املستوى العلمي والثقافي السمة الغالبية ملعظم املنتخبين الجماعيين ،554فإن ذلك
ينعكس سلبا على دورهم ومكانتهم داخل الجماعة ،ولهذا يحق ألعضاء مجلس الجماعة
أما فيما يخص تدني هذه املؤهالت لدى املنتخبين ،فيرجع بالدرجة األولى إلى كون
هؤالء يختارون على أساس وضعهم االجتماعي والنخبوي ،دون مراعاة لعامل الكفاءة و
الخبرة ،إذ تصل نسبة الذين ال يتوفرون على أي مستوى تعليمي ، %70.43بينما نسبة
الحاصلين الخبرة ،بينما نسبة الحاصلين على الشهادة االبتدائية ال تتعدى %72.81مما
ينعكس سلبا على أوجه التنمية املحلية في سياق أساليب وتقنيات التدبير الحديث.
كما أن اشتراط املشرع ملستوى تعليمي يعادل على األقل مستوى نهاية الدروس
االبتدائية لتقلد منصب رئيس الجماعة ( املادة 71من امليثاق الجماعي ) يثير كثيرا من
الجدل خصوصا وأن بعض األحزاب السياسية واملنظمات النقابية والجمعيات ،كانت قد
طالبت بإعادة النظر في املادة 71أعاله ،وذلك بالرفع من املستوى التعليمي لرؤساء
املجالس املحلية ،والتفرغ بالنسبة للرئيس ،وذلك بمناسبة اجتماع رؤساء املجالس
الجهوية في 78أبريل 7001في إطار مقترحات التعديل املرتقب للميثاق الجماعي .7003
وعلى العموم فإن الشرط املذكور غير كاف في ظل تعقد وتعدد املسؤوليات القانونية
والتدبيرية للجماعات املحلية ،في ظل تنامي دور هذه األخيرة في تحقيق التنمية املحلية بعد
انسحاب الدولة.555
لذا كان يجب اشتراط مستوى تعليمي عالي ،مصحوبا بتكوين للمنتخب املحلي يتسم
باملالئمة واالنتظام ،على اعتبار أن التكوين يشكل عنصرا أساسيا في مسلسل التنمية
شرط أن ينبني على صيغ أكثر نجاعة واعتماد عناصر التوعية والتواصل والتحسيس
فإذا كان العنصر البشري هو القلب النابض واملحرك الحقيقي للفعل املحلي بشتى
جوانبه االقتصادية واالجتماعية والثقافية والبيئية ،فإن التكوين والتأهيل ،هما السبيل
الوحيد الكتساب التجربة ورفع املهارات والتقنيات التدبيرية ،من أجل مواكبة املستجدات
على جميع األصعدة ،لكن التجربة املغربية تؤكد أن مسألة تكوين املنتخب الجماعي لم
تعد أولوية الدولة ،عكس التجارب املقارنة ،حيث نجد أن أول دولة نظمت اللقاءات
التكوينية هي السويد التي أنسأت معهدا نظم منذ سنة 8323حلقات دراسية لفائدة
املنتخبين ،كما قام املشرع الفرنس ي من خالل القانون 8.01.37الصادر في 9فبراير 8337
املتعلق بالنظام األساس ي للمنتخب بفرض خضوع املنتخبين التكوين من أجل تحسين
مردوديتهم ،ومن الدول العربية التي قامت بنشاط مماثل نذكر مصر التي نظمت لقاءات
دراسية باملعهد للتنمية اإلدارية بالقاهرة ،557وأكثر من هذا أن املادة 49من امليثاق الجماعي
تشير إلى أن مسألة تكوين املنتخبين تدخل ضمن االختصاصات القابلة للنقل التي يزاولها
املجلس الجماعي ،وكما هو معلوم أن نقل االختصاص ،يقابله مبدئيا تخصيص التمويل
الالزم هذا باإلضافة إلى بعض الظواهر والسلوكيات السلبية التي يتميز بها املنتخب الجماعي
من قبيل :ظاهرة الغياب املستمر عن ممارسة املهام االنتدابية ،مما يتسبب في عرقلة سير
املرفق العام الجماعي وتعطيل مسيرة التنمية ،نظرا لعدم اإلحساس باملسؤولية واالنشغال
بالصراعات السياسية التي تغذيها الخالفات الحزبية ،إضافة إلى الصراع حول تضارب
املصالح الشخصية ،558مما يجعل محدودية املشاركة السياسية والتمثيلية تترسخ وتنمو
فنجد فيه أن عدم اشتراط مستوى تعليمي لتولي مهام الرئاسة يطرح السؤال عن أي نوع
من الحكامة ( أو التدبير الحر) تلك التي ال تفترض حد أدنى من التكوين ( مالحظة عامة
بالنسبة لكل الوحدات الترابية ،أي سواء كانت جهات أو جماعات أو مقاطعات أو مجالس
559
الخاتمة:
وكخالصة لهذا العمل يتبين أن قضية التنمية الترابية اعتبرت من أبرز املواضيع التي
اهتم بها مختلف الباحثين ،وذلك لسعي مختلف دول العالم لتحقيقها ،فالتنمية الترابية
املحلية التي يتميز مجالها بتدخل عدة فاعلين عموميين وخواص ،وكل تدخل تحكمه آلياته
الخاصة وضوابطه ونفوذه وغاياته املميزة ،وكل ذلك في إطار دينامية محلية تستهدف
تحقيق تغيير في الوضع القائم نحو األحسن يوفر إمكانيات مالئمة للعيش ولتلبية متطلبات
وكما سبق القول أن التنمية املحلية هي عملية مركبة تهدف إلى الرفع من املستوى
املعيش ي للسكان في مجال ترابي معين ،وذلك عبر تنويع وتطوير األنشطة االقتصادية
واالجتماعية بواسطة تفعيل وتنسيق موارد وطاقات هذا املجال الترابي ،إال أن التنمية
املحلية تطرح على مستوى التحديات عوائق منهجية والتي ترجع باألساس إلى صعوبة
الفصل بين ما هو وطني وما هو محلي .أما املؤشرات املتعلقة بالتنمية الوطنية في املجاالت
االقتصادية واالجتماعية والسياسية ،ما هو إال انعکاس وتعبير عن املؤشرات املحلية ،
بهذا املعنى فإنه تقدم املغرب أو تأخره على مستوى التنمية مرهون بمدى تحقيق تنمية
وهكذا تعتبر الجماعات الترابية من األدوات الضرورية للتنمية في ظل دولة غير قادرة
على لعب دور القوة الدافعة لالقتصاد ،وكما الحظنا فلكي تتمكن الجماعات الترابية من
االطالع بهذا الدور وسعت صالحيتها بواسطة تخلي الدولة عن بعض اختصاصاتها ،وذلك
بمنح الجماعات الترابية اختصاصات واسعة في مجال التنمية خصوصا مع التعديل األخير
لهذه الجماعات املتمثل في صدور القوانين التنظيمية الجديدة لسنة ، 7082إال أن رغم
الدور التنموي لهذه الجماعات الترابية فتجد مجموعة من العراقيل واإلكراهات تقف
أمامها من أجل القيام بدورها كما ينبغي ،منها ضعف مصادر التمويل الترابي و أيضا
أ-الكتب:
-1د .زين الدين محمد " :الدستور ونظام الحكم في املغرب" ,الطبعة األولى أبريل,
- 2د .كريم لحرش ":تدبير مالية الجماعات املحلية باملغرب " ،مطبعة طوب بريس ،
-1د.سعيد الدحماني ":التدبير العمومي الترابي :من التدبير املقيد إلى التدبير
-3جمال الدين بيت الطاهر" :القوانين التنظيمية ومبدأ التدبير الحر –" مجلة
البيضاء . 7082
- 4سعيد جعفري " :الثابت واملتحول في التوجه اإلصالحي املالية الجماعة باملغرب "
-6عبد النبي أضريف ":أي جديد .لتجاوز محدودية موارد الجهات في ظل مشروع
القانون التنظيمي الجهات ؟ " مجلة مسالك في الفكر والسياسة واالقتصاد ،العدد 93و
-7جميلة دليمي " :إشكالية االستقالل املالي للجماعات على ضوء مشروع القانون
التنظيمي املتعلق بالجماعات " مجلة مسالك والسياسة واالقتصاد ،عدد 92و .7087 : 80
- 8املهدي بنمير ":الحكامة املحلية باملغرب وسؤال التنمية البشرية " املجلة املغربية
واألقاليم" مجلة مساك في الفكر والسياسة واالقتصاد ,عدد 93و . 7082، 40
ج – األطروحات و الرسائل:
-1إدريس جردان " :دور العنصر البشري في تنمية الجماعات املحلية " أطروحة لنيل
الدكتوراه في القانون العام ،جامعة محمد الخامس ،کلية الحقوق أكدال :الرباط ،
-7عاللى اليوسفي " :التنمية املحلية :املقاربات والرهانات" رسالة لنيل دبلوم املاستر
في القانون العام ،كلية الحقوق ،جامعة عبد املالك ،طنجة . 7089/7087 ،
د -القوانين:
القانون التنظيمي رقم 888.84املتعلق بالجهات بالجريدة الرسمية عدد 7910بتاريخ 79
يوليوز .7082
القانون التنظيمي رقم 887.84املتعلق بالعماالت واألقاليم بالجريدة الرسمية عدد 7910
79يوليوز .7082
Les ouvrages:
1993.
Les articles :
املنتجة ،وأداة لتحقيق االستقرار واألمن والسلم االجتماعي ،بالنظر الى الدور الفعال الذي
وكما هو معلوم ،ان النظام العقاري املغربي نظام مزدوج ومتنوع في طبيعته .اذ يوجد
نظام خاص بالعقارات غير املحفظة وهناك نظام العقارات املحفظة .560و الى جانب هذه
االزدواجية نجد تعدد في األنظمة العقارية من قبيل أراض ي األحباس و أمالك الدولة العامة
وتعرف أمالك الجماعات الساللية أو أراض ي الجموع كونها القبائل أو فصائل و غيرها
من العشائر األصلية التي تنتفع باألمالك الجماعية طبقا لألعراف التي اعتمدت عليها منذ
560ادريس الفاخوري '' الوسيط في نظام التحفيظ العقاري بالمغرب'' مطبعة النجاح الجديدة –الدار البيضاء ،الطبعة الثالثة 2060ص
.8
القديم استعماال و استغالال . 561و تشكل هذه األراض ي ثروة اقتصادية هامة ،بحيث تقدر
املساحة االجمالية لها 82مليون هكتار تمثل األراض ي الرعوية فيها منها نسبة 12باملئة
تستغل بكيفية جماعية من طرف ذوي الحقوق ،بينما توظف أهم املساحات املتبقية في
و نظرا ألهمية ألراض ي الجماعات الساللية ،فقد تم تأطيرها منذ عشرينيات القرن
املاض ي ،حيث يعود أول ظهير منظم للجماعات الساللية لسنة 8383أي سبع سنوات على
ابرام معاهدة الحماية الفرنسية للمغرب بحيث وضع اللبنة األولى لتنظيم استغالل هذه
األراض ي لكل قبيلة و قيد التصرف في ملكيتها و جعله خاضعا لرقابة الدولة بعدما كانت
تخضع لألعراف و العادات املعمول بها في كل قبيلة و قد خضع هذا الظهير للعديد من
التعديالت لكن بقيت مساهمة هذه األراض ي في عجلة التنمية االقتصادية محدودة .
األمر الذي دفع الحكومة و تنفيذا للتوصية امللكية ،563الى مراجعة الترسانة القانونية
العتيقة املنظمة للجماعة الساللية و ذلك بإصدار ثالث قوانين صادق عليها البرملان،
ويتعلق األمر بالقانون 77.82بشأن الوصاية اإلدارية على الجماعات الساللية وتدبير
561مأمون الكزبري " ،التحفيظ العقاري والحقوق العينية األصلية و التبعية في ضوء التشريع المغربي" ،شركة الهالل العربية ،الرباط،
الطبعة الثانية، 6908 ،ص .621
562التقرير التركيبي حول واقع قطاع العقار بالمغرب بمناسبة اشغال المناظرة الوطنية حول السياسة العقارية للدولة ودرها في التنمية
االقتصادية واالجتماعية .الرباط دجنبر . 2064ص.0
563كالرسالة الملكية الموجهة الى المشاركين في المناظرة الوطنية حول موضوع " السياسة العقارية للدولة و دورها في التنمية االقتصادية
و االجتماعية يومي 0و 9دجنبر 2064للعمل على تسريع وتيرة التصفية القانونية لألراضي الجماعية ،بهدف توفير مناخ مالئم لدمج
أمثل لهذه األراضي في مسلسل التنمية االقتصادية و االجتماعية للبالد .لالطالع على النص الكامل لمضمون الرسالة الملكية أنظر الموقع
اإللكتروني /https://www.maroc.maتاريخ االطالع االثنين 60غشت 2026على الساعة 66:26صباحا .
أمالكها 564و القانون رقم 79.82املتعلق بالتحديد اإلداري للجماعات الساللية 565و القانون
و تعتبر مسطرة التحديد اإلداري ألراض ي الجماعات الساللية ،املنصوص عليها في
قانون 79.82من أنجع و أهم الوسائل التي تحقق حماية هذا الرصيد العقاري ،و ذلك
بتدقيق مساحته و ضبط حدوده بصفة نهائية ،بحيث أن التحديد اإلداري لهذه األمالك
يساهم في بيان الحدود التقنية و القانونية للملك و من تم توضيح حقوق الشخص املعنوي
وسنحاول من خالل هذا املوضوع ،أن نقف بالدراسة والتحليل عند قانون 79.82
املتعلق بالتحديد اإلداري للجماعات الساللية و اإلشكاالت التي يطرحها عن طريق اإلجابة
عن إشكالية مركزية مفادها :ماهي خصوصيات مسطرة تحديد أراض ي الجموع و التعرض
عليها ؟ والجواب عن هذه اإلشكالية يقتض ي منا تناول املوضوع في مطلبين كاآلتي:
صدر بتنفيذه الظهير الشريف 1.10.112في 37ذي الحجة 1443موافق 0غشت ،0310منشور بالجريدة الرسمية عدد 564
،6137بتاريخ 06غشت ،0310ص .2117وهو القانون الذي نسخ كال من الظهير الشريف المؤرخ في 02رجب 1007
الموافق 07أبريل 1010بتنظيم الوصاية اإلدارية على الجماعات وضبط تدبير شؤون الجماعية وتفويتها ،كما تم تغييره وتتميمه؛
وكذا الظهير الشريف المؤرخ في 11جمادى الثانية 1073الموافق 1021/0/10في شأن سن ضابط لتدبير شؤون األمالك
المشتركة بين الجماعات وتفويتها .
565صدر بتنفيذه الظهير الشريف 1.10.116في 37ذي الحجة 1443موافق 0غشت ،0310منشور بالجريدة الرسمية عدد
،6137بتاريخ 06غشت ،0310ص .2100وهو القانون الذي نسخ الظهير الشريف المؤرخ في 10رجب 1040الموافق 11
فبراير 1004في تأسيس ضابط خصوصي يتعلق بتحديد األراضي المشتركة بين القبائل ،كما تم تغييره وتتميمه .
–صدر بتنفيذه الظهير الشريف 1.10.117في 37ذي الحجة 1443موافق 0غشت ،0310منشور بالجريدة الرسمية عدد 566
املطلب األول :مسطرة التحديد اإلداري ألراض ي الجماعات الساللية .املطلب الثاني:
الذي نسخ مقتضيات ظهير 81فبراير الساللية568 بالتحديد اإلداري ألراض ي الجماعات
.8374
ويعتبر التحديد اإلداري ألراض ي الجموع وسيلة فعالة لضبط حدود عقار ال تقل
و تمر عملية تحديد هذه األراض ي بمجموعة من اإلجراءات و املراحل التي تضفي على
سنتطرق في دراسة مسطرة التحديد اإلداري ألراض ي الجموع الى اعداد ملف التحديد
اإلداري (الفقرة األولى) ،و كذلك الى بيان اللجنة املكلفة بإنجاز أعمال التحديد ( الفقرة
الثانية) .
568ظهير شريف رقم 1.10.116صادر في 7ذي الحجة 0( 1443أغسطس )0310بتنفيذ القانون رقم 60.17
المتعلق بالتحديد اإلداري ألراضي الجماعات الساللية.
569أساتذتنا حليمة بنت المحجوب بن حفو" القانون العقاري وفق آخر المستجدات :دراسة نظرية تطبيقية معززة باجتهادات قضائية''
الطبعة األولى 2060المطبعة و الوراقة الوطنية ص .298
الساللية على ما يلي '':تتم مباشرة عمليات التحديد اإلداري لألراض ي التي تتوفر فيها قرينة
أمالك الجماعات الساللية ،قصد ضبط حدودها ومساحتها ومشتمالتها املادية ،وتصفية
وضعيتها القانونية ،وذلك بمبادرة من سلطة الوصاية على الجماعات الساللية أو بطلب
وبالتالي فان مسطرة التحديد اإلداري ألراض ي الجموع ،تبتدئ بمبادرة من طرف وزارة
الداخلية بصفتها وصية على الجماعات الساللية ،570أو بطلب من الجماعة النيابية وذلك
بشأن األراض ي التي تتوفر فيها قرينة أمالك الجماعات الساللية قصد ضبط حدودها
وفي الحالة التي يتم فيها اعداد ملف التحديد اإلداري من طرف الجماعة النيابية،
فهي تقوم بذلك بتعاون مع السلطة املحلية ،ويضم هذا امللف تصميم مختصر لألراض ي
املراد تحديدها معزز بتقرير من السلطة املحلية و بطاقة تتضمن بيانات و معلومات عن
570في هذا الصدد تنص المادة 20من قانون 12168بشأن الوصاية اإلدارية على الجماعات الساللية وتدبير أمالكها على ما يلي'' :
يمارس وزير الداخلية أو من يفوض إليه ذلك الوصاية اإلدارية للدولة على الجماعات الساللية ،مع مراعاة االختصاصات المخولة لمجلسي
الوصاية المركزي واإلقليمي ،المنصوص عليهما في المادتين 21و 22من هذا القانون .تهدف هذه الوصاية إلى السهر على احترام
الجماعات الساللية وجماعات النواب للقوانين واألنظمة الجاري بها العمل ،وكذا إلى ضمان المحافظة على أمالك الجماعات الساللية
ومواردها المالية وتنميتها''.
571ان مبدأ القرينة الذي تنص عليه المادة األولى من قانون 12168يعني أن التحديد اإلداري ال ينصب فقط على األمالك الجماعية الثابتة
ملكيتها ،و انما يمتد الى تلك التي تتوفر فيها الجماعة الساللية فقط على قرينة أنها تدخل في ملكها حتى لو كان يحوزها الغير حيازة هادئة
و علنية و مستقرة ،و اال كان من المفروض التنصيص هكذا '' يمكن مباشرة عملية التحديد اإلداري لألراضي الجماعية " أنظر :العربي
مياد '' قراءة في المشروع قانون المتعلق بالتحديد اإلداري ألراضي الجماعات الساللية " مقال منشور بالموقع االلكتروني للمجلة
https://www.maroclaw.comتاريخ االطالع السبت 1غشت 2026على الساعة 60:01 االلكترونية مغرب القانون
مساءا .
موقع األرض و طبيعتها و حدودها و مساحتها و الجماعة املالكة ،،572و يتم ارفاق هذه الوثائق
بتصريح من نواب أراض ي الجموع مذيل بإمضاء نائب أو عدة نواب ،و يضم كذلك رأي
بعض اإلدارات كمديرية أمالك الدولة و املياه و الغابات و األحباس .ثم يرسل بعد ذلك الى
سلطة الوصاية التي تعمل على اعداد ملف آخر يوضح موقع األرض و حدودها و اسمها و
وبعد انتهاء سلطة الوصاية أي وزارة الداخلية من اعداد امللف املذكور تتولى ارساله
الى األمانة العامة للحكومة ،حيث يصدر رئيس الحكومة بناء على اقتراحها مرسوما بإجراء
وبالتالي ،فان املرسوم يصدر من طرف رئيس الحكومة باقتراح من وزير الداخلية وفي
هذا الصدد تنص املادة الثانية من قانون 79.82املتعلق بالتحديد اإلداري ألراض ي
الجماعات الساللية على ما يلي '' :يحدد بمرسوم يتخذ باقتراح من وزير الداخلية تاريخ
افتتاح عمليات التحديد اإلداري ،بالنسبة لعقار واحد أو عدة عقارات على ملك جماعة
يبين املرسوم السالف الذكر ،بالنسبة لكل عقار ،اسم الجماعة الساللية أو
الجماعات الساللية املالكة واالسم الذي يعرف به ،وموقعه الجغرافي وحدوده ومساحته
572وفاء جوهر " ،التحديد اإلداري ألراضي الجموع "مداخلة في أشغال الندوة الوطنية المنظمة ٌيومي 22و 22أبريل ، 2061في
موضوع أراضي الجموع وسؤال الحكامة والتنمية الترابية ،مطبعة المعارف الجددة بالرباط ،طبعة ، 2060ص601
التقريبية ،وعند االقتضاء ،أسماء املجاورين والقطع األرضية املحصورة داخله والتحمالت
و يترتب على نشر 574املرسوم االفتتاحي لعملية التحديد اإلداري اآلثار التالية:
-منع ابرام أي تصرف يتعلق باألمالك باألراض ي موضوع التحديد تحت طائلة البطالن،
باستثناء الحاالت املنصوص عليها في القانون 79.87بشأن الوصاية اإلدارية على أراض ي
الجماعات الساللية وتدبير أحكامها املشار اليها في املواد 87و 83 82و 70و 78و يتعلق
األمر بتوزيع االنتفاع بين أعضاء الجماعة الساللية و عقود األكرية و التفويتات و اتفاقات
الشراكة و املبادلة التي تبرمها سلطة الوصاية سواء عن طريق املنافسة أو التراض ي لفائدة
العموميين و الخواص ،باإلضافة الى عملية تقسيم األراض ي الفالحية لفائدة أعضاء
الجماعة.575
-عدم قبول أي مطلب تحفيظ مقدم من طرف الغير ،يتعلق باألراض ي موضوع
التحديد اإلداري ما لم يكن هذا املطلب تأكيدا للتعرض و في هذا الصدد تنص الفقرة
574جاء في المادة الثانية من قانون قانون رقم 12168المتعلق بالتحديد اإلداري ألراضي الجماعات الساللية ما يلي '' :ينشر
المرسوم المنصوص عليه في المادة 2أعاله في الجريدة الرسمية خالل مدة ثالثين يوما على األقل قبل التاريخ المحدد لبدء
عمليات التحديد اإلداري.
يتم إشهار المرسوم المذكور من طرف السلطة المحلية بكل الوسائل المتاحة ،خالل نفس المدة.
كما يتم خالل هذه المد ة ،تعليق نسخة من المرسوم المذكور في مقرات السلطة المحلية والمحكمة االبتدائية ومصلحة المحافظة على األمالك
العقارية ومصلحة المسح
575للمزيد من التوسع بخصوص التصرفات التي ترد على أراضي الجماعات الساللية أنظر :الحبيب السرناني ''قراءة في مستجدات
القانون رقم 12168المتعلق بالوصاية اإلدارية على الجماعات الساللية وتدبير أمالكها'' مقال منشور بمجلة منازعة األعمال االلكترونية
/http://frssiwa.blogspot.comتاريخ االطالع السبت 8غشت 2026على الساعة 69:45مساءا.
الثانية من املادة الرابعة على ما يلي '' :كما ال يمكن ،داخل نفس الفترة ،قبول أي مطلب
تحفيظ مقدم من طرف الغير ،يتعلق باألراض ي موضوع التحديد اإلداري ،مالم يكن هذا
ان التحديد اإلداري ألراض ي الجماعة الساللية ،تقوم به لجنة و قد بين القانون
تأليفها واألعمال التي تقوم بها بحيث تنص الفقرة الثانية من املادة الخامسة من قانون
79.87املتعلق بالتحديد اإلداري ألراض ي الجماعات الساللية على ما يلي ... '' :تباشر عملية
التحديد اإلداري من طرف لجنة تحمل اسم لجنة التحديد اإلداري تترأسها السلطة
املحلية ،وتضم في عضويتها ممثال عن العمالة أو اإلقليم الذي يقع العقار في دائرة نفوذه
ونائب أو نواب الجماعة أو الجماعات الساللية املعنية وعند االقتضاء ممثال عن سلطة
الوصاية ،كما تضم مهندسا مساحا طوبوغرافيا أو تقنيا طبوغرافيا ''.ويتبين من خالل
هذه املادة أن املشرع يمزج في تكوين اللجنة بين أشخاص لهم تكوين اداري وآخرون لهم
تكوين تقني 576لكنه استغنى عن املترجم والعدلين والذين كانا منصوصا عليهما في الفصل
576العرب محمد مياد " ،تأمالت في القانون المنظم للجماعات الساللية على ضوء وثائق الحوار الوطني حول األراضي الجماعية
مطبعة األمنية ،الرباط، 2065 ،ص .21
وتستهل اللجنة السالفة الذكر عملية التحديد في التاريخ واملكان املبينين في املرسوم
االفتتاحي لعملية التحديد وتقوم بمعاينة العقاروالوقوف على حدوده ووضع األنصاب .وفي
حالة ما إذا تعذر ،ألي سبب من األسباب ،على لجنة التحديد اإلداري مواصلة أشغالها
أي في الحالة التي تسفر فيها عملية التحديد عن تحديد سلبي ،577قام رئيس اللجنة بتحديد
و في حالة انجاز عملية التحديد تقوم اللجنة املذكورة حسب املادة 2من قانون
77.82بإعداد محضر التحديد وتوقيعه .ويتضمن هذا املحضر تاريخ العمليات وأسماء
الحاضرين ،ووصفا دقيقا للعقار املعني بمميزاته ومشتمالته ومساحته ووصفا ملواقع
األنصاب والحدود ،وعند االقتضاء ،أجزاء امللك العام والقطع األرضية املحصورة داخله
والحقوق العينية املترتبة عليه والتعرضات واملالحظات املقدمة إلى اللجنة والوثائق املدلى
577عدنان الوهابي '' مسطرة التحديد اإلداري ألراضي الجموع على ضوء المستجدات التشريعية '' بالموقع االلكتروني للمجلة االلكترونية
https://www.maroclaw.comتاريخ االطالع السبت 1غشت 2026على الساعة 20:26مساءا . مغرب القانون
578و في هذا الصدد تنص الفقرة الثامية المادة 4من قانون 12168المتعلق بالتحديد اإلداري ألراضي الجماعات
الساللية على ما يلي ":تباشر عملية التحديد اإلداري من طرف لجنة تحمل اسم لجنة التحديد اإلداري تترأسها
السلطة المحلية ،وتضم في عضويتها ممثال عن العمالة أو اإلقليم الذي يقع العقار في دائرة نفوذه ونائب أو نواب
الجماعة أو الجماعات الساللية المعنية وعند االقتضاء ممثال عن سلطة الوصاية ،كما تضم مهندسا مساحا
طوبوغرافيا أو تقنيا طبوغرافيا".
579جاء في المادة 8من قانون 12168المتعلق بالتحديد اإلداري ألراضي الجماعات الساللية ما يلي '' :تقوم
اللجنة بإعداد محضر التحديد وتوقيعه .ويتضمن هذا المحضر تاريخ العمليات وأسماء الحاضرين ،ووصفا دقيقا
للعقار المعني بمميزاته ومشتمالته ومساحته ووصفا لمواقع األنصاب والحدود ،وعند اإلقتضاء ،أجزاء الملك العام
والقطع األرضية المحصورة داخله والحقوق العينية المترتبة عليه والتعرضات والمالحظات المقدمة إلى اللجنة
والوثائق المدلى بها.
يمكن للجنة عند االقتضاء إعداد محاضر تلحق بالمحضر المذكور.
تضع اللجنة تصميما مؤقتا للعقار موضوع التحديد''.
محضر التحديد و 580 وبعد إتمام عمليات التحديد ،تودع اللجنة حسب املادة 1
التصميم املؤقت للتحديد لدى السلطة املحلية ،و تودع نسخة منهما لدى مصلحة
املحافظة العقارية ومصلحة املسح العقاري الواقع بدائرة نفوذهما الترابي العقار املعني و
ذلك حتى يتسنى للعموم االطالع عليه تدعيما لعملية اإلشهار التي تتميز بها عملية التحديد
اإلداري .و يتم نشر اعالن في الجريدة الرسمية عن هذا اإليداع و اشهاره بتعليق نسخة
منه حسب الكيفية املنصوص عليها في املادة الثانية أي بمقرات السلطة املحلية واملحكمة
االبتدائية ومصلحة املحافظة على األمالك العقارية ومصلحة املسح العقاري واملصالح
التابعة ملديرية أمالك الدولة واملياه والغابات ،التي يقع العقار املعني في دائرة نفوذها
الترابي.
ان مباشرة إجراءات تحديد عقار معين ،من شأنها اذا ما سارت الى نهايتها بشكل
طبيعي و بدون منازعة ،أن تؤدي الى املصادقة على عملية التحديد اإلداري ،غير أن األمور
قد ال تسير دائما بهذه السهولة و البساطة ،ألن البعض قد يرى أن عملية التحديد قد
580جاء في المادة 0من قانون 12168المتعلق بالتحديد اإلداري ألراضي الجماعات الساللية ما يلي " :يودع محضر
التحديد والتصميم المؤقت المشار إليهما في المادة 8أعاله لدى السلطة المحلية التي تضعهما رهن إشارة العموم قصد االطالع
عليهما.
تودع نسخة من محضر التحديد والتصميم المذكورين لدى مصلحة المحافظة العقارية ومصلحة المسح العقاري الواقع بدائرة
نفوذهما الترابي العقار المعني.
يتم نشر إعالن عن هذا اإليداع في الجريدة الرسمية (نشرة اإلعالنات القانونية والقضائية واإلدارية) ،وإشهاره وفق الكيفية
المشارة إليها في المادة 2أعاله''.
مست بحقوقه على العقار اما بشكل كلي أو جزئي أو بخصوص الحدود و لحفظ حقوق
وال يمكن تصور املنازعة في العقار موضوع التحديد خارج هذه املسطرة من ذلك لو
تقدم أحد األطراف بدعوى استحقاق منفعة ألجل املطالبة باستحقاق عقار تحوزه
الجماعة الساللية و هو موضوع التحديد فإنه لن يقبل منه ألنه لم يمارسها ضمن إطارها
(الفقرة األولى) كما أن القضاء يبث في هذه التعرضات كذلك وفق خصوصيات معينة
(الفقرة الثانية).
الفقرة األولى :خصوصيات التعرض على مسطرة التحديد اإلداري ألراض ي الجماعات
الساللية
يحق لكل من يدعي حقا عينيا ،أو وجود تحمالت عقارية على أراض ي الجموع ،أو ينازع
في حدود هذه األراض ي ،أن يقدم تعرضه اما في عين املكان أمام اللجنة املكلفة بالتحديد
581يقصد بالتعرض بصفة عامة و سيلة قانونية يمارسها الغير للحيلولة دون إتمام إجراءات التحفيظ و ذلك خالل
اآلجال القانوني المقررة ،و يهدف التعرض بهذا المعنى الى وقف إجراءات التحفيظ من طرف المحافظ و عدم
االستمرار فيها الى أن يرفع التعرض و يوضع حدا للنزاع عن طريق المحكمة أو ابرام صلح بين األطراف .
للمزيد من التوسع بخصوص مؤسسة التعرض أنظر :محمد خيري '' العقار و قضايا التحفيظ في التشريع المغربي"
مطبعة المعارف الجديدة –الرباط طبعة 2065ص . 262
582محمد مومن ''أمالك الجماعات الساللية و أراضي الكيش" مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء الطبعة
األولى 2065ص .22
،583و اما لدى السلطة املحلية املعنية ،خالل أجل ثالثة أشهر ابتداءا من تاريخ نشر
اإلعالن عن إيداع محضر التحديد و التصميم املؤقت لدى السلطة املحلية ،سواء في
تصريح كتابي أو شفوي و في هذه الحالة األخيرة تحرر السلطة املذكورة محضرا بهذا
الخصوص ،وتسلم نسخة منه إلى املتعرض ،كما أنها تقوم بتضمين هذه التعرضات في
سجل للتعرضات خاص بالتحديد اإلداري املعني يتم فتحه لهذا الغرض و ال يقبل أي
املذكور584. تعرض بعد مض ي األجل
و السؤال الذي يطرح نفسه هنا ،يتمحور حول أهلية السلطة املحلية في قبول
التعرض و دراسة املستندات و الحجج املؤيدة للتعرض الذي أثار نقاشا فقهيا واسعا، 585
خاصة مع سكوت القانون و ذلك على خالف ظهير 81فبراير 8374املنسوخ الذي كان أكثر
وضوحا ، 586اذ كان ينص بشكل صريح على اختصاص السلطة املحلية في قبول التعرض
و دراسة الحجج و املستندات الش يء الذي كان يخلق مصاعب في وجه املتعرضين ،و حتى
583جاء في المادة 1من قانون 12168المتعلق بالتحديد اإلداري ألراضي الجماعات الساللية ما يلي '':يمكن التعرض على
عملية التحديد اإلداري بسبب المنازعة في الحدود أو المطالبة بحق من الحقوق العينية العقارية المتعلقة باألراضي موضوع
التحديد.
يقدم التعرض المذكور في عين المكان إلى لجنة التحديد اإلداري ،مع مراعاة أحكام المادة 9أدناه".
584جاء في الفقرة الثانية من المادة 9من قانون 12168المتعلق بالتحديد اإلداري ألراضي الجماعات الساللية ما يلي" :
..تقوم السلطة المحلية بتضمين التعرضات المقدمة إليها سواء كانت كتابية أو شفوية في سجل للتعرضات خاص بالتحديد
اإلداري المعني يتم فتحه لهذا الغرض.
585للتوسع في هذا النقاش الفقهي الرجوع إلى أحمد الداودي ارتباط نظام التحفيظ العقاري باألنظمة العقارية مساهمة
في أعمال الندوة الوطنية حول التحفيظ العقاري بالمغرب مركز الدراسات القانونية و االجتماعية مراكش 0331
ص 020
586ينص الفصل 2من ظهير 11فبراير “1004أما المعارضون فزيادة عمالهم من الحق في تقديم تعرضهم في
نفس المكان إلى اللجنة يعطى لهم أجل ستة أشهر ابتداء من نشر ما ذكر من إيداع التقرير في الجريدة الرسمية لكي
يقدموا إلى النائب المحلي عن حكومة المراقبة تصريحا كتابيا يضمنون فيه موضوع اعتراضهم والحجج المستند
عليها في ذلك”
للمحافظة العقارية نفسها ذلك أن السلطة املحلية غير مختصة في قبول التعرضات و
ومن هنا يتبين أن سكوت املشرع املغربي عن ذكر تقديم الحجج واملستندات املؤيدة
للتعرض كان في محله ألنه ليست للسلطة املحلية االختصاص في تلقى الحجج من أصحابها
والحكم على قيمتها و ترجيحها بحجج أخرى ألن ذلك من اختصاص املحافظ العقاري
واملحكمة فقط دون غيرهم ،وفي هذا اإلطار فإنه عند سكوت النص الخاص يتم الرجوع
إلى النص العام املتمثل في قانون التحفيظ العقاري الذي حدد الجهة املختصة على سبيل
الحصر و يتوجب في هذه الحالة تقديم التعرض لذا السلطة املحلية كإجراء شكلي وبعد
ذلك يتم تقديم الوثائق و الحجج لذا املحافظة العقارية مرفقة بمطلب التحفيظ التأكيدي.
و الجدير بالذكر ،أن كل تعرض قدم وفق الكيفية التي أشرنا اليها سابقا ،ال تنتج أي
أثر حسب املادة 80من قانون 77.82اال اذا تقدم املتعرض على نفقته ، 587بمطلب تحفيظ
587في ظل ظهير 11فبراير 1004المنسوخ كان يطرح اشكاال فيما يتعلق بنفقات مطلب التحفيظ التأكيدي نظرا
لغموضه ،إلى أن صدرت مذكرة من المحافظ العام رقم – 3/4142بتاريخ 04نونبر .0333التي حسمت
الخالف وعملت على توحيد العمل اإلداري حيت نصت على ما يلي“ ألفت انتباهكم إلى أن المشرع لم ينص على
مقتضيات خاصة متعلقة برسوم المحافظة العقارية والمستحقات على طلبات إيداع مطالب التحفيظ التأكيدي
للتعرضات المصرح بها ضد مساطر التحديد اإلداري ألراضي الدولة والجماعات الساللية ”.الشيء الذي يؤكد على
أن نفقات مطلب التحفيظ التأكيدي على طالب التحفيظ التأكيدي والمالحظ أن هذه المذكرة أحالت على هذا المرسوم
المتعلق بتسجيل التحفيظ االختياري ولم تحل على الفقرة المتعلقة بإيداع مطالب التحفيظ في حالة التحفيظ اإلجباري.
ولهذه المذكرة ما يبررها فهي من جهة تطبق المبدأ الذي يقضي بأنه في حالة عدم وجود نص خاص يتم اللجوء إلى
القواعد العامة ،وهو ما يستفاد من تعليل هذه المذكرة أيضا ومن جهة أخرى عدم التحديد التشريعي لطبيعة مطالب
التحفيظ التأكيدية ،والذي استمرت آثاره حتى بالنسبة لهذه الرسوم كذلك.لكن المشرع حسم األمر في القانون الجديد
وأصبح على طالب التحفيظ التأكيدي أداء هذه النفقات حتى يكون إجرائه صحيحا حيث أن تلك المطالب تظل خاضعة
للقواعد العامة ألداء الرسوم المتعلقة بإيداع مطالب التحفيظ المنصوص عليها في الرسوم المتعلقة بتحديد تعريفة
تأكيدا لتعرضه وذلك خالل ثالثة أشهر املوالية النقضاء األجل املحدد لتقديم
عوضا عن أجل ستة أشهر الذي كان منصوصا عليه في الظهير الشريف التعرضات588
املؤرخ في 81فبراير 8374املنسوخ تحت طائلة الغاء تعرضه و اعتبار هذا األخير بدون
و قد جرى العمل اإلداري على الزام املتعرض ارفاق مطب التحفيظ التأكيدي بشهادة
من السلطة املحلية يثبت بمقتضاها أنه سبق أن تقدم بتعرضه داخل اآلجال القانونية و
اال سقط حقه في التعرض. 590وإن كانت هذه الشهادة تثير بعض اإلشكاليات و االنتقادات
في الظهير القديم 81فبراير 8374ولم يحسم فيها حتى القانون الجديد ، 77.82إذ قد تضر
بحقوق املتعرضين ولعل السبب في ذلك التماطل الذي قد تقوم به الجهات املعنية في
تسليم شهادة التعرض لفائدة املتعرض خالل ثالثة أشهر املوالية لتاريخ انتهاء األجل املحدد
للتعرض لذلك تسهيال ملأمورية طالب التحفيظ التأكيدي وجب مطالبتها بواسطة املحافظ
رسوم المحافظة العقارية و هو مرسوم 0.07.021المتعلقة بتحديد تعريفة رسوم المحافظة العقارية – المنشور
بالجريدة الرسمية عدد 4402بتاريخ 0يناير .1007الذي عدل وتمم بمرسوم رقم 0.16.072صادر في 10شوال
1407الموافق ل 11يوليوز 0316صادر بالجريدة الرسمية عدد 6414بتاريخ 16شوال 1407الوافق ل 01
يوليوز .6102
588جاء في الفقرة األولى من المادة 60من قانون 12168المتعلق بالتحديد اإلداري ألراضي الجماعات الساللية ما يلي:
كل تعرض قدم طبقا للكيفية المنصوص عليها في المادتين 1و 9أعاله ال ينتج أي أثر إال إذا تقدم المتعرض ،على نفقته
بمطلب تحفيظ تأكيدا لتعرضه ،لدى المحافظة العقارية المختصة ،وذلك خالل ثالثة أشهر الموالية النقضاء األجل المحدد
لتقديم التعرضات "...
589و هذا ما أقرته المحكمة اإلدارية بالرباط في أحد قراراتها الذي ورد فيه .. '' :و حيث بالرجوع الى نازلة الحال ،فالثابت من أوراق
الملف أن الطاعنين و ان كانوا قد تقدموا بداية بتعرض على عملية التحديد اإلداري للملك موضوع النزاع في حدود مساحة 24هكتار
لدى لجنة التحديد ،اال أنهم لم يبادروا الى تأكيد تعرضهم بإيداع مطلب التحفيظ داخل األجل المشار اليه أعاله و الممتد من -01-62
6991الى غاية 62-09-6991تاريخ انصرام أجل قبول التعرضات ،بالرغم من الرسالة الموجهة اليهم من طرف المحافظ من أجل
اإلسراع بإيداع ذلك المطلب و التي توصلوا بها بتاريخ ، 6991 04-68األمر الذي يجعل تعرضهم عديم األثر بعد انصرام األجل
المذكور ،و يعتبر ملغى بقوة القانون ''...قرار عدد 924بتاريخ 2008-04-60في الملف رقم 1-540أوردته ادريسية الحنفاوي
''إشكاالت تعميم نظام التحفيظ العقاري بالمغرب'' أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون الخاص ،جامعة القاضي عياض ،كلية العلوم
القانونية و االقتصادية و االجتماعية ،مراكش الموسم الجامعي 2062- 2062ص 606و .602
590محمد مومن ،مرجع سابق ص .24
العقاري عن طريق السلم اإلداري من السلطة املحلية بدل تكليف طالب التحفيظ
التأكيدي بذلك.591
وإذا كان املتعرض ملزم بتقديم مطلب تحفيظ تأكيدي و يقع عليه عبء االثبات
باعتباره متعرضا على عملية التحديد اإلداري حسب الفقرة الثانية من املادة 88من قانون
، 77.82فإننا نتساءل من جهة عن الطبيعة القانونية لهذا املطلب و من جهة ثانية عن
مدى إمكانية اجراء تصرفات قانونية موضوع مطالب تحفيظ تأكيدية .
إجابة عن التساؤل األول ،نقول هنا أن أمام سكوت النص القانوني عن تحديد
طبيعة مطلب التحفيظ التأكيدي ،فانه يجب التعامل معه كأي مطلب آخر مودع طبقا
لظهير التحفيظ العقاري .حيث يجب على طالب التحفيظ تدعيمه بالحجج و الوثائق
املؤيدة له تحت طائلة الرفض ،مع ارفاقه بشهادة إدارية تسلمها السلطة املحلية تفيد بأنه
سبق و قدم تعرضه داخل األجل القانوني ثم يؤدى عنه رسوم املحافظة العقارية.
أما التساؤل الثاني ،فبما أن املشرع املغربي في قانون 77.82نص على أن فترة املنع
محددة بين ما بين تاريخ صدور املرسوم االفتتاحي الى غاية صدور مرسوم املصادقة و
591وفي هذا اإلطار تم عقد اتفاقات شراكة بين الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية و وزارة الداخلية في إطار ما
يسمى الحسابات الكبرى من أجل الحد من هذه العراقيل إذ تم إبرام اتفاقية شراكة مع وزارة الداخلية بتاريخ
0311/30/00تم تمديد العمل بها بتاريخ مارس 0310وذلك لسنتين ،ونظرا للنتائج االيجابية المحققة في هذا الصدد
فقد تمت المصادقة على اتفاقية جديدة بتاريخ يوليوز 0312شرع العمل بها لمدة خمس سنوات ،ذلك أن تفعيل هذه
االتفاقيات من شأنه الحد من العراقيل التي قد تواجه المسطرة الخاصة بالتحديدات اإلدارية ألراضي الجموع ،وفي
هذا اإلطار تم عقد اجتماعات دورية من أجل التداول حول هذه العراقيل واتخاذ حلول إما عن طريق تحفيظها ،أو
إرسالها إلى المحكمة للبث في هذه التعرضات إن وجدت ..أنظر :لبيب نبيل '' التعرض على مسطرة التحديد
اإلداري ألراضي الجموع بين واقع النص وأفاق التفعيل" مقال منشور بالمجلة االلكترونية القانون و األعمال الدولية
على الموقع االلكتروني /https://www.droitetentreprise.com :تاريخ االطالع األحد 1غشت 10:30
صباحا .
بالتالي فان التصرفات املبرمة خالل هذه الفترة باطلة ،مما ينبغي على املحافظ عند بثه
في الطلبات املقدمة لديه بخصوص إيداع عملية تفويت أو رهن و غير ذلك من التصرفات
أن يتأكد من تاريخ تحرير العقود و لم يبرم في فترة املنع و اال فان مصير الطلب املنع .أما
عذا ذلك فانه يقبله على غرار مطالب التحفيظ العادية ووجب لزوما ايداعها طبقا
بعد استنفاد امللف لجميع املراحل ،و في حالة عدم وجود تعرضات ،أو في حالة
تسوية هذه التعرضات من طرف اللجنة املختصة ،فانه يتم استصدار مرسوم من طرف
رئيس الحكومة باقتراح من طرف وزير الداخلية ،يتعلق باملصادقة على أعمال التحديد .
وتصبح األراض ي موضوع مرسوم املصادقة املذكور غير قابلة ألي منازعة أو ادعاء بحق
عيني.
أما في حالة فشل اللجنة املذكورة في التوصل الى تسوية النزاع ،فان امللف يحال
على القضاء قصد البث في التعرض على التحديد اإلداري 593وهو موضوع الفقرة املوالية.
في حالة سلوك املسطرة القضائية للتحديد اإلداري ،فان املتعرض يأخذ مركز املدعي
يقع عليه عبء االثبات ،بينما الجماعة التي تم التحديد اإلداري لفائدتها تأخذ مركز املدعى
592عدنان الوهابي مرجع سابق مقال بالموقع االلكتروني للمجلة االلكترونية مغرب القانون
https://www.maroclaw.comتاريخ االطالع 0غشت 2026على الساعة . 62:46
593أستاذتنا حليمة بنت المحجوب بن حفو مرجع سابق ص .206
عليه .و في هذا الصدد تنص الفقرة الثانية من املادة 88من قانون 72.87ما يلي '' :يقع
عبء اإلثبات على عاتق طالب التحفيظ بصفته متعرضا على عملية التحديد اإلداري".
أما بخصوص مطالب التحفيظ التي تشكل تعارض متبادل مع مسطرة التحديد
اإلداري واملودعة قبل صدور املرسوم االفتتاحي لعمليات التحديد اإلداري ،فانهم يستمرون
بصفتهم تلك – طالب التحفيظ -في حين أن الجماعة الساللية تكون في مركز املدعية –
املتعرضة -و هو التوجه الذي أقرته محكمة النقض من خالل احد قراراتها 594الذي جاء
فيه ما يلي '' :اذا قدم مطلب التحفيظ قبل انطالق عملية التحديد اإلداري من طرف
الجماعة ،فان مسطرة التعرض الواجبة التطبيق هي تلك املنصوص عليها في ظهير
التحفيظ العقاري الصادر بتاريخ 87غشت ،8389و ليس ظهير 81فبراير ، 8374و تعتبر
و كما سبقت اإلشارة ،اذا كان يجب على املتعرض تدعيم تعرضه عن طريق مطلب
تحفيظ تأكيدي تحت طائلة اعتبار تعرضه ال غيا ،فان السؤال الذي يطرح نفسه هو مدى
إمكانية التعرض على مطلب التحفيظ التأكيدي خصوصا و أن هذا املطلب هو في حذ ذاته
594قرار 2400الصادر بتاريخ 25ماي 2066في الملف عدد 296-6- 2060منشور بمجموعة ملفات عقارية :قضايا التحفيظ
العقاري ،العدد ،4محكمة النقض مرصد االجتهادات القضائية 2064ص .99
نظرا لكون املشرع لم يتطرق لهذه املسألة ،أقر املحافظ من خالل أحد دورياته ،التي
اتجه فيها الى جواز التعرض على مطالب التحفيظ التأكيدية ، 595و حث السادة املحافظين
القانونية املنصوص عليها في ظهير 87غشت ، 8389مع تأكيده على ضرورة تنبيه املحكمة
-و على ضوء مآل التعرضات املشار اليها أعاله ،يتم البث في التعرضات املودعة
-في حالة الحكم بعدم صحة تعرض طالب التحفيظ ضد مسطرة التحديد
اإلداري ،ينتهي نظر املحكمة عند هذا الحد و ال تلتفت الى باقي التعرضات ،
-و في حالة الحكم بصحة تعرض طال تحفيظ ضد التحديد اإلداري تنظر املحكمة
بعد ذلك في التعرضات املوجهة ضده بصقته طالب تحفيظ طبقا ملقتضيات
595للمزيد من التوسع بخصوص هذه الدورية أنطر :عبد القادر بوبكري '' التعرض على مسطرة التحديد اإلداري ألراضي الجماعات
الساللية ،اشكاالته القانونية و العملية ،مقال منشور بأشغال الندوة الوطنية المنظمة يومي 24و 21نونبر 2061بعنوان ''العقار و
التعمير و االستثمار " الطبعة األولى 2068مطبعة المعارف الجديدة الرباط . 215
و في هذه الحالة األخيرة يتغير املركز القانوني لطالب التحفيظ من مدعي في مواجهة
التحديد اإلداري الى مدعى عليه في مواجهة باقي املتعرضين الذين ينازعونه في العقار
التحفيظ على اثر تغيير مركزه القانوني من مدعي الى مدعى عليه ،لكون مطلب التحفيظ
التأكيدي ،بعد احالته من طرف القضاء على املحافظ العقاري لم يعد موجها ضد
وفي األخير تجدر اإلشارة ،أن املشرع املغربي على الرغم من نصه على األثر التطهيري
ملرسوم املصادقة على عملية التحديد اال أنه حث سلطة الوصاية أو الجماعة الساللية
املعنية ،بتقديم مطلب أو مطالب التحفيظ في شأن العقار الذي تمت املصادقة على
تحديده مع أداء وجيبات املحافظة العقارية حيث يقوم املحافظ بتأسيس الرسم العقاري
أو الرسوم العقارية لعقار الجماعة أو الجماعات الساللية موضوع التحديد اإلداري
املصادق عليه ،بمجرد التحقق من وضع األنصاب والتصميم العقاري .597و يقصد من
عملية تحقيق الحدود :اعتماد عالمات الحدود املثبتة أثناء عملية التحديد اإلداري و جعلها
مطابقة للعالمات املعمول بها في ظهير التحفيظ العقاري وربطها بالشبكة الجيوديزية،
وتعويض العالمات املفقودة و إضافة عالمات جديدة ان اقتض ى األمر ذلك مع تحيين
596أحمد أيت الغازي '' ،بعض مسطرة تحفيظ العقارات المحددة إداريا مصادق عليه " ،مقال منشور بمجلة سلسلة دفاتر محكمة
النقض العدد 26سنة 2064ص 10و .16
597جاء في المادة 62من قانون 12,68ما يلي '' :تقوم سلطة الوصاية بمبادرة منها أو بطلب من الجماعة أو الجماعات
الساللية المعنية .بعد نشر المرسوم القاضي بالمصادقة على عملية التحديد اإلداري في الجريدة الرسمية ،بتقديم مطلب أو
مطالب تحفيظ في شأن العقار الذي تمت المصادقة على تحديده.
يقوم المحافظ على األمالك العقارية بتأسيس الرسم العقاري أو الرسوم العقارية لعقار الجماعة أو الجماعات الساللية موضوع
التحديد اإلداري المصادق عليه ،بمجرد التحقق من وضع األنصاب والتصميم العقاري.
املعلومات الخاصة باملجاورين .حيث يقوم املهندس املنتدب من طرف املحافظ بتحرير
محضر تدون فيه جميع حالة العقار املادية و القانونية و تضاف اليه كل املستجدات
املحدثة بعد املصادقة على التحديد املذكور بموافقة من الجهة طالبة التحفيظ دون أن
خاتمة:
حاولنا من خالل هذا املوضوع أن نقف عند املستجدات التي أتى بها قانون 77.82
املتعلق بالتحديد اإلداري ألمالك الجماعة الساللية سواء على مستوى مسطرة التحديد
اإلداري لهذه األراض ي و مسطرة التعرض عليها ،و التي سعى املشرع من خاللها تجاوز
االختالالت واإلشكاالت القانونية التي كان يطرحها ظهير 81فبراير املنسوخ اال أنها تبقى
-إتاحة إمكانية التعرض على مطالب التحفيظ التأكيدية بخصوص التحديد االداري
بنص صريح ما دام األمر يرتبط باألغيار وال مساس له بحقوق الجماعات الساللية وال
-النص بشكل صريح على مجانية تقديم مطلب التحفيظ التأكيدي تيسيرا لطالب
598عدنان الوهابي مرجع سابق مقال بالموقع االلكتروني للمجلة االلكترونية مغرب القانون
https://www.maroclaw.comتاريخ االطالع 0غشت 2026على الساعة 20:50مساءا .
-تدعيم مرحلة االشهار بوسائل ذات فعالية تروم حماية حقوق األغيار بحيث يتعين
-تحديد آجال معقولة لسريان مسطرة التحديد اإلداري ،ملا يشكله صدور املرسوم
االفتتاحي من تجميد للوضعية القانونية للعقار ومنع تداوله ،خصوصا أن مجموعة من
املراسيم االفتتاحية صدرت منذ عشرات السنين دون أي اجراء الحق يذكر.
: -إعادة النظر في تركيبة لجنة التحديد اإلداري املتعلق بأراض ي الجموع عن طريق
إسناد و ذلك بتعزيز هذه التشكيلة بأطر قانونية تساهم في تسريع مسطرة التحديد االداري
و ال سيما من أطر الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية و املسح العقاري و الخرائطية ملا
-تمديد آجال التعرض أو إضافة مقتض ى يتيح إمكانية قبول التعرض خارج االجل
عند إيداع مطلب التحفيظ شريطة أال يكون امللف قد وجه الى املحكمة.
الئحة املراجع:
ٌ
مأمون الكزبري " ،التحفيظ العقاري والحقوق العينية األصلية والتبعية في ضوء
هشام عليوي ''دور أراض ي الجموع في تشجيع االستثمار'' مقال منشور بأشغال الندوة
الوطنية املنظمة يومي 72و 77نونبر 7087بعنوان ''العقار و التعمير و االستثمار " الطبعة
حليمة بنت املحجوب بن حفو" القانون العقاري وفق آخر املستجدات :دراسة نظرية
تطبيقية معززة باجتهادات قضائية'' الطبعة األولى 7081املطبعة و الوراقة الوطنية .
وفاء جوهر ،التحديد اإلداري ألراض ي الجموع "مداخلة في أشغال الندوة الوطنية
املنظمة ٌٌيومي 77و 79أبرٌيل 7087في موضوع أراض ي الجموع وسؤال الحكامة والتنمية
الترابية ،مطبعة املعا ف ٌ
الجددة بالرباط ،طبعة .7081 ٌ
ر
العرب محمد مياد " ،تأمالت في القانون املنظم للجماعات الساللية على ضوء وثائق
Legal protection of the best interests of the child nationally and internationally
مقدمة:
يشكل األطفال شريحة كبيرة ومهمة في الهرم السكاني للدول ،وتعد الجهود املبذولة
لتحسين أوضاع هذه الشريحة العمرية في املجتمع ركيزة أساسية من ركائز إعداد القاعدة
البشرية ،التي تؤهل الستخدامها فيما بعد استخداما منتجا وفعاال ،وال يأتي االهتمام
بقضايا األطفال وحقوقهم وتلبية حاجاتهم األساسية من فراغ ،حيث تتوافق كل املنظمات
الدولية ،والقمم العاملية لحماية الطفولة ،كما تتوافق املواثيق الدولية ،والوطنية ليس
فقط على حماية الطفولة وضمان حقوقها األساسية بل أيضا على مبدأ النداء األول
599ـ قدوري محمد رضا" :املصلحة الفضلى للطفل من خالل التشريع الوضعي" مذكرة لنيل شهادة املاستر في الحقوق ،جامعة زيان
عشور بالجلفة ،الجزائر ،السنة الجامعية 6102 ،6102ص .6
وهكذا بدأ االهتمام بالطفولة على املستوى الدولي في إطار عصبة األمم بإصدار
6018313 إعالن جنيف لحقوق الطفل سنة 6008374وإلى وقتنا الحاضر وبالضبط سنة
تاريخ صدور االتفاقية األممية لحقوق الطفل التي تشكل حاليا منعطفا حاسما في تاريخ
االهتمام بالطفولة بحيث أصبح ينظر إلى حقوق الطفل على أساس أنها حقوق إنسانية و
عاملية ال يمكن التغاض ي عنها أو تأجيلها ،لذلك يبدل املغرب جهودا كبرى منذ توقيعه على
االتفاقية األممية لحقوق الطفل من أجل النهوض بأوضاع الطفولة وتكريس حقوقها من
ولقد جرت العادة في دراسة األحكام العامة ألي موضوع ،أن تتم اإلحاطة بكل
جوانبه ووصفه وإطاره العام ملعرفة أحكامه ،وهكذا يتم التطرق إلى تعريف املوضوع،
وبيان خصائصه ومميزاته واستعراض أنواعه والوقوف على املراحل التاريخية التي مر بها...
إال أننا خرجنا عن هذه القاعدة وحاولت التركيز على بعض النقط املهمة التي تتعلق
وفي هذا السياق ستكون معالجتنا لهذا املوضوع بمنهجية نظرية علما ان املنهج
600ـ إعالن جنيف بشأن األطفال ،صادر عن منظمة األمم املتحدة لسنة ،0261وهو اول اعالن دولي متخصص للتأكيد على
حقوق الطفل ،وقد تبتته الجمعية العامة لعصبة األمم في 62شتنبر ،0261ويتكون من ديباجة و 5مبادئ.
601ـ اعتمدت بموجب قرار للجمعية العامة 65/11في 61نوفمبر 0292ودخلت حيز التنفيذ 6سبتمبر .0221وانضم إليها املغرب
في .0221/12/60
وقد قمنا بتقسيم موضوع الدراسة إلى مبحثين :املبحث األول :آليات الحماية
الدولية للمصلحة الفضلى للطفل .املبحث الثاني :حماية املصلحة الفضلى للطفل من
لقد اعترفت املواثيق الدولية العامة واملتخصصة منها بحقوق ومصالح فضلى
وحرية أساسية للطفل ،وذلك من منطلق أن أنه إنسان وأن الطفل ال يمكنه اقتضاء هذه
الحقوق بنفسه ،وذلك لنقص الوعي والنضج لديه ،من جهة ومن جهة أخرى توجد العديد
من العراقيل التي توضع أمامه والكثير من اإلنتهاكات في حقه التي تنال من هذه املكاسب
األساسية ،وهذه الوضعية هي محور املواثيق الدولية العامة والخاصة التي توضح ماهية
هذه الحماية.
وبناءا على ذلك سنتطرق في هذا املبحث إلى الحماية املنشودة للطفل من خالل
اإلعالنات الدولية العامة (املطلب األول) ثم نخصص املبحث الثاني لحماية حقوق الطفل
سنتناول في هذا املطلب اإلعالن العاملي لحقوق اإلنسان نظرا لكونه يعتبر أول
عمل تشريعي في املنظمة األممية والصادر في شكل الئحة عن الجمعية العامة لألمم املتحدة
في عشر ديسمبر .8341والذي يعتبر املرجع العام والهام لحقوق اإلنسان عامة بما فيها
حقوق الطفل التي أشار إليها كما سنراه الحقا من خالل (الفقرة األولى) ،وتطرقا أيضا إلى
الفقرة األولى :حماية املصلحة الفضلى للطفل في االعالن العاملي لحقوق اإلنسان.
تضمنت املادة األولى من اإلعالن العاملي لحقوق اإلنسان 602أنه" يولد جميع الناس
أحرارا أو متساويين في الكرامة والحقوق ،وهم وهبوا العقل والوجدان ،وعليهم أن يعاملوا
بعضهم بروح اإلخاء ،وهذا الفصل ليس مقيدا بل هو على إطالقه ،إذ يشمل اإلنسان في
أي مرحلة من مراحل العمر شابا أو كهال أو شيخا ،وسيما الطفل على اعتبار أن الحقوق
على مستوى آخر شكلت املادة األولى الفلسفة العامة التي ارتكز عليها اإلعالن والتي
تبلورت بعد سلسلة مناقشات طويلة ،أثيرت في اجتماعات اللجنة التحفيزية إلعداد
اإلعالن.
كما أكدت املادة الثالثة من هذا اإلعالن على انه لكل فرد الحق في الحياة والحرية
واألمان على شخصه ولعل الطفل أكثر عرضة النتهاك حقه في الحياة عندما يكون جنينا
أو حتى كونه طفال ولذلك كرس هذا اإلعالن الحق في الحياة ،لحماية مصلحة الطفل
602ـ اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان هو وثيقة دولية تمثل اإلعالن الذي تبينه األمم املتحدة ،في باريس وهو يتحدث عن رأي األمم
املتحدة عن حقوق اإلنسان املحمية لدى كل الناس
603ـ فاطمة الزهراء عالوي ":الحماية القانونية للطفولة باملغرب في ضوء املعايير الدولية والتشريعات القانونية" ،املجلة القانونية
للرصد القانوني والقضائي ،العدد الثالث عشر 6160ص .011
وبالنظر للمادة الرابعة من هذا اإلعالن نجدها تنص على انه ال يجوز استرقاق أو
استعباد أي شخص ويحظر االسترقاق وتجارة الرقيق بكافة أوضاعها ،هذا النص وإن كان
نصا عاما ،قصد به اإلنسان عموما ،فإنه أول ما يمس الطفولة ،ذلك ألن االسترقاق
وتجارة الرقيق ،تتجه إلى األطفال باعتبارهم سلعا بشرية ال حول لها وال قوة في الوقت
الذي يكونون فيه تحت سلطان آبائهم وذويهم أو من يضعون في حوزتهم ،وهذا فيه حماية
ملصلحتهم الفضلى.604
كما أكدت املادة 72من نفس اإلعالن على حق الطفل في الرعاية الصحية
ومساعدة خاصتين ،ولجميع األطفال التمتع بذات الحماية اإلجتماعية سواء ولدوا في إطار
الزواج أو خارج هذا اإلطار" وحماية ملصلحة الطفل الفضلى فمن حقه أن ينعم بهذه
وطبقا للفقرة األولى من املادة 77من اإلعالن العاملي لحقوق اإلنسان التي نصت
على أنه" لكل شخص الحق في التعليم ويجب أن يكون التعليم في مرحلته األولى واألساسية
على األقل باملجان ،وأن يكون التعليم األولي إلزاميا "...فهذه املادة جاءت لتضفي الصفة
الدولية لهذا الحق الدستوري للفرد أو الطفل في التعليم وجعله إلزاميا وباملجان.
604ـ تجدر اإلشارة بأنه قد أعبر أحيانا بعبارة املصلحة الفضلى للطفل ،وأحيانا بعبارة الحماية القانونية للطفل ،واملعنى واحد
ففي الحماية القانونية مصلحة الطفل ،فليس األمر سوى تنوع استعمال املصطلحات.
الفقرة الثانية :حماية املصلحة الفضلى للطفل في العهدين الدوليين لسنة .8377
يعتبر هذا العهد بمثابة نقطة تحول لتأكيد إلتزام الدول باملبادئ والحقوق التي
وردت في اإلعالن العاملي لحقوق اإلنسان سنة ،8341وتعزيز مكانة الفرد واإلعتراف له
بالحقوق املدنية والسياسية ،وهو ما يمكن استنتاجه من منطوق املادة الثانية من العهد
الدولي للحقوق املدنية والسياسية" تتعهد كل دولة في العهد باحترام الحقوق املعترف بها
فيه وبكفالة هذه الحقوق لجميع األفراد املوجودين في اقليمها والداخلين في واليتها دون
وفيما يتعلق بحقوق الطفل ،تضمن امليثاق جملة مواد تطرقت بشكل مباشر إلى
وبالرجوع للمادة 7من العهد الدولي الخاص بالحقوق املدنية والسياسية نجدهما
تنص على أنه" ال يجوز الحكم بعقوبة اإلعدام على جرائم ارتكبها أشخاص دون 81سنة
من العمر ،كما ال يجوز تنفيذه بامرأة حامل" ،وأوجب هذا العهد ضرورة فصل املتهمين
األحداث عن البالغين وإحالتهم بالسرعة املمكنة إلى القضاء للفصل في قضاياهم ،وفصل
605ـ العهد الدولي الخاص بالحقوق املدنية والسياسية لسنة ،0222دخل حيز النفاذ 0222/11/66وانضم إليه املغرب في
.0222/15/11
القانوني ،606وفي نفس السياق أكدت املادة 84على أنه تستثني من علنيه املحاكمات
الحاالت التي تتصل بأحداث تقتض ي مصلحتهم إجراء املحاكمة سرا وقد تنسحب السرية
أما املادة 79نصت في البند الرابع منها على وجوب أن تأخذ الدول األطراف في
امليثاق ،االجراءات املناسبة لتأمين املساواة في حقوق وواجبات الزوجين عند انعقاد الزواج
وأثناء انحالله وفي الحالة األخيرة وجوب اتخاد التدابير الالزمة لحماية األطفال.607
كما نصت الفقرتان الثانية والثالثة من نفس املادة على ضرورة تسجيل كل طفل
فور والدته مع إعطائه حق االسم وحق اكتساب الجنسية وفي هذا صيانة وحماية لحق
ما ينبغي أن تجدر إليه اإلشارة أن امليثاق الدولي الخاص بالحقوق املدنية
والسياسية ،لم يعرف عبارة الطفل ولم يحدد سن الطفولة بشكل واضح وصريح ،مما
أبقى اإلبهام قائما حول مرحلة ما قبل بلوغ سن الرشد وبالتالي حول األشخاص املعنيين
بأحكام هذا امليثاق ،وال سيما بأحكام املادة 74منه املتعلقة بحقوق االطفال.609
606ـ الفقرتين الثانية والثالثة من املادة العاشرة من العهد الدولي الخاص بالحقوق املدنية والسياسية لسنة .0222
607ـ غسان خليل" :حقوق الطفل التطور التاريخي منذ بدايات القرن العشرين" ببيروت :شمالي أند شمالي سنة ،6111ص .21
608ـ فاطمة الزهراء عالوي :م .س .ص .012
609ـ غسان خليل :م.س .ص .21
610ـ أصدرته الجمعية العامة لألمم املتحدة بتاريخ ،0222/06/02ودخل حيز النفاذ في ،0222/16/11وانضم املغرب إليه بتاريخ
.0222/15/11
باالطالع على مواد هذا العهد نجده أقر حماية للمصلحة الفضلى للطفل والطفولة
باعتبارها اللبنة األساسية في بناء املجتمع ،كما يعتبر العهد رعاية وتثقيف األطفال
القاصرين حقا أساسيا من حقوق األسرة وأمرا واجبا عليها .وهو ما أقرته الفقرة األولى من
املادة ،80ناهيك عما أقرته الفقرة الثانية من نفس املادة ب" وجوب منح األمهات حماية
خاصة خالل فترة معقولة قبل الوالدة وبعدها ،على أن تمنح األمهات العامالت إجازة
مدفوعة األجر أو مقرونة بمنافع مناسبة من الضمان اإلجتماعي ،أما الفقرة 9من نفس
املادة فتنص على" وجوب اتخاد إجراءات خاصة لحماية املصلحة الفضلى للطفل
ومساعدته دون أي تمييز ويجب كذلك حماية الطفل من كافة اإلستغالل اإلقتصادي
واإلجتماعي.
كما نصت املادة 89في فقرتها الثانية على جعل التعليم اإلبتدائي إلزاميا وإتاحته
للجميع بصورة مجانية ،ونصت في الفقرة (ب) منها على ما يلي" :تعميم التعليم الثانوي
بجميع فروعه بما في ذلك التعليم الثانوي التقني واملنهي ،واتاحته للجميع بكل الوسائل
إضافة إلى ما سبق ،اهتم العهد الدولي بالرعاية الصحية للطفل في املادة ،87
ودعا الدول إلى وضع برامج املتابعة الصحية للحفاظ على حياة األطفال والتقليل من
أسباب ونسب الوفاة ال سيما في صفوق املواليد ،باعتبار أن الحق في الحياة هو أرقى
املطلب الثاني :حماية املصلحة الفضلى للطفل من خالل االتفاقيات الخاصة به.
لم تبقى املصلحة الفضلى للطفل حبيسة الصكوك الدولية العامة وإنما تطورت
بشكل ملحوظ من خالل اإلرتقاء بالطفل إلى مستوى جد متطور فيما يتعلق باإلعتراف
بحقوقه ،وهو ما تتجلى أساسا في اإلعالنات الدولية الخاصة بالطفل الصادرة عن الهيات
الدولية املعنية(الفقرة األولى) ،ثم من خالل اتفاقية حقوق الطفل لسنة (8313الفقرة
الثانية).
تضمن إعالن جنيف في مبادئه األساسية ،مفاهيم جديدة لم يتم التعرض لها من
قبل ،بحيث إنه مفهوم جديد وجريء إذا ما قورن بمفهوم الطفولة وبأوضاعها السابقة،
وتميز إعالن جنيف بأنه نص في مقدمته على إلتزام البشر بحماية األطفال بغض النظر عن
اإلعتبارات العرقية واملدنية والفروقات الدينية ،وهذا اإللتزام بعدم التمييز كان خطوة
بالغة األهمية في سباق تطور املبادئ الدولية لحقوق الطفل من جهة وحماية مصلحته
611ـ إعالن جنيف بشأن األطفال ،صادر عن منظمة األمم املتحدة لسنة ،0261وهو أول اعالن دولي متخصص للتأكيد على
حقوق الطفل ،وقد تبنته الجمعية العامة لعصبة األمم في 62شتنبر ،0261ويتكون من ديباجة و 5مبادئ.
612ـ غسان خليل :م .س .ص .62
613ـ أصدرت الجمعية العامة لألمم املتحدة إعالن حقوق الطفل في 61نونبر 0252وذلك بموافقة 19دولة.
يعتبر هذا اإلعالن امتدادا إلعالن جنيف ،إذ تشير ديباجته هذا اإلعالن إلى ميثاق
األمم املتحدة وإلى اإلعالن العاملي لحقوق اإلنسان وأن الطفل يحتاج لحماية وعناية خاصة
إن هذا اإلعالن أضاف مفهوما جديدا إلى حقوق الطفل هو مبدأ حماية املصلحة
الفضلى للطفل بكل أنواعها الجسدية والفكرية واألخالقية واألهم أنه وسع نطاق هذه
الحماية ،فصارت تبدأ من اللحظة التي يتكون فيها الطفل في أحشاء أمه بعد أن كانت تبدأ
في املاض ي من لحظة الوالدة ،وهذا ما اعتبر في حينه خطوة رائدة في حماية املصلحة الفضلى
للطفل.
الفقرة الثانية :املصلحة الفضلى للطفل من خالل اتفاقية حقوق الطفل لسنة
.6158313
تعتبر هذه اإلتفاقية أهم صك دولي في مجال حماية املصلحة الفضلى للطفل ملا
تضمنته من أحكام وحقوق وآليات حمايتها ،وألنها اتفاقية خاضعة ملبدأ الرقابة من طرف
لجنة حقوق الطفل املنشئة بموجب نص هذه اإلتفاقية وهذه الرقابة ترمي إلى تجسيد
وقد احتوت ديباجة اتفاقية 8313على 24مادة مفصلة لكل منها عنوان خاص
بها ،وتنقسم هذه اإلتفاقية إلى ثالثة أجزاء ،يشتمل الجزء األول منها على 48مادة ،تحدثت
عن أهم الحقوق واملبادئ املعلنة للطفل على والديه واملجتمع والدول واملنظمات العاملية
األخرى.
أما الجزء الثاني فيشتمل على 4مواد من 47إلى 42والتي تبين كيفية نشر مبادئ
اإلتفاقية وأحكامها ،والثانية تبين كيفية إنشاء اللجنة العامة بحقوق الطفل ووظائفه،
والثالثة تبين كيفية وضع الدول األطراف التقارير عما تقوم به من تدابير لتطبيق حقوق
الطفل ونتائج هذا التطبيق أما الرابعة فتبين طرق عمل اللجنة.
أما بالنسبة للجزء الثالث من اإلتفاقية فيشمل 3مواد من املادة 47إلى غاية
وإذا كانت هذه هي املكانة التي يحتلها مصطلح املصلحة الفضلى للطفل ضمن
الصلة حظيت املصلحة الفضلى للطفل بإلتفاتة واعية من املشرع املغربي وهو يعيد النظر
في املقتضيات القانونية املؤطرة للطفل والرابطة األسرية ،األمر الذي انعكس على التطور
التشريعي واملؤسساتي في هذا الجانب ،وتتعدد أوجه هذه الحماية ما بين حماية دستورية
وتشريعية فرعية (املطلب األول) وحماية اجتماعية واقتصادية جاءت بها باقي النصوص
املطلب األول :انفتاح املنظومة القانونية الوطنية على حماية املصلحة الفضلى.
حظي الطفل بنوع من العناية من طرف املشرع املغربي الذي سن له أحكاما خاصة
بد في مختلف فروع القانون ،حيث تتعدد مظاهر هذه الحماية ما بين حماية دستورية
(الفقرة األولى) وحماية أقرتها النصوص القانونية الفرعية األخرى (الفقرة الثانية).
الفضلى للطفل سواء باعتباره إنسانا ،أو بصفته طفال ،وعندما نتحدث عن حقوق الطفل
كإنسان ،فإننا نشير إلى أهم الحقوق التي كرسها الدستور لإلنسان بصفة عامة ومن أهم
هذه الحقوق التي كرسها دستور 7088والتي هي حقوق للطفل أيضا ،ما تضمنه الفصل
83من الدستور من مساواة في الحقوق ،وعدم التمييز في التمتع بها بسبب الجنس أو اللون
وكذا حرية التفكير والرأي والتعبير كما هو منصوص عليه في الفصل 72من
الدستور ،وهذا الحق يعتبر أساس ي وجوهري للطفل .باإلضافة إلى تكريسه للمصلحة
الفضلى للطفل باعتباره طفل حيث أكد في الفصل 97على واجب الدولة في السعي لتوفير
الحماية القانونية واالعتبار االجتماعي واملعنوي لجميع األطفال ،بكيفية متساوية ،بصرف
النظر عن وضعيتهم العائلية من جهة ،وفي العمل على ضمان الحماية الحقوقية
واملحافظة عليها ،باعتبار األسرة القائمة على عالقة الزواج الشرعي هي الخلية األساسية
للمجتمع من جهة ثانية ،كما أن هناك كذلك إشارة في الفقرة الرابعة من نفس الفصل إلى
618ـ ظهير شريف رقم 20.00.0صادر في 62شعبان 62(0116يوليوز )6100تنفيد نص الدستور في الجريدة الرسمية عدد 5221
مكرر ـ 69شعبان 11(0116يوليوز 1211 )6100وما يفدها.
619ـ حومالك محمد" :حقوق الطفل باملغرب على ضوء اإلصالحات الدستورية واملرجعية الدولية" مقال منشورعلى املوقع"
www.Frssiwa.com
حق أساس ي للطفل وهو الحق في التعليم األساس ي وواجب على األسرة والدولة ان تضمن
هذا الحق.620
سياسات تسهر على معالجة األوضاع الهشة لفئات من النساء واألمهات ،واالطفال
واألشخاص املسنين والوقاية منها ،وإعادة تأهيل الذين يعانون من إعاقة جسدية أو حسية
أو حركية ،وإدماجهم في الحياة االجتماعية و املدنية وتيسير تمتعهم بالحقوق والحريات
مقتضيات بالنهوض بأوضاع األطفال ،وأسرهم ما شكل تحوال كبيرا على مستوى التعاطي
حظيت املصلحة الفضلى للطفل بالتفاتة واعية من املشرع املغربي وهو يعيد النظر
في املقتضيات القانونية حيث سن أحكاما خاصة في مختلف فروع القانون كمدونة األسرة
والقانون الجنائي.
تعتبر مدونة األسرة ترجمة قانونية أكيدة في إنشاء قطيعة مع معاناة األسرة
املغربية قانونيا واجتماعيا وثقافيا ،وبعدها الشمولي يكرسه املبدأ املحوري الثالثي األبعاد
والذي يتجلى في (رفع الحيف عن النساء ،وحماية حقوق الطفل ،وصيانة كرامة الرجل.)622
وفي هذا السياق أكدت املادة 24من مدونة األسرة على أن حقوق األطفال على
أبويه وأهمهما حماية الطفل وصحته ،والعمل على تثبيت هويته خاصة بالنسبة لالسم
والجنسية والتسجيل والحالة املدنية والنسب والنفقة والحفاظ على سالمته الجسدية
والنفسية ،وفي حالة افتراق الزوجين تتوزع الواجبات بينهما قدر املستطاع حسب ما تنص
كما أكدت املادة 707من نفس املدونة على تطبيق أحكام إهمال األسرة في حق كل
من توقف عن النفقة الواجبة لألطفال بعد انصرام أجل شهر دون عذر مقبول ،مع تضمن
إجراءات الحضانة بمقتض ى توفير السالمة البدنية والنفسية للطفل ومتابعة مساره
الدراس ي.
كما تحدثت املدونة في الكتاب الثالث عن أحكام الوالدة ونتائجها ،هذا الكتاب
الذي شمل كل ماله عالقة بالبنوة والنسب ووسائل إثباته ،والحضانة ومستحقيها وتربيتهم
622ـ أحمد ا لعباس ي" :املصلحة الفضلى للطفل في ضوء أحكام مدونة األسرة والنصوص ذات الصلة بها واإلتفاقيات الدولية"
بحث نهاية التدريب باملعهد العالي للقضاء ،الفوج ،12السنة .6100 .6112ص .12
623ـ للمزيد من التوسع انظر املادتين 056و 059من مدونة األسرة.
من املعلوم أن الطفل يتميز بضعف قدراته الجسمية والعقلية والتي تجعله فريسة
سهلة ملن يرغب في إساءة معاملته ووعيا من املشرع املغربي بوضعية الطفل هذه فقد أقر
نصوصا زجربة لحماية حقه في الحياة والنماء منذ مراحل حياته األولى إلى حين اكتمال
نضجه البدني والعقلي وذلك ببلوغه 81سنة ،كما أقر نصوصا أخرى تهدف إلى صيانة
بدنية ونفسية من أي اعتداء ،ومن بين هذه النصوص الزجرية نجد املشرع املغربي عاقب
على جريمة اإلجهاض في الفصل ( 442ق ج) بشدة مقترف هذه الجريمة أكان ذلك برض ي
املرأة أو بدونه ،وذلك لتعزيز حماية حق الجنين في الحياة ،ولدعم هذه الحماية ملصلحة
الطفل الفضلى فقد نصت املادتان 427و 422ق ج (على تطبيق الحرمان بقوة القانون
من أية وظيفة في مصحة أو مؤسسة تستقبل الحوامل على كل من صدر عليه حكم باإلدانة
بإحدى جرائم اإلجهاض ،سواء صدر الحكم داخل املغرب أو خارجه وتعاقب املادة 421
ونظرا لخطورة جرائم االختطاف على القاصرين ،فقد تعامل معها املشرع الجنائي
املغربي بنوع من التشدد في التجريم والعقاب ،حيث ينص في (الفصل 428ق ج) على
معاقبة الخاطف بالسجن من خمس إلى عشر سنوات ،إذا استعمل العنف أو التهديد أو
التدليس إلختطاف قاصر دون الثامنة عشر عاما أو إلستدراجه أو إغرائه أو نقله من
624ـ ظهير شريف رقم .0.52.101صادر في 69جمادى الثانية 62 0196نونبر 0226باملصادقة على مجموعة القانون الجنائي
للجريدة الرسيمة عدد 6211مكرر بتاريخ 5يونيو 0221ص .0651
625ـ أحمد الخمليش ي" :القانون الجنائي الخاص" ،الجزء الثاني ،مكتبة املعارف ،الطبقة األولى ،الرباط 0296ص .021
األماكن التي وضعه فيها من له سلطة أو إشراف عليه ،سواء فعل ذلك بنفسه أو بواسطة
غيره.
وبما أن الطفل غير قادر على العيش لوحده ،وإنما يعيش عالة على غيره وفي كنفه
حتى لو كان له مال يعيش منه ،فهو دائما في حاجة ملن يوليه الرعاية التي تتطلب من الولي
أو ممن كلف برعايته ،626لهذه اإلعتبارات أحاط املشرع الجنائي املغربي املصلحة الفضلى
للطفل بحماية خاصة من جرائم ترك األطفال أو تعريضهم للخطر وذلك من خالل (الفصل
423ق ج).
وبالرجوع إلى مقتضيات (الفصل 401ق ج) ،يتبين بأن املشرع الجنائي املغربي
قصد مصلحة الطفل بعناية خاصة من جرائم اإليذاء البدني الذي قد تطاله إذ وضع
نصوص خاصة تشدد العقوبات على جرائم العنف ،الجرح والضرب ...التي يمكن أن
يتعرض لها الطفل والتي من شأنها أن تحقق ردعا في نفوس الجناة ،وال تقتصر هذه الحماية
الجنائية للمصلحة الفضلى للطفل على تجريم األفعال التي من شأنها أن تشكل اعتداءات
جسدية بل تشمل ردع السلوكات التي من شانها ان تسبب اإلهانة واإلعتداء على الشرف
626ـ مصباح مصباح القاض ي" :الحماية الجنائية للطفولة" دار التحفة العربية بالطبعة األولى ،القاهرة .0229ص .11
ولحماية الطفل ضحية اإلغتصاب وهتك العرض تضمن القانون الجنائي املغربي
عقوبات صارمة في حق كل من سولت له نفسه هتك عرض األطفال القاصرين ،وذلك من
املطلب الثاني :املصلحة الفضلى للطفل في باقي القوانين الوطنية ذات الصلة.
إن جل القوانين املغربية الحالية ،وخاصة تلك التي تم تعديالتها مؤخرا مثل
القانون الخاص بالحالة املدنية(الفقرة األولى) ،أو من خالل قانون كفالة األطفال املهملين
ومصلحة الطفل وفق أحكام قانون الجنسية(الفقرة الثانية)تشمل موادها مراعاة خاصة
ملصلحة الطفل وإن كان بشكل ضمني ودون إدراج املصطلح بشكل صريح.
إن حق الطفل في اكتساب اسم وجنسية ومعرفة والدية وتلقي رعايتها هو حق
لذلك فالطفل هو في أمس الحاجة إلى دليل رسمي يثبت هويته للتمكن من
الحصول على خدمات عامة أساسية مثل التعليم والتحصين ،وفي بعض الدول ال يمكن
لألطفال الذهاب إلى املدرسة أو الحصول على التحصين مالم يتوفر لديهم دليل قانوني
على ميالدهم أو شهادة امليالد الرسمية وغيرها من املستندات (املتبة للهوية توفر لألطفال
627ـ ظهير شريف رقم .0.16.026صادر في 1أكتوبر 6116بتنفيذ القانون رقم 22.12املتعلق بالحالة املدنية ،الجريدة الرسمية
عدد 5151بتاريخ 6رمضان 0161موافق 2نوفمبر .6116
ضمانا يحميهم من مجموعة عريضة من أشكال األذى ،مثل الزواج املبكر وتشغيل
لذلك ينص قانون الحالة املدنية وذلك من خالل منطوق املادة الثالثة التي جاء
فيها " يخضع لنظام الحالة املدنية بصفة إلزامية جميع املغاربة كما يسري نفس النظام
على األجانب بالنسبة للوالدات والوفيات التي تقع فوق التراب الوطني" ،وبذلك فإن
التسجيل في الحالة املدنية حق من الحقوق الفضلى للطفل سواء كان الطفل شرعيا أو
مجهول النسب ،والتصريح بأي والدة يجب أن يتم داخل تالثين يوما إبتداءا من الوالدة.
الفقرة الثانية :املصلحة الفضلى في قانون كفالة األطفال املهملين وقانون الجنسية.
تعتبر الكفالة عمل انساني يرمي باألساس إلى ضمان حياة عادية وسليمة للطفل،
سواء كان معروف األبوين ومتخلى عنه أو كان من أبوين مجهولين ،فالهدف املتوخى من
الكفالة هو القيام بهذا العمل لضمان حياة مستقرة وتربية سليمة لطفل متكفل به.630
وعالجا لهذه اآلفة تضافرت عدة عوامل داخلية وخارجية فأترت على بنية التشريع
املتعلق باألسرة وبرز إلى حيز الوجود قانون كفالة األطفال(املهملين الذي ينظم شروط
ومسطرة إسناد الكفالة بمقتض ى حكم قضائي ،حيث يتضمن مجموعة من التدابير
الضامنة لحق الطفل املهمل في االسم والنسب وحقه في الرعاية والتربية والنفقة وحدد
سعى املشرع املغربي كذلك من خالل سنه لقانون الجنسية إلى حماية مصالح
الطفل الفضلى وذلك من خالل نصه على مجموعة من املقتضيات القانونية في هذا
القانون ،تهدف كلها إلى الغاية التي أشرت إليها ،من بين هذه املقتضيات ما جاء في الفصلين
7و 2املتعلقين بإسناد الجنسية األصلية بإعتماد على معيار البنوة والنسب أي بالدم أو
اعتمادا على معيار الطفل املولود من أب مغربي أو أم مغربية ،فالفصل 7يؤكد في الفقرة
الثانية على أنه" يعتبر مغربيا الولد املولود من أب مغربي أو أم مغربية" ويعتبر هذا اإلقرار
أهم ما جاء به هذا اإلصالح بحيث أقر حق الطفل من أم مغربية الحصول على الجنسية
املغربية بعد أن لم يكن ذلك متاحا من قبل ،إذ لم يكن بإمكان الطفل من أم مغربية وأب
خاتمة:
بناء على ما تقدم يمكن القول أن مفهوم املصلحة الفضلى للطفل قد تمت والدته
منذ زمن بعيد في القوانين الدولية ،وقد ولد هذا املفهوم مع اإلعالن العاملي لحقوق الطفل
لسنة ،8374والذي لم يثر بصراحة املصلحة الفضلى للطفل ولكنه نص على أن "اإلنسانية
يجب أن نعطي للطفل أحسن ما لدينا" وهكذا كان هذا اإلعالن هو أول وثيقة قانونية
تصرح بأنه يجب القيام بما هو أحسن من أجل األطفال ،ليأتي بعد ذلك إعالن حقوق
الطفل لسنة ،8323الذي صرح بصريح عبارته بأنه" يجب على أن يكون للمصلحة الفضلى
للطفل اإلعتبار األول ،وذلك أثناء تبني القوانين املتعلقة باألطفال ،غير أن هذا املبدأ تم
توضيحه وتكريسه بشكل أكبر من خالل اإلتفاقية الدولية املتعلقة بحقوق الطفل ،التي
اكتسبت بالفعل زخما هائال من التوقيعات من طرف جل الدول التي عملت على مالئمة
قوانينها الداخلية مع بنود اإلتفاقية ومن بينها املغرب ومع ذلك من خالل استخدام مبدأ
إذن فحماية املصلحة الفضلى للطفل يمثل رهان من طرف املغرب للرقي بالطفولة
املغربية إلى مستويات متقدمة من الحماية لكون أن تفعيل ما تم النص عليه في القوانين
الوطنية يستدعي التعاون وتظافر الجهود يين مختلف الفاعلين من هيئات ومؤسسات
غير أنه ما يالحظ على حقوق الطفل وخصوصا من الناحية القانونية ،أن هذه
القوانين الوطنية املنظمة للمصلحة الفضلى للطفل جاءت مبعثرة بين فروع القانون
لدرجة أنها تشكل تحديا حقيقيا يواجه املخاطين بهذه النصوص ،مما يستدعي تفكير املشرع
بشكل ملح في العمل على إصدار مدونة بحقوق الطفل تتضمن جميع القوانين الصادرة في
الئحة املراجع
* املراجع العامة:
-قدوري محمد رضا" :املصلحة الفضلى للطفل من خالل التشريع الوضعي" مذكرة
لنيل شهادة املاستر في الحقوق ،جامعة زيان عشور بالجلفة ،الجزائر ،السنة الجامعية
.7082 ،7087
-أحمد الخمليش ي" :القانون الجنائي الخاص" ،الجزء الثاني ،مكتبة املعارف ،الطبقة
-مصباح مصباح القاض ي" :الحماية الجنائية للطفولة" دار التحفة العربية بالطبعة
-غسان خليل" :حقوق الطفل التطور التاريخي منذ بدايات القرن العشرين" ببيروت:
-أحمد العباس ي" :املصلحة الفضلى للطفل في ضوء أحكام مدونة األسرة والنصوص
ذات الصلة بها واإلتفاقيات الدولية" بحث نهاية التدريب باملعهد العالي للقضاء ،الفوج
،97السنة .7088/7003
* املقاالت العلمية:
-فاطمة الزهراء عالوي ":الحماية القانونية للطفولة باملغرب في ضوء املعايير الدولية
والتشريعات القانونية" ،املجلة القانونية للرصد القانوني والقضائي ،العدد الثالث عشر
7078
-إعالن جنيف بشأن األطفال ،صادر عن منظمة األمم املتحدة لسنة .8374
*النصوص القانونية:
املتعلق بالحالة املدنية ،الجريدة الرسمية عدد 2024بتاريخ 7رمضان 8479موافق 2
نوفمبر .7007
باملصادقة على مجموعة القانون الجنائي للجريدة الرسيمة عدد 7740مكرر بتاريخ 2يونيو
.8379
القانون رقم 08.82املتعلق بكفالة األطفال املهملين جريد رسمية عدد .2098
أصبحت تهدد كيان املجتمع ومصالحه في كل لحظة وحين ،لذلك تعد مشكلة إجرام
األحداث من أهم و أعقد املشكالت االجتماعية التي تواجه جميع اقطار العالم املعاصر ،
املتقدمة واملتأخرة على حد سواء إذ تعرض كيانها ومستقبل أجيالها الصاعدة لخطر كبير
( )633مما يفرض على الدول نهج سياسات جنائية بناءة كفيلة بإيجاد الحل لهذه املعضلة،
من خالل سياسة تجريم تتولى بيان القيم الجديرة بالحماية ومنع إلحاق الضرر بها ،ثم من
خالل سياسة املنع الهادفة إلى احتواء الفعل اإلجرامي قبل وقوعه ،وفي حال وقوع هذا
األخير نهج سياسة عقابية قادرة على الحد من آثار هذا الفعل ورد مرتكبيه إلى جادة
الصواب بعد إصالحه وتهذيبه والرجوع به إلى حظيرة املجتمع مواطن صالح قادر على
(- )633
حسن الجوخدار ،قانون االحداث الجانحين ،مكتبة دار الثقافة للنشر و التوزيع ،الطبعة االولى 1000ص6 :
وتعد الرعاية الالحقة للمفرج عنهم آلية من آليات هذه السياسة العقابية الحديثة
التي تهدف مساعدة املسجونين على تخطي مختلف العقبات (النفسية واالجتماعية
كجزء مهم من االجتماعي ()634 واالقتصادية الخ)...التي تعترض سبيل تكيفهم مع محيطهم
جهود مكافحة الجريمة بصفة عامة و العود بصفة خاصة ،حيث لم يكن يعرف سابقا
العقاب إال في صورة الردع و القسوة و األلم ،كمحور أساس للسياسة العقابية التي تنظر
للفعل و ليس للمجرم املفترض عودته إلى املجتمع بعد انقضاء عقوبته السالبة للحرية،
وانه حتى عندما بدأ االهتمام به ،كانت وظيفة الدولة تقتصر على فترة العقوبة ليترك فيما
بعد فريسة ما يعرف بأزمة الخروج أو اإلفراج ،ثم بعد ذلك تغيرت النظرة إلى أغراض
العقوبة وفق السياسة الجنائية الحديثة وأصبح التأهيل و التهذيب و اإلصالح من األهداف
الرئيسية للعقوبة حتى تتمكن الدولة من القيام بواجبها االجتماعي نحو املحكوم عليه
()635 برعايته اجتماعيا بعد اإلفراج عنه.
وموضوع الرعاية الالحقة ،لم يعرف حضور رسمي في مؤتمرات املنتظم الدولي إال
في أواسط القرن امليالدي املنصرم ،وكان من أبرزها ما تضمنه قرار املؤتمر الدولي األول
ملكافحة الجريمة و معاملة املجرمين سنة ،8322املنعقد بجنيف برعاية هيئة األمم
املتحدة ،حين تضمن مجموعة من املقتضيات و القواعد املنظمة لعملية رعاية السجناء
ما بعد اإلفراج عنهم ،ثم تاله توصيات املؤتمر الدولي الثاني املنعقد بلندن سنة ،8370
(- )634مح مدد العياط ،الرعاية الالحقة لتنفيذ العقوبات السدددددددالبة للحرية ،بعض جوانب فلسدددددددفتها و تطبيقاتها ،مجلة الملحق
القضائي ،عدد 01:يونيه 1006ص. 00 :
( -- )635محمد صدبحي نجم ،أصول علم اإلجرام وعلم العقاب ،دراسة تحليلية وصفية موجزة ،دار الثقافة للنشر و التوزيع ،
سنة النشر 1400ه0311/م ص037 :
فآخرها مؤتمر سنة 8330خرج بقرار 888/42الخاص باملبادئ األساسية ملعاملة السجناء
والرعاية الالحقة تهدف إلى مكافحة الجريمة وإزالة أسباب العود إليها و ذلك من
خالل تتبع حالة املفرج عنه والعناية بشخصه و مساعدته و الوقوف على مدى تكيفه مع
إلبعاده عن طريق االنحراف و الجريمة( .)637فهدفها توفير فرص العمل للمفرج عنه أو فرض
مواصلة نشاطاته في الحراسة أو غيرها من املهن األمر الذي سيحقق مما يؤمن له حياة
اجتماعية مستقرة تكون بمثابة سياج يحميه من التفكير في اقتراف جريمة أخرى(.)638
أما املظهر أو الصورة الثانية املتمثلة في املعونات األدبية ،فاملقصود بها هنا إزالة
العقوبات التي تعترض جهوده في هذا السبيل كاملرض و عداء املجتمع و اإلعالم و نظم
املراقبة التي تفرض على املفرج عنهم في بعض الحاالت .و ال شك أن هذه الصورة و غيرها
تعيد ثقة املفرج في نفسه و شعوره بأنه مواطن ال يختلف عن غيره من املواطنين مما
يساهم في حصوله على مصدر رزق يؤمن له حياة اجتماعية مستقرة (.)639
( -)636اعتمدت ونشرت على المأل بموجب قرار الجمعية العامة لألمم المتحدة 111/42المؤرخ في كانون األول/ديسمبر
. 1003
( -- )637حسن الحروشي ،التأهيل و إعادة اإلدماج بين رغبة المشرع و إكراهات الواقع "،دراسة ميدانية" بالسجن المحلي
بعين سبع ،بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا المتخصصة في علوم التربية ،جامعة محمد الخامس 0334-0330ص. 66 :
( - )638نسرين الرحالي ،اإلشكالية الوظيفية للمؤسسة قضاء األحداث الجانحين ،أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون
الخاص ،كلية العلوم القانونية و االقتصادية و االجتماعية جامعة عبد المالك السعدي طنجة ،السنة الجامعية ،0316/0312
ص. 007:
( - )639محمد صبحي نجم ،أصول علم اإلجرام و علم العقاب ،دار الثقافة للنشر و التوزيع عمان ،الطبعة األولى سنة 0332
ص.032 :
وبذلك يتضح ان املوضوع على قدر كبير من االهمية باعتباره يسلط الضوء على
واحدة من اهم العمليات التأهيلية التي حظيت بنصيب وافر من النقاش و االهتمام ضمن
التشريعات الدولية املهتمة بقضايا االحداث ،كما انه يزيح الستار عن احدى ركائز
السياسة العقابية املعاصرة التي تحاول معالجة قضايا الجانحين وفق مقاربة تأهيلية
تنموية تتوخى تجاوز اثار العقوبات السالبة للحرية ،و ما خلفته من فشل في احتواء
الظاهرة و التقليل منها .الش يء الذي يدعونا الى التساؤل عن واقع الرعاية الالحقة لألحداث
في املمارسة العقابية املغربية ،و اآلليات التي وظفها املشرع من اجل القيام بهذا الدور ،و
وللحديث عن هذه األمور وغيرها ،آثرت تقسيم هذا املوضوع إلى مبحثين أساسيين
تناولت في (املبحث األول) ماهية الرعاية الالحقة ومكانتها في املواثيق الدولية ،وفي (املبحث
الثاني) ،تناولت الرعاية الالحقة من خالل تجارب الدول املقارنة والتجربة املغربية.
املبحث األول :ماهية الرعاية الالحقة للسجناء املفرج عنهم ومكانتها في املواثيق الدولية
إن املوقف الذي يواجه الشخص عندما يخرج من السجن أو مدارس التأهيل قد
يتمثل في نفور املجتمع منه فهناك من يخشاه و يبتعد عنه و ال يأمن جانبه ،لذلك كان من
الطبيعي أن يتجه بعض الخارجين من السجون أو املؤسسات اإلصالحية إلى عالم الجريمة،
و ذلك لتنكر املجتمع لهم و نفوره منهم و ابتعاده عنهم و سده أبواب الرزق الحالل في
وجوههم ،هذه األسباب دعت – الضرورة – إلى االعتراف بوجوب رعاية املفرج عنهم
إلى الحياة الطليقة ال يصح تركه بها الحتقار الناس و تنكرهم له (.)640
وتعتبر الرعاية الالحقة من أهم مظاهر تطور النظام العقابي الحديث في تعامله مع
السجناء بغية تجاوزهم الزمة اإلفراج من وسط محدود ،ثم إدماجهم داخل مجتمع كبير
بشكل صحيح يؤمن عدم رجوعهم إلى فضاء السجن .وإيمانا من املجتمع الدولي بهذه
الرعاية سعى إلى التأكيد عليها من خالل املؤتمرات عن طريق تحديد ماهيتها ،ثم تأطيرها
في وعاء قانوني يسمح بتحقيق أهدافها؛ ذلك ما سنحاول التقرب إلى مالمسته في مطلبين:
حتى نتعرف جوهر الرعاية الالحقة للمفرج عنهم ،يجب أوال الوقوف على إشكالية
تعريف هذه الرعاية من خالل (الفقرة األولى) ،ثم نتناول (الفقرة الثانية) عناصرها،
يطرح تعريف الرعاية الالحقة للمفرج عنهم من املؤسسات السجنية مجموعة من
( - )640براء منذر عبد اللطيف ،السدددياسدددة الجنائية في قانون رعاية األحداث دراسدددة مقارنة ،دار الحامد للنشدددر و التوزيع
عمان 0331 ،ص.006:
فقد عرفها علماء االجتماع على أنها" :تلك العمليات التي تسعى إلى الوقوف بجانب
السجين بهدف تحقيق التكييف االجتماعي ،والنفس ي واملنهي له بعد انتهاء فترة عقوبته
وانعزاله عن املجتمع"(.)641
أما علماء اإلجرام ،فقد عرفوها من خالل املنظمة العربية للدفاع االجتماعي( )642على
أنها" :عملية تتابعية وتقويمية للنزالء املفرج عنهم في بيئتهم الطبيعية من خالل تهيئتهم
للعود إلى العالم الخارجي ،والعمل على توفير أنسب ألوان األمن االقتصادي واالجتماعي
بينما عرفها علم العقاب بأنها" :االمتداد الطبيعي واملهم ألساليب املعاملة العقابية
إال أن هذه التعاريف على الرغم من وجاهتها ،والزاوية التي نظر منها للرعاية الالحقة
وجهت لها عدة انتقادات منها :تركيزها على الرعاية الالحقة ما بعد اإلفراج عن السجين
وإغفالها ملرحلة ما قبل اإلفراج ،باإلضافة إلى إغفالها ملوقع أسرة السجين في هذا البرنامج؛
بأن الرعاية الالحقة هي مجموعة من الجهود العلمية يرى()644 لذلك نجد أن هناك من
والعملية التي تقوم بها بعض األجهزة املتخصصة خالل فترة العقوبة قبل اإلفراج وبعده،
( - )641نجوى عبد الوهاب حافظ ،رعاية الجمعيات األهلية لنزالء المؤسددسددات االصددالحية ،منشددورات أكاديمية نايف ،سددنة
،0330ص .11
( - )642المنظمة العربية للدفاع االجتماعي ضدددد الجريمة منظمة تابعة لجامعة الدول العربية أسدددسدددت سدددنة ،1063الغرض
منها العمل على دراسددددة أسددددباب الجريمة ومكافحتها ،ومعاملة المجرمين وتامين التعاون المتبادل بين الشددددرطة الجنائية في
البالد العربية ومكافحة المخدرات.
( - )643أحمد عصدام الدين المليجي ،الرعاية الالحقة للمفرج عنهم من المؤسسات العقابية ،المجلة العربية للدراسات األمنية،
المجلد ، 0العدد ،2،1431ص .110
( - )644عبد هللا بن ناصددر السدددحان :الرعاية الالحقة في التشددريع اإلسددالمي والجنائي المعاصددر ،منشددورات أكاديمية نايف
العربية للعلوم األمنية،0336 ،ص .10
حيث إنه ال يمكن االقتصار على ما بعد اإلفراج عن السجين ،وإنما يجب أن تتكامل جل
كما يتضح من خالل نفس التعاريف إغفالها لعنصرين أساسيين من عناصر الرعاية
الالحقة ،وهما عنصري املراقبة واإلجراءات ،إذ يعتبران من العناصر األساسية في الرعاية
الالحقة للمفرج عنهم ،خصوصا إذا علمنا أن بعض السجناء يتم اإلفراج عنهم قبل نهاية
فترة عقوبتهم.
لذلك يمكن اقتراح تعريف الرعاية الالحقة مبدئيا ،على أنها تلكم العمليات
واإلجراءات و املراقبة التي يتم اعتمادها من أجل تأهيل السجناء وإعادة إدماجهم داخل
املجتمع ،سواء تلك التي تكون داخل فضاء السجن أو تلك التي تكملها خارجه بمعية األسرة
و املجتمع بغية إدماج وإعادة تأهيل السجين نفسيا وماديا ومعنويا ،فيتحقق له التكييف
بعد محاولة التقرب من تعريف الرعاية الالحقة ،وجب الوقوف على أهم عناصرها
لتتضح ماهيتها بشكل أعمق .فالرعاية الالحقة تقوم على ثالث عناصر أساسية وهي:
يعد اإلرشاد و التوجيه من أسس عناصر الرعاية الالحقة للمفرج عنهم ،لذلك ينبغي
*التأهيل االجتماعي:
ويقصد به عملية إعادة التنشئة االجتماعية( )645من زاوية إكمال بعض النقص في
التنشئة السابقة ،حيث تظهر بعد اإلفراج عن السجين حاجته أكثر مما سبق لهذه
التنشئة ،من اجل تحقيق تكيفه مع املجتمع واستقراره فيه كمواطن صالح يسهم في بناء
نفسه و بناء هذا املجتمع مثل باقي املواطنين؛ وينطوي التأهيل االجتماعي في هذا اإلطار
تهييئ املناخ املناسب للمفرج عنه في املجتمع الخارجي ،من اجل التكيف
االجتماعي.
العمل على إقناع املفرج عنه بإمكانية عودته إلى املجتمع ليمارس حياته
الطبيعية.
ولتحقيق هذا املبتغى ،فإنه البد من تظافر مجموعة من الجهود ،جهود األجهزة
املشرفة على الرعاية الالحقة( ،)646وهنا يبرز دور الخدمة االجتماعية ،التي تقوم على
( - )645التنشددددددئة االجتماعية هي العملية التي يتم بو اسددددددطتها نقل أدوار وقيم ومبادئ ومعارف وعادات ونظم وقوانين ثقافة
مجتمع إلى أحدد أعضدددددددائه ،أنظر علي بن سدددددددليمان بن إبراهيم الحناكي :الواقع االجتماعي ألسدددددددر األحداث العائدين من
االنحراف ،منشورات جامعة نايف للعلوم األمنية ،الرياض ،0336 ،ص ...02
(646) -
Olivia Cligman :Laurence Gratiot et Jean-Christophe Hanoteau; le droit en Prison ; Editions
Dalloz ; 2001 ;p 290.
مساعدة املفرج عنه ،وحل املشاكل التي تواجهه إلى أن يستقر .مع متابعته بين حين و آخر
إلى أن يتوفر له االستقرار نهائيا ،فقد أثبتت البحوث و الدراسات أن الشخص املفرج عنه
إذا ترك بمفرده يواجه قوى الشر التي تتحالف لجدبه إلى صفها تكون النتيجة هي العودة
مباشرة إلى أحضان الوسط اإلجرامي من جهة؛ ومن جهة أخرى يجب على األسرة تكملة
هذه املجهودات املبذولة مع املفرج عنه وذلك من خالل احتضانها له بعد الخروج من
املؤسسة السجنية(.)647
بالنسبة للتأهيل التعليمي في إطار الرعاية الالحقة ما بعد اإلفراج عن السجين ،يبرز
أساسا من خالل تخويل املفرج عنه إمكانية متابعة دراسته التي كان يقوم بها داخل
املؤسسة السجنية ،في حال كان األمر كذلك؛ أو تأهيله مهنيا من خالل إمداد الذي سيفرج
عنه في إطار ما يسمى باالستعداد لإلفراج بحرفة معينة ،والتي يجب أن يراعى فيها متطلبات
سوق الشغل ،حتى يسهل إعادة إدماجه في عمل معين ما بعد اإلفراج( ،)648يليق بما تلقاه
من تأطير منهي في هذا الصدد داخل فضاء السجن أو نما فيه مكتسباته السابقة في هذا
املجال؛ فالشغل هو أهم وسيلة تأهيلية تستهدف تدريب السجناء على حرفة وتلقينهم
قواعد إتقانها ،ومساعدتهم على سلوك سبل العيش الشريف بعد اإلفراج عنهم من
السجن(.)649
( - )647عبد هللا بن ناصر السدحان :الرعاية الالحقة في التشريع اإلسالمي والجنائي المعاصر ،م س ،ص.01 :
( - )648أحمد عصام الدين المليجي ،الرعاية الالحقة للمفرج عنهم من المؤسسات العقابية ،م س ،ص.100 :
( - )649عبد الجليل العينوسدددي ،تشدددغيل السدددجناء في المغرب بين القانون و الواقع ،دار ابي رقراق للطباعة والنشدددر،الطبعة
األولى ،0310ص00:
يعتبر التأهيل النفس ي شأنه في ذلك شأن التأهيل االجتماعي من املجاالت املكونة
لعنصر التأهيل ذات طابع تكميلي وليس تصحيحي في إطار الرعاية الالحقة للمفرج عنهم،
وذلك من خالل تتبع حالته النفسية ومحاولة تحقيق التكيف النفس ي لديه مع محيطه
الخارجي( ،)650خاصة وأن جل هؤالء املفرج عنهم يعانون من الوصم االجتماعي( )651الذي
يالحقهم و الذي يخلق لديهم شعور بأن السجن الحقيقي هو ما يكابدونه من نظرات و
معامالت اآلخر فتكون النتيجة مجموعة من العقد تولد لديهم اإلحباط و الرغبة في
االنتحار ،أو على األقل االرتماء في أحضان الوسط اإلجرامي من جديد باعتباره يجسد هذا
الوصم.
إلعادته إلى املجتمع بشكل الئق ،يحفظ له كرامته اإلنسانية املتأصلة فيه وذلك من خالل:
حيث إن بعض املفرج عنهم يواجهون برفض من قبل األسرة والعائلة ،من هنا كان
( - )650فتيحة الجميلي :تأهيل المجرمين وأثره في المجتمع ،دراسددة خطوات التأهيل وموقف المشددرع العراقي ،مجلة العلوم
االجتماعية ،العدد ،1مارس ،1010ص .140
(651) -
"La théorie de la stigmatisation sociale s’est épanouie pendant les années soixante aux états
unis et en Europe occidentale dans un climat social relativement tendu", Mohammed Ayat,
Crime et société ,IMP ElMaarif ,El-Jadida,1997,P :122
ذلك أنه البد من تزويد السجناء املفرج عنهم بمالبس الئقة ،بحيث إذا خرجوا من
السجن إلى العالم الخارجي أصبحوا أشخاص عاديين في املظهر ،هذا باإلضافة إلى إمدادهم
باملصروفات الضرورية لقضاء حاجتهم في التنقل ،وكذا العيش الكريم خالل الفترة
اإلنتقالية(.)652
تعتبر هذه الصورة من أهم صور املساعدة املادية للرعاية الالحقة ،حيث غالبا ما
التطبيب:
تبرز أهمية ذلك خاصة عندما يكون املعتقل في حاجة ماسة إلتمام عالج شرع فيه
أثناء مدة االعتقال ،وذلك من خالل استكمال عالجه بعد اإلفراج عنه.
لكن عنصر املساعدة املادية في الرعاية الالحقة ،يطرح مجموعة من اإلشكاالت أهمها
أن توفير مستلزماتها يتطلب موارد مادية كبيرة ،وقد يستعص ي على الدولة توفيرها ،كذلك
(- )652
محمد خلف :علم العقاب ،مطابع دار الحقيقة ،الطبعة الثانية ،1077ص .010
(- )653
فتيحة الجميلي :تأهيل المجرمين وأثره في المجتمع ،دراسدددة خطوات التأهيل وموقف المشدددرع العراقي ،م س ،ص:
.140
أن املفرج عنه غالبا ما يواجه بالرفض من قبل أرباب العمل األمر الش يء الذي يتطلب
:9 -املراقبة واإلجراءات
-أ -املراقبة:
تهدف في هذا اإلطار إلى تحقيق أمرين :رعاية مصلحة املفرج عنه ،ومنعه من العودة
إلى الجريمة ،ثم تمكين الدولة من املالحظة وأخذ االحتياط والحذر ممن لهم ماض ي إجرامي.
فمن املسؤول عن مراقبة املفرج عنهم؟ وماهي املدة التي يجب مراقبتهم فيها؟
بالنسبة للمسؤول عن تنفيذ عنصر املراقبة ،هناك تضارب في الرأي حول من يجب
أن يكلف بمراقبة املفرج عنه ،بين من يرى( )655على أن املراقبة يجب أن تتم من قبل جهاز
الشرطة القضائية ،ملا له من خبرة في تعامل مع املجرمين خارج السجن ،وهناك من يرى
على أن املراقبة ال يجب أن تتم من قبل هؤالء ،وإنما يجب أن يعين لها ضابط للمراقبة،
من ذوي الخبرة في مجال الخدمة االجتماعية والذي يجب أن ينمي في املفرج عنه الوازع
(654) -
Olivia Cligman :Laurence Gratiot et Jean-Christophe Hanoteau ; Même Référence ; P
293.
( - )655محمد خلف ،علم العقاب ،م س ،ص .072
(- )656سمير ناجي :بحوث ودراسات في القانون الجنائي ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،0332 ،ص .000
أما فيما يخص مدتها ،فلم يتولى الفقه اإلجابة عنها ،وإن كان في إجراءات رد االعتبار
ما يفي باإلجابة عن هذه النقطة ،ذلك أن مدة املراقبة تنتهي في اليوم الذي يحصل فيه
-ب :اإلجراءات:
يقصد بها اإلجراءات القانونية التي تيسر إعادة إدماج املفرج عنه في املجتمع ،ونورد
رد االعتبار:
من املعلوم أن العقوبة تؤدي إلى االنتقاص من شخصية املحكوم عليه( ،)657ذلك أن
الحكم بالعقوبة في أغلب أحوال يعقبه الحرمان من بعض الحقوق الوطنية واملدنية(،)658
ومن هنا فإن رد االعتبار للمحكوم عليه يلعب دورا هاما في تخويل املفرج عنه إمكانية
ورد االعتبار نوعان إما أن يكون قضائيا أو قانونيا ،فاألول يكون بناء على طلب
املحكوم عليه ،وتنظر السلطة القضائية في هذا الشأن ،وتصدر قرارها بعد التأكد من
توافر الشروط التي وضعها املشرع ،والثاني هو رد اإلعتبار بقوة القانون دون طلب املعني
باألمر بعد إستيفاء املدة التي حددها القانون دون إرتكاب املفرج عنه لجرم جديد(.)659
هناك ثالث آراء تنازعت مشكلة نظام السوابق القضائية :الرأي األول يرى وجوب
إيراد السوابق كلها في صحيفة املحكوم عليه ،وعدم إخفاء أية واحدة منها سواء عن األفراد
أو السلطات العمومية؛ في حين قال رأي آخر بوجوب إخفاء جميع السوابق عن األفراد
دون السلطات العمومية ،وذهب رأي ثالث إلى إسقاط السوابق البسيطة وحدها من
من حق السجين تلقي التعليم أو التكوين املنهي ،كما من حق املفرج عنه استكمال
هذا التأهيل في حالة اإلفراج .ومن تم من حق املفرج عنه الحصول على شهادة رسمية في
االختصاص الذي تعلمه وتدرب فيه ،لكي تساعده في اإلندماج في سوق الشغل ،وهذه
الشواهد والديبلومات املمنوحة للمفرج عنه في إطار التأهيل التعليمي أو املنهي ،ال يجب أن
وقفنا على إشكالية تعريف الرعاية الالحقة ،ثم عناصرها؛ أما اآلن سوف نتحدث عن
أشكال أو أنماط هذه األخيرة والتي تختلف حسب طبيعة الهيئات املشرفة على تنفيذها
ينبني هذا التصنيف انطالقا من املسؤول عن تنفيذ برامج الرعاية الالحقة للسجناء
تسند مهمة هذه الرعاية إلى أفراد متطوعين أو جمعيات خيرية تطوعية ،حيث إن
الرعاية الالحقة بدأت في صورة مساعدات حثثت عليها التعاليم الدينية ،ولم تكن للرعاية
عندئذ صفة عقابية إذ اعتبر املفرج عنهم في ظلها صنف من البؤساء يقدم إليهم العون
كما يقدم إلى سائر البؤساء ،ويعني ذلك أن هذا النمط تولته جمعيات الخير ولم تتحمل
الدولة في شأنه أية مسئولية ،وقد أكدت النظريات الجنائية التي سادت في بداية القرن
التاسع عشر هذا الطابع حيث وصفت العقوبة بأنها محض إيالم تستهدف الردع العام أو
العدالة ،وان واجب الدولة ينحصر في مجرد إنزال اإليالم بتنفيذ العقوبة ،فإذا انقض ى
( - )662أحمد فوزي الصدددادي ،رعاية أسدددر النزالء كأسدددلوب من أسددداليب الرعاية الالحقة ،جامعة نايف للعلوم األمنية ،دار
النشر بالمركز العربي للدراسات األمنية و التدريب بالرياض ،الطبعة األولى 1431هـ ،ص134 :
يرى هذا االتجاه أنها تنقسم إلى الرعاية شبه الرسمية التي تفوض الدولة فيها عملية
الرعاية إلى منظمات تتعهد رسميا بالقيام بتلك الوظيفة تحت رقابتها؛ بعد أن تكون قد
وبين الرسمية منها ،تحت إشراف الدولة التي تسهم في مواردها ،عن طريق جهاز
حكومي خاص يجسد أرقى السياسات العقابية في التعامل مع السجناء كما أصبحت
تكرسه وتدعو له املواثيق الدولية في هذا الصدد .كما يرى أنصار هذا النموذج أن التنسيق
ما بين الجهازين من شأنه أن يعطي نظرة شمولية وواضحة الحتياجات السجين املفرج
عنه()663؛ وذلك في إطار شراكة بناءة و هادفة تقوم على مخططات تنموية ،تخلو من كل
ينبني هذا التصنيف على عنصر املستحقين لبرامج الرعاية الالحقة للمفرج عنهم،
بحيث قد تكون في بعض األحيان شمولية وعامة لكافة املفرج عنهم ،وقد تكون في أحيان
(663) -
Donat Décisier : les conditions de la réinsertion socioprofessionnelle des détenus en France,
avis et rapports du conseil économique et sociale, République Française, 2006, P 40.
وهي تلك الرعاية املقدمة إلى كافة املفرج عنهم دون استثناء هذا من جهة ،ومن جهة
أخرى تلك الرعاية شاملة للعناصر الثالث األساسية( ،التأهيل واإلرشاد ،املساعدة املادية
بالنسبة لبعض املفرج عنهم نجدهم محتاجين إلى رعاية الحقة من نوع خاص يطلق
عليها الرعاية الالحقة ذات التخصص ،ذلك أن بعض الجرائم املرتكبة من طرف هؤالء
تكون نتيجة اضطرابات عقلية ونفسية...وفي هذا اإلطار فان الرعاية الالحقة ذات
التخصص ضرورية في مثل هذه الحاالت ،حيث إن تتبع عملية التكيف االجتماعي والنفس ي
أساس هذا التصنيف مرده إلى نوع اإلفراج الذي حصل عليه السجين ،أهو إفراج
من املعلوم أن األصل العام في اكتمال التأهيل وإدماج السجناء هو انقضاء فترة
العقوبة املحكوم عليهم بها ،وبالتالي فإن الرعاية الالحقة ما بعد هاته الفترة تتحدد حسب
رغبة املفرج عنه من حيث قبولها أو رفضها ،خصوصا التأهيل واإلرشاد واملساعدة املادية
سلف الذكر أن هناك بعض السجناء يتم اإلفراج عنهم قبل انقضاء فترة العقوبة،
خصوصا في حالتي اإلفراج الشرطي ،وكذا العفو بنوعيه؛ األمر الذي يفرض تتبع هؤالء
املفرج عنهم ،وبالتالي ال يجب تركهم بمجرد اإلفراج ،خصوصا من زاوية املراقبة كعنصر من
عناصر الرعاية الالحقة والتي يجب أن تكون إلزامية في هذه الحالة(بمعنى أنه إذا قام بعمل
يخالف القانون أمكن إعادته إلى السجن مرة أخرى ،ويطلق عليها أحيانا نظامla Parole-
تعد معاملة السجناء بما يليق مع الكرامة اإلنسانية مبدأ رئيسيا ،لذلك كان لالهتمام
الدولي في هذا اإلطار وقع إيجابي في تطور مؤسسة الرعاية الالحقة ،وذلك من خالل
ملعاملة السجناء (الفقرة االولى) ،ثم التوصيات الصادرة عن املؤتمر الدولي الثاني ملكافحة
( - )666سمير ناجي ،بحوث ودراسات في القانون الجنائي ،م س ،ص .430
( - )667يحيى حسن درويش ،الرعاية الالحقة وأثرها في الحد من العود إلى الجريمة ،من الرعاية الالحقة للمفرج عنهم بين
النظرية و التطبيق ،جامعة نايف للعلوم األمنية ،الرياض ،الطبعة األولى،سنة 1431ه ،ص12 :
شكل املؤتمر الدولي األول ملكافحة الجريمة ومعاملة املذنبين املنعقد بجنيف سنة
،8322أول لقاء دولي يحدد السياسات العمومية في مجال تدبير الجريمة والعقوبة ،وقد
خلص هذا املؤتمر إلى عدد من التوصيات ،تم صياغتها في شكل قواعد سميت القواعد
النموذجية الدنيا ملعاملة السجناء ،وقد تناولت هذه األخيرة الرعاية الالحقة في مجموعة
من قواعدها.
ومن هذه املقتضيات ضرورة استحضار مستقبل السجين بعد خروجه من السجن،
كما تؤكد هاته القواعد على ضرورة تهيئة الظروف املالئمة لتمكين السجين الحدث
من سرعة التعامل مع املجتمع بعد خروجه من املؤسسة السجنية بشكل سوي من خالل
تأهيله دراسيا ،ويجب أن تكون هذه الدراسة متناسقة مع التعليم خارج السجن(.)669
كذلك من املقتضيات التي أقرتها هذه القواعد ،نجد القاعدة 18من ق.ن.د.م.س،
والتي أقرت " -8على اإلدارات والهيئات الحكومية أو الخاصة ،التي تساعد الخارجين من
السجن على العودة إلى احتالل مكانهم في املجتمع ،أن تسعى بقدر اإلمكان لجعلهم يحصلون
( - )668القاعدة 13من ق.ن.د.م.س ،والتي نصدت " يوضع في االعتبار ،منذ بداية تنفيذ الحكم ،مستقبل السجين بعد إطالق
سدراحه ،ويشدجع ويسداعد على أن يواصدل أو يقيم ،من العالقات مع األشدخاص أو الهيئات خارج السدجن ،كل ما من شأنه
خدمة مصالح أسرته وتيسير إعادة تأهيلها االجتماعي".
( - )669القاعدة 77من ق.ن.د.م.س ،والتي نصتتت " -1تتخذ إجراءات لمواصتتلة تعليم جميع الستتجناء القادرين على االستتتفادة
منه ،بما في ذلك التعليم الديني في البلدان التي يمكن فيها ذلك .ويجب أن يكون تعليم األميين واألحداث إلزاميا ،وأن توجه إليه
اإلدارة عناية خاصة.
-0يجعل تعليم الستتتتجناء ،في حدود المستتتتتطاع عمليا ،متناستتتتقا مع نظام التعليم العام في البلد ،بحيث يكون في مقدورهم ،بعد
إطالق سراحهم ،أن يواصلوا الدراسة دون عناء.
على الوثائق وأوراق الهوية الضرورية ،وعلى املسكن والعمل املناسبين ،وعلى ثياب الئقة
تناسب املناخ والفصل ،وأن توفر لهم من املوارد ما يكفي لوصولهم إلى وجهتهم ولتأمين
أسباب العيش لهم خالل الفترة التي تلي مباشرة إطالق سراحهم. "...
وبذلك فإنها أكدت على ضرورة قيام الجهات املشرفة على عمليات الرعاية الالحقة
للمفرج عنهم بدورها لتمكين املفرج عنه من الحصول على مجموعة من املستلزمات
الضرورية من سكن وعمل ،وأن توفر لهم املوارد الكافية للوصول إلى وجهتهم.
-الفقرة الثانية :الرعاية الالحقة وفق توصيات املؤتمر الدولي الثاني ملكافحة
اهتم املؤتمر الثاني املنعقد بلندن سنة 8370بموضوع الرعاية الالحقة للمفرج عنهم،
وقد أصدر هذا املؤتمر 82توصية خصص 1منها للرعاية الالحقة(،)670حيث أشارت جلها
إلى ضرورة النظر من جديد من قبل الدولة إلى املقتضيات املتعلقة بعمل املفرج عنه،
وحقه في اإلدماج في الوظيفة العمومية .كما أنه من املقتضيات التي جاءت بها ،تلك املتعلقة
بالرعاية املتخصصة ،حيث أشارت التوصية رقم 87على أنه البد من توجيه رعاية الحقة
خاصة باملذنبين الشواذ والعجزة وكذا مدمني الخمر واملخدرات ،نظرا للوضعية الخاصة
لهؤالء املجرمين والذين يحتاجون إلى بذل مزيد من الجهد ،كما أقرت بضرورة شمول
الرعاية الالحقة جميع املفرج عنهم بدون استثناء أو إقصاء ،على اعتبار أن حاجات املفرج
عنهم مختلفة ،وبالتالي فإن أي مفرج عنه يحتاج إلى رعاية الحقة حسب هاته الحاجات،
(- )670
احمد عصام الدين المليجي ،الرعاية الالحقة للمفرج عنهم من المؤسسات العقابية ،م س ،ص .100
ثم على الدولة أن تعنى بتنظيم مؤسسات الرعاية الالحقة والسهر على عملها وتنظيمها(،)671
وأخيرا فقد أكدت هذه التوصيات على ضرورة االستفادة من وسائل اإلعالم للوصول إلى
ونود أن نشير إلى أن املبادئ األساسية ملعاملة السجناء تضمنت مادة جوهرية في هذا
الصدد جاء فيها ":ينبغي العمل بمشاركة ومعاونة املجتمع املحلي واملؤسسات االجتماعية
ومع إيالء االعتبار الواجب ملصالح الضحايا ،على تهيئة الظروف املواتية إلعادة إدماج
املمكنة)673(". السجناء املطلق سراحهم في املجتمع في ظل الظروف
كما كان للرعاية الالحقة صدى على مستوى مؤتمر خبراء الشئون االجتماعية العرب
الذي عقد بالقاهرة سنة8374م ،حيث أشارت توصياته إلى مستقبل السجين بعد اإلفراج
وكفالة أسباب العيش الشريف له إذ إن واجب املجتمع ال ينتهي باإلفراج عنه ،ولذلك
للمفرج عنه؛ كما أوص ى املؤتمر بتوعية الرأي العام العربي بشتى وسائل اإلعالم بمشكلة
املغربية
( - )671التوصددية رقم 1من ت.م.د.ث.م.ج.م.س ،على ما يلي ":لما كانت الرعاية الالحقة جزء ال يتجزأ من عملية التأهيل
االجتماعي ،لذا ينبغي توفيرها لجميع من يفرج عنهم من السجون ومن واجب الدولة في هذا المجال أن تعنى بتنظيم إدارات
الرعاية الالحقة وتوفير خدماتها".
( - )672عبد هللا بن ناصر السدحان ،الرعاية الالحقة في التشريع االسالمي و الجنائي المعاصر ،م س ،ص .44
( - )673المادة 13من المبادئ االساسية لمعاملة السجناء
( - )674محمد صبحي نجم،اصول علم االجرام و علم العقاب ،م س ،م س ،ص031 :
إن ضمان الفعالية للرعاية الالحقة يمر وجوبا عبر قناة املشرع ،الذي يحدد اإلطار
القانوني إلجراءات الحكم والعقوبة ،بحيث ال فعالية وال إجرائية للرعاية الالحقة دون
تنظيم قانوني مؤطر وموجه لعمل املؤسسات واألفراد ،الذين خصهم القانون بتنفيذ
العقوبة واإلصالح وكذا الرعاية الالحقة ،حيث إن املشرع املغربي ال يمكنه أن يتبنى أي
إجراء أو مقتض ى قانوني ،إال باالستئناس بما سارت عليه املعاهدات الدولية ،وما سارت
عليه القوانين املقارنة؛ فإننا سنسلط الضوء على القوانين املقارنة(املطلب االول) ثم
اهتم التشريعين املصري والفرنس ي بموضوع الرعاية الالحقة للمفرج عنهم ملا لهذا
املوضوع من أهمية على مستوى السياسة العقابية ،التي هي جزء من السياسة الجنائية؛
تعد تجربة الجمهورية العربية املصرية متجذرة نسبيا .وذلك لكونها انطلقت في نهاية
األربعينيات؛ بيد أنها رغم كونها تجربة رائدة في العالم العربي ال زالت تتنسم طريقها لحد
اآلن نحو تطبيق سليم و أفضل .ويالحظ جزءا منها له طابع رسمي عام وجزء آخر ذو طابع
( - )675محمدد عيداط ،الرعدايدة الالحقدة لتنفيذ العقوبات السدددددددالبة للحرية:بعض جوانب فلسدددددددفتها وتطبيقاتها ،مجلة الملحق
القضائي ،العدد 01يونيه 1006:ص01 :
وعليه فقد أورد املشرع املصري في القانون رقم 937لسنة 8327املتعلق بتنظيم
السجون مجموعة من النصوص واملقتضيات القانونية التي لها صلة مباشرة بموضوع
رعاية السجناء املفرج عنهم ،حيث أقر لهم مجموعة من الحقوق واملستلزمات الضرورية
من قبيل امللبس كما نصت على ذلك املادة )676(28من القانون سالف الذكر وعلى ضرورة
تزويد املؤسسات السجنية للسجين املفرج عنه بملبس وذلك في حالة عدم قدرته الحصول
أما على مستوى التوجيه واإلرشاد فقد أقرت املادة 74من الفصل العاشر من قانون
السجون املصري على ضرورة إعالم وزارة الشؤون االجتماعية من قبل إدارة السجن ،في
إطار اإلعداد لإلفراج عن وقت خروج السجين حتى يتسنى لها تأهيل املفرج عنهم وإعدادهم
أما على مستوى املراقبة واإلجراءات كإحدى عناصر الرعاية الالحقة للمفرج عنهم
فقد نص املشرع املصري في املادة 21من نفس القانون على ما يلي ":يسلم املسجون إلى
جهة اإلدارة مع أمر اإلفراج لتنفيذه مع تسليمه التذكرة املبين فيها اسمه والعقوبة املحكوم
بها عليه ...ويذكر فيها الشروط التي وضعت لإلفراج عنه ،والواجبات املفروضة عليه.".....
( - )676التي نصددت على ما يلي ":إذا لم يكن للمسددجون مالبس أو لم يكن في قدرته الحصددول عليها تصددرف له مالبس طبقا
لما تقرره الئحة السجون".
أما فيما يتعلق باإلجراءات فقد نظم املشرع املصري رد االعتبار ،وإمكانية الحصول
عليه سواء قضائيا ،أي بناء على طلب املحكوم عليه( ،)677وتتحدد مدته بين ثالث إلى ست
سنوات حسب نوع الجريمة( ،)678أو رد االعتبار بقوة القانون الذي تتراوح مدته ما بين ستة
أولى القانون الفرنس ي منذ اإلصالح العقابي لسنة 8342م ،الرعاية الالحقة للمفرج
عنهم ،عناية بالغة تظهر من خالل تخصيصه حيزا هاما لها في املرسوم التنظيمي لقانون
ومن جملة املقتضيات التي أقرها هذا املشرع ،إحداثه ملصلحة خاصة باإلدماج
واالختبار كمصلحة تابعة لإلدارة السجنية( ،)681وأسند لها مجموعة من االختصاصات ،منها
السهر على استمرار عملية إدماج املفرج عنهم في املجتمع ،وتقديم املساعدة املادية
لألشخاص املسلمين لها من قبل السلطات القضائية (املادة D544من نفس املرسوم).
( - )677المادة 206من ق رقم 123لسدنة 1023بإصددار قانون اإلجراءات المصري نصت على أنه ":يجوز رد االعتبار
إلى كل محكوم عليه في جناية أو جنحة ،ويصدر الحكم بذلك في محكمة الجنايات التابع لها محل إقامة المحكوم عليه وذلك
بناء على طلبه".
( - )678المادة 207من نفس القانون ":يجب لرد االعتبار ...أن يكون قد انقضددى من تاريخ تنفيذ العقوبة ،أو صدددور العفو
عنها مدة ست سنوات إذا كانت عقوبة جناية أو ثالث سنوات إذا كانت عقوبة جنحة."...
( - )679أما على المسدتوى الخاص أو شدبه الرسدمي فقد تم إنشداء جمعية للرعاية الالحقة للسجناء في القاهرة سنة ،1024ثم
ظهرت جمعيات مما ثلة في المحافظات األخرى ابتداء من سنة . 1026
إلى أن تم تكوين سدددنة 1060االتحاد النوعي لجمعيات رعاية السدددجناء .ويالحظ على العموم تظافر مكثف للجهود المبدولة
من طرف هذه الجمعيات واإلدارة للقيام بالمهام الجسدديمة للرعاية الالحقة بالرغم من الصددعوبات التي تعتري عملية التطبيق
من قلة اطر متطوعة و ضعف تكوينها و نقص في الموارد المالية بالمقارنة مع كثرة المستفيدين .
(680) -
Code de Procédure Pénale : Partie réglementaire – Décrets N : 2004-1364 ;du 13 décembre
2004
( - )681نظم المشددددرع الفرنسددددي أحكام هذه المصددددلحة في المواد من ( D572إلى )D587من المرسددددوم التنظيمي لقانون
المسطرة الجنائية الفرنسي.
وكذلك من املقتضيات التي أوجبها املشرع الفرنس ي تلك املتعلقة بالتأهيل املنهي
والتعليمي ،وفي هذا اإلطار اقر في املادة D450من املرسوم التنظيمي على أنه من الضروري
على السجناء أن يكتسبوا وينموا املعارف الالزمة وذلك بغية إدماجهم في املجتمع عند
اإلفراج( ،)682مع منح هؤالء الشواهد املهنية والعلمية التي حصلوا عليها دون اإلشارة إلى
حالة االعتقال في الشواهد .باإلضافة إلى املساعدة املادية للمفرج عنهم لقضاء احتياجاتهم
الضرورية للعيش وكذا التنقل (املادة D481من نفس املرسوم)( ،)683كما يمكن للمفرج
عنه أن يستفيد من ملبس الئق عند خروجه من املؤسسة السجنية (املادة .)D 487
أما على مستوى املراقبة كإحدى عناصر الرعاية الالحقة فقد نظم املشرع الفرنس ي
أحكامها بمناسبة تنظيمه لإلفراج الشرطي ويدخل هذا اإلجراء من أجل تسهيل عملية
إدماج املفرج عنه في املجتمع الحر وكذا الوقاية من العودة إلى الجريمة( ،)684كما أن
الرعاية الالحقة فيه تعد إجبارية ،عكس السجين الذي قض ى فترة عقوبته كاملة فتصبح
أخيرا و نظرا ملا تكتسيه أهمية الرعاية الالحقة وتداخل املصالح فان توحيد وتنسيق
الجهود من أجل تحقيق أهدافها من أهم الركائز التي اعتمدها املشرع الفرنس ي خاصة
(682) -
Art D450 du CPP ;PR ;DS dispos : « les détenus doivent acquérir ou développer les
connaissances qui leur seront nécessaires après leur libération en vue d’une meilleure adaptation
sociale.
(683) -
Art D481 du CPP ;PR ;DS dispos : « Une aide matérielle peut être attribuée aux détenus
dépourvus de ressources au moment de leur libération afin de leur permettre de subvenir à leurs
besoins pendent le tempe nécessaire pour rejoindre le lieu ou ils ont déclaré se rendre.
les mesures et conditions assortissant la libération conditionnelle sont, selon distinctions prévues
par le présent chapitre, obligatoires ou particulières. Elles sont destinées à faciliter et vérifier la
réinsertion du condamné et à prévenir la récidive.
عندما ترك دائما الكلمة الفصل لجهاز القضاء في شخص قاض ي تطبيق العقوبات في كل
لم يفرد املشرع املغربي للرعاية الالحقة للمفرج عنهم إطار قانوني خاص ،ال على
مستوى قانون رقم 79.31املتعلق بتنظيم وتسيير املؤسسات السجنية( ،)686وال على مستوى
مرسومه التنظيمي( ،)687إال أن هذا ال يمنع املشرع من التنصيص على مجموعة من
املقتضيات املتفرقة التي تعبر عن مقومات الرعاية الالحقة وهذا ما سأتناوله في النقط
املوالية:
أسند املشرع املغربي للرعاية الالحقة مجموعة من املقتضيات الهامة ،سواء على
مستوى التأهيل واملساعدة املادية للمفرج عنهم ( ،)8أو على مستوى املراقبة واإلجراءات
كما سبق الحديث عنه في الفرع األول عند محاولة تعريف ماهية الرعاية الالحقة،
تمت اإلشارة إلى أن التأهيل واملساعدة املادية للمفرج عنهم عنصرين أساسين في الرعاية
أسند املشرع هذه املهمة إلى اللجنة اإلقليمية ملراقبة السجون كإحدى أجهزة املراقبة
السجنية ،وذلك من خالل املادة 770من ق م ج( ،)688التي تنطلق من داخل السجن وتستمر
إلى ما بعد اإلفراج عنهم .وقد توفق املشرع املغربي في تمديد اختصاص هذه اللجنة إلى ما
ولعل من بين محاسن هذه اللجنة ما يتعلق بتكوينها والتي أقر بشأنها املشرع إمكانية
األمر الذي يؤكد رغبة املشرع في تنسيق وتوحيد الجهود ما بين األجهزة الرسمية ومؤسسات
املجتمع املدني ،لكن السؤال هو هل تؤدي هذه اللجنة املهام املوكلة على عاتقها كما هو
منصوص عليه ؟؛ خاصة وان املهام املوكولة إليها جاءت في ألفاظ عامة ال توضح هذه
املهام.
(" - )688تكلف فيه الوالية أو عمالة أو إقليم لجنة للمراقبة ،يناط بها على الخصوص السهر على توفير وسائل الصحة واألمن
والوقاية من األمراض وعلى نظام تغذية المعتقلين وظروف حياتهم العادية وكذا المسددددداعدة على إعادة تربيتهما ألخالقية
وإدماجهم اجتماعي او إحاللهم محال الئقا بعد اإلفراج عنهم."...
لقد نص املشرع على التأهيل التعليمي واملنهي ومن ذلك ما نص عليه في املادة 48
من قانون رقم ،)689( 79.31بخصوص التأهيل املنهي للسجناء ،حيث أقرت بضرورة مالئمة
مناهج العمل وتنظيمه ملا هو معمول به خارج املؤسسة السجنية ،ونفس الش يء بالنسبة
للتأهيل التعليمي ،حيث أقرت املادة 887من املرسوم التنظيمي للقانون رقم " 79.31
يجب أن تكون برامج التعليم وطرقه مطابقة ملا هو معمول به في التعليم الرسمي" ،ونفس
الش يء أقرته املادة 883من نفس املرسوم( ،)690أي ضرورة متابعة التعليم بالنسبة
للمعتقلين الذين أفرج عنهم قبل استكمال السنة الدراسية ،مع الحصول على الشهادة أو
ومن جانب آخر حرص املشرع املغربي على ضرورة مالءمة التكوين املنهي للسجناء
املزمع اإلفراج عنهم ملتطلبات سوق الشغل ،وذلك بهدف تيسير إدماجهم مهنيا بعد
اإلفراج( ،)691كما أقر بضرورة إتاحة الفرصة الستكمال التكوين املنهي ملن أفرج عنهم قبل
(- )689المادة 41من قانون رقم ...": 00.01يتعين أن يكون تنظيم العمل ومناهجه ،مسددددددايرين ما أمكن للمناهج المطبقة.
وذلك قصد إعداد المعتقلين التكيف مع الظروف العادية للعمل في الوسط الحر.
يسدددددددندد العمل للمعتقل .بالنظر إلى قدراته البدنية والفكرية ومؤهالته المهنية والتزاماته العائلية .وكذا إلى إمكانية إعادة
إدماجه."...
(- )690المادة ": 110يمكن للمعتقلين الذين كانوا يتابعون دراسدتهم السجنية وأفرج عنهم قبل انتهاء السنة الدراسية أن يتابعوا
دراسددتهم وان يجتازوا االمتحانات بمركز رسددمي .تقوم اإلدارة بتسددجيلهم ،وإال آذت لهم باجتياز االمتحانات داخل المؤسددسددة
التي كانوا معتقلين بها".
( - )691المادة 100من نفس المرسددوم...":ينص بهذا التكوين على مختلف الحرف وتراعى في ذلك متطلبات سددوق التشددغيل
لتسهيل إعادة إدماج المعتقلين المفرج عنهم".
( - )692يتضح ذلك من خالل المادة 104من نفس المرسوم ":يلحق كل معتقل أفرج عنه قبل انتهاء مدة تكوينه بأقرب مركز
رسددمي للتكوين المهني تابع للوزارة الوصددية وذلك من اجل متابعة هذا التكوين وإال سددمح له بإتمامه في حالة سددراح داخل
المؤسسة السجنية".
تعد املساعدة املادية أول و أهم ش يء يحتاجه ،لذلك نص املشرع في هذا الصدد ،و
من خالل املادة 892من املرسوم سالف الذكر على أنه ":يتم إخبار املصلحة االجتماعية
باقتراب موعد اإلفراج ليتأتى لها قدر اإلمكان تزويد املعتقلين املعوزين بلباس مناسب عند
اإلفراج عنهم وتقديم املساعدة إليهم لضمان وصولهم الى مقر سكناهم.
يزود املعتقلون كذلك عند اإلفراج عنهم باألكل الكافي ثالثة أيام على األقل وإذا اقتض ى
وهذا يدل على وعي أكيد بالوضعية الصعبة التي يواجهها السجين فور خروجه
خصوصا أولئك الذين ال معيل وال أسرة لهم فتبدأ معاناتهم منذ اليوم األول لإلفراج .ومن
مكونات املساعدة املادية للمفرج عنهم كذلك ،تلك املتعلقة باملساعدة الطبية ،والتي نص
عليها املشرع في املادة 893من املرسوم التطبيقي ،حيث جاء فيها ما يلي ":إذا كان من الالزم
إخضاع معتقل عند اإلفراج عنه ملراقبة طبية وقائية أو إلتمام عالج شرع فيه أثناء االعتقال
فيجب على املصلحة االجتماعية بتنسيق مع طبيب باملؤسسة ربط االتصاالت الالزمة مع
أما فيما يتعلق بتوفير مكان للسكن املؤقت ،فنكاد ال نجد أي مقتض ى يشير إلى إمكانية
استفادة املفرج عنه منه ،اللهم ما يتعلق بإمكانية تقدم املفرج عنهم املعوزين ماديا بطلب
تأجيل االفراج ،إذا صادف وقت خروجهم من املؤسسة ساعة متأخرة من الليل( ،)693إال
( - )693المادة 101من المرسدددوم التطبيقي ":يمكن للمعتقل المعوز الذي انتهت عقوبته في سددداعة متأخرة من الليل أن يتقدم
بطلب صريح وموقع من طرفه لتأجيل اإلفراج عنه إلى الصباح الموالي إذا لم يكن متيقنا من وجود وسيلة نقل فورية.
ال يمكن في هذه الحالة المبيت داخل المعتقل ".
أن ذلك ال يكفي بطبيعة الحال ،على اعتبار أنه ال يحصن املفرج عنهم الذين هم في حاجة
ماسة لالستقرار املؤقت ،خصوصا في الحالة التي يواجهون فيها برفض من قبل األسرة.
وبالنسبة لإلدماج املنهي ،فقد منح املشرع للجنة املراقبة اإلقليمية ملراقبة السجون
اختصاص املساعدة على إدماج السجناء املفرج عنهم في املادة 770من ق.م.ج سالفة
الذكر ،ومن بين مرتكزات هذا االختصاص ،ما يتعلق باملساعدة على إدماج السجناء مهنيا.
أ -املراقبة:
تعتبر املراقبة إحدى املرتكزات األساسية في الرعاية الالحقة ،واملقصود تلك التي
تطال املفرج عنهم قبل اكتمال فترة العقوبة ،فيما يخص اإلفراج الشرطي والعفو ،حيث
إن املشرع نص على مجموعة من الشروط ليس من السهل تحققها ،والتي يمكن إجمالها
في ضرورة تحلي السجين بسلوك حسن داخل املؤسسة السجنية ،كشرط أساس ي
وجوهري( ،)694ثم ضرورة توفر السجين الراغب في االستفادة من اإلفراج الشرطي ،على ما
يثبت توفره على وسائل وإمكانيات العيش القار( ،)695وهو ما يصعب تحققه في الغالب
للمفرج عنه الذي يواجه برفض املجتمع ،ومنع املشرع صراحة إمكانية حصوله على
( - )694المدادة 00من م.ت ":يمكن أن يترتدب عن حسدددددددن سددددددديرة المعتقلين اقتراحهم لتغيير نظدام اعتقالهم أو ترحيلهم أو
ترشيحهم لالستفادة من العفو أو اإلفراج بشروط أو لمنحهم رخص الخروج االستثنائية .
( - )695المادة 126من م.ت ":ترسل هذه الملفات إلى مدير إدارة السجون وإعادة اإلدماج لتتميمها:
بشدهادة تثبت بأن المعني باألمر يملك وسدائل شدخصدية للعيش أو مهنة ذات دخل قار ،وإذا تعذر ذلك بشهادة إيواء أو شهادة
من مشغل يلتزم فيها بتشغيل المعتقل بمجرد اإلفراج عنه وإال سيرفض الطلب .
مما يعمق من أزمته ؛ هذا و باإلضافة إلى أنه في حال اإلخالل العمومية()696 الوظيفة
بشروط اإلفراج الشرطي ،فإنه و من املؤكد سيتم إرجاعه إلى فضاء السجن أو الى مركز
االصالح والتهذيب.
أما فيما يخص األجهزة املكلفة باملراقبة ،فإن املشرع في معرض حديثه عن توجيه
نسخ من قرار اإلفراج الشرطي ،أقر بضرورة توجيه نسخة منه إلى وكيل امللك وإلى والي أو
عامل اإلقليم الذي يتعين على املفرج عنه أن يجعل محل إقامته فيه ،وتشعر السلطات
املذكورة مصالح الدرك امللكي واألمن الوطني بقرار اإلفراج وتأمرهم بموافاتها بأية معلومات
عن سوء سلوك املفرج عنه أو مخالفته لشروط اإلفراج املحددة في القرار(.)697
-ب -اإلجراءات:
ويقصد بها اإلجراءات القانونية التي تيسر إعادة إدماج املفرج عنه في الوسط الحر،
كإجراء رد االعتبار ،وصحيفة السوابق العدلية ،ثم منح الشواهد العلمية واملهنية .ورد
( - )696يحدد الفصدددل 01من الظهير الشدددريف رقم 331/21/1الصدددادر بتاريخ 04فبراير 1021ومختلف التعديالت التي
أدخلت عليه إلى حدود 0336من بين شروط ولوج الوظيفة العمومية :أن يكون متمتعا بالحقوق الوطنية وذا مروءة.
وقد فصل منشور الوظيفة العمومية رقم 1الصادر بتاريخ 2فبراير 1071مفهوم المروءة الوارد في الظهير الشريف أعاله
بأنه يسدددتلزم على األقل غياب إدانة جنائية جدية ،و يسدددير الفصدددل 60من القانون الجنائي المغربي في نفس االتجاه إذ يؤكد
على أن التجريدد من الحقوق الوطنيدة يؤدي إلى عزل المحكوم عليده و طرده من جميع الوظدائف العمومية وكل الخدمات و
األعمدددال العدددامدددة http://benhamza.arabblogs.com/archive/2007/2/155138.html.تمدددت مشددددددددداهددددتددده في
0301/36/04على الساعة 21H: 33:
( - )697المدادة 601من ق.م.ج... ":توجه نسدددددددخة من قرار اإلفراج إلى وكيل الملك وإلى والي أو عامال إلقليم الذي يتعين
على المفرج عنه أن يجعل فيه محل إقامته .وتشددددعر السددددلطات المذكورة رجال الدرك الملكي ومصددددالح الشددددرطة بالقرار
وتأمرهم بموافاتها ،إن اقتضدددى الحال ،بأية معلومات عن سدددوء سددديرة المفرج عنه أو مخالفته لشدددروط اإلفراج المحددة في
القرار."...
( - )698المدادة 617من ق.م.ج تنص في فقرتهدا الثدالثدة على مدا يلي ...":يرد االعتبدار إمدا بقوة القانون أو بقرار تصددددددددره
الغرفة الجنحية بمحكمة االستئناف".
رد االعتبار القضائي :وهو الذي حدد أحكامه في املواد 730إلى 209من ق.م.ج ،حيث
أقر أنه من حق كل شخص صدر بشأنه حكم من إحدى املحاكم الزجرية من أجل جناية
أو جنحة أن يطلب رد اعتباره قضائيا( ،)699وذلك من خالل طلب يقدم إلى وكيل امللك
بمحل إقامته( ،)700على أن يقوم هذا األخير بتيهئ ملف يدرج فيه شهادات من الوالي أو عامل
اإلقليم( ،)701ليتم بعد ذلك إحالة امللف على محكمة االستئناف لتبت فيه داخل أجل
شهرين(.)702
ونظرا لكون إجراءات رد االعتبار تعتبر إلى حد ما تعجيزية ،حيث تطول مدة النظر في
هذا الطلب باإلضافة إلى اإلجراءات البيروقراطية التي تزيد األمر تعقيدا يبقى من الصعب
أما رد االعتبار القانوني والذي يكتسب بقوة القانون دون حاجة إلى تقديم طلب من
املحكوم عليه ،وقد نظم املشرع أحكامه في املادتين 711و 713من ق.م.ج ،ويمكن إجمال
الشروط املوجبة له في ضرورة صدور حكم قضائي باإلدانة من املحاكم الزجرية من أجل
أفعال تشكل جناية أو جنحة ،ثم كذلك تنفيذ العقوبة املحكوم بها على الشخص املدان
أو تقادمها ،كذلك فيما يخص اآلجال الواجب توافرها الستفادة املفرج عنه من رد االعتبار
القانوني ،فقد جعلها حسب نوع الجريمة من حيث كونها جناية أو جنحة(.)703
وبالنسبة لصحيفة السوابق القضائية فقد استجاب املشرع فيها للتوجه الفقهي
الحديث ،الذي أقر بإسقاط العقوبات البسيطة املحكوم بها على املدانين وهذا ما يتضح
من خالل املادة 721من ق.م.ج ،والتي أقرت إدراج املقررات الصادرة من أجل جناية أو
جنحة في البطاقة رقم 8من السجل العدلي دون املخالفات ،مع تخويل إمكانية االطالع
عليها من قبل السلطات العمومية دون األشخاص()704؛ بالرغم من أنها تبقى دائما وصمة
في تاريخ السجين تالحقه أينما حل و ارتحل باحثا في سوق الشغل ليواجه بالرفض حينما
ال يستطيع اإلدالء بها نظرا ملا تحتويه من ماضيه في السوابق القضائية.
وبالنسبة للشواهد العلمية واملهنية ،نجد أن املشرع من خالل املادة 878من املرسوم
التنظيمي للقانون رقم 79.31نص على أنه ال يجب أن يشار لحالة االعتقال للشواهد
والديبلومات املمنوحة لهم ،وأن تكون هذه الشواهد غير مختلفة عن نظيرتها في التعليم
والتكوين الرسميين.
لقد سعى املشرع املغربي من خالل الرعاية الالحقة للحدث من خالل عدة صور()8
لتحقيق غايات وأهداف( )7الهدف منها تهذيب سلوك الحدث الجانح بعد االفراج عنه.
( - )704المادة 662من ق.م.ج ":تعتبر البطاقة رقم 0نسخة للنص الكامل لمختلف البطائق رقم 1المتعلقة بشخص واحد.
تسلم هذه البطاقة للجهات اآلتية:
-أعضاء النيابة العامة وقضاة التحقيق والقضاة والمدير العام لألمن الوطني؛
-رؤساء المحاكم التجارية بقصد إضافتها إلى إجراءات التصفية القضائية؛
-السلطات العسكرية ،فيما يخص الشبان الذين يرغبون في التجنيد بالقوات المسلحة الملكية؛
-المصلحة المكلفة بالحرية المحروسة ،فيما يخص األحداث الموضوعين تحت مراقبتها؛ -اإلدارات العمومية للدولة
المعروضة عليها إما طلبات التوظيف في وظائف عمومية أو اقتراحات لمنح شارات فخرية أو التزامات تخص سمسرة بعض
األشغال أو سمسرة صفقات عمومية أو قصد القيام بمتابعات تأديبية أو لفتح مؤسسة للتعليم الخاص؛
-السلطات المختصة بإعداد اللوائح االنتخابية أو للفصل في المنازعات الخاصة بممارسة حق من الحقوق االنتخابية."...
إن الرعاية الالحقة تعتبر من بين وسائل التنمية الطبيعية لجهود إعادة التأهيل
والتهذيب ،فهي تعنى باألحداث الذين غادروا مراكز حماية الطفولة ،بعد انتهاء مدة
إقامتهم ،والذين يحتاجون إلى مساعدات تربوية و اجتماعية إلدماجهم في وسطهم األسري
واالجتماعي .فهي تؤدي دوران األول هو تكميلي والثاني هو صيانة الجهود كي ال تفسدها
و قد بدأت الرعاية الالحقة تتخذ صورة مساعدات فردية يعود الفضل فيها لجهود
بعض محبي الخير واإلنسانية الذين حاولوا تخفيف شقاء تلك الطائفة من مواطنيهم كعمل
من أعمال البر و اإلحسان ،ثم تطورت الرعاية الالحقة تدريجيا لتأخذ بها بعض الدول في
تشريعاتها ،بعد أن أكدت العديد من املواثيق الدولية و العربية على ضرورة األخذ بها
كوسيلة عملية لحماية املجتمع عن طريق توجيه و إرشاد و مساعدة املفرج عنه لسد
احتياجاته و معاونته على االستقرار في حياته و االندماج و التكييف مع مجتمعه (. )706
وتتخذ الرعاية الالحقة عدة صور ملساعدة الحدث املفرج عنه للتكيف مع سلوكه
الخاص ورضاه عن واقعه الجديد ،ثم اتفاق قيمه مع قيم الجماعة واملجتمع و العثور
على مكان يأويه و يبعده عن عوامل و مسببات الجنوح ،و إال أصبحنا أمام جدث مفرج
عنه في وضعية صعبة طبقا ملقتضيات املادة 289من ق م ج ،و بالتالي إمكانية إخضاعه
( - )705سعيد بنماد ،العدالة الجنائية لألحداث ،بحث لنيل الماستر في القانون الخاص ،كلية العلوم القانونية و االقتصادية و
االجتماعية جامعة القاضي عياض مراكش السنة الجامعية ، 0312/0314ص. 161:
( - )706براء منذر عبد اللطيف السياسة الجنائية في قانون رعاية األحداث ،م س ،ص. 006:
من جديد ألحدث تدابير الحراسة املؤقتة لتذهب كل جهود اإلدماج سدى ،إذ يظل طيف
املساعدات املالية واملساعدات املعنوية ،فاملساعدة املادية تتطلب إمداد املفرج عنه بمأوى
مؤقت ومالبس الئقة وأوراق إثبات شخصية ،و مبلغ من النقود يفي باحتياجاته العاجلة
والحصول على عمل ()708حتما إن إعانة الحدث ماليا بعد خروجه من املؤسسة العقابية
أو اإلصالحية كمقابل لبعض الخدمات التي كان يقدمها خالل مدة إيداعه أو بدونها ،قد
يسهل له تدبير حاجياته األولى بعد اإلفراج عنه إلى حين عثوره على عمل دائم أو إيوائه من
طرف أسرته أو جمعية أو مركز مؤهل الستقبال أحداث بدون مأوى أو معيل قصد تأهيله
ماديا ومعنويا و االطمئنان على قدرته في تدبير شؤونه اليومية ( . )709فيرى البعض ضرورة
إنشاء أماكن و مراكز استقبال املفرج عنهم حديثا بالقرب من املؤسسات العقابية ،حيث
يتم إيواؤهم إلى حين إيجاد لهم مكان لالستقرار أو قبولهم من طرف أسرهم (.)710
و لنجاح نظام الرعاية الالحقة البد من وضع إطار قانوني ينظم شراكة بين األجهزة
الوصية على املؤسسات التهذيبية و اإلصالحية و كذا القطاعات املشغلة الحتضان األحداث
املفرج عنهم ،و هي أهم خطوة لتحقيق االندماج الكامل في املجتمع ،فبعد مغادرة مراكز
( - )707محمد العمري حماية المصدددلحة الفضدددلى للحدث في التشدددريع الجنائي المغربي ،اطروحة لنيل شدددهادة الدكتوراه في
القانون الخاص كلية العلوم القانونية و االقتصدددددددادية و االجتماعية جامعة سددددددديدي محمد بن عبد هللا فاس السدددددددنة الجامعية
، 0312/0314ص. 436:
( - )708المادة 1/11من القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء و قد جاء فيها " ،يجب على اإلدارات و الهيئات الحكومية
أو الخاصة ،التي تساعد الخارجين من السجن على العودة إلى احتالل مكانهم في المجتمع ،أن تسعى بقدر اإلمكان لجعلهم
يحصددلون على الوثائق و األوراق الهوية الضددرورية و على المسددكن و العمل المناسددب و على ثياب الئقة تناسددب المناخ و
الفصدل و أن توف ر لهم من الموارد ما يكفي لوصدولهم إلى وجهتهم و لتأمين أسباب العيش لهم خالل الفترة التي تلي مباشرة
إطالق سراحهم .
( - )709محمد العمري حماية المصلحة الفضلى للحدث في التشريع الجنائي المغربي ،م س ،ص. 437:
( - )710فوزية عبد الستار مبادئ علم اإلجرام و علم العقاب دار النهضة الطبعة الخامسة بيروت 1012ص .443- 401
حماية الطفولة أو مراكز اإلصالح و التهذيب يجب استقبال األحداث و عدم التخلي
عنهم(.)711
فال يكفي إمداد الحدث شهادة تكوين دون إكمال حلقة التأهيل لسوق العمل ،
خصوصا بالنسبة لألحداث املشرفين على سن الرشد الجنائي ( .)712بينما تأتي أهمية توفير
العمل الشريف للمفرج عنه في أنه السبيل إلى شغل الوقت في نشاط ذي قيمة اجتماعية
إيجابية وباإلضافة إلى ذلك ،فإنه الوسيلة إلى انتظام مورد للعيش ومن هاتين الوجهتين
هذا عن املساعدة املادية أما املساعدة املعنوية ،فهي اإلعانات واملساعدات املعنوية
وتكون عن طريق العمل بكل الوسائل على تغيير نظرة املجتمع إلى املحكوم عليه هذا
املجتمع الذي ينفر منه ويحاول االبتعاد عنه بصورة تجعله في عزلة اجتماعية مما يعرقل
خطوات تأهيله و إعادة تكيفه بل و مساعدته شخصيا على التحقيق من رد الفعل النفس ي
لديه نتيجة هذا الشعور االجتماعي املعادي له و كذلك العمل على إعادة عالقاته األسرية
( - )711نوال بلبل عدالة األحداث بين التشددريع المغربي و االتفاقيات الدولية و رهان اإلصدددالح ،بحث لنيل شددهادة الماسدددتر
كلية العلوم القانونية و االقتصددددادية و االجتماعية اكدال جامعة محمد الخامس الرباط السددددنة الجامعية ،0311/0317م س،
ص. 16-12:
( - )712محمد العمري حماية المصلحة الفضلى للحدث في التشريع الجنائي المغربي ،م س ،ص.437:
( - )713البختي عبد السددددالم الحكم بوقف تنفيد العقوبة و اعادة ادماج المنحرفين في القانون الجنائي ،اطروحة لنيل شددددهادة
الدكتوراه في القانون الخاص كلية العلوم القانونية و االقتصدددددادية و االجتماعية جامعة عبد المالك السدددددعدي طنجة ،السدددددنة
الجامعية ،0311/0317ص. 040:
( -- )714البختي عبد السالم ،الحكم بوقف تنفيد العقوبة و اعادة ادماج المنحرفين في القانون الجنائي ،م س ،ص . 023
واالبتعاد عن الحياة املادية أثناء مدة إيداعه تخلق له مشاكل نفسية مما يولد له
شعور بأن املجتمع ينفر منه و يبتعد عنه و يخشاه ،فإذا لم يجد من يهتم بأمره ويساعده
على التغلب على تلك الحالة النفسية بالتشجيع والتوجيه والرعاية ،فقد يترتب على ذلك
تحطيم إرادته وشعوره بحقارة ،وخوفه من االتصال بأفراد املجتمع و رعبه من مواجهة
املستقبل في عالم ال يلقى فيه نفسه و ال يأتمن له ،لذلك من األفضل األخذ بالعناصر التي
تقول بوجوب مساعدة الحدث املفرج عنه و رعايته و بذل العون له حتى يندمج في املجتمع
وقد قام املشرع املغربي بوضع النصوص التي تتعلق بالرعاية الالحقة و يتجلى ذلك
من خالل املرسوم التطبيقي للقانون املنظم للسجون 79-31فمثال تنص املادة 892منه
على أنه يتم إخبار املصلحة االجتماعية باقتراب موعد اإلفراج ،ليتأتى لها قدر اإلمكان
تزويد املعتقلين املعوزين بلباس مناسب عند اإلفراج عنهم ،و تقديم املساعدة إليهم
لضمان وصولهم إلى مقر سكناهم و يزود املعتقلون كذلك عند اإلفراج عنهم باألكل الكافي
لثالثة أيام على األقل و إذا اقتض ى الحال سند التنقل املجاني ،كما تتجلى مظاهر الرعاية
الالحقة من خالل نص املادة 893من نفس املرسوم ،حينما أكد على ضرورة تتبع حالة
املفرج عنه إذا كانت حالته الصحية تستدعي مراقبة طبية وقائية إذا تم عالج شرع فيه
( - )715إبراهيم شددريف عبد العزيز ،الرعاية الالحقة لألحداث الجانحين في التجارب الدولية سددلسددلة الدراسددات االجتماعية
والعمالية العدد 00الطبعة األولى أبريل 0312ص . 61
( - )716بهية السدددقاط ،حقوق الطفل في القانون الجنائي المغربي الحماية و الضدددمانات ،رسدددالة لنيل شدددهادة الماسدددتر في
القدانون الخداص ،كليدة العلوم القدانونية و االقتصدددددددادية و االجتماعية اكدال جامعة محمد الخامس الرباط السدددددددنة الجامعية
، 0311/0317ص. 132:
تتمثل أهداف برامج الرعاية الالحقة في مساعدة األحداث املفرج عنهم على مواجهة
الصعوبات التي تعيق تكيفهم مع املجتمع و مع األسرة و كذلك مساعدتهم على بناء عالقات
اجتماعية سوية تساعدهم على النضج و تنمي إرادتهم و تقوى عزيمتهم للتكيف مع الظروف
والرعاية الالحقة هي السبيل الوحيد الجتناب ظاهرة العود و ذلك بتحقيق أفضل
معايشة ممكنة للحدث مع بيئته االجتماعية ،هذه املعايشة التي تتطلب إطالق قدرات
الحدث اإليجابية ملواجهة ردود األفعال الناجمة عن عودته إلى بيئته الطبيعية بعد فترة
من العزلة االجتماعية التامة أو النسبية إلى جانب اإلعداد املناسب لذلك ،فالرعاية
الالحقة يتركز هدفها حول تحقيق املمكن في واقعية دون مبالغة أو خيال ( . )718و لتهيئة
الحدث على االندماج في املجتمع يجب تأمين جميع املستلزمات التي تؤمن سرعة انسجام
( - )717وفاء مطيع ،عدالة االحداث الجانحين بين الرعاية النفسدددددية و االجتماعية و العقوبات الزجرية " دراسدددددة تحليلية"
اطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون الخاص كلية العلوم القانونية و االقتصادية و االجتماعية جامعة عبد الملك السعدي
طنجة ،السنة الجامعية ، 0311/0317ص. 027:
( - )718عادل الزاوي الرعاية الالحقة للحدث الجانح دراسة ميدانية بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا المتخصصة في القانون
الخداص كليدة العل وم القدانونيدة واالقتصددددددداديدة و االجتمداعيدة جدامعدة سددددددديددي محمدد بن عبدد هللا فاس ،الموسدددددددم الجامعي
0330/0331ص . 16
االجتماعية .
و بالتالي فالهدف األول و األخير للرعاية الالحقة هو إعادة التأهيل االجتماعي للمفرج
عنه لحماية املجتمع ،ولذلك ينبغي قيام هيئات حكومية و خاصة قادرة على مد الحدث
املفرج عنه برعاية الحقة فعالة تهدف إلى تقليل التحامل عليه و إلى تأهيله االجتماعي (.)720
-الفقرة الثالثة :دور مؤسسة محمد السادس إلعادة إدماج السجناء في
إذا كان املشرع املغربي قد أقر للرعاية الالحقة للمفرج عنهم مجموعة من املقتضيات
العامة ،فإنه من جهة أخرى خلف قصورا على مستوى اإلطار التشريعي ،كما سبق ورأينا
والذي يتجلى باألساس في غياب إطار محكم وخاص لها على مستوى القانون رقم 79.31؛
لذلك تم إحداث وبالضبط منذ تاريخ 82يناير 7007مؤسسة محمد السادس إلعادة إدماج
السجناء؛ حيث أعلن عنها رسميا جاللة امللك محمد السادس بعد قيامه بزيارات عديدة
تأكد له من خاللها تردي أوضاع السجناء ووعيا منه بضرورة نهج سياسة عقابية تتماش ى
(- )719
و فاء مطيع ،عدالة االحداث الجانحين بين الرعاية النفسية و االجتماعية و العقوبات الزجرية ،م س ،ص. 021:
(- )720
إبراهيم شريف عبد العزيز ،الرعاية الالحقة لألحداث الجانحين في التجارب الدولية ،م س ،ص. 66:
واملعايير الدولية؛ كما زاد جاللته في التأكيد على حقوق السجناء في الحياة الكريمة في
خطابه بمناسبة افتتاح السنة القضائية 73يناير ... ":7009وان ما نوليه من رعاية شاملة
للبعد االجتماعي في مجال العدالة ال يستكمل إال بما نوفره من الكرامة اإلنسانية
ولقد تأثرنا بالغ التأثر ملا وقع في بعض السجون من حوادث مؤملة ،لذلك و بمؤازرة
مع اإلصالح املتقدم الذي شمل قانون السجون ،و برنامج العمل الطموح الذي نسهر على
السجنية)721(."... أن تنهض به مؤسسة محمد السادس إلعادة إدماج نزالء املؤسسات
ومن تم فمن بين املهام التي أوكلت لهذه املؤسسة باعتبارها جمعية حائزة على صفة
املنفعة العامة( ،)722عملية إعادة إدماج السجناء في الوسط الحر من خالل إحداث مراكز
خليتين التي في الغالب ما يديرها قدماء املسجونين حيث :األولى تعنى بالرعاية االجتماعية
و مدى اندماج السجناء ،وذلك من خالل لقاءات دورية لالطالع على أحوالهم و كذا
( - )721موقع مؤسسة محمد السادس إلعادة االدماج ، Mohamed6.net/showthread.php?p=205تمت مشاهدته في
، 0303/36/03على الساعة . 10:30
( - )722قنن المشدددرع المغربي مقتضددديات منح صدددفة المصدددلحة العمومية لجمعيات المجتمع المدني في ظهير شدددريف رقم:
1.21.076الصددادر في جمادى االولى1071ه 12/نونبر 1021م المتعلق بتنظيم حق التأسدديس للجمعيات ،ج.ر رقم 0434
مكرر بتاريخ 07نونبر (1021الفصول من 0إلى .)10
وخلية ثانية متخصصة في الجانب املتعلق باإلدماج املنهي من خالل مساعدة السجناء
في البحث عن الشغل أو على األقل تقديم مقترحات مشاريع من خالل استعدادهم املنهي،
لذلك فاملؤسسة تعتبر بمثابة رافد نفس ي و معنوي مهم للسجناء املفرج عنهم في كل
ما تسعى لتحقيقه( )723خاصة مع الشراكات التي تسعى لخلقها إن على املستوى الداخلي أو
الخارجي مع دول سباقة في هذا الصدد؛ بيد أن األمر تعتريه صعوبات تتمثل في أن مراكز
الرعاية الالحقة قليلة باملقارنة مع املؤسسات السجنية املتواجدة باملغرب ،فحتى كتابة
هذه األسطر يتراوح عددها بين خمس ()724مراكز آخرها مركز فاس الذي تم تدشينهم حديثا؛
مما يجعل عدد السجناء املستفيدين عبر املغرب قليل ،تضاف إلى ذلك محدودية املوارد
البشرية ،وعقليات املجتمع املدني في النظر إلى السجين كشرير ال يمكن منحه ثقة املجتمع
أيضا ارتفاع نسبة العود بصفة عامة مما يدعو معه األمر إلى إعادة النظر في السياسة
الجنائية بصفة عامة و السياسة العقابية بصفة خاصة ،عن طريق سد ثغرات اإلطار
القانوني ،والتخفيف من حدة شروط إجراءات رد االعتبار حيث إن السجل العدلي يعد
الوصمة األساس التي تالحق السجين و تحصنه من قسوة أرباب العمل ،ثم ايالء مؤسسة
(723) -
Camélia ZOUBIR SPÉCIFICITÉ DU TRAITEMENT DE LA DÉLINQUANCE DES
MINEURS EN DROIT COMPARE Thèse pour obtenir le grade de doctorat en droit privé
Centre de Droit et de Politique Comparés Jean-Claude ESCARRAS (CDPC) UNIVERSITÉ DE
TOULON 2018 page : 273.
( . - )724حيث لم تكن تتواجد بادئ األمر إال في الدار البيضاء و سال و اكادير ،في حين ينتظر إحداث أخريات على مستوى
جهات المغرب.
قاض ي تطبيق العقوبات صالحيات حقيقية ال شكلية تمكنه على األقل من القيام بدور
فاذا كانت ظاهرة جنوح االحداث فرضت على املجتمع الدولي تحدي كبير يتمثل في
اختيار افضل الطرق ملواجهتها خاصة و ان العقوبة لم تعد قادرة على تحقيق االهداف ،
فتطور فلسفة العقاب ادى الى ظهور انماط جديدة تتوخى مقاربة الظاهرة وفق نهج تربوي
اصالحي يواكب اخر ما توصلت اليه العلوم االنسانية ،و اذا كانت التدابير املتخذة لفائدة
األحداث قد ادركت هذا الدور ،فان ارتفاع معدالت جرائم االحداث اصبح يفرض اتباع
اليات أكثر تأهيال تالزم الحدث بعد الخروج من املؤسسة إلى أن يستقر حاله لتكون الرعاية
الالحقة أهم هذه االليات خاصة بعدما تغيرت النظرية اليها ولم تعد مجرد إحسان أو
شقفة ،بل باتت من واجبات العملية االصالحية ومتطلبات التأهيل ،فالرعاية الالحقة اداة
حاسمة ليس في محاصرة حاالت العود فحسب ،بل هي االداة القادرة على مكافحة الجريمة
ولتحقيق األغراض املتوخاة من الرعاية الالحقة وجب خلق شراكة حقيقية بين الدولة
واملجتمع املدني إليجاد اليات مؤسساتية وموضوعية موجهة بنصوص قانونية تكفل
خاتمة:
إذا كانت ظاهرة جنوح األحداث قد فرضت على املجتمع الدولي تحدي حقيقي يتمثل
في اختيار أنجح السبل ملواجهتها خاصة بعدما صارت العقوبة وحدها قاصرة عن تحقيق
تلك األهداف ،فان تطور فلسفة العقاب افرز ظهور أنماط جديدة وآليات حقيقية تتوخى
مقاربة الظاهرة ،وفق منهج تربوي اصالحي يواكب اخر ما توصلت اليه العلوم االنسانية،
واذا كانت التدابير املتخذة لفائدة االحداث قد ادركت هذا الدور ،فإن ارتفاع معدالت
جرائم األحداث بات يفرض اتباع اليات تأهيال تالزم الحدث بعد الخروج من املدرسة إلى
أن يستقر حاله ،لذلك فقانون الرعاية الالحقة يعد أهم هذه االليات خاصة بعدما تغيرت
النظرية اليها ولم تعد مجرد احسان أو شفقة ،بل باتت من واجبات العملية االصالحية
ومتطلبات التاهيل ،وإذا كانت أغلبية التشريعات املقارنة قد كسبت الرهان يتبنيها للرعاية
الالحة في نصوصها القانونية ،فمن خالل تلك النصوص بات يطرح أكثر من سؤال اليوم
من معاملة الجانحين ،بحيث إذا كانت مجموعة من املحاوالت من قبل بعض الشركاء مثل
مؤسسة السادس إلعادة االدماج ،فإنها تظل غير كافية وال ترقى إلى املستوى املطلوب .
ولذلك فمن خالل هذا البحث املتواضع توصلت إلى العديد من النتائج :
ان برامج أندية العمل االجتماعي ال ترقى إلى املستوى الحقيقي لخدمات
العملية تابعة ملؤسسة محمد السادس إلعادة االدماج على صعيد كل
التراب.
االعتماد على التعليم في الوسط الحر عبر برنامج اساس ي ألندية العمل
غياب مربي الرعاية الالحقة مما يجعل مسالة دمج االحداث في سوق الشغل
هروب املجتمع املدني ،من تحمل مسؤوليته خالل هاته املرحلة خاصة
الجمعيات املهنية واملقاوالت يزيد من تكريس عملية الوصم الذي يفاجا به
االحداث املفرج عنهم بمناسبة البحث عن العمل يقيهم شرور البطالة .
غياب التعاون الحقيقي بين املؤسسة واألسر مما يحول دون تحقيق مقاربة
الئحة املراجع
الدولية سلسلة الدراسات االجتماعية والعمالية العدد 33الطبعة األولى أبريل 7082م .
-أحمد فوزي الصادي ،رعاية أسر النزالء كأسلوب من أساليب الرعاية الالحقة،
جامعة نايف للعلوم األمنية ،دار النشر باملركز العربي للدراسات األمنية والتدريب بالرياض،
-البختي عبد السالم الحكم بوقف تنفيد العقوبة و اعادة ادماج املنحرفين في
القانون الجنائي ،اطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون الخاص كلية العلوم القانونية
7081/7082م .
-براء منذر عبد اللطيف ،السياسة الجنائية في قانون رعاية األحداث دراسة
رسالة لنيل شهادة املاستر في القانون الخاص ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية
-حسن الجوخدار ،قانون االحداث الجانحين ،مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع،
الواقع"،دراسة ميدانية" بالسجن املحلي بعين سبع ،بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا
-سعيد بنماد ،العدالة الجنائية لألحداث ،بحث لنيل املاستر في القانون الخاص
،كلية العلوم القانونية و االقتصادية و االجتماعية جامعة القاض ي عياض مراكش السنة
الجامعية . 7082/7084
-سمير ناجي :بحوث ودراسات في القانون الجنائي ،دار النهضة العربية ،القاهرة،
.7002
-عادل الزاوي الرعاية الالحقة للحدث الجانح دراسة ميدانية بحث لنيل دبلوم
واالجتماعية جامعة سيدي محمد بن عبد هللا فاس ،املوسم الجامعي . 7003/7001
-عبد الجليل العينوس ي ،تشغيل السجناء في املغرب بين القانون و الواقع ،دار
املعاصر.
من االنحراف ،منشورات جامعة نايف للعلوم األمنية ،الرياض7007 ،م .
-فوزية عبد الستار مبادئ علم اإلجرام وعلم العقاب دار النهضة الطبعة
7002م.
اطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون الخاص كلية العلوم القانونية واالقتصادية
واالجتماعية جامعة سيدي محمد بن عبد هللا فاس السنة الجامعية .7082/7084
جوانب فلسفتها و تطبيقاتها ،مجلة امللحق القضائي ،عدد 98:يونيه 8337م .
-محمد خلف :علم العقاب ،مطابع دار الحقيقة ،الطبعة الثانية 8322م .
-محمد صبحي نجم ،أصول علم اإلجرام و علم العقاب ،دار الثقافة للنشر
-محمد صبحي نجم ،أصول علم اإلجرام وعلم العقاب ،دراسة تحليلية وصفية
أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون الخاص ،كلية العلوم القانونية و االقتصادية
و االجتماعية جامعة عبد املالك السعدي طنجة ،السنة الجامعية 7087/7082م .
-نوال بلبل عدالة األحداث بين التشريع املغربي و االتفاقيات الدولية و رهان
اإلصالح ،بحث لنيل شهادة املاستر كلية العلوم القانونية و االقتصادية و االجتماعية اكدال
العقوبات الزجرية " دراسة تحليلية" اطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون الخاص
كلية العلوم القانونية و االقتصادية و االجتماعية جامعة عبد امللك السعدي طنجة ،السنة
-يحيى حسن درويش ،الرعاية الالحقة وأثرها في الحد من العود إلى الجريمة ،من
الرعاية الالحقة للمفرج عنهم بين النظرية و التطبيق ،جامعة نايف للعلوم األمنية،
ظهير شريف رقم 8.21.927 :الصادر في جمادى االولى8921ه 82/نونبر 8321م املتعلق
بتنظيم حق التأسيس للجمعيات ،ج.ر رقم 7404مكرر بتاريخ 72نونبر (8321الفصول من
3إلى .)89
كيفية تطبيق القانون رقم 79.31املتعلق بتنظيم وتسيير املؤسسات السجنية الصادر
بتنفيذها للظهير الشريف رقم 8.33.700بتاريخ 89من جمادى األولى 8470ه ( 72
أغسطس .)8333
املراجع االجنبية
العالم املعاصر ،وذلك بسبب تأثيراتها السلبية على السياسات االقتصادية واألمنية
ملختلف دول املعمور بقصد إيجاد آليات جديدة ملكافحتها بطرق قانونية ومهنية.
ومعلوم أن املغرب أصبح نقطة عبور للعديد من العصابات االجرامية الناشطة في
مجال االجرام العابر للحدود وذلك بحكم موقعه الجيو إستراتيجي املطل على واجهتين
بحريتين ،مما يستدعي تطوير آليات التعاون القضائي الدولي نظرا للدور اإليجابي الفعال
الذي تلعبه في مكافحة اإلجرام العابر للحدود ووضع حد إلفالت الجناة من العقاب،
خصوصا أمام الثورة الهائلة التي عرفتها وسائل االتصال واملواصالت التي سهلت تنقل
الجناة بكل حرية وسرعة ،بهدف ارتكاب جرائم خطيرة من قبيل غسل األموال والجرائم
ويعتبر نظام تسليم املجرمين من أكثر آليات التعاون القضائي الدولي املعمول بها في
ميدان مكافحة الجرائم العابرة للحدود ،تولت تنظيمه ترسانة هامة من القوانين الوطنية
ولم يكن املغرب بمعزل عن مواكبة التطورات التي يعرفها تطور هذه الظاهرة
اإلجرامية ،فقد قام منذ زمن غير يسير بتكثيف الجهود ملحاصرتها وتعقب مرتكبيها ،كما
بادر إلى االنخراط في مجموعة من االتفاقيات الدولية الثنائية والجماعية املتعلقة بالتعاون
وإذا كان الفقه يكاد يجمع على أن التسليم إجراء بمقتضاه تتخلى الدولة عن شخص
يتواجد فوق إقليمها لسلطات دولة أخرى ،تطالب بتسليمه إليها ملحاكمته عن جريمة
منسوب إليه ارتكابها أو تنفيذ عقوبة صادرة في حقه من محاكم الدولة الطالبة ،726فإن
املشرع املغربي لم يخرج عن هذا التعريف ،وهو ما يتضح من خالل نص الفقرة األولى من
املادة 281قانون املسطرة الجنائية التي نصت على أنه" :تخول مسطرة تسليم املجرمين
لدولة أجنبية ،الحصول من الدولة املغربية على تسليم متهم أو محكوم عليه غير مغربي
-725إن تسليم المجرمين بعد ما كان منظما بمقتضى ظهير 0نونبر ،6940قد أصبح منظما حاليا في إطار قانون
رقم 22106المتعلق بقانون المسطرة الجنائية ،في الباب الرابع ،المواد ( .)858-860الصادر بتنفيذه الظهير رقم
61021244بتاريخ 24رجب ،الجريدة الرسمية ،عدد ،2002 ،4080ص.264.
-726عبد الغني محمود :تسليم المجرمين على أساس المعاملة بالمثل ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،الطبعة األولى،
،6996ص.2.
يوجد في أراض ي اململكة ويكون موضوع متابعة جارية باسم الدولة الطالبة ،أو محكوم
إن آليات التعاون القضائي في مجال تسليم املجرمين تقتض ي استيفاء مجموعة من
استقرت أغلب االتفاقيات الدولية التشريعات الجنائية املقارنة على األخذ بمجموعة
من املعايير التي تمكن من تحديد الشروط الواجب توافرها في الجرائم حتى يمكن إجراء
التسليم من أجلها ،وقد تم حصرها في معيارين رئيسيين ،يتعلق األمر بكل من معيار خطورة
تصنف الجرائم في معظم التشريعات الجنائية املقارنة إلى جنايات وجنح ومخالفات،
وقد دأبت هذه التشريعات على اتخاذ معيار الخطورة كأساس لهذا التصنيف ،فأفردت
في غالب األحيان ،ومن هذا املنطلق يطرح التساؤل حول الجرائم التي يمكن أن يتم تسليم
-727يتضح من هذا التعريف أن المشرع المغربي أوجد فئتين من طلبات التسليم فاألول يكون من أجل المحاكمة
والثاني يكون من أجل تنفيذ المحاكمة.
مرتكبيها لدول أخرى ،وما هو الوضع بالنسبة لجريمة غسل األموال؟ وهل يمكن الحديث
عن تسليم املجرمين في حالة ارتكابهم ملخالفات بسيطة ال تكتس ي طابع الخطورة؟
إن اعتماد معيار خطورة الجريمة كان كافيا لإلجابة عن هذه التساؤالت ووضع بذلك
قيدا مهما في طريق تفعيل مسطرة تسليم املجرمين ،وتم من خالله حصر نطاق التسليم في
الجرائم الخطيرة التي ال تقل عقوبتها عن مدة معينة تحددها القوانين الوطنية وكذلك
االتفاقيات الثنائية والجماعية ،728و تتجلى الغاية من اتخاذ هذا املعيار باألساس في كون
إجراءات التسليم كثيرة ومتنوعة ،فمنها ما هو إداري ومنها ما هو قضائي ،كما أنها تستغرق
وقتا طويال وتستلزم نفقات ومصاريف ،وبالتالي فال يجوز اللجوء إليها إال من أجل جرائم
على درجة كبيرة من الخطورة .729وفي هذا اإلطار فقد طرحت إشكالية تحديد معيار موحد
لقياس درجة خطورة الجرائم القابلة للتسليم ،وهو األمر الذي خلق صعوبات كثيرة
بالنسبة لدول العالم ،مما دفعها إلى استخدام طرق كثيرة ومتعددة للتغلب على هذا
-728مصطفى المودن :تسليم.المجرمين في القانون الجنائي المغربي ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة
في القانون الخاص ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في العلوم الجنائية ،كلية الحقوق طنجة ،الموسم
الجامعي ،2008-2001ص.40.
-729وزارة العدل :شرح قانون المسطرة الجنائية ،الجزء الثالث ،منشورات جمعية النشر المعلومة القانونية
والقضائية ،مطبعة إليت 2008ص.612.
ففيما يخص الطريقة األولى املتمثلة في الترتيب ،فيتم اللجوء بمقتضاها إلى وضع
جدول تحدد فيه بنص صريح وعلى وجه الدقة والتفصيل جميع الجرائم التي تخضع
لكن على الرغم ملا لهذه الطريقة من دور مهم في تحديد وتبيان الجرائم ذات الخطورة
والتي تكون محال إلجراءات التسليم ،إال أنها لم تسلم من االنتقادات العديدة التي وجهت
لها ،وذلك بالنظر للعيوب الكثيرة التي تخللتها والتي من أبرزها إمكانية ظهور جرائم عديدة
بعد نفاذ املعاهدة ،وبالتالي فعند تطبيقها يتطلب عقد معاهدة جديدة أو إحداث ملحق
بهذه املعاهدة ،وهو الش يء الذي يتطلب وقتا ال يتالءم وعملية التسليم ،731هذا باإلضافة
إلى الفوارق القائمة بين اللغات ومدلوالتها والتعابير واملصطلحات في تشريعات الدول
املختلفة التي تجعل من الصعب وضع جدول مفصل بالجرائم القابلة للتسليم ،وكمثال
على هذه الصعوبات أن بعض األفعال تكون جريمة اختالس في تشريعات بعض الدول،
بينما تشكل جريمة إساءة ائتمان أو خيانة األمانة في تشريع دولة أخرى ،732ونفس األمر
ينطبق على جريمة غسل األموال بحيث إن بعض الصور التي تشكل الركن املادي لجريمة
غسل األموال في نظر التشريع املغربي قد تشكل الركن املادي لجريمة إخفاء أشياء متحصلة
-730حسن القادري:العمل القضائي في مجال مكافحة المجرمين واألجانب" ،مجلة القضاء والقانون عدد،658:
،2002ص.620.
-731عبد القادر خضر :اتفاقيات التعاون القانوني القضائي في تسليم المجرمين ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات
العليا في علوم القانون الجنائي ،جامعة الحاج لخضر ،باتنة ،كلية الحقوق والعلوم القانونية ،الجزائر-2001 ،
،2008ص:601
-732مصطفى المودن :مرجع سابق ،ص.42-46:
أما فيما يخص الطريقة الثانية املعتمدة لقياس درجة الخطورة فتتمثل في طريقة
االستبعاد ،الذي يقوم على تحديد نوع العقوبة ومقدارها بشكل رقمي وفقا للعقوبات
العقوبة مثال في سنتين ،وهذا األسلوب تبنته معاهدة واشنطن املوقعة من طرف خمس
دول من أمريكا الوسطى ،734ونفس املنهج سارت عليه العديد من االتفاقيات الثنائية املبرمة
بين الدول كاالتفاقية املبرمة بين اململكة املغربية واململكة اإلسبانية في ميدان تسليم
" -8األشخاص املتابعين القترافهم ألفعال معاقب عليها بمقتض ى قوانين الطرفين
وهو نفس البند الذي تضمنته االتفاقية املبرمة بين اململكة املغربية والجمهورية
الفرنسية ،وكذلك املعاهدة املبرمة بين اململكة املغربية والجمهورية التونسية ،و املعاهدة
املبرمة بين اململكة املغربية والجمهورية الجزائرية ،أما اتفاقية الجامعة العربية بشأن
تسليم املجرمين التي أبرمت بتاريخ 8327/3/84والتي دخلت حيز النفاذ في 8324/2/72
،فقد نصت على أن "التسليم ال يكون واجبا إال إذا كانت الجريمة املطلوب التسليم من
-733جعفر العلوي :تطور مؤسسة تسليم المجرمين ،مجلة القانون واالقتصاد ،العدد الثاني ،6901 ،ص.69-60:
-734حسن القادري ،مرجع سابق ،ص.620:
-735ظهير شريف رقم 6-90-642صادر في 24محرم 62( 6520ماي )6999بنشر االتفاقية :الموقعة في
مدريد في 20ماي 6998بين المملكة المغربية والمملكة اإلسبانية في ميدان تسليم المجرمين ،الجريدة الرسمية
عدد 5800بتاريخ 68يونيو .6999
أجلها جناية أو جنحة معاقبا عليها بالحبس ملدة سنة أو بعقوبة أشد في قوانين كل من
وبتطبيق هذا املعيار على جريمة غسل األموال يالحظ أنها تقبل التسليم بشأنها في
سائر االتفاقيات الدولية مادام الحد األقص ى للعقوبة املقررة لها يصل إلى خمس سنوات.
وتجدر اإلشارة في األخير إلى أن شرط الخطورة ال يقتصر فقط على الفعل الجرمي
املرتكب من طرف الفاعل األصلي ،بل إنه يشترط كذلك بالنسبة ألفعال املحاولة واملشاركة
ال يكفي توفر معيار خطورة الجريمة لكي تستجيب الدولة املطلوب منها التسليم ،بل
ال بد من األخذ بعين االعتبار نوعية الجريمة املرتكبة ،وذلك على ألن التسليم ال يقبل
بالنسبة لكل الجرائم التي تصل عقوبتها إلى مقدار معين ،وإنما هناك بعض الجرائم التي
لطبيعتها الخاصة ،والتي يمكن التعرض لها في هذا املقام لتعميم الفائدة رغم عدم انضواء
جريمة غسل األموال تحت لوائها ،ويتعلق األمر بالجرائم السياسية والجرائم العسكرية.
واالتفاقيات الدولية فإن السبب في استبعادها من الجرائم التي يجوز التسليم بشأنها يرجع
إلى حرص كل دولة على احترام سيادتها السياسية مما يقتض ي بالضرورة احترام سيادة
الدولة األخرى ،إذ أن تسليم الشخص املتهم بارتكاب جريمة سياسية يعتبر من باب التدخل
في الشؤون السياسية الداخلية للدولة املطلوب منها التسليم ،ألنه تعضيد للفريق الذي
بيده الحكم على الفريق اآلخر ،737كما أن تعقب املجرم السياس ي في دولة أخرى يمثل في
نظر البعض 738اعتداء على القانون والعدالة في الدولة املطلوب إليها التسليم.
أما بالنسبة للثانية – أي الجرائم العسكرية -فقد جرى العرف الدولي على عدم
التسليم بشأنها ،وذلك العتبارات متعددة وعلى رأسها عدم اتصال هذا النوع من الجرائم
بالحقوق الخاصة ،كما أنها ال تدخل ضمن جرائم الحق العام حتى يمكن تسليم مرتكبيها،
وعالوة على ذلك فال توجد أصال مصلحة مشتركة بين الدول في التضامن على تسليم
الجندي الهارب من الخدمة العسكرية في بلد أجنبي ،هذا باإلضافة إلى اعتبار هذه الجرائم
ذات صلة وطيدة باألعمال السياسية ،بحيث يصعب فصلها عنها وهو األمر الذي دفع إلى
وقد تبنى املشرع املغربي هذين املبدأين عندما نص في الفقرة الثانية من املادة 278
من ق.م.ج بخصوص الجريمة السياسية على أنه "ال يوافق على التسليم إذا كانت الجريمة
املطلوب من أجلها التسليم تعتبر جريمة سياسية أو مرتبطة بجريمة سياسية" ،أما الجريمة
العسكرية فقد تضمنتها الفقرة األخيرة من املادة 270من ق.م.ج والتي جاء فيها بأنه "تطبق
-737موسى عبود :تسليم المجرمين األجانب ،مجلة القضاء والقانون ،عدد ،68سنة ،6949ص.460:
-738إلهام محمد حسن العاقل ،مبدأ عدم تسليم المجرمين في الجرائم السياسية ،مطابع المفضل لالوفنست،
،2000ص.209:
-739مصطفى المودن :المرجع السابق ،ص.12:
املقتضيات السابقة على الجرائم التي يرتكبها عسكريون أو بحارة أو من في حكمهم ،إذا
كانت الجريمة املطلوب من اجلها التسليم يعاقب عليها كجريمة عادية ،وذلك مع مراعاة
وباإلضافة ملا سبق فإن مجمل االتفاقيات التي أبرمتها اململكة املغربية مع الدول
األجنبية تضمنت هذين الشرطين ،ومن بينها اتفاقية التعاون القضائي في املواد الجنائية
وتسليم املجرمين بين حكومة اململكة املغربية وحكومة جمهورية مصر العربية.740
وتجدر اإلشارة في األخير إلى أن ما يشهده العالم املعاصر من تطور هائل في وسائل
االتصال والتطور التكنولوجي الكبير ،قد ساهم في ظهور أنواع جديدة من الجرائم لم تكن
معروفة من قبل ،وتطرح إشكاالت مهمة في إطار التسليم بشأنها وذلك بما توفرها هذه
التطورات التكنولوجية من إمكانية إبرام صفقات إلكترونية وتقدم وسائل تحويل األموال
،الش يء الذي وسع من إمكانية ارتكاب هذه الجرائم دون عبور الحدود الوطنية.
وعالوة على الشرطين السالفي الذكر فإن هناك شرطا جوهريا آخر اليقل أهمية وهو
ويقصد بازدواجية التجريم أن يكون الفعل املطلوب التسليم بشأنه معاقبا عنه في
قوانين كلتا الدولتين الطالبة للتسليم واملطلوب منها ذلك ،وإذا لم يتحقق هذا الشرط
-740ظهير شريف رقم 6198121صادر في 21جمادى األولى 29( 6560شتنبر )6998بنشر االتفاقية
المتعلقة بالتعاون القضائي في المواد الجنائية وتسليم المجرمين الموقعة بالرباط في 65شعبان 22( 6509
مارس )6909بين الحكومة المغربية وحكومة جمهورية مصر العربية /منشور بالجريدة الرسمية عدد 5424
بتاريخ 01أكتوبر .6998
شروطه741، بالنسبة للدول التي تتمسك به .فإنه يرفض التسليم لعدم توفر شرط من
ويكمن األساس الفلسفي لحتمية تطلب ازدواج التجريم ،في أن التسليم إجراء يتضمن
مساسا شديدا بالحرية الشخصية يستند إلى قضاء أجنبي ،وهو األمر الذي يوجب أن يكون
لهذا اإلجراء ما يبرره في النظام القانوني الوطني وان يكون الفعل أو الجرم مبنى الطلب
مجرما في القانون الوطني ،إذ انه الرأي العام أن يسلم شخص لدولة أخرى عن فعل ال
تعتبره جرما ويعتبر في نظامها العام مباحا ومشروعا فعلى سبيل املثال .بعض الدول
األوروبية ال تعاقب على جريمة الفساد وتعتبره أمرا مشروعا يدخل في نطاق الحريات
الشخصية .فإنه من الطبيعي أن ال تقبل هذه الدولة تسليم شخص لدولة أخرى لتعاقبه
من أجل الفساد ولو فعلت ذلك الصطدم قرارها بمشاعر مواطنيها .742وفي هذا اإلطار ال
يجب إغفال ما قد يترتب عن هذه املسألة من إمكانية إفالت هذا الشخص من العقاب،
بحجة أن الفعل املرتكب واملتمثل في جريمة الفساد ال يعاقب عليه في الدولة املطلوب منها
التسليم ،وبالتالي يحرم الدولة الطالبة للتسليم واملرتكب في داخل ترابها لهذه الجريمة من
وبناء عليه فاملقياس املعتمد لتحديد ما إذا كان الفعل موضوع التسليم يعتبر جريمة
في تشريع الدولة طالبة التسليم ،هو بدون شك أحكام القانون الجنائي الجاري به العمل
في هذه الدولة بتاريخ اقتراف الفعل موضوع الطلب ،إذ أن مبدأ الشرعية يقوم على أساس
"ال جريمة وال عقوبة إال بنص"،كما ال يجوز االعتداد بنصوص تشريعية الحقة تصدر بعد
وتأسيسا على املبدأ السائد (عدم رجعية القانون) فإنه ال يجوز ألية دولة أن تطلب
من دولة أخرى تسليمها شخصا لجأ إليها في أراضيها من أجل فعل لم يكن قانون الدولة
الطالبة يجرمه ويعاقب عليه حين اقترافه ،وال من أجل فعل لم يعد قانون الدولة الطالبة
يجرمه أو يعاقب عليه بعد اقترافه ،ذلك أن الدولة املطلوب منها التسليم ال ينبغي لها أن
وبالنسبة للتشريع املغربي نجده قد نص صراحة على وجوب توافر عنصر االزدواج في
التجريم لكي يتم تسليم الشخص األجنبي للدولة املطالبة بتسليمه ويستفاد ذلك من خالل
مقتضيات املادة 270من ق.م.ج بحيث تنص على انه "ال يوافق بأي حال من األحوال على
التسليم إذا لم يكن الفعل معاقبا عليه حسب القانون املغربي بعقوبة جنائية أو جنحية".
لكن بالرجوع إلى مقتضيات املادة 745283من ق.م.ج يتضح الغموض الذي يكتنفها
على مستوى املتابعة وكذا الحكم الصادر في حق الشخص املطلوب تسليمه املنصوص
عليه في هذا اإلطار ،حيث يرى األستاذ سفيان ادريوش أن األمر ال يعدوا أن يكون سوى
عيب على مستوى صياغة املشرع لهذه املادة وذلك على اعتبار كون قانون املسطرة
الجنائية قانون شكلي وعنصر التجريم يتم إقراره في إطار قانون املوضوع أي القانون
الجنائي هذا من جهة ،ومن جهة ثانية وعلى افتراض أن املشرع املغربي إذا كان يقصد
املتابعة في حق الشخص املراد تسليمه في هذا اإلطار وكونه صدر الحكم عليه من طرف
املحاكم املغربية فإنه في هذه الحالة ال يجوز تسليمه أصال ما دام طلب التسليم املقدم
للمملكة املغربية يتعلق بنفس الفعل الذي توبع عنه الشخص وصدر في حقه حكم بشأنه.
وبالتالي فاملشرع املغربي من خالل هذه املادة كان يقصد اشتراط املتابعة وصدور
الحكم في الدولة الطالبة وليس الدولة املغربية بصفتها دولة مطلوب منها التسليم يضيف
وشرط اإلزدواجية في التجريم ال يقتصر على الجريمة التامة ،بل يمتد كذلك إلى
وارتباطا دائما بشرط ازدواجية التجريم في تشريع الدولتين طالبة التسليم أو املطلوب
منها التسليم فقد أضافت إليه مختلف التشريعات الجنائية وكذا سائر االتفاقيات
واملعاهدات الدولية في مجال التسليم على امتناع التسليم بسبب سقوط الدعوى
العمومية أو العقوبة املحكوم بها بالتقادم ،ومثال ذلك االتفاقية األوروبية للتسليم التي
تنص في مادتها الحادية عشر على امتناع التسليم إذا كان تقادم الدعوى أو العقوبة قد
-746تنص الفقرة الخامسة من قانون المسطرة الجنائية على ما يلي ":تطبق القواعد السابقة على األفعال المكونة
لمحاولة الجريمة أو المشاركة فيها بشرطين يكون معاقبا عليها حسب قانون الدولة الطالبة وحسب القانون
المغربي ".
اما إليها747، اكتمل إما وفقا لقانون الدولة الطالبة وإما وفقا لقانون الدولة املطلوب
االتفاقيات املنظمة للتسليم املبرمة بين املغرب والدول األخرى فهي جميعها تتضمن هذا
الشرط.748
ولكن التساؤل يطرح حول مسألة انقطاع التقادم والتي يترتب عليها عدم االعتداء
بمدة التقادم السابقة على مباشرة اإلجراء القاطع للتقادم كما لو تم االستماع لشاهد في
قضية من قضايا غسل األموال مثال ،أو األمر الصادر باعتقال املتهم أو إحضاره وبدء مدة
تقادم جديدة ،فهل في هذه الحالة تطبق القواعد العامة بشأن انقطاع التقادم في مجال
تسليم األشخاص؟ وهل يمكن أن يعتبر طلب التسليم السابق صدوره عن الدولة الطالبة
في حد ذاته إجراء قاطعا للتقادم؟ ففي هذه الحاالت ليس هناك ما يمنع أو يحول دون
ذلك ،فإن كان الدفع بالتقادم من جانب الشخص املطلوب تسليمه مقبوال لسقوط
الدعوى العمومية أو العقوبة وبالتالي رفض التسليم فإن الدفع بانقطاع التقادم من جانب
الدولة الطالبة يجب بدوره أن يكون مقبوال إذ ليس مبررا تجزئة أحكام نظام قانوني واحد
-747سليمان عبد المنعم ،الجوانب اإلشكالية في النظام القانوني بتسليم المجرمين ،دار الجامعة الجديدة للنشر،
اإلسكندرية ،2008 ،ص.280:
-748تنص المادة 26من االتفاقية المبرمة بين المملكة المغربية في الفقرة السادسة "ال يجوز التسليم في األحوال
التالية:
-إذا كانت الدعوى العمومية قد انقضت أو العقوبة قد سقطت وفق أحكام التشريعات أي من الدولتين عند تلقي
طلب التسليم".
واألخذ ببعض أحكامه دون البعض اآلخر ،749وترجع مسألة تقدير أسباب انقطاع التقادم
إذا كان مبدأ التعاون القضائي بين الدول وضع على عاتقها التزاما تسليم كل شخص
متواجد بأراضيها للدولة الطالبة فإن هذا املبدأ ال يأخذ به على إطالقه ،إذ يجوز للدولة
املطلوب منها التسليم أن ترفضه ،إذ تعلق األمر بتسليم ألحد مواطنيها ،او إذا سبق أن
صدر حكم بات في الجريمة املطلوب من اجلها التسليم ،وكذا في حالة انعقاد االختصاص
يعتبر مبدأ عدم تسليم الدولة ملواطنيها من أكثر املبادئ القانونية التي تكاد يجمع على
املجرمين. 751
ويجد مبدأ عدم تسليم الدولة ملواطنيها أساسه في رغبة الدول في حماية مواطنيها من
األضرار الجسيمة التي قد تلحقهم عند محاكمتهم أمام محاكم أجنبية ،إذ تخش ى معاملتهم
وقد أخذ التشريع املغربي بهذا املبدإ على إطالقه من خالل ما جاء في الفقرة األولى
من املادة 278من ق م ج التي نصت على أنه "ال يوافق على التسليم إذا كان الشخص
عقدها املغرب مع غيره من الدول في مجال تسليم املجرمين ،ويقصد بهذا املبدإ أن اليكون
الشخص الذي يطلب تسليمه من أحد مواطني الدولة املطلوب منها التسليم ،سواء أكان
من الرعايا األصليين أو املتجنسين بجنسيتها ،لكن هذا ال يعني أن الشخص الذي يرتكب
جريمة خارج إقليم دولته ثم يفر إلى وطنه سيبقى بمنأى عن املتابعة ،إذ غالبا ما تلجأ
الدولة التي وقعت في إقليمها الجريمة إلى تقديم شكاية رسمية أمام السلطات القضائية
وتبعا ملا سبق ،فإن الشخص املغربي الذي يرتكب جريمة غسل األموال بدولة أخرى
ثم يفر إلى املغرب فإن تلك الدولة بعد علمها بتواجده بالتراب املغربي ال يحق لها أن تطالب
-752علوي جعفر" ،انتكاسة مؤسسة تسليم المجرمين كوسيلة لتحقيق التعاون الجنائي الدولي" ،المجلة المغربية
للدراسات الدولية عدد 0يناير ،2002ص.21:
-753من ذلك االتفاقية المغربية الفرنسية في الفصل ،286االتفاقية المغربية االسبانية في المادة ،2االتفاقية
المغربية المصرية في المادة ،6/26االتفاقية المغربية الجزائرية في الفصل .)26
-754من ذلك إتفاقية الرياض العربية للتعاون القضائي (المادة .)29
-755وقد تضمن هذا المقتضى العديد من االتفاقيات الثنائية أبرمها المغرب مع غيره من الدول ،ومن ذلك االتفاقية
المغربية االسبانية بشأن التسليم التي نصت في الفقرة الثالثة من المادة الثالثة بتعهد الدولة المطلوب منها التسليم
باتخاذ جميع اإلجراءات المتعلقة بتوجيه اإلتهام ضد احد مواطنيها في حالة ارتكابه جناية او جنحة معاقبا عليها
وفق تشريع الدولتين حسب ما تتوصل به من وثائق وأشياء ومعلومات.
السلطات املغربية بتسليمه إليها وإنما يحق لها فقط أن تتقدم بشكاية رسمية قانونية إلى
إال أنه في بعض الحاالت قد يكون الشخص املطلوب تسليمه يحمل جنسية الدولة
الطالبة والدولة املطلوب منها التسليم في آن واحد ،فهل يمكن االستجابة لطلب التسليم
نظرا ملا قد يترتب عن هذه الحالة من صعوبات قانونية فقد حاولت العديد من
التشريعات التنصيص في قوانينها الداخلية على حل لهذه اإلشكالية ،وهكذا نجد أن املادة
8/278من ق.م.ج تؤكد أن العبرة بصفة املواطن املغربي الذي ال يجوز تسليمه تحدد من
وقت ارتكاب الجريمة املطلوب من أجلها التسليم ،وهو نفس املقتض ى الذي تم تأكيده في
العديد من االتفاقيات الثنائية التي أبرمها املغرب مع غيره من الدول ،ومن ذلك االتفاقية
املغربية البلجيكية في ميدان تسليم املجرمين التي جاء في الفقرة الثانية من مادتها الرابعة
بأن "صفة الرعايا تحدد باعتبار الفترة التي ارتكبت فيها الجريمة التي يطلب التسليم من
اجلها.756"...
وعليه فإذا تجنس أحد األشخاص بالجنسية املغربية بعد أن ارتكب جريمة غسل
األموال في إحدى الدول التي تربطها مع اململكة املغربية اتفاقية ثنائية بشأن تسليم
املجرمين ،فإن الجنسية املغربية ال تمنع في هذه الحالة من تسليمه للدولة التي ارتكبت
-756وفي نفس المقتضيات التي تم تأكيدها في االتفاقية المغربية التركية في المادة .6/22
الجريمة على أراضيها ألن العبرة والحالة هذه تكون بجنسية الشخص في وقت ارتكاب
ينبني هذا املبدأ على أساس تكريس قواعد العدالة واإلنصاف ،بحيث ال يمكن تصور
معاقبة شخص مرتين على نفس الفعل ،ويترتب على ذلك عدم جواز تسليم شخص قد
سبق أن صدر ضده من الدولة املطلوب منها التسليم قرار سواء باإلدانة أو البراءة.
وعليه فإذا أصدر القضاء املغربي حكما قضائيا أو أقر ببراءة الشخص املتهم بارتكاب
جريمة غسل األموال ثم توصل بعد ذلك بطلب من دولة أخرى تطلب فيه تسليم ذلك
الشخص إلى سلطاتها القضائية من أجل نفس الجريمة فإن هذا الطلب ال يقبل لسبقية
وقد أخذ املشرع املغربي بهذه القاعدة ،في الفقرة الرابعة من املادة 278من ق.م.ج
التي تنص على أنه "ال يوافق على التسليم إذا كانت الجنايات أو الجنح ولو أنها ارتكبت
خارج أراض ي اململكة قد تمت املتابعة من أجلها باملغرب ووقع الحكم فيها نهائيا" ،وهو ما
تم تكريسه أيضا من طرف االتفاقيات الدولية الثنائية والجماعية التي عقدها املغرب مع
العديد من دول العالم، 757وهو ماسارت عليه أيضا الغرفة الجنائية باملجلس األعلى التي
-757ومن ذلك االتفاقية المغربية الفرنسية (الفصل ،22واتفاقية المغرب مع اإلمارات العربية المتحدة (المادة
،21واتفاقية الرياض العربية للتعاون القضائي المادة .560
إلى رفض طلب تسليم مواطن إيطالي تقدمت به السلطات قراراتها758 ذهبت في أحد
اإليطالية استنادا لوثيقة أدلى بها الشخص املطلوب تسليمه تثبت أنه سبق أن تمت
محاكمته على نفس الفعل أمام القضاء املغربي كما قضت في قرار آخر ،759بعدم املوافقة
على طلب تسليم تقدمت به السلطات الفرنسية ملواطنين فرنسيين متابعين بنقل
املخدرات ،ألنهما سبق أن حوكما وأدينا على نفس الفعل من طرف محكمة االستئناف
الفرنسيين الستيرادهم املخدرات إلى التراب الفرنس ي في حين تم تكييف الفعل من طرف
محكمة اإلستئناف بفاس على أنه نقل وتصدير املخدرات من املغرب حسب مقتضيات
وتطرح مسألة عدم جواز تسليم الشخص الذي صدر في حقه حكم نهائي في الجريمة
املطلوبة من أجلها التسليم التساؤل عن طبيعة هذا الحكم ،بمعنى هل يشترط فيه أن
يكون حكما نهائيا يقض ي بالعقوبة أم البراءة؟ وهل يلزم أن يتم تنفيذ هذا الحكم حتى
تجدر اإلشارة أوال إلى أن معيار طبيعة الحكم الذي بصدوره يفرض االمتناع عن
التسليم هو الحكم 760املكتسب لقوة الش يء املقض ي به ،أي الحكم ذلك الحكم الذي لم
-758قرار عدد 6060صدر بتاريخ 64أبريل ،6914الملف الجنائي ،رقم ،69214أورده يوسف المنصوري
في تسليم المجرمين بين القانون الداخلي واالتفاقيات الثنائية ،رسالة نهاية التدريب بالمعهد العالي للقضاء ،الفوج
،2005-2002 ،22ص.68.
-759قرار صادر بتاريخ 20غشت ،6989في ملف جنائي تحت رقم 6585/28ن أورده يوسف المنصوري،
المرجع نفسه ،ص.60:
-760مع اإلشارة أن مصطلح الحكم يسري ليشمل كل من األحكام والقرارات واألوامر الصادرة عن السلطة
القضائية حسب المادة 215من قانون المسطرة الجنائية.
يعد قابال ألي طعن عادي أو غير عادي ،وهو ما تم التنصيص عليه في املادة 4/278من
ق.م.ج التي اشترطت"أن يكون الحكم الذي يقض ي بعدم جواز التسليم نهائيا" ،وتم تأكيد
املجرمين ،من ذلك مثال االتفاقية املغربية الفرنسية ،التي تقض ي في الفقرة الثانية من
الفصل 99منها برفض التسليم إذ كان قد سبق صدور حكم نهائي بشأن تلك األفعال في
وعليه ،فحتى يرفض طلب التسليم في هذه الحالة ،يجب أن تكون الدولة املطلوب
منها التسليم قد أصدرت مقررا مكتسبا لقوة الش يء املقض ي به في الجريمة املطلوب من
أجلها التسليم سواء باإلدانة أو البراءة ،بيد أنه إذا كان الحكم الصادر باإلدانة ال يطرح أي
إشكال ،فإن الحكم الصادر بالبراءة قد يطرح بعض الصعوبات بين ما إذا تعلق األمر
باالستناد إلى أسباب واقعية أو قانونية للحكم بالبراءة فإذا صدر حكم بالبراءة ،لوجود
سبب من األسباب القانونية .كتقادم الجريمة ،أو صدر بشأنها عفو ،أو تم إلغاء النص
الذي يجرم هذا الفعل ،ففي هذه الحالة يرفض التسليم النقضاء أحد شروطه 761أما في
حالة إذا تعلق األمر بحكم صادر بالبراءة ألسباب واقعية ،كعدم ثبوت ارتكابه للجريمة ،فإن
هذا الحكم ال يمكن أن يقف حائال دون تسليمه للدولة الطالبة ،طاملا كون هذه األخيرة
تتقدم بحجج قوية تثبت إسناد الفعل في حق املطلوب تسليمه ،762واألمر نفسه ينطبق على
الحكم الذي لم يتم تنفيذه بحيث إذا كان عدم التنفيذ يرجع إلى أسباب قانونية ،فإنه
يمنع معه التسليم في حين إذا كان عدم التنفيذ يرجع لوجود أسباب واقعية كفرار املحكوم
كما يمكن أن يطرح إشكال آخر ،بخصوص أمر بحفظ امللف الذي تتخذه النيابة
تجدر اإلشارة إلى أن قرار حفظ امللف .ليس بحكم قضائي متمتع بقوة الش يء املقض ي
وبناءا عليه ،فإن قرار حفظ امللف ،ال يقف حائال دون االستجابة لطلب التسليم ،ما
لم توجد مقتضيات مخالفة في االتفاقية الثنائية والجماعية املبرمة بين الدول بشأن
التسليم ،ومن ذلك ،االتفاقية املغربية التركية ،التي نصت في الفقرة الثانية من املادة ،77
برفض التسليم ،إذا صدر عن السلطات القضائية للطرف املتعاقد املطلوب مقرر بالحفظ
وأخيرا قد يثار إشكال ،في حالة االستناد إلى حكم صادر من دولة ثالثة؟
اإلجابة عن هذا اإلشكال ،تقتض ي الرجوع إلى نصوص االتفاقيات املبرمة بين الدول
بشأن التسليم ،فإذا كانت تجيز االعتداد بالحكم الصادر عن دول ثالثة فال
-763نظرا لسلطة المالئمة التي تتمتع بها بمقتضى المادة 50من قانون المسطرة الجنائية في فقرتها ،5المتعلقة
بالوكيل للملك والمادة 59من نفس القانون في فقرتها السادسة (المتعلقة بالوكيل العام للملك).
إشكال،764بشرط ان يكون حكما نهائيا ،وقد سبق للغرفة الجنائية باملجلس األعلى ،أن
أكدت في أحد قراراتها ،765أن القرار الصادر عن قاض ي التحقيق بمقاطعة بسويسرا بعدم
املتابعة ،يعد قرارا مؤقتا بطبعه ،وقابل للرجوع فيه ،وليس بمثابة الحكم الفاصل في
موضوع الدعوى العمومية ،وبالتالي ال يكون حائال دون االستجابة لطلب التسليم الذي
تقدمت به السلطات الجزائرية ،أما إذا خلت بنود االتفاقية من نص خاص يحل هذا
اإلشكال ،766فيتم الرجوع إلى القواعد العامة في القانون الجنائي ،وبالتالي عدم األخذ
يستند هذا املبدأ إلى فكرة سيادة الدولة على إقليمها ،إذ أن األصل في االختصاص
الجنائي يرجع إلى قضاء الدولة التي ارتكبت الجريمة داخل إقليمها ،وهو األمر الذي تكاد
تجمع عليه التشريعات الوطنية واالتفاقيات الثنائية والجماعية املنظمة لتسليم املجرمين.
وقد نص املشرع املغربي على هذا املبدأ في الفصل 80من ق.ج ،767األمر الذي يترتب
عليه إسناد والية البث في الجرائم املرتكبة داخل السيادة املغربية للقضاء املغربي بغض
-764ومن بين اتفاقيات التي عقدها المغرب ،والمتضمنة لهذا الشرط ،االتفاقية المغربية الفرنسية (ق)4/22
واالتفاقية المغربية البلجيكية (م ،)8واالتفاقية المغربية المصرية (م ،)22واالتفاقية المغربية الجزائرية (م 25
)في فقرتها األخيرة.
-765قرار عدد ،442صادر بتاريخ 0ماي ،6919مجلة قضاء المجلس األعلى ،اإلصدار الرقمي دجنبر
،2000عدد ،60ص.94:
-766ومثال ذلك اتفاقية المغرب مع اإلمارات العربية المتحدة التي تتضمن أي مقتضى يشير إلى رفض التسليم،
إذا تعلق األمر بحكم صادر عن دولة ثالثة.
-767الذي ينص على ما يلي":التشريع الجنائي المغربي يسري على كل ما يوجد بإقليم المملكة من وطنيين
وأجانب ،وعديمي الجنسية ،...هذا مع اإلشارة انه يدخل في عداد اإلقليم كل من السفن والطائرات المغربية أينما
وجدت وفقا للفصل 60ق.ج) .
النظر عن جنسية الجاني أو املجني عليه ،وال لنوع الحق الذي تم املساس به ،وبالتالي فال
وفي ضوء هذه االعتبارات ،عملت االتفاقيات الثنائية والجماعية التي أبرمتها الدول
في مجال تسليم املجرمين 768،على إيراد بنود صريحة تقض ي بعدم جواز التسليم في حالة
كون األفعال التي يطلب من أجلها قد ارتكبت في الدولة املطلوب منها التسليم.
بيد أنه إذا كان إجماع التشريعات الوطنية واالتفاقيات الدولية على حظر التسليم
تطبيقا لالختصاص اإلقليمي للدولة املطلوب منها التسليم ،فإن التساؤل يبقى قائما بشأن
جواز رفض التسليم استنادا إلى معيار آخر من معايير االختصاص ،كاالختصاص الشخص ي
يبدو أن اإلجابة للوهلة األولى ،ستكون بالنفي ،بحيث أن سائر االتفاقيات الثنائية
والجماعية في مجال التسليم تقريبا ،769ال تجيز للدولة رفض التسليم إال في حالة توفر
شروط مبدأ اإلقليمية ،وهو ما تم تكريسه أيضا على مستوى التشريعات الوطنية ،770غير
-768وهذا المقتضى القانوني ثم التنصيص عليه حتى على مستوى القوانين الداخلية ومن ذلك المادة 2/826من
قانون المسطرة الجنائية التي تنص على أنه "ال يوافق على التسليم إذا كانت الجنايات والجنح المطلوب من أجلها
التسليم ارتكبت بأراضي المملكة المغربية.
-769من ذلك االتفاقية المغربية (م )6/24االتفاقية المغربية الفرنسية (م )6/22االتفاقية المغربية البلونية
(ق ،)6/29االتفاقية المغربية االسبانية (م.)1
-770المادة 2/826من قانون المسطرة الجنائية التي تنص على ما يلي "ال يوافق على التسليم...إذ ارتكبت
الجنايات أو الجنح بأراضي المملكة المغربية.)...
ففي حالة توافر اختصاص الدولة بموجب مبدأ الشخصية 771ولنفرض أن شخصا
يحمل جنسية دولة (أ) ارتكب جريمة في دولة (ب) ،ثم عاد إلى دولة (أ) ،وحصل أن قدمت
دولة (ب) طلبا للتسليم ،هذا الشخص فإنه يحق في هذه الحالة لدولة (أ) رفض التسليم،
استنادا إلى مبدأ آخر هو مبدأ عدم تسليم الدولة ملواطنيها ،ثم أنه يحق لهذه الدولة
إال أنه قد يثور اإلشكال مجددا ،في الحالة املعاكسة ،إذ يكون اختصاص الدولة
مستندا إلى مبدأ الشخصية في شقه السلبي ،ولنفترض أن شخصا يحمل جنسية دول (أ)
ارتكبت في حقه جريمة من شخص يحمل جنسية دولة (ب) ،وداخل إقليمها ،ثم تواجد
هذا األخير لسبب أو آلخر ،داخل إقليم دولة (أ) ،ففي هذه الحالة ليس هناك ما يمنع رفض
دولة (أ) ،دون تسليم هذا الشخص إلى دولة تطالب بمتابعته.773
أما بخصوص االختصاص العيني ،فمن املعلوم أنه يمنع للدولة بمتابعة كل من ارتكب
جريمة تمثل إضرار ببعض مصالحها األساسية ،774وذلك أيا كان مكان ارتكابها أو جنسية
-771إذ من المعلوم أن االتجاهات الحديثة والتطورات الدولية تسمح باالمتداد واالختصاص الجنائي للدولة خارج
حدودها اإلقليمية ،ومن بين هذه االختصاصات ،االختصاص الجنائي الشخصي الذي يكفل تحقيق العدالة على نطاق
واسع ،وتتبع الجناة حتى ال يفلتوا من العقاب ،خاصة بعد ارتكاب جرائمهم بالخارج لشعورهم المستمر بأن العدالة
تالحقه أينما وجد وا ،بالهروب ال يحصنهم من الخضوع ألحكام القانون الجنائي الوطني ،كما يكفل هذا المبدأ في
شقه السلبي حماية مواطني الدول في الخارج عند تعرضهم العتداء إجرامي يكتسي صبغة جنائية.
-772وهو ما كرسه المشرع المغربي في المادة 808و 800من قانون المسطرة الجنائية.
-773هذا طبعا ما لم يثبت الجاني صدور حكم مكتسب قوة الشيء المقضي به بخصوص هذه الجريمة في دولته
(المادة 2/860من قانون المسطرة الجنائية).
-774المتمثل في الجنايات والجنح ضد أمن الدولة أو تزييف أختام الدولة ،أو تزييف أو تزوير النقود أو أوراق
بنكية وطنية متداولة بالمغرب بصفة قانونية أو المكاتب العمومية المغربية (م 8662من قانون المسطرة الجنائية).
مرتكبيها ،وعليه إذا طلب من املغرب مثال تسليم املتهم بارتكاب هذه الجريمة واملتواجد
إن االتفاقيات الثنائية والجماعية التي عقدها املغرب بخصوص التسليم ،ال تجيز له
رفض التسليم ،إال إذا ارتكبت الجريمة في إقليمه .لكن هذا على ما يبدو ليس فيه ما يمنع
برفض الدولة املغربية لهذا التسليم ،على اعتبار أنه حتى لو كانت اتفاقيات التسليم لم
تنص على رفض التسليم طبقا ملبدأ العينية إال أنها لم تمنع ذلك بصفة صريحة ،بل يمكن
للدولة في هذه الحالة أن تستند إلى مانع أخذ كون الجريمة مطلب التسليم ،موضوع
متابعة من قضائها.775
هذا وإن كان املشرع املغربي اكتفى ،بمنع التسليم بالنسبة للجرائم التي تقع فوق
سيادته ،فإنه يمكن أن يثار إشكال ،يتعلق بتحديد مكان وقوع الجريمة ،وهل يشمل
بالنسبة لإلشكال األول ،فبالرجوع إلى الفقرة الثانية من املادة 204من ق.م.ج التي
تنص على أن "كل جريمة يتم داخل املغرب ارتكاب أحد األفعال التي تشكل عنصرا من
-775ونظرا لما قد تطرحه مسألة االختصاص الجنائي من إشكاالت قام المشرع اللبناني بوضع مقتضيات تمنع
التسليم ،استنادا ألي من معايير االختصاص اإلقليمي أو العيني أو الشخصي( ،م 22من قانون العقوبات اللبناني).
إذن يستفاد من هذه املادة انه ال يشترط أن تقع صور الجريمة كلها في إقليم
الدولة ،776بل يكفي أن يتحقق أحد عناصرها حتى تكون الدولة مختصة للبث فيها ،وقد
تضمنت بعض من االتفاقيات التي عقدها املغرب بشأن التسليم على هذا الشرط .777ومن
ذلك االتفاقية املغربية املصرية ،التي جاء في املادة 4/78على أنه "يرفض التسليم ،إذا
كانت الجريمة املطلوب من أجلها التسليم قد ارتكبت كلها أو بعضها في الدولة املطلوب
وعليه ،يمكن للدولة أن تمتنع عن التسليم بمجرد وقوع عنصر من عناصر الجريمة
داخل ترابها ،ويعتبر هذا املقتض ى ذا أهمية بمكان ،خاصة فيما يتعلق بحكم التسليم في
الجرائم التي يتم تدويل مكان وقوعها ،فهذه الجرائم يستمر النشاط املكون لها أو تتوزع
األفعال املكونة لها عبر إقليم أكثر من دولة ،ويترتب على ذلك اعتبار أكثر من دولة مختصة
وفقا ملبدأ اإلقليمية بمتابعة فاعلي هذه الجرائم ،وعليه يحق لكل من هذه الدول االمتناع
وهكذا فمسك املخدرات يمكن أن يتحقق على إقليم كل دولة تمت فيه هذا املسك
الغير املشروع ،حتى ولو تواصل استمرار هذا املسك على أكثر من دولة ،وبالتالي يحق لكل
-776إن إقليم الدولة ال ينحصر في المجال الترابي والجوي والبحرين بل تدخل في نطاقه أيضا السفن والطائرات
المغربية أينما وجدت سواء كانت مملوكة للمغرب أو لغير ،إذا كانت تحمل العلم المغربي بصرف النظر عن مجال
تنقلها أو المكان الذي ترسوا به الباخرة ،او تحط به الطائرة (المواد 801 ،804من قانون المسطرة الجنائية
المغربي).
-777من ذلك االتفاقية المغربية البلجيكية (م.)6/4
دولة من هذه الدول أن ترفض تسليم املتهم املتواجد في إقليمها ،حتى ولو كان طلب التسليم
كما يجب التأكيد ،أن تحقق عنصر من عناصر الجريمة داخل إقليم الدولة ،يمكن
أن يشمل حتى أعمال املشاركة واإلخفاء في ارتكابها .ولو حتى في حالة تم ارتكابها خارج
ألن العبرة في مبدأ اإلقليمية ،مكان وقوع الفعل بصرف النظر عن مكان تواجد
الفاعل ،وسواء أكان مغربيا أو أجنبيا ،فلو قام مواطن مغربي بتصدير مخدرات إلى إسبانيا،
وقام مواطن إسباني باستقبال هذه املخدرات وروجها داخل التراب اإلسباني ،فإنه يكون
بهذا الفعل قد أعان املواطن املغربي ،لذا تجب محاكمته على هذا األساس أمام املحاكم
املغربية ،780وإذا فرض أن تواجد باملغرب ،فإنه ال يمكن تسليمه لدولة أخرى.
وأخيرا يمكن أن يقع تعارض بين االختصاص املنعقد لعدد من الدول ،التي قد تتقدم
بطلبات التسليم من أجل جريمة واحدة ،ونعطي مثال ،بشخص جزائري يرتكب تزوير
للنقود الفرنسية في تونس ،ثم يهرب إلى املغرب ،فإنه يكون في هذه الحالة من حق تونس
-778بالنسبة لجرائم المخدرات فقد تم تأكيد هذه المسألة في اتفاقية األمم المتحدة لمكافحة االتجار غير المشروع
في المخدرات والمؤثرات العقلية الموقعة بفيينا في 20ديسمبر ،6900بحيث جاء في المادة في فقرتها الثانية ما
يلي:
أ-يتخذ أيضا ما يعزم من تدابير بتقرير اختصاصها القضائي في مجال الجرائم التي قررها وفق الفقرة 6من المادة
،2عندما يكون الشخص المنسوب إليه ارتكاب الجريمة موجودا داخل إقليمه وال يسلمه إلى طرف آخر على أساس:
-6أن الجريمة ارتكبت في إقليمها)....
-779استنادا إلى المادة 2/805من قانون المسطرة الجنائية.
780تطبيقا ألحكام ظهير 26ماي ،6985فإن اختصاص المحاكم المغربية يمتد إلى كل جرائم المخدرات الواردة
به والتي يمكن أن ترتكب خارج المغرب ،إذا كان أحد األفعال المؤسسة بالجريمة قد ارتكبت في المغرب ،كما
يمكن أن تمتد إلى أفعال المشاركة أو اإلخفاء التي يمكن أن تكون أرتكبت بالخارج(م 1من الظهير المذكور).
طلب تسليمه باعتبارها صاحبة االختصاص اإلقليمي ،كما يمكن لفرنسا أن تطالب
بتسليمه على أساس مبدأ االختصاص العيني ،ويمكن أيضا للجزائر أن تطالب بتسليمه
على أساس االختصاص الشخص ي وعليه تكون في هذه الحالة أمام تعدد االختصاص عن
إن املشرع املغربي ،وضع حدا لهذه اإلشكالية في املادة 274من ق.م.ج التي تعطي
األولوية في التسليم للدولة التي عقدت اتفاقية تسليم مع املغرب ،وإذا كانت كلها مرتبطة
مع املغرب باتفاقية ،فإنه يرجع إلى درجة ضرر الجريمة بمصالح الدولة ،وإذا لم ينتج عنها
أي ضرر ،فيمنح التسليم للدولة التي ارتكبت الجريمة داخل إقليمها.
يخضع تسليم املجرمين إلجراءات مسطرية منها ما يخص الدولة الطالبة التسليم
وأخرى تخص الدولة املطلوب منها التسليم ،في إطار احترام أولوية تطبيق االتفاقيات
الدولية على التشريعات الوطنية ،فهل يتعلق األمر بخصوصيات تميز إجراءات التسليم في
حالة كون املغرب دولة طالبة؟(املطلب األول) ،وما هو موقف املغرب في حالة كونه دولة
الفقرة األولى :إجراءات التسليم في حالة كون املغرب دولة طالبة .82
للتسليم
تطبق مقتضيات االتفاقيات الثنائية املبرمة مع املغرب عندما يتعلق األمر بتقديم
طلب التسليم ،وعند عدم وجود أية اتفاقية فإن القانون املغربي يطبقه ال محالة ،مع
األخذ بعين االعتبار قانون الدولة املطلوب منها التسليم احتراما ملبدأ املعاملة باملثل،
وتقتض ي مسطرة التسليم من حيث املبدأ تدخل سلطات متعددة من أجل تفعيلها،
ويتفاوت تدخل هذه السلطات حسب املراحل التي يمر منها طلب التسليم ،يتعلق األمر
بالسلطات القضائية والحكومية واإلدارية ،ولن يفعل طلب التسليم ما لم تتوفر فيه
تتميز مسطرة تسليم املجرمين بطابع تعدد السلط املتدخلة في تنظيمها ،ويكتس ي
الجهاز القضائي ،إلى جانب األجهزة الحكومية واإلدارية أهمية كبرى في تفعيل هذه املسطرة.
إذا كان التسليم ممارسا من قبل السلطات املغربية فاألمر يتعلق بتسليم إيجابي،
ولعل أهم جهة قضائية أوكل لها القانون التدخل في تفعيل مسطرة تسليم املجرمين
جهاز النيابة العامة بشكل عام ،والنيابة العامة لدى محكمة الرباط بشكل خاص ،حيث
نص املشرع املغربي في الفقرة الثالثة من املادة 40من قانون املسطرة الجنائية على
أنه"يحق لوكيل امللك لضرورة تطبيق مسطرة تسليم املجرمين إصدار أوامر دولية بالبحث
وإلقاء القبض ،"....ونفس املقتض ى نص عليه املشرع املغربي في املادة 43من ق.م.ج
كما خول القانون لقاض ي التحقيق إصدار أوامر بإلقاء القبض بعد أخذ رأي النيابة
العامة ،إذا كان املتهم مقيما خارج أراض ي اململكة وهذا ما أكدته الفقرة 7من املادة 824
من ق.م.ج ،ومما تجدر اإلشارة إليه في هذا الصدد أن شكليات التسليم منظمة وفقا
لالتفاقيات الدولية الثنائية ،وعند غياب هذه املعاهدة تطبق املقتضيات الواردة في اتفاقية
إذا تعلق العقلية781 األمم املتحدة ملكافحة االتجار غير املشروع في املخدرات واملؤثرات
التسليم بجرائم املخدرات ،طبقا للفقرة 9من املادة 7من هذه االتفاقية ،أما على املستوى
التعاون القضائي العربي فطلب التسليم تحدد شكلياته وفقا لالتفاقيات الثنائية ،وفي حالة
عدم وجودها ،وعندما يتعلق األمر بجرائم املخدرات والجرائم الناتجة عنها ،فتطابق بهذا
الشأن املقتضيات املتضمنة في االتفاقية العربية ملكافحة االتجار غير املشروع في املخدرات
- 781ظهير شريف رقم 6-92-202صادر في 64ذي القعدة 29(6522يناير )2002بنشر اتفاقية األمم المتحدة
لمكافحة االتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية الموقعة في فينا في 20دجنبر ،6900الجريدة
الرسمية عدد 6999بتاريخ ،2002-5-29ص.6620 :
- 782ظهير شريف رقم 6-41-680صادر في 29ربيع األول 22(6522يونيو ،)2006بنشر االتفاقية العربية
لمكافحة االتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية ،جريدة رسمية عدد 4006بتاريخ ،2002-4-1
ص .6219
أضحى تدخل الجهاز الحكومي في تنظيم مسطرة تسليم املجرمين أمرا ضروريا نظرا
للطابع الدبلوماسية الذي يميز العالقات الدولية ،ويتجلى هذا التدخل في سهر وزارة العدل
على تهيئة ملف الطلب الذي يتم توجيهه بعد ذلك إلى مصالح وزارة الخارجية ،وعن طريق
املصالح الدبلوماسية يجعل طلب التسليم إلى الدولة املطلوب منها التسليم ،وهذا ما نص
وفي الجانب اآلخر تقوم حكومة دولة امللجأ بالتـأكد من توفر الوثائق املطلوبة واملرفقة
بطلب التسليم لكي تقرر قبولها أو رفضها لهذا الطلب ،783وذلك بالطبع قبل إحالته على
إن إسباغ الصيغة التنفيذية على طلب التسليم لن تتم عن طريق أجهزة خول لها
القانون االختصاص التقني للتنفيذ ،ويتعلق األمر بجهاز الشرطة القضائية على املستوى
الوطني ،وجهاز الشرطة الجنائية الدولية(األنتربول) على املستوى الدولي ،وفي إطار التعاون
األمني بين كال الجهازين تمر عملية التسليم في ظروف جيدة ومهنية عالية ،ويتأتى هذا
التنسيق عن طريق شرطة البلدين الطالبة واملطلوبة ،ثم عن طريق املكتب اإلقليمي
األنتربول باملغرب والكائن مقره بالدار البيضاء ،ولقد دأبت املنظمة الدولية للشرطة
- 783أنظر فيما يتعلق بهذه الوثائق والمرفقات المادة 25من االتفاقية المغربية الفرنسية المتعلقة بالتعاون القضائي
وتسليم المجرمين.
الجنائية منذ تأسيسها سنة 784 8399على تحقيق هذا الهدف من خالل تبادل املعلومة
األمنية مع جميع مكاتبها وفروعها وعبر العالم ،وعلى سبيل املثال يضطلع املكتب اإلقليمي
لألنتربول باملغرب بمهام كبرى ،فبمجرد توصله عن طريق وزارة العدل بوجود قرار إلقاء
قبض دولي ،فإن املكتب املركزي لإلنتربول يقوم بجميع اإلجراءات الالزمة كتقديم طلب
الحصول على معلومات من الكتابة العامة بواسطة برقية وإصدار إعالن بحث قصد إدانته
عامليا في إطار ما يسمى بالنشرات الخبراء ،كما يطلب هذا املكتب من جميع املصالح األمنية
مده باملعلومات الالزمة لتحديد مكان املشتبه بهم ،وفي حالة االستعجال -كما إذا كان
املجرم يشكل خطرا على النظام العام -يلتمس هذا املكتب اعتقال املشتبه بع اعتقاال
- 784ظهرت أولى بوادر المنظمة الدولية للشرطة الجنائية سنة ،6965على أثر انعقاد المؤتمر الدولي للشرطة
الجنائية ،وسنة 6922بمدينة فينا ثم إنشاء األنتربول ،وسنة 6961نقل مركزها إلى باريس ،وسنة ،09ثم تنشئة
مقر المنظمة الجديد بمدينة ليون الفرنسية.
- 785وهو ما نصت عليه المادة 829من قانون المسطرة الجنائية " يمكن لوكيل الملك ...أو بناء على إشعار من
مصالح المنظمة الدولية للشرطة الجنائية أنتربول أن يأمر باعتقال شخص أجنبي مؤقتا"
أنظر أيضا المادة 24من االتفاقية المغربية الفرنسية بشأن التعاون القضائي وتسليم المجرمين والتي تنص على ما
يلي"ففي الحاالت المستعجلة وبناء على رغبة السلطات المختصة في الدولة الطالبة يوقف الشخص المطلوب توقيفا
احتياطيا"...
- 786رحمة زروق :نظام تسليم المجرمين بين قانون المسطرة الجنائية واالتفاقيات الدولية بحث نهاية التكوين في
ماستر القانون الجنائي والعلوم الجنائية ،كلية الحقوق وجدة ،السنة الجامعية ، ،2009-2000ص .16
إن املشرع املغربي ومن خالل نص املادة 277قانون املسطرة الجنائية .قد أكد على
مجموعة من الشكليات والتي ينبغي احترامها في حالة تقديم طلب التسليم إلى دولة أجنبية
أخرى ،وذلك ضمانا لتطبيق القانون الجنائي ضد جميع املجرمين ،وعلى هذا األساس كان
البد ملسطرة التسليم أن تراعي بعض الشروط وذلك تحت طائلة رفض طلب الدولة
إن طلب التسليم يجب أن يرفق بمجموعة من الوثائق التي يتم من خاللها تحديد
هوية وجنسية الشخص املطلوب تسليمه ،787وذلك تفاديا ألي خلط في هوية الشخص
املطلوب إلى جانب تمكين الدولة املطلوبة تطبيق مبدأ عدم تسليم الدولة لرعاياها.
ينصرف طلب التسليم املقدم من طرف املغرب إما إلى متابعة الشخص املطلوب وإما
إلى ضمان تنفيذ عقوبة قد سبق الحكم عليه بها من قبل القضاء املغربي.
- 787تجدر اإلشارة في هذه الصدد إلى أن المشرع المغربي نظم إجراءات تسليم المجرمين والمساطر المتعلقة بها
في حالة واحدة تتعلق بكون المغرب بلدا مطلوبا منه التسليم طبقا للمادة 821قانون المسطرة الجنائية أما الحالة
التي يكون فيها المغرب طالبا للتسليم فلم يتم تنظيمها من طرف المشرع.
ففي الحالة األولى على الحكومة تمكين الدولة املطلوب منها التسليم من النسخة
األصلية من أمر إلقاء القبض وملخص الوقائع إضافة إلى تعهد الدولة الطالبة بعدم
أما في الحالة الثانية والتي يتم فيها طلب التسليم من اجل تنفيذ عقوبة فيجب إرفاق
وقد تنضاف حالة أخرى يكون معها تبسيط الشكليات أمرا ضروري ،وهي الحالة التي
الطريق الدبلوماسية في طلب التسليم ،فقد تحدث حالة استعجال يكون معها لزاما
تبسيط الشكليات من أجل ضمان عدم إفالت الجاني خاصة عندما يتعلق األمر باملحرم
الخطير الذي يصعب القبض عليه ،واستنادا إلى مجموعة من اتفاقيات التسليم الثنائية
املبرمة بين املغرب ودول أخرى ،فنجدها قد اشترطت ضرورة تبسيط مسطرة التسليم عند
تتطلب مسطرة تسليم املجرمين بعض املصاريف التي ينبغي للمغرب أن يدفعها في
حالة كونه دولة طالبة ،إال أن هذه املسألة ال تخلو من أحد أمرين اثنين:
األمر األول :الحالة التي يكون فيها املغرب مرتبطا بعالقة الجوار مع الدولة املطلوب
منها التسليم كالجزائر وموريطانيا ،حيث أن السلطات املغربية يكون عليها أداء املصاريف
املتعلقة بإلقاء القبض على املتهم وحبسه احتياطيا فوق إقليم الدولة املطلوب منها
التسليم.788
األمر الثاني وهو الحالة التي ال يرتبط فيها املغرب بعالقة الجوار مع الدولة
املطلوبة(دولة امللجأ) ،فإن جميع املصاريف التي تشمل تنقل الشخص املطلوب تسليمه
لكن في حاالت أخرى ،قد يتطلب األمر ترحيل الشخص من الدولة املطلوبة إلى الدولة
الطالبة عبوره عدة دول مجاورة ،هنا نتساءل من اإلجراءات الواجب اتخاذها احتراما ملبدأ
يقتض ي مبدأ التسليم بالعبور ترحيل الشخص املطلوب تسليمه مروره بعدة دول،
حيث يجب والحالة هذه التمييز بين أمرين اثنين إما أن يكون السماح بالعبور مرتبطا
- 788تنص المادة 51من االتفاقية المغربية الجزائرية على أن"الصوائر المترتبة عن مسطرة التسليم تتحملها الدولة
الطالبة ،وال تطالب الدولة المطلوب إليها التسليم بأي صائر من المسطرة وال عن االعتقال.
- 789والحكومة المغربية في هذه الحالة هيا الدولة الطالبة ،وقد نصت المادة 54من االتفاقية المغربية الفرنسية على
أنه"تتحمل الدولة الطالبة التسليم المصاريف التي تتسبب في إجراءاته على أال تطالب الدولة المطلوب إليها بأي
معروف من قبل اإلجراءات وال من قبل سجن الشخص المطلوب تسليمه.
باتفاقية التسليم مع الدولة املطلوبة ،وفي هذه الحالة سوف يكون التسليم بالعبور
منصوصا عليه في هذه االتفاقية 790أما الحالة الثانية والتي ال يرتبط فيها البلد الطالب
بأية اتفاقية مع البلد املطلوب ،فإن القانون املطبق هو قانون دولة العبور احتراما ملبدأ
إذا كان نظام تسليم املجرمين يعتبر من بين مظاهر التضامن الدولي في مكافحة
الجريمة الدولية ،وأكثرها شيوعا في التطبيقات العملية بين الدول ،ولعل السبب راجع
لطبيعة نظام التسليم وأثره املباشر في تحقيق أكبر قدر من الفاعلية ،تتمثل في إمكانية
ترحيل الشخص املطلوب إلى الدولة الطالبة ،لتتمكن من محاكمته أو تنفيذ الجزاء الجنائي
الصادر ضده ،فإن ذلك خاضع ملجموعة من اإلجراءات الشكلية التي على الدولة املطلوب
منها التسليم أن تتقيد بها ،وبالرجوع إلى قانون املسطرة الجنائية وبنود االتفاقيات الدولية
يتبين أن مسطرة البث في طلبات التسليم الواردة من الخارج ،أسندت إلى كل من السلطة
- 790تنص المادة 55من االتفاقية المغربية الفرنسية على أنه"إذا اقتضى األمر مرور شخص مسلم من طرف دولة
ثالثة ألحدى الدولتين المتعاقدتين عبر أراضي الدولة األخرى يسمح بذلك المرور بناء على طلب يوجه بالطريق
الدبلوماسية ،وتقدم معه الوثائق الالزمة التي تثبت أن الجريمة هي من الجرائم التي يجوز فيها التسليم "...ولهذه
المقتضيات تتعلق إذا كان التسليم تم من طريق البر ،أما إذا كان التسليم يتم جوا فالمشرع نظمه بمقتضى الفقرة 6
و 2من هذه المادة(المادة :)55أنظر المادة.
إذا كان نظام تسليم املجرمين يمس باألساس الحرية الفردية لألشخاص ،فإنه يكون
من الالزم حصر ،في نطاق قانوني محكم لضمان الحريات الفردية للشخص املراد تسليمه،
وبالتالي فإن تدخل السلطات القضائية في البث في طلبات التسليم تكون وفقا ملا هو
وتبتدئ هذه املرحلة في تسلم السلطات القضائية الوثائق الكافية وجميع املرفقات
وهكذا بعد أن يطلع وزير الشؤون الخارجية على املستندات يوجهها رفقة امللف إلى
وزير العدل الذي يعتبر الجهة املخول لها التأكد من صحة الطلب واتخاذ في شانها ما يلزم
قانونا ،غير انه في حالة كون املعلومات املقدمة من الدولة الطالبة غير كافية لتمكين
السلطات املغربية من اتخاذ القرار املناسب بشأن الطلب فإن هذه األخيرة تطلب إفادتها
باملعلومات التكميلية الضرورية مع إمكانية تحديد أجل للحصول عليها ،وذلك حسب املادة
271من قانون املسطرة الجنائية ،وكذا حسب االتفاقيات الثانية التي عقدها املغرب ،وهنا
نستحضر اتفاقية الرياض العربية للتعاون القضائي التي نصت في املادة 42على أنه يمكن
للطرف املتعاقد املطلوب إليه التسليم أن يطلب إيضاحات تكميلية ليتحقق من توفر
- 791وكذلك الشأن بالنسبة التفاقية المغربية الفرنسية التي نصت في المادة 28على ما يلي":إذا تبين للدولة المطلوب
إليها التسليم أنها تحتاج إلى معلومات إضافية لتحقق مما إذا كانت الشروط المقررة في االتفاقية مستوفاة كلها ورأت
ونفس الش يء ينطبق على اتفاقية اململكة املغربية مع اململكة البلجيكية بشأن تسليم
املجرمين ،التي نصت في مادتها 88على أنه "إذا كانت املعلومات املقدمة من طرف طالب
التسليم غير كافية حتى يتأتى الطرف املطلوب بالتسليم اتخاذ تقرير تطبيقا لهذه االتفاقية،
فإن الطرف األخير يلتمس استكمال املعلومات الضرورية ويمكنه أن يحدد أجال لنيل هذه
املعلومات".
وتبعا لذلك تقوم النيابة العامة بإحالة امللف إلى الوكيل العام للملك باملجلس
األعلى ،الذي يرفع القضية بدوره أمام الغرفة الجنائية لهذا املجلس ،طبقا ملا نصت عليه
وانطالقا من ذلك ،فإن الغرفة الجنائية باملجلس األعلى هي وحدها املختصة بالنظر
وعليه ،فإن الغرفة الجنائية باملجلس األعلى ،كأعلى جهة قضائية في البلد هي التي
رأى املشرع املغربي أحقية إسناد االختصاص إليها للنظر في شرعية الطلبات األجنبية
إال أنه يطرح السؤال حول السر وراء إسناد هذه املهمة لغرفة الجنايات باملجلس
األعلى؟
أنه من الممكن تدارك ذلك النقض ،فإنها تبلغ األمر بالطريقة الدبلوماسية إلى الدولة الطالبة قبل أن ترفض الطلب،
ويجوز للدولة المطلوب إليها التسليم أن تحدد أجال للحصول على هذه المعلومات.
- 792مصطفى المودن ،مرجع سابق ،ص.06 :
إذا كان طلب التسليم إجراء يمس حقوق الشخص املراد تسليمه ،فإن منح هذا
وعالوة على ذلك ،فإن تسليم املجرمين هو تصرف ديبلوماس ي ومن ثم فإسناده إلى
أعلى جهة قضائية في البلد ،يمكن لهذه األخيرة أن تعتمد عليه في مواجهة نظريتها التي
تطلب التسليم ،خاصة في حالة صدور قرار قضائي سلبي بالتسليم ،دون أن تضر بحساسية
الدولة األخرى ،معززة موقفها باالستناد إلى مبدأ فصل السلطات املنصوص عليه في
الدستور.
غير أنه ،وبالرجوع إلى املجلس األعلى إلبداء رأيه في طلب التسليم فإن الحكومة
تتملص من كل مسؤولية ،وبالتالي فهل يمكن اعتبار رأي القضاء مجرد قرار عادي أم أنه
قرار ملزم؟
من قانون املسطرة الجنائية املغربي ،فالغرفة الجنائية 793297 انطالقا من املادة
باملجلس األعلى تبث في طلب التسليم بقرار معلل خالل خمسة أيام من إحالته إليها ،إضافة
إلى أن املادة 297من نفس القانون تنص على أنه إذا ارتأى املجلس األعلى املوافقة على
- 793تنص المادة 822من قانون المسطرة الجنائية على ما يلي" ،يوجه وكيل الملك فورا الطلب والمستندات المدلى
بها إلى الوكيل العام للملك لدى المجلس العلى الذي يحيلها على الغرفة الجنائية بنفس المجلس.
تبث الغرفة الجنائية بالمجلس العلى في طلب التسليم بقرار معلل خالل 4أيام من إحالته إليها بناءا على تقرير أحد
المستشارين وبعد اإلدالء النيابة العامة بمستنتجاتها االستماع إلى الشخص المعني الذي يمكن أن يكون مؤازرا
بمحامي".
إذن :انطالقا من فصول قانون املسطرة الجنائية ،يظهر طبيعة وقوة الرأي القضائي
وعلى هذا األساس ،فإنه في حالة رفض الغرفة باملجلس األعلى التسليم ،تلتزم
الحكومة بهذا الرأي ،وكل إجراء تسليم تقوم به هذه األخيرة يعتبره القانون باطال وغير
شرعي ،أما في حالة إصدارها رأيا في غير صالح الشخص املطلوب تسليمه ،فإن الغرفة
وتجدر اإلشارة إلى أن قبول املعني باألمر تسليمه دون سلوك اإلجراءات القضائية
املنصوص عليها في املادة 297من قانون املسطرة الجنائية ،يوقف املسطرة وتقوم
مناسبا.794
وفي هذا السياق ذهبت الغرفة الجنائية باملجلس األعلى على أن املطلوب في التسليم
صرح أنه قبل صراحة بأن يسلم إلى سلطات بالده ،مما يكون معه قد تخلى عن االستفادة
من تطبيق املسطرة املنصوص عليها في باب تسليم املجرمين عمال بمقتضيات الفصل 292
وفي قرار أخر للغرفة الجنائية باملجلس األعلى ،صرح املطلوب في التسليم رغبته بقبوله
أن يسلم عن طواعية واختيار ،مما ينبغي معه والحالة ما ذكر قبول املطالبة بالتسليم
املجرمين.
بتسليم املعني باألمر دون تطبيق عليه املقتضيات القانونية القضائية ،في حالة موافقته
على ذلك ،وفي نفس التوجه نسجله للقضاء املغربي ،الذي دأب في العديد من قراراته على
وفي حالة إذا كان املطلوب في التسليم قد تنازع في املستند القضائي بحيث دفع على
أنه ال ينطبق عليه ،فيمكن في هذه الحالة للغرفة الجنائية أن تأمر بإجراء تحقيق تكميلي
حول هوية املطلوب وذلك طبقا للفقرة األخيرة من املادة 297قانون املسطرة الجنائية
ونفس املتوجه ذهبت إليه الغرفة الجنائية في أحد قراراتها ،فقد جاء فيها":وحيث أن
املطلوب في التسليم دفع بأن القضائي ال ينطبق عليه ،األمر الذي ارتأت معه الغرفة إلى
وعليه ،فإن الغرفة الجنائية باملجلس األعلى عند بثها في طلب التسليم كما سبق
القول ففي الحالة األولى ،يتم توجيه امللف مع نسخة من القرار خالل ثمانية أيام إلى وزير
العدل الذي يقترح عند االقتضاء على الوزير األول إمضاء مرسوم يأذن بالتسليم والذي
يتم توجيهه إلى وزير الشؤون الخارجية قصد تبليغه إلى املمثل الدبلوماس ي للدولة الطالبة
وإلى وزير الداخلية قصد تبليغه إلى الشخص املعني باألمر وألجل التنفيذ طبقا للمادة 292
وفي هذا الصدد ذهبت الغرفة الجنائية باملجلس األعلى ،باملوافقة على طلب التسليم،
لكون املطلوب في التسليم ليس من جنسية مغربية وقد عثر عليه فوق التراب املغربي ،وأن
األمر باالعتقال الصادر في حقه يشمل الوصف الدقيق لألفعال املنسوبة إليه ،ويتضمن
وفي قرار آخر للغرفة الجنائية ،أقرت على أن املطالبة بالتسليم الصادرة عن السلطات
القضائية اإلسبانية ،جاء وفقا ملا ينص عليه الفصل السادس من ظهير ثامن نونبر .7998312
وفي هذا اإلطار يتعين على الدولة الطالبة أن تتخذ جميع اإلجراءات واملبادرات الالزمة
الستالم الشخص موضوع طلب التسليم بواسطة أعوانها ،وذلك خالل أجل شهر من تاريخ
تبليغ املرسوم ملمثلها الدبلوماسية ،وإذا ما تأخرت عن ذلك ولم تبرر تأخرها فإنه يتم
اإلفراج عن الشخص املقرر تسليمه ،وال يمكن لها بعد ذلك املطالبة بتسليمه مرة أخرى
على نفس األفعال ،800ألن موقفها السلبي هذا بمثابة تخلي ضمني عن طلب التسليم ،ونفس
املوقف نستشفه من اتفاقية التعاون القضائي املتبادل وتنفيذ األحكام وتسليم املجرمين
بين املغرب وفرنسا واملوقعة في 2أكتوبر ،8322التي نصت في الفقرة الرابعة من املادة 40
على أنه " ...يجب على الدولة الطالبة أن تسلم الشخص بواسطة مأموريها داخل شهر
يحسب من التاريخ الذي يعين طبقا ألحكام الفقرة الثالثة من هذا الفصل مع مراعاة
الحالة املشار ليها في الفقرة األخيرة منه ،فإذا انقض ى األجل املذكور دون أن تقوم الدولة
الطالبة باستالمه يخلى سبيله وال يمكن بعد ذلك طلب تسليمه بسبب الفعل نفسه".
واملالحظ أن اتفاقية 801مع اإلمارات املتحدة ،نصت على مدة تختلف عن املدة املقرر
في اتفاقية املغرب وفرنسا ،حيث جاء في اتفاقية األولى ،وبالضبط في الفصل 99على أن
"تقوم الدولة طالبة التسليم بتسليم الشخص املطلوب تسليمه خالل خمسة وأربعين يوما
إال أن هذه االتفاقيات تقرر نفس املصير في ما يتعلق بالتسليم ،وفي حالة تأخر في
استالم املعني باألمر ،ويتم إخالء سبيله من طرف الدولة املطلوب منها وال يجوز طلب
غير أن السؤال الذي يطرح في هذا املضمار ،هل يحق للشخص املطلوب في التسليم
أن يطلب بإعادة النظر في القرار الذي أصدرته الغرفة الجنائية باملجلس األعلى؟ يبدو أن
هذا السؤال كان مشروعا في ظل قانون املسطرة الجنائية القديم ،ولكن في ظل قانون
املسطرة الجنائية الحالية ،يمكن االستناد إلى القسم الثاني املتعلق بإعادة النظر وتصحيح
- 801ويتعلق األمر باالتفاقية المغربية ودولة اإلمارات العربية المتحدة المتعلقة بالتعاون القضائي واإلعالنات
القضائية وتنفيذ األحكام وتسليم المحرمين.
وفي هذا اإلطار هناك العديد من القرارات القضائية الصادرة في هذا الشأن تستند
إلى فصل 923من قانون املسطرة املدنية الذي يسمح للمجلس األعلى إلعادة النظر في
قراراته ،وهنا نستحضر أحد القرارات الصادرة عن الغرفة الجنائية باملجلس األعلى ،حيث
جاء فيه" :وحيث إن القرار املطلوب إعادة النظر فيه قد تبث للغرفة أنه مشوب بخطأ
أما في حالة إبداء الرأي بعدم املوافقة ،فتكون على أساس أن طلب التسليم ال يتوفر
على الشروط القانونية أو أنها غير مستوفاة أو أن هناك خطأ بينا ،ويصبح هذا القرار نهائي
كما أسلفنا ،بحيث ال يمكن بعد ذلك املوافقة على تسليم الشخص املطلوب ،ويترتب على
ذلك إطالق صراح املتهم ،ما لم يكن متهم من أجل سبب أخر.
وعلى إثر ذلك ،يوجه امللف وكذا نسخة من القرار بالطريقة الدبلوماسية إلى الدولة
ولكن هذا الرفض يجب أن يكون معلال ،وهذا ما نستشفه من اتفاقية الثنائية مع
اإلمارات العربية املتحدة التي نصت في مادتها 97على قرار الصادر بالرفض طلب التسليم
يجب أن يكون مسببا ونفس املقتض ى جاءت به اتفاقية التعاون القضائي مع فرنسا ،حيث
نصت في الفصل 40على أن كل قرار يرفض التسليم كليا أو جزئيا يجب أن تبين معلالته.
- 802قرار عدد 6/6828صادر بتاريخ ،98/62/61في ملف جنائي رقم ،98/22-509مجلة المجلس األعلى،
عدد 2000 ،45ـ ص.214:
وتجدر اإلشارة أيضا إلى أن الغرفة الجنائية باملجلس األعلى ،تنظر في طلبات تمديد
مفعول التسليم ،ألن قاعدة التخصيص املنصوص عليه في املادة 279قانون املسطرة
الجنائية ،تجد استثناء لها باملادة 279قانون املسطرة الجنائية ،وكذا باملادة 291من نفس
القانون ،حيث تسمح بمعاقبة أو متابعة الشخص املسلم بجريمة سابقة على التسلم غير
تلك التي استند إليها طلب التسليم ،بشرط موافقة السلطات املغربية على ذلك ،ولو كان
طلب تمديد مفعول التسليم يستند إلى جرائم املحددة في املادة 270قانون املسطرة
الجنائية ،غير أن ذلك غير ممكن في الجرائم املنصوص عليها في املادة .278
وتبعا لذلك ،جاء في قرار الغرفة الجنائية على أن"...املعني باملطالبة املذكورة ليس
من جنسية مغربية ،وعثر عليه فوق التراب املغربي ،وسبق للمجلس األعلى أن أبدى رأيه
باملوافقة على طلب تسليمه إلى سلطات بالده بتاريخ 84دجنبر 8434وسلم إليها فعال بتاريخ
84فبراير 8332وأنه عبر عن رأيه بشأن طلب تمديد مفعول تسليمه إلى تنفيذ قرارين
جنائيين املذكورين بعد عرضهما عليه في محضر قضائي وصرح بأنه ال يقبل ذلك وبأنه
تستهل هذه املرحلة بإقدام الدولة طالبة التسليم بتوجيه طلبها إلى السلطات الدولة
املطلوب منها التسليم بالطريق الدبلوماس ي ،وعلى اعتبار أن تصرفات الدولة لها طابع
- 803قرار عدد 6/6829صادر بتاريخ ،98/62/61في ملف رقم ، 98/22/562المرجع السابق ،ص.606 :
سيادي ،فإن عملية التسليم السلبي تستوجب تدخل الحكومة املغربية التي تعتبر مسؤولة
ومن إيجابيات إناطة مهمة الفصل في التسليم إلى السلطة التنفيذية كون أن
تصرفات هذه األخيرة تعبر عن أعمال السيادة كما أن التسليم قد يثير مسائل أسياسة
تكون السلطة التنفيذية كفيلة بمعالجتها ،رغم ما يتميز به هذا النظام من بساطة
اإلجراءات ،إال أنه ما يعاب على هذا النظام أنه ال يوفر للشخص املسلم الضمانات
باعتبارات سياسية مما يشوبها عيب في الدقة وبالتالي تؤدي إلى خالف ما يقتضيه التسليم.
وكما أسلفنا ،فإنه في حالة قول القضاء بعدم التسليم ،يعبر هذا الرأي ملزما
للحكومة ،وأي قرار ستتخذه الحكومة يعتبر قرارا غير شرعي وباطل وال يمكنها بأي حال من
األحوال أن تلجأ إلى تسليم الشخص أما في حالة قولها بالتسليم فتصير الحكومة حرة في
إال أنه بهذا الخصوص يجب أن نميز بين الحالة التي يكون فيها البلد الطالب مرتبطا
مع املغرب باتفاقية لتسليم ملجرمين وبين حالة انعدام اتفاقية من هذا النوع. 806
ففي الحالة األولى ،أي حالة وجود اتفاقية يالحظ انه ال توجد أية آلية تنص صراحة
على أنه في حالة قرار قضائي قابل التسليم يتعين على الحكومة املغربية أوتوماتيكيا تسليم
الشخص املطلوب ،لكن باملقابل فإن هذه االتفاقيات تنص بعبارة مشابهة في كل واحدة
منها على االلتزام بإخبار الدولة الطالبة بالقرار الصادر من جهة وتؤكد على ضرورة تعليل
الحكومة املغربية لكل رفض كلي أو جزئي لطلب التسليم وفي بعض االتفاقيات نجد
باإلضافة إلى التزامات أعاله ،االلتزام بإرسال وتبليغ حيثيات القرار املتخذ إلى الدولة
الطالبة.
وهذا ما نستشفه أساسا من املادة 807 87من االتفاقية املغربية البلجيكية بشأن
تسليم املجرمين ،في حين نجد االتفاقية املغربية الجزائرية جاءت صامتة عن تحديد معنى
القرار القضائي ونصت على أن الدولة املطلوبة بالتسليم تخبر الدولة الطالبة على الطريقة
يتعين عليها أن تعلم الدولة املتعاقدة معها وطالبة لتسليم بقرارها وأسبابه.
وفي املقابل أي في حالة عدم وجود قرار رافض التسليم من طرف الغرفة الجنائية
باملجلس األعلى ،فإن الحكومة تتحمل لوحدها مسؤولية تطبيق االتفاقية الثنائية ،ويتعين
عليها القيام بالتزاماتها الواردة بهذه األخيرة فتصبح لها نتيجة لذلك السلطة التقديرية في
- 807وتنص هذه المادة على ما يلي" ::يخبر الطرف المطلوب منه التسليم الظرف طالب التسليم على الطريقة
المقررة في الفقرة األولى من المادة 60بمقره حول التسليم.
-يعلل بأسباب كل رفض كلي أو جزئي للتسليم."...
وباملقابل أي في الحالة الثانية ،بمعنى حالة عدم وجود اتفاقية دولية ،ال يوجد أي
التزام اتفاقي بتسليم املجرم وال بتعليل الرفض تجاه الحكومة املغربية ،إال أن إكراهات
املجاملة الدولية -خاصة تجاه حكومة دولة طالبة تحترم قاعدة املعاملة باملثل في معاهدة
التسليم-تفرض على هذه األخيرة أن توضح للحكومة الطالبة أسباب رفض تسليم الشخص
ومن الناحية العملية ،فقد رفضت السلطات املغربية ذلك على أن الجزائر سبق وأن
أخلت بالتزاماتها الدولية حينما رفضت تسليم املغرب مواطنا مغربيا كان قبل ذلك قد
وفي نفس املضمار ،سبق للحكومة املغربية أن رفضت تسليم أشخاص مطلوبين في
قضيتين اثنتين بعد صدور قرار إيجابي بالتسليم من جانب الغرفة الجنائية للمجلس
األعلى.
في الحالة األولى ،كانت الحكومة اإليطالية هي التي لم يتم االستجابة لطلبها بسبب
رفض األخيرة إعطاء املتابعة لطلب تسليم مغربي سبق للعدالة اإليطالية أن وافقه عليه.810
وفي الحالة الثانية جاء الرفض على أساس أن الحكومة الجزائرية لم تحترم التزاماتها
وتجدر اإلشارة إلى أنه في حالة املطالبة بالتسليم ،فإنه تترك للحكومة سلطة تقدير
اختيار أيا من الطالبين سيخطئ باألولوية وفق املادة 274من قانون املسطرة الجنائية،
وهذا ما نستجليه أيضا من خالل االتفاقية الثنائية املغربية وجمهورية مصر العربية ،في
مجال التعاون القضائي التي نصت في املادة 71على أنه" إذا قدمت للدولة املطلوب منها
عدة طلبات تسليم من دول مختلفة ،إما عن نفس األفعال أو عن أفعال متعددة فيكون
لهذه الدولة أن تفصل في هذه الطلبات بمطلق حريتها ،على أن تراعي في ذلك كافة الظروف،
وعلى األخص إمكانية التسليم الالحق وتاريخ وصول الطلبات ودرجة خطورة األفعال واملكان
ونفس الش يء ينطبق على االتفاقية الثنائية املغربية اإلسبانية في ميدان تسليم
املجرمين ،التي نصت على أنه في حالة ورود عدة طلبات على الدولة املطلوبة ،فلهذه األخيرة
وقد سبق أن أصدرت الغرفة الجنائية رأيين إيجابيين في طلبين مقدمين من حكومتين
ويمكن القول أن هذه السلطة التقديرية املمنوحة للسلطات الحكومية تمارس حسب
الحالة التي توجد عليها عالقات التعاون القضائي الجنائي بخصوص تسليم املجرمين أخدا
بعين االعتبار مدى احترام الدولة الطالبة لقاعدة املعاملة باملثل ،وتسليم املجرمين من
طرف الحكومة املغربية باإلضافة إلى استناده على قرار قضائي موافق يمكن أن ينبني على
اعتبارات أخرى تتعلق بالسياسة الجنائية على املستوى الداخلي أو عالقات دبلوماسية بين
يتضح من خالل ما سبق إذن أن نظام تسليم املجرمين في القانون املغربي حاول
املشرع املغربي أن يجعله كآلية هامة ملتابعة املتهمين واملحكوم عليهم ملحاربة اإلفالت من
العقاب ،إال أن موضوع تسليم املجرمين في القانون املغربي لم تتبلور بعد مالمحه القانونية
بشكل جلي ،نظرا ملا تطرحه شروط التسليم من إشكاالت تحول دون تطبيقه بشكل فعال.
وتبقى أهم اإلشكاالت هي التي تتعلق بكثرة الشروط املوضوعية املتطلبة في عملية
التسليم ،خاصة املتعلقة باملجرم والجريمة ،ثم أيضا اإلشكاالت التي تطرحها الشروط
الئحة املراجع:
عبد الغني محمود :تسليم املجرمين على أساس املعاملة باملثل ،دار النهضة العربية،
الدراسات العليا املعمقة في القانون الخاص ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا املعمقة في
عبد القادر خضر :اتفاقيات التعاون القانوني القضائي في تسليم املجرمين ،رسالة
لنيل دبلوم الدراسات العليا في علوم القانون الجنائي ،جامعة الحاج لخضر ،باتنة ،كلية
جعفر العلوي :تطور مؤسسة تسليم املجرمين ،مجلة القانون واالقتصاد ،العدد
الثاني.8317 ،
االتفاقية :املوقعة في مدريد في 90ماي 8332بين اململكة املغربية واململكة اإلسبانية في
إلهام محمد حسن العاقل ،مبدأ عدم تسليم املجرمين في الجرائم السياسية ،مطابع
البشير بوحبة :التعاون الدولي في امليدان الجنائي ،محاضرة ألقيت في إطار التكوين
83
طرف املغرب في جميع املجاالت السياسية واالقتصادية واالجتماعية والثقافية ...للرفع من
ويبقى خير دليل على ذلك هو الطريقة التي تعامل بها املغرب مع تدبير جائحة كورونا
على املستوى الداخلي ،وكيف سخرت الدولة جميع إمكانياتها ووضعتها رهن إشارة جميع
وما كانت اململكة املغربية لتحقق هذه النتائج الجد املهمة ،إال من خالل وجود إرادة
حقيقية وصادقة من هرم الدولة وممثلها األسمى جاللة امللك محمد السادس نصره هللا
وأيده ،فبرؤيته الثاقبة وحكمته املتبصرة،جنب املغرب الوقوع في كارثة إنسانية كبرى وهذا
بشهادة املنتظم الدولي،وذلك من خالل النتائج التي حققها املغرب مند فرض حالة الطوارئ
إال أن الحالة الوبائية ببالدنا وبالعالم بأسره شهدت تغيرا كبيرا ،من حيث عدد
اإلصابات التي وصلت إلى أرقام قياسية سواء باملغرب أو خارجه ،وهذا ما يطلق عليه
ورغم إمكانيات املغرب البسيطة في مجال الصحة ،وبالخصوص النقص الحاد في
عدد األطباء وأيضا قلة املعدات واألجهزة الطبية ،فإن املغرب حاول وال زال يحاول بكل
إمكانياته املحدودة الصمود في وجه هذه الجائحة التي دمرت كبريات الطواقم الطبية مثل
فقد كان لهذا الوباء تداعيات جد مهمة مست كل القطاعات الحيوية لدولة ،حيث
تأثر القطاع الصحي من هذه الجائحة من خالل بروز النواقص التي تعتري هذا املجال سواء
داخل املغرب أو خارجه ،كما عان القطاع االقتصادي هو أيضا من وباء كوفيد 83حيث
تضررت جميع املجاالت الحيوية التي تمثل مصدرا مهما ملالية الدولة العمومية.
إلى جانب هذه التداعيات السابقة ،حقق املغرب انخفاضا مهما في معدل الجريمة
خاصة في الفترة األولى للحجر الصحي ،إال أن هذا األمر عاد كما هو عليه الحال بعدما
قامت الدولة بالرفع التدريجي لهذا الحجر ،فقد كان لهذا الرفع تداعياته السلبية من
تفاقم الظاهرة اإلجرامية والتي تعامل معها القضاء املغربي بنوع من الشدة والحزم.
وتبقى اإلشكالية الرئيسية لهذا املوضوع ،فيما هي تداعيات وباء كوفيد 83على
الظاهرة اإلجرامية باملغرب من الناحية الصحية واالقتصادية ...؟ ،وكيف تعامل القضاء
سنقسم دراستنا لهذا املوضوع إلى مطلبين اثنين ،املطلب األول سنخصصه لتداعيات
وباء كوفيد 83على املغرب ،ثم سنعالج في املطلب الثاني آثار وباء كوفيد 83على الظاهرة
اإلجرامية باملغرب.
أعلن املغرب ابتداء من يوم الجمعة 70مارس فرض حالة الطوارئ الصحية وتقييد
الحركة في البالد ألجل غير مسمى ،كوسيلة إلبقاء فيروس كورونا تحت السيطرة،ويأتي هذا
القرار لتسجيل املغرب ألول إصابة بهذا الفيروس في مدينة الدار بيضاء ملواطن كان مقيما
في ايطاليا.
فقد صادقت الحكومة على مرسوم عدد 7-70-739املتعلق بإعالن حالة الطوارئ
الصحية في سائر أرجاء اململكة ملواجهة هذا الفيروس ،ويستمد هذا املرسوم مشروعيته
من خالل الدستور ،الذي يعتبر أسمى قانون في البالد ،وبالخصوص في فصوله 18و78
و(74الفقرة الرابعة).812
-812مرسوم قانون رقم 21201292الصادر في 20رجب 22( 6556مارس )2020يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة
الطوارئ الصحية و إجراءات اإلعالن عنها ،منشور في الجريدة الرسمية تحت عدد 1018مكرر ،ص .6802
فبعد إعالن املغرب فرض حالة الطوارئ الصحية في عموم أرجاء البالد ،ملنع حدوث
كارثة إنسانية تؤدي إلى انتشار الوباء بين املواطنين خصوصا في املناطق التي تشهد كثافة
سكانية مرتفعة ،من هذا املنطلق سعت الدولة منذ اللحظات األولى لظهور الوباء بالبالد
فقد انخرطت كل مؤسسات الدولة للتصدي لهذا الوباء الفتاك وعلى رأس هذه
املؤسسات ،نجد وزارة الصحة التي لعبت دورا أساسيا في الوقوف في وجه وباء كوفيد ،83
والتي سنخصص لها (الفقرة األولى) ،أيضا نجد صندوق كورونا الذي دشنه صاحب
الجاللة امللك محمد السادس كأول املتبرعين في هذا الصندوق بمبلغ ملياري درهم ،والذي
كما لعبت املؤسسة األمنية ببالدنا خالل هذه الجائحة دورا رياديا قل نظيره على
املستوى اإلقليمي أو الدولي ،فال أحد ينكر جهود األجهزة األمنية في ظل االنتشار املهول
لوباء كورونا وحرص ويقظة هذه املؤسسة في حماية املواطن املغربين ،والتي سنعمل على
ال أحد ينكر دور وزارة الصحة في مواجهة هذه الجائحة على الرغم من املعاناة التي
يعاني منها هذا القطاع ،بدءا من قلة األطباء سواء على مستوى القطاع العام أو الخاص،
أيضا النقص الحاد في املعدات والوسائل الطبية التي تبقى شبه منعدمة في بعض
املستشفيات.
حيث يبلغ عدد األطباء باملغرب حوالي 87ألف طبيب موزعين ما بين 9122طبيبا
عاما و 2222طبيبا خاصا ،أما فيما يخص البنيات التحتية الصحية بالقطاع العمومي
فإن مؤسسات العالج الصحي التي يبلغ عددها ،7887موزعة على التوالي بين املجال
وباملوازاة مع ذلك فقد قررت الحكومة تخصيص مبلغ مالي مقدر في 7مليار درهم
مخصص القتناء املعدات واملستلزمات الطبية الضرورية كما تم اقتناء 470سريرا لإلنعاش
و 210سريرا استشفائيا عاديا و 480جهازا للتنفس بحسب وزير االقتصاد واملالية.814
أما فيما يخص االعتماد املالي املخصص لوزارة الصحة ببالدنا ،فـإنه يشهد تحسنا
ملحوظا عاما بعد عام ،حيث خصصت الحكومة لقطاع الصحة ميزانية تقدر بحوالي 8,3
مليار دوالر بزيادة قدرها 84,2باملئة مقارنة مع سنة ،7083الش يء الذي يمكن معه القول
بأن الغطاء املالي املخصص لهذا القطاع يبقى ضعيفا شيئا ما باملقارنة مع قطاعات أخرى
كما كشف تقرير للمجلة الطبية البريطانية ،BMJبأن هجرة األطباء ومنهي الصحة
املغاربة نحو البلدان األوروبية وبالضبط فرنسا يزداد يوما بعد يوم ،حيث يبلغ عدد األطباء
-813وزارة الصحة ،الصحة باألرقام ،2005مديرية التخطيط و الموارد المالية ،ص .56
- 814مؤلف جماعي ،إستراتيجية المغرب في مواجهة كوبيد ،69مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد ،األوراق
السياسية أبريل ،2020ص .1
املتواجدين بفرنسا حوالي 1اآلف طبيب أي بمعدل سنوي يقدر ب 900طبيب ،815األمر
الذي يدعو إلى إعادة التفكير مليا من لدن الجهات املختصة لفتح حوار بناء مع األطباء
املغاربة ،للوقوف على املشاكل التي يعانون منها وعلى رأسها ضعف األجور املقدمة لهم.
يبدو أن وباء كورونا كشف حقيقية القطاع الصحي باملغرب ،هذا القطاع الذي كان
يعاني من مشاكل معقدة للغاية قبل ظهور هذه الجائحة ،إال أنه وبعد انتشار هذا الوباء
في جميع التراب املغربي وزيادة عدد املصابين به ،أظهر لنا الحقيقة التي كانت مغيبة شيئا
ما عنا ،رغم أن املغاربة يعرفون أن القطاع الصحي باملغرب يعاني من أزمات منذ تبني
أيضا يجب أال ننس ى أن أحسن منظومات الصحة بالعالم انهارت أمام هذه الجائحة،
رغم الدعم املالي والبشري املخصصة لها لكنها وجدت نفسها عاجزة عن مجابهة هذا الوباء
مثل ايطاليا ،ألن املشكل الرئيس ي هو كثرة املصابين بكوفيد 83زيادة على ذلك انتقال
العدوى إلى األطباء الذين أصبحوا يحاربون عدوا غير مرئي لهم.
وإذا عدنا لجهود املغرب في هذا املجال فال أحد ينكر أن الدولة قدمت كل إمكانياتها
لقطاع الصحة وال زالت تقدم لحدن اآلن ،فقد ذكر تقرير أوردته جريدة هسبريس في عددها
2نونبر لسنة 7070أن املغرب قام باقتراض 8,7مليار الدهم من البنك اإلفريقي للتنمية،
-815وزارة الصحة ،مشروع النجاعة في األداء الملحق بمشروع الميزانية الفرعية لوزارة الصحة برسم سنة ،2061ص
.40
القتناء 777سرير لإلنعاش كما تم اقتناء كمية كافية من اختبارات الكشف عن فيروس
ولكن يبقى ارتفاع اإلصابات بوباء كوفيد 83باملغرب ،تحديا كبيرا يفرض نفسه أمام
الدولة بكل مكوناتها ومؤسساتها إليجاد حلول سريعة ملواجهة هذا الوباء ،لذا دعت
الضرورة إلى تبني رؤية واضحة تجنب البالد الوقوع في أزمة صحية خانقة مثل النقص
الحاد في عدد األطباء ،أيضا ال يجب أن ننس ى أن منظومة الصحة ببالدنا تعرف خصصا
رغم كل ش يء فإن املغرب وبموارده الصحية البسيطة ،استطاع أن يقاوم هذا الوباء
الفتاك الذي ألحق أضرارا جسيمة بقطاع الصحة العاملي ،فاملغرب يعي ثقل املسؤولية
امللقاة على عاتقه في حماية أرواح املواطنين ،لذا فإن الدولة تقوم بكل ما هو ضروري
بعد إعالن املغرب عن ظهور أول إصابة بهذا الوباء فوق ترابه ،أعلن صاحب الجاللة
امللك محمد السادس نصره هللا إنشاء صندوق خاص بوباء كورونا لتوفير التمويل
وقد كان أعزه هللا أول املساهمين به بمبلغ مالي يقدر بنحو ملياري دهم ،ثم انطلقت
بعده التبرعات بهذا الصندوق من جميع القطاعات والفاعلين السياسيين ورجال األعمال
وقطاعات أخرى ،حيث أفادت الخزينة العامة للمملكة أن مجموع موارد الصندوق الخاص
بتدبير جائحة فيروس كورونا املستجد ،بلغت إلى غاية متم يوليوز املاض ي ما قيمته 99,2
مليار درهم.
ويهدف هذا الصندوق إلى دعم االقتصاد الوطني ملواجهة تداعيات هذا الوباء من
خالل التدابير التي ستقترحها لجنة اليقظة االقتصادية ،816وذلك للحد من آثار هذا
الفيروس على الحالة االجتماعية واملعيشية للمواطنين ،الذين تضرروا من هذه الجائحة
التي مست القدرة الشرائية وزادت من نسبة البطالة خصوصا بعد فرض حالة الطوارئ
الصحية ببالد.
فقد شملت املساعدات املمنوحة من طرف الدولة لألسر العاملة في القطاع الغير
املهيكل ،والفقراء الذين ال يتوفرون على دخل أو يعملون في القطاع غير الرسمي والغير
مصرح بهم لدى صندوق الضمان االجتماعي ،لكون هذه الفئات هي املتضررة من هذا
وقد استفاد من هذا الدعم املقدم من طرف صندوق كورونا حوالي 4ماليين أسرة،
فبالنسبة لألسرة املكونة من شخصين فقد خصص لها حوالي 12دوالرا ،أما األسرة التي
تتكون من ثالثة إلى أربعة أفراد فيمنح لها مبلغ 880دوالرا ،بينما ستحصل األسرة املؤلفة
من أكثر من أربعة أشخاص على مبلغ مالي يقدر في 872دوالرا شهريا.
816
-وزارة المالية و االقتصاد و إصالح اإلدارة ،بيان صحفي ،إحداث صندوق تدبير و مواجهة و باء فيروس كورونا.
وتجدر اإلشارة أن حوالي 2ماليين مغربي استفادوا من الدعم املالي املقدم لهم من
طرف صندوق كورونا حسب رئيس الحكومة ،حيث اعتبر هذا األخير أن هذه العملية هي
األكبر من نوعها في تاريخ الدولة من حيث الدعم املباشر للفئات املعوزة داخل البالد ،فقد
وصلت املساعدات املقدمة لهم شهريا في فترة وجيزة إلى نحو 18و 704دوالرا حسب وزارة
املالية.817
أما فيما يتعلق بالطبقة العاملة فقد استفاد قرابة مليون من العمال باملغرب من
التعويضات املمنوحة لهم من طرف الحكومة بسبب كورونا ،حيث استفاد األجراء
املتوقفون عن العمل املصرح بهم لدى صندوق الضمان االجتماعي ،من دعم مالي قيمته
إن الروح الوطنية التي اتصفت بها الطبقة العاملة سواء العامة منها أو الخاصة،
لهي خير دليل على املواطنة الحقيقية التي تنبعث من روح التضامن والتآزر املعهودة في
املواطن املغربي ،فبعد إطالق حملة التبرعات من طرف امللك محمد السادس انخرطت
جميع القطاعات دون استثناء في حملة املساهمة في صندوق كورونا لتصدي لهذه الجائحة.
-817تقرير المجلس االقتصادي و االجتماعي و البيئي ،االنعكاسات الصحية و االقتصادية و االجتماعية لفيروس كورونا "
كوبيد "69 -و السبل الممكنة لتجاوزها ،إحالة رقم ،2020/20ص .24
818
-haut-commissariat au plan, enquête sur l’impact du coronavirus sur la situation
économique, sociale et psychologique des ménages, note de synthèse des principaux
résultats,2020, p 11.
لتوسع أكثر في هذا المجال راجع:
- Note stratégique, de la crise du covid-19 au Maroc , le haut –commissariat au plan et le
système des nations unies au Maroc et la banque mondiale, juillet 2020, p 2.
لكن ومع األسف ورغم كل هذه الجهود املبذولة من طرف الدولة ،كان هناك تدبير
غير معقلن لهذه الجائحة وبالضبط من حيث توزيع املساعدات املمنوحة من طرف
صندوق كورونا للفئات املعنية بها ،حيث تم صرف مبالغ طائلة وجهت في كثير من األحيان
لجهات تستحقها نظرا لتأزم وضعيتها املالية في فترة كورونا ،لكن في أحيان عديدة استفادت
جهات أخرى ال تستحق هذه التعويضات املقدمة لها من طرف هذا الصندوق.
فاملشكل ليس في الدولة بل في بعض السلطات املحلية التي لم تفرز الطبقات التي
تستحق هذه املساعدات ،بل ذهبت هذه اإلعانات إلى أطراف أو جهات غير معروفة بتاتا
الش يء الذي نتج عنه ضياع هذه األموال ،مما أدى ببعض الطبقات التي لم تستفد من
هذه اإلعانة املقدمة لها من طرف صندوق كورونا إلى تقديم تظلم للسلطات املحلية املعنية
إن ما صاحب توزيع املستحقات املالية املمنوحة من طرف صندوق كوفيد ،83هو
غياب الرؤية الواضحة لبعض السلطات املحلية التي غفلت تماما عن الطبقات الفقيرة
واملعوزة والتي هي في أمس الحاجة ملثل هذا املبلغ املالي ،لهذا كان عليها أن تقوم بعملية
فرز دقيقة لألشخاص الذين يحتاجون هذه املساعدات لتجاوز هذه الجائحة بأقل
وعلى الرغم من قيمة هذه املبالغ املالية التي وزعت على األسر أو على الطبقات
العاملة بمختلف أشكالها وأصنافها ،فإن تداعيات أزمة كورونا ال زالت تخيم على هذه
الطبقات التي عانت وال زالت تعاني لحد الساعة من غياب دخل قار يضمن لها مستوى
معيش ي أفضل.
إن ما قامت به الدولة املغربية ملواجهة وباء كوفيد 83على جميع األصعدة ،له دليل
على حرص املغرب ملكا ،وشعبا ،وحكومة ،على الخطورة التي تحدق بالبالد من جراء هذه
الجائحة التي لم يشهد لها العالم مثيال ،فضرورة املوقف ألزمت على الجميع االنخراط
الفعلي والتحلي بروح املواطنة للخروج من هذه األزمة بأقل الخسائر املمكنة.
فمعاناة العالم من وباء كوفيد 83شكلت تحديا حقيقيا لدول العالم من حيث
الحقوق وااللتزامات املكفولة دوليا ملواطنيها ،وهذا ما ينطبق فعال على املغرب الذي ما فتئ
في تدبير هذه املرحلة الراهنة بكل إمكانياته ووسائله معتمدا على نفسه في املقام األول ،كما
عمل على تسخير جهوده لحماية البالد من الوقوع في كارثة إنسانية ،باإلضافة إلى ذلك
ساهم في إخراج صندوق كورونا للوجود ليكون بديال ومعينا لألسر املعوزة.
جاء في ديباجة دستور 7088للمملكة املغربية " 819كون األمن بمفهومه االستراتيجي،
قد غدا تحديا عامليا ،"...من هنا تظهر لنا األهمية التي يحظى بها األمن داخل أي منظومة
دولية ،فأساس االستقرار واألمان هو وجود جهاز أمني فعال وناجح على جميع األصعدة.
-819كريم لحرش ،الدستور الجديد للمملكة المغربية شرح و تحليل ،سلسلة العمل التشريعي و االجتهاد القضائي (،)2
توزيع مكتبة الرشاد سطات ،طبعة ،2062ص .60
واملغرب كغيره من دول العالم يولي اهتماما بليغا للمنظومة األمنية باعتبارها الضامن
الوحيد لحماية املواطن من أي تهديد يمس حياته ،هذه الضمانة التي تجد سندها القانوني
في املمثل األسمى ورئيس الدولة وأمير املؤمنين جاللة امللك محمد السادس نصره هللا وأيده.
وقد شهد الجهاز األمني ببالدنا عدة تحوالت ساهمت بشكل كبير في إضفاء دينامية
جديدة على هذه املؤسسة ،كما أن العناية املولوية التي يوليها امللك محمد السادس لقطاع
األمن تبرهن مكانته ودوره الحقيقي ،كآلية وقائية وحمائية تحارب الجريمة بمختلف
أشكالها وتحافظ على بقاء هبة الدولة ومكانتها داخل اإلطار الشرعي لها.
كما أن األعمال التي يقوم بها هذا الجهاز والتي تعد من واجباته الوطنية ،على مر
التاريخ املغربي لهي خير برهان على التضحيات التي يقوم بها نساء ورجال األمن كل من
موقع مسؤوليته ،فالواجب الوطني واألمانة التي تربى عليها رجل األمن توجب عليه العمل
وكعادته ،ال يتخلف جهاز األمن عن القيام بواجبه عندما تستدعيه الضرورة امللحة
لذلك ،فعندما احتاجت الدولة للمؤسسة األمنية بمختلف أطرها عند تفش ي وباء كوفيد
،83لبى األمن نداء رئيس الدولة صاحب الجاللة امللك محمد السادس للقيام بما تتطلبه
فحينما أعلنت الحكومة عن فرض حالة الطوارئ الصحية بعموم البالد في شهر
مارس ،7070عهد إلى تطبيقه وتنزيله على أرض الواقع لجهاز األمن باعتباره صاحب
االختصاص في مثل هذه القضايا ،حيث عملت مختلف األجهزة األمنية ليال نهارا على تطبيق
مرسوم حالة الطوارئ الصحية بشكل يضمن عدم تفش ي الوباء في عموم البالد.
ومن بين الخطوات التي لجأت إليها املؤسسة األمنية املمثلة في مديرها العام السيد
عبد اللطيف الحموش ي ،ملواجهة هذه الجائحة هي تقييد حركة التنقل في عموم البالد،
حيث أصبح ضروريا حصول الشخص على رخصة للخروج من منزله لقضاء مستلزماته
مسلمة له من طرف السلطة املحلية ،كما تم تقييد حركة التنقل بين املدن إال في حالة
كما شملت اإلجراءات التي اعتمدها املغرب ملواجهة وباء كورونا ،مثل تعليق التعليم
الخاص والعام وحظر السفر والتجمعات الكبيرة ،باإلضافة إلى إغالق املقاهي واملطاعم
وتعليق الصالة في املساجد ،حيث فسرت هذه الخطوات بأنها تعد انتهاكا لحقوق املواطنين،
إال أن هناك استطالع للرأي العام أجراه املعهد املغربي لتحليل السياسات في مارس وهو
مركز أبحاث مستقل مقيم في الرباط ،بأن غالبية املواطنين يؤيدون الخطوات االستباقية
كما عملت املديرية العامة لألمن الوطني على تزويد عناصرها في نقاط املراقبة
بتطبيق الكتروني على هواتفهم الذكية ،820من أجل ضبط تنقالت املواطنين وزجر كل
اإلجراءات املعمول بها من طرف رجال الشرطة ،لذا كان البد من تشديد املراقبة عليهم في
ونعتقد أن تغليب مفهوم األمن على مفهوم الحرية يبقى واردا في بعض األحيان ،ولعل
السبب في ذلك راجع باألساس إلى انتشار وباء كوفيد 83في العالم بشكل مخيف مع تطور
اهتمام الناس بخطورته ،821لذا كان على الدول ومن ضمنها املغرب تغليب املقاربة األمنية
في هذه الوضعية لحماية البالد من االنزالق في مستنقع وباء كوفيد .83
إن الفوض ى التي خلفتها كورونا والفزع الذي نتج عنها ،أكسبت رجال الشرطة مكانة
رفيعة ومتميزة في نفوس املغاربة سواء بالداخل أو بالخارج ،كونهم يضحون بأنفسهم
ويواجهون هذا الوباء في الصفوف األمامية ويقومون بما تتطلبه منهم مصلحة الوطن،
وهذا ليس بجديد على املؤسسة األمنية ببالدنا فمنذ تأسيسها وهي تأخذ على عاتقها حماية
أمن الوطن.
أيضا ال ننس ى ما قام به املدير العام لألمن الوطني ،الذي رفع من مكانة هذه املؤسسة
داخليا وخارجيا،وأعطى أهمية كبرى لرجل الشرطة ملا يمثله هذا األخير داخل منظومة
األمن الوطني ،حيث أصبح لدينا جهاز أمني متطور يواكب كل املستجدات ويعمل بدينامية
- 821المندوبية السامية للتخطيط ،تطور سلوك المغاربة تجاه جائحة كوبيد – ،69المرحلة الثانية من البحث حول تأثير فيروس
كورونا على الوضع االقتصادي و االجتماعي و النفسي لألسر ،2020 ،ص .2
وبالفعل ،اليوم أصبح لدينا جهاز أمني ناجح على جميع املستويات ،يستطيع مواجهة
كل املخاطر والتحديات التي تهدد أمن وسالمة املواطنين ،وأبسط مثال يدل على هذه
النجاعة األمنية التي تحظى بها بالدنا ،هي القدرة واملهنية التي تحلى بها رجال الشرطة خالل
جائحة كورونا ،حيث تم تغييب املصلحة الشخصية لرجل األمن وأضحت املصلحة
الوطنية فوق كل اعتبار ،وتم العمل بمبدأ نكران الذات وأن الواجب املنهي لرجل الشرطة
وحتى جهاز األمن لم يسلم هو أيضا من جائحة كورونا ،حيث تعددت اإلصابات في
صفوف األمن من والية إلى أخرى ،ال سيما وأن رجال الشرطة يقفون في الصفوف األمامية
ملواجهة هذا الوباء بكل تجرد ومسؤولية ونزاهة ،لهذا كان البد للمديرية العامة لألمن
الوطني من توفير الحماية الالزمة لرجل الشرطة ،ليكون في منأى من تهديد هذا الوباء له
إن املؤسسة األمنية اليوم وبالخصوص جهاز االستخبارات في الدول املتقدمة ،أضحى
نموذجا في االبتكار واالختراع الخاص بمجال األوبئة ،فقد تم إنشاء الهيئة املتخصصة في
جمع املعلومات عن األوبئة في الواليات املتحدة األمريكية ،مهمته األساسية تنحصر في
الجانب الوقائي والتصدي ألي تهديدات خارجية تهدد الشعب األمريكي ،و هذا ما ينقصن
الدول العربية والتي ال تمتلك مثل هذه املراكز العلمية عالية املستوى ،فنتمنى من
املؤسسات االستخباراتية ببلدنا أن تأخذ بعين االعتبار بمثل هذه املراكز التي دعت الضرورة
وإذا كان جهاز األمن الوطني انخرط بكل مكوناته للتصدي لتداعيات وباء كوفيد 83
التي أضرت باملغرب من كل النواحي ،فإننا ال ننس ى أيضا دوره املهم في تثبيت األمن في ربوع
البالد و الضرب على أيدي املخالفين الذين ساهموا بشكل أو بأخر في املساس بحقوق
املواطنين ،وذلك عن طريق تقديمهم للقضاء حتى يقول كلمته األخيرة في حق كل مخالف
تعتبر الجريمة ظاهرة عاملية منذ ظهور البشرية على سطح األرض ،حيث تختلف هذه
األخيرة من وقت إلى آخر معتمدة في ذلك على التطور والتقدم الحاصل بفعل اإلنسان،
الش يء الذي نتج عنه ظهور أصناف جديدة من اإلجرام ساهمت بشكل مباشر في إلحاق
لهذا كان على املجتمعات إيجاد الحلول املمكنة للتصدي ألي جريمة كيفما كان
شكلها ،وهذا ما عمل عليه املغرب من خالل اعتماده على مقاربة قانونية تمكن املجتمع
من ضمان أمنه الداخلي ،والعيش في بيئة يسود فيها القانون والعدل لكل أطياف الشعب.
وستنحصر هذه الدراسة على تناول الجريمة في ظل الحجر الصحي في الفقرة األولى،
ثم نخصص الفقرة الثانية لتناول املحاكم املغربية ملثل هذه الجرائم في فترة الحجر الصحي.
عرف املشرع املغربي مفهوم الجريمة في الفصل 880من القانون الجنائي بقوله" 822
الجريمة عمل أو امتناع مخالف للقانون الجنائي ومعاقب عليه بمقتضاه " ،من خالل هذا
التعريف يظهر لنا أن املشرع الجنائي كان حريصا على إعطاء تعريف دقيق ملفهوم الجريمة
يحيط بجميع الجوانب املوضوعية التي تؤدي باإلنسان الرتكاب فعل مخالف للقانون.
كما أن هناك مفهوم اجتماعي للجريمة منصوص عليه في الفصل األول من القانون
الجنائي ،الذي جاء فيه " يحدد التشريع الجنائي أفعال اإلنسان التي يعدها جرائم بسبب
ما تحدثه من اضطراب اجتماعي ويوجب زجر مرتكبيها بعقوبات أو تدابير وقائية " ،وبالتالي
وبالتالي يمكننا أن نعرف الجريمة بأنها ظاهرة اجتماعية تؤدي باإلنسان إلى ارتكاب
فعل مخالف للقانون أو معاقب عليه بمقتضاه ،أو أن يمتنع هذا الشخص عن تنفيذ أمر
أوجبه القانون وعاقب على من تركه عمدا دون عذر مقبول منه.
وعليه فالجريمة تبقى مرتبطة باإلنسان كارتباط الجسد بالروح ،وهي تتغير باستمرار
بفعل تغير اإلنسان معها نتيجة ظهور عدة عوامل أدت بها إلى سلوك هذا املسار ،ومن بين
-822دار اإلنماء الثقافي ،قانون المسطرة الجنائية و القانون الجنائي وفق آخر التعديالت ،سلسلة المعرفة القانونية للجميع،
الطبعة الثانية ،2061 ،ص .281
-823نور الدين العمراني ،شرح القسم العام من القانون الجنائي المغربي ،مطبعة وراقة سجل ماسة الزيتون مكناس ،الطبعة
،2065ص .49
هذه العوامل التي ساهمت بشكل كبير في ازدياد أو انخفاض معدل الجريمة باملغرب ،هو
وباء كورونا الذي مثل تحديا كبيرا لسياسة الجنائية ببالدنا من منطلق النهج املتبع في
إن القول بأن معدل الجريمة انخفض في املغرب في زمن وباء كوفيد 83ليس بالكالم
الصحيح ،على اعتبار وجود حجر صحي مطبق من طرف الدولة والذي يحد من حرية
التنقل والتجول في عموم املغرب ،كما أن عناصر الشرطة أصبحت مستنفرة ليال نهارا
ومركزة في الشوارع واألزقة ،الش يء الذي يصعب معه للمجرم أن ينفذ جريمته وهو في
ظروف عادية ،أيضا ال ننس ى أن حتى العنصر البشري الذي سيكون مستهدفا بالجريمة
نحن ال نبخس عمل عناصر الشرطة ال في زمن كورونا أو في الحالة العادية ،بل يبقى
األمن الذي تنعم به البالد هو من أكبر التضحيات التي يقوم بها جهاز الشرطة في تكريس
الطمأنينة واألمان لكافة املواطنين ،لكن مفهوم األمن الذي يطبقه رجل الشرطة في زمن
كورونا ليس بمفهوم األمن املعمول به من طرف هذه عناصر في الظروف العادية.
ثم إن الحكم بارتفاع معدل الجريمة أو انخفاضها في زمن الجائحة ،ال يوصلنا إلى
النتيجة الحقيقية وهي هل الجريمة مستقرة أم متغيرة؟ لكون السبب الحقيقي في معرفة
معدل نمو الجريمة باملغرب هو اإلنسان ،وما ينتج عنه من أعمال وأفعال تؤذي به إما
فقد أشار التقرير السنوي للمجلس االقتصادي واالجتماعي والبيئي لسنة ،7087أن
معدل اإلجرام باملغرب قد تزايد بشكل كبير للغاية ،حيث بلغت عدد االعتقاالت التي قامت
بها قوات األمن حوالي 477.332اعتقال ،أي بمعدل 79في املائة مقارنة مع ،7082مما يدل
على أن معدل نمو الجريمة في املغرب أصبح في ارتفاع سنة بعد سنة.
وحسب تقرير مؤشر األمن العاملي لسنة ،8247082فقد كلفت الجريمة والعنف
اقتصاد املغرب حوالي 7,7في املائة من ناتجه الداخلي الخام لسنة 7087أي بمعدل 221
دوالرا للفرد الواحد ،الش يء الذي يدل على أن الجريمة تؤثر على اقتصاد املغرب بطريقة
خطيرة للغاية إذا لم تكن هناك حلول جذرية ملعالجة الظاهرة اإلجرامية ببالدنا.
إن القضاء على الجريمة وصورها من املغرب ال يمكن أن يكون رهين وضعية أو فترة
زمنية أو فيروس ما ،بل ال بد لنا من وضع سياسية جنائية متكاملة تراع الجانب االقتصادي
واالجتماعي والقانوني ،وتغلب الجانب الوقائي على الجانب الزجري من خالل دعم
العقوبات البديلة ودعم املبادرة الوطنية للتنمية البشرية ،حتى يكون هناك توازن بين
الجريمة والظروف املسببة لها ،وإال فإننا سنكون أمام سياسة تشريعية تشرعن لإلجرام
ويبقى الخوض في مسألة انخفاض الجريمة باملغرب في فترة وباء كوفيد ،83عارية من
الصحة تماما ألن القياس على ارتفاع معدل الجريمة من انخفاضه ال يعمل به في حالة
الطوارئ كيفما كان شكلها ،لسبب أن الجريمة تحكمها متغيرات وظروف هي التي تكون
السبب املباشر في ارتكابها ،لهذا فإننا نعتبر بأن الجريمة ولو شهدت انخفاضا تدريجيا
فالسبب يعود لوجود رجل الشرطة في كل مكان وزمان أثناء فترة الحجر الصحي ،وبالتالي
إن واقع الجريمة باملغرب يبقى كغيره من دول العالم إذا لم تكن هناك حلول واقعية
ملعالجة الجريمة ،حيث ظهر في املغرب نوع خاص من اإلجرام وهو ليس بجديد بل تضاعف
أثناء فترة الحجر الصحي ببالدنا ،أال وهو العنف األسري الذي يحتضنه بيت الزوجية وتكون
حيث صدر تقرير عن األمم املتحدة بمشاركة 83جمعية نسائية والذي يحمل
" العنف ضد النساء والفتيات في أوقات األزمات ...تجربة الحجر الصحي في عنوان825
املغرب" والذي توصل إلى أن النساء اللواتي لهن أوالد هن أكثر تعرضا للعنف من اللواتي
ليس لهن أوالد ،وهذا أمر طبيعي والسبب في ذلك هو بقاء الرجل في املنزل كل الوقت ،مما
يؤدي إلى وجود مشاحنات وصراعات داخلية بين األزواج النعدام ثقافة الحوار والتفاهم
فيما بينهم.
كل هذا كان نتيجة الضغوطات النفسية 826التي تعرضت لها األسرة بأكملها ،مما أدى
بأفرادها إلى تفريغ هذه الشحنات السلبية إما بين األزواج فيما بينهم أو حدوث صدمات
-825تقرير البحث العلمي التكميلي ،انعكاسات جائحة كوبيد 69-على العنف ضد النساء بالمغرب ،يونيو ،2020ص .0
- 826يعتبر الضغط النفسي بمثابة صيرورة تظهر حينما تتجاوز معطيات الوضعية االجتماعية قدرات الفرد الكيفية ،كما أنها حالة من
الالتوازن بين معطيات الواقع االجتماعي و مؤهالت الفرد وقدراته.
-مصطفى أوسرار و عبد هللا أزور ،استراتيجيات مواجهة الضغوط النفسية في وضعية الحجر الصحي ،النشر العلمية ،عدد 06ماي
،2020الصادرة عن خلية الدعم النفسي عن بعد كوبيد ،69-ص .0
بين األطفال و اآلباء خصوصا وأنهم يعيشون في بيت واحد ،وبالتالي كان البد من وجود
إستراتجية ملواجهة الضغوط النفسية التي تتعرض لها األسرة خالل فترة الحجر الصحي
ببالدنا ،تتجلى من خالل تغيير مصدر الضغط و التوتر الناتج عن وباء كوفيد 83-واستبداله
بطاقة ايجابية تكون هي البديلة ملواجهة أثار وباء كوفيد 83-على الشخص.
إن مفهوم الجريمة ال يتغير في أي بلد سواء كان متقدما أم متأخر ،ألن العنصر
البشري هو العامل املباشر في حصول هذه الجريمة في أي مكان أو زمان ،وبالتالي فان
حقيقة الجريمة ال ترتبط بظروف أو أزمات معينة بل إن مستوى اإلجرام قد يزيد عن شكله
التقليدي ،بسبب أن اإلنسان يبقى دائما مستعد الرتكاب أي جريمة كيفما كانت وهذا راجع
باألساس إلى بنيته البيولوجية ،ويبقى القول بأن وباء كوفيد 83قلص مستوى الجريمة
ليس في محله ألن وجود اإلنسان في الحياة ينتج عنه وجود الجريمة.
بعد تفش ي وباء كورونا باملغرب وتفاديا النتشار هذا الوباء بين صفوف هيئة القضاء،
كان البد من وقف النظر في جميع القضايا املعروضة على املحاكم حفاظا على صحة
وسالمة املواطن املغربي ،لذا نجد أن القضاء ببالدنا اعتمد تقنية املحاكمة عن بعد لعدم
تعطيل مصالح الناس التي تبقى مرهونة بصدور حكم قضائي مؤيد أو معارض لقضاياهم.
الحجر الصحي ،إال أن املسالة تبقى متعلقة إلى حد ما في كيفية الخوض في هذه الجرائم
من الناحية القانونية ،أي ما هو التكييف القانوني ملثل هذه الجرائم املرتكبة في زمن
إن املتتبع لألحكام الصادرة عن املحاكم املغربية يجد بأنها لم تجانب الصواب في
كيفية النظر في الجرائم املحالة عليها ،أي أنها نظرت إلى هذه الجرائم على أنها تهديد لألمن
الداخلي وكونها ارتكبت في فترة الحجر الصحي ،الش يء الذي يخرجها من اإلطار العادي
للجريمة إلى املسار الضيق من الناحية القانونية وتفسيرها تفسيرا مغايرا ال يراعي للجاني
حيث ذهبت بعض املحاكم املغربية إلى تفسير جنحة السرقة املرتكبة في فترة الحجر
الصحي بكونها تعد جناية ،معتمدة في ذلك على اقتران جنحة السرقة على ظرف مشدد
للعقوبة وهو وقوعها في زمن الكارثة ،وذلك استنادا على الفصل 280من القانون الجنائي
وبضبط الفقرة الخامسة منه التي جاء فيها " ارتكاب السرقة في أوقات الحريق أو االنفجار
أو االنهدام أو الفيضان ،أو الغرق أو الثورة أو التمرد أو أية كارثة أخرى ".
وقبل أن نناقش حكم محكمة القنيطرة من الناحية القانونية البد علينا أوال تعريف
معنى الكارثة ،وقد جاء في لسان العرب أن مصطلح الكارثة يعني كرثه األمر يكرث هو يكرثه
أما تعريف مفهوم الكارثة من الناحية االصطالحية فهي التحول املفاجئ غير املتوقع
في أسلوب الحياة العامة بسبب ظواهر طبيعية أو من فعل اإلنسان ،تتسبب في العديد من
وحتى نعتد بأن هذا الش يء كارثة أم ال البد من وجود سمات لها مثل:
-إذا ما حدثت الكارثة فإنها تترك خسائر جسيمة في الجوانب املادية والبشرية
-الكارثة قد يكون سببها اإلنسان إما عمدا أو إهماال ،وقد ترجع إلى غيره.828
من خالل ما سبق يمكننا أن نعرف مفهوم الكارثة بأنها عبارة عن ش يء غير مألوف،
قد يكون حدث طبيعي أو اصطناعي أو بيئي يؤدي إلى التقليص من الحركة البشرية على
جميع األصعدة سواء االجتماعية أو االقتصادية ،مما تضطر معه الدولة إلى اتخاذ جميع
أما برجوعنا إلى الحكم الصادر عن املحكمة االبتدائية بالقنيطرة والذي قض ى بأن
جنحة السرقة املقترفة من طرف شخصين ،متهمين بسرقة كبش من أحد الرعاة بمشاركة
أحد األشخاص الذي اشترى منهم هذا الكبش بمعية شخص رابع كان مع املشتري عند
القيام بعملية الشراء،يعد جناية وليس جنحة القترانه بظرف مشدد للعقوبة ،وهو وقوع
-827محمد حمزة محمد صالح ،الكوارث الطبيعية في بالد الشام و مصر( 922-596ه = 6468-6098م ) ،لرسالة لنيل
شهادة الماجستير في التاريخ اإلسالمي ،الجامعة اإلسالمية– غزة ،عمادة الدراسات العليا كلية اآلداب قسم التاريخ و اآلثار،
السنة الجامعية ،2060-2009ص .2
-828محمد حمزة محمد صالح ،المرجع السابق ،ص .5
هذه السرقة في فترة الحجر الصحي أو بمعنى أخر ارتكاب السرقة في فترة كارثة تجتاح البالد
طبقا ملضمون الفصل 829280من القانون الجنائي ،حيث توبع األشخاص الثالثة في حالة
إن التكييف القانوني الذي أعطاه القاض ي الجنائي لهذه النازلة يخرج الفصل 280
من مضمونه األصلي ،حيث إذا رجعنا للنص الفرنس ي األصلي نجده أنه استعمل عبارة
» «tout autre troubleالتي تبين التعداد أي املراحل التي تخرج الفعل من جنحة إلى
جناية ،كما أن الترجمة الحرفية للفقرة توحي بمعنى آخر " ارتكاب السرقة في أوقات الحريق
أو انفجار أو االنهدام أو الفيضان ،أو الغرق أو الثورة أو التمرد أو أي اضطراب آخر ".830
وبالتالي فان عبارة "كارثة" التي جاء بها الفصل الجنائي املغربي غير دقيقة من ناحية
الترجمة ،لكون الفصل الجنائي الفرنس ي جاء واضحا في هذه املسألة من حيث استعماله
عبارة " اضطراب آخر" وليس عبارة كارثة التي وظفها املشرع املغربي ،وهذا ما يدفعنا إلى
القول بأن محكمة القنيطرة التي بثت في هذه القضية حرفت النص الجنائي عن معناه
الحقيقي ،وأولت أو فسرت النص الجنائي لغير صالح املتهم أو غيبت مبدأ شرعية العقوبة،
-829نور الدين العمراني ،شرح القانون الجنائي الخاص المغربي ،مطبعة وراقة سجل ماسة الزيتون ،مكناس ،الطبعة
،2065-2062ص .250
article 510 du code pénal français :-830
« si le vol a été commis au cours d’un incendie ou après une explosion, un effondrement, une
inondation, un naufrage, une révolte, une émeute ou tout autre trouble ».
وبالرجوع إلى النصوص القانونية األخرى نجدها أنها توظف عبارة " كارثة" ،حيث
نص الفصل 703من القانون الجنائي على هذه العبارة " ...وذلك في حالة حادثة أو
اضطراب أو غرق أو فيضان أو حريق أو أي كارثة أخرى "...كما تطرق الفصل 220من
قانون االلتزامات والعقود لهذه العبارة " ...إذا كان سبب الحادثة أو الكارثة راجعا إلى
ومن هنا نتساءل عن دور القضاء املغربي في تغييب هذه العبارة عن أحكامه الصادرة
عنه ،أال يمكن القول بأن استعمال هذه العبارة في زمن كورونا لم يكن مناسبا لعدة
اعتبارات ،من بينها أن هذا املصطلح موجود في عديد من النصوص القانونية األخرى وإذا
تم توظيفه في األحكام القضائية فإننا سنعيش كل يوم كوارث وليس كارثة واحدة.
ورغبة من املشرع املغربي في وضع تعريف موحد لعبارة " كارثة" ضمن منظومته
القانونية ،نجد أنه تطرق إليها ضمن قانون رقم 880.84الخاص بإحداث نظام لتغطية
الوقائع الكارثية الصادر في ،7087الذي أشار في مادته 9إلى تعريف مفهوم الكارثة بقوله "
كل حدث تنجم عنه أضرار مباشرة في املغرب ويرجع السبب الحاسم فيه إلى قوة الفعل
وعليه فان التشريع املغربي تدرج على استعمال هذا املفهوم لعدم إفالت أي حالة
يمكن أن تؤدي إلى حصول أضرار جسيمة تمس باألشخاص واملمتلكات ،لذا نجد أن املشرع
يعدد الحاالت التي يمكن أن تسبب الفعل ألجرمي ،وتفاديا إلغفال أي واقعة أخرى قد
تكون سببا مباشرا في حصول فعل يضر باملجتمع ،يأتي بعبارة في األخير تدل على العناصر
التي لم يتم إدراجها في النص القانوني رغبة منه في عدم اإلفالت من العقاب.
فاملشرع املغربي يحرص تمام الحرص على عدم وجود أي ثغرة في النص القانوني
وبالخصوص النص الجنائي ،اهتماما منه في عدم ترك مؤسسة القضاء في الوقوع في أي
لبس أو شك يؤثر على مصداقية أحكامها ،لذا نجده يمنع القاض ي الجنائي من عدم تفسير
النص الجنائي أو تأويله لغير ما نص له ،بل تطبيقه كما هو صادر عن املؤسسة التشريعية.
ويبقى الحكم الصادر عن محكمة القنيطرة حدثا تاريخيا ومحطة مهمة في املسار
القضائي باملغرب ،فالقضاء كان دائما في خدمة العدالة ونبراسا للوصول للحقيقة املضللة
في قاعات املحكمة ،إال أننا اليوم نشاهد حكما قضائيا أخرج الجريمة من إطارها العادي
ووضعها في حلقة ضيقة معتمدا في ذلك على النص القانوني ،الذي فهمه من جانب وغابت
عنه جوانب أخرى وحمل املتهم وغيره فعال جرميا أكبر من الجريمة نفسها.
إن الغلط الذي وقعت فيه املحكمة االبتدائية بالقنيطرة جاء نتيجة الخلط بين
مفهوم الكارثة وكورونا ،حيث اعتبرت املحكمة بأن وباء كوفيد 83يعد كارثة رغم أن املعايير
التي يمكن االعتماد عليها للقول بأن هذا الوباء يعد كارثة بعيدة كل البعد ،فالكارثة إذا
حلت ببلد ما فإنها تشل جميع مقومات الحياة وال يمكن العيش فيها ألنها تعد بالدا منكوبة،
إذن أين نحن من هذا الوباء الذي تحاول الدولة السيطرة عليه ،بموازاة مع ذلك تبقى
مؤسسات الدولة في خدمة املواطن ونحن نعيش اليوم انطالق عملية التلقيح تحت الرعاية
ونعتقد في األخير أن على املحكمة االبتدائية بالقنيطرة أن تبقي فعل السرقة في حدود
الجنحة ،لكون الوضعية التي تمر بها البالد ساهمت إلى حد كبير في تضرر فئات كثيرة من
الناس بهذا الوباء ،فرغم الظروف القاسية التي يعيشها املواطن املغربي إال انه يحترم
القانون وكان سندا وجنبا إلى جنب مع جميع املؤسسات سواء األمنية أو القضائية أو
العسكرية ملحاربة وباء كوفيد 83باملغرب ،وبالتالي فالقانون أو القضاء أو األمن كلها
مؤسسات أوجدتها الدولة لخدمة الشعب وصون كرامته والتعامل معه في حدود القانون
وتبقى تداعيات وباء كوفيد 83الذي يجتاح العالم تتواصل ليومنا هذا ،حيث
تضررت جميع القطاعات من هذه الجائحة بدون استثناء ،كل هذا كان له االنعكاس
السلبي على املواطن املغربي الذي عان هو أيضا من هذا الوباء ،فرغم قلة املوارد املالية أو
البشرية للدولة إال أن هذه األخيرة واجهت هذه الجائحة بكل إمكانياتها املحدودة ،وقد
نجحت الدولة إلى حد ما في تجنيب املغرب في الوقوع في كارثة صحية و اقتصادية ...تكون
الئحة املراجع:
بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية و إجراءات اإلعالن عنها ،منشور في الجريدة
وزارة الصحة ،مشروع النجاعة في األداء امللحق بمشروع امليزانية الفرعية لوزارة
و االجتماعية لفيروس كورونا " كوبيد "83 -و السبل املمكنة لتجاوزها ،إحالة رقم
.7070/71
كريم لحرش ،الدستور الجديد للمملكة املغربية شرح و تحليل ،سلسلة العمل
املندوبية السامية للتخطيط ،تطور سلوك املغاربة تجاه جائحة كوبيد – ،83
املرحلة الثانية من البحث حول تأثير فيروس كورونا على الوضع االقتصادي و االجتماعي و
متطابقتين لتحقيق غاية مشروعة ،ومن أجل إبرام عقد طبي البد من أن تلتقي إرادة
الطبيب وإرادة املريض الذي يطلب العالج ،لذا فإن هذا العقد ال يتم انعقاده من دون
هاتين اإلرادتين .831وبذلك فإن األصل في العقد الطبي أن العقد شريعة املتعاقدين ،طبقا
للفصل 790من قانون االلتزامات والعقود .الذي جاء فيه أن االلتزامات التعاقدية املنشأة
على وجه صحيح تقوم مقام القانون بالنسبة إلى منشئها ،وال يجوز إلغاؤها إال برضاهما
معا أو في الحاالت املنصوص عليها في القانون .وتبعا لذلك فإن عالقة الطبيب باملريض
ليست سوى تطبيق لهذه القاعدة فكما أن املريض حر في اختيار طبيبه ،فإن الطبيب
-831جابر محجوب علي ،دور اإلرادة في إبرام العقد الطبي ،مؤسسة الطباعة الفنية والنشر ،دار النهضة العربية -القاهرة،
،1001ص.06:
-832المصطفى الغشام الشعيبي ،العقد الطبي ،دار السالم للطباعة والنشر والتوزيع –الرباط ،الطبعة األولى ،0316ص.20 :
إال أن هذا العقد الطبي على أعلى درجة من درجة الثقة املتبادلة بين طرفيه ،بل إن
هذه الثقة هي أفضل وسيلة لتحقيق الهدف املشترك لطرفي هذا العقد ،لكن هذا ال يعني
أن الثقة هي الصفة الوحيدة التي يختص بها العقد الطبي بل تالزمها صفة أخرى أال وهي
االعتبار الشخص ي الذي يقوم عليه العقد الطبي ،فالطبيب ال يفرض على املريض شروطا
من أجل تقديم خدماته الطبية ،واملريض ال يفرض على الطبيب شروط أخرى ملعالجته،
كل هذا يقودنا إلى مبدأ أساس ي يقوم عليه العقد الطبي أال وهو حرية الطبيب في اختيار
وتستند املوافقة في العالقة بين الطبيب واملريض على مبدأ استقاللية اإلرادة في القانون
الفرنس ي كما في القانون األمريكي .ونتيجة لذلك يمكن للمريض أن يختار بحرية طبيبه الذي
بدوره حر ،باستثناء حاالت االستعجال ،لعالجه أو عدم عالجه .ويتم تقدير الحصول على
موافقة املريض بطريقة مماثلة في هذين القانونين ،ومع ذلك ،يترك القانون األمريكي مزيدا
ولكن هل يطبق هذا املبدأ على إطالقه ،أم أن هناك من القيود واالستثناءات التي
تحد منه؟
-833زينة غانم يونس العبيدي ،إرادة المريض في العقد الطبي -دراسة مقارنة ،دار الكتب القانونية ،مطابع شتات -مصر،
،0311ص.17:
834
- Géraldine Salem, contribution l’étude de la responsabilité médicale pour faute en droits
français et American, thèse pour obtenir le garde de doctorat en droit, université paris VIII
Vincennes-saint dénis, 2015, p: 66.
مما الشك فيه أن لكل أصل استثناء ،فإذا كان األصل أن للطبيب الحرية في اختيار
مرضاه فإن هذه الحرية ليست مطلقة وإنما هناك استثناءات ترد عليها ،وباملقابل إذا كان
األصل للمريض الحرية في اختيار طبيبه فإن حريته هذه هي األخرى ليست مطلقة فهناك
استثناءات ترد عليها أيضا .استنادا إلى ما تقدم ،ومن أجل اإلملام بهذا املوضوع ارتأينا
تسليط الضوء على حرية الطبيب في اختيار مرضاه واالستثناءات الوارد عليها في (املبحث
األول) ،وحرية املريض في اختيار طبيبه واالستثناءات الوارد عليها في (املبحث الثاني).
األصل أن قيام العالقة بين الطبيب واملريض في إطار عقدي يتطلب أن يكون الطبيب
حر في اختيار من يتعاقد معه ،وتبعا لذلك يكون له الحق في رفض التعاقد مع مريض
معين ،أيا كان الدافع وراء هذا الرفض .835وهذه القاعدة ليست في الواقع سوى تطبيق
ملبدأ حرية التعاقد الذي يعني في شق منه أن كل فرد حر في أن يتعاقد أم ال ،كما أنه حر
في اختيار الشخص الذي يتعاقد معه .فكما أن املريض حر في اختيار طبيبه ،كذلك يكون
من حق الطبيب اختيار مرضاه ،836إذ تبقى للطبيب مطلق الحرية في قبول أو رفض تلبية
طلب مريض للعالج .837وإذا كان األصل هو أن للطبيب الحق والحرية في اختيار مرضاه
835
- René Savatier, Jean-Mary Auby, Henri Péquignot, Jean Savatier, traité de droit médical, éd
librairies techniques, paris 1956, p: 231.
-et Jean Penneau, la responsabilité médicale, éd sirey, 1977, p: 20.
-836منصور مصطفى منصور ،حقوق المريض على الطبيب ،مقال منشور بمجلة الحقوق والشريعة ،السنة الخامسة ،العدد
،0يونيو ،1011ص.12 :
-837أحمد ادريو ش ،العقد الطبي دراسة تحليلية وتأصيلية للمقتضيات القانونية المؤطرة للعالقة بين الطبيب وزبونه ،مطبعة
األمنية -الرباط ،منشورات سلسلة المعرفة القانونية ،الطبعة الثانية ،0316-0312ص.66 :
والتعاقد معهم (املطلب األول) ،فإن ذلك ليس على إطالقه ،إذ يرد على هذا األصل بعض
االستثناءات التي تقيد حرية الطبيب وإرادته في هذا املجال( 838املطلب الثاني).
من املتعارف عليه أن األطباء وحدهم لهم الحق في ممارسة مهنة الطب ،فلهم استئثار
علمي وقانوني فيما يتعلق بمزاولة املهنة ،فاألطباء لهم الحرية في اختيار من يتعاقدون معهم
ولهم الحق في رفض التعاقد مع مريض معين ،وهذا جاء تطبيقا ملبدأ حرية الفرد في اختيار
من يتعاقد معهم .839وفي هذا الصدد نصت املادة 42من قانون 840أخالقيات مهنة الطب
الفرنس ي على أنه مهما كانت الظروف ،فإنه ينبغي ضمان استمرار العناية باملرض ى
وباستثناء الحاالت املستعجلة أو حالة الضرورة أو الحالة التي يقصر فيها الطبيب في القيام
بواجباته اإلنسانية فإن من حقه رفض القيام بأعمال العناية ألسباب مهنية أو شخصية
بالنسبة للتشريع األمريكي فإن وضع الطبيب األمريكي يختلف كثيرا عن حالة الطبيب
الفرنس ي .إذا استطعنا القول إن األخير في وضع دائم لتقديم الرعاية ،فإن الطبيب األمريكي
يتمتع بحرية أكبر في اختياراته وفي إمكانية رفض العالج .إذ تبقى للطبيب ،باستثناء حالة األمر
-838حسام زيدان شكر الفهاد ،االلتزام بالتبصير في المجال الطبي دراسة مقارنة ،دار الجامعة الجديدة ،0310 ،ص.00 :
-839محمد السعيد رشيدي ،عقد العالج الطبي ،دراسة تحليلية وتأصيلية لطبيعة العالقة بين الطبيب والمريض ،مكتبة سيد عبد
هللا وهبة ،القاهرة ،1016ص.06 :
-840المرسوم رقم 1333-02الصادر في 6شثنبر .1002
841
- Géraldine Salem, op. cit, p: 67.
القانوني لرعاية املصلحة ،حرية عدم االمتثال لرعاية الشخص املريض أو املصاب .ويبقى
على األطباء عدم رفض رعايتهم في حاالت االستعجال ،حتى لو لم يتم ضمان أجرهم ،فهذه
مسألة شرف ،وفهم عال للواجب ،وليست التزاما .842وبالتالي فإن الطبيب األمريكي ليس
وبالنسبة للتشريع املغربي فإنه جاء في الفقرة الثانية من املادة 84من مدونة
أخالقيات مهنة الطب 844أنه يمكن للطبيب من جهته أن يرفض تتبع حالة مريض ألسباب
مقبولة مهنية كانت أو شخصية ،ما لم يتعلق األمر بحالة طارئة أو بإخالل بواجب إنساني.
أما الفقرة الثالثة من نفس املادة فقد ألزمت الطبيب عندما يرفض تتبع حالة مريض،
بأن يخبر هذا األخير بذلك وأن يوافي الطبيب الذي يختاره املريض بكل املعلومات الضرورية
أما بالنسبة للتشريع املصري فقد نصت املادة 74من الئحة آداب مهنة الطب
الصادرة عن النقابة العامة ألطباء مصر على أنه في الحاالت غير العاجلة يجوز للطبيب
االعتذار عن عالج أي مريض ابتداء أو في أي مرحلة األسباب شخصية أو متعلقة باملرض ى،
842
-Paul Appleton, Droit Médical, 2éme édition, librairie du monde médical, paris 1939, p: 139.
843
- Géraldine Salem, op. cit, p: 68.
-844مرسوم رقم 0.01.002صادر في 6ذي القعدة 17( 1440يونيو )0301يتعلق بمدونة أخالقيات مهنة الطب ،الجريدة
الرسمية عدد ،7330صادرة 07ذي القعدة 1( 1440يوليوز ،)0301ص.2161 :
-845الئحة آداب مهنة الطب المصرية التابعة لنقابة أطباء مصر ،الصادرة بقرار وزير الصحة والسكان ،رقم 01لسنة ،0330
ص.13:
فمن خالل النصوص القانونية املذكورة أنفا وإن اختلفت في التعبير تبقى متفقة في
املعنى على إعطاء الطبيب الحق والحرية في اختيار مرضاه ،ولكن هل هذه الحرية مطلقة
لإلجابة على هذا السؤال نقول أن الطب ما هو إال وظيفة اجتماعية يتعين بمقتضاها
على الطبيب أن يلتزم بأدائها وفقا ملا تمليه مصلحة املجتمع والحالة اإلنسانية ،وعليه ال
يحق للطبيب أن يمتنع عن تلبية دعوة املريض أو إغاثته ،وال يحق له أن يتخذ موقفا سلبيا
ال يخدم مصلحة املجتمع ،فالتطور االجتماعي اتجه بالنظام القانوني إلى تعزيز فكرة
الوظيفة االجتماعية والتضامن االجتماعي ،فقرر مبدأ حرية الطبيب في اختيار مرضاه ،غير
أن هذا املبدأ ال يبدو مطلقا ،بل وردت عليه استثناءات 846كما سنرى في النقطة املوالية.
كما نعلم أن لكل أصل استثناء ،فإذا كان األصل هو حرية الطبيب في اختيار مرضاه،
إال أن هناك بعض االستثناءات التي ترد على هذا األصل كحالة التعاقد بين الطبيب
وإحدى املنشآت (الفقرة األولى) ،وحالة الطبيب الذي يعمل في إحدى املستشفيات
العمومية (الفقرة الثانية) ،وحالة الضرورة أو االستعجال (الفقرة الثالثة) وحالة املريض
الذي يتابع الطبيب حالته (الفقرة الرابعة) ،ففي هاته الحاالت ال يملك الطبيب حرية
اختيار مرضاه.
في مثل هذه الحالة يلتزم الطبيب عقديا بعالج مجموعة من املرض ي ،كحالة الطبيب
الذي يتعاقد مع منشأة صناعية أو تجارية للقيام بتقديم خدماته للعمال واملستخدمين
الذين يشتغلون في هذه املنشأة ،فالطبيب يفقد بتعاقده مع املنشأة حقه في اختيار مرضاه،
بحيث يلتزم الطبيب بتقديم الرعاية الطبية لكل مريض مستفيد من عقد االشتراط الذي
أبرمه ،أي لكل من يتوفر فيه وصف العامل لدى املنشأة أو املعمل والتي لعبت في العقد
مع الطبيب دور املشترط ،فمن املعلوم أن االشتراط ملصلحة الغير ينش ئ ملصلحة املستفيد
حقا مباشرا قبل املتعهد على وجه يستطيع معه املريض مطالبة الطبيب مباشرة بتقديم
العالج دون حاجة إلى وساطة املنشأة أو املعمل اللذين يقتصر دورهما على مجرد تحويل
العامل املريض إلى الطبيب املتعهد .847ففي مثل هذه الحالة يعتبر الطبيب مسؤوال عن
عدم تلبية طلب هؤالء املرض ى مسؤولية عقدية استنادا إلى االشتراط ملصلحتهم الذي
وهذا ما قضت به محكمة التمييز العراقية 849في قرار لها قضت فيه بأن امتناع طبيب
املعمل عن تطبيب العامل املصاب باعتباره أحد منتسبي املعمل يوجب مسئوليته العقدية.
وهو قرار جدير بالتأييد على اعتبار أنه أقام املسؤولية العقدية على الطبيب ألنه ملزم
847
- René Savatier, Jean-Mary Auby, Henri Péquignot, Jean Savatier, op.cit, p: 269.
-انظر كذلك محمد السعيد رشدي ،مرجع سابق ،ص.07 :
-848أحمد ادريوش ،مرجع سابق ،ص.77 :
-849قرار رقم /0171م 61/1الصادر بتاريخ 6يونيو .1001
-أشار إليه حسام زيدان شكر الفهاد ،مرجع سابق ،ص.40 :
بموجب العقد املبرم بينه وبين املعمل بعالج جميع منتسبي املعمل ورعايتهم ،ألن هذا العقد
بمثابة استثناء على إرادة الطبيب وحريته في اختيار مرضاه ،ومن الناحية القانونية نجد
أن هذا االلتزام العقدي ينش ئ للعاملين في املنشأة أو للمرض ى النزالء في املستشفى الخاص
حقا مباشرا يمكنهم من مطالبة الطبيب املعالج أن يؤدي لهم خدمة عالجية ورعاية
طبية.850
لقد أدت النظم املتبعة في املستشفيات العمومية إلى تعيين الطبيب للقيام بعالج
املرض ى ،إذ يكون الطبيب ملزما بتقديم العالج الالزم ،وال يستطيع أن يمتنع عنه استنادا
إلى حقه في اختيار مرضاه .وامتناع الطبيب عن تقديم العالج يثير مسؤوليته أمام الجهة
اإلدارية التي يتبعها ،ويثير كذلك مسؤوليته تجاه املريض إذا ما لحق هذا األخير ضرر من
فالطبيب في املستشفى العام ال تربطه باملريض عالقة عقدية ،حيث ال يوجد عقد
يربط بين هذين الطرفين ،إنما تقوم بينهما عالقة الئحية أو إدارية ،عالقة بين منتفع بمرفق
عام وبين العاملين الذي تستخدمهم اإلدارة في تأدية مهام هذا املرفق .وطبيعة هذه العالقة،
إضافة إلى طبيعة العالقة التي تربط الطبيب بجهة اإلدارة -وهي عالقة تنظيمية بحثة-
ليس من شأنها أن تسمح للطبيب باختيار مرضاه ،فالطبيب ملتزم -طبقا لنظام الوظيفة
الذي يسري عليه -بأن يقدم العناية الطبية لكل من يتقدم طالبا العالج في املستشفى الذي
يعمل به .852وبذلك يفقد الحق في اختيار مرضاه ألنه مقيد بحكم وظيفته أو بمقتض ى
قانون وزارة الصحة أو بموجب األنظمة والتعليمات ،فهذه الحالة تدخل ضمن
االستثناءات الواردة على حرية الطبيب في اختيار مرضاه إال أنها ليست بعالقة عقدية.
المستوصف الذي يعمل فيه إلى أن العقد وبصورة عامة لايتم إلا بإیجاب
مفاوضات حول أحكام الوظيفة ،لأن هذه الأحكام أساسا مقررة وبشكل
الأطباء لها الحق في تعديل أحكام الوظيفة وبمحض إرادتها كأن تقوم
وواجباته.853
إال أنه متى أخل الطبيب بالتزامه وأصاب املريض بضرر يمنح ذلك الحق للمريض في
رفع الدعوى أمام القضاء العادي ملقاضاة الطبيب املخل تجاهه ،وهذا ما قضت به
لها جاء في مضمونه بما أن عالقة الطبيب بالجهة قرار854 محكمة النقض املصرية في
اإلدارية التي يتبعها تنظيمية وليست تعاقدية فإن مسؤولية الطبيب تقصيرية عن الضرر
الذي أصاب املريض ألنه ال يمكن القول في هذه الحالة بأن املريض قد اختار الطبيب
ولكن يستثنى من هذه الصورة ما يعرف بالقسم الخاص داخل املستشفيات العامة،
وكذلك ما يسمى بالعيادات املفتوحة ،وفي الحالتين يسمح ألطباء املستشفى ،في أوقات
محددة ،بأن يستقبلوا املرض ى على نحو خصوص ي ،وبأجر يتقاض ى املستشفى نسبة منه
نظير استخدام الطبيب املكان واألجهزة واملساعدين التابعين للمستشفى .ففي هذا النظام
يختار طبيبه ،وتنشأ بين الطرفين عالقة تعاقدية ،شأن تلك التي تقوم بين املريض والطبيب
الذي يستقبل مرضاه في عيادته الخاصة .855وما دمنا إزاء عالقة تعاقدية ،فإن الطبيب
يسترد حقه في اختيار مريضه ،وهو ما يعني أن يكون باستطاعته -في غير حالة الضرورة أو
ففي هذه الحالة يجب على أي طبيب يعرض عليه املريض ،أو يستدعي إلسعافه ،أن
يقدم للمريض العناية الالزمة في حدود إمكانياته إذا كانت حالته ال تحتمل التأخير .وفي
هذا الصدد ألزمت املادة 8573من مدونة أخالقيات مهنة الطب املغربي كل طبيب ،كيفما
كان شكل مزاولته للمهنة أو تخصصه أو القطاع الذي ينتمي إليه .وباستثناء حاالت القوة
القاهرة ،أن يقدم املساعدة بكب مريض أو جريح يوجد في حالة خطر وشيك وال يمكنه
كما أن املشرع املغربي كان واضحا في تأكيده على هذا االلتزام من خالل الفصل
858498من مدونة القانون الجنائي املغربي ،الذي جعل بموجبه املشرع املغربي االمتناع عن
تقديم املساعدة لشخص في خطر جريمة يعاقب عليها كل من اقترفها سواء كان طبيبا أم
ال .وهذه هي أقص ى صور اإلجبار على التعاقد بحيث إذا أخل به الطبيب بلتزامه ترتبت
أما بالنسبة للقضاء املدني الفرنس ي ،فقد اعترف بهذا الواجب على عاتق الطبيب،
إذ ذهبت محكمة استئناف 860مرساي ) (Marseilleإلى إدانة الطبيب الذي امتنع عن إنقاذ
مولود جديد في حالة خطر بسبب والدته السرية ،على الرغم من حقيقة أنه تم إبالغه
بالحياة املستمرة للطفل مع وجود فرص للبقاء على قيد الحياة .وبعد ذلك تم تكريسه على
مستوى تقنين العقوبات الفرنس ي الصادر سنة 8337من خالل الفقرة الثانية من املادة
.8617-779
وعلى الرغم من عموم هاته النصوص ،إال أنها تجد مجاال خصبا للتطبيق في مواجهة
األطباء الذين يفترض فيهم ،بسبب املهنة التي يباشرونها ،القدرة على إنقاذ أشخاص
يتعرضون لخطر املوت أو اإلصابة بأضرار جسمانية بالغة .وبذلك فإن الطبيب الذي يوجد
إزاء شخص يتعرض لخطر ال يحتمل تأجيل العالج ،أو يعلم بوجود هذا الشخص ،يجب
عليه أن يتدخل إلنقاذه ،طاملا كان ذلك في إمكانه .فإن لم يفعل ذلك عد مرتكبا لخطأ
يقيم مسؤوليته.862
وعلى العموم فإنه مادام الطبيب ملزما بالتدخل إلسعاف املريض الذي يتعرض
للخطر ،فإنه ال يكون هناك مجال للحديث عن حق الطبيب في رفض تقديم العالج ،أو عن
فسواء تصورنا أن املتابعة تتم في إطار ذات العقد الذي بدأ به العالج ،أم أن املريض
يبرم ،في كل مرة يأتي فيها لزيارة الطبيب ،عقدا جديدا ،فإن قواعد أخالقيات مهنة الطب
تمنع على الطبيب أن يتخلى عن مريضه ،أي تمنع عليه أن يرفض االستمرار في متابعة
حالته التي بدأ فعال بعالجها .864وفي هذا الصدد نصت املادة 42من قانون أخالقيات مهنة
الطب الفرنس ي في فقرتها األولى ،على أنه مهما كانت الظروف فإنه يتعين على الطبيب
االستمرار في تقديم العالج للمرض ى .كما أضافت في فقرتها الثالثة أن الطبيب الذي يريد
التحلل من مهمته ،يجب أن يخطر بذلك املريض وأن ينقل إلى الطبيب الذي يختاره هذا
وهو ما نص عليه املشرع املغربي في الفقرة الثالثة من املادة 84ألزم الطبيب عندما
يرفض تتبع حالة مريض ،بأن يخبر هذا األخير بذلك وأن يوافي الطبيب الذي يختاره املريض
بكل املعلومات الضرورية ملواصلة العالج ،والسيما امللف الطبي الكامل للمريض.
تلك هي حدود مبدأ حق الطبيب في اختيار مرضاه ،وهي تكشف بوضوح أن الدور
الذي تلعبه إرادة الطبيب في إبرام العقد الطبي هو دور مقيد إلى حد كبير .ويرجع السبب
في ذلك ،بطبيعة الحال ،إلى قيام الطبيب بخدمة عامة ،تعد أساسية للمواطنين ،على نحو
تبدو معه حرية التعاقد واالستقالل املنهي للطبيب وحقه في اختيار مرضاه ،ضئيلة األهمية
إذا قيست بضرورة توفير الرعاية الطبية ملن يحتاج إليها .865وإذا كان األمر كذلك بالنسبة
إلرادة الطبيب ،فإن السؤال يثور عن حقيقة الدور الذي تلعبه إرادة املريض في العقد
إذا كان للطبيب الحق في اختيار مرضاه ،فمن باب أولى أن يعطى للمريض الحق
والحرية في اختيار طبيبه خصوصا أنه الطرف الضعيف واملستفيد من العقد ،ولكن هل
هذا الحق مطلقا أم نسبيا .فإذا كان للمريض الحرية في اختيار طبيبه كأصل (املطلب
يقصد بحرية املريض في اختيار الطبيب أن تكون للمريض الحرية في اختيار الطبيب
الذي يعالجه من بين أطباء القطاع الخاص في كل مرة يقرر فيها اللجوء إلى الطبيب من
غير أن يجبر على اللجوء إلى طبيب معين .866إذ يعد ذلك من املبادئ األساسية التي تحكم
مهنة الطب ،867وهذا املبدأ يأتي استنادا إلى فكرة الثقة التي تسود بين الطرفين وإلى كون
العقد الطبي من العقود القائمة على االعتبار الشخص ي ،بمعنى أن للمريض الحرية والحق
وفي هذا الصدد نصت املادة 7من قانون أخالقيات مهنة الطب الفرنس ي على أنه
للطبيب أن يحترم حق كل شخص في اختيار طبيبه بحرية وبإرادة تامة وينبغي أن يسهل له
ممارسة هذا الحق .أما بالنسبة للمشرع املصري فقد نصت املادة /97أ على أنه يجب على
األولى من املادة 86984 أما بالنسبة للتشريع املغربي فقد نص على هذا املبدأ في الفقرة
من مدونة 8707 من مدونة أخالقيات مهنة الطب املغربي ،كما تنص عليه كذلك املادة
اآلداب املهنية ألطباء األسنان ،871ثم رفعه املشرع من قاعدة أخالقية إلى مصاف القاعدة
وقد يحصل في الواقع العملي ملهنة الطب أن يقوم الطبيب املتعاقد مع املريض
بإحالل طبيب آخر محلة لفترة مؤقتة ،فهل يؤثر ذلك في حرية املريض في اختيار طبيبه؟
من حيث املبدأ ال يتعارض هذا االحتمال مع قواعد وأخالقيات مهنة الطب بشرط
أن يكون هذا الطبيب على كفاءة وخبرة تتناسب مع كفاءة الطبيب األصلي ،ومن ثم فإن
هذا ال يؤثر في مبدأ حرية املريض في اختيار طبيبه ،إذ بإمكانه أن يستمر مع الطبيب الجديد
وإذا كان القانون قد كرس مبدأ حرية املريض في اختيار طبيبه ،فإن هذا املبدأ ترد
-871مرسوم رقم 0.06.010صادر في 17رمضان 2( 1410يناير )1000بتطبيق مدونة اآلداب المهنية لجراحي األسنان،
ج.ر.ع ،4660بتاريخ 17شوال 4( 1410فبراير ،)1000ص.031 :
-872التي تنص على أنه ":يجب على كل طبيب كيفما كان القطاع الذي ينتمي إليه وشكل ممارسته للمهنة ،أن يحترم حقوق
اإلنسان كما هي متعارف عليها عالميا ،وأن يحترم في ممارسته المهنية المبادئ التالية:
-حق المريض في اختيار الطبيب الذي سيعالجه".
-873ظهير شريف رقم 1.12.06صادر في 00من ربيع األخر 10( 1406فبراير )0312بتنفيذ القانون رقم 101.10
المتعلق بمزاولة مهنة الطب ،ج.ر.ع 01 ،6040جمادى األولى 10( 1406مارس ،)0312ص.1637 :
-874زينة غانم يونس العبيدي ،مرجع سابق ،ص.116 :
في بعض الحاالت يفقد املريض حريته في اختيار طبيبه ،كحالة املستشفيات العامة
(الفقرة األولى) وكحالة االستعجال (الفقرة الثانية) ،وقلة عدد أطباء القطاع الخاص
تقوم املستشفيات العامة بدور هام في تقديم الخدمات الطبية للمرض ى في جميع
الدول ،وترجع أهمية هذا الدور ملا لهذه املؤسسات من مخصصات مالية ضخمة بما يمكنها
-في كثير من األحيان -من مسايرة التقدم العلمي والفني في املجال الطبي ،مقارنة مع
املادية ،يمكن له أن يتردد على املستشفيات العامة ،ويصبح منتفعا بمرفق عام ،هو مرفق
الصحة التي تتولى الدولة إدارته ،ولكن املريض في هذه الحالة يفقد حريته في اختيار
طبيبه.875
يتعامل مع شخص معنوي ،وهذا يوصلنا إلى نتيجة مقتضاها عدم وجود إمكانية للمريض
الختيار طبيبه املعالج بحرية ،وهذا هو أحد االستثناءات التي ترد على حق املريض في اختيار
طبيبه .فاملريض يتعامل مع أحد األطباء املوظفين لدى اإلدارة الصحية في هذه
املستشفيات والذي حددته هذه اإلدارة من أجل تشخيص مرضه وعالجه فهو ال يتعامل
معه بصفته الشخصية ولكن بصفته مستخدما أو موظفا لدى هذه اإلدارة.876
ومن خالل ما تقدم تكون عالقة املريض بالطبيب في املستشفى العام عالقة غير
مباشرة ال تقوم إال من خالل املرفق الصحي العام ويفترض هذا وجود عالقة مباشرة بين
املريض واملستشفى ،وعليه فإن حقوق والتزامات كل من املريض والطبيب تتجدد وفقا
للوائح املنظمة لنشاط املرفق الصحي العام ،كما أنه ال يوجد عقد بين املريض والطبيب
وفي هذا الصدد قضت محكمة النقض 878املصرية بأنه ال يمكن مساءلة الطبيب عن
الضرر الذي يصيب املريض بسبب خطئه إال على أساس املسؤولية التقصيرية ،واستندت
في ذلك إلى أنه ال يمكن القول في هذه الحالة بأن املريض قد اختار الطبيب لعالجه حتى
ينعقد عقد بينهما .فهذا القرار جعل مسؤولية الطبيب الذي أخطأ مسؤولية تقصيرية ،ال
عقدية النعدام إرادة املريض باختيار طبيبه ،وهذا ما يترتب عليه انعدام العقد بين املريض
والطبيب ،فاملريض في هذه الحالة يفقد حقه في اختيار الطبيب الذي يعالجه ،وحتى األطباء
املساعدين له ،ألن هؤالء جميعا تعينهم األنظمة اإلدارية الخاصة بتوزيع العمل داخل
املستشفى.
الشك أن املريض يفقد حريته في اختيار طبيبه إذا كان غير قادر على التعبير عن
إرادته ،كما لو كان صغير السن ،أو مصابا في حادثة سير ،أو فاقد للوعي ،ففي هذه الحالة
تستوجب حالة املريض السرعة في إنقاذه إذا كانت حياته أو سالمته البدنية معرضة
للخطر ،إذ يتعين فيها على الطبيب أو الجراح أن يتدخل فورا إلنقاذ حياة املريض أو
املصاب ،وهذا االستعجال هو الذي يترتب عليه فقدان املريض إلرادته في اختيار طبيبه،
باعتبارها من إحدى الحاالت االستثنائية التي ترد على إرادة املريض ،مقابل هذا يلتزم
الطبيب الذي تعرض عليه مثل هذه الحاالت بإنقاذ املريض ،إذ هو األخر أيضا يفقد إرادته
وقد نالحظ ذلك في كثير من الحاالت التي يشاهد فيها الطبيب حادثة معينة قد تؤدي
إلى وفاة الشخص فيتدخل من تلقاء نفسه إلسعافه دون عقد بين الطبيب واملصاب .ومما
تجدر اإلشارة إليه أنه ال يوجد خالف بين هذه الحالة وسابقتها ،ألنه في كال الحالتين يفقد
املريض حريته في اختيار طبيبه ،مثلما يفقد الطبيب حريته في اختيار مريضه ،ويشترط
لقيام حالة االستعجال شروط البد من توافرها .880وهي أال تحتمل حالة املريض التأخير
(أوال) ،وأن يكون املريض فاقدا لوعيه (ثانيا) ،وعدم وجود قريب برفقة املريض (ثالثا).
فهناك بعض الحاالت املرضية التي ال تحتمل التأخير ،إذ لكل دقيقة قيمة كبيرة،
فالتدخل الطبي من قبل الطبيب يجب أن ال يتأخر وإال ترتب على ذلك آثار سلبية على
صحة املريض ،كأن يتعرض املريض للموت أو تتعرض صحته آلثار جانبية ومضاعفات
وفي هذا الصدد قضت محكمة استئناف باريس 882في قضية تتلخص وقائعها في أن
مريضة كانت تشكو من آالم شديدة في منطقة الحوض جعلتها تعزف عن مزاولة عملها
فاضطرت إلى دخول املستشفي وبقيت تحت املالحظة مدة إثني عشر يوما ،وكانت نتيجة
الفحص هي إصابتها بانقالب في الرحم فأجريت لها عملية جراحية على هذا األساس ،لكن
أثناء الجراحة اتضح للطبيب الجراح أن املبيضين مصابان بأورام خطيرة تقتض ي إزالتهما
حتما فاضطر الطبيب أن يجري لها عملية االستئصال ،لكن بعد أن فاقت املريضة وعلمت
بطبيعة العملية رفعت الدعوى على الطبيب تطالبه بالتعويض على اعتبار أنه قد أجرى
العملية بغير رضا منها وال من زوجها كما أنها ادعت بأنه لم توجد ضرورة إلجراء هذه
العملية خاصة وأنها أفقدتها األمل في أن تكون أما في املستقبل .إال أن املحكمة وجدت أن
الطبيب الذي أجرى العملية له من املقام العلمي ما يسمح باالطمئنان إلى تقريره في لزوم
الجراحة التي أجراها والهدف األساس ي من إجرائها هو مصلحة املريضة ال غير .كما أقر
هذه العملية عدد كبير من األطباء على اعتبار أن األورام السرطانية في املبايض من األمراض
الخطيرة التي تؤدي إلى املوت ويجب إزالتها حال التحقق من وجودها ،ونجاح العملية
يتوقف على سرعة إجرائها ولذلك قررت املحكمة رفض دعوى السيدة ضد الطبيب الجراح
بعدم قيام مسئولية قرارها883 كما أن محكمة بداءة كركوك العراقية أقرت في
الطبيب عن العمل الجراحي الذي قام به لوجود ما يبرره كون حالة املريض الصحية ال
تحتمل التأخير .في قضية تتلخص وقائعها بأن أحد املرض ى كان مصابا بمغص حاد
مصحوبا بأعراض الزائدة الدودية التي تستوجب التدخل السريع الستئصالها ،وعندما فتح
الطبيب الجراح بطن املريض فوجئ بوجود كلية ملتهبة وتالفة وفي غير موضعها الطبيعي،
وكان ذلك نتيجة عيب خلقي لم يعلم به املريض ،فقام الطبيب باستئصالها حرصا على
حياة املريض ،إال أن املريض اتهم الطبيب بسرقة كليته ،فقضت املحكمة بعدم مسؤولية
الطبيب.
هناك عدة حاالت ال يملك فيها املريض القدرة على اختيار الطبيب املعالج وال على
التعاقد معه على العالج .فقد يكون الشخص كامل األهلية لكن بسبب تعرضه لحادث أو
لنوبة تفقده الوعي فال يستطيع بموجبه أن يختار الطبيب الذي يعالجه ،فهو يصبح في
حكم فاقد األهلية من حيث الواقع .884إن فقدان املريض لوعيه يجعله في حالة يتعذر
عليه اختيار الطبيب الذي يعالجه ومن ثم يفرض الطبيب إرادته على مرضاه وخاصة في
حالة الغيبوبة الناتجة عن إصابات الرأس ،ففي هذه الحاالت يفقد املريض وعيه وهذا
كما يفقد املريض وعيه في حالة وفاة املخ التامة ،أو الجزئية ،ألن في حالة الوفاة
التامة للمخ يفقد املصاب الوعي والحركة والقدرة على الكالم والسمع والبصر والتنفس
فتتعطل الذاكرة ،فيفقد املريض وعيه وإدراكه في اختيار من يعالجه ،وغالبا ما يموت
املريض املصاب بوفاة املخ التام بعد مدة تتراوح بين أسبوع أو أسبوعين ،أما في حالة وفاة
املخ الجزئية والتي من شأنها أن تتلف األجزاء العليا في املخ وخاصة األجزاء التي تتحكم
باليقظة والسمع والبصر واإلحساس واإلدراك ،فيدخل املريض في غيبوبة تمنعه عن الكالم
والحركة وحتى اإلحساس إال أن الدورة الدموية والتنفس يستمران في العمل ،لكن مع ذلك
يفقد املريض إرادته في اختيار الطبيب الذي سيعالجه وحتى لو أفاق من غيبوبته هذه فإنه
يصبح فاقدا لإلدراك والتميز مما يتعذر عليه اختيار طبيبة املعالج.886
وهناك أيضا من هو مصاب بآفة عقلية (كاملجنون واملعتوه) أو أنه صغير السن فإن
من له الوالية عليه أن يطلب تدخل الطبيب لتقديم العناية الالزمة له .887والسؤال الذي
يطرح نفسه كيف نكيف العالقة بين الطبيب واملصاب الصغير أو فاقد الوعي في مثل هذه
الحاالت؟.
فذهب جانب من الفقه 888إلى القول بأن طبيعة العالقة بين الطبيب واملريض الصغير
أو فاقد الوعي ال يمكن تأسيسها أو تكييفها إال على أساس الفضالة ،على اعتبار أن أول
ركن من أركانها قائم أال وهو إرادة الفضولي في أن يتصرف ملصلحة املريض الصغير أو فاقد
الوعي بغير علم هذا األخير ،أو موافقته ،وال شك أن ذلك واضح في قيام هذا الركن بالنسبة
إلى الطبيب الذي يسخر جهوده وفنه في سبيل عودة املريض إلى وعيه وإنقاذه من الخطر
املحدق به ،ألن املصاب ليس لديه القدرة على التعبير عن رضاه ،وبمعنى آخر أن املريض
سواء أكان قد شعر بتدخل الطبيب أم ال فإن فعله هذا ال يخرج عن كونه فضوليا.
غير أنه من الصعوبة بمكان أن نعد تصرف الطبيب في هذه الحالة بمثابة تصرف
فضولي .باعتبار أن الخصوصية التي يمتاز بها العقد الطبي عن غيره من العقود وبالنظر
للطابع اإلنساني الذي تختص به مهنة الطب ،كل هذا وذاك يقودنا إلى القول بعدم إمكانية
تكييف العالقة بين الطبيب واملريض الصغير أو فاقد الوعي في حالة االستعجال 889على
أنها وكالة ضمنية منحها املريض قبل أن يفقد وعيه وعقله ،متضمنة حق التنازل عن حقه
888
- René Savatier, Jean-Mary Auby, Henri Péquignot, Jean Savatier, op.cit, p: 218.
-محمد السعيد رشدي ،مرجع سابق ،ص 60 :و .60
-889زينة غانم يونس العبيدي ،مرجع سابق ،ص100 :
-890حسام زيدان شكر الفهاد ،مرجع سابق ،ص.20 :
إضافة إلى أن وجود الفضالة يفترض أن يكون تدخل الفضولي تلقائيا ،أي ال يفرضه
التزام سابق يجد مصدره في العقد أو نص القانون .وهذا ال يتحقق في الحالة التي نحن
بصددها ،ألن نصوص القانون تفرض على من يتولى شؤون ناقص األهلية أو عديمها أن
يقوم باالهتمام بصحته ،بحيث يستدعي من يقدم له العناية الطبية عندما يكون في حاجة
إليها .كما أن القانون ال يعتد وال يرتب أثر إذا أصدرت هذه الوكالة من شخص فاقد التمييز
واإلدراك ،وإذا ادعى من منحت له هذه الوكالة بأنه قد حصل عليها قبل املرض ،فهذا ش يء
خارج عن املألوف ،ألنه كيف للشخص أن يظن أنه سيمرض ولنفرض جدال توقع مرضه
فهل سيشغل فكره بتوكيل اآلخرين الختيار طبيب له سواء بوكالة صريحة أو ضمنية
لعالجه.891
من املبادئ العامة التي تحكم العالقة بين الطبيب واملريض ،هو أن يحترم الطبيب
إرادة مريضه ،وذلك بتبصيره والحصول على رضاه بأي عمل طبي يقوم به سواء أكان عالجيا
أم جراحيا ،لكن إذا كان املريض فاقدا لوعيه ،فهذا ال يكفي إلعفاء الطبيب من التزامه
هذا ،بل عليه أن يحترم إرادة القريب من املريض ،أو من برفقته ،أي عليه تبصيرهم
والحصول على رضاهم ،لكن متى انعدم وجود األخير أصبح ذلك استثناء على األصل ،ومن
ثم فسح املجال أمام الطبيب للقيام بالعمل الطبي الذي يروم القيام به متجاوزا بل
متجاهال إلرادة املريض .892صفوة القول أنه ال بد أن تتوافر الشروط الثالثة مجتمعية لكي
يحق للطبيب فرض إرادته على مرضاه ،ومن ثم يفقد املريض حقه في اختيار طبيبه.
ال شك أن مبدأ حرية املريض في اختيار الطبيب املعالج ،يفترض وجود عدد كبير من
األطباء يسمح أو يمكن املريض من أن يمارس هذه الحرية ،وهو أمر غير ممكن لقلة عدد
أطباء القطاع الخاص .ومعلوم أن مبدأ حرية املريض في اختيار الطبيب املعالج يقتض ي
فضال عن وجود عدد كاف من األطباء توزيع جغرافيا متوازيا ،يشمل جميع إقليم البالد.893
فعلى مستوى املقارنة بين الوسط الحضري وبين الوسط القروي ،تصل درجة انعدام
التوازن في التوزيع أقصاها ،حيث يالحظ أن املدينة تستحوذ على مجموع األطباء وبالتالي
مجموع البنية التحتية الصحية ،في حين تظل القرية محرومة من هذه الخدمات ،مع أن
نسبة السكان فيها أعلى من نسبة السكان في املدن بكثير .وعلى مستوى املدن فيما بينها،
فإذا كان الوسط الحضري يستحوذ على مجموع الخدمات الطبية ،فإن توزيع هذه األخيرة
فيه ليس متوازنا ،حيث يتمركز األطباء في أكبر وأهم املدن ،في حين أن املدن الصغيرة ال
تتوفر إال على عدد قليل ال يسمح فعليا بممارسة حرية االختيار.894
هناك حاالت يفقد بموجبها املريض حقه في اختيار الطبيب الذي يعالج حالته ،إذ
تفرض إرادة الطبيب على مثل هؤالء املرض ى ،وهذا يتمثل في حالة األشخاص املصابين
بأمراض خطيرة ومعدية في الوقت نفسه كحالة املصاب بمرض اإليدز أو مرض الجدري ،أو
أي من األمراض املعدية األخرى ،إذ يتم إيداعهم في مصحات ،وهذه املصحات عادة فيها
أطباء ذوو اختصاص في معالجة هذه األمراض ،وبمجرد إيداع هؤالء األشخاص في هذه
املصحات يفقدون حريتهم في اختيار الطبيب املعالج ألنهم يخضعون ملعاينة وتشخيص
وعالج األطباء التابعين لهذه املصحات .895لكن هل يعني فقدان هؤالء املرض ى لحقهم في
إن إيداع األشخاص املصابين بأمراض خطيرة ومعدية في املصحات املحددة لهذا
الشأن وإن كان يفقدهم حقهم في اختيار الطبيب املعالج إال أنهم يتمتعون بحرية نسبية في
الحاالت التي تتعدد فيها أنواع العالجات التي تتطلبها حالتهم ،إذ بإمكان طبيب املصحة أن
يخيرهم بين العالجات املتعددة األنواع واملشتركة األهداف كلما كان ذلك ممكنا.896
كما يفقد املريض حقه وحريته في اختيار طبيبه الذي يعالجه في الحالة التي يكون
فيها مضطربا عقليا ،فمثل هؤالء املرض ى يكونون مشلولي اإلرادة واإلدراك فيقوم ذووهم
بإيداعهم لدى املصحات الخاصة ،وبذلك يفقدون حقهم وحريتهم في اختيار الطبيب الذي
يعالجهم ،إذ يقوم األطباء التابعين لهذه املصحات بعالج حالة هؤالء املرض ى ومتابعتها.897
ويفقد املريض حقه وحريته في اختيار طبيبه عندما يكون من نزالء السجن وتستوجب
حالتهم الصحية مراجعة األطباء ألغراض عالجية ،إذ أنه يخضع ملعاينة وفحص الطبيب
التابع للسجن أو املؤسسة املوقوف فيها ،فال يتمتع بحق اختيار طبيبه ،وال شك أنه من
حق هؤالء األشخاص التمتع بكل حقوق الرعاية الصحية وبنفس املستوى الذي يتمتع به
املواطنون اآلخرون ،فمتى شعر النزيل باآلم تهدد صحته له الحق بأن يعرض حالته على
الطبيب املختص والتابع للمؤسسة ،فاملريض بهذه الحالة يتمتع بحق املحافظة على صحته
داخل املؤسسة أو السجن ،إال أنه يفقد حقه في اختيار الطبيب املعالج ،لكن هذا ال يفقده
حق الخيار بين أنواع العالجات وطرقها املختلفة كلما كان ذلك ممكنا .وتجدر اإلشارة إلى
أنه في بعض الحاالت ال يتمتع السجناء واملوقوفون بحق الخيار في تناول العالج أو عدم
تناوله عند ثبوت مرضهم حيث يفرض عليهم جبرا ،ألن ذلك يتعلق بالحفاظ على الوضع
الصحي داخل املؤسسة اإلصالحية منعا من انتشار املرض والعدوى إلى بقية املحكوم
عليهم.898
وتجدر اإلشارة إلى حالة أخرى يفقد بموجبها املريض حقه في اختيار الطبيب املعالج،
وهذه الحالة ال يمكن تصورها إال في اإلصابات التي تقع على أحد أعضاء الفريق الرياض ي
عند أدائه لعبة رياضية .فبعد أن أصبحت الرياضة حرفة يزاولها عدد من األفراد أصبح
عمل الطبيب الرياض ي مرتبطا بحرفتين هما الطب والرياضة ،وهذا يفرض عليه مراعاة
القواعد العامة ملهنة الطب ،فضال عن القواعد الخاصة ملهنته كطبيب رياض ي .وغالبا ما
تتعاقد االتحادات واألندية الرياضية مع األطباء من أجل معالجة العبيها من اإلصابات التي
قد تقع أثناء تأديتهم للعبة الرياضية فيفقد هؤالء الالعبين حقهم وحريتهم في اختيار
الطبيب املعالج ،بل أكثر من ذلك فإنهم يفقدون أيضا وفي أغلب األحوال حريتهم في اختيار
طريقة العالج املناسبة لإلصابة أثناء اللعبة .وهذه الحالة على ما تبدو من قبيل
االستثناءات التي ترد على حرية املريض في اختيار طبيبه والتي لم تنل حظا بالتنظيم
القانوني.899
-899زينة غانم يونس العبيدي ،مرجع سابق ،ص 100 :و .143
خاتمة:
إذا وقع اختيار املريض الذي يتمتع باإلدراك والتمييز على طبيب معين فإن هذا ال
يكفي لتكوين العقد الطبي .إذ يبقى هذا االختيار مجرد تحديد نظري إلى أن يصدر من
الطرفين تعبير عن اإلرادة ،يجسد هذا االختيار في صورة عالقة عقدية ،تربط الطبيب
وال شك أن إرادة املريض تلعب دورها في مرحلتين مختلفتين ،ففي مرحلة إبرام العقد
يكون إلرادة املريض دور يظهر في صورة القبول الذي يصدره ،وينعقد به العقد متى اقترن
باإليجاب الصادر من الطبيب .وفي مرحلة تنفيذ العقد يكون إلرادة املريض دور أخر ،يبدو
في صورة الرضا الحر املستنير الذي يتعين على الطبيب الحصول عليه من املريض قبل
الشروع في تنفيذ العالج .فاألمر يتعلق إذن برضائين منفصلين ،لكل منهما نطاق مستقل
عن األخر .فاألول ضروري النعقاد العقد ،حين يلعب الثاني دوره في مرحلة تنفيذ العقد،
الئحة املراجع:
املراجع العامة
حسام زيدان شكر الفهاد ،االلتزام بالتبصير في املجال الطبي دراسة مقارنة ،دار
املراجع الخاصة
جابر محجوب علي ،دور اإلرادة في إبرام العقد الطبي ،مؤسسة الطباعة الفنية
املصطفى الغشام الشعيبي ،العقد الطبي ،دار السالم للطباعة والنشر والتوزيع
زينة غانم يونس العبيدي ،إرادة املريض في العقد الطبي -دراسة مقارنة ،دار
املؤطرة للعالقة بين الطبيب وزبونه ،مطبعة األمنية -الرباط ،منشورات سلسلة املعرفة
محمد السعيد رشيدي ،عقد العالج الطبي ،دراسة تحليلية وتأصيلية لطبيعة
العالقة بين الطبيب واملريض ،مكتبة سيد عبد هللا وهبة ،القاهرة .8317
املقاالت
منصور مصطفى منصور ،حقوق املريض على الطبيب ،مقال منشور بمجلة
القوانين واملراسيم
ظهير شريف رقم 8.82.77صادر في 73من ربيع األخر 83( 8497فبراير )7082
بتنفيذ القانون رقم 898.89املتعلق بمزاولة مهنة الطب ،ج.ر.ع 78 ،7947جمادى األولى
بمدونة أخالقيات مهنة الطب ،الجريدة الرسمية عدد ،2007صادرة 72ذي القعدة
1( 8447يوليوز .)7078
الئحة آداب مهنة الطب املصرية التابعة لنقابة أطباء مصر ،الصادرة بقرار وزير
Les ouvrages
paris 1939.
Les Thèses
لكل بلد؛ وتعليل ما سبق أن ضعف القدرة الذاتية للفرد فرضت عليه ضرورة اللجوء إلى
املؤسسات البنكية ،بهدف تمويل ما يصبو إليه من مشاريع مما جعل التعامل مع البنوك
إن الحديث عن االئتمان يؤدي بنا إلى الحديث عن الضمانات ،902فكالهما وجهان
لعملة واحدة ،ومؤدى ما نقول أن املؤسسة املالية الدائنة ال تخاطر بمنح القروض إال إذا
توفرت لديها الثقة الكافية في الشخص طالب االئتمان ،ومن أجل تكريس هذه الثقة
واالئتمان تم خلق بعض القواعد والنظم القانونية التي تروم إلى حماية وتأمين عالقة
املديونية التي على أساسها تمنح املؤسسة املالية السيولة النقدية بكل طمأنينة وارتياح.
إضافة إلى ما سبق إن القواعد املتجذرة في قانون االلتزامات والعقود املغربي تؤكد
على أن أموال املدين ضمان عام لدائنيه ،إذ توزع أمواله على دائنيه بالتساوي مالم تكن
هناك أسباب قانونية تفضل أحد الدائنين على اآلخر ،إال أن الواقع العملي باعتباره املحك
الحقيقي لتطبيق القاعدة املومأ إليها أعاله ،قد أبان عن محدودية هذه الضمانة في حماية
مصالح الدائن وأفرغها من محتواها ،ذلك أن الدائن ال يرتبط حقه بمال مخصوص من
أموال مدينه ومعين على وجه التحديد من جهة ،ومن جهة أخرى تقل الضمانات أكثر بكون
الدائن يتساوى مع غيره من الدائنين في أموال مدينهم استنادا إلى مبدأ املساواة بين
الدائنين.
-الثانية :أنها تبعية ألنها تكون تابعة لحق شخصي وذلك لكي تضمن الوفاء به فإذا انقضى الحق الشخصي انقضى
تبعا لذلك الحق العيني التابع والحقوق العينية التبعية تدور مع الحق الشخصي وجودا أو عدما.
ويقصد بالضمانات العينية :التأمينات العينية ،تخصيص مال معين مملوك المدين أو لغيره لتأمين حق الدائن ،وذلك
بإعطائه سلطة تمكنه من التنفيذ على المال وبيعه جب ار واستيفاء حقه من ثمنه ،أما الضمانات الشخصية فتكون
بضم ذمة أو أكثر إلى ذمة المدين األصلي بحيث يصبح للدائن بدال من مدين واحد مدينان أو أكثر يسألون جميعا
عن المدين إما في وقت واحد أو بالنتائج ألن الضمان فيها بأي من التزامات شخصية تنضاف إلى التزامات المدين
األصلي.
-انظر التمييز في الظهير الشريف 191191.6صادر في 44نوفمبر 4111المنشور بالجريدة الرسمية عدد
2..6بتاريخ 43نوفمبر 4111بتنفيذ القانون رقم 1694.المتعلق بمدونة الحقوق العينية ،وراجع المادة 11
منها بالخصوص التي تنص على أن"ّ :الحق العيني التبعي الحق الذي ال يقوم بذاته وانما يستند في قيامه على
وجود حق شخصي ،ويكون ضمانا للوفاء به ،والحقوق العينية التبعية هي :االمتيازات -الرهن الحيازي -الرهن
الرسمي.
تبعا لذلك إن الحاجة ماسة إلى إقرار ضمانات مهمة تضمن لفئة محددة من الدائنين
حق اقتضاء مالهم بطريقة سريعة وفعالة ،الش يء الذي استجاب له املشرع املغربي من
خالل إقراره للحقوق العينية التبعية كإحدى الضمانات العينية ،وذلك بموجب املواد من
847إلى 778من القانون رقم 93.01املتعلق بمدونة الحقوق العينية ،التي تقر تخصيص
ويعتبر الرهن الرسمي الوارد على العقار املحفظ ،من أهم الضمانات العينية حيث
تلجأ إليه املؤسسات املالية عند إبرامها عقد القرض باعتباره حق عيني تبعي يتقرر على
تبعا ملا سبق فإن الرهن الرسمي ال يقتصر نطاقه على العقارات ،بل اتسع نطاقه
ليشمل بعض األموال املنقولة والتي تمتاز بأهميتها االقتصادية وقيمتها املرتفعة ،مقارنة
واألصل التجاري 905كما أن السفن903والطائرات904 بباقي املنقوالت ،ونجد في هذا اإلطار
أهمية الرهن الرسمي تظهر بشكل أكثر وضوحا من خالل املمارسة العملية بحيث يشكل
وسيلة فعالة تضمن مصالح األغيار ،ذلك أنها تخضع لعملية إشهار وغيرها من الوسائل،
التي تمكن األفراد املعنيين باألمر من االطالع على وضعية العقار من الناحيتين القانونية
-903المختار العطار "الرهن البحري في التشريع لمغربي "أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص ،جامعة
الحسن الثاني ،كلية لعلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،الدار البيضاء ،السنة الجامعية ،1.6.-1.66ص
11وما يليها.
-904محمد بونبات ،دراسة مقارنة للحقوق العينية وجدواها االقتصادية واالجتماعية ،المطبعة والوراقة الوطنية،
مراكش الطبعة األولى ،4114ص 131وما بعدها.
-905محمد بفقير "مدونة التجارة والعمل القضائي المغربي" منشورات دراسات قضائية سلسلة القانون و العمل
القضائي المغربيين ،مطبعة النجاح الجديدة –الدار البيضاء العدد الثالث ،4141/411.ص.111
واملادية ،وبالتالي في حالة وجود أية منازعة يكونون على علم مسبق بها ويخول للمدين
كذلك مواصلة استغالل العقار املرهون وإدارته دون التخلي عن حيازته لفائدة الدائن
املرتهن ،كما أنه يتيح للدائنين إمكانية استثمار أموالهم وتوظيفها في العملية االقتصادية .
ان تقييد اإلنذار العقاري ،يعد بمثابة حجز عقاري كما سبق ذكره أعاله وينتج أثار
قانونية من قبيل تجميد امللكية العقارية ومنعها من التداول بين األفراد وال يمكن أن ترد
على العقار موضوع اإلنذار أي تصرف أو ترتيب أي حق عيني سواء كان أصليا أو تبعيا.
ولعل دراسة موضوع اإلنذار العقاري وأثره على تداول امللكية العقارية ،والوقوف على
أهم االشكاالت العملية املطروحة في هذا املجال ،ويقتض ي تقسيم هذا املوضوع الى
محورين اثنين على الشكل التالي :املحور األول :التأصيل القانوني ملؤسسة اإلنذار العقاري.
إن مسطرة اإلنذار العقاري من أهم إجراءات التنفيذ التي خولها املشرع للدائن املرتهن
لقد حاول مجموعة من الباحثين والفقهاء تقديم تعريف لإلنذار العقاري إال أن هذه
املؤسسة أثارت اشكاالت حول تحديد طبيعته ،وبذلك سنتناول بالتحليل تعريف اإلنذار
لقد تعددت التعاريف التي تبين املراد بهذه املؤسسة ،الش يء الذي ساهم في توضيح
املقصود بها ورفع اللبس عنها واملشرع املغربي لم يعط أي تعريف لإلنذار العقاري.906
-906بالرجوع الى الفصل 550من قانون المسطرة المدنية الذي ينص على ما يلي ":يبلغ عون التنفيذ إلى الطرف
المحكوم عليه ،الحكم المكلف بتنفيذه ويعذره بأن يفي بما قضى به الحكم حاال أو بتعريفه بنواياه وذلك خالل أجل ال
يتعدى عشرة أيام من تاريخ تقديم طلب التنفيذ.
إذا طلب المدين آجاال أخبر العون الرئيس الذي يأذن بأمر بحجز أموال المدين تحفظيا إذا بدا ذلك ضروريا للمحافظة
على حقوق المستفيد من الحكم.
إذا رفض المدين الوفاء أو صرح بعجزه عن ذلك اتخذ عون التنفيذ اإلجراءات المقررة في الباب المتعلق بطرق التنفيذ".
-كذلك المادة412من مدونة الحقوق العينية التي تنص على ما يلي ":للدائن المرتهن الذي لم يستوف دينه في أجل
استحقاقه أن يحصل على بيع الملك المرهون وفق اإلجراءات المنصوص عليها في القانون ،وذلك بعد توجيه إنذار
بواسطة المكلف بالتنفيذ للمدين األصلي وللحائز ،ألداء الدين أو التخلي عن الملك المرهون داخل خمسة عشر يوما من
تاريخ التوصل به.
"إشعار يوجهه الدائن املرتهن إلى املدين الراهن بأنه907 حيث عرفه بعض الفقه
بواسطة عون التبليغ ،يطالبه فيه بأداء الدين املضمون بالرهن تحث طائلة نزع ملكية
العقار املرهون وبيعه باملزاد العلني لتسديد هذا الدين وفوائده ومصاريفه".
كما يعرفه البعض 908كذلك بأنه "إشعار يوجهه الدائن املرتهن أو املؤسسة املالية إلى
املدين بواسطة عون التبليغ ،يطلب فيه استرداد الدين املضمون من املدين تحت طائلة
نزع ملكية العقار املرهون بالبيع القضائي باملزاد العلني لتسديد الدين وفوائده والضريبة
يتبين من هذه التعاريف املشار إليها أعاله أنها تصب في منح اإلنذار العقاري مضمون
واحد ،مع العلم أنها أغفلت عناصر أساسية لهذا املفهوم منها مسألة اآلجال الذي لم
تتناوله ،مع العلم أن املشرع حدده في املادة 787من مدونة الحقوق العينية 909في 82يوما،
باإلضافة إلى اقتصار هذه التعاريف باستثناء التعريف األخير؛ على أن اإلنذار العقاري يوجه
-907محمد سالم " :تحقيق الرهن الرسمي في القانون المغربي " دراسة علمية مطبعة االجتهادات القضائية ،مطبعة
النجاح ،البيضاء ،الطبعة األولى2002،ص 43
-908حبيبة التايس " :اإلشكاالت العملية في موضوع اإلنذار العقاري" مقال منشور بالمجلة المغربية لقانون
األعمال والمقاوالت عدد 4في ماي 4114الصفحة .41
-وللمزيد من التوضيح حول تعريف اإلنذار العقاري يعرفه
األستاذ سفيان أدريش بأنه " :إنذار يوجهه الدائن المرتهن إلى المدين الراهن يطالبه فيه بأداء ما بذمته ،من الدين
رأسماال وفوائده والمصاريف داخل أجل محدد تحت طائلة التنفيذ المباشر على العقار ونزع ملكيته وحجزه وبيعه
العلني".
-909تنص المادة264من مدونة الحقوق العينية على ما يلي ":يتضمن اإلنذار المشار إليه في المادة السابقة اسم المالك المقيد
واسم الملك المرهون وموقعه ومساحته ومشتمالته ورقم رسمه العقاري.
يبلغ المكلف بالتنفيذ نسخة من اإلنذار المذكور إلى المحافظ على األمالك العقارية الذي يقيده بالرسم العقاري.
يعتبر اإلنذار المذكور بمثابة حجز عقاري وينتج نفس آثاره.
إلى املدين فقط مع العلم أنه يوجه إلى أشخاص أخرين كالكفيل والحائز واملحافظ على
األمالك العقارية.
وتجدر اإلشارة إلى أن هذه العناصر التي أغفلت عنها التعاريف املشار إليها أعاله تعتبر
أساسية لصحة اإلجراءات ،وتداركا لذلك يمكن تعريف اإلنذار العقاري بأنه إشعار يوجهه
الدائن املرتهن إلى الطرف امللزم قانونا بذلك ،من أجل الوفاء بالدين داخل أجل 82يوما
من التبليغ وإال تمت التنفيذ على املرهون وبيعه باملزاد العلني من أجل استخالص الدين
وفوائده.
إن املقصود من تحديد الطبيعة القانونية لإلنذار العقاري ،هو معرفة ما إذا كان هذا
األخير بمثابة إجراء تنفيذي ،الش يء الذي يترتب عنه أثار الحجز التنفيذي أم أنه ليس إال
مقدمة من مقدمات التنفيذ ،حيث يتعين القيام بإجراء أخر من أجل التنفيذ؟
بعبارة أدق هل تبليغ اإلنذار لكل من املدين الراهن أو الكفيل العيني واملحافظ على
األمالك العقارية ،يمكن اعتباره إجراء أولي ملسطرة النزع الجبري للعقار أم إجراء من
إجراءات التنفيذ التي تمنع املدين الراهن من أي تصرف في امللك املرهون بعد تبليغه
اإلنذار؟
هذه التساؤالت وأخرى أفرزت العديد من االتجاهات الفقهية التي سعت إلى الدفاع
االتجاه األول :يعتبر أن اإلنذار العقاري بمثابة تنبيه عادي ،ونجد في هذا اإلطار
األستاذ "أبو عبد هللا عبد اإلله" الذي يرى " :أن اإلنذار العقاري مجرد تنبيه ينزع ملكية
العقار املرهون ،و يضيف أن إجراءات الحجز ال تباشر إال بعد بقاء اإلنذار العقاري بدون
أثر وأن الطعن في مسطرة اإلنذار العقاري ،ال يترتب عنها وقف إجراءات بيع العقار لكونه
ال يعد طعنا في إجراءات الحجز العقاري ،فضال عن ذلك فالقول بخالف ذلك هو نكر
للفصول املنظمة للحجز التنفيذي املبينة في الفصول 423إلى 412من قانون املسطرة
املدنية" .910
وهو نفس الش يء الذي أكده األستاذ "عبد الواحد بن مسعود " الذي يرى" :أن توجيه
اإلنذار العقاري هو مجرد مقدمة ملسطرة التحصيل الجبري للدين ،قد يتجاوب املدين
الراهن معه بعد توصله به؛ ومن تم تقف اإلجراءات عند هذا الحد ،لذلك ففي هذه الحالة
ال يعد العقار محجوزا بل يتطلب األمر القيام بإجراءات تحويله إلى حجز تنفيذي و التي
م"911. وردت في الفصل 473وما يليه ق م
-910أبو عبد اهلل عبد اإلله " :تعليق حول إبقاء إجراءات التنفيذ العقاري من طرف قاضي المستعجالت" مجلة
المحاكم المغربية ،عدد ،24يناير 1.66،ص 61وما بعدها .
-911عبد الواحد بن مسعود " :اإلنذار العقاري" مجلة البحوث ،العدد الثاني السنة يونيو ،4114ص.32
و هو نفس املوقف الذي تبناه األستاذ "محمد سالم" ،حيث أكد على أنه بالرغم من
أن مجرد توجيه اإلنذار العقاري يترتب عنه بعض آثار الحجز التنفيذي العقاري ،فإنه ال
يتحول بصفة تلقائية إلى الحجز التنفيذي ،بل على العكس من ذلك ينبغي إعمال
م913. مقتضيات الفصل 912473ق م
وفي نفس االتجاه نجد األستاذ "يونس الزهري" الذي دعي إلى ضرورة التمييز بين
مقتضيات املرسوم امللكي املؤرخ في 17دجنبر 1968؛ بحيث يعتبر مجرد اإلنذار بمثابة حجز
تنفيذي عقاري لصراحة مقتضيات الفصلين 61و62من املرسوم امللكي ،وبين اإلنذار
العقاري املوجه للمدين في غير ذلك من الحاالت التي ال يعتبر بمثابة حجز عقاري ،طاملا أن
الدائن يتعين عليه مباشرة اجراءات الحجز وتحرير محضر بذلك بعد بقاء اإلنذار بدون
جدوى914.
وتجدر اإلشارة إلى أن اإلنذار العقاري حسب هذا التوجه ،ال يعد إال إشعار يوجه
للمدين الراهن حيث يتم تبليغه بضرورة األداء تحت طائلة نزع ملكية عقاره املرهون؛ تم
-912ينص الفصل 519من قانون المسطرة المدنية ":ال يقع البيع الجبري للعقارات إال عند عدم كفاية المنقوالت عدا إذا كان
المدين مستفيدا من ضمان عيني.
إذا سبق حجز العقار تحفظيا بلغ العون المكلف بالتنفيذ بالطريقة العادية تحول هذا الحجز إلى حجز تنفيذي عقاري
للمنفذ عليه شخصيا ،أو في موطنه أو محل إقامته.
إذا لم يتأت التبليغ طبقا لمقتضيات الفقرة السابقة أجريت المسطرة طبقا لما هو مقرر في الفصل .4.
-913محمد سالم " :تحقيق الرهن الرسمي في القانون المغربي" ،الطبعة األولى ،مطبعة النجاح الجديدة،
البيضاء ،4114ص.43
-914يونس الزهري " :الحجز التنفيذي على العقار في القانون المغربي" ،مطبعة الوراقة الوطنية ،مراكش ،الطبعة
األولى ،2007ص.270-269
بعد ذلك يتم تحويل اإلنذار إلى حجز تنفيذي بمقتض ى محضر التحويل الذي يحرره عون
التنفيذ ،وعليه فإن اإلنذار العقاري يعتبر إجراء من اإلجراءات املمهدة لعملية التنفيذ.
االتجاه الثاني :يؤكد هذا التوجه الفقهي املذكور أن توجيه اإلنذار العقاري بمثابة
حجز عقاري.
ونجد في هذا االتجاه األستاذة "حبيبة التايس" التي ترى" :أن اإلنذار العقاري هو
أيضا حجز عقاري و ليس إنذارا عاديا و هو يرتب اآلثار التي يرتبها الحجز خصوصا غل يد
املدين من التصرف في العقار و املنع من أي تقييد بشأن العقار خالل مدة سريان مسطرة
جدوى"915. النزع اإلجباري للملكية و أنه يتحول إلى حجز تنفيذي متى بقي اإلنذار بدون
في نفس اإلطار يؤكد األستاذ "محمد خيري" أن اإلنذار العقاري هو بمثابة حجز
تحفظي؛ وأن التنبيه بنزع امللكية و هو عبارة عن أمر يصدره رئيس املحكمة بناء على طلب
أو الدائنين916. الدائن
كما يرى األستاذ "بوجمعة زفو" في نفس االتجاه أن اإلنذار العقاري يعتبر بمثابة إجراء
من إجراءات التنفيذ و ليس مجرد تنبيه فقط ،و يضفي على العقار صفة الحجز حيث ال
-915حبيبة التايس " :اإلشكاالت العلمية في موضوع اإلنذار العقاري" ،المجلة المغربية لقانون األعمال والمقاوالت،
العدد ،4السنة ،4114ص.41
-916محمد خيري " :قضايا التحفيظ العقاري في التشريع المغربي" ،الطبعة الخامسة ،411.مطبعة المعارف
الجديدة الرباط ،ص.312
يمكن للمدين الراهن أن يقوم بأي تصرف بعد هذا اإلنذار كما يمنع املحافظ أيضا من
اإلنذار العقاري917. إجراء أي تقييد جديد بالرسم العقاري بعد تقييد
فضال عن ذلك فإن اإلنذار العقاري يأخذ صفة الحجز بعد تقييده بالرسم العقاري،
حيث يرتب نفس اآلثار الناتج عن الحجز و املتمثلة في املنع من إجراء أي تصرف على العقار
امللكية918. موضوع نزع
من خالل االتجاهات املشار اليها أعاله ،يتضح أن الكفة الراجحة اعتبرت اإلنذار
العقاري بمثابة إجراء من اجراءات التنفيذ على العقار املرهون ،وليس تنبيه عادي هذا من
زاوية أولى أما من زاوية أخري فإن هذا االختالف العميق في الوقت الحاضر لم يعد له ما
يبرره ،بعد أن تدخل املشرع صراحة واعتبر اإلنذار العقاري إجراء من اجراءات التنفيذ
وهو ما كرسه التنزيل لهذا النص القانوني ،919باإلضافة الى املادة 787من م ح ع ،التي
نصت صراحة على ما يلي ..." :يعتبر اإلنذار املذكور بمثابة حجز عقاري وينتج نفس آثاره".
-917بوجمعة زفو " :أثر التحفيظ على تداول الملكية العقارية مقاربة قانونية علمية"،أطروحة لنيل دبلوم الدكتوراه في القانون
الخاص وحدة التكوين والبحث في قانون العقود والعقار ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية جامعة محمد األول،
وجدة ،السنة الجامعية ،4114 -4111ص.414
-918محمد بن الحاج السلمي" :التقييد االحتياطي" ،مقال منشور بمجلة المساحة والعقار ،العدد األول ،السنة ،1..1
ص .14
-919تنص المادة 413من مدونة الحقوق العينية على ما يلي ":يمكن للدائن الحاصل على شهادة خاصة بتقييد الرهن
لفائدته مسلمة له من طرف المحافظ على األمالك العقارية طبقا للشروط المنصوص عليها في الفصل 26من الظهير الشريف
الصادر في .رمضان 14( 1441أغسطس )1.14المتعلق بالتحفيظ العقاري أن يطلب بيع الملك المرهون بالمزاد
العلني عند عدم الوفاء بدينه في األجل.
تكون للشهادة الخاصة المذكورة قوة سند قابل للتنفيذ".
وفي نفس السياق نجد الفصل 12من ظهير التحفيظ العقاري املعدل بالقانون
،92084.02الذي اعتبر اإلنذار العقاري بمثابة حجز عقاري؛ مما يدل بوضوح أن املشرع
املغربي خلص إلى توحيد الجانب اإلجرائي لكل من اإلنذار العقاري والحجز العقاري في شق
واحد ،الش يء الذي سينعكس إيجابا على مسطرة تحقيق الرهن الرسمي من خالل الرفع
على العموم ال يسعنا إال نقول بأن املشرع املغربي جاء بشكل صريح من خالل الفصل
12من ظ ت ع املعدل بالقانون ،84.02واملادة 787م ح ع بأن اإلنذار العقاري يعد بمثابة
فضال عن ذلك يمكن القول بأن اإلنذار العقاري ،يتحول بشكل تلقائي إلى حجز
تنفيذي في حالة عدم الوفاء بالدين إلى الدائن املرتهن في األجل املحدد في اإلنذار ،وذلك
وتفعيال لهذه النصوص نجد العمل القضائي بدوره عبر صراحة بأن اإلنذار العقاري
هو اجراء من اجراءات التنفيذ حيث جاء في قرار استئنافي عن املحكمة التجارية بفاس ما
يلي " :إن مطلع الفصل 12من ذات الظهير يعطي لإلنذار العقاري اسم أمر رسمي بحجز
عقاري ،وأن هذه املقتضيات التدع مجاال للشك في كون التنبيه العقاري إجراء من اجراءات
-920ينص الفصل6.من قانون1391.على ما يلي ":كل حجز أو انذار بحجز عقاري يجب أن يبلغ الى المحافظ على
األمالك العقارية الذي يقيده بالرسم العقاري .وابتداء من تاريخ هذا التقييد ال يمكن اجراء أي تقييد جديد خالل جريان مسطرة
البيع الجبري للعقار المحجوز.
يشطب على الحجز واالنذار بحجز المنصوص عليهما في الفقرة السابقة بناء على عقد أو أمر من قاضي المستعجالت يكون
نهائيا ونافذا فور صدوره".
التنفيذ؛ ويعتبر في الحقيقة بمثابة حجز على أنه يحول دون مباشرة أي تقييد جديد بشأن
العقار ويحول دون التصرف فيه وألن املشرع املغربي عهد إلى كتابة الضبط بالقيام مباشرة
بتنفيذ األحكام".921
كذلك جاء في قرار استئنافي صادر عن املحكمة التجارية بفاس ما يلي" :حيث إن الدين
املطلوب سابقا على الحكم بفتح املسطرة ،كما أن اإلنذار العقاري يعد من اجراءات التنفيذ
مما يتعين معه وقف اجراءات اإلنذار العقاري ،األن من شأن تنفيذه أن يخل باستمرار
استغالل املقاولة املدنية نتيجة التنفيذ على عقارها الذي هو ضروري لهذه االستمرارية
من جهة ،ومن جهة أخرى أنه يخل بمبدأ املساواة بين الدائنين وأنه يتعارض مع الطابع
وفي نفس الصدد قضت املحكمة التجارية بالدار البيضاء في قرار لها بما يلي " :وحيث
انه وبناء على ذلك وبالرجوع إلى مقتضيات املادة 653من مدونة التجارة بأن حكم بفتح
املسطرة يوقف ويمنع كل إجراء للتنفيذ ،يقيمه الدائنون سواء على املنقوالت أو العقارات.
وحيث إن املدعى عليه يهدف من توجيه اإلنذار العقاري إلى تحقيق الرهن في حالة
-921مصطفى المرضي" :اإلنذار العقاري بين التشريع العقاري والعمل القضائي" ،مطبعة األمنية ،الربا ط
،4111ص.36
-922قرار عدد 1143بتاريخ24أكتوبر 2002ملف رقم 12002 ،431منشور بمجلة المعيار العدد 29سنة
،2003ص202وما بعدها
فضال عن ذلك فإن الدين املضمون بالرهن قد نشأ قبل صدور الحكم بفتح مسطرة
التسوية القضائية ،وحيث انه وتبعا لذلك واستنادا الى مقتضيات املادة 653من مدونة
التجارة فإن الحكم القاض ي بفتح مسطرة التسوية القضائية في حق الشركة يوقف اإلجراء
الذي قام به املدعى عليه؛ الرامي إلى التنفيذ على عقارات هذا األخيرة مما يتعين معه
النازلة923"... التصريح بإبطال اإلنذار العقاري موضوع
ان تقييد االنذار العقاري في الرسم العقاري يأخذ صورة الحجز العقاري وينتج نفس
األثار القانونية من قبيل عدم امكانية تداول امللكية موضوع االنذار العقاري.
فضال عن ذلك ان املنع من تداول امللكية العقارية يؤثر على القيمة التجارية للعقار
موضوع االنذار العقاري (أوال) وأن فك االنذار من الرسم العقاري في حالة لم يتم تحقيق
ان تقييد االنذار بالرسم العقاري يقيد سلطة املدين الراهن من التصرف في امللك
موضوع االنذار ,حيث رتب املشرع املغربي جزاء البطالن لكل تصرف مريب يقوم به املدين
-923حكم غير منشور عدد 2003-11035المؤرخ بتاريخ 15دجنبر 2003في الملف رقم
6788-2003-11استشهد به الباحث ،رشيد قافو ،في مقاله المنشور بالمجلة المغربية للدراسات القانونية
والقضائية ص .163
الراهن بعد توجيه االنذار العقاري اليه سواء كان التصرف ماديا ينصب على تغيير معالم
العقار املحفظ املرهون ,أو كان التصرف قانونيا وذلك ببيعه أو تفويته مطلقا.
األنه بتصرفه 924ذلك مس بحقوق الدائن املرتهن ومن تم خالف مقتضيات املادة
812من مدونة الحقوق العينية التي تنص على أنه ":يبقى امللك املرهون تحت يد الراهن
و أكثر من ذلك فالفصل 422من قانون املسطرة املدنية صريح بهذا الخصوص حيث
جاء فيه ما يلي ":يمنع على املنفذ عليه بمجرد تبليغه الحجز أي تفويت في العقار تحت
طائلة البطالن "...الواضح أن املشرع املغربي رتب جزاء البطالن عن كل تصرف مادي أو
تجدر االشارة أن الواقع العملي مختلف تماما عن فلسفة املادة 812من مدونة
الحقوق العينية املشار اليهار أعاله على اعتبار أن املؤسسات املالية عندما تعطي قرض
معين مقابل رهن العقار رسميا تفرض مجموعة من الشروط التي من شأنها تقيد حرية
املدين الراهن في التصرف ومن األمثلة التي ال تختلف فيها املؤسسات البنكية نجد:
عدم السماح بترتيب تحمالت على العقار املرهون دون موافقة املؤسسة
املقرضة.
يونس الزهري " :الحجز التنفيذي على العقار في القانون المغربي" ،مطبعة الوراقة الوطنية ،مراكش ،الطبعة 924
األولى 2007ص11
اشتراط االذن املسبق عند القيام بأي تفويت لكل أو جزء من العقار
و عليه نعتقد أن املمارسة العملية غير سليمة وفيها كثيرا من الشروط االذعانية
والتعسفية التي تجعل املستهلك يقبل بها تحت وطاءة الحاجة لذلك وجب على القضاء
املغربي أن يعيد النظر في الشروط التي تفرضها املؤسسات البنكية على املستهلكين وأخذ
بعين االعتبار التفاوت الصارخ بين أطراف العالقة التعاقدية علما أن هنالك قانون حماية
املستهلك وذلك من أجل تحقيق التوازن العقدي وبناء دولة الحق والقانون.
ان االنذار العقاري يقيد من سلطة املدين الراهن في التصرف على العقار املرهون
من قانون املسطرة املدنية الذي يؤكد على ضرورة توجيه 925422 وذلك من خالل الفصل
االنذار الى املدين الراهن ويجعل هذا االنذار يده مغلولة من حيث استعمال العقار املرهون
أو استغالله ,و أنه اذا لم تكن العقارات مكتراة وقت الحجز فإن املدين الراهن يبقى حائزا
للملك املرهون بصفته حارسا قضائيا الى يوم البيع مالم يصدر اجراء بغير ذلك.
925ينص الفصل 584من قانون المسطرة المدنية على ما يلي ":إذا لم تكن العقارات مكتراة وقت الحجز فإن المنفذ عليه يبقى
حائزا لها بصفته حارسا قضائيا حتى يوم البيع ما لم يصدر األمر بغير ذلك ،ويمكن للمحكمة أن تبطل عقود الكراء إذا أثبت
الدائن أو من رسا عليه المزاد أنها أبرمت إضرارا بحقوقه دون مساس بمقتضيات الفصلين 420و.424
يمنع على المنفذ عليه بمجرد تبليغه الحجز أي تفويت في العقار تحت طائلة البطالن وتعقل ثمار هذا العقار
ومدا خيله عن المدة الالحقة للتبليغ وتوزع بنفس المرتبة مع ثمن العقار نفسه.
يعتبر اإلشعار الموجه للمكترين من العون المكلف بالتنفيذ طبق الطرق العادية للتبليغ بمثابة حجز لدى الغير بين
أيديهم على المبالغ التي كانوا سيؤدونها عن حسن نية قبل التبليغ بالنسبة للمدة الموالية لهذا التبليغ.
مما الشك فيه أن االنذار العقاري يرتب أثار هامة تجاه الدائن املرتهن وهو ما يستشف
من خالل املواد 837الى 832من مدونة الحقوق العينية ,بحيث من حق استيفاء حقه في
الدين عند حلول أجل الوفاء وذلك بعد توجيه انذار الى املدين الراهن.
ان املشرع املغربي شدد من الجزاء في حالة التقاعس عن األداء في تملك العقار
حيث أكد املشرع في املادة 834من مدونة الحقوق العينية أنه ":كل شرط من شأنه
أن يسمح للدائن املرتهن عند عدم الوفاء له بدينه أن يتملك امللك املرهون يكون باطال
لكن انطالقا من مبدأ سلطان االرادة ،هل يسوغ لكل من الدائن واملدين االتفاق
رضاء على بيع امللك دون اتباع االجراءات املنصوص عليها في قانون املسطرة املدنية؟
بالرجوع الى مقتضيات املادة 832من مدونة الحقوق العينية نجد أن املشرع املغربي
ميز بين فرضيتين األولى أن كل اتفاق يرمي الى بيع امللك املرهون دون اتباع االجراءات
القانونية يكون مآله البطالن ،وفي الفرضية الثانية أنه يمكن أن يتفق املدين مع الدائن
بعد حلول أجل الدين على بيع امللك املرهون دون اتباع هذه االجراءات.
من خالل القراءة املتأنية للمادة أعاله يتضح أن املنع يتعلق بكل اتفاق قبلي ال االتفاق
البعدي.
على اعتبار أن امللك موضوع االنذار يوجد في وضعية ال يمكن معها تفويته الى شخص أخر,
ومنه فإن االنذار العقاري يعقل امللك املرهون ويحول دون تداوله وتحقيق الغاية املثلى منه
تانيا :آثار دعوى بطالن اجراءات االنذار العقاري على مسطرة التنفيذ.
إن أثر دعوى البطالن التي يقيمها املدعي تختلف بالنظر إلى أساس الطعن ،فاذا كان
الطعن مؤسسا على خرق إجراء شكلي شاب املسطرة ،فإن قبول الطلب ينتج عنه ابطال
إن أثار الطعن الشكلي على مسطرة التنفيذ في دعاوى املنازعات مسطرة اإلنذار
العقاري تختلف باختالف األسباب املؤسسة عليها كل دعوى ،حيث إن قبول الطلب ينتج
لعل اإلشكال الذي يطرح في هذا اإلطار هو هل اإلجراءات تتوقف تلقائيا عند رفع
دعوى البطالن أم أن األمر يحتاج إلى صدور مقرر قضائي يقض ي بذلك؟
بالرجوع إلى مقتضيات الفصل 414من ق م م ،نالحظ أن املشرع املغربي لم يشر إلى
وقف إجراءات التنفيذ ،إطالقا بل قام باإلحالة على الفصل 419من نفس القانون املتعلق
بدعوى االستحقاق الفرعية ،مما يمكن معه االستنتاج أن الدعويين معا ينتجان نفس
وتجذر اإلشارة إلى أن وقف اإلجراءات من أبرز و أخطر اآلثار املترتبة عن هذه الدعوى،
حيث يتم تجميد االجراءات إلى حين البث في الدعوى 926،والتي يتطلب البت فيها وقت ليس
بالقصير الش يء الدي ينعكس سلبا على القيمة املالية للرهون و على األهمية االقتصادية
للقروض927.
إن األثر الذي تشترك فيه جميع الدعاوى و ينتج عن مجرد إثارتها أو حتى قبل البت
فيها ويتعلق األمر بإيقاف إجراءات التنفيذ عمال بالفقرة الثانية من الفصل 417من ق م
م الذي ينص على ما يلي... ":يمكن رفع هده الدعوى إلى حين إرساء املزايدة النهائية و
و يتبين من خالل الفصل املذكور أعاله أنه يمكن وقف مسطرة التنفيذ كلما كانت
األسباب املبنية عليها جدية ،و ذلك تفاديا لحاالت كثيرة خصوصا عندما يتعلق األمر
بالدعاوى الكيدية التي يمكن أن يقيمها املدينون ذوي النيات السيئة أو من يتواطؤون
إن املنازعة التي تهم اجراء موضوعي كاملنازعة في وجود الدين ،فإن االستجابة إلى
الطلب في هذه الحالة يؤدي إلى إبطال جميع اجراءات التنفيذ دون إعادة إجرائها من جديد.
-926خصوصا و أن الهدف من ممارسة الطعن في اجراءات االنذار العقاري قد ال يكون مشروعا في جميع
األحوال اذ يرفع لمدينون دوي النيات السيئة دعاوى كيدية اضرار بمصالح الدائنين المرتهنين.
-927عماد أ رقراق" :الحجز التنفيذي على العقار –دراسة ميدانية – بحث نهاية التمرين الفوج 41اللحقين
القضائيين ،السنة .4111-411.ص62
والبد من اإلشارة إلى أن الفصل 419من ق م م 928أثار نقاش فقهيا و قضائيا بهذا
االتجاه األول :يؤكد هذا االتجاه أنه بمجرد تقديم املقال االفتتاحي مرفقا باملستندات
التي تثبت االدعاء طبقا للفصل 419من ق م م يوقف اإلجراءات ،و يؤكد نفس االتجاه أن
الدعوى929 عون التنفيذ يتوقف من مواصلة اإلجراءات في حالة رفع هده
وفي نفس االتجاه يؤكد األستاذ "يونس الزهري" 930على ما يلي ":إن الفصل 414من
ق م م ينص على أنه عند تقديم دعوى البطالن ،فإنه إذا اعتبرت املحكمة أنه ال موجب
لوقف إجراءات اإلنذار العقاري كان حكمها مشموال بالنفاذ املعجل رغم كل تعرض أو
استئناف ،الش يء الذي يفهم منه عقال و منطقا أن إجراءات التنفيذ قد توقف بمجرد
تقديم مقال الطعن ،فاذا تبين لها أن الوقف غير مبرر أمرت بمواصلة إجراءات التنفيذ
-928ينص الفصل 364من ق م م على ما يلي" يجب على طالب االستحقاق لوقف االجراءات أن يقدم دعواه
أمام المحكمة المختصة و يودع دون تأخير وثائقه.
ويستدعي المحجوز عليه والدائن الحاجز الى أقرب جلسة ممكنة االبداء اعتراضهما واذا اعتبرت المحكمة أنه
الموحب لوقف اجراءات الحجز العقاري كان حكمها مشموال بالتنفيذ المعجل رغم كل تعرض أو استئناف"،
-929محمد جالل" :االنذار العقاري التعرض عليه" ،مقال منشور بمجلة المحامي – العدد الرابع -سنة
1.6.ص2
-حبيبة التايس " :اإلشكاالت العملية في موضوع اإلنذار العقاري" مقال منشور بالمجلة المغربية لقانون األعمال
والمقاوالت عدد 4في ماي 4114الصفحة 24
-930يونس الزهري" :الحجز التنفيذي على العقار في القانون المغربي" ،مطبعة الوراقة الوطنية ،مراكش ،الطبعة
األولى 2007ص 11م س ص4.
وهذا االتجاه عززه القضاء وذلك بالنظر إلى قرار صادر عن محكمة االستئناف
التجارية بفاس 931حيث جاء فيه ما يلي ":إن املنازعة في اإلنذار العقاري أساس مسطرة
تحقيق الرهن و عرض النزاع بشأنه أمام قضاء املوضوع ،يشكل وبحق صعوبة في التنفيذ
ويبرر بالتالي إيقاف التنفيذ إلى حين الفصل في النهائي في طلب إبطال اإلنذار".
وفي نفس االتجاه نجد أمر استعجالي صادر عن رئيس املحكمة االبتدائية بالدار
البيضاء 932الذي جاء فيه ما يلي... ":و حيث يفهم من هذا النص أن مجرد تقديم دعوى و
إيداع الوثائق دون تأخير يوقف إجراءات تنفيذ الحجز العقاري ،و أن املحكمة ملزمة،
باستدعاء الطرفين إلى أقرب جلسة ممكنة و أنها اعتبرت أن هذه الدعوى غير مبنية على
أساس ،فإنها تصرح بأنه ال موجب لوقف إجراءات الحجز العقاري ،و في حالة ما إذا تم
إن وقف اجراءات التنفيذ يكون مباشرة بعد قبول الدعوى اذا كانت الدعوى غير
مبنية على أساس قانوني اليؤتر على اجراءات التنفيذ ولكن متى كان العكس فإن إجراءات
-931القرار االستئنافي رقم 14.في الملف عدد 1.33-14بتاريخ 41-11-4114أوردته "هاجر منيوي"
م س ص11
-932أمر استعجالي رقم 3.4-2336في الملف عدد 61-31..مؤرخ في 1.61-11-13منشور بمجلة
المحاكم المغربية عدد 24يناير ص36
و حيث أنه تطبيقا للفصل 843من ق م م ،933فإن قاض ي املستعجالت يختص كلما
توفر بنص من الصعوبات املتعلقة بتنفيذ حكم أو سند قابل للتنفيذ ،حيث أنه في النازلة
فإن هناك اشكاال قانونيا في متابعة إجراءات تنفيذ الحجز العقاري ،باعتبار أن هناك دعوى
من أجل بطالن التنبيه العقاري ،و أن هناك طلبا و نسخة من هذا املقال قدمت لرئيس
مصلحة كتابة الضبط ومع ذلك فإن هذا األخير يطالب بصدور مقرر قضائي في شأن وقف
إجراءات التنفيذ.
إن الدعوى رامية إلى إبطال اإلنذار العقاري وتطبيقا األحكام الفصل 414من ق م م،
الذي يحيل على الفصل 419من ق م م فإن هذه الدعوى توقف إجراءات التنفيذ تلقائيا،
و أن محكمة املوضوع هي التي ستأمر بمواصلة إجراءات التنفيذ اذا اعتبرت أنه ال موجب
لوقف الحجز العقاري ،لذا فإنه يتعين إصدار أمر إلى عون التنفيذ بأن يوقف هذه
االتجاه الثاني :يؤكد أصحاب هذا االتجاه أنه ال يترتب عن دعوى الطعن في مسطرة
-933ينص الفصل 659من قانون المسطرة المدنية على ما يلي ":يختص رئيس المحكمة االبتدائية وحده بالبت بصفته قاضيا
للمستعجالت كلما توفر عنصر االستعجال في الصعوبات المتعلقة بتنفيذ حكم أو سند قابل للتنفيذ أو األمر بالحراسة القضائية
أو أي إجراء آخر تحفظي سواء كان النزاع في الجوهر قد أحيل على المحكمة أم ال ،باإلضافة إلى الحاالت المشار إليها في
الفصل السابق والتي يمكن لرئيس المحكمة االبتدائية أن يبت فيها بصفته قاضيا للمستعجالت.
إذا عاق الرئيس مانع قانوني أسندت مهام قاضي المستعجالت إلى أقدم القضاة.
إذا كان النزاع معروضا على محكمة االستيناف مارس هذه المهام رئيسها األول.
تعين أيام وساعات جلسات القضاء المستعجل من طرف الرئيس".
ومبرر هذا الطرح مقتضيات الفصل 414من ق م م الذي علق أثر الوقف على تحقق
الشرط املتعلق بكون الوثائق املسحوبة مبنية على أساس صحيح يبرر هذا الوقف ويؤكد
نفس االتجاه بأن الوقف التلقائي اإلجراءات التنفيذ فيه إهدار لحقوق الدائن و أنه فرصة
لذوي النيات السيئة و أصحاب الدعاوى الكيدية الذين يهدفون الى عرقلة سير مسطرة
التنفيذ مما يجعل الرهن الرسمي و الشهادة الخاصة يفقدان قيمتهما القانونية
واالقتصادية934.
و في نفس االطار نجد األستاذ "أحمد عكاشة" الدي يؤكد على عدم ترتيب أثر وقف
إجراءات التنفيذ ،في حالة رفع دعوى بطالن االجراءات مهما كانت القيمة القانونية للوثائق
املرفقة باملقال ؛و يجب االستمرار في التنفيذ مع منح الفرصة للمتضررين في تقديم طلباتهم
أمام القضاء بطلب مستقل بهدف الحصول على ايقاف التنفيذ الدي يتم بناء ا على مقرر
قضائي".935
و في نفس االتجاه أيضا نجد األستاذ "أحمد النويض ي" الدي أكد على أن دعوى
بطالن اجراءات الحجز ال تؤدي إلى وقف هذه األخيرة ،بشكل فوري بل على طالب البطالن
تقديم طلب موازي من أجل وقف إجراءات التنفيذ والغاية من وراء هذه اإلجراءات هي
-934نبيل السفياني " :االنذار العقاري على ضوء التشريع والقضاء" رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص،
كلية الحقوق -طنجة -الموسم الجامعي 411.-4111ص42
-935أحمد عكاشة " :استخالص الديون البنكية عن طريق القضاء" ،عرض قدم بالندوة الثالثة للعمل القضائي
والبنكي –الرباط –يونيو 1..4نشرة بالمعهد الوطني للدراسات القضائية ،ص 414
مواجهة أصحاب النيات السيئة ؛الذين يهدفون الى إقامة دعوى البطالن من أجل عرقلة
فقط936. إجراءات التنفيذ
ويجد هذا بدوره تطبيقا لدى محاكم اململكة وذلك من قبيل .األمر االستعجالي
الصادر عن رئيس املحكمة االبتدائية بالدار البيضاء الدي جاء فيه ما يلي ":ال يمكن خلق
صعوبة في تنفيذ أمر عقاري بمجرد وضع مقال من أجل التعرض على اإلنذار العقاري دون
اتباث أسباب معقولة ووجيهة من شأنها أن تحدث صعوبة قانونية وواقعية في التنفيذ".937
و نحن بدورنا نميل إلى هذا االتجاه األخير ونرجح املبررات التي ستند عليها هذا االتجاه
من جهة و من جهة أخرى لكون املشرع املغربي نظم مسطرة إيقاف التنفيذ في الفصل 842
من ق م م ،938الذي يشترط تقديم طلبات إيقاف التنفيذ املعجل بمقال مستقل عن
-936أحمد النويضي " :القضاء المغربي واشكاالت التنفيذ الجبري لألحكام" ،مطبعة وراقة الكتاب –فاس -الطبعة
األولى1..2 ،ص11.أشارت اليه "هاجر منيوي " :م س ص11
-937أمر استعجالي عدد 41.-4.21في ملف عدد 62-4412منشور بمجلة المحاكم المغربية
عدد46يوليوز 1.62ص6.
-938ينص الفصل 658من قانون المسطرة المدنية على ما يلي ":يجب أن يؤمر بالتنفيذ المعجل رغم التعرض أو
االستيناف دون كفالة إذا كان هناك سند رسمي أو تعهد معترف به ،أو حكم سابق غير مستأنف.
يجوز دائما األمر بالتنفيذ المعجل بكفالة أو غيرها حسب ظروف القضية التي يجب توضيحها.
غير أنه يمكن تقديم طلبات إيقاف التنفيذ المعجل بمقال مستقل عن الدعوى األصلية أمام المحكمة التي تنظر في
التعرض أو االستيناف.
تستدعي المحك مة بمجرد ما يحال عليها هذا المقال الذي يجب أن ال يضاف إلى األصل األطراف للمناقشة والحكم
في غرفة المشورة حيث يمكن لهم أن يقدموا مالحظاتهم شفويا أو كتابيا .ويجب أن تبت المحكمة داخل ثالثين يوما.
يمكن رفض الطلب ،أو إقرار إيقاف التنفيذ المعجل إلى أن يقع البت في الجوهر ،أو األمر بإيقاف التنفيذ المعجل لمدة
معينة أو تعليق متابعة التنفيذ كليا أو جزئيا على تقديم كفالة من طالبه.
م939 فضال على كون املحكمة ال تبت إال في حدود الطلبات عمال بالفصل 9من ق م
و بالتالي ال تملك حق البت في طلب ايقاف التنفيذ من عدمه بصفة تلقائية ،فإن فعلت
تكون قد حكمت بما لم يطلب منها أو أكثر مما طلب منها و هو الش يء الدي ال يجوز قانونا.
يمكن أيضا الترخيص للطرف المحكوم عليه بإيداع المبلغ الكافي لضمان القدر المحكوم به في األصل بكتابة ضبط
تعينها المحكمة أو بين يدي شخص آخر عين لهذه الغاية باتفاق األطراف .ويكون المبلغ المودع لصالح الطرف
المتابع وحده.
ترفع اليد عن اإليداع بمجرد صدور الحكم النهائي في الجوهر.
ال تطبق مقتضيات الفقرات الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة والسابعة من هذا الفصل إذا كان التنفيذ المعجل بقوة
القانون".
-939ينص الفصل 2من قانون المسطرة المدنية على ما يلي ":يتعين على المحكمة أن تبت في حدود طلبات األطراف وال
يسوغ لها أن تغير تلقائيا موضوع أو سبب هذه الطلبات وتبت دائما طبقا للقوانين المطبقة على النازلة ولو لم يطلب األطراف
ذلك بصفة صريحة ".
خاتمة:
إن اإلنذار العقاري معطى مهم في املسطرة القضائية؛ بمعنى أن مسطرة التنفيذ على
العقار املرهون ينبني فقط على شهادة التقييد الخاصة باعتبارها سند تنفيذي مهم ،يغني
صاحبه من متاعب طرق باب القضاء بهدف صدور مقرر قضائي قصد التنفيذ على العقار
املرهون.
عموما إن أهمية اإلنذار العقاري تتجلى في الخصوصيات التي ينفرد بها من خالل
خروجه عن القواعد العامة ،فإذا كانت القاعدة في التنفيذ الجبير أن يقع أوال التنفيذ
على املنقوالت ثم بعد ذلك العقارات بالنسبة لإلنذار العقاري خالف ذلك حيث يتم التنفيذ
على العقار املرهون موضوع اإلنذار العقاري أوال ،ثم بعد ذلك املنقوالت وفي حالة عدم
كفاية حصيلة التنفيذ ومن هنا تظهر لنا حقيقة أهمية هذا املوضوع.
الئحة املراجع:
املختار العطار "الرهن البحري في التشريع ملغربي "أطروحة لنيل الدكتوراه في
القانون الخاص ،جامعة الحسن الثاني ،كلية لعلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية،
محمد بفقير "مدونة التجارة والعمل القضائي املغربي" منشورات دراسات قضائية
سلسلة القانون و العمل القضائي املغربيين ،مطبعة النجاح الجديدة –الدار البيضاء
محمد سالم " :تحقيق الرهن الرسمي في القانون املغربي" ،الطبعة األولى ،مطبعة
يونس الزهري " :الحجز التنفيذي على العقار في القانون املغربي" ،مطبعة الوراقة
مصطفى املرض ي" :اإلنذار العقاري بين التشريع العقاري والعمل القضائي" ،مطبعة
21.02
The position of creditors within the framework of the bailout procedure
مقدمة:
تلعب املقاولة دورا أساسيا في إرساء البناء االقتصادي ،لذلك نجد أن املشرع املغربي
عمل على إدخال عدة إصالحات ،همت على الخصوص املجاالت التي لها ارتباط بميدان
املال و األعمال ،والتي كان أبرزها إحداث مسطرة اإلنقاذ بموجب القانون رقم29.82:
الناسخ واملعدل للكتاب الخامس من مدونة التجارة940،وذلك محاكاة من املشرع ملا يتم
العمل به في التشريعات املقارنة ،خاصة التشريع الفرنس ي ،الذي قام بإحداث هذه املسطرة
ضمن قانون اإلجراءات الجماعية بمقتض ى القانون رقم 142-02:الصادر بتاريخ 77يوليوز
.7002
وبذلك يكون املشرع سار على نفس نهج التشريعات الحديثة ،من خالل رهانه على
تطوير وتدعيم مساطر الوقاية بإجراءات إنقاذية وقائية ذات طابع قضائي بامتياز ،لكون
التجربة العملية أبانت على أن أغلب املقاوالت ال تلجأ إلى القضاء إال إذا توقفت عن األداء،
940ـ يتعلق األمر بالقانون رقم 21.22 :الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.06صادر في 0شعبان 1400
(10ابريل )0311المنشور بالجريدة الرسمية عدد 6667الصادر في 00أبريل 0311ص .0042:وأهم ما تضمن
هذا القانون تطوير آليات الرصد المبكر للصعوبات من خالل إضافة مسطرة جديدة "مسطرة اإلنقاذ" التي من أبرز
شروطها عدم التوقف عن الدفع؛ ووجود صعوبات ال يمكن تجاوزها.
مما يتعذر معه إسعافها األمر الذي دفع املشرع إلى التفكير في إحداث مسطرة اإلنقاذ لكونها
تتضمن تدابير فعالة أبرزها الرصد املبكر لصعوبات قبل أن تؤدي إلى التوقف عن الدفع.
ويترتب عن قبول افتتاح مسطرة اإلنقاذ التأثير على املراكز القانونية ملختلف األطراف
املتعاملة مع املقاولة ،سواء تعلق األمر باألجراء أو الدائنين ،مع تمييز القضاء في ترتيب هذه
اآلثار بين الدائنين الذين نشأت ديونهم قبل فتح املسطرة ،والدائنين الذين نشأت ديونهم
بعد حكم املحكمة محاولة منه لتشجيع الدائنين الالحقين على املساهمة في إنقاذ
إلى أي حد استطاع املشرع املغربي بموجب قانون 29.82توفير الحماية الالزمة لدائني
وإلجابة عن هذه اإلشكالية ارتأينا إتباع الخطة اآلتية :املبحث األول :املركز القانوني
لدائنين السابقين الفتتاح مسطرة اإلنقاذ .املبحث الثاني :املركز القانوني لدائنين الالحقين
يترتب عن حكم املحكمة القاض ي بفتح مسطرة اإلنقاذ ،منع جميع الدائنين
الناشئة ديونهم قبل افتتاح هذه مسطرة ،من إقامة الدعاوى الفردية ضد املقاولة املتعثرة،
في مقابل ذلك ألزم هذه الفئة من الدائنين بمجرد صدور حكم املحكمة ،بالخضوع اإللزامي
للمسطرة التصريح بالديون للحصول على الحماية القضائية ،ملا لذلك من أهمية في خلق
نوع من التوازن بينهم و بين املقاولة الخاضعة لحماية القضائية في إطار مسطرة اإلنقاذ.
املطلب األول :الخضوع ملسطرة التصريح بالديون لحصول على الحماية القانونية
ألزم املشرع الدائنين السابقين 941لحكم املحكمة القاض ي بفتح مسطرة اإلنقاذ،
بإلزامية التصريح بديونهم داخل األجل القانوني ،حماية لهم من أي ضياع محتمل
وتعد مسطرة التصريح بالديون اآللية الوحيدة من حيث املبدأ املمنوحة للدائنين
السابقين لفتح مسطرة اإلنقاذ ،لتأمين مراكزهم القانونية ،وذلك من خالل التصريح عن
ديونهم وعن طبيعته ،خالل اآلجال القانونية املخولة لهم تحت طائلة سقوط الدين.
وعموما فإن مسطرة التصريح يجب أن تتضمن مبلغ الدين املستحق على ذمة
املقاولة املتعثرة بتاريخ فتح مسطرة اإلنقاذ ،مع اإلشارة إلى طبيعة االمتياز أو الضمان الذي
به942. قد يكون الدين مقرونا
-8كل العناصر التي من شانها أن تثبت وجود الدين ومبلغه إذا لم يكن ناجما عن سند؛
نزاع943. -9اإلشارة إلى املحكمة التي رفعت إليها الدعوى ،وإن كان الدين موضوع
وتجدر اإلشارة كذلك إلى أن هذا التصريح ينبغي أن يكون مرفقا بجدول وثائق
اإلثبات ،و التي يمكن تقديمها على شكل نسخ ،مع تخويل السنديك اإلمكانية في أن يطلب
تكميلية944. في أي وقت تقديم أصولها أو وثائق
وفي هذا اإلطار تقدمت شركة ( )....بواسطة بصفتها دائنا مصرح بدينه في مواجهة
شركة( )...الخاضعة ملسطرة اإلنقاذ بتاريخ 7081/80/8في امللف رقم ...بتصريح إلى
و لكي يتم تحقيق الغاية من التصريح بالديون الناشئة قبل فتح مسطرة اإلنقاذ ،يجب
أن تتم مساعدة السنديك قصد تشخيص الوضعية املالية الحقيقية ملقاولة ،وذلك من
خالل مقارنة خصوم املقاولة بأصولها املتوفرة ،من أجل اقتراح البرنامج املالئم الذي من
شأنه أن يساهم في إعادة هيكلة املقاولة ،مما كان معه لزاما على املشرع أن يقوم بتحديد
ولقد حدد املشرع املغربي بموجب املادة 270من م.ت آجال متعددة ،تختلف بحسب
صفة الدائن إذ ألزمت الدائنين املدرجين بالقائمة املدلى بها من طرف املدين وكذا الدائنين
املعروفين لدى السنديك والدائنين الحاملين لضمانات أو عقد االئتمان اإليجاري ثم
.إشهارهما ،بتصريح داخل أجل شهرين ابتداء من تاريخ اإلشعار من طرف السنديك .
ويمدد هذا األجل في حالة كان الدائنون يقطنون خارج تراب اململكة املغربية ،ليصبح
أما إذا تعلق األمر بالدائنين املتعاقدين مع املقاولة ،فإن أجل التصريح بالديون ينتهي
باكتمال خمسة عشر يوما بعد تاريخ الحصول على التخلي عن مواصلة العقد الرابط بين
املقاولة واملتعاقد،شريطة أن يكون تاريخ التخلي قد جاء الحق لتاريخ الشهرين أو األربعة
أشهر املحددة في املادة أعاله ،لكون التصريح ال يعتد به في هذه الحالة إذا كان التخلي قد
األجل946. تم قبل هذا
ويكون لزاما على جميع الدائنين السابقين القيام بالتصريح إلى السنديك ،داخل
اآلجال القانونية املحددة وفق املادة 270من م.ت ،وأن أي دائن يتقاعس على التصريح
بدينه داخل األجل املحدد ،فإن ذلك يترتب عليه تلقائيا سقوط هذا الدين 947،بمعنى اخر
أن أي إخالل من طرف الدائنين الخاضعين لتصريح بالديون بهذا اإلجراء يكون جزاءه
الديون948. سقوط
وعليه لكي تستفيد هذه الفئة من الدائنين الخاضعة ملسطرة التصريح من الحماية
القانونية ومن ثم الحفاظ على حقوقهم من الضياع يجب عليهم القيام بالتصريح داخل
اآلجال القانونية ،وفي هذا االطار جاء في مقرر للقاض ي املنتدب باملحكمة التجارية بالدار
947ـد
البيضاء "....وبناء على تقرير السنديك املدلى به من قبل ،والذي جاء فيه أن الدين املصرح
الفقرة الثانية :الحماية القانونية و القضائية للدائنين السابقين خالل مسطرة تحقيق
الديون
يسهر جهاز القاض ي املنتدب ،بعد تلقيه الئحة الديون املنجزة من طرف السنديك،
على اتخاذ القرار املتمثل في قبول الدين أو رفضه أو معاينة دعوى جارية ،مما يفهم من
ورائه أن مسطرة تحقيق الديون تمر من مرحلتين :مرحلة التحقيق القبلي والتي تعد من
اختصاص جهاز السنديك تم مرحلة التحقيق والتي يختص بها القاض ي املنتدب و يمتلك
خاللها كل الصالحية في تحديد وضعية الدائنين السابقين ،من خالل املقررات التي تصدر
عنه والتي يقرر بموجبها إما قبول الدين أو رفضه أو القيام بمعاينة وجود دعوى جارية أو
إصدار مقرر يقض ي بكون املنازعة ال تدخل ضمن االختصاصات املخولة له بموجب
وعموما فإن املشرع حدد مهام السنديك خالل مسطرة التحقيق القبلي لديون
ملسطرة تحقيق الديون في إعداد قائمة بالديون املصرح بها ،بمساعدة كل املراقبين
بحضور رئيس املقاولة ،وفي حالة وقوع أي نزاع بين األطراف ،فإن السنديك يقوم بإخبار
الدائن برسالة مضمونة الوصول مع اإلشعار بالتوصل ،لكي يدلي هذا األخير بمقترحاته،
لكي يتم االعتداد بشروحاته من طرف يوما950 شريطة عدم تجاوز الدائن ألجل ثالثين
951 السنديك.
و كما ينبغي عليه القيام باإلشارة إلى مقترحاته املتعلقة بقبول الدين من عدمه أو
اإلحالة على املحكمة في حالة وجود نزاع ،وهو ما أكدت عليه املادة 272من م.ت التي نصت
على ما يلي" يعد السنديك داخل أجل .....ابتداء من صدور حكم فتح املسطرة بعد مطالبة
رئيس املقاولة بإبداء مالحظاته على التوالي مع استالم التصريحات بالديون،قائمة بالديون
تبعا لذلك يمكن القول أن هذه املرحلة تعد مرحلة حاسممة في تحديد املركز
القانوني لدائنين السابقين لفتح مسطرة اإلنقاذ من طرف القاض ي املنتدب ،وفي هذا
الصدد قام سنديكا شركة ( )....املفتوحة في حقها مسطرة اإلنقاذ بإدالء بتقريره إلى
القاض ي املنتدب ،والذي تضمن الدين املصرح به داخل األجل القانوني ،مع إشارته إلى أنه
الدين952. سبق أن عرض الدين على رئيس املقاولة ،وأن هذا األخير صرح بعدم منازعته في
القضائي والتي تعد املرحلة النهائية لتحديد وضعية الديون املصرح بها من طرف الدائنين
السابقين لفتح مسطرة اإلنقاذ بطبيعة الحال بعد التأكد من احترامها التام لكل اإلجراءات
املسطرية املنظمة ملسطرة التصريح والتي في مقدمتها التصريح خالل اآلجال املحددة قانونا.
وعلى العموم فإن القاض ي املنتدب يقرر بناء على اقتراح السنديك 953إما
-قبول الدين :حيث إن جهاز القاض ي املنتدب في هذه الحالة يعمل على قبول كل
الديون املصرح بها داخل اجل القانوني ،والتي سبق ملدين أن أدلى أو قام بتصريح بعدم
منازعته فيها ،إذ أصدر القاض ي املنتدب باملحكمة التجارية بالدار البيضاء أمرا بقبول دين
شركة( )......في مواجهة شركة ( )...الخاضعة ملسطرة اإلنقاذ في حدود ( )...و ذلك بعد
التأكد من توافر الشروط املتطلبة قانونا بمسطرة التصريح ،خاصة اآلجل القانوني
لتصريح والسند املثبت لدين ،إذ جاء في أمره ما يلي.." :وحيث إن مبلغ املديونية الثابت في
ذمة املصفى لها ....بمقتض ى األمر باألداء ....وحيث أن املدين لم ينازع في الدين ...مما يتعين
954. معه قبول الدين املصرح به
-رفض دين :حيث إن جهاز القاض ي املنتدب يجد نفسه مضطرا إلى إقرار رفض الدين
في الحالة إذا ما ثم االخالل بالشروط املتعلقة بمسطرة التصريح ،ونذكر على سبيل املثال
ما جاء في مقرر القاض ي املنتدب باملحكمة التجارية بالدار بيضاء ما يلي ":ومن املقرر قانونا
أن عدم التصريح بالدين بصفة نظامية ،وعدم رفع سقوط األجل يعد من أسباب االنقضاء
الدين955. مما يتعين معه التصريح برفض
ـ معاينة دعوى جارية :حيث أن عدم وجود أي وثائق تثبت املديونية تجعل القاض ي
املنتدب يلجأ إلى هذا اإلجراء ،وهو ما ذهب إليه القاض ي املنتدب باملحكمة التجارية
بالداربيضاء بإصدار أمره بمعاينة الدعوى الجارية بخصوص دين مصرح به ،بعد التماس
السنديك التصريح باملنازعة في املديونية حسب رأي رئيس املقاولة ،ومن تم التصريح في
املسطرة من طرف القاض ي املنتدب علنيا وابتدائيا وحضوريا :بمعاينة وجود دعوى جارية
بخصوص الدين املصرح به من طرف ( ).....في مواجهة شركة ().....وأمر كاتب الضبط
اإلشعار بالتوصل956. بإشعار األطراف بهذا املقرر برسائل مضمونة مع
ـ الدفع بعدم االختصاص :حيث كلما تبين للقاض ي املنتدب أن املنازعة تتجاوز
االختصاص النوعي ملحكمته ،للتدخل في اختصاص محكمة أخرى ،يقوم بإصدار مقرر
يقض ي بعدم االختصاص .خصوصا عندما يتعلق األمر بالديون العمومية التي هي من
اختصاص املحاكم اإلدارية وليس القاض ي املنتدب ،وهو ما ذهب إليه القاض ي املنتدب
باملحكمة التجارية بالداربيضاء بإصدار أمره بعدم االختصاص لكون النزاع يتعلق بوعاء
فرض الديون العمومية لكونه من اختصاص املحاكم اإلدارية في إطار املنازعات الضريبية،
إذ جاء في مقرر ما يلي" نصرح في املسطرة علنيا و ابتدائيا وحضوريا بعدم االختصاص
امللف957". للبت في
املبحث الثاني :وضعية الدائنين الناشئة ديونهم بعد افتتاح مسطرة اإلنقاذ
يختلف املركز القانوني لدائنين الالحقين عن غيرهم ،إذ ال يواجهون بالقيود التي
تفرضها مرحلة املالحظة ،وذلك سعيا من املشرع لتحفيز هذه الفئة من الدائنين على تمويل
يالحظ من خالل مقتضيات املادة 958272من م.ت أن الدائنين الناشئة ديونهم بعد
فتح مسطرة اإلنقاذ ،ال تتم مواجهتهم بالقيود التي تفرضها مرحلة إعداد برنامج
اإلنقاذ ،وذلك راجع إلى كون هذه الفئة من الدائنين ،يتم استفاء ديونها باألولوية على جميع
ولكي يستفيد الدائنون الالحقون لفتح مسطرة اإلنقاذ ،من حق االمتياز املخول لهم
قانونا يجب أن تتوفر في ديونهم مجموعة من الشروط نوردها وفق الشكل االتي تباعا.
957
ـ
958ـد
يكون لزاما على الدائنين الالحقين لفتح مسطرة اإلنقاذ إثبات أن الديون املطالب بها
قد نشأت بعد فتح مسطرة اإلنقاذ ،من أجل االستفادة من حق االمتياز املخول لهم قانونا،
وكذا لكي ال تتم مواجهتهم بالقيود التي تفرضها مرحلة إعداد الحل من هذه
املسطرة 959،ويتم ذلك من خالل مقارنة تاريخ صدور الحكم بافتتاح مسطرة اإلنقاذ بتاريخ
نشأة الدين 960،للتأكيد أنه فعال قد نشأ بعد افتتاح مسطرة اإلنقاذ.
تبعا لذلك فإن العقود الجارية الوجود املبرمة قبل فتح مسطرة اإلنقاذ ،والتي سبق
للسنديك أن طالب بمواصلة تنفيذها بعد افتتاح هذه املسطرة ،تبقى بدورها مستفيدة
أيضا من حق األولوية املكرس بموجب املادة 272من م.ت ،ألن الديون الناتجة عنها قد
سواء أكانت عقدية أو املسؤولية املدنية961 أما إذا تعلق األمر بالديون الناتجة عن
تقصيرية ،فإن املعيار املحدد لنشوء الدين يتمثل في تاريخ ارتكاب الفعل الضار في حالة
كانت املسؤولية تقصيرية ،أما إذا كانت املسؤولية عقدية فإن املعيار املحدد هو تاريخ
القضائي بالتعويض962. اإلخالل بااللتزام العقدي وليس تاريخ صدور حكم
وال يكفي إثبات أن الديون املطالب بها قد نشأت بعد فتح مسطرة اإلنقاذ ،من طرف
الدائنين الالحقين بل يجب أن تكون هذه الديون نشأت بصورة قانونية؛ أي أنها قد نشأت
في إطار القواعد املؤطرة لتدبير شؤون املقاولة املدينة إبان فترة إعداد الحل.
تبعا لذلك ،فإن ديون الدائنين الالحقين الناتجة بعد فتح مسطرة اإلنقاذ ال تستفيد
من حق االمتياز إال إذا ما تمت وفق ما تقتضيه القيود القضائية املحددة لصالحيات رئيس
املقاولة أو املمثل القانوني لشركة ،خاصة حيث التسيير ،و بضبط في الحاالت التي ينبغي
الحصول على ترخيص مسبق من طرف القاض ي املنتدب ،كما وهو عليه األمر عند قيام
رئيس املقاولة بتقديم رهن رسمي أو رهن حيازي أو أي إجراء من اإلجراءات الصلح أو
ي963. التراض
والجدير بالذكر أنه في حالة استمرارية املقاولة في استغالل نشاطها بعد انتهاء مرحلة
إعداد الحل دون أن يقوم القضاء بحصر برنامج إنقاذ املقاولة املدينة ،فإن الديون الناتجة
أثناء هذه املدة ،ال يمكن بأي حال من األحوال أن نعتبرها ديون قد نشأت بصورة
االستمرار غير قانوني964. قانونية ،مادامت ناتجة عن
وبالتالي تكون معه هذه الديون غير مشمولة بحق األولوية املكرس بموجب املادة 272
يعد هذا الشرط ضروريا الستفادة من حق األولوية ،حيث لم نكن نجد أي إشارة له
في إطار النظام القانوني القديم 965،بخالف ما عليه األمر في ظل القانون رقم 29.82الذي
حصر مجال نطاق حق األسبقية في الديون املتعلقة بحاجيات سير مسطرة اإلنقاذ أو
املتعثرة967. بنشاط املقاولة 966،خالل فترة إعداد البرنامج الكفيل بإنقاذ املقاولة
وترجع الغاية من تكريس هذا الشرط من طرف املشرع محاولة منه لتوفير أكبر قدر
من الدعم املالي ملقاولة خالل مرحلة املالحظة من أجل ضمان استمرارية النشاط.
تبعا لذلك ،تكون كل ديون الدائنين الالحقين لفتح مسطرة اإلنقاذ غير املتعلقة
بحاجيات سير مسطرة اإلنقاذ أو بضمان استمرارية استغالل النشاط االقتصادي أثناء
فترة إعداد الحل النشاط ،غير مشمولة بامتياز حق األسبقية املنصوص عليه في املادة 272
من م.ت ،و نفس األمر يسري في الحاالت املتعلقة بالحاجيات الشخصية والعائلية لرئيس
املقاولة.
965ـ يتعلق
يستشف من خالل مقتضيات املادة 272من م.ت ،أن امتياز حق األولوية املخول
لدائنين الالحقين يترتب عنه آثارين :أولهما أداء الديون فى تورايخ املستحقة ،أما االخر
فيتمثل في استخالص هذه الديون باألفضلية على كافة الديون بغض النظر عن طبيعتها.
وعلى الرغم من ذلك فإن حق االمتياز يبقى مقيدا بمجموعة من االستثناءات تجعل
منح املشرع املغربي لكل الدائنين الناتجة ديونهم بعد فتح مسطرة اإلنقاذ ،حق
األسبقية في استفاء ديونهم في التاريخ املحدد لها ،على باقي الدائنين بغض النظر عن
الضمانات أو االمتيازات املقرونة بها ديونهم في حالة تعذر أدائها 968،ملا لذلك من تشجيع
لدائنين الالحقين من أجل التعامل مع املقاولة ،في هذه املرحلة الحرجة املتواجدة عليها،
مما يفرض عليها إلزامية الوفاء في تاريخ املحدد ،اللهم إذا قبل الدائن عن طواعية تمديد
أجل االستحقاق.
تبعا ملا سبق ،فإن الدائنين الالحقين املستفيدين من حق األولوية ،يحق لهم املطالبة
بديونهم فور حلول اآلجال ،دون أي خضوع لقيود امللزمة لدائنين السابقين لفتح مسطرة
اإلنقاذ كوقف املتابعات الفردية في مواجهة املقاولة الخاضعة لحماية القضائية ،واالكتفاء
وفي هذا الصدد جاء في قرار ملحكمة االستئناف التجارية بالدار بيضاء مايلي"..إن من
أهم االثار التي تترتب على حق األسبقية ...أن الديون املشمولة بهذا الحق تؤدى في تاريخ
استحقاقها مهما كانت املرحلة التي قطعتها املسطرة ...وبالتالي فهي ال تخضع ملسطرة
بناء على ذلك فإن الدائنين الالحقين ،يبقى كامل الحق في ممارسة كل إجراءات
القانونية الرامية للتنفيذ على املدين ،سواء كان ذلك من خالل الحجز التحفظي أو
التنفيذي على أموال املقاولة ،وكذا الحق في استخالص كل الفوائد الناتجة عن
تأخير محتمل970. هذه الديون ،ابتداء من تاريخ استحقاقها دون أي
إن حق األولوية املخول لدائنين الالحقين لفتح مسطرة اإلنقاذ ،ترد عليه مجموعة
من االستثناءات منها ما مرتبط بالديون الناتجة في إطار مسطرة املصالحة ،ومنها اآلخر ما
تستلزمه مواصلة املقاولة لنشاطها االقتصادي ،مما يتطلب تسديده من قبيل فك الرهون
أن املصالحة971، يستشف من خالل مقتضيات املادة 221من م.ت املؤطرة ملسطرة
الدائنين الناشئة ديونهم في إطار هذه املسطرة ،يخول لهم امتياز حق األولوية في استخالص
ديونهم قبل جميع الديون األخرى بما فيها املنصوص عليها في املادة 272من م.ت.
بناء على ذلك يمكن القول على أن االمتياز املمنوح لدائنين الذين وافقوا على
االلتزامات الناشئة عن االتفاق املبرم مع رئيس املقاولة ،في إطار مسطرة املصالحة يبقى ذو
وفي مقابل ذلك فإن الديون الناتجة بعد فتح مسطرة اإلنقاذ ،تمنح لها األولوية في
االستيفاء إذا ما تمت املواجهة بينها وبين نفس االمتياز في إطار باقي إجراءات املعالجة من
لكي تستمر املقاولة في استغاللها نشاطها االقتصادي ،فهي تكون دائما في حاجة إلى
االئتمان ،األمر الذي يجعلها تلجأ إلى تقديم ممتلكاتها كضمان من أجل الحصول على
و قد يحصل أن تبقى هذه الرهون دون وفاء إلى أن يتم افتتاح مسطره اإلنقاذ في
مواجهة املقاولة املدينة ،والتي تعد الزمة لها لتأمين مواصلة املقاولة استغالل نشاطها
خالل فترة إعداد الحل ،األمر الذي يقتض ي على وجه السرعة دفع الديون الالزمة لفك
الرهون972. هذه
وعليه يمكن القول على أن فك الرهون يعتبر من أبرز االستثناءات املقيدة لحق
األولوية املمنوح لدائنين الالحقين ،في الحالة التي يكون الزما وضروريا لتأمين استمرارية
972ـ
خاتمة:
بناء على ما سبق ،يتضح لنا وضعية الدائنين في إطار مسطرة اإلنقاذ ،تختلف بحسب
تاريخ نشوء الدين ،والذي من خالله يتحدد املركز القانوني لدائن ،ففي حالة التي يكون
الدين ناتج قبل صدور الحكم القضائي بفتح مسطرة اإلنقاذ ،يكون لزاما على صاحب
الدين الخضوع ملجموعة من اإلجراءات القانونية لحفاظ على مركزه القانوني ،والتي في
أما إذا تعلق األمر بدين ناش ئ بعد فتح مسطرة اإلنقاذ ،فإن املشرع املغربي سعيا منه
لتشجيعهم هذه الفئة من الدائنين على مد يد املساعدة ملقاولة في هذه املرحلة الحرجة
التي تمر منها ،ال تتم مواجهتهم بالقيود التي التي تسري على الدائنين السابقين ،من أجل
تبعا لذلك ،يكون املشرع حاول خلق نوع من التوازن بموجب القانون رقم29.82 :
بين مصلحة املقاولة ومصلحة الدائنين ،وذلك من خالل تكريس مجموعة من الضمانات
الئحة املراجع:
-عبد الرحيم شميعة ،شرح أحكام نظام مساطر معالجة صعوبات املقاولة في ضوء
-سعيد الروبيو ،مساطر معالجة صعوبات املقاولة بدون مطبعة ،طبعة .7082-7081
املقاولة على ضوء القانون واملمارسة القضائية رسالة لنيل دبلوم املاستر في القانون
الخاص ،تخصص قانون األعمال جامعة عبد املالك السعدي كلية العلوم القانونية
خاصة وأن النزاعات الالحقة على صدور حكم التحكيم تلتهم كل محاسن التحكيم ،بل إن
البعض ذهب إلى القول بأن نظام التحكيم يفقد سبب وجوده وقيمته ،إذا أعقب إجراءات
التحكيم إجراءات الحقة أمام قضاء الدولة ،ذلك أن عدالة التحكيم هي عدالة صادرة عن
ولذلك فإن هناك صراعا ال ينتهي بين مبدأين يتنازعان التحكيم كوسيلة للفصل في
املنازعات يسمو أحدهما على اآلخر أو يدنو منه بحسب إرادة األطراف وبحسب النظر إليهما
من جانب اللوائح التحكيمية والقوانين التحكيمية الوطنية .وهما مبدأ نهائية األحكام
ووضع حد لتدخل القضاء الوطني في التحكيم ومبدأ تحقيق العدالة بالفصل العادل في
النزاع حتى وإن تعقدت األمور بتدخل القضاء الوطني في نتيجة التحكيم بإطالة الوقت
وبزيادة التكاليف ،وقد غلبت كل القوانين الوطنية وبعض لوائح التحكيم البحري مبدأ
تحقيق العدالة على مبدأ عدم التدخل في نتيجة التحكيم بتقرير طعون تحكيمية وقضائية
ومن أجل الوقوف على هذه الطعون التحكيمية منها والقضائية ،فقد ارتأينا تقسيم
هذا املطلب إلى فقرتين نتناول في األولى الطعن التحكيمي في حكم التحكيم البحري ،بينما
إن الطعن على أحكام التحكيم الصادرة عن هيئات التحكيم التابعة ملراكز التحكيم
البحري املؤسس ي املشهورة عامليا ،974يقض ي باستئناف هذه األحكام أمام نفس هذه املراكز
في طعن تحكيمي داخلي أو في تحكيم الدرجة الثانية املنصوص عليه في لوائح تحكيم هذه
املراكز ،975والصادرة عن هيئات التحكيم التابعة لها ،والتي نظرت النزاع وفصلت فيه ألول
هذه الهيئات التي سبق اختيارها في الغالب باإلرادة الحرة لألطراف على ضوء
اعتبارات طبيعة النزاع والتخصص والحياد ،وغيرها من االعتبارات التي وجب توافرها في
-973د .حفيظة السيد الحداد ":الموجز في النظرية العامة في التحكيم التجاري الدولي "منشورات الحلبي الحقوقية،
الطبعة األولى سنة ،7115ص .575
-974من هذه المراكز نذكر غرفة اللويدز بلندن وغرفة التحكيم البحري بباريس ،والمنظمة الدولية للتحكيم الدولي
بباريس.
-975د .عاطف محمد الفقي ":التحكيم في المنازعات البحرية ،دراسة مقارنة التحكيم البحري في لندن ونيويورك
وباريس مع شرح أحكام قانون التحكيم المصري في المواد المدنية والتجارية لسنة ،"0225دار النهضة العربية،
طبعة 7115ص .877
املحكمين البحريين الذين تتشكل منهم هيئات تحكيم الدرجة األولى ،والذين نظروا في النزاع
في فترة زمنية معينة ،بحيث يرسل مشروع الحكم التحكيمي إلى اللجنة الدائمة أو إلى
اللجنة العامة أو إلى مجلس الغرفة للمراجعة والتصديق وإبداء املالحظات الشكلية
واملوضوعية وبعد ذلك يتم إرجاعه إلى هيئة التحكيم لقبول أو رفض هذه املقترحات.
وتماشيا مع هذا فإن هذا األسلوب الذي وضعته لوائح التحكيم البحري املؤسس ي،
والذي يعتمد على الرقابة الالحقة على الحكم التحكيمي من الدرجة األولى ،فيه تطاول من
طرف هذه املؤسسات التحكيمية على األحكام التي تصدرها هيئات التحكيم ،وإطالة الوقت
التحكيم ومضاعفة لنفقاته وتأخير لنهائية حكم التحكيم البحري من الدرجة األولى ،وجعل
هذه النهائية تابعة لرغبة األطراف في الطعن عليه أو االلتزام به وعدم رفع مثل هذا الطعن،
مما فتح النقاش إلثارة الشكوك حول حكم التحكيم الصادر عن هيئة تحكيم الدرجة
إلى أن حكم التحكيم الصادر عن الدرجة األولى ليس إال البعض976 األولى ،حيث ذهب
مشروعا لحكم معرضا للقبول من األطراف ومن تم االلتزام به ،أو للرفض وعدم القبول.
ومن تم الطعن التحكيمي عليه تمهيدا ألن يكون حكم التحكيم الصادر في تحكيم الدرجة
976
-La réforme du droit de l’arbitrage, décret du 14 mai 1980. Colloque organisé,
Paris le 25 septembre 1980 Débats, M. dédains. Rev, Arb 1980, P : 636.
في حين ذهب البعض اآلخر 977إلى أن حكم التحكيم الصادر عن هيئة تحكيم الدرجة
األولى ليس إال توفيقا بين األطراف ،وليس تحكيما حيث أن معيار التفرقة بين التحكيم
والتوفيق يكمن في القوة امللزمة لحكم التحكيم حيث أنه غير ملزم إال إذا قبله األطراف
وبالتالي فهو يعد توفيقا ال تحكيما أعقبه تحكيم حقيقي أمام هيئة تحكيم الدرجة الثانية
التي فصلت في النزاع فصال قضائيا منتجا لحكم تحكيم وحيد معمول به.
أن حكم التحكيم الصادر عن هيئة تحكيم الدرجة البعض978 وبخالف ذلك ،يرى
األولى ال يعد مشروعا لحكم تحكيمي وال توفيقا ،بل يعد حكما تحكيما حقيقيا ونهائيا
ملزما لألطراف إال أنه قابل للطعن التحكيمي الداخلي خالل ميعاد معين.979
ولإلشارة فإن الطعون التحكيمية لهذه املراكز تختلف تبعا للشروط املحددة بأنظمتها
الداخلية .فبخصوص غرفة التحكيم بباريس فقد نظمت من خالل املادة 82الطعن
977
- Loquin : l’examen du projet de sentence par l’institution et la sentence au
deuxième degré, Rev, arb. 1990, P : 460-664.
978
- kassis (A) : Réflexions sur le règlement d’arbitrage de la chambre de commerce
internationale, éd, l’harmattan, Paris, 2008, P : 143-145.
-979بالرغم من أهمية وقانونية الطعن الداخلي على حكم التحكيم البحري ،فإنه يكلف الكثير من الوقت والتكاليف
وال يأتي بجديد على صعيد العملية التحكيمية ،لذلك فإنه ناد ار ما يلجأ إليه لدى مراكز التحكيم البحري سواء منها
الحر أو المؤسسي ،ولعل اإلحصائيات التي تنشرها تباعا هذه المراكز في نشراتها ومجالتها خير دليل على ذلك.
=
= فمثال بالنسبة لغرفة التحكيم البحري ثم الطعن باإلستئناف أمامها ضد 037حكما فقط من أصل 880خالل
الفترة ما بين 77يونيو 0288إلى 05يونيو .0225
منقول عن العنوان اإللكتروني لغرفة التحكيم البحري بباريس: -
Contact arbitrage maritine.org.
التحكيمي على األحكام التحكيمية الصادرة عن هيئات التحكيم التابعة لها ،وحددت سقفا
ماديا ملمارسة هذا الطعن ،كما حددت طريقة تشكيل هيئة التحكيم من ثالثة محكمين
تقوم اللجنة العامة للغرفة بتعيينهم جميعا ،ويقدم طلب الطعن بواسطة خطاب مسجل
لدى سكرتارية الغرفة يودع معه مبلغ يعادل ضعف املبلغ املحدد في تحكيم الدرجة األولى
على ذمة املصروفات والتكاليف التحكيمية ،بحيث يقدم الطلب خالل الثالثين يوما من
اإلعالن عن الحكم ،وتنظر هيئة التحكيم من الدرجة الثانية في القضية من خالل إعادة
النظر في الوثائق واملستندات فقط ،وتصدر حكما نهائيا في الطعن وذلك خالل ثالثة أشهر
من تاريخ استالمها ملذكرة دفاع املدعى عليه ،ويعتبر هذا الحكم هو الوحيد الصادر في
الدعوى.
أما بخص ــوص غرف ـ ــة اللويدز بلنــدن فقـد نظـ ـمت مسطرة الطعن التحكيمي في املادتين
87و 89من نموذج الئحتها حسب االتفاقية الدولية للمساعدة واإلنقاذ ،8330حيث
تتشكل هيئة التحكيم االستئنافي التابعة للغرفة من محكم واحد أو أكثر حسب ما تقدره
الغرفة التي تقوم بالتعيين دون تدخل من أطراف التحكيم ويقدم الطلب في شكل عريضة
استئناف إلى مجلس الغرفة وذلك خالل 84يوما من تاريخ نشر الحكم ،وتنظر هيئة
التحكيم االستئنافي في الدعوى بنفس الصالحيات املوكول لها بوصفها هيئة تحكيم
استئنافية ،ولها أن تقرر ما إذا كانت ستنظر الطعن من خالل الوثائق واملستندات فقط
أم من خالل عقد جلسات استماع شفوية ،ولها أن تحقق الدعوى االستئنافية وتفحص
موضوع النزاع وتفصل في األدلة ،فضال عن صالحياتها بوصفها هيئة تحكيم استئنافية
بشأن إقرار أو إلغاء القرارات الصادرة عن هيئة تحكيم الدرجة األولى ،وتصدر حكما نهائيا
ملزما لألطراف.980
وفي نفس إطار مسطرة الطعن التحكيمي ،قررت املنظمة الدولية للتحكيم البحري في
املادة 87/7من الئحتها في الجزء املتعلق فقط بتقدير املحكم أو هيئة التحكيم ألتعابها
نظاما للطعن الجزئي في حكم التحكيم الصادر عن هيئات التحكيم التابعة لها يقض ي
بجواز تقديم أطراف التحكيم أو أحدهم طلبا إلى اللجنة الدائمة للمنظمة باستئناف حكم
التحكيم البحري الصادر في خصومة الدرجة األولى في الجزء املتعلق فقط بتقدير هيئة
التحكيم ألتعابها ،مراعية في هذا التقدير تعقيدات الدعوى والوقت الذي استغرقته،
ويقدم طلب استئناف قرار املحكم حول أجره إلى اللجنة الدائمة للمنظمة خالل 90يوما
التالية إلعالن حكم التحكيم وتصدر اللجنة الدائمة للمنظمة خالل 90يوما التالية إلعالن
حكم التحكيم وتصدر اللجنة الدائمة الحكم النهائي بتحديد هذه األتعاب.
وبخالف ما دأبت علي ــه مختلف مراكز التحكيم البحرية العاملية ،سواء منها الحر أو
املؤسس ي فيما يتعلق بمسطرة الطعن التحكيمي ،لم نجد لدى غرفة التحكيم البحري
بالدار البيضاء ،ومن خالل البحث في دليها ما يفيد على وجود أحكام من الدرجة األولى
وأخرى من الدرجة الثانية ،إال ما أشارت إليه الفقرة الثالثة من الفصل الثالثون.981
-980د .المحجوب فتح اهلل":التحطيم في منازعات العقود البحرية" ،مرجع سابق ،ص .582-582
981
- Article 30/3 "le conseil d’arbitrage pourra. Avant le prononcé de la sentence,
attirer l’attention des arbitres sur le font et la forme, répondre à leurs questions .après
من دليل الغرفة جاء صريحا عندما نص على أن األحكام 98297 غير أن الفصل
التحكيمية الصادرة عن غرفة التحكيم البحري ،تعتبر أحكاما نهائية وغير قابلة للطعن.
إال أنه وحتى يتم تجاوز االختالف في مساطر الطعون التحكيمية لدى مراكز التحكيم
البحري وكذلك حتى يؤدي اتفاق التحكيم الدور الفعال املنوط به ،فإننا نؤيد ما ذهب
إليه بعض الفقه983مند مؤتمر باريس للتحكيم التجاري الدولي سنة 8378من ضرورة إنشاء
محكمة دولية عليا للتحكيم التجاري الدولي تعمل على تطبيق القانون الدولي للتحكيم،984
من خالل اختصاصها بنظر الطعون في األحكام الصادرة من مراكز ومؤسسات التحكيم
التجاري الدولي املختلفة ،بحيث تكون األحكام الصادرة عنها أحكاما نهائيا غير قابلة للطعن
ces examen, la sentence, modifiée ou nom par les arbitres, sera signée par eux datée
du jour de cette signature et soumise pour visa au conseil d’arbitrage".
982
- Article 32 :" les sentences arbitrales sont définitives et sans recours".
-983يرى األستاذ schemitthoffأن وجود محكمة دولية عليا للتحكيم التجاري تقوم بوظيفة محكمة اإلستئناف
لجميع محاكم التحكيم التجارية الدولية هو الحل األكثر قبوال.
« La solution la plus satisfaisante serait de mettre en place une cour internationale
suprême de l’arbitrage commercial faisant fonction de cour d’appel pour tous les
tribunaux de commerce international ».
نقال عن:
- kassis (A) : Théorie générale des usages du commerce. LGDI.1984, P : 511.
-984القانون الدولي للتحكيم هو القانون الذي يكفل تطبيق قواعد قانونية دولية موحدة ،تسري على كافة مراحل
التحكيم التجاري الدولي ويشكل قانون التجارة مصد ار رئيسيا للقانون الدولي للتحكيم باعتباره وثيق الصلة بالتحكيم
التجاري ويتضمن العديد من األحكام التي تكفل حل المنازعات الناشئة عن المعامالت التجارية الدولية.
-أورده :د .حفيظة السيد حداد" :العقود المبرمة بين الدولة واألشخاص األجنبية" ،دار النهضة العربية ،0228
ص.230
عليها وواجبة التنفيذ فورا ،985األمر الذي يؤذي إلى تقلص الكثير من املشاكل القانونية
التي تعترض فاعلية اتفاق التحكيم ومن تم عدم الطعن في األحكام الصادرة عنه إال في
أضيق نطاق.986
ومما ال شك فيه أن املجال البحري مجال دولي بطبيعته ،حيث يتم نقل البضائع
وغالبا ما يكون كل من مينائي الشحن والتفريغ في بلدين مختلفين ،ومن ثم تنتقل البضائع
ومرسل إليهم ينتمون إلى دول مختلفة ،ومن ثم فإن العالقات البحرية في الغالب األعم
يتدخل فيها عنصر أو أكثر من عناصر الدولية وبالتالي فإن الضرورة تحتم إنشاء محكمة
عليا للتحكيم التجاري الدولي عامة ولم ال محكمة عليا للتحكيم تختص في املنازعات
-985يالحظ أن الدول اإلفريقية األعضاء في معاهدة OHADAوعددها 08دولة ناطقة بالفرنسية قد أنشأت محكمة
دولية فيما بينها تختص بمنح أحكام التحكيم القوة الملزمة ليصبح تنفيذها واجبا في كافة البلدان اإلفريقية األطراف
(المواد )78-70 في هذه المعاهدة
-أورده :د .أحمد صالح علي مخلوف" :اتف ــاق التحكيم كأسلوب لتسوية منازعات عقود التجارة الدولية"مــرجع سابق،
هامش رقم 7ص.75 ،
-986من المفيد عند بداية إنشاء المحكمة الدولية العليا للتحكيم التجاري الدولي أن تقتصر على أحكام التحكيم
الصادرة عن مراكز ومؤسسات التحكيم الدولية المختلفة ،ذلك أن هذه األحكام هي التي يتوافر لها التنظيم الكافي
بحيث يمكن للمحكمة العليا عند الطعن عليها أن تطلب ملف الدعوى بسهولة ،وأن تتحقق من كافة اإلجراءات التي
تم اتخاذها وفقا لقواعد وأحكام هذه المراكز وبذلك تتركز جميع أحكام التحكيم المؤسسي لدى المحكمة الدولية العليا
للتحكيم التجاري الدولي.
هذا وال صعوبة أمام المحكمة الدولية العليا للتحكيم التجاري الدولي للتحقق من توافر هذا الشرط ،إذ يمكن تسجيل
كافة مراكز التحكيم الدولية أيا كان موقعها الجغرافي في قائمة لدى المحكمة ،وهو ما يساعد في نفس الوقت على
إرساء دعائم النظام الجديد لهذه المحكمة.
البحرية تعمل على تطبيق قانون دولي للتحكيم البحري وذلك نظرا لكثرت وتنوع املنازعات
البحرية التي تعرض على التحكيم ،ونظرا لكون مختلف املبادالت التجارية الدولية تتم عبر
البحر.
إن اختيار التحكيم كوسيلة لفض النزاعات بصفة عامة واملنازعات البحرية بصفة
خاصة ،ال يعني بأي حال من األحوال سلب القضاء إمكانية الرقابة الالحقة للمقرر
ويعتبر الطعن بالبطالن من بين صور هذه الرقابة املخولة للمتقاض ي من أجل الدفاع
عن حقوقه أمام القضاء ،إذ بموجبه يمكنه املطالبة بمراجعة األحكام الصادرة عن محاكم
دنيا أمام محاكم أعلى درجة ،أو بمراجعة املحاكم لألحكام التي سبق أن أصدرتها ضدهم.987
وتعد مسألة مدى قابلية أحكام التحكيم للطعن واحدة من أدق اإلشكاليات التي
لذا فقد كانت هذه املسألة ومازالت محل جدل كبير ،باعتبارها من الحل988 تقتض ي
-987د .عبد الكريم الطالب" :الشرح العملي لقانون المسطرة المدنية" ،المطبعة الوراقة الوطنية ،طبعة ،8أكتوبر
7107ص.782
-يكاد يجمع الفقه على أن البطالن ما هو إال جزاء نتيجة مخالفة العمل القانوني أو اإلجرائي لقاعدة جوهرية،
ويترتب على توافر عيب البطالن عدم إنتاج اآلثار القانونية واعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل العمل أو اإلجراء
الباطل.
-أورده :د .عبد الباسط جميعي" :مبادئ المرافعات" ،دار الفكر العربي ،0225 ،ص .520
-د .حسن المصري":التحكيم التجاري الدولي في ظل القانون الكويتي والقانون المقارن" بدون ناشر ،طبعة ،0228
ص .585
القصاص" :حكم التحكيم" ،دار النهضة العربية 7111ص .8
َّ -988د .عيد محمد
املسائل التي تبين مدى القوة التي تتمتع بها أحكام التحكيم ،وكذلك مدى السلطات التي
يمنحها القانون للقضاء الوطني للرقابة على أحكام التحكيم ،والتي تؤثر بشكل كبير ومباشر
كما تعتبر هذه املسألة من املسائل على فاعلية هذا النظام ومدى إقبال املتقاضين عليه989
املعقدة ،نظرا الختالف االعتبارات التي يقوم عليها نظام التحكيم ومنها سرعة الفصل في
النزاع والسرية ،واالعتبارات املختلفة التي يقوم عليها نظام الطعن بصفة عامة.990
التحكيم رغم العوار الذي قد يلحق به من جراء أخطاء املحكمين ،وعدم تأسيس حكمهما
على حقيقة واقعية حتى يتمكن الخصوم من تصحيح ذلك .وفي مقابل ذلك وبالنظر إلى
غاية التحكيم املتمثلة في البعد عن اإلجراءات املعقدة أمام قضاء الدولة وحماية أسرار
الطعن األفضل لحكم التحكيم الذي يراعي مميزات التحكيم وفي نفس الوقت حماية
وبالرجوع إلى مقتضيات قانون املسطرة املدنية املغربي في هذا الشأن ،يتضح بأن
أحكام املحكمين ال تخضع ألي وجه من أوجه الطعن ،أي ال تقبل الطعن بالتعرض أو
-989د .علي بركات" :الطعن من أحكام التحكيم" دار النهضة العربية ،7115،ص .3-5
-990د .عيد محمد القصاص" :حكم التحكيم" مرجع سابق ،ص .771
-991د .معتز عفيفي":نظام الطعن على حكم التحكيم ،دراسة معمقة في ضوء آراء الفقه وأحكام القضاء وتشريعات
ولوائح هيئات التحكيم المقارنة" ،دار الجامعة الجديدة للنشر ،طبعة ،7107ص .38
االستئناف أو النقض تطبيقا ملقتضيات الفصل 983من ق .م .م الذي جاء فيه بأنه "ال
ويختلف موقف القانون املغربي الحالي فيما يتعلق بمسألة الطعن ،عن املوقف الذي
كان يؤخذ به تطبقا ملقتضيات قانون املسطرة أو اإلجراءات القديم ،حيث كان هذا األخير
يجيز الطعن باالستئناف كما كان يجيز الطعن بإعادة النظر في أحكام املحكمين ،تطبيقا
ملقتضيات املادتين 748و ،993747هذا مع إمكانية األطراف في بعض الحاالت طلب إبطال
حكم املحكمين عن طريق التعرض على األمر بالتنفيذ أمام املحكمة التي أصدر رئيسها هذا
األمر.994
واتساقا مع ذلك ،يتضح أن حكم املحكمين وفقا ملقتضيات قانون املسطرة املدنية
القديم يمكن أن يكون محل استئناف ،أي أنه يقطع جميع مراحل التقاض ي العادية وبما
أن الحكم يقبل االستئناف فإنه كذلك يقبل الطعن بالنقض ،ومن هنا كان املشرع املغربي
ينزل األحكام التحكيمية في مصاف األحكام القضائية العادية ،وبالتالي فاملواطن يتمتع بحق
-992د.أحمد شكري السباعي":التحكيم التجاري في النظام القانوني المغربي" دفاتر المجلس األعلى العدد ،7117/7
ص.783
-993قانون المسطرة المدنية القديم الصادر بموجب ظهير 07غشت .0205
-994الفصل 355من ق.م.م القديم تنص على أنه"وفي كل هذه األحوال ،يجوز للخصوم أن يطعنوا بالتعرض على
األمر بالتنفيذ أمام المحكمة التي أصدر رئيسها هذا األمر ،وأن يطلبوا ابطال حكم المحكمين".
وكان قانون املسطرة املدنية القديم وفق مقتضيات الفقرة األخير من الفصل 249
يجيز أيضا طلب إبطال حكم املحكمين عن طريق التعرض على األمر بالتنفيذ أمام املحكمة
التي أصدر رئيسها هذا األمر ،هذا ما تبنـاه املشرع املغربي من خالل قانون 01-02الذي أقر
تطبيقا ملقتضيات الفصل 972-28من ق .م .م الحالي الذي ينص على أنه "يكون الحكم
التحكيمي الصادر باململكة في مادة التحكيم قابال للطعن بالبطالن في الحاالت املنصوص
عليها في الفصل .995"972-43وهو نفس املوقف الذي تبناه املرسوم الفرنس ي رقم 7088/41
بتاريخ 89يناير .9967088على خالف بعض التشريعات األخرى التي تبنت االتجاه املوسع
كالقانون املصري الذي يخضع الحكم التحكيمي الدولي للطعن بالبطالن في مصر بغض
-995في هذا اإلطار يرى د .محمد الكشبور بأن "من المفيد اإلشارة هنا ،أن هذا القانون قد وضع قواعد خاصة
بالطعن بالبطالن في نطاق التحكيم الداخلي مخالفة لتلك التي وضعها بشأن الطعن بالبطالن في نطاق التحكيم
الدولي ،مع العلم أن هذا األخير يتميز بمرونة أكبر استدعتها متطلبات التجارة الدولية ،ومصالح المستثمرين.
باإلضافة إلى مسايرة االتجاهات الحديثة السائدة في هذا المجال على مستوى القانون المقارن".
بمناسبة تقديم كتاب :د .عبد اللطيف أبو العلف":الطعن بالبطالن في الحكم التحكيمي" ،سلسلة الد ارسات القانونية
المعاصرة العدد .71
-ويرى د .عبداهلل درميش بنفس المناسبة أنه" دون المغاالة في القول ،فإن أهم ما استحدثه المشرع المغربي في
مؤسسة التحكيم بمقتضى قانون 18-13هو الطعن بالبطالن في الحكم التحكيمي ،وبذلك يكون المشرع المغربي
قد أحدث انقالبا بالمفهوم اإليجابي للمحكمة في قواعد التحكيم ،حينما ساير االتفاقيات الدولية وأغلب التشريعات
الوطنية التي أقرت هذا النوع من الطعن وهو طعن كان منصوصا عليه في قانون المسطرة المدنية لسنة 0205
وألغي بمقتضى قانون المسطرة المدنية لسنة 0225إلى أن عاد إليه المشرع في قانون 18-13والعود أحمد كمال
يقال".
-أورده :د .المحجوب فتح اهلل :مرجع سابق هامش ،821ص .518
-996تنص المادة 0308من ق.م.م.ف ما يلي:
"La sentence arbitrale rendue en France en matière d’arbitrage international ne peut
faire l’objet que d’un recours en annulation".
النظر عن مكان صدروه .997وكذلك بالنسبة للقانون التونس ي الذي أعطى االختصاص
للنظر في الطعون املرفوعة ضد األحكام التحكيمية الصادرة داخل البالد أو خارجها إذا
هكذا يتضح ،أنه يمكن للقضاء بسط رقابته على أهم ما ينتج عن التحكيم وهو
الحكم التحكيمي فرغم أن اتفاق التحكيم يكف يد القاض ي عن نظر النزاع إال أن الرقابة
الالحقة لهذا االتفاق تؤكد احتفاظ القضاء بجزء من سلطاته يمارسها في شكل رقابة
الحقة على أهم ما ينتج على التحكيم وهو الحكم التحكيم الفاصل في النزاع.
هذا فقد اختلفت اآلراء بشأن الرقابة على أحكام املحكمين بحيث يرى البعض،999
بأن الطعن في حكم التحكيم ش يء ضروري لحماية الخصوم فهو ضمان احتياطي ما لم
يتركه الخصوم .واستبعاده ينطوي على مخاطرة بحقوق األطراف ،وبصفة خاصة عندما
-997تنص المادة 2من قانون التحكيم المصري رقم 0225/72على أنه " :يكون االختصاص بنظر مسائل
التحكيم التي يحيلها هذا ا لقانون إلى القضاء المصري للمحكمة المختصة أصال بنظر النزاع ،أما إذا كان التحكيم
أو في الخارج فيكون اإلختصاص لمحكمة استئناف القاهرة ما لم يتفق تجاريا دوليا سواء جرى في مصر
الطرفان على إختصاص محكمة استئناف أخرى في مصر.
وتظل المحكمة التي ينعقد لها اإلختصاص وفقا للفقرة السابقة دون غيرها صاحبة اإلختصاص حتى انتهاء جميع
إجراءات التحكيم".
-998المادة 52من مجلة التحكيم التونسية تنص على أنه"تنطبق أحكام هذا الباب على التحكيم مع مراعاة االتفاقيات
التي ألتزمت الدولة التونسية بتنفيذها.
باستثناء أحكام الفصول 87 ،80 ،81 ،35 ،35من هذه المجلة ال تنطبق أحكام هذا الباب إال إذا كان مكان
التحكيم واقعا في التراب التونسي أو إذا وقع اختيار هذه األحكام سواء من قبل األطراف أو من قبل هيئة التحكيم".
-999د .هدى محمد مجدي ":دور المحكم في خصومة التحكيم وحدود سلطاته" دار النهضة العربية ،طبعة ،0222
ص.573
- Pierre Mayer :" la sentence contraire à l’ordre public ou fond " Rev .Arb .1994. N° :
4
يقعون ضحية تدليس من طرف املحكم أو إهمال القائمين على مؤسسات التحكيم ويكون
الطعن على حكم التحكيم هاما على أساس ما قد يشوب الحكم من عيوب تستوجب
بطالنه.1000
فحكم التحكيم عمل بشري صادر عن إنسان ال يخوا من السهو والخطأ ،لذا كان من
الضروري إخضاع أحكام التحكيم للطعن فيها بقصد مراجعتها حفاظا على حقوق
واملستوى القضائي الذي يرفع إليه االستئناف يشكل بالنسبة للخصوم ضمانة ال يمكن
كما أن تشعب الرقابة القضائية على أحكام التحكيم من خالل ما تفرضه طرق
الطعن من رقابة ليس فقط على ما تم الفصل فيه ،أي على الرقابة الخارجية على الحكم
وإنما تمتد إلى رقابة صحة ومالءمة الحكم وكيفية اتخاذ قراره ،فاستبعادها أكثر ضررا
فالطعن إذن في حكم التحكيم إجراء قضائي ويمثل ضمانة للعدالة ،وال يجوز أن
تكون سرعة التقاض ي على حساب العدالة ،خصوصا أنه قد تكون هناك دعاوي تحكيمية
-1000د .أبو الوفاء" :التحكيم في القانون الدولي" مقال منشور في المجلة المصرية للقانون الدولي ،عدد ،31ص
.25
-د.علي بركات" :الطعن في أحكام التحكيم" دار النهضة العربية ،طبعة ،7115ص .2 1001
1002
- Robert (J) : "l’arbitrage droit interne, Droit international prive" 1996, 6éme édition,
Dalloz, P : 196.
كبيرة القيمة ،وقصر التقاض ي بالنسبة لها على درجة واحدة فيها مخاطرة ال يمكن تداركها
بعد صدور الحكم ،إذا وضعنا في االعتبار أن املحكم قد يخطئ وقد يصيب ،1003فمنع
الطعن في حكم التحكيم معناه قفل الطريق إلى تصحيح خطأ املحكوم في تطبيق القانون
ومن ثم يصبح التزام املحكم بتطبيق القانون املوضوعي التزاما نظريا خاصة في غياب
وبخالف ذلك يرى البعض األخر ،إلى أن تنوع واختالف طرق الطعن في مسائل
التحكيم تؤدي إلى استنزاف جميع مزايا التحكيم ،1004فالرجوع أمام قاض ي الدولة يلغي
مميزات التحكيم ومنها حرية اختيار القضاة وسرعة اإلجراءات وكتمان أسرار الخصوم،
ذلك أن استئناف حكم التحكيم يتعارض مع جوهر التحكيم بحجب املنازعة عن القضاء
الرسمي لفائدة املحاكمة الخاصة أي قضاء التحكيم ،1005فعادة ما تكون الثقة في تقدير
املحكم وفي حسن عدالته ،هي مبعث االتفاق على التحكيم .لهذا يكون من املغاالة التمسك
بالشكليات بل نقول من املغاالة في تحقيق ضمانات الخصوم أن يكون حكم التحكيم قابال
للطعن ،1006لذلك يجب التضييق من حرية ُمباشرة طرق الطعن على حكم التحكيم لتجنب
طول أمد النزاع وتعدد املنازعات مما يعرض الخصوم للخطر في بقائهم في دواليب النزاع،
-1003د .عزمي عبد الفتاح " :قانون التحكيم الكويتي" ،مطبوعات جامعة الكويت ،الطبعة األولى ،0221ص
.533
1004
- Perrot (R) :"l’arbitrage et les voies de recours, Rev, Arb.1980.1, P : 23.
1005
- Loquin (E) : note sous cour d’appel de Versailles, C12 e, ch.16 octobre 1997,
Rev .Arb N° : 3. 1998, P : 572.
-1006د .أحمد أبو الوفاء":الجديد في عقد التحكيم واجراءاته" مجلة الحقوق للبحوث القانونية واالقتصادية
باإلسكندرية ،سنة ،0221العدد األول ،ص .5
حيث أن املرحلة التي تلي أجل التحكيم سوف تطول بسبب تعقد طرق الطعن على الحكم
الصادر عن هيئة التحكيم أو عدم توافقها مع نظام التحكيم نفسه ،1007فالرقابة املتشددة
تفسد غاية التحكيم ،حيث أن هذا األخير نوع من القضاء الخاص يجب تجنب إعاقته من
خالل الرقابة املشددة ،فإذا تم السماح بشكل موسع ملحاكم االستئناف أن تستبدل
تقديرات املحكمين بتقديرها الخاص ،فإن الطعون ستكون ضارة أكثر منها نافعة ،ألن
الكلمة األخيرة ستكون لقاض ي الدولة ،وأن التحكيم يصبح مرحلة أولى وبالتالي تذهب غاية
التحكيم وهي البعد عن قضاء الدولة .1008فكثرة الطعون تؤذي إلى الرغبة في عرقلة الحكم
أكثر من الرغبة في تقويم األخطاء فاملنازعات الالحقة على صدور حكم املحكمين تحد من
التحكيم. فعالية
من خالل كل ما تقدم يبرز موضوع املنازعات البحرية سواء أمام القضاء الوطني أو
أمام هيئات التحكيم ،وما يتطلب من إملام بكل القوانين كانت وطنية أو دولية في ميدان
القانون التجاري البحري ،مما يظهر معه أهمية تخصص القضاة في املجال البحري على
اعتبار أن التطبيق السليم ألحكام القانون البحري ال يتأتى إال بمعرفة كل القواعد الخاصة
التي تحكم العمليات التجارية البحرية والتي تأخذ بطبيعتها طابعا دوليا ،وذلك حتى يكون
1007
- Loussouan (Y) : les voies de recours dans le décret du 14 mai 1980, Relatif à
l’arbitrage Rev, Arb, 1980, P : 672.
1008
- Pierre Mayer : "la sentence contraire à l’ordre public ou fond" Rev, Arb, 1994,
N° :4 P : 615-617.
القاض ي مساهما في تطبيق السياسة الوطنية الجديدة نحو االقتصاد وتشجيع االستثمار
األجنبي في املغرب.
خاتمة:
إن نجاح أسلوب التحكيم في حل املنازعات الدولية ،ال يعني خلوه من بعض املثالب
فما زالت بعض جوانبه وما تثيره من مشكالت قانونية ستثير العديد من أقالم الفقهاء
وتتناولها أحكام القضاء لتدارسها ووضع الحلول املالئمة لها ،وهو األمر الذي تؤكد عليه
ولعل من أهم املشكالت التي تواجه قرارات التحكيم ،باإلضافة إلى الطعون هو عدم
فإذا كانت النتيجة الهامة للتحكيم تتمثل في الحكم الذي يتوصل إليه املحكوم ،حيث
أن هذا األخير لن تكون له أية قيمة عملية إذا لم يتم تنفيذه ،ألن تنفيذ حكم التحكيم
يمثل أساس ومحور نظام التحكيم نفسه وتتحدد به مدى فعاليته كأسلوب لفض وتسوية
املنازعات.1010
-1009د .رياض فخري" :اإلطار التشريعي الداخلي لتنفيذ أحكام التحكيم في المغرب" مقال منشور في المجلة
المغربية للوساطة والتحكيم العدد الخامس .ص .07
-1010د .صالح الدين جمال الدين ،د .محمود مصليحي" :الفعالية الدولية لقبول التحكيم في منازعات التجارة
الدولية" دار الفكر الجامعي ،طبعة ،7115ص .002
حيث أنه من املعلوم أن صدور أحكام التحكيم مجردة ال تحوز كقاعدة عامة القوة
التنفيذية ،وإنما ال بد من صدور أمر خاص بها من القضاء الوطني في الدولة املراد تنفيذ
حكم التحكيم فيها يسمى بأمر التنفيذ ،ومما ال شك فيه أن لتنفيذ حكم التحكيم قواعد
وأصول تختلف من دولة إلى أخرى ،ولذلك فإنه يتحتم على املحكوم له بمقتض ى مقرر
تحكيمي اللجوء إلى آليات ومسطرة معينة لقهر ممانعة املحكوم ضده وفق النهج الذي
تسير عليه مختلف الدول في قوانينها الوطنية ،وتختلف السبل في هذا الشأن إذ أن البعض
من القوانين تفرض نصوصا خاصة ملعالجة هذه املسألة بالنسبة للتحكيم التجاري الدولي
مع مراعاة االتفاقيات الثنائية أو الجماعية في حالة كون الدول املراد التنفيذ فيها منضمة
إلى تلك االتفاقيات بمعزل عن كل نصوص أخرى تهم تنفيذ مقررات التحكيم الداخلي.
الئحة املراجع:
د .حفيظة السيد الحداد ":املوجز في النظرية العامة في التحكيم التجاري الدولي
د .عاطف محمد الفقي ":التحكيم في املنازعات البحرية ،دراسة مقارنة التحكيم
البحري في لندن ونيويورك وباريس مع شرح أحكام قانون التحكيم املصري في املواد املدنية
.أحمد صالح علي مخلوف" :اتف ــاق التحكيم كأسلوب لتسوية منازعات عقود التجارة
د .عبد الكريم الطالب" :الشرح العملي لقانون املسطرة املدنية" ،املطبعة الوراقة
.معتز عفيفي":نظام الطعن على حكم التحكيم ،دراسة معمقة في ضوء آراء الفقه
وأحكام القضاء وتشريعات ولوائح هيئات التحكيم املقارنة" ،دار الجامعة الجديدة للنشر،
طبعة .7087
.عبدهللا درميش بنفس املناسبة أنه" دون املغاالة في القول ،فإن أهم ما استحدثه
مقاالت وأحباث
قانونية وقضائية
باللغة الفرنسية
à é
é è
1011
Entretien avec Dominique Schmidt avocat au barreau de Paris et professeur agrégé des facultés de droit : «
Aujourd'hui, le conflit d'intérêts est tous les jours sur la table », avec La Croix le 22/06/2010, https://www.la-
croix.com.
- Some time ago, nobody talked about it: the conflict of interest was seen as a
purely philosophical concept. Today, it is on the table every day.
Introduction :
Par ailleurs, la gestion des conflits d’intérêts dans l’entreprise est un impératif de
gouvernance qui vise à appréhender les oppositions entre l’intérêt personnel des acteurs
de l’entreprise et la mission qui leur a été confiée.
A cet effet, chaque société doit définir les règles qu’elle doit suivre pour mettre en
application une bonne gouvernance, dont les principes sont fondées sur des dispositifs
légales et réglementaires qui doivent être respectées que ce soit dans l’esprit que dans la
forme.
C’est une notion qui est historiquement et intimement attachée à la vie publique,
mais qui s’est progressivement étendue à la vie des affaires.
Comment assurer et garantir une prévention des conflits d’intérêts par le biais
du respect des principes de la bonne gouvernance ?
Pour y répondre, nous allons traiter dans un premier axe les aspects de la mise en
œuvre des principes de la bonne gouvernance dans la gestion des conflits d’intérêts.
Face à un tel dilemme tout mandataire est tenu, pendant toute la durée de son
mandat, de « s’efforcer d’éviter tout conflit pouvant exister entre ses intérêts moraux et
matériels et ceux de la société1012 », le cas échéant, d’apprécier par lui-même, si sa
situation est susceptible de générer un conflit d’intérêts.
1012
Article 5 de la charte de l’Institut Français des Administrateurs (IFA) : « L’administrateur s’efforce d’éviter tout
conflit pouvant exister entre ses intérêts moraux et matériels et ceux de la société. Il informe le conseil de tout conflit
d’intérêt dans lequel il pourrait être impliqué. Dans les cas où il ne peut éviter de se trouver en conflit d’intérêt, il
s’abstient de participer aux débats ainsi qu’à toute décision sur les matières concernées ».
1013
Définir les conflits d’intérêts, article publié par Joël Moret-Bailly Maître de conférences en droit privé* Université
de Lyon CE.R.CRI.D. – UMR CNRS 5137 Université Jean Monnet de Saint Etienne. Page 6.
1014
V. Magnier, Les conflits d'intérêts dans les Principles of corporate governance, préc., 139. Le droit anglo-
américain applique les règles dérivées de la fiducie aux banquiers, dirigeants d'entreprise, gestionnaires de patrimoine,
de fonds de pension, juristes, parents agissant pour le compte de leurs enfants etc., M. Rodwin, Medicine, money and
morals. Physicians conflicts of interest, préc. 179-211.
1015 Cass.com., 18 déc. 2012, n° 11-24.305 : D. 2013, p. 83, obs. A. Lienhard et p.288, note TH. Favario ; JCP E 2013,
note M. Roussille ; Rev. Sociétés 2013, p. 362, note TH.Massart ; RTD com. 2013, p.90, obs. P. Le Cannu et B.
Dondero.
A noter même que ce principe implicite influençant les règles propres aux
conventions réglementées a été déclaré comme un devoir de loyauté.
Autrement dit, « dans les rapports entre le dirigeant d’une société et la société qu'il
dirige, particulièrement en ce qui concerne les conventions passées entre le premier et la
seconde, à savoir les conventions réglementées, qui obéissent à un régime particulier : le
dirigeant intéressé doit informer le conseil d'administration de la convention projetée,
celui-ci donnant son autorisation préalable à la conclusion de chaque convention1017. Au-
delà des conditions, tant de fond que procédurales entourant ces conventions, il est clair
que l'on n'attend pas du dirigeant de la société commerciale qu'il soit indépendant vis-à-
vis d'autres intérêts ; on attend de lui, plus positivement, qu'il soit loyal à la société qu'il
dirige1018 ».
1016 Cass. Com., 24 fév. 1998, n° 96-12. 638 : Bull. civ. 1998, IV, n° 86 ; RTD com. 1998, 612, obs. Champaud et
Danet ; JCP G 1998, II, 10003, note keita.
1017
Article 56 de la loi 17-95 sur les sociétés anonymes : « Toute convention intervenant entre une société anonyme
et l'un de ses administrateurs ou son directeur général ou son directeur général délégué ou ses directeurs généraux
délégués, selon le cas, ou l'un de ses actionnaires détenant, directement ou indirectement, plus de cinq pour cent du
capital ou des droits de vote doit être soumise à l'autorisation préalable du conseil d'administration. Il en est de même
des conventions auxquelles une des personnes visées au 1er alinéa ci-dessus est indirectement intéressée ou dans
lesquelles il traite avec la société par personne interposée. Sont également soumises à autorisation préalable du conseil
d'administration, les conventions intervenant entre une société anonyme et une entreprise, si l'un des administrateurs
ou directeur général ou directeur général délégué ou directeurs généraux délégués, selon le cas, de la société est
propriétaire, associé indéfiniment responsable, gérant, administrateur ou directeur général de l'entreprise ou membre
de son directoire ou de son conseil de surveillance. »
1018
Définir les conflits d’intérêts, Joël Moret-Bailly : Maître de conférences en droit privé, Université de Lyon
CE.R.CRI.D. – UMR CNRS 5137 Université Jean Monnet de Saint Etienne. Page 7.
Ce principe a été même adopté par les dispositions phares de l’article 57 de la loi
78-12 modifiant et complétant la loi 17-95 relative aux sociétés anonymes, qui a créé
dans un cadre préventif, une obligation d’information sur les conventions portant sur des
opérations courantes et conclues à des conditions normales lorsqu’en raison de leur objet
ou de leurs implications financières ne sont significatives pour aucune des parties.
son tour, communique leur liste aux membres du conseil et aux commissaires aux
comptes dans les soixante jours suivant la clôture de l’exercice1019.
1019
Article 57 de la loi 78-12 modifiant et complétant la loi 17-95 relative aux sociétés anonymes : « […] ces
conventions, sauf lorsqu'en raison de leur objet ou de leurs implications financières ne sont significatives pour aucune
des parties, sont communiquées par l'intéressé au président du conseil d'administration. La liste comprenant l'objet et
les conditions desdites conventions est communiquée par le président aux membres du conseil d'administration et au
ou aux commissaires aux comptes dans les soixante jours qui suivent la clôture de l'exercice. »
1020
Article 161 de la loi 17-95 prévoit une incompatibilité entre les fonctions des fondateurs, apporteurs en nature,
bénéficiaires d’avantages particuliers ainsi que les administrateurs, les membres du conseil de surveillance ou du
directoire de la société ou de l’une de ses filiales…
1021 Article 162 de la loi 17-95 ; Les commissaires aux comptes ne peuvent être désignés comme administrateurs,
directeurs généraux ou membres du directoire des sociétés qu’ils contrôlent qu’après un délai minimum de 5 ans à
compter de la fin de leurs fonctions. Ils ne peuvent, dans ce même délai, exercer lesdites fonctions dans une société
détenant 10 % ou plus du capital de la société dont ils contrôlent les comptes.
Bien entendu, Les conflits d’intérêts se présentent en effet sous une pluralité de
formes et de circonstances et se cachent sous des dehors souvent difficiles à déceler.
1022
Article 161 alinéa 2 DE LA LOI N° 17-95 RELATIVE AUX SOCIETES ANONYMES.
1023
ESSAKALI Said, article sur les principes du gouvernement d’entreprise et la prévention des conflits d’intérêts
dans la société anonyme, page 32, publié sur « la revue marocaine des études et consultations juridiques N°7/
2017 » page 18-32.
1024
Article 86 alinéa 2 DE LA LOI N° 17-95 RELATIVE AUX SOCIETES ANONYMES.
D’ailleurs la lutte contre les conflits d’intérêts n’est plus uniquement assurée par
les textes législatifs ou autrement dit le « droit dur », mais aussi par les codes de
gouvernances d’entreprise et de déontologie, les chartes et les règlements intérieurs qui
visent spécifiquement à prévenir et gérer les conflits d’intérêts au sein de l’entreprise.
1025
https://gouvernance.weebly.com/preacuteambule.html
1026 Code Marocain de Bonnes Pratiques de Gouvernance d’Entreprise PME, page 9, A qui s’adresse ce code ?
1027 FEDERAL FINANCE, Politique de prévention et de gestion des conflits d’intérêts 2020.
gestion des conflits d'intérêts potentiels, de plus, à édicter les dispositions disciplinaire
et judiciaire prise à l’encontre des auteurs de l’acte préjudiciable.
Grosso modo, cette charte est une déclaration officielle des valeurs essentielles
ainsi que les pratiques et les normes commerciales publiquement reconnues que
l’entreprise entend respecter.
1028 https://www.ifa-asso.com/mediatheques/que-contient-le-code-dethique-exemples-et-
modeles/#:~:text=Dans%20le%20sens%20d'une,conduite%20et%20de%20chartes%20%C3%A9thiques.
1029 https://www.l-expert-comptable.com/a/531136-code-ou-charte-ethique-leur-role-au-sein-de-l-entreprise-et-leur-
portee-juridique.html
Conclusion :
D’ailleurs, Il est de plus en plus attendu des acteurs de l’entreprise qu’ils respectent
des normes de comportement déontologiques similaires à celles retenues par certaines
professions réglementées, en ayant recours à d’autres principes essentiels tels que la
conscience, la probité, la prudence, et la diligence. Conjugués aux principes de loyauté,
de transparence et de respect de l’intérêt social, car de tels fondements peuvent
constituer des repères utiles pour guider les décisions au sein de l’entreprise.
En revanche, ces règles ne suffisent pas à elles seule, car leur efficacité réside dans
leur application et mise en œuvre sérieuse et efficiente par les différentes parties
prenantes.
Bibliographie:
Textes de lois :
Ouvrages et articles :
Les conflits d’intérêts dans le monde des affaires, un Janus à combattre ? Sous la
direction de Véronique MAGNIER. Presses Universitaires de France – P.U.F/ centre de
droit privé et de sciences criminelles d’Amiens - CEPRISCA. Date de parution 03/2006.
Les conflits d’intérêts dans l’entreprise (identifier, prévenir et gérer les conflits
d’intérêts) Charles-Henri, BOERINGER. Jean-Yves, TROCHON. Luc, ATHLAN. Thomas,
BAUDESSON. Daniel, LEBEGUE., Editeur : LexisNexis. Collection : Droit et Pressionnels.
Parution 06/2016.
https://www.allbahit.com/search/label
P 721 مـجلة قانونية علمية حمكمة