You are on page 1of 721

‫مــــــــارس ۩ ‪2022‬‬ ‫‪۩ 40‬‬ ‫الــعدد‬

‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫للدراسات واألبحاث القانونية والقضائية‬


‫‪Researcher's journal‬‬
‫‪of Legal and Judicial Researches and Studies‬‬
‫مجلة قانونية علمية محكمة تعنى بنشر المقاالت واألبحاث القانونية والفقهية والقضائية‬
‫رئيس التحرير – األستاذ جعفر القاسمي‬ ‫مدير المجلة – األستاذ محمد القاسمي‬
‫رئيس التحرير – األستاذ جعفر القاسمي‬
‫‪‬‬
‫رئيس التحرير – األستاذ جعفر القاسمي‬ ‫–‬ ‫‪‬‬
‫…‪…………….‬‬ ‫‪‬‬
‫………… ‪….……………………….‬‬ ‫‪‬‬
‫‪…………………………………………….‬‬ ‫‪‬‬
‫‪…………….……………..‬‬ ‫‪‬‬
‫…‪…………………………………………. …..‬‬ ‫‪‬‬
‫‪…..……………………………………..‬‬ ‫‪‬‬
‫‪…………………………………………………….‬‬ ‫‪‬‬
‫……………………‬ ‫‪‬‬
‫‪………………………………………………………….‬‬ ‫‪‬‬
‫………‪…….…….‬‬ ‫‪‬‬
‫…… ‪…………………………………………..‬‬ ‫‪‬‬
‫‪..‬‬ ‫……‪….‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫… ‪..…………………..‬‬ ‫‪‬‬
‫……………………………‪………..‬‬ ‫‪‬‬
‫‪…………………………… …….‬‬ ‫‪19‬‬ ‫‪‬‬
‫‪………….……………….. … …….‬‬ ‫–‬ ‫‪‬‬
‫…………… ……………………………‪………..‬‬ ‫‪‬‬
‫………………………‪……………………..‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫‪ L’observance des règles de la bonne gouvernance‬‬ ‫‪Safae Zellal‬‬

‫ر دمد ‪:ISSN: 2550 – 603X‬‬


‫جميع حق وق النشر محفوظة لسنة ‪ 2017‬م ®‬
‫‪P1‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬
‫‪FCB- majalatlbahit‬‬ ‫‪Majalatlbahit2017@gmail.com‬‬ ‫‪www.allbahit.com‬‬
‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫(‬
‫)‬
‫صدق اهلل العظيم‬

‫اآلية الحادية عشر (‪ )11‬من سورة المجادلة‬

‫‪P2‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪ ‬د‪ .‬محمد ختام‪......................................................................................‬دكتور في الحقوق (المغرب)‬


‫‪.‬‬

‫‪ ‬د‪ .‬زهير لعمام‪ ......................................................................................‬دكتور في الحقوق (المغرب)‬


‫‪ ‬د‪ .‬أحمد جبريل العويطي‪ ...........................................................................‬دكتور في الحقوق (فلسطين)‬
‫‪ ‬د‪ .‬نور الدين السعداني‪ ..............................................................................‬دكتور في الحقوق (المغرب)‬

‫‪P3‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬
‫‪ ‬د‪ .‬عبد المولى بن أشبيبة‪........................ .....................................................‬دكتور في الحقوق (المغرب)‬
‫‪.‬‬ ‫‪.‬‬

‫‪ ‬د‪ .‬أمين أعزان‪ .......................................................................................‬دكتور في الحقوق (المغرب)‬


‫‪ ‬د‪ .‬عبد الله المحرمي‪ ...................................................................................‬دكتور في الحقوق (عمان)‬

‫‪P4‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪ ‬سعيد عليد‪. ...................................................................................‬مهتم بالشؤون القانونية (المغرب)‬


‫‪.‬‬

‫‪ ‬أحمد تشيك‪ ..................................................................................‬مهتم بالشؤون القانونية (المغرب)‬


‫‪ ‬بشرى واعراب‪ ................................................................................‬مهتمة بالشؤون القانونية (المغرب)‬

‫‪P5‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪P6‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫فهرسة العدد‬

‫مقاالت وأحباث قانونية وقضائية باللغة العربية‬


‫‪21‬‬ ‫اإلثبات في المادة االجتماعية‪.....................................................................................................‬‬

‫الدكتورة عائشة برشان‬

‫‪12‬‬ ‫مراقبة الدولة على ميزانية الجماعات الترابية –أية عالقة‪..................................................................-‬‬

‫الدكتور نورالدين السعداني‬

‫‪54‬‬ ‫اإلدارة اإللكترونية ( الرقمنة) كآلية لمكافحة الفساد اإلداري ورافعة للنموذج التنموي الجديد‪……..............‬‬

‫الدكتور محسن الصباحي‬

‫‪88‬‬ ‫التحول الرقمي باإلدارة المغربية‪ ،‬بحث في آليات اإلسناد……………‪………….......................…………….‬‬

‫الدكتور محمد ختام‬

‫‪212‬‬ ‫دور الموارد البشرية في تحسين التدبير الجهوي……………………………………………‪...........................‬‬

‫الدكتورة كوثر أمرير‬

‫‪251‬‬ ‫تدبير األزمات في المواثيق الدولية‪ :‬اآلليات السياسية واالستراتيجيات‪.................…………….……………..‬‬

‫الدكتور زهير لعميم‬

‫‪211‬‬ ‫محدودية آليات حماية حقوق اإلنسان………………‪……………………………...................................…..‬‬

‫الدكتور نورالدين لعروبي‬

‫‪132‬‬ ‫متطلبات تحقيق كفاءة القضاء والقضاة‪………………….....................…………………....................….‬‬

‫الدكتور باهـر محمـد عبد الرحمن‬

‫‪P7‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪181‬‬ ‫االقتناع الذاتي للقاضي الجنائي………‪………………………………………….........................................‬‬

‫الدكتور أحمد ابراهيم محمد‬

‫‪315‬‬ ‫أثر الكفاية الذاتية لقانون المحاماة على تدخل المحامي في القضايا العقارية……………‪………..................‬‬

‫األستاذ مصطفى صادق‬

‫‪352‬‬ ‫أثر أحكام البنوة والنسب………………………‪………………........…………………................................‬‬

‫األستاذ أسامة ولد النعيمية‬

‫‪383‬‬ ‫االختصاص القضائي للمنازعات االستهالكية بين النص القانوني و الواقع العملي‪…………...............…….‬‬

‫األستاذ جـميلي عثمان‬

‫‪203‬‬ ‫الجماعات الترابية وسؤال التنمية بالمغرب…………………………………………‪……...............................‬‬

‫األستاذ يوسف حسني‬

‫‪218‬‬ ‫التحديد اإلداري ألراضي الجماعات الساللية على ضوء المستجدات التشريعية‪...........................................‬‬

‫األستاذ محمد المهدي دربال‬

‫‪250‬‬ ‫الحماية القانونية للمصلحة الفضلى للطفل وطنيا ودوليا……………‪…….………………. .........................‬‬


‫األستاذ جاداهلل اإلدريسي‬

‫‪275‬‬ ‫الرعاية الالحقة للحدث الجانح*دراسة لمختلف تجلياتها ومظاهرها‪............................…..………………….‬‬

‫األستاذة سلوى المسعودي‬

‫‪515‬‬ ‫نظام تسليم المجرمين كآلية للتعاون القضائي الدولي……‪…………………….............................………..‬‬

‫األستاذ محمد الداودي‬

‫‪572‬‬ ‫تداعيات وباء كوفيد ‪ 11‬على الظاهرة اإلجرامية بالمغرب……………………………‪.........................…….‬‬

‫األستاذ إسماعيل الوفى‬

‫‪P8‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪202‬‬ ‫دور اإلرادة في إبرام العقد الطبي –دراسة مقارنة‪……….……………….............................…….………-‬‬

‫األستاذ عبد المالك باللة‬

‫‪232‬‬ ‫االنذار العقاري وتداول الملكية العقارية………………‪……………...........................……………………..‬‬

‫األستاذ رشيد صديقي‬

‫‪222‬‬ ‫وضعية الدائنين في إطار مسطرة اإلنقاذ…………‪…………..……………………….................................‬‬

‫األستاذ عبد الرزاق الخروبي‬

‫‪282‬‬ ‫التحكيم كوسيلة للفصل في المنازعات البحرية‪...............................................................................‬‬

‫األستاذ هشام الكلعي‬

‫مقاالت وأحباث قانونية وقضائية باللغة الفرنسية‬


‫‪705‬‬ ‫‪L’observance des règles de la bonne gouvernance..................................................‬‬

‫‪Safae Zellal‬‬

‫‪P1‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫م‬
‫افتتاحتة العدد‪ ،‬يقدمها‪ :‬د حمد القاسمي‬
‫بسم هلل الكريم‪ ،‬وبه نستعين‪ ،‬وبفضله نمضي ونغدو‬
‫في طريقنا حتى نبلغ مقام اليقين‪ ،‬والصالة والسالم على‬
‫أشرف المرسلين‪ ،‬نهر الهدى وبحر الندى وعلى آله‬
‫وصحبه أجمعين‪ ،‬رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري‬
‫واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي‪...‬أما بعد‪ :‬تتمة‬
‫للمسار الذي بدأناه مند سنوات خلت في مجال النشر‬
‫العلمي والبحث األكاديمي‪ ،‬فإنه لمن دواعي السرور أن‬
‫نقص شريط عدد جديد من أعداد مجلتنا‪ ،‬ويتعلق األمر‬
‫بالعدد ‪ 04‬مارس ‪ ،2422‬هذا األخير جاء بعد اصدار ثلة من األعداد المتنوعة من‬
‫المجلة‪ ،‬بين تلك المتعلقة بالقانون الخاص أو تلك المتعلقة بالقانون العام‪ ،‬باإلضافة‬
‫إلى إصدار ستة أعداد متعلقة بجائحة كورونا وحالة الطوارئ الصحية التي مازال العالم‬
‫يتجرع ويالتهما‪ ،‬راجين من اهلل العلي القدير أن يعجل برفعهما‪ ،‬آمين‪...‬‬

‫فالعدد األربعون (‪ ) 04‬من هذا الصرح غني بمقاالت وأبحاث في مجال القانون‬
‫والعدالة‪ ،‬ألفها أساتذة التعليم العالي ودكاترة وممارسين وباحثين في أسالك الدكتوراه‬
‫من المغرب وبعض الدول العربية الشقيقة‪ ،‬ستشكل بال شك أو أدنى ريب إضافة للخزانة‬
‫القانونية الرقمية‪ ،‬ومادة علمية يعتمدها الفقيه والمتخصص والباحث وكل مهتم‬
‫بالتأليف في الشأن القانوني والقضائي المغربي والمقارن سواء في القانون العام أو‬
‫الخاص على حد سواء‪...‬‬

‫فالشكر الجزيل لكل من ساهم من قريب أو بعيد في تأليف وصياغة بنيان هذا‬
‫العدد‪ ،‬والشكر الجزيل للجنة العلمية وللجنة التنقيح والمراجعة اللغوية والنشر‪ ،‬وفي‬
‫انتظار اصدار العدد ‪ 04‬أبريل ‪ ،2422‬تفضلوا بقبول أسمى عبارات التقدير واالحترام؛‬
‫والسالم عليكم ورحمة اهلل تعالى وبركاته‪...‬‬

‫حرر بزاكورة – المملكة المغربية في ‪2422/40/44‬‬

‫‪P 11‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪P 11‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪Evidence in social material‬‬


‫مقدمة‪:‬‬
‫يرتكز اإلثبات على إقامة الدليل أمام القضاء بالطرق املحدد في القانون‪ ،‬وعلى بيان‬

‫وجود حق متنازع عليه‪ ،‬مما يترتب عليه نتائج قانونية‪ ،‬وبالتالي فان اإلثبات في جوهره‬

‫يسعى إلى إقناع املحكمة بادعاء أو دحض ادعاء الخصم‪ ،‬ألن القاعدة العامة في مجال‬

‫اإلثبات‪ ،‬حسب الفصل ‪ 933‬من ق‪.‬ل‪.‬ع تقض ي بأن البينة على املدعي‪.‬‬

‫واملالحظ أن املشرع املغربي تطرق لوسائل اإلثبات في قانون االلتزامات ولعقود من‬

‫خالل الفصل ‪ .404‬كما أورد بعض قواعده في قانون املسطرة املدنية‪ 1.‬لكن مدونة الشغل‬
‫الشغل‪2.‬‬ ‫كرست مبدأ الحرية في اإلثبات من خالل مقتضيات املادة ‪ 81‬من مدونة‬

‫‪ 1‬ينص الفصل ‪ 404‬من ق‪.‬ل‪.‬ع على أنه‪:‬‬


‫"وسائل اإلثبات التي يقررها القانون هي‪:‬‬
‫‪ .1‬إقرار الخصم‪.‬‬
‫‪ .2‬الحجة الكتابية‪.‬‬
‫‪ .3‬شهادة الشهود‪.‬‬
‫‪ .4‬القرينة‪.‬‬
‫‪ .5‬اليمين والنكول عنها"‪.‬‬
‫‪ 2‬تنص الفقرة األولى من المادة ‪ 18‬من مدونة الشغل‪:‬‬
‫"يمكن إثبات عقد الشغل بجميع وسائل اإلثبات‬
‫‪"...‬‬

‫‪P 12‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫وإذا كان موقف قانون االلتزامات والعقود‪ ،‬قد تأثر إلى حد بعيد بقاعدة أنه من يدعي‬

‫الش يء هو من عليه اإلثبات‪ ،‬إال أن مدونة الشغل وضعت حدا لهذه القاعدة‪ ،‬وذلك نظرا‬

‫للصعوبات واإلرهاصات التي تواجه األجير أثناء عملية اإلثبات والتي تحول في غالب األحيان‬

‫دون إقناع القضاء بعدم مشروعية موقفه‪.‬‬

‫وعموما تتنوع طرق اإلثبات في املادة االجتماعية‪ ،‬وتضم باألساس اإلثبات الكتابي‬

‫(املحور األول)‪ ،‬وكذا اإلثبات غير الكتابي (املحور الثاني)‪.‬‬

‫املحور األول‪ :‬اإلثبات الكتابي في املادة االجتماعية‬

‫تتعدد طرق االثبات الكتابي في املادة االجتماعية‪ ،‬ولعل أهمها عقد الشغل‪ ،‬هذا األخير‬

‫يفترض أن يتضمن فيه اسم طرفي العقد ومختلف الشروط وكذا حقوق والتزامات‪ ،‬التي‬

‫يتوجب على كل طرف أن يمليها على اآلخر‪ ،‬مرفوقة بتوقيعهما‪ ،‬وهو ما يتجسد من خالل‬

‫ذلك ما يعبر عنه باإليجاب والقبول اللذين يعتبران الزمين في أي عقد‪.‬‬

‫إال أنه باقي الوثائق األخرى يشترط فيها فقط أن تكون صادرة عن املشغل أو املؤسسة‬

‫التي يعمل بها األجير‪ ،‬والتي يجب أن تتوفر على املعلومات اآلتية‪ :‬اسمه التجاري أو اسمه‬

‫الخاص‪ ،‬إسم األجير الشخص ي أو العائلي‪ ،‬تاريخ بداية عمله‪ ،‬وتاريخ تحرير الوثيقة‪ ،‬ثم‬

‫توقيع وتأشيرة املشغل أو من ينوب عنه‪ ،‬وال يشترط أن يتم تصحيح اإلمضاء عليها أمام‬

‫السلطة املحلية‪.‬‬

‫‪P 13‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫وأيضا من وسائل االثبات الكتابي في املادة االجتماعية نجد شهادة العمل‪ ،‬وهي هي‬

‫تلك الشهادة التي تسلم عند انقضاء العمل أو عند احتياج األجير لها‪ ،‬وذلك بناءا على طلب‬

‫هذا األخير‪ ،‬داخل أجل ال يتعدى ثمانية أيام‪ ،‬وذلك تحت طائلة أداء تعويض مقابل أي‬
‫التسليم‪3.‬‬ ‫رفض أو تماطل في هذا‬

‫وحسب مقتضيات الفقرة األولى من املادة ‪ 27‬من مدونة الشغل ‪" :‬يجب على املشغل‬

‫عند انتهاء عقد الشغل تحت طائلة أداء تعويض‪ ،‬أن يسلم األجير شهادة شغل داخل أجل‬

‫أقصاه ثمانية أيام"‪.‬‬

‫بالتالي فشهادة العمل يمكن لألجير أن يستغلها كوسيلة إلثبات قيام العالقة الشغلية‬

‫في حالة إنكارها من قبل املشغل‪ ،‬أو عند منازعته ملدة العمل أو األجر الذي كان يتقاضاه‬
‫الشغل‪4.‬‬ ‫األجير قبل إنهاء عقد‬

‫وفي هذا صدر قرار عن محكمة النقض‪" :‬حيث إن املحكمة وبعد دراستها لوثائق امللف‬

‫اتضح لها عدم صحة ما اعتمدته األجيرة كأساس الستئنافها‪ ،‬ذلك أن صفتها كعاملة‬

‫موسمية ثابتة استنادا لشهادة العمل املحتج بها من طرف األجيرة نفسها والتي تشير إلى‬

‫صفتها كعاملة موسمية‪ ،‬فمن أدلى بحجة فهو قائل بما جاء فيها‪ ،‬ويؤكد ذلك ورقة األداء‬

‫‪ 3‬عبد اللطيف خالفي ‪ :‬الوسيط في مدونة الشغل"‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬عالقات الشغل الفردية‪ ،‬المطبعة والوراقة الوطنية‬
‫مراكش‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،2004 ،‬ص ‪.514 :‬‬
‫‪ 4‬سعيد الزهيري‪ :‬القواعد المنظمة لطرق اإلثبات في دعوى فسخ عقد الشغل"‪ ،‬مداخلة في الندوة الثانية للقضاء‬
‫االجتماعي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.55 :‬‬

‫‪P 14‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫التي تحمل أن طبيعة العالقة الشغلية التي تربط املستأنف باملستأنف عليه على أنها‬
‫موسمية"‪5.‬‬

‫كما جاء في حكم صادر عن املحكمة االبتدائية بأكادير والذي جاء فيه‪" :‬وحيث إن‬

‫تسليم شهادة العمل لفائدة املدعي يقتض ي من املدعى عليها القيام بعمل‪ ،‬مما يكون طلبه‬

‫الرامي إلى إجباره على تنفيذ ذلك بواسطة غرامة تهديدية له ما يبرره وتحددها املحكمة‬

‫تبعا لذلك في إطار سلطتها التقديرية في مبلغ ‪ 800.00‬درهم عن كل يوم تأخير عن التنفيذ‬
‫التنفيذ"‪6.‬‬ ‫تحتسب من تاريخ ثبوت امتناع املدعى عليها عن‬

‫وتعتبر ورقة األداء من أهم طرق االثبات الكتابي في هذا املجال‪ ،‬حيث نجد أن الفقرة‬

‫األولى من املادة ‪ 920‬من مدونة الشغل تنص على أنه ‪" :‬يجب على كل مشغل أن يسلم‬
‫البيانات‪7‬‬ ‫أجراءه عند أداء أجورهم‪ ،‬وثيقة إثبات تسمى "ورقة األداء"‪ ،‬وأن يضمنها وجوبا‬

‫التي تحددها السلطة الحكومية املكلفة بالشغل"‪.‬‬

‫ولورقة األداء أهمية كبيرة في إثبات مجموعة من األمور من أهمها ما يتعلق بإثبات‬

‫عالقة الشغل‪ ،‬وفي هذا الصدد ما جاء به قرار صادر عن محكمة النقض على‬

‫أنه‪...":‬والطالب دفع في سائر مراحل الدعوى بأن املطلوب في النقض هو أجير مؤقت‪ ،‬وما‬

‫‪ 5‬قرار عدد ‪ ،1212‬الصادر عن محكمة النقض بتاريخ ‪ ،2011/10/00‬في ملف اجتماعي عدد‬
‫‪2010/1/5/1240‬‬
‫‪ 6‬حكم عدد ‪ ،104‬الصادر عن المحكمة االبتدائية بأكادير‪ ،‬بتاريخ ‪ ،2011/03/14‬في ملف اجتماعي عدد‬
‫‪.،05/212‬‬

‫‪ 7‬أنظر في هذا الصدد البيانات التي يجب أن تتضمنها ورقة األداء‪ ،‬في قرار لوزير التشغيل والتكوين‬
‫المهني رقم ‪ 340.05‬الصادر في ‪ 22‬من ذي الحجة ‪ 2( 1425‬فبراير ‪ ،)2005‬منشور بالجريدة‬
‫الرسمية عدد ‪ 5300‬بتاريخ ‪ 0‬صفر ‪ 1420‬الموافق ‪ 12‬مارس ‪ ،2005‬ص ‪.220 :‬‬

‫‪P 15‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫دامت ورقة أداء األجر املدرجة بامللف والتي تقوم مقام عقد العمل‪ ،‬والتي ال ينفيها األجير‬

‫تتضمن صفة أجير مؤقت‪ ،‬فإن القرار املطعون فيه عندما اعتبر املطلوب في النقض أجيرا‬

‫قارا لدى الطالب ورتب في حقه األثر القانوني بعلة‪ ،‬أنه قض ى في العمل الفعلي مدة تفوق‬
‫أساس‪8."...‬‬ ‫سنة يكون غير مرتكز على‬

‫ونجد املادة ‪ 79‬من مدونة الشغل نصت في فقرتها الثالثة على أنه ‪" :‬يجب على املشغل‬

‫أن يسلم األجير بطاقة شغل"‪ ،‬كما أضافت الفقرة الرابعة من نفس املادة على أنه ‪" :‬يجب‬
‫تنظيمي"‪9.‬‬ ‫أن تتضمن بطاقة الشغل البيانات التي تحدد بنص‬

‫وعلى العموم نجد أن بطاقة الشغل قد سهلت على القضاء في أن تكون دليل إلثبات‬

‫عالقة الشغل‪ ،‬واألخذ بجميع العناصر األخرى مثل مدة الشغل وطبيعته ثم األجرة‪ ،‬وأنها‬

‫تغني عن باقي الوسائل األخرى في اإلثبات‪.‬كما أن تسليم هذه البطاقة تعد التزاما وواجبا‬

‫على عاتق املشغل سواء كان ذلك باالتفاق الكتابي أو الشفوي أو بمجرد ممارسة االجير‬
‫واحد‪10.‬‬ ‫لعمله ولو ليوم‬

‫وبحكم أهمية هذه الحجة الكتابية في إثبات وجود العالقة الشغلية فقد رتب املشرع‬
‫درهم‪11.‬‬ ‫حسب مقتضيات املادة ‪ 72‬من مدونة الشغل غرامة مالية تتراوح بين ‪ 900‬و‪200‬‬

‫‪ 8‬قرار عدد ‪ 504‬صادر عن محكمة النقض بتاريخ ‪ ،2002/05/22‬منشور بمجلة قضاء المجلس األعلى عدد ‪،16‬‬
‫سنة ‪ ،2002‬ص ‪ 692 :‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ 9‬مرسوم عدد ‪ ،2.4.422‬الصادر في ‪ 10‬ذي القعدة ‪ 1425‬الموافق لـ‪ 22‬دجنبر ‪ ،2004‬المحدد للبيانات التي‬
‫يجب أن تتضمنها بطاقة الشغل‪ ،‬منشور بالجريدة الرسمية عدد ‪ ،5222‬بتاريخ ‪ ،2005/01/03‬ص ‪.15 :‬‬
‫‪ 10‬محمد األمراني زنطار" ‪ :‬التشريع االجتماعي المغربي"‪ ،‬المطبعة والوراقة الوطنية مراكش‪ ،‬طبعة ‪،2002‬‬
‫ص ‪.105 :‬‬
‫‪ 11‬تنص المادة ‪ 25‬من مدونة الشغل على أنه ‪" :‬يعاقب بغرامة من ‪ 300‬إلى ‪ 500‬درهم عن األفعال‬
‫التالية ‪:‬‬

‫‪P 16‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫كما نجد أن املشرع املغربي عمل على تنظيم توصيل عن تصفية كل حساب في إطار‬

‫مواد مدونة الشغل من املادة ‪ 29‬إلى املادة ‪ 27‬منها‪ ،‬حيث نجد في الفقرة األولى من املادة‬

‫‪ 29‬من مدونة الشغل‪ ،‬عملت على تعريفه على أنه ‪" :‬هو التوصيل الذي يسلمه األجير‬
‫تجاهه"‪12.‬‬ ‫للمشغل‪ ،‬عند إنهاء العقد ألي سبب كان‪ ،‬وذلك قصد تصفية كل األداءات‬

‫ويسلم وصل اإلبراء أو وصل صافي الحساب عند انتهاء العالقة الشغلية‪ ،‬وفي الوقت‬

‫الذي تكون فيه الحقوق قد صارت مستحقة‪ ،‬وطلب تحرير الوصل وغالبا ما يكون من‬

‫طرف املشغل‪ ،‬وذلك حتى يضع حدا ألية مطالبة الحقة من طرف األجير‪.‬‬

‫ونظرا لتأثير هذا اإلجراء على الحقوق املالية املكتسبة لألجير‪ ،‬فقد خص املشرع هذا‬

‫الوصل بشروط منها ما هو موضوعي‪ ،‬ومنها ما هو شكلي‪ ،‬باعتباره تصرفا قانونيا صادرا‬

‫عن اإلرادة املنفردة لألجير‪ ،‬فيجب أن يصدر عن إرادة حرة‪ ،‬صريحة وخالية من العيوب‪،‬‬

‫كما أنه يبطل بمقتض ى الفقرة الثانية من املادة ‪ 29‬من مدونة الشغل كل إبراء أو صلح‬

‫يكون موضوعه تنازل األجير عن أي أداء وجب لفائدته بفعل تنفيذ العقد أو بفعل إنهائه‪.‬‬

‫‪ ‬عدم تسليم بطاقة الشغل أو عدم تجديدها وفق الشروط المنصوص عليها في المادة ‪.23‬‬
‫‪ ‬عدم تضمين بطاقة الشغل أي بيان من البيانات المحددة بنص تنظيمي‪ ،‬يتكرر تطبيق الغرامة بحسب عدد‬
‫األجراء الذين لم تراع في حقهم أحكام المادة ‪ ،23‬على أال يتجاوز مجموع مبلغ الغرامات ‪ 20000‬درهم‪.‬‬
‫يعاقب بغرامة من ‪ 2000‬إلى ‪ 5000‬درهم عن عدم اطالع األجراء لدى تشغيلهم على البيانات المنصوص عليها‬
‫في المادة ‪ 24‬أعاله وعلى كل تغيير يطرأ عليها‪.‬‬
‫تضاعف الغرامة المترتبة على مخالفة مقتضيات المادة ‪ 24‬في حالة العود‪ ،‬إذا تم ارتكاب نفس الفعل داخل السنة‬
‫الموالية لصدور حكم نهائي"‪.‬‬

‫‪ 12‬تنص المادة ‪ 23‬من مدونة الشغل‪ ،‬على أنه ‪" :‬التوصيل عن تصفية كل حساب "هو التوصيل الذي يسلمه األجير‬
‫للمشغل‪ ،‬عند إنهاء العقد ألي سبب كان‪ ،‬وذلك قصد تصفية كل األداءات تجاهه‪.‬‬
‫يعتبر باطال كل إبراء أو صلح‪ ،‬طبقا للفصل ‪ 1025‬من قانون االلتزامات والعقود‪ ،‬يتنازل فيه األجير عن أي أداء‬
‫وجب لفائدته بفعل تنفيذ العقد أو بفعل إنهائه"‪.‬‬

‫‪P 17‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫وقد ذهبت محكمة النقض من خالل إحدى قراراته على أنه ‪" :‬لكن ال يكفي القول‬

‫بأن املادة ‪ 24‬من مدونة الشغل تنص على البيانات التي يجب توفرها في وصل تصفية‬

‫الحساب لترتيب عليه أجل ‪ 70‬يوما إلقامة الدعوى بل يتعين ذكر البيانات التي يجب أن‬

‫تتوفر في الوصل املذكور املعتمد من طرف املحكمة حتى يمكن ملحكمة النقض من ممارسة‬

‫رقابتها بشأن التطبيق السليم للقانون مما تكون معه الوسائل املستدل بها غامضة فهي‬
‫غير مقبولة"‪13.‬‬

‫فتوصيل صافي الحساب بدوره يعد وسيلة وحجة في اإلثبات‪ ،‬يمكن أن يلجأ إليها‬

‫الطرفين‪ ،‬وذلك من أجل إثبات نقطة معينة ثار الخالف في شأنها‪.‬‬

‫كما أن للمراسالت املتبادلة بين طرفي عقد الشغل أهمية في االثبات في هذا املجال‪،‬‬

‫ويقصد بها تلك املراسالت التي تكون بين األجير واملشغل‪ ،‬قد تكون بواسطة البريد العادي‬
‫والفاكس‪14.‬‬ ‫كالرسائل والبرقيات‪ ،‬وقد تكون بواسطة أجهزة السلكية كالتلكس‬

‫فقد يؤدي املشغل مثال أجور األجراء عبر التحويالت البنكية أو البريدية‪ ،‬وقد يصدر‬

‫أوامر ألجرائه بأداء أشغال معينة بواسطة الهاتف أو الفاكس‪ ،‬أو البريد‪ .‬كما قد يوجه‬

‫املشغل إنذارا ألحد أجرائه لحمله على الرجوع إلى العمل‪ ،‬كما تتم هذه املراسالت عن طريق‬

‫البريد اإللكتروني والذي أصبحت مستخرجاته ذات حجية إثباتية‪ ،‬وتخضع في جميع‬

‫‪ 13‬قرار عدد ‪ ،42‬صادر عن محكمة النقض‪ ،‬بتاريخ ‪ ،2005/01/10‬في الملف االجتماعي عدد‬
‫‪.2002/1/5/522‬‬
‫‪ 14‬عبد المجيد الهباري ‪" :‬عقد العمل الفردي‪ ،‬ودعوى نزاع الشغل بصفة خاصة"‪ ،‬الندوة الثانية للقضاء االجتماعي‪،‬‬
‫المعهد الوطني للدراسات القضائية‪ ،‬الرباط في ‪ 20-25‬فبراير ‪ ،1222‬مطبعة األمنية الرباط‪ ،‬ص ‪.221 :‬‬

‫‪P 18‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫الحاالت إلى السلطة التقديرية للمحكمة في تقييم الحجج وال رقابة عليها إال من حيث‬

‫التعليل‪.‬‬

‫كما أن شهادة مفتش الشغل تعتبر من وسائل االثبات الكتابي‪ ،‬فقد يحدث أن يسلم‬

‫مفتش الشغل شهادة موقعة من طرفه يشهد فيها بقيام عالقة الشغل‪ ،‬وهذه الشهادة‬

‫تعتبر ورقة رسمية‪ 15،‬على أساس أن مصدرها سلطة مختصة‪ ،‬فهي بذلك حجة إثبات‬

‫قاطعة على الوقائع التي تتضمنها‪.‬‬

‫حيث نجد أن القضاء املغربي قد اعتد بشهادة مفتش الشغل‪ ،‬وهذا ما ذهبت اليه‬

‫محكمة النقض في إحدى قراراته والذي جاء فيه ‪..." :‬إن محكمة املوضوع كانت على صواب‬

‫حين أسست حكمها على الشهادة الصادرة عن مفتشية الشغل‪ ،‬تلك الشهادة التي تثبت‬
‫إرادته‪16."...‬‬ ‫بصورة واضحة ظروف استقالة املدعي بمحض‬

‫كما أن بطاقة الصندوق الوطني للضمان االجتماعي تلعب دورا هاما في مجال االثبات‬

‫الكتابي في املادة االجتماعية‪ ،‬بحيث إن تصريح الشغل في الصندوق الوطني للضمان‬

‫االجتماعي باألجير يخول لهذا األخير الحق في الحصول على بطاقة التسجيل‪ ،‬والتي تحمل‬

‫االسم الكامل لألجير املسجل وعنوانه وتاريخ انخراطه وبيانات أخرى‪ ،‬كما تعتبر هذه‬

‫البطاقة وسيلة إثبات كتابية‪ ،‬خاصة عند قيام نزاع بين طرفي عقد الشغل بخصوص‬

‫إثبات العالقة الشغلية‪ ،‬وهذا ما ذهبت إليه محكمة االستئناف بالرباط في إحدى قراراتها‬

‫‪ 15‬انظر الفقرة االولى من الفصل ‪ 418‬من قانون االلتزامات والعقود‬


‫‪ 16‬قرار صادر عن محكمة النقض بتاريخ ‪ 1225/03/10‬في ملف اجتماعي عدد ‪45222‬‬

‫‪P 11‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪" :‬وذلك إلثبات هذه العالقة حينما اعتبرت العالقة الشغلية ثابتة بين الطرفين بمقتض ى‬

‫شهادة أداء املشغلة للواجبات الدورية النخراط األجير لدى الصندوق الوطني للضمان‬
‫االجتماعي"‪17.‬‬

‫إال أنه في حالة إذا لم يقم املشغل بتسجيل األجير في الصندوق الوطني للضمان‬

‫االجتماعي‪ ،‬فإنه تثار اإلشكالية التالية هل يتحمل املشغل املسؤولية عن ذلك وهذا ما يجد‬

‫أساسه في ظهير ‪ ،8327/02/72‬ويكون معه املشغل ملزم بتسجيل أجيره لدى هذا‬

‫الصندوق‪ ،‬وهو ما أكده قرار محكمة النقض‪ ،‬حيث رخص لألجير تسجيل نفسه لدى‬

‫الصندوق الوطني للضمان االجتماعي‪ ،‬بينما ال حق لألجير في طلب التعويض عن عدم‬


‫التسجيل‪18.‬‬

‫املحور الثاني‪ :‬اإلثبات غير الكتابي في املادة االجتماعية‬

‫إلى جانب االثبات الكتابي‪ ،‬نجد اإلثبات غير الكتابي في املادة االجتماعية‪ ،‬ولعل أهم‬

‫طرقه شهادة الشهود واللفيف العدلي ثم اإلقرار‪.‬‬

‫واألكيد أن شهادة الشهود تعد من بين أهم وسائل اإلثبات املقررة قانونا بمقتض ى‬

‫الفصل ‪ 404‬من قانون االلتزامات والعقود‪ ،‬بل األكثر انتشارا على أرض الواقع والساحة‬

‫القانونية في املادة االجتماعية‪.‬‬

‫‪ 17‬قرار عدد ‪ 514‬صادر عن محكمة االستئناف بالرباط‪ ،‬بتاريخ ‪ ،2010/00/05‬في ملف اجتماعي عدد‬
‫‪.2002/432‬‬
‫‪ 18‬قرار عدد ‪ ،2000/222‬صادر عن محكمة النقض بتاريخ ‪ ،2000/11/15‬في ملف اجتماعي‬
‫عدد‪.2000/533‬‬

‫‪P 21‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫بالتالي إذا كان عدم توفر األجير على وثائق كتابية من شأنه أن يحرمه من مجموعة‬

‫من الضمانات‪ ،‬فإنه يمكنه من اعتماد وسيلة اإلثبات بشهادة الشهود وهذه ال تكون في‬

‫نفس القيمة اإلثباتية بالنسبة للكتابة‪.‬‬

‫ونجد أن محكمة النقض ذهبت في إحدى قراراتها على أنه ‪..." :‬لكن‪ ،‬حيث إنه من‬

‫الثابت من وقائع النازلة أن املطلوبة في النقض دفعت بمغادرة األجيرة لعملها تلقائيا بعد‬

‫رفضها العمل بالتوقيت الجديد‪ ،‬وأنه طبقا ملقتضيات املادة ‪ 79‬من مدونة الشغل فإن‬

‫عبء إثبات املغادرة يقع على عاتق املشغل‪ ،‬ومحكمة املوضوع بتأييدها للحكم املستأنف‬

‫تكون قد تبنت تعليالته املعتمدة على شهادة الشاهد‪ ،‬املستمع إليه ابتدائيا طبقا للقانون‬

‫والذي لم تكن شهادته محل أي مالحظة وتفيد قيام املدعية بمغادرة عملها بعد رفضها‬

‫العمل بالتوقيت الجديد واستعملت سلطتها التقديرية في األخذ بشهادة الشاهد والتي ال‬

‫رقابة عليها من طرف محكمة النقض إال من حيث التعليل‪ ،‬كما أنه ال يوجد أي نص قانوني‬

‫يلزم املشغل بإنذار املدعية بالرجوع إلى عملها عند مغادرتها له تلقائيا‪ ،‬فيكون القرار قد‬
‫لها"‪19.‬‬ ‫تم تعليله بما فيه الكفاية وطبقا للقانون والوسيلة ال سند‬

‫فالقضاء االجتماعي غالبا ما يستند إلى الشهادة كوسيلة إلثبات عقد الشغل أو نفيه‬

‫وله في ذلك كامل السلطة في تقدير قيمتها‪ ،‬ويمكن االكتفاء بشهادة شاهد واحد إلثبات‬

‫العالقة الشغلية مادام أنه ال يوجد نص قانوني يمنع ذلك‪ ،‬كما أنه بخصوص شهادة‬

‫‪ 19‬قرار عدد ‪ ،1350‬الصادر عن محكمة النقض بتاريخ ‪ ،2012/00/21‬في ملف اجتماعي عدد‬
‫‪.2012/2/5/243‬‬

‫‪P 21‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫األجراء الذين يرتبطون مع املشغل بعالقة عمل فقد أكد القضاء في عدة مناسبات على‬

‫أنه ال يوجد أي مانع قانوني مع االستماع للشهود املرتبطين بعقد شغل مع املشغل سواء‬
‫أو ضده‪20.‬‬ ‫لقائدته‬

‫كما نجد في هذا الصدد اللفيف العدلي الذي يتجلى في أن يتلقى عدالن منتصبان‬

‫لإلشهاد من اثني عشر شخصا تصريحات بواقعة معينة‪ ،‬إذ نجدها ترتبط في الغالب بعالقة‬

‫شغل بين املدعي (األجير) واملدعى عليه (املشغل)‪ ،‬ومدة هذه العالقة‪.‬‬

‫وبالتالي نجد أنه إذا كان اللفيف العدلي‪ ،‬يعتبر حجة قائمة الذات في قضايا األحوال‬

‫الشخصية والعقار‪ ،‬فهو ليس كذلك في القضايا املدنية‪ ،‬ألن اللفيف العدلي وإن كان وثيقة‬

‫كتابية إال أنه يعتبر من وسائل اإلثبات الشفوية‪.‬‬

‫وعموما ينبغي للمحكمة أن تقوم باالستماع لبعض شهود اللفيف الذين يكونون‬

‫قناعتها‪ ،‬مع مواجهة هؤالء الشهود بما صرحوا به أمام العدلين حسب ما تم توثيقه بالرسم‬

‫العدلي‪.‬‬

‫كما يمكن االثبات باإلقرار‪ ،‬ويبرز عندما يعترف شخص بحق عليه‪ ،‬سواء قصد ترتيب‬

‫هذا الحق في ذمته أو لم يقصد‪ ،‬فال يكون إقرارا إنشاء الشخص الحق في ذمته بتصرف‬

‫قانوني أو بواقعة قانونية‪ ،‬كأن يتعهد املشغل بأداء األجر في مقابل تعهد األجير بأداء العمل‪.‬‬

‫‪ 20‬دنيا مباركة" ‪ :‬إثبات عقود الشغل في ضوء النص التشريعي والتوجهات القضائية والفقهية"‪ ،‬سلسلة المعارف‬
‫القانونية والقضائية‪ ،‬حول موضوع" ‪ :‬قضايا مدونة الشغل بين التشريع والقضاء"‪ ،‬منشورات مجلة الحقوق‬
‫اإلصدار ‪ ،2010 ،34‬دار نشر المعرفة للنشر والتوزيع الرباط‪ ،‬ص ‪.103 :‬‬

‫‪P 22‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫واإلقرار إما أن يكون قضائيا أو غير قضائي‪ ،‬فاإلقرار القضائي هو االعتراف الذي‬

‫يتقدم به أمام املحكمة أو نائبه املأذون له في ذلك إذن خاصا‪ ،‬واإلقرار الحاصل أمام قاض ي‬
‫أثر اإلقرار القضائي‪21.‬‬ ‫غير مختص أو الصادر في دعوى أخرى يكون له نفس‬

‫ويعتبر اإلقرار من أهم وسائل اإلثبات خاصة بالنسبة للمشغل ويتخذ أحد الشكلين‪،‬‬

‫فإما أن يكون صريحا‪ ،‬أو أن يكون ضمنيا‪ ،‬فاإلقرار الصريح يتجلى في أن يعترف املشغل‬

‫ببعض ما جاء في املقال‪ ،‬كأن يعترف بعالقة الشغل مثال‪ ،‬من خالل تصريحات يدلي بها‬

‫أمام املحكمة‪ ،‬كما جاء في حكم صادر عن املحكمة االبتدائية بمدينة طنجة ‪" :‬حيث تبين‬

‫للمحكمة من خالل وثائق امللف ومحتوياته وما أتت به تصريحات كل من الطرف املدعي‬

‫واملدعى عليه‪ ،‬من أن عالقة الشغل قائمة بين الطرف املدعي واملدعى عليه وملدة غير محددة‬

‫بصفة مستمرة‪ 22."...‬أما بالنسبة لإلقرار الضمني فيستنتج من بعض مواقف رب العمل‪.‬‬

‫‪ 21‬حيث جاء في الفصل ‪ 405‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ ،‬على أنه ‪" :‬اإلقرار القضائي أو غير قضائي‪ ،‬فاإلقرار القضائي هو‬
‫االعتراف الذي يقوم به أمام المحكمة الخصم أو نائبه المأذون له في ذلك إذنا خاصا‪ ،‬واإلقرار الحاصل أمام قاضي‬
‫غير مختص‪ ،‬أو الصادر في دعوى أخرى‪ ،‬يكون له نفس أثر اإلقرار القضائي"‪.‬‬
‫‪ 22‬حكم صادر عن المحكمة االبتدائية بطنجة‪ ،‬في ملف اجتماعي عدد ‪ 0313/30/1301‬بتاريخ‬
‫‪.0313/30/00‬‬

‫‪P 23‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫خاتمة‪:‬‬

‫نستنتج أن املشرع املغربي لم يلزم أطراف العالقة الشغلية باثبات ادعاءاتهم بطريقة‬

‫معينة‪ ،‬فمثال لم يتم تقييد األجير بوسيلة محددة إلثبات عقد الشغل‪ ،‬أي أن األجير يتمتع‬

‫بحرية اإلثبات وفق ما هو منصوص عليه في املادة ‪ 81‬من مدونة الشغل‪ ،‬وبالتالي يجوز‬

‫لألجير إثبات عقد الشغل بكافة وسائل اإلثبات الكتابي مثل شهادة العمل أو بطاقة العمل‬

‫أو شهادة التسجيل في الصندوق الوطني للضمان االجتماعي‪ ،‬بل يجوز لألجير إثبات عقد‬

‫الشغل حتى بوسائل اإلثبات غير الكتابية مثل شهادة الشهود وغيرها‪ ،‬والتي سبق بيانها‬

‫ضمن هذا املقال‪.‬‬

‫وفي اعتقادي الشخص ي فان قواعد اإلثبات في املادة االجتماعية سوف تعرف تحوالت‬

‫وتغيرات مستقبلية بحكم البدء في اعتماد أنشطة الشغل عن بعد وأيضا بفعل خصوصيات‬

‫طرق اإلثبات الحديثة في املجال الرقمي‪.‬‬

‫‪P 24‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫الئحة املراجع‪:‬‬

‫عبد اللطيف خالفي الوسيط في مدونة الشغل"‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬عالقات الشغل‬

‫الفردية‪ ،‬املطبعة والوراقة الوطنية مراكش‪ ،‬الطبعة األولى‪.7004 ،‬‬

‫سعيد الزهيري‪ :‬القواعد املنظمة لطرق اإلثبات في دعوى فسخ عقد الشغل"‪ ،‬مداخلة‬

‫في الندوة الثانية للقضاء االجتماعي‪.‬‬

‫محمد األمراني زنطار" التشريع االجتماعي املغربي"‪ ،‬املطبعة والوراقة الوطنية مراكش‪،‬‬

‫طبعة ‪.7007‬‬

‫عبد املجيد الهباري ‪" :‬عقد العمل الفردي‪ ،‬ودعوى نزاع الشغل بصفة خاصة"‪ ،‬الندوة‬

‫الثانية للقضاء االجتماعي‪ ،‬املعهد الوطني للدراسات القضائية‪ ،‬الرباط في ‪ 77-72‬فبراير‬

‫‪ ،8337‬مطبعة األمنية الرباط‪.‬‬

‫دنيا مباركة" ‪ :‬إثبات عقود الشغل في ضوء النص التشريعي والتوجهات القضائية‬

‫والفقهية"‪ ،‬سلسلة املعارف القانونية والقضائية‪ ،‬حول موضوع" ‪ :‬قضايا مدونة الشغل‬

‫بين التشريع والقضاء"‪ ،‬منشورات مجلة الحقوق اإلصدار ‪ ،7087 ،94‬دار نشر املعرفة‬

‫للنشر والتوزيع الرباط‪.‬‬

‫‪P 25‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪Central control over the budget of the territorial collectivities‬‬


‫مقدمة‪:‬‬
‫إذا كانت القوانين التنظيمية للجماعات الترابية واملراسيم التطبيقية لها‪ ،‬قد‬

‫استبدلت عبارة املصادقة بمفهوم التأشيرة‪ ،‬فإن املدلوالت بقيت متقاربة إلى حد التطابق‬

‫في غالب األحيان‪ ،‬وبالتالي تكريس الهيمنة املركزية على عمليات تدبير امليزانية الترابية في‬

‫جميع مراحلها‪ ،‬سواء القبلية أو املواكبة أو البعدية‪.‬‬

‫وذلك من خالل العمل الرقابي الذي تمارسه السلطات املركزية على الجماعات‬

‫الترابية باملغرب وفق القوانين التنظيمية واملراسيم التطبيقية لهذه القوانين‪ ،‬والذي يعتبر‬

‫بمثابة آلية لتوجيه ومراقبة النشاط املالي بشكل عام ولتنفيذ امليزانية الترابية بشكل خاص‪.‬‬

‫ويعتبر حضور هذه السلطات املكلفة بمراقبة مالية الجماعات الترابية إحدى أوجه التدخل‬

‫املركزي في عملية التدبير املالي الترابي‪ ،‬وذلك من خالل مجموعة من املحددات القانونية‬

‫التي تعمل على توجيه الشؤون العامة واإلختيارات التنموية للمجالس التداولية‪ .‬ونحن‬

‫‪P 26‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫نحاول من خالل هذه الورقة إبراز هذه العالقة بين الدولة والجماعة الترابية منطلقين من‬

‫سؤال مركزي‪ ،‬هل هي عالقة هيمنة أم عالقة تكامل وتعاون في إطار إحترام القانون؟‬

‫ومن خالل القراءة املتأنية ملختلف النصوص القانونية سواء في القوانين التنظيمية‬

‫للجماعات الترابية أو املراسيم التطبيقية لها يظهر لنا حضور السلطة املركزية متمثلة في‬

‫وزارة الداخلية ووزارة املالية‪ ،‬على مجموعة من املراحل التي تهم تدبير ميزانيات الجماعات‬

‫الترابية‪ ،‬ومن أجل اإلحاطة بهذه العالقة في جميع جوانبها سوف نعمل على التطرق لها من‬

‫خالل أربعة نقط أساسية كما يلي‪:‬‬

‫أوال‪ :‬الرقابة القبلية‬

‫ويقصد بها تلك اآلليات املمنوحة لسلطات خولها القانون صالحية إجراء نوع من‬

‫الرقابة على النشاط املالي الترابي قبل إتخاذ القرار‪ ،‬وهي بذلك تمثل نوع من أنواع رقابة‬

‫املشروعية واملالئمة على النشاط املالي‪ ،23‬وإذا كانت هذه الرقابة تعتبر إستثنائية بطبيعتها‬

‫مقارنة مع مبدأ االستقالل اإلداري للهيئات الالمركزية‪ ،‬فإن الرقابة السابقة على إتخاذ‬

‫القرار تعتبر في واقع األمر من أكثر اآلليات إعاقة لهذه اإلستقاللية خاصة في مجال النشاط‬

‫املالي الترابي‪ ،‬في مختلف مراحله‪ .‬وإذا كان اإلستقالل املالي للجماعات الترابية يعتبر أساس‬

‫‪ -23‬تعريف منشور في "دليل الرقابة النظامية المسبقة" منشورات المجموعة العربية لألجهزة العليا للرقابة المالية‬
‫‪ ،ARABOSAI‬الجزء األول‬
‫‪www.arabosai.org/ao.osp‬‬

‫‪P 27‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫النظام الالمركزي ذاته وأحد أهم مبادئه‪ ،‬فإن الدراسة املتأنية لواقع الرقابة القبلية على‬

‫امليزانية تبين بجالء أن التدخل الرقابي يبدأ حتى قبل إعداد هذه امليزانية‪.24‬‬

‫ويتم ذلك في غالب األحيان عن طريق الدوريات الصادرة عن السلطة املركزية من‬

‫أجل توجيه الجماعات الترابية أثناء إعداد امليزانيات الخاصة بها وهو ما يعتبر تناقض مع‬

‫مبدأ اإلستقالل املالي للجماعات الترابية وحد لحريتها في التدبير املالي الترابي‪ ،‬ومن أمثلة‬

‫ذلك الدورية الصادرة عن وزير الداخلية إلى والة وعمال عماالت وأقاليم اململكة ورؤساء‬

‫مجالس الجماعات الترابية والتي تعتبر توجيها مليزانيات هذه الجماعات الترابية‪ ،‬وبقراءتنا‬

‫آلخر دورية صادرة سنة ‪ ،7083‬تبين لنا حجم الهيمنة املركزية على النشاط املالي الترابي‪،‬‬

‫حيث تم وضع مجموعة من النقط التي يتوجب على كل جماعة ترابية اإللتزام بها وهو ما‬

‫نستخلص منه تضييق لحرية هذه األخيرة في إختيار التوجه والرؤية التي تتناسب مع‬

‫الخصوصيات املحلية وبالتالي تبقى هذه امليزانيات الترابية منفذة لتوجهات السلطة دون‬

‫منح هامش من الحرية للجماعات الترابية وتكريس تبعيتها للمركز‪ ،‬بل األكثر من ذلك فإن‬

‫هذه الدوريات تعتبر بمثابة شرط أساس ي تضعه السلطة املركزية للجماعة الترابية وذلك‬

‫من أجل التأشير على ميزانياتها هذا باإلضافة إلى وضع ضوابط تتعلق بتقدير املداخيل‬

‫والنفقات والتي يتوجب على الجماعة الترابية اإللتزام بها‪ .25‬وهو ما يجعل سلطات املراقبة‬

‫‪-24‬بروحو عبد اللطيف‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.35‬‬


‫‪ -25‬لالطالع على تفاصيل دورية وزير الداخلية‪ ،‬انظر الدورية الو ازرية رقم ‪ 72‬الصادرة بشأن إعداد ميزانيات‬
‫الجماعات الترابية لسنة ‪.7102‬‬

‫‪P 28‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫تتدخل فعليا في وضع وصياغة ميزانيات الجماعات الترابية وذلك عن طريق آلية الدوريات‬

‫الصادرة عن وزير الداخلية‪.‬‬

‫وحتى إن لم تتضمن النصوص القانونية والتنظيمية أية مقتضيات تسمح بهذا‬

‫التدخل‪ ،‬إال أن الواقع يجعله ذا تأثير فعلي على اعتبار أن عدم إمتثال الجماعات الترابية‬

‫لهذه التوجيهات يؤدي في غالب األحيان الى رفض التأشير على امليزانية نظرا لغياب تحديد‬

‫واضح ملضامين الرقابة وحدودها‪ .‬وهو ما يؤثر بشكل سلبي على املدلول الحقيقي لإلستقالل‬
‫الترابية‪26.‬‬ ‫املالي للجماعات‬

‫وبالرجوع إلى القوانين التنظيمية للجماعات الترابية نجد أن سلطة التأشير جعلها‬

‫القانون بيد وزارة الداخلية حصريا خالفا للنصوص القانونية السابقة‪ ،‬وذلك وفق‬

‫ضوابط هي األخرى تثير إشكاالت فيما يتعلق باإلستقالل املالي الترابي‪.‬‬

‫فبالنسبة للجهات نجد ان هذه التأشيرة تمارسها السلطة الحكومية املكلفة‬

‫بالداخلية‪ ،‬وذلك وفق املادة ‪ 707‬من القانون التنظيمي رقم ‪ ،888.84‬ويتم ذلك في تاريخ‬

‫أقصاه ‪ 70‬نونبر‪ ،‬وتصبح امليزانية قابلة للتنفيذ بعد التأشير عليها بعد مراقبة احترام أحكام‬

‫القانون التنظيمي والقوانين الجاري بها العمل‪ ،‬واحترام توازن امليزانية على أساس صدقية‬

‫تقديرات املداخيل والنفقات وتسجيل النفقات اإلجبارية‪ ،‬وتؤشر السلطة الحكومية‬

‫املكلفة بالداخلية على ميزانية الجهة داخل أجل عشرين يوما من تاريخ التوصل بها‪.27‬‬

‫‪ -26‬بروحو عبد اللطيف‪ ،‬نفس المرجع‪ ،‬ص ‪33-35‬‬


‫‪ -27‬المادة ‪ 717‬من القانون التنظيمي رقم ‪ 000105‬المتعلق بالجهات‪.‬‬

‫‪P 21‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫أما بالنسبة للعماالت واألقاليم فيتم التأشير من طرف عامل العمالية أو اإلقليم‪،‬‬

‫وفق نفس االجراءات ويتم التأكد من نفس النقط الواجب إحترامها في إعداد امليزانية‬

‫واملتعلقة بإحترام القانون التنظيمي والقوانين الجاري بها العمل وكذلك احترام توازن‬

‫امليزانية وصدقية التقديرات واملداخيل والنفقات وتسجيل النفقات اإلجبارية‪ ،‬إال أن‬

‫اإلختالف الوحيد املالحظ هنا‪ ،‬يتعلق باألجل حيث أن املادة ‪ 707‬من القانون التنظيمي‬

‫رقم ‪ 888.84‬الخاص بالجهات قيدت السلطة املركزية من أجل التأشير داخل أجل عشرين‬

‫يوم‪ ،‬في حين أن مقتضيات القوانين التنظيمية للعماالت واألقاليم والجماعات لم تتطرق‬

‫الى هذا األجل وهي بذلك لم تقيد سلطة الوصاية فيما يتعلق باملدة الزمنية املحددة من‬

‫أجل التأشير على امليزانية‪ ،‬وهو ما قد تنتج عنه آثار سلبية نتيجة تأخر السلطة املكلفة‬

‫بالتأشير‪ ،‬مما يعرقل مسار التنمية الترابية‪ ،‬ويحد من إستقالل ميزانية الجماعة الترابية‬

‫ويجعل مصيرها مرتبط بقبول التأشير من طرف السلطة املركزية‪.28‬‬

‫هذا باإلضافة إلى أنه رغم محاولة املشرع املغربي تنظيم الرفض من طرف السلطة‬

‫املركزية وتقييده بآجال‪ ،‬حيث نجده في املادة ‪ 704‬من القانون التنظيمي رقم ‪888.84‬‬

‫الخاص بالجهات يؤكد على أنه إذا رفضت السلطة الحكومية املكلفة بالداخلية التأشير‬

‫على امليزانية ألي سبب من األسباب املتعلقة بعدم احترام مقتضيات القوانين التنظيمية‬

‫‪ -28‬انظر‪ ،‬المواد التالية‪:‬‬


‫‪ -‬المادة ‪ ،717‬من القانون التنظيمي رقم ‪ 000.05‬المتعلق بالجهات‬
‫‪ -‬المادة ‪ ،080‬من القانون التنظيمي رقم ‪ ،007.05‬المتلق بالعماالت واألقاليم‬
‫‪ -‬المادة ‪ ،021‬من القانون التنظيمي‪ ،‬رقم ‪ 005.05‬المتعلق بالجماعات‬

‫‪P 31‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫والقوانين واألنظمة الجاري بها العمل أو عدم توازن امليزانية على أساس صدقية تقديرات‬

‫املداخيل والنفقات أو فيما يتعلق بعدم احترام تسجيل النفقات االجبارية‪ ،‬تقوم السلطة‬

‫املكلفة بالتأشير بتبليغ رئيس املجلس بأسباب رفض التأشير داخل أجل ال يتعدى خمسة‬

‫عشر يوما إبتداءا من تاريخ توصلها بامليزانية‪ ،‬ويقوم رئيس املجلس في هذه الحالة بتعديل‬

‫امليزانية وعرضها على املجلس للتصويت عليها داخل أجل عشر أيام ابتداءا من تاريخ‬

‫التوصل بأسباب رفض التأشير ويتعين عليه عرضها من جديد للتأشير عليها قبل ‪ 70‬دجنبر‪،‬‬

‫وفي هذه الحالة تؤشر السلطة الحكومية املكلفة بالداخلية على امليزانية في تاريخ أقصاه‬

‫ثالثين دجنبر‪.‬‬

‫أما إذا لم يتم عرض امليزانية على التأشيرة داخل هذه اآلجال‪ ،‬أمكن للسلطة‬

‫الحكومية املكلفة بالداخلية‪ ،‬بعد طلب إستفسارات من رئيس املجلس‪ ،‬أن تقوم قبل فاتح‬

‫يناير بوضع ميزانية للتسيير للجهة على أساس آخر ميزانية مؤشر عليها مع مراعاة تطور‬

‫تكاليف وموارد الجهة مع ضرورة أداء األقساط السنوية لإلقتراضات‪ ،‬وهنا نالحظ تدخل‬

‫السلطة املركزية في توجيه امليزانية وفرض طريقة تدبيرها للمداخيل والنفقات وهو بالتالي‬

‫ضرب في مبدأ االستقالل املالي وفي حرية الجهة والجماعات الترابية في اختيار الطريقة التي‬

‫تتناسب والخصوصيات املحلية وبالتالي تدبير ميزانيتها على هذا األساس‪ .‬وهو نفس الش يء‬

‫املالحظ فيما يتعلق بميزانيات العماالت واألقاليم والجماعات حيث أنه بالرجوع إلى‬

‫مقتضيات النصوص القانونية املنظمة للتأشير نجد أنه في حالة رفض عامل العمالة أو‬

‫اإلقليم التأشير‪ ،‬حدد املشرع آجال من أجل تبليغ رئيس املجلس سواء بالنسبة للعماالت‬

‫‪P 31‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫أو األقاليم أو الجماعات وذلك خالل خمسة عشر يوما إبتداءا من تاريخ توصله بامليزانية‬

‫لكي يقوم رئيس املجلس بتعديلها وعرضها للتصويت داخل اجل عشر أيام إبتداءا من تاريخ‬

‫التوصل بأسباب رفض التأشير‪ ،‬ووفق نفس اإلجراءات الخاصة بالجهات فإنه بالنسبة‬

‫للعماالت واألقاليم والجماعات في حالة التأشير على امليزانية يمكن للسلطة الحكومية‬

‫املكلفة بالداخلية بعد طلب استفسارات من رئيس املجلس أن تقوم قبل فاتح يناير بوضع‬

‫ميزانية للتسيير تراعي فيها موارد وتكاليف سواء تعلق االمر بالعماالت أو األقاليم أو‬
‫لإلقتراضات‪29.‬‬ ‫الجماعات مع ضرورة أداء األقساط السنوية‬

‫إال أن ما يثير اإلنتباه عند قراءة هذه النصوص القانونية املنظمة للتأشير الخاص‬

‫بميزانية الجماعات الترابية هو في حالة إستمرار تشبت الجماعة الترابية بتقديراتها‬

‫وبتوجهاتها الخاصة‪ ،‬وهو ما سينتج عنه خلل لم يتم التطرق له في القوانين التنظيمية‪،‬‬

‫مما يؤدي إلى نتيجة حتمية وهي إستمرار العمل بميزانية التسيير وهو ما يعني ضياع‬

‫مجموعة من املشاريع التنموية املبرمجة وبالتالي عرقلة مسار التنمية الترابية نتيجة التحكم‬

‫والهيمنة املفرطة للسطات املركزية‪.‬‬

‫هذا وتجدر اإلشارة إلى أن إعداد ميزانية الجماعات الترابية يرتكز كذلك على البرمجة‬

‫املمتدة على ثالث سنوات والتي يجب أن ترفق عن طريق بيان الى السلطة الحكومية املكلفة‬

‫‪ -29‬انظر المواد التالية‪:‬‬


‫‪ -‬المادة ‪ 715‬منا لقانون التنظيمي رقم ‪ 000.05‬المتعلق بالجهات‬
‫‪ -‬المادة ‪ 087‬من القانون التنظيمي رقم ‪ 00.05‬المتعلق بالعماالت واألقاليم‬
‫‪ -‬المادة ‪ 020‬من القانون التنظيمي رقم ‪ 005.05‬المتعلق بالجماعات‬

‫‪P 32‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫بالداخلية بالنسبة للجهات (املادة ‪ 709‬من القانون التنظيمي املتعلق بالجهات)‪ ،‬وإلى عامل‬

‫العمالة أو اإلقليم بالنسبة للعماالت واألقاليم والجماعات‪( ،‬املواد ‪ 818‬من القانون‬

‫التنظيمي املتعلق بالعماالت واألقاليم‪ ،‬واملادة ‪ 830‬من القانون التنظيمي املتعلق‬

‫بالجماعات)‪ ،‬هذا باإلضافة إلى القوائم املحاسبية واملالية‪ ،‬وهو مقتض ى يكرس النهج‬

‫السابق في تعامل السلطة املركزية بناءا على املادة ‪ 84‬من قانون التنظيم املالي املحلي رقم‬

‫‪ ،42.01‬والتي نصت على أنه تتم برمجة امليزانية على أساس ثالث سنوات ويتم تحديد كيفية‬

‫إعداد هذه البرمجة بقرار مشترك لوزير الداخلية والوزير املكلف باملالية‪ 30‬واإلختالف الذي‬

‫جاء به القانون التنظيمي هو تعويض القرار املشترك بمرسوم يتخذ بإقتراح من السلطة‬

‫الحكومية املكلفة بالداخلية‪ ،‬وهو تكريس في نهاية املطاف لهيمنة السلطة املركزية‪.‬‬

‫وهكذا يتبين حجم الهيمنة املركزية على مرحلة إعداد امليزانية سواء من حيث‬

‫التوجيهات الصادرة عبر دوريات وزير الداخلية والتي تعتبر تدخل فعلي كما رأينا في إعداد‬

‫امليزانية وتغليب الرؤية املركزية مقابل تغييب رؤية مجالس الجماعات الترابية‪ ،‬ثمالبرمجة‬

‫املتعددة السنوات‪ ،‬والتأشيرة التي تعتبر آلية قوية في يد السلطة املركزية لفرض هيمنتها‬

‫على عمليات إعداد امليزانية وتعديلها وفق املنظور املركزي قبل الشروع في تنفيذها وهو ما‬

‫يعتبر تناقض مع مبادئ اإلستقالل املالي الترابي‪ ،‬وتضييق لحرية الجماعة الترابية هذا فضال‬

‫‪ -30‬عبد العالي الماكوري‪ ،‬محاضرات في الميزانية المحلية‪ ،‬ألقيت على طلبة سلك االجازة تخصص القانون العام‪،‬‬
‫كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬ابن زهر‪ ،‬اكادير الموسم الجامعي ‪ ،7100/7101‬غير منشور‪.‬‬

‫‪P 33‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫عن الرقابة املواكبة والالحقة التي تتوالها السلطة املركزية وكذا املفتشيات العامة لإلدارة‬

‫الترابية واملالية‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬الرقابة املواكبة‬

‫باالضافة إلى الرقابة السابقة التي تهدف إلى التحكم في القرار املالي كما رأينا‪ ،‬تمارس‬

‫كذلك رقابة مواكبة أو آنية‪ ،‬حيث تواكب عملية تنفيذ القرار والتأكد من احترام عملية‬

‫تنفيذه‪.‬‬

‫ولعل أهم املبادئ التي تنبني عليها هذه الرقابة‪ ،‬أنها تؤسس على أركان محاسبية‪ ،‬ذلك‬

‫ألنها ذات طبيعة محاسبية‪ ،‬وتقوم بتتبع تنفيذ امليزانية‪ ،‬وتسعى كذلك لدرء األخطاء‬

‫ومخالفة القواعد والحيلولة دون خرق القوانين املنظمة لتنفيذ ميزانية الجماعة الترابية‪.‬‬

‫كما تتضمن هذه املراقبة عمليات تنفيذ املداخيل والنفقات عبر القواعد واملقتضيات‬

‫القانونية املنظمة لعملية تنفيذ امليزانية وذلك وفق التحقق من تطبيق القانون‪.31‬‬

‫وعلى العموم يمكن تقسيم ذه املراقبة إلى نوعين من املراقبة على الشكل التالي‪:‬‬

‫أ‪ :‬املراقبة على تحصيل املداخيل‬

‫‪ -31‬بوجمعة العولي‪ ،‬الرقابة المالية وهاجس تحقيق التنمية‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام‪ ،‬كلية العلوم‬
‫القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬سطلت‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،7107/7100‬ص ‪57‬‬

‫‪P 34‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫بالرجوع إلى املراسيم التطبيقية الخاصة بالقوانين التنظيمية نجد ان العمليات‬

‫املالية املتعلقة بتنفيذ امليزانية يتوالها اآلمر بالصرف حيث يتولى قبض املداخيل وصرف‬

‫النفقات‪.32‬‬

‫ويتولى املحاسب العمومي للجماعات الترابية‪ ،‬التنفيذ التقني أو املحاسبي مليزانية‬

‫الجماعات الترابية‪ ،‬ومن هذا املنطلق يحرص على مراقبة صحة املداخيل وسالمتها وعلى‬

‫احترام النظم والقواعد املحددة‪ ،‬ويتم ذلك وفق الشكليات التالية‪:33‬‬

‫‪ -‬رقابة عامة على املداخيل‪ ،‬وتتعلق باألساس بضرورة التأكد من قانونية‬

‫عملية املداخيل ومن مطابقتها للمقتضيات املنظمة للجبايات الجماعات‬

‫الترابية‪ ،‬وكذا على الطابع السنوي لهذه املداخيل (تحتسب على أساس‬

‫سنوي تماشيا مع مضامين امليزانية)‪ ،‬كما تطال أيضا إصدار أمر بالتحصيل‬

‫وفق القواعد والشكليات املحددة تنظيميا سواء فيما يتعلق بسند التحصيل‬

‫في حد ذاته أو فيما يخص مضامينه وقواعد إعداده‪.‬‬

‫‪ -‬رقابة قانونية على املداخيل‪ ،‬وهنا ال يجوز إصدار سند للمداخيل أو إعتماده‬

‫أو تحمله أو الشروع في تحصيله‪ ،‬إال إذا كان قانونيا‪ ،‬محددا في القرار الجبائي‬

‫للجماعات الترابية املعنية ومقيدا في امليزانية ومتضمنا للبيانات واملعطيات‬

‫التي تقرها القواعد التنظيمية ذات الطابع الشكلي أو التقني‪.‬‬

‫‪ -32‬لالطالع على مزيد من التفاصيل انظر المراسيم التطبيقية الخاصة بالقوانين التنظيمية للجماعات الترابية‪.‬‬
‫‪ -33‬بروحو عبد اللطيف‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.82-88‬‬

‫‪P 35‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪ -‬الرقابة على شكل ومضمون سند التحصيل‪ ،‬وتعتبر هذه العملية ذات طابع‬

‫تقني ومحاسبي حيث يتم التأكد من مدى صحة قواعد تصفية املداخيل‬

‫وطرق احتساب مبالغها كما يقوم بمراقبة اصدار سندات املداخيل (أوامر‬

‫التحصيل)‪ ،‬وفق ما هو منصوص عليه تنظيميا‪.‬‬

‫وبالتالي فإن املراقبة املواكبة التي يجريها املحاسب العمومي على عمليات املداخيل‬

‫تهدف باألساس إلى ضمان إحترام القوانين والقواعد والنماذج املنظمة لهذه املوارد‪.‬‬

‫ب‪ :‬الرقابة على صحة االلتزام بالنفقات‬

‫ومما ينبغي االشارة اليه في هذا الصدد هو أن املراسيم التطبيقية للقوانين التنظيمية‬

‫فصلت في هذا األمر‪ ،‬سواء بالنسبة للجهات أو العماالت واألقاليم أو الجهات‪.‬‬

‫وبصفة عامة فإن هذه املراسيم التطبيقية ميزت بين مرحلتين لخضوع النفقات‬

‫الخاصة بالجماعات الترابية للمراقبة‪ ،‬بين املراقبة املسبقة في مرحلة اإللتزام‪ ،‬ومراقبة‬

‫صحة النفقة في مرحلة األداء‪.34‬‬

‫‪ ‬مراقبة مسبقة في مرحلة االلتزام‪:‬‬

‫‪ -34‬لالطالع على التفاصيل انظر المراسيم التطبيقية للقوانين التنظيمية للجماعات الترابية الصادرة في ‪ 75‬نوفمبر‬
‫‪ ،7102‬بشأن سن نظام للمحاسبة العمومية‪.‬‬

‫‪P 36‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫وهي تكون قبل قيام الجماعة الترابية املعنية بالشروع في إجراءات تنفيذ امليزانية في‬

‫جانب النفقات‪.35‬‬

‫ومما ينبغي اإلشارة إليه هنا هو أن املرسوم التطبيقي للجماعات رقم ‪7.82.428‬‬

‫الصادر في ‪ 4‬ربيع األول املوافق (‪ 79‬نوفمبر ‪ ،)7082‬بسن نظام للمحاسبة العمومية‬

‫للجماعات ومؤسسات التعاون بين الجماعات‪ ،‬قد أكد على ضرورة التخفيف من هذه‬

‫املراقبة عن طريق ما يسمى "باملراقبة التراتبية" وذلك في مادته ‪ ،22‬وذلك وفق شروط‬

‫حددها الباب الثالث من هذا املرسوم‪ ،‬ويقصد باملراقبة التراتبية للنفقة‪ ،‬املراقبة املخففة‬

‫على نفقات الجماعة ومؤسسات التعاون بين الجماعات التي يجب أن تتوفر على نظام‬

‫مراقبة داخلية تمكنها من التأكد‪ ،‬من بين عمليات املراقبة املسندة إليها وفق النصوص‬

‫التنظيمية الجاري بها العمل ما يلي‪:‬‬

‫‪ ‬في مرحلة االلتزام‬

‫‪ -‬النظر في مشروعية اإللتزام بالنفقة وفق االحكام التشريعية والتنظيمية‬

‫‪ -‬التأكد من مجموع النفقة التي تلتزم بها الجماعة طيلة سنة اإلدراج‬

‫‪ -‬كذلك من إنعكاس اإللتزام على إستعمال مجموع اإلعتمادات برسم السنة‬

‫الجارية والسنوات الالحقة‪.‬‬

‫‪ -35‬بوجمعة العولي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.53‬‬

‫‪P 37‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪ ‬في مرحلة األمر بالصرف‬

‫‪ -‬توفر اإلعتمادات‬

‫‪ -‬وجود التأشيرة القبلية لإللتزام حينما تكون هذه التأشيرة مطلوبة‬

‫الدين‪36‬‬ ‫‪ -‬من عدم األداء املكرر لنفس‬

‫وعلى العموم تخضع العمليات املالية املتعلقة بتنفيذ نفقات الجماعات الترابية‬

‫بشكل عام سواء تعلق األمر بالجهة أو العمالة أو اإلقليم أو الجماعة إلى مراقبة قبلية‬

‫للتنفيذ الفعلي للنفقة‪ ،‬وذلك عبر التأكد من إحترام العناصر املحددة طبقا للقوانين‬

‫واألنظمة الجاري بها العمل‪.37‬‬

‫‪ ‬مراقبة صحة النفقة في مرحلة األداء‬

‫وتفرض هذه املراقبة نتيجة تنامي النفقات الترابية مقابل اإلستقرار النسبي‬

‫للمداخيل‪ ،‬زيادة على مظاهر تبذير املال العام الترابي الناتج عن سوء تدبير النفقات‪،38‬‬

‫وبالرجوع إلى املراسيم التطبيقية للقوانين التنظيمية للجماعات الترابية نجد أنها قد‬

‫‪ -36‬العرفي حسن‪ ،‬المبسط في شرح الميزانية الجماعية‪ ،‬دليل منشور في موقع الفضاء الجمعوي‪ ،‬ص ‪58-53‬‬
‫‪ -37‬بروحو عبد اللطيف‪ ،‬نفس المرجع‪ ،‬ص ‪88‬‬
‫‪ -38‬مكاوي نصير‪ ،‬تدبير مالية الجماعات المحلية‪ ،‬تدبير النفقات المحلية على ضوء القانون ‪ 53.18‬المتعلق‬
‫بالتنظيم المالي لجماعات المحلية ومجموعاتها‪ ،‬دار أبي رقراق للطباعة والنشر‪ ،‬الطبعة االولى‪ ،7100 ،‬ص ‪83‬‬

‫‪P 38‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫حددت مجموعة من املقتضيات فيما يتعلق بمراقبة صحة النفقة في مرحلة األداء يمكن‬
‫يلي‪39:‬‬ ‫إجمالها فيما‬

‫‪ -‬صحة حسابات التصفية‬

‫‪ -‬وجود اإلشهاد املسبق على اإللتزام املالي‬

‫‪ -‬الصفة اإلبرائية للتسديد‬

‫‪ -‬توقيع اآلمر بالصرف املؤهل أو الشخص املفوض من لدنه‬

‫‪ -‬توفر إعتمادات األداء‬

‫‪ -‬توفر األموال‬

‫‪ -‬اإلدالء باملستندات املثبتة املنصوص عليها في األنشطة املعمول بها بما فيها‬

‫املستندات املتضمنة لإلشهاد على الخدمة املنجزة من طرف اآلمر بالصرف‬

‫املؤهل‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬الرقابة على إجراءات تنفيذ امليزانية‬

‫أثناء تنفيذ ميزانية الجماعات الترابية فإن هذه األخيرة تخضع لرقابة من السلطات‬

‫املركزية الهدف منها هو ضمان حسن تنفيذ امليزانية‪ ،‬حيث أنه بالرجوع إلى القوانين‬

‫التنظيمية نجد أن املشرع أعطى ملمثلي السلطة املركزية الوالة والعمال‪ ،‬حق التدخل في‬

‫‪ -39‬حسن العرفي‪ ،‬نفس المرجع‪ ،‬ص ‪57‬‬

‫‪P 31‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫حالة إمتناع رئيس املجلس عن األمر بصرف نفقة وجب تسديدها حيث يقوم ممثل السلطة‬

‫املركزية بعد طلب استفسارات من اآلمر بالصرف‪ ،‬بتوجيه إعذار إليه من أجل األمر بصرف‬

‫النفقة املعنية‪ ،‬وفي حالة عدم صرف هذه النفقة في أجل أقصاه خمسة عشر يوما من‬

‫تاريخ اإلعذار وفي حالة إمتناع اآلمر بالصرف فإن األمر يحال إلى القضاء االستعجالي‬

‫باملحكمة اإلدارية من أجل البث في وجود حالة اإلمتناع‪ ،‬وفي حالة أن أقر الحكم القضائي‬

‫اإلستعجالي حالة اإلمتناع‪ ،‬جاز ملمثل السلطة املركزية (الوالي بالنسبة للجهات‪ ،‬وعامل‬

‫العمالة أو اإلقليم بالنسبة للعماالت واألقاليم والجماعات)‪ ،‬الحلول محل الرئيس في‬

‫القيام باألعمال التي إمتنع اآلمر بالصرف عن القيام بها‪ 40.‬وهو ما يعني قيام السلطة‬

‫املركزية بممارسة االختصاصات املسندة للجماعات الترابية بصفة قانونية‪ ،‬وهو ما يعتبر‬

‫خرقا ملبدأ االستقالل اإلداري واملالي لهذه الوحدات الترابية‪ ،‬ولعل الغاية من إعطاء املشرع‬

‫هذه اإلمكانية هي إستمرار للرقابة السابقة التي رأينا كيف تهيمن بها السلطة املركزية على‬

‫امليزانية املحلية عن طريق توجيهها عبر الدوريات الوزارية ثم التأشير كضمانة لتطبيق تلك‬

‫التوجيهات‪ ،‬حيث أن السلطة املركزية ال تؤشر على امليزانية التي ال تنصاع لتلك التوجيهات‪،‬‬

‫ثم بعد التأشير ومراقبة األداء املتعلق كما رأينا باملداخيل والنفقات‪ ،‬فإنه لضمان الهيمنة‬

‫املركزية فإنه في حالة إمتناع اآلمرين الصرف ملجالس الجماعات الترابية فإن السلطة‬

‫‪ -40‬لالطالع على المزيد منا لتفاصيل‪ ،‬راجع مقتضيات تنفيذ الميزانية الواردة في القوانين التنظيمية للجماعات‬
‫الترابية‬

‫‪P 41‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫املركزية تحل محل الجماعة الترابية وتتولى تنفيذ إختصاصاتها وهو ما يعتبر تكريس‬

‫وإستمرار للهيمنة املركزية‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬الرقابة الالحقة‬

‫وهي تهم مراجعة وفحص املعامالت الحسابية واملالية في الفترة الالحقة إلتمام عملية‬

‫التنفيذ‪ ،‬وتتم بالرجوع إلى فحص املستندات والسجالت املحاسبية الخاصة بصرف األموال‬

‫وتحصيلها للكشف عن املخالفات والجرائم املالية واألخطاء الفنية ومدى مطابقة هذا‬

‫التصرف لإلعتمادات املخصصة في جميع أوجه هذا التنصيص مع مراعاة التطبيقات‬

‫الشرعية القانونية وغيرها من اإلجراءات املقررة‪.41‬‬

‫فالرقابة الالحقة إذن هي مراجعة العمليات املالية التي تمت فعال بالكشف عن ما‬

‫حدث من أخطاء ومخالفات أثناء عملية التنفيذ املالي للميزانية‪ ،‬وتشمل كذلك هذه الرقابة‬

‫فحص الحسابات في مجموعاتها وذلك بالرجوع الى املستندات املحاسبية الخاصة بصرف‬

‫األموال املعرضة للمخالفات واألخطاء التي وقعت بها من جهة التنفيذ ومدى مطابقة هذه‬

‫التصرفات للوائح والنظم والقوانين الواجبة التنفيذ‪.42‬‬

‫وبالرجوع إلى القوانين التنظيمية للجماعات الترابية نجد أنها تنص على أن هذه‬

‫األخيرة تخضع لرقابة بعدية وذلك عن طريق املجالس الجهوية للحسابات‪ .‬في حين تخضع‬

‫العمليات املالية واملحاسبية للجماعات الترابية لتدقيق سنوي تنجزه إما املفتشية العامة‬

‫‪ -41‬بوجمعة العولي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.31‬‬


‫‪ -42‬بوجمعة العولي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪31‬‬

‫‪P 41‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫للمالية أو املفتشية العامة لإلدارة الترابية أو بشكل مشترك بين املفتشية العامة للمالية‬

‫واملفتشية العامة لإلدارة الترابية أو من قبل هيئة للتدقيق يتم انتداب أحد أعضائها وتحدد‬

‫صالحيتها بقرار مشترك للسلطة الحكومية املكلفة بالداخلية‪ ،‬والسلطة الحكومية املكلفة‬

‫باملالية‪ ،‬وينجز لهذه الغاية تقرير تبلغ نسخ منه إلى رئيس مجلس الجماعة الترابية سواء‬

‫تعلق األمر بالجهة أو العمالة واإلقليم أو الجماعة‪ ،‬وكذا إلى املجلس الجهوي للحسابات‬

‫املعني الذي يتخذ ما يراه مناسبا في ضوء خالصات تقارير التحقيق‪ .43‬وإذا كانت الرقابة‬

‫الالحقة من أهم املجاالت الرقابية التي تتيح للهيئات املختصة بها مراقبة وتقييم وتحليل‬

‫املعطيات املتعلقة بتنفيذ امليزانية ومعالجة اإلختالالت املرتبطة بها‪ ،‬فهذه الرقابة تطال في‬

‫واقع األمر مختلف الفاعلين املحليين واملتدخلين في النشاط املالي الترابي كما تطال مجاالت‬

‫تتعلق بالتدبير املالي الترابي‪.‬‬

‫وإذا كان االتجاه نحو تقوية الرقابة الالحقة يعتبر من أكثر املطالب إلحاحا سواء من‬

‫قبل الباحثين واملتتبعين للشأن العام الترابي أو حتى من قبل املدبرين املحليين أنفسهم‪،‬‬

‫فإن هذه املطالبات تقترن عادة بالتخفيف من حدة الرقابة السابقة أو القبلية والتقليص‬
‫تدخلها‪44.‬‬ ‫من حدتها ومن مجاالت‬

‫‪ -43‬للتوسع في الموضوع انظر المواد التالية‪:‬‬


‫‪ -‬المادى ‪ 758‬من القانون التنظيمي رقم ‪ 000.05‬المتعلق بالجهات‬
‫‪ -‬المادة ‪ 713‬من القانون التنظيمي رقم ‪ 007.05‬المتعلق بالعماالت واألقاليم‬
‫‪ -‬المادة ‪ 705‬من القانون التنظيمي رقم ‪ 005.05‬المتعلق بالجماعات‬
‫‪ -44‬بروحو عبد اللطيف‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪22‬‬

‫‪P 42‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫خاتمة‪:‬‬

‫املمارسة الرقابية على ميزانية الجماعات الترابية يغلب عليها طابع الهيمنة املركزية‬

‫بدءا من مرحلة إعداد ميزانية الجماعة الترابية وذلك عبر مجموعة من اآلليات أبرزها‬

‫توجيهات السلطة املركزية عبر الدوريات ثم التأشير الذي يعتبر إمتداد لهذه الهيمنة كما‬

‫رأينا ثم أثناء تنفيذ امليزانية تحضر السلطة املركزية بقوة وفي حالة إمتناع اآلمرين بالصرف‬

‫عن القيام باألعمال املنوطة بهم بعد استيفاء شروط التأشير وقبول تنفيد امليزانية‪ ،‬فإن‬

‫السلطة املركزية تتدخل عبر آلية الحلول لتحل محل اآلمر بالصرف‪ ،‬كل هذه اآلليات إن‬

‫دلت على ش يء فهي تدل على الهيمنة املركزية وإفراغ مبدأ االستقالل املالي للجماعات‬

‫الترابية من محتواه وهو ما يشكل عائقا يحول دون تحقيق التنمية الترابية املنشودة ويؤثر‬

‫بشكل كبير على تدبير الشأن العام الترابي ويكرس الرؤية والتوجه الذي كان سائدا قبل‬

‫صدور دستور اململكة املغربية لسنة ‪ 7088‬والقوانين التنظيمية للجماعات الترابية‪.‬‬

‫‪P 43‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫الئحة املراجع‪:‬‬

‫عبد العالي املاكوري‪ ،‬محاضرات في امليزانية املحلية‪ ،‬ألقيت على طلبة سلك االجازة‬

‫تخصص القانون العام‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬ابن زهر‪ ،‬اكادير‬

‫املوسم الجامعي ‪.7088/7080‬‬

‫بوجمعة العولي‪ ،‬الرقابة املالية وهاجس تحقيق التنمية‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم املاستر في‬

‫القانون العام‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬سطلت‪ ،‬السنة الجامعية‬

‫‪.7087/7088‬‬

‫العرفي حسن‪ ،‬املبسط في شرح امليزانية الجماعية‪ ،‬دليل منشور في موقع الفضاء‬

‫الجمعوي‪.‬‬

‫مكاوي نصير‪ ،‬تدبير مالية الجماعات املحلية‪ ،‬تدبير النفقات املحلية على ضوء القانون‬

‫‪ 42.01‬املتعلق بالتنظيم املالي لجماعات املحلية ومجموعاتها‪ ،‬دار أبي رقراق للطباعة والنشر‪،‬‬

‫الطبعة االولى‪.7088 ،‬‬

‫‪P 44‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪Electronic management (digitization) as a mechanism to combat administrative‬‬


‫‪corruption and a lever for the new development model‬‬
‫ملخص‪:‬‬
‫إن نجاح املغرب في نموذجه التنموي الجديد يتطلب اعتماد استراتيجية للتحول‬

‫الرقمي يعهد بإدارتها إلى أعلى مستوى‪ ،‬واالهتمام بتأهيل البنيات الرقمية للصبيب العالي‪،‬‬

‫وتطوير منصات رقمية بالنسبة لكل الخدمات املقدمة للمواطنين واملقاولة‪ ،‬بحيث تسمح‬

‫هذه املنصات باملشاركة على املستوى الوطني والترابي‪ ،‬وتكوين الكفاءات بأعداد كافية‬

‫لتكون قادرة على إنجاز التحول الرقمي وتنفيذه على أرض الواقع‪ ،‬وإلعطاء فرصة أكثر‬

‫لنجاح هذه الرقمنة يجب استكمال اإلطار القانوني الهادف إلى ضمان الثقة الرقمية‬

‫للمستعملين والسيادة الرقمية للمملكة‪.‬‬

‫مقدمة‪:‬‬
‫عرفت العقود األخيرة تحوالت مهمة في طبيعة املجتمعات اإلنسانية‪ ،‬نتيجة الثورة‬

‫الرقمية التي شهدها العالم‪ ،‬وكذا االستعمال املكثف للوسائط الحديثة لتكنولوجيا‬

‫املعلومات واالتصاالت‪ ،‬التي أحدثت تغيرات جوهرية في الحياة اليومية لإلنسان‪ ،‬فقد‬

‫‪P 45‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫أصبحت الوسائط التكنولوجيا من اآلليات األساسية واملعول عليها في إحداث التنمية‬

‫املستدامة‪ ،‬األمر الذي كان له انعكاس على كيفية تدبير وتسيير املرافق واإلدارات العمومية‬

‫وشبه العمومية‪ ،‬والتي تعتبر القاطرة التي تحرك عجلة التنمية في الدول النامية‪.‬‬

‫لقد أحدث التطور السريع في أنظمة وشبكات االتصال ونظم املعلومات مساحة‬

‫عريضة لتطور األنظمة اإلدارية واملالية في املؤسسات الحكومية‪ ،‬إذ أطلقت عدد من الدول‬

‫مبادرات اإلدارة اإللكترونية‪ ،‬مما ساعدها على االنطالق والخروج من نطاقها الجغرافي رغم‬

‫إمكانياتها البشرية املحدودة‪ ،‬كما أن وصول الخدمات اإلدارية للمواطنين واملستفيدين في‬

‫أماكن تواجدهم في املدن واألرياف‪ ،‬أضحى في وقت قياس ي وعلى مدار الساعة‪ ،‬مما يترتب‬

‫عليه فوائدا كبيرة لالقتصاد الوطني‪ ،‬والذي ينعكس بدوره بشكل رئيس ي وإيجابي على‬

‫تسهيل أعمال ومصالح املواطنين واملستثمرين‪.‬‬

‫وتأسيسا على ما سبق‪ ،‬فالرقمنة من الوسائل األساسية للتحديث اإلداري‪ ،‬من‬

‫خالل استخدام تكنولوجيا املعلومات واالتصاالت‪ ،‬وذلك بغية زيادة كفاءة وفعالية‬

‫وشفافية اإلدارة‪ ،‬من خالل ما تقدمه من خدمات للمرتفقين‪ ،‬فهي تعتبر منظومة تقنية‬

‫شاملة‪ ،‬تختلف أنشطتها عن أنشطة اإلدارة التقليدية‪ ،‬كونها تمثل منعطفا كبيرا وشامال‬

‫لجميع املجاالت اإلنسانية واالجتماعية واالقتصادية‪ ،‬اإلنتاجية والتطويرية‪ ،‬من أجل‬

‫تقديم أفضل للخدمات‪ ،‬قياسا ملا تقدمه اإلدارة التقليدية‪ ،‬كما أن إدماج تكنولوجيا‬

‫املعلومات واالتصال من طرف اإلدارة املعاصرة يشكل مرحلة أساسية في مسلسل التنمية‬

‫والتحديث لهذه اإلدارة‪ ،‬إذ يشكل بكل تأكيد قيمة مضافة لإلدارة واملواطنين‪ ،‬فاعتماد‬

‫‪P 46‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫التكنولوجيا الرقمية في التدبير لها دور فعال في تحقيق مبادئ الحكامة الجيدة‪ ،‬بما في ذلك‬

‫تحسين التواصل واالقتصاد في التكاليف وتحسين الخدمات واستمراريتها للوصول إلى أعلى‬

‫معايير الجودة‪ ،‬ألنها آلية تسمح ببلورة إدارة حديثة ومواطنة‪ ،‬فتحديث اإلدارة ليس بالش يء‬

‫الهين‪ ،‬إذ لن يعطي النتائج املرجوة منه ما لم يكن قائما على مبادئ الحكامة الجيدة‪.‬‬

‫وللحديث أكثر عن اإلدارة اإللكترونية‪ ،‬سنتطرق إلى أهميتها (املبحث األول)‪ ،‬وإلى‬

‫دور الخدمات اإللكترونية في مكافحة الفساد اإلداري وإرسال نموذج تنموي جديد (املبحث‬

‫الثاني)‪.‬‬

‫املبحث األول‪ :‬أهمية اإلدارة اإللكترونية (الرقمنة)‬

‫إن الحديث عن اإلدارة اإللكترونية يستلزم ضبط مختلف الجوانب‪ ،‬بداية بتناول‬

‫مختلف التعريفات التي تناولها الباحثون واملهتمون ملحاولة تحديد مفهوم لإلدارة‬

‫اإللكترونية‪ ،‬في ظل التطور الذي يعرفه قطاع تكنولوجيا املعلومات وانعكاساته على املرفق‬

‫العمومي‪ ،‬فهذا التوجه نحو رقمنة اإلدارة وتجاوز التنظيم التقليدي‪ ،‬أفرز عدة خصائص‬

‫ميزت التعامل اإللكتروني للعالقة بين اإلدارة واملرتفقين‪ ،‬في املقابل فإن تطبيق اإلدارة‬

‫اإللكترونية ينطوي على عدة أبعاد تسعى اإلدارة من ورائها للوصول إليها‪ ،‬وذلك من خالل‬

‫االلتزام بمبادئ اإلدارة اإللكترونية‪ ،‬فالرقميات تمثل رافعة حقيقية للتغيير والتنمية‪ ،‬لذا‪،‬‬

‫‪P 47‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫يتعين إيالؤها اهتماما خاصا على أعلى املستويات في هرم الدولة باعتبارها محفزا للتحوالت‬

‫املهيكلة وذات األثر القوي‪.45‬‬

‫فاإلدارة اإللكترونية تعتبر من املفاهيم الحديثة‪ ،‬وهي نتاج مواكبة اإلدارة للتطور في‬

‫مجال تكنولوجيا املعلومات التي شهدها العالم‪ ،‬وهذا ما أدى إلى االنتقال من النمط‬

‫التقليدي لإلدارة‪ ،‬إلى العصرنة والتحديث أو ما يطلق عليه باإلدارة اإللكترونية‬

‫)‪ ،(L’Administration électronique‬هذا وسنتناول مقومات اإلدارة اإللكترونية (املطلب‬

‫األول)‪ ،‬ودور الخدمات اإللكترونية في مكافحة الفساد اإلداري (املطلب الثاني)‪.‬‬

‫املطلب األول‪ :‬مقومات اإلدارة اإللكترونية‬

‫انتهت الصالحية الزمنية لعدة أشكال مكتبية بسيطة من قبيل اآللة الراقنة‪،‬‬

‫األرشيف الورقي‪...،‬لصالح تقنيات أخرى تمكن من تقليص التكلفة اإلنتاجية لإلدارة‪،‬‬

‫فاختراع الحاسوب شكل لحظة فارقة بين حقبتين تاريخيتين ملا أحدثه من ثورة تكنولوجية‬

‫كبيرة‪ ،‬فتحت الباب أمام عالم املعرفة والتخزين املعلوماتي للمعطيات وفق أشكال قاعدة‬

‫البيانات ‪ ،Base de Donnés‬والتي أدى تراكمها إلى ظهور الشبكة العنكبوتية ومحركات‬

‫األبحاث التي قلصت املسافات واألزمة‪ ،‬واستمر التطور بشكل سريع ومتواتر إلى حدود ظهور‬

‫املواقع االجتماعية حيث اقتربت االفتراضية من الواقعية‪.46‬‬

‫‪ - 45‬التقرير العام للنموذج التنموي الجديد للمغرب؛ أبريل ‪ ،7170‬ص‪.053‬‬


‫‪ -‬محمد البوعزاوي؛ تحديث اإلدارة الترابية بالمغرب نحو ترسيخ الديمقراطية وكسب رهان التنمية‪ ،‬منشورات مجلة العلوم‬ ‫‪46‬‬

‫القانونية‪ ،‬العدد ‪ ،7103 ،2‬ص‪.025 -027‬‬

‫‪P 48‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫هذا التطور دفع مختلف الباحثين واملهتمين بهذا املجال إلى محاولة تحديد اإلطار‬

‫املفاهيمي لإلدارة اإللكترونية‪ ،‬من حيث التعريف (الفرع األول)‪ ،‬وكذلك الخصائص املميزة‬

‫لها (الفرع الثاني)‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬تعريف اإلدارة اإللكترونية‬

‫قبل التطرق إلى مختلف التعريفات التي يمكن إعطاؤها لإلدارة اإللكترونية‪ ،‬يجب‬

‫اإلملام بالتداخل املفاهيمي بين اإلدارة اإللكترونية‪ ،‬وبعض املفاهيم األخرى‪ ،‬كالحكومة‬

‫اإللكترونية والحكومة الرقمية وغيرها‪ ،‬وهذا يرجع باألساس إلى أن اإلدارة اإللكترونية‬

‫مشتقة من املصطلح اإلنجليزي ‪ ،(e.government)47‬الحكومة اإللكترونية‪ ،‬اإلدارة‬

‫اإللكترونية‪ ،‬الحكومة الذكية ‪ ،...‬كلها مصطلحات ظهرت في الفترة األخيرة‪ ،‬فالحكومة‬

‫اإللكترونية هو توظيف شبكة اإلنترنت لتقديم املعلومات والخدمات الحكومية للمواطنين‪،‬‬

‫وبالتالي تبقى اإلدارة اإللكترونية مفهوما شامال لجميع الخدمات التي يقدمها سواء املرفق‬

‫العام أو الخاص‪.48‬‬

‫وقد تعددت تعريفات اإلدارة اإللكترونية على مستوى املنظمات والهيئات الدولية‪،‬‬

‫فقد عرف البنك الدولي اإلدارة اإللكترونية بأنها " مصطلح حديث يشير إلى استخدام‬

‫تكنولوجيا املعلومات واالتصال من أجل زيادة كفاءة وفعالية وشفافية ومساءلة الحكومة‪،‬‬

‫فيما تقدمه من خدمات إلى املواطن ومجتمع األعمال‪ ،‬وتمكينهم من املعلومات‪ ،‬بما يدعم‬

‫‪ www.sajplus.com -47‬؛ اإلدارة اإللكترونية بالمغرب الواقع المعيقات الرهانات‪ 7102/15/71 ،‬على الساعة ‪.03:01‬‬
‫‪ -48‬مهدي محمد ناني؛ اإلدارة اإللكترونية‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام‪ ،‬جامعة المولى إسماعيل‪ ،‬كلية العلوم‬
‫القانونية والقتصادية واالجتماعية‪ ،‬مكناس‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،7107/7100‬ص‪.8 -3 /‬‬

‫‪P 41‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫كافة النظم اإلجرائية الحكومية‪ ،‬ويقض ي على الفساد‪ ،‬وإعطاء الفرصة للمواطنين‬

‫للمشاركة في كافة مراحل العملية السياسية والقرارات املتعلقة بها‪ ،‬والتي تؤثر على مختلف‬

‫نواحي الحياة "‪ ،‬أما التعريف الذي تبناه االتحاد األوربي لإلدارة اإللكترونية فهو " استخدام‬

‫تكنولوجيا املعلومات واالتصال لتقديم للمواطنين وقطاع األعمال الفرصة للتعامل‬

‫والتواصل مع الحكومة‪ ،‬باستخدام الطرق املختلفة لالتصال‪ :‬الهاتف‪ ،‬الفاكس‪ ،‬البطاقات‬

‫الذكية والبريد اإللكتروني‪ ،‬األنترنت ووضع إطار لتحسين طرق إيصال الخدمات وتحقيق‬

‫التكامل بين اإلجراءات"‪.49‬‬

‫وفي نفس السياق عرفت منظمة التعاون والتنمية اإلدارة اإللكترونية على أنها‪" :‬‬

‫استخدام تكنولوجيا املعلومات واالتصال‪ ،‬والسيما األنترنيت من أجل تحسين إدارة املرافق‬

‫العامة "‪ ،‬وفي سبيل التوافق بين مفهوم الحكومة اإللكترونية والخدمات التي تقدمها‬

‫إدارات الدولة‪ ،‬فإن تعبير اإلدارة اإللكترونية هو املصطلح األقرب لتحقيق ذلك التوافق‬

‫على أساس أن املراد ليس ممارسة سلطة الحكم بطريقة إلكترونية‪ ،‬وإنما املقصود إدارة‬

‫األمور بطريقة إلكترونية سواء الحكومي أو األهلي‪.50‬‬

‫فاإلدارة اإللكترونية تعتبر فرعا معرفيا حديثا يدخل ضمن مواضيع علم اإلدارة‪،‬‬

‫وهي ال تشكل بديال لإلدارة التقليدية بقدر ما هي نمط جديد في اإلدارة‪ ،‬وامتداد للفكر‬

‫اإلداري في تطوره عبر مدارس متعددة بدءا من املدرسة الكالسيكية والسلوكية‪ ،‬مرورا‬

‫‪www.oced.org/publication -‬؛ ‪ 7108/15/73‬على الساعة ‪.08:53‬‬ ‫‪49‬‬

‫‪ -‬مريم فضال؛ اإلدارة العمومية بالمغرب بين مطلب التحديث ورهان التنمية‪ ،‬أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام‪،‬‬ ‫‪50‬‬

‫جامعة عبد المالك السعدي‪ ،‬كلية الحقوق بطنجة‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،7105/7105‬ص‪.578‬‬

‫‪P 51‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫باالتجاهات اإلدارية الحديثة‪ ،‬والتي تشمل مدرسة علم اإلدارة‪ ،‬مدرسة النظم املدرسة‬

‫الظرفية‪ ،‬وغيرها من املدارس التي أفرزتها مسيرة الفكر اإلداري‪ ،‬وهكذا فهي تجسد املوجة‬

‫القادمة للفكر اإلداري املتحالف بقوة مع تقنية املعلومات واالتصاالت‪.51‬‬

‫وعلى الرغم من حداثة مصطلح " اإلدارة اإللكترونية " في الدول العربية‪ ،‬فاملالحظ‬

‫وجود عدة محاوالت لتحديد مفهومه من زوايا وأبعاد مختلفة‪ ،‬فاإلدارة اإللكترونية هي‬

‫مصطلح إداري يقصد به عملية مكننة جميع مهام املؤسسة اإلدارية ونشاطها‪ ،‬باالعتماد‬

‫على كافة التقنيات املعلوماتية الضرورية للوصول إلى تحقيق أهداف اإلدارة الجديدة‪،52‬‬

‫وباملقابل هناك من يرى أن اإلدارة اإللكترونية‪ ،‬هي التعامل مع موارد معلوماتية تعتمد‬

‫على األنترنيت وشبكات األعمال‪ ،‬بحيث يصبح رأس املال املعلوماتي املعرفي الفكري هو‬

‫التعامل األكثر فعالية في تحقيق األهداف واألكثر كفاية في استخدام املوارد‪.53‬‬

‫فاإلدارة اإللكترونية يمكن أن تشكل آلية لتجاوز بعض املشاكل‪ ،‬وخاصة املتعلقة‬

‫بإعادة توزيع االختصاصات واملسؤوليات وتنظيم العالقات التسلسلية داخل اإلدارة‪،‬‬

‫فالتكنولوجيا يمكن أن ترسم عالقات أفقية بدل العمودية بين مختلف أجزاء املنظمة‪،‬‬

‫بشكل تداخلي دون حواجز أو عوائق‪ ،‬كما أنها ترفع من درجة التنسيق بين الوحدات‬

‫اإلدارية‪ ،‬وذلك من خالل وضع أبناك للمعلومات املشتركة يتم تبادلها بشكل سلس دون‬

‫‪ -‬محسن الندوي؛ أهمية اإلدارة اإللكترونية في عصر العولمة‪ ،‬مجلة شؤون استراتيجية‪ ،‬مطبعة الخليج العربي‪ ،‬تطوان‪،‬‬ ‫‪51‬‬

‫العدد‪ ،5‬نونبر‪ -‬يناير‪ ،7100‬ص‪.35‬‬


‫‪ -‬لمين علوطي؛ اإلدارة اإللكترونية للموارد البشرية‪ ،‬مجلة بحوث اقتصادية عربية‪ ،‬العدد‪ ،7118 ،57‬ص‪.055‬‬ ‫‪52‬‬

‫‪ -‬نجم عبود؛ اإلدارة اإللكترونية االستراتيجية والوظائف والمشكالت‪ ،‬الدار الجامعية للنشر‪ ،‬الرياض‪ ،7115 ،‬ص‪-073‬‬ ‫‪53‬‬

‫‪.078‬‬

‫‪P 51‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫اتباع اإلجراءات الورقية املعتمدة‪ ،‬وهذا ما يضفي الطابع املرن والفعال لإلدارة‬

‫اإللكترونية‪.54‬‬

‫باإلضافة إلى ذلك فاإلدارة اإللكترونية تساعد على تبني سياسة علمية حديثة‪،‬‬

‫تتجاوز من خاللها أساليب العمل التقليدية التي تعتمد على أعداد كبيرة من املوظفين‪،‬‬

‫كما أنها تساعد على الكشف عن الفائض في الوحدات اإلدارية‪ ،‬كما أنها تيسر عملية‬

‫إحصاء املوظفين‪ ،‬وتحديد أماكن عملهم ومؤهالتهم‪ ،‬مما يسهل عملية توزيعهم والكشف‬

‫عن الفائض املمكن‪ ،‬كما أن الفعالية واملرونة والسرعة التي تطبع املعامالت اإلدارية‬

‫اإللكترونية سهلت إمكانية تجاوز مركزية القرار اإلداري‪ ،‬حيث مكنت الوحدات اإلدارية من‬

‫حرية أكبر في التعامل‪ ،‬مع اإلبقاء على روابط اإلخبار والتفاعل مع املركز وفقا للوحة قيادة‬

‫تتضمن توجيهات وتوصيات ممارسة ذلك النشاط اإلداري‪.‬‬

‫ويمكن تعريف اإلدارة اإللكترونية كذلك‪ ،‬بأنها استعمال تكنولوجيا املعلومات‬

‫واالتصال خاصة والبرامج املعلوماتية من طرف اإلدارات واملؤسسات العمومية وحتى‬

‫الجماعات الترابية‪ ،‬بهدف تطوير أدائها الداخلي وتقديم خدمات ذات جودة عالية‬

‫للمستفيدين‪ ،‬سواء كانوا أشخاصا عامة أو ذاتية‪.55‬‬

‫وانطالقا مما سبق‪ ،‬فاإلدارة اإللكترونية يقصد بها استخدام التقنيات الحديثة‬

‫للقيام بمختلف األنشطة اإلدارية‪ ،‬وذلك بغية تحسين األداء وتحقيق األهداف بأقل وقت‬

‫‪54‬‬
‫‪- Bradier Agnés ; Le gouvernement électronique, une priorité européenne, revue française‬‬
‫‪d’administration publique, école nationale d’administrative,N°110 , 2004, p35.‬‬
‫‪ -‬مهدي محمد ناني؛ اإلدارة اإللكترونية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.01‬‬ ‫‪55‬‬

‫‪P 52‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫وجهد وتكلفة وبكفاءة عالية‪ ،‬وبالتالي فاإلدارة اإللكترونية تتضمن عدة خصائص وأبعاد‬

‫تميزها عن اإلدارة التقليدية‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬خصائص اإلدارة اإللكترونية‬

‫إن استخدام التكنولوجيا في املجال اإلداري ش يء ال غنى عنه للرفع من الجودة‬

‫اإلدارية‪ ،‬نظرا ملا توفره من إمكانية تخزين املعطيات وتصنيفها حسب معايير عدة وجمع‬

‫اإلحصائيات والقيام باالستقراءات والبرمجة بشكل سريع‪ ،‬يحسب بنقرة زر لوحة التحكم‪،‬‬

‫وهو ما يساعد على اتخاذ القرار الصحيح األقرب للموضوعية في أقصر مدة زمنية ممكنة‪،‬‬

‫وتوزيع القرار على الهياكل التنفيذية العمودية بسرعة‪ ،‬مما يمكن من التحكم في عوامل‬

‫القوة التي هي السرعة والدقة‪ ،‬كما تعتبر أبناك املعلومات بمثابة لوحة القيادة املثلى‬

‫إلصدار وتنفيذ القرار اإلداري في أحسن األحوال‪ ،‬فهي شبكة تمكن من تواصل اإلدارات‬

‫أفقيا وعموديا‪.56‬‬

‫إن تطبيق اإلدارة اإللكترونية يؤدي إلى السرعة والفعالية في تقديم الخدمات‬

‫بشكل يطغى على العراقيل والتعقيدات اإلدارية‪ ،‬وهذا يؤدي ملزيد من النجاعة في إنجاز‬

‫املعامالت والقيام بالوظائف بشكل تشاركي بين اإلدارة واملرتفقين‪ ،‬وزيادة املصداقية‬

‫والشفافية‪ ،57‬فتبني اإلدارة اإللكترونية يفرز إدارة بال ورق‪ ،‬وهذا يؤدي للتقليل من‬

‫‪ -‬محمد البوعزاوي؛ تحديث اإلدارة الترابية بالمغرب نحو ترسيخ الديمقراطية وكسب رهان التنمية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.025‬‬ ‫‪56‬‬

‫‪ -‬عشور عبد الكريم؛ دور اإلدارة اإللكترونية في ترشيد الخدمة العمومية في الواليات المتحدة األمريكية والجزائر‪ ،‬رسالة‬ ‫‪57‬‬

‫ماستر‪ ،‬جامعة منتوري‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬قسم العلوم السياسية والعالقات الدولية‪ ،‬قسطنطينة‪ ،‬السنة الجامعية‬
‫‪ ،7102/7108‬ص‪.08 -02‬‬

‫‪P 53‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫استخدام الورق واالعتماد على وسائل أخرى كاألرشيف اإللكتروني‪ ،‬وهذا من شأنه أن‬

‫يساعد على حفظ وتخزين أكثر للمعطيات دون الحاجة إلى أماكن التخزين التقليدية‪ ،‬أما‬

‫بالنسبة للعامل الزمني‪ ،‬فاإلدارة اإللكترونية تتيح إمكانية القيام بالعمليات اإلدارية في أي‬

‫وقت دون انتظار مواعيد العمل الرسمية لإلدارة‪ ،‬وبإمكان املوظف كذلك متابعة أعماله‬

‫خارج نطاق توقيت العمل اإلداري‪.‬‬

‫ومن خالل ما سبق تتضح أهمية توظيف تكنولوجيا املعلومات واالتصال في تطوير‬

‫وتحديث القطاع اإلداري‪ ،‬وفيما يلي أوجه االختالف بين اإلدارة التقليدية واإللكترونية‪:‬‬

‫اإللكترونية‪58‬‬ ‫املقارنة بين اإلدارة التقليدية واإلدارة‬

‫اإلدارة اإللكترونية‬ ‫اإلدارة التقليدية‬ ‫الخصائص‬

‫وجود شبكة األنترنيت‬ ‫تنظيم هرمي يحتوي على‬


‫التنظيم‬
‫واالعتماد على املشاركة‬ ‫عدة درجات‬

‫تضمن تكنولوجيا‬ ‫دورها منفصل عن اإلدارة‬

‫املعلومات في كافة وظائف‬ ‫وتقتصر على نقل بعض‬ ‫تكنولوجيا‬

‫اإلدارة وتشمل جميع‬ ‫املراسالت أو التوجيه‬ ‫املعلومات‬

‫املراحل واملعامالت‬

‫عاملي‬ ‫محلي على مستوى اإلدارة‬ ‫نطاق العمل‬

‫‪ - 58‬اإلدارة اإللكترونية بالمغرب الواقع المعيقات الرهانات؛ ‪ 7102/15/71 ، www.sajplus.com‬على الساعة ‪.03:01‬‬

‫‪P 54‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫خدمات مبتكرة من‬ ‫تقدم بالطرق التقليدية‬


‫تقديم‬
‫خالل شبكة األنترنيت‬ ‫ومرتبطة بمواعيد العمل‬
‫الخدمات‬
‫ومتاحة في أي وقت‬ ‫املحددة‬

‫استجابة فورية في‬ ‫استجابة بطيئة في القيام‬ ‫سرعة‬

‫املعامالت اإلدارية‬ ‫بالتعامالت‬ ‫املعامالت‬

‫قدرة أكبر على تخزين‬ ‫الحاجة ملساحة أكبر‬

‫وسهولة الوصول‬ ‫للتخزين وتعرض املعطيات‬ ‫األرشيف‬

‫للمعطيات‬ ‫للتلف والضياع‬

‫يشارك في الحصول‬ ‫دوره سلبي ويتلقى‬

‫على الخدمة اإللكترونية‬ ‫الخدمة وال يشارك بالرأي‬


‫املرتفق‬
‫ويملك حق التقييم‬

‫واالقتراح‬

‫التركيز على األهداف‬ ‫التركيز على اإلجراءات‬ ‫محور‬

‫والنتائج‬ ‫االهتمام‬

‫وعليه‪ ،‬يمكن إجمال خصائص اإلدارة اإللكترونية في‪:59‬‬

‫‪ -‬رأفت رضوان؛ اإلدارة اإللكترونية اإلدارة والمتغيرات العالمية الجديدة‪ ،‬الملتقى اإلداري الثاني للجمعية السعودية لإلدارة‪،‬‬ ‫‪59‬‬

‫مركز المعلومات واتخاذ القرار‪ ،‬القاهرة‪ ،7115 ،‬ص‪.5‬‬

‫‪P 55‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪ -‬زيادة اإلتقان‪ :‬إن اإلدارة اإللكترونية كآلية عصرية في عمليات التطوير والتغيير‬

‫التنظيمي‪ ،‬تمثل منعرجا حاسما في شكل املهام واألنشطة اإلدارية التقليدية وتنطوي على‬

‫مزايا‪ ،‬أهمها املعالجة الفورية للطلبات‪ ،‬الدقة والوضوح التام في إنجاز املعامالت‪.‬‬

‫‪ -‬تخفيف التكاليف‪ :‬إذا كانت اإلدارة اإللكترونية في البداية تحتاج ملشاريع مالية‬

‫معتبرة بهدف دفع عملية التحول‪ ،‬فإن انتهاج نموذج املنظمات اإللكترونية بعد ذلك سيوفر‬

‫مالية ضخمة‪.‬‬

‫‪ -‬تبسيط اإلجراءات‪ :‬عملت جل اإلدارات على إدخال املعلومات إلى مصالحها‪ ،‬وذلك‬

‫أمام الحاجة للتحديث والعصرنة اإلدارية‪ ،‬وحرصت على استخدامها االستخدام األمثل ملا‬

‫لها من إمكانيات وقدرات في تلبية حاجات املواطنين بشكل مبسط وسريع‪.‬‬

‫‪ -‬تحقيق الشفافية‪ :‬إن الشفافية الكاملة داخل املنظمات اإللكترونية هي محصلة‬

‫لوجود الرقابة اإللكترونية‪ ،‬التي تضمن املحاسبة الدورية على كل ما يقدم من خدمات‪،‬‬

‫إذ تعرف الشفافية أنها الجسر الذي يربط بين املواطن ومؤسسات املجتمع املدني من جهة‪،‬‬

‫والسلطات املسؤولة عن املهام اإلدارية من جهة أخرى‪ ،‬فهي تتيح مشاركة املجتمع بأكمله‪.‬‬

‫وتلعب تكنولوجيا املعلومات واالتصال دورا أساسيا في تقدم ورفاهية املجتمعات‪،‬‬

‫فتبني اإلدارة اإللكترونية أضحى أمرا ال مفر منه‪ ،‬قصد تطوير العمل اإلداري‪ ،‬لتلبية‬

‫الحاجيات املتزايدة ملرتفقيها‪ ،‬وتحقيق سهولة وصول املرتفقين ملختلف الخدمات اإلدارية‪،‬‬

‫فاإلدارة اإللكترونية تتجاوز النطاق الزمكاني الذي تخضع إليه اإلدارات‪.‬‬

‫‪P 56‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫إن توظيف تكنولوجيا املعلومات واالتصاالت باملغرب يهدف في املقام األول إلى‬

‫إحداث التغيير اإليجابي في النسق اإلداري‪ ،‬من خالل السعي نحو تحسين وإثراء ما هو‬

‫موجود ورفع مستوى العمل اإلداري‪ ،‬سواء قصد إرضاء املنتفعين أو قصد التفوق في‬

‫مجال املنافسة اإلدارية مع غيرها من اإلدارات‪ ،‬وفي كل الحاالت يبقى املرتفق هو املستفيد‬

‫األول من هذا التحسين املستمر واملتواصل‪.60‬‬

‫وهذا األمر يتم من خالل‪:‬‬

‫‪ ‬ضرورة التعرف على احتياجات املتعاملين مع اإلدارة‪.‬‬

‫‪ ‬إشراك العاملين في تخطيط وتطوير الخدمات املقدمة لهم‪.‬‬

‫‪ ‬وضع نظام لقياس درجة رضا املتعاملين كجزء أساس ي يتيح للمتعاملين مع‬

‫اإلدارة الحصول على الخدمات دون مساعدة من أي موظف‪.‬‬

‫‪ ‬إيجاد قنوات متعددة للسماح للمواطن بالدخول إلى النظام اإللكتروني في كل‬

‫ساعات اليوم‪ ،‬وفي كل أيام األسبوع‪.‬‬

‫‪ ‬وجود إجراءات لتلقي الشكاوى ومعالجتها وفقا ملعايير تحدد املدة التي يجب فيها‬

‫تنفيذ مثل هذه اإلجراءات‪.‬‬

‫لذلك فإن اإلدارة اإللكترونية ستجعل اإلدارة أكثر قربا من املواطنين‪ ،‬عن طريق‬

‫تزويدهم بدخول سهل وسريع إلى املعلومات عبر األنترنيت‪ ،‬فاإلدارة اإللكترونية ستعمل‬

‫‪ -‬محمد سمير أحمد؛ اإلدارة اإللكترونية‪ ،‬دار المسيرة للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،7112 ،‬ص‪.53‬‬ ‫‪60‬‬

‫‪P 57‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫على إعادة بناء عالقات جديدة بين اإلدارة واملواطنين‪ ،‬من خالل التمكن من اآلليات‬

‫الحديثة لتقنيات املعلومات‪ ،‬فاعتماد تكنولوجيا املعلومات والرقمنة أضحى محددا رئيسيا‬

‫لقياس التطور اإلداري‪ ،‬نظرا النعكاسها املباشر على تبسيط املساطر اإلدارية والتقليص‬

‫من آجال تلبية الخدمات اإلدارية من االستقبال وحتى التنفيذ‪ ،‬ومن تكلفتها وأيضا‬

‫جودتها‪ ،61‬واملغرب وعلى غرار باقي الدول‪ ،‬توجه منذ مطلع القرن الواحد والعشرين لدخول‬

‫عالم تكنولوجيا املعلومات واالتصال‪ ،‬حيث برز رهان املغرب نحو دمج املرفق العمومي في‬

‫ركب التكنولوجيا‪.‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬دور الخدمات اإللكترونية في مكافحة الفساد اإلداري‬

‫إن عملية إدخال التكنولوجيا الحديثة بوسائلها املتنوعة إلى اإلدارة العمومية‪،‬‬

‫أمر أصبح مؤكدا لجميع العاملين واملتعاملين مع هذا الجهاز‪ ،‬ذلك أنها آلية من اآلليات‬

‫املهمة التي ستمكن من تحسين وإرساء عالقات متميزة ما بين اإلدارة واملنتفعين مع هذا‬

‫الجهاز‪ ،‬وهذا ما أكده امللك محمد السادس في رسالة توجيهية‪ ،62‬على أنه‪ ... " :‬سيظل‬

‫إصالح اإلدارة العمومية وعصرنتها من بين الرهانات الرئيسية التي يطرحها تقدم بالدنا‪ ،‬إذ‬

‫يتعين أن نوفر ألجهزتنا ما يلزم من أدوات تكنولوجية عصرية بما فيها األنترنيت لتمكينها‬

‫من االنخراط في الشبكة العاملية وتوفير خدمات أكثر جودة ملتطلبات األفراد واملقاوالت "‪.‬‬

‫‪ - 61‬محمد البوعزاوي؛ تحديث اإلدارة المحلية بالمغرب‪ ،‬أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام‪ ،‬جامعة محمد الخامس‪ ،‬كلية‬
‫العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬أكدال‪ ،‬الرباط‪ ،‬السنة الجامعية‪ ،7105/7107‬ص‪.021‬‬
‫‪ -‬الرسالة الملكية الموجهة إلى أشغال المناظرة الوطنية حول " االستراتيجية الوطنية إلدماج المغرب في مجتمع المعرفة‬ ‫‪62‬‬

‫واإلعالم"‪ ،‬الرباط في ‪ 75‬أبريل ‪.7100‬‬

‫‪P 58‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫ومن منطلق الحق في الحصول على املعلومة التي تنص عليه الفقرة األولى من الفصل‪72‬‬

‫من دستور‪ ،637088‬وهذا أضحى يفرض بث جميع الوثائق عبر شبكة األنترنيت‪ ،‬األمر الذي‬

‫قد يعطي بعدا جديدا ملفهوم الشفافية اإلدارية‪ ،‬ويمهد الطريق لدمقرطة اإلدارة‪ ،‬بجعلها‬

‫إدارة مواطنة تستجيب النتظارات كل الفاعلين‪ ،‬فمن حق املواطنين أن يكونوا على بينة‬

‫من كل األمور التي تخص عالقتهم باإلدارة‪ ،‬ومن حقهم االستفادة من ذلك بكل شفافية‬

‫ومصداقية‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬فقد وضع املغرب في الفترة املمتدة ما بين ‪ 7002‬و‪ 7001‬البرنامج الوطني‬

‫لإلدارة اإللكترونية تحت تسميته " إدارتي"‪ ،‬حيث شمل ستة برامج‪ ،‬بحيث مكنت هذه‬

‫البرامج من توفير عدد من الخدمات على البوابات الرسمية للقطاعات الوزارية‪ ،‬وللتحفيز‬

‫على املش ي قدما في التجربة اإللكترونية تم إحداث جائزة " امتياز" لالحتفاء بأحسن مشروع‬

‫يقدم خدمة إلكترونية ذات جودة عالية‪ ،‬إضافة إلى تنظيم منتديات سنوية لإلدارة‬

‫اإللكترونية‪.64‬‬

‫ومن أجل توفير أكبر عدد من الخدمات على الخط‪ ،‬عملت الجهة الحكومية املكلفة‬

‫بتحديث القطاعات العامة في إطار البرنامج املذكور على توفير األرضية املثلى لتحقيق‬

‫االنتقال الرقمي ببالدنا‪ ،‬عبر إعداد إطار مشترك للتبادل اإللكتروني بين األنظمة‪ ،‬من أجل‬

‫سن معايير تقنية موحدة تمكن من تحسين التواصل داخل الوزارات وخارجها‪ ،‬والتنسيق‬

‫‪ - 63‬للمواطنات والمواطنين حق الحصول على المعلومات الموجودة في حوزة اإلدارة العمومية‪ ،‬والمؤسسات المنتخبة‪ ،‬والهيئات‬
‫المكلفة بمهام المرفق العام‪.‬‬
‫‪ -‬و ازرة تحديث القطاعات العامة‪ ،‬تقرير حول ميزانية الو ازرة برسم سنة‪ ،7112‬نونبر‪ ،7118‬ص‪.57‬‬ ‫‪64‬‬

‫‪P 51‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫بين اإلدارات عبر تبادل الخبرات واالستغالل املشترك للكفاءات‪ ،‬وإنجاز مشاريع إلكترونية‬

‫مشتركة بين اإلدارات ذات االختصاصات التكاملية‪ ،‬كما تم إحداث نظام معلوماتي لتدابير‬

‫املراسالت ‪ SYGEC‬وآخر لتدبير املخزون‪.65‬‬

‫ويعتبر برنامج ‪ e-gov‬مشروعا استراتيجيا طموحا‪ ،‬وضع البالد على سكة اإلدارة‬

‫الرقمية‪ ،‬وسهل الولوج الرقمي على كل اإلدارات‪ ،‬فهو يعني من الناحية التعريفية رقمنة‬

‫املساطر والخدمات العمومية املقدمة من طرف الدولة واإلدارات الترابية عبر استعمال‬

‫تكنولوجيا املعلومات واالتصال داخل اإلدارة واملؤسسات العمومية والجماعات الترابية‪،‬‬

‫وقد تم إحداث لجنة ‪ e-gov‬في فبراير ‪ 7009‬لدى الوزير األول آنذاك لتجميع املشاريع‬

‫الرقمية املختلفة التي بدأت بعض اإلدارات في إحداثها بشكل مستقل‪.66‬‬

‫إن موضوع التنمية في جوانبه املتعددة أصبح يحتل مكانة مهمة لدى الكثير من‬

‫الدارسين واملختصين‪ ،‬الكل انطالقا من الحقل املعرفي الذي ينتمي إليه‪ ،‬ولعل ما ولد هذه‬

‫العناية بمواضيع التنمية خصوصا اإلدارية منها‪ ،‬هو إيمان كل الفاعلين السياسيين‪،‬‬

‫االقتصاديين واالجتماعيين‪ ،‬وكذا املواطنين بأهمية ومدى انعكاساتها على مختلف املجاالت‬

‫ذات االرتباط الوثيق بانتظاراتهم ومصالحهم‪ ،‬على اعتبار أن هذا األخير هو املعني األول‬

‫بالعملية التنموية‪.67‬‬

‫‪ -‬محمد البوعزاوي؛ تحديث اإلدارة الترابية بالمغرب نحو ترسيخ الديمقراطية وكسب رهان التنمية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.028‬‬ ‫‪65‬‬

‫‪ -‬محمد البوعزاوي؛ تحديث اإلدارة الترابية بالمغرب نحو ترسيخ الديمقراطية وكسب رهان التنمية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.022‬‬ ‫‪66‬‬

‫‪ -‬جفري مراد؛ الثورة الرقمية وتأثيراتها على اإلدارة اإللكترونية‪ 7102/01/71 ،www.9anonak.com ،‬على الساعة‬ ‫‪67‬‬

‫‪.70:71‬‬

‫‪P 61‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫وتظهر أهمية هذه املسألة انطالقا من املزايا التي أصبحت تقدمها تكنولوجيا‬

‫املعلومات‪ ،‬فالحديث لم يعد يتمحور اليوم حول سبل اإلصالح اإلداري أو التحديث‬

‫اإلداري‪ ،‬وإنما حول القدرة على استيعاب التكنولوجيا الحديثة داخل املنظومة اإلدارية‪،‬‬

‫وأيضا مدى القدرة على وضع اإلطار القانوني الذي بإمكانه مجابهة كل األسئلة القانونية‬

‫التي سوف يطرحها استخدام الوسائط اإللكترونية الحديثة داخل اإلدارة اإللكترونية‪،‬‬

‫فهذه األخيرة هي ابنة بيئتها تتأثر بكافة العوامل املحيطة بها‪ ،‬لذلك فإن تنميتها مرتبطة‬

‫بمجموعة من الروابط أو نسيج من العوامل السياسية‪ ،‬االقتصادية‪ ،‬اإلدارية‬

‫واالجتماعية‪ ،‬والعمل على نشر التوعية بأهمية التقنيات الحديثة داخل املجتمع‪ ،‬ولعل‬

‫هذا ما دفع بالسلطات العمومية إلى اعتماد هذه التقنيات‪ ،‬سواء على مستوى التنظيم‬

‫اإلداري الداخلي أو في عالقة اإلدارة مع محيطها االقتصادي واالجتماعي‪.68‬‬

‫فاملجهود الذي بدل في مجال اإلدارة اإللكترونية ال يزال دون الحد املطلوب‪ ،‬ولم‬

‫يرق بعد باملغرب إلى مصاف الدول التي تعتمد على التقنيات الحديثة للتواصل‪ ،‬والتي هي‬

‫وسيلة لتقدم خدمات ذات قيمة مضافة إلى املواطنين‪ ،‬الش يء الذي يتطلب من اإلدارة‬

‫املغربية مسايرة التطور العاملي الحاصل في مجال اإلدارة اإللكترونية وتقييم استعمالها‪،‬‬

‫وذلك بالنظر إلى ما توفره من مزايا تيسر على الناس حياتهم‪ ،‬وذلك من خالل تعزيز‬

‫‪ - 68‬نجاة أيت بوكايو؛ تحديات اإلدارة المغربية ورهانات التنمية‪ ،‬رسالة لنيل الدراسات العليا المعمقة‪ ،‬جامعة محمد الخامس‪،‬‬
‫كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬أكدال‪ ،‬الرباط‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،7115/7117‬ص‪.58‬‬

‫‪P 61‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫الشفافية في الحياة اإلدارية‪ ،‬ويتمثل دور الخدمات اإللكترونية في مكافحة الفساد اإلداري‬

‫في‪:‬‬

‫‪ -‬تطوير أداء املرفق العام‪ :‬برزت الحاجة إلى البحث عن بدائل للتسيير التقليدي‪ ،‬وهو‬

‫ما تكرس في تجارب العديد من الدول‪ ،‬مثل الواليات املتحدة األمريكية وبريطانيا‪ ،‬بحثا عن‬

‫أنماط التسيير التي توفر إمكانية رفع أداء املرافق العمومية‪ ،‬فكان بذلك تكريس االستفادة‬

‫من تطبيقات تكنولوجيا املعلومات واالتصاالت كبديل إلصالح وظائف وأنشطة القطاع‬

‫العام‪ ،‬وتهدف في مجملها إلى تحسين أداء الخدمة العمومية وجعلها تتميز بالفعالية‬

‫والشفافية‪ ،‬وإلى تمكين املواطن من خدمة عمومية ذات جودة عالية‪ ،69‬فالخدمة العمومية‬

‫بنمطها اإللكتروني الحديث‪ ،‬هي توجه يفرض أحد أهم اآلليات التي يعمل من خاللها نموذج‬

‫اإلدارة اإللكترونية‪ ،‬في الحد من ظاهرة الفساد اإلداري‪ ،‬والحد من كل العوامل التي لها‬

‫آثار سلبية على أداء املرافق العمومية‪ ،‬وتتعلق بالسلوكيات البشرية‪ ،‬فنظام اإلدارة‬

‫اإللكترونية الذي يكرس تقديم الخدمات العمومية إلكترونيا‪ ،‬يضمن بهذه اآللية التقليل‬

‫من االتصال بين املوظفين الفاسدين واملواطنين كمستفيدين من الخدمة العمومية‪ ،‬وفي‬

‫الواقع طريقة تقديم الخدمات عبر األجهزة اآللية وعبر األنترنيت تزداد معها نسبة األمان‬

‫من التعسف في استخدام السلطة من املوظفين وتراجع مظاهر الفساد كاالبتزاز وطلب‬

‫الرشوة‪ ،‬واملحسوبية واملحاباة في تقديم الخدمات‪ ،‬ويمكن أن تؤثر الخدمات اإللكترونية‬

‫‪ -‬المك ي دراجي؛ دور اإلدارة اإللكترونية في تطوير الخدمة العمومية والمرفق العام في الجزائر‪ ،‬مجلة العلوم القانونية‬ ‫‪69‬‬

‫والسياسية‪ ،‬جامعة حمة لخضر‪ ،‬الجزائر‪ ،7108 ،‬عدد‪ ،02‬ص‪.57‬‬

‫‪P 62‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫على الفساد اإلداري‪ ،‬وذلك عن طريق حفظ بيانات إلكترونية مفصلة على املعامالت‬

‫اإللكترونية‪ ،‬لتحقيق إمكانية املتابعة في حال عدم االلتزام باإلجراءات التقنية واإلدارية‪.‬‬

‫‪ -‬تحقيق الشفافية والفعالية‪ :‬إن ما تشهده اإلدارة العمومية من عصرنة وتحديث‬

‫إداري عن طريق استعمال تكنولوجيا املعلومات‪ ،‬سيكون له انعكاسات وتأثيرات إيجابية‬

‫على مفهوم املرفق العام وطبيعة الخدمة التي يقدمها للمواطنين‪ ،‬بحيث ستتحول كافة‬

‫األعمال والخدمات اإلدارية التقليدية التي تتسم بطول اإلجراءات وكثرة األوراق‬

‫واملستندات‪ ،‬إلى أعمال وخدمات إلكترونية تنفذ بسرعة عالية ودقة متناهية‪ ،‬وهكذا فإن‬

‫اإلدارة اإللكترونية ترقى إلى تمكين املواطن من إدارة فعالة وسريعة‪ ،‬يستطيع من خاللها‬

‫قضاء أغراضه اإلدارية بطريقة شفافة وفعالة‪ ،‬وذلك بالنظر إلى ما تتوفر عليه اإلدارة‬

‫اإللكترونية من إمكانية تدبير جيد للوقت اإلداري واختصاره‪ ،‬واختزال مراحل عديدة‪،‬‬

‫الش يء الذي يترتب عنه تحسين في األداء واملردودية‪ ،‬وتحسين عالقة اإلدارة بمرتفقيها‪،‬‬

‫ويوفر تطبيق اإلدارة اإللكترونية في مفهومه البسيط‪ ،‬فوائد ذات أهمية كبرى يمكن‬

‫مالحظتها في اختصار الوقت والتكلفة ورقمنة األعمال اإلدارية‪ ،‬إذ يجعل املعلومات‬

‫والخدمات اإلدارية في متناول املواطنين‪ ،‬لكن هذا ال يعتبر إال تمهيدا لحقيقة اإلدارة‬

‫اإللكترونية كنظام إداري حديث‪.‬‬

‫إن مواكبة ثورة املعلومات واالتصاالت تستدعي العمل من خالل إدارة تتحول فيها‬

‫العالقة بين اإلدارات العمومية والجمهور‪ ،‬إلى عالقة شفافة بدال من السرية والكتمان‪،‬‬

‫معنى ذلك أن عالقة اإلدارة اإللكترونية بالجمهور تتحول في ظل الشفافية إلى عالقة‬

‫‪P 63‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫تشاورية ترس ي دعائم الديمقراطية اإلدارية‪ ،70‬التي تتيح للمواطنين حق مشاركة اإلدارة في‬

‫أداء عملها وحقه في فهم تصرفاتها مادام بإمكانه االطالع على وثائقها‪ ،‬كما أن الخدمات‬

‫اإللكترونية تضمن من خالل أدوات وتقنيات توفيرها‪ ،‬تبسيط وتسهيل اإلجراءات اإلدارية‪.‬‬

‫‪ -‬الرفع من مستوى التواصل اإلداري‪ :‬تشكل تقنيات االتصال أساس عمل اإلدارة‬

‫اإللكترونية‪ ،‬بحيث تساعد على تحقيق التواصل بين مختلف أقسام اإلدارة الواحدة‪ ،‬وبين‬

‫هذه اإلدارة وباقي اإلدارات األخرى‪ ،‬ويحصل هذا األمر بفضل االندماج الحاصل بين‬

‫تكنولوجيا الحواسب وتكنولوجيا االتصاالت‪ ،‬ثم تكنولوجيا البرمجيات‪ ،‬الش يء الذي يترتب‬

‫عنه فتح إمكانيات هائلة وآفاق واسعة‪ ،‬فيما يتعلق بالتنسيق بين مكونات اإلدارة والقدرة‬

‫على الرقابة والتوجيه‪ ،71‬فالتواصل مسألة ضرورية لتحقيق التنسيق بين الجهود واستثمار‬

‫نتائجها‪ ،‬إال أن تحقيق هذا التنسيق والتكامل بين جهود عدد كبير من األفراد لن يتحقق‪،‬‬

‫إال عن طريق اإلدارة اإللكترونية‪ ،‬بحيث تستند إلى التبادل اإللكتروني للمعطيات‪ ،‬باعتباره‬

‫النموذج األمثل لتحقيق مبتغاهم‪ ،‬ومن تم يستفيدون من املعالجة اآللية للمعطيات‪ ،‬ومن‬

‫إمكانية تبادلها عن بعد‪ ،‬وبسرعة كبيرة‪ ،‬وبتكلفة معقولة وبين مراكز متواجدة في أماكن‬

‫متباعدة‪.72‬‬

‫‪ -‬نصيرة ربيع؛ دور اإلدارة اإللكترونية في تفعيل مبدأ الشفافية‪ ،‬مجلة الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬العدد‪ ،8‬جامعة عباس‬ ‫‪70‬‬

‫لغرور‪ ،‬الجزائر‪ ،7102 ،‬ص ‪.228-223‬‬


‫‪ -‬فاطمة الزهرة أقبوش؛ التحديث اإلداري وعالقته بمناخ األعمال‪" ،‬أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام‪ ،‬جامعة عبد‬ ‫‪71‬‬

‫المالك السعدي‪ ،‬كلية الحقوق بطنجة‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،7102/7108‬ص‪.720‬‬


‫‪ -‬كما تمكن اإلدارة اإللكترونية من تحقيق التوجيه‪ ،‬والرقابة الالزمتين‪ ،‬بحيث يتم إدخال الرقابة إلى الحاسوب بواسطة‬ ‫‪72‬‬

‫برامج‪ ،‬فتقوم اإلدارة اإللكترونية بمراقبة المعطيات المدخلة والمعطيات المخرجة‪ ،‬ومراقبة مدى مالءمة الق اررات المتخذة‪ ،‬الشيء‬
‫الذي يمكن الرئيس من االتصال بمرؤوسيه وتوجيههم إلى إنجاز األعمال التي عهد إليهم إنجازها‪.‬‬

‫‪P 64‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪ -‬تبسيط اإلجراءات وتوفير الجهد واملال‪ :‬تهدف اإلدارة اإللكترونية إلى جعل اإلدارة‬

‫أكثر قربا من املرتفقين وأكثر إرضاء للمتعاملين معها‪ ،‬عن طريق الحد من العراقيل التي‬

‫يصطدمون بها‪ ،‬خاصة تعقد املساطر‪ ،‬وهكذا‪ ،‬فاإلدارة اإللكترونية تتيح تبسيط املساطر‬

‫اإلدارية ( رخص‪ ،‬شواهد‪ ،‬وثائق ‪ ،)...‬والعمل بتقنية املساطر عن بعد‪ ،‬والتي تضع رهن‬

‫إشارة العموم نماذج الطلبات واالستثمارات التي يجب تعبئتها بعناية للحصول على الوثيقة‬

‫املعنية‪ ،‬إضافة إلى إتاحة تلقي تساؤالت واستفسارات جمهور املرتفقين من خالل البريد‬

‫اإللكتروني‪ ،‬وتلقي شكاياتهم على شبكة األنترنيت‪ ،‬األمر الذي يترتب عنه تقريب اإلدارة من‬

‫املواطنين‪ ،‬وهكذا يمكن القول بأن اإلدارة اإللكترونية تعتبر بحكم توظيفها لتكنولوجيا‬

‫االتصاالت واملعلومات‪ ،‬واستخدامها شبكة األنترنيت‪ ،‬وقيامها بمعالجة وثائقها بالطريقة‬

‫اإللكترونية‪ ،‬إدارة رقمية في صميم مجتمع املعلومات‪ ،‬تختزل املكان والزمان‪ ،‬الش يء الذي‬

‫يتطلب معه سن التشريعات الالزمة لتقنين التبادل اإللكتروني للمعطيات واملصادقة‬

‫اإللكترونية‪ ،‬وتأمين املعطيات وضمان سالمتها وصحتها وحماية خصوصياتها‪.73‬‬

‫وهكذا أصبح الطموح باملغرب يتجسد في بناء إدارة عصرية دائمة اإلصغاء ملحيطها‬

‫الوطني والدولي‪ ،‬ومتوفرة على اآلليات الالزمة لالستجابة لحاجيات جميع مكونات املجتمع‬

‫أفرادا وجماعات‪ ،‬ومهتمة بتقديم أفضل خدمة عمومية‪ ،‬ذلك أن التكنولوجيا الحديثة‬

‫أصبحت اليوم هي اللبنة األساسية لصناعة املستقبل اإلداري ملا توفره من اآلليات الالزمة‬

‫‪ -‬فاطمة الزهرة أقبوش؛ التحديث اإلداري وعالقته بمناخ األعمال‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.727‬‬ ‫‪73‬‬

‫‪P 65‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫لالستجابة لحاجيات جميع مكونات املجتمع أفرادا وجماعات‪ ،‬ومهتمة بتقديم أفضل‬

‫خدمة عمومية‪ ،‬ذات جودة عالية‪ ،‬وقريبة من املواطنين‪ ،‬وبأقل تكلفة ممكنة‪.‬‬

‫املبحث الثاني‪ :‬متطلبات اإلدارة اإللكترونية ودورها في تقريب اإلدارة من املواطن‬

‫تتعدد متطلبات اإلدارة اإللكترونية‪ ،‬كما تتفاوت درجة أهمية تلك املتطلبات‪ ،‬لكن‬

‫من الضروري أن يكون هناك تكامل فيما بينها‪ ،‬فال يمكن إهمال املتطلبات القانونية‬

‫والتشريعية‪ ،‬إذ يجب إيجاد الفضاء القانوني املناسب‪ ،‬لتطبيقات اإلدارة اإللكترونية‪ ،‬كما‬

‫من الضروري مراعاة البيئة اإللكترونية (املطلب األول)‪ ،‬والعمل على تجاوز التحديات التي‬

‫تفرضها‪ ،‬باإلضافة إلى تدريب األفراد القائمين على تطبيق وممارسة مشاريع اإلدارة‬

‫اإللكترونية‪ ،‬والتخطيط ملواجهة التحديات التي تفرضها واملخاطر املحتملة في التنفيذ‬

‫(املطلب الثاني)‪.‬‬

‫املطلب األول‪ :‬املتطلبات القانونية والبيئية لإلدارة اإللكترونية‬

‫سنتطرق في هذه الفقرة إلى املتطلبات القانونية لإلدارة اإللكترونية (الفرع األول)‪،‬‬

‫وإلى املتطلبات البيئية‬

‫(الفرع الثاني)‪ ،‬وإلى مطلب تكوين وتدريب املوارد البشرية (الفرع الثاني)‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬املتطلبات القانونية لإلدارة اإللكترونية‬

‫من أهم متطلبات تطبيق اإلدارة اإللكترونية هي إيجاد إطار تشريعي متكامل‪،‬‬

‫ومنظومة قانونية تتماش ى مع نظام اإلدارة الجديد‪ ،‬بما يضمن مراعاة املستجدات‬

‫‪P 66‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫ويستوعب التطور املستمر في آليات عمل اإلدارة اإللكترونية‪ ،‬وتجدر اإلشارة إلى أن العديد‬

‫من الحكومات قد سارعت حتى قبل تبني نظام اإلدارة اإللكترونية‪ ،‬إلى إيجاد تشريعات‬

‫تتعلق بالتجارة والجرائم اإللكترونية‪ ،‬فيجب إعطاء مشروعية لألعمال اإللكترونية‪،‬‬

‫والهدف من ذلك تحديد ما هو محظور منها‪ ،‬فكثيرا ما تصطدم سلطات التحقيق في عملها‪،‬‬

‫بجرائم إلكترونية عن طريق التقنيات الحديثة ال يمكن إيجاد غطاء تشريعي يجرمها‪.‬‬

‫وعرف قطاع تكنولوجيا املعلومات واالتصال باملغرب طفرة نوعية بالنظر للبرامج‬

‫واالستراتيجيات التي عملت على تنزيله وتعميمه وتيسير سبل الوصول إليه‪ ،‬بحيث واكب‬

‫الثورة املعلوماتية على مستوى القطاعات واملؤسسات الحكومية‪ ،‬وذلك بواسطة ترسانة‬

‫قانونية همت تنظيم هذا القطاع‪.‬‬

‫‪ -8‬القطاعات واملؤسسات الحكومية‪ :‬شرع املغرب بعد االستقالل في هيكلة عدة‬

‫قطاعات وإصالحها‪ ،‬إلى أن توجت سنة ‪ 8331‬باعتماد القانون ‪ 7474-37‬والذي كرس نهاية‬

‫احتكار الدولة لقطاع االتصاالت‪ ،‬فمن بين القطاعات واملؤسسات املرتبطة بتكنولوجيا‬

‫املعلومات واالتصال‪ ،‬نجد‪:‬‬

‫أ‪ -‬الوكالة الوطنية لتقنين املواصالت )‪ :(ANRT‬تعتبر مؤسسة عمومية مكلفة بتنظيم‬

‫وتقنين قطاع املواصالت‪ ،‬وتتمتع بالشخصية املعنوية واالستقالل املالي‪ ،‬فحسب القانون‬

‫‪ -‬الظهير الشريف رقم ‪ 0.22.087‬صادر في ‪ 17‬ربيع الثاني ‪ 12( 0508‬غشت ‪ )0222‬بتنفيذ القانون رقم ‪75.28‬‬ ‫‪74‬‬

‫المتعلق بالبريد والمواصالت‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 5308‬بتاريخ ‪ 03‬جمادى األولى‪ 08( 0508‬شتنبر ‪ ،)0222‬ص‪.5270‬‬

‫‪P 67‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪ 74.37‬املتعلق بالبريد واملواصالت واملغير واملتمم بمقتض ى القانون ‪ ،22.08‬فاختصاصات‬

‫الوكالة تتحدد في املهام التالية‪:75‬‬

‫‪ -‬مهام قانونية‪ :‬تساهم الوكالة في إعداد اإلطار القانوني املنظم لقطاع االتصال من‬

‫خالل مشاريع القوانين واملراسيم والقرارات الوزارية‪ ،‬ومنح التراخيص ملمارسة مهام‬

‫االتصاالت‪ ،‬وإعداد وتنفيذ مساطر املصادقة اإللكترونية‪...‬‬

‫‪ -‬مهام اقتصادية‪ :‬تتولى الوكالة التقنين االقتصادي للقطاع‪ ،‬من خالل املصادقة على‬

‫عروض الربط البيني للمتعهدين‪ ،‬والسهر على احترام قواعد املنافسة‪ ،‬والبث في النزاعات‬

‫املرتبطة بها‪ ،‬وتعد مهام اليقظة من بين االختصاصات التي تتوالها الوكالة لحساب الدولة‪،‬‬

‫وتتجلى هذه املهام في التقارير التي تعدها هذه املؤسسة حول تطور قطاع تكنولوجيا‬

‫املعلومات واالتصال‪.‬‬

‫‪ -‬مهام تقنية‪ :‬تتولى الوكالة الوطنية لتقنين املواصالت تحديد القواعد اإلدارية‬

‫للموافقة على التجهيزات واملعدات املرصودة للربط بشبكة عامة لالتصاالت‪.‬‬

‫ب‪ -‬املجلس الوطني لتكنولوجيا اإلعالم واالقتصاد الرقمي‪ :‬تم إحداث املجلس الوطني‬

‫لتكنولوجيا اإلعالم واالقتصاد الرقمي سنة ‪ ،7002‬بناء على مرسوم رقم ‪،767.01.433‬‬

‫‪ -‬الظهير الشريف رقم ‪ 0.15.035‬الصادر في ‪ 70‬رمضان ‪ 15 ( 0573‬نونبر ‪ )7115‬بتنفيذ القانون رقم ‪33.10‬‬ ‫‪75‬‬

‫القاضي بتغيير وتتميم القانون رقم ‪ 75.28‬المتعلق بالبريد والمواصالت‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 3785‬بتاريخ‪ 73‬رمضان‬
‫‪ 18 (0573‬نونبر ‪ ،)7115‬ص‪.5880‬‬
‫‪ - 76‬المرسوم رقم ‪ 7.18.555‬الصادر في ‪ 73‬جمادى األولى ‪ 70 ( 0551‬ماي ‪ )7112‬بإحداث مجلس وطني لتكنولوجيا‬
‫اإلعالم واالقتصاد الرقمي‪ ،‬الجريدة الرسمية ‪ 3255‬بتاريخ ‪ 75‬جمادى الثانية ‪ 08 ( 0551‬يونيو ‪ .)7112‬ص‪.5337‬‬

‫‪P 68‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫وتناط بهذا املجلس مهمة تنسيق السياسات الوطنية الهادفة إلى تطوير تكنولوجيا اإلعالم‬

‫واالقتصاد الرقمي وضمان تتبعها وتقييم تنفيذها‪ ،‬وذلك من خالل اقتراح التوجهات‬

‫الكبرى لتطوير تكنولوجيا اإلعالم واالقتصاد الرقمي على الحكومة‪ ،‬باإلضافة القتراحه‬

‫عدة إجراءات تشريعية وتنظيمية من شأنها أن تساهم في هذا التطوير‪ ،‬وتدابير لتسهيل‬

‫ولوج املجتمع لتجهيزات اإلعالميات وشبكات األنترنيت‪ ،‬وتقديم توصيات من أجل تصور‬

‫األعمال املراد القيام بها لتطوير مجتمع اإلعالم واالقتصاد الرقمي‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬فإصالح الوكالة الوطنية لتقنين املواصالت ساهم في تطوير املجال الرقمي‬

‫في املغرب من خالل قيامه بمختلف املهام املنوطة به‪ ،‬واإلشراف الفعلي على القطاع‪ ،‬غير‬

‫أنه وعلى عكس ذلك فاملجلس الوطني لتكنولوجيا اإلعالم واالقتصاد الرقمي يعاني من‬

‫غياب تفعيله منذ إحداثه‪ ،‬مما ساهم في تعثرات هذا القطاع‪ ،‬خاصة ما يخص مستوى‬

‫اإلدارات واملؤسسات الحكومية‪.77‬‬

‫‪ -7‬اإلطار القانوني لإلدارة اإللكترونية‪ :‬عمل املشرع املغربي على وضع ترسانة قانونية‬

‫مهمة‪ ،‬مرتبطة بقطاع تكنولوجيا املعلومات واالتصال‪ ،‬كاملرسوم رقم ‪ 7.01.444‬السالف‬

‫الذكر‪ ،‬واملتعلق بإحداث املجلس الوطني لتكنولوجيا اإلعالم واالقتصاد الرقمي‪ ،‬وكذا‬

‫الذي حدد اختصاصات وتنظيم وزارة الصناعة والتجارة‬ ‫‪787.80.24‬‬ ‫املرسوم رقم‬

‫‪ -‬اإلدارة اإللكترونية الواقع المعيقات الرهانات؛ ‪.03:51 ،7102/13/70 ، www.sajplus.com‬‬ ‫‪77‬‬

‫‪ - 78‬المرسوم رقم ‪ 7.01.25‬الصادر في ‪ 75‬رجب ‪ 18 ( 0550‬يوليوز ‪ )7101‬بتحديد اختصاصات وتنظيم و ازرة الصناعة‬
‫والتجارة والتكنولوجيا الحديثة‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 3885‬الصادرة بتاريخ فاتح رمضان ‪ 07 ( 0550‬غشت ‪.)7101‬‬

‫‪P 61‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫والتكنولوجيا الحديثة‪ ،‬واملرسوم رقم ‪ 797.87.299‬والذي حدد اختصاصات وتنظيم وزارة‬

‫الصناعة والتجارة واالستثمار واالقتصاد الرقمي‪ ،‬واملرسوم رقم ‪ 7.82.92080‬املغير واملتمم‬

‫للمرسوم ‪ ،7.87.299‬إضافة للقانون ‪ 8178.87‬املحدث لوكالة التنمية الرقمية‪.‬‬

‫وقد عمل املشرع املغربي إلى التصدي ملختلف الجرائم واالختالالت املرتبطة‬
‫‪8203.01‬‬ ‫بتكنولوجيا املعلومات واالتصال وتنظيمها‪ ،‬وفي هذا اإلطار صدر القانون رقم‬

‫املتعلق بحماية األشخاص الذاتيين اتجاه معالجة املعطيات ذات الطابع الشخص ي‪،‬‬

‫وكذلك القانون رقم ‪ 8302.09‬والذي تمم مجموعة القانون الجنائي‪ ،‬و املتعلقة بنظم‬

‫املعالجة اآللية للمعطيات‪ ،‬كما ارتبطت بعض النصوص التشريعية بتنظيم بعض‬

‫املستجدات التي رافقت استخدام وسائل التكنولوجيا‪ ،‬وأهم هذه النصوص‪ ،‬القانون رقم‬

‫‪ -‬المرسوم رقم ‪ 7.08.355‬الصادر في ‪ 72‬من شوال ‪ 15 ( 0552‬غشت ‪ )7108‬بتحديد اختصاصات وتنظيم و ازرة‬ ‫‪79‬‬

‫الصناعة والتجارة واالستثمار واالقتصاد الرقمي‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 8521‬بتاريخ ‪ 00‬غشت ‪.7108‬‬
‫‪ - 80‬المرسوم ‪ 7.02.531‬الصادر في ‪ 07‬من شوال ‪ 12 ( 0558‬يوليوز ‪ )7102‬بتغيير وتتميم المرسوم رقم ‪7.08.355‬‬
‫الصادر في ‪ 72‬من شوال ‪ 5 ( 0552‬غشت ‪ )7108‬بتحديد اختصاصات وتنظيم و ازرة الصناعة والتجارة واالستثمار واالقتصاد‬
‫الرقمي‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 8383‬بتاريخ ‪ 03‬شوال ‪ 01 ( 0558‬يوليوز ‪ ،)7102‬ص ‪.5235‬‬
‫‪ -‬الظهير الشريف رقم ‪ 0.02.72‬الصادر في ‪ 18‬ذي الحجة ‪ 51 ( 0558‬غشت ‪ )7102‬بتنفيذ القانون رقم ‪80.08‬‬ ‫‪81‬‬

‫المحدثة بموجبه وكالة التنمية الرقمية‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 8815‬بتاريخ ‪ 75‬ذي الحجة ‪ 05 ( 0558‬دجنبر ‪ ،)7102‬ص‬
‫‪.3132‬‬
‫‪ -‬الظهير الشريف رقم ‪ 0.12.03‬الصادر في ‪ 77‬من صفر ‪ 08 ( 0551‬فبراير ‪ )7112‬بتنفيذ القانون رقم ‪18.12‬‬ ‫‪82‬‬

‫المتعلق بحماية األشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 3200‬بتاريخ ‪72‬‬
‫صفر ‪ 75 ( 0551‬فبراير ‪ ،)7112‬ص‪.337‬‬
‫‪ -‬القانون رقم ‪ 12.15‬المتمم لمجموعة القانون الجنائي في ما يتعلق بالجرائم المتعلقة بنظم المعالجة اآللية للمعطيات‪،‬‬ ‫‪83‬‬

‫الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪ 0.15.022‬بتاريخ ‪ 08‬من رمضان ‪00 ( 0575‬نونبر ‪ ،)7115‬الجريدة الرسمية عدد‬
‫‪ 3020‬بتاريخ ‪ 72‬شوال ‪ 77 ( 0575‬دجنبر ‪ ،)7115‬ص‪.5785‬‬

‫‪P 71‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪ 8429.02‬املتعلق بالتبادل اإللكتروني للمعطيات القانونية‪ ،‬وعليه‪ ،‬فاإلطار القانوني ال‬

‫يقتصر على النصوص املذكورة فقط‪ ،‬بل يتعداه إلى عدة قوانين متنوعة‪ ،‬وتهم مختلف‬

‫جوانب مجال تكنولوجيا املعلومات واالتصال‪ ،‬مما يظهر النظرة الدقيقة للمشرع لهذا‬

‫املجال‪ ،‬وذلك نظرا ملا يتميز به القطاع من سرعة وتطور مستمر‪.‬‬

‫وبدأت رقعة استعمال التكنولوجيا في املعامالت اإلدارية تتسع شيئا فشيئا‪،‬‬

‫مستفيدة من اإلقبال البشري املتزايد‪ ،‬باإلضافة إلى الواقع التكنولوجي الذي يفرض نفسه‬

‫بقوة على مختلف الحكومات واملجتمعات‪ ،‬وبالتالي فإن التقدم التقني والتطور التكنولوجي‬

‫على املستوى العاملي‪ ،‬انعكس على املستوى الوطني‪ ،‬بحيث كان لزاما على اإلدارة املغربية‬

‫مواكبة هذا التطور من خالل إدماج البعد الرقمي في تطوير اإلدارة‪ ،‬وبالتالي تجاوز‬

‫البيروقراطية اإلدارية‪.85‬‬

‫‪ -‬البعد اإللكتروني في التحديث اإلداري‪ :‬أصبحت الدول تقاس بوزن إدارتها داخل‬

‫محيطها الترابي‪ ،‬في الوقت الذي باتت فيه اإلدارة الجماعية عاجزة عن تلبية حاجيات‬

‫املواطنين‪ ،‬وذلك بفعل الفساد املنتشر فيها‪ ،‬والتي لم تسلم منه جل إدارات املعمور عامة‪،‬‬

‫والدول النامية على وجه الخصوص‪.‬‬

‫‪ -‬الظهير الشريف رقم ‪ 0.12.072‬الصادر في ‪ 02‬ذي القعدة ‪ 51 ( 0578‬نونبر ‪ )7112‬بتنفيذ القانون رقم ‪35.13‬‬ ‫‪84‬‬

‫المتعلق بالتبادل اإللكتروني للمعطيات القانونية‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 3385‬بتاريخ ‪73‬ذو القعدة ‪ 18 ( 0578‬دجنبر‬
‫‪ ،)7112‬ص‪.5822‬‬
‫‪ -‬اإلدارة اإللكترونية بالمغرب الواقع المعيقات الرهانات؛ ‪.03:51 ،7102/13/70 ،www.sajplus.com‬‬ ‫‪85‬‬

‫‪P 71‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫لذلك كان من الضروري على املغرب أن يفتح أوراشا مهمة من أجل مواكبة اإلدارة‬

‫للتطورات الرقمية‪ ،‬حيث تعتبر سنة ‪ 8332‬بداية العالقة مع التكنولوجيا‪ ،‬حيث شهدت‬

‫إدخال األنترنيت إلى املغرب‪ ،‬وتوالت مع وضع البرنامج التنموي لتكنولوجيا املعلومات‬

‫واالتصال سنة ‪ ،8332‬حيث تم إحداث بوابة إلكترونية استهدفت إدارة الجمارك‬

‫والضرائب الغير املباشرة‪ ،86‬كما اعتمد املغرب املخطط الخماس ي ( ‪ )7009 -8333‬كاختيار‬

‫استراتيجي لتحقيق التنمية االقتصادية واالجتماعية في اململكة‪ ،87‬والذي كان هدفه هو‬

‫جعل تكنولوجيا اإلعالم أداة تنافسية لالقتصاد الوطني وتطوير الخدمات‪ ،‬هذا املخطط‬

‫أفض ى سنة ‪ 7008‬لصياغة النسخة األولى من استراتيجية املغرب اإللكترونية‪ ،‬والتي هدفت‬

‫لتعميم اإلدارة اإللكترونية‪ ،‬ولكن فشل هذه البرامج في تحقيق األهداف املسطرة‪ ،‬وغياب‬

‫رؤية واضحة ومستقبلية لهذا القطاع‪ ،‬دفع إلى اعتماد عدة مخططات واستراتيجيات‪:‬‬

‫‪ -‬االستراتيجيات الوطنية لتبني اإلدارة اإللكترونية‪ :‬شرع املغرب في تنفيذ عدة‬

‫استراتيجيات وطنية قصد تعميم استعمال تكنولوجيا املعلومات واالتصال‪ ،‬وذلك بغية‬

‫االنتقال نحو املجتمع الرقمي‪ ،‬وقد كان التحديث اإلداري جزء من هذه االستراتيجيات‪،‬‬

‫وذلك عن طريق تبني اإلدارة اإللكترونية‪ ،‬ومن بينها‪:‬‬

‫‪ -‬إدارة الجمارك والضرائب الغير المباشرة؛ ‪.70:53 ،7102/15/02 ،www.douane.gov.ma‬‬ ‫‪86‬‬

‫‪87‬‬
‫‪- La direction du centre d’étude internationales ; une décennie de réformes au Maroc (1999-‬‬
‫‪2003), éditions khartola, 2010, p63.‬‬

‫‪P 72‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪ -‬البرنامج الوطني لإلدارة اإللكترونية ‪ :7004‬في سنة ‪ 7004‬أصبحت ‪ CSTI‬اللجنة‬

‫االستراتيجية لتكنولوجيا املعلومات منظمة في عدة مجموعات‪ ،88‬فكان من بين أهم‬

‫أولوياتها تطوير املعلومات واالتصال وإرساء دعائم اإلدارة اإللكترونية وتعميم استعمالها‪،‬‬

‫وفي سنة ‪ 7002‬تم تفعيل البرنامج الوطني لإلدارة اإللكترونية " إدارتي‪ ،"IDARATI -‬والذي‬

‫يقوم على فكرة االنتقال من تدبير إداري يعتمد على الورق إلى تدبير إداري إلكتروني بدون‬

‫ورق‪ ،‬من خالل تطوير أساس معلوماتي يرفع من إنتاجية ومردودية الجهاز اإلداري‪ ،‬وفي‬

‫نفس السنة أيضا تم تنظيم أول مؤثمر سنوي لإلدارة اإللكترونية‪ ،‬كما قامت الوزارة‬

‫املكلفة بالوظيفة العمومية وتحديث اإلدارة بتنظيم الجائزة الوطنية لإلدارة اإللكترونية "‬

‫امتياز"‪ ،‬التي تهدف رغم طابعها الرمزي إلى خلق نوع من املنافسة بين مختلف القطاعات‬

‫العمومية‪.89‬‬

‫‪ -‬االستراتيجية الوطنية ( ‪ :( E-Maroc 2010‬في إطار عصرنة القطاعات اإلنتاجية‬

‫باملغرب حملت االستراتيجية الوطنية )‪ ،(E. Maroc 2010‬على عاتقها سد الفجوة الرقمية‬

‫وتعميم الولوج إلى خدمات األنترنيت وخدمات االتصال بصفة عامة‪ ،‬حيث اعتمدت‬

‫االستراتيجية على أربع محاور تتعلق بتنمية اإلدارة اإللكترونية وتعميم وسائل تكنولوجيا‬

‫االتصال‪ ،‬إضافة للتكوين في مجال تكنولوجيا اإلعالم واالتصال‪ ،‬وأخيرا تطوير الصناعات‬

‫‪ -‬حاتم الشعيري؛ اإلدارة اإللكترونية بالمغرب بين عصرنة العمل اإلداري وعوائق التطبيق‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الماستر في‬ ‫‪88‬‬

‫القانون العام‪ ،‬جامعة عبد المالك السعدي‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬طنجة‪ ،‬السنة الجامعية‬
‫‪ ،7112/7118‬ص‪.78‬‬
‫‪89‬‬
‫‪- www.mmsp.gov.ma ; visite le 25/05/2019, 00 :30.‬‬

‫‪P 73‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫املرتبطة بتكنولوجيا املعلومات‪ ،‬ففي إطار تفعيل اإلدارة اإللكترونية تم إطالق بوابة وطنية‬

‫)‪ ،(www.maroc.ma‬حيث ساهمت هذه البوابة في تقليص كافة الخدمات املقدمة والحد‬

‫من عناء التنقل‪ ،‬والحصول على املعلومات املطلوبة‪ ،‬وكذا تحسين نوعية الخدمات التي‬

‫يتيحها توحيد املساطر اإلدارية على املستوى الوطني‪.‬‬

‫ج‪ -‬االستراتيجية الوطنية ملجتمع املعلومات واالقتصاد الرقمي (املغرب الرقمي‬

‫‪:)7089‬‬

‫شكل الخطاب امللكي لسنة ‪ 7001‬بمناسبة عيد العرش‪ ،‬مدخال مهما لتبني‬

‫استراتيجية املغرب الرقمي ‪ ،907089‬حيث دعا امللك الحكومة إلى " اعتماد استراتيجية‬

‫جديدة في املجال الصناعي والخدماتي وتنمية تكنولوجيا العصر ‪ ."...‬وبنيت هذه‬

‫االستراتيجية على جعل قطاع تكنولوجيا املعلومات مصدرا لإلنتاجية والقيمة املضافة‬

‫بالنسبة لباقي القطاعات االقتصادية واإلدارات العمومية‪ ،91‬وعلى رؤية وطموحات‬

‫واضحة‪ ،‬حيث تتمحور حول أربع أولويات‪ ،‬أوالها التحول االجتماعي من خالل تمكين‬

‫املواطنين من الولوج إلى األنترنيت ذي الصبيب العالي وتشجيع الولوج إلى املبادالت‬

‫واملعرفة‪ ،‬ثم إنجاز الخدمات العمومية املوجهة إلى املتعاملين مع اإلدارة‪ ،‬بهدف تقريب‬

‫‪ -‬تم إطالقه في أكتوبر ‪ ،7112‬حيث مكن من تحسين جودة مواقع الو ازرات والخدمات اإللكترونية المرتبطة بها‪ ،‬خاصة‬ ‫‪90‬‬

‫في مجاالت التربية والشؤون االجتماعية واالقتصاد والمالية والصحة والشغل وولوج المواطنين لإلدارة اإللكترونية‪ ،‬مع إطالق‬
‫بوابة ‪ maroc.gov.ma‬وتحسين موقع ‪ ،servise-public.ma‬وكذا الولوج إلى المعلومات العمومية مع إطالق أول موقع‬
‫للمعلومات بإفريقيا ‪ ،data.gov.ma‬فضال عن تطوير المشاركة اإللكترونية‪ ،‬مع األخذ بعين االعتبار أفكار وآراء المواطنين‬
‫عبر موقع ‪.fikra.gov.ma‬‬
‫‪ -‬المغرب الرقمي ‪ ،www.egov.com ،7105‬تاريخ التصفح ‪ 7102/18/72‬على الساعة ‪.70:01‬‬ ‫‪91‬‬

‫‪P 74‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫اإلدارة من حاجيات املتعاملين معها من حيث الفعالية والجودة والشفافية بواسطة برنامج‬

‫طموح لإلدارة اإللكترونية‪ ،‬وثالثا‪ ،‬اعتماد املعلومات في املقاوالت الصغرى واملتوسطة للرفع‬

‫من إنتاجيتها‪ ،‬ورابعا‪ ،‬تنمية صناعة تكنولوجيا املعلومات‪.‬‬

‫ولدعم نجاح هذه االستراتيجية تم إحداث صندوق املغرب الرقمي‪ ،‬الذي يقدم‬

‫قروضا للمقاوالت التكنولوجية واإللكترونية‪ ،‬كما يستفيد من األموال التي تضخها له‬

‫مجموعة من األبناك التي تأكد لها االستثمار اآلمن في هذا املجال‪ ،‬بل وابتكر برنامج املغرب‬

‫الرقمي ما يصطلح عليه رأسمال املخاطر‪ ،‬وهي اآللية التي تسمح للصندوق بمنح قروضه‬

‫للمقاوالت الصغرى واملتوسطة ومقاوالت املغاربة بالخارج قصد منح خبراتهم لبلدهم مقابل‬

‫الدعم املالي لهم‪ ،‬وهي كلها خطوات تنم على مهنية عالية‪.92‬‬

‫وباملقابل‪ ،‬يرى مختصون مغاربة في مجال التكنولوجيا أن ‪ 70%‬من مشاريع‬

‫الحكومة اإللكترونية تتعثر وال تكتمل‪ ،‬نظرا لعدة عوامل أهمها عدم مصاحبة هذه املشاريع‬

‫من طرف املتخصصين‪ ،‬حيث تقتصر نصف الوزارات واملؤسسات التابعة للدولة على خلق‬

‫موقع إلكتروني لها بدون برنامج مضبوط للمصاحبة‪ ،‬حتى يتم تحيين املعلومات وتوفيرها‬

‫للمواطن العادي‪ ،‬كما أن مشكل إيصال املعلومة ومدى تفاعل املواطن مع املوقع‬

‫اإللكتروني لوزارة معينة وسهولة استعماله يعتبر عائقا أمام استقطاب املواطنين لالعتماد‬

‫على األنترنيت في الخدمات اإلدارية‪ ،93‬وهذا راجع إلى عدة أسباب مرتبطة بالبيروقراطية‬

‫‪ -‬محمد البوعزاوي؛ تحديث اإلدارة الترابية بالمغرب نحو ترسيخ الديمقراطية وكسب رهان التنمية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.083‬‬ ‫‪92‬‬

‫‪ -‬محمد البوعزاوي؛ نفس المرجع‪ ،‬ص‪.088‬‬ ‫‪93‬‬

‫‪P 75‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫السائدة في اإلدارات‪ ،‬وعجز برنامج التكوين على مواكبة هذه املخططات للرفع من قدرات‬

‫املوظف على الصعيد التكنولوجي‪ ،‬إضافة لغياب إحصائيات رسمية عن مستوى مؤشرات‬

‫تطور اإلدارة اإللكترونية منذ سنة ‪.7084‬‬

‫فعجز االستراتيجيات السابقة أجبر املسؤولين على وضع استراتيجية جديدة لغاية‬

‫سنة ‪ ،7070‬ولكن يجب إيجاد حلول واقعية ملختلف االختالالت التي تعيق تطور تكنولوجيا‬

‫املعلومات واالتصال بشكل عام‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬متطلبات البيئة اإللكترونية‬

‫تحتاج اإلدارة اإللكترونية إلى تهيئة البيئة املناسبة‪ ،‬حتى يكون تطبيقها ناجحا‪،‬‬

‫وتحقق أهدافها بدون أن تكون هناك عوائق تهدد بفشلها‪ ،‬ومن بين هذه املتطلبات‪:‬‬

‫أ‪ -‬التخطيط االستراتيجي والرؤية الواضحة‪ :‬يحتاج تأسيس نظام اإلدارة اإللكترونية‬

‫إلى وجود استراتيجية واضحة ومصممة لتحكم سير تطبيق النظام في مراحله املختلفة‪،‬‬

‫وذلك لتحديد مالمح اإلدارة اإللكترونية والرؤية املرسومة لها واألهداف املتوخى تحقيقها‬

‫بوضوح‪ ،‬وهنا يتجلى دور القيادة السياسية في تهيئة البيئة الالزمة واملناسبة لعملية التحول‬

‫واالنتقال لإلدارة اإللكترونية‪ ،‬والقيادة التنفيذية التي تتولى عملية التغيير في الثقافة‬

‫والتنظيم إلنجاز األمور املهمة إلرساء برامج اإلدارة اإللكترونية‪.94‬‬

‫‪ - 94‬الزهرة بودريش؛ مداخلة بعنوان‪ :‬اإلطار المفاهيمي والنظري للحكومة اإللكترونية‪ ،‬الملتقى العلمي الدولي حول‪ :‬متطلبات‬
‫إرساء الحكومة اإللكترونية في الجزائر‪ ،‬دراسة تجارب بعض الدول‪ ،‬مومي ‪ 05‬و‪ 05‬ماي ‪ ،7105‬جامعة سعد دحلب‪ ،‬البليدة‪،‬‬
‫الجزائر‪ ،7105 ،‬ص‪.00-01‬‬

‫‪P 76‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫ب‪ -‬التمويل واملتابعة املستمرة‪ :‬يجب توفير التمويل الالزم‪ ،‬والذي يتوافق مع حجم‬

‫مشروع ضخم كتطبيق اإلدارة اإللكترونية‪ ،‬وليس ذلك فقط بل يتعدى األمر للدعم‬

‫واملتابعة املستمرة‪ ،‬فطبيعة التطور الحاصل في تكنولوجيا املعلومات واالتصاالت‪ ،‬يطرح‬

‫تحدي كبير‪ ،‬وهو ضرورة القيام بعمليات التحديث املستمرة‪ ،‬سواء على مستوى العتاد‬

‫والتطبيقات والبرامج اإللكترونية املعتمدة‪ ،‬أو تكوين وتدريب األفراد على املهارات‬

‫والتقنيات الحديثة‪.‬‬

‫ج‪ -‬البنية التحتية‪ :‬تتطلب اإلدارة اإللكترونية مستوى مناسب من األجهزة‬

‫اإللكترونية‪ ،‬التي تمكن من توفير الخدمات املطلوبة‪ ،‬وتأمين شبكة حديثة لالتصاالت‬

‫والبيانات‪ ،‬تكون قادرة على تأمين التواصل ونقل املعلومات بين اإلدارات العمومية نفسها‪،‬‬

‫وبينها وبين املستفيدين من جهة أخرى‪ ،‬وبالتالي البنية التحتية هنا‪ ،‬ال تعني فقط الجانب‬

‫الذي يخص اإلدارات العمومية‪ ،‬بل الجانب الذي يتيح إمكانية االستفادة من الخدمة‬

‫العمومية للمستفيدين‪ ،‬سواء أفراد أو شركات‪.95‬‬

‫د‪ -‬التوعية املجتمعية بالثقافة اإللكترونية‪ :‬إن التوعية املجتمعية يمكن أن تسهم في‬

‫زيادة تقبل أفراد املجتمع لتطبيقات اإلدارة اإللكترونية واالستفادة منها‪ ،‬وثقافة ممارسة‬

‫واستخدام ما توفره تكنولوجيا املعلومات واالتصاالت لتعزيز بناء مجتمع معلوماتي‪ ،‬ويمكن‬

‫أن يتأتى ذلك عبر مشروع يؤكد على أن سلوكيات األفراد قد تشبعت بهذه الثقافة‪ ،‬ويضمن‬

‫استمراريتها‪.‬‬

‫‪ -‬ربحي مصطفى عليان؛ البيئة اإللكترونية‪ ،‬دار صفاء للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،7103 ،‬ص‪.57‬‬ ‫‪95‬‬

‫‪P 77‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫الفرع الثالث‪ :‬تكوين وتدريب املوارد البشرية‬

‫يجب تكوين وتدريب املوظفين والقائمين على اإلدارات العمومية من خالل تنمية‬

‫قدراتهم على أداء األعمال والخدمات في نظام اإلدارة اإللكترونية‪ ،‬بشكل سليم وفعال‪،‬‬

‫وإعطائهم املهارات الالزمة الستخدام األجهزة والوسائل اإللكترونية‪ ،‬وإدارة الشبكات‬

‫وقواعد البيانات‪ ،‬مما ينسجم مع البيئة اإللكترونية واستخدام تكنولوجيا املعلومات‬

‫واالتصاالت‪ ،‬وتأتي أهمية التكوين والتدريب للموارد البشرية‪ ،‬إلرساء اإلدارة اإللكترونية‪،‬‬

‫وذلك لتغير الوظائف اإلدارية واملهارات املطلوبة‪ ،96‬وذلك بسبب االعتماد أكثر على الوسائل‬

‫واألساليب اإللكترونية في تنفيذ األعمال‪ ،‬فتختفي بعض الوظائف وتدمج أخرى‪ ،‬ويتم توفير‬

‫وظائف جديدة‪ ،‬تعتمد على املعرفة التقنية‪ ،‬فالبد من توافر الفرد على القدرة على التعامل‬

‫مع الوسائل واألساليب اإللكترونية‪ ،‬كما أن تطبيق اإلدارة اإللكترونية يتطلب موظفين‬

‫تكون لهم القدرة على إدارة الخدمة العمومية وفق ما يرض ي املواطنين‪ ،‬وبالتالي يحتاجون‬

‫إلى معلومات وظيفية متخصصة عن عملهم بالذات‪ ،‬ومهارات تعلم أساسية تمكنهم من‬

‫متابعة عمليات التطوير في الخدمات التي يقدمونها‪.‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬اإلدارة اإللكترونية ودورها في تقريب اإلدارة من املواطن‬

‫إن اهتمام اإلدارة اإللكترونية يقوم على توفير الكثير من الخدمات لفائدة‬

‫املواطنين‪ ،‬وتسهيل وتبسيط هذه الخدمات‪ ،‬فهي إذن ذات توجه واضح يركز على خدمة‬

‫‪ -‬محمد بن أحمد بن محمد الفرازي؛ أثر الثورة التكنولوجية المعاصرة على تقييم برامج وسياسات إدارة الموارد البشرية‪،‬‬ ‫‪96‬‬

‫نموذج و ازرة التربية والتعليم بسلطنة عمان‪ ،‬أطروحة دكتوراه في إدارة األعمال‪ ،‬جامعة تشرين‪ ،‬الالذقية‪ ،‬عمان‪،7112 ،‬‬
‫ص‪.010‬‬

‫‪P 78‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫املواطن‪ ،‬مما يدعم إقبال األفراد على الدخول إلى بيئة الخدمة العامة اإللكترونية‪ ،‬كما‬

‫تسعى حكومات الدول إلى الرفع من معدالت القبول والرضا لدى املستفيدين من خدماتها‬

‫وتقديمها في أحسن صورة وبجودة عالية‪ ،‬وتعتبر املواقع اإللكترونية املخصصة لتقديم‬

‫الخدمات العامة إحدى اآلليات الهامة في تقريب اإلدارة من املواطن واالرتقاء بالخدمات‬

‫العمومية‪.‬‬

‫كما أن ضمان مشاركة فعلية للمواطنين املستفيدين من خدمات اإلدارة‬

‫اإللكترونية يتحقق بتقوية االتصال بين اإلدارة واملواطن‪ ،‬عن طريق االهتمام بميول‬

‫ورغبات املواطنين وإرضاء حاجياتهم من خالل اإلصغاء إليهم‪ ،‬وأخذ اقتراحاتهم بعين‬

‫االعتبار‪ ،‬فالقصد من عصرنة اإلدارة العمومية محاربة أشكال البيروقراطية وتحسين‬

‫الخدمات املقدمة للمواطنين‪ ،‬وذلك باستعمال التكنولوجيا الحديثة لإلعالم واالتصال‬

‫ومواصلة تكوين املوارد البشرية العاملة باإلدارة العمومية‪ ،‬إضافة إلى اعتماد استراتيجية‬

‫إعالمية وتحسيسية لفائدة املواطنين‪ ،‬لتعريفهم بنظام اإلدارة العمومية اإللكترونية‬

‫ونوعية وجودة الخدمات التي ستقدم لهم‪.97‬‬

‫ويعتبر تحسين العالقة بين اإلدارة العمومية واملواطن من بين أهم املبادئ التي يقوم‬

‫عليها نظام اإلدارة اإللكترونية‪ ،‬على اعتبار أن تكريسها يجعل املواطن في قلب الخدمات‬

‫العمومية وإدماج املجتمع املدني في الدفع بعصرنة اإلدارة العمومية من خالل جودة‬

‫‪ - 97‬محمد قارطي؛ دور اإلدارة اإللكترونية في تطوير الخدمة العمومية‪ ،‬دبلوم الماستر في القانون العام المعمق‪ ،‬جامعة عبد‬
‫الحميد بن باديس‪ ،‬مستغانم‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،7102-7108‬ص‪.21-82‬‬

‫‪P 71‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫الخدمات وتقريبها من املواطن‪ ،‬وتحقيق الثقة املتبادلة‪ ،‬وهذه العملية ليست سهلة ألنها‬

‫تتطلب من اإلدارة العمومية اإللكترونية أن تكون إدارة ديمقراطية تضمن مشاركة‬

‫املواطنين بآرائهم وانتقاداتهم من جهة‪ ،‬بحيث ال يمكن الحديث عن عصرنة اإلدارة‬

‫العمومية دون الحديث عن تكنولوجيا اإلعالم واالتصال‪ ،‬وبذلك يعد إدخال تكنولوجيا‬

‫املعلومات في تسيير اإلدارات ثورة حقيقية في عالم اإلدارة‪ ،‬مفادها تحويل األعمال‬

‫والخدمات اإلدارية التقليدية إلى أعمال وخدمات إلكترونية تعمل على حماية اإلداري‬

‫واالرتقاء بأدائه‪ ،‬وتحقيق االستخدام األمثل للخدمات بسرعة ودقة عالية من خالل رقمنة‬

‫كل القطاعات في كل اإلدارات‪ ،‬وذلك من أجل تبسيط اإلجراءات اإلدارية وتمكين اإلدارات‬

‫من التخطيط بكفاءة لالستفادة من متطلبات العمل في وقت قصير‪.‬‬

‫خاتمة‪:‬‬

‫تساهم الرقميات في تحول جذري فيما يخص جودة الخدمات العمومية وطرق‬

‫الولوج إليها‪ ،‬خصوصا في املناطق النائية‪ ،‬األمر الذي يجعل منها وسيلة لإلدماج االقتصادي‬

‫واالجتماعي والترابي‪ ،‬ويشكل األداء عن بعد‪ ،‬من خالل تسهيل العمليات التجارية‬

‫والخدماتية‪ ،‬فرصة لإلدماج االقتصادي واالجتماعي للساكنة التي في وضعية هشة‪ ،‬وترفع‬

‫الرقمنة من منسوب الثقة بين املواطن واملقاوالت والدولة من خالل مساهمتها في جعل‬

‫العالقة بين الدولة واملواطن وبين الدولة واملقاولة أكثر انسيابية وشفافية‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬فاإلدارة العمومية املغربية تسعى من خالل استخدامها لإلدارة اإللكترونية‬

‫(الرقمنة) إلى تحسين الخدمة العمومية للقضاء على البيروقراطية اإلدارية والحد من‬

‫‪P 81‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫الفساد اإلداري‪ ،‬وهو رهان تطمح إليه منذ سنوات‪ ،‬وهذا لتمكين املواطنين من مستوى‬

‫عال في أداء الخدمة اإلدارية‪.‬‬

‫‪P 81‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫الئحة املراجع بالعربية‪:‬‬

‫‪ ‬نجم عبود؛ اإلدارة اإللكترونية االستراتيجية والوظائف واملشكالت‪ ،‬الدار‬


‫الجامعية للنشر‪ ،‬الرياض‪.7004 ،‬‬

‫‪ ‬رأفت رضوان؛ اإلدارة اإللكترونية اإلدارة واملتغيرات العاملية الجديدة‪ ،‬امللتقى‬


‫اإلداري الثاني للجمعية السعودية لإلدارة‪ ،‬مركز املعلومات واتخاذ القرار‪،‬‬
‫القاهرة‪.7004 ،‬‬

‫‪ ‬محمد سمير أحمد؛ اإلدارة اإللكترونية‪ ،‬دار املسيرة للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪،‬‬
‫‪.7003‬‬

‫‪ ‬ربحي مصطفى عليان؛ البيئة اإللكترونية‪ ،‬دار صفاء للطباعة والنشر والتوزيع‪،‬‬
‫عمان‪.7082 ،‬‬

‫املراجع بالفرنسية‪:‬‬

‫‪ Bradier Agnés ; Le gouvernement électronique, une priorité‬‬


‫‪européenne, revue française d’administration publique, école‬‬
‫‪nationale d’administrative,N°110.‬‬

‫‪ La direction du centre d’étude internationales ; une décennie de‬‬


‫‪réformes au Maroc (1999-2003), éditions khartola, 2010.‬‬

‫األطروحات‪:‬‬

‫‪ ‬فاطمة الزهرة أقبوش؛ التحديث اإلداري وعالقته بمناخ األعمال‪" ،‬أطروحة‬


‫لنيل الدكتوراه في القانون العام‪ ،‬جامعة عبد املالك السعدي‪ ،‬كلية الحقوق‬
‫بطنجة‪ ،‬السنة الجامعية ‪.7082/7087‬‬

‫‪P 82‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪ ‬مريم فضال؛ اإلدارة العمومية باملغرب بين مطلب التحديث ورهان التنمية‪،‬‬
‫أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام‪ ،‬جامعة عبد املالك السعدي‪ ،‬كلية‬
‫الحقوق بطنجة‪ ،‬السنة الجامعية ‪.7084/7089‬‬

‫‪ ‬محمد البوعزاوي؛ تحديث اإلدارة املحلية باملغرب‪ ،‬أطروحة لنيل الدكتوراه في‬
‫القانون العام‪ ،‬جامعة محمد الخامس‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية‬
‫واالجتماعية‪ ،‬أكدال‪ ،‬الرباط‪ ،‬السنة الجامعية‪.7089/7087‬‬

‫‪ ‬محمد بن أحمد بن محمد الفرازي؛ أثر الثورة التكنولوجية املعاصرة على تقييم‬
‫برامج وسياسات إدارة املوارد البشرية‪ ،‬نموذج وزارة التربية والتعليم بسلطنة‬
‫عمان‪ ،‬أطروحة دكتوراه في إدارة األعمال‪ ،‬جامعة تشرين‪ ،‬الالذقية‪ ،‬عمان‪،‬‬
‫‪.7003‬‬

‫الرسائل‪:‬‬

‫‪ ‬محمد قارطي؛ دور اإلدارة اإللكترونية في تطوير الخدمة العمومية‪ ،‬دبلوم املاستر‬
‫في القانون العام املعمق‪ ،‬جامعة عبد الحميد بن باديس‪ ،‬مستغانم‪ ،‬كلية‬
‫الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬السنة الجامعية ‪.7082-7087‬‬

‫‪ ‬عشور عبد الكريم؛ دور اإلدارة اإللكترونية في ترشيد الخدمة العمومية في‬
‫الواليات املتحدة األمريكية والجزائر‪ ،‬رسالة ماستر‪ ،‬جامعة منتوري‪ ،‬كلية‬
‫الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬قسم العلوم السياسية والعالقات الدولية‪،‬‬
‫قسطنطينة‪ ،‬السنة الجامعية ‪.7082/7087‬‬

‫‪ ‬مهدي محمد ناني؛ اإلدارة اإللكترونية‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم املاستر في القانون‬
‫العام‪ ،‬جامعة املولى إسماعيل‪ ،‬كلية العلوم القانونية والقتصادية واالجتماعية‪،‬‬
‫مكناس‪ ،‬السنة الجامعية ‪.7087/7088‬‬

‫‪P 83‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪ ‬حاتم الشعيري؛ اإلدارة اإللكترونية باملغرب بين عصرنة العمل اإلداري وعوائق‬
‫التطبيق‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم املاستر في القانون العام‪ ،‬جامعة عبد املالك‬
‫السعدي‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬طنجة‪ ،‬السنة‬
‫الجامعية ‪.7003/7001‬‬

‫‪ ‬نجاة أيت بوكايو؛ تحديات اإلدارة املغربية ورهانات التنمية‪ ،‬رسالة لنيل‬
‫الدراسات العليا املعمقة‪ ،‬جامعة محمد الخامس‪ ،‬كلية العلوم القانونية‬
‫واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬أكدال‪ ،‬الرباط‪ ،‬السنة الجامعية ‪.7009/7007‬‬

‫املقاالت‪:‬‬

‫‪ -‬املكي دراجي؛ دور اإلدارة اإللكترونية في تطوير الخدمة العمومية واملرفق العام في‬
‫الجزائر‪ ،‬مجلة العلوم القانونية والسياسية‪ ،‬جامعة حمة لخضر‪ ،‬الجزائر‪،7081 ،‬‬
‫عدد‪.82‬‬

‫‪ -‬ملين علوطي؛ اإلدارة اإللكترونية للموارد البشرية‪ ،‬مجلة بحوث اقتصادية عربية‪،‬‬
‫العدد‪.7001 ،47‬‬
‫‪ -‬نصيرة ربيع؛ دور اإلدارة اإللكترونية في تفعيل مبدأ الشفافية‪ ،‬مجلة الحقوق‬
‫والعلوم السياسية‪ ،‬العدد‪ ،1‬جامعة عباس لغرور‪ ،‬الجزائر‪.7082 ،‬‬

‫‪ -‬محمد البوعزاوي؛ تحديث اإلدارة الترابية باملغرب نحو ترسيخ الديمقراطية وكسب‬
‫رهان التنمية‪ ،‬منشورات مجلة العلوم القانونية‪ ،‬العدد ‪.7082 ،3‬‬

‫‪ -‬محسن الندوي؛ أهمية اإلدارة اإللكترونية في عصر العوملة‪ ،‬مجلة شؤون‬


‫استراتيجية‪ ،‬مطبعة الخليج العربي‪ ،‬تطوان‪ ،‬العدد‪ ،4‬نونبر‪ -‬يناير‪.7088‬‬

‫القوانين‪ ،‬الظهائر واملراسيم‪:‬‬

‫‪P 84‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪ -‬القانون رقم ‪ 02.09‬املتمم ملجموعة القانون الجنائي في ما يتعلق بالجرائم املتعلقة‬


‫بنظم املعالجة اآللية للمعطيات‪ ،‬الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪ 8.09.832‬بتاريخ ‪87‬‬
‫( ‪88‬نونبر ‪ ،)7009‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 2828‬بتاريخ ‪ 72‬شوال‬ ‫من رمضان ‪8474‬‬
‫‪ 77 ( 8474‬دجنبر ‪ ،)7009‬ص‪.4714‬‬

‫‪ -‬الظهير الشريف رقم ‪ 8.32.877‬صادر في ‪ 07‬ربيع الثاني ‪ 02( 8481‬غشت ‪)8332‬‬


‫بتنفيذ القانون رقم ‪ 74.37‬املتعلق بالبريد واملواصالت‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 4281‬بتاريخ‬
‫‪ 82‬جمادى األولى‪ 81( 8481‬شتنبر ‪ ،)8332‬ص‪.9278‬‬

‫‪ -‬الظهير الشريف رقم ‪ 8.04.824‬الصادر في ‪ 78‬رمضان ‪ 04 ( 8472‬نونبر ‪ )7004‬بتنفيذ‬


‫القانون رقم ‪ 22.08‬القاض ي بتغيير وتتميم القانون رقم ‪ 74.37‬املتعلق بالبريد واملواصالت‪،‬‬
‫الجريدة الرسمية عدد ‪ 2779‬بتاريخ‪ 72‬رمضان ‪ 01 (8472‬نونبر ‪ ،)7004‬ص‪.9118‬‬

‫‪ -‬الظهير الشريف رقم ‪ 8.02.873‬الصادر في ‪ 83‬ذي القعدة ‪ 90 ( 8471‬نونبر ‪)7002‬‬


‫بتنفيذ القانون رقم ‪ 29.02‬املتعلق بالتبادل اإللكتروني للمعطيات القانونية‪ ،‬الجريدة‬
‫الرسمية عدد ‪ 2214‬بتاريخ ‪72‬ذو القعدة ‪ 07 ( 8471‬دجنبر ‪ ،)7002‬ص‪.9123‬‬

‫‪ -‬الظهير الشريف رقم ‪ 8.03.82‬الصادر في ‪ 77‬من صفر ‪ 81 ( 8490‬فبراير ‪)7003‬‬


‫بتنفيذ القانون رقم ‪ 01.03‬املتعلق بحماية األشخاص الذاتيين تجاه معالجة املعطيات ذات‬
‫الطابع الشخص ي‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 2288‬بتاريخ ‪ 72‬صفر ‪ 79 ( 8490‬فبراير ‪،)7003‬‬
‫ص‪.227‬‬

‫‪ -‬الظهير الشريف رقم ‪ 8.82.72‬الصادر في ‪ 01‬ذي الحجة ‪ 90 ( 8491‬غشت ‪)7082‬‬


‫بتنفيذ القانون رقم ‪ 78.87‬املحدثة بموجبه وكالة التنمية الرقمية‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد‬
‫‪ 7704‬بتاريخ ‪ 79‬ذي الحجة ‪ 84 ( 8491‬دجنبر ‪ ،)7082‬ص ‪.2022‬‬

‫‪P 85‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪ -‬املرسوم رقم ‪ 7.01.444‬الصادر في ‪ 72‬جمادى األولى ‪ 78 ( 8490‬ماي ‪ )7003‬بإحداث‬


‫مجلس وطني لتكنولوجيا اإلعالم واالقتصاد الرقمي‪ ،‬الجريدة الرسمية ‪ 2244‬بتاريخ ‪74‬‬
‫جمادى الثانية ‪ 81 ( 8490‬يونيو ‪ .)7003‬ص‪.9227‬‬

‫‪ -‬املرسوم رقم ‪ 7.80.24‬الصادر في ‪ 79‬رجب ‪ 07 ( 8498‬يوليوز ‪ )7080‬بتحديد‬


‫اختصاصات وتنظيم وزارة الصناعة والتجارة والتكنولوجيا الحديثة‪ ،‬الجريدة الرسمية‬
‫عدد ‪ 2174‬الصادرة بتاريخ فاتح رمضان ‪ 87 ( 8498‬غشت ‪.)7080‬‬

‫‪ -‬املرسوم رقم ‪ 7.87.299‬الصادر في ‪ 73‬من شوال ‪ 09 ( 8492‬غشت ‪ )7087‬بتحديد‬


‫اختصاصات وتنظيم وزارة الصناعة والتجارة واالستثمار واالقتصاد الرقمي‪ ،‬الجريدة‬
‫الرسمية عدد ‪ 7430‬بتاريخ ‪ 88‬غشت ‪.7087‬‬

‫‪ -‬املرسوم ‪ 7.82.920‬الصادر في ‪ 87‬من شوال ‪ 02 ( 8491‬يوليوز ‪ )7082‬بتغيير وتتميم‬


‫املرسوم رقم ‪ 7.87.299‬الصادر في ‪ 73‬من شوال ‪ 9 ( 8492‬غشت ‪ )7087‬بتحديد‬
‫اختصاصات وتنظيم وزارة الصناعة والتجارة واالستثمار واالقتصاد الرقمي‪ ،‬الجريدة‬
‫الرسمية عدد ‪ 7212‬بتاريخ ‪ 82‬شوال ‪ 80 ( 8491‬يوليوز ‪ ،)7082‬ص ‪.9324‬‬

‫املواقع اإللكترونية‪:‬‬

‫‪www.oced.org/publication -‬؛ ‪ 7081/04/72‬على الساعة ‪.81:42‬‬

‫‪ -‬إدارة الجمارك والضرائب الغير املباشرة؛ ‪،www.douane.gov.ma‬‬


‫‪.78:42 ،7083/09/82‬‬

‫‪ -‬اإلدارة اإللكترونية باملغرب الواقع املعيقات والرهانات؛ ‪، www.sajplus.com‬‬


‫‪ 7083/04/70‬على الساعة ‪.82:80‬‬

‫‪- www.mmsp.gov.ma ; visite le 25/05/2019, 00 :30.‬‬

‫‪P 86‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪ -‬املغرب الرقمي ‪ ،www.egov.com ،7089‬تاريخ التصفح ‪ 7083/07/72‬على‬


‫الساعة ‪.78:80‬‬

‫‪ -‬جفري مراد؛ الثورة الرقمية وتأثيراتها على اإلدارة اإللكترونية‪،‬‬


‫‪ 7083/80/70 ،www.9anonak.com‬على الساعة ‪.78:70‬‬

‫التقارير‪:‬‬

‫‪ -‬التقرير العام للنموذج التنموي الجديد للمغرب؛ أبريل ‪ ،7078‬ص‪.892‬‬

‫‪ -‬وزارة تحديث القطاعات العامة‪ ،‬تقرير حول ميزانية الوزارة برسم سنة‪،7003‬‬
‫نونبر‪.7001‬‬

‫‪P 87‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪Mechanisms of promoting the digital transformation project in the Moroccan‬‬


‫‪administration‬‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫يتوقف إرساء ورش التحول الرقمي باإلدارة املغربية‪ ،‬على نوعية اآلليات التي يوفرها‬

‫السياق السياس ي واالجتماعي والثقافي الذي يتم استنباته فيه‪ ،‬وإلى جانب السياقين‬

‫السياس ي واالجتماعي االيجابيين‪ ،‬يتطلب تنزيل الورش أيضا نسج إستراتيجية رقمية‬

‫متكاملة‪.‬‬

‫وإذا كانت السلطات املعنية بورش تأهيل اإلدارة ملواجهة تحديات العوملة بكل‬

‫مفرزاتها‪ ،‬قد نجحت وإلى حد ما في إدماج البعد التكنولوجي في سياق التدبير اإلداري‬

‫اليومي‪ ،‬فإن املجهودات املبذولة في مجال إدماج البعد التكنولوجي كرافعة للنهوض‬

‫بالخدمة العمومية املوجهة للمرتفق‪ ،‬ال زالت متواضعة‪ ،‬ولن تسهم في إنجاح ورش التحول‬

‫الرقمي والذي يعول عليه كرافعة إلسناد النموذج التنموي الجديد‪ ،‬وذلك بسبب مجموعة‬

‫من املثبطات منها ما هو قانوني ومالي و ثقافي و اجتماعي و سياس ي‪...‬‬

‫‪P 88‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫وتأسيسا عليه‪ ،‬تشكل اإلكراهات التي أثارها املجلس األعلى للحسابات سواء في‬

‫تقريره الصادر سنة ‪ 7089‬أو سنة ‪ 7083‬حول واقع الخدمات العمومية على الخط‪ ،‬فرصة‬

‫للبحث عن مداخل ومقاربات لتفادي االختالالت التي تعيق التنزيل السليم لورش التحول‬

‫الرقمي‪.‬‬

‫وبالتالي‪ ،‬فإن السؤال الذي يطرح نفسه يتعلق بطبيعة مداخل النهوض بورش‬

‫التحول الرقمي ‪ ،‬في سياق تجويد الخدمة العمومية املقدمة للمرتفق" املواطن ‪ /‬الزبون"‪.‬‬

‫ولإلجابة عن هذا السؤال‪ ،‬سأتطرق في (املطلب األول) إلى املتطلبات ذات الصلة‬

‫باإلعداد القبلي املادي لالستراتيجيات الرقمية خاصة محور اإلدارة الرقمية‪ ،‬على أن أتطرق‬

‫في (املطلب الثاني) إلى آليات اإلسناد ذات الصلة ببيئة اإلدارة العمومية املغربية واملجتمع‬

‫املغربي‪.‬‬

‫املطلب األول‪ :‬املتطلبات ذات الصلة بدورة حياة ‪ 98‬اإلستراتيجيات الوطنية الرقمية‪.‬‬

‫يشكل التحول الرقمي فرصة للنهوض باإلدارة‪،‬عبر توظيفها تكنولوجيا االتصاالت‬

‫واملعلوميات‪ ،‬وهو ما يتطلب تبني مقاربة مندمجة إلعداد وتنفيذ االستراتيجيات الوطنية‬

‫الرقمية‪ ،‬وتستند هذه املقاربة املندمجة على أربعة محاور‪ ،‬اعتبرتها‪ OCDE‬مبادئ موجهة‬

‫(‪ )directeurs Principes99‬وهي كالتالي‪:‬‬

‫‪ - 98‬تشير دورة حياة االستراتيجية الى مختلف المراحل التي تمر منها االستراتيجية بدءا من اإلعداد وانتهاء بالتقييم‪.‬‬
‫‪99-‬‬‫‪Christine Aïdonidis, Giorgio Pauletto : « e-administration : enjeux et facteurs clés de succès ». Observatoire‬‬
‫‪technologique. Genève. ,v1,2007. P :19‬‬

‫‪P 81‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪ -‬الحكامة الجيدة‪.‬‬

‫‪ -‬بعد الرؤية وااللتزام السياس ي‪Vision et volonté politique .‬‬

‫‪ -‬الشمولية والعرضانية ‪Transversalité‬‬

‫‪ -‬املسؤولية والشفافية‪Responsabilité et transparence‬‬

‫وهي املبادئ املوجهة ذاتها‪ ،‬وغيرها‪)100(،‬التي سبق أن أشار اليها االتحاد األوروبي‪ ،‬في‬

‫إحدى دراساته‪)101(،‬معتبرا إياها مفاتيحا إلنجاح ورش التحول الرقمي باإلدارة العمومية‪.‬‬

‫وبالتالي‪ ،‬فيمكن تفييئ هذه املبادئ املوجهة‪ ،‬إلى مبادئ موجهة أثناء صياغة‬

‫االستراتيجيات الرقمية‪ ،‬تتعلق أساسا بالحكامة املتعددة األبعاد (الفرع األول) وأخرى‪،‬‬

‫الحقة بالتبعية‪ ،‬تتعلق لزوما بضرورة إرساء سياسة عمومية لفتح البيانات وضمان أمنها‬

‫واستدامتها(الفرع الثاني)‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬حكامة متعددة االبعاد‪.‬‬

‫لقد تطور مفهوم الحكامة عبر مراحل تاريخية‪،‬إذ ظهر هذا املفهوم ألول مرة‪ ،‬في بداية‬

‫القرن العشرين‪ ،‬في إطار السجال الذي كان قائما بين رجال االقتصاد‪ ،‬حول إستراتيجيات‬

‫تدبير قطاع املال واألعمال‪ ،‬ليتوسع املفهوم في أواخر الثمانينات‪ ،‬ليشمل أيضا التنمية‬

‫االجتماعية واالقتصادية واإلدارية‪.‬‬

‫‪ - 100‬المشاركة‪.‬‬
‫‪ -‬إشاعة الثقة الرقمية‪.‬‬
‫‪ -‬العدالة المجالية الرقمية‪.‬‬
‫‪101- Union européenne Breaking Barriers to e-Government : Etude publiée le 16.08.2006 disponible sur le site‬‬

‫‪officiel de UE: http://www.egovbarriers.org.‬‬

‫‪P 11‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫وفي مجال التدبير اإلداري الحديث‪ ،‬وسعيا لتفعيل توصيات الهيآت املانحة‪ ،‬في‬

‫مجال تحقيق الحكامة الجيدة‪ ،‬صارت أجندات إصالح وتحديث القطاع العام في البلدان‬

‫النامية مهتمة أكثر بتدعيم البناء املؤسساتي وتعزيز القدرات البشرية عبر تبني إستراتيجيات‬

‫أكثر قربا للواقع‪.‬‬

‫إن مكامن القصور التي واكبت التنزيل السليم لالستراتيجيات الرقمية املتعاقبة في‬

‫املغرب ‪ )102(،‬واملتعلقة بالسياق العام إلعداد وتنفيذ وتقييم االستراتيجيات الرقمية التي‬

‫تم تبنيها باملغرب خاصة في املحور املتعلق بالتحول الرقمي باإلدارة العمومية‪ ،‬تحتم إذن‬

‫العمل على إعادة النظر في آليات إعداد االستراتيجيات الرقمية‪ ،‬باعتبارها اإلطار العام‬

‫الذي يوجه سياسة الدولة في مجال التحديث اإلداري‪.‬وبالتالي‪ ،‬إصالح إطار الحكامة‬

‫الرقمية مع تحديد واضح لالختصاصات (الفقرة األولى) وإشراك مختلف الفاعلين (الفقرة‬

‫الثانية) وإعادة النظر في آليات تقييم املشاريع (الفقرة الثالثة)‪.‬‬

‫‪ - 102‬من مظاهر القصور على سبيل المثال ال الحصر ما يلي ‪:‬‬


‫‪ -‬غياب المقاربة التشاركية‪.‬‬
‫‪ -‬عدم تقييم إستراتيجية المغرب االلكتروني‪0313‬‬
‫‪ -‬هيمنة الطابع االختزالي في وضع إستراتيجية المغرب الرقمي ‪.0310‬‬
‫‪ -‬القصور في تحديد األولويات ووضوح الرؤية في معرض برمجة مشاريع اإلدارة الرقمية‪.‬‬
‫‪ -‬حكامة محدودة االبعاد‪.‬‬
‫‪ -‬سوء التدبير المالي لمشاريع التحول الرقمي الخاص باإلدارة العمومية‪.‬‬

‫‪P 11‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫الفقرة األولى‪ :‬إصالح إطار حكامة محور تقريب الخدمات العمومية‪.‬‬

‫ضمانا للتطبيق الجيد لقواعد الحكامة الرقمية الجيدة‪ ،‬نصت االستراتيجيات‬

‫الرقمية (‪ )103‬التي تم تبنيها باملغرب على إحداث هياكل يعهد لها قيادة ورش التحول الرقمي‬
‫األربعة‪)104(:‬‬ ‫بمحاوره‬

‫‪ -‬املحور األول‪ :‬املتعلق بالتحول االجتماعي‪.‬‬

‫‪ -‬املحور الثاني‪ :‬املتعلق بالخدمات العمومية الرقمية املوجهة للعموم‪( ،‬اإلدارة‬

‫الرقمية)‪.‬‬

‫‪ -‬املحور الثالث‪ :‬املتعلق بإنجاز املشاريع املتعلقة بالرفع من إنتاجية املقاولة‪.‬‬

‫‪ -‬املحور الرابع‪ :‬املتعلق بصناعة تكنولوجيا املعلوميات‪.‬‬

‫وبحسب املرسوم ‪ 07-01-444‬الصادر بتاريخ ‪ 78‬ماي ‪ 7003‬فقد ُع ِهد للجهات التالية‬

‫قيادة وحكامة االستراتيجية‪:‬‬

‫‪ -‬وزارة إصالح اإلدارة والوظيفة العمومية‪.‬‬

‫‪ -‬لجنة الحكومة االلكترونية املشتركة بين الوزارات‪.‬‬

‫‪ -‬لجنة حكامة وتوجيه برنامج الحكومة االلكترونية‪.‬‬

‫‪ - 103‬إستراتيجية المغرب االلكتروني ‪0313‬‬


‫‪-‬إستراتيجية المغرب الرقمي ‪0310‬‬
‫‪ -‬إستراتيجية المغرب الرقمي ‪0303‬‬
‫‪ - 104‬رغم أن االستراتيجيات الرقمية قد فصلت بين المحاور األربعة‪ ،‬إال أن هذا الفصل‪ ،‬ال يعدو إال أن يكون فصال منهجيا‪ ،‬مادام ان هيآت الحكامة وهيأت‬
‫قيادة االستراتيجية هي ذاتها التي تكلفت بتدبير كافة المحاور‪ ،‬عذا على أن هناك عالقة تفاعلية بين هذه المحاور األربعة؛ إذ ال يمكن بالمطلق النهوض‬
‫بمحور تقريب الخدمات العمومية الرقمية الموجهة للعموم‪ ،‬دون النهوض بمحور التحول االجتماعي‪ ،‬وينطبق األمر ذاته على المحور المتعلق بالرفع من‬
‫إنتاجية المقاولة‪.‬‬

‫‪P 12‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪ -‬املجلس الوطني لتكنولوجيا االعالم واالقتصاد الرقمي‪.‬‬

‫‪ -‬وكالة التنمية الرقمية‪.‬‬

‫لكن‪ ،‬هياكل قيادة االستراتيجيات الرقمية هذه لم تضطلع بدورها‪ )105(،‬وهو ما شكل‬

‫عائقا أمام إطالق أغلب املشاريع الرقمية للمحاور األربعة خاصة محور تقريب الخدمات‬

‫الرقمية املوجهة للعموم (اإلدارة الرقمية)‪.‬‬

‫وبعد أن تعرفنا مظاهر قصور عمل هيآت قيادة حكامة القطاع الرقمي‪ ،‬بمناسبة‬

‫تنزيل االستراتيجيين الرقميتين ‪ ،7089/7080‬فإن السؤال الذي ُيطرح هو كيف يمكن‬

‫تفادي ذلك في سياق تنزيل إستراتيجية االستراتيجيات الالحقة؟‬

‫غير أنه ولإلجابة عن هذا السؤال‪ ،‬البد أوال‪ ،‬أن نحدد مفهوم الحكامة الرقمية‪،‬‬

‫ومعايير الحكامة الجيدة ومؤشرات قياسها‪ ،‬على أن نمر بعد ذلك‪ ،‬لإلجابة عن سؤال آليات‬

‫إصالح إطار هيآت الحكامة الرقمية لتفادي سيناريو الفشل الذي واكب تنزيل استراتيجيتي‬

‫‪ 7080‬و ‪7089‬‬

‫‪ ‬مفهوم الحكامة الرقمية ومعايير الحكامة الرقمية الجيدة‪.‬‬

‫تعرف الحكامة الرقمية‪ ،‬على أنها ذلك التفاعل القائم بيت ثالث عناصر أساسية‪،‬‬

‫وهي؛‬

‫‪ - 105‬لم يعقد المجلس الوطني لتكنولوجيا االتصاالت والمعلوميات إال ثالث اجتماعات في الفترة الزمنية الممتدة بين‪ 0310/0330 :‬في حين أن المادة‬
‫الرابعة من المرسوم ‪ 30 31- 444‬تنص على‪ ":‬أن المجلس يعقد جلساته بناء على طلب رئيسه‪ ،‬كلما دفعت الحاجة الى ذلك‪ ،‬ومرتين في السنة على‬
‫األقل‪".‬‬
‫‪ -‬افتقاد لجنة الحكومة االلكترونية للقدرة على اتخاذ القرارات التحكيم والتحكيم‪.‬‬
‫‪ -‬عدم إشراك وزارة إصالح اإلدارة وتحديث الوظيفة العمومية في مهام توجيه مشاريع اإلدارة الرقمية‪.‬‬

‫‪P 13‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪-‬السياسية‪Policy.‬‬

‫‪ -‬والبحث‪ ،‬التطوير‪ ،‬التجديد‪)Resarche, Développement and Innovation( .‬‬

‫املمارسة‪106Best practice implémentation).‬‬ ‫‪ -‬التطبيق الجيد في‬

‫وتعتبر الوثيقة املرجعية لإلدارة االلكترونية‪)107e-goverment primer 2009 ،‬‬

‫الدليل املرجعي الذي يتم اعتماده لضمان الحكامة الرقمية الجيدة لتدبير املشاريع الرقمية‪،‬‬

‫كما وتشمل الوثيقة اإلطارين النظري والعملي إلعداد إستراتيجيات رقمية داعمة للتحول‬

‫الرقمي باإلدارة العمومية‪ ،‬ومن املعايير التي يجب أن(‪ )108‬تؤخذ بعين االعتبار في معرض‬

‫إعداد استراتيجية رقمية باإلدارة العمومية بحسب الوثيقة املرجعية‪e-Goverment (:‬‬

‫‪)Primer 2009‬‬

‫‪ -‬املسؤولية‪.‬‬

‫‪ -‬الشفافية‪.‬‬

‫‪ -‬سيادة القانون‪.‬‬

‫‪ -‬االنصاف‪.‬‬

‫‪ - 106‬ذ‪.‬محمد حركات‪ " :‬الحكامة والتدبير العمومي الجديد بالمغرب " منشورات المجلة المغربية للتدقيق والتنمية سلسلة التدبير االستراتيجي الغدد ‪6‬‬
‫‪ 0332‬ص ‪.00‬‬
‫‪ - 107‬تم إعداد الوثيقة من طرف البنك الدولي سنة ‪ ،0336‬وثم نشرها سنة ‪ ،0330‬في إطار دعم مشروع تكنولوجيا المعلوميات في خدمة التنمية في البلدان‬
‫النامية‪.‬‬
‫‪ - 108‬د‪.‬ادريس الكتاني‪ ،‬د‪.‬برنار موالن‪ " :‬تكنولوجيا الحاسوب في خدمة الحكامة الجيدة والتنمية في البلدان النامية " منشورات جامعة األخوين افران‬
‫المغرب ‪ 0314‬ص‪.77:‬‬

‫‪P 14‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪ ‬آليات إصالح إطار حكامة محور تقريب الخدمات الرقمية املوجهة للعموم‬

‫(اإلدارة الرقمية)‪.‬‬

‫بما أن التحول الرقمي باإلدارة العمومية املغربية منعطف استراتيجي مفصلي يرهن‬

‫مستقبل التحديث اإلداري باملغرب على املدى البعيد‪ ،‬فال شك والحالة هذه أن من شأن‬

‫إصالح إطار الحكامة إنجاح هذا الورش الوطني‪ .‬وعليه‪ ،‬يقتض ي إنجاح هذا االستحقاق‪،‬‬

‫األخذ بعين االعتبار ما يلي‪:‬‬

‫‪ -‬إشراك وزارة اصالح وتحديث اإلدارة العمومية بشكل مباشرة لتنفيذ كافة املشاريع‬
‫الرقمية‪)109(.‬‬ ‫املتعلقة بمحور اإلدارة‬

‫‪ -‬ضرورة استقرار وزرارة إصالح اإلدارة والوظيفة العمومية‪ ،‬وعدم ضمها إلى وزارة‬

‫أخرى حتى يتسنى لها تنفيذ وتتبع مشاريعها الرقمية املوجهة للعموم‪.‬‬

‫‪ -‬ضرورة إصدار قانون داخلي يحدد قواعد اشتغال لجنة الحكومة االلكترونية كما‬

‫هو منصوص عليه في املادة العاشرة من املرسوم ‪.7-01-444‬‬

‫‪ -‬إعادة النظر في تشكيلة لجنة الحكومة االلكترونية املشاركة بين الوزارات بهدف‬

‫ضمان التوجيه الفعال لبرنامج الحكومة االلكترونية (اإلدارة الرقمية)‪.‬‬

‫‪ - 109‬تجدر اإلشارة إلى أنه تم استثناء وزارة تحديث اإلدارة من مباشرة تنفيذ ا لمحور الثاني المتعلق باإلدارة الرقمية أتناء تنفيذ إستراتيجية المغرب الرقمي‬
‫‪، 0310‬رغم أنه تم إشراك ذات الوزارة لإلشراف على تسيير برنامج " ‪ " IDARATI‬الذي أعلن عنه سنة ‪، 0313‬أي خالل تنفيذ إستراتيجية المغرب‬
‫االلكتروني ‪. 0313‬‬

‫‪P 15‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪ -‬إعطاء وكالة التنمية الرقمية(‪)110‬الصالحيات الكافية للتنسيق بين مختلف‬

‫اإلجراءات والعمليات‪ ،‬خاصة املشاريع األفقية‪.‬‬

‫‪ -‬تشجيع وكالة التنمية الرقمية على إحداث فروع لها على كافة الجهات‪.‬‬

‫‪ -‬إشراك ممثلين عن كافة القطاعات املعنية بتحديث اإلدارة في مختلف مراحل إعداد‬

‫وتنفيذ برنامج الحكومة االلكترونية (اإلدارة الرقمية)‪.‬‬

‫‪ -‬إشراك ذوي الكفاءات واألطر املنتمين إلى القطاعات اإلدارية في إدارة املشاريع‬

‫الرقمية‪.‬‬

‫‪ -‬إضفاء الطابع الرسمي على املراسالت واملستندات املتعلقة بإطالق املشاريع املتبادلة‬

‫بين مختلف الجهات املعنية بتدبير مشاريع التحول الرقمي باإلدارة العمومية لتعزيز معيار‬

‫الشفافية‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪:‬إشراك مختلف الفاعلين‪.‬‬

‫الديمقراطي‪)111(،‬‬ ‫عذا عن دور املقاربة التشاركية‪ ،‬كآلية ضرورية إلتمام الصرح‬

‫فإن املقاربة التشاركية تمكن أيضا من " استفزاز االحتجاج بشكل قبلي‪ ،‬وبالتالي يحمي‬

‫صانعي سياساتنا العمومية من الوقوع في مقاومات السياسات الغير التشاركية‪.‬‬

‫‪ - 110‬القانون ‪( 61.16‬الظهير الشريف رقم ‪ 1-17-07‬الصادر بتاريخ ‪ 1‬ذي الحجة ‪ 1401‬الموافق ل ‪ 03‬غشت ‪ ) 0317‬الجريدة الرسمية ‪ 6634‬الصادر‬
‫بتاريخ ‪ 00‬ذو الحجة ‪ 1401‬الموافق ل ‪ 14‬شتنبر ‪. 0317‬‬
‫‪111- Célie GODE-SANCHEZ : « la démocratie participative, outil d’aide à la décision publique » in « administration,‬‬

‫‪gouvernance et décision publique » sous la direction de Ali SZDJARI.Edition : l’harmattan,2004. P :79.‬‬

‫‪P 16‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫ومن ثم ‪،‬فتجاوزا للوقوع في مطبات مقاومات السياسات الغير التشاركية‪ ،‬في معرض‬

‫تنزيل ورش التحول الرقمي باإلدارة العمومية املغربية‪ ،‬البد من تبني خيار إشراك ومشاركة‬

‫كافة املعنين؛ (قطاع خاص‪ ،‬املرتفق واملقاولة‪ ،‬ممثلي الجهات والجماعات الترابية)‪:‬‬

‫‪ ‬إشراك (‪)112‬القطاع الخاص‪:‬‬

‫يمثل القطاع الخاص محور العملية التنموية‪ ،‬بالنظر ملا يمتلكه من إمكانيات مادية‬

‫والمادية تؤهله التخاذ زمام املبادرة في مجاالت شتى؛ (تحسين البيئة االستثمارية‪ ،‬تحفيز‬

‫النمو االقتصادي في القطاعات الخدماتية واإلنتاجية‪)...‬‬

‫‪ ‬إشراك املرتفق واملقاولة في سياق للخدمات الرقمية املوجهة للعموم‪:‬‬

‫يشكل التدبير التشاركي منهجا فعاال يقطع مع أسلوب األحادية واملركزية في اتخاذ‬
‫القرار‪َّ ،‬‬
‫ويمكن من إرساء جو من التعاون‪ ،‬والتشارك‪ ،‬واملساهمة الجماعية في صنع القرار‬
‫االستراتيجية‪)113(،‬‬ ‫بما يخدم مصلحة الجميع‪ ،‬وباألخص ما يرتبط بتنزيل البرامج القطاعية‬

‫إذ أبانت التجارب‪ ،‬محدودية تأثيرات البرامج التنموية املوجهة لألفراد املستهدفين دون‬

‫إشراكهم في مسلسل صياغة القرار العمومي‪ ،‬وهو ما يؤكد فشل نظرية من األعلى إلى‬

‫الفوق‪ ،‬والذي يعني‪ ،‬أن الدولة تتواجد على هرم صياغة القرار العمومي وأن التنفيذ يتم‬
‫املستهدف‪)114(.‬‬ ‫عبر إشراك املواطن‬

‫‪ - 112‬تختلف المشاركة عن اإلشراك‪ ،‬فالمشاركة بصفتها الية لصنع السياسات العمومية تعني االنخراط التلقائي‪ ،‬أما اإلشراك فيقوم على تحفيز وإثارة‬
‫واستفزاز وحمل طرف غير معني لسبب من األسباب قصد دفعه وحثه على المشاركة‪.‬‬
‫‪ - 113‬د‪.‬محمد أبو الوفا‪ " :‬السياسات العمومية والمرتكزات الدستورية للديمقراطية التشاركية‪ :‬أي دور للمجتمع المدني بين الواقع والطموحات " أطروحة‬
‫لنيل الدكتوراة في القانون العام‪ ،‬جامعة الحسن األول‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،0311/0317‬ص‪. 416 :‬‬
‫‪ - 114‬د‪.‬مصطفى المناصفي‪ :‬المجتمع المدني والديمقراطية التشاركية" مجلة نوافد‪ ،‬عدد مزدوج ( ‪ ) 24/20‬يناير‪ ، 0310‬ص‪. 171-177 :‬‬

‫‪P 17‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫ومن بين اآلليات القانونية الكفيلة بذلك‪:‬‬

‫املؤسسة ألحقية املواطنات واملواطنين في تقديم ملتمسات‬


‫ِ‬ ‫‪ -‬تفعيل املقتضيات‬

‫التشريع ذات الصلة بالتحول الرقمي باإلدارة‪ ،‬والذي يعد من جهة‪ ،‬مرتكزا أساسيا‬

‫للديمقراطية التشاركية‪ ،‬وإحدى ضمانات املشاركة العمومية في صناعة القرارات‬

‫االستراتيجية‪ .‬و من جهة أخرى‪ ،‬مؤشرا كفيال بتنظيم العالقة بين الدولة واملواطن‪.‬‬
‫(‪)115‬‬

‫املؤسسة ألحقية املواطنات واملواطنين في تقديم‬


‫ِ‬ ‫‪ -‬تفعيل املقتضيات القانونية‬

‫العرائض(‪،)116‬كآلية من آليات تصريف مقتضيات الديمقراطية املواطنة في مجال‬

‫صنع وهندسة القرارات العمومية‪.‬‬

‫املؤسسة ألحقية هيآت التشاور العمومي املنبثقة عن‬


‫‪ -‬تفعيل املقتضيات القانونية ِ‬
‫مجالس الجهات والجماعات الترابية وفعاليات املجتمع املدني في مجال هندسة‬
‫العمومية‪)117(.‬‬ ‫وصنع السياسات ذات الصلة بالتحول الرقمي باإلدارة‬

‫‪ ‬إشراك الجهات والجماعات الترابية في مجال تطوير الخدمات الرقمية والعمل‬

‫على ادماجها في صلب االستراتيجيات الرقمية الوطنية‪.‬‬

‫‪ - 115‬ينص الفصل ‪ 14‬من دستور المملكة المغربية ‪ 0311‬على ما يلي‪ " :‬المواطنات والمواطنين ‪ ،‬وضمن شروط وكيفيات يحددها قانون تنظيمي الحق‬
‫في تقديم ملتمسات في مجال التشريع‪".‬‬
‫‪ - 116‬من قبيل إحداث موقع الكتروني رسمي برئاسة الحكومة الستقبال العرائض كما هو الحال في بعض البلدان مثل بريطانيا‪ ،‬اسكتلندا‪.‬‬
‫‪ - 117‬ينص الفصل ‪ 10‬من دستور المملكة المغربية ‪ 0311‬على ان السلطات العمومية تعمل على إحداث هيآت للتشاور قصد إشراك مختلف الفاعلين‬
‫‪...‬في إعداد السياسات العمومية‪"...‬‬

‫‪P 18‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫منذ الخطاب امللكي بتاريخ ‪ 7‬نونبر‪ ،7001‬والذي تزامن مع الذكرى ‪ 99‬للمسيرة‬

‫الخضراء‪ ،‬أصبح موضوع الجهوية يكتس ي اهتماما حقيقيا باملغرب‪ ،‬باعتباره إطارا مالئما‬

‫لبلورة استراتيجية بديلة للتنمية االقتصادية واالجتماعية‪ )118(،‬على اعتبار أن الجهة هي‬

‫الفضاء الذي البد منه لتنسيق برامج التنمية‪ ،‬والذي ليس بمقدور ال الدولة وال الجماعات‬
‫به‪)119(.‬‬ ‫املحلية األخرى القيام‬

‫وبما أن الجهة‪ ،‬ليست فقط مؤسسة جهوية المركزية يدير شؤونها مجلس جهوي‬

‫منتخب‪ ،‬يمارس صالحيات‪،‬واختصاصات مخولة إليه بمقتض ى نصوص قانونية وتنظيمية‬

‫لتدبير شؤونها وحسب‪ .‬لكنها أيضا‪ ،‬هيئة إدارية تمارس نشاطا إداريا لتلبية الحاجيات‪،‬‬

‫واملتطلبات اليومية للمتعاملين معها من مواطنين ومستثمرين ورجال ألعمال‪ ،‬وتسهم في‬

‫تحديث أجهزة الدولة وفي إغناء املشهد املؤسساتي واإلداري‪ ،‬وتكوين نخبة من املوظفين‬

‫على صعيد الجهة‪،‬وفي دعم قدرة الالمركزية الجهوية على املنافسة وتعزيز الحكامة الترابية‬

‫فهي مدعوة اليوم‬ ‫العام‪)120(.‬‬ ‫والدفع بنظام عدم التمركز اإلداري وترسيخ ثقافة املرفق‬

‫وبقوة لالنخراط في مجال تطوير وتوطين الخدمات الرقمية الجهوية على املستوى الجهوي‬

‫مع العمل على إدماجها في صلب االستراتيجيات الرقمية الوطنية‪ ،‬لالستجابة عن قرب‬

‫ملختلف حاجيات املرتفقين واملقاوالت املعبر عنها محليا‪،‬حتى ال يتم تكرار نفس الخطأ الذي‬

‫‪ -118‬د‪.‬إبراهيم الزيتوني‪ " :‬رهانات وآفاق الجهوية على ضوء القانون التنظيمي للجهات " مجلة مسالك العدد ‪ 04‬و‪ 0312. 00‬ص‪.136 :‬‬
‫‪- 119‬د‪.‬عبد العزيز أشرقي‪ " :‬الجهو ية الموسعة‪ ،‬نمط جديد للحكامة الترابية والتنمية المندمجة" الطبعة األولى‪ ،‬منشورات مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار‬
‫البيضاء‪ً .‬ص‪.46:‬‬
‫‪ - 120‬د‪.‬خليل اللواح‪ " :‬دور اإلدارة في تحسين مناخ األعمال بالمغرب" مرجع سابق ص‪.000 :‬‬

‫‪P 11‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫واكب إعداد إستراتيجية املغرب الرقمي ‪ ،7089‬واملتمثل في " عدم إشراك ممثلي الجهات"‬

‫(‪ )121‬أثناء التحضير إلعداد االستراتيجية‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬إرساء سياسة عمومية لفتح البيانات واملعطيات وضمان استدامتها‪.‬‬

‫يشكل الحق في الحصول على املعلومة‪،‬والذي تعتبر البيانات واملعطيات املفتوحة‬

‫امتدادا له‪ ،‬بعدا حقوقيا دشنه االنتشار الواسع النطاق للمد الرقمي‪ ،‬ويعود الفضل في‬
‫املنفتحة(‪)122‬‬ ‫انتشار حركية املعطيات املفتوحة‪،‬إلى مبادرة الشراكة من أجل الحكومة‬

‫(‪)Partenariat du gouvernement ouvert‬ومؤسسة املعرفة املفتوحة‪Fondation du ( .‬‬

‫‪) connaissances ouvertes‬‬

‫وفي املغرب‪ ،‬فقد تم تكريس الحق في الحصول على املعلومات‪ ،‬واملعطيات‪ ،‬والولوج‬

‫إلى البيانات املفتوحة‪ ،‬كمكسب دستوري(‪)123‬تجويد الخدمات املقدمة من طرف املرافق‬


‫العمومية‪)124(.‬‬

‫‪ - 121‬تقرير المجلس األعلى للحسابات يشأن‪ " :‬تقييم إستراتيجية المغرب الرقمي ‪ " 0310‬مرجع سابق ص‪.10:‬‬
‫‪ - 122‬هي شبكة تضم عدة أطراف‪ ،‬تم اإلعالن عنها بتاريخ ‪ 03‬شتنبر ‪ ،0311‬بمناسبة الجلسة االفتتاحية السنوية للجمعية العامة لألمم المتحدة في نيويورك‪،‬‬
‫من قبل ثمان دول هي‪ (:‬المكسيك‪ ،‬النرويج‪ ،‬إندونيسيا‪ ،‬المكسيك النرويج‪ ،‬البرازيل‪ ،‬الفلبين‪ ،‬بريطانيا‪ ،‬جنوب إفريقيا‪ ،‬الواليات المتحدة االمريكية)‪ ،‬ووصل‬
‫عدد الدول التي انضمت للمبادرة سنة ‪ 62( 0312‬دولة)‪ ،‬ويشترط لالنضمام إلى المبادرة ما يلي‪:‬‬
‫الشفافية المالية‬ ‫‪‬‬
‫الوصول إلى المعلومات‬ ‫‪‬‬
‫نشر التصريحات الخاصة بالممتلكات‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫مشاركة المواطنين في صنع السياسات العمومية‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫‪ - 123‬ينص الفصل ‪ 72‬من دستور المملكة المغربية ل ‪ 7122‬على أن‪ " :‬للمواطنين والمواطنات الحق في الولوج الى المعلومات التي بحوزة اإلدارة‬
‫العمومية و الهيا ت المنتخبة والمؤسسات المكلفة بمهمة من مهام الخدمة العمومية‪"...‬‬
‫‪ - 124‬تم في إطار التحول الرقمي لإلدارة العمومية إنشاء وزارة الصناعة والتجارة والتكنولوجيات الحديثة اول نسخة من موقع عمومي يشكل قاعدة‬
‫بيانات سنة ‪ 0311‬أطلق عليه ‪ Data.Gov.ma‬ومن الغايات الكبرى للموقع تجميع المعطيات المفتوحة المتناثرة في مواقع مختلفة في موقع واحد بشكل‬
‫يجعلها قابلة لالستغالل وإعادة االستغالل‪.‬‬

‫‪P 111‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫غير أن تعزيز حق املواطنين في الولوج إلى املعطيات املفتوحة‪ ،‬من وجهة نظر‬

‫سياسية ومؤسسية وتقنية‪ )125(،‬يستدعي باألساس إرساء اآلليات القانونية‪(،‬الفقرة األولى)‬

‫واملؤسساتية القمينة بتنزيل هذا الحق‪( .‬الفقرة الثانية)‬

‫الفقرة األولى‪ :‬تجويد اإلطار القانوني القائم‪.‬‬

‫اعتبارا بأن القانون وليد البيئة التي يتم سنه فيها‪ ،‬فهو يتأثر ويتفاعل بالسلب‬

‫واإليجاب معها‪ ،‬والقانون الذي ال يواكب التطور االجتماعي واالقتصادي والثقافي‪ ،‬هو‬
‫بقاءه‪)126(.‬‬ ‫قانون فاشل وال يمتلك سبب‬

‫وعليه‪ ،‬فإن تجويد القوانين الحالية‪ )127(،‬مع العمل على ضمان تناغمها مع بعضها‬

‫البعض‪ ،‬يشكل شرطا واقفا إلرساء سياسة عمومية للمعطيات املفتوحة‪ ،‬وضمان‬

‫استدامتها‪ ،‬وبالتالي فرصة محفزة على مواكبة اإلدارة لبراديكم التحول الرقمي‪.‬‬

‫وبما أنه يستعص ي تسريع وثيرة وحركية املعطيات املفتوحة‪ ،‬في ظل نصوص قانونية‬

‫متقادمة تشجع على االنغالق والتستر‪ ،‬فإلرساء سياسة عمومية لفتح البيانات واملعطيات‬

‫وضمان استدامتها‪،‬البد من إعادة النظر في مقتضيات بعض النصوص القانونية‪:‬‬

‫‪ " - 125‬المعطيات المفتوحة‪ :‬تحرير المعطيات المفتوحة في خدمة النمو والمعرفة " تقرير المجلس االقتصادي واالجتماعي والبيئي إحالة ذاتية رقم‬
‫‪ .0310/14‬ص ‪.13‬‬
‫‪ -126‬كمال العياري‪ " :‬دور التكنولوجيا في مجال اإلثبات " مجلة القضاء والتشريع العدد الرابع وزارة العدل وحقوق االنسان لتونسية‪ ،‬أبريل ‪ 0331‬ص‬
‫‪.04‬‬
‫‪ -127‬القانون ‪ 20-32‬المتعلق بالتبادل اآللي للمعطيات‪.‬‬
‫‪ -‬القانون ‪ 01-10‬المتعلق بالحصول على المعلومة‪ ( :‬الظهير‪ 1.11.12‬الصادر بتاريخ ‪ 2‬جمادى االخرة ‪ 1400‬الموافق ل ‪00‬فبراير ‪، 0311‬المنشور‬
‫بالجريدة الرسمية عدد ‪ 6622‬بتاريخ جمادى اآلخرة ‪ 1400‬الموافق ل ‪ 10‬مارس ‪. 0311‬‬
‫‪ -‬القانون ‪ 30-31‬المتعلق بحماية المعطيات الشخصية‬
‫‪ -‬القانون ‪ 00-60‬المتعلق باألرشيف الظهير‪ 1.37.167‬الصادر بتاريخ ‪ 10‬دي القعدة ‪ 1401‬المنشور بالجريدة الرسمية رقم ‪ 2211‬بتاريخ ‪ 03‬دجنبر‬
‫‪.0337‬‬

‫‪P 111‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫الذي يفرض واجب‬ ‫العمومية‪)129(:‬‬ ‫‪ -‬الفصل ‪ )128(81‬من النظام األساس ي للوظيفة‬

‫التكتم املنهي‪،‬والذي غذا السبب الذي تتذرع به اإلدارة ملنع املرتفق من الحصول على‬

‫املعلومة‪ ،‬وهو ما يجعل املرتفق " عاجزا عن التواصل معها‪ ،‬و ال يمكنه الحصول على‬

‫الوثائق التي تلزمه إال في إطار التدخالت والعالقات الزبونية التي توسع هامش املحسوبية‬
‫(‪)130‬‬ ‫والغش واملحاباة "‪.‬‬

‫‪ -‬القانون ‪:29.02‬املتعلق بالتبادل االلكتروني للمعطيات‪)131(،‬و الذي يشكل رافعة‬

‫أساسية للتحول الرقمي باإلدارة العمومية‪،‬إذ ينص في املادة األولى‪" :‬يحدد هذا القانون‬

‫النظام املطبق على املعطيات القانونية التي يتم تبادلها بطريقة إلكترونية‪ ،‬وعلى املعادلة‬

‫بين الوثائق املحررة على الورق‪ ،‬وتلك املعدة على دعامة إلكترونية‪ ،‬وعلى التوقيع‬

‫اإللكتروني‪.‬إال أن القانون‪،‬لم يقم بتعريف الشهادة االلكترونية(‪)132‬املعدة على دعامة‬

‫الكترونية‪ ،‬إسوة منه باملشرع املدني الفرنس ي‪)133( ،‬كما لم يقم القانون ‪ 29-09‬أيضا بتبيان‬

‫نوع املسؤولية(‪)134‬التي تترتب على كاهل جهات املصادقة االلكترونية‪ ،‬إذ لم يخصها بقواعد‬

‫‪ - 128‬ينص الفصل ‪ 11‬من ظهير ‪ 1.21.331‬على ما يلي‪ :‬بقطع النظر عن القواعد المقررة في القانون الجنائي‪ ،‬فيما يخص السر المهني‪ ،‬فان كل موظف‬
‫يكون ملزما بكتم سر المهنة فيما يخص االعمال واالخبار التي يعلمها أثناء تأدية مهامه او بمناسبة مهامها (‪.)...‬‬
‫‪ - 129‬ظهير شريف رقم‪ 1.21.331 :‬بمثابة النظام األساسي للوظيفة العمومية‪ .‬الصادر بتاريخ ‪ 04‬فبراير ‪ 1021‬بالمنشور بالجريدة الرسمية عدد ‪0070‬‬
‫بتاريخ ‪ ، 1021‬ص ‪. 601‬‬
‫‪ -130‬د‪.‬ميمون خراط‪ " :‬الحق في الحصول على المعلومة بين الضرورة المجتمعية والتعامل الرسمي بعد إقرار الدستور الجديد " منشورات المجلة المغربية‬
‫للسياسات العمومية‪،‬دفاتر حقوق اإلنسان العدد األول ‪ 0310،‬ص ‪. 66‬‬
‫‪ - 131‬ظهير شريف رقم ‪ 1.37.100‬صادر في ‪ 10‬من ذي القعدة ‪ 03( 1401‬نونبر ‪ )0337‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 20.32‬المتعلق بالتبادل اإللكتروني‬
‫للمعطيات القانونية‪ .‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 2214‬بتاريخ ‪ 02‬ذو القعدة ‪ 6( 1401‬ديسمبر ‪ ،0337‬ص ‪.0170‬‬
‫‪ - 132‬بخالف المشرع المغربي‪ ،‬عرف المشرع التونسي في الفصل ‪ 11‬من قانون المبادالت والتجارة االلكترونية الشهادة االلكترونية على أنها " وثيقة‬
‫مؤمنة بالتوقيع االلكتروني من طرف الشخص الذي أصدرها‪ ،‬والذي يشهد من خاللها على صحة البيانات التي تتضمنها‪".‬‬
‫‪ - 133‬د‪.‬أحمد ادريوش ‪ :‬تأمالت حول قانون التبادل اإللكتروني للمعطيات القانونية‪ ،‬عناصر لمناقشة مدى تأثير القانون ‪ 32-20‬على قانون االلتزامات‬
‫والعقود‪ ،‬منشورات سلسلة المعرفة القانونية‪ ،1403/0330 ،‬ص‪.20.‬‬
‫‪ - 134‬اذ يطرح التساؤل التالي‪ :‬ما هي طبيعة مسؤولية الجهات المعنية بالمصادقة في حالة اإلخالل بواجباتها‪ ،‬هل سيتم تكييف ذلك على أساس المسؤولية‬
‫العقدية الناجمة عن اإلخالل بالتزام تعاقدي؟ أم‪ ،‬سيتم تكييف ذلك على أساس مسؤولية تقصيرية بنيت على أساس اإلخالل بواجب قانوني‪ ،‬أو التزام ببدل‬
‫عناية نتيجة اإلهمال والتقصير؟‬

‫‪P 112‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫خاصة‪ ،‬في حالة اإلخالل بواجبها‪ ،‬ومنه‪ ،‬يكون قد ترك قواعد املسؤولية املدنية لتطبق‬
‫األغيار‪)135(.‬‬ ‫على جهات املصادقة االلكترونية‪ ،‬تجاه املتعاقدين مع هذه الجهات أو تجاه‬

‫وفي السياق ذاته‪ ،‬وإلرساء سياسة عمومية لفتح البيانات واملعطيات‪ ،‬وضمان‬

‫استدامتها‪ ،‬البد من إيالء العناية الالزمة بالحق في حماية املعطيات ذات الطابع الشخص ي‪،‬‬

‫كيفما كانت طبيعتها وبغض النظر عن دعامتها‪)136(.‬فإذا كانت املعطيات وقود التحول‬

‫الرقمي باإلدارة العمومية‪،‬فإنها في املقابل عرضة ملختلف أنواع املعالجة (‪)137‬التي قد تفتقر‬

‫للسند القانوني‪.‬‬

‫‪ -‬بعض االكراهات املرتبطة بتطبيق القانون ‪ ،03-01‬والتي تعيق والى حد ما إرساء‬

‫سياسة عمومية لفتح البيانات‪ ،‬ما يلي‪:‬‬

‫* ضعف الوعي عند املواطنين أوال بتواجد قانون مؤطر لهذا املجال أصال‪.‬‬

‫* مدى نجاعة هذا القانون في استرجاع الحقوق‪ ،‬بالنظر إلى طول املساطر اإلدارية‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬إصدار قانون لألرشيف الرقمي‪.‬‬

‫ال يكتس ي األرشيف صفة املحافظ على حقوق األفراد واملؤسسات فقط‪ ،‬بل هو‬

‫أيضا إرث ثقافي مشترك‪،‬يستدعي حفظه لألجيال الالحقة‪ ،‬ولعل تجربة الدولتين االستونية‬

‫والفنلندية لخير دليل على مدى اهتمام األنظمة املتقدمة باألرشيف كحافظ للذاكرة‬

‫‪ -135‬د‪ .‬صليحة حاجي‪ " :‬اآلليات القانونية لتكريس األمن المعلوماتي " مجلة العلوم الجنائية العدد الثاني‪ .0312 ،‬ص‪.04:‬‬
‫‪ - 136‬المادة األولى من القانون ‪. 30-31‬‬
‫‪ 137‬يقصد بالمعالجة بحسب منطوق المادة األولى من القانون ‪ 31-30‬ما يلي‪ :‬التجميع‪ ،‬التسجيل‪ ،‬الحفظ‪ ،‬االستخراج‪ ،‬االطالع‪ ،‬االستعمال‪ ،‬االيصال‪ ،‬أو‬
‫أي شكل من أشكال إتاحة المعلومات أو التقريب البيني‪ ،‬وكذا اإلغالق أو المسح أو اإلتالف‪.‬‬

‫‪P 113‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫الجماعية‪ ،‬إذ أحدثت الدولتين نموذج قنصليتين رقميتين افتراضيتين‪ ،‬تحويان أرشيف‬

‫ينظم كافة املعطيات والبيانات الجغرافية والسكانية واالقتصادية والثقافية والسياسية‬

‫الخاصة بالبلدين‪ ،‬كإجراء احترازي ملواجهة آثار الكوارث الطبيعية والحروب‪.‬‬

‫وفي السياق املغربي‪،‬يبقى تدبير األرشيف العامة إكراها قائما بذاته‪ ،‬فرغم صدور‬

‫القانون ‪ 73-33‬املتعلق باألرشيف‪ )138(،‬وعلى الرغم من أهميته في مجال تجميع وحفظ‬

‫الذاكرة املغربية في جميع مجاالتها‪ ،‬فإنه في مقابل ذلك الزال من جهة مرتهنا "لذاكرة‬
‫املوظف"(‪)139‬‬

‫وعليه‪ ،‬يشكل إصدار قانون لألرشيف الرقمي(‪)140‬مرجعا قانونيا من شأنه اإلسهام في‬

‫إرساء سياسة عمومية لفتح البيانات واملعطيات وضمان استدامتها‪ ،‬نظرا لدوره في تحقيق‬

‫العوائد املادية والالمادية التالية‪:‬‬

‫‪ -‬القدرة على مشاركة املعطيات بين أكثر من إدارة واحدة‪ ،‬وهو ما قد يسهل حركية‬

‫املعلومات بين كافة الجهات املغربية‪.‬‬

‫‪ -‬املساعدة على اتخاذ القرار‪.‬‬

‫يمكن من إنجاح مسلسل التحول‬


‫‪ -‬اإلسهام في بناء قاعدة بيانات وطنية موحدة‪ ،‬ما س ِ‬
‫الرقمي باإلدارة‪.‬‬

‫‪ - 138‬تم إصدار القانون في إطار تفعيل توصية هيئة االنصاف والمصالحة‪ ،‬لالستزادة يمكن االطالع على‪ :‬التقرير الختامي لهيئة االنصاف والمصالحة‬
‫والذي حمل عنوان‪ :‬مقومات توطيد اإلصالح والمصالحة‪ ،‬الكتاب الرابع الصادر بتاريخ ‪ 03‬نونبر ‪، 0332‬ص‪.01 :‬‬
‫‪ - 139‬المعطيات المفتوحة‪ " :‬تحرير المعطيات المفتوحة في خدمة النمو والمعرفة " مرجع سابق‪ ،‬ص‪.63 :‬‬
‫‪ - 140‬يعرف االرشيف الرقمي ‪l’archive numérique‬على أنه‪ :‬أرشيف على سند ورقي تم حفظه وتخزينه الكترونيا إما بالمسح أو بالتصوير ليصبح‬
‫وسائط الكترونية موثوق بها‪.‬‬

‫‪P 114‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪ -‬التخفيف من التكاليف وترشيد النفقات العمومية‪)faire mieux avec moins ( .‬‬

‫‪ -‬توفير حيز آمن للتخزين‪.‬‬

‫‪ -‬سهولة استرجاع املستندات الرقمية‪.‬‬

‫والتقييم‪)141(.‬‬ ‫‪ -‬تسهيل عملية املراقبة‬

‫‪ -‬إمكانية جمع كافة أنشطة وخدمات األرشيف الرقمي بصورة تفاعلية في حيز واحد‪.‬‬

‫الفقرة الثالثة‪ :‬إرساء اإلطار املؤسساتي‪.‬‬

‫اإلدارة العمومية وبدون منازع تعتبر املنتج واملمتلك في اآلن ذاته للمعطيات‪ ،‬هذه‬

‫األخيرة تغطي بطبيعة الحال‪،‬مجموعة من أنشطة القطاعات املنتجة‪ ،‬كالنقل‪ ،‬االقتصاد‪،‬‬

‫البيئة‪ ،‬الثقافة التربية والتعليم‪...‬‬

‫(‪)142‬‬ ‫وتفريعا لذلك‪ ،‬فإن هذه املعطيات يمكن أن تكون عبارة عن‪:‬‬

‫‪ -‬معطيات وصفية للمجال الترابي‪( :‬دراسات‪ ،‬إحصاءات‪ ،‬مقتضيات تنظيمية‪)...‬‬

‫‪ -‬معطيات حول القرارات العمومية‪( :‬مشاريع‪ ،‬تحقيقات‪ ،‬مداوالت‪ ،‬مساعدات‪،‬‬

‫ميزانية‪)...‬‬

‫‪ -141‬د‪.‬جمال شعبان‪ " :‬األرشيف اإلداري الرقمي أساس اإلدارة االلكترونية " مجلة اعلم العدد السادس عشرة‪ 0316،‬ص‪.10 :‬‬
‫‪142-‬‬‫‪Meszaros BRANISLAV, Samath SITTHIDA, Guerin-HAMDI SONIA, Faure CELINE : «le livre blanc sur‬‬
‫‪les données ouvertes ». Publication de l’Institut des Sciences de l’Homme. Lyon, France 2015. P : 20.‬‬

‫‪P 115‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪ -‬معطيات حول أداء شبكات الخدمات الحضرية‪( :‬النقل‪ ،‬الكهرباء‪ ،‬املاء‪ ،‬الطاقة‪،‬‬

‫االتصاالت‪)...‬‬

‫‪ -‬معطيات انتخابية‪.‬‬

‫وللنهوض بتدبير هذه املعطيات في املغرب‪ ،‬البد من توفير بنية مؤسساتية يسند لها‬

‫مهمة اإلشراف على عملية تدبير املعطيات املفتوحة‪ ،‬على أن يتم استحضار التوجهات‬
‫التالية‪)143(:‬‬

‫‪ -‬ضرورة وضع الهيئة تحث إشراف رئيس الحكومة‪.‬‬

‫‪ -‬اختيار هيئة قائمة‪ ،‬ال خلق هيئة جديدة قد تتطلب إمكانات مادية وبشرية وآجاال‬

‫إضافية لتنزيل املبادرة‪.‬‬

‫‪ -‬إناطة تحديد وتدبير الجوانب اللوجستية لألعمال املتعلقة بفتح املعطيات العمومية‬

‫بمؤسسة املعطيات املفتوحة‪،‬وذلك في إطار األرضية الوطنية للمعطيات املفتوحة‪.‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬إعادة النظر في آليات اشتغال اإلدارة العمومية ‪ ،‬ومداخل التمكين‬

‫املجتمعي‪.‬‬

‫على الرغم من أهمية الحكامة الرقمية بأبعادها كاملة (‪ )144‬في النهوض بمجال إنجاح‬

‫ورش التحول الرقمي باإلدارة العمومية املغربية‪ ،‬إال أن تبني هذه املقاربة لوحدها تبقى‬

‫قاصرة على تحقيق األهداف املرجوة‪ ،‬ومن ثم‪ ،‬يستدعي إنجاح ورش التحول الرقمي‬

‫‪ -143‬تقرير المجلس االقتصادي واالجتماعي البيئي‪ " :‬المعطيات المفتوحة‪ :‬تحرير المعطيات المفتوحة في خدمة النمو والمعرفة" مرجع سابق ص‪60 :‬‬
‫‪ -144‬المقاربة التشاركية‪ ،‬المسؤولية والشفافية‪ ،‬المنظور االستراتيجي الرقمي‪ ،‬الشفافية الرقمي‪ ،‬البعد الحقوقي واألمني الرقمي‪ ،‬سلطة القانون‪.‬‬

‫‪P 116‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫باإلدارة املغربية أيضا‪،‬إعادة النظر في آليات اشتغال اإلدارة العمومية املغربية‪(،‬الفرع‬

‫األول) وتأهيل املجتمع الرقمي (الفرع الثاني)‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬شرط إعادة النظر في بيئة اشتغال اإلدارة العمومية‪.‬‬

‫يشكل تعزيز اإلدارة بوسائط االرتباط املعلوماتي (الفقرة األولى)‪،‬إلى جانب تنمية‬

‫وتمكين الرأسمال اإلداري البشري (الفقرة الثانية)‪ ،‬ثم تدبير إشكالية مقاومة التغيير‬

‫التنظيمي‪(،‬الفقرة الثالثة) مداخال من شأنها إسناد ورش التحول الرقمي باإلدارة العمومية‬

‫املغربية‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬تعزيز االرتباط املعلوماتي ‪.la connectivité‬‬

‫إن قدرة مجتمع املعلومات‪)145(،‬على دخول بيئة الفضاء املعلوماتي ترتبط إلى حد‬

‫أي قدرة املجتمع على االستيطان بمؤسساته‬ ‫االلكترونية‪)146(،‬‬ ‫كبير بمستوى الجاهزية‬

‫وأفراده‪،‬داخل الفضاء املعلوماتي‪ ،‬لكن القدرة على االستيطان في الفضاء املعلوماتي‪ ،‬ال‬

‫يمكن أن تتحقق إال في ظل توفر بنية تحتية (‪)147‬كافية في مجال االتصاالت والبيانات‪ ،‬ثم‬

‫بنية تحتية حديثة لالتصاالت السلكية والالسلكية‪ ،‬قادرة على استيعاب مع جميع أشكال‬

‫‪ 145‬يستند عموما تحديد مفهوم مجتمع المعلومات بالرجوع إلى مجموعة متنوعة من المقومات التي تتألف منها ماهيته‪( ،‬المقصود هنا مجتمع المعلومات)‪،‬‬
‫ويرتكز عليها بنيانه الرقمي‪ .‬وفي حالة انعدامها فإنها تعتبر عقبة تقنية واجتماعية على حد سواء‪ ،‬أمام الكيانات االجتماعية التي تصبو إلى االنتقال من‬
‫المجتمع التقليدي إلى المجتمع الرقمي‪ .‬وبصورة عامة فإن هذه المقومات التي يرتكز عليها مفهوم مجتمع المعلومات هي‪:‬‬
‫‪ -‬البنية التحتية للمعلومات واالتصاالت‪.‬‬
‫‪ -‬الثقافة والقدرة على التعامل مع الوسائط الرقمية‪.‬‬
‫‪ -‬المعلومات والخدمات الرقمية المتاحة‪.‬‬
‫‪ - 146‬د‪.‬حسن مظفر الرزو‪ " :‬الفضاء المعلوماتي " مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬الطبعة األولى‪ 0331 ،‬ص‪.010 :‬‬
‫‪ 147‬استخدم اصطالح البنية ا لتحتية خالل العقد الثاني من القرن العشرين‪ ،‬وتحديدا سنة ‪ 1001‬للداللة أو لوصف كيان من الكيانات التقنية‪ ،‬ليتوسع إطالق‬
‫المفهوم على مجموع الموارد الالزمة لتنفيذ نشاط معين‪.‬‬
‫والمقصود بالبنية التحتية الرقمية‪:‬‬
‫‪ ‬األدوات والمعدات المعلوماتية‪( :‬الحواسيب ‪ /‬المعدات الشبكاتية)‪.‬‬
‫‪ ‬األنساق المستخدمة لضمان متطلبات البيئة الرقمية‪( :‬البيانات ‪ /‬البرمجيات ‪ /‬األجهزة الخدمية)‪.‬‬
‫‪ ‬الشبكات المعلوماتية‪.‬‬

‫‪P 117‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫األنشطة التواصلية‪ ،‬من جهة‪ ،‬بين اإلدارات بعضها ببعض‪ ،‬ومن جهة أخرى‪ ،‬بين اإلدارة و‬

‫املرتفق‪ ،‬واملقصود بالبنية التحتية الرقمية والحالة هذه؛‬

‫‪ -‬توافر اإلدارات على أدوات املعلومات واالتصال وإمكانية الدخول إليها‪.‬‬

‫‪ -‬نوعية الوسائط املعلوماتية املعتمدة‪.‬‬

‫‪ -‬سهولة الولوج عبر القنوات االتصالية املتوفرة (شبكات داخلية‪ ،‬شبكات خارجية‪،‬‬

‫شبكة االنترنت)‪.‬‬

‫‪ -‬مدى توفر البنيات األساسية (تعميم التغطية بالكهرباء)‪.‬‬

‫‪ -‬أبناك املعطيات محينه وآمنة‪.‬‬

‫وبما أن تجربة تجهيز اإلدارات العمومية باملعدات الرقمية الزالت‬

‫متواضعة‪)148(،‬فإن النهوض بورش التحول الرقمي باإلدارة العمومية يستدعي بالضرورة‬

‫إحداث بنية تحتية تتصف بمواصفات الجودة‪ ،‬والعمل على " توفيرها في كل اإلدارات‬

‫العمومية والوحدات الترابية‪ ،‬وذلك عن طريق إتاحتها في األسواق بأثمنة معقولة تتيح‬

‫ملعظم املرتفقين الحصول عليها‪ ،‬حتى يتمكنوا من االستفادة من الخدمات التي تقدمها‬
‫(‪)149‬‬ ‫اإلدارة االلكترونية‪.‬‬

‫‪ - 148‬فيما يخص درجة تجهيز اإلدارات العمومية بالمعدات فقد سجل تقرير المجلس األعلى للحسابات ل ‪ 0310‬المالحظات التالية‪:‬‬
‫* هيمنة المواقع االلكترونية التفاعلية‪.‬‬
‫* قلة الحواسيب‪.‬‬
‫* تقادم األجهزة االلكترونية المستعملة باإلدارات العمومية في مقابل التطور التكنولوجي الغير متحكم فيه‪.‬‬
‫* عدم االهتمام بخدمات بعد الخدمة (صيانة المعدات)‪.‬‬
‫‪ -149‬الباحث حاتم الشعيري‪ " :‬اإلدارة االلكترونية بين عصرنة العمل اإلداري وعوائق التطبيق "‪ .‬رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام تخصص‬
‫اإلدارة والمالية العامة‪ .‬جامعة عبد الملك السعدي‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬طنجة‪ ،‬ص‪ .100 :‬السنة الجامعية ‪.0330 / 0331‬‬

‫‪P 118‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬تنمية الرأسمال البشري باإلدارة العمومية لقيادة ورش التحول‬

‫الرقمي‪.‬‬

‫يشكل شح املوارد البشرية الكفؤة في املجال الرقمي‪ ،‬تحديا يستدعي من القائمين‬

‫على الشأن العام العمل على مواجهته‪)150(،‬على اعتبار أن العنصر البشري ليس أحد عوامل‬

‫اإلنتاج فقط‪ ،‬بل هو استثمار حقيقي ومنتج للقيمة املضافة حاضرا و مستقبال‪ ،‬ومن شأن‬
‫(‪)151‬‬ ‫تمكينه في مجال التكنولوجيا اإلسهام في " تحسين نسق العمل والتنظيم باإلدارات"‪.‬‬

‫وفي سياق تبني املغرب إلستراتيجيتي " املغرب الرقمي ‪ ،" 7089‬و " املغرب الرقمي‬
‫ُ‬
‫‪ " 7070‬فقد اعت ِبر محور تكوين وتأهيل الكفاءات‪152‬إن على مستوى الكم أو الكيف دعامة‬
‫ُ‬
‫(‪)153‬‬ ‫لدعم ورش التحول الرقمي‪ ،‬إذ ِاعتبر تكوين وتأهيل الكفاءات من التدابير املواكبة‬

‫ذات األولوية لتنزيل املحور الرابع‪ )154(،‬غير أنه لم تخصص أي ميزانية لتنفيذ التدبير األول‬
‫البشري‪)155(.‬‬ ‫املتعلق بتنمية الرأسمال‬

‫و عليه‪ ،‬فمن املداخل الكفيلة بتنمية الرأسمال البشري باإلدارات العمومية‬

‫باملغرب ما يلي‪:‬‬

‫‪ -‬وضع برنامج عمل للتكوين األولي‪.‬‬

‫‪150-‬‬ ‫‪« stratégie e-Maroc 2010 Réalisations, Orientations, et Plans d’actions ; réussir notre société de l’information et‬‬
‫‪du savoir » op cité. p : 68.‬‬
‫‪ - 151‬د‪.‬حميد ابوالس‪ " :‬تدبير الموارد البشرية‪ :‬نموذج اإلدارة الجماعية " دار القلم للطباعة والنشر والتوزيع‪ .‬الطبعة األولى‪ 0332 .‬ص‪.017 :‬‬
‫‪152- « Transformation numérique et maturité des entreprises et administration marocaine ». Rapport de l’Institut Royal‬‬

‫‪des Etudes Stratégiques. 2017.p : 129.‬‬


‫‪ - 153‬التدبير األول يتعلق بالثقة الرقمية ويتعلق التدبير الثاني بتنمية الرأسمال البشري‬
‫‪ - 154‬يتعلق المحور الرابع بصناعة تكنولوجيا اإلعالم‪.‬‬
‫‪ - 155‬تقرير المجلس األعلى للحسابات‪ " :‬تقييم إستراتيجية المغرب الرقمي ‪ " 0310‬مرجع سابق ص‪.70 :‬‬

‫‪P 111‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪ -‬تطوير مبادرات للتأهيل والتكوين بشراكة القطاع الخاص والعام‪.‬‬

‫‪ -‬تحسين فرص العمل بالنسبة للخريجين من معاهد التكوين في مجال تكنولوجيا‬


‫"‪)156(.‬‬ ‫االتصاالت‪ ،‬للحد من ظاهرة " هجرة األدمغة‬

‫‪-‬إحداث آلية لتوجيه‪ ،‬وتتبع تنفيذ وتقييم مخططات التكوين في قطاع تكنولوجيا‬

‫االتصاالت واملعلومات‪.‬‬

‫‪ -‬إدماج املقاربة بالنوع ( املقاربة الجندرية) في مجال التكوين في املجال الرقمي‬

‫باإلدارات العمومية‪.157‬‬

‫الفقرة الثالثة‪ :‬تدبير إشكالية مقاومة التغيير باإلدارة العمومية املغربية‪.‬‬

‫إذا كانت الخبرة التقنية واإلطار القانوني واملؤسساتي محددات حاسمة إلنجاح‬

‫ورش التحول الرقمي باإلدارة العمومية‪ ،‬فإن أهميتها‪ ،‬ال تقل عن أهمية االنخراط الشامل‬

‫لكافة املكونات املجتمعية‪( ،‬سياسيين‪ ،‬مرتفقين‪ ،‬قطاع خاص‪ ،‬إداريين‪ ،‬مجتمع مدني‪)...‬‬

‫فليس على السياس ي أن يكون ملما بالضرورة بالتكنولوجيا حتى يمكنه دعم التحول الرقمي‬

‫باإلدارة العمومية‪ ،‬بل إن كل ما عليه فعله هو إعادة بنينة " سلوكه السياس ي‪)158( " ،‬أي‬

‫العمل من موقعه على إقناع ودفع جيوب املقاومة داخل اإلدارة لتسهيل االنتقال من‬

‫التسيير التقليدي إلى التدبير اإلداري الحديث‪ ،‬وينسحب األمر ذاته على املرتفق‪ ،‬وباقي شركاء‬

‫‪156‬‬
‫‪- « stratégie e-Maroc 2010 Réalisations, Orientations, et Plans d’actions ; réussir notre société de l’information et‬‬
‫‪du savoir » op cité. P : 83.‬‬
‫‪ -157‬من التجارب في المجال تجربة الواليات المتحدة األمريكية التي أطلق عليها ‪ Girls who code‬والتي توخت تكوين ‪ 733.333‬طالبة جامعية بمعدل‬
‫‪ 033‬ساعة سنوية وإدماجهن في سوق الشغل باإلدارات والمقاوالت الخاصة‪.‬‬
‫‪ -158‬د‪.‬جوردون مارشال‪ " :‬موسوعة علم االجتماع " المجلد األول‪ ،‬الطبعة الثانية‪ . 0331 ،‬ترجمة المجلس األعلى للثقافة‪ ،‬المشروع القومي للترجمة‪.‬‬
‫ص ‪733‬‬

‫‪P 111‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫اإلدارة العمومية ‪ ،‬ألن تدبير التغيير هو في حقيقة األمر جهد مشترك‪ ،‬يستدعي انخراط‬

‫الجميع‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬التمكين املجتمعي‪.‬‬

‫يعد املجتمع الرقمي مظهرا لهيكلة اجتماعية من نوع جديد‪ ،‬برزت بوصفها نتيجة‬

‫حتمية ملتطلبات عصر املعلومات (‪ ،)159‬ورغم أن املجتمع الرقمي كمفهوم غير محصن‬

‫بمشروعية مفاهيمية‪ ،‬لكن تداوله وارتباطه بالثورة التكنولوجية جعل منه مفهوما‬
‫مألوفا‪)160(.‬‬

‫ويعتبر إحداث نمط من اإلعالم والتوجيه الرقمي اإلداري املتخصص‪(،‬الفقرة‬

‫األولى) وإرساء العدالة املجالية الرقمية‪(،‬الفقرة الثانية) ثم تأهيل حضائر الولوج املجتمعي‬

‫لألنترنت املجانية‪(.‬الفقرة الثالثة) من املداخل التي من شأنها اإلسهام في إنجاح مسلسل‬

‫التحول الرقمي باإلدارة العمومية‪.‬‬

‫‪ -159‬د‪.‬حسن مظفر الزرو‪ " :‬الفضاء المعلوماتي " مرجع سابق ص ‪.040‬‬
‫‪160-‬‬
‫‪Isabelle Compiègne : « La société numérique en question(s) » collection petite bibliothèque. Edition science,‬‬
‫‪2010.p :7‬‬

‫‪P 111‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫الفقرة األولى‪ :‬إحداث نموذج لإلعالم املتخصص(‪.)161‬‬

‫أثبتت التجارب‪ )162(،‬أن أنشطة تحسيسية إعالمية من شأنها توعية الساكنة‪،‬‬


‫سليمة‪)163(.‬‬ ‫وحملها على تغيير عادات ومواقف سلبية‪،‬وباملقابل تبني سلوكيات‬

‫وعليه‪ ،‬فإن العديد من الجهود تبدل حاليا في سبيل إنجاح أوراش التحول الرقمي‬

‫باإلدارات بالعديد من الدول(‪ .)164‬ويبقى اإلعالم(‪ )165‬واحد من تلك الجهود‪ ،‬من جهة‪ ،‬على‬

‫اعتبار أن " الوظيفة اإلعالمية تتجسد في حل املشكل الجوهري الذي يعاني منه املواطن ‪-‬‬

‫كمعاق قانوني ‪ -‬أمام اإلدارة‪ 166" ،‬ومن جهة أخرى‪،‬ملا لإلعالم من سطوة على الجمهور‪،‬‬

‫وهو ما أشار إليه ‪ Wright Mills‬في كتابه ‪ (the power Elite‬قوة النخبة)الصادر بتاريخ‬

‫‪ - 161‬ال شك أن عدد كبير من المرتفقين يجهلون الخدمات الرقمية التي تم إطالقها على ‪ www.service-public.ma‬وهو ما يعيق االنتقال من ثقافة "‬
‫وجه لوجه " التي يفضلها عدد كبير من المرتفقين‪ ،‬إلى ثقافة الخدمة عن بعد‪ .‬وبالتالي فإن اإلعالم الرقمي المتخصص هو إعالم من شأن اعتماده توعية‬
‫المرتفق بالخدمات التي تقدمها اإلدارة الرقمية وتدريبه على كيفية تدبيرها‪.‬‬
‫‪ 162-‬تم تمويلها من طرف البنك الدولي ومن تلك التجارب مثال ‪:‬‬
‫تجربة دولة والزاييروالزمبابوي وساحل العاج حول إدماج التقنيات الحديثة في الفالحة عبر قناة خاصة ()‪ télé pour tous‬وقد أسهمت القناة‬ ‫‪‬‬
‫في تحقيق النتائج التالية‪:‬‬
‫‪ -‬الحد من الهجرة القروية‪.‬‬
‫‪ -‬فك العزلة عن المجال القروي‪.‬‬
‫‪ -‬النهوض بقطاع الفالحة االستهالكية‪.‬‬
‫تجربة اإلعالم الصحي التي تم تبنيها بالسنغال وقناة ‪ yourhealth‬النيجيرية وقد أسهمت القنوات في تحقيق النتائج التالية‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫‪ -‬التوعية باألمراض المنقولة جنسيا‪.‬‬
‫‪ -‬التعريف بمرض المالريا‪.‬‬
‫‪ -‬األمراض التي تصيب األطفال في مراحلهم العمرية األولى ‪ (:‬الحصبة‪ ،‬جدري الماء‪)...‬‬
‫‪ -‬التوعية الغدائية‪.‬‬
‫تجربة التعليم عن بعد ‪ l’enseignement à distance‬بالمغرب ‪،‬وتجارب محو األمية ( برنامج الف الم ) التي دُشنت انطالقتهما بشراكة‬ ‫‪‬‬
‫بين وزارة التربية الوطنية والشباب ووزارة االتصال أوائل سنة ‪0330.‬‬
‫‪163 - Lain MACLELLEAN: «la télévision pour le développement l’expérience africaine ».Rapport du centre de‬‬

‫‪recherche pour le développement international, Octobre 1986.p :161.‬‬


‫‪ - 164‬أطلقت جمعية التنشيط وتدبير التجهيزات االجتماعية لساكنة كانورغ ‪ –AAGESC- CANOURGES‬الفرنسية خدمات اُطلق عليها الخدمات‬
‫اإلعالمية التشاركية المتخصصة‪ ،‬بغية إدماج ذوي المهارات التكنولوجية المحدودة في المجال الرقمي‪ ،‬وتدريبهم على آليات تدبير الخدمات الرقمية‬
‫لإلدارات العمومية وإدارات الجماعات الترابية‪.‬‬
‫‪ - 165‬يرى األستاذ سعيد خمري في كتابه قضايا علم السياسة مقاربات نظرية ص‪ 143 :‬أن وظائف اإلعالم في المجتمع تختزل في خمس وظائف هي‪:‬‬
‫توجيه المواقف واالتجاهات وتكوينها‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫تنمية الثقافة والمعلومة‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫تنمية التواصل االجتماعي‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫الترفيه‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫اإلعالن والدعاية‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫‪ - 166‬د‪.‬محمد اليعكوبي‪ " :‬الوظيفة اإلعالمية لوسيط المملكة " المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية العدد ‪ 0317. 100‬ص‪.20 :‬‬

‫‪P 112‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪ 8327‬بقوله؛إن " أهم ما يتسم به اإلعالم هو قدرة عدد محدود من الناس‪ ،‬في االتصال‬
‫الجمهور‪)167(.‬‬ ‫والتأثير بعدد كبير من‬

‫فاألكيد‪،‬أنه وبفعل الطفرة العلمية والتكنولوجية التي يشهدها العالم في اآلونة‬

‫األخيرة‪،‬أن اإلعالم ال يكاد ينفصل عن الواقع االجتماعي واإلنساني السائد في مجتمع من‬

‫املجتمعات‪،‬إلى درجة" أصبحت معها حكومات تخصص أقساما ودوائر ووزارات إعالم تتولى‬

‫متابع أهداف داخلية وخارجية‪... ،‬ومن تلك األهداف رفع مستوى الجماهير ثقافيا‪،‬وتطوير‬
‫(‪)168‬‬ ‫أوضاعها االجتماعية والثقافية ‪"...‬‬

‫فمما الشك فيه‪ ،‬فإن إحداث قناة أو برامج خاصة بالتوعية بالخدمات الرقمية‬

‫التي تقدمها اإلدارة العمومية عن بعد من شأنه تحقيق األهداف التالية‪:‬‬

‫‪ -‬تحفيز وتشجيع املرتفق على تفضيل الخدمات الرقمية على الخدمات التي تتم وجها‬

‫لوجه‪.‬‬

‫باملمارسة‪)169(.‬‬ ‫‪ -‬إرساء مبدأ الديمقراطية التشاركية‪ ،‬وهو ما يعني عق ُل الخطاب‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬إحداث شبكة السلكي ترابية (‪ )wifi territorial‬بالوسطين الحضري‬

‫والقروي‪.‬‬

‫‪ -167‬د‪.‬جوردون مارشال ‪ " :‬موسوعة علم االجتماع " مرجع سابق ص ‪. 632‬‬
‫‪ -168‬د‪.‬سعيد خمري‪ " :‬قضايا علم السياسة مقاربات نظرية " مطبعة دار المناهل – الرباط‪.0311 .‬ص‪. 143-100 :‬‬
‫‪ - 169‬يعتبر شعار " المواطن في قلب االهتمام " من الشعارات التي ما فتئ يطلقها صانعوا القرار‪ ،‬بل تم التأكيد على ذلك في مثن الخطة الوطنية إلصالح‬
‫اإلدارة ‪ ،0301/0311‬وال شك أن إشراك المرتفق في اختيار نوع وطبيعة الخدمات الرقمية التي يتوق إليها لمن شأنه عق ُل الخطاب الرسمي بالممارسة‪.‬‬

‫‪P 113‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫ُ‬
‫يع ِرف توظيف املعطى الرقمي في مختلف مناحي الحياة اليومية‪،‬تصاعدا ملحوظا نتج‬

‫عنه تنامي الحاجة إلى االرتباط الشبكي املستمر‪)170(،‬ويشكل إحداث ‪Wifi Territorial‬‬

‫ومراكز النفاذ املجتمعي لألنترنت (‪)Points d’Accès aux Services Publics Numériques‬‬

‫مبادرات من شأنها تحفيز املرتفقين على تفضيل الخدمات عن بعد التي تقدمها اإلدارة‪.‬‬

‫‪ ‬نقاط ولوج االنترنت الترابي‪.‬‬

‫وهو عبارة عن مجموعة من نقط للولوج املجاني لألنترنت‪)171(،‬موزعة على كامل‬

‫املجال الترابي لجماعة ترابية معينة‪،‬ويعتبر آلية من شأنها دعم مشروع املدن الذكية‬

‫والنهوض باملشاريع الرائدة‪ ،‬كما يسهم من جهة أخرى‪ ،‬في التعريف باملؤهالت االقتصادية‬

‫والسياحية للمجال الترابي املعني‪ ،‬ويشكل أيضا فرصة لتغطية الفجوة الرقمية سواء داخل‬
‫العاملي‪)172(.‬‬ ‫املجال الجغرافي الوطني الواحد أو على املستوى‬

‫وبما أن ورش التحول الرقمي باإلدارة العمومية‪ ،‬واحدا من املشاريع الرائدة ذات‬

‫الصلة بالذكاء االصطناعي‪ ،‬فتشكل إذن‪ ،‬نقط ولوج االنترنت الترابي فرصة للنهوض‬

‫بالخدمات العمومية الرقمية لالعتبارات التالية‪:‬‬

‫‪170-‬‬ ‫‪« le wifi territorial une solution pour votre collectivité ».Publication de la direction de la communication des‬‬
‫‪caisses des dépôts – France- 2018, p : 4.‬‬
‫‪ -171‬يمكن أن تكون نقط الولوج عبارة عن‪ :‬مطاعم‪ ،‬حدائق‪ ،‬حافالت النقل العمومي‪ ،‬متاحف‪ ،‬مكتبات‪ ،‬مكاتب البريد‪ ،‬األماكن السياحية‪ ،‬المترو‪ ،‬األحياء‬
‫الجامعية‪ ،‬المطاعم‪...‬‬
‫‪172- « le wifi territorial une solution pour votre collectivité ». Op cité, p : 5.‬‬

‫‪P 114‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪ -‬ستشكل نقط الولوج الترابي لألنترنت‪ ،‬فرصة لذوي االحتياجات الخاصة من جهة‪،‬‬

‫لالنخراط في الدينامية الرقمية‪،‬ومن جهة أخرى‪ ،‬من تقريب خدمات اإلدارة الرقمية من‬

‫هذه الفئة االجتماعية‪.‬‬

‫‪ -‬ستشكل نقط الولوج الترابي لألنترنت فرصة للتدريب بواسطة القرين‪ ،‬ملواجهة‬

‫ضعف إملام الغالبية العظمى للمجتمع املغربي باملعطى الرقمي‪.‬‬

‫‪ -‬ستشجع املجانية على دفع املرتفق إلى تفضيل الخدمات الرقمية عن بعد‪ ،‬خاصة‬

‫وأن السلوك االستهالكي للمرتفق املغربي يتميز بتفضيل الخدمات املجانية‪.‬‬

‫‪ ‬مراكز النفاذ املجتمعي لألنترنت( ‪Points d’Accès aux Services Publics‬‬

‫‪)Numériques‬‬

‫هي مراكز للقرب‪ ،‬هدفها إتاحة فرصة ولوج االنترنت لكل فرد يفتقد للمهارات‬

‫الكافية‪ ،‬أو ال يتوفر على املعدات الكفيلة بذلك‪ )173(.‬و يأتي إحداث هذه املراكز في املغرب‪،‬‬

‫في سياق تنزيل إستراتيجية املغرب الرقمي ‪ ،7089‬خاصة املحور املتعلق ببرنامج تطوير‬
‫املواطنين‪)174(.‬‬ ‫الخدمة األساسية للمواصالت‪ ،‬لتقريب خدمات املواصالت من‬

‫» ‪Rapport de la cour des comptes, Janvier 2015, p : .173- « Relations aux usagers et modernisation de l’État‬‬
‫‪.108.disponible sur : www.ccomptes.fr‬‬

‫‪ -174‬تجدر اإل شارة إلى أن لجنة تدبير الخدمة األساسية للمواصالت سبق أن وافقت على إحداث ‪ 733‬مركز‪ ،‬لكن من جملة المالحظات التي خرج بها‬
‫تقرير المجلس األعلى للحسابات بتاريخ ‪ 0314‬ذات الصلة بإحداث هذه المراكز ما يلي‪:‬‬
‫لم يتم إطالق سوى ‪ 133‬مركز من أصل ‪.733‬‬ ‫‪‬‬
‫من بين تلك المراكز المائة لم يتم إطالق سوى ‪ 06‬مركز‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫وبحسب تقرير المجلس العلى للحسابات ل ‪ 0314‬ص‪ 112 :‬فان التأخر في مجال إطالق تلك المراكز يعزى لألسباب التالية‪:‬‬
‫عدم انخراط كبار الفاعلين في مجال االتصاالت في المغرب (‪ )Orange/Inwi / Iam‬في تنزيل هذه المشاريع‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫صعوبات في اقتناء المحال واألماكن المخصصة إلدارة مثل هذا النوع من المشاريع‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪P 115‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫لكن‪ ،‬تجدر اإلشارة إلى أن إنجاح مشروع إحداث مراكز النفاذ املجتمعي‪ ،‬يتوقف‬

‫بالدرجة األولى‪ ،‬على انخراط كبار الفاعلين في مجال االتصاالت في املغرب ‪.‬‬

‫الفقرة الثالثة‪ :‬تعزيز الحق في املساواة والعدالة الرقمية‪.‬‬

‫الحق في املساواة والعدالة الرقمية املجالية‪ ،‬هو من الحقوق التي أصبحت مكفولة‬

‫في بعض دساتير الدول املتقدمة‪ )175(،‬والتي ي ِص ُح أن ُيطلق عليها »الدساتير الصديقة للتحول‬

‫الرقمي« ‪ ،‬غير أنه عمليا‪ ،‬يطرح مفهومي املساواة والعدالة املجالية الرقمية جملة من‬

‫اإلشكاليات منها ؛ إشكالية التمكين املجتمعي‪،‬إذ ال معنى لوجود فرص‪،‬إن لم تقترن‬

‫بإستراتيجيات واقعية لتمكين كافة فئات املجتمع‪ ،‬على قدم املساواة واملنافسة الشريفة‪.‬‬

‫ففي السياق املغربي‪،‬مثال ففي الوقت الذي ارتفعت فيه نسبة تجهيز األسر باألنترنت‬

‫ودمقرطة االستفادة منها داخل املجال الحضري‪،‬والتي بلغت ‪ 20 %‬سنة ‪،7082‬فان نسبة‬
‫السنة‪)176(.‬‬ ‫تجهيز األسر بشبكة االنترنت بالقرى لم تتجاوز‪ 28 %‬برسم نفس‬

‫وتطرح هذه اإلشكالية‪ ،‬أسئلة من قبيل‪ :‬طبيعة البدائل التي يمكن أن تسهم في‬

‫إدماج املجال الجغرافي القروي بمجتمعه‪ ،‬ومختلف مكوناته في الدينامية الرقمية؟‬

‫من البدائل املمكن اعتمادها لتمكين فئات املجتمع القروي من فرص التحول‬

‫الرقمي ما يلي‪:‬‬

‫‪ - 175‬الدستور الفنلندي‪.‬‬
‫‪ -‬الدستور االستوني‬
‫‪ -‬الدستور الكوري الجنوبي‪.‬‬
‫‪176- «Evaluation des services publiques en ligne». Rapport de la cour des compte, 2019. p : 79.‬‬

‫‪P 116‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪ -‬تعزيز آليات التخطيط الترابي في تناسق مع السياسات العامة للدولة في مجال إعداد‬

‫التراب‪ ،‬والعمل على التقائية وتناسق برامج التنمية الجهوية فيما بينها ومع املخططات‬
‫القطاعية‪)177(.‬‬

‫‪ -‬تبني العدالة املجالية الرقمية كأولوية في السياسات العمومية والترابية من أجل‬

‫تقليص الفوارق املجالية واالجتماعية‪.‬‬

‫الرقمية‪)178(.‬‬ ‫‪ -‬الوساطة واملواكبة‬

‫‪ -‬إحداث نقط الولوج الجماعي لألنترنت‪les points d’accès publics à Internet .‬‬
‫)‪179)(PAPI‬‬

‫‪ -‬تشجيع سياسة الطريفة االجتماعية(‪)180‬املناسبة ( ‪ ،)tarif sociale‬لدعم الفئات في‬

‫وضعية هشة‪ ،‬ولدعم ساكنة العالم القروي‪.‬‬

‫‪ -177‬من توصيات المناظرة الوطنية األولى للجهوية المتقدمة التي انعقدت بأكادير يومي ‪ 03‬و‪ 01‬دجنبر ‪.0310.‬‬
‫‪178-‬‬‫‪« Citoyens d’une société numérique ». Rapport du conseil national du numérique adressé au Ministre délégué‬‬
‫‪chargée des petites et moyennes entreprises, de l’Innovation et de l’Économie numérique (République Française).‬‬
‫‪2013. p : 27. Rapport disponible sur le lien : www.cnnumerique.fr.‬‬
‫‪ 179-‬من التجارب ذات الصلة بإحداث نقط الولوج الجماعي تجربة ‪la ville de Brest‬بفرنسا‪ ،‬التي ا ْنطلق العمل بها منذ ‪ ،1007‬و توخت التجربة‬
‫تحقيق العدالة الرقمية وتحقيق االندماج االجتماعي والتضامن الترابي‪ ،‬وذلك من خالل ربط ‪ 132‬من األماكن العامة باألنترنت المجاني‪ ،‬وساهم في إنجاح‬
‫هذه التجربة؛ النسيج الجمعوي ‪،‬المكتبات العامة‪ ،‬عن طريق استعمال الالقطات الهوائية للبلديات‪.‬‬
‫‪ -180‬تم تبني هذا النوع من الدعم من طرف أحد الفاعلين في مجال السكن االجتماعي بفرنسا‪ ،‬وذلك في إطار مشروع ‪ Xnet Roseraie‬والذياستهدف‬
‫ربط ‪ 633‬مسكن بشاشات تلفاز ذكية باألنترنت والهاتف الثابت‪ ،‬مقابل ‪ 2‬أورو شهريا‪،‬مع إمكانيةتكوين غير المتمكنين من االنترنت‪.‬‬

‫‪P 117‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫خاتمة ‪:‬‬

‫نظرا للدور الطالئعي لإلدارة العمومية املغربية في دعم النموذج التنموي الجديد‪،‬‬

‫وبناء دولة الحق والقانون‪ ،‬وتعزيز التنافسية االقتصادية‪ ،‬فقد شكل التحول الرقمي حجر‬

‫الزاوية للتحديث اإلداري‪ ،‬كان من بين تجلياته تبني إستراتيجية املغرب االلكتروني ‪7080‬‬

‫ثم إستراتيجية املغرب الرقمي ‪ 7089‬ليليها تبني إستراتيجية املغرب الرقمي ‪.7070‬‬

‫ومرد االهتمام بمحور التحول الرقمي الدوافع التالية‪:‬‬

‫‪-‬االهتمام امللكي بضرورة إدماج البعد التكنولوجي كأحد آليات التدبير العمومي‬

‫الجديد‪ ،‬لدعم ورش التحول الرقمي‪.‬‬

‫‪ -‬دور التحول الرقمي في النهوض بمناخ األعمال‪.‬‬

‫‪ -‬دور التحول الرقمي في تدبير األزمات والجوائح‪.‬‬

‫‪ -‬الدور املحوري للتحول الرقمي في النهوض بالتنمية املستدامة‪.‬‬

‫‪ -‬التغير في نمط استهالك الخدمات العمومية‪ ،‬أي االنتقال من خدمة وجه لوجه (‬

‫‪ )face to face‬إلى الخدمات على الخط ‪)e-service (.‬‬

‫‪ -‬دور الرقمنة في الحد من ظاهرة الفساد اإلداري‪.‬‬

‫‪ -‬تأثير عوملة تكنولوجيا االتصال واملعلومات‪ ،‬على البنيات اإلدارية التقليدية‪ ،‬التي‬

‫شاخت ولم تصبح قادرة على مواكبة التحديات والتحكم في املتغيرات‪.‬‬

‫‪P 118‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫وإذا كانت التجربة املغربية في مجال رقمنة الخدمات العمومية‪ ،‬قد أبانت عن‬

‫محدوديتها كما أشارت إلى ذلك التقارير املوضوعاتية للمجلس األعلى للحسابات‪ ،‬فاألكيد‬

‫أن نجاح سيناريو والدة تامة لورش التحول الرقمي املتعثر باملغرب‪ ،‬يستدعي تبني‬

‫إستراتيجية مندمجة واقعية و متعددة األبعاد‪ ،‬تراعي تكريس التقائية (البعد‬

‫القانوني‪،‬بالحقوقي‪ ،‬باملؤسساتي والتقني باملجتمعي)‪.‬‬

‫‪P 111‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫الئحة املراجع املعتمدة بحسب سنة االصدار‬

‫الئحة املراجع املعتمدة باللغة العربية‪:‬‬

‫‪ ‬الكتب املتخصصة ‪:‬‬

‫‪ -‬ادريس الكتاني‪ ،‬د‪.‬برنار موالن‪ " :‬تكنولوجيا الحاسوب في خدمة الحكامة الجيدة‬

‫والتنمية في البلدان النامية " منشورات جامعة األخوين افران املغرب ‪. 7084‬‬

‫‪ -‬حسن مظفر الرزو‪ " :‬الفضاء املعلوماتي " مركز دراسات الوحدة العربية‪،‬‬

‫الطبعة األولى‪. 7001 ،‬‬

‫‪ ‬الكتب العامة ‪:‬‬

‫‪ -‬خليل اللواح‪ " :‬دور اإلدارة في تحسين مناخ األعمال باملغرب" الطبعة األولى‬

‫‪. 7081‬‬

‫‪ -‬سعيد خمري‪ " :‬قضايا علم السياسة مقاربات نظرية " مطبعة دار املناهل –‬

‫الرباط‪.7081 .‬‬

‫‪ -‬جوردون مارشال‪ " :‬موسوعة علم االجتماع " املجلد األول‪ ،‬الطبعة الثانية‪،‬‬

‫‪.7001‬‬

‫‪P 121‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪ -‬محمد حركات‪ " :‬الحكامة والتدبير العمومي الجديد باملغرب " منشورات املجلة‬

‫املغربية للتدقيق والتنمية سلسلة التدبير االستراتيجي العدد ‪..7002 7 /‬‬

‫‪ -‬حميد ابوالس‪ " :‬تدبير املوارد البشرية‪ :‬نموذج اإلدارة الجماعية " دار القلم‬

‫للطباعة والنشر والتوزيع‪ .‬الطبعة األولى‪.7002 .‬‬

‫‪ -‬عبد العزيز أشرقي‪ " :‬الجهوية املوسعة‪ ،‬نمط جديد للحكامة الترابية والتنمية‬

‫املندمجة" الطبعة األولى ‪ ، 7008‬منشورات مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار‬

‫البيضاء‪.‬‬

‫‪ ‬نصوص قانونية ‪:‬‬

‫‪ -‬القانون ‪ 98-89‬املتعلق بالحصول على املعلومة‪ ( :‬الظهير‪ 8.81.82‬الصادر بتاريخ ‪2‬‬

‫جمادى االخرة ‪ 8493‬املوافق ل ‪77‬فبراير ‪، 7081‬املنشور بالجريدة الرسمية عدد ‪7722‬‬

‫بتاريخ جمادى اآلخرة ‪ 8493‬املوافق ل ‪ 87‬مارس ‪. 7081‬‬

‫‪ -‬القانون ‪( 78.87‬الظهير الشريف رقم ‪ 8-82-72‬الصادر بتاريخ ‪ 1‬ذي الحجة ‪8491‬‬

‫املوافق ل ‪ 90‬غشت ‪ ) 7082‬املنشور بالجريدة الرسمية ‪ 7704‬الصادر بتاريخ ‪ 79‬ذو الحجة‬

‫‪ 8491‬املوافق ل ‪ 84‬شتنبر ‪7082‬‬

‫‪ -‬القانون ‪ 29-02‬املتعلق بالتبادل اآللي للمعطيات‪ ،‬ظهير شريف رقم ‪ 8.02.873‬صادر‬

‫في ‪ 83‬من ذي القعدة ‪ 90( 8471‬نونبر ‪ )7002‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 29.02‬املتعلق بالتبادل‬

‫‪P 121‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس‬40 ‫العدد‬

8471 ‫ ذو القعدة‬72 ‫ بتاريخ‬2214 ‫ الجريدة الرسمية عدد‬.‫اإللكتروني للمعطيات القانونية‬

.9127. ‫ ص‬،7002 ‫ ديسمبر‬7(

8.03.82 ‫ ظهير شريف رقم‬، ‫ املتعلق بحماية املعطيات الشخصية‬03-01 ‫القانون‬-

03.01 ‫) بتنفيذ القانون رقم‬7003 ‫فبراير‬81( /8490 ‫ صفر‬77 ‫صادر في‬

‫ ذي القعدة‬83 ‫ الصادر بتاريخ‬8.02.872‫( الظهير‬: ‫ املتعلق باألرشيف‬33-73 ‫ القانون‬-

.7002 ‫ دجنبر‬70 ‫ بتاريخ‬2211 ‫ املنشور بالجريدة الرسمية رقم‬8471

: ‫ تقارير وطنية ودولية باللغتين العربية و الفرنسية‬

- Rapport de la cour des compte : «Evaluation des services publiques en


ligne, disponible sur ; www. courdescompte.ma 2019.

- « Citoyens d’une société numérique ». Rapport du conseil national du


numérique adressé au Ministre délégué chargée des petites et
moyennes entreprises, de l’Innovation et de l’Économie numérique
(République Française). 2013. p : 27. Rapport disponible sur le lien :
www.cnnumerique.fr.

- Transformation numérique et maturité des entreprises et


administration marocaine ». Rapport de l’Institut Royal des Etudes
Stratégiques. 2017.

Rapport de la .« Relations aux usagers et modernisation de l’État » -

Française , Janvier 2015 cour des comptes

P 122 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس‬40 ‫العدد‬

7089 ‫ " تقييم إستراتيجية املغرب الرقمي‬:‫ تقرير املجلس األعلى للحسابات يشأن‬-

courdescompte.ma

‫ تحرير‬:‫ املعطيات املفتوحة‬:‫ تقرير املجلس االقتصادي واالجتماعي والبيئي‬-

.2013 /14 ‫ إحالة ذاتية‬،" ‫املعطيات املفتوحة في خدمة النمو واملعرفة‬

:‫ الئحة املراجع املعتمدة باللغة الفرنسية‬

- Meszaros BRANISLAV, Samath SITTHIDA, Guerin-HAMDI SONIA,


Faure CELINE : «le livre blanc sur les données ouvertes ». Publication
de l’Institut des Sciences de l’Homme. Lyon, France 2015.

- Isabelle Compiègne : « La société numérique en question(s) »


collection petite bibliothèque. Edition science, 2010.

- Christine Aïdonidis, Giorgio Pauletto : « e-administration : enjeux et


facteurs clés de succès ». Observatoire technologique. Genève.
,V1,2007 .

- Célie GODE-SANCHEZ : « la démocratie participative, outil d’aide à la


décision publique » in « administration, gouvernance et décision publique »
sous la direction de Ali SZDJARI .Edition : l’harmattan,2004.

 ETUDES EN LANGUE FRANCAISE :

- « stratégie e-Maroc 2010 Réalisations, Orientations, et Plans


d’actions ; réussir notre société de l’information et du savoir », étude

P 123 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪publiée par le Ministère de l’industrie et du commerce et de‬‬


‫‪l’investissement et l’économie numérique, 2013.‬‬

‫‪- Union européenne Breaking Barriers to e-Government : Etude publiée‬‬


‫‪le 16.08.2006 disponible sur le site officiel de UE:‬‬
‫‪http://www.egovbarriers.org.‬‬

‫‪- Lain MACLELLEAN: «la télévision pour le développement‬‬


‫‪l’expérience africaine ».Rapport du centre de recherche pour le‬‬
‫‪développement international, Octobre 1986.‬‬

‫‪ ‬مقاالت علمية ‪:‬‬

‫‪ -‬محمد اليعكوبي‪ " :‬الوظيفة اإلعالمية لوسيط اململكة " املجلة املغربية لإلدارة‬

‫املحلية والتنمية العدد ‪. 7082. 899‬‬

‫‪. -‬جمال شعبان‪ " :‬األرشيف اإلداري الرقمي أساس اإلدارة االلكترونية " مجلة‬

‫العلم ‪ ،‬العدد السادس عشرة‪7087،‬‬

‫‪ -‬صليحة حاجي‪ " :‬اآلليات القانونية لتكريس األمن املعلوماتي " مجلة العلوم‬

‫الجنائية العدد الثاني‪.7082 ،‬‬

‫‪ -‬إبراهيم الزيتوني‪ " :‬رهانات وآفاق الجهوية على ضوء القانون التنظيمي للجهات‬

‫" مجلة مسالك العدد ‪ 94‬و‪. 7082. 99‬‬

‫‪P 124‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪ -‬مصطفى املناصفي‪ :‬املجتمع املدني والديمقراطية التشاركية" مجلة نوافذ‪ ،‬عدد‬

‫مزدوج ( ‪ ) 24/29‬يناير‪.7089‬‬

‫‪ -‬ميمون خراط‪ " :‬الحق في الحصول على املعلومة بين الضرورة املجتمعية‬
‫والتعامل الرسمي بعد إقرار الدستور الجديد " منشورات املجلة املغربية‬
‫للسياسات العمومية‪،‬دفاتر حقوق االنسان العدد األول ‪. 7089،‬‬

‫‪ -‬أحمد ادريوش‪:‬تأمالت حول قانون التبادل اإللكتروني للمعطيات القانونية‪،‬‬


‫عناصر ملناقشة مدى تأثير القانون ‪ 02-29‬على قانون االلتزامات والعقود‪،‬‬
‫منشورات سلسلة املعرفة القانونية‪.7003 ،‬‬

‫‪ -‬كمال العياري‪ " :‬دور التكنولوجيا في مجال اإلثبات " مجلة القضاء والتشريع‬
‫العدد الرابع وزارة العدل وحقوق اإلنسان لتونسية ابريل ‪. 7001‬‬

‫‪ ‬اطروحات جامعية ‪:‬‬

‫‪ -‬محمد أبو الوفا‪ " :‬السياسات العمومية واملرتكزات الدستورية للديمقراطية‬


‫التشاركية‪ :‬أي دور للمجتمع املدني بين الواقع والطموحات ؟ " أطروحة لنيل‬
‫شهادة الدكتوراة في القانون العام‪ ،‬جامعة الحسن األول‪ ،‬كلية العلوم القانونية‬
‫واالقتصادية‪ ،‬السنة الجامعية ‪.7081/7082‬‬

‫‪ ‬رسائل املاستر‪:‬‬

‫‪ -‬الباحث حاتم الشعيري‪ " :‬اإلدارة االلكترونية بين عصرنة العمل اإلداري وعوائق‬
‫التطبيق "‪ .‬رسالة لنيل دبلوم املاستر في القانون العام تخصص اإلدارة واملالية العامة‪.‬‬
‫جامعة عبد امللك السعدي‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬طنجة‪،‬‬
‫السنة الجامعية ‪.7003 / 7001‬‬

‫‪P 125‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪The rôle of human resources in improving régional management‬‬


‫مقدمة‪:‬‬
‫الدستور املغربي لسنة ‪ 7088‬منح للجهة مكانة متميزة وعمل على مدها بمجموعة‬

‫من الصالحيات التدبيرية ذات الطابع اإلداري واملالي‪ ،‬وهو ما تم تأكيده من خالل القانون‬

‫التنظيمي‪ 888.84‬املتعلق بالجهة‪ ،‬وذلك حتى تتمكن من القيام بوظيفتها التنموية في‬

‫أبعادها املختلفة‪ .‬غير أن تحقيق هذا الهدف املحوري يتطلب التوفر على عنصر بشري‬

‫مؤهل والذي يعتبر الحلقة األولى إلقرار جهوية متقدمة ناجحة‪ .‬وإذا كان الواقع العملي قد‬

‫أبرز لنا على مدى سنين وجود إشكاالت حقيقية على مستوى تدبير املوارد البشرية املحلية‪،‬‬

‫فإنه يجب العمل على تداركها ومعالجتها حتى ال تكون عائقا أمام التنمية املنشودة على‬

‫مستوى الجهات‪.‬وبالتالي فقد ركزت املقالة على دور املوارد البشرية في تحسين التدبير‬

‫الجهوي عبر تشخيص االختالالت التي تعاني منها وطرق تجاوزها‪.‬‬

‫‪The Moroccan Constitution of 2011 granted the authority a distinguished‬‬

‫‪position and worked to extend it with a set of powers Of an administrative and‬‬

‫‪P 126‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس‬40 ‫العدد‬

financial nature, which has been confirmed by the Regulatory Act 111.14 on the

authority, so that it can carry out its development function in its various

dimensions . However,achieving this central objective requires the availability

of a qualified human component,which is the first cycle of successful advanced

regional approval. While the practical reality has shown us over the years that

there are real problems at the level of local human resources management,

they must be addressed in order not to be an obstacle to development at the

local level.The article therefore focused on the role of human resources in

improving regional management by diagnosing their imbalances and ways to

overcome them.

‫الكلمات املفتاحية‬

‫حكامة تدبير املوارد البشرية‬-‫املنتخب واملوظف الجهوي‬-‫الجهة‬

Region-Elected and emloyee regional-Governance of Human Resources

Management

:‫مقدمة‬ 

‫ السياس ي‬،‫تشكل الجهوية املتقدمة إصالحا هاما ذا أثر في كل مناحي حياة املجتمع‬

‫ لذلك فإن النتائج املرجوة منها مرتبطة أساسا‬،‫واالجتماعي والثقافي والبيئي واملجالي‬

P 127 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫بتحديث دواليب الدولة وإعادة إطالق الالمركزية عبر توضيح اختصاصات املؤسسات‬

‫املركزية وإعادة التوازن إلى نظام اقتسام املوارد املالية لفائدة املجاالت الترابية‪ ،‬وكذا نقل‬

‫الكفاءات البشرية الضرورية كما وكيفا باتجاه املؤسسات الالمركزية‪.‬‬

‫فإذا كان الكثيرون يتطلعون إلى أن تكون املستجدات والتطورات التي جرت بعد‬

‫دستور ‪ 7088‬على مستوى إقرار الجهوية‪ ،‬وما ترتب عنها من إصالحات‪ .‬بمثابة تصحيح‬

‫ملسارات التدبير العمومي الترابي فإن هذا األمر له متطلباته وشروطه‪ 181،‬فال يكفي منح‬

‫الجهة اليات االستقالل اإلداري واملالي للقيام بأدوارها التنموية‪ ،‬بل إن األمر يتوقف وبشكل‬

‫كبير على مستوى مواردها البشرية التي تشكل أحد العناصر املهمة في تدعيم استقاللية‬

‫الجهة عن املركز‪ .‬فبدون موارد بشرية مؤهلة ال يمكن الحديث عن ممارسة عملية‬

‫لالستقالل اإلداري واملالي‪ ،‬مما يجعل الالمركزية الترابية في عمقها‪ ،‬تقوم أساسا على حجم‬

‫ونوعية مواردها البشرية‪ ،‬فالقرارات اإلدارية واملالية تحتاج إلى من يجسدها على أرض‬

‫الواقع‪ ،‬وهو األمر املوكل إلى املوظف واملنتخب الجهوي على حد سواء‪ .‬و الذي يفترض فيه‬

‫التمتع بمستوى عالي من التكوين والخبرة‪ ،‬وهو األمر الذي يتطلب وضع سياسات وبرامج‬

‫تستهدف الرفع من قيمة املوارد البشرية للجهة‪.‬‬

‫ويقصد بتدبير املوارد البشرية كل ما يتعلق بشؤون األفراد العاملين‪ ،‬من حيث التعيين‬

‫والتأهيل والتدريب وتطوير الكفاءات وكذلك وصف أعمالهم‪ ،‬كما تعرف بأنها فن اجتذاب‬

‫العاملين واختيارهم وتعيينهم وتنمية قدراتهم وتطوير مهاراتهم‪ ،‬وتهيئة الظروف التنظيمية‬

‫‪ 181‬عماد أبركان ‪ :‬حكامة المدن بالمغرب بين إشكالية النخب السياسية ورهانات التنمية الترابي‪.‬مجلة مسالك العدد ‪45/42‬‬
‫سنة ‪ 2013‬ص‪133‬‬

‫‪P 128‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫املالئمة من حيث الكم والكيف الستخراج أفضل ما لديهم من طاقات وتشجيعهم على بدل‬

‫أكبر قدر ممكن من الجهد والعطاء‪.182‬‬

‫فاملوارد البشرية تعتبر عناصر استراتيجية في عمل الهيئات املحلية‪ ،‬سواء تعلق األمر‬

‫باملجالس الجهوية أو اإلقليمية أو الجماعية‪ ،‬باعتبارها ركائز تقوم عليها الالمركزية الترابية‪،‬‬

‫فبواسطة هذه الوسائل يتم تفعيل وتجسيد الصالحيات املنوطة بهذه الوحدات الترابية‪.183‬‬

‫لقد أولى الدستور للبعد الترابي مكانة هامة في صلب الوثيقة الدستورية‪ ،‬وذلك من‬

‫خالل منح الجهة مكانة الصدارة في تحقيق التنمية االقتصادية واالجتماعية ومنحها‬

‫لتحقيق ذلك مجموعة من الوسائل واالليات املالية واإلدارية والبشرية‪ ،‬حيث أعطيت‬

‫صالحيات واسعة ملدبري الشأن العام املحلي تعزز مكانة هذه الجماعات في سياقات التنمية‬

‫الشاملة وهو األمر الذي يعطي للبعد الترابي مكانة هامة ضمن النموذج التنموي الجديد‬

‫الذي يسعى املغرب اليوم إلى إقراره‪.‬‬

‫حيث إنه وفي نفس السياق ووفقا للدستور دعت اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي‬

‫إلـى "مغـرب الجهـات"‪ ،‬ضمانـا اللتقائيـة ونجاعـة السياسـات العموميـة علـى مسـتوى‬

‫املجـاالت الترابيـة‪ .‬لكن تحقيق كل هذا رهين بمدى توفر الجهات على املوارد البشرية املؤهلة‬

‫الكفيلة بتحقيق التنمية‪ ،‬فال أحد ينكر الدور الحاسم الذي يمكن أن يلعبه مدبرو الشأن‬

‫املحلي في نجاح أي سياسة تنموية يسعى املغرب إلى إقرارها‪ .‬ومن هنا تأتي أهمية تناول‬

‫‪ 182‬النمر‪ ،‬سعود محمد وآخرون ‪ :‬اإلدارة العامة األسس والوظائف‪ ،‬الرياض مطابع الفرزدق‪ ، 1994 ،‬ص‪74‬‬
‫‪ 183‬عليه بلفقيه ‪:‬مبدأ الموازنة في المغرب دراسة تحليلية الليات توزيع الموارد مابين الجهات ما بعد سنة ‪ 2011‬بحث لنيل‬
‫شهادة الماستر جامعة محمد الخامس الرباط ‪ 2015-2012‬ص ‪34‬‬

‫‪P 121‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫موضوع دور املوارد البشرية في الرفع من التدبير الجهوي‪ ،‬إيمانا منا بأن املوارد البشرية‬

‫املؤهلة تعد عنصرا أساسيا لدعم استقاللية الجهة وتحقيق التنمية املنشودة‪ ،‬سواء الشق‬

‫املتعلق باملنتخبين الذين تفترض فيهم الكفاءة والخبرة أو املوظفين الجهويين‪.‬‬

‫اإلشكالية‬ ‫‪‬‬

‫انطالقا مما سبق نطرح اإلشكالية التالية‪:‬‬

‫ما هي املداخل الرئيسية التي يمكن من خاللها تأهيل املوارد البشرية للجهة حتى‬

‫تتمكن من لعب دور محوري في عملية التنمية؟‬

‫فرضية الدراسة‬ ‫‪‬‬

‫أمام املشكلة املطروحة تتبلور لنا العديد من الفرضيات نصوغ منها الفرضية التالية ‪:‬‬

‫‪-‬إن قيام الجهة بدورها التنموي‪ ،‬ال يتحقق فقط عبر التعديالت القانونية وإسناد‬

‫اختصاصات واسعة للمجالس الجهوية‪ ،‬وإنما يتطلب األمر التوفر على املوارد البشرية‬

‫املؤهلة التي تمكن الجهة من القيام بدورها التنموي وهو ما يقتض ي الرفع من مستوى‬

‫أداءها وكذا اعتماد حكامة تدبير املوارد البشرية‪.‬‬

‫اإلطار املنهجي للدراسة‬ ‫‪‬‬

‫انطالقا من اإلشكالية السابق ذكرها‪ ،‬سنعتمد كل من املنهج االستقرائي واملنهج‬

‫الوصفي‪ ،‬والتي نرى أنها ضرورية ملقاربة املوضوع بشكل أكثر دقة وبالتالي تحقيق الغاية‬

‫من البحث‪.‬‬

‫‪P 131‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫التقسيم املعتمد‬ ‫‪‬‬

‫وملعالجة هذه اإلشكالية نقترح التقسيم التالي‪:‬‬

‫املطلب األول ‪ :‬اكراهات تأهيل املوارد البشرية الجهوية‬ ‫‪‬‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬تأثير مستوى املنتخبين على التدبير الجهوي‬ ‫‪‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬تأثير مستوى املوظفين على التدبير الجهوي‬ ‫‪‬‬

‫املطلب الثاني ‪ :‬االرتكاز على مبدأ حكامة تدبير املوارد البشرية‬ ‫‪‬‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬اعتماد نظام جيد للتكوين وتنمية الكفاءات‬ ‫‪‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬اعتماد نظام فعال للتدبير التوقعي والتقييم‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫املطلب األول ‪ :‬اكراهات تأهيل املوارد البشرية الجهوية‬ ‫‪‬‬

‫يشكل تأهيل املوارد البشرية الجهوية أحد التحديات الكبرى التي يجب على اإلدارة‬

‫الجهوية العمل على تحقيقها‪ ،‬على املدى القريب سواء بالنسبة للمنتخب الجهوي أو‬

‫املوظف الجهوي على حد سواء‪ .‬وذلك نظرا للنتائج التي تم تحقيقها على املستوى امليداني‬

‫في ظل املجالس الجهوية السابقة‪ ،‬والتي طبعها غياب هيكلة إدارية منظمة ومعززة‬

‫بالكفاءات النوعية‪ ،‬التي من املفترض أن تعمل على وضع االستراتيجيات التنموية وتطبقها‬

‫بالشكل املالئم لحاجيات وإمكانيات الجهة‪.‬‬

‫‪P 131‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬تأثير مستوى املنتخبين على التدبير الجهوي‬ ‫‪‬‬

‫تتطلب التنمية الجهوية إلى جانب املوارد املالية‪ ،‬التوفر على عنصر بشري فعال‪،‬‬

‫بمعنى قدرة املنتخبين الجهويين على تدبير الشؤون الترابية بكل كفاءة وحنكة‪ .‬فكلما كان‬

‫املنتخب ذا كفاءة مهنية ومعرفية إال واتسع هامش االستقاللية املالية والعكس صحيح‪. 184‬‬

‫وقد أثبت واقع املمارسة ضعف التأطير السياس ي ومحدودية التكوين العلمي واملعرفي‬

‫للمنتخبين الجهويين‪ ،‬وسيطرة عقلية اإلقليم على العمل الجهوي الش يء الذي أثر على األداء‬

‫العام للجهة وجعل نتائج املمارسة الجهوية محدودة‪ ،‬في غياب اإلملام واملعرفة ببعض‬

‫املجاالت األساسية والحيوية كمجال التعمير وإعداد التراب والفالحة والتنمية القروية‬
‫والتدبير املالي واملحاسبي‪185.‬‬

‫وينتج عن سوء هذا التأطير العلمي واملعرفي والسياس ي والتنموي لهؤالء املنتخبين‬

‫الجهويين‪ ،‬نوع من الرجعية التنموية على مستوى التسيير الجهوي‪ ،‬وهذا األمر يؤول بطبيعة‬

‫الحال إلى ضعف الحس الجهوي الذي نلمسه من خالل الالمباالة تجاه الشؤون الجهوية‪،‬‬

‫مما يوفر فرصة سانحة وسهلة ملمثل السلطة املركزية ليحل محله ويوجه عمل املجالس‬

‫الجهوية حسب رغبته‪ ،‬مما يساهم في تقليص حدود سلطة املنتخب املخولة له بموجب‬

‫‪ 184‬يوسف البريه ‪:‬استقاللية القرار المالي للجماعات الترابية دراسة تحليلية ‪.‬بحث لنيل دبلوم الماستر في القانون العام‪،‬‬
‫جامعة محمد الخامس‪ ،‬كلية العلوم القانونية و االقتصادية و االجتماعية‪ ،‬أكدال‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ، 2013 - 2014‬الصفحة‬
‫‪47‬‬
‫‪ 185‬حجيبة زيتوني ‪:‬الجهة و اإلصالح الجهوي بالمغرب"‪ ،‬السلسلة المغربية لبحوث اإلدارة و االقتصاد و المال‪ ،‬عدد ‪، 3‬‬
‫طوب بريس‪ ،‬الرباط‪ ،‬الطبعة األولى ‪، 2011‬الصفحة‪19‬‬

‫‪P 132‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫القانون‪ .‬خاصة على مستوى القرارات ذات الطابع اإلداري واملالي‪ ،‬مما يتنافى ومسألة‬
‫التي تقوم عليها الالمركزية كأحد ركائزها األساسية‪186.‬‬ ‫االستقاللية‬

‫حيث أن املنتخب الجهوي ونظرا لضعف تكوينه املعرفي‪ ،‬قد يقوده إلى اتخاذ قرارات‬

‫ال تكون في مصلحة الجهة والساكنة املحلية‪ ،‬سواء من الناحية املالية أو اإلدراية‪ .‬وهو ما‬

‫يؤدي إلى سوء في التدبير وإهدار للموارد وتدخل أكبر للسلطة املركزية‪.‬‬

‫والجدول التالي يوضح وبامللموس ضعف عدد الندوات واملؤتمرات التي يكون الهدف‬

‫منها تكوين املنتخبين الجهويين خالل الفترة مابين‪ 7084‬و‪ ،7082‬وهي الفترة التي يفترض أن‬

‫تعرف تطور على مستوى تكوين املنتخبين الجهويين نظرا لكون املرحلة هي مرحلة تنزيل‬

‫الجهوية تقتض ي اإلملام بكل املستجدات املتعقلة بالتدبير الجهوي‪.‬‬

‫مبيان‪: 2‬تطور مستوى تكوين املنتخبين الجهويين‬

‫الداخلية‪187‬‬ ‫املصدر ‪ :‬وزارة‬

‫‪ 186‬عليه بلفقيه ‪:‬مبدأ الموازنة في المغرب دراسة تحليلية آلليات توزيع الموارد مابين الجهات مابعد سنة‪. 2011‬مرجع‬
‫سابق ص‪.50‬‬
‫‪187‬تقرير صادر عن المديرية العامة للجماعات المحلية "الالمركزية في ارقام‪"2015-2014‬ص ‪15‬‬

‫‪P 133‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫فبالرغم من أهمية الدور الذي يلعبة االفتحاص الداخلي في التدبير االداري واملالي‬

‫للجهة إال أن عدد الندوات لم يتجاوز ستة خالل سنة ‪، 7084‬نفس الش يء بالنسبة للندوات‬

‫املتعلقة بالنزاعات القضائية والقيادة التنموية وهو ما يتطلب بدل مجهود أكبر في هذا‬

‫املجال‪.‬‬

‫فتكوين املنتخبين الجهويين يعتبر أحد العناصر الحاسمة لنجاح التجربة الجهوية‬

‫ببالدنا‪ ،‬فاملنتخب الجهوي هو األداة التي من خاللها تتم بلورة وتفعيل مختلف القرارات‬

‫التنموية على مستوى الجهة‪ ،‬وهو ما يستوجب توفره على حد معين من التكوين والذي‬

‫تتالئم مع حجم الوظائف املوكلة إلى الجهة‪.‬‬

‫فإذا كان تدني املستوى الثقافي هو السمة الغالبة ملعظم املستشارين الجماعيين ‪،‬‬

‫فإن لذلك اثار انعكاسا سلبيا على مكانتهم ودورهم داخل الجماعة ‪ ،‬هذه الوضعية تجعلهم‬

‫في تبعية مفرطة لرجل السلطة بصفة عامة ‪ ،‬واملصالح التقنية بصفة خاصة ‪ ،‬بما أن‬
‫ملحة‪188.‬‬ ‫تدخلهم أصبح ضرورة‬

‫والسبب في ارتفاع نسبة األمية هو أن جل املستشارين يختارون لوضعهم االجتماعي‪،‬‬

‫دون أن يراعي فيهم مدى توفرهم على الكفاءة والخبرة‪ .‬فالضعف الكيفي للمنتخبين ينعكس‬

‫سلبا على الالمركزية ‪ ،‬إذ كيف يمكن ملستشارين جماعيين ورؤساء املجالس أميين يجهلون‬

‫‪188‬زكرياء او ميمون ‪ ”:‬األداء السياسي و اإلداري للمنتخب الجماعي بالمغرب ” ‪ ،‬بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا‬
‫المعمقة في القانون العام ‪ ،‬وحدة البحث ‪ ،‬تدبير الشأن العام ‪ ،‬كلية العلوم القانونية و االقتصادية واالجتماعية – اكدال ‪،‬‬
‫الرباط ‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ، 2005- 2002.‬ص ‪.20‬‬

‫‪P 134‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫الكتابة والقراءة أن يديروا شؤون ناخبيهم ‪ ،‬والقيام بمشاريع تجهيزية واستثمارية ‪ ،‬مع ما‬

‫يتطلبه ذلك من دراية في التدبير و التسيير في ظل تعقيدات الشأن العام الترابي‪.‬‬

‫فإذا كان القانون التنظيمي للجهات قد تضمن مقتضيات مهمة فيما يخص‬ ‫‪‬‬

‫صالحيات املجلس ورئيسه وكذا اختصاصات الجهات فإنه في املقابل لم ينص‬

‫على إلزامية التوفر على مستوى عالي من التعليم أو على إلزامية التكوين كما‬

‫هو الحال بالنسبة لفرنسا‪.‬‬

‫حيث يوجد مجلس يسهر على تكوين املنتخبين ويسمى ”‪ :‬باملجلس الوطني‬ ‫‪‬‬

‫لتكوين املنتخبين املحليين ‪ “.‬بل األكثر من ذلك فقد ذهبت فرنسا إلى حد إشراك‬

‫الجماعات الترابية في تمويل عملية التكوين والتأهيل عن طريق إلزامها‬

‫بتسجيل نفقات هذه البرامج التكوينية ضمن ميزانيتها‪.189‬‬

‫وهذا ما ال نجده في مرسوم رقم‪ 07.87.732:‬املحدد لكيفيات تنظيم دورات‬ ‫‪‬‬

‫التكوين املستمر لفائدة أعضاء مجالس الجماعات الترابية ‪ ،‬حيث لم يشار إلى‬

‫خلق مراكز خاصة لتكوين املنتخبين‪ ،‬بل اكتفى بإحداث التصميم املديري‬

‫الجهوي للتكوين املستمر من طرف اللجنة الجهوية تحت رئاسة رئيس مجلس‬

‫الجهة على مستوى الجهات ‪.190‬فأكثر من ذلك أن مدة التكوين طيلة مدة انتداب‬

‫‪189‬سميرة جيادي ‪ :‬الحكامة الجيدة وتدبير الشأن العام المحلي ” أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام ‪ ،‬كلية العلوم‬
‫القانونية واالقتصادية و االجتماعية ‪ ،‬جامعة موالي إسماعيل بمكناس ‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ، 2014-2013 ،‬ص ‪101‬‬
‫‪190‬المادة ‪ 04‬من المرسوم رقم ‪ 162.61.2‬المتعلق بتحديد كيفيات تنظيم دورات التكوين المستمر لفائدة اعضاء مجالس‬
‫الجماعات الترابية ومدتها وشروط االستفادة منها ومساهمة الجماعات الترابية في تغطية مصاريفها ‪ ،‬الصادر في ‪ 23‬رمضان‬
‫‪ 12 / 1432‬يونيو ‪ ، 2010‬الصادر بالجريدة الرسمية عدد ‪ 0452‬بتاريخ ‪ 14‬يوليوز ‪2010‬‬

‫‪P 135‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫املجلس ال تقل عن ثمانية أيام لكل عضو من أعضاء مجالس الجماعات الترابية‬

‫كحد أدنى‪ 191،‬ولذا نتساءل كيف يعقل أن يتم تكوين املنتخب ال يتوفر على‬

‫مستوى دراس ي في مدة ثمانية أيام‪ ،‬نهيك عن عدم إلزام املنتخبين بالحضور‬

‫في دورات التكوين إن كانت هناك دورات ‪ ،‬فغالبا ما تتحكم فيه هواجس‬
‫سياسية‪192.‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬تأثير مستوى املوظفين على التدبير الجهوي‬ ‫‪‬‬

‫ال يقل مستوى املوظفين أهمية عن املنتخبين‪ ،193‬على اعتبار أن هناك عالقة تكاملية‬

‫بينهما والتي تتجلى في بناء أسس إدارة جماعية في مستوى الرهانات التنموية الالمركزية‪.‬‬

‫وفي سياق التطور الذي عرفته الالمركزية‪ ،‬سيعرف تكوين املوظفين اهتماما متزايدا‬

‫حيث يشكل أحد املواضيع الرئيسية لتوصيات املناظرات الوطنية للجماعات املحلية‪.‬‬

‫ويمثل املوظف الجهوي إحدى الدعامات الرئيسية للنهوض بالشأن اإلداري‪ ،‬لذا يعتبر‬

‫‪191‬المادة ‪ 02‬من المرسوم رقم ‪ 162.61.2‬المتعلق بتحديد كيفيات تنظيم دورات التكوين المستمر لفائدة اعضاء مجالس‬
‫الجماعات الترابية ومدتها وشروط االستفادة منها ومساهمة الجماعات الترابية في تغطية مصاريفها ‪ ،‬الصادر في ‪ 23‬رمضان‬
‫‪ 12 / 1432‬يونيو ‪ ، 2010‬الصادر بالجريدة الرسمية عدد ‪ 0452‬بتاريخ ‪ 14‬يوليوز ‪2010‬‬
‫‪192‬عائشة السكاكي ‪:‬المنتخب الجماعي و التنمية المحلية – جماعة فاس نموذجا‪ ،-‬رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون‬
‫العام ‪ ،‬كلية العلوم القانونية و االقتصادية واالجتماعية ‪ ،‬جامعة سيدي محمد بن عبد هللا – فاس – السنة الجامعية ‪-2015‬‬
‫‪ ، 2012‬ص ‪. 55‬‬
‫‪193‬منية بنلمليح ‪:‬تأهيل الموارد البشرية بالجماعات الترابية خطوة نحو اإلصالح االداري الشامل‪ .‬مجلة المنارة للدراسات‬
‫القانونية واإلدارية عدد‪2015/22‬ص ‪135‬‬

‫‪P 136‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫تكوين املوظفين إحدى األولويات اإلستراتيجية‪ .‬وذلك للتجاوب مع الوظائف‬

‫االقتصادية للجماعات الترابية وخاصة الجهة‪ ،‬حيث تعتبر املجال األنسب واألفضل للنهوض‬

‫بالتنمية االقتصادية واالجتماعية والثقافية والسياسية للجهة‪.194‬‬

‫كما أن عملية التأهيل تعاني من عدة إكراهات‪ ،‬فبالرغم من أن التشريع املغربي‬

‫يتضمن مجموعة من النصوص القانونية والتنظيمية التي تعالج مختلف جوانب الحياة‬

‫اإلدارية للموظف الجماعي‪ ،‬واعتبارا للمكانة التي يحتلها التكوين في املسار الوظيفي‪ ،‬إال أن‬

‫الهياكل واملؤسسات املكلفة بتكوين موظفي الجماعات الترابية‪ ،‬تعرف بعض النواقص‬

‫الناتجة عن تعددها وضعف التنسيق فيما بينها‪.195‬‬

‫كما أن اإلطار القانوني الذي ينظم عمل مستخدمي الجماعات الترابية‪ ،‬هو أبعد ما‬

‫يكون عن االنسجام والتوحيد باإلضافة إلى محدودية نظام التوظيف ويمكن القول بأن‬

‫مرسوم ‪1977‬بمثابة النظام األساس ي ملوظفي الجماعات‪ ،‬شكل أول نص تنظيمي يؤسس‬

‫لوظيفة عمومية محلية‪ ،‬موازية للوظيفة العمومية للدولة ومتشابهة لها من حيث الحقوق‬

‫والواجبات‪...‬ومع صدور القانون ‪ 00.21‬املتعلق بالتنظيم الجماعي‪ ،‬تم إدراج تدبير جميع‬

‫الفئات ضمت صالحيات رئيس املجلس الجماعي‪ ،‬مع إبقاء فئات األطر خارج سلطة رئيس‬

‫املجلس الجماعي إلى حين صدور القوانين التنظيمية للجماعات الترابية ‪.‬وإذا كانت‬

‫الجماعات الترابية ببالدنا قد عرفت تطورا هاما في مجال التأطير اإلداري‪ ،‬حيث أصبحت‬

‫‪ 194‬علي أمجد ‪:‬الموارد المالية والبشرية‪ ،‬مقومات أساسية الالمركزية الجهوية ووسيلة لتطويرها ‪.‬المجلة المغربية لإلدارة‬
‫المحلية والتنمية‪ ،‬عدد ‪ ، 2007،74‬ص‪125‬‬
‫‪ 195‬محمد باهي ‪:‬تدبير الموارد البشرية باإلدارة العمومية مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء الطبعة األولى ‪.2002‬ص‪05‬‬

‫‪P 137‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫تتوفر على موارد بشرية متنوعة التخصصات واملؤهالت العلمية والتقنية‪ ،‬ورغم املكتسبات‬

‫التي تم تحقيقها على الصعيد القانوني‪ ،‬فإن هذا الجانب مازال يعرف مجموعة من العوائق‬

‫التي تحد من فعاليته ومردوديته‪.‬‬

‫فرغم التطور الحاصل في عدد املوظفين‪ ،‬إال أن ما يالحظ هو عدم التوازن في توزيعهم‬

‫ما بين الجماعات الترابية عموما والجهات بالخصوص‪ .‬ويرجع سبب هذا التوزيع غير املتكافئ‬

‫للموظفين إلى تحكم مجموعة من العوامل‪ ،‬تتحدد في مركزية األنشطة االقتصادية‬


‫التحتية‪ ،‬وافتقار املناطق املحيطة لبسط التجهيزات‪196.‬‬ ‫واالجتماعية ومعظم البنيات‬

‫و باستنطاق األرقام املتعلقة بتوزيع املوظفين فهي تتوزع بشكل متفاوت بين مختلف‬

‫جهات اململكة اإلثني عشر‪ ،‬حيث يتمركز حوالي ثلث‪ 9/8‬املوظفين على مستوى جتهي الرباط‬

‫سال القنيطرة و الدار البيضاء سطات ويبين الجدول أسفله هذا االختالل في توزيع أعداد‬

‫املوظفين بين مختلف الجهات على الشكل التالي ‪:‬‬

‫جدول‪: 7‬توزيع املوظفين على مستوى الجهات‬

‫النسبة املؤية‬ ‫األعداد‬ ‫الجهات‬

‫‪70.12%‬‬ ‫‪803129‬‬ ‫جهة الرباط‪-‬سال‪-‬القنيطرة‬

‫‪82.22%‬‬ ‫‪17838‬‬ ‫جهة الدار البيضاء‪-‬سطات‬

‫‪ 196‬حليمة الهادف ‪:‬التدبير العمومي المحلي و إشكالية التحديث ‪,‬أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام‪ ،‬جامعة محمد‬
‫الخامس‪ ،‬أكدال‪-‬الرباط‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ، 2011 / 2012‬الصفحة‪213‬‬

‫‪P 138‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪87.87%‬‬ ‫‪74822‬‬ ‫جهة فاس‪-‬مكناس‬

‫‪88.02%‬‬ ‫‪21470‬‬ ‫جهة مراكش‪ -‬اسفي‬

‫‪1.17%‬‬ ‫‪47292‬‬ ‫جهة طنجة‪-‬تطوان‪-‬الحسيمة‬

‫‪%1.03‬‬ ‫‪47282‬‬ ‫جهة سوس‪-‬ماسة‬

‫‪2.02%‬‬ ‫‪92997‬‬ ‫جهة بني مالل‪-‬خنيفرة‬

‫‪7.18%‬‬ ‫‪92344‬‬ ‫جهة الشرق‬

‫‪4.39%‬‬ ‫‪77094‬‬ ‫جهة درعة‪-‬تافياللت‬

‫‪7.82%‬‬ ‫‪88922‬‬ ‫جهة العيون‪-‬الساقية‬

‫الحمراء‬

‫‪8.29%‬‬ ‫‪1013‬‬ ‫جهة كلميم‪-‬وارد نون‬

‫‪0.79%‬‬ ‫‪9977‬‬ ‫جهة الداخلة‪-‬واد الذهب‬

‫املصدر ‪:‬وزارة الوظيفة العمومية و تحديث اإلدارة‪197‬‬

‫‪ 197‬تقرير حول الموارد البشرية بالوظيفة العمومية‪ ،‬وزارة الوظيفة العمومية و تحديث اإلدارة‪ ،‬دجنبر ‪، 2010‬ص ‪21‬‬
‫‪197‬‬

‫‪P 131‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫ويستنتج من هذا الجدول أن هناك ثالث مستويات متباينة لتوزيع أعداد املوظفين‬

‫الجهويين‪ ،‬مما يفسر سوء العملية التوزيعية للموارد البشرية املحلية على مختلف الجهات‬

‫اإلثني عشر‪.198‬‬

‫املستوى األول والذي يتضمن أربع جهات وهي جهات الرباط‪ -‬سال‪ -‬القنيطرة وجهة‬

‫الدارالبيضاء‪ -‬سطات وجهة فاس‪ -‬مكناس وجهة مراكش‪ -‬اسفي‪ ،‬حيث تستحوذ هذه‬

‫الجهات األربع على أكثر من ‪ 23%‬من مجموع املوظفين العاملين على مستوى الجهات االثني‬

‫عشر‪.‬في حين تأتي جهة كل من طنجة‪-‬تطوان‪-‬الحسيمة وجهة سوس‪-‬ماسة وجهة بني مالل‪-‬‬

‫خنيفرة وجهة الشرق وجهة درعة‪-‬تافياللت‪ ،‬في املستوى الثاني بنسبة ما يقارب‪.92%‬‬

‫بينما تضم املجموعة الثالثة جهات درعة‪ -‬تافياللت‪ ،‬العيون‪ -‬الساقية الحمراء‪،‬‬

‫كلميم‪ -‬واد نون‪ ،‬و الداخلة‪ -‬واد الذهب‪ ،‬التي تقل نسب املوظفين العاملين بكل منها عن ‪5 %‬‬

‫وتضم هذه الجهات أقل من ‪ 9 %‬من مجموع املوظفين‪ ،‬كنسب جد ضئيلة مقارنة مع باقي‬

‫املجموعات السابقة‪.‬‬

‫باإلضافة إلى الضعف النوعي للموظفين الجهويين‪ ،‬حيث رصدت مجموعة من‬

‫التقارير واألبحاث املتعلقة بتدبير املوارد البشرية املحلية عن مجموعة من االختالالت التي‬

‫تعرفها اإلدارة الجهوية‪ ،‬من ذلك مثال عدم إخراج القانون األساس ي ملوظفي الجماعات‬

‫‪ 198‬تقرير حول الموارد البشرية بالوظيفة العمومية ‪ .‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪22‬‬

‫‪P 141‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫الترابية الش يء الذي ساهم في تدهور الوضعية املادية واإلجتماعية لهذه الفئة من‬

‫املوظفين‪.199‬‬

‫وإذا كان املشرع من خالل املقتضيات التنظيمية للجهة قد عمل على تنظيم الوضعية‬

‫اإلدارية والوظيفية للبعض منهم‪ ،‬خاصة بالنسبة إلى املدير العام للمصالح‪ ،‬ومدير شؤون‬

‫الرئاسة واملجلس ورؤساء األقسام واملكلفون بمهام ومدير وكالة تنفيذ املشاريع‪ ،‬فإن‬

‫الوضعية اإلدارية ملا تبقى من العاملين بالجهة كاألعوان واملستخدمين‪ ،‬مازالت تفتقد إلى‬

‫نظام قانوني للوظيفة العمومية الجهوية‪ ،‬يكون بمثابة اإلطار املرجعي لتنظيم حقوق‬

‫وواجبات هذه الفئة من املوظفين التي تشكل أغلب العاملين بالجهات مقابل نقص األطر‬
‫العليا‪200.‬‬

‫املطلب الثاني ‪ :‬اعتماد حكامة تدبير املوارد البشرية‬ ‫‪‬‬

‫إن بلورة املمارسة املحلية والجهوية خصوصا ‪،‬يبقى رهينا بوضع نمط جديد لتدبير‬

‫املوارد البشرية يجعل من الحكامة أساسا لها‪ ،‬سواء عبر اعتماد مقاربة جديدة لتكوين‬

‫املنتخبين والتي تكون مبنية على تنمية قدراتهم التدبيرية ومهاراتهم الفنية‪ ،‬وذلك حتى‬

‫يتمكنوا من أداء املهام املوكولة إليهم‪ ،‬والقيام بوظائفهم كمملثين للمواطنين من جهة‬

‫وكفاعلين مسؤولين عن التنمية من جهة أخرى‪.201‬‬

‫‪199‬فدوى والحاج ‪:‬الفاعلون في تدبير مالية الجماعات الترابية بالمغرب‪ ،‬بحث لنيل دبلوم الماستر في القانون العام و العلوم‬
‫السياسية‪،‬جامعة محمد الخامس‪ ،‬كلية العلوم القانونية و االقتصادية و االجتماعية ‪ ،‬أكدال‪/‬الرباط‪ ،‬السنة الجامعية ‪2013 -‬‬
‫‪ ،2014‬ص ‪05‬‬
‫‪ 200‬فدوى والحاج ‪:‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‪90‬‬
‫‪ 201‬علي أمجد ‪:‬الموارد المالية والبشرية ‪:‬مقومات أساسية لالمركزية الجهوي ووسيلة لتطويرها‪ ،‬المجلة المغربية لإلدارة‬
‫المحلية والتنمية‪ ،‬عدد‪ ، 2007 ،74‬ص‪12،‬‬

‫‪P 141‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫أو عبر ضرورة تبني استراتيجية تهدف للتحفيز املادي واملعنوي للموظفين ‪ ،‬حيث‬

‫يعتبر الحافز املادي الذي يشمل األجور واملكافآت عامال مهما لنهوض املوظف بمهامه على‬

‫أكمل وجه‪ .‬أما الحافز املعنوي فيهدف إلى إعطاء املوظف هامش من الحرية ليثبت ذاته‬

‫ويحقق طموحاته‪.‬‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬اعتماد نظام جيد للتكوين وتنمية الكفاءات‬ ‫‪‬‬

‫يعد التكوين اإلدراي من ضمن العناصر األساسية لتدبير املوارد البشرية‪ ،‬وحلقة‬

‫رئيسية لتحقيق استراتيجية التنمية اإلدارية والنهوض بالعنصر البشري على مستوى اإلدارة‬

‫الجهوية‪ ،‬وجعله يستجيب لكل التحوالت االقتصادية واالجتماعية التي يعرفها املحيط‬

‫املحلي‪،‬ومن املؤكد أن العنصر البشري هو املحرك األساس ي لكل تغيير‪ ،‬لهذا فإن أي عملية‬

‫اإلصالح اإلداري ترتبط وترتكز على تأهيل الفرد والرفع من كفاءته املهنية وتكوينه على‬

‫التقنيات الحديثة بالشكل الذي يخوله كي يقوم بمهامه على أحسن وجه في فترة زمنية‬

‫قياسية‪.‬‬

‫إن عملية تطوير اإلدارة الجماعية وتنمية قدرات العاملين بها‪ ،‬أمر تقتضيه ظروف‬
‫التكوين‪202.‬‬ ‫التنمية الشاملة للجماعات عن طريق نهج سياسة تتسم باالستراتيجية في‬

‫وذلك بتحويل هذا األخير من تكوين من أجل االستهالك إلى تكوين من أجل االستثمار‪ ،‬أي‬

‫جعل التكوين ينسجم مع املعطيات الحالية واملستقبلية للجهات‪ .‬كما يتوجب إحداث‬

‫مركزين للتكوين أحدهما يخصص للتكوين اإلداري والثاني للتكوين التقني على صعيد كل‬

‫‪ 202‬جواد الخرازي ‪:‬الجماعات الترابية وإشكالية تأهيل الموارد البشرية‪www.alkanounia.com‬‬

‫‪P 142‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫لذلك‬ ‫الترابية‪203.‬‬ ‫جهة من الجهات اإلثني عشر باململكة وتعميمه بالنسبة لباقي الجماعات‬

‫يجب التعجيل بالعمل على وضع برامج للتكوين‪ ،‬حيث يمكن أن تستفيد الجهات من‬

‫املعاهد واملراكز املتخصصة في التكوين والتأهيل‪ ،‬املتاحة على الصعيد الوطني كاملدرسة‬

‫الوطنية لإلدارة ‪.204‬‬

‫وذلك من أجل التنويع في تطوير وتجويد عمل إدارة املجالس الجهوية من خالل‬

‫تطوير الكفاءات اإلدارية الجهوية وتحديث طرائق تدبيرها اإلداري واملالي واملحاسباتي‪.‬‬

‫باإلضافة إلى مراعاة املعطيات الجهوية بمختلف مكوناتها في جميع برامج تكوين‬

‫املوظفين الجماعيين‪ ،‬وربط التكوين العام بتكوين ميداني داخل مرافق الجماعات‬

‫املحلية‪،‬وإشراك األطر املتخصصة والكفاءات التي تتوفر عليها الجماعات في تأطير مدارس‬

‫التكوين وذلك ‪،‬من أجل ضمان تكوين عملي يستوحي مواده ومنهجيته من التجارب املعاشة‬

‫في الجماعات‪ .‬وأيضا إحداث تخصصات في ميدان تسيير وتدبير الجماعات املحلية في‬

‫الجامعات واملدرسة الوطنية لإلدارة العمومية واملعاهد العليا‪.205‬‬

‫ومن أجل زيادة الرغبة لدى املوظفين في التكوين‪ ،‬ال بد من ربطه بالتحفيز خاصة‬

‫املادي بحيث يجب أن يرتبط التكوين بالترقية‪ .‬وأن ال يقتصر التكوين فقط على الجوانب‬

‫"الجوهرية" لعمل وتخصص املوظفين بل يجب أن يشمل كذلك تقنيات التواصل مع‬

‫‪ 203‬منية بنلمليح ‪ :‬تأهيل الموارد البشرية بالجماعات الترابية خطوة نحو اإلصالح االداري الشامل‪.‬مجلة المنارة للدراسات‬
‫القانونية واإلدارية عدد‪ 2015/22‬ص ‪132‬‬
‫‪ 204‬في هذا اإلطار نجد مجلس جهة الرباط سال القنيطرة قام بالتوقيع على اتفاقيتين تتعلقان بالتكوين المستمر بين مجلس‬
‫الجهة والمدرسة الوطنية العليا لإلدارة‬
‫‪ 205‬محمد باهي ‪:‬تدبير الموارد البشرية باإلدارات العمومية‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 2002‬ص‪120-125‬‬

‫‪P 143‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫الجمهور‪ ،‬وتمكينهم من اليات صياغة االستراتيجيات التنموية ملواكبة الحاجيات املستجدة‬

‫واملستقبلية للمواطنين‪ ،‬واملساهمة الفعلية في إعداد التصورات التنموية الطموحة على‬

‫املدى البعيد‪ .‬خاصة أن التدبير الجهوي خصوصا واملحلي عموما‪ ،‬أصبح يتطلب تملك‬

‫تقنيات واليات في التدبير‪ ،‬تتجاوز ما كان معموال به في إطار التجارب السابقة وذلك من‬

‫قبيل التدبير االستراتيجي واملقاوالتي‪ ،‬وكلها أمور تحتاج إلى تكوين متجدد يستجيب لحجم‬

‫الوظائف التي أصبحت موكلة للجهة‪.‬‬

‫كما تحتاج إلى تكوينات كثيفة وعلى مدار السنة وطنيا وجهويا‪ ،‬تتناول مختلف أوجه‬

‫التدبير اإلداري واملالي سواء بالنسبة للموظفين أو املنتخبين‪ ،‬حتى يتمكنوا من مواكبة‬

‫املستجدات القانونية والتنظيمية التي أصبحت تؤطر عمل الجهة‪.‬‬

‫وفي املقابل ينبغي أن تعمل األحزاب السياسية‪ ،‬بجهد أكبر لتطوير وتأهيل املستوى‬

‫املعرفي والعملي ملنتسبيها املدبرين لشؤون الجهات‪ ،‬بالشكل الذي يجعل املنتخبين أكثر‬

‫قابلية للتعامل مع متطلبات التنمية وأساليب التدبير الحديثة وتقنيات التواصل بما يواكب‬

‫حاجيات وانتظارات املواطنين‪ .‬وتبقى مساهمة األحزاب إلى اآلن محدودة للغاية‪ ،‬في تأطير و‬

‫تأهيل املنتخبين التابعين لهم وهو دور ينبغي أن يكون أكثر بروزا لكون تكوين وتأهيل النخب‬

‫املحلية هو في الواقع شأن عام ال يهم الدولة أو الجماعات الترابية فقط‪ ،‬حيث يمكن‬
‫الشأن‪206.‬‬ ‫للمساهمة اإليجابية لألحزاب أن تشكل إضافة نوعية في هذا‬

‫‪206‬تدبير وتنمية الكفاءات البشرية رافعة أساس لنجاح الجهوية المتقدمة‪ ،‬تقرير للمجلس االقتصادي واالجتماعي والبيئي‪،‬‬
‫‪ ،2013‬ص‪23‬‬

‫‪P 144‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫في املقابل أصبح تطوير و تنمية الكفاءات يمثل أهمية كبرى الستراتيجية املوارد‬

‫البشرية نظرا ملا تقدمه الكفاءات من إمكانيات هائلة لتحسين أداء املؤسسة ‪ ،‬فتشير عملية‬

‫تطوير الكفاءات إلى مجموعة من النشاطات التعليمية تؤدي في آخر املطاف إلى زيادة‬

‫املردودية و القدرات لألفراد من أجل القيام باملهام املنوطة بهم على أحسن وجه‪،‬وذلك عبر‬

‫تحسين معارفهم و مهاراتهم و اتجاهاتهم‪.‬والذي يقوم على مجموعة من االساليب منها ‪:‬‬

‫‪-‬التكوين املرتكز على الكفاءات ‪:‬يستعمل هذا النوع من التكوين من قبل مكونين‬

‫قادرين على تحديد و مالحظة الكفاءات‪،‬عبر اعتماد تقنيات املقابلة و املرونة و اإلدارة‬

‫املرتكزة على الفرد و تحليل املشاكل بحيث يهدف الى اكساب سلوكيات خاصة لألفراد‪.‬‬

‫‪-‬التدريب باملرافقة املرتكز على الكفاءات ‪ :‬يتيح هذا النوع من التدريب مدربو‬

‫الكفاءات إلى تحديد وفهم العالقات الداخلية للكفاءات و تحفيزهم على التعلم‪،‬حيث قديما‬

‫كانوا املدربون يقدموا النصائح و االقتراحات و الدروس و التعليمات وكذا املساعدة‪،‬يشجع‬

‫و يحفز األفراد إليجاد الحلول بأنفسهم‪.‬‬

‫‪-‬أدوات تقييم الكفاءات ‪ :‬تتميز هذه املرحلة باإلجابة عن األهداف املتوخاة من‬

‫العمليات التدريبية التي تؤدي إلى تقييم الكفاءات املستخدمة و يتم ذلك بتقييم املهام‬

‫املنجزة‪ ،‬و بتحديد نقص املهارات في مناصب معينة و أشخاص معينين‪.‬‬

‫حيث توجد مجموعة من أدوات تقييم الكفاءات و ترتكز مجملها على تحضير مرجعية‬

‫معتمدة للكفاءات و سنحاول ذكر بعضها‪:‬‬

‫‪P 145‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪-8‬مقابلة سنوية ‪ :‬بحيث تتيح للمسير بوضع النقطة السنوية للفرد أو أحيانا‬

‫سداسية‪،‬لذلك فإن املؤسسات الرائدة في مجال تسيير الكفاءات قد أدخلت اإلعالم اآللي‬

‫في استعمال املقابالت السنوية للنشاط‪ ،‬مما يتيح لهم بتكوين ارتباط مهم بين املشاركة في‬

‫التكوين و تطوير الكفاءات‪.‬‬

‫‪-7‬املرافقة امليدانية ‪ :‬و تسمى أيضا ‪،coaching‬فهذه األداة تسمح للمسئولين بالتقييم‬

‫الدوري لكفاءات األفراد‪،‬وكذا تقدم لهم النصائح و تساعدتهم على التطوير‪،‬و تسمح‬

‫بفحص التطورات املحققة بفضل التكوين‪.‬‬

‫‪-9‬مرجعية الكفاءات ‪ :‬هي أداة تتيح للمسؤولين بإنجاز حركية العمل للمكلفين بإعداد‬

‫مختلف املهن‪،‬كما أنها تسمح بجرد الكفاءات الضرورية لكل نماذج العمل في فرع منهي‪ ،‬ثم‬

‫تحديد نماذج العمل األساسية بما يساهم في إبراز الكفاءات الضرورية ملزاولة هذه األعمال‬

‫بشكل جيد‪ ،‬و بالتالي فإن مرجعية الكفاءات تسمح بتموضع كل فرد بالنسبة ملستويات‬

‫الكفاءات املطلوبة لكل عمل معين‪.‬‬

‫وإذا كان التكوين التقني الصرف يشكل أهمية كبرى بالنسبة للموظف فإنه يعتبر غير‬

‫كافي بالنسبة للمنتخب وال يعطي نتائج حسنة إذا لم يرافقه تكوين موازي في الجانب‬

‫السياس ي والذي يعتبر من مسؤولية األحزاب‪.‬‬

‫فالعالقة بين الحزب ومنتخبيه تتصدر واجهة العمل الجماعي ‪ ،‬ذلك أن طبيعة العمل‬

‫الجماعي ‪ ،‬وما تقتضيه من مبادرات يومية ومعالجات لسبل مطالب السكان املتنامية‬

‫‪P 146‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫تجعل من الضروري اعتبار هامش املبادرة والتحرك بالنسبة للمنتخب دون الرجوع املستمر‬

‫لألجهزة الحزبية في كل صغيرة وكبيرة فيما يطرحه التعامل اليومي ‪ ،‬ذلك أن املنتخب‬

‫الجماعي يتحرك ضمن التزام سياس ي وأخالقي عام بحكم انتمائه لحزب معين‪ ،‬فمسؤولية‬

‫الحزب السياس ي اتجاه منتخبيه تتحدد من خالل مستوين ‪:‬‬

‫املستوى األول يتحدد من خالل مسؤولية تدخل الحزب بكل موضوعية وشفافية عند‬

‫إسناد املهام ‪ ،‬من خالل اعتماد معايير تجمع بين الوفاء لاللتزامات الحزبية من جهة ‪ ،‬ومن‬

‫جهة أخرى بين الكفاءة الوظيفية و األخالقية ملرشحيها‪.‬‬

‫فإحدى املالحظات األساسية التي يمكن تقديمها هنا ‪ ،‬وهي أن املسؤوليات غالبا ما‬

‫يتم الحسم فيها انطالقا من هاجس التراض ي ‪ ،‬أو تحت ثقل اعتبارات تنظيمية ظرفية ‪.‬‬

‫وعموما فمهام املجالس الجماعية املتنوعة والتصاقها باملحيط الجماهيري الواسع تفرض‬

‫على كافة املنتخبين االشتغال الكتساب الخبرة في مجال التسيير و التدبير وإدارة القضايا‬

‫الجماعية واإلسهام في حل القضايا املتنوعة التي يقتضيها العمل الجماعي ‪ ،‬إلى جانب‬

‫االلتزام بالوازع األخالقي كشرط أساس ي ملزاولة املهام الجماعية‪.207‬‬

‫أما فيما يتعلق باملستوى الثاني ملسؤولية الحزب ‪ ،‬فيتجلى في لعب املنتخب دورا فعاال‬

‫على مستوى اإلشعاع الحزبي السياس ي أمام املواطنين ‪ ،‬وذلك من خالل الوظيفة النضالية‬

‫التي يمكن أن يضطلع بها ‪ ،‬عبر مساهمته في تنظيم السكان وفتح حوارات معهم عبر‬

‫‪207‬سليم المنصوري ” ‪ :‬حكامة تدبير الشان العام الترابي للجماعات على ضوء القانون التتنظيمي رقم ‪ – 113.14‬جماعة‬
‫امزورن نموذجا” كلية العلوم القانونية و االقتصادية و االجتماعية ‪ ،‬جامعة عبد الملك السعدي‪ ،‬تطوان ‪ ،‬الموسم الدراسي‬
‫‪، 2010/2015‬ص ص ‪152-155‬‬

‫‪P 147‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫اللقاءات واالتصال املباشر ‪ ،‬غير أن هذه املهمة ال زالت تصطدم بصعوبات عدة ‪ ،‬ذلك أن‬

‫الضعف في تأهيل املنتخبين يظهر جليا في تعقد تدبير الشأن العام الترابي للجماعات‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬اعتماد نظام فعال للتدبير التوقعي والتقييم‬ ‫‪‬‬

‫يقصد بالتدبير التوقعي للموارد البشرية‪ ،‬ذلك املسلسل الذي يمكن أي تنظيم من‬

‫الحصول في الوقت املحدد‪ ،‬على أفراد ذوي قدرات و محفزات كافية‪.208‬فهو مقاربة لتدبير‬

‫األفراد داخل كل منظمة خاصة أو عمومية‪ ،‬تفرضها ضرورة تمكين كل موظف أو عون من‬

‫تحسين وضعيته وأدائه وتحسين بنية الوظيفة العمومية املحلية‪ ،‬حسب تخصصاتها‬

‫واألهداف اإلدارية والتنموية للجهات وباقي الجماعات الترابية‪.209‬‬

‫ويحدد التدبير التوقعي للموارد البشرية مجموعة من الوسائل واملناهج الدائمة‪ ،‬التي‬

‫تكشف التطورات أو التغيرات املتوقعة والتي يمكن أن تؤثر على جميع أو جزء من األعداد‬

‫الفعلية للعاملين‪ ،‬وبصفة عامة على حاجيات املنظمة التي تتعلق بأربعة ميادين‪ ،‬اإلدارة و‬

‫التسيير و التدبير و اإلنعاش‪.210‬‬

‫‪ 208‬السعدية حساك ‪ :‬تدبير الموارد البشرية و دوره في التنمية نموذج اإلدارة المغربية ‪ .‬بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا‬
‫المعمقة في القانون العام ‪ ،‬جامعة محمد الخامس ‪ ،‬كلية العلوم القانونية و االجتماعية ‪ ،‬أكدال ‪ /‬الرباط ‪ ،‬الموسم الجامعي‬
‫‪ ،2007 - 2008‬الصفحة‪96‬‬
‫‪ 209‬محمد لوكو ‪ :‬إشكالية التحيز باإلدارة الجماعية‪ ،‬بحث لنيل دبلوم الماستر في القانون العام ‪ ،‬جامعة عبد المالك السعدي‬
‫‪ ،‬كلية العلوم القانونية و االقتصادية و االجتماعية ‪ ،‬طنجة ‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ، 2011 - 2012‬الصفحة‪131 .‬‬
‫‪210‬‬
‫‪ : « la gestion prévisionnelle des ressources humaines‬احمد رحماني‪Ahmed RAHMANI‬‬
‫‪dans la fonction publique : démarche et mise en œuvre » , REMALD , Numéro 6 ,‬‬
‫‪janvier – mars 1994, pages 74-75.‬‬

‫‪P 148‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫باإلضافة إلى اعتماد نظام فعال للتقييم‪ ،‬والذي يعتبر مهما كونه يؤدي إلى الحكم‬

‫على دقة السياسات والبرامج املعتمدة من طرف اإلدارة‪ .‬سواء تعلق األمر بسياسات االختيار‬

‫والتعيين أو سياسات التدريب وتطوير املوارد البشرية‪.‬‬

‫كما يمكن أن تستخدم العملية إذا ما أجادت اإلدارة في انجازها‪ ،‬كوسيلة لجذب‬

‫املوظفين الجدد‪ ،‬وقد تعكس عملية التقويم الصورة القانونية واالجتماعية واألخالقية‬

‫للجهاز اإلداري ومستوى العاملين أنفسهم‪ ،‬وتعتبر عملية التقييم وسيلة يتعرف من خاللها‬

‫العامل على نقاط القوة والضعف في أدائه‪.211‬‬

‫وهناك عدد من الخصائص ينبغي توفرها لقياس أداء العاملين ومثال ذلك ‪:‬‬

‫‪-‬أن يكون التقويم دوريا ومستمرا ومتواصال‪ ،‬وتتم املقارنة بين نتائجه السابقة‬

‫والحالية وتوضع نتائجه بين يدي العاملين وتتاح لهم فرصة النقاش مع رؤسائهم‪ .‬وإذا كان‬

‫تقييم األداء الحالي باإلدارات العمومية والجماعية يقتصر فقط على تحديد املوظفين‬

‫املستحقين للمكافآت والترقيات والعالوات الدورية‪ ،‬فإن أهميته وأهدافه أكبر من ذلك‪ ،‬أي‬

‫أنه يكتس ي أهمية استراتيجية على صعيد املنظمات‪.‬‬

‫لهذا فتقييم األداء اإلداري يجب أن يتعدى مفهومه الضيق املعمول به على مستوى‬

‫اإلدارات العمومية والجماعية‪ ،‬ليمتد إلى مجاالت وظيفية أخرى والتي يمكن أن يسهم في‬

‫تطويرها وحسن أدائها‪ ،‬ومن هذه املجاالت ما يلي‪:‬‬

‫‪ 211‬منية بنلمليح ‪:‬تأهيل الموارد البشرية بالجماعات الترابية خطوة نحو اإلصالح االداري الشامل‪.‬مرجع سابق ص‪140‬‬

‫‪P 141‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪-‬اختبار مدى نجاح عملية سياسات االختيار والتعيين‪ ،‬من خالل تقييم أداء املوظفين‬

‫الجدد والوقوف على كمية ونوعية إنتاجهم وأدائهم‪ ،‬ومعرفة التقديرات التي حصلوا‬

‫عليها من خالل تقويم األداء‪.212‬‬

‫‪-‬تقوية اهتمام الرؤساء باملرؤوسين‪ ،‬فحين يطالب الرؤساء بتقويم مرؤوسيهم تقويما‬

‫شامال ودوريا فإنهم سيجدون أنفسهم بحاجة ماسة إلى زيادة معلوماتهم عنهم وتقوية‬

‫عالقاتهم بهم‪ ،‬حتى ال يخطئوا بتقويمهم ويعرضوا أنفسهم النتقادات زمالئهم‪ ،‬وبالتالي‬

‫يشعرون بالحرج وربما بتأنيب الضمير ملا أحدثه خطؤهم من أضرار‪.‬‬

‫‪-‬تحديد احتياجات املوظفين من التدريب ومن ثم قياس فاعلية البرامج التدريبية‪.‬‬

‫‪-‬تقرير نوع الحوافز التي تقدم للموظفين ومعرفة مستحقيها‪ ،‬فاملوظف الجيد يحتاج‬

‫دوما إلى اهتمام ورعاية اإلدارة لتحفزه على االستمرار واملضاعفة من جهده وعطائه ‪.‬‬

‫واملوظف الضعيف هو أيضا يحتاج إلى تشجيع اإلدارة لتجاوز ضعفه ورفع مستواه ‪.‬ولكن‬

‫األسلوب املتبع مع املوظف األول ال ينبغي استخدامه مع املوظف الثاني‪ ،‬فقد يحفز املجدون‬

‫بترقيتهم أو بمنحهم مكافأة مادية وتقديم شهادة شكر لهم ‪.‬بينما يحفز املقصرون من خالل‬

‫تدريبهم وتحسين ظروف عملهم أو إشعارهم برغبة اإلدارة في تطويرهم لذاتهم قصد اللحاق‬

‫بزمالئهم‪ ،‬وإال فإن الحوافز السلبية يمكن أن تكون هي السبيل األفضل‪.213‬‬

‫‪212‬السعدية حساك‪ :‬تدبير الموارد البشرية ودوره في التنمية‪.‬مرجع سابق‪.‬ص ‪100‬‬


‫‪ 213‬خالد عبد الرحيم مطر الهيتي‪ ،‬إدارة الموارد البشرية مدخل استراتيجي‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ، 1999 - 2000 ،‬ص‬
‫‪177‬‬

‫‪P 151‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫غير أن الواقع العملي للممارسة يبين أن عملية التقييم السابق ذكرها‪ ،‬تتعرض‬

‫للمحسوبية والزبونية ومجموعة من املظاهر السلبية‪ ،‬التي تفرغ عملية التقييم من الهدف‬

‫الرئيس ي لها‪.‬لذلك يجب على الرؤساء أن يتحملوا مسؤلياتهم ويتمسكوا باملوضوعية‪ ،‬في‬

‫التقويم وعدم االنحياز ويتجنبو األهواء والنزاعات ويتعاملوا مع املرؤوسين بكل تجرد‬

‫ومصداقية‪.‬‬

‫خالصات‬ ‫‪‬‬

‫انطالقا مما سبق يتضح جليا أن العنصر البشري يشكل أحد الرافعات األساسية‬

‫لالرتقاء بمستوى املجالس املنتخبة‪ ،‬وقد بينت املمارسة العملية من خالل األرقام‬

‫واملعطيات مدى الصعوبات التي يعاني منها تأهيل هذا العنصر‪ ،‬بالرغم من كل املجهودات‬

‫املبذولة والتي تبقى في نظرنا غير كافية وينقسها الكثير الجدية والفعالية‪.‬‬

‫فقد كان لضعف تكوين املنتخبين واملوظفين الجهويين تأثير واضح وكبير على مستوى‬

‫التدبير املالي واالداري لسنوات مضت‪ ،‬وهو األمر الذي يتطلب االنكباب على معالجته بشكل‬

‫جدي إذا أردنا أن نجعل من هذه الوحدات الالمركزية أداة فعالة لتحقيق التتنمية ‪.‬هذا‬

‫ويمكننا إجمال أهم الخالصات على الشكل التالي ‪:‬‬

‫‪-‬ضعف هيكلة وبناء إدارة الجهات ال يمكنها من القيام باألدوار املنوطة بها دون‬

‫تحفيزات‪ ،‬ودون توفرها على أطر من نوعية خاصة سيما في املدن الكبرى‪ ،‬والجهات التي‬

‫‪P 151‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫تواجه تدبير مرافق معقدة مثل مرفق النقل وانخفاض في املؤهالت الكمية والنوعية للموارد‬

‫البشرية‪ ،‬خصوصا في ظل غياب سياسة واضحة لجذب املزيد من الكفاءات‪.‬‬

‫‪-‬إن املوارد البشرية املؤهلة تعد عنصرا أساسيا لدعم استقاللية الجهة‪ ،‬سواء الشق‬

‫املتعلق باملنتخبين الذين تفترض فيهم الكفاءة والخبرة أو املوظفين الجهويين‪.‬وذلك عبر‬

‫تزويد املصالح الجبائية الجهوية باألطر الكفأة وبالتجهيزات الضرورية‪.‬‬

‫‪-‬ضرورة التركيز على الرفع من القدرات املعرفية والعلمية للمنتخبين‪ ،‬وتدعيم الجهات‬

‫بأطر وموارد بشرية ذات اختصاصات متنوعة وألجل تحقيق ذلك يجب أن يتم التنصيص‬

‫في القانون التنظيمي املتعلق بالجهات على تنمية الكفاءات البشرية بصفتها من بين‬

‫الصالحيات الخاصة بالجهات‪.‬‬

‫‪ -‬التنصيص على اشتراط مستوى تعليمي معين لدى رئيس الجهة وذلك بإضافة فقرة‬

‫للمادة ‪ 87‬من ق‪.‬ت‪.‬ج‪ ،‬في القسم املتعلق بشروط تدبير الجهة تنص على أنه "ال ينتخب‬

‫رئيسا للجهة إال من يتوفر على شهادة اإلجازة وذلك بهدف تحسين قدرات الرئيس واألعضاء‬

‫في تدبير الشأن العام"‪..‬‬

‫‪-‬تمكين الجهات من املوارد املالية الضرورية للقيام بتشخيص الكفاءات البشرية‬

‫املتوفرة لديها‪ ،‬حيث يقوم التشخيص بتحديد حاجات كل جهم من املوارد البشرية كميا‬

‫ونوعيا وأيضا تحديد مجاالت التدبير التدبير التي تتطلب تدابير للتكييف في مجال التكوين‬

‫املستمر وإعادة انتشار املستخدمين وتحديث أدوات التوقع والتخطيط‪.‬‬

‫‪P 152‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪-‬ضرورة تبني سياسة عمومية إرادية في مجال تنمية الكفاءات البشرية على املستوى‬

‫الجهوي‪ ،‬سواء املنتخبين الجهويين أو مستخدمي الجهات أو مستخدمي املصالح الالممركزة‬

‫وأن يكون هدفها الرفع من مستوى اإلدارة وجعلها أداة حقيقية لخدمة التنمية االقتصادية‬

‫واالجتماعية للجهات‪.‬‬

‫‪-‬ضرورة املالئمة بين النظام األساس ي للوظيفة العمومية وبين متطلبات الجهوية حيث‬

‫يبقى النظام األساس ي للوظيفة العمومية محكوما بمنطق تدبيري مركزي مما يجعله عائقا‬

‫في وجه تطوير الالمركزية والالتمركز في مجال تدبير املوارد البشرية لذلك البد من تكييفه‬

‫وجعله يتضمن البعد الجهوي‪.‬‬

‫‪-‬إقرار إجبارية التكوين بالنسبة للمنتخبين الذين يقومون بوظيفة اتخاد القرار أو‬

‫املساعدة على اتخاذه ومن األفضل أن يتم في بداية ممارسة الوظائف وذلك بهدف تمكينهم‬

‫من التأقلم السريع مع مسؤولياتهم الجديدة وتقدير أهميتها واملساهمة في تحسين حكامة‬

‫الجماعات الترابية‪.214‬‬

‫‪-‬ضرورة قيام األحزاب السياسية باالستثمار في تكوين منتخبيها ودعم كفاءاتها الحزبية‬

‫حتى نكون أمام منتخبين جهويين يتوفر فيهم عنصر الكفاءة‪.‬‬

‫‪-‬جعل مؤسسات التربية والتكوين شريكا رئيسيا في عملية تنمية كفاءات املوارد‬

‫البشرية العاملة على صعيد املجاالت الترابية وهو األمر الذي يتطلب من هذه املؤسسات‬

‫‪214‬تدبير وتنمية الكفاءات البشرية رافعة أساس لنجاح الجهوية المتقدمة‪ ،‬تقرير للمجلس االقتصادي واالجتماعي والبيئي‪. ،‬‬
‫‪. 2013‬ص‪00‬‬

‫‪P 153‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫أن تقبل إدخال اإلصالحات الضرورية على أنظمتها الداخلية والبرامج واملضامين واملناهج‬

‫التعليمية وذلك كي تكون قادرة على االستجابة للحاجات املعبر عنها من قبل الجهات وباقي‬

‫الجماعات الترابية في مجال تنمية كفاءات مستخدميها‪.‬‬

‫‪-‬تثمين الوظائف التي تتم ممارستها على املستوى الترابي من أجل جعلها أكثر جاذبية‬

‫وذلك عبر تدابير تحفيزية وإيجابية بحيث يجب األخد بعين االعتبار هذه التدابير في إطار‬

‫مختلف القوانين املنظمة لتلك املهن والوظائف ويجب أن تكون موضوعا للتفسير‬

‫لألشخاص املعنيين وأن تواكبها اليات تحفيز تكميلية يمكن أن تحركها املجالس املحلية‬

‫املعنية من أجل الرفع من جاذبية املناصب واملهن املذكورة‪.‬‬

‫‪-‬االستفادة من التجارب املقارنة في مجال تنمية قدرات املوارد البشرية الجهوية‬

‫وإعمال اإلسقاطات املمكنة على التجربة املغربية حيث يمكن لهذه التجارب أن تلهم‬

‫الجهات والدولة مدعوة من أجل ذلك إلى تعزيز برامج التعاون الدولي الرامية إلى دعم‬

‫الهيئات الترابية الالمركزية في مجال تقوية القدرات وتحسين مسارات تدبير وتنمية‬

‫الكفاءات البشرية على املستوى الترابي أما الجهات فبإمكانها اإلستفادة من النماذج‬

‫الناجحة في تنمية الكفاءات املعتمدة من قبل نظيراتها األجنبية على أن تأخذ بعين االعتبار‬

‫خصوصيات نمطها الخاص في الحكامة الترابية‪.215‬‬

‫‪215‬تدبير وتنمية الكفاءات البشرية رافعة أساس لنجاح الجهوية المتقدمة‪ ،‬تقرير للمجلس االقتصادي واالجتماعي والبيئي‪،‬‬
‫‪. 2013‬ص‪02‬‬

‫‪P 154‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫الئحة املراجع‬ ‫‪‬‬

‫‪ ‬الكتب‬

‫‪ -‬باهي محمد ‪:‬تدبير املوارد البشرية باإلدارة العمومية مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار‬

‫البيضاء الطبعة األولى ‪7007‬‬

‫‪ -‬مطر الهيتي خالد عبد الرحيم ‪ ،‬إدارة املوارد البشرية مدخل استراتيجي‪ ،‬الطبعة األولى‬

‫‪1999 - 2000 ،‬‬

‫‪ -‬زيتوني حجيبة ‪:‬الجهة و اإلصالح الجهوي باملغرب"‪ ،‬السلسلة املغربية لبحوث اإلدارة‬

‫و االقتصاد و املال‪ ،‬عدد ‪ ، 3‬طوب بريس‪ ،‬الرباط‪ ،‬الطبعة األولى ‪2011‬‬

‫‪ ‬األطروحات والرسائل‬

‫‪ -‬او ميمون زكرياء‪ ”:‬األداء السياس ي و اإلداري للمنتخب الجماعي باملغرب ” ‪ ،‬بحث‬

‫لنيل دبلوم الدراسات العليا املعمقة في القانون العام ‪ ،‬وحدة البحث ‪ ،‬تدبير الشأن العام‬

‫‪ ،‬كلية العلوم القانونية و االقتصادية واالجتماعية – اكدال ‪ ،‬الرباط ‪ ،‬السنة الجامعية‬

‫‪7001- 7002.‬‬

‫‪ -‬السكاكي عائشة ‪:‬املنتخب الجماعي و التنمية املحلية – جماعة فاس نموذجا‪،-‬‬

‫رسالة لنيل شهادة املاستر في القانون العام ‪ ،‬كلية العلوم القانونية و االقتصادية‬

‫واالجتماعية ‪ ،‬جامعة سيدي محمد بن عبد هللا – فاس – السنة الجامعية ‪7083-7081‬‬

‫‪P 155‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪ -‬املنصوري سليم ” ‪:‬حكامة تدبير الشان العام الترابي للجماعات على ضوء القانون‬

‫التتنظيمي رقم ‪ – 889.84‬جماعة امزورن نموذجا” كلية العلوم القانونية و االقتصادية و‬

‫االجتماعية ‪ ،‬جامعة عبد امللك السعدي‪ ،‬تطوان ‪ ،‬املوسم الدراس ي ‪7087/7082‬‬

‫‪ -‬الهادف حليمة ‪:‬التدبير العمومي املحلي و إشكالية التحديث ‪,‬أطروحة لنيل الدكتوراه‬

‫في القانون العام‪ ،‬جامعة محمد الخامس‪ ،‬أكدال‪-‬الرباط‪ ،‬السنة الجامعية‪2011 / 2012‬‬

‫‪ -‬البريه يوسف ‪:‬استقاللية القرار املالي للجماعات الترابية دراسة تحليلية ‪.‬بحث لنيل‬

‫دبلوم املاستر في القانون العام‪ ،‬جامعة محمد الخامس‪ ،‬كلية العلوم القانونية و االقتصادية‬

‫و االجتماعية‪ ،‬أكدال‪ ،‬السنة الجامعية‪2013 - 2014 47‬‬

‫‪ -‬بلفقيه عليه‪:‬مبدأ املوازنة في املغرب دراسة تحليلية آلليات توزيع املوارد مابين‬

‫الجهات ما بعد سنة‪ 7088‬بحث لنيل شهادة املاستر جامعة محمد الخامس الرباط ‪-7082‬‬

‫‪7081‬‬

‫‪ -‬جيادي سميرة ‪:‬الحكامة الجيدة وتدبير الشأن العام املحلي ” أطروحة لنيل الدكتوراه‬

‫في القانون العام ‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية و االجتماعية ‪ ،‬جامعة موالي‬

‫إسماعيل بمكناس ‪ ،‬السنة الجامعية ‪7084-7089 ،‬‬

‫‪ -‬والحاج فدوى ‪:‬الفاعلون في تدبير مالية الجماعات الترابية باملغرب‪ ،‬بحث لنيل دبلوم‬

‫املاستر في القانون العام و العلوم السياسية‪،‬جامعة محمد الخامس‪ ،‬كلية العلوم القانونية‬

‫و االقتصادية و االجتماعية ‪ ،‬أكدال‪/‬الرباط‪ ،‬السنة الجامعية ‪2013 - 2014‬‬

‫‪P 156‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪ -‬حساك السعدية ‪:‬تدبير املوارد البشرية و دوره في التنمية نموذج اإلدارة املغربية ‪.‬‬

‫بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا املعمقة في القانون العام ‪ ،‬جامعة محمد الخامس ‪ ،‬كلية‬

‫العلوم القانونية و االجتماعية ‪ ،‬أكدال ‪ /‬الرباط ‪ ،‬املوسم الجامعي ‪2007 - 2008‬‬

‫‪ -‬لوكو محمد ‪:‬إشكالية التحيز باإلدارة الجماعية‪ ،‬بحث لنيل دبلوم املاستر في القانون‬

‫العام ‪ ،‬جامعة عبد املالك السعدي ‪ ،‬كلية العلوم القانونية و االقتصادية و االجتماعية ‪،‬‬

‫طنجة ‪ ،‬السنة الجامعية‪2011 – 2012‬‬

‫‪ ‬املقاالت العلمية‬

‫‪ -‬أمجد علي ‪:‬املوارد املالية والبشرية‪ ،‬مقومات أساسية الالمركزية الجهوية ووسيلة‬

‫لتطويرها ‪.‬املجلة املغربية لإلدارة املحلية والتنمية‪ ،‬عدد ‪2007،74‬‬

‫‪ -‬بنلمليح منية‪:‬تأهيل املوارد البشرية بالجماعات الترابية خطوة نحو اإلصالح االداري‬

‫الشامل‪ .‬مجلة املنارة للدراسات القانونية واإلدارية عدد‪7081/77‬‬

‫‪ ‬التقارير والنصوص القانونية‬

‫‪-‬تدبير وتنمية الكفاءات البشرية رافعة أساس لنجاح الجهوية املتقدمة‪ ،‬تقرير‬

‫للمجلس االقتصادي واالجتماعي والبيئي‪7089 ،‬‬

‫‪-‬املرسوم رقم ‪ 7.87.732‬املتعلق بتحديد كيفيات تنظيم دورات التكوين املستمر‬

‫لفائدة اعضاء مجالس الجماعات الترابية ومدتها وشروط االستفادة منها ومساهمة‬

‫‪P 157‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫الجماعات الترابية في تغطية مصاريفها ‪ ،‬الصادر في ‪ 79‬رمضان ‪ 83 / 8492‬يونيو ‪، 7087‬‬

‫الصادر بالجريدة الرسمية عدد ‪ 7417‬بتاريخ ‪ 84‬يوليوز ‪7087‬‬

‫‪-‬تقرير حول املوارد البشرية بالوظيفة العمومية‪ ،‬وزارة الوظيفة العمومية و تحديث‬

‫اإلدارة‪ ،‬دجنبر ‪7087‬‬

‫‪-‬تقرير صادر عن املديرية العامة للجماعات املحلية "الالمركزية في ارقام‪7082-7084‬‬

‫‪ ‬املواقع االلكترونية‬

‫املوارد‬ ‫تأهيل‬ ‫وإشكالية‬ ‫الترابية‬ ‫الجماعات‬ ‫جواد‪:‬‬ ‫الخرازي‬ ‫‪-‬‬

‫البشرية‪www.alkanounia.com‬‬

‫‪ ‬املراجع االجنبية‬

‫‪- Rahmani Ahmed : « la gestion prévisionnelle des ressources humaines‬‬

‫‪dans la fonction publique : démarche et mise en œuvre » , REMALD , Numéro 6‬‬

‫‪, janvier – mars 1994‬‬

‫‪P 158‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪Crisis management in international conventions: political mechanisms and‬‬


‫‪strategies‬‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫وتداخال كبيرين‪ ،‬بين مختلف الوحدات السياسية‬
‫ﹰ‬ ‫يعرف املجتمع الدولي تفاعال‬
‫ﹰ‬

‫املشكلة له‪ ،‬خاصة في ظل سياق دولي يتسم بالعوملة‪ ،‬والتأثيرات املتبادلة‪ ،‬مما يؤدي إلى‬

‫تهديدا للسلم واألمن اإلقليمي والدولي‪ ،‬الش يء‬


‫ﹰ‬ ‫سهولة انتشار األزمات‪ ،‬وتوسعها لتشكل‬

‫الذي يوجه صانع القرار إلى اتخاذ إجراءات‪ ،‬تحول دون حدوث االنفجار‪ ،‬كمرحلة ما بعد‬

‫األزمة‪ ،‬إن لم يتم تدبيرها بشكل سليم وعقالني‪ ،‬ينظم مختلف مراحل األزمة وأبعادها‪.‬‬

‫يشير مجموعة من الباحثين‪ ،‬إلى أن ما يسم الحياة الدولية املعاصرة‪ ،‬هو كونها عصرا‬
‫ﹰ‬

‫لألزمات‪ ،‬وتفترض من صناع القرارات الخارجية‪ ،‬اتخاذ إجراءات تعكس قدراتهم على‬

‫املواجهة‪ ،‬والحيلولة دون وصول الشرارة إلى مداها األقص ى‪ ،‬من خالل توظيف مجموعة‬

‫من اآلليات السياسية واالستراتيجيات ملواجهة األزمات من منطلق الوعي أن كل خلل أو‬

‫أزمة تشكل تهديدا لألمن والسلم الدوليين‪ ،‬خصوصا في ظل تنامي مجموعة من التحديات‬

‫الجديدة التي تستدعي تعبئة وجهدا كبيرين ملواجهتها كاإلرهاب والهجرة السرية وتمدد‬

‫‪P 151‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫الجماعات املتطرفة واإلجرامية‪ ،...‬فما هي األزمة؟ وما خصائص األزمة الدولية؟ ثم ما هي‬

‫اآلليات السياسية لتدبير األزمات في السياق وامليثاق الدولي؟ وما هي مختلف االستراتيجيات‬

‫املمكن توظيفها لحل األزمات؟‪.‬‬

‫الكلمات املفتاحية‪ :‬األزمة‪ -‬تدبير األزمة‪ -‬اآلليات السياسية‪-‬االستراتيجيات‪-‬املواثيق‬

‫الدولية‪.‬‬

‫مقدمة‪:‬‬

‫َّ‬
‫إن تدبير األزمة ليس باألمر الجديد في العالقات الدولية‪ ،‬بحكم أن طبيعة الحياة‬

‫الدولية مرتبطة بالتفاعل والتنافس والصراع والفوض ى حسب رواد املدرسة الواقعية‪،‬‬

‫الذين يؤكدون على أن السمة الغالبة على املجتمع الدولي‪ ،‬هي الفوض ى وسيادة استعمال‬

‫القوة في حسم العديد من الخالفات واألزمات الدولية‪ ،‬رغم وجود العديد من املؤسسات‬

‫واملنظمات التي تسعى إلى تدبير االختالف والصراع‪ ،‬في إطار قواعد القانون الدولي‪ ،‬إذ توجد‬

‫بعض القوى الدولية التي ال تلتزم بها‪ ،‬وتعتبر سيادتها تعلو على كل نظام كوني‪ ،‬وهذا ما‬

‫يخلق مجموعة من األزمات الدولية أو اإلقليمية‪.‬‬

‫من منطلق أن البحث في األزمات الدولية‪ ،‬وآليات تدبيرها يندرج ضمن أدوار‬

‫السياسة الخارجية‪ ،‬التي أضحت من املواضيع التي تثير اهتمام الباحثين في املغرب على‬

‫وجه الخصوص‪ ،‬سواء من خالل التركيز على مخرجات هذه السياسة على التنمية واألمن‬

‫الداخلي واإلقليمي‪ ،‬أو من خالل البحث في املدخالت التي توجه السياسة الخارجية ألية‬

‫‪P 161‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫دولة‪ ،‬من خالل القرارات التي تصنعها مؤسسات صنع القرار الخارجي الدولي واإلقليمي‪،‬‬

‫ﹰ لفهم الخلفية املعلوماتية‪ ،‬وتحديد أسس املوضوع‬ ‫فإن اإلطار النظري يعتبر مدخال‬
‫ﹰ أساسيا‬

‫ومتغيراته باعتباره املوجه لتقييم األدوار الخارجية وللعملية البحثية‪.‬‬

‫وللوقوف على اآلليات املؤسسية لصنع القرار الخارجي الدولي‪ ،‬وكيفية اتخاذ قرار‬

‫ﹰ لألمن‬
‫االنخراط في تدبير األزمات التي يرتبط بها املجال الجغرافي‪ ،‬والتي يشكل حدوثها تهديدا‬

‫واالستقرار والسلم الدولي‪ ،‬نخصص الفرع األول للحديث عن األسس املفهومية لتدبير‬

‫األزمات‪ ،‬على أن نتحدث في الفرع الثاني على اآلليات السياسية واالستراتيجيات املنصوص‬

‫عليها في املواثيق الدولية واملوجهة لعمل الهيئات واملؤسسات التي تعنى بحفظ األمن‬

‫واالستقرار‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬مفهوم األزمة الدولية وخصائصها‬

‫َّ‬
‫إن غياب اتفاق بين الباحثين والدارسين‪ ،‬حول مفهوم جامع ومانع ملفهوم األزمة‬

‫وآليات تدبيرها يرجع في جانب منه‪ ،‬إلى افتقاد العلوم االجتماعية لنظرية تفسيرية عامة‬

‫لظاهرة األزمة الدولية‪ ،‬وغياب بناء فكري تنظيري شامل يمكن تعميمه على كل الحاالت‬

‫الواقعية‪ ،‬لذلك يلجأ كل باحث إلى تبني تعريف إجرائي يناسب موضوع البحث‪ ،‬ويتفق مع‬

‫أهداف دراسته‪ ،‬لكن هذا ال يمنع من البحث في مفهوم األزمة ومميزات األزمة الدولية‬

‫وخصائصها‪.‬‬

‫‪P 161‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫أوال‪ :‬مفهوم األزمة‪:‬‬

‫تعرف الداللة املفهومية لألزمة بعض الصعوبة في تحديدها‪ ،‬بحكم اتساع نطاقها‬

‫وتداخلها مع مجموعة من املفاهيم التي تتقاطع معها‪ ،‬مثل النزاع واملشكل والكارثة‪ ،‬لكن‬

‫ما يمكن قوله إن مفهوم األزمة‪ ،‬مفهوم ضارب بجذوره في عمق تاريخ اإلنسانية‪ ،‬بدءا من‬

‫الحديث عن أزمة الثقة بين األفراد‪ ،‬وانتهاء بأزمة العالقة بين الدول وما ينتج عنها من‬

‫مخاطر كبرى‪ .216‬وقد نشأ مصطلح األزمة في العصر اإلغريقي‪ ،‬للداللة على تلك اللحظة‬

‫قاطعا من‬
‫ﹰو ﹰ‬ ‫ﹰ مفاجئا‬
‫العرضية الحرجة التي ترتبط بها حياة اإلنسان‪ ،‬حيث كان يصف تغيرا‬

‫املمكن أن يقود إلى الشفاء أو املوت‪ ،217‬ليتطور املفهوم في القرن السابع عشر ليدل على‬

‫ارتفاع درجة التوتر بين السلطة السياسية والكنسية‪ ،‬ومع ظهور الديمقراطية والليبرالية‬

‫في أوروبا‪ ،‬استخدم املفهوم لإلشارة إلى لحظات التحول أو املشكالت الخطيرة في العالقات‬

‫السياسية أو االجتماعية أو االقتصادية ‪.218‬‬

‫َّ‬
‫إن األزمة هي فعل أو نشاط من صنع اإلنسان بإرادته املباشرة أو بدون قصدية‪،‬‬

‫كتمييز لها عن الكارثة الطبيعية‪ ،‬ومرحلة من مراحل الصراع‪ ،‬تعبر عن اللحظة الحرجة أو‬

‫نقطة التحول الخطرة التي تهدد العالقات بين الفاعلين أو بينهم والبيئة املحيطة بهم‪ ،‬وقد‬

‫ﹰ أو على مستوى جماعات أو مؤسسات أو أفرادا‬


‫ﹰ‪ ،‬واللحظة الحرجة‬ ‫يكون الفاعلون دوال‬

‫‪216‬ـ سامي ابراهيم الخزندار‪ :‬إدارة الصراع وفض المنازعات –إطار نظري – الدار العربية للعلو م ناشرون‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،0314 ،‬ص ‪.130‬‬
‫‪0‬ـ عبادة محمد التامر‪ ،‬سياسة الواليات المتحدة األمريكية وإدارة األزمات الدولية‪ ،‬المركز العربي لألبحاث ودراسات‬
‫السياسات‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬بيروت‪ ،‬أبريل ‪ 0312‬ص ‪.06‬‬
‫‪ -218‬سامي إبراهيم الخزندار‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.132‬‬

‫‪P 162‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫قد تتحدد فيها مسارات تطور العالقة إما إلى الحرب أو إلى السلم‪ .219‬وتتعدد املفاهيم‬

‫املرتبطة بتحديد مفهوم األزمة‪ ،‬بين من اعتبرها الوضع الذي يتم فيه تحديد األهداف ذات‬

‫األولوية لصناع القرار‪ ،220‬وبين من يرى أن األزمة هي مرحلة من مراحل الصراع‪ ،‬تشمل‬

‫على تصعيد مفاجئ‪ ،‬شامل ألحداث غير متوقعة‪.221‬‬

‫عموما تشير معظم مفاهيم األزمة إلى وجود أمرين أساسيين‪:‬‬

‫‪-8‬خلل في توازن العالقات بين األطراف‪.‬‬

‫‪-7‬وضع فيه تهديد جزئي ملنظومة القيم أو املؤسسات السياسية أو االجتماعية أو‬

‫األمنية‪.222‬‬

‫إليضاح أكبر ملفهوم األزمة‪ ،‬البد من تحديد بعض املفاهيم ذات الصلة بمفهوم‬

‫األزمة‪ ،‬حتى تكون النتائج والخالصات املرتبطة به‪ ،‬تسير في االتجاه الصحيح‪ ،‬فهناك‬

‫اختالف بين األزمة والكارثة‪ ،‬وبينها وبين كل من الصراع واملشكلة‪.‬‬

‫الكارثة هي ذلك الحدث الذي يسبب دمارا شامال وأضرارا كثيرة مما يجعلها حادثا‬

‫ﹰ‪ ،‬يربك الحياة بشكل بالغ‪ ،‬ويوقع العديد من الخسائر املادية والبشرية‪.‬‬
‫مفجعا ومأساويا‬

‫تتميز الكارثة بثالث صفات أساسية‪ :‬أولها الشدة والقساوة‪ ،‬بحيث يمكن قياس تلك الشدة‬

‫‪-219‬جمال أحمد المختار‪ ،‬المفاوضات وإدارة األزمات‪ ،‬مجلة السياسة الدولية‪ ،‬مركز األهرام‪ ،‬مصر‪ ،‬العدد‪،137‬‬
‫‪1000‬ص ‪.001‬‬
‫‪220‬‬
‫‪-Hermann, Charles، "International Crisis as a Situational Variable." In International‬‬
‫‪Politics and Foreign Policy. A Reader in Research and Theory, new york : the free press‬‬
‫‪1969 p 409.‬‬
‫‪221‬‬
‫‪- Holsti, OR. "Historians, Social Scientists, and Crisis Management: An Alternative‬‬
‫‪View." Journal of Conflict Resolution ,December 1980, p 655.‬‬
‫‪-7‬سامي ابراهيم الخزندار ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.132‬‬

‫‪P 163‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫انطالقا من رصد حجم الدمار والخسائر التي ال يشترط وجودها في األزمة‪ ،‬وثانيها اتساع‬

‫النطاق‪ ،‬بحيث تشمل مخلفاتها مناطق جغرافية واسعة‪ ،‬أو مؤسسات ومنظمات‪ ،‬وثالثها‬

‫الشيوع والعلنية‪ ،‬بحيث تكون الكارثة بارزة وواضحة ال يمكن تجاهلها أو حجبها‪ ،‬كما يمكن‬

‫القول إن الفرق بين الكارثة واألزمة‪ ،‬يكمن في كون األولى يمكن أن تحدث فجأة‪ ،‬ويستحيل‬

‫التنبؤ بها التخاذ اإلجراءات الكفيلة بالحد منها‪ ،‬في حين تشكل األزمة حصيلة مجموعة من‬

‫األخطاء والتراكمات التي تتفاعل لتؤدي إلى حالة من الغليان‪.223‬‬

‫أما الصراع‪ ،‬فهو ظاهرة اجتماعية تعبر عن حالة من عدم االرتياح أو الوقوع تحت‬

‫الضغط النفس ي‪ ،‬الذي يحدث بسبب غياب التوافق بين رغبتين أو أكثر‪ ،‬أو وجود تعارض‬

‫بين إرادتين أو أكثر‪ .‬وفي املستوى الدولي يعبر الصراع عن حالة من تعارض املصالح‪ ،‬أو‬

‫اختالف القيم‪ ،‬بين مجموعة من التنظيمات أو املؤسسات‪ ،‬التي لها تمايزها أو مصالحها‬

‫املتعارضة مع بنيات أخرى‪ ،‬داخليا أو خارجيا‪ .‬ويشير سياسيا إلى الحروب أو الثورات التي‬

‫تستخدم فيها القوة‪ ،‬كما هو في الصراعات املسلحة‪ ،224‬وقد يقترب مفهوم األزمة من مفهوم‬

‫الصراع‪ ،‬إال أن هذا األخير أعم وأشمل ومنتهى األزمة‪.‬‬

‫تختلف األزمة كذلك عن مفهوم املشكلة‪ ،‬بكون األخيرة تعني تلك الحالة الصعبة‬

‫التي تتطلب حال‪ ،‬وهي كذلك حاالت تتعقد فيها عوامل متشابكة تتصف بالغموض‪ ،‬ويحتاج‬

‫‪-8‬ادريس زروقي‪ ،‬إدارة األزمات ونزاع الصحراء المغربية‪-‬دراسة تحليلية‪-‬الطبعة األولى ‪ ،0317‬مطبعة الكتاب‪،‬‬
‫الدار البيضاء‪ ،‬ص ‪.00‬‬
‫‪-9‬ادريس زروقي‪ ،‬المرجع السابق ص ‪.03‬‬

‫‪P 164‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫حلها إلى معرفة أسبابها وتحليل عناصرها وظروفها‪ ،‬ويؤدي تراكم املشكالت إلى ظهور‬

‫األزمات إذا تكرر حدوثها أو استمرت لفترة طويلة دون حل‪.225‬‬

‫ثانيا‪ :‬مفهوم األزمة الدولية‬

‫إذا كان التحديد السابق قد ساهم في الوقوف عند االختالفات وتحديد التمايزات‬

‫القائمة بين األزمة واملفاهيم األخرى املرتبطة بها‪ ،‬فإن ذلك التوصيف في البعد السياس ي‬

‫ال يرتبط أكثر إال بمفهوم األزمة‪ ،‬على اعتبار أن املجال السياس ي‪ ،‬خاصة في شقه الدولي‪،‬‬

‫ﹰ حينما‬
‫غني بالخصائص والصفات التي تؤثر على تمظهرات األزمات السياسية وتحديدا‬

‫تكون تلك التمظهرات ذات صلة وثيقة باملحيط الخارجي‪ ،‬ومتغيراته في مسمى األزمة‬

‫الدولية‪ ،‬التي تعني حسب أمين هويدي" سلسلة من التفاعالت بين دولتين أو أكثر‪ ،‬يدور‬

‫بينهما صراع شديد يمكن أن يؤدي إلى نشوب حرب بينهما‪ ،‬وفيها يكون صاحب القرار في‬

‫مواجهة ذلك املوقف املهدد للمصالح العليا للوطن‪ ،‬فيتطلب األمر وقتا وجيزا للتعامل مع‬

‫ذلك املوقف واتخاذ قرارات نوعية وحاسمة"‪ .226‬وتتسم بخصائص رئيسية‪ ،‬تحدد رؤية‬

‫السلطة العليا وتصورها لصنع القرار السياس ي وهي‪:‬‬

‫‪ -‬قيام تهديد للمصالح والقيم األساسية للمجتمع أو الدولة‪.‬‬

‫– إدراك أن هناك وقتا محددا للرد على هذا التهديد‪.‬‬

‫‪-10‬حسن عماد مكاوي‪ ،‬اإلعالم ومعالجة األزمات‪ ،‬ط‪ ،0332 ،1‬الدار المصرية اللبنانية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ص ‪.20‬‬
‫‪-11‬أمين هويدي‪ ،‬التحوالت االستراتيجية‪ ،‬البيروسترويكا وحرب الخليج األولى‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،1007 ،‬دار‬
‫الشروق مصر‪ ،‬ص ‪.101‬‬

‫‪P 165‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫– ترجيح الدخول في مواجهة عسكرية‪.227‬‬

‫لذا يمكن القول إن األزمة الدولية هي ذلك الجزء الحاسم من الصراع الدولي الذي‬

‫يتسم بتصاعد وتيرته‪ ،‬نتيجة مساسها باملصالح القومية والقيم العليا‪ ،‬بحيث يشعر صناع‬

‫القرار بتهديدها مما يتطلب سرعة الرد‪.228‬‬

‫ينطوي تعريف "األزمة الدولية" على أهمية علمية وعملية في آن واحد‪ ،‬لذلك‬

‫حظيت باهتمام الفكر السياس ي األمريكي على الخصوص‪ ،‬فإدوارد موس يعرف األزمة‬

‫الدولية‪ ،‬بأنها "حالة طارئة ومفاجئة يمكن أن تكون غير متوقعة‪ ،‬تتطلب خيارا سياسيا‬

‫ﹰ"‪ ،229‬ويقول تشارلز ماكليالند‪ " 230‬األزمة‬


‫من دولة أو أكثر خالل فترة زمنية قصيرة نسبيا‬

‫الدولية هي فترة انتقالية بين الحرب والسلم‪ ،‬لكن احتمال اللجوء إلى الحرب يتضاءل من‬

‫قبل الدول املتورطة فيها عندما يقل اللجوء إلى استخدام القوة"‪ .231‬أما تشارلز هيرمان‬

‫الذي يعد من أهم رواد مدرسة صنع القرار‪ ،‬فيعرف األزمة الدولية انطالقا من ثالث‬

‫خصائص‪:‬‬

‫‪ -10‬عبادة محمد التامر‪ ،‬سياسة الواليات المتحدة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.43‬‬
‫‪ -10‬هيا عدنان عاشور‪ ،‬الديناميكا السياسية وإدارة األزمات الدولية‪ :‬اإلدارة األمريكية ألزمة الملف النووي‬
‫اإليراني أنموذجا‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،0316 ،‬دار الجندي للنشر والتوزيع‪ ،‬القدس‪ ،‬ص ‪.20‬‬
‫‪229‬‬
‫‪-raymond tanter and richard ulman, «theory and policy international relations-‬‬
‫‪washington,center of international studies, 1972 p 126.‬‬
‫‪ -230‬أستاذ العالقات الدولية وأول صاحب بنك للمعلومات حول وقائع التفاعل‪ /‬األحداث ‪ ،WEIS‬الذي يحلل به‬
‫وقائع التعاون و الصراع في العالم منذ األربعينات ‪ .‬من أبرز منظري المدرسة النظمية في دراسة علم السياسة‪.‬‬
‫‪ -231‬حسن بكر أحمد‪ ،‬إدارة األزمة الدولية‪ :‬نحو بناء نموذج عربي في القرن الواحد والعشرين‪ ،‬مركز الدراسات‬
‫السياسية واالستراتيجية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،0332 ،‬ص ‪.73‬‬

‫‪P 166‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫أ‪-‬تهدد واحدا أو أكثر من أهداف الدولة‪ ،‬التي تحددها مجموعة من صناع القرار‬

‫املسيطرين‪.‬‬

‫ب‪-‬تسمح بفترة قليلة من الوقت التخاذ القرار‪ ،‬قبل أن يتغير املوقف جوهريا‪.‬‬

‫ج‪-‬تظهر بشكل مفاجئ لصناع القرار في وقت عصيب‪.232‬‬

‫يعكس مفهوم" األزمة الدولية" تفاعل مضمون األزمة مع البيئة املحيطة به في‬

‫النظام الدولي‪ ،‬وباعتباره مرحلة من مراحل الصراع‪ ،‬فإن مفهوم األزمة الدولية‪ ،‬يمكن‬

‫ﹰ من مفهوم الصراع الدولي‪ ،‬الذي يؤثر على العالقات الدبلوماسية‬


‫ﹰ أو جزءا‬
‫اعتباره مرادفا‬

‫بين دولتين أو أكثر‪ ،‬وقد تتطور إلى مواجهة عسكرية‪ .233‬ويمكن اعتبار األزمة الدولية‬

‫الصورة األشد كثافة للصراعات‪ ،‬والتي تجري داخل النظام الدولي‪ ،‬مما يحيل إلى تنشيط‬

‫محتمل للحرب ويعرف بأنها تدهور خطير في العالقات الدولية‪ ،‬نتيجة تغير في البيئة‬

‫الخارجية أو الداخلية لألطراف املشاركين في األزمة‪ ،‬هذا التدهور يولد لدى صناع القرار‬

‫ﹰ بوجود تهديد خارجي للقيم واألهداف الرئيسية للسياسة الخارجية‪ ،‬مما يرجح‬
‫إدراكا‬

‫احتمال املواجهة العسكرية‪.234‬‬

‫عند التمعن في مصطلح األزمة الدولية نالحظ بأن لها وجهين‪:‬‬

‫‪-17‬حسن بكر أحمد ‪ ،‬المرجع السابق ص ‪.71‬‬


‫‪-233‬ادريس لكريني‪ ،‬إدارة مجلس األمن لألزمات العربية في التسعينيات‪ -‬أزمة لوكيربي نموذجا‪ -‬أطروحة لنيل‬
‫الدكتوراه في القانون العام‪ ،‬سنة ‪ ،0331‬جامعة محمد الخامس‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية أكدال‪،‬‬
‫ص ‪.12‬‬
‫‪ -234‬شدود ماجد محمد‪ ،‬إدارة األزمات واإلدارة باألزمة‪ ،‬األوائل للنشر والتوزيع دمشق‪ ،‬سوريا‪ ،0330 ،‬ص‬
‫‪.01‬‬

‫‪P 167‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪ -‬الوجه الداخلي املتمثل في األزمات الداخلية املتعلقة بتفاعالت القوى السياسية‬

‫واالجتماعية داخل الدول‪ ،‬كاألزمات االقتصادية والثقافية واالجتماعية التي تواجه‬

‫املؤسسات الحكومية وغير الحكومية‪.‬‬

‫– الوجه الخارجي املتمثل في البعد الدولي الذي يؤثر في العالقات الدولية‪ ،‬وهي من‬

‫األمور الطبيعية املسلم بها‪ ،‬فال يمكن تصور العالقات الدولية دون أزمات ناتجة عن‬

‫التحديات الخارجية‪.‬‬

‫نتيجة للتفاعالت وتعارض املصالح بين الوحدات السياسية الدولية‪ ،‬وجب على‬

‫صناع السياسات الخارجية االستعداد ملجابهة األزمات املحتملة حال حدوثها‪ ،‬وقراءتها‬

‫بشكل يمكن من تدبيرها بالشكل األمثل‪ ،‬والقيام بشكل مستمر بإعداد السيناريوهات‬

‫املستقبلية ملواجهة التحديات والتهديدات الخارجية املحتملة‪ ،‬التي يمكن أن تواجهها في‬

‫املستقبل القريب‪.235‬‬

‫يرتبط تحليل دور آليات تدبير األزمات ودراسته باستحضار كل أبعاد األزمات‬

‫الداخلية منها والخارجية‪ ،‬باعتبار أن العالم واملنطقة العربية على وجه التحديد تعاني من‬

‫طبيعة بنيتها الداخلية التي تعيق مسارات التنمية والتطور بها‪ ،‬وكذلك تأثيراتها التي تتعدى‬

‫حدودها الضيقة لتهدد كل دول الجوار‪ ،‬خصوصا في ظل الهشاشة األمنية والسياسية التي‬

‫تسم طبيعة الدولة في مجموعة من الوحدات السياسية‪ ،‬ورغم أن هذه األزمات في عالقتها‬

‫‪-235‬سوران اسماعيل عبد هللا‪ ،‬دور العقوبات الذكية في إدارة األزمات الدولية‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،0310 ،‬منشورات‬
‫الحلبي الحقوقية‪ ،‬لبنان‪ ،‬ص ‪20-21‬‬

‫‪P 168‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫باملجال املغربي مثال‪ ،‬تتحدد كأزمات إقليمية‪ ،‬إال أنها كذلك بنفس دولي‪ ،‬بحكم التدخالت‬

‫الدولية املوازية للتدخالت اإلقليمية من جهة‪ ،‬وباعتبار التأثيرات املحتملة لتلك األزمات‬

‫على السياقات الدولية‪ ،‬كظاهرة اإلرهاب والهجرة غير الشرعية‪ ،‬التي تتجاوز نطاقات تأثيرها‬

‫مستوى القارة أو املجال اإلقليمي لتصير ظواهر مهددة للسلم واألمن الدوليين‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬خصائص األزمة الدولية ومراحلها‬

‫إذا كان من الصعب إيجاد تعريف جامع مانع ملفهوم األزمة الدولية‪ ،‬فإنه من‬

‫البساطة القول بأن األزمة السياسية موقف من مواقف الصراع‪ ،‬تتسم باملفاجآت وضيق‬

‫مجال التحرك‪ ،‬وكثافة األحداث وحدة املخاطر املهددة للنظام املحلي أو اإلقليمي أو الدولي‪.‬‬

‫َّ‬
‫إن األزمة الدولية تتحدد من خالل عناصر عدة‪ ،‬تعد الخصائص والسمات‬

‫الجوهرية لها‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫‪ ‬املفاجأة‪ :‬بمعنى مباغثة أطراف النزاع في الزمان واملكان اللذين ال يتوقعهما‪ ،‬مما‬

‫يجعله في وضعية ارتباك تشل تفكيره وقدرته على التخطيط واملواجهة‪.‬‬

‫‪ ‬التهديد‪ :‬أي وجود تهديد للمصالح االستراتيجية وللقيم واألهداف الحيوية‬

‫ﹰ‪ ،‬مما يترتب عنه نتائج وتبعات سلبية على‬


‫ﹰ أم خارجيا‬
‫للدولة‪ ،‬سواء أكان داخليا‬

‫االستقرار العام‪.‬‬

‫‪P 161‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪ ‬ضيق الوقت‪ :‬حيث يكون لعامل الوقت أهمية بالغة قبل استفحال األزمة‬

‫وتعقدها‪ ،‬مما يجعل إمكانيات الحل أمام متخذ القرار محدودة جدا‪ ،‬وتزداد‬

‫محدودية في تناسب مع عامل الوقت‪.‬‬

‫كما يعد عنصر نقص املعلومات من العناصر األساسية في األزمات‪ ،‬حيث إن‬

‫توافرها ينفي صفة املفاجأة بالتنبؤ‪ ،‬ووضع تخطيط مسبق‪ ،‬ويمكن من تدبير عامل الوقت‬

‫باستراتيجيات وسيناريوهات بديلة ومتناسبة مع مرحلة تطور األزمة‪ ،‬بما يقلص من مخاطر‬

‫إضافة إلى ذلك‪ ،‬يمكن القول إن من سمات األزمة الدولية‬ ‫املحتملة‪236.‬‬ ‫التهديدات‬

‫وخصائصها طبقا لشارل هيرمان وأنتوني واينر‪ 237‬أنها‪:‬‬

‫ـ نقطة تحول جوهرية في مسارات األحداث الجارية‪ ،‬تخالف ما سبقها من الوضع‬

‫القائم‪.‬‬

‫‪ -‬موقف يتطلب تدخال عاجال فوريا ملنع تدهور األمور‪.‬‬

‫‪ -‬موقف يهدد أولويات النظام وثوابت وجوده‪.‬‬

‫‪ -‬أولويات تأثيراتها يمكن أن تقود إلى نتائج محورية على األطراف في مجاالتها‪.‬‬

‫‪- 236‬سالم عبد هللا علوان الحبسي‪ ،‬إدارة األزمات األمنية‪ ،‬مركز اإلمارات للدراسات والبحوث االستراتيجية‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى ‪ ،0313‬ص ‪.11‬‬
‫‪ -20‬حسن بكر احمد‪ ،‬إدارة األزمة الدولية‪ ،‬مرجع سابق ص ‪.60‬‬

‫‪P 171‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪ -‬اإلحساس باألهمية القصوى ملا يجري‪ ،‬مما يشكل ضغطا على صناع القرارات‬

‫الخارجي‪.‬‬

‫‪ -‬قلة املعلومات املتاحة‪ ،‬وارتفاع في حدة التوتر بين أطراف األزمة‪ ،‬بما يهدد السلم‬

‫واألمن اإلقليمي والدولي‪.‬‬

‫وتنقسم األزمات الدولية من حيث تكرارها إلى أزمات دولية غير قابلة للتجدد‪ ،‬وهي‬

‫األزمات التي ترتقي إلى الحل‪ ،‬ويكون حلها نهائيا يحول دون ظهورها على الساحة الدولية‪،‬‬

‫والنوع الثاني يرتبط باألزمات الدولية املمتدة‪ ،‬والقابلة للتجدد‪ ،‬أي األزمات التي يتم‬

‫تجددها لعدم اقتناع األطراف بالحل املتفق عليه‪.‬‬

‫َّأما األزمات من حيث املدى الزمني فتنقسم إلى األزمات الدولية السريعة الظهور؛‬

‫التي يتصارع فيها الزمن مع عمل صانع القرار السياس ي‪ ،‬بحكم تمددها السريع واملفاجئ‬

‫واملتحول إلى درجة الخطورة بصورة كبيرة‪ .‬والنوع الثاني هو األزمات الدولية البطيئة التي‬

‫تنمو بصورة تدريجية‪ ،‬تستطيع الحلول املتدرجة معالجتها والحيلولة دون استفحالها‪.238‬‬

‫كما تتميز األزمة الدولية بخصائص متعددة‪ ،‬تتحدد حسب طبيعة األزمة‪ ،‬والزاوية‬
‫التالي‪239:‬‬ ‫التي ينظر إليها من خاللها‪ .‬كما هو مبين في الجدول‬

‫أنواع األزمة‬ ‫الزاوية والرؤية‬ ‫أنواع األزمة‬ ‫الزاوية والرؤية‬

‫‪ -238‬سوران إسماعيل عبد هللا بنديان‪ "،‬دور العقوبات الذكية في إدارة األزمات الدولية"‪ ،‬منشورات الحلبي الحقوقية‪،‬‬
‫لبنان‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،0310 ،‬ص‪.64‬‬
‫‪-239‬سالم عبد هللا علوان الحبسي‪" ،‬إدارة األزمة األمنية"‪ ،‬مركز اإلمارات للدراسات والبحوث االستراتيجية‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى ‪ 0313‬ص‪.03‬‬

‫‪P 171‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫أزمات ذات أثار‬ ‫من حيث اآلثار‬ ‫أزمات إدارية ‪/‬اجتماعية‪/‬سياسية‬ ‫من حيث النوع‬
‫بشرية‪/‬مادية‪/‬معنوية‪/‬مختلطة‬ ‫داخلية‪/‬محلية‪/‬‬ ‫أزمات‬
‫‪/‬اقتصادية‪ /‬أمنية‬ ‫من حيث أبعادهما‬
‫عمدية‬ ‫أزمات عمدية ‪ /‬غير‬ ‫من حيث القصد‬
‫إقليمية‪/‬دولية‬ ‫ومستوى حدوثهما‬
‫أزمات ذات تهديد عال الشدة‪/‬‬ ‫من حيث تهديد‬ ‫أزمات إنسانية أو طبيعية أو‬ ‫من حيث طبيعة‬
‫متوسط الشدة‪ /‬تهديد محدود‬ ‫املصالح الحيوية‬ ‫ناجمة عن سلوك غير معلوم‪.‬‬ ‫الحدث‬
‫من حيث التطور‬ ‫أزمات ثنائية ‪ /‬متعددة األطراف‪/‬‬ ‫من حيث األطراف‬
‫أزمات كامنة ‪/‬متوقعة‪/‬جديدة‬
‫التاريخي‬ ‫معقدة‬ ‫املتدخلين فيها‬
‫إرهاب الطرف اآلخر‪ /‬االبتزاز‪/‬‬ ‫من حيث الهدف‬ ‫أزمات عامة ‪/‬شاملة‪/‬خاصة‪/‬‬ ‫من حيث الشمول‬
‫تحقيق املصالح‬ ‫جزئية‬ ‫والتأثير‬
‫أزمات مصدرة ‪/‬لها جذور في بلد‬
‫أزمات قصيرة األمد ‪ /‬طويلة األمد‬ ‫من حيث املدة‬ ‫من حيث املصدر‬
‫الحادث‬

‫أزمات متوقعة ‪ /‬أزمات مفاجئة‬ ‫من حيث درجة‬ ‫أزمات داخلية ‪ /‬خارجية‬ ‫من حيث نوع الجمهور‬
‫توقعها‬ ‫املتأثر بها‬
‫أزمات دورية مكررة ‪ /‬عشوائية غير‬ ‫من حيث معدل‬ ‫من حيث الفوائد‬
‫أزمات تنموية ‪ /‬عرضية‬
‫مكررة‬ ‫تكرار حدوثها‬ ‫واألضرار‬
‫أزمات سطحية ‪ /‬هامشية‪/‬‬
‫أزمات عنيفة‪/‬خفيفة‬ ‫من حيث شدتها‬ ‫من حيث عمق األزمة‬
‫عميقة‪ /‬هيكلية ‪ /‬جوهرية‬

‫أما بخصوص مراحل األزمة فقد انبرى الباحثون والدارسون‪ ،‬إلى الحديث عن‬

‫مراحل متعددة تمر منها األزمة‪ ،‬وهذا التعدد يعود باألساس إلى طبيعة األزمة وحدتها‬

‫ومؤشرات وقوعها‪ ،‬في إطار ما يطلق عليه دورة حياة األزمة‪ ،‬التي تشبه دورة حياة الكائن‬

‫البشري‪ ،‬الذي يمر من مرحلة النشوء‪ ،‬وامليالد‪ ،‬ثم مرحلة النمو‪ ،‬والنضج وصوال إلى‬

‫االنحدار واملوت‪ .‬وترتبط قدرات الفاعل في استطاعته إدراك مراحل تطور األزمة‬

‫و"إجهاضها" قبل وصولها إلى مرحلة الذروة‪ ،‬ويحصرها " محمد الشافعي" في ثالث مراحل‬

‫أساسية‪:‬‬

‫‪P 172‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪ -‬مرحلة ما قبل وقوع األزمة‪ :‬وهو ما يعرف باستشعار األزمة واتخاذ اإلجراءات‬

‫الوقائية حتى يمكن تالفيها‪ ،‬وهذا ال يتوفر إال للمنظمات والدول التي تتوفر لديها‬

‫أنظمة متطورة للتحليل والتقص ي وأبناك للمعلومات ومراكز بحث الستشعار‬

‫األزمات‪.‬‬

‫‪ -‬مرحلة مواجهة األزمة حال وقوعها‪ :‬من خالل اتخاذ اإلجراءات التي تحد من أثارها‬

‫والعمل على تضييق نطاق تأثيرها‪.‬‬

‫‪ -‬مرحلة إجراءات ما بعد األزمة‪ :‬من خالل دراسة وتقييم للرهانات واألثر ‪impact‬‬

‫والتساؤل عما حدث؟ وملاذا حدث؟ وكيف حدث؟ وماهي البدائل والسبل الكفيلة‬
‫؟‪240.‬‬ ‫بعدم الحدوث‬

‫إن أهمية معرفة دورة األزمة ومراحلها يفيد في تحديد املرحلة التي تعيشها‬

‫للتعامل معها‪ ،‬وإدارتها بشكل جيد رغم الصعوبة العملية‪ ،‬واملنهجية الشاقة التي تعتري‬

‫هاته القدرة على املعرفة لطغيان األحكام واآلراء الذاتية في مقاربة املرحلة التي وصلت إليها‬

‫األزمة لندرة املعلومة وضيق الوقت وكثافة األحداث في أحايين كثيرة‪.‬‬

‫‪ -25‬حسن عماد مكاوي‪ ،‬اإلعالم ومعالجة األزمات‪ ،‬ط‪ ،1‬الدار المصرية اللبنانية‪ ،0332 ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.74‬‬

‫‪P 173‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫ومما تجدر اإلشارة إليه في هذا الصدد‪ ،‬أنه في جميع مراحل نشأة األزمة الدولية‪،‬‬

‫هناك ضرورة أن يكون صانع القرار ُملما ومدركا بشكل كاف بأدوات التعامل ومواجهة‬
‫ملصالحه‪241.‬‬ ‫مخلفات األزمات املهددة‬

‫كما تتحدد أهمية تحديد مراحل األزمة في الوقوف على العوامل املسببة لها‪،‬‬

‫واتخاذ القرارات الالزمة ملواجهتها‪ ،‬أما بعد انحسار األزمة أو اختفائها فيجب على األجهزة‬

‫املسؤولة عن تدبير األزمة‪ ،‬القيام بتقييم وبحث موضوعيين لألدوار والرهانات‪ ،‬بغية‬

‫تطويقها وتوفير حلول ملواجهتها ثانية‪ ،‬بما يحقق األهداف والرهانات التي يود تحقيقها‬

‫صانع القرار الخارجي من انخراطه في تدبير األزمة موضوع النقاش‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬آليات تدبير األزمات وفق املواثيق الدولية‬

‫إن إدارة األزمة وتدبيرها أو التدبير باألزمة‪ ،‬ليست مسالة مرتبطة فقط بالظواهر‬

‫السياسية بل تتعداها لتشمل كل مناحي الحياة البشرية‪ ،‬رغم أن دراستنا سوف تقتصر‬

‫فقط على دراسة األزمات السياسية‪ ،‬والتركيز على اإلقليمية منها‪ ،‬رغم أن الوصف سيميل‬

‫إلى اعتبارها أزمات دولية‪ .‬ومما ال شك فيه أن مسألة تدبير األزمات تتحدد بالقدرة على‬

‫صناعة القرار واتخاذ اإلجراءات الالزمة في وقت مناسب‪ ،‬مما يفرض توفر مهارات‪،‬‬

‫واستحضار مجموعة من الرهانات‪ ،‬وقراءة جيدة للسيناريوهات املحتملة‪ ،‬حتى ال يصير‬

‫‪ -26‬سالم عبد هللا علوان الحبسي‪ ،‬إدارة األزمات األمنية ‪ ،‬مرجع سابق ص ‪.10‬‬

‫‪P 174‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫التدبير الس يء لألزمة عائقا أمام صانع القرار‪ ،‬يؤدي به إلى تسديد فاتورة باهظة على‬

‫حساب املصالح والرهانات املوضوعة سلفا‪ ،‬قبل انخراطه في تدبير األزمة‪.‬‬

‫هذه اإلكراهات تجعل من تدبير األزمة فنا لتدبير املخاطر‪ ،‬وعلما يقتض ي منهجية‬

‫علمية ومقاربات نظرية‪ ،‬تنهل من املرجعيات األكاديمية‪ ،‬بما يحيل على تدبير عقالني وموجه‬

‫يستحضر مجموعة من اآلليات واالستراتيجيات التي توظف من أجل تحقيق مخرجات‬

‫تتماش ى مع الثوابت والرهانات املحددة سلفا‪ ،‬قبل اتخاذ القرار السياس ي باالنخراط في‬

‫تدبير أزمة إقليمية أو دولية معينة‪ .‬لذلك تظهر أوال أهمية تحديد مفهوم تدبير األزمات‬

‫ومختلف املقاربات التي عملت على ربطه بمنهجية علمية وعملية محددة‪ ،‬وقبل استحضار‬

‫اآلليات املعتمدة في تدبير األزمات ثانيا‪ ،‬وثالثا االستراتيجيات التي يوظفها مدبر األزمة‪.‬‬

‫أوال‪ :‬مفهوم تدبير األزمات الدولية‬

‫تعرف العالقات الدولية في طبيعتها مجموعة من األزمات‪ ،‬بل إن مجالها األساس ي‬

‫يرتبط بتدبير حالتي السلم والحرب‪ ،‬أو ما بينهما بمسمى األزمة‪ ،‬حتى ال تتحول إلى حرب‪،‬‬

‫مما يقتض ي القيام بإجراءات وتدابير تحول دون ذلك‪ ،‬وهو ما يطلق على تسميته "بتدبير‬

‫األزمة"‪ ،‬التي تعني بشكل مبسط " فن إدارة السيطرة على األحداث وعدم السماح لها‬

‫بالخروج عن نطاق التحكم"‪ 242‬في محاولة للتغلب على األزمة الواقعة بين دولتين أو أكثر‪،‬‬

‫أو بين فاعلين في مجال معين‪ ،‬من أجل منع تفاقمها ووصولها إلى مرحلة تهدد األمن اإلقليمي‬

‫‪ -242‬ادريس لكريني‪ ،‬إدارة األزمات في عالم متغير‪ :‬المفهوم والمقومات والوسائل والتحديات‪ ،‬المركز العلمي‬
‫للدراسات السياسية‪ ،‬المطبعة والوراقة الوطنية‪ ،‬مراكش‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،0314 ،‬ص ‪.00‬‬

‫‪P 175‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫والدولي‪ ،‬وتنذر بتبعات أمنية أو اقتصادية أو اجتماعية‪ ،‬تؤثر في املجال املحيط بها‪ ،‬الذي‬

‫قد يكون محدودا كما قد يكون ممتدا في حدود كبيرة جدا‪ .‬لذلك ارتبط تدبير األزمة‬

‫بالتوظيف األمثل للمعلومات املتوفرة‪ ،‬ورصد حركة املتغيرات واألطراف‪ ،‬واتجاهات القوة‬
‫وخارجيا‪243.‬‬ ‫ومحاولة التكيف السريع مع املتغيرات واملؤثرات املحيطة باألزمة داخليا‬

‫يمكن القول بأن تعريفات مفهوم " تدبير األزمات " متعددة ومتنوعة أيضا‪،‬‬

‫بحسب االتجاهات واملقاربات واملنطلقات الفكرية للباحثين في املجال‪ ،‬لكن ذلك ال يمنع‬

‫من تقديم بعض التعريفات التي حاولت الخوض في ذلك‪.‬‬

‫يعرف العماري تدبير األزمات وإدارتها بأنها "العمل على تجنب تحول النزاع إلى‬

‫صراع شامل بتكلفة مقبولة‪ ،‬ال تتضمن التضحية بمصلحة أو قيمة جوهرية "‪ 244‬وبالتالي‬

‫فإنها نشاط عملي يستحضر فيه مدبر األزمة املصالح القومية‪ ،‬ومدى تأثر مجاله باستفحال‬

‫األزمة‪ ،‬مع األخذ بعين االعتبار منطق الربح والخسارة في حالة اتخاذ القرار باالنخراط في‬

‫تدبير األزمة من عدمه‪.‬‬

‫كما يرى محمد الشافعي بأن تدبير األزمة وإدارتها هي " كيفية التعامل والتغلب‬

‫على األزمة باألدوات العلمية املختلفة وتجنب سلبياتها واالستفادة منها مستقبال"‪ ،‬وهنا‬

‫تتداخل املعرفة العلمية وتوظيف املنهج العلمي في مقاربة الظواهر السياسية‪ ،‬إلى جانب‬

‫املهارة وفن التعامل مع مختلف األزمات‪.‬‬

‫‪-243‬هيا عدنان عاشور‪ ،‬الديناميكا السياسية‪ ،‬وإدارة األزمات الدولية‪ ،‬مرجع سابق ص ‪.70‬‬
‫‪ -244‬عباس رشدي العماري‪ ،‬إدارة األزمات في عالم متغير‪ ،‬مركز األهرام للترجمة والنشر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪،1000 ،‬‬
‫ص ‪.40‬‬

‫‪P 176‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫ويشير الباحثون واملمارسون‪ ،‬إلى أن إدارة األزمات وحسن تدبيرها هي علم‪ ،‬بمعنى‬

‫وجود منهج له أصوله وقواعده‪ ،‬وقد بدأ هذا العلم يتبلور في العقود األخيرة رغم أن‬

‫ممارسته قديمة جدا في السلوك اإلنساني الذي كان دائما يتفاعل مع أزماته بإيجاد حلول‬

‫فضلى لها‪ ،‬لكن في مجال العلوم السياسية أصبح املفهوم حاضرا بقوة‪ ،‬منذ بدايات القرن‬

‫العشرين حين تفاعلت الكثير من املتغيرات االقتصادية واالجتماعية والسياسية‬

‫والعسكرية والعلمية‪ ،‬فشاع استخدام كلمة " األزمة " فعرفت األزمة االقتصادية ل‪8373‬‬

‫وما تالها من أزمات سياسية وعسكرية‪ ،‬أدت إلى نشوب الحرب العاملية الثانية‪ ،‬وبعد انتهاء‬

‫الحرب وظهور أزمات الحرب الباردة بين املعسكرين الشرقي والغربي‪ ،‬برزت أزمات جديدة‬

‫هددت السلم واألمن الدوليين‪ ،‬فكانت األزمة الصينية (‪ )8342-8342‬وأزمة برلين (‪-8341‬‬

‫‪ )8343‬وغيرها كثير‪.‬‬

‫ويمكن القول إن موضوع تدبير األزمات‪ ،‬أصبح على رأس املوضوعات الحيوية في‬

‫العالم‪ ،‬منذ أزمة الصواريخ الكوبية ‪ ،2458377‬وتكمن أهمية هذا الحدث في تصريح وزير‬

‫الدفاع األمريكي في ذلك الوقت ماكنمارا‪ ،‬بقول مفاده أن الحديث عن اإلدارة االستراتيجية‬

‫ألحداث العالم قد انتهى‪ ،‬ليصبح الحديث عن إدارة لألزمات‪ .‬فأصبح للمفهوم أهمية كبيرة‬
‫َّ‬
‫كونه جنب البشرية ويالت حرب نووية بين االتحاد السوفياتي والواليات املتحدة األمريكية‪،‬‬

‫‪ -245‬خالل سنة ‪ 1060‬اكتشفت الواليات المتحدة األمريكية وجود خطة سوفييتية ترمي إلى نصب صواريخ متطورة‬
‫على األراضي الكوبية موجهة ضد أهداف أمريكية؛ وهو ماحذا بها إلى فرض حصار بحري حول كوبا للحيلولة‬
‫دون نصب هاته الصواريخ م ّما أدى إلى تأزيم العالقة بين موسكو وواشنطن؛ لتنتهي األزمة بعد اإلتصاالت بين‬
‫خروتشوف وكينيدي بعد تفكيك الصواريخ السوفييتية مقابل التزام امريكا بعدم التعرض للشؤون الداخلية الكوبية و‬
‫سحبها الصواريخ النووية من األراضي التركية المتاخمة لالتحاد السوفياتي؛ للتوسع في الموضوع ينظر‪ ،‬علي صبح‪:‬‬
‫الصراع الدولي في نصف قرن ‪،1002-1042‬دار المنهل اللبنانية ‪ ،‬الطبعة التانية ‪ 0336‬ص ‪ 161-163‬و ما يليها‪.‬‬

‫‪P 177‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫ونظرا لتكلفة آلياته املتواضعة أمام التكاليف الباهظة التي تؤدي إليها الحروب‬

‫التقليدية‪ .246‬كما أن تدبير األزمات فن أيضا‪ ،‬بمعنى أن ممارستها تعتمد على أشخاص‬

‫يتحلون بقدرات ومهارات خاصة‪ ،‬منها القدرة على التحليل والتخيل واإلبداع‪ ،‬والتقدير‬
‫ُ َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ومتخذ القرار السياس ي‪ ،‬إضافة‬ ‫دبر‬
‫السليم وغيرها من الصفات التي يفترض توفرها في م ِ‬
‫إلى ِاتصافه بالكاريزما واملقبولية لدى أطراف النزاع‪.‬‬

‫إذا كان من الطبيعي القول بأن وجود األزمات داخل بنية املجتمع الدولي‪ ،‬بحكم‬

‫تضارب املصالح وتعقد الرهانات أمر طبيعي‪ ،‬فإن املالحظ أن األزمات ازدادت استفحاال‪،‬‬

‫وأضحت أكثر تعقيدا‪ ،‬خصوصا بعد انهيار الثنائية القطبية‪ ،‬وما تمخض عنها من متغيرات‬

‫على البيئة الخارجية وظهور قوى وظواهر مؤثرة في البيئة الدولية مثل العوملة والجماعات‬

‫اإلرهابية وتشابك املصالح املالية‪ ،‬بتنامي دور الشركات الدولية أو العابرة للقارات؛ وغيرها‬

‫من الظواهر التي تشكل مصادر لألزمات ومسسبباتها‪ ،‬خصوصا في مجاالت محددة‪ ،‬حيث‬

‫تالزمت األزمات في إفريقيا والشرق األوسط بشكل كبير ومهول‪ ،‬تجاوز في قدراته إمكانية‬

‫حلها باالعتماد على املنظمات الدولية‪ ،‬التي أضحت عاجزة عن ذلك بحكم أزمتها البنيوية‪،‬‬

‫وخروجها في كثير من األحايين عن املصداقية والحياد الالزمين‪ ،‬مما أثر في شرعيتها لدى‬

‫أطراف النزاع‪ ،‬الش يء الذي فرض القيام بمبادرات فردية أو متعددة األطراف‪ ،‬من أجل‬

‫إيجاد حلول تجنب الدخول في متاهات الحروب التي ستؤثر على مجاالت حيوية مباشرة‪،‬‬

‫وتهدد مصالح الدول واستقرارها‪.‬‬

‫‪-246‬ادريس لكريني‪ ،‬إدارة األزمات في عالم متغير ‪ ،...‬مرجع سابق ص ‪.10‬‬

‫‪P 178‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫ثانيا‪ :‬آليات تدبير األزمات وتوظيفها في املواثيق الدولية‬

‫دأب املجتمع الدولي منذ البدايات األولى لنشأة الدولة‪ ،‬على ابتداع مجموعة من‬

‫الوسائل واآلليات السلمية الحتواء األزمات وتطويقها‪ ،‬والحيلولة دون وصولها إلى لحظة‬

‫االنفجار‪ ،‬من منطلق إدراك للواقع الدولي‪ ،‬وما يرتبط به من صراع للمصالح وتضاربها‪،‬‬

‫مما يفرض اللجوء إلى الوسائل السلمية‪ ،‬بغاية تأمين السلم واألمن الدوليين‪ ،247‬فقد جاء‬

‫في املادة الثانية من ميثاق األمم املتحدة ما يلي‪ " :‬يفض جميع أعضاء الهيئة منازعاتهم‬

‫الدولية بالوسائل السلمية على وجه ال يجعل السلم واألمن والعدل الدولي عرضة للخطر"‪.‬‬

‫ومهما يكن فإن حظر اللجوء إلى القوة والتسوية السلمية للنزاعات الدولية‪،‬‬

‫يشكالن اليوم قواعد أساسية للقانون الدولي املنصوص عليها في الوثائق التأسيسية‬

‫للمنظمات الدولية واإلقليمية (ميثاق األمم املتحدة‪ ،248‬اتفاقية حلف الشمال األطلس ي‪،249‬‬

‫ميثاق الجامعة العربية‪ ،250‬ميثاق االتحاد اإلفريقي‪ .)251‬وكذلك اإلعالن الخاص بمبادئ‬

‫القانون الدولي‪ ،‬التي تخص العالقات الودية والتعاون بين الدول‪ ،‬الذي صوت عليه من‬
‫ُ‬
‫ؤكد‬
‫قبل الجمعية العامة لهيئة األمم املتحدة في ‪ 84‬أكتوبر ‪( 8320‬القرار رقم ‪ )7772‬وامل ِ‬
‫على أهمية مبدإ التسوية السلمية للنزاعات‪ ،‬وذلك بنصه على َّ‬
‫أن "الدول يجب عليها تسوية‬

‫‪ -247‬ادريس لكريني " إدارة األزمات في عالم متغير‪ ،"...‬مرجع سابق ذكره‪ ،‬ص ‪.20‬‬
‫‪ -248‬المادة ‪ 30‬من ميثاق هيئة األمم المتحدة‪.‬‬
‫‪ -249‬المادة ‪ 31‬من اتفاقية حلف األطلسي‪.‬‬
‫‪ -250‬المادة ‪ 32‬من ميثاق الجامعة العربية‪.‬‬
‫‪ -251‬المادة ‪ 30‬من ميثاق منظمة االتحاد اإلفريقي‪.‬‬

‫‪P 171‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫نزاعاتها مع الدول األخرى بطرق سلمية‪ ،‬بطريقة ال تضع السلم واألمن الدوليين‪ ،‬وال حتى‬
‫خطر"‪252.‬‬ ‫العدالة في‬

‫وقد جاءت املادة الثالثة والثالثون من ميثاق األمم املتحدة بمجموعة من‬

‫الوسائل التي يجب التماسها من أجل حل الصراعات؛ عبر سلك درب املفاوضات والتحقيق‬

‫والتحكيم والتسوية القضائية؛ أو االلتجاء إلى الوكاالت أو املنظمات اإلقليمية أو غيرها من‬

‫وسائل تدبير الصراعات بالطرق السلمية كالوساطة واملساعي الحميدة والتوفيق بين‬

‫أطراف النزاع‪.‬‬

‫َّ‬
‫إن الوسائل الدولية إلدارة األزمات متعددة ومتباينة‪ ،‬وتتنوع بين وسائل‬

‫دبلوماسية (املفاوضات‪ ،‬املساعي الحميدة‪ ،‬الوساطة‪ ،‬التوفيق‪ ،‬التحقيق‪ ،‬عرض املنازعات‬

‫على املنظمات‪ )...‬وقانونية (القضاء الدولي والتحكيم الدولي)‪ ،‬وزجرية(الضغوطات‬

‫االقتصادية والحصار وتجميد األموال أو اللجوء للقوة العسكرية)‪ ،253‬وبحكم أن موضوع‬

‫الورقة يقارب أهم آليات تدبير األزمات املنصوص عليها دوليا‪ ،‬فإن انخراط الدول في هذا‬

‫األمر يرتبط بتداعيات األزمات على األمن اإلقليمي‪ ،‬وما يشكله ذلك من تمدد للجماعات‬

‫اإلرهابية وحشود الهجرة غير الشرعية‪ ،‬ومن انعكاسات سلبية على التنمية والسلم في‬

‫الدوائر الجيو‪-‬استراتيجية العاملية؛ وعلى هذا األساس فإن مساهمة املؤسسات الدولية‬

‫‪ -252‬هناك مجموعة من النصوص القانونية األخرى التي تتضمن بعض األحكام الخاصة بالتسوية السلمية للنزاعات‬
‫كالعقد الختامي للملتقى حول األمن والتعاون في أوربا المبرم في هلسنكي في ‪ 31‬غشت ‪.1072‬‬
‫‪ -253‬ادريس لكريني " إدارة األزمات الدولية في عالم متحول‪ :‬مقاربة الدور األمريكي في المنطقة العربية"‪ ،‬مقالة‬
‫منشورة بموقع ديوان العرب‪ ،‬بتاريخ‪ 7 ،‬أكتوبر ‪ ،0336‬على الرابط‪https://bit.ly/2OPiVOt :‬‬

‫‪P 181‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫والقارية وحتى الدول في تدبير األزمات ترتكز باألساس على توظيف اآلليات الدبلوماسية‬

‫واستحضار أبعاد التنمية والحكامة والدعم االقتصادي لحل األزمات‪.‬‬

‫عندما تستفحل أزمة ما‪ ،‬فإن الدبلوماسية التقليدية تستمر في أداء وظيفتها‪،‬‬

‫ولكن تظهر الحاجة إلى التوازن مع التدخل وسرعة تطور األزمة‪ ،‬وتتمثل هذه الجهود من‬

‫خالل فتح قنوات ومسالك‪ ،‬بممارسة الضغط على األطراف أو تقديم الوساطة بينهم‪ ،‬أو‬

‫بمساع حميدة‪ ،‬وذلك لتشجيعهم على الحوار وحل األزمة‪ ،‬بانتهاج السبل‬
‫ٍ‬ ‫السعي بينهم‬

‫السلمية وتنويعها‪ ،‬ألن إدارة أية دولة لألزمات‪ ،‬ال تستخدم أسلوبا واحدا‪ ،‬بل يمكن اعتماد‬

‫أساليب متعددة في نفس الوقت‪ ،‬ومراعاة حسن التوقيت في استخدام األسلوب واستثمار‬

‫عوامل النجاح واالستراتيجيات‪.254‬‬

‫نتطرق في ورقتنا لتدبير األزمات الدولية إلى طرق وكيفيات الحل الدبلوماس ي‬

‫والسياس ي التي تعتمدها املواثيق الدولية وتفعلها املؤسسات والوحدات السياسية‪ ،‬وذلك‬

‫من خالل استحضار املفاهيم التالية‪:‬‬

‫‪8‬ـ الوساطة‪ :‬تتمثل في تلك األعمال التي يقوم بها الغير‪( ،‬الدولة‪ ،‬املنظمات الدولية‬

‫أو شخصيات معينة‪ )...‬وذلك بهدف تقريب الرؤى بين األطراف املتنازعة‪ ،‬بواسطة‬
‫ًّ‬
‫اقتراحات فعلية‪ ،‬تتضمن قواعد تسوية أو حال نهائيا للخالف بينها‪ .‬وعليه فإن الطرف‬

‫الوسيط يمتاز بنشاط وحركية‪ ،‬وال يكتفي فقط بتقريب وجهات النظر‪ ،‬والدعوة إلى‬
‫املفاوضات‪ ،‬بل يقترح قواعد للتفاوض‪ ،‬ومداخل لحل األزمة‪ ،‬وقد َّ‬
‫عرفها الكونت برندوت‬

‫‪-254‬إسماعيل عبد الفتاح عبد الكافي" إدارة الصراعات واألزمات الدولية"‪ ،‬مطبعة كتب عربية‪ ،0336 ،‬ص‪.06‬‬

‫‪P 181‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪ Le Conte Bernadotte‬الوسيط األممي في فلسطين في تقريره بتاريخ ‪ 8341/04/87‬املوجه‬

‫إلى األمم املتحدة‪ " :‬إن الوساطة تنتج عن عرض املساعي الحميدة‪ ،‬وإن املهمة األولى‬

‫للوسيط هي املبادرة باقتراحات موجهة إلى تنشيط املصالح وتقريبها‪ ،‬وتوحيد اآلراء‬

‫املتضاربة"‪.255‬‬

‫وتهدف الوساطة إلى وضع حدود ألزمة بين دولتين أو أكثر‪ ،‬كبديل للتقاض ي‪،‬‬

‫ومساعدة األطراف املعنية دون اتخاذ قرارات عنهم‪ ،‬كما يحدث في التحكيم القضائي‪ ،‬ولكن‬

‫مساعدة األطراف عن طريق تسهيل عملية االتصال بينهم وإيجاد الحلول‪ ،‬واالتفاق على‬

‫مجموعة من الخطوات لحل املشاكل‪ ،256‬ونذكر هنا الوساطة األمريكية سنة ‪ 8302‬بغية‬

‫وضع حد للحرب الروسية اليابانية (‪ )8304/8302‬والتي انتهت بتوقيع معاهدة صلح‬

‫(بورتسموت‪ )Portsmouth‬في ‪ ،2578302/03/02‬وكذا جهود الوساطة املغربية في أزمة‬

‫بلدان نهر املانو‪.258‬‬

‫‪7‬ـ املساعي الحميدة‪ :‬نعني بها تلك األعمال الودية التي تقوم بها الدول أو املنظمات‬

‫وجرها إلى محاولة إقامة محادثات‪ ،‬أو إلى‬


‫من أجل تحقيق التقارب بين أطراف نزاع ما‪ِ ،‬‬

‫‪ -255‬بسكاك مختار "حل النزاعات الدولية على ضوء القانون الدولي"‪ ،‬مذكرة مقدمة لنيل شهادة ماجستير‪ ،‬كلية‬
‫الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬جامعة وهران‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،0310/0311‬ص ‪.70‬‬
‫‪ -256‬كارل سيليكيو‪" ،‬عندما يحتدم الصراع‪ :‬دليل عملي الستخدام الوساطة في حل النزاعات"‪ ،‬الدار الدولية للنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،1000 ،‬ص ‪.04‬‬
‫‪CHRONIQUE‬‬ ‫‪DE‬‬ ‫‪L’HUMANITE-larousse-édition‬‬ ‫‪JAQUES‬‬ ‫‪LE -257‬‬
‫‪p978. GRAND.S.A.PARIS 1986,‬‬
‫‪ -258‬منذ منتصف التسعينات وب داية األلفية الجديدة‪ ،‬اندلعت سلسلة من الحروب األهلية الوحشية في منطقة حوض‬
‫نهر مانو في غرب إفريقيا‪ ،‬و بدأت هذه الحروب في ليبيريا وسرعان ما امتدت إلى سيراليون وكوت ديفوار‪ ،‬م َما‬
‫أدَى إلى تفتت المجتمعات بسبب الصراعات والخالفات العنيفة و الوحشية‪ ،‬كما أدَت هذه الصراعات إلى حل سلطة‬
‫الدولة‪ ،‬وانهيار مؤسسات الحكم‪ ،‬وفرار الماليين من السكان و تهديد منطقة غرب إفريقيا كاملة وزعزعة االستقرار‬
‫فيها‪ ،‬للتفاصيل أكثر حول أزمة دول نهر المانو ‪ .‬ينظر " الصراعات العرقية والسياسية في إفريقيا" لحمدي عبد‬
‫الرحمان حسن‪ ،‬مجلة قراءات إفريقية‪ ،‬العدد األول‪ ،‬أكتوبر ‪ ،0334‬ص ‪.40‬‬

‫‪P 182‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫استئنافها إذا كانت متوقفة‪ ،‬أو اللجوء إلى أي نوع آخر لتسوية النزاع القائم بينها‪ ،‬ويتقاطع‬

‫مع مفهوم الوساطة‪ ،‬إلى أن هناك اختالفا بينهما من خالل مجال التطبيق املحدود‬

‫للمساعي الحميدة وكون هذه األخيرة ال تشارك بمقترحات أو شروط‪ ،‬بل هدفها تنقية‬

‫األجواء بين األطراف ودعوتهم إلى الجلوس على طاولة التفاوض‪ ،‬وال يخرج دورها عن كونه‬

‫عمال تحضيريا وتمهيديا‪ ،‬أما الطرف الثالث في الوساطة‪ ،‬فإن نشاطه يساهم في تحقيق‬

‫النتيجة واملساهمة املباشرة في التفاوض وفي وضع األسس الرئيسية لالتفاق‪.259‬‬

‫‪9‬ـ التوفيق‪ :‬يعتبر من الوسائل السلمية إلدارة األزمات‪ ،‬شكال مستحدثا من الوساطة‪،‬‬

‫وسبيال يتموقع بينها وبين وسيلتي التحكيم والقضاء‪ ،260‬حيث تقوم لجنة يعينها أطراف‬

‫النزاع أو إحدى املنظمات الدولية لدراسة أسباب النزاع ورفع تقرير تقترح فيه تسوية معينة‬

‫للنزاع ويتضمن مقترحات لتجاوز األزمة القائمة‪.‬‬

‫وقد تزايدت شعبية التوفيق في الحقب األخيرة‪ ،‬بفعل تعدد املعاهدات الدولية‬

‫التي تنص على نظام التوفيق‪ ،‬كوسيلة لحل الخالفات السلمية‪ ،‬حيث نجدها في أهم‬

‫االتفاقيات العامة‪ ،‬ذات الطابع التشريعي‪ ،‬ومن بينها اتفاقية " فيينا" حول العالقات‬

‫الدبلوماسية لعام ‪ ،8378‬والعالقات القنصلية لعام ‪ ،8379‬واتفاقية قانون املعاهدات‬

‫لعام ‪.2618373‬‬

‫‪ -259‬صالح يحيى الشاعري‪" ،‬تسوية النزاعات الدولية سلميا"‪ ،‬مكتبة مدبولي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،0336،‬ص‬
‫‪.20‬‬
‫‪ -‬ادريس لكريني‪ "،‬إدارة األزمات في عالم متغير‪ :‬المفهوم والمقومات والوسائل والتحديات"‪ ،‬المركز العلمي‬ ‫‪260‬‬

‫للدراسات السياسية‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،0314،‬المطبعة والوراقة الوطنية‪ ،‬مراكش‪ ،‬ص ‪.66‬‬
‫‪ -261‬حفناوي مدلل‪ "،‬الدبلوماسية الوقائية كآلية لحفظ السلم واألمن الدوليين"‪ ،‬مذكرة مكملة لنيل شهادة الماجستير‬
‫في الحقوق‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬جامعة محمد خيضر ببسكرة‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ص ‪.60‬‬

‫‪P 183‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫فالتوفيق إذن‪ ،‬إجراء شبه قضائي‪ ،‬يتوسط التحقيق والتحكيم ويتميز بمرونة‬

‫أكبر‪ ،‬وال يشكل أي مس بسيادة أطراف النزاع‪ ،‬وقد شجعت هذه امليزة معهد القانون الدولي‬

‫على اقتراح نموذج لتسهيل إنشاء لجان التوفيق‪ ،‬وتوضيح كيفية عملها‪ ،‬العتقاده بأن‬

‫الحلول التي تقترحها هيئة حيادية‪ ،‬حول كيفية تسوية النزاع‪ ،‬دون إلزام األطراف بذلك‪،‬‬

‫يمكنها من إقناع أطراف النزاع‪.‬‬

‫‪4‬ـ التحقيق‪ :‬يعتبر من األعمال التي بواسطتها‪ ،‬تجتهد مؤسسة دولية في وضع وتوضيح‬

‫وقائع تكون أصل نزاع أو مرتبطة به ارتباطا وثيقا‪ ،‬ويكون التحقيق ثنائيا إذا كان مقررا‬

‫من قبل الدول األطراف في النزاع‪ ،‬ويكون جماعيا إذا كان مقررا من قبل مؤسسة دولية‪.262‬‬
‫َّ‬
‫فالتحقيق ال يتولى منع التوتر‪ ،‬بقدر ما تتأتى فائدته العملية في التحري املوضوعي عن‬

‫تفصيالت الوقائع املادية‪ ،‬وبصفة إجمالية فإن مهمة لجان التحقيق تقتصر على سرد‬

‫الوقائع دون إبداء رأي في املسؤوليات بأي شكل من األشكال‪ ،‬وعادة ما تستخلص‬

‫املسؤوليات من التقرير املوضوعي لسرد الوقائع‪ ،‬ويبقى األطراف أحرارا في األخذ بما جاء‬

‫في التقرير أو رفضه‪.263‬‬

‫‪2‬ـ الصلح‪ :‬يعرف الصلح بأنه ذلك التدخل لتسوية خالف من طرف جهاز مشكل‬
‫َّ‬
‫مسبقا وفقا التفاقية‪ ،‬ويحظى بثقة أطراف النزاع‪ ،‬ويكلف الجهاز بدراسة كل العوامل‬

‫املحيطة بهذا النزاع مع اقتراح حلول غير ِ‬


‫ملزمة لألطراف بل لالستئناس بها‪ .‬ويختلف الصلح‬

‫‪ -262‬بسكاك مختار‪ "،‬حل النزاعات الدولية على ضوء القانون الدولي"‪ ،‬مذكرة مقدمة لنيل شهادة ماجستير‪ ،‬مرجع‬
‫سابق ص ‪.62‬‬
‫‪ -263‬محمد الوحيشي‪ "،‬مكانة الموظف الدولي في حل النزاعات "‪ ،‬منشورات المنظمة العربية للتنمية اإلدارية‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،0336 ،‬ص‪.114‬‬

‫‪P 184‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫بصفة عامة عن اإلجراءات ذات الطابع القضائي‪ ،‬من حيث كونه اختياريا وال ُين ِتج قرارا‬

‫ملزما كما هو الشأن بالنسبة للحكم أو القرار‪ ،‬والهدف من املصالحة دراسة القضية‬

‫وتحليلها في مجملها‪ ،‬من إعداد أرضية توافق من قبل األطراف واعتماد إجراءات لينة‬
‫ُ‬
‫لتسوية النزاعات‪ ،‬تم ِك ُن األطراف من املحافظة على كامل سيادتها بكل حرية‪.‬‬

‫ويذهب بعض كتاب القانون الدولي إلى أن الصلح تعامل وإثبات حسن النية في‬

‫حل األزمة‪ ،‬وال ُتؤخذ بعين الجد لكونها بداية ومقدمة إلجراءات حقيقية قد تنتهي بقبول‬

‫التحكيم أو التقاض ي الدولي‪.264‬‬

‫‪7‬ـ املفاوضات‪ :‬تشكل املفاوضات الطريقة العادية لحل النزاعات والصراعات واألزمات‬

‫التي قد تنشب بين الدول وتعني" تبادل الرأي بين دولتين متنازعتين قصد الوصول إلى‬

‫تسوية النزاع القائم بينهما"‪ ،265‬ويتم اللجوء عادة إلى هذه اآللية في الخالفات الجسيمة‬

‫التي قد تؤثر على مصالح الجماعة الدولية‪ ،266‬لذلك تعتبر تلك العملية التي تستهدف‬

‫الوصول إلى حلول مقبولة‪ ،‬أو اتفاق يسهم في تحقيق مصالح األطراف املتنازعة من أجل‬

‫التوصل إلى تسوية سياسية مقبولة من طرف الكل‪.‬‬

‫وال يتصور التفاوض دون وجود عناصر أساسية‪ ،‬ترتبط بها أهمية املفاوض وقدرة‬

‫املفاوضات على حل األزمة وهي القدرات املادية‪ ،‬وتوفير الخيارات والبدائل املمكنة‪ ،‬إضافة‬

‫‪HERMAN Gérald, » La conciliation, nouvelle méthode de règlement » revue -264‬‬


‫‪Arbitrage n°3 ,1985,p 343.‬‬
‫‪ -265‬أحمد محمد وهبان‪ "،‬تحليل إدارة الصراع الدولي‪ ،‬دراسة مسحية لألدبيات المعاصرة "‪ ،‬مجلة عالم الفكر‪،‬‬
‫الصادرة عن المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬الكويت‪ ،‬العدد ‪ 4‬المجلد ‪ ،06‬أبريل ‪ /‬يونيو ‪ ،0331‬ص ‪.77‬‬
‫‪ -266‬ادريس لكريني‪ " ،‬إدارة مجلس األمن لألزمات العربية في فترة التسعينيات‪ :‬أزمة لوكيربي نموذجا"‪ ،‬أطروحة‬
‫لنيل الدكتوراه في القانون العام‪ ،‬مرجع سابق ص ‪.04‬‬

‫‪P 185‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫إلى القدرة التفاوضية‪ ،‬واستثمار التوقيت املناسب‪ ،‬لذلك تقتض ي من املفاوض التمتع‬

‫بخصائص مهنية‪ ،‬ومزايا وخبرات ومهارات وااللتزام باملبادئ العامة التي تتعلق بعملية‬

‫التفاوض ومراحلها‪ ،‬من مكان وتوقيت‪ ،‬وهدف واستراتيجية‪ ،‬وخطة مدروسة‪ ،‬وبدائل‬

‫ملواجهة املشاكل واملعيقات‪.‬‬

‫وتأتي أهمية املفاوضات في تسوية النزاعات الدولية‪ ،‬من كون جوهر التسوية دائما‬

‫هو نقل النزاع من مستوى القتال إلى مستوى النقاش والحوار‪ ،‬ومن عملية املواجهة إلى‬

‫عملية حل املشكلة‪ ،‬عبر تبادل االقتراحات واملشاورات واملكاتبات والتقارير والدراسات‬

‫الفنية واالستشارات القانونية‪ ،‬التي تتبادلها أطراف التفاوض من خالل االتصال‬

‫والتواصل الفعال الذي ينتج تسوية مقبولة تحقق املصلحة الجماعية‪.‬‬

‫وباستقراء الواقع الدولي‪ ،‬نجد أن للمفاوضات دورا هاما في حل العديد من الخالفات‬

‫الحادة نذكر منها‪:‬‬

‫‪ -‬حل أزمة الصواريخ بكوبا سنة ‪ 8377‬عن طريق املفاوضات بين الرئيسين األمريكي‬

‫جون كندي والسوفياتي خروتشوف‪.‬‬

‫‪-‬وقف التدخل األمريكي في الفيتنام بعد املصادقة على اتفاقية باريس سنة‪.8329‬‬

‫‪-‬املفاوضات التي جمعت الرئيس األمريكي نيكسون والسوفياتي بريجنيف من ‪ 77‬إلى‬

‫‪90‬ماي ‪ ،8327‬والوصول إلى أولى االتفاقيات حول الحد من التسلح االستراتيجي في‬

‫‪(8327/02/77‬سالت‪.)8‬‬

‫‪P 186‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫ثالثا‪ :‬استراتيجيات تدبير األزمات‬

‫إن مفهوم االستراتيجية يحيل على عملية الجمع بين الهدف والوسيلة‪ ،‬من خالل‬

‫التخطيط الجيد‪ ،‬الذي يفترض عنصرا ال محيد عنه عند الشروع في الفعل االستراتيجي‪،‬‬

‫وهو عنصر القدرة‪ ،‬أي القدرة على استخدام الوسائل إلنجاز أهداف معلومة‪ ،‬فاألهداف‬

‫تبقى معلقة والوسائل غير ذات قيمة ما لم تتوفر القدرة على توظيف الوسائل لبلوغ‬

‫األهداف‪.267‬‬

‫إن عملية صنع استراتيجية ما‪ ،‬تقتض ي البحث عن أفضل األساليب واألدوات‬

‫لتحقيق األهداف واملصالح املحددة سلفا‪ ،‬ولهذا عند وضع استراتيجية لتدبير أزمة ما‪،‬‬

‫يجب التوفر على عناصر أساسية‪ ،‬تحيل على وضوح الرؤية‪ ،‬وتحديد الكلفة والخطط‬

‫البديلة ملواجهة كل السيناريوهات واملخاطر‪ ،‬ومن أبرز هذه العناصر‪:‬‬

‫أ‪ /‬وضوح األهداف وتكاملها‪ :‬إذا كانت االستراتيجية هي عملية توظيف ألفضل‬

‫الخيارات والوسائل لتحقيق األهداف‪ ،‬فيفترض في هذه األخيرة أن تكون واضحة وسليمة‬

‫ومتسمة باالتساق املنطقي وعدم التناقض وتنسجم مع املصالح املراد تحقيقها‪.‬‬

‫ب‪ /‬واقعية الهدف ونفعيته‪ :‬إن اختيار الوسائل الناجحة للوصول إلى األهداف‪،‬‬

‫يفترض وجود أهداف واقعية وقابلة للتحقيق‪ ،‬ومن ثم أهمية تحقيق التوازن بين املوارد‬

‫‪ -267‬عبد القادر محمد فهمي‪ ،‬المدخل إلى دراسة االستراتيجية‪ ،‬دار مجدالوي‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬ط‪ ،0336 ،1‬ص‬
‫‪.04‬‬

‫‪P 187‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫والقدرات مع األهداف‪ ،‬وتحديد الحاجيات‪ ،‬ووضع فرضيات واحتماالت تحقيق األهداف‬

‫باإلمكانيات املتاحة‪.‬‬

‫ج‪ /‬العقالنية‪ :‬تفترض عملية تدبير األزمات وضع استراتيجية‪ ،‬تتضمن اختيارات‬

‫عقالنية هادفة‪ ،‬بين وسائل ومقاربات متعددة ومحسوبة مدى فعاليتها في تحقيق األهداف‪،‬‬

‫وبالتالي فالعقالنية تتصل بعملية اختيار الوسائل التي تؤدي إلى تحقيق األهداف عبر‬

‫التعاطي العلمي مع الواقع‪.268‬‬

‫د‪ /‬االستمرارية واملرونة‪ :‬االستراتيجية تتصف بالدوام واالستمرار‪ ،‬ووجود مخطط‬

‫قصير ومتوسط وطويل املدى‪ ،‬طاملا أن األهداف التي يسعى إليها الطرف الواضع‬

‫لالستراتيجية هي ال نهائية ومستمرة‪ ،‬وهذا ما يتطلب وضوح املراحل في ذهن املفكر‬

‫االستراتيجي من ناحية‪ ،‬وضرورة االستمرار من ناحية أخرى‪ ،‬كما يجب أن تتضمن‬

‫االستراتيجيات درجة من املرونة التي تسمح بتدبير التحوالت غير املتوقعة وغير املحتملة‪.269‬‬

‫وتعتبر أعمال ألكسندر جورج ‪ ALEXANDER .G‬من أهم املراجع التي أثرت‬
‫ُ‬
‫موضوع استراتيجيات إدارة األزمات‪ ،‬التي تعتمد كمصادر مهمة لفهم االستراتيجيات التي‬

‫تمكننا من ربطها بأزمات واقعية مختلفة‪ ،‬كما تمكن األطراف املتدخلة لتدبير األزمات من‬

‫اتباع االستراتيجية املناسبة‪ ،‬انطالقا من املعلومات والقدرات املتوفرة‪ ،‬وكان ميشيل الجوا‬

‫‪ -268‬عبد القادر محمد فهمي‪ ،‬المرجع السابق ص ‪.03‬‬


‫‪ -269‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.03‬‬

‫‪P 188‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪ MICHEL LIEGOIS‬من املعتمدين على دراسة ‪ ALEXANDER .G‬في تصنيفه الستراتيجيات‬

‫إدارة األزمات‪.‬‬

‫ويمكن اعتماد مجموعة من تصنيفات الستراتيجيات إدارة األزمات‪:‬‬

‫‪ -‬تصنيفات ‪ ORAN.R.YONG‬التي ركزت على دور الطرف الثالث في إدارة األزمات‬

‫الدولية‪.‬‬

‫‪ -‬تصنيف ‪ ALEXANDER.G‬التي تركز على آليات الردع والدبلوماسية القسرية‪.270‬‬

‫‪ -‬تصنيف محمد أحمد عبد الغفار التي تبحث عن التكامل بين وقف التصعيد‬

‫ومعالجة جذرية ألسباب األزمة‪.‬‬

‫أ‪ /‬تصنيف ألكسندر جورج ‪:ALEXANDER.G‬‬

‫َّ‬
‫قدم ألكسندر جورج إثنتا عشرة استراتيجية يمكن اعتمادها إلدارة األزمات‪ ،‬وقام‬

‫بتقسيمها إلى مجموعتين‪:‬‬

‫‪ -‬االستراتيجيات الهجومية)‪ (offensive strategies‬التي تضع في اعتباراتها اإلمكانيات‬

‫واملوارد املتوفرة لدى الخصم‪ ،‬من خالل استراتيجيات االبتزاز التمهيدي‪ /‬جس النبض‬

‫املحدود‪/‬الضغط املحكوم‪ /‬األمر الواقع‪/‬االحتكاكات البطيئة‪.‬‬

‫‪Michel liegeois « strategies de maintien de la paix de l’ otan » juin, 1997,pour -270‬‬


‫‪l'Organisation du Traité de l'Atlantique Nord in :‬‬ ‫‪https://bit.ly/38odaPt‬‬

‫‪P 181‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪-‬االستراتيجيات الدفاعية إلدارة األزمات ‪(Defensive crise Management‬‬

‫)‪ stratégies‬التي يحاول من خاللها الطرف املدافع عرقلة الخصم وإجباره على عدم‬

‫االستمرار في تطبيق استراتيجيته الهادفة إلى تغيير الوضع القائم من خالل‪ :‬دبلوماسية‬

‫القسر واإلجبار‪ /‬استراتيجية التصعيد املحدود وإعاقة التصعيد املضاد‪ /‬استراتيجية‬

‫الخطوة خطوة ‪/‬استراتيجية اختبار القدرات‪ /‬استراتيجية رسم الخط‪ /‬استراتيجية شراء‬

‫الوقت الستكشاف تسوية تفاوضية‪.271‬‬

‫ويعتمد ألكسندر جورج على مفهوم املكاسب النسبية‪ ،‬بمعنى أن اإلدارة الناجحة‬

‫ليست التي تحقق كل األهداف‪ ،‬بل التي تعمل على تعظيم املكاسب وتقليل الخسائر‪.‬‬

‫ب‪ /‬تصنيف أحمد محمد عبد الغفار‪:‬‬

‫قسم أحمد محمد عبد الغفار استراتيجيات إدارة األزمات إلى قسمين‪:‬‬

‫‪ ‬استراتيجية التدخل الخفيف ودرء األزمة املبتدئة‪ :‬التي تستهدف وقف التصعيد‬

‫في بداية األزمة قبل أن تتطور وتتحول إلى نزاع مسلح‪ ،‬وذلك عبر توظيف‬

‫الوسائل الدبلوماسية املنصوص عليها في املواثيق الدولية‪ ،‬والتي تسعى إلى صنع‬

‫السالم‪ ،‬عبر مجموعة من اآلليات‪ ،‬كإقامة التواصل وتسهيله بين أطراف النزاع‬

‫‪op,cit, p 378.-271‬‬

‫‪P 111‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫والدعوة إلى عقد مفاوضات وحوارات حول سبل تعزيز األمن من أجل زرع الثقة‬

‫بين األطراف‪.272‬‬

‫‪ ‬استراتيجية التدخل العميق‪ :‬التي تبحث عن األسباب الجذرية لألزمات‬

‫ومعالجتها بعد حدوث األزمة‪ ،‬وال تعني التسوية أو الحل اللذين يعتمدان على‬

‫توقيع االتفاقات‪ ،‬وإنما القصد هو وضع الضمانات التي تجعل األطراف ال‬

‫يرتدون عن عملية السالم التي تلت عملية التسوية‪ ،‬وبالتالي خلق الظروف‬

‫املواتية التي تمكن من تجاوز أسباب املشكلة في األصل‪ ،‬وترتبط الضمانات‬

‫بوجود‪:‬‬

‫‪-‬العب قيادي‪ ،‬قد يكون منظمة أو دولة راعية للسالم‪ ،‬وتحظى باملصداقية والقبول‬

‫من طرف أطراف النزاع‪.‬‬

‫‪-‬وجود طرق سياسية وعسكرية منظمة‪ ،‬تهدف إلى وقف العنف‪ ،‬وتلبية االحتياجات‬

‫اإلنسانية التي تنتج األزمة ودعم املشاكل بتقوية القدرات‪.‬‬

‫‪-‬توفير املوارد الكافية لتغطية التزام الدولة الراعية لصنع السالم‪.‬‬

‫‪-‬وجود تخطيط واضح وبدائل لرسم معالم الدولة أو املجال بعد التسوية‪.273‬‬

‫‪ -272‬أحمد محمد عبد الغفار" فض النزاعات في الفكر والممارسة الغربية‪ :‬دراسة نقدية وتحليلية"‪ ،‬الجزء األول‬
‫تحت عنوان‪ :‬الدبلوماسية الوقائية وصنع السالم‪ ،‬دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬الجزائر‪ ،0330 ،‬ص ‪.062‬‬
‫‪-273‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.076‬‬

‫‪P 111‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫وبالتالي فإن حدوث أزمة ما‪ ،‬يدفع الدول إلى اعتماد استراتيجيات ووسائل تحول‬

‫دون امتدادها إلى مجالها‪ ،‬عبر الدبلوماسية الوقائية أو السياسية أو االقتصادية وتسهيل‬

‫حلول سلمية لألزمات‪ ،‬من خالل استثمار أمثل إلمكاناتها وقدراتها الجغرافية والتاريخية‬

‫واالقتصادية‪.‬‬

‫‪P 112‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫خاتمة‪:‬‬

‫لقد وضعت املؤسسات الدولية وهيئة األمم املتحدة باعتبارها أعلى مؤسسة أممية‬

‫تعنى بحفظ األمن والسلم الدوليين‪ ،‬مجموعة من الوسائل واآلليات السلمية للحفاظ على‬

‫أسس االستقرار والتعايش على مستوى العالم‪ ،‬والحد من النزاعات والصراعات‪ ،‬منها ما‬

‫جاء في امليثاق األممي‪ ،‬ومنها ما تفرق في نصوص مؤسسات وهيئات قارية وإقليمية‪ ،‬غير ان‬

‫الخيط الناظم بينها مرتبط بالهدف العام منها؛ فهي وسائل سياسية ودبلوماسية هدفها‬

‫حفظ األمن والسلم الدوليين‪ ،‬وذلك بالحد من كل ما من شأنه خلق التوترات بين الحدود‬

‫والدول في إطار استباقي ووقائي يحول دون الوصول إلى مرحلة املواجهة املسلحة‪ .‬وعليه‬

‫فـإن تقييم قدرة الهيئات واملؤسسات واملواثيق الدولية على حفظ االستقرار الدولي يرتبط‬

‫بمستوى قدرتها الفعلية على فرض القانون واإلكراه على الخضوع له‪ ،‬ويسائل نجاعة‬

‫اآلليات السياسية في مواجهة عنصر القوة في حل النزاعات‪.‬‬

‫وختاما‪ ،‬يمكن إسقاط هذه اآلليات والوسائل الدبلوماسية حتى على عالقات األفراد‬

‫فيما بينهم املؤطرة بقواعد أخالقية وقيمية‪ ،‬ومنظمة كذلك في قواعد قانونية ملزمة‬

‫للجميع‪ ،‬تسعى لتحقيق التعايش واألمن الروحي‪ ،‬وتحقق تدبير عقالنيا وسلميا لالختالف‬

‫والصراع واألزمات‪.‬‬

‫‪P 113‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫الئحة املراجع‬

‫الكتب بالعربية‪:‬‬

‫‪-‬أحمد محمد عبد الغفار" فض النزاعات في الفكر واملمارسة الغربية‪ :‬دراسة نقدية‬

‫وتحليلية"‪ ،‬الجزء األول تحت عنوان‪ :‬الدبلوماسية الوقائية وصنع السالم‪ ،‬دار هومة‬

‫للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬الجزائر‪.7009،‬‬

‫‪-‬ادريس زروقي‪ ،‬إدارة األزمات ونزاع الصحراء املغربية‪-‬دراسة تحليلية‪-‬الطبعة األولى‪،‬‬

‫مطبعة الكتاب‪ ،‬الدار البيضاء‪.7082 ،‬‬

‫‪-‬ادريس لكريني‪ "،‬إدارة األزمات في عالم متغير‪ :‬املفهوم واملقومات والوسائل‬

‫والتحديات"‪ ،‬املركز العلمي للدراسات السياسية‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬املطبعة والوراقة‬

‫الوطنية‪ ،‬مراكش‪.7084 ،‬‬

‫‪-‬ادريس لكريني‪ ،‬إدارة األزمات في عالم متغير‪ :‬املفهوم واملقومات والوسائل‬

‫والتحديات‪ ،‬املركز العلمي للدراسات السياسية‪ ،‬املطبعة والوراقة الوطنية‪ ،‬مراكش‪،‬‬

‫املغرب‪ ،‬الطبعة الثانية‪.7084 ،‬‬

‫‪-‬إسماعيل عبد الفتاح عبد الكافي" إدارة الصراعات واألزمات الدولية"‪ ،‬مطبعة كتب‬

‫عربية‪.7007 ،‬‬

‫‪-‬أمين هويدي‪ ،‬التحوالت االستراتيجية‪ ،‬البيروسترويكا وحرب الخليج األولى‪ ،‬الطبعة‬

‫األولى‪ ،‬دار الشروق مصر‪.8332 ،‬‬

‫‪P 114‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪-‬جمال أحمد املختار‪ ،‬املفاوضات وإدارة األزمات‪ ،‬مجلة السياسة الدولية‪ ،‬مركز‬

‫األهرام‪ ،‬مصر‪ ،‬العدد‪.8337 ،802‬‬

‫‪-‬حسن بكر أحمد‪ ،‬إدارة األزمة الدولية‪ :‬نحو بناء نموذج عربي في القرن الواحد‬

‫والعشرين‪ ،‬مركز الدراسات السياسية واالستراتيجية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪.7002 ،‬‬

‫‪-‬حسن عماد مكاوي‪ ،‬اإلعالم ومعالجة األزمات‪ ،‬ط‪ ،8‬الدار املصرية اللبنانية‪ ،‬القاهرة‪،‬‬

‫مصر‪.7002،‬‬

‫‪-‬حسن عماد مكاوي‪ ،‬اإلعالم ومعالجة األزمات‪ ،‬ط‪ ،8‬الدار املصرية اللبنانية‪.7002 ،‬‬

‫‪-‬سالم عبد هللا علوان الحبس ي‪ ،‬إدارة األزمات األمنية‪ ،‬مركز اإلمارات للدراسات‬

‫والبحوث االستراتيجية‪ ،‬الطبعة األولى ‪.7080‬‬

‫‪-‬سالم عبد هللا علوان الحبس ي‪"،‬إدارة األزمة األمنية"‪ ،‬مركز اإلمارات للدراسات‬

‫والبحوث االستراتيجية‪ ،‬الطبعة األولى ‪.7080‬‬

‫‪-‬سامي ابراهيم الخزندار‪ :‬إدارة الصراع وفض املنازعات –إطار نظري – الدار العربية‬

‫للعلو م ناشرون‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة األولى‪.7084 ،‬‬

‫‪-‬سوران إسماعيل عبد هللا بنديان‪ "،‬دور العقوبات الذكية في إدارة األزمات الدولية"‪،‬‬

‫منشورات الحلبي الحقوقية‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة األولى‪.7089 ،‬‬

‫‪-‬سوران اسماعيل عبد هللا‪ ،‬دور العقوبات الذكية في إدارة األزمات الدولية‪ ،‬الطبعة‬

‫األولى‪ ،‬منشورات الحلبي الحقوقية‪ ،‬لبنان‪.7089،‬‬

‫‪P 115‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪-‬شدود ماجد محمد‪ ،‬إدارة األزمات واإلدارة باألزمة‪ ،‬األوائل للنشر والتوزيع دمشق‪،‬‬

‫سوريا‪.7007 ،‬‬

‫‪-‬صالح يحيى الشاعري‪" ،‬تسوية النزاعات الدولية سلميا"‪ ،‬مكتبة مدبولي‪ ،‬القاهرة‪،‬‬

‫الطبعة األولى‪.7007،‬‬

‫‪-‬عبادة محمد التامر‪ ،‬سياسة الواليات املتحدة األمريكية وإدارة األزمات الدولية‪،‬‬

‫املركز العربي لألبحاث ودراسات السياسات‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬بيروت‪ ،‬أبريل ‪.7082‬‬

‫‪-‬عباس رشدي العماري‪ ،‬إدارة األزمات في عالم متغير‪ ،‬مركز األهرام للترجمة والنشر‪،‬‬

‫القاهرة‪ ،‬مصر‪.8339 ،‬‬

‫‪-‬عبد القادر محمد فهمي‪ ،‬املدخل إلى دراسة االستراتيجية‪ ،‬دار مجدالوي‪ ،‬عمان‪،‬‬

‫األردن‪ ،‬ط‪.7007 ،8‬‬

‫‪-‬علي صبح‪ :‬الصراع الدولي في نصف قرن ‪ ،8332-8342‬دار املنهل اللبنانية‪ ،‬الطبعة‬

‫الثانية ‪.7007‬‬

‫‪-‬كارل سيليكيو‪" ،‬عندما يحتدم الصراع‪ :‬دليل عملي الستخدام الوساطة في حل‬

‫النزاعات"‪ ،‬الدار الدولية للنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة األولى‪.8333 ،‬‬

‫‪-‬محمد الوحيش ي‪ "،‬مكانة املوظف الدولي في حل النزاعات "‪ ،‬منشورات املنظمة‬

‫العربية للتنمية اإلدارية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬الطبعة األولى‪.7007 ،‬‬

‫‪P 116‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪-‬هيا عدنان عاشور‪ ،‬الديناميكا السياسية وإدارة األزمات الدولية‪ :‬اإلدارة األمريكية‬

‫ألزمة امللف النووي اإليراني أنموذجا‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬دار الجندي للنشر والتوزيع‪ ،‬القدس‪،‬‬

‫سنة‪.7087‬‬

‫أطروحات جامعية‬

‫‪-‬ادريس لكريني‪ ،‬إدارة مجلس األمن لألزمات العربية في التسعينيات‪ -‬أزمة لوكيربي‬

‫نموذجا‪ -‬أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام‪ ،‬جامعة محمد الخامس‪ ،‬كلية العلوم‬

‫القانونية واالقتصادية واالجتماعية أكدال‪ ،‬سنة ‪.7008‬‬

‫‪-‬بسكاك مختار "حل النزاعات الدولية على ضوء القانون الدولي"‪ ،‬مذكرة مقدمة‬

‫لنيل شهادة ماجستير‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬جامعة وهران‪ ،‬السنة الجامعية‬

‫‪.7087/7088‬‬

‫‪-‬حفناوي مدلل‪ "،‬الدبلوماسية الوقائية كآلية لحفظ السلم واألمن الدوليين"‪ ،‬مذكرة‬

‫مكملة لنيل شهادة املاجستير في الحقوق‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬جامعة محمد‬

‫خيضر ببسكرة‪ ،‬الجزائر‪.‬‬

‫مقاالت ودراسات‬

‫‪-‬أحمد محمد وهبان‪ "،‬تحليل إدارة الصراع الدولي‪ ،‬دراسة مسحية لألدبيات‬

‫املعاصرة "‪ ،‬مجلة عالم الفكر‪ ،‬الصادرة عن املجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب‪،‬‬

‫الكويت‪ ،‬العدد ‪ 4‬املجلد ‪ ،97‬أبريل ‪ /‬يونيو ‪.7001‬‬

‫‪P 117‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس‬40 ‫العدد‬

‫ مقاربة الدور األمريكي في‬:‫ادريس لكريني " إدارة األزمات الدولية في عالم متحول‬-

‫ على‬،7007 ‫ أكتوبر‬2 ،‫ بتاريخ‬،‫ مقالة منشورة بموقع ديوان العرب‬،"‫املنطقة العربية‬

https://bit.ly/2OPiVOt:‫الرابط‬

‫ مجلة‬،"‫حمدي عبد الرحمان حسن" الصراعات العرقية والسياسية في إفريقيا‬-

.7004 ‫ أكتوبر‬،‫ العدد األول‬،‫قراءات إفريقية‬

‫مراجع أجنبية‬

- -CHRONIQUE DE L’HUMANITE-larousse-édition JAQUES LE


GRAND.S.A.PARIS 1986.

- HERMAN Gérald, » La conciliation, nouvelle méthode de règlement »


revue Arbitrage n°3 ,1985.

- Holsti, OR. "Historians, Social Scientists, and Crisis Management: An


Alternative View." Journal of Conflict Resolution ,December 1980.

- Raymond Tanter and Richard Ulman, «Theory and Policy International


Relations- Washington,Center of International Studies, 1972.

--Hermann, Charles F.. "International Crisis as a Situational Variable." In


International Politics and Foreign Policy. A Reader in Research and Theory,new
york : the free press 1969.
--Michel Liegeois « Strategies de Maintien de la Paix de l’OTAN » juin,
1997,pour l'Organisation du Traité de l'Atlantique Nord in :
https://bit.ly/38odaPt

P 118 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪Limited human rights protection mechanisms‬‬


‫مقدمة‪:‬‬
‫اتخدت حقوق اإلنسان بعدا دوليا‪ ،‬بدخول امليثاق األمم املتحدة حيز النفاذ في أكتوبر‬

‫‪ ،8342‬شكل امليثاق نظاما قانونيا دوليا لحمايتها‪ ،‬حين أشار إليها سبعة مرات في بنود‬

‫امليثاق‪ ،‬منها الديباجة‪ ،‬التي أكدت إيمانا بهذه الحقوق‪ ،‬لكن هذه اإلشارات جاءت خالية‬

‫من أي تعريف لها‪ ،‬كما أنها لم تنص على آلية للرقابة على تنفيذها‪.‬‬

‫تدارك لهذا النقص‪ ،‬قامت لجنة األمم املتحدة لحقوق اإلنسان بصياغة‬

‫اإلعالن العاملي لحقوق اإلنسان‪ ،‬وبعده صدر العهدين الدوليين لحقوق اإلنسان‪ ،‬وقد‬

‫كونت هذه املواثيق ما يسمى بالشرعة الدولية لحقوق اإلنسان‪ .‬وباإلضافة إلى هذه املواثيق‬

‫صدرت عشرات من اإلعالنات والعهود التي تتناول حقوق اإلنسان من شد الجوانب‪ ،‬وتحدد‬

‫الشروط والضمانات الكفيلة باحترامها‪.‬‬

‫ومع توالي ظهور هذه املواثيق واالتفاقيات أدرك املجتمع الدولي الحاجة إلى وجود‬

‫آليات تقوم على حماية وتعزيز حقوق اإلنسان‪ ،‬وتضمن وفاء الدول بااللتزامات الناتجة‬

‫‪P 111‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫عن انضمامها إلى هذه االتفاقيات وأضحت حقوق اإلنسان محال لتنظيم دولي تقوم على‬

‫حمايته آليات متعددة‪.‬‬

‫وبغرض حماية حقوق اإلنسان الواردة في اإلعالنات و املواثيق الدولية‪ ،‬أنشأت األمم‬

‫املتحدة عدد من اآلليات لنشر معايير حقوق اإلنسان وتطبيقها ورصدها ووضع هذه‬

‫الحماية موضوع التنفيذ‪.‬‬

‫من املؤكد أن أحكام االتفاقيات الدولية املتعلقة بحقوق اإلنسان وعلى رأسها‬

‫العهدين الدوليين لسنة ‪ 8377‬تعتبر ملزمة للدول التي صادقت عليها أو انضمت إليها‪ .‬ومن‬

‫أجل ضمان إعمال مقتضياتها نصت العديد من هذه االتفاقيات على‬

‫آليات أوميكانيزمات وتدابير تنفيذ‪ ،‬خاصة لتطبيق بنودها ومرعاة الدول األطراف للحقوق‬

‫التي تحميها‪.‬‬

‫كما يتضح كذلك‪ ،‬أنه لتعزيز حماية هذه الحقوق وضمانها من كل انواع البطش‬

‫واالعتداء اتجهت جهود املجموعة الدولية إلى إحداث آلية قضائية غير مسبوقة لتوفير‬

‫حماية أفضل لهذه الحقوق‪.‬‬

‫أهمية املوضوع‪:‬‬

‫كموضوع البحث أهمية كبيرة‪ ،‬لكونه يتناول موضوعا من املواضيع املهمة في مجال‬

‫منظومة األمم املتحدة للرقابة على حماية حقوق اإلنسان‪ ،‬باعتباره يبحث في مدى نجاعة‬

‫و فعالية وسائل الرقابة مع على امتثال الدول ألحكام اتفاقيات حقوق اإلنسان‪.‬‬

‫‪P 211‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫إشكالية الدراسة‪:‬‬

‫انطالقا مما سبق‪ ،‬يحاول املقال البحث في مدى فعالية هذه اآلليات وامليكانيزميات في‬

‫التصدي ومراقبة وحماية حقوق اإلنسان؟‪.‬‬

‫أسئلة الدراسة‪:‬‬

‫تتفرغ عن اشكالية الدراسة الرئيسية األسئلة الفرعية التالية‪.‬‬

‫‪ -‬إلى أي مدى تقوم هذه اآلليات بحماية حقوق اإلنسان؟‬

‫‪ -‬هل استطاعت هذه اآلليات اخضاع الدول إلى االمتثال ألحكام االتفاقية‬

‫لحقوق اإلنسان؟‬

‫‪ -‬ما مدى نجاعة هذه امليكانيزمات في مراقبة و حماية حقوق اإلنسان؟‬

‫‪ -‬هل هناك آلية قضائية دولية أثبتت فعاليتها ونجاعتها في زجر و معاقبة منتهكي‬

‫الحقوق والحريات األساسية للفرد؟‬

‫فرضية الدراسة‪:‬‬

‫تنطلق الدراسة من فرضية مفادها أن منظومة األمم املتحدة لحماية حقوق اإلنسان‬

‫أنشأت مجموعة من اآلليات كنظام يعمل على نشر وتطبيق معايير حقوق اإلنسان الواردة‬

‫في أحكام االتفاقيات املعنية بحقوق اإلنسان لعل أهمها‪ :‬آلية التقارير و آلية الشكاوى‬

‫كنظامين أساسيين في الرقابة على مدى احترام و تطبيق قواعد حقوق اإلنسان‪.‬‬

‫‪P 211‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫أهمية الدراسة‪:‬‬

‫انطالقا مما سبق‪ :‬يمكن تحدد أهداف الدراسة كاآلتي‪:‬‬

‫‪ -‬البحث في مدى نجاعة نظام الرقابة الدولي على حقوق اإلنسان‪.‬‬

‫‪ -‬تقييم أهم الوسائل و الطرق املعتمدة من قبل االتفاقيات الدولية لحقوق‬

‫االنسان‪ ،‬ونعني بذلك التقارير التي تقدمها الدول و شكاوى الدول و شكاوى‬

‫األفراد‪.‬‬

‫خطة الدراسة‪:‬‬

‫لإلحاطة بجوانب املوضوع‪ ،‬ارتأينا أن نقسم هذا املوضوع إلى مبحثين‪:‬‬

‫املبحث األول‪ :‬يعالج عدم نجاعة النظام األممي للرقابة‪.‬‬

‫املبحث الثاني‪ :‬يتناول نقائص الحماية القضائية الدولية لحقوق اإلنسان‪.‬‬

‫‪P 212‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫املبحث األول‪ :‬عدم نجاعة النظام األممي للرقابة‪.‬‬

‫نص ميثاق األمم املتحدة لحماية حقوق اإلنسان على العديد من األجهزة‬

‫واإلجراءات الدولية املعنية باحترام حقوق اإلنسان‪ ،‬لعل أهمها إنشاء لجان ملراقبة تطبيق‬

‫الوثائق الدولية الخاصة بحقوق اإلنسان‪ .‬فإن هذه اللجان تهدف‪ ،‬من جهة إلى مراقبة‬

‫أوضاع حقوق اإلنسان للوقاية من حدوث االنتهاكات وذلك عن طريق نظام التقارير‬

‫الدولية‪ ،‬ومن جهة اخرى قد تتلقى العرائض والشكاوى وتجري التحقيقات الالزمة اثرى‬

‫حدوث اعتداءات على حقوق اإلنسان‪.‬‬

‫لكن ما يالحظ هو عدم نجاعة هذه اآلليات في التصدي ملنع وقوع االنتهاكات للحقوق‬

‫والحريات الفردية وذلك بسبب ضعف نظام التقارير( مطلب األول) و محدودية‬

‫نظام التظلم أو قبول العرائض والشكاوى (مطلب الثاني)‪.‬‬

‫‪ .8‬املطلب األول‪ :‬نظام التقارير الدولية لحماية حقوق اإلنسان‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬دور لجان حقوق اإلنسان في حماية حقوق اإلنسان‪.‬‬

‫من اجل تقييم دور اللجان يجب البحث في مدى نجاعة أسلوب عملها في ما يتعلق‬

‫بدراسة التقارير ومناقشتها‪.‬‬

‫أوال‪ :‬تلقي التقارير‪.‬‬

‫من وسائل حماية حقوق اإلنسان على املستوى الدولي نظام التقارير الذي أنش ئ بناء‬

‫على اتفاقيات دولية تلت ميثاق األمم املتحدة‪ ،‬أو بناء على اتفاقيات الوكاالت‬

‫‪P 213‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫الدولية املتخصصة التي تعاهدت الدول األطراف فيها بتقديم تقارير عن التدابير التي تكون‬

‫قد اتخذتها في سبيل حماية حقوق اإلنسان و عن التقدم املحرز في مجال حقوق‬
‫التعاقدية‪274.‬‬ ‫اإلنسان‪ ،‬ويتم توجيه هذه التقارير إلى اللجان‬

‫تضمن وسيلة التقارير الدولية استعراض شامل ملختلف القوانين والتدابير اإلدارية‬

‫وغيرها‪ ،‬التي تتخذها الدول األطراف بغية تنفيذ التزاماتها املنبثقة عن االتفاقيات وإعمال‬

‫الحقوق الواردة فيها‪ ،‬كما تمكن وسيلة التقارير الدولية اللجان الرقابية من إجراء‬

‫متابعة ومراقبة للوضعية الحقيقية الخاصة بالحقوق املنصوص عليها في االتفاقيات و‬

‫تقييم التقدم املحرز بشأن تطبيق مضمونها والذي يتطلب من الدول إيجاد اآلليات الكافية‬

‫إلعداد تقارير شاملة على جميع الحقوق املنصوص عليها في االتفاقيات وعلى مدى تمتع‬

‫األطراف بهذه الحقوق‪.‬‬

‫بفضل وسيلة التقارير يمكن الحد من انتهاكات حقوق اإلنسان وتصحيحها‪ ،‬فقد تسفر‬

‫عملية فحص التقارير خاصة عند مشاركة الجهات غير الرسمية عن تصورات‬

‫جديدة وتغيرات في القوانين الوطنية‪ ،‬النموذج األمثل أن املغرب غير قوانينه الوطنية بعد‬

‫دراسة اللجنة املعنية بالقضاء على التمييز ضد املرأة ورفع تحفظاته على بعض األحكام‬

‫الواردة في االتفاقية‪ .‬كما غيرت نيوزيالندا قانونها الوطني بعد دراسة اللجنة املعنية بحقوق‬

‫اإلنسان لتقريرها واستنتاجاتها بوجود مساس ملصالح األفراد‪ .‬تجدر اإلشارة أن هذه اللجان‬

‫تقوم بدور حمائي لحقوق اإلنسان وذلك من خالل وظائف الرقابة العامة والرصد والتقييم‬

‫‪ 274‬عبد العزيز العروسي‪ " :‬التشريع المغربي و االتفاقيات الدولية لحقوق اإلنسان‪ :‬مالئمات قانونية و دستورية"‪ ،‬المجلة‬
‫المغربية لإلدارة المحلية و التنمية‪ ،‬سلسلة مواضيع الساعة‪ ،‬العدد ‪ ،2065 ،08‬ص ‪.692‬‬

‫‪P 214‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫فقد‬ ‫اللجان‪275.‬‬ ‫ألوضاع حقوق اإلنسان في الدول املصادقة على االتفاقيات املحدثة لهذه‬

‫ساهمت آلية توجيه التقارير الدورية الوطنية إلى الهياكل التابعة ملنظمة األمم املتحدة في‬

‫تحسين وضعية حقوق اإلنسان بصفة عامة وذلك بموجب تنصيص الدول املعنية‪ ،‬ضمن‬

‫تلك التقارير على التدابير التشريعية والبرامج التنفيذية املتخذة في سبيل تكريس تلك‬

‫الحقوق من مستوى النصوص القانونية إلى مستوى الواقع اليومي وحرص الدول على‬

‫التجاوب إيجابيا مع توصيات اللجان كما هو الشأن بالنسبة للمغرب‪.‬‬

‫تجدر اإلشارة إلى وجود مشاكل وانتهاكات يمكن حلها بواسطة تعديل التشريعات ذات‬

‫الصلة أو تغيير املمارسات اإلدارية غير إن ثمة مشاكل أخرى يتعذر حلها بهذا الشكل‬

‫السريع حيث تتطلب صيانة مجموعة من السياسات طويلة األمد بهدف اإلمتثال الدائم‬

‫والكامل لاللتزامات التي تتضمنها االتفاقية‪ ،‬فعل سبيل املثال فإن القضاء على‬

‫التمييز القائم على العنصر أو الجنس‪ ،‬يتطلب بذل جهود إلحداث تغيرات في التقاليد‬

‫الثقافية‪ ،‬وهذا يستحيل تحقيقه بين عشية وضحاها‪ ،‬وعليه فعملية تقديم التقارير يمكن‬

‫أن تتساعد على صياغة سياسة مفصلة والحد من االنتهاكات املمنهجة لحقوق اإلنسان‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬دراسة ومناقشة التقارير‪.‬‬

‫تتولى اللجان املعنية بحماية حقوق اإلنسان دراسة التقارير املقدمة إليها‪ .‬ومناقشة‬

‫الدول بشأنها ثم تبدي مالحظاتها الختامية التي تتضمن الجوانب اإليجابية في‬

‫‪ 275‬ابراهيم أحمد خليفة‪" :‬االلتزام الدولي باحترام حقوق اإلنسان وحرياته األساسية"‪ :‬دار الجامعة الجديدة اإلسكندرية ‪2008‬‬
‫ص‪1‬‬

‫‪P 215‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫التقرير وتوجه التوصيات التي يتعين على الدولة العمل على تنفيذها ثم رفع هذه التوصيات‬

‫إلى الدول وإلى الجمعية العامة عن طريق املجلس االقتصادي واالجتماعي في التقرير‬
‫السنوي‪276.‬‬

‫تتلقى اللجان التقارير البديلة أو تقارير الظل أو املوازية املقدمة من املنظمات غير‬

‫الحكومية حيث تتولى هذه املنظمات تقديم معلومات إضافية حول حالة حقوق‬

‫اإلنسان الدولة املعنية‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬تقييم آلية التقارير‪.‬‬

‫على الرغم من أن التقارير تعتبر من آليات اإلشراف والرقابة لكافة الهيئات‬

‫التعاقدية‪ ،‬على التزام الدول األطراف باالتفاقيات الدولية لحقوق اإلنسان‪ ،‬فإن هذه‬

‫اآللية تعاني العديد من الثغرات وفقا للتوضيح التالي‪:‬‬

‫‪ -8‬غياب الضمانات لرفع التقارير ‪:‬‬

‫ال توجد آلية لضمان رفع التقارير من الدول األطراف في الوقت املحدد‪ .‬هذا عدا عن‬

‫أن أجهزة اإلشراف التي تتلقي هذه التقارير‪ ،‬ال تملك سلطة حمل الدولة على أداء التزامها‬

‫برفع التقارير"‪ 277.‬خاصة في ظل إنفاق عدد ليس بقليل من الدول في تقديم تقاريرها "إما‬
‫التقارير‪278.‬‬ ‫إهماال أو عمدة‪ ،‬رغم تذكير اللجان لها مرات عديدة برفع هذه‬

‫‪ 276‬تتلقى اللجان التقارير البديلة أو تقارير الظل أو الموازية المقدمة من المنظمات غير الحكومية‪ ،‬حيث تتولى هذه المنظمات‬
‫تقديم معلومات اضافية حول حالة حقوق اإلنسان في الدولة المعنية ‪.‬‬
‫‪ 277‬د‪ .‬أحمد الرشيدي‪ ،‬آ ليات الحماية الدولية لحقوق االنسان‪ ،‬نظام التقارير و الشكاوى‪ .‬مقال منشور على األنترنيت‪.‬‬
‫‪http://www.4shared.com/documant/7o1Py7y0/.htm‬‬
‫‪ 278‬د‪ .‬عبد هللا علي عبو ساطان‪ ،‬دور القانون الدول الجنائي في حماية حقوق اإلنسان‪ ،‬دار دجلة‪ ،‬عمان ‪ ،2000‬ص‪.22‬‬

‫‪P 216‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪ -7‬ضعف املصداقية ‪:‬‬

‫إن اقتصار الدول املتعاقدة عادة في تقديم تقاريرها على مجرد عرض تشريعاتها‬

‫الوطنية املتفقة مع مقتضيات االتفاقية ذات صلة‪ ،‬يجعل من نظام التقارير نظاما شكليا‬

‫وضعيفا‪ ،‬بحكم ارتكانه من جهة أولى‪ ،‬إلرادة دول األطراف في إعمال أو‬

‫استبعاد أحكام اتفاقيات حقوق اإلنسان‪ ،‬ومن جهة ثانية غياب تقييم نقدي‬

‫موضوعي ملجريات السياسة الحقوقية من قبل هذه التقارير‪279.‬‬

‫من املحتمل بل والغالب‪ ،‬أن تصور الدول في تقاريرها حالة حقوق اإلنسان بالجيدة‪،‬‬

‫وإنها تقوم بالوفاء بالتزاماتها التعاقدية‪ .‬بعبارة أخرى‪ ،‬ال يعقل أن ترفع حكومة ما تقريرا‬

‫للجان التعاقدية‪ ،‬تقر به انتهاكها ألحكام االتفاقية‪ ،‬وعجزها عن الوفاء بالتزاماتها‬

‫التعاقدية‪.‬‬

‫من هذا املنطلق يرى أحد الباحثين أن وسيلة إعداد التقارير تعد " أقل وسائل الرقابة‬

‫لكن بمقدورنا تجاوز‬ ‫ذاتها"‪280.‬‬ ‫الفعالة‪ ،‬حيث أن تحصيل املعلومات يتم بواسطة الدول‬

‫إشكالية عدم مصداقية الدولة في التقارير املقدمة منها‪ ،‬حال قيام املنظمات غير الحكومية‬

‫والوكاالت املتخصصة‪ ،‬بتزويد اللجان التعاقدية بمعلومات و بیانات دقيقة وموثقة‪.‬‬

‫‪ 279‬محمد يوسف علوان‪ ،‬محمد خليل موسى‪ ،‬القانون الدولي لحقوق اإلنسان‪ ،‬المصادر ووسائل الرقابة‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬دار‬
‫الثقافة للنشر و التوزيع‪ ،‬األردن‪ 2004 ،‬ص ‪.210‬‬
‫محمد سامي عبد الحميد و مصطفى سالمة حسين‪ ،‬القانون الدولي العام دار الجامعي‪ ،‬اسكندرية ‪ ،6990‬ص ‪.211‬‬ ‫‪280‬‬

‫‪P 217‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪ -9‬عدم قدرة اللجنة على اتخاذ قرارات ‪:‬‬

‫ال تمتلك اللجان التعاقدية القدرة على اتخاذ القرارات‪ ،‬وال تمتلك صالحيات فعالة‬

‫تمكنها "‬

‫من اتخاذ إجراءات محددة في مواجهة الدولة الطرف‪ ،‬عند ثبوت إخاللها بإحكام‬
‫االتفاقية"‪281.‬‬

‫كثيرا ما تقف اللجان التعاقدية لدي قيامها بدورها الرقابي واإلشرافي‪ ،‬أمام مجموعة‬

‫من االنتهاكات ألحكام االتفاقية‪ ،‬وهنا يثار السؤال الجوهري‪ ،‬حول القرارات واإلجراءات‪،‬‬

‫التي تستطيع اللجنة اتخاذها في مواجهة الدولة‪ .‬فكافة اللجان التعاقدية وبدون استثناء‪،‬‬

‫ال تمتلك الصالحية إلصدار قرارات ملزمة من ناحية أولى‪ ،‬كما أنها غير مخولة باتخاذ أية‬

‫إجراءات‪.‬‬

‫إن النتيجة املترتبة على فحص التقارير‪ ،‬عدم اتخاذ أية قرارات أو إجراءات هامة‪،‬‬

‫كون اللجان التعاقدية املخولة ببحث التقارير" ال تملك أن تتخذ إجراءات وقرارات تنفيذية‬
‫محددة"‪282.‬‬

‫‪ 281‬سعيد فهيم خليل‪ ،‬الحماية الدولية لحقوق اإلنسان في الظروف االستثنائية‪ .‬اميديست‪.6996 ،‬‬
‫‪ 282‬عبد الواحد محمد الفار‪ ،‬قانون حقوق اإلنسان في الفكر الوضعي و الشريعة االسالمية‪ ،‬دار النهضة العربية القاهرة‪،‬‬
‫‪ ،6996‬ص ‪.525‬‬

‫‪P 218‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫ال يقصد من وراء ذلك التقليل من الدور الذي تقوم به اللجنة‪ ،‬ولكن صالحياتها‬

‫محدودة‪ ،‬وبعد فحص التقارير‪ ،‬ال تصدر اللجان املتخصصة" أية قرارات ضد الدولة غير‬
‫‪283.‬‬ ‫امللتزمة وإنما تكتفي بإصدار مجموعة مالحظات وتوصيات تضمنها تقريرها السنوي‬

‫فاملسؤولية املترتبة على مخالفة أحكام االتفاقية‪ ،‬تنحصر في املسؤولية السياسية‬

‫للدول أمام األجهزة‪ 284،‬خاصة وأنها تفتقر للمسؤولية الجزائية‪ ،‬وتعويض ضحايا االنتهاكات‪.‬‬

‫تحمل آلية تقديم التقارير العديد من السمات اإليجابية‪ ،‬لحملها الدول تقديم كشف‬

‫حساب اللجنة حول مدى تقدمها في تطبيق أحكام االتفاقية‪ ،‬وطبيعة اإلجراءات التشريعية‬

‫والسياسات‪ ،‬التي اتبعتها لتحقيق هذا التقدم‪ ،‬والزامها الدول على تقديم تقارير لجهات‬

‫اإلشراف والرقابة الدولية‪ ،‬وما يعنيه ذلك من إفساح الدول املجال للهيئات التعاقدية على‬

‫الرقابة واإلشراف لوفائها بالتزاماتها‪.‬‬

‫كما تجدر اإلشارة إلى أن نظام املراقبة ألوضاع حقوق اإلنسان من طرف اللجان‬

‫التعاهدية‪ ،‬املرتكز على تقنية التقارير الدورية‪ ،‬ال يمكنه حتى ولو رصد انتهاكات لحقوق‬

‫اإلنسان‪ ،‬معاقبة الدول املنتهكة‪ ،‬وإنما يكتفي بإصدار توصيات إلى الدول املعنية وبالتالي‬

‫ال يمكن ضحايا تلك االنتهاكات من إمكانية املطالبة التعويضات الالزمة عند االعتداء على‬

‫حقوق اإلنسان‪ ،‬وهذا ما يحد من فاعلية حماية حقوق اإلنسان من طرف هذه اآللية‪،‬‬

‫‪ 283‬عبد هللا علي عبو سلطان‪ ،‬دور القانون الدولي الجنائي في حماية حقوق اإلنسان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.24-25‬‬
‫‪ 284‬علي محمد الدباس و علي عليان أبو زيد‪ ،‬حقوق اإلنسان و حرياته ودور شرعية اإلجراءات الشرطية في تعزيزها‪،‬‬
‫دراسة تحليلة لتحقيق التوازن بين حقوق اإلنسان و حرياته و أمن المجتمع تشريعا و فقها و قضاء‪ .‬دار الثقافة للنشر و‬
‫التوزيع‪ ،‬عمان‪ 2009 ،‬ص ‪.212‬‬

‫‪P 211‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫وهو ما حدا بمنظمة األمم املتحدة إلى اعتماد آلية رفع الشكاوى من طرف األفراد‪ ،‬الذين‬

‫يدعون انتهاك دولهم لحقوقهم‪ ،‬وذلك إلى اللجان األممية‪.‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬نظام الشكاوى لحماية حقوق اإلنسان‪.‬‬

‫يعد نظام الشكاوى أحد االجراءات فيمكن ألية دولة طرف أو لألفراد التقدم‬

‫للجنة املعنية بشكوى لعدم تقييد دولة طرف بالتزاماتها التعاقدية ولذلك النظام‬

‫الشكاوي اختياري يمكن للدول قبول اختصاصها أو االمتناع عن ذلك‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬نظام شكاوى الدول‬

‫هناك معاهدات أو اتفاقات التي نصت بصريح العبارة في موادها السماح للدول‬

‫باللجوء إلى هيئة قصد إخطارها ببالغات ضد دولة أخرى‪ ،‬حول خروقات حقوق‬
‫اإلنسان‪285.‬‬

‫فالعهد الدولي الخاص بالحقوق املدنية و السياسية في مادته ‪ 47 ، 48‬أعطى كل طرف‬

‫حق تقديم شكوى ضد أي طرف آخر يرى أنه لم يفي بالتزاماته التعاقدية‪ ،‬حيث تتم دراسة‬

‫هذه الشكاوى حسب املراحل اآلتية‪:‬‬

‫‪ -‬مرحلة االتصال املباشر بين الدولتين بعيدا عن اللجنة‪.‬‬

‫إذا رأى طرف بأن طرفا آخر خرق أحكام العهد جاز له أن يستدعي نظيره ببالغ‬

‫خطي يبين فيه هذا الخرق وعلى الدولة املستلمة خالل ‪ 9‬أشهر إيداع الدولة املرسلة تفسيرا‬

‫عمر بندورو‪ :‬حقوق اإلنسان و الحريات اإلساسية‪ ،‬دار القلم‪ ،‬الرباط‪ ،2002 ،‬ص ‪.56‬‬ ‫‪285‬‬

‫‪P 211‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫خطيا‪ ،‬ينطوي على اإلشارة إلى مساعي حل املشكلة ‪ 286‬إذا لم تعالج املسألة بما يرض ي‬

‫الدولتين‪ ،‬خالل ‪ 7‬أشهر ابتداء من تلقي الدولة للتبليغ األول حق لكليهما إحالة املسألة على‬

‫اللجنة عبر إشهار توجهه إليها وإلى الدولة األخرى‪.287‬‬

‫‪ -‬مرحلة محاولة الحل على مستوى اللجنة‪.‬‬

‫قبل بدء اللجنة دراسة القضية تتأكد من استنفاذ الوسائل الداخلية‪ ،‬أو من أنها قد‬

‫طالت لحد‪ ،‬غير مقتول‪ ،‬ثم تعرض الجنة مساعيها الحميدة على الطرفين للوصول إلى حل‪،‬‬
‫العهد‪288.‬‬ ‫على أساس احترام الحقوق املعترف بها في هذا‬

‫تعقد اللجنة اجتماعات مغلقة‪ ،‬وللدولتين حق إيفاد مبعوثين لحضورها لتوضيح‬

‫موقفيهما‪ .‬هذا الجهد ان التوفيقي محکوم بسقف‪ ،‬زمني محدد ب ‪ 87‬شهرا من تاريخ‬

‫استالم اإلشعار‪ ،‬تعد اللجنة خالله تقريرا تقدمه إلى للطرفين‪.‬‬

‫إذا نجحت اللجنة في مساعيها الحميدة ‪ ،‬فإن التقرير يقتصر على بيان موجز الوقائع‬

‫وللحل‪ ،‬وفي نيابة فإنه يقتصرعلى بيان بالوقائع مرفقا بالبيانات املقدمة من طرفي‬
‫املعنية‪289.‬‬ ‫الخصومة‪ ،‬وكذا محضر املالحظات الشفوية التي قد تدلي بها الدول‬

‫‪ 286‬المادة ‪ / 56‬الفقرة األولى من العهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية‪.‬‬


‫‪ 287‬مادة ‪ / 56‬الفقرة األولى من العهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية‪.‬‬
‫‪ 288‬المساعي الحميدة وسيلة من الوسائل الدبلوماسية لحل نزاعات دولية‪ ،‬تعني العمل الودي الذي يقوم به طرف ثالث في‬
‫محاولة لجمع الدول المتنازعة مع بعضها وحثها على البدئ في المفاوضات و استأنفاها‪ ،‬بمعنى ان يتدخل طرف آخر محايد‬
‫لمحاولة التقريب بين وجهات نظر أطراف المنازعة‪ ،‬وجمعهم على كلمة سواء‪ ،‬ويقتصر دور الطرف الثالث في عملية‬
‫المساعي الحميدة على جمع طرفي النزاع على مائدة المفاوضات فقط‪ .‬أنظر ‪ :‬عمر سعد هللا‪ ،‬القانون الدولي لحل النزاعات‪،‬‬
‫دار هومة‪ ،‬الجزائر‪ ،2000 ،‬ص ‪.84-82‬‬
‫‪ 289‬المادة ‪ 56‬من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية‪.‬‬

‫‪P 211‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪ -‬مرحلة العمل على مستوى لجنة التوفيق‬

‫إذا استمر الخالف تعين اللجنة هيئة توفيق‪ ، 290‬بعد الحصول املسبق على موافقة‬

‫الخصمين‪ .‬تتألف من خمسة أشخاص تقبلهم الدولتان‪ ،‬فإذا تعذر تشكيلها خالل ثالثة‬

‫أشهر تنتخبهم اللجنة من أعضائها باالقتراع السري وبأكثرية الثلثين‪ ،‬يعملون بصفتهم‬

‫الشخصية وال يكونوا من مواطني الدولتين املعنيتين أو من مواطني أية دولة غير طرف في‬

‫العهد‪ ،‬أو تكون طرفا فيه لكنها لم تصدر اإلعالن املنصوص عليه في املادة (‪.)48‬‬

‫تقوم اللجنة بعد نظرها املسألة خالل مهلة ال تتجاوز ‪ 87‬شهرا‪ ،‬بتقديم تقرير إلى‬

‫رئيس اللجنة ليقدم بدوره إلى الدولتين‪ ،‬ويكون التقرير بحسب الحال‪ ،‬إذا تم التوصل إلى‬

‫حل قصرت اللجنة تقريرها على عرض للوقائع وللحل املتوصل إليه‪ .‬أما إذا تعذر ذلك‬

‫خالل ‪ 87‬شهرا قصرت تقريرها على إشارة موجزة إلى املرحلة التي بلغتها في نظرها وللنتائج‬

‫الجزئية التي توصلت إليها وآرائها بشأن إمكانية حل املسألة وديا‪ ،‬وكذلك املذكرات الخطية‬

‫ومحضر املحطات الشفوية‪ .‬على الدولتين في غضون ‪ 9‬أشهر من استالمهما تقرير الهيئة‪،‬‬

‫إبالغ رئيس اللجنة بقبولهما أو رفضهما التقرير‪.‬‬

‫‪ 290‬التوف يق أداة لحل النزاعات الدولية‪ ،‬تقوم به لجنة تتكون من شخصيات بارزة‪ ،‬بقصد تقديم اقتراحات غير ملزمة لحل النزاع‪.‬‬
‫تتألف اللجنة عادة من ثالثة أعضاءـ يعين كل طرف عضو‪ ،‬ويختار العضوان ثالثهما‪ .‬تهتم اللجنة بدراسة وقائع النزاع واقتراح‬
‫حل أطرافه‪ ،‬وتقديم تقرير نهائي لهم ا‪ ،‬مكون من عنصرين‪ :‬األول مقترحات اللجنة لحل النزاع و الثاني يتضمن أسباب اقتناع‬
‫اللجنة بمقترحاتها‪.‬‬

‫‪P 212‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫الفرع الثاني‪ :‬نظام شكاوى األفراد‪:‬‬

‫يعد نظام الشكاوى أحد اإلجراءات املتبعة من طرف األجهزة التابعة لهيئة األمم‬

‫املتحدة و كذا بعض األجهزة التعاهدية املنشأة بمقتض ى اتفاقيات دولية بهدف حماية‬
‫األساسية‪291.‬‬ ‫حقوق اإلنسان و حرياته‬

‫من خالل هذه اآللية يحق لألفراد تقديم شكاوى إلى اللجان تتضمن ادعاء بانتهاك‬

‫دولة طرف لحقوقهم‪ ،‬شريطة قبول الدولة املشكو ضدها اختصاص اللجنة في‬
‫الداخلية‪292.‬‬ ‫ذلك‪ ،‬واستنفاذ سبل االنتهاك‬

‫وأسلوب تلقي وفحص الرسائل الفردية لم يرد في كافة اتفاقية حقوق اإلنسان‬

‫وحرياته األساسية‪ ،‬حيث تتمتع فقط خمس لجان من اللجان االتفاقية بصالحية تلقي أو‬

‫استقبال تبليغات فردية أو من جماعات األفراد الخاضعين لوالية الدولة األطراف والذين‬

‫يدعون أنهم ضحايا اي خرق من جانب احدى الدول األطراف ألي من الحقوق املقررة في‬

‫االتفاقية أو اكثر واللجان املختصة هي لجنة مناهضة التعذيب‪ ،‬لجنة القضاء على التميز‬

‫العنصري‪ ،‬لجنة القضاء على التمييز ضد املرأة ولجنة حماية جميع العمال‬
‫املهاجرين وأسرهم‪293.‬‬

‫‪ 291‬بدر الدين شبل‪" ،‬إجراءات نظام الشكاوى لحماية حقوق االنسان و حرياته األساسية على مستوى األمم المتحدة" مجلة‬
‫البحوث و الدراسات‪ ،‬العدد ‪ ،2066 ،66‬ض ‪.658‬‬
‫‪292‬لمياء علي الزرعوني‪ ":‬اآلليات الدولية للرقابة على حماية حقوق اإلنسان بالتطبيق على دولة اإلمارات العربية المتحدة"‬
‫مجلة جامعة الشارقة للعلوم القانونية‪ ،‬المجلد ‪ ،61‬العدد‪ ،6‬يونيو ‪ ،2069‬ص‪.22‬‬
‫‪ 293‬محمد يوسف علوان‪/‬محمد جليل الموسى‪" :‬القانون الدولي لحقوق اإلنسان‪ ،‬المصادر ورسائل الحماية" الجزء الثاني‪ ،‬دار‬
‫الثقافة األردن ‪،2004‬ص ‪.212‬‬

‫‪P 213‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫وفقا لهذا النظام تحيل اللجنة املعنية الشكوى إلى الدولة الطرف املتهمة بانتهاك‬

‫حقوق اإلنسان لبيان موقفها حيال الشكوى‪ ،‬ثم تدرس الشكوى بناء على املعلومات‬

‫املقدمة من كل الطرفين للجنة‪ ،‬في حالة ثبت االنتهاك تقديم توصيات للدولة‬
‫العامة‪294.‬‬ ‫املعنية وتنشرها في تقريرها السنوي املقدم إلى الجمعية‬

‫الفرع الثالث‪ :‬تقييم آلية الشكاوى‪.‬‬

‫لعبت آلية الشكاوى الفردية بوجه عام ‪ -‬دورا مميزا في توفير آلية جيدة لضحايا‬

‫انتهاكات حقوق اإلنسان في مواجهة دولهم من ناحية أولى‪ ،‬وشكلت عامل ضغط على الدول‬

‫االحترام االتفاقيات من ناحية أخرى‪ ،‬وذلك حرصا على صورتها أمام الرأي العام املحلي‬

‫والدولي‪ ،‬لذلك فقد حققت وسيلة شكاوى األفراد نتائج إيجابية في حماية حقوق اإلنسان‬
‫الدولية‪295.‬‬ ‫بطريقة فعالة ومؤثرة في سلوك الدول ودرجة استجابتها للجهود‬

‫ولكن آليات الحماية الدولية تتطور بشكل بطيء‪ ،‬ومن األقل إلى األكثر فعالية‪ ،‬حيث‬

‫الزالت آلية الشكاوى الفردية تنطوي على نواقص وعیوب تعيق من فعاليته وجودته‪ ،‬وذلك‬

‫وفقا للتوضيح التالي‪:‬‬

‫‪ 294‬لمياء علي الزرعوني‪" :‬اآلليات الدولية للرقابة على حماية حقوق اإلنسان بالتطبيق على دولة اإلمارات العربية المتحدة" ‪،‬‬
‫مجلة جامعة الشارقة للعلوم القانونية‪ ،‬المجلد ‪ 61،‬العدد ‪ ،6‬يونيو ‪ ،2069‬ص‪.22‬‬
‫‪ 295‬ليفا ليفين‪ ":‬حقوق اإلنسان‪ ،‬أسئلة و أجوبة"‪ ،‬ترجمة عالء شلبي وجيوسي إدريسي‪ ،‬اليونسكو ‪.2009‬‬

‫‪P 214‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪ -8‬أسلوب عمل اللجنة‪:‬‬

‫تمارس اللجان اختصاصها في نظام الشكاوى الفردية " بأسلوب شبه قضائي وسري‬

‫‪ 296.‬ويكون لهذا األسلوب شبه القضائي والسري تأثيرات سلبية‪ ،‬على طبيعة القرارات أو‬

‫التوصيات الصادرة عن اللجنة‪ ،‬وعلى اهتمام وتأثر الدولة املعنية‪.‬‬

‫‪ -7‬طبيعة قرارات وتوصيات اللجنة‪:‬‬

‫تتسم قرارات وتوصيات اللجنة‪ ،‬والتي تعتبر التتويج النهائي لنظرها في الشكاوى‬

‫الفردية بأنها غير ملزمة"‪ 297 .‬فاللجان التعاقدية‪ ،‬تبذل جهد بموجب إجراء شبه قضائي‬

‫وسري للنظر في الشكاوى الفردية‪ ،‬لتصل إلى قرار نهائي غير ملزم‪.‬‬

‫كما أن معايير قبول الشكوى الصارمة تحد من نطاق القضايا التي تناقش في اللجنة‪،‬‬
‫فقط"‪298.‬‬ ‫حيث تعالج حاالت االنتهاكات الفادحة و املنظمة‬

‫‪ -9‬طبيعة تشكيل اللجنة‪:‬‬

‫جزء من الفقه يشكك في إجراءات معالجة الشكاوى والطعون املعترف بها في بعض‬

‫االتفاقيات‪ ،‬باالستناد إلى طريقة تشكيل اللجان نفسها‪ ،‬بوصفها لجان أو أجهزة "هزيلة‬
‫الحكومات‪299.‬‬ ‫من صنع‬

‫‪ 296‬مانفريد نوواك‪ ":‬دليل البرلمانين العرب إلى حقوق اإلنسان‪ ،‬مفوضية األمم السامية لحقوق اإلنسان و اإلتحاد البرلماني‬
‫العالمي"‪ ،.2004 ،‬ص‪.20‬‬
‫‪ 297‬د‪ .‬بطاهر بو جالل‪ ":‬دليل آليات المنظومة األممية لحقوق اإلنسان‪ ،‬المعهد العربي لحقوق اإلنسان" ‪ ،‬تونس ‪ ، 2005‬ص‪.42‬‬
‫‪ 298‬سعيد فهيم خليل‪ ":‬الحماية الدولية لحقوق اإلنسان في الظروف االستثنائية" مرجع سابق‪ ،‬ص‪.568‬‬
‫‪ 299‬عبد الواحد محمد الفار‪ ":‬قانون حقوق اإلنسان في الفكر الوضعي و الشريعة االسالمية"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.528‬‬

‫‪P 215‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪ -4‬شروط إعمال آلية الشكاوى الفردية ‪:‬‬

‫تستند هذه اآللية على رضا األطراف‪ ،‬فآلية الشكاوى "رهن برضا الدول األطراف‬

‫وقبولها االختصاص"‪ .‬وبالتالي يفتقر للطابع الشمولي واإللزامي ‪.‬‬

‫‪ -2‬إجراءات التحقيق في الشكاوى الفردية ‪:‬‬

‫تقتصر إجراءات التحقيق في الشكاوى الفردية من اللجنة املختصة‪ ،‬على املذكرات‬

‫الكتابية املقدمة من األطراف‪ ،‬وال يتضمن االنتقال أو سماع الشهود"‪ ،‬ما يفقدها الفعالية‬

‫والجدية في الوصول للحقيقة‪ ،‬وفي الضغط الجدي على الدولة املعنية‪ .‬كما أن النظام‬
‫النصوص‪300.‬‬ ‫يعتمد على التوفيق‪ ،‬ويرى البعض أن التوفيق انحراف عن تطبيق‬

‫يتضح إذن أن آليات القانون الدولي لحقوق اإلنسان‪ ،‬ملراقبة الحقوق والحريات‬

‫العامة وحمايتها من االنتهاكات‪ ،‬غير كافية بل عاجزة عن زجر االنتهاكات ومعاقبة املعتدين‪،‬‬

‫وال يبقى أمام املجموعة الدولية سوى اللجوء لألليات القضائية الدولية للبحث عن حماية‬

‫حقوق اإلنسان والتي تتسم بدورها بغياب النجاعة‪.‬‬

‫املبحث الثاني‪ :‬نقائص الحماية القضائية الدولية لحقوق اإلنسان‪.‬‬

‫نجح مؤتمر روما الدبلوماس ي في إقرار النظام األساس ي للمحكمة الجنائية الدولية يوم‬

‫‪ 82‬يوليوز ‪ 8331‬والذي بموجبه تم تكريس ألول مرة في تاريخ البشرية نظام قضائي‬

‫محمد سامي عبد الحميد و مصطفى سالمة حسين‪ ":‬القانون الدولي العام دار الجامعي"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.219‬‬ ‫‪300‬‬

‫‪P 216‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫دائم للمساءلة الجنائية الدولية عن االنتهاكات الجسيمة لحقوق اإلنسان زمن النزاعات‬
‫"الهاي"‪301.‬‬ ‫املسلحة وقد دخل النظام األساس ي لهذه املحكمة سنة ‪ 7007‬ومقرها الرسمي‬

‫ويتمثل الهدف من إنشاء محكمة جنائية دولية دائمة في منحها اختصاصا بشأن‬

‫الجرائم الخطيرة التي تهم املجتمع الدولي‪ ،‬باعتبارها مكملة اختصاص املحاكم الجنائية‬

‫الوطنية‪ .‬فهذا النظام القضائي الدولي الدائم يعطي األولوية للقضاء الوطني ملعاقبة‬

‫منتهكي أإحكام القانون الدولي اإلنساني الذي يحمي حقوق اإلنسان زمن‬

‫الحرب باالعتماد خاصة على اتفاقية جنيف لعام ‪ 8343‬وال يتدخل إال كنظام تكميلي عند‬

‫غياب الرغبة أو فقدان القدرة على املحاكمة على مستوى القضاء الوطني‪ ،‬أو صورية‬

‫تلك املحاكمات إن وجدت‪ .‬وقد كانت الغاية من وراء إنشاء املحكمة الجنائية الدولية وضع‬

‫حد لفراغ قانوني على الساحة الدولية إزاء مسألة تكريس االختصاص الكوني الدائم ملعاقبة‬

‫االنتهاكات الجسيمة املرتكبة أثناء النزاعات املسلحة‪ .‬لكن ما يالحظ أن العدالة الجنائية‬

‫الدولية املجسدة في اطار املحكمة الجنائية الدولية ليست سوى عدالة ناقصة (املطلب‬

‫األول) وانتقائية (املطلب الثاني)‪.‬‬

‫‪ .7‬املطلب األول‪ :‬املحكمة الجنائية الدولية تكرس عدالة جنائية منقوصة‪.‬‬

‫إن انتهاء الحرب الباردة وتغيير موازين القوى في العالقات الدولية وطبيعة الحروب‬

‫الحديثة وكل ذلك ساهم بشكل كبير في تطوير مفهوم العدالة الجنائية الدولية من‬

‫سامية دولة‪ ":‬القانون الدولي اإلنساني و القانون الدولي لحقوق اإلنسان‪ :‬أية عالقة؟" مجلة القضاء و التشريع‪ ، 2009 ،‬ص ‪.41‬‬ ‫‪301‬‬

‫‪P 217‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫خالل الدعوة إلى إحداث آليات ملعاقبة مرتكب الجرائم الدولية األكثر خطورة والتي تتناقض‬
‫النبيلة‪302.‬‬ ‫مع القيم اإلنسانية‬

‫لهذا يعتبر إنشاء املحكمة الجنائية الدولية أهم حدث تشهده الساحة القانونية‬

‫الدولية اواخر القرن املاض ي‪ ،‬ولم يصبح هذا الحلم حقيقة إال بعد انتهاء الحرب الباردة في‬

‫أعقاب إنهيار االتحاد السوفياتي (سابقا)‪ ،‬وفي ظل العوملة التي شملت املجاالت القانونية‬

‫واإلنسانية واالجتماعية وغيرها من املجاالت و تعتبر عوملة القانون سمة من سمات هذا‬

‫العصر الذي يشهد فيه العالم صيانة قواعد وآليات لنظام قانوني عاملي جديد يهدف إلى‬

‫تقليص السيادة الوطنية ملصالح العدالة الجنائية الدولية وحماية حقوق اإلنسان مع ما‬

‫يحمله ذلك من رهانات وتحديات وتساؤالت حول اآلثار املحتملة إلنشاء املحكمة الجنائية‬
‫الدولية‪303.‬‬

‫وعليه فقد شكل إنشاء املحكمة الجنائية الدولية الحدث األكبر‪ ،‬وغير املسبوق على‬

‫طريق تعزيز الضمانات الالزمة لكفالة االحترام الواجب لحقوق اإلنسان وحرياته األساسية‪،‬‬
‫اإلنسان‪304.‬‬ ‫وكذا التصدي لالنتهاكات الجسيمة لحقوق‬

‫انطالقا مما سبق‪ ،‬سيتم توضيح هذا املطلب من خالل الفروع التالية‪:‬‬

‫‪302‬محمد البراز‪ " :‬القان ون الدولي و العدالة الجنائية الدولية‪ ،‬أي مستقبل"‪ .‬المجلة المغربية لإلدارة المحلية و التنمية‪ ،‬سلسلة‬
‫"مواضيع الساعة" عدد ‪ 2005 ،50‬ص‪.24‬‬
‫‪ 303‬علي عواد‪ " :‬القضاء الجنائي الدولي وقانون النزاعات المسلحة" مجلة األمن و القانون‪ ،‬كلية شرطة دبي‪ ،‬العدد األول ‪،2000‬‬
‫ص‪.2‬‬
‫‪ 304‬نورالدين مورو‪" :‬طغيان واقع التسييس على عمل وفعالية المحكمة الجنائية الدولية"‪ ،‬مجلة العلوم السياسية و القانون‪،‬‬
‫المركز الديموقراطي العربي‪ ،‬ألمانيا‪ ،‬برلين‪ ،‬العدد ‪ ،64‬ماي ‪ ،2069‬ص ‪.289‬‬

‫‪P 218‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫الفرع األول ‪ :‬املحكمة الجنائية الدولية ومبدأ السيادة الوطنية‪.‬‬

‫لقد أولى املجتمع الدولي أهمية كبرى للسيادة الوطنية لسيادة الدول وسن‬

‫مجموعة من الضوابط القانونية واالتفاقية التي تروم حمايتها‪ ،‬غير أن املمارسات الدولية‬

‫في السنوات األخيرة وما رافقتها من متغيرات وتحوالت مرتبطة بتشابك العالقات الدولية في‬

‫مختلف املجاالت وامليادين‪ ،‬وتنامي االعتماد املتبادل بين الدول‪ ،‬أثرت بشكل ملموس على‬

‫طبيعة السيادة وأخرجتها من إطالقتيها وصرامتها‪ .‬ذلك أن العديد من مظاهر‬

‫االختصاص الوطني بدأت تسحب من الدول رويدا لتخضع ملقاربة دولية مثل (مكافحة‬
‫اإلنسان)‪305.‬‬ ‫اإلرهاب‪ ،‬وتلوث البيئة‪ ،‬القضايا الديمقراطية وحقوق‬

‫نتيجة لذلك اعتبرت العديد من األقطار أن التصديق على نظام املحكمة سيشكل‬

‫مدخال لتجاوز سلطاتها الداخلية و سبيال لتدخل في سيادتها على اعتبار أن هذا النظام‬

‫يتضمن بنودا التي تعتبر من منظورها تدخل في مجال ينطوي ضمن االختصاص الداخلي‬

‫للدول‪ .‬من قبيل رفض نظام الحصانات ضد املحاكمات الجنائية املمنوحة بموجب عدد‬

‫من الدساتير لبعض االشخاص بصفتهم املدنية والعسكرية ( رئيس الدولة واملسؤولون‬

‫والذي يتعارض مع املادة ‪ 72‬من القانون‬ ‫الحكوميون والبرملانيون)‬

‫جرائم تندرج ضمن‬ ‫األساس ي للمحكمة وفرض تسليم األشخاص املتهمين في‬

‫اختصاصات املحكمة والذي يتعارض مع عدد من الدساتير‪ ،‬أيضا وعدم القبول بتقادم‬

‫‪ 305‬ادريس لكريني‪ " :‬المحكمة الجنائية الدولية‪ :‬الرهانات و المعوقات" السياسة الدولية‪ ،‬العدد ‪ 681‬أبريل ‪ ،2009‬ص‪.42‬‬

‫‪P 211‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫الجرائم املدرجة ضمن هذا السياق‪ ،‬باإلضافة إلى رفض حق العفو الذي يملكه رؤساء‬
‫اإلنسانية‪306.‬‬ ‫الدول وبخاصة في ما يتعلق بالجناة املتورطين في ارتكاب جرائم ضد‬

‫ومن ضمن بنود نظام املحكمة التي أثارت التخوفات والشكوك لدى هذه الدول في‬

‫عالقتها بالسيادة نذكر في هذا اإلطار‪.‬‬

‫‪ -‬نص املادة الثالثة ‪ 9/‬الذي يقرر أن‪ " :‬للمحكمة إذا ارتأت ضرورة ذلك‪ ،‬أن‬

‫تعقد جلساتها خارج مقرها"‪ .‬ومعنى ذلك أنه يمكن أن يتواجد فوق إقليم‬

‫الدولة محكمة أجنبية تمارس اختصاصاتها الفصل في قضايا تخص الدولة‬

‫أو رعاياها‪.‬‬

‫‪ -‬نص املادة ‪ 24‬الفقرة األولى‪ ،‬الذي يقرر أن للمدعي العام أن يقوم بالتحقيق‬

‫فوق إقليم دولة ما وفقا للنصوص الباب التاسع أو بإذن من دائرة املحكمة‬

‫األولية وفقا للمادة ‪ 22‬من النظام األساس ي للمحكمة الجنائية الدولية‪.‬‬

‫‪ -‬نص املادة ‪ 23‬الذي يوجب على الدولة الطرف التي تتلقى طلبا‬

‫بالقبض االحتياطي على مرتكبي انتهاكات حقوق اإلنسان باتخاذ خطوات على‬

‫تمتثل‬ ‫وأنت‬ ‫املعني‪،‬‬ ‫الشخص‬ ‫على‬ ‫للقبض‬ ‫الفور‬

‫لطلبات القبض واإلحضار وأن تسمح بنقل املقبوض عليهم عبر إقليمها ليتم‬
‫اخرى‪307.‬‬ ‫تسليمهم إلى املحكمة بواسطة دول‬

‫‪ 306‬نفس المرجع‪ :‬ص‪42‬‬


‫‪ 307‬شريف عتلم‪ " :‬المؤتمرات الدستورية للتصديق و االنضمام الى النظام األساسي للمحكمة الجنائية الدولية" مقال ضمن‬
‫مؤلف " المحكمة الجنائية الدولية" اللجنة الدولية للصليب األحمر" ‪ ،2000‬ص‪.298‬‬

‫‪P 221‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫غير أن هذه التخوفات تنطوي في الواقع على تصورات مبالغ فيها وتخفي وراءها غياب‬

‫اإلرادة السياسية الالزمة للتصديق على معاهدة روما وعدم الجدية في متابعة‬

‫الجناة املتورطين في جرائم خطيرة ضد اإلنسانية‪ ،‬كما أنها تنم في جانب آخر منها عن‬

‫عدم استيعاب أو فهم مقتضيات ميثاق املحكمة بشكل دقيق‪ ،‬ذلك أن تدخل املحكمة ليس‬

‫أصيال أو بديال عن املحاكم املحلية بل هو تدخل ينطوي على تحقيق أهدف إنسانية تفرض‬

‫التعاون‪ ،‬كما أنه تدخل مدعم واحتياطي و مكمل لهذه املحاكم‪ ،‬و بخاصة في حال عدم‬

‫قدرتها أو عدم فعاليتها في مواجهة الجناة والحد من إفالتهم من العقاب‪ ،‬و تدخل‬

‫يكفل تحقيق نوع من التوازن بين سيادة الدول من جهة وبين التزاماتها الدولية في مجال‬

‫حقوق اإلنسان‪.308‬‬

‫من وجهة نظرنا نرى أنه لبلوغ الكونية قواعد ومبادئ حقوق اإلنسان‪ ،‬من الضروري‬

‫تسهيل عمل املحكمة لحماية حقوق اإلنسان وتوفر إدارة سياسية دولية ملحاربة اإلفالت‬

‫من العقاب‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬املحكمة الجنائية الدولية والعدالة املؤجلة‪.‬‬

‫بالرغم من توصل املؤتمر االستعراض ي للمحكمة الجنائية الدولية إلى تحديد تعريف‬

‫لجريمة العدوان‪ ،‬فإنه لم ينجح في منح املحكمة صالحيات تتعلق بمالحقة مرتكبي جرائم‬

‫العدوان‪ ،‬وعلق هذه املسألة إلى حين تصديق ‪ 90‬دولة على التعديل الجديد‪ .‬إضافة إلى‬

‫‪ 308‬ادريس لكريني‪ ":‬المحكمة الجنائية الدولية‪ ،‬الرهانات و المعوقات" مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.45‬‬

‫‪P 221‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫ذلك سيتعين على الدول األعضاء اتخاذ القرارات الالزمة من أجل تفعيل صالحياتها سنة‬

‫‪.7082‬‬

‫من خالل إخفاق مؤتمر «كمباال» في توسيع صالحيات املحكمة الجنائية الدولية‬

‫لتشمل الجرائم العدوانية‪ ،‬في املرحلة اآلنية‪ ،‬فإنه يكون قد سمح فعليا بمواصلة ارتكاب‬

‫جرائم بحق السكان في شتى أنحاء العالم (وخاصة في فلسطين) إلى حين تصديق الدول‬
‫الجديد‪309.‬‬ ‫الثالثين على القانون‬

‫وهكذا تتواصل انتهاكات حقوق اإلنسان تحت غطاء شرعي يستند إلى غياب أو‬

‫باألوضح تعطيل عمل اآلليات القضائية لحماية حقوق اإلنسان‪.‬‬

‫أن تعمد الدول الكبرى عدم تحديد مفهوم للعدوان وتعطيل اختصاص املحكمة في‬

‫هذه الجريمة (منذ دخول النظام األساس ي حيز النفاذ سنة ‪ ،)7007‬ومواصلة «شدید‬

‫العدالة الجنائية» (رغم تعريف هذه الجريمة) إلى حدود سنة ‪( 7082‬وربما بعد ذلك األجل)‬

‫يؤكد انعدام الرغبة في محاسبة الجنود األمريكيين واإلسرائيليين خاصة عن الجرائم‬

‫العدوانية املرتكبة في عديد الدول (كفلسطين‪ ،‬العراق‪ ،‬أفغانستان‪ )....‬تحت مظلة الحرب‬

‫على اإلرهاب ونشر الديمقراطية والدفاع عن حقوق اإلنسان ‪.‬‬

‫عالوة عن هذه اإلشكاليات التي تشوش على مسار املحكمة الجنائية وتحول دون بلورة‬

‫قضاء جنائي دولي قوي يحمي الكرامة اإلنسانية زمن النزاعات املسلحة ويعاقب مرتكبي‬

‫‪ 309‬المحكمة الجنائية الدولية قيد المحاسبة‪ ،‬مقال منشور على األنترنيت‪ ،‬على العنوان التالي‪:‬‬
‫‪http://www.al.akhbar.em/er/nozel/196971‬‬

‫‪P 222‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫الجرائم اإلنسانية ويمنع العدوان على الدول‪ ،‬هناك عامل آخر يحد من فعالية أداء‬

‫املحكمة ويؤجل العدالة الدولية وقد »يسيسها»‪ ،‬ويتعلق األمر بالصالحيات التي خلوها‬

‫نظام املحكمة ملجلس األمن والتي تخوله طلب إرجاء التحقيق أو املقاضاة التي تباشرها‬

‫املحكمة‪ ،‬إذ تنص املادة ‪ 87‬من نظام روما األساس ي على أنه‪" :‬ال يجوز البدء أو املض ي في‬

‫تحقيق أو مقاضاة بموجب هذا النظام األساس ي ملدة اثني عشر شهرا بناء على طلب من‬

‫يقدم مجلس األمن إلى املحكمة بهذا املعنى يتضمنه قرار يصدر عن املجلس بموجب الفصل‬

‫السابع من ميثاق األمم املتحدة ويجوز للمجلس تجديد هذا الطلب بالشروط ذاتها "‬

‫إن هذا اإلجراء يمكن أن يعرقل عمل املحكمة ويحول دون تحركها في الوقت املناسب‬

‫كما يمكن أن يسهم في ضياع الوثائق واألدلة اإلثباتية مما يسمح ببقاء الجناة خارج أي‬

‫متابعة قضائية من قبل املحكمة‪ ،‬ناهيك عن انعكاساته على عمليات األمم املتحدة لحفظ‬

‫السالم بالشكل الذي قد يؤدي إلى تحريفها عن أهدافها النبيلة املفترضة بل ويمنع إنجازها‬
‫متباينة‪310.‬‬ ‫أحيانا تحت ذرائع‬

‫إن بلوغ الكونية فيما يتعلق باآلليات القضائية لحماية حقوق اإلنسان يستوجب‬

‫مصادقة جميع الدول على نظام روما األساس ي‪ ،‬فضال عن إزاحة جميع العراقيل أمام‬

‫اختصاص املحكمة الجنائية بجميع الجرائم الخطيرة على البشرية بما فيها جريمة العدوان‪،‬‬

‫‪ 310‬ادريس لكريني‪ " :‬المحكمة الجنائية الدولية و العدالة المؤجلة"‪ ،‬مقال منشور على االنترنيت على العنوان التالي‪:‬‬
‫‪http://drisslagrimi.maktoobblog.com‬‬

‫‪P 223‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫وهو ما يسمح بمحاكمة ومعاقبة ومالحقة مجرمي الحرب وحماية حقوق اإلنسان من‬

‫مختلف االنتهاكات؛ بشرط عدم انتهاج املحكمة االزدواجية املعايير في عملها‪.‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬طغيان االعتبارات السياسية على عمل املحكمة الجنائية الدولية‪.‬‬

‫لقد عبرت ديباجة االتفاقية املنشئة للمحكمة الجنائية الدولية عن األسباب‬

‫واملبررات التي أدت إلى إنشاء املحكمة واآلمال املعقودة علي حيث قررت أن‪ ":‬الدول‬

‫األطراف في هذا النظام األساس ي‪ ،‬إذ تدرك أن ثم روابط مشتركة توحد جميع الشعوب وأن‬

‫ثقافات الشعوب تشكل تراثا مشتركا‪ ،‬وإذ يقلقها أن هذا النسيج الرقيق يمكن أن يتمزق في‬

‫أي وقت إذا تضع في اعتبارها أن ماليين األطفال والنساء والرجال قد وقعوا خالل القرن‬

‫الحالي ضحايا فضائع ال يمكن تصورها هزت ضمير اإلنسانية بقوة‪ ،‬وأن تسلم هذه الجرائم‬

‫الخطيرة تهدد السلم واألمن والرفاهية في العالم‪ ،‬فقد عقدت العزم على وضع حد‬
‫الجرائم‪311.‬‬ ‫إلفالت مرتكبي هذه الجرائم من العقاب وعلى اإلسهام بالتالي في قمع هذه‬

‫فهل نجحت املحكمة الجنائية الدولية في تحقيق األهداف املذكورة وبالتالي مالحقة‬

‫مرتكبي االنتهاكات الجسيمة لحقوق اإلنسان اينما كانوا وبدون نهج سياسة انتقائية مبنية‬

‫على مبدأ ازدواجية املعايير و االنقائية‪ ،‬سيتم توضيح هذه املسألة من خالل الفروع التالية‪:‬‬

‫‪ 311‬صباح عزام‪ " :‬ازدواجية المعايير في العدالة الدولية" مقال منشور على االنترنيت على العنوان‬
‫التالي‪http://thawra.alwehda.gov.sy/archive.asp ? :‬‬

‫‪P 224‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫الفرع األول‪ :‬املحكمة الجنائية الدولية و ازدواجية املعايير‪:‬‬

‫ما من شك أنه يوجد اتجاه ثابت في القانون الدولي والقوانين الوطنية‬

‫للمحاكمة ومعاقبة مرتكبي الجرائم الدولية‪ ،‬إال أن ذلك يجب أن يكون بمعيار واحد‬

‫يستبعد األهواء واالعتبارات السياسية‪ ،‬وخصوصا فكرة "املعاملة املزدوجة" أو فكرة‬

‫" الكيل بمكيالين" وهما لألسف فكرتان مطبقتان حاليا على نطاق واسعة في العالقات‬
‫الدولية‪312.‬‬ ‫الدولية وفي إطار املنظمات‬

‫وتجدر اإلشارة إلى أن إنشاء املحكمة الجنائية الدولية في عام ‪ ،7007‬قد علقت عليها‬

‫الشعوب والدول‪ ،‬وال سيما الصغيرة منها آمال عريضة بأن تحاسب مرتكبي الجرائم الدولية‬

‫(مثل جرائم الحرب واإلبادة والجرائم األخرى‪ )...‬التي تنال من كرامة اإلنسان وأدميته‪ ،‬وأن‬

‫تنهي أسلوب االزدواجية و االنتقائية في التعامل مع هذه الجرائم‪ ،‬وأن ال تكتفي بمالحقة‬

‫ومحاكمة الضعفاء‪.‬‬

‫لكن تبين‪ ،‬مع األسف أن هذه املحكمة لم تتجرأ على محاسبة دول الكبرى ولم تقدر‬
‫ُ‬
‫على مرتكبي الجرائم الحقيقيين لحقوق اإلنسان دوال وأفرادا وجماعات‪ ،‬بل تغاضت عن‬

‫هؤالء تحت ذرائع وحجج واهية‪ ،‬فعل سبيل املثال رفض املدعي العام للمحكمة "‬

‫أوكامبو" أكثر من ‪ 720‬طلبا للنظر في جرائم واضحة ارتكبت في العراق‪ ،‬من قبل قوات‬

‫‪ 312‬أحمد أبو الوفاء‪ " :‬المالمح السياسية للمحكمة الجنائية الدولية"‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪15‬‬

‫‪P 225‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫اإلحتالل األمريكية و البريطانية بحجة أن بعضها ال يدخل في اختصاص املحكمة وبعضها‬


‫الخطيرة‪313.‬‬ ‫اآلخر ال يرقى إلى مستوى الجريمة‬

‫نالحظ أن رغم خطورة هذه الجرائم التي ارتكبت ضد الشعب العراقي‪ ،‬لم يجرأ املدعي‬

‫العام " أوكامبو" أو غيره على توجيه االتهامات إلى الواليات املتحدة األمريكية و بريطانيا رغم‬

‫ما تسببوا فيه من جرائم حرب وجرائم ضد اإلنسانية في العراق‪ ،‬وبالرغم من مصادقة‬

‫بريطانيا على النظام األساس ي للمحكمة‪.‬‬

‫يتضح إذن أن املحكمة الجنائية الدولية أداة بيد الواليات املتحدة األمريكية لتنتقم‬

‫من أعدائها وتبقى هي بمنأى عن املحاسبة الجنائية (عدم املصادقة على نظام روما‬

‫األساس ي والهيمنة على مجلس األمن) فمنذ إنشاء املحكمة والواليات املتحدة األمريكية تصر‬

‫على أن مواطنيها سواء كانوا جنودا أو أفرادا بقوات األمم املتحدة لحفظ السالم أو غيرهم‬

‫من العسكريين األمريكيين يجب استثنائهم من املتابعة الجنائية بمقتض ى القانون الدولي‬
‫أخرى‪314.‬‬ ‫وكذا قوانين أي دولة‬

‫ولبلوغ هذا الهدف حرصت الواليات املتحدة األمريكية على عقد اتفاقيات ثنائية مع‬

‫بعض الحكومات ملنع تسليم مواطنين امريكيين للمحكمة‪ ،‬وفعال تمكنت اإلدارة األمريكية‬
‫دولة إلرادتها‪315.‬‬ ‫حتى األن من ضمان انصياع أكثر من ‪40‬‬

‫‪ 313‬صباح عزام‪ " :‬ازدواجية المعايير في العدالة الدولية" مرجع السابق ‪.‬‬
‫‪ 314‬محمد البزاز‪ " :‬القانون الدولي و العدالة الجنائية الدولية‪ ،‬أي مستقبل؟ " مرجع سابق‪ ،‬ص‪.51‬‬
‫‪ 315‬نفس المرجع‪ ،‬ص‪51‬‬

‫‪P 226‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫نشير في هذا الصدد أن موقف الواليات املتحدة كان واضحا‪ ،‬و املتمثل في رفض وجود‬

‫أي جهاز يمكن أن يشكل في املستقبل عائقا أمام تصرفاتها‪.‬‬

‫لقد حاولت الواليات املتحدة جعل هذه املحكمة خاضعة ملراقبة مجلس األمن‪ ،‬حتى‬

‫تتمكن من ربط قراراتها بممارسة حق الفيتو‪ ،‬مما يشكل حصانة ليست فقط للواليات‬

‫املتحدة ومسؤوليها وإنما لكل من تورط من حلفائها في جرائم من هذا النوع (اسرائيل بشكل‬

‫خاص)‪ ،‬وحتى وإن كانت املتابعة ستصدر عن مجلس األمن‪ ،‬فإن هذا فأن هذا األمر سيبقى‬

‫خاضعا لحسابات ومصالح الدول الدائمة العضوية ولحلفائها ومن ثم إمكانية توظيف حق‬
‫الفيتو‪316.‬‬

‫نالحظ من خالل ما تم التطرق إلية أن االعتبارات السياسية تطغى على قواعد و‬

‫مبادئ حقوق اإلنسان تؤدي إلى افالت مجرمي الحرب (خاصة االسرائيليين) من‬

‫العقاب وتمنعهم من املثول أمام القضاء الدولي نتيجة الهيمنة األمريكية على املؤسسات‬

‫الدولية بشكل خاص كالجمعية العامة لألمم املتحدة ومجلس األمن الدولي‪.‬‬

‫كما نشير في هذا الصدد‪ ،‬أن إزدواجية املعايير والكيل بمكيالين السمة البارزة التي‬

‫تميز منظومة عمل املحكمة الجنائية الدولية‪ ،‬وبات واضحا بما ال يقبل مجاال للشاك أن‬

‫هناك قانونين دوليين أحدهما للتعامل مع القضايا االفريقية واآلخر للتعامل مع قضايا‬

‫الدول العظمى‪ ،‬إذ ال يعقل أن تقوم املحكمة الجنائية الدولية باتخاذ إجراءات ضد ما‬

‫‪ 316‬محمد نشطاوي‪ " :‬العالقات الدولية‪ :‬مقترب في دراسات النظريات الفاعلين وأنماط التفاعل" الطبعة والوراقة الوطنية‪،‬‬
‫مراكش‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،2002‬ص ‪2064-2065‬‬

‫‪P 227‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫تزعم أنه يقع تحت بند يشكل تهديد للسلم و األمن الدوليين‪ ،‬وفي نفس الوقت تتجاوز عن‬

‫انتهاكات واضحة في أماكن أخرى ال تحتاج الى ما يثبتها‪ ،‬نظرا لتوافر األدلة القاطعة على‬

‫ارتكابها‪ ،‬إال أنها تغض الطرف عن تلك االنتهاكات‪ ،‬فبدال من إلتزام املحكمة الجنائية الدولية‬

‫الصمت التام في العديد من القضايا التي ارتكبت فيها جرائم فظيعة في شتى أنحاء‬

‫العالم‪ ،‬وكان ملنطقة الشرق األوسط النصيب األكبر منها‪ ،‬كان عليها تحقيق للعدالة الجنائية‬

‫وعدم اإلفالت من العقاب أن تناقش االنتهاكات الفعلية التي تحدثت في األراض ي‬

‫الفلسطينية والعراق وسوريا ولبنان والروهينغا‪ ،‬وأمام هذه اإلزدواجية وغض الطرف عن‬

‫الكثير من االنتهاكات التي تمارس يوميا حول العالم بشكل عام وفي الشرق األوسط بشكل‬

‫خاص‪ ،‬تكشف املحكمة الجنائية الدولية من جديد النقاب عن تسييسها‬

‫لقراراتها وابتعادها عن هدفها األسمى الذي من أجله أنشئت وهو تحقيق العدالة‬

‫الدولية بكل شفافية و دون تمييز وبعيدا عن املؤثرات السياسية والضغوط الدولية‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬املحكمة الجنائية الدولية لم تحاكم إال األفارقة‪.‬‬

‫لقد تعالت أصوات تنادي بأن قضاء املحكمة الجنائية الدولية هو قضاء انتقائي‪،‬‬

‫ويخدم مصالح الدول الكبرى‪ ،‬في مقدمتها الواليات املتحدة األمريكية و إسرائيل‪ ،‬فهذا األمر‬

‫بات واضحا في مجال العالقات الدولية‪ ،‬التي أصبح يحكمها معيارين مهمين وهما القوة و‬

‫املصلحة‪ ،‬لذلك فهذه املحكمة منذ نشأتها‪ ،‬لم تتطرق ولم تباشر ممارستها‪ ،‬إال في قضايا‬
‫إلفريقيا‪317.‬‬ ‫خاصة‪ ،‬وجلها تنتمي إلى القارة اإلفريقية‪ ،‬بل هناك من اعتبرها محكمة‬

‫نور الدين مورو‪ ":‬طغيان واقع التسييس على فعالية المحكمة الجنائية الدولية"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.205‬‬ ‫‪317‬‬

‫‪P 228‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫رغم مرور أزيد من عقد على إنشاء املحكمة الجنائية الدولية‪ ،‬نالحظ أن املتابعين‬
‫خاصة‪318.‬‬ ‫واملاثلين أمامها‪ ،‬و يا للصدفة من إفريقيا‪ ،‬وأحيلوا عليها من محاكم‬

‫فاملحكمة الجنائية الدولية بدأت عملها بمحاكمة " تشارلز تايلور " الذي فر من‬

‫ليبيريا إلى نيجيريا عام ‪ 7009‬بعد أن تولى خصومه السياسيون السلطة وطلبت رئيسة ليبيريا‬

‫سابقا (سيرليف) من نيجيريا إعتقاله ونقله ليمثل أمام املحكمة الخاصة لسيراليون‪ .‬لكن‬

‫املخاوف من تبعات احتجازه في افريقيا وما قد يذكيه من اضطرابات‪ ،‬عجلت بنقل محاكمة‬

‫تايلور إلى املحكمة الجنائية الدولية في الهاي عام ‪ ،7002‬حيث زج به في نفس السجن الذي‬
‫ميلوسيفيتش‪319.‬‬ ‫نزل به‬

‫وأول شخص مثل ( باألحرى أحيلت محاكمته) أمام املحكمة الجنائية الدولية هو‬

‫(توماس لوبانغا) زعيم احدى املليشيات املسلحة في جمهورية الكونغو الديمقراطية بتهمة‬

‫ارتكاب جرائم حرب و تجنيد القاصرين واستخدامهم في الحرب‪.‬‬

‫ومثل أمامها كذلك نائب الرئيس السابق للكونغو الديمقراطية " جان بيير بيمبا‬

‫" املتهم بجرائم حرب ضد اإلنسانية وعمليات اغتصاب ونهب وقتل ارتكبها ارتكبتها‬
‫و ‪320.7009‬‬ ‫ميليشياته في افريقيا الوسطى في العامين ‪7007‬‬

‫‪ 318‬رجاء ناجي المكاوي‪ ":‬علم القانون‪ :‬ماهيته‪ ،‬مصادره‪ ،‬فلسفته وتطبيقاته"‪ ،‬دار أبي رقاق للطباعة و النشر‪ ،‬الرباط‪ ،‬الطبعة‬
‫الثالثة ‪ ،2062‬ص ‪.240‬‬
‫‪ 319‬في عام ‪ 2001‬نشب جدال عنيف حول مكان محاكمة تايلور إثر طلب مجلس األمن الدولي نقل تشارلز تايلور من‬
‫سيراليون إلى الهاي لمحاكمته ولكن طلبه هذا أثار جدال عنيفا بسبب تهديد األمن الذي قد ينتج عن احتجازه في محكمة‬
‫سيراليون‪ ،‬وبخصوص محاكمته و بادانته أمام المحكمة الجنائية الدولية‪ ،‬ثار خالف حول أي دولة سترضى بالسماح بسجنه‬
‫لديها ما رفضته السويد و النمسا وفي النهاية سجن في الهاي‪.‬‬
‫‪ 320‬وكان حوالي ‪ 6400‬رجل من حركة تحرير الكونغو توجهو الى افريقيا الوسطى في اكتوبر ‪ 2002‬بطلب من رئيس‬
‫افريقيا الوسطى‪ ...‬فيليكس باتاسيه الذي تعرض لمحاولة انقالب قام بها الجنرال فرانسوا بوزيزيه‪ ،‬فارتكب هؤالء في خمسة‬
‫أشهر فضائع‪.‬‬

‫‪P 221‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫ورفع القضية فرانسوا بوزيزيه رئيس افريقيا الوسطى منذ ‪ .7009‬وفر "بيمبا" من‬
‫جمهورية الكونغو الديمقراطية في عام ‪ ،7002‬وتم توقيفه في ‪ 74‬ماي ‪ 7001‬في بروكسيل‪321.‬‬

‫ورابع قضية تلك التي أحالها على املحكمة مجلس األمن متهما فيها الرئيس السوداني‬

‫(السابق) عمر البشير ومسؤولين آخرين بارتكاب جرائم حرب في إقليم دارفور‪ ،‬فطلب املدعي‬

‫العام "أوكامبو" اعتقال البشير في ‪ 84‬يوليوز ‪ .7001‬وأصدرت املحكمة مذكرة اعتقال في ‪4‬‬

‫مارس ‪ .7003‬فأصبح البشير ثالث رئيس دولة يتابع بعد رئيس ليبيريا تشارلز تايلور و الرئيس‬

‫السابق ليوغسالفيا سلوبودان ميلوسوفيتش‪ ،‬بفارق أساس ي وهو صدور مذكرة اإلعتقال‬

‫بحق البشير وهو ما يزال رئيس‪.‬‬

‫فقد أحالت المحكمة العليا في جمهورية افريقيا الوسطى إلى المحكمة الجنائية الدولية إتهامات القتل و االغتصاب الموجهة إلى‬
‫الرئيس السابق فيليكس أنجي باتاسي و اثنين من مساعديه ونائب جمهورية الكونغو الديموقراطية جان بيير بيمبا ( بتهم القمع‬
‫الوحشي‪ ،‬محاولي انقالب عسكري في عام ‪ 2002‬ولم يلقى القبض سوى على بيمبا‪.‬‬

‫‪P 231‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫خاتمة‪:‬‬

‫نستخلص في ختام هذه الدراسة النتائج التالية‪:‬‬

‫‪ -‬ال يمكن اعتبار آلية تقديم التقارير لوحدها‪ ،‬أسلوب فعاال وكافيا على حمل الدول لالمتثال‬

‫اللتزاماتها الناتجة عن االتفاقيات املعني بحقوق اإلنسان‪.‬‬

‫‪ -‬من عيوب وسيلة التقارير املرتبطة باللجان نجد أن اللجان التعاهدية ال تملك القدرة على‬

‫اتخاذ قرارات‪ ،‬وال تملك صالحية فعالة تمكنها من اجراءات محددة في مواجهة دول عند‬

‫ثبوت إخاللها بأحكام االتفاقيات‪.‬‬

‫‪ -‬الظاهر أنه رغم النجاح النسبي لنظام الشكاوى‪ ،‬فإنة يضل قاصرا لعدم إلزاميته من‬

‫الناحية القانونية للدولة املشكو منها‪ ،‬وإنما يكون ملزما فقط من الناحية األدبية بما يمثله‬

‫من ضغوط دولية ضد الدولة املشكو منها‪.‬‬

‫‪ -‬يؤكد واقع عمل املحكمة الجنائية الدولية تكريس تسييس مسألة حقوق اإلنسان‪ ،‬حيث‬

‫تستخدم الدول العظمى وعلى رأسهم الواليات املتحدة األمريكية املحكمة ومجلس األمن‬

‫للدفاع عن مصالحها لعرقلة كل القرارات التي تدينها أو تدين حلفائها‪.‬‬

‫‪ -‬جعل املحكمة الجنائية الدولية كأداة سياسية وليس قضائية لخدمة أجندة الدول‬

‫املتورطة في انتهاكات حقوق اإلنسان (إسرائيل والواليات املتحدة األمريكية)‪.‬‬

‫‪P 231‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪ -‬من الضروري إبعاد قضية حقوق اإلنسان عن حلبة املصالح الشخصية‪ ،‬والصراعات‬

‫السياسية وكذلك التطاحنات االيديولوجية واملساومات الدبلوماسية وجعلها قضية ذات‬

‫صبغة قانونية وقضائية بحثة‪.‬‬

‫‪P 232‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫الئحة املراجع‪:‬‬

‫عبد العزيز العروس ي‪ " :‬التشريع املغربي واالتفاقيات الدولية لحقوق اإلنسان‪:‬‬
‫مالئمات قانونية و دستورية"‪ ،‬املجلة املغربية لإلدارة املحلية و التنمية‪ ،‬سلسلة مواضيع‬
‫الساعة‪ ،‬العدد ‪.7084 ،12‬‬

‫ابراهيم أحمد خليفة‪" :‬االلتزام الدولي باحترام حقوق اإلنسان وحرياته‬


‫األساسية"‪ :‬دار الجامعة الجديدة اإلسكندرية ‪. 7002‬‬

‫أحمد الرشيدي‪ ،‬آليات الحماية الدولية لحقوق االنسان‪ ،‬نظام التقارير‬


‫األنترنيت‪.‬‬ ‫على‬ ‫منشور‬ ‫مقال‬ ‫والشكاوى‪.‬‬
‫‪http://www.4shared.com/documant/7o1Py7y0/.htm‬‬

‫عبد هللا علي عبو ساطان‪ ،‬دور القانون الدول الجنائي في حماية حقوق اإلنسان‪،‬‬
‫دار دجلة‪ ،‬عمان ‪.7001‬‬

‫محمد يوسف علوان‪ ،‬محمد خليل موس ى‪ ،‬القانون الدولي لحقوق اإلنسان‪،‬‬
‫املصادر ووسائل الرقابة‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬دار الثقافة للنشر و التوزيع‪ ،‬األردن‪.7002 ،‬‬

‫محمد سامي عبد الحميد ومصطفى سالمة حسين‪ ،‬القانون الدولي العام دار‬
‫الجامعي‪ ،‬اسكندرية ‪.8331‬‬

‫عبد الواحد محمد الفار‪ ،‬قانون حقوق اإلنسان في الفكر الوضعي والشريعة‬
‫االسالمية‪ ،‬دار النهضة العربية القاهرة‪.8338 ،‬‬

‫‪P 233‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪Requirements to achieve the efficiency of the judiciary and judges‬‬


‫ملخص‪:‬‬
‫لوحظ في األونة االخيرة بشكل كبير تولى عدد من القضاة غير موهلين للعمل فى الحقل‬

‫القضائى وليس هناك جهة تختص بالتكوين املنهى والتدريب للقاض ى‪ ،‬السيما ان هناك‬

‫عدة وسائل تساهم في ذلك‪ ،‬يأتى في مقدمتها اإلعداد املنهى الجيد من خالل املعاهد‬

‫القضائية‪ ،‬والدورات التدريبية والندوات واملؤتمرات العلمية والعملية وإتاحة كافة وسائل‬

‫املعرفة وتكنولوجيا املعلومات الحديثة من خالل‪:‬‬

‫توفير وسائل تكنولوجيا املعلومات الحديثة‪ :‬وذلك بإنشاء شبكة معلومات‬ ‫‪‬‬

‫إلكترونية متكاملة تربط جميع املحاكم‪ ،‬وإنشاء موقع على شبكة املعلومات تنشر فيه جميع‬

‫األحكام الصادرة عن محكمة النقض‪ ،‬واملحكمة اإلدارية العليا واملحكمة الدستورية‪،‬‬

‫وكذلك توفير الكتب واملجلدات واملوسوعات واملراجع‪ ،‬وآراء الفقه وأحكام القضاء‪،‬‬

‫فالتكوين املنهى للقاض ى يحتاج لكافة هذه الوسائل لتنمية آفاقه القانونية‪ ،‬لذلك يجب أن‬

‫تكون هناك آلية معينة لتجميع األحكام واآلراء التى تصدر عن املحاكم العليا في كافة جهات‬

‫‪P 234‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس‬40 ‫العدد‬

‫ لتسهيل وصول القضاة إلى ما يحتاجونه من تشريعات وآراء قضائية وفقهية‬،‫القضاء‬

.‫ وتيسير كافة املجالت واملراجع القانونية املتخصصة‬،‫بسهولة ويسر‬

‫ بيد ان تخصص القضاة ركيزة أساسية من‬:‫ توفير ضمانات التخصص والكفاءة في القضاء‬

‫ركائز الخبرة واملعرفة ألن غالبية النظم القضائية تشترط في الشخص الذى يتولى القضاء‬

.‫ قانونية وعلمية متخصصة‬،‫صفات ومؤهالت‬

Requirements to achieve the efficiency of the judiciary and judges

It has been widely observed in recent times that a number of unqualified

judges took over in the judicial field and there is no body specialized in

professional training and training for the judge, especially since there are

several methods that contribute to this, in the forefront of which is good

professional preparation through judicial institutes, training courses, seminars

and scientific conferences And the process and making available all means of

knowledge and modern information technology through:

•Providing modern information technology means: by creating an

integrated electronic information network that links all courts, and creating a

website on the information network that publishes all rulings issued by the

Court of Cassation, the Supreme Administrative Court and the Constitutional

P 235 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس‬40 ‫العدد‬

Court, as well as providing books, folders, encyclopedias, references,

jurisprudence opinions and judgments, judging A professional for a judge

needs all these means to develop his legal horizons. Therefore, there must be a

specific mechanism for collecting judgments and opinions issued by the higher

courts in all judicial bodies, to facilitate the access of judges to the legislation

and judicial opinions they need according to It is easy and easy to facilitate all

magazines and specialized legal references.

• Providing guarantees of specialization and competence in the judiciary:

However, the allocation of judges is one of the main pillars of experience and

knowledge because the majority of judicial systems stipulate in the person who

handles the judiciary qualities and qualifications, legal and scientific

specialized.

: ‫مقـدمة‬

‫تعد الرقابة القضائية ضمانة جوهرية لحماية الحقوق والحريات وحصنا للدولة‬

‫ واختصاص القضاء بهذه الرقابة يدخل في صميم الوظيفة‬، ‫واألفراد من االستبداد‬

‫ والذي‬، ‫ السيما إن استقالل السلطة القضائية‬، ‫القضائية لحماية كافة الحقوق والحريات‬

‫يعنى باألساس عدم تدخل أي سلطة باى شكل في عمل السلطة القضائية وخاصة السلطة‬

‫ وهذه الضمانة ليست لحماية الحقوق‬، ‫التنفيذية تنفيذا ملبدأ الفصل بين السلطات‬

P 236 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫والحريات فقط بل هي ضمانة أساسية لقيام دولة القانون ‪ ،‬فال سبيل إلى إقامة العدل‬

‫دون توفير الحماية واالستقالل الكامل للقضاء والقضاة وكذا الفصل بين كافة سلطات‬

‫ومؤسسات الدولة ‪.‬‬

‫وإذا لم يقم القضاء على أساس قوى من االستقالل والكفاءة والخبرة والحيدة‬

‫واملعرفة ‪ ،‬وإذا لم يتحصن بالضمانات الكاملة التى تكفل له أن يضطلع بمسئولياته‬

‫الخطيرة ‪ ،‬انهار أساس الحياة الديمقراطية فى البالد ‪ ،‬فال غرو أن العدل دوما أساسا للملك‬

‫وأساسا للحكم وأساسا لالستقرار ‪.‬‬

‫ويتطلب القضاء فيمن يليه فوق العلم واملعرفة واالملام بالقواعد القانونية ان يكون‬

‫متصفا باسمى خصال االستقامة والكفاءة والنزاهة والحيدة متشبعا بروح العدالة مومنا‬

‫بدوره فى حماية الحقوق والحريات ‪.‬‬

‫أوال ‪ -:‬أهمية البحث ‪-:‬‬

‫يعد تحقيق كفاءة القضاء والقضاة مطلبا اساسيا وجوهريا لتحقيق حاجات االفراد‬

‫واملجتمع الى العدالة واالطمئنان الى حقوقهم بل هو املكمل الطبيعى لفكرة املساواة امام‬

‫القضاء وكذا تأتي أهمية البحث والعالم يشهد ثورة تكنولوجية غير مسبوقة نتيجة لتسابق‬

‫دول العالم في استخدام التكنولوجيا واالستعانة بها فى كافة املجاالت وكذا االستعانة بها‬

‫فى اصالح منظومة القضاء وتنمية مهارات القضاة‪.‬‬

‫‪P 237‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫ثانيا‪ -:‬إشكالية البحث ‪-:‬‬

‫ما لوحظ فى اآلونة األخيرة من عدم خبرة الكثير من القضاة فى القيام بالوظيفة‬

‫القضائية‪ ،‬والعمل بالحقل القضائى بشكل الئق نتيجة عدم كفاءتهم أو لنقص فى الخبرة‬

‫أو نقص فى االمكانيات املتاحة لهم سواء نقص فى التدريب أو املعلومات املتاحة لهم أو عدم‬

‫توفير االنظمة الخبيرة فى مجال اعمالهم التى تساعدهم فى انجاز ما هو موكول لهم فضال‬

‫عن عدم وجود جهة معينة مسئولة عن تدريب وإعداد القضاة بشكل الئق‪.‬‬

‫ثالثا‪ -:‬تقسيمات البحث ‪ -:‬قسمنا البحث الى اربعة مباحث وذلك على النحو التالي ‪-:‬‬

‫املبحث االول ‪ -:‬متطلبات تحقيق كفاءة القضاء ‪ .‬املبحث الثاني ‪ -:‬متطلبات تحقيق كفاءة‬

‫القضاة ‪ .‬املبحث الثالث ‪ -:‬متطلبات تحقيق كفاءة القضاء والقضاة بين النظرية والتطبيق‪.‬‬

‫املبحث الرابع ‪ -:‬ضمانات عدم انتهاك استقالل القضاء والقضاة ‪ .‬وذلك على التفصيل‬

‫التالى ‪-:‬‬

‫املطلب األول‪ /‬متطلبات تحقيق كفاءة القضاء ‪.‬‬

‫ويعتبر تحقيق كفاءة القضاء عنصر هام وحاسم فى حل املنازعات التى تثور فى‬

‫املجتمع‪ ،‬ولذا فان فاعلية القضاء وكفاءته جزء اساس ى من فكرة األمن القانونى ‪ ،‬فاذا‬

‫كانت السلطة التشريعية هى املسئولة عن إرساء األمن القانونى ‪ ،‬فإن السلطة القضائية‬

‫هى املسئولة عن تحقيق وتطبيق هذا االمن القانونى وإستكمال ما لم تحققه السلطة‬

‫التشريعية ‪ ،‬ولن يتأتى هذا إال بقضاة نزيه مستقل مدرب يعمل على ترميم النصوص مما‬

‫‪P 238‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫اعتراها من عيوب ‪ ،‬وذلك عن طريق قضاة ذو خبرة وثقافة قانونية وفهم للقانون والواقع‬

‫بشكل جيد ‪ ،‬ولذا سوف نناقش متطلبات تحقيق كفاءة القضاء فى ثالثة مطالب على الوجه‬
‫(‪)322‬‬ ‫التالى ‪-:‬‬

‫املطلب االول ‪ -:‬أهمية التكنولوجيا ونظم املعلومات فى تيسير وفاعلية القضاء ‪.‬‬

‫املطلب الثانى ‪ -:‬إستقــالل القضــاء وحيــاده‪.‬‬

‫املطلب الثالث ‪ -:‬احترام أحكام القضاء وتنفيذ األحكام القضائية ‪.‬‬

‫وذلك على التفصيل التالى ‪:‬‬

‫املطلب األول‪ :‬أهمية التكنولوجيا ونظم املعلومات فى تيسير وفاعلية القضاء‬

‫يشهد العالم ثورة هائلة فى التكنولوجيا ونظم املعلومات نتيجة تطورها بشكل‬

‫ملحوظ نتيجة الكم الهائل من املعلومات ‪ ،‬ونظرا ألهمية نظم املعلومات فى أداء كافة‬

‫األعمال القضائية وتطويرها ‪ ،‬وملا تؤدى له من سرعة فى إتخاذ القرار على كافة املستويات‪،‬‬

‫األمر الذى استتبع ضرورة تطوير االجهزة التى بنيت عليها هذه النظم ‪ ،‬وأصبحت اإلدارة‬

‫الحديثة ال تبنى على القدرات الشخصية فقط بل علما له قواعده وأصوله ‪ ،‬ولكى تحقق‬

‫اإلدارة الحديثة أهدافها يلزم وجود نظم معلومات مواكبة للعصر للممارسة االنشطة‬

‫(‪ (322‬د‪ .‬محمود حمدى عطية ‪ :‬دور دائرة توحيد المبادئ القانونية بمجلس الدولة فى كفالة االمن القضائى ‪ ،‬ط‬
‫‪ ، 7105‬ص ‪.78‬‬

‫‪P 231‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫القضائية املرتبطة بها ‪ ،‬فال يوجد نشاط يتم بنجاح إال بتوافر البيانات واملعلومات بالقدر‬

‫والجودة املناسبة فى وقت مناسب ومالئم ‪.‬‬

‫ونظرا ملا يشهده العالم من تطور تكنولوجى سواء ما طرأ من ثورة فى املعلومات والتى‬

‫تمثلت فى الكم الهائل من املعرفة بواسطة تكنولوجيا املعلومات ‪ ،‬أو سواء فى وسائل‬

‫االتصال والتى تمثلت فى تكنولوجيا االتصال الحديث التى إنتهت باالقمار الصناعية ‪ ،‬وكذا‬

‫الحاسبات االلية والبرامج الاللكترونية الحديثة والنظم الخبيرة والتى توغلت فى كافة‬
‫‪)323( .‬‬ ‫مناحى الحياة‬

‫ويسهم تطبيق تكنولوجيا املعلومات املعاصرة بواسطة نظم املعلومات الحديثة فى‬

‫توفير القدرة على اداء عمليات كثيرة ومتباعدة ومتنوعة بسرعة فائقة وبدقة متناهية وكذا‬

‫تخزين واسترجاع كم كبير من املعلومات والبيانات فى انماط موحدة باساليب مبرمجة سهلة‬
‫‪)324( .‬‬ ‫بسيطة سريعة دقيقة‬

‫وتشير العديد من الدراسات لقوة تاثير تكنولوجيا املعلومات على االنجاز القضائى‬

‫وسرعة البت فى القضايا املتراكمة منذ سنوات امام املحاكم وذلك باستخدام التكنولوجيا‬

‫فى االعالنات القضائية واالستعانة باالنظمة الخبيرة وندب الخبراء وابحاث التزييف والتزوير‬

‫وارسال واعالن القضايا الكترونيا وغير ذلك من الطرق امليسرة واملساعدة فى االنجاز فى‬

‫(‪ (323‬د‪.‬عصمت عبد اهلل الشيخ ‪ :‬دور نظم وتكنولوجيا المعلومات فى تيسير وفاعلية العمل االدارى ‪ ،‬دار النهضة‬
‫العربية ‪ ،‬ط ‪ ، 0228‬ص ‪ 05‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ (324‬د‪.‬عصمت عبد اهلل الشيخ ‪ :‬دور نظم وتكنولوجيا المعلومات ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪ 32‬وما بعدها‬

‫‪P 241‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫العملية القضائية ‪ ،‬وتنقسم تكنولوجيا املعلومات واالتصاالت الى ثالث مجموعات رئيسية‬

‫وهى تكنولوجيا الحواسب وتكنولوجيا االتصاالت وتكنولوجيا الحواسب واالتصاالت من‬

‫خالل االنترنت والتطبيقات الحديثة التى يجب االستفادة منها فى تطوير وتحديث العملية‬
‫‪)325(.‬‬ ‫القضائية‬

‫ومن جماع ما تقدم نجد وجوب استخدام تكنولوجيا املعلومات الحديثة وتطبيقاتها‬

‫فى العملية القضائية والعمليات املتداخلة معها ‪ ،‬ملا لها من دور متميز فى توفير حاجات‬

‫القضاء فى االنجاز ‪ ،‬وحاجات القضاة للمعلومات بسرعة متناهية وترشيد عملية اتخاذ‬

‫القرارات وتحسين دقة وتكامل امللفات وتنسيق املداخل املتعددة للبيانات وتحقيق القضاء‬
‫الناجز ‪)326( .‬‬

‫املطلب الثانى‪ :‬استقــالل القضــاء وحيــاده‬

‫بيد أن استقالل القضاة استقالال تاما‪ ،‬من األمور املسلم بها لتحقيق كفاءة القضاء‪،‬‬

‫وأن ال سلطان على القاض ي وهو يؤدى واجبه لغير القانون‪ ،‬وليس ألحد أن يملى عليه حكمه‬

‫سوى ضميره‪.‬‬

‫وإذا كان الدستور قد جعل من استقالل القضاء وحصانته ضمانين أساسيين لحماية‬

‫الحقوق والحريات ‪ ،‬فقد أضحى لزاما أن يكون هذا الحق مكفوال ومفعال ومطبق بنص‬

‫(‪ ) 325‬د‪ .‬عاطف وليم اندراوس ‪ :‬الفجوة الرقمية ودور الحكومة فى معالجتها ‪ ،‬دار الفكر الجامعى ‪ ،‬ص ‪.07‬‬
‫(‪ (326‬د‪.‬عصمت عبد اهلل الشيخ ‪ :‬دور نظم وتكنولوجيا المعلومات ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪ 32‬وما بعدها‬

‫‪P 241‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫صريح كى ال تكون الحقوق والحريات التى نص عليها مجردة من وسيلة حمايتها ‪ ،‬بل معززة‬
‫(‪)327‬‬ ‫بها لضمان فعاليتها وضمان حسن تطبيقها ‪.‬‬

‫ويعنى ذلك وجوب وجود بعض املقومات واملرتكزات األساسية الستقالل القضاء‬

‫والقضاة وفى حالة عدم وجودها أو انتقاص شرط من تلك الشروط ال يتصف ذلك القضاء‬

‫بالعدل أو االستقالل أو الحيدة او النزاهة وهى ‪-:‬‬

‫أوال ‪ -:‬استقالل القضاة دون غيرهم بتطبيق القانون على املنازعات والدعاوى وأنهم‬

‫دون غيرهم الذين يقضون بتجريم أفعال معينة ويحكمون بعقوبات معينة تطبيقا لتلك‬

‫القوانين ‪ ،‬وال يجوز لجهة فى الدولة أيا كانت أن تتداخل فى أعمال القضاء أو أن تطلب‬

‫تطبيقا معينا لنص معين أو أن تفرض حكما معينا فى قضية معينة ‪.‬‬

‫ويتفق مع ما تقدم ويجرى مجراه أنه ال يجوز لغير القضاة أن يحكموا فى الدعاوى ‪،‬‬

‫إن القاض ي العادي هو الذى يجب أن يناط به وحده الفصل فى القضايا واملنازعات فى‬

‫الدولة القانونية ‪ ،‬أما أن تنتزع بعض القضايا ألهمية معينة معينة فى نظر السلطات ويعطى‬

‫االختصاص بالفصل فى تلك القضايا لغير جهة القضاء العادية أو لجهة قضاء مخصصة‬

‫لسبب معين ‪ ،‬فهو أمر يتعارض مع مفهوم استقالل القضاء تماما وينتقص من قدر القضاة‬

‫والقضاء ‪ ،‬األمر الذى يوثر سلبا فى كفاءة القضاة والقضاء ويززع ثقة املواطنين فى العدالة‪.‬‬

‫(‪ (327‬راجع الحكم الصادر من المحكمة بجلسة ‪ 8‬مايو سنة ‪ 0225‬في القضة رقم ‪ 32‬لسنة ‪ 5‬ق ‪ ،‬مجموعة‬
‫أحكام المحكمة الدستورية العليا ‪ ،‬الجزء الخامس ‪ ،‬المجلد الثانى ‪ ،‬قاعدة رقم ‪ ، 05‬ص ‪031‬‬

‫‪P 242‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫ثانيا ‪ -:‬استقالل القضاة دون غيرهم بإنزال أحكام القوانين على كافة املواطنين دون‬

‫تمييز ويستلزم ذلك بالضرورة أن يكون الحبس االحتياطي بكل صوره وكذا االعتقال فى غير‬

‫حالة األحكام العرفية التى يجب أن تبقى فى أضيق نطاق ولضرورات ملجئه من اختصاص‬

‫القضاة وحدهم دون غيرهم ‪.‬‬

‫ثالثا ‪ -:‬ممارسة السلطة بصفة دائمة فى إطار الدستور والقانون ‪ ،‬مما يؤدى بالضرورة‬

‫إلى أن تسأل كافة أجهزة السلطة العامة عن أفعالها وقراراتها وأن ال تكون تلك األفعال‬

‫والقرارات محصنة من املسئولية وااللغاء أمام القضاء وفقا للدستور والقانون ‪.‬‬

‫السيما أن خضوع أعمال وقرارات أجهزة السلطة للقانون وإعطاء القضاء الحق فى‬

‫مراقبة هذا الخضوع والغاء املخالف للقانون عندما يدعى صاحب مصلحة بعدم تحققه‬
‫‪)328( .‬‬ ‫أمر من صميم الدولة القانونية‬

‫رابعا ‪ -:‬استقالل القضاء بميزانيته ‪ -:‬من أعظم األمور خطرا على استقالل السلطة‬

‫القضائية هو التقتير عليها في مواردها ورواتب القضاة ومخصصاتهم حتى تقف موقف‬

‫املستجدى من السلطتين األخيرتين ‪ ،‬لذا فإنه يتعين أن يستقل القضاة بميزانيتهم وفق‬
‫(‪)329‬‬ ‫ضوابط محددة عامة مجردة ‪.‬‬

‫(‪ )328‬د‪ .‬يحيى الجمل ‪ :‬القضاء الدستورى فى مصر ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪ 58‬وما بعدها‬
‫(‪ (329‬د‪ .‬فاروق عبد البر ‪ :‬دراسات في حرية التعبير واستغالل القضاء وضمانات التقاضي ‪ ،‬ط ‪ ، 7118‬ص‬
‫‪ 715‬وما بعدها‬

‫‪P 243‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫ومن املستقر عليه أن استقالل القضاء بميزانيته ليس أمرا غريبا ‪ ،‬فما دام القضاء‬

‫سلطة مستقلة فإنه ينبغي أن يستقل بميزانيته ‪ ،‬وال ينبغي أن تكون هذه امليزانية محل‬

‫رقابة من السلطة التشريعية وإال كانت هذه الرقابة بابا للسيطرة على مصائر القضاة ‪،‬‬

‫كما أن تدخل السلطة التنفيذية فى تحديد كيفية معاملة القضاة ماليا أمر ال يتفق‬

‫واستفالل السلطة القضائية ألنه ال يجوز أن يكون محل مساومة بين السلطة القضائية‬

‫والسلطة التنفيذية ‪ ،‬ذلك إن إعداد ميزانية القضاء ينبغي أن يكون من اختصاص القضاة‬

‫أنفسهم ‪ ،‬بما فى ذلك تحديد موارد هذه امليزانية وأوجه إنفاقها ‪ ،‬وأن تدرج رقما واحدا فى‬

‫املوازنة العامة للدولة ‪ ،‬وأن يكون للقضاء فى شأنها السلطة املقررة للوزير املختص ووزير‬
‫(‪)330‬‬ ‫املالية ‪.‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬احترام احكام القضاء وتنفيذ االحكام القضائية‬

‫بيد ان إعالء حجية االحكام القضائية الحائزة لقوة االمر املقض ى والتى استقرت بها‬

‫املراكز القانونية لالفراد فى املجتمع هو ما يحقق األمن القانونى بمعناه العام ويحفظ األمن‬

‫القضائى‪.‬‬

‫ذلك ان النفاذ الى القضاء ال يعتبر كافيا لصون الحقوق التى تستمد وجودها من‬

‫النصوص والقانونية واالحكام القضائية بل يتعين دوما ان يقترن هذا النفاذ بازالة كافة‬

‫(‪ )330‬المستشار يحيى الرفاعى‪ :‬حديث الحقائق والوثائق (‪ )0‬الديمقراطية الحقيقية‪ ( ،‬الطوارئ وافساد الطبائع ‪،‬‬
‫تأصيل تاريخي منشور منذ عام ‪ 0221‬للمستشار الجليل احمد مكي ‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ ،‬طبعة ‪، 7115‬المكتب‬
‫المصري الحديث ‪ ،‬ص ‪77‬‬

‫‪P 244‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫العوائق التى تحول دون تنفيذ االحكام القضائية كى توفر للخصومة فى نهاية املطاف حال‬

‫منصفا يقوم على حيدة املحكمة وإستقاللها ويعكس بمضمونة التسوية التى يعمد الخصم‬

‫إلى الحصول عليها بوصفها الترضية القضائية التى يطلبها ‪.‬‬

‫وتاتى ضرورة اقتران الترضية القضائية بوسائل تنفيذها جبرا باعتبارها أهم مفردات‬

‫املنظومة املتكاملة للحق فى التقاض ى فالترضية القضائية التى ال تقترن بوسائل تنفيذها‬

‫تغدو وهما وسرابا وتفقد قيمتها عمال ‪ ،‬األمر الذى يؤول إلى تجريدها من قوة نفاذها وإهدار‬

‫كافة الحقوق التى كفلتها وتعطيل دور القضاء فى مجال تاميمها وافراغ حق اللجوء إليها‬

‫من كل مضمون وعدوان على واليتها وإنتهاك صارخ للعدالة يثبط القضاة واملتقاضين ولذا‬

‫يجب اسناد امر تنفيذ االحكام القضائية الى السلطة القضائية نفسها دون تدخل من‬
‫‪)331( .‬‬ ‫السلطة التنفيذية‬

‫وحيث أن الدستور عزز كذلك سيادة القانون وضرورة تنفيذ االحكام القضائية بنص‬

‫املادة ‪ 27‬التى صاغها بوصفها ضمانا جوهريا لتنفيذ األحكام القضائية من قبل املوظفين‬

‫املختصين ‪ ،‬وأعتبر إمتناعهم عن إعمال مقتضاها ‪ ،‬أو تعطيل تنفيذها جريمة معاقبا عليها‬

‫قانونا ‪ ،‬وما ذلك إال توكيدا من الدستور لقوة الحقيقة الراجحة التى يقوم عليها الحكم‬
‫(‪)333(،)332‬‬ ‫القضائى ‪ ،‬وهى حقيقة قانونية ال تجوز املماراة فيها ‪.‬‬

‫(‪ (331‬د‪ .‬محمود حمدى عباس عطية ‪ :‬دور دائرة توحيد المبادئ القانونية ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪ 78‬وما بعدها‬
‫(‪ )332‬حكم المحكمة الدستورية العليا بجلسة ‪ 03‬أبريل سنة ‪ 0223‬فى القضية رقم ‪ 72‬لسنة ‪ 08‬ق " دستورية "‬
‫(‪ )333‬عبد العزيز سالمان‪ ،‬الدولة القانونية ورقابة الدستورية ‪ ،‬مجلة الدستورية العدد ‪ 08‬اكتوبر ‪ ، 7112‬ص‪82‬‬

‫‪P 245‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫املبحث الثاني‪ :‬متطلبات تحقيق كفاءة القضاة‪.‬‬

‫ذلك ان أهم متطلبات تحقيق كفاءة القضاة هو وضع معايير دقيقة ثابتة ال تتغير وال‬

‫تتبدل للتعين القضاة ‪ ،‬والتعين فى سلك القضاء أهمها التفوق العلمي واألدبي ‪ ،‬واال يكون‬

‫التعيين فى القضاء باملحاباة أو املجاملة أو املحسوبية أو غير ذلك من طرق غير شريفة وغير‬

‫مشروعة ‪ ،‬وكذا يجب أن تتوافر في القضاة ضمانات التفوق والتخصص والكفاءة وذلك‬

‫لتحقيق كفاءة القضاة والقضاء وضمان حيدته منذ بداية تعيينه في سلك القضاء حتى‬

‫خروجه على املعاش ‪ ،‬وكذا تحقيق التخصص للقضاء والقضاة وتنفيذ التدريب املستمر‬

‫ملا لهما من عوامل فى ثقل خبرة وكفاءة القضاة ‪ ،‬وملا له من تحقيق كفاءة القضاء ‪ ،‬وذلك‬

‫ما سوف نناقشة فى ثالثة مطالب على الوجة التالى ‪-:‬‬

‫املطلب األول ‪ -:‬وضع ضوابط عامة مجردة لتعيين وترقية ونقل وعزل القضاة ‪.‬‬

‫املطلب الثانى ‪ -:‬إنشاء مركز متخصص لتطوير وتدريب القضاة ‪.‬‬

‫املطلب الثالث ‪ -:‬أن يتوافر للقضاة كافة ضمانات التخصص والكفاءة ‪.‬‬

‫وذلك على التفصيل التالى ‪-:‬‬

‫املطلب االول ‪ -:‬وضع ضوابط عامة مجردة لتعيين وترقية ونقل وعزل القضاة ‪.‬‬

‫ولعل أهم ضمان لهذا االستقالل هو اختيار القضاة بدقة متناهية وضوابط محددة‬

‫عامة مجردة ‪ ،‬وكذا عدم قابلية القضاة للعزل أو النقل النوعي أو املكاني إال بمقتض ى‬

‫قواعد عامة محددة مجردة ثابتة ‪ ،‬وأن تعطى سلطة التعيين والترقية والنقل والتأديب‬

‫‪P 246‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫والعزل لهيئة مستقلة تابعة للسلطة القضائية ‪ ،‬ولهذا ورد النص على هذه الضمانة‬

‫صراحة فى معظم الدساتير ‪ ،‬وإن كانت قد أحالت فى التفاصيل إلى القانون املنظم للسلطة‬

‫القضائية ‪ ،‬فمن دواعي وعوامل هذا االستقالل أال يكون تعيين القضاة مبنيا على اعتبارات‬

‫سياسية وأال يوكل تعيين وترقية وعزل القضاة أو تأديبهم أو نقلهم إلى األجهزة السياسية‬

‫وأن تضمن لهم الرواتب املناسبة ‪ ،‬وقد أقرت غالبية الديمقراطيات الحديثة قاعدة عدم‬
‫(‪)334‬‬ ‫عزل القضاة ‪.‬‬

‫اوال ‪ -:‬اختيار القضاة‬

‫من ابرز الضمانات لتحقيق كفاءة القضاة والقضاء هو اختيار القضاة انفسهم‬

‫وتشمل كلمة القضاة اعضاء النيابة العامة باعتبار ان النيابة العامة شعبة أصيلة فى‬

‫العملية القضائية (‪ ، )335‬ويعتبر اختيار القضاة الضمانة االولى الستقالل القضاة إذ انه‬

‫باحسان اختيار القضاة نضمن أن من يلى هذا املنصب كل من هو جدير بتحمل تبعاته‬

‫والنظر اليه على انه تكليف ال تشريف وانه امانة سوف يسأل عنها امام هللا سبحانه وتعالى‪،‬‬

‫فإما يبيض وجه يوم تسود الوجوه ‪ ،‬وإما أن يلقى فى النار جزاء ملا قصر فى إحق الحقوق‬

‫وحماية املواطنين من ظلم وقهر الظاملين ‪ ،‬ولذا يجب ان يكون اختيار القضاة بشفافية‬

‫(‪ (334‬الموسوعة العربية للدساتير العالمية – بمجلس األمة ( مجلس الشعب حاليا ) ط ‪ ، 0288‬ص‪ ، 215‬د‪.‬‬
‫شحاتة أبو زيد شحاتة ‪ :‬مبدأ المساواة فى الدساتير العربية ‪ ،‬متطلبات استقالل القضاء ‪ ،‬طبعة ‪ ، 7110‬ص ‪،820‬‬
‫‪827‬‬
‫(‪ (335‬التى نرى وجوب فصلها تمام عن السلطة القضائية لتكون سلطة مستقلة ترفع لواء االدعاء العام‬

‫‪P 247‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫وموضوعية وفقا لقواعد عادلة ثابتة (‪ ، )336‬ال تتغير وال تتبدل على ان يكون اهم شروط‬

‫اختيار القضاة هو العلم والكفاءة والجدارة والتفوق بعيدا عن املحسوبية والوراثة وغير‬

‫ذلك من الطرق غير املشروعة‪ ،‬وبعيدا عن تدخل السلطة التنفيذية فى اختيارهم عبر‬

‫شروط التحريات التى من خاللها يستطيعوا ان يستبعدوا من شاءوا ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ -:‬صفات القاض ى ‪-:‬‬

‫لعل خير ما يصف لنا الصفات التى يجب ان يتصف بها القاض ى هو قول الخليفة‬

‫عمر بن عبد العزيز " اذا كان فى القاض ى خمس خصال فقد كمل‪ ،‬علم بما قبله ‪ ،‬ونزاهة‬

‫من الطمع ‪ ،‬وحلم على الخصم ‪ ،‬واقتداء باالئمة ‪ ،‬ومشاركة اهل العلم والراى "‬

‫وكذا قول االمام على بن ابى طالب رض ى هللا عنه " ال ينبغى أن يكون القاض ى قاضيا‬

‫حتى تكون فيه خمس خصال ‪ ،‬عفيف ‪ ،‬حليم ‪ ،‬عالم بما كان قبله ‪ ،‬يستشير ذوى االلباب‪،‬‬

‫ال يخاف فى هللا لومة الئم "‬

‫ثالثا ‪ -:‬مراحل التكوين املنهى للقاض ى ‪-:‬‬

‫‪ -8‬التكوين القانونى األساس ى ويتم ذلك بدراسة كافة العلوم القانونية‪.‬‬

‫‪ -7‬التكوين املنهى والذى يتم نظريا من خالل املراكز املتخصصة العداد القضاة‬

‫وعمليا من خالل الخبرة والتخصص واملمارسة الفعلية والعمليا ‪.‬‬

‫(‪ (336‬المستشار محمود الخضيرى ‪ :‬تشريعات السلطة القضائية فى دولة االمارات العربية ‪ ،‬دراسة مقارنة بالشريعة‬
‫االسالمية والقوانين الوضعية ‪ ،‬دار النهضة العربية ‪ ، 0228 ،‬ص‪03‬‬

‫‪P 248‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪ -9‬التكوين والتدريب املستمر الذى يتم بصفة دورية من خالل االطالع والتدريب‬

‫املستمر والدورى وكذلك من خالل املؤتمرات والندوات وورش العمل القانونية‪.‬‬


‫(‪.)337‬‬

‫رابعا ‪ -:‬عدم املساس بمبدأ الحصانة ضد العزل ‪.‬‬

‫تسعى السلطة التنفيذية إلي التأثير بكافة الطرق على السلطة القضائية‪ ،‬ومن ضمن‬

‫الطرق التى تستغلها وتنفذها هي التدخل فى تعيين القضاة وإحالة القضاة الغير مرغوب‬

‫فيهم إلى لجان عدم الصالحية ‪ ،‬وذلك على الرغم من وجود النصوص الدستورية‬

‫والتشريعية التى أكدت على تمتع القضاة بضمانة الحصانة ضد العزل ‪ ،‬فقد تعرض هذا‬
‫‪)339( ، )338( .‬‬ ‫املبدأ للعديد من االنتهاكات والخروقات‬

‫خامسا ‪ -:‬عدم املساس بمبدأ الحصانة ضد العزل بطريق إعادة تنظيم القضاء ‪.‬‬

‫أحيانا تلجأ السلطة التشريعية إلى االعتداء على إستقالل القضاء تحت ستار " إعادة‬

‫تنظيم القضاء " وال يكون املقصود في الواقع إعادة التنظيم ‪ ،‬وإنما إخراج بعض القضاة‬

‫(‪ (337‬المستشار محمود الخضيرى ‪ :‬تشريعات السلطة القضائية فى دولة االمارات العربية ‪ ،‬دراسة مقارنة بالشريعة‬
‫االسالمية والقوانين الوضعية ‪ ،‬دار النهضة العربية ‪ ، 0228 ،‬ص ‪27‬‬
‫(‪ (338‬وذلك انه قد تعرض القضاء اإلدارى والعادي لمحنتين في عامي ‪0233‬و ‪ 0282‬راجع في ذلك تفصيال ‪،‬‬
‫د‪ .‬محمد كامل عبيد ‪ :‬استقالل القضاء " دراسة مقارنة " رسالة دكتوراه ‪ ،‬جامعة القاهرة ‪ ،‬كلية الحقوق ‪، 0220 ،‬‬
‫ص ‪ ،730 – 750‬د‪ .‬عبد الناصر على عثمان حسين ‪ :‬استقالل القضاء اإلدارى " دراسة مقارنة " ‪ ،‬دار الكتب‬
‫القانونية ‪ ، 7118‬ص ‪750 – 758‬‬
‫(‪ (339‬وكذلك يتعرض القضاة لمحنة بسبب آراءهم الشخصية أو السياسية منذ عام ‪ 7105‬حتى أالن مما تسبب‬
‫في استبعاد عدد كبير منهم من أعمالهم القضائية ‪.‬‬

‫‪P 241‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫الغير مرغوب فيهم سياسيا ‪ ،‬وذلك عن طريق عدم ظهور أسمائهم في قوائم القضاة بعد‬
‫(‪)340‬‬ ‫إعادة تنظيمها املزعوم ‪.‬‬

‫سادسا ‪ -:‬تعيين املحامين بالقضاء ‪.‬‬

‫بيد ان تعيين املحامين فى القضاء بنسبة ال تقل عن ‪ %72‬تنفيذا للمواد ‪48 ،93، 91‬‬

‫‪ 42، 49،‬من قانون السلطة القضائية ملا يتمتعون به من قدرة وكفاءة وخبرة فى العمل‬

‫القضائى وفى كتابة املذكرات والطعن على االحكام وتسبيب طعونهم وكذا ملا يتمتعون به‬

‫من قدرة على التحليل والفحص والتمحيص‪ ،‬وملا لهم من قدرة فنية وعملية فى إصالح‬

‫وتطوير السلطة القضائية وذلك النهم ملئمون بكافة التداخالت القضائية والقانونية ‪.‬‬

‫ذلك أن تعيين املحامين بالقضاء وأنهم أكثر خبرة ودراية من غيرهم ‪ ،‬وخاصة أن املادة‬

‫الخاصة بتعيين املحامين بقانون السلطة القضائية غير مفعلة منذ ما يزيد عن عشرون‬

‫سنة ماضية ‪ ،‬باعتبار أن هناك عدد كاف من املتقدمين من خريجي كليات الحقوق ووكالء‬

‫النيابة األمر الذى أصبح معه كافة التعيينات التى تمت مؤخرا فى السلطة القضائية مما‬

‫نالوا رض ى السلطة القضائية والسلطة التنفيذية ‪.‬‬

‫(‪ (340‬د‪ .‬محمد عصفور ‪ :‬استقالل القضاء ‪ ،‬مجلة القضاة ‪ ،‬السنة األولى ‪ ،‬العدد الثالث ‪ ،‬يونيو ‪، 0288‬‬
‫مصر ‪ ،‬ص ‪ ، 515‬مجلة الحقوق ‪ ،‬العدد الرابع ‪ ،‬السنة التاسعة والثالثون ‪ ،‬ربيع األول ‪0552‬هـ – ديسمبر‬
‫‪ 7103‬م ‪ ،‬ص ‪ 588‬وما بعدها‬

‫‪P 251‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫املطلب الثانى‪ :‬انشاء مركز متخصص لتطوير وتدريب القضاة ‪.‬‬

‫انشاء مركز قضائى متخصص فى تطوير وتدريب وتثقيف وإعداد القضاة وخاصة‬

‫الشباب منهم ومدهم بكافة املعلومات والبيانات التى يحتاجونها وتكوين الشخصية‬

‫القضائية الواعية برسالتها واكساب القاض ى القدرة على اتخاذ القرار العادل فيما يعرض‬

‫عليه من وقائع ‪ ،‬وما يكفل تحقيق تلك االهداف باساليب متعددة من بينها املوتمرات‬

‫واملحاضرات والندوات والدراسة التطبيقية والتدريب العملى مع تزويد القضاة بمجوعات‬

‫متنوعة من املعارف واملجموعات واملوسوعات القانونية الورقية واالسطونات املدمجة‬


‫‪)341(.‬‬ ‫والبرامج االلكترونية وتدريبهم على كيفية االستعانة باالنظمة الخبيرة‬

‫ال سيما انه أصبح من السهل نتيجة التطورات التكنولوجية الحديثة املتواكبة فى‬

‫كافة مجاالت االتصال والحاسبات ان يحصل القاض ى على ما يحتاجه من بيانات‬

‫ومعلومات اذا كان هناك رغبة من اجل توفيرها فى اى مكان يتواجد فيه وصار سهال نقل‬

‫وتخزين املعلومات والبيانات والنصوص واملعلومات املكنتوبة واملسموعة من خالل العديد‬

‫من وسائل االتصال املتقدمة‪ ،‬ولكن بجانب ذلك يجب التدريب املستمر واطالعهم على‬
‫‪)342( .‬‬ ‫كل ما هو جديد وحديث وذلك من خالل مركز متخصص‬

‫(‪ (341‬المستشار محمود الخضيرى ‪ :‬تشريعات السلطة القضائية ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪3‬‬
‫(‪ (342‬د‪.‬عصمت عبد اهلل الشيخ ‪ :‬دور نظم وتكنولوجيا المعلومات فى تيسير وفاعلية العمل االدارى ‪ ،‬دار‬
‫النهضة العربية ‪ ،‬ط ‪ ، 0228‬ص ‪ 32‬وما بعدها‬

‫‪P 251‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫اوال ‪ -:‬يتولى املركز انشاء وادارة وتطوير نظم املعلومات ودعم اتخاذ القرار بشكل سهل‬

‫وسلس وبسيط بما يحقق االغراض االتية ‪-:‬‬

‫‪ -8‬قضاء ناجز وسريع وبسيط لتحقيق العدالة الناجزة ‪.‬‬

‫‪ -7‬اجراءات مبسطة للقضاة واملتقاضين بعيدة عن الروتين الذى ال يحقق العدالة‪.‬‬

‫‪ -9‬اعداد الخطة القضائية واالستراتيجية فى مجال تكنولوجيا املعلومات وكيفية‬

‫االستفادة منها ‪.‬‬

‫‪ -4‬توفير احتياجات القضاة واملجلس االعلى للقضاء من نظم دعم اتخاذ القرار وما‬

‫يتطلبه من معلومات وبيانات وغيرها بما يتوافق مع املتطلبات الحديثة‬

‫واملتجددة وكيفية التعامل واالستفادة من كافة التطبيقات الحديثة واملتنوعة‬

‫والنظم الخبيرة فى العمل القضائى ‪.‬‬

‫‪ -2‬توفير احتياجات القضاة واملتقاضين وتيسير عمل املنظومة القضائية بما يحقق‬

‫مبدأ القضاء الناجز ‪.‬‬

‫‪ -7‬اعداد خطة تحديث دورية لتحديث االدارة من خالل انشاء قواعد املعلومات‬

‫والبيانات ‪ ،‬وكذا انشاء الخطط والبرامج التنفيذية واقتراح افضل السبل‬

‫الحديثة واملتطورة املناسبة للعملية القضائية ‪.‬‬

‫‪ -2‬انشاء مركز معلومات ودعم اتخاذ القرارات بكافة املحاكم على مستوى الدولة ‪.‬‬

‫‪P 252‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪ -1‬تخطيط وبناء قواعد املعلومات القضائية والتى تساعد القضاة فى تطوير‬

‫قدراتهم على الدراسة والفحص والتسبيب واتخاذ القرار ‪ ،‬وكذا وضع نظام قادر‬

‫على توفير كافة املعلومات االساسية فى كافة املوضوعات املختلفة فى الوقت‬

‫املناسب عن طريق استخدام االساليب واملعدات التكنولوجية الحديثة‬

‫واالستفادة من جميع االمكانيات والبرامج الحديثة للتكنولوجيا ‪.‬‬

‫‪ -3‬اقتراح وصياغة الخطة القضائية لتوفير املعلومات والبيانات ودعم اتخاذ القرار‬

‫مواكبة للتكنولوجيا الحديثة ‪.‬‬

‫االستعانة بالنظم الخبيرة التى تعتبير من أهم تطبيقات الذكاء االصطناعى‬ ‫‪-80‬‬

‫واكثرها انتشارا ‪ ،‬والذكاء االصطناعى هو سلوك يمكن ان توديه اآللة ويتماثل‬

‫مع الذكاء الذى يوديه العقل البشرى ويشتمل على مجموعة من تكنولوجيا‬

‫املعلومات فهو غير مقتصر على نوع واحد من أنواع برامج الكمبيوتر املتاحة بل‬

‫يتسع العداد كبيرة جديدة ومتطورة بشكل حديث ‪.‬‬

‫(‪)343‬‬ ‫تجهيز املكاتب الكترونيا ‪.‬‬ ‫‪-88‬‬

‫ثانيا ‪ -:‬اهداف التدريب ‪.‬‬

‫‪ -8‬اعداد وتدريب القضاة وتأهيلهم علميا وعمليا وتطبيقيا ملمارسة العمل‬

‫القضائى‪.‬‬

‫(‪ (343‬د‪.‬عصمت عبد اهلل الشيخ ‪ :‬دور نظم وتكنولوجيا المعلومات‪ ،‬مرجع سابق ‪ ، 0228‬ص ‪ 53‬وما بعدها‬

‫‪P 253‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪ -7‬االرتقاء باملستوى الفنى والعلمى والعملى العوان القضاة والعاملين بالجهات‬

‫املعاونة للقضاء ‪.‬‬

‫‪ -9‬تلقين القضاة فن القضاء بفروعه املختلفة مثل التحقيق وتقدير الدليل عند‬

‫التصرف فى القضايا ‪ ،‬ومباشرة الدعوى القضائى‪ ،‬واملرافعات املكتوبة‬

‫والشفوية ‪ ،‬وكذا تسبيب االحكام والقرارات ‪ ،‬وكافة الشئون املتعلقة بادارة‬

‫شئون العدالة ‪.‬‬

‫‪ -4‬بث وتعميق احساس القاض ى بالقيم والتقاليد القضائية ‪.‬‬

‫‪ -2‬تزويد القاض ى بما يحتاجه فى عمله من موسوعات ومعارف ومراجع قانونية‬

‫وغير قانونية كالطب الشرعى واالدلة املادية وخبرة معرفة التزييف والتزوير فى‬

‫املستندات واملعاينة الفنية ملحل الواقعة وتوفير كافة املراجع ورقية والكترونية‬

‫ومدمجة ‪.‬‬

‫‪ -7‬تبادل الوثائق واملراجع واملعلومات القانونية والقضائية مع املنظمات والجهات‬

‫العربية والدولية التى تباشر عمال قضائيا مماثل ‪.‬‬

‫‪ -2‬تقييم القاض ى بصفة دورية ومدى صالحيته لحمل اعباء ومسئوليات العمل‬
‫(‪)344‬‬ ‫القضائى من عدمه ‪.‬‬

‫(‪ (344‬المستشار محمود الخضيرى ‪ :‬تشريعات السلطة القضائية فى دولة االمارات العربية ‪ ،‬دراسة مقارنة‬
‫بالشريعة االسالمية والقوانين الوضعية ‪ ،‬دار النهضة العربية ‪ ، 0228 ،‬ص ‪28‬‬

‫‪P 254‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫ثالثا ‪ -:‬انشاء وتطوير كافة املكتبات الكائنة في دور املحاكم ‪:‬‬

‫لتسهيل وصول رجال القضاء إلى ما يحتاجونه من اسطونات مدمجة وبرامج‬

‫الكترونية وكذا كافة املراجع والكتب واملوسوعات والتشريعات واالحكام القضائية واآلراء‬

‫القضائية والفقهية بسهولة ويسر ‪ ،‬وكذلك كافة املجالت القانونية املتخصصة ‪ ،‬سواء‬

‫التى تصدر عن وزارة العدل أو نقابة املحامين أو مجلس الدولة أو كليات الحقوق او من‬

‫كافة املركز القانونية املتخصصة سواء داخل الوطن او خارجه ‪.‬‬

‫رابعا ‪ -:‬إتاحة ونشر كافة وسائل املعلومات ‪- :‬‬

‫هنالك وسائل تتمثل في الكتب واملجلدات املهتمة بنشر التشريعات ‪ ،‬وأعمالها‬

‫التحضيرية ‪ ،‬وآراء الفقه ‪ ،‬وأحكام القضاء ‪ ،‬فالتكوين املنهى للقاض ى يحتاج إلى هذه‬

‫الوسائل لتنمية أفاقه القانونية ‪ ،‬لذلك يجب أن تكون هناك آلية معينة لتجميع األحكام‬

‫واآلراء التى تصدر عن املحاكم العليا في كافة جهات القضاء الدستوري والعادى واإلدارى‪،‬‬

‫وطريقة مناسبة النتقاء األحكام الهامة واملتميزة الصادرة عن املحاكم األخرى ‪.‬‬

‫أما بالنسبة لوسائل املعلومات الحديثة ‪ ،‬فتتمثل بإنشاء شبكة معلومات إلكترونية‬

‫متكاملة تربط جميع املحاكم بعضها ببعض ‪ ،‬وكذا إنشاء موقع على شبكة املعلومات تنشر‬

‫فيه جميع األحكام الصادرة عن محكمة النقض ‪ ،‬واملحكمة اإلدارية العليا واآلراء الصادرة‬

‫عن املحكمة الدستورية العليا ‪ ،‬وأهم األبحاث الفقهية املنشورة في كل مجال من مجاالت‬

‫القانون وكافة املجاالت املتداخلة مع املجاالت القانونية كالطب الشرعى وابحاث التزييف‬

‫‪P 255‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫والتزوير وغير ذلك من اتاحة برامج حديثة واالستعانة بالنظم الخبيرة فى املجال القضائى ‪.‬‬
‫(‪)345‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬أن يتوافر للقضاة كافة ضمانات التخصص والكفاءة‬

‫بيد أن القضاء خبرة مبنية على التجربة التى تكتسب طوال املراس فى عمق التكوين‬

‫فى بيئة معينة وقضايا معينة ومخصصة‪ ،‬واملعرفة الواسعة حول القضايا املنظورة امام‬

‫القاض ى من اجل الوصول الى الحقيقة املجردة تتم بناء على علم ومعرفة وخبرة ودراية‬

‫مبنية على تتابع العرض والفحص والتمحيص والتخصص‪.‬‬

‫السيما ان القضاء فرع متخصص ال يليه غير املتخصصين ويرتبط بهذا التخصص‬

‫معنى اساس ى هو العمل ومداومة العمل فى نوع خاص من القضايا‪ ،‬وبالتحصيل واملكابدة‬

‫والتدريب املستمر والخبرة خالل العديد من السنوات والعديد من القضايا قادرة على ان‬

‫تصوغ شخصية القاض ى وعقله وعلمه وفكره وقدرته على االستنباط والقياس فليس العلم‬

‫وحده هو الذى يصنع القاض ى من الناحية الفنية وانما املران الشاق والعمل الدوؤب‬
‫(‪)346‬‬ ‫الطويل فى بيئة فنية معينة ونوعية معينة من انواع القضايا املتخصصة ‪.‬‬

‫ال سيما ان التخصص هو الكفيل بدعم االمن القضائى الفعال القادر على االنجاز‬

‫واالبداع ملا يتيحه من حرية واسعة فى تكوين العقيدة وحرية فى االجتهاد بما يكفل الوصول‬

‫(‪ (345‬مجلة الحقوق ‪ ،‬العدد الرابع ‪ ،‬السنة التاسعة والثالثون ‪ ،‬ربيع األول ‪0552‬ه – ديسمبر ‪ 7103‬م ص‬
‫‪ 535‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ (346‬المستشار محمود الخضيرى ‪ :‬تشريعات السلطة القضائية ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.85‬‬

‫‪P 256‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫الى االمن القضائى الذى يضمن االمن والسكاينة والرضا والقبول لكل من القاض ى‬
‫(‪)347‬‬ ‫واملتقاض ى ‪.‬‬

‫ومن أهم املزايا التى يتمتع بها القاض ى الطبيعى‪ ،‬أنه قاض متخصص في عمله‪ ،‬ممتهن‬

‫ومتفرغ له ‪ ،‬ويتمتع بالكفاية العلمية والعملية التى تؤهله للقيام بمهمته القضائية على‬

‫أحسن وافضل وادق وجه ‪.‬‬

‫وبذلك يعد تخصص القضاة ركيزة أساسية من ركائز القضاء الطبيعى‪ ،‬ألن غالبية‬

‫النظم القضائية‪ ،‬تشترط في القاض ى الذى يتولى القضاء صفات ومؤهالت قانونية وعلمية‬

‫وعملية محددة‪ ،‬باإلضافة إلى تفرغه التام لالضطالع بهذه املهمة‪ ،‬فمن الطبيعى أن ال يتولى‬

‫القضاء إال شخص تتوافر لديه املعرفة القانونية املتولدة عن دراسة أكاديمية رصينة‪،‬‬

‫مصقولة بالخبرات العملية الناجمة عن معرفة بواقع هذه املهنة‪ ،‬وبالتأكيد فإن ذلك ال‬
‫‪)348(.‬‬ ‫يكون إال إذا تفرغ هذا الشخص للعمل القضائى وتخصص فيه‬

‫(‪ (347‬د‪ .‬محمود حمدى عباس عطية ‪ :‬دور دائرة توحيد المبادئ القانونية ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.57‬‬
‫(‪ (348‬مجلة الحقوق ‪ ،‬العدد الرابع ‪ ،‬السنة التاسعة والثالثون ‪ ،‬ربيع األول ‪0552‬ه – ديسمبر ‪ 7103‬م ص‬
‫‪ 535‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪P 257‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫املبحث الثالث‪ :‬متطلبات تحقيق كفاءة القضاء والقضاة بين النظرية والتطبيق‬

‫العملى‬

‫يقوم القضاء بجانب السلطتين التشريعية والتنفيذية بأداء رسالة هي بطبيعتها‬

‫مستقلة تماما عن هاتين السلطتين ‪ ،‬وقد أبرزت كافة الدساتير هذه الحقيقة ‪ ،‬فمن طبيعة‬

‫القضاء أن يكون مستقال ‪ ،‬وكل مساس بهذا األصل من شأنه أن يعبث بجالل القضاء‬

‫والقضاة وهيبتهم ‪ ،‬وكل تدخل فى عمل القضاء من جانب أية سلطة من السلطتين يخل‬

‫بميزان العدل ‪ ،‬ويقوض دعائم الحكم ‪ ،‬وفى قيام القاض ي بأداء وظيفته " نزيها حرا مستقال"‬

‫مطمئنا على سلطته آمنا على مصيره أكبر ضمانة لحماية الحقوق العامة والخاصة " أليس‬

‫هو األمين على األرواح واألنفس والحقوق والحريات ؟ أليس هو الحارس للشرف والعرض‬

‫واملال ؟ أو ليس من حق الناس أن يطمئنوا إلى أن كل ما هو عزيز عليهم تحت يد قضاء‬

‫نزيه عادل شريف مستقل ‪ ،‬ذلك أن كفالة القضاء أمنع حمى وأعز ملجأ ؟ أو ليس من حق‬

‫الضعيف إذا ناله ضيم أو حاق به ظلم أنه يطمئن إلى أنه أمام قضاء قوى بحقه " عزيز‬

‫بنفسه " مهما يكن خصمه قويا بماله أو نفوذه أو سلطانه ؟ فمن الحق أن يتساوى أصغر‬

‫شخص فى الدولة بأكبر حاكم فيها وأن ترعى الجميع عين العدالة (‪ )349‬ولذا سوف نناقش‬

‫أهم املتطلبات الستقالل القضاء والقضاة وتحقيق كفاءتهم وتطبيق اإلصالح املنشود وذلك‬

‫فى اربعة مطالب على النحو التالي ‪-:‬‬

‫(‪ (349‬د‪ .‬محمد عصفور ‪ :‬استقالل السلطة القضائية ‪ ،‬مطبعة اطلس ‪ ،‬ص ‪.0،7‬‬

‫‪P 258‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫املطلب االول ‪ -:‬تطبيق اإلصــالح القضائي املنشود بدون وضــع عراقيل ‪.‬‬

‫املطلب الثانى ‪ -:‬استقــالل القضـاء يص ــون بنيان الدولة القانونية ‪.‬‬

‫املطلب الثالث ‪ -:‬القضاء هو الحارس الطبيعي للحريات ‪0‬‬

‫املطلب الرابع ‪ -:‬عالقة القضاء بالسلطتين التشريعية والتنفيذية ‪.‬‬

‫وذلك على التفصيل التالى ‪-:‬‬

‫املطلب االول ‪ -:‬تطبيق اإلصــالح القضائي املنشود بدون وضــع عراقيل ‪.‬‬

‫تتركز وظيفة السلطة القضائية كسلطة من سلطات الدولة الثالث فى تأكيد سيادة‬

‫القانون عن طريق فض املنازعات والحكم فيها‪ ،‬سواء وقعت هذه املنازعات بين األفراد أم‬

‫بينهم وبين إحدى سلطات الدولة‪ ،‬وذلك حفاظا على الحقوق والحريات‪ ،‬ولكي تقوم هذه‬

‫السلطة بوظيفتها على خير وجه ‪ ،‬يجب أن تتمتع باستقالل يضمن لها حسن القيام بعملها‬

‫دون تدخل من أحد ‪ ،‬ويحول دون اعتداء سلطة اخرى عليها ‪.‬‬

‫ونجد من أهم الطرق إلى اإلصالح القضائي هو إلغاء القضاء العسكري كجهة قضاء‬

‫استثنائي بالنسبة للمدنيين وحصر نطاقه على محاكمة العسكريين على األفعال التى‬

‫يرتكبونها باملخالفة ألحكام نظامهم العسكري فقط‪ ،‬وكذلك إلغاء محاكم أمن الدولة ‪،‬‬

‫ودوائر اإلرهاب ‪ ،‬وكافة املحاكم االستثنائية ‪.‬‬

‫وكذلك ضم بقية الجهات القضائية تحت لواء سلطة قضائية واحدة ‪ ،‬وهذه الجهات‬

‫هى املحكمة الدستورية العليا والتى يحكمها قانونها الخاص ‪ ،‬وجهة القضاء العادي التى‬

‫‪P 251‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫ينظمها قانون السلطة القضائية ‪ ،‬وجهة القضاء اإلداري أو القسم القضائي بمجلس‬

‫الدولة ‪ ،‬والنيابة العامة وهى إدارة تحقيق وادعاء أمام القضاء العادي ‪ ،‬والنيابة اإلدارية‬

‫هيئة مستقلة تقوم أمام القضاء اإلداري بالدور الذى تقوم به النيابة العامة أمام القضاء‬

‫العادي ‪ ،‬وذلك على أال ينال االنضواء تحت لواء هذه السلطة الواحدة من التقسيم القائم‬

‫بين القضاء العادي والقضاء اإلداري باعتباره تقسيما متخصص فى نوعية معينة من‬

‫املنازعات القضائية ‪.‬‬

‫أما قسمى الفتوى والتشريع بمجلس الدولة اللذان يمدان الحكومة بما تحتاج إليه‬

‫من فتاوى وصياغة تشريعية ‪ ،‬وكذلك هيئة قضايا الدولة التى تتولى الدفاع عن كافة‬

‫إدارات الدولة فى املنازعات التى تكون طرفا فيها ‪ ،‬فنرى ضمها معا فى السلطة التنفيذية ‪،‬‬

‫ويمكن أن تسمى اإلدارة القانونية للدولة وتكون تابعة للسلطة التنفيذية وليس السلطة‬

‫القضائية ‪.‬‬

‫ذلك أن استقالل رئيس السلطة القضائية أو رئيس املجلس األعلى للقضاء – أسوة‬

‫برئيس ي السلطتين التشريعية والتنفيذية ‪ -‬مع إحاطته بقدر كاف من الضمانات التى أهمها‬

‫تولى منصبه عن طريق االنتخاب بواسطة زمالئه من رجال القضاء ‪ ،‬وعدم قابليته للعزل‬

‫‪ ،‬وتلغى وظيفة وزير العدل باعتباره أحد الوزراء التابعين للسلطة التنفيذية ‪ ،‬على أن يحل‬

‫محله فى كافة الصالحيات والسلطات رئيس املجلس األعلى للقضاء املنتخب من قبل‬

‫‪P 261‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫القضاء انفسهم وذلك للحفاظ على العالقة الالزمة بين الوزارة والقضاء واحتراما ملبدأ‬
‫(‪)350‬‬ ‫الفصل بين السلطات ‪.‬‬

‫املطلب الثانى ‪ -:‬استقــالل القضـاء يص ــون بنيان الدولة القانونية‬

‫ذلك أن استقالل القضاء ليس مجرد عاصم من جموح السلطة التنفيذية يكفها عن‬

‫التدخل فى شئون العدالة ويمنعها من التأثير فيها إضرارا بقواعد إدارتها بل هو فوق هذا‬

‫مدخل لسيادة القانون ‪ ،‬بما يصون للشرعية بنيانها ‪ ،‬ويرسم تخومها ‪ ،‬تلك السيادة التى‬

‫كفلها الدستور ‪ ،‬وقرنها بمبدأ خضوع الدولة للقانون ليكونا معا قاعدة للحكم فيها ‪،‬‬
‫(‪)351‬‬ ‫وضابطا لتصرفاتها ‪.‬‬

‫وبالتأكيد على استقالل القضاء املنقوص وتحقيقا إلدارة كفء للعدالة من خالل‬

‫القضاء نفسه ودون سيطرة السلطة التنفيذية ممثلة في وزير العدل على القضاء وإفراغ‬

‫مبدأ استقالل القضاء من مضمونه وفق ما يحدث اآلن بضراوة وعدوان وترغيب وترهيب‬
‫‪)352(.‬‬ ‫تجاه أعز ما يملكه الوطن‬

‫ونتساءل كيف يتوافر االستقالل للقضاء والقضاة ؟ إال إذا كان القضاء سلطة تقف‬

‫على قدم املساواة مع السلطتين التشريعية والتنفيذية ‪ ،‬فان األثر الحتمي لذلك أن يكون‬

‫(‪ )350‬د‪ .‬ماجد راغب الحلو ‪ :‬القانون الدستوري ‪ ،‬دار المطبوعات الجامعية اإلسكندرية ‪ ،‬ط ‪ ، 0288‬ص ‪538‬‬
‫وما بعدها‬
‫(‪ ) 351‬د‪ .‬عبد العزيز سالمان ‪ :‬الدولة القانونية ورقابة الدستورية ‪ ،‬مجلة الدستورية العدد ‪ 08‬أكتوبر ‪ ، 7112‬ص‬
‫‪82‬‬
‫(‪ (352‬د‪ .‬محمد إبراهيم درويش د‪ 1‬إبراهيم محمد درويش ‪ :‬القانون الدستوري ‪ ،،‬دار النهضة العربية ‪ ،‬ط ‪0‬‬
‫‪ ، 7112،‬ص ‪ 828‬وما بعدها‬

‫‪P 261‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫القضاء مستقال ‪ ،‬وأن ال يمس استقالله على أى نحو من جانب أى من السلطتين ‪ :‬فمن‬

‫جانب السلطة التشريعية فإنه ال يجوز للمشرع أن يتدخل فى أعمال القضاء أو تنظيمه‬

‫على النحو الذى يهدد استقالله وكذلك من جانب السلطة التنفيذية ال يجب ان تتدخل‬

‫بحال من االحوال فى االعمال القضائية او التدخل بشكل او باخر فى تعيين القضاة عبر اى‬

‫وسيلة من الوسائل ‪.‬‬

‫وال يجوز للسلطة التشريعية أن تناقش موضوعا على القضاء وال أن تطلب منه‬

‫الفصل فيه على نحو معين ‪ ،‬وكذلك ال يجوز لها أن تصدر قوانين تعطل بها أحكام القضاء‬

‫أو تلغيها ‪ ،‬سواء انصبت هذه القوانين صراحة على أحكام بذاتها ‪ ،‬أو أعطت وصف "‬

‫القوانين التفسيرية " لكى يسوغ هذا الوصف سريانها بأثر رجعى على املاض ي ‪ ،‬وإهدار‬

‫األحكام القضائية التى تكون قد صدرت بالفعل غير أن هذا ال يحول بداهة دون حق‬

‫السلطة التشريعية فى أن تصدر قانونا يخالف حكما قضائيا فيما ذهب إليه دون أن يعنى‬

‫ذلك إلغاء هذا الحكم وإنما سريان املعاني الجديدة التى تضمنها القانون بالنسبة‬

‫للمستقبل (‪ ، )353‬لذلك يعتبر استقالل القضاء وحصانته الضمانة األساسية والركيزة األولى‬

‫ملبدأ سيادة القانون ‪ ،‬باعتباره مالذ األفراد ‪ ،‬وضمانه لحماية حقوقهم وحرياتهم التى كفلها‬

‫الدستور والقانون ‪.‬‬

‫(‪ (353‬د‪ .‬محمد عصفور ‪ :‬استقالل السلطة القضائية ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪703 ، 705‬‬

‫‪P 262‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫ولذلك سوف نتناول بعض املبادى واملفاهيم املغلوطة لدى الكثير املرتبطة باستقالل‬

‫القضاء والقضاة وذلك على النحو التالى ‪-:‬‬

‫أوال ‪ :‬استقالل سلطة القضاء ال استقالل القضاة ‪.‬‬

‫إن ما قيل وما كتب عن استقالل القضاء يدور فى نطاق محدود ومغلق ‪ ،‬ويعطى‬

‫االستقالل معنى شكليا وحرفيا ‪ ،‬وهو يجرد القضاء من كل املقومات التى تجعله جديرا‬

‫بهذا االسم ‪ ،‬وكذلك ال يجوز أن يكون طموحنا استقالل القضاة فحسب ‪ ،‬وإنما يجب أن‬

‫يكون املطمح هو استقالل القضاء كسلطة ‪ ،‬ذلك أن "استقالل القضاة " ال يعبر عن كل‬

‫املعاني التى يمثلها القضاء وإنما هو معنى واحد من كل املعاني التى يجب ضمانتها ‪.‬‬

‫وهذا يدعو إلى التساؤل أي جدوى فى استقالل القضاء إذا لم يكن للقضاء نفسه‬

‫وجود أو كيان ؟ وهل يمكن أن يكون للقضاء وجود إذا لم يعترف بأنه ذو كيان متميز‬

‫ومستقل ؟ إذا لم يعترف بالقضاء كسلطة من السلطات الثالث تنبسط حتما على كل نزاع‬

‫قانونى ‪ ،‬فلن يكن هناك عاصم يعصم الفرد ويعصم املجتمع من االضطهاد إذ يستطيع‬

‫الحاكم أن يمنع صوته عن الوصول الى القضاء بتحصين بعض التصرفات او تقييد‬

‫الحريات أو حظر سماع او نظر بعض الدعاوى ‪ ،‬ليس هذا فحسب ‪ ،‬بل أنه لن يكون هناك‬

‫سند قانوني يحول بين قيام محاكم خاصة أو عسكرية أو غيرها ‪ ،‬إال بالتسليم بأن القضاء‬

‫سلطة وأن املحاكم العادية هي وحدها التى تملك املحاكمة وأنه ال يشاركها فى هذا السلطة‬

‫محاكم غيرها وال يستطيع ان يتدخل اى فرد او اى موسسة فى االحكام القضائية ‪.‬‬

‫‪P 263‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫فما جدوى استقالل القضاء ‪ ،‬إذا اعتدينا على حيدة القضاء وأقحمناه فى السياسة‬

‫فيضيع حياده كجهة تحافظ على احترام القانون والدستور ‪ ،‬ويغدو جزءا من إرادة الحاكم‬

‫طاملا فرض على أعضائه أن يكونوا أعضاء فى جهاز من أجهزة الدولة السياسية ؟ وهل‬

‫يمكن أن تسمى جهة غير محايدة " قضاء " والحيدة هي جوهر القضاء ؟ وكذلك فما جدوى‬

‫استقالل القضاء ‪ ،‬إذا سمحنا تحت شعار تعبير مخادع أن يكون الحكم القضائي مثار‬

‫مناقشة أو تقييم أو تحليل أو نقد بدال من سلوك الطريق القضائى فى الطعن عليه أمام‬

‫املحكمة األعلى ؟‬

‫لعل هذه األمثلة توضح أن " استقالل القضاء " باملعنى املحدود الذى تدور حوله‬

‫األحاديث اليوم هو مظهر واحد من مظاهر القضاء وأنه ال يعبر عن املعاني الكثيرة التى‬

‫يمثلها القضاء ‪ ،‬وأن هذا االستقالل يكون خرافة أو عديم الجدوى إذا لم يسبقه تأكيد‬

‫ملقومات القضاء الذى نطالب باستقالله وتحقيق كفاءته وكفاءة أعضائه ‪ ،‬وهى املقومات‬

‫التى ال يكون له كيان بدونها ‪ ،‬واهم هذه املقومات هي ‪-:‬‬

‫‪ ‬أن يكون القضاء جهة متخصصة فال يقحم عليه أفراد عاديون فى شئون‬

‫القضاء‪.‬‬

‫‪ ‬أن يكون القضاء جهة محايدة فال تصبغه صبغة سياسية سواء فى التعيين او‬

‫الترقية او النقل او العزل ‪.‬‬

‫‪P 264‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪ ‬أن ال يكون استقالل القضاء مجرد " ميزة " تضفى على مرفق من مرافق الدولة‬

‫‪ ،‬وإنما يكون أثرا طبيعيا لوجود سلطة تقف على قدم املساواة مع سلطتي الدولة‬
‫(‪)354‬‬ ‫األخريين ‪.‬‬

‫‪ ‬أن يتم التعيين فى القضاء وفقا ملعايير وضوابط أكثر صرامة وأكثر دقة ‪ ،‬بعيدة‬

‫كل البعد عن التوريث واملحسوبية وغير ذلك من الطرق غير املشروعة ‪.‬‬

‫ولكى يكون هناك سلطة قضائية مستقلة يجب أن يتوافر للقضاة كأفراد معنى‬

‫االستقالل ‪ ،‬وهذا االستقالل يجب أن يكون أوال وقبل كل ش يء وقبل السلطة التنفيذية‬

‫ذاتها ‪ )355( .‬ذلك أن الحديث عن دولة املؤسسات وعن مبدأ سيادة القانون وعن املشروعية‬
‫‪)356(.‬‬ ‫فى دولة ال يوجد فيها قضاة وقضاء مستقل يصبح ضربا من العبث‬

‫السيما ان من أهم املبادئ املتعارف عليها فى الدول الديمقراطية " ضرورة استقالل‬

‫القضاء ‪ ،‬فالهيئة القضائية هى وحدها التى تقوم على الفصل في النزاعات وتطبيق القانون‬

‫‪ ،‬وليس ألى من السلطتين التنفيذية والتشريعية أن تملى رأيها على القضاء ‪ ،‬وال أن تمارس‬

‫(‪ (354‬د‪ .‬محمد عصفور ‪ :‬استقالل السلطة القضائية ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪5 ، 5‬‬
‫(‪ )355‬د‪ .‬وليد سليم النمر ‪ :‬القانون الدستوري المبادئ الدستورية العامة ‪ ،‬دار الفكر الجامعي ‪ ،‬ط ‪ ،7105‬ص‬
‫‪320‬‬
‫(‪ (356‬د‪ .‬يحيى الجمل ‪ ،‬القضاء الدستوري في مصر ‪ ،‬دار النهضة العربية ‪ ،‬ط ‪ ، 7111‬ص ‪53‬‬

‫‪P 265‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫أي نفوذ على القضاة في عملهم بل رجال الهيئة القضائية فقط هم الذين يمكنهم إصدار‬
‫(‪)357‬‬ ‫األحكام أو تعديلها أو الغائها إن كانت مخالفة للقانون" ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ -:‬كفالة حق اللجوء إلى القضاء كحق من الحقوق الطبيعية ‪.‬‬

‫من املؤكد أن حق التقاض ي من الحقوق الطبيعية لإلنسان ‪ ،‬وأن لكل فرد وقع اعتداء‬

‫على حق من حقوقه أن يلجأ إلى القضاء لرد ذلك االعتداء واالنتصاف لنفسه ممن ظلمه‬

‫وسلبه حقه ‪ ،‬ومن املسلم به أن الحقوق الطبيعية لصيقة بشخص اإلنسان ‪ ،‬وأنها ال‬

‫تنفك عنه أبدا ‪ ،‬ألنها مستمدة من القانون الطبيعي السابق على القانون الوضعي ‪،)358( .‬‬

‫فحق التقاض ي حق أصيل ‪ ،‬وبدونه يستحيل على األفراد أن يأمنوا على حقوقهم وحرياتهم‬

‫وأن يردوا ما يقع عليهم من اعتداء ‪ ،‬وال يمكن أن يعتبر نظم الحكم فى دولة ما ديمقراطيا‬

‫إال بكفالة حق التقاض ي وتقريب مسافات جهات التقاض ى الذى يطمئن األفراد على‬
‫(‪)359‬‬ ‫حقوقهم وحرياتهم ويزيل من نفوسهم الشعور بالظلم ‪.‬‬

‫وهكذا فإن أية سلطة من السلطات ال تملك مصادرة هذا الحق ‪ ،‬أو منع أي فرد من‬

‫االلتجاء إلى القضاء باعتباره امللجأ واملالذ لهم للدفاع عن حقوقهم ورد ما يقع عليهم من‬

‫(‪ ) 357‬د‪ .‬عاصم الفولى ‪ :‬اإلسالميون والديمقراطية دفاع عن الحل اإلسالمي في مواجهة أنصاره ‪ ،‬دار التوزيع‬
‫والنشر ‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،‬ص ‪088‬‬
‫(‪ (358‬د‪ .‬أنور احمد رسالن ‪ :‬الديمقراطية بين الفكر الفردى والفكر االشتراكى ‪ ،‬رسالة دكتوراه ‪ ، 0220 ،‬ص‬
‫‪ ، 753‬د‪ .‬السيد عبد الحميد فوده ‪ :‬مبدأ المساواة ومدى تطبيقه فى مصر دراسة تاريخية دار النهضة العربية القاهرة‬
‫‪ ، 7118‬ص ‪72‬‬
‫(‪ (359‬د‪ .‬سعد عصفور ‪ :‬النظام الدستوري المصري " دستور سنة ‪ " 0220‬منشاة المعارف باإلسكندرية ‪ ،‬طبعة‬
‫‪ ، 0281‬ص ‪ ، 700‬د‪ .‬السيد عبد الحميد فوده ‪ :‬مبدأ المساواة ومدى تطبيقه فى مصر ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪72‬‬

‫‪P 266‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫اعتداء ‪ ،‬إذ أن القانون يتضمن قاعدة عامة مجردة تنطبق على كل من تتوافر فيه شروط‬

‫تطبيقها ‪ ،‬والعلة فى ممارسة حق التقاض ي هي نشأة منازعة ما حول حق من الحقوق يتعلق‬

‫بفرد أو طائفة ‪ ،‬فعندما يأتي نص تشريعي ويمنع ذلك الفرد أو تلك الطائفة من ممارسة‬

‫حقها الطبيعي فى التقاض ي بينما يتمتع بقية األفراد والطوائف بهذا الحق دون ثمة عقبات‬

‫أو موانع ‪ ،‬فهنا يحدث الخلل الفادح ملبدأ املساواة أمام القضاء ‪ ،‬والخرق الجسيم لحق‬
‫(‪)360‬‬ ‫التقاض ى ‪.‬‬

‫ومن هنا فقد وجب على كل دولة تستهدف إقامة العدل أن تعمل على دعم استقالل‬

‫القضاء ‪ ،‬وتبسيط نظام التقاض ي ‪ ،‬وتيسير إجراءاته ‪ ،‬والقضاء على مشكالته وسلبياته‬

‫وتحقيق القضاء الناجز ‪ ،‬ومجانية اللجوء إليه ‪ ،‬حتى تتأكد الثقة لدى املتقاضين ‪ ،‬وتسود‬

‫الطمأنينة نفوس املواطنين ‪.‬‬

‫ثالثا ‪ -:‬توحيد التشريع ومعالجة قصوره ‪-:‬‬

‫يعتبر التعدد فى التشريع وقصوره من االسباب التى تؤدى إلى عرقلة حسن سير العدالة‬

‫وأكثرها عمقا وأشدها تشعبا وتعقيدا ‪ ،‬ومن أهم هذه املشكالت والعراقيل والتى منها على‬

‫سبيل املثال ‪ ،‬تعدد فى جهات التحقيق ‪ ،‬وتعدد آخر فى جهات القضاء ‪ ،‬وتعدد ثالث فى‬

‫إجراءات ومواعيد رفع الدعاوى والطعون والتظلمات واالستئنافات ‪ ،‬وتعدد فى مواعيد‬

‫التقادم وتعدد فى مواعيد السقوط ‪ ،‬كل ذلك شقي به القضاة واملحامون واملتقاضون ‪،‬‬

‫(‪ ) 360‬د‪ .‬السيد عبد الحميد فوده ‪ :‬مبدأ المساواة ومدى تطبيقه فى مصر ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪78‬‬

‫‪P 267‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫وعميت بسببه مسالك الحق والعدل والقانون ‪ ،‬وضاعت حقوق ومستحقات وسقطت‬

‫احكام ‪ ،‬مما غدا كثرة التشريعات وتفرعه وما اصابها من قصور يعد بدوره من أسباب‬

‫تناقض األحكام وتهديد الثقة فى معنى العدل وجدوى القانون ‪ ،‬حتى بات مطلبا قوميا ملحا‬

‫أن نجد طريقا عاجال لتوحيد التشريع وتوحيد القضاء وتوحيد املواعيد فيكون ذلك مدخل‬

‫حقيقى وواقعى ‪ ،‬ملعالجة كافة املشاكل ‪ ،‬التى تعترض حسن سير العدالة وهى غاية الغايات‬
‫(‪)361‬‬ ‫التى يبتغيها القضاة واملحامين واملتقاضين ‪.‬‬

‫املطلب الثالث‪ :‬القضاء هو الحارس الطبيعي للحريات‬

‫كان القضاء وسيظل هو الحصن األول واألخير لحماية العدل والحقوق والحريات ‪،‬‬

‫فأي ضمانة للحقوق والحريات ال قيمة لها بدون قضاء مستقل يزود عن الحقوق والحريات‬

‫ويمنع السلطة من االعتداء عليها ‪ ،‬ويلغى ويعوض عن كل ما يتضمن مساسا بهذه الحقوق‬

‫والحريات ‪ ،‬فالقضاء املستقل صمام أمان للمجتمع ‪ ،‬وحماية لألفراد والهيئات ضد افتئات‬

‫السلطة وطغيانها وال يتحقق ذلك اال من خالل قضاة يتمتعون بقدر كبير من الكفاءة والعلم‬
‫(‪)362‬‬ ‫والخبرة والتخصص ‪.‬‬

‫ذلك أن القضاء فى كل أمة هو أعز مقدساتها ‪ ،‬وهو الحصن الحصين الذى يحمى كل‬

‫مواطن فيها حاكما كان أو محكوما من كل حيف يراد به فى يومه وفي غده وفى مستقبله ‪،‬‬

‫(‪ )361‬المستشار يحيى الرفاعى ‪ :‬كلمة قضاة مصر في افتتاح المؤتمر‪ ،‬حديث الحقائق والوثائق استقالل القضاء‬
‫‪ ،‬المكتب المصري الحديث ‪ ،‬ص ‪735 ، 735‬‬
‫(‪ (362‬د‪ .‬أنور أحمد رسالن ‪ :‬الحقوق والحريات العامة فى عالم متغير ‪ ،‬دار النهضة العربية ‪ ،‬ط ‪ ،0225‬ص‬
‫‪750‬‬

‫‪P 268‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫وإن كان القضاء بهذا مأمن الخائفين ‪ ،‬ومالذ املظلومين ‪ ،‬وسياج الحريات ‪ ،‬وحصن‬

‫الحرمات ‪ ،‬فإن قوته تكون من غير شك قوة للمستضعفين ‪ ،‬وضعفه يكون إيذانا بوهن‬

‫ضمانات املتقاضين وضياع حقوق املتقاضين ‪ ،‬وإذا لم يقم القضاء على أساس متين من‬

‫االستقالل والعلم والحيدة والكفاءة والتخصص ‪ ،‬وإذا لم يتحصن بالضمانات الكاملة التى‬

‫تكفل له أن يضطلع بمسئولياته الخطيرة إنهار أساس الحياة الديمقراطية فى البالد ‪ ،‬فال‬

‫غرر أن كان العدل دوما أساسا للملك وأساسا للحكم وأساسا للتقدم والرقى واالزدهار ‪.‬‬
‫(‪)363‬‬

‫بيد ان سلطة القضاء يجب أن تتسع ملراقبة مشروعية الدستور نفسه ‪ ،‬وأال يخضع‬

‫حق الفرد فى التقاض ي ألي قيد ‪ ,‬وحق للبشرية أن ترى فى كفالة حق التقاض ي أقوى‬

‫ضمانات حقوق اإلنسان وحماية حرماته ضد بطش القوة – سواء كان مصدر هذا البطش‬

‫دكتاتورية السلطة فى النظم الشمولية ‪ ،‬أو شطط األغلبية فى النظم الديمقراطية ‪.‬‬

‫وهكذا كانت كفالة حق التقاض ي أبعد أثرا – فى حماية اإلنسان وحرياته – فقدرتها‬

‫على التأثير تأتى من خالل قضاة ذوى خبرة وعلم وثقافة وكفاءة وفهم وقوة وشجاعة ‪ ،‬وكذا‬

‫قدرة الرأي العام فى التأثير الذى يصعب أن يكون له أثر فى مجتمعات العالم الثالث ‪ ،‬فضال‬

‫(‪ )363‬المستشار يحيى الرفاعى ‪ :‬كلمة قضاة مصر في افتتاح المؤتمر ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪737‬‬

‫‪P 261‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫عن العجز املتزايد فى قدرة األفراد على حشد الرأي العام والتأثير فيه فى هذه املجتمعات ‪.‬‬
‫(‪)364‬‬

‫وكذا تخضع شرعية اإلجراءات التى تتم مباشرتها فى الظروف االستثنائية لرقابة‬

‫القضاء ‪ ،‬فالقضاء مهما كانت الظروف فهو حصن الحقوق والحريات وحاميها وحارسها ‪،‬‬

‫وإال تحولت السلطة االستثنائية إلى سلطة تحكمية ‪ ,‬فالقرارات اإلدارية الصادرة من‬

‫الحكومة فى إطار حالة الطوارئ ال تكون بمنأى عن رقابة القضاء وال تفلت أعمال الحكومة‬

‫وقرارتها من الطعن عليها أمام القضاء ‪.‬‬

‫فالقاض ي يتحقق من شرعية األعمال واإلجراءات التى تتم مباشرتها تحت مظلة‬

‫الظروف االستثنائية ‪ ,‬وبعبارة أخرى فإن الظروف االستثنائية ال تعطل ما نص عليه‬

‫الدستور من أن سيادة القانون أساس الحكم للدولة ( م ‪ )74‬فسيادة القانون أي‬

‫املشروعية ‪ ،‬تصبح كالما بغير مضمون أو شعارا عديم الفاعلية ما لم يوجد قضاء يراقب‬
‫(‪)365‬‬ ‫املشروعية ويضع حدودها ‪.‬‬

‫املطلب الرابع‪ :‬عالقة القضاء بالسلطتين التشريعية والتنفيذية‬

‫من املبادئ الهامة في كافة الدول هو ضمان عدم تعدى سلطة على إحدى السلطات‬

‫األخرى وذلك فيما عرف قانونا بمبدأ الفصل بين السلطات ‪ ،‬وعدم التعدي من قبل‬

‫(‪ (364‬المستشار يحيى الرفاعى ‪ :‬حديث الحقائق والوثائق (‪ ، )0‬الديمقراطية الحقيقية ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪77‬‬
‫مختص ار‪.‬‬
‫(‪ )365‬د‪ .‬أحمد فتحي سرور ‪ :‬الحماية الدستورية للحقوق والحريات ‪ ،‬دار الشروق ‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ ،‬طبعة ‪،7111‬‬
‫ص ‪.808‬‬

‫‪P 271‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫السلطة التشريعية أو السلطة التنفيذية على أعمال السلطة القضائية والعكس وضمان‬

‫ذلك في الدستور وتنظيمها بما يتناسب مع الدور املوكول لكل سلطة في حدود اختصاصها‬

‫" ‪ ،‬وتنظيم عالقة السلطة القضائية بكل منهما على ضوء مبدأ توزيع السلطات ‪ ،‬وترتبط‬

‫هذه العالقة أيضا بالقاعدتين اآلتيتين ‪-:‬‬

‫‪ ‬تحريم تعدى السلطة التشريعية على السلطة القضائية ‪.‬‬

‫ال يجوز للسلطة التشريعية أن تتعدى على أعمال القضاء أو تتدخل باى شكل للتأثير‬

‫عليها فى أصدر أحكامها على شكل معين ‪ ،‬ذلك أن من وظائف السلطة القضائية أن تفصل‬

‫فى القضايا املعروضة عليها وأن تصدر لكل منها حكما مسببا يالئمها ‪ ،‬ولكن حكمها ال يطبق‬

‫إال فى القضية املعينة التى يتعلق بها ‪ ،‬ومن ثم ال يمكن أن يصاغ هذا الحكم بصيغة‬

‫التشريع العام لجميع القضايا ‪ ،‬ألن ذلك من اختصاص السلطة التشريعية ‪ ،‬وكذا يجب‬

‫على السلطة القضائية أن تطبق القانون ال أن تسنه ‪.‬‬

‫‪ ‬تحريم تعدى السلطة التنفيذية على السلطة القضائية ‪.‬‬

‫يجب على السلطة التنفيذية أن ال تتدخل فى أعمال القضاء أو تملى عليها امر معين‬

‫أو حكم معين‪ ،‬وكذلك ال يجوز للسلطة القضائية أن تتعرض ألعمال السلطة التنفيذية‬

‫‪P 271‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫واإلدارية وال أن تصوغ أحكامها بصيغة األنظمة امللزمة لإلدارة ‪ ،‬وكذا يجب على السلطة‬
‫(‪)366‬‬ ‫التنفيذية ان تلتزم بتنفيذ االحكام القضائية ‪.‬‬

‫واستقرت محاكم القضاء اإلداري فى فرنسا على أن اإلجراءات والتدابير التى يتخذها‬

‫الحاكم العسكري سواء كان رئيس الجمهورية أم املفوض من قبله وذلك بالتطبيق لحالة‬

‫الطوارئ هي قرارات إدارية صادرة عن جهة إدارية وتخضع بالتالي لرقابة القضاء اإلداري‬

‫أي أن القاض ي اإلداري هو القاض ي الطبيعي بالنسبة للطعون التى ترفع ضد هذه‬

‫اإلجراءات‪ ،‬وهنا اتفقت وجهات النظر بين مجلس الدولة املصري ومجلس الدولة الفرنس ي‬

‫بعدما اختلفت بصدد الرقابة على قرار إعالن حالة الطوارئ ‪ ،‬فالقضاء الفرنس ي مستقر‬

‫منذ وقت طويل على أن إعالن حالة الطوارئ يعد عمال إداريا عاديا يخضع لرقابة القضاء‬
‫(‪)367‬‬ ‫اإلداري وال يعد من أعمال السيادة ‪.‬‬

‫والواقع أن القضاء املستقل فى الدول الديمقراطية ‪ ،‬هو الدعامة التى تقوم عليها‬

‫صروح العدالة والحرية واملساواة ‪ ،‬وحيثما فقد القضاء استقالله وكفاءته ‪ ،‬فال حرية وال‬

‫مساواة ‪ ،‬وال ضمان للنفس أو للحق أو للحرية ‪ ،‬وأما القضاء فى ظل الدكتاتورية ‪ ،‬فإنه‬

‫يغدو أداة فى يد السلطة التنفيذية ‪ ،‬تسلطه وتوجهه كيفما شاءت وفقا لتشريعاتها‬

‫(‪ )366‬صبحي محمصانى ‪ :‬مبادئ القانون األساسي والعلم السياسي وتطبيقها فى لبنان وسائر البالد العربية ‪ ،‬دار‬
‫العلم للماليين بيروت ‪ ،‬ط ‪ ، 0237‬ص ‪072‬‬
‫(‪ ) 367‬د‪ .‬رأفت فوده ‪ :‬الموازنات الدستورية لسلطات رئيس الجمهورية ‪ ،‬دار النهضة العربية ‪ ،‬ط ‪ ، 7111‬ص‬
‫‪583‬‬

‫‪P 272‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫االستثنائية وأهوائها الخاصة ‪ ،‬وهو بهذه الصورة يغدو أداة خطيرة لتدعيم الظلم‬
‫‪368‬‬ ‫واالستبداد ‪.‬‬

‫املبحث الرابع‪ :‬ضمانات عــدم انتهاك استقالل القضــاء‬

‫ذلك أن الضمانة الوحيدة للقضاء وللقضاة وللمتقاضين وللمجتمع في عــدم انتهاك‬

‫استقالل القضــاء هو القضاة أنفسهم وكفاءتهم ومدى قدرتهم واتحادهم وترابطهم في الذود‬

‫عن أنفسهم وعن السلطة القضائية أى اعتداء يحاق لهم وبهم من قبل أى سلطة أخرى‬

‫وعليهم أن يسعوا إلى تطبيق الدستور والقانون بال تمييز وعليهم أال يخشوا في الحق لومة‬

‫الئم وسيجد القضاة كافة املواطنين بكافة توجهاتهم وإنتماءاتهم درعا يتقدمهم في مواجهة‬

‫أى اعتداء من قبل السلطتين اآلخرتين ‪.‬‬

‫بيد أن يجب تحقيق كافة ضمانات تحقيق استقالل القضاء وضمان عدم انتهاك‬

‫استقالله ‪ ،‬حيث ان هناك من األمور التى نص عليها القانون تنتهك استقالل القضاء‬

‫وتنتهك حق املواطنين ‪ ،‬وتنتهك الحق فى التقاض ى للمواطنين أمام قاضيهم الطبيعى مثل‬

‫املثول أمام القضاء العسكرى أو أمام محاكم أمن الدولة أو القضاء االستثنائى ‪ ،‬والتى‬

‫يجب إلغائها ‪ ،‬والشروط اغلواجب توافرها فى القاض ى الطبيعى والتى سوف نتناولهم فى‬

‫النقاط التالية ‪:‬‬

‫(‪ )368‬د‪ .‬السيد خليل هيكل‪ :‬موقف الفقه الدستورى والتقليدى والفقه اإلسالمى فى بناء وتنظيم الدولة ‪ ،‬كلية‬
‫الحقوق جامعة أسيوط ‪ ،‬دار النهضة العربية القاهرة‪ ،‬ص‪088‬‬

‫‪P 273‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫أوال ‪ :‬إلغاء القضــاء العسكري ‪.‬‬

‫القضاء العسكري ليس قضاء عاديا أو قضاء طبيعيا ذلك أن املشرع لم يوفر للقضاء‬

‫العسكري الضمانات الالزم توافرها بالنسبة ألى جهة قضائية‪ ،‬إذ أن رجال القضاء‬

‫العسكري يخضعون كغيرهم من العسكريين لكافة أحكام قوانين الخدمة العسكرية ‪ ،‬لذلك‬

‫القضاء العسكري ال يعتبر جهة قضائية باملعنى الصحيح ‪ ،‬كما ال يعتبر القرارات الصادرة‬
‫(‪)369‬‬ ‫منه من قبيل األحكام القضائية وإنما هى قرارات صادرة من سلطة عسكرية ‪.‬‬

‫وذلك ألن حق التجاء املتقاضين إلى قاضيهم الطبيعي حق أصيل وطبيعى ‪ ،‬ألن ذلك‬

‫القاض ي يمثل الضمانة الرئيسية للمتقاضين ألنه يوفر له قاضيا محايدا متخصص ينظر‬

‫دعواه خالل أدائه لعمله املعتاد وفقا للقواعد واإلجراءات القانونية املعتادة واملعروفة‬
‫(‪)370‬‬ ‫سلفا ‪.‬‬

‫ذلك أنه ال يجوز منع املواطنين من حقهم فى املحاكمة أمام قاضيهم الطبيعي ؟ وكذلك‬

‫ال يجوز إنشاء محاكم خاصة ملحاكمة املواطنين ‪ ،‬ألن إنشاء مثل هذه املحاكم فيه مساس‬

‫بمبدأ حيدة القاض ي ‪ ،‬وكذلك ال يسوغ محاكمة مدني أمام محكمة عسكرية فى أية صورة‬
‫(‪)371‬‬ ‫وعلى أى وجه ‪ ،‬وهذه املبادئ استقرت فى أغلب دساتير العالم ‪.‬‬

‫(‪ )369‬د‪ .‬سمير عبد السيد تناغو ‪ :‬النظرية العامة للقانون ‪ ، 0225 ،‬ص ‪ ، 358‬د‪ .‬ماجد راغب الحلو ‪ ،‬القانون‬
‫الدستوري ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪538‬‬
‫(‪ )370‬د‪ .‬عماد ملوخية ‪ :‬الحريات العامة ‪ ،‬دار الجامعة الجديدة ‪ ،‬اإلسكندرية ‪ ، 7107 ،‬ص ‪018‬‬
‫(‪ )371‬ممتاز نصار ‪ :‬معركة العدالة فى مصر ‪ -‬دار الشروق ‪ ،0225‬ص ‪052‬‬

‫‪P 274‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫السيما أن توزيع الوالية على املحاكم ال يكون إال بقانون ‪ ،‬أو بناء على حكم محكمة‬

‫عليا تختص بموجب القانون بالفصل في التنازع بين جهتين قضائيتين عند حدوث ذلك‬

‫التنازع ‪ ،‬وال شك أن إعطاء مثل هذا الحق للسلطات القضائية العسكرية يعنى أنها‬

‫أصبحت في وضع متساو للسلطة التشريعية التى أصدرت القانون املحدد لوالية املحاكم ‪،‬‬

‫أو في وضع مساو ملحكمة تنازع االختصاص ‪ ،‬وفى الحالتين تكون ‪ ،‬املحاكم العسكرية ‪ ،‬أعلى‬

‫من السلطة القضائية العادية ‪ ،‬خاصة إذا قضت بعدم اختصاصها بنظر قضية معينة ‪،‬‬

‫إذ في هذه الحالة يلتزم القضاء العادى بالفصل فيها ‪ ،‬يكون هذا القضاء تابعا للقضاء‬

‫العسكري ‪ ،‬وفاقدا الستقالله ألنه ال يستمد اختصاصه من القانون بل من قرارات‬


‫‪)372(.‬‬ ‫السلطات العسكرية‬

‫ذلك أنه ال نمانع من وجود محاكم عسكرية للجرائم العسكرية البحتة التى قد يكون‬

‫فيها أسرارا عسكرية ال يمكن أن تقام وتعلن في القضاء العادى طبقا لعالنية املحاكمة أو‬

‫سريتها إال أنه حتى في ذلك ينبغي كفالة حق التقاض ي أمامها وكفالة حق الدفاع وكفالة‬
‫(‪)373‬‬ ‫كافة الحقوق اللصيقة بها " ‪.‬‬

‫وبذلك يتضح أن من أهم هذه املبادئ القضائية التى تستمد أصولها من طبيعة‬

‫القضاء نفسه ومن أعماق نفوس القضاة والواقع ‪ ،‬أن للقضاء خصائص ذاتية وطبيعية‬

‫(‪ (372‬د‪ .‬عبد القادر محمد الشيخ محمد ‪ :‬ذاتية القانون الجنائي العسكري " دراسة مقارنة " ‪ ،‬رسالة دكتوراه ‪،‬‬
‫جامعة القاهرة ‪ ،‬كلية الحقوق ‪ ،0222 ،‬ص ‪ 702 – 708‬مشا ار إليه مجلة الحقوق ‪ ،‬العدد الرابع ‪ ،‬السنة‬
‫التاسعة والثالثون ‪ ،‬ربيع األول ‪0552‬هـ ‪ ،‬ديسمبر ‪ 7103‬م ص ‪558‬‬
‫(‪ ) 373‬د‪ .‬أشرف فايز اللمساوى ‪ :‬دور الرقابة الدستورية في حماية الحقوق والحريات في إطار التشريعات الوطنية‬
‫والمواثيق الدولية ‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ، 7112 ،‬المركز القومي لإلصدارات القانونية ‪ ،‬ص ‪027‬‬

‫‪P 275‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫تكشف عنها الدساتير والقوانين وال تخلقها فال تثور شبهة فى أن وجود قضاء طبيعى مستقل‬
‫(‪)374‬‬ ‫محايد هو الضمان األساس ى لدولة القانون ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬إلغاء القضاء االستثنائى ‪-:‬‬

‫ويقصد بالقاض ي الطبيعي وفقا ملا انتهى إليه مؤتمر العدالة األول الذى أقامه قضاة‬

‫مصر بالقاهرة فى إبريل سنة ‪ 8317‬فى توصياته " بأنه القضاء الذى يكون محددا وفق‬

‫قواعد قانونية مجردة إلى وقت سابق على نشوء الدعوى ‪ ،‬وظهرت فكرة القاض ي الطبيعي‬

‫كأصل من أصول الدولة القانونية ‪ ،‬وعبر عنها الدستور الفرنس ي الصادر سنة ‪ 8230‬فى‬

‫‪ ،‬والذي تتوافر فيه الضمانات‬ ‫(‪)375‬‬ ‫املادة ‪ 82‬منه بوصفها ضمانا أساسيا للحريات‬

‫الجوهرية التى قررها الدستور والقانون وهى ‪-:‬‬

‫‪ ‬أن يشكل من قضاة متخصصين فى العمل القضائي ومتفرغين له ‪ ،‬تتوافر فيهم‬

‫شروط االستقالل والحيدة ‪ ،‬متحققة لهم مقتضيات الحيدة واملوضوعية‬

‫باعتبارهم حماة الحقوق والحريات ‪.‬‬

‫(‪ )374‬د‪ .‬محمد عصفور ‪ :‬استقالل السلطة القضائية ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪7‬‬
‫(‪ )375‬د‪ .‬أحمد فتحي سرور ‪ :‬الشرعية الدستورية وحقوق اإلنسان في اإلجراءات الجنائية ‪ ،‬ط ‪ ، 0223‬ص ‪578‬‬
‫‪ ،‬د‪ .‬محمد جمال عطيه عيسى ‪ :‬تطور نظام القضاء فى القانون المصري الحديث وفكرة القاضي الطبيعي ‪ ،‬دار‬
‫النهضة العربية القاهرة ‪ ، 7115‬ص ‪00‬‬

‫‪P 276‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪ ‬أن يكون القانون الذى يطبقه القضاة ملتئما مع الدستور والواقع وفى إطار من‬

‫االحترام الدولي لحقوق اإلنسان وكرامة املواطن حتى تتوافر للقانون السيادة التى‬
‫‪)376( .‬‬ ‫نص الدستور عليها فى املادة ‪ 74‬منه على أساس الحكم فى الدولة‬

‫ولتكريس مفهوم القضاء الطبيعي دستوريا يعنى بمفهوم املخالفة عدم دستورية‬

‫القضاء االستثنائي ‪ ،‬فضال عن أنه يخل بمبدأ املساواة أمام القضاء ‪ ،‬فإنه يتعارض مع‬

‫كفالة حق الفرد فى اللجوء إلى قاضيه الطبيعي ‪ ،‬خاصة إذا علمنا شدة االنتهاكات‬

‫والخروقات التى تتعرض لها ضمانات التقاض ي أمام هذه الجهات لدرجة تجعل الفرد يفقد‬
‫(‪)377‬‬ ‫الشعور الواقعي بحقوقه وحرياته فضال عن انتهاك كرامته ‪.‬‬

‫ثالثا ‪ -:‬الشروط الواجب توافرها فى القضاء الطبيعي لكي يوصف بأنه قضاء طبيعي‪-:‬‬

‫اشترط املشرع الدستوري والقانونى بعض الشروط التى من شأنها أن تصبغ وتوصف‬

‫القضاء بالقضاء الطبيعى ‪ ،‬وافتقاد أى شرط من تلك الشروط ينفى تلك الصفة عن‬

‫القضاء مما يصمه بعيب عدم الدستورية ومن أهم تلك الشروط ‪-:‬‬

‫أ‪ -‬إنشاء املحكمة وتحديد اختصاصها بقانون مسبقا ‪.‬‬

‫(‪ (376‬توصيات لجنة نظام القضاء ‪ ،‬وثائق مؤتمر العدالة األول ‪ ،‬القاهرة ‪ 0288 ،‬مشا ار إليه د‪ .‬محمد جمال‬
‫عطية عيسى ‪ :‬تطور نظام القضاء ‪ ،‬ص ‪07،05‬‬
‫(‪ )377‬مجلة الحقوق ‪ ،‬العدد الرابع ‪ ،‬السنة التاسعة والثالثون ‪ ،‬ربيع األول ‪0552‬ه – ديسمبر ‪ 7103‬م ص‬
‫‪555‬‬

‫‪P 277‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫تنص املادة ‪ 84‬من العهد الدولي للحقوق املدنية والسياسية الصادر سنة ‪ 8377‬على‬

‫أن لكل فرد الحق فى محكمة مختصة ومستقلة ومحايدة قائمة استنادا إلى القانون ‪ ،‬كما‬

‫تنص املادة الثامنة من االتفاقية األمريكية لحقوق اإلنسان الصادر سنة ‪ 8321‬على أن‬

‫تكون املحاكمة أمام محكمة مختصة مستقلة غير متميزة أسست من قبل وفقا للقانون ‪.‬‬

‫ووفقا لذلك فانه يجب فى املحكمة املختصة بنظر الدعوى ‪ ،‬أن تكون قد أنشأت عن‬

‫طريق السلطة التشريعية ‪ ،‬وتملك الوظيفة القضائية وفقا للمعيار الشكلي للمحكمة قبل‬

‫ارتكاب الفعل اى لم تسن خصيص بعد او بمناسبة ارتكاب هذا الفعل املؤثم ‪.‬‬

‫ب‪ -‬إنشاء املحكمة وتحديد اختصاصها بقواعد عامة مجردة ‪.‬‬

‫يجب أن تنشأ املحكمة بقواعد عامة محددة مجردة ‪ ،‬حتى يعلم كل مواطن من هو‬

‫قاضيه ‪ ،‬وال يجوز تحديد اختصاصها بنظر الجريمة بعد وقوعها ‪ ،‬وذلك من خالل انتزاع‬

‫هذا االختصاص من املحكمة التى كانت مختصة بنظرها بموجب قواعد عامة محددة‬

‫ومجردة ‪ ،‬ألن ذلك يؤدى إلى عدم محاكمة الشخص أمام قاضيه الطبيعي ‪ ،‬وإنما أمام‬

‫محكمة أنشأت خصيصا لنظر القضية املتهم فيها مما يوصمها بعدم الدستورية وافتقادها‬

‫الى ابسط قواعد العدالة ‪.‬‬

‫ت‪ -‬أن تكون املحكمة دائمة ‪.‬‬

‫ويقصد بهذا الشرط أن يكون إنشاء املحكمة وتحديد اختصاصها غير مرتبط بقيد‬

‫زمني معين ‪ ،‬أي غير مقيد بمدة معينة أو بظروف مؤقتة مثل حالة الحرب أو حالة الطوارئ‪،‬‬

‫‪P 278‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫وذلك ألن املحاكم املؤقتة ال تعتبر من قبيل القضاء الطبيعي إال بالنسبة للجرائم التى‬
‫‪)378( .‬‬ ‫أنشئت من أجلها وتعتبر محاكم استثنائية ليست محاكم طبيعية‬

‫ث‪ -‬كف ــالة حـ ــق الدفــاع ‪.‬‬

‫كفالة حق الدفاع يعد ضمانة أساسية من ضمانات التقاض ى املقررة لصالح‬

‫املتقاضين ‪ ،‬فهو يتيح لكل من املدعى واملدعى عليه الحق في أن يستمع القاض ى إلى وجهة‬

‫نظرهما ‪ ،‬ويشكل هذا الحق داللة هامة للمتقاضين إنه يقف في محراب قضاء طبيعى ‪،‬‬

‫وعلى العكس من ذلك فإن انتهاكه يخل ميزان العدل والنزاهة ويجعل القاض ى في موضع‬

‫ريبة وشبهة ‪.‬‬

‫ج‪ -‬تعــدد درجات التقاض ى ‪.‬‬

‫قد يخطئ القاض ى في تقييمه القانونى للوقائع املعروضة أمامه ‪ ،‬فيصدر حكمه‬

‫مجانبا للصواب ‪ ،‬األمر الذى يشكل ظلما للخصم الصادر ضده الحكم ‪ ،‬لذلك أقرت كافة‬

‫النظم القانونية لهذا الخصم الحق في أن يطعن على هذا الحكم أمام محكمة أعلى درجة‬
‫(‪)379‬‬ ‫لتعيد النظر في القضية ‪ ،‬كى تعيد األمور إلى نصابها ‪.‬‬

‫بمعنى أن الحكم الصادر من محكمة أول درجة قابل لالستئناف أمام محكمة‬

‫استئناف أعلى ‪ ،‬وال يصبح نهائيا بعد صدوره من املحكمة األولى إال إذا شاء املحكوم عليه‬

‫(‪ ) 378‬د‪ .‬محمد جمال عطيه عيسى ‪ :‬تطور نظام القضاء فى القانون المصري ‪ ،‬مرجع سابق ‪،‬ص ‪ 00‬وما بعدها‬
‫(‪ )379‬مجلة الحقوق ‪ ،‬العدد الرابع ‪ ،‬السنة التاسعة والثالثون ‪ ،‬ربيع األول ‪0552‬هـ – ديسمبر ‪ 7103‬م ص‬
‫‪ 520‬وما بعدها‬

‫‪P 271‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫فيه أال يستأنفه فى املواعيد املحددة قانونا لذلك ‪ ،‬ويقوم هذا املبدأ على اعتبارات قوامها‬

‫أن الحكم كأي عمل بشرى قد يكون غير عادل بسبب خطأ القاض ي ‪ ،‬فإذا توافرت إمكانية‬

‫عرض القضية مرة أخرى على محكمة غير التى أصدرته ‪ ،‬فإنه تتوافر بذلك إمكانية تحقيق‬

‫العدل وتصويب ما وقعت فيه محكمة أول درجة من خطأ ‪ ،‬فضال عن ذلك فإن القاض ي‬

‫الذى يعلم أن حكمه سيكون محل بحث والفحص والتمحيص ومعرض للتعديل من‬

‫محكمة أخرى سيبذل حرصا أكبر وعناية أشد فى بحثه للقضية وعند تسبيبه وإصداره‬
‫(‪)380‬‬ ‫لحكمه "‪.‬‬

‫)‪ )380‬د‪ .‬محمد فتحي نجيب ‪ :‬التنظيم القضائي المصري‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬القاهرة ‪ ،7115‬ص ‪33‬‬

‫‪P 281‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫الخاتمة والتوصيات‪:‬‬

‫ومن خالل ما ناقشناه فى النقاط السابقة وعلى ضوء ما تقدمه الدول في التشريعات‬

‫الوطنية وزفى الواقع العملى من ضمانات لتحقيق كفاءة القضاء والقضاة ‪ ،‬ونظرا ملا تمثله‬

‫الكفاءة والجدارة من أهمية بالغة لتحقيق العدل والعدالة ‪ ،‬وذلك من خالل وضع‬

‫استراتيجية قضائية لتحقيق متطلبات كفاءة القضاء والقضاة ‪ ،‬وان يتم وضعها من قبل‬

‫القضاة انفسهم وان يراعى فى الخطة واالستراتيجية التوصيات واملبادئ التالية ‪-:‬‬

‫ومن أهم شروط اإلصالح القضائي املنشود الذى يتمناه كافة املواطنين يتمثل في ‪-:‬‬

‫‪ ‬وضع معايير دقيقة ثابتة ال تتغير وال تتبدل للتعيين فى سلك القضاء أهمها التفوق‬

‫العلمي واألدبي وأن ال يكون االلتحاق بالسلطة القضائية والعمل فيه باملحاباة‬

‫أو املجاملة أو التوريث أو غير ذلك من الطرق الغير قانونية ‪ ،‬وتعيين أوائل جريجى‬

‫كليات الحقوق والشريعة والقانون ‪ ،‬وإلغاء شرط التحريات ‪ ،‬الذى يعد تدخل‬

‫من السلطة التنفيذية للتعيين فى القضاء ‪ ،‬وتستطيع السلطة التنفيذية من‬

‫خالله التأثير على القضاة انفسهم ‪ ،‬وكذا يجب أن يتوافر للقضاة والقضاء‬

‫ضمانات التخصص والكفاءة وذلك لتحقيق كفاءة القضاة والقضاء وضمان‬

‫الحيدة منذ بداية تعيين القضاة حتى إحالتهم إلى املعاش ‪.‬‬

‫‪ ‬استخدام تكنولوجيا املعلومات الحديثة وتطبيقاتها فى العملية القضائية‬

‫والعمليات املتداخلة معها ‪ ،‬ملا لها من دور متميز فى توفير حاجات القضاء فى‬

‫‪P 281‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫االنجاز ‪ ،‬وحاجات القضاة للمعلومات بسرعة متناهية وترشيد عملية اتخاذ‬

‫القرارات وتحسين دقة وتكامل امللفات وتنسيق املداخل املتعددة للبيانات‬

‫وتحقيق القضاء الناجز ‪.‬‬

‫‪ ‬انشاء مركز متخصص لتطوير وتدريب القضاة وذلك للتيسير على القضاة وتوفير‬

‫ما يحتاجه من بيانات ومعلومات فى اى مكان وفى كل وقت ومساعدتهم على‬

‫الحصول على املعلومات والبيانات والنصوص واملعلومات املكنتوبة واملسموعة‬

‫ونقلها وتخزينها وذلك من خالل توفير وسائل االتصال املتقدمة وتدريبهم بشكل‬

‫مستمر واطالعهم على كل ما هو جديد ‪.‬‬

‫‪ ‬اشتراط فى ترقية القضاة اعداد ابحاث قانونية والحصول على درجة املاجستير‬

‫فى القانون وذلك كشرط من شروط الترقية ‪.‬‬

‫‪ ‬انشاء وتطوير كافة املكتبات الكائنة في دور املحاكم وذلك لتيسير وصول القضاة‬

‫إلى ما يحتاجونه من اسطونات مدمجة وبرامج الكترونية وكذا كافة املراجع‬

‫والكتب واملوسوعات والتشريعات واالحكام القضائية واآلراء القضائية والفقهية‬

‫بسهولة ويسر ‪ ،‬وكذلك كافة املجالت القانونية املتخصصة ‪.‬‬

‫‪ ‬إتاحة ونشر كافة وسائل املعلومات سواء من الكتب واملجلدات املهتمة بنشر‬

‫التشريعات ‪ ،‬ونشر كافة أعمالها التحضيرية ‪ ،‬وآراء الفقه ‪ ،‬وأحكام القضاء ‪،‬‬

‫فالتكوين املنهى للقاض ى يحتاج إلى هذه الوسائل لتنمية آفاقه القانونية ‪.‬‬

‫‪P 282‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪ ‬توحيد التشريع وتوحيد القضاء وتوحيد املواعيد وتقريب مسافات التقاض ى‬

‫ومجانية التقاض ى ومعالجة كافة املشاكل املتعلقة بذلك ‪ ،‬التى تعرقل وتعطل‬

‫وتعترض حسن سير العدالة ‪.‬‬

‫‪ ‬تطبيق مبدأ التقاض ى على درجتين فى كافة انواع القضايا بال استثناء الذى يعد‬

‫من أهم املبادئ القضائية في كافة الدول التى تسعى إلقامة العدل ولضمان‬

‫حسن سير العدالة ولبث الطمأنينة في قلوب املواطنين والذي نفتقده حتى اآلن‬

‫في كثير من القضايا سواء الجنائية أو اإلدارية ‪.‬‬

‫‪ ‬سرعة إصدار األحكام القضائية ‪ ،‬وضمان تنفيذها وذلك بإنشاء إدارة قضائية‬

‫باملحاكم تكون هي املنوط بها تنفيذ كافة األحكام القضائية بال استثناء وذلك‬

‫منذ صدور الحكم حتى نهاية تنفيذه وذلك تحت إشراف القضاة والقضاء في‬

‫جميع مراحله حتى نهاية تنفيذه ‪.‬‬

‫‪ ‬إلغاء منصب وزير العدل وأن يحل محله ويمارس اختصاصاته رئيس املجلس‬

‫األعلى للقضاء دون غيره ‪ ،‬وأن يتم انتخاب رؤساء كافة الهيئات القضائية من‬

‫قبل القضاء انفسهم وال سلطان عليهم فى التعيين من قبل السلطة التنفيذية ‪،‬‬

‫وكذلك منع القضاة من العمل فى أعمال غير قضائية كمستشارين لدى هيئات‬

‫أو وزارت أو مصالح أثناء خدمتهم ‪ ،‬وكذلك إلغاء لجان فض املنازعات التى‬

‫أصبحت مضيعة للوقت وباب للتأثير على القضاة ماديا ‪.‬‬

‫‪P 283‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪ ‬إلغاء هيئة قضايا الدولة ‪ ،‬على أن يحل محلها فى العمل اإلدارات القانونية بكل‬

‫جهة على حدة باستقالل تام عن الهيئات القضائية وذلك لعدم استساغة أن‬

‫يكون العاملين بهيئة قضايا الدولة " محامى الحكومة " هيئة قضائية على أى‬

‫حال من األحوال ‪.‬‬

‫‪ ‬إلغاء ما يسمى بالقضاء العسكري وقصر مهام املحاكم العسكرية على محاكمة‬

‫العسكريين فقط فى الجرائم العسكرية فقط ‪ ،‬دون غيرهم من املدنيين أيا كانت‬

‫الجريمة التى ارتكبت وكذلك إلغاء كافة املحاكم املؤقتة وكذلك إلغاء كافة‬

‫املحاكم ذات الصفة االستثنائية األخرى ‪.‬‬

‫‪P 284‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫(قـائـمة املـراج ــع)‬

‫اوال ‪ -:‬املراجع العامة ‪-:‬‬

‫د‪ .‬أحمد فتحي سرور ‪:‬‬

‫‪ ‬الحماية الدستورية للحقوق والحريات‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬طبعة‬


‫‪. 7000‬‬

‫‪ ‬الشرعية الدستورية وحقوق اإلنسان في اإلجراءات الجنائية ‪ ،‬ط ‪8332‬‬

‫د‪.‬أشرف فايز اللمساوى ‪ :‬دور الرقابة الدستورية في حماية الحقوق والحريات في إطار‬
‫التشريعات الوطنية واملواثيق الدولية ‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ، 7003 ،‬املركز القومي لإلصدارات‬
‫القانونية‪.‬‬

‫د‪.‬السيد خليل هيكل ‪ :‬موقف الفقه الدستورى والتقليدى والفقه اإلسالمى فى بناء‬
‫وتنظيم الدولة‪ ،‬كلية الحقوق ‪ ،‬جامعة أسيوط ‪ ،‬دار النهضة العربية القاهرة‬

‫د‪ .‬السيد عبد الحميد فوده ‪ :‬مبدأ املساواة ومدى تطبيقه فى مصر دراسة تاريخية دار‬
‫النهضة العربية ط ‪. 7007‬‬

‫د‪ .‬أنور أحمد رسالن ‪ :‬الحقوق والحريات العامة فى عالم متغير ‪ ،‬دار النهضة العربية‬
‫‪ ،‬ط ‪.8339‬‬

‫د‪ .‬رأفت فوده ‪ :‬املوازنات الدستورية لسلطات رئيس الجمهورية ‪ ،‬دار النهضة العربية‬
‫‪ ،‬ط ‪. 7000‬‬

‫د‪ .‬سعد عصفور ‪ :‬النظام الدستوري املصري " دستور سنة ‪ " 8328‬منشاة املعارف‬
‫باإلسكندرية ‪ ،‬ط ‪. 8310‬‬

‫د‪ .‬سمير عبد السيد تناغو ‪ :‬النظرية العامة للقانون ‪. 8324 ،‬‬

‫‪P 285‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫د‪ .‬شحاتة أبو زيد شحاتة ‪ :‬مبدأ املساواة فى الدساتير العربية ‪ ،‬متطلبات استقالل‬
‫القضاء ‪ ،‬طبعة ‪7008‬‬

‫د‪ .‬عاصم الفولى ‪ :‬اإلسالميون والديمقراطية دفاع عن الحل اإلسالمي في مواجهة‬


‫أنصاره ‪ ،‬دار التوزيع والنشر ‪ ،‬الطبعة األولى‬

‫د‪ .‬عاطف وليم اندراوس ‪ :‬الفجوة الرقمية ودور الحكومة فى معالجتها ‪ ،‬دار الفكر‬
‫الجامعى‬

‫د‪ .‬عبد الناصر على عثمان حسين ‪ :‬استقالل القضاء اإلدارى " دراسة مقارنة " ‪ ،‬دار‬
‫الكتب القانونية ‪7001‬‬

‫د‪ .‬عماد ملوخية ‪ :‬الحريات العامة ‪ ،‬دار الجامعة الجديدة ‪ ،‬اإلسكندرية ‪7087 ،‬‬

‫د‪ .‬فاروق عبد البر ‪ :‬دراسات في حرية التعبير واستغالل القضاء وضمانات التقاض ي‬
‫‪ ،‬ط ‪7007‬‬

‫د‪ .‬محمد إبراهيم درويش د‪ 0‬إبراهيم محمد درويش ‪ :‬القانون الدستوري ‪ ،،‬دار‬
‫النهضة العربية ‪ ،‬ط ‪7002، 8‬‬

‫د‪ .‬محمد جمال عطية عيس ى ‪ :‬تطور نظام القضاء فى القانون املصري الحديث وفكرة‬
‫القاض ي الطبيعي ‪ ،‬دار النهضة العربية القاهرة ‪7004‬‬

‫د‪ .‬محمد فتحي نجيب ‪ :‬التنظيم القضائي املصري‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬القاهرة ‪7009‬‬

‫د‪ .‬محمود عطية ‪ :‬دور دائرة توحيد املبادئ القانونية بمجلس الدولة فى كفالة االمن‬
‫القضائى ‪ ،‬ط ‪7089‬‬

‫د‪ .‬وليد سليم النمر ‪ :‬القانون الدستوري املبادئ الدستورية العامة ‪ ،‬دار الفكر‬
‫الجامعي ‪ ،‬ط ‪7084‬‬

‫د‪ .‬يحيى الجمل ‪ :‬القضاء الدستوري في مصر ‪ ،‬دار النهضة العربية ‪ ،‬ط ‪7000‬‬

‫‪P 286‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫د‪.‬عصمت عبد هللا الشيخ ‪ :‬دور نظم وتكنولوجيا املعلومات فى تيسير وفاعلية العمل‬
‫االدارى ‪ ،‬دار النهضة العربية ‪ ،‬ط ‪8331‬‬

‫صبحي محمصانى ‪ :‬مبادئ القانون األساس ي والعلم السياس ي وتطبيقها فى لبنان وسائر‬
‫البالد العربية ‪ ،‬دار العلم للماليين بيروت ‪ ،‬ط ‪8327‬‬

‫عبد العزيز ساملان ‪ :‬الدولة القانونية ورقابة الدستورية ‪ ،‬مجلة الدستورية العدد‬
‫‪ 87‬اكتوبر ‪7003‬‬

‫املستشار محمود الخضيرى ‪ :‬تشريعات السلطة القضائية فى دولة االمارات العربية ‪،‬‬
‫دراسة مقارنة بالشريعة االسالمية والقوانين الوضعية ‪ ،‬دار النهضة العربية ‪8337 ،‬‬

‫ممتاز نصار ‪ :‬معركة العدالة فى مصر ‪ -‬دار الشروق ‪8324‬‬

‫ثانيا ‪ -:‬رسائل الدكتوراه ‪.‬‬

‫د‪ .‬أنور احمد رسالن ‪ :‬الديمقراطية بين الفكر الفردى والفكر االشتراكى ‪ ،‬رسالة‬
‫دكتوراه ‪.8328 ،‬‬

‫د‪ .‬عبد القادر محمد الشيخ محمد ‪ :‬ذاتية القانون الجنائي العسكري " دراسة‬
‫مقارنة"‪ ،‬رسالة دكتوراه ‪ ،‬جامعة القاهرة ‪ ،‬كلية الحقوق ‪8333 ،‬‬

‫ثالثا ‪ -:‬االبحاث واملقاالت ‪.‬‬

‫املستشار يحيى الرفاعى ‪ :‬حديث الحقائق والوثائق (‪ ، )8‬الديمقراطية الحقيقية ‪( ،‬‬


‫الطوارى وافساد الطبائع ‪ ،‬تاصيل تاريخى منشور منذ عام ‪ 8330‬للمستشار الجليل احمد‬
‫مكى ) ‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ ،‬ط ‪، 7009‬املكتب املصري الحديث‬

‫املستشار يحيى الرفاعى ‪ :‬كلمة قضاة مصر في افتتاح املؤتمر‪ ،‬حديث الحقائق والوثائق‬
‫استقالل القضاء ‪ ،‬املكتب املصري الحديث‬

‫توصيات لجنة نظام القضاء ‪ ،‬وثائق مؤتمر العدالة األول ‪ ،‬القاهرة ‪8317 ،‬‬

‫‪P 287‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫د‪ .‬عبد العزيز ساملان ‪ :‬الدولة القانونية ورقابة الدستورية ‪ ،‬مجلة الدستورية العدد‬
‫‪ 87‬أكتوبر ‪7003‬‬

‫د‪ .‬محمد عصفور ‪ :‬استقالل القضاء ‪ ،‬مجلة القضاة ‪ ،‬السنة األولى ‪ ،‬العدد الثالث‪،‬‬
‫يونيو ‪ ، 8371‬مصر‬

‫رابعا‪ -:‬الدوريات ‪.‬‬

‫محكمة النقض ‪ :‬املكتب الفني ‪ ،‬النشرة التشريعية ‪ ،‬العدد الثالث ‪ ،‬مارس ‪7087‬‬

‫املوسوعة العربية للدساتير العاملية – بمجلس األمة ( مجلس الشعب حاليا ) ط‬


‫‪.8377‬‬

‫مجموعة أحكام املحكمة الدستورية العليا ‪ ،‬الجزء الخامس ‪ ،‬املجلد الثانى ‪ ،‬قاعدة‬
‫رقم ‪.89‬‬

‫مجلة الحقوق ‪ ،‬العدد الرابع ‪ ،‬السنة التاسعة والثالثون ‪ ،‬ربيع األول ‪8492‬هـ ‪،‬‬
‫ديسمبر ‪ 7082‬م‪.‬‬

‫‪P 288‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪achiev and judges‬‬


‫ملخص‬
‫هذا البحث الذي بين أيدينا يبحث في املبدأ العام الرئيس ي في اإلثبات الجنائي وهو‬

‫مبدأ االقتناع الذاتي للقاض ي الجنائي‪ ،‬ومن خالل هذا املبدأ فإننا سنتعرض لبيان ماهية‬

‫مبدأ االقتناع الذاتي وذلك من حيث التعريف به وبيان مبرراته وما يتعلق به من أحكام‬

‫ونطاق هذا املبدأ‪ ،‬ثم التعرض للقيود واالستثناءات التي ترد على هذا املبدأ‪ ،‬ثم نبين‬

‫التطبيق العملي لهذا املبدأ على أدلة االثبات في الدعوى الجنائية وهي االعتراف والشهادة‬

‫والخبرة والقرائن‪ ،‬والدليل الكتابي‪ ،‬مستعينين في ذلك برأي الفقه والقضاء والتشريعات‬

‫املقارنة‪ ،‬ثم في األخير وضعنا خاتمة فيها خالصة البحث باإلضافة إلى مجموعة من النتائج‬

‫والتوصيات املرجوة‪.‬‬

‫‪Abstract‬‬

‫‪This research, which we have in hand, examines the main general principle‬‬

‫‪in criminal evidence, which is the principle of self-conviction of the criminal‬‬

‫‪judge, and through this principle, we will discuss the nature of the principle of‬‬

‫‪self-conviction in terms of its definition, explanation of its justifications and‬‬

‫‪P 281‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪related provisions and scope of this principle, then exposure to restrictions And‬‬

‫‪the exceptions to this principle, and then we show the practical application of‬‬

‫‪this principle to the evidence of evidence in the criminal case, namely‬‬

‫‪confession, testimony, experience, clues, and written evidence, using the‬‬

‫‪opinion of jurisprudence, judiciary and comparative legislation, and then in the‬‬

‫‪end we put a conclusion in which a summary of the research in addition to a set‬‬

‫‪of results And recommendations desired.‬‬

‫مقدمة‪:‬‬
‫الهدف األساس ي من ممارسة القاض ي لسلطته في مجال تقدير األدلة هو الوصول‬

‫إلى الحقيقة‪ ،‬وفيما إذا كان من املمكن أن يتحول الشك املفترض إلى يقين قائم‪ ،‬ومن‬

‫املعروف أن التحقيق االبتدائي يسعى في املقام األول إلى جمع األدلة وتقديرها تقديرا أولياء‪،‬‬

‫أما مرحلة املحاكمة فتهدف أساسا إلى تمحيص األدلة وتقديرها بصفة نهائية‪ ،‬وعليه‬

‫فيجوز القول بأن الشك في مرحلة التحقيق االبتدائي يفسر أحيانا ضد مصلحة املتهم‪،‬‬

‫وأما في مرحلة التحقيق النهائي فيفسر الشك ملصلحته وبقوة القانون‪.‬‬

‫وهذا القول صحيح في جملته والسبب في ذلك هو أنه إذ رجحت أدلة إدانة املتهم بعد‬

‫انتهاء التحقيق االبتدائي فهذا يكون كافيا لرفع الدعوى الجنائية ضده‪ ،‬مع الرجحان ال‬

‫ينفي الشك بشكل تام‪ ،‬بل إنه يتسع لقدر منه‪ ،‬وأما حكم اإلدانة فال يبني إال على اليقين‪،‬‬

‫‪P 211‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫ولهذا يكون صحيح القول بأن الشك ال يمنع سلطة االتهام من رفع الدعوى‪ ،‬لكن الشط‬

‫يعتبر مانع لإلدانة وموجب بحكم البراءة خالل نظر الدعوى أمام قاض ي املوضوع‪.‬‬

‫ونشير إلى أن االتهام يبدأ في العادة بالشك فيما إذا كان املتهم قد قام بارتكاب الجريمة‪،‬‬

‫وقاض ي املوضوع بعد ذلك يستهدف أساسا تمحيص هذا الشك وتحري الوقائع التي نتج‬

‫عنها‪ ،‬ليصل إلى حكمه فيما إذا كان هذا الشك قد تحول إلى يقين بني عليه اإلدانة‪ ،‬أم أن‬

‫ما لديه من أدلة ال تكفي للوصول على هذا اليقين وفي هذا الوقت يبقى الشك قائم ومعه‬
‫اإلدانة‪381‬‬ ‫تستحيل‬

‫وهذا يعني أن الشك أو الشبهة هي نقطة االنطالق في اإلجراءات الجنائية‪ ،‬ومنذ‬

‫ارتكاب الواقعة يكفي مجرد الشك لالستمرار في اإلجراءات ضد املتهم‪ ،‬فالشبهة في مرحلة‬

‫االتهام‪ ،‬تكفي لترجيح جانب االتهام‪ ،‬وكذلك مرحلة التحقيق االبتدائي‪ ،‬فإن هذا الشك‬

‫القائم في صالح االتهام‪ ،‬والذي بناء عليه اتخذت في اإلجراءات ضد املتهم‪ ،‬يكون قابال‬

‫ألن يتالش ى أو يتضاعف‪ ،‬وذلك ألن سلطة التحقيق االبتدائي مكلفة أساسا بالبحث عن‬

‫األدلة التي تفيد في الكشف عن الحقيقة على نحو إما ينتهي بتعزيز الشك أو الشبهة أو‬

‫بنفيهما‪ ،‬بالتالي فإذا تعززت الشبهة انقلبت الحتمال وهو أمر يعني تضاعف فرص‬

‫الترجيح في صالح االتهام‪ ،‬وفي هذه الحالة تحال الدعوى للمحكمة من أجل الفصل‬

‫فيها‪ ،‬وعليه تعمل املحكمة على استبعاد كل فرص الشك في ثبوت الجريمة ونسبتها‬

‫‪295‬‬ ‫‪381‬‬

‫‪P 211‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫للمتهم‪ ،‬والقاعدة هي أن الشك في مرحلة االتهام يفسر املتهم بينما في مرحلة الحكم يفسر‬

‫في صالحه‪.‬‬

‫أهمية البحث‪:‬‬

‫اإلثبات الجنائي يتم بكل الطرق الخاصة باإلثبات‪ ،‬كما أنه يقوم على إعطاء‬

‫القاض ي الجنائي سلطة واسعة في تقدير األدلة‪ ،‬والبحث عن أي دليل والقيام بأي إجراء‬

‫يراه الزما لكشف الحقيقة‪ ،‬حيث أنه يلعب دور إيجابي في اإلثبات‪ ،‬على خالف القاض ي‬

‫املدني والذي يكون مقيد بأدلة محددة‪ ،‬وقد حددها القانون وبين شروطها كما أنه ال‬

‫يملك القاض ي املدني أن يتجاوزها‪ ،‬والسبب في منح القاض ي الجنائي كل هذه السلطة‬

‫الواسعة‪ ،‬يكمن في كون اإلثبات الجنائي يستهدف الوقائع املادية واملعنوية وليس‬

‫تصرفات قانونية مثل العقود بالتالي فهي ال تعد بشكل مسبق‪ ،‬والسبب في ذلك هو أن‬

‫الجريمة تقع بشكل مفاجئ من هنا فإنه يلزم منح هذا القاض ي سلطة واسعة في تقديره‬

‫للدليل الجنائي‪ ،‬ومن هنا تبرز أهمية هذا البحث وضرورة تدعيمه‪ ،‬وبشكل خاص إذا‬

‫ما عرفنا أن اإلثبات الجنائي يستهدف مجموعة من الوقائع املعنوية‪ ،‬مثل القصد‬

‫الجرمي‪.‬‬

‫أهداف البحث‪:‬‬

‫يهدف هذا البحث إلى تحقيق مجموعة من األهداف العملية والواقعية‪ ،‬هي‪:‬‬

‫‪.8‬التعرض ملفهوم وإطار ونطاق مبدأ االقتناع الذاتي للقاض ي الجنائي‪.‬‬

‫‪P 212‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪.7‬التعرف على االستثناءات التي ترد على مبدأ االقتناع الذاتي للقاض ي الجنائي‪.‬‬

‫‪.9‬التعرف على مبدأ االقتناع الذاتي وعلى أدلة اإلثبات االعتراف والشهادة والخبرة‬

‫والقرائن والدليل الكتابي من خالل التعرض لرأي الفقه والقضاء والتشريعات املقارنة‬

‫محل الدراسة‪.‬‬

‫مشكلة البحث‪:‬‬

‫تظهر مشكلة البحث في أنه وعلى الرغم من ورود النص الصريح على مبدأ االقتناع‬

‫الذاتي للقاض ي الجنائي‪ ،‬وعلى الرغم من ذلك فاملشرع لم يحدد الضوابط التي تكفي‬

‫لهذا األمر الذي يخش ى معه من أن تتم إساءة استخدام هذا املبدأ وذلك بسبب السلطة‬

‫املطلقة املعطاه للقاض ي الجنائي بوزن األدلة‪ ،‬وعلى الرغم من كون هذا املبدأ قد ورد‬

‫بشكل مطلق مما يستدعي التحوط من خالل أخذ املبررات التشريعية والعملية‬

‫والفقهية لألخذ بهذا املبدأ‪.‬‬

‫منهج البحث‪:‬‬

‫تم اتباع املنهج الوصفي التحليلي من خالل وصف عنوان البحث باعتباره مبدأ‬

‫مهم يحتاج إلى تفسير وبيان ثم املنهج التحليلي من خالل املقارنة بين مجموعة من‬

‫التشريعات العربية املقارنة‪ ،‬وتحليلها بشكل يساعد على فهم هذا املبدأ‪.‬‬

‫خطة الدراسة‪:‬‬

‫املبحث األول‪ :‬إطار مبدا االقتناع الذاتي للقاض ي الجنائي‪.‬‬

‫‪P 213‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫املطلب األول‪ :‬ماهية وأسس القناعة القضائية‪.‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬مدلول مبدأ االقتناع الذاتي للقاض ي الجنائي‪.‬‬

‫املبحث الثاني‪ :‬القيود واالستثناءات على مبدأ االقتناع الذاتي للقاض ي الجنائي‪.‬‬

‫املطلب األول‪ :‬قيود مبدأ االقتناع الذاتي للقاض ي الجنائي‪.‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬استثناءات مبدأ االقتناع الذاتي للقاض ي الجنائي‪.‬‬

‫املبحث الثالث‪ :‬مبدأ االقتناع الذاتي وأدلة اإلثبات‪.‬‬

‫املطلب األول‪ :‬االعتراف والشهادة والخبرة‪.‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬القرائن والدليل الكتابي‪.‬‬

‫خاتمة بها النتائج والتوصيات‪.‬‬

‫املراجع واملصادر‪.‬‬

‫املبحث األول‪ :‬إطار مبدا االقتناع الذاتي للقاض ي الجنائي‬

‫من املمكن أن نتعرض لبيان إطار مبدا االقتناع الذاتي للقاض ي الجنائي من خالل‬

‫التعرف على مقصود هذا املبدأ ومفهومه‪ ،‬ثم بيان مدلول االقتناع الذاتي للقاض ي‬

‫الجنائي‪ ،‬ونعرض لكل من هذين العنصرين في مطلب مستقل على النحو التالي‪:‬‬

‫‪P 214‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫املطلب األول‪ :‬ماهية وأسس القناعة القضائية‬

‫مبدأ االقتناع الذاتي أو ما يسمى بحرية القاض ي باالقتناع من املبادئ الحديثة‬

‫بشكل نسبي في القانون الجنائي‪ ،‬فأول ظهور تشريعي لهذا املبدأ كان في نهاية القرن‬

‫الثامن عشر‪ ،‬حيث ورد في قانون تحقيق الجنايات الفرنس ي وقانون العقوبات الفرنس ي‬

‫الصادرين عام ‪١٩٧١‬م‪ ،‬حيث أنه قد ورد في املادة ‪ ٤٢‬من القسم السادس من قانون‬

‫تحقيق الجنايات حيث أوجب على املحلفين أن يبنوا قناعتهم بصورة خاصة على األدلة‬

‫واملناقشات التي تطرح أو تلك التي تدور أمامهم‪ ،‬ومن خالل قناعتهم الشخصية يطالبهم‬

‫القانون واملجتمع بأن يقوموا بإصدار أحكامهم على املتهمين‪ ،‬كذلك فقد ورد في املادة‬

‫‪ ٢٩٤‬من قانون العقوبات الفرنس ي ‪ ١٩٧١‬بنفس املضمون ‪ ،‬ويقصد بهذا املبدأ أن‬
‫‪382‬‬

‫القاض ي الجزائي يحكم وفقأ للعقيدة التي تتكون لديه في الدعوى بكامل حريته‪ ،‬وأن له‬

‫مطلق الحرية في تقدير قيمة الدليل‪ ،‬واألخذ بما يرتاح ضميره له من األدلة ويطرح ما‬

‫سواه ‪ ،‬وله أن يستمد قناعته من أي دليل وله تجزئة الدليل فيأخذ ببعضه ويطرح‬ ‫‪383‬‬

‫البعض اآلخر‪ ،‬فاالقتناع الذاتي قد تتكون من شذرات متفرقة من الظروف واألدلة ‪.‬‬
‫‪384‬‬

‫واالقتناع يقصد منه التوصل ألحد أمرين‪:‬‬

‫‪25‬‬ ‫‪382‬‬
‫‪383‬‬
‫‪623‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪384‬‬

‫‪P 215‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫األول‪ :‬إذعان القاض ي وتسليمه بنشوء حق الدولة في معاقبة املتهم حال ثبوت‬

‫الجريمة اليقيني‪.‬‬

‫والثاني‪ :‬هو إذعانه وتسليمه بعدم نشوء حق الدولة في معاقبة املتهم ويكون ذلك‬

‫في حالة عدم ثبوت الجريمة أو الشك في وقائعها أو في نسبتها للمتهم ‪.‬‬
‫‪385‬‬

‫فإذا كان االقتناع القضائي بنشوء حق الدولة في معاقبة املتهم‬

‫فإذا كان االقتناع القضائي بنشوء حق الدولة في معاقبة املتهم إذا تمت إدانته يأتي‬

‫نقضا وهدما ألصل البراءة في املتهم‪ ،‬فإن ذلك يستوجب أن يصل االقتناع إلى حد الجزم‪،‬‬

‫كما أنه من جهة أخرى يعتبر االقتناع باإلدانة أو البراءة هو استخالص لهما من عناصر‬

‫اإلثبات املطروحة على بساط البحث كاستخالص النتائج من املقدمات‪ ،‬وهو األمر الذي‬

‫يستوجب توائم هذا االستخالص مع مقتضيات العقل واملنطق ‪.‬‬


‫‪386‬‬

‫وهذا املبدأ يوصف باالقتناع الذاتي للقاض ي وذلك من أجل الداللة على قيام‬

‫القاض ي بالحكم في دعواه وفقا ملا يمليه عليه ضميره بواسطة أدلة يستشعر منها قدرته‬

‫على توليد وتكوين يقينه بثبوت االتهام ضد املتهم‪.387‬‬

‫‪11‬‬ ‫‪5111‬‬ ‫‪385‬‬


‫‪386‬‬
‫‪161‬‬ ‫‪5112 6‬‬
‫‪123‬‬ ‫‪1913‬‬ ‫‪387‬‬

‫‪P 216‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫كذلك يوصف هذا املبدأ بالوجداني‪ ،‬حيث يكون اقتناع القاض ي الجنائي متروكا‬

‫لوجدانه واطمئنانه الداخلي بثبوت الواقعة التي تعرض عليه أو عدم ثبوتها ‪.‬‬
‫‪388‬‬

‫وهذا الوصف قد ال يكون كافيا أيضا للتعبير عن حقيقة وجوهر االقتناع ذلك ألن‬

‫االقتناع في حد ذاته ال يكون إال داخلي ونابعا من ذات الشخص‪ ،‬فال يعقل لذلك أن‬

‫ينشا االقتناع من غير ذات القاض ي أو فرضه عليه من الخارج أي من ذات أخرى غير‬

‫ذاته‪ ،‬ومن هنا من املمكن أن نقول أن وصف االقتناع بالعقلي أو العقالني هو وصف‬

‫يصيب جوهر هذا املبدأ على اعتبار أن حقيقة ما يمارسه القاض ي من عملية ذهنية‬

‫تجاه ما يقدم إليه من أدلة في الدعوى تنشا أصال من وعيه وإدراكه لجميع أدلة الدعوى‪.‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬مدلول مبدأ االقتناع الذاتي للقاض ي الجنائي‬

‫لقد استقر القانون والفقه في العالم العربي على قاعدة قانونية ثابتة هذه القاعدة‬

‫تقول‪ :‬إنه ال سلطان على عمل القاض ي إال للقانون‪ ،‬كما يرتكز عمله ضمن حدود‬

‫القانون‪.389‬‬

‫وضمن حدود القانون فللقاض ي أن يناقش كل األدلة التي لها أصل في أوراق‬

‫الدعوى‪ ،‬املقدمة من قبل الخصوم‪ ،‬فله أن يقبلها وينظر فيها ولكنه غير ملزم باألخذ‬

‫بدليل بعينه‪ ،‬فإما أن يأخذ بما جاء فيه وإما أن يطرح الدليل الذي ال يطمئن إليه‬

‫ضميره‪ ،‬ويستبعده‪ ،‬وإن عدم اقتناع محكمة املوضوع بقسم من شهادات الشهود‬

‫‪131‬‬ ‫‪5111‬‬ ‫‪388‬‬


‫‪61‬‬ ‫‪5115‬‬ ‫‪389‬‬

‫‪P 217‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫واقتناعها بالقسم اآلخر وهو ماال يستلزم رد البينات‪ ،‬ألنها تحكم بحسب قناعاتها التي‬

‫تستخلصها من البينات التي تقدم إليها‪ ،‬إال أن الدليل الذي يأخذ به القاض ي يجب أن‬

‫يكون كافي؛ فال يجوز ألية محكمة في قضية جزائية أن تحكم بإدانة شخص‪ ،‬دون أن‬

‫يتوفر أمامها بينات كافية مثل حصول االقتناع بارتكاب املتهم للجريمة التي يدان من‬

‫أجلها ‪.‬‬
‫‪390‬‬

‫كذلك فإن للقاض ي الجنائي سلطة واسعة في وزن األدلة والتنسيق فيما بينها‪،‬‬

‫واستخالص النتائج التي تؤدي إلى اقتناعه بها واالعتماد عليها في إصدار الحكم‪ ،‬إما‬

‫بالبراءة أو باإلدانة‪ ،‬وهذا ما نصت عليه املادة ‪ 828‬من قانون اإلجراءات الجنائية الكويتي‬

‫فنصت على أن‪" :‬تعتمد املحكمة في اقتناعها على األدلة املستمدة من التحقيق‪ ،‬الذي‬

‫أجرته في القضية أو من التحقيقات السابقة على املحاكمة‪ ،‬ولها الحرية املطلقة في‬

‫ترجيح دليل على دليل‪ ،‬وتكوين اقتناعها حسبما يوحيه إليه ضميرها"‪ ،‬وهذا ايضا ما‬

‫أخذ به القضاء في مصر والعراق واألردن‪ ،‬والسبب في ذلك هو أن القاض ي له أن يحكم‬

‫بحسب العقيدة التي تكونت لديه ‪.‬‬


‫‪391‬‬

‫ونجد أن لقاض ي املوضوع الحرية املطلقة في تكوينه العتقاده وتقدير الدليل املقدم‬

‫إليه‪ ،‬بأخذه إذا اقتنع به ويطرحه كذلك إذا تطرق الشك لوجدانه دون رقابة عليه من‬

‫محكمة التمييز عليه في ذلك‪.‬‬

‫‪390‬‬
‫‪621‬‬ ‫‪5111 6‬‬ ‫‪61‬‬
‫‪126‬‬ ‫‪121‬‬ ‫‪65‬‬ ‫‪1911‬‬ ‫‪11‬‬ ‫‪391‬‬

‫‪P 218‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫ونعرض في نقطتين متتاليتين لرأي القانون والقضاء والفقه في مفهوم مبدأ حرية‬

‫القاض ي الجنائي في تكوين اقتناعه الذاتي‪:‬‬

‫‪.8‬ما جاء في القانون والقضاء في تثبيت هذا املبدأ‪:‬‬

‫يعتبر املشرع األردني من أوائل التشريعات العربية التي أرست مبدأ حرية القاض ي‬

‫الجنائي في االقتناع بالفقرة األولى من املادة ‪ 842‬من قانون أصول املحاكمات الجزائية‪،‬‬

‫والتي قد نصت على أنه تقام البينة في الجنايات والجنح واملخالفات بجميع طرق االثبات‬

‫ويحكم القاض ي بحسب اقتناعه وقناعته الشخصية‪.‬‬

‫كما نصت كذلك املادة ‪ 738‬من قانون اإلجراءات الجنائية املصري على أن‪:‬‬

‫"للمحكمة أن تأمر ولو من تلقاء نفسها أثناء نظر الدعوى بتقديم أي دليل تراه الزما‬

‫لظهور الحقيقة"‪.‬‬

‫كذلك فقد نصت املادة ‪ 907‬على أن‪" :‬القاض ي يحكم بالدعوى بحسب العقيدة‬

‫التي تكونت لديه بكامل حريته‪ ،‬ومع ذلك فال يجوز له أن يبني حكمه على إيجاز دليل لم‬

‫يطرح أمامه في الجلسة"‪.‬‬

‫وأما القانون الكويت فقد نصت املادة ‪ 828‬من قانون اإلجراءات الجنائية منه على‬

‫أن‪" :‬املحكمة تعتمد في اقتناعها على األدلة املستمدة من التحقيق ولها الحرية املطلقة‬

‫في ترجيح دليل على دليل وتكون اقتناعها حسبما يوحيه إليه ضميرها"‪.‬‬

‫‪P 211‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫ومن هنا يتبين لنا أن القانون والقضاء قد اتفقا على اعتماد الدليل الذي تقتنع‬

‫به املحكمة وترجحه على األدلة األخرى‪ ،‬وأنه يتوجب على املحكمة تقدير البينات‬

‫والدالئل وتحديد الوقائع التي اقتنعت بصحتها قبل اصدار حكمها ‪.‬‬
‫‪392‬‬

‫وكلما اطمئن القاض ي إلى صدق دليل منها كان له أن يأخذ به‪ ،‬وكلما تعذر االطمئنان‬

‫إليه تعذر األخذ به‪ ،‬بغير رقابة من أحد عليه في مبررات اطمئنانه عنه أو عدم اطمئنانه‪،‬‬

‫متى كان في تقديره العام لم يخرج عن حدود االتزان في فهم الدليل وعن حدود املنطق‬

‫املقبول في االستدالل به‪ ،‬فاملحكمة الجزائية تحكم وفقا ملا يقتنع به ضميرها‪ ،‬ما دامت‬

‫هناك بينات تستطيع الوصول إلى النتيجة التي استخلصتها‪ ،‬ألن القانون ترك لقاض ي‬

‫املوضوع الحرية املطلقة في تكوين اعتقاده وتقدير الدليل املقدم له‪ ،‬ويجب أن تكون‬

‫قناعة القاض ي وما توصل إليه من نتائج في تكوين عقيدته واقتناعه الوجداني مستندة‬

‫إلى أسس قوية وثابتة ‪.‬‬


‫‪393‬‬

‫‪.7‬ما جاء في رأي الفقه في تثبيت هذا املبدأ‪:‬‬

‫يرى الدكتور أحمد فتحي سرور أن الحرية التي منحها املشرع للقاض ي في تقدير‬

‫قيمة األدلة‪ ،‬تعني أن عليه أن يبحث عن األدلة الالزمة‪ ،‬دون أن يصل التقدير الحر لديه‬

‫إلى حد التحكم الكامل‪ ،‬فاالقتناع يجب أن يخضع بشكل دائم للعقل واملنطق‪ ،‬كما أنه‬

‫‪622‬‬ ‫‪392‬‬
‫‪622‬‬ ‫‪393‬‬

‫‪P 311‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫ال يجوز أن يعني مبدأ االقتناع الذاتي للقاض ي إطالق حريته في أن يحل تخميناته‬

‫وتصوراته محل أدلة اإلثبات مهما كانت وجاهتها ‪.‬‬


‫‪394‬‬

‫وال بد أن يكون اقتناع القاض ي يقينيا وأن يستمد اقتناعه من أدلة صحيحة‬

‫طرحت أمامه‪ ،‬وتناقش فيها الخصوم بصورة علنية‪ ،‬فيمنع على املحكمة أن تبني حكمها‬

‫على دليل لم تطرحه في املناقشة في جلساتها حتى لو كان له أصل في أوراق الدعوى‪،‬‬

‫فينبغي على القاض ي أن يستمد عقيدته من أدلة مشروعة ووليدة إجراءات قانونية‬

‫صحيحة‪ ،‬وكذلك ال يجوز للقاض ي االستناد إلى أدلة غير قضائية كأن يحكم بناء على‬

‫معلوماته الشخصية أو مشاهدته أو على االشاعات املتداولة في املجالس الخاصة‪،‬‬

‫فالدليل الذي جاء وليد إجراءات مخالفة للنظام العام ال يؤاخذ به‪ ،‬فحرية القاض ي‬

‫باالقتناع تعني إطالق حريته في اإلثبات بجميع األدلة املشروعة بدون تقييده بدليل معين‬

‫باستثناء ما قد نص عليه القانون؛ ألن القانون إذا نص على طريقة معينة لإلثبات وجب‬

‫التقيد بهذه الطريقة كذلك فإن له أن يستخلص الواقعة بطريق االستنتاج واالستقراء‬

‫وجميع املمكنات العقلية ما دام ذلك سليما متفقا مع حكم العقل واملنطق اعتمادا على‬

‫األدلة املقدمة إليه في الدعوى‪ ،‬وأما التحكم الكامل وبناء الدليل على علمه الشخص ي‬

‫أو ما يتراءى له بالعين املجردة فال يعتد به دليل‪ ،‬وإذا لم يقتنع يقينيا بالدليل بقي الشك‬

‫على ما هو عليه‪ ،‬ومن ثم تستحيل اإلدانة ‪.‬‬


‫‪395‬‬

‫‪233‬‬ ‫‪394‬‬
‫‪623‬‬ ‫‪395‬‬

‫‪P 311‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫املبحث الثاني‪ :‬القيود واالستثناءات على مبدأ االقتناع الذاتي للقاض ي الجنائي‬

‫املطلب األول‪ :‬قيود مبدأ االقتناع الذاتي للقاض ي الجنائي‪.‬‬

‫لقد منح املشرح الحرية للقاض ي الجنائي في االقتناع باألدلة‪ ،‬كما أنه قد أعطاه‬

‫كذلك حرية األخذ ببعضها ثم طرح البعض اآلخر‪ ،‬وعلى الرغم من ذلك فهناك قيود‬

‫على حرية القاض ي في االقتناع ليست كيفية‪ ،‬وهذه قناعة مبنية على تدقيق الوقائع‬

‫وتمحيصها‪ ،‬وفي إطار القانون ومن املمكن أن نعرض لتلك القيود على النحو التالي‪:‬‬

‫‪.8‬االلتزام بطرق اإلثبات الخاصة في املسائل غير الجنائية‪:‬‬

‫وهذا القيد يعتبر أحد أهم القيود التي ترد على مبدأ االقتناع الذاتي‪ ،‬فقد أوجب‬

‫القانون على القاض ي أن يلتزم في إثبات املسائل الغير جنائية من خالل وعن طريق طرق‬

‫اإلثبات املقررة الخاصة بإثبات هذه املسائل‪ ،‬وهذا القيد قد ورد في املادة (‪ )١٢٧‬من‬

‫قانون أصول املحاكمات الجزائية األردني ‪.‬‬


‫‪396‬‬

‫وكذلك هو ما نصت عليه املادة (‪ )٤٤٢‬من قانون اإلجراءات الجنائية املصري ‪.‬‬
‫‪397‬‬

‫والسبب في هذا القيد هي ارتباط قواعد اإلثبات بطبيعة املوضوع الذي ترد عليه‪،‬‬

‫ال بنوع القضاء الذي يفصل فيها ‪.‬‬


‫‪398‬‬

‫‪396‬‬

‫‪397‬‬
‫‪.‬‬
‫‪1911 1‬‬ ‫‪398‬‬

‫‪P 312‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪.7‬كذلك يجب أن يكون الدليل الذي يعتمده القاض ي له أصل في ملف الدعوى‪،‬‬

‫وتناقش به الخصوم بشكل علني‪:‬‬

‫وهذا القيد أوردته املادة (‪ ،)١ / ١٢١‬من قانون أصول املحكمات الجزائية األردني‬

‫ونصت عليه ويعرف بمبدأ شفوية املحاكمة وتطبيقا لهذا القيد ال تعتمد املحكمة تقرير‬

‫الطبيب الشرعي الذي يبين سبب الوفاة إال إذا حضر الطبيب إلى املحكمة وتمت‬

‫مناقشته في فحوى التقرير من قبل املحكمة والخصوم‬

‫كما أنه قد نص على هذا املبدأ القانون العراقي‪ ،‬فقد نصت املادة (‪ )789‬من قانون‬

‫اصول املحاكمات الجزائية على أنه‪" :‬ال يجوز للمحكمة ان تستند في حكمها الى دليل‬

‫لم يطرح للمناقشة او لم يشر ليه في الجلسة والى ورقة قدمها احد الخصوم من دون‬

‫ان يتمكن باقي الخصوم من االطالع عليها وليس للقاض ي ان يحكم في الدعوى بناء على‬

‫علمه الشخص ي("‬

‫‪.9‬كذلك ال يجوز أن يبنى الحكم إال على أدلة كاملة توفرت فيها شروط األدلة‬

‫الكاملة التي تطلبها القانون‪:‬‬

‫ونجد أن هذا القيد يؤدي لنتيجة هامة هي استبعاد القرائن أو االستدالالت‬

‫وحدها‪ ،‬فال يجوز للقاض ي أن يبني حكمه على استدالالت فقط ‪ ،‬وهي ما يطلق عليها‬
‫‪399‬‬

‫في القانون األردني األدلة التي تؤخذ على سبيل االستئناس مثل الشهادة بدون يمين أو‬

‫‪399‬‬

‫‪P 313‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫استعراف الكلب البوليس ي لوحده فقط‪ ،‬أو أقوال متهم ضد متهم بدون وجود قرينة‬

‫أخرى تؤيدها ‪.‬‬


‫‪400‬‬

‫وفي القانون العراقي نجد نص املادة (‪/789‬أ) من قانون أصول املحاكمات الجزائية‬

‫العراقية هذه األدلة على الوجه التي‪" :‬تحكم املحكمة في الدعوى بناء على اقتناعها الذي‬

‫تكون لديها من األدلة املقدمة في أي دور من أدوار التحقيق أو املحاكمة وهي اإلقرار‬

‫وشهادة الشهود ومحاضر التحقيق واملحاضر والكشوف الرسمية األخرى وتقرير الخبراء‬

‫والفنيين والقرائن واألدلة األخرى املقرر قانونا"‪.‬‬

‫‪.4‬أن يأتلف االقتناع واملنطق ويسلم به العقل‪:‬‬

‫وهذا القيد املقصود به أن ما يعتمده القاض ي من أدلة يلزم أن تؤدي عقال للنتيجة‬

‫التي خلص إليها‪ ،‬فمثال ال يجوز االعتماد على شهادة شاهد ضعيف البصر ورأى املتهم‬

‫من مسافة بعيده ‪.‬‬


‫‪401‬‬

‫‪.2‬أن يكون االقتناع يقينيا‪:‬‬

‫وهذا معناه أن تكون قناعة القاض ي قاطعة وال يخالطها الشك وال يشوبها‬

‫االستفهام‪ ،‬وذلك ألن األحكام الجزائية تبنى على الجزم واليقين ال على الشك والتخمين‪،‬‬

‫كما أن الشك يفسر لصالح املتهم‪ ،‬والدليل إذا تطرق إليه االحتمال فسد به االستدالل‪،‬‬

‫وهذا االقتناع اليقيني يجب أن يكون في مرحلة املحاكمة‪ ،‬أما في مرحلة التحقيق فال‬

‫‪400‬‬
‫‪401‬‬

‫‪P 314‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫يشترط أن تصل قناعة املدعي العام إلى درجة اليقين بل أن تترجح لديه اإلدانة على‬

‫البراءة‪.‬‬

‫لكي تكون قناعة القاض ي سليمة في تقديرها لألدلة‪ ،‬يجب أن تكون النتيجة التي‬

‫توصل إليها تتفق مع العقل واملنطق‪ ،‬وتكون مطابقة للنموذج املنصوص عليه في‬

‫القانون وهو ما يطلق عليه بالحقيقة القضائية‪ ،‬والتي يشترط فيها أن تتفق مع الحقيقة‬

‫الواقعية‪ ،‬فحرية القاض ي الجنائي أن ال يبنى حكمه على مجرد الظن والتخمين بل يجب‬

‫التأكد‪ ،‬وبشكل جازم مبني على اليقين بأن املتهم املاثل أمامه هو من قام بارتكاب الفعل‬

‫املجرم‪ ،‬فالحقيقة ال يمكن توافرها إال باليقين ال مجرد الظن واالحتمال‪ ،‬باعتبار أن هذا‬

‫الشرط‪ -‬أن تبني األحكام على الجزم واليقين‪ -‬ما هو إال نتيجة مترتبة ومنطقية على قاعدة‬

‫األصل في اإلنسان البراءة‪ .‬فاألحكام الصادرة بالبراءة يجب أال تبقى إال على حجج قطيعة‬

‫الثبوت تفيد الجزم واليقين فإذا ما ثار في نفس القاض ي نوع من الشك وجب عليه أن‬

‫يفسره ملصلحة املتهم فالدليل اليقيني هو الذي يجسد حقيقة الواقعة أمام املحكمة‬

‫تأكيدا ال يداخلها في حقيقته شك‪ ،‬فتقتنع بحدوث الواقعة كما دل عليها الدليل ‪.‬‬
‫‪402‬‬

‫‪2000‬‬ ‫‪402‬‬
‫‪629‬‬

‫‪P 315‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪.7‬التسبيب‪:‬‬

‫وهذا القيد يعتبر أهم القيود التي ترد على حرية القاض ي في تكوين اقتناعه‬

‫والتسبيب هو بسط االعتبارات القانونية والواقعية التي أدت إلى تكوين عقيدة‬

‫املحكمة ‪.‬‬
‫‪403‬‬

‫وتبدو أهمية التسبيب في أنه ضمانة كبرى ملصلحة الخصوم‪ ،‬حيث أنه يدفع‬

‫املحكمة إلى تمحيص األدلة والبحث والتحقيق للوصول إلى الحقيقة وبالتالي إلى نتائج‬

‫منطقية من وقائع الدعوى ‪.‬‬


‫‪404‬‬

‫فيرد على مبدأ القناعة القضائية قيد آخر يتمثل في بيان القاض ي لألسباب التي‬

‫بني عليها حكمه أو قراره‪ ،‬فالقاض ي يكون ملزما بتسبيب أحكامه وقراراته ولكنه غير ملزم‬

‫بتسبيب اقتناعه ‪.‬‬


‫‪405‬‬

‫‪403‬‬
‫‪404‬‬
‫‪161‬‬ ‫‪5113‬‬
‫‪552‬‬ ‫‪405‬‬

‫"‪...‬‬
‫‪.1‬‬ ‫‪1916‬‬

‫‪P 316‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫وهذا ما استقر عليه قضاة املحكمة العليا ‪ ":‬أن قناعة القضاة مشروطة بضرورة‬

‫تسبيب قرارهم دون تناقض مع العناصر املوجودة بملف الدعوى واملناقشات التي دارت‬

‫حولها أمامهم" ‪.‬‬


‫‪406‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬استثناءات مبدأ االقتناع الذاتي للقاض ي الجنائي‪.‬‬

‫مبدأ االقتناع الذاتي للقاض ي الجنائي مبدأ ليس على إطالقه بل ترد عليه مجموعة‬

‫من القيوم‪ ،‬وهذه القيود هي‪:‬‬

‫‪.8‬القرائن القانونية‪:‬‬

‫وهذه القرائن نوعان‪ ،‬نوع منها قطعي ال يقبل إثبات العكس‪ ،‬ونوع آخر بسيط قابل‬

‫إلثبات العكس ‪ ،‬ويعتبر من قبيل القرينة القانونية القاطعة والتي ال تقبل إثبات‬
‫‪407‬‬

‫العكس هي أن سن التمييز سبع سنوات‪ ،‬بمعنى أن الطفل الذي لم يبلغ السابعة من‬

‫عمره يعد عديم التمييز وغير مسؤول جزائيا‪.‬‬

‫والقرينة القانونية التي تمثل قيدا على القناعة القضائية هي القرينة القانونية‬

‫القاطعة التي ال تقبل إثبات ما يخالفها‪ ،‬مثال ذلك حالة الصغير الذي لم يبلغ وقت‬

‫ارتكاب الجريمة سن املسؤولية الجزائية التي يحددها القانون وهي تمام السابعة من‬

‫‪.319‬‬ ‫‪5116‬‬ ‫‪406‬‬


‫‪407‬‬

‫‪P 317‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫العمر في القانون املصري وتمام التاسعة في القانون العراقي بحسب ما ورد في قانون‬

‫رعاية األحداث رقم ‪ 27‬لعام ‪8319‬م‪.‬‬

‫‪.7‬النص الصريح على االلتزام بأدلة محددة إلثبات الجريمة‪:‬‬

‫فاستثناء من هذا املبدأ فمن املمكن أن يحدد القانون أدلة محددة من أجل إثبات‬

‫جريمة معينة‪ ،‬بالتالي فيجب على القاض ي أن يلتزم بهذه األدلة كما أنه ال يجوز له أن‬

‫يتجاوزها ألدلة أخرى‪ ،‬كما ورد هذا القيد في املادة (‪ )٤/١٢٩‬من قانون أصول املحاكمات‬

‫الجزائية األردني ‪.‬‬


‫‪408‬‬

‫فيجب أن تكون قناعة القاض ي الجنائية مستخلصة من أدلة متساندة (مبدأ‬

‫تساند األدلة) أو مجتمعة‪ ،‬وعليه يجب أن تكون األدلة في اإلثبات الجنائي متساندة‬

‫ويعزز بعضها البعض ‪ ،‬وبينت محكمة التمييز العراقية هذا في أحد قراراتها حيث جاء‬

‫فيه‪" :‬الشهادات العيانية املنفردة املؤيدة بشهادات على السماع املعززة بالكشوف‬

‫والتقارير الطبية وبقرينة هروب املتهم رغم التحري عنه واإلعالن عن موعد محاكمته‬

‫تكفي إلثبات جريمة القتل" ‪.‬‬


‫‪409‬‬

‫‪408‬‬
‫‪16 2 1‬‬ ‫‪1916‬‬ ‫‪61‬‬ ‫‪409‬‬
‫‪.63‬‬ ‫‪1916‬‬

‫‪P 318‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪.9‬الحجية القانونية ملحاضر املخالفات واألحكام‪:‬‬

‫وهذه نصت عليها املادة ‪ 778‬من قانون أصول املحاكمات الجزائية العراقي‪ ،‬فنصت‬

‫على‪" :‬تعتبر املحاضر والتقارير والكتب الرسمية التي يحررها املوظفون واملستخدمون‬

‫املتخصصون في املخالفات حجة بالنسبة للوقائع املكونة للجريمة ونسبتها إلى فاعلها‬

‫ووصفها القانوني"‪.‬‬

‫بالتالي فال يستطيع القاض ي بعد اصدار الحكم التعديل في حكمه الصادر في هذه‬

‫األمور مهما توصلت قناعته القضائية في خطأ األمور التي اشتملت عليها املادة املذكورة‬

‫بل يتم اتباع طرق الطعن التي يحددها املشرع ملثل تلك األحكام‪.‬‬

‫كما أن من القيود الواردة على القناعة القضائية ما يتعلق بالشهادة وقد نصت‬

‫املادة ‪/789‬أ من قانون أصول املحاكمات الجزائية العراقي على نصاب الشهادة بقولها‪:‬‬

‫"ال تكفي الشهادة الواحدة مهما اطمأنت إليها قناعة املحكمة فال يجوز إصدار الحكم‬

‫بناء عليها‪.‬‬

‫املبحث الثالث‬

‫مبدأ االقتناع الذاتي وأدلة اإلثبات‬

‫في هذا املبحث نتناول ألدلة االثبات في الدعوى الجزائية ونعرض في هذا املبحث‬

‫ملبدأ االقتناع الذاتي ونتعرض ألدلة اإلثبات ونعرض ألدلة االثبات على النحو التالي‪:‬‬

‫املطلب األول‪ :‬االعتراف والشهادة والخبرة‬

‫‪P 311‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫أوال‪ :‬االعتراف‪:‬‬

‫االعتراف هو اإلقرار من قبل املتهم على نفسه بالتهمة التي أسندت إليه‪ ،‬لذلك فال‬

‫يعتبر هذا اعتراف ملا يسلم به املحامي عن موكله‪ ،‬كما أنه ال يعد اعتراف للمتهم على‬

‫شركائه كما أنه ليس سوى استدالل‪ ،‬كما أنه ال يجوز أن يحلف املتهم اليمين فاملبادئ‬

‫الراسخة في التشريع الجنائي أن املشتكى عليه ال يجوز أن يحلف اليمين بأي حال من‬

‫األحوال حتى ولو لم يكن يحاكم أمام املحكمة نفسها الختالف االختصاص الشخص ي‪،‬‬

‫وقد ورد هذا الحظر في بعض التشريعات منها قانون اإلجراءات واملحاكمات الجزائية‬

‫الكويتي رقم ‪ ١٩‬لسنة ‪ ، ١٧٩١‬وقانون اإلجراءات الجنائية السوداني ‪ ،‬مع أن أغلب‬


‫‪411‬‬ ‫‪410‬‬

‫التشريعات لم تنص عليه‪ ،‬وقد اجاز املشرع العراقي للمحكمة اذا تبين لها ان االعتراف‬

‫سليم مما يشوبه وان املتهم يقدر نتائج االعتراف أن تأخذ به وحده في االدانة من دون‬

‫الحاجة الى ادلة اخرى وفي جميع الجرائم ما عدا املعاقب عليها باإلعدام ‪.‬‬
‫‪412‬‬

‫واالعتراف بكامله يخضع لقناعة املحكمة‪ ،‬فيجب على املحكمة أن تستمع العتراف‬

‫املتهم وأن تقوم بتسجيله‪ ،‬وهذا االعتراف يخضع لقناعتها الوجدانية‬

‫‪410‬‬
‫‪411‬‬

‫‪111‬‬ ‫‪412‬‬

‫‪P 311‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫ويعتبر االعتراف دليال كامال وكافيا إلصدار الحكم متى اقتنعت به املحكمة‪ ،‬وليس‬

‫بالزم أن يؤيد بأدلة أخرى‪ ،‬وأن الباحث ال يتفق مع بعض الفقه الذي يرى أنه ال يجوز‬

‫أن يتم االكتفاء باالعتراف فقط‪ ،‬وذلك استنادا إلى الحجج التالية‪:‬‬

‫كما أن االجتهاد القضائي يتفق مع رأي الباحث وهذا ما استقر عليه اجتهاد محكمة‬

‫التمييز املوقرة (‪-١‬ملحكمة املوضوع االكتفاء باعتراف املتهم بالتهمة املسندة إليه‪ ،‬عمال‬

‫بأحكام املادة (‪ )7/787‬من قانون أصول املحاكمات الجزائية‪ ،‬وال يرد االحتجاج بعدم‬

‫دعوة الشهود‪ ،‬ألن االعتراف بينة قانونية وقد قنعت بها املحكمة) ‪.‬‬
‫‪413‬‬

‫وهذا ما أكدته محكمة النقض املصرية‪ ،‬أيضا‪( :‬من الجائز أن يكون االعتراف‬

‫وحده دليال تأخذ به املحكمة ولو مع بطالن القبض والتفتيش) ‪.‬‬


‫‪414‬‬

‫أن رفض االعتراف يعني إطالة أمد النزاع في قضايا قد تكون واضحة وال لبس فيها‪،‬‬

‫مما يعد إرهاقا للمحاكم بسماع بينات النيابة وبينات الدفاع والذي يأخذ وقتا طويال‪.‬‬

‫أن رفض األخذ باالعتراف يضر املتهم نفسه وال يصب في مصلحته دائما‪ ،‬حيث إن‬

‫رفض األخذ باالعتراف واالكتفاء به يضر باملتهم في الحاالت التالية‪:‬‬

‫يحرم املتهم من االستفادة من االعتراف كسبب رئيس ي من األسباب املخففة‬

‫التقديرية للعقوبة والتي ترجع لتقدير القاض ي‪.‬‬

‫‪1‬‬ ‫‪413‬‬

‫‪414‬‬

‫‪P 311‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫إن رفض األخذ باالعتراف قد يحرم املرأة من العذر املخفف القانوني الوارد في‬

‫املادة (‪ )7/82‬عقوبات أردني ‪ ،‬والذي يستبدل عقوبة اإلعدام للمرأة الحامل باألشغال‬
‫‪415‬‬

‫الشاقة املؤبدة‪ ،‬حيث إن إطالة أمد القضية سوف يؤدي إلى والدة املرأة قبل صدور‬

‫الحكم ويحرمها من هذا العذر القانوني‪.‬‬

‫إن رفض األخذ باالعتراف سوف يؤخر استفادة املتهم من نظام إعادة االعتبار سواء‬

‫في الجنايات أو الجنح‪ ،‬ذلك أن مدة التجربة أو االختبار التي يتطلبها القانون ال تبدأ إال‬

‫من لحظة انتهاء تنفيذ العقوبة أو سقوطها‪ ،‬وال شك أن مدة املحاكمة سوف تضاف إلى‬

‫فترة العقوبة‪.‬‬

‫إن رفض االكتفاء باالعتراف قد يفوت على املتهم االستفادة من العفو الخاص‪،‬‬

‫حيث إن العفو الخاص ال يطال إال من صدر بحقه حكم مكتسب الدرجة القطعية‪.‬‬

‫إال أن الباحث يرى أنه وان كان هذا هو القاعدة العامة إال أنه يمكن أن يقرر‬

‫استثناء خاص بالنسبة للجرائم املعاقب عليها باإلعدام‪ ،‬فيرى الباحث أنه يجب أال يأخذ‬

‫باالعتراف فقط بل يجب سماع األدلة وذلك لخطورة هذه العقوبة وجسامتها‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬الشهادة‪:‬‬

‫الشهادة تعتبر أحد أهم وسائل اإلثبات املباشرة‪ ،‬حيث أنها عيون العدالة وأذانها‪،‬‬

‫بل إنها هي الوسيلة الطبيعة الخاصة بإثبات الدعوى الجزائية‪ ،‬والشهادة هي‪ :‬رواية‬

‫‪415‬‬

‫‪P 312‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫شخص عما أدركه بإحدى حواسه املختلفة عن واقعة معينة‪ ،‬ومما يالحظ أن قانون‬

‫العقوبات األردني وقانون أصول املحاكمات الجزائية العراقي أنهما لم يقوما بوضع قيود‬

‫على الشهادة من حيث سوابق الشاهد أو من حيث سلوكه‪ ،‬وترك األمر له على إطالقه‬

‫وهذا بال شك على العكس من موقف املشرع املصري‪ ،‬فقانون العقوبات املصري في‬

‫املادة (‪ )72‬يحرم كل من حكم بعقوبة جنائية خالل مدة العقوبة من أداء الشهادة فقط‬

‫إال على سبيل االستدالل‪ ،‬وهو ما نص عليه ايضا قانون العقوبات الفرنس ي في املادة‬

‫(‪. )٢ / ٢٢‬‬
‫‪416‬‬

‫ولكن هل يشترط عدد معين في الشهادة؟‬

‫لم يتطلب قانون أصول املحاكمات الجزائية العراقي عدد معين في الشهادة ‪،‬‬
‫‪417‬‬

‫فالشهادة الفردية تكون مقبولة أمام املحكمة ومن املمكن الحكم على أساسها في حال‬

‫إذا ما اقتنعت بها املحكمة‪ ،‬وهذا هو ما قد استقر عليه اجتهاد محكمة التمييز املصرية‬

‫وذلك في العديد من أحكامها‪ ،‬وملحكمة املوضوع أن تؤسس قناعتها على أي بينة قانونية‬

‫تقدم في الدعوى‪ ،‬سواء كانت شهادة فردية أو غيرها‪ ،‬مع مالحظة أن بعض قوانين‬

‫األصول الجزائية تتطلب أكثر من شاهد إلثبات الدعوى الجزائية‪ ،‬كما هو الحال في‬

‫قانون أصول املحاكمات العراقي املادة ‪ / ٤١٢‬ب‪ ،‬والقوانين األملانية والبرتغال والنمسا‬

‫وهولندا ‪.‬‬
‫‪418‬‬

‫‪416‬‬
‫‪665‬‬ ‫‪417‬‬
‫‪418‬‬

‫‪P 313‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫ثالثا‪ :‬الخبرة‪ :‬حيث تعرف الخبرة على أنها إبداء رأي فني من شخص مختص فنيا‪،‬‬

‫في شأن واقعة ذات أهمية في الدعوى الجزائية‪ ،‬والخبرة تخضع باعتبارها نوع من‬

‫البينات في تقدير قيمتها واالستناد إليها في الحكم لصالحية محكمة املوضوع‪ ،‬وذلك‬

‫يستلزم ألن تكون الخبرة متفقة مع القانون‪ ،‬وبناء على ذلك فيكون ملحكمه التمييز أن‬

‫تنقضها في حال مخالفتها للقانون‪ ،‬وال بد أن تكون الخبرة الجديدة مساوية للخبرة‬

‫السابقة أو أقوى منها‪ ،‬بالتالي فإذا تكونت الخبرة األولى من خبير واحد فالخبرة الثانية ال‬

‫بد وأن تكون ثالثية‪ ،‬وإذا كانت األولى ثالثية فالثانية تكون خماسية وهكذا‪ ،‬وبالتالي ال‬

‫يجوز أن تطرح املحكمة الخبرة لتناقضها مع اعتراف املتهم أو أقوال الشهود ‪.‬‬
‫‪419‬‬

‫وقد نص القانون العراقي في املادة (‪ )73‬منه على موضوع الخبير بقولها‪( :‬يجوز‬

‫للقاض ي او املحقق من تلقاء نفسه او بناء على طلب الخصوم ان يندب خبيرا……)‪ ،‬أن‬

‫طلب تعيين خبير هو طريق من طرق الدفاع املباحة للخصوم ‪ ،‬والتي ال يجوز حرمانهم‬

‫من االنتفاع به‪ ،‬كما أنه‪( :‬من الطلبات الهامة لتعلقه بتحقيق الدعوى وإلظهار وجه‬

‫الحق فيها‪ ،‬فاذا لم تر املحكمة اجابته لعدم حاجة الدعوى اليه وجب الرد عليه في‬

‫الحكم بما يبرر رفضه‪ ،‬فإذا هي لم تفعل كان حكمها معيبا لقصوره في البيان) ‪.‬‬
‫‪420‬‬

‫‪419‬‬
‫‪5‬‬ ‫‪51‬‬ ‫‪566‬‬ ‫‪1921‬‬ ‫‪59‬‬ ‫‪420‬‬

‫‪.339‬‬

‫‪P 314‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫املطلب الثاني‪ :‬القرائن والدليل الكتابي‬

‫أوال‪ :‬القرائن‪:‬‬

‫والقرائن عبارة عن الصلة الضرورية التي ينشئها القانون بين مجموعة من الوقائع‬

‫املعينة‪ ،‬أو هي عبارة عن النتيجة التي يتحتم على القاض ي أن يستخلصها من واقعة‬

‫معينة وهي عبارة عن استنباط واقعة مجهولة من واقعة معلومة‪ ،421‬كما أن هذا‬

‫التعريف يجمع بين القرائن القانونية وكذا القضائية كما أنها تكون قانونية إذا ما نص‬

‫عليها القانون‪ ،‬وأما تلك القضائية فهي تلك التي يستنبطها القاض ي من خالل ظروف‬

‫الدعوى‪ ،‬كما أن القرينة القانونية من املمكن أن تكون قاطعة وهي ال تقبل إثبات‬

‫العكس‪ ،‬كسن التمييز سبع سنوات‪ ،‬فهذه قرينة قانونية قاطعة على انعدام التمييز ملن‬

‫هو دون السابعة إال أن هناك قرائن قانونية تقبل إثبات العكس‪ ،‬كما هو الحال في أن‬

‫من يحلف اليمين يجب أن يبلغ خمسة عشر عاما‪ ،‬فيجوز للمحكمة تحليف من لم يبلغ‬

‫خمسة عشر عاما إذا رأت أنه يدرك كنه اليمين‪ ،422‬وهذا النوع من القرائن يجري عليه‬

‫مبدأ االقتناع الذاتي مع أنها قرائن قانونية‪.‬‬

‫وأما ما يخص القرائن القضائية فنجد أنها ال تصلح ألن تكون أدلة كاملة‪ ،‬وهي من‬

‫املمكن أن يتم إثبات عكسها واعتمادها باعتبارها دليل كامل مرهون بقيدين ‪.‬‬
‫‪423‬‬

‫‪421‬‬
‫‪422‬‬
‫‪423‬‬

‫‪P 315‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫أن يكون استخالص الواقعة املجهولة من الواقعة املعلومة منطقي‪.‬‬

‫أن يكون االستنتاج على سبيل الجزم واليقين وليس على الشك والتخمين‪.‬‬

‫وقد نص قانون اصول املحاكمات الجزائية في املاجة (‪/789‬أ) على أن تحكم‬

‫املحكمة في الدعوى بناء على اقتناعها الذي تكون لديها من األدلة املقدمة في أي دور‬

‫من أدوار التحقيق أو املحاكمة ومنها‪-2 :‬والقرائن واألدلة األخرى املقررة قانونا‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬الدليل الكتابي‪:‬‬

‫وهذا الدليل هو عبارة عن ورقة تحمل بيانات في شأن واقعة لها أهمية في إثبات‬

‫ارتكاب وقوع الجريمة ونسبتها للمتهم كما أن الدليل الكتابي من املمكن أن يكون جسم‬

‫الجريمة مثل ورقة النقد املزيف‪ ،‬وقد يكون مجرد دليل على الجريمة مثل االعتراف‬

‫الخطي وقد يجمع بين الصفتين معا مثل ورقة الشيك الذي ال يقابله رصيد‪ ،‬والقاعدة‬

‫العامة في إثبات الدعوى الجزائية أن جميع األدلة سواء أكانت كتابية أم غيرها تخضع‬

‫لتقدير القاض ي الجزائي‪ ،‬ودون فرق بين املحررات العرفية والرسمية‪ ،‬فال يتقيد القاض ي‬

‫الجزائي بما جاء في قانون البينات من أن املحررات الرسمية املنظمة حجة على الناس‬

‫كافة بما دون فيها من أفعال مادية قام بها املوظف العام في حدود اختصاصه‪ ،‬أو وقعت‬

‫من ذوي الشأن في حضوره‪ ،‬وذلك ما لم يتبين تزويرها بالطرق املقررة قانونا ‪ ،424‬ولم‬

‫ينص قانون اصول املحاكمات الجزائية العراقي عليه إال أنه موجود في قانون االثبات‬

‫‪424‬‬

‫‪P 316‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫والقانون املدني وأحكام التمييز‪ ،‬في املادة ‪ 438‬من القانون املدني واملادة (‪ )81‬من قانون‬

‫االثبات العراقي التي نصت على أنه‪( :‬يجوز ان يثبت بجميع طرق االثبات ما كان اثباته‬

‫بالكتابة في حالتين اوال‪ :‬اذا فقد السند الكتابي بسبب ال دخل إلرادة صاحبه فيه‪ .‬ثانيا‪:‬‬

‫اذا وجد مانع ادبي او مادي حال دون الحصول على دليل كتابي) ‪.425‬‬

‫فال يجوز اثبات ما يخالف الدليل الكتابي اال بمثله ولو كان بين الطرفين مانع‬

‫ادبي‪ ،‬مطالبة املدعي للمدعي عليه بثمن املصوغات الذهبية البالغة (‪ )100‬دينار ينبغي‬

‫اثباته بالبينة التحريرية استنادا ألحكام قانون االثبات؛ اذا رافقت انشاء الدليل الكتابي‬

‫غش أو تدليس فيجوز للخصم أن يثبت خالف هذا الدليل بكافة طرق االثبات بما فيها‬

‫الشهادة والقرائن"‪.426‬‬

‫‪5‬‬ ‫‪425‬‬

‫‪.121‬‬ ‫‪1936‬‬

‫‪2‬‬ ‫‪1911 15 3‬‬ ‫‪1911 11‬‬ ‫‪261‬‬ ‫‪426‬‬

‫‪1915 5 193‬‬ ‫‪11‬‬ ‫‪1911‬‬

‫‪.15‬‬ ‫‪1911‬‬

‫‪P 317‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫خاتمة‪:‬‬

‫من خالل البحث في حرية القاض ي باالقتناع والسلطة التقديرية للقاض ي الجنائي‬

‫في تمحيص األدلة تبين أن املشرع العربي قد عالج موضوع األخذ باألدلة في عملية عقلية‬

‫منطقية تتلمس الحقيقة وتسعى إلى تحقيق العدالة بعيدا عن استبداد القضاة‬

‫وتحكمهم املطلق‪ ،‬وبعيدا عن منحهم الحرية املطلقة في األخذ باألدلة التي تقع تحت‬

‫أيديهم دون رقابة أو إشراف‪ ،‬ونخلص إلى أن الحقيقة القضائية ال تدرك بشكل مباشر‪،‬‬

‫بل يتم التوصل إليها من خالل تدقيق وتمحيص أدلة اإلثبات‪ ،‬فهي ليست ش يء مطلق‬

‫ولكنها نشاط ذهني موضوعي‪ ،‬ولذلك فالحقيقة التي يعلنها الحكم الجنائي ال يلزم دوما‬

‫أن تكون هي ذاتها الحقيقة املطلقة فهي نسبية‪ ،‬كما أن عملية تكوين القناعة تستلزم‬

‫االستدالل الدقيق والحذر لوقائع الدعوى وظروفها املحيطة من قبل القاض ي الجنائي‬

‫الذي يجب أن يكون على قدر عال من اإلدراك والدقة والتروي والذكاء واملنطق السليم‬

‫واملنهجية املنتظمة فالقناعة القضائية هي املرتكز التي تقوم عليه سلطته التقديرية في‬

‫مجال تقدير األدلة‪ ،‬فهي عنوان الحقيقة ومحل ثقة الخصوم والكافة طاملا أحيطت‬

‫بالضمانات الكافية‪ ،‬ويمكن أن نعرض ألهم النتائج والتوصيات على النحو التالي‪:‬‬

‫أوال‪ :‬النتائج‪:‬‬

‫‪.8‬ال يجوز للقاض ي أن يحكم بناء على معلوماته الشخصية أو بناء على ما رآه أو‬

‫سمعه بنفسه‪.‬‬

‫‪P 318‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪.7‬ال يسوغ تقدير الدليل دون مناقشته وتمحيصه ومواجهة الخصوم به‪.‬‬

‫‪.9‬ال يجوز أن يؤسس اقتناع قاض ي املوضوع على استنتاج سيئ ينطوي على‬

‫مخالفة املنطق والعقل‪.‬‬

‫‪.4‬ال يجوز االعتماد على األدلة التي ثارت حولها الشك في إصدار األحكام وال على‬

‫العلم الشخص ي للقضاة‪.‬‬

‫‪.2‬للقاض ي أن يأخذ بالدليل الذي يرتاح إليه ضميره ووجدانه وأن يطرح جانبا‬

‫الدليل الذي ال يرتاح إليه‪ ،‬كما أن للقاض ي أن يستعين باألمور العلمية والفنية في مجال‬

‫كشف الحقيقة‪.‬‬

‫‪.7‬ال بد من تحديد مفهوم سلطة القاض ي الجنائي في تقدير األدلة بطريقة عقلية‬

‫ومنطقية للوصول إلى الحقيقة‪ ،‬وإتاحة الفرصة للقضاة بممارسة سلطتهم التقديرية‬

‫وفقا ملبادئ العدالة والنزاهة والحياد‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬التوصيات‪:‬‬

‫‪.8‬إلزام القضاة بتعليل األحكام الصادرة منهم وبيان األسباب التي أدت لذلك‪.‬‬

‫‪.7‬يلزم ابراز القدرة الفائقة للمبادئ الت يرسيها قضاة املحكمة خاصة محكمة‬

‫النقض في إرساء تراث من االحكام العادلة املبنية على العقل واليقين‪.‬‬

‫‪.9‬منح القضاة سلطة واسعة في وزن األدلة والتنسيق فيما بينها‪ ،‬واستخالص‬

‫النتائج التي تم اعتمادها في إصدار الحكم‪.‬‬

‫‪P 311‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪.4‬حتى يكون اقتناع القاض ي يقينيا عليه أن يستمد اقتناعه من أدلة لها أصل في‬

‫األوراق‪ ،‬وأن تطرح في جلسات الحكم وأن تتم مناقشتها من قبل الخصوم‪.‬‬

‫‪.2‬يلزم تشجيع القضاة على تأسيس أحكامهم على الجزم واليقين والعقل والدقة‬

‫وليس على الشك أو االحتمال‪.‬‬

‫‪P 321‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫املراجع واملصادر‪:‬‬

‫أحمد الخملبش ي‪ ،‬شرح قانون املسطرة الجنائية‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬الرباط‪ ،‬مطبعة‬

‫املعارف الجديدة‪7008 ،‬م‪ ،‬الطبعة الخامسة‬

‫أحمد فتحي سرور‪ ،‬الوسيط‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬الطبعة األولى‬

‫حسام أحمد العطار‪ ،‬تسبيب األحكام القضائية دراسة في قانون املرافعات املصري‬

‫والفرنس ي‪ ،‬العدد الثاني‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬السنة الثامنة والخمسون‪ ،‬يوليو ‪7087‬م‬

‫عبد العزيز سهيل املحامي‪ ،‬احكام القضاء العراقي على مواد القانون املدني‪ ،‬ج‪،7‬‬

‫مطبعة التضامن للطباعة والنشر‪ ،‬بغداد‪8379 ،‬م‬

‫كامل السعيد‪ ،‬شرح قانون أصول املحاكمات الجزائية‪ ،‬مكتبة دار الثقافة عمان‪،‬‬

‫ط ‪٤١١١ ،٢‬م‬

‫عوض محمد عوض‪ ،‬املبادئ العامة في قانون اإلجراءات الجنائية‪ ،‬اإلسكندرية‪،‬‬

‫منشأة املعارف‬

‫فاضل زيدان محمد‪ ،‬سلطة القاض ي الجنائي في تقدير األدلة مكتبة دار الثقافة‬

‫عمان ط ‪٤١١١ ، ٢‬م‬

‫حسن الجوخدار‪ ،‬شرح قانون أصول املحاكمات الجزائية األردنية مكتبة دار‬

‫الثقافة عمان ط‪8‬‬

‫‪P 321‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫كمال عبد الواحد الجوهري‪ ،‬تأسيس االقتناع القضائي واملحاكمة الجنائية‬

‫العادلة‪ ،‬دار محمود للنشر والتوزيع‪7088 ،‬م‬

‫خالد حمد‪ ،‬القناعة القضائية في مجال تقدير األدلة الجنائية‪ ،‬مجلة البحثية‬

‫للعلوم اإلنسانية واالجتماعية‪ ،‬مؤسسة خالد الحسن‪ ،‬مركز الدراسات واألبحاث‪،‬‬

‫عدد‪7082 ،9‬‬

‫نبيل حميد البياتي‪ ،‬تسبيب األحكام الجزائية في القانون العراقي ‪ ،‬رسالة ماجستير ‪،‬‬

‫مقدمة إلى جامعة بغداد‪ ،‬كلية القانون ‪8319،‬م‬

‫مأمون محمد سالمة‪ ،‬قانون اإلجراءات الجنائية معلقا عليه بالفقه وأحكام‬

‫النقض‪ ،‬دار الفكر العربي‪ ،8317 ،‬الطبعة األولى‪.‬‬

‫مروك نصر الدين‪ ،‬محاضرات في اإلثبات الجنائي‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬دار هومة‪7009 ،‬م‬

‫محمد سعيد نمور‪ ،‬أصول اإلجراءات الجزائية دار الثقافة عمان‪7002 ،‬‬

‫محمد الحلبي‪ ،‬شرح قانون اإلجراءات الجزائية‪ ،‬القدس‪ ،‬دار الفكر‪7087 ،‬‬

‫محمد علي السالم عياد الحلبي‪ ،‬حرية القاضية الجنائية في االقتناع الذاتي في‬

‫قوانين مصر واألردن والكويت‪ ،‬مجلة الحقوق‪ ،‬جامعة الكويت‪ ،‬مجلس النشر‬

‫العلمي‪ ،‬مجلد‪ ،98‬عدد‪7082 ،9‬م‬

‫محمد عيد الغريب‪ ،‬حرية القاض ي الجنائي في االقتناع اليقيني وأثره في تسبب‬

‫األحكام الجنائية‪ ،‬دون طبعة‪ ،‬الناشر دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪7001 ،‬م‬

‫‪P 322‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫محمد علي الكيك‪ ،‬أصول تسبيب األحكام الجنائية مطبعة اإلشعاع ط ‪١٧١١ ،١‬م‬

‫محمود نجيب حسني‪ ،‬شرح قانون اإلجراءات الجنائية‪ ،‬ط‪ .‬دار النهضة العربية‪،‬‬

‫ط‪8311 ،8.‬م‬

‫محمود مصطفى‪ ،‬شرح قانون اإلجراءات الجنائية‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة ط‬

‫‪١٧١١ ١٤‬م‬

‫القوانين‪:‬‬

‫قانون أصول املحاكمات الجزائية األردني رقم ‪ 3‬لعام ‪8378‬م‪.‬‬

‫قانون اإلجراءات الجنائية املصري رقم ‪ 820‬لعام ‪8320‬م‪.‬‬

‫قانون اإلجراءات واملحاكمات الجزائية الكويتي لرقم ‪ 82‬لعام ‪8370‬م‪.‬‬

‫قانون اإلجراءات الجنائية السوداني لعام ‪8338‬م‪.‬‬

‫قانون اصول املحاكمات الجزائية العراقي رقم ‪ 79‬لعام ‪8328‬م‪.‬‬

‫قانون العقوبات األردني رقم ‪ 87‬لعام ‪8370‬م‪.‬‬

‫أحكام املحاكم‪:‬‬

‫نقص مصري‪ 80 ،‬نوفمبر ‪8318‬م‪ ،‬مجلة أحكام النقض‪ ،‬سنة ‪ ،97‬رقم ‪ ،842‬ص‪129‬‬

‫‪P 323‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫القرار رقم ‪/98‬هيأة عامة ثانية ‪ 8329/‬في ‪ ، 29- 4-2‬النشرة القضائية ‪ ،‬يصدرها‬

‫املكتب الفني في محكمة التمييز العراقية ‪ ،‬السنة الرابعة ‪ ،‬العدد الثاني ‪، 8329،‬‬

‫ص‪.97‬‬

‫تمييز جزاء رقم ‪ ٩٤ / ١٧٧٤‬فصل بتاريخ ‪( ٤١ / ١٢ / ١٧٧٤‬هيئة عادية)‪ .‬منشور‬

‫على الصفحة (‪ ) ٤١٢٤‬من العدد (‪ ) 8‬من مجلة نقابة املحامين لسنة (‪.) ١٧٧٢‬‬

‫طعن رقم ‪ ١١١٩‬لسنة ‪ ٢٢‬ق جلسة ‪١٧٩٢ / ١٤ / ١٩‬م‬

‫قرار محكمة النقص املصرية في ‪ 73‬مايو سنة ‪ 8328‬رقم ‪ ، 799‬ص‪ ،78‬مجموعة‬

‫القواعد القانونية‪ ،‬ج‪7‬‬

‫تمييز عراقي رقم ‪/290‬م متفرقة‪ 8311/12/‬في ‪ 8312/87/7‬مجموعة االحكام العدلية‬

‫العراقية‪ ،‬العدد (‪ )4‬لسنة ‪ ،8312‬ص‪18‬؛ قرار رقم ‪/837‬م‪ ،8327/7‬االستاذ ابراهيم‬

‫املشاهدي‪ ،‬املبادئ القانونية في قضاء محكمة التمييز‪8311 ،‬م‬

‫‪P 324‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪The effect of the self-sufficiency of the legal profession on the lawyer’s‬‬


‫‪intervention in real estate cases‬‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫عرف مبدأ وجوب تنصيب محام أمام القضاء تطورا ملحوظا على مستوى التشريع‬

‫املغربي‪ ،‬ابتداء من مقتضيات ظهير ‪ 81‬نونبر ‪ 8387‬باعتباره أول قانون مغربي أحدث بصفة‬

‫مبدئية حق املحامي في احتكار مهام النيابة أمام املحاكم‪ 427‬وانتهاء بالقانون القانون رقم‬

‫‪ 42871.01‬الساري املفعول خالل كتابة هذه األسطر‪.‬‬

‫واذا كان املشرع املغربي قد عامل قضايا التحفيظ معاملة خاصة منذ البدايات األولى‬

‫للقانون املنظم للمهنة‪ ،‬فإن تحديد ماهية قضايا التحفيظ ضمن القضايا العقارية‪ ،‬أي‬

‫تحديد القضايا التي تدخل في األحكام الخاصة به كانت بدورها محل تساؤل من طرف‬

‫‪ 427‬محمد بفقير ‪ /‬مدى خضوع قضايا التحفيظ العقاري لمبدأ وجوب تنصيب محام أمام القضاء‪ /‬مؤلف دراسات قضائية‬
‫الجزء الثالث ‪ /‬ط ‪ 2003‬مطبعة النجاح الجديدة ص ‪ 45‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ - 428‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 5050‬بتاريخ ‪ 2‬ذو القعدة ‪ 0( 1422‬نوفمبر ‪ ،)2005‬ص ‪.4044‬‬

‫‪P 325‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫الباحثين‪ ،‬ملا لتحديد املقصود من عبارة التحفيظ العقاري من أثر على شمول أو قصر‬

‫الخصوصية على نوع أو أنواع معينة من القضايا العقارية‪.‬‬

‫نحاول في هذا البحث مقاربة املوضوع من زاويتين اثنتين‪ ،‬نرى في األولى تطور‬

‫التشريع املنظم لهذه النقطة بخصوص املوقف من مبدأ اإللزامية‪ ،‬ونرى في النقطة الثانية‬

‫تعامل القضاء مع التطور التشريعي وبيان املوقف منه على مستوى قضاء املوضوع وأيضا‬

‫على مستوى قضاء القانون‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬تطور موقف املشرع من إلزامية تنصيب املحامي في قضايا التحفيظ‬

‫العقاري‪.‬‬

‫نحاول في هذه النقطة مالمسة جانب من هذا اإلطار التشريعي من خالل التساؤل‬

‫عن مدى كفاية القانون املنظم للمهنة دون حاجة إلى فتح نوافذ قانونية أخرى يمكن من‬

‫خاللها استجالء موقف املشرع بشكل شمولي‪ ،‬أم أن اتجاه املشرع نحو حذف االستثناء‬

‫الصريح من متن القانون املنظم للمهنة يستتبع القول بأن املشرع لم يفرد أية خصوصية‬

‫لقضايا التحفيظ العقاري ومن ثمة ال مجال للحديث عن استثنائها من عموم ما أطر به‬

‫باقي القضايا؟ ثم ماذا نقصد بقضايا التحفيظ العقاري التي أثير بشأنها الكثير من النقاش‬

‫قبل أن يحسم املشرع في تحديدها؟ وهل يمكن أن يكون هذا التحديد سببا للتعامل مع‬

‫كل القضايا التي تندرج ضمن التحديد القانوني لقضايا التحفيظ بنفس املنهج اإلجرائي‪،‬‬

‫وبالتالي سيسري على الواحدة منها ما يسري على جميع قضايا التحفيظ من دخولها في‬

‫دائرة االحتكارية أو خروجها من هذه الدائرة على حد سواء؟‬

‫‪P 326‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫أوال‪ :‬تطور موقف قانون مهنة املحاماة من إلزامية تنصيب محامي في قضايا التحفيظ‬

‫العقاري‪ ،‬وسؤال الكفاية الذاتية‪.‬‬

‫استثنت املادة ‪ 77‬من ظهير ‪ 8374/08/80‬صراحة قضايا التحفيظ العقاري من‬

‫القضايا الخاضعة ملبدأ تنصيب محام أمام املحاكم االبتدائية وكذا أمام محاكم‬

‫االستئناف‪ ،‬وقد ورد فيها أن العرائض واملذكرات الدفاعية وبوجه عام جميع املستنتجات‬

‫الختامية في مختلف القضايا ماعدا القضايا الجنائية وقضايا التحفيظ العقاري املرفوعة‬

‫لدى املحاكم االبتدائية وأمام محاكم االستئناف‪ ،‬فيقدمها وجوبا املحامي املقبول وحده‬

‫إلجراء املسطرة الكتابية‪ ،‬هذا ما لم يرخص بصفة خاصة للخصم من طرف رئيس املحكمة‬

‫أو نائبه في إجراء املسطرة بنفسه إذا كان متوفرا على الكفاءة الالزمة أو بواسطة أحد‬

‫األشخاص املنصوص عليهم في الفقرة السابقة املتوفرة فيهم شروط الكفاءة‪ .‬واستمر هذا‬

‫الوضع مع تعديل ‪ 8371/87/83‬والى غاية تعديل ‪ 02‬يونيو ‪ 8323‬وذلك عندما نص املشرع‬

‫في املادة ‪ 94‬منه على أنه تقدم وجوبا بواسطة محام املقاالت واملذكرات الدفاعية بوجه‬

‫عام كل املستنتجات في جميع القضايا باستثناء القضايا الجنائية كلما كانت املسطرة‬

‫كتابية بمقتض ى القانون عدا إذا رخص للطرف بصفة خاصة بتتبع املسطرة بنفسه عند‬

‫توفره على الكفاءة الالزمة أو بواسطة أحد األشخاص املنصوص عليهم في الفصل ‪ 99‬من‬

‫قانون املسطرة املدنية املتوفرة فيه نفس الكفاءة‪ .‬حيث أبقت على استثناء وحيد بخصوص‬

‫نوع القضايا الخارجة عن دائرة احتكارية املحامي‪ ،‬إضافة إلى تأطير هذه الدائرة بالطبيعة‬

‫الكتابية للمسطرة‪ ،‬بمعنى أنها استثنت قضايا التحفيظ من هذا االستثناء‪ ،‬وبقيت‬

‫‪P 327‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫التعديالت الالحقة وفية لهذا التوجه بشأن عدم شمول قضايا التحفيظ باالستثناء من‬

‫احتكارية املحامي‪ ،‬وهجرت كما سبق الحديث ع ذلك ربط االحتكارية بطبيعة املسطرة‬

‫لتتمدد دائرة االحتكارية وتشمل قضايا أخرى‪.‬‬

‫فهل يعني ذلك أن املشرع كرس شمول قضايا التحفيظ العقاري بمبدأ إلزامية‬

‫تنصيب محامي أم أن التفاصيل التي تتضمنها مواد القانون املنظم للمهنة تجعل الفهم‬

‫يذهب إلى أن املشرع لم يغير موقفه بشان استثناء قضايا التحفيظ من دائرة اإللزام‬

‫بتنصيب محام ولو مع هجر االستثناء لفظيا؟‬

‫نشير في البداية إلى أن تحرير املسألة يقتض ي البحث في مدى قابلية االنفتاح على‬

‫نوافذ قانونية أخرى لتأطير مبدأ اإللزامية أم يتعين الوقوف عند النص املنظم ملهنة‬

‫املحاماة دون تجاوزه إلى أي نص قانوني آخر‪ ،‬ومن ثمة االنصياع لحكم القانون في هذا‬

‫الشأن‪.‬‬

‫ال شك أن مقارنة بين النصوص القانونية ستوضح أن اإلطار القانوني املنظم ملهنة‬

‫املحاماة يسمح في العديد من املناسبات باإلحالة على نصوص قانونية أخرى قد تكون‬

‫مكملة ملقتض ى القاعدة القانونية‪ ،‬ومن ذلك مثال ‪ :‬ما نصت عليه املادة ‪ 97‬من قانون‬

‫مهنة املحاماة بخصوص استثناء بعض القضايا من مبدأ اإللزام وال سيما القضايا التي‬

‫تختص املحاكم االبتدائية بالنظر فيها ابتدائيا وانتهائيا‪ ،‬فاملشرع في هذه املادة وضع نوعا‬

‫من أنواع القضايا دون بيان ملاهيتها حيث ترك نافذة أخرى من نوافذ القانون‪ ،‬وقد تكون‬

‫نوافذ أخرى رديفة لقانون املسطرة املدنية هي من تحدد ماهية هذه القضايا‪ .‬ومن ذلك‬

‫‪P 328‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫ما كان يتبناه املشرع من ربط بين إلزامية تنصيب املحامي واملسطرة الكتابية إلى غاية‬

‫تعديل ‪ 8339/03/80‬حيث نص في القانون رقم ‪ 2( 83/23‬يونيو ‪ )8323‬على وجوب تقديم‬

‫املقاالت وغيرها من املكتوبات بواسطة محام‪ ،‬كلما كانت املسطرة كتابية وفي جميع القضايا‬

‫باستثناء القضايا الجنائية‪ ،‬ومعلوم أن تحديد طبيعة املسطرة يخرح عن اختصاص هذا‬

‫النص‪ ،‬أضف إلى ذلك أن املادة الثانية في فقرتها األخيرة اعتبرت أن هذا النص هو بمثابة‬

‫الحد األدنى من الحقوق‪ ،‬حين نصت على أنه مهنة املحاماة '' تمارس طبقا ملقتضيات هذا‬

‫القانون‪ ،‬مع مراعاة الحقوق املكتسبة‪ ''.‬ومن ثمة فإنه ال يسلم القول بأن قانون مهنة‬

‫املحاماة يحوز الكفاية الذاتية‪ ،429‬بل ال بد من تكملته بقوانين إجرائية وأحيانا موضوعية‬

‫تحيل عليها نصوصه بشكل صريح أو أن تطبيق النص في حد ذاته متوقف على االستعانة‬

‫بها‪.‬‬

‫ومن ناحية أخرى نرى أن فرض إلزامية املحامي أو اإلعفاء منها يجد سنده أيضا‬

‫في نصوص أخرى غير النص املتعلق بتنظيم املهنة‪ ،‬بمعنى أنه يتصور أن يشارك النص‬

‫املنظم ملهنة املحاماة نصوص أخرى تفرض أو تعفي من تنصيب املحامي‪ ،‬وفي ذلك إمعان‬

‫في إفراغ النص من مرجعيته األساس‪ ،‬بجعله أوال ال ينظم كل املسائل املتعلقة بتدخل‬

‫املحامي في القضايا‪ ،‬ومن جهة أخرى يرخص لنصوص أجنبية عنه للتشريع بخصوص‬

‫مسائل هي من صميم اختصاصه‪ ،‬أي أنه كما يقول علماء األصول غير جامع وال مانع‪،‬‬

‫‪ 429‬استعرنا هذه العبارة من القانون الصرفي للداللة على ان قانون مهنة المحاماة يجب ان يكون كافيا لوحده في تأطير‬
‫تدخل المحامي في القضايا‪ ،‬اليحتاج الى نوافذ قانونية تكميلية ال باإلضافة وال باالنقاص‪.‬‬

‫‪P 321‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫ولنضرب على ذلك أمثلة من قبيل ما ينص عليه الفصل ‪ 924‬من ق م م الذي يتجاوز‬

‫طبيعة املسطرة وال يأخذ باالعتبار انتهائية األحكام‪ ،‬والذي ورد فيه‬

‫ترفع طلبات النقض واإللغاء املشار إليها في الفصل السابق بواسطة مقال مكتوب‬

‫موقع عليه من طرف أحد املدافعين املقبولين للترافع أمام محكمة النقض‪.‬‬

‫يمكن للمحكمة عند عدم تقديم مقال أو تقديمه موقعا عليه من طرف طالب النقض‬

‫نفسه أو من طرف مدافع ال تتوفر فيه الشروط املقررة في الفقرة السابقة أن تشطب على‬

‫القضية تلقائيا من غير استدعاء الطرف‪.‬‬

‫في حين نصت الفقرتان ‪ 4‬و‪ 2‬من الفصل ‪ 924‬من قانون املسطرة املدنية (الجاري‬

‫وقت كتابة هذه األسطر) املتعلق بشكليات طلبات النقض‪:‬‬

‫"تعفى الدولة من مساعدة املحامي طالبة كانت أو مطلوبا ضدها وذلك خالفا‬

‫ملقتضيات الفقرتين ‪ 8‬و‪ 7‬أعاله‪.‬‬

‫يوقع في هذه الحالة على مقاالتها ومذكراتها الوزير املعني باألمر أو موظف منتدب لهذا‬
‫القضايا"‪430.‬‬ ‫الغرض ويمكن أن يكون هذا االنتداب عاما يشمل نوعا من‬

‫كما نص الفصل ‪ 917‬من نفس القانون ينص على أنه يمكن لوزير العدل أن يأمر‬

‫الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بأن يحيل على هذه املحكمة بقصد إلغاء األحكام‬

‫‪( 430‬ظهير شريف بمثابة قانون رقم ‪ 1.24.442‬بتاريخ ‪ 11‬رمضان ‪ 25( 1324‬شتنبر ‪ )1224‬بالمصادقة على نص‬
‫قانون المسطرة المدنية؛ الجريدة الرسمية عدد ‪ 3230‬مكرر‪ ،‬بتاريخ ‪ 13‬رمضان ‪ 30( 1324‬شتنبر ‪ ،)1224‬ص ‪2241‬‬
‫؛ كما تم تغييره وتتميمه)‪.‬‬

‫‪P 331‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫التي قد يتجاوز فيها القضاة سلطاتهم‪ .‬و يقع إدخال األطراف في الدعوى من طرف الوكيل‬

‫العام للملك الذي يحدد لهم أجال لتقديم مذكراتهم دون أن يكونوا ملزمين باالستعانة‬

‫بمحام‪.‬‬

‫و نص الفصل ‪ 929‬من ذات القانون على أنه ال يلزم أن يكون طلب‬ ‫‪.9‬‬

‫تجريح قاض من قضاة محكمة النقض بواسطة محام‪.‬‬

‫ودائما في نفس السياق‪ ،‬نصت املادة ‪ 273‬من القانون رقم ‪ 77.08‬املتعلق باملسطرة‬

‫الجنائية‪:431‬‬

‫"تعفى من مؤازرة املحامي كل من النيابة العامة والدولة سواء كانتا مدعيتين أو مدعى‬

‫عليهما‪.‬‬

‫يتولى التوقيع على مذكرات الدولة عند عدم التجائها إلى محام‪ ،‬الوزير الذي يعنيه‬

‫األمر أو موظف مفوض له تفويضا خاصا"‪.‬‬

‫ونص الفصل ‪ 720‬من مدونة الجمارك املتعلق بتمثيل إدارة الجمارك والضرائب غير‬

‫املباشرة بجلسات املحاكم في إطار متابعة األفعال املخالفة للقوانين واألنظمة الجمركية‪:‬‬

‫‪ 431‬الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪ 1.02.255‬بتاريخ ‪ 25‬من رجب ‪ 3( 1423‬أكتوبر ‪)2002‬؛ الجريدة الرسمية‬
‫عدد ‪ 5025‬بتاريخ ‪ 22‬ذي القعدة ‪ 30( 1423‬يناير ‪ ،)2003‬ص ‪315‬؛ كما تم تغييره وتتميمه‬

‫‪P 331‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫"يمكن أن تعين اإلدارة من يمثلها في الجلسة‪ ،‬ويعرض ممثلها القضية على املحكمة‬
‫طلباتها"‪432.‬‬ ‫ويودع‬

‫فمن خالل ما تقدم يبرز بجالء توجه املشرع إزاء مسألة احتكارية النص املنظم‬

‫ملهنة املحاماة‪ ،‬للتشريع بخصوص تدخل املحامي في القضايا‪ ،‬وان كانت اإلرادة تتجه إلى‬

‫تكريس مبدأ الكفاية الذاتية لقانون املحاماة‪ ،‬وال أدل على ذلك من استغنائه عن الربط‬

‫العضوي بن ضرورة تنصيب املحامي وطبيعة املسطرة الكتابية‪ 433‬إلى انفتاح املشرع عن‬

‫نوافذ قانونية أخرى يجعل من هذه اإلرادة غير عاملة في الوقت الراهن‪.‬‬

‫تطور موقف املشرع من موقع قضايا التحفيظ ضمن القضايا العقارية‪.‬‬

‫ال شك أن قضايا التحفيظ العقاري تندرج ضمن القضايا العقارية العتبار موضوعها‬

‫الذي هو العقار‪ ،‬لكن مفهوم قضايا التحفيظ لم يكن محل اتفاق بين الباحثين بالنظر ملا‬

‫عرفه القانون املغربي من تعامل خاص مع قضايا التحفيظ سواء بالنص على قوانين‬

‫خاصة من تعني بمسطرة تحفيظ العقارات‪ ،‬أو بالنص على وضعه ضمن حاالت االستثناء‬

‫من األصل العام عند تنظيمه مجاال من املجاالت‪ ،‬وذلك كما هو الحال بالنسبة ألثر الطعن‬

‫بالنقض على تنفيذ األحكام‪ ،‬حيث نص الفصل ‪ 978‬من ق م م على أنه‪:‬‬

‫ال يوقف الطعن أمام محكمة النقض التنفيذ إال في األحوال اآلتية‪:‬‬

‫‪( 432‬ظهير شريف بمثابة قانون رقم ‪ 1.22.332‬بتاريخ ‪ 25‬شوال ‪ 2( 1322‬أكتوبر ‪ )1222‬يصادق بموجبه على‬
‫مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة الراجعة إلدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة؛ الجريدة الرسمية عدد ‪3352‬‬
‫مكرر بتاريخ ‪ 22‬شوال ‪ 13( 1322‬أكتوبر ‪ ،)1222‬ص ‪2252‬؛ كما تم تغييره وتتميمه)‪.‬‬
‫‪ 433‬انظر ما تم تفصيله أعاله‪.‬‬

‫‪P 332‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪ - 8‬في األحوال الشخصية؛‬

‫‪ - 7‬في الزور الفرعي؛‬

‫‪ - 9‬التحفيظ العقاري‪.‬‬

‫يمكن عالوة على ذلك للمحكمة بطلب صريح من رافع الدعوى وبصفة استثنائية أن‬

‫تأمر بإيقاف تنفيذ القرارات واألحكام الصادرة في القضايا اإلدارية ومقررات السلطات‬

‫اإلدارية التي وقع ضدها طلب اإللغاء‪.434‬‬

‫عالوة على أن املشرع استثنى بشكل صريح قضايا التحفيظ من عموم حكم اإللزام‪،‬‬

‫وقد سبقت اإلشارة إلى أن املشرع استثنى هذا النوع من القضايا بنص صريح من الخضوع‬

‫لشرط تنصيب املحامي أمام محكمتي أول درجة وثاني درجة‪ ،‬وذلك بمقتض ى املادة ‪ 77‬فق‬

‫‪ 4‬من ظهير ‪ 8374/08/80‬كما وقع تغييره بالظهير املؤرخ في ‪ 8320/07/80‬بعد أن كان ظهير‬

‫‪ 81‬نونبر ‪ 8387‬أول قانون مغربي أحدث بصفة مبدئية حق املحامي في احتكار مهام النيابة‬

‫أمام املحاكم‪ 435.‬وحافظ ظهير ‪ 8374/08/80‬على مبدأ االحتكارية في مجال النيابة لفائدة‬

‫املحامي‪ ،‬والى غاية تعديل ‪ 02‬يونيو ‪ 8323‬وذلك عندما نص املشرع في املادة ‪ 94‬منه على‬

‫أنه تقدم وجوبا بواسطة محام املقاالت واملذكرات الدفاعية بوجه عام كل املستنتجات في‬

‫جميع القضايا باستثناء القضايا الجنائية كلما كانت املسطرة كتابية‪ ،‬حيث لم يعد لقضايا‬

‫‪ - 434‬نسخت الفقرة األخيرة من الفصل ‪ 301‬أعاله‪ ،‬بمقتضى المادة األولى من القانون رقم ‪ 04.52‬الصادر األمر بتنفيذه‬
‫بمقتضى الظهير الشريف رقم ‪ 1.52.10‬بتاريخ ‪ 22‬من ربيع األول ‪ 10( 1414‬شتنبر‪ ،)1223‬الجريدة الرسمية عدد‬
‫‪ 4225‬بتاريخ ‪ 4‬جمادى األولى ‪ 20( 1414‬أكتوبر ‪ ،)1223‬ص ‪.2032‬‬
‫‪ 435435‬محمد بفقير‪/‬مدى إلزامية تنصيب محام |أمام المحاكم االبتدائية‪/‬دراسات قضائية ج ‪ 5‬ط ‪ /2000 – 1‬مطبعة النجاح‬
‫الجديدة‪ /‬ص‪.50‬‬

‫‪P 333‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫التحفيظ أي امتياز يذكر‪ ،‬وبالتالي لم تعد تخرج عن مبدأ اإللزام‪ .‬على األقل بالنسبة لهذا‬

‫القانون‪ ،‬ما يدفعها إلى التساؤل عن مفهوم قضايا التحفيظ لتحديد ماهية القضايا التي‬

‫تدخل في األحكام الخاصة به‪.‬‬

‫لقد وقع التساؤل من طرف املهنيين حول املقصود من عبارة التحفيظ العقاري‬
‫اثنين‪436:‬‬ ‫بمناسبة البحث في أثر الفصل ‪ 978‬من ق م م‪ .‬وانقسم إلى اتجاهين‬

‫‪ -‬االتجاه األول‪ :‬يفسر هذه العبارة تفسيرا ضيقا‪ ،‬ويقض ي بأن هذه العبارة تشمل‬

‫العقارات التي توجد في طور التحفيظ ليس إال‪ .‬وقد أعطى املجلس األعلى‬

‫(محكمة النقض حاليا) هذا املفهوم في قرار له‪ 437‬حيث ذهب إلى أن املقصود‬

‫بدعوى التحفيظ العقاري في الفصل ‪ 978‬من ق م م‪ ،‬التي يؤدي الطعن بالنقض‬

‫فيها إلى وقف التنفيذ هي مجموع اإلجراءات التي يقام بالنسبة مللك غير محفظ‬

‫وتنتهي بإنشاء الصك العقاري له‪ .‬وهذا التوجه في نظرنا ينطلق من اإلطار‬

‫التشريعي الذي يعنى بإجراءات تحفيظ العقار اإلدارية والقضائية حتى يصبح‬

‫داخال في نظام التحفيظ العقاري‪ ،‬وما يعضد هذا الطرح هو أن املشرع نفسه‬

‫قبل التعديل األخير الذي عرفه ظهير التحفيظ العقاري والذي كان متزامنا‬

‫باملناسبة مع تشريع آخر هو التشريع املطبق على العقارات املحفظة‪ ،438‬ميز بين‬

‫ظهير التحفيظ العقاري وأعطاه هذا الوصف‪ ،‬وبين التشريع املطبق على‬

‫‪ 436‬محمد خيري‪/‬قضايا التحفيظ العقاري في التشريع المغربي ‪ /‬م س ‪ /‬ص ‪.312‬‬


‫‪ 437‬قرار رقم ‪ 125‬الصادر بتاريخ ‪ 2‬يونيو ‪ 125‬أشار اليه محمد خيري ‪ /‬م س ‪ /‬ص ‪.313‬‬
‫‪ 438‬ظهير شريف صادر في ‪ 12‬رجب ‪ )1215/00/02( 1333‬بتحديد التشريع المطبق على العقارات المحفظة‪.‬‬

‫‪P 334‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫العقارات املحفظة‪ .‬بحيث جعل فاصال بين ما يعتبره تحفيظ‪ ،‬وما يخالفه من‬

‫تنظيم للتصرفات والوقائع التي تتعلق بالعقارات املحفظة‪ ،‬تماما كما أحال‬

‫بمقتض ى هذا التشريع املذكور أخيرا على قواعد الشريعة اإلسالمية فيما يرجع‬

‫إلى الوقائع والتصرفات الواردة على العقارات غير املحفظة‪ .‬ومن ثمة فالتشريع‬

‫نفسه ميز بين قانون التحفيظ العقاري الذي يطبق حصرا على مساطر نقل‬

‫العقار من الوضع العادي إلى وضع العقار املحفظ وما يرافق ذلك من مساطر‬

‫إدارية وقضائية‪ .‬وان كان ينظم في جزء منه إشهار الحقوق العينية العقارية‬

‫املقامة على العقارات املحفظة وتسجيلها في السجالت العقارية‪ ،‬فإنه أكد على‬

‫أن املقصود بالتحفيظ جعل العقار املحفظ خاضعا لنظام هذا الظهير من غير‬

‫أن يكون في اإلمكان إخراجه منه فيما بعد‪ 439.‬قبل أن يطور املشرع موقفه من‬

‫مفهوم الحفيظ العقاري بمقتض ى الظهير الشريف الصادر في ‪ 3‬رمضان ‪8998‬‬

‫(‪ 87‬أغسطس ‪ 440)8389‬والذي سيعتمده جانب آخر من الفقه ليعزز به موقفه‬

‫من مفهوم التحفيظ العقاري كما يلي‪:‬‬

‫‪ -‬االتجاه الثاني‪ :‬يفسر هذه العبارة تفسيرا موسعا يشمل كل القضايا املتعلقة‬

‫بالتحفيظ‪ ،‬سواء تعلق األمر بعقار في طور التحفيظ‪ ،‬أو بعقار انتهت بشأنه‬

‫مسطرة التحفيظ ‪ ،‬وسنده أن ظهير التحفيظ العقاري‪ ،‬هو قانون واحد ال يعرف‬

‫‪ 439‬الفصل األول من ظهير التحفيظ العقاري بتاريخ ‪ 2‬رمضان ‪ 12( 1331‬غشت ‪ )1213‬بشأن التحفيظ العقاري‪.‬‬
‫‪ - 440‬الظهير الشريف الصادر في ‪ 2‬رمضان ‪ 12( 1331‬أغسطس ‪ )1213‬المتعلق بالتحفيظ العقاري كما وقع تغييره‬
‫وتتميمه بالقانون رقم ‪ 14.02‬الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪ 1.11.122‬في ‪ 25‬من ذي الحجة ‪ 22( 1432‬نوفمبر‬
‫‪ )2011‬المنشور بالجريدة الرسمية عدد ‪ 5225‬بتاريخ ‪ 22‬ذو الحجة ‪ 24( 1432‬نوفمبر ‪ ،)2011‬ص ‪.5525‬‬

‫‪P 335‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫التجزئة‪ ،‬وينظم اإلجراءات املسطرية للتحفيظ والتعرض‪ ،‬كما ينظم اإلجراءات‬

‫املتعلقة بإشهار الحقوق العينية العقارية املترتبة عن العقارات املحفظة و رتب‬

‫آثار تختلف في تقييد التصرفات والحقوق عنها بالنسبة للتحفيظ الذي أحاطه‬

‫بقاعدة عدم جواز الرجوع في طلب التحفيظ‪ ،‬وبقاعدة التطهير وببطالن العقود‬

‫إلى غير ذلك من اآلثار القوية والحاسمة في تثبيت الحق‪ .‬أما آثار التقييد فلم‬

‫يحطها إال بحجية نسبية قابلة إلثبات العكس وفق القواعد العادية لإلثبات‬

‫دون أن تكون مشمولة بقاعدة التطهير‪ .‬وكل ذلك مضمن في نص واحد‪ .‬ما يؤكد‬

‫شمولية مفهوم التحفيظ العقاري‪ .‬ولعل تطور موقف املشرع املغربي يتجه‬

‫صوب هذا الرأي‪ ،‬حيث انه حدد طبيعة التحفيظ والغرض منه‪ 441‬بمقتض ى‬

‫الفصل ‪ 8‬من ظهير التحفيظ العقاري بعد تعديله بمقتض ى القانون رقم ‪84.02‬‬

‫الذي نص على أنه يرمي التحفيظ إلى جعل العقار املحفظ خاضعا للنظام املقرر‬

‫في هذا القانون من غير أن يكون في اإلمكان إخراجه منه فيما بعد ويقصد منه‪:‬‬

‫‪ -‬تحفيظ العقار بعد إجراء مسطرة للتطهير يترتب عنها تأسيس رسم عقاري وبطالن‬

‫ما عداه من الرسوم‪ ،‬وتطهير امللك من جميع الحقوق السالفة غير املضمنة به؛‬

‫‪ -‬تقييد كل التصرفات والوقائع الرامية إلى تأسيس أو نقل أو تغيير أو إقرار أو إسقاط‬

‫الحقوق العينية أو التحمالت املتعلقة بامللك‪ ،‬في الرسم العقاري املؤسس له‪.‬‬

‫‪ - 441‬تم تغيير وتتميم أحكام الفصول ‪ 1‬و‪ 0‬و‪ 5‬من الباب األول أعاله بمقتضى المادة األولى من القانون رقم ‪،14.02‬‬
‫سالف الذكر‪.‬‬

‫‪P 336‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫ما يدل على أن كل التصرفات واملنازعات املتعلقة بها أو بوقائع قانونية متعلقة بعقار‬

‫محفظ أو في طور التحفيظ إال وتندرج ضمن املفهوم الشمولي لقضايا التحفيظ العقاري‪.‬‬

‫ما سيثير التساؤل عن أثر هذا التحول على عمل القضاء بخصوص مبدأ إلزامية تنصيب‬

‫محامي في قضايا التحفيظ العقاري‪ ،‬ال سيما إذا ما اعتبرنا أن القانون املنظم ملهنة املحاماة‬

‫ليس بالقانون الجامع املانع لهذا اإللزام‪ ،‬فهل عرف العمل القضائي بدوره تحوال بخصوص‬

‫هذه النقطة‪ ،‬أم أنه ظل ثابتا على املوقف الذي اتخذه قبل تعديل ‪ 8323‬الذي فصلنا فيه‬

‫أعاله‪.‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬تعامل القضاء مع تطور موقف املشرع من إلزامية تنصيب املحامي‬

‫في قضايا التحفيظ العقاري‬

‫نحاول الجواب في هذه النقطة عن السؤال التالي‪ :‬ما مدى إلزام شرط تنصيب محام‬

‫في قضايا التحفيظ‪ ،‬أي هل يمكن لطالب التحفيظ أو املتعرض أن يرافع شخصيا دون‬

‫االستعانة بمحام؟‬

‫تبعا لعدم كفاية القانون املنظم ملهنة املحاماة في تأطير هذه املسألة‪ ،‬فإن ضرورة‬

‫اتخاذ موقف يضمن األمن القضائي والثبات الذي هو شرط أصيل في تحقيقه‪ ،‬جعلت‬

‫القضاء يقارب هذا اإلشكال من خالل نوافذ قانونية مختلفة‪ .‬وهي إضافة إلى قانون املهنة‪،‬‬

‫ظهير التحفيز العقاري كقانون إجرائي خاص‪ ،‬ثم قانون املسطرة املدنية كمرجع إجرائي في‬

‫األحوال التي ال يوجد فيها نص في القانون اإلجرائي الخاص‪.‬‬

‫‪P 337‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫فمن خالل ما نص عليه املشرع في الفصول ‪ 92‬و ‪ 92‬و ‪ 47‬من ظهير التحفيظ‬

‫العقاري ال نجد ما يشير إلى إلزام من ذكر بتنصيب محام عنهما من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى‬

‫نسجل ما انتهى إليه املشرع في القانون املنظم ملهنة املحاماة من ضرورة تقديم املقاالت‬

‫واملذكرات بواسطة محام‪ 442‬ما يجعل هذه املقتضيات متناقضة فيما بينها‪ ،‬وال يقف األمر‬

‫عند هذا الحد‪ ،‬إذا ما ستحضرنا مقتضيات قانون املسطرة املدنية التي توجب تقديم‬

‫العرائض واملذكرات من طرف محام متوفرة فيه شروط معينة عند الطعن بالنقض‪ .‬لذلك‬

‫كان على القضاء أن يتخذ موقفا من هذه الحزمة القانونية وهو ما سنسلط عليه الضوء‬

‫انطالقا من التمييز بين قضاء املوضوع ممثال في محكمة أول درجة ومحكمة االستئناف‪،‬‬

‫وقضاء القانون ممثال في محكمة النقض من خالل نقطتين كاآلتي‪ :‬أوال‪ :‬شرط تمثيل‬

‫األطراف بواسطة محام أمام محاكم املوضوع‪ .‬ثانيا ‪ :‬شرط تمثيل األطراف بواسطة محام‬

‫أمام محكمة النقض‪.‬‬

‫أوال ‪ :‬شرط تمثيل األطراف بواسطة محام أمام محاكم املوضوع‪.‬‬

‫ينص الفصل ‪ 92‬من ظهير التحفيظ العقاري على أنه عندما يرى القاض ي املقرر‬

‫أن القضية قد أصبحت جاهزة يخبر األطراف بيوم الجلسة العلنية التي ستعرض فيها‬

‫وذلك قبل موعدها بثمانية أيام على األقل بعد التوصل باالستدعاء‪ .‬كما أن الفصل ‪92‬‬

‫من نفس القانون يقرر عند افتتاح املناقشات ‪ ...‬االستماع إلى األطراف ويقدم ممثل النيابة‬

‫العامة إن اقتض ى الحال مستنتجاته‪ ،‬ثم يفصل في القضية إما في الحين وإما بعد املداولة‪.‬‬

‫‪ 442‬حمزة رفيق‪ /‬م س ص ‪41‬‬

‫‪P 338‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫وفي نفس السياق ينص الفصل ‪ 47‬من ظهير التحفيظ العقاري على أنه بمجرد توصل‬

‫كتابة الضبط لدى محكمة االستئناف بامللف‪ ،‬يعين الرئيس األول مستشارا مقررا وينذر‬

‫هذا األخير املستأنف باإلدالء بأسباب استئنافه ووسائل دفاعه خالل أجل ال يتعدى خمسة‬

‫عشر يوما‪ ،‬ثم يستدعي األطراف املعنية باألمر لالطالع على ما أدلى به املستأنف إلبداء‬

‫منازعاتهم ووسائل دفاعهم في أجل آخر مماثل‪ .‬ومن ذلك فإن نصوص ظهير التحفيظ‬

‫العقاري تخاطب األطراف شخصيا دون ذكر لتمثيل‪ ،‬ومنه أيضا أن للمستأنف تقديم‬

‫أسباب االستئناف بشكل شخص ي ودون حاجة إلى تنصيب محام حيادا عن الشرط‬

‫املنصوص عليه باملادة ‪ 94‬من قانون املحاماة‪ .‬والذي ال يطبق من خالل ما ذكر على قضايا‬

‫التحفيظ‪ ،‬وهذا ما كرسته محكمة النقض (املجلس األعلى) في عدة قرارات لها منها القرار‬

‫املؤرخ في ‪ 1‬ابريل ‪ 8337‬الذي جاء فيه‪ :‬أن وضع املقاالت واملذكرات من طرف املحامين أو‬

‫من الخصم شريطة السماح له بإجراء املسطرة بنفسه‪ ،‬إنما يكون في املسطرة التي يوجب‬

‫القانون أن تكون كتابية أو تتم بواسطة العرائض واملذكرات‪ ،‬وان املسطرة في نطاق‬

‫التحفيظ العقاري‪ ،‬ال يجب أن تكون كتابية ولو حتى أمام محكمة االستئناف وذلك حسب‬

‫ما يستفاد من الفصل ‪ 47‬من الظهير املذكور‪ ،‬ولذلك فإن تطبيق الفصل ‪ 94‬من قانون‬
‫غير محله‪443‬‬ ‫املحاماة في‬

‫‪ 443‬ملف مدني عدد ‪ 52/1401‬منشور بندوة ثمانين سنة من التحفيظ ص ‪ 12‬ذكرته كنزة الريكوش‪ /‬االجراءات‬
‫المسطرية لدعوى التعرض على مطلب التحفيظ‪ ،‬رسالة ماستر‪ /‬نوقشت بكلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‬
‫بمراكش‪ /‬السنة الجامعية ‪ 2002‬ـ ‪ 2010‬ص ‪.15‬‬

‫‪P 331‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫وفي نفس السياق ذهبت نفس املحكمة إلى أن الفصل ‪ 42‬من قانون املسطرة املدنية‬

‫ال يطبق على قضايا التحفيظ العقاري‪ ،‬وتبقى املسطرة فيها شفوية‪ ،‬وقد أجابت عن هذا‬

‫الوضع املحكمة بقولها‪ :‬إن قضايا التحفيظ ال تدخل ضمن القضايا املدنية فإن تعليلها‬

‫يبقى صحيحا‪ 444‬ومن ثمة فإن تنصيب املحامي ليس إلزاميا في قضايا التحفيظ العقاري‪،‬‬

‫فللخصوم مباشرة املسطرة شخصيا في قضاياهم والدفاع فيها عن أنفسهم دون إجبارهم‬
‫املحامي‪445.‬‬ ‫على تنصيب‬

‫واملالحظ في هذا اإلطار أن القضاء املغربي الزال متشبثا بفكرة ارتباط إلزامية تنصيب‬

‫محامي من جهة‪ ،‬وطبيعة املسطرة الكتابية من جهة ثانية‪ ،‬فكون املسطرة في قضايا‬

‫التحفيظ شفوية وليست كتابية معان هان األطرف معفون من تنصيب محامي‪ ،‬وهذا في‬

‫حد ذاته خلط بين مؤسسات حسم املشرع نفسه فيه‪ ،‬حينما اختار عدم ربط إلزامية‬

‫تنصيب املحامي بطبيعة املسطرة كما سبق وان ذكرنا بش يء من التفصيل‪.‬‬

‫إلى وجوب تنصيب محام في قضايا‬ ‫الباحثين‪446‬‬ ‫وفي هذا السياق يذهب بعض‬

‫التحفيظ مستندا إلى عدة مبررات من بينها‪:‬‬

‫‪ -‬إن تراجع قانون املحاماة عن استثناء قضايا التحفيظ العقاري من زمرة‬

‫القضايا غير الخاضعة ملبدأ وجوب تنصيب محام أمام القضاء ال يمكن أن يفهم‬

‫‪ 444‬قرار عدد ‪ 2105‬صادر عن محكمة النقض (المجلس األعلى) بتاريخ ‪ 1220/10/24‬ملف مدني عدد ‪52/1532‬‬
‫نفس المرجع ص ‪10‬‬
‫‪ 445‬عمر أزوكار‪ /‬م س ‪ /‬ص ‪.102‬‬
‫‪-446‬محمد بفقير‪ ،‬مدى خضوع قضايا التحفيظ العقاري لمبدأ وجوب تنصيب محام أمام القضاء‪ ،‬م س ‪ ,‬ص ‪ 45‬و ما‬
‫بعدها‪.‬‬

‫‪P 341‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫املحاماة‪447.‬‬ ‫منه إال إصرار املشرع على إخضاعها ملقتضيات املادة ‪ 97‬من قانون‬

‫وقبل ذلك ملقتضيات املادة ‪ 94‬من قانون املحاماة لسنة ‪.8323‬‬

‫‪ -‬إن مقتضيات املادة ‪ 98‬من قانون املحاماة‪ ،‬لم تسمح بإعمال مقتضيات خاصة‬

‫عند التعارض‪ ،‬كان ينص صراحة على العبارة اآلتية‪'':‬ما لم تنص مقتضيات‬

‫قانونية خاصة خالف ذلك‪ ''.‬مما يستفاد من ذلك أنه ينسخ ضمنيا جميع‬

‫املقتضيات القانونية املخالفة‪.‬‬

‫‪ -‬إذا كانت مقتضيات املواد ‪ 92،92،47‬من قانون التحفيظ العقاري‪ ،‬تعتبر‬

‫مقتضيات قانونية إجرائية خاصة بقضايا التحفيظ العقاري‪ .‬فان مقتضيات‬

‫الفقرة األولى من املادة ‪ 98‬من قانون املحاماة تعتبر مقتضيات قانونية إجرائية‬

‫خاصة بمبدأ تنصيب محام أمام القضاء‪ .‬وبالتالي فهي قواعد إجرائية أخص‬

‫من القواعد اإلجرائية الخاصة الواردة في ظهير التحفيظ العقاري فيما يخص‬

‫املبدأ املذكور‪.‬‬

‫‪ -‬إذا كانت مقتضيات املواد ‪ 47 ،92 ،92‬من قانون التحفيظ العقاري‪ ،‬لم تنص‬

‫صراحة على عدم خضوع قضايا التحفيظ العقاري ملبدأ تنصيب محام أمام‬

‫القضاء‪ .‬ولم تلزم املتقاض ي بمتابعة قضيته شخصيا أمام محكمة التحفيظ‬

‫العقاري‪ ،‬بل إن ما جاء فيها تعتبر صياغة عرضية لم يتوخى منها املشرع املغربي‬

‫ترتيب أي أثر قانوني من هذا القبيل‪ .‬وبالتالي يمكن القول بأنه ليس هناك أي‬

‫‪ 447‬نشير إلى أن المادة المتحدث عنها تحدد األشخاص المخول لهم في إطار تمثيل األطراف تقديم المقاالت والمذكرات‪.‬‬

‫‪P 341‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫تعارض حقيقي بين مقتضيات قانون التحفيظ العقاري وقانون املحاماة‬

‫بخصوص خضوع هذه القضايا ملبدأ تنصيب محام أمام القضاء‪.‬‬

‫‪ -‬إن شكليات وطريقة إحالة قضايا التعرض على التحفيظ العقاري من طرف‬

‫املحافظ على املحكمة وفقا للمادة ‪ 72‬من قانون التحفيظ العقاري املؤرخ في‬

‫‪ 87‬غشت ‪ 8389‬بعد توليه تيهئ امللف وإعداده‪ .‬ال يمنع خضوع هذه القضايا‬

‫ملبدأ تنصيب محام أمام القضاء‪ ،‬إذ يجب إنذار األطراف بذلك وان لم يكونوا‬

‫هم أنفسهم من قيدوا املقال أمام املحكمة كما هو الشأن في باقي القضايا التي‬

‫تخضع ملقتضيات املادة ‪ 98‬من ق م م‪.‬‬

‫‪ -‬إن القول ولو بشكل مجرد بخضوع قضايا التحفيظ العقاري ملبدأ تنصيب محام‬

‫أمام قضاء التحفيظ العقاري‪ ،‬يعتبر إيجابيا على أكثر من مستوى‪ ،‬فهو في‬

‫مصلحة املتقاض ي نظرا لتعقيدات املساطر العقارية بصفة عامة‪ .‬وفي مصلحة‬

‫القضاء ملا في ذلك من رفع من مستوى التقاض ي واملرافعات أمام القضاء‪.‬‬

‫وهذه املبررات على وجاهتها ال تسلم من املالحظات التي يمكن أن تبرر موقف القضاء‬

‫املتمسك بعدم إلزام طرفي دعوى التحفيظ بتنصيب محام‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬

‫أن صالحية املحكمة في قضايا التحفيظ منحصرة طبقا للفصل ‪ 92‬من ظهير‬

‫التحفيظ العقاري في الشق املوضوعي منها‪ ،‬حيث تبت في وجود الحق املدعى به من قبل‬

‫املتعرضين وطبيعته ومشتمالته ونطاقه‪ ،‬وتحيل األطراف للعمل بقرارها‪ ،‬بعد اكتساب‬

‫‪P 342‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫الحكم قوة الش يء املقض ي به‪ ،‬على املحافظ على األمالك العقارية الذي له وحده النظر في‬

‫قبول أو رفض مطلب التحفيظ كال أو بعضا مع االحتفاظ بحق الطعن املنصوص عليه في‬

‫الفصل ‪ 92‬مكرر‪ .‬وتبعا لذلك فحكمها ال يمكن أن يخرج عن ضربين‪:448‬‬

‫صحة التعرض‪ :‬إذا كان التعرض مؤسسا على حجج مثبتة للحق‪ ،‬سواء أتعلقت بكامل‬

‫الوعاء العقاري حيث تحكم بصحة التعرض كليا‪ ،‬أو فقط في حدود منه فتحكم بصحة‬

‫التعرض جزئيا عينا أو نسبة‪.‬‬

‫عدم صحة التعرض‪ :‬إذا لم يثبت املتعرض صحة ادعائه أو رجحت حجة طالب‬

‫التحفيظ على حجته بسبب من أسباب الترجيح‪.‬‬

‫و الجدير بالتنويه أيضا أنه ليس من صالحيات املحكمة البت في شكل الطلب‪ ،‬وال‬

‫يمكنها التصريح بعدم قبول دعوى التحفيظ‪ .‬وفي املقابل ال يستساغ أن تقض ي املحكمة‬

‫بعدم صحة التعرض إذا أخل املتعرض بـ ''واجب'' تنصيب محام‪ ،‬تماما كما ال يمكنها أن‬

‫تحكم بصحة التعرض إذا لم ينصب طالب التحفيظ محاميا ينوب عنه‪ .‬ما سيجعل‬

‫القضاء في معضلة حقيقية أن تبنى مبدأ اإللزامية في ضوء قانون يكبل يده عن البت في‬

‫شكل الدعوى‪ ،‬وبل ويحصر منطوق الحكم بشكل حتمي إما في الصحة أو عدم الصحة‪.‬‬

‫وهذه النقطة وحدها كفيلة ببيان عدم التناسق الذي تعاني منه القواعد اإلجرائية الذي‬

‫‪ 448‬مع اعتبار اإلشهاد بتنازل المتعرض عن تعرضه‪.‬‬

‫‪P 343‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫تؤطر هذا النوع من الدعاوى‪ ،‬وهي أيضا كافية لجعل كثير من املبررات التي يستند إليها‬

‫مدعو اإللزامية غير كافية لصحة التوجه‪.‬‬

‫‪ -‬فتراجع قانون املحاماة عن استثناء قضايا التحفيظ العقاري من زمرة القضايا‬

‫غير الخاضعة ملبدأ وجوب تنصيب محام أمام القضاء لم يواكب بتراجعه عن‬

‫التمييز بين تمثيل األشخاص الذاتيين واملعنويون واملؤسسات العمومية وشبه‬

‫العمومية والشركات‪ ،‬أمام القضاء‪ 449‬وبين التأهيل في نطاق تمثيل األطراف‬

‫دائما لتقديم املقاالت واملستنتجات واملذكرات الدفاعية في القضايا‪ 450.‬ومؤدى‬

‫ذلك أن املشرع نفسه فتح املجال أمام أطراف الدعوى الذين ال يرغبون في إنابة‬

‫غيرهم‪ ،‬وال هم ملزمون قانونا بتقديم مقاالت أو مذكرات‪ ،‬فمطلب التحفيظ‬

‫محال من طرف املحافظ‪ ،‬و التعرض مقدم أمام املحافظ أو أمام املهندس‬

‫القائم بالتحديد‪ ،‬و مذكرة بيان أوجه التعرض غير إلزامية الن وجه التعرض يعبر‬

‫عنه أثناء املرحلة اإلدارية عند التعرض على املطلب‪ .‬وباقي مقتضيات ظهير‬

‫التحفيظ تجعل املحكمة مدعوة إلى البحث في الوثائق املحالة عليها وتطبيقها‬

‫على الوعاء العقاري للنزاع مع إمكانية االستماع إلى األطراف بما يوحي أن تدخل‬

‫األطراف أنفسهم في الدعوى يكاد يكون ثانويا مقارنة مع امللف املحال من‬

‫املحافظ‪ ،‬وكلها مؤيدات تجعل من استنتاج رغبة املشرع في إخراج قضايا‬

‫‪ - 449‬الفصل ‪ 31‬من القانون المتعلق بمهنة المحاماة‪.‬‬


‫‪ 450‬المادة ‪ 32‬من قانون المحاماة والتي تحدث عن األشخاص المخول لهم في إطار تمثيل األطراف تقديم المقاالت‬
‫والمذكرات‪.‬‬

‫‪P 344‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫التحفيظ نهائيا من دائرة االستثناء من إلزامية املحامي غير دقيق‪ ،‬السيما وأن‬

‫مقتضيات املواد ‪ 92،92،47‬من قانون التحفيظ العقاري‪ ،‬لم تنص أيضا على‬

‫خضوع قضايا التحفيظ العقاري ملبدأ تنصيب محام أمام القضاء‪ .‬ولم تحرم‬

‫املتقاض ي من متابعة قضيته شخصيا أمام محكمة التحفيظ العقاري‪ ،‬وبالتالي‬

‫ال يمكن اعتبار ما جاء فيها صياغة عرضية أو نصوص غير قابلة لإلعمال ونفس‬

‫النتيجة يمكن الوصول إليها بخصوص استغناء املشرع عن اعتبار املادة ‪ 98‬من‬

‫قانون املحاماة‪ ،‬ذات مقتضيات تكميلية يمكن مخالفتها بنصوص إجرائية‬

‫أخص وقد سبق وان ضربنا على ذلك أمثلة من بينها ما ورد بالفصل ‪ 917‬من‬

‫قانون املسطرة املدنية الذي ينص على أنه يمكن لوزير العدل أن يأمر الوكيل‬

‫العام للملك لدى محكمة النقض بأن يحيل على هذه املحكمة بقصد إلغاء‬

‫األحكام التي قد يتجاوز فيها القضاة سلطاتهم‪ .‬و يقع إدخال األطراف في الدعوى‬

‫من طرف الوكيل العام للملك الذي يحدد لهم أجال لتقديم مذكراتهم دون أن‬

‫يكونوا ملزمين باالستعانة بمحام‪ .‬وأيضا ما و نص الفصل ‪ 929‬من ذات القانون‬

‫على أنه ال يلزم أن يكون طلب تجريح قاض من قضاة محكمة النقض بواسطة‬

‫محام‪ .‬وهي نصوص إجرائية ال يمكن التسليم بان املادة ‪ 97‬املذكورة نسختها‬

‫ضمنيا‪.‬‬

‫‪P 345‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫ثانيا ‪ :‬شرط تمثيل األطراف بواسطة محام أمام محكمة النقض‪.‬‬

‫ان التباين في مسألة مدى اشتراط تمثيل األطراف بواسطة محام أمام محاكم‬

‫املوضوع بين تجاذب النصوص القانونية‪ ،‬واآلراء الفقهية‪ ،‬وأيضا العمل القضائي‪ ،‬وان في‬

‫حدود جد ضيقة لكونه مستقر على عدم إلزامية هذا التمثيل في قضايا التحفيظ‪ ،‬غير‬

‫وارد بالنسبة للطعن بالنقض أمام محكمة القانون‪ .‬ذلك أن هذا الطعن يلزم أن يتم على‬

‫شكل عريضة كتابية تحترم الشروط الواردة في الفصل ‪ 924‬من ق م م‪ 451‬تحت طائلة عدم‬

‫قبول عريضة النقض‪ ،‬كما أن التمثيل بواسطة محام ال يقتصر على طالب النقض‬

‫فحسب‪ ،‬إنما كذلك على املطلوب في النقض‪ ،‬على اعتبار أن مذكرات الجواب وغيرها من‬

‫املستندات التي ينوي الطرف استعمالها‪ ،‬ال بد أن ترفق بمكتوب موقع من لدن محام‬

‫ونرى أن هذا اإللزام في شأن تمثيل األطراف يتجاوز‬ ‫مقبول للترافع أمام محكمة النقض‪452.‬‬

‫تباين النصوص القانونية بين ما يتعلق بظهير التحفيظ العقاري و القانون املنظم ملهنة‬

‫املحاماة‪ ،‬إلى نص أخص يرتبط عضويا بممارسة الدعوى أمام محكمة النقض‪ .‬وبالتالي‬

‫فهو مرجح على غيره من النصوص في التطبيق‪ .‬وال يستثنى من ذلك إال ما استثناه ذات‬

‫النص‪ .‬ومن ذلك مثال إعفاء الدولة ـ طالبة كانت أو مطلوبة ـ من تنصيب محام‪ .‬وبالتبعية‬

‫طالبة للتحفيظ أو متعرضة على حقوقها‪ 453.‬وال يتوسع في تفسير هذا االستثناء أو يقاس‬

‫‪ 451‬ينص الفصل ‪354‬ترفع طلبات النقض واإللغاء المشار إليها في الفصل السابق بواسطة مقال مكتوب موقع عليه من‬
‫طرف أحد المدافعين المقبولين للترافع أمام محكمة النقض‪.‬‬
‫‪ 452‬ينص الفصل ‪ 305‬من ق م م على أنه يجب‪ :‬على األطراف المعنية باألمر أن يقدموا مذكرات جوابهم وكذا‬
‫المستندات التي يريدون استعمالها في ظرف ثالثين يوما من تاريخ التبليغ‪.‬‬
‫يتعين ‪ -‬مع مراعاة مقتضيات الفقرتين ‪ 4‬و‪ 5‬من الفصل ‪ - 354‬أن يوقع على هذه المذكرة من له الصفة وفقا للفقرة األولى‬
‫من الفصل المذكور ‪.....‬‬
‫‪ 453‬جاء في الفقرتين االخيرتين من الفصل ‪ 354‬من ق م م ‪:‬تعفى الدولة من مساعدة المحامي طالبة كانت أو مطلوبا‬
‫ضدها وذلك خالفا لمقتضيات الفقرتين ‪ 1‬و‪ 2‬أعاله‪.‬‬

‫‪P 346‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫عليه بأن تأخذ املؤسسات العمومية نفس الحكم وتعفى من تنصيب محام شأنها شأن‬

‫الدولة‪ .‬وهو ما ذهبت إليه محكمة النقض في قرار لها جاء فيه‪ :‬بما أن املحافظ على األمالك‬

‫العقارية هو رئيس ملصلحة خارجية للوكالة الوطنية للمحافظة العقارية التي هي مؤسسة‬

‫عمومية‪ ،‬فإنه غير معفي من االستعانة بمحامي وفق أحكام قانون املحاماة‪ 454.‬وان كان‬

‫ذلك يثير املالحظات التالية‪:‬‬

‫لم يستعمل املشرع في قانون املسطرة املدنية صفة املحامين اال عندما قصد استثناء‬

‫الدولة من االستعانة بمحامي‪ ،‬حيث نص الفصل ‪ 924‬من ق م م على أنه ‪ :‬ترفع طلبات‬

‫النقض واإللغاء املشار إليها في الفصل السابق بواسطة مقال مكتوب موقع عليه من طرف‬

‫أحد املدافعين املقبولين للترافع أمام محكمة النقض‪ .‬ويتعين مراعاة مقتضيات الفقرتين‬

‫‪ 4‬و‪ 2‬من الفصل ‪ 924‬املذكور‪ ،‬حيث إن يوقع على هذه املذكرة من له الصفة وفقا للفقرة‬

‫األولى من الفصل املذكور كما جاء في الفقرتين األخيرتين من الفصل ‪ 924‬من ق م م ‪:‬تعفى‬

‫الدولة من مساعدة املحامي طالبة كانت أو مطلوبا ضدها وذلك خالفا ملقتضيات الفقرتين‬

‫‪ 8‬و‪ 7‬أعاله‪ .‬يوقع في هذه الحالة على مقاالتها ومذكراتها الوزير املعني باألمر أو موظف‬

‫منتدب لهذا الغرض ويمكن أن يكون هذا االنتداب عاما يشمل نوعا من القضايا‪ .‬ما يدفع‬

‫إلى طرح السؤال عن السبب وراء اختيار املشرع عبارة املدافعين عوض املحامين‪ ،‬مع أن‬

‫نفس الفصل تضمن إعفاء الدولة من مساعدة املحامي وليس املدافع؟‬

‫يوقع في هذه الحالة على مقاالتها ومذكراتها الوزير المعني باألمر أو موظف منتدب لهذا الغرض ويمكن أن يكون هذا‬
‫االنتداب عاما يشمل نوعا من القضايا‪.‬‬
‫‪454‬قرار عدد ‪5‬ـ‪ 110‬وتاريخ ‪ 2015/02/22‬ملف رقم ‪5200‬ـ‪1‬ـ‪5‬ـ‪ 2012‬غير منشور‪.‬‬

‫‪P 347‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪ .4‬ليس هناك من داع للتمييز بين املدافع واملحامي‪ ،‬بل لم يعد هناك سند‬

‫الستعمال هذا املصطلح مادام أن القانون يعتبر أن املحامين املسجلين‬

‫بجداول هيئات املحامين باململكة‪ ،‬هم وحدهم املؤهلون‪ ،‬في نطاق تمثيل‬

‫األطراف للقيام بمهام النيابة القانونية في تديم املقاالت واملكتوبات‬

‫الدفاعية‪ ،‬اللهم إذا قصد املشرع عموما املدافعين من غير املحامين‪،‬‬

‫كما هو الشأن بالنسبة لألشخاص املنصوص عليهم في الفصل ‪ 99‬من‬

‫ق م م والذي ورد فيه‪:‬‬

‫يجب أن يكون للوكيل موطن بدائرة نفوذ املحكمة‪.‬‬

‫يعتبر تعيين الوكيل اختيارا ملحل املخابرة معه بموطنه‪.‬‬

‫ال يمكن ملن ال يتمتع بحق تمثيل األطراف أمام القضاء أن يرافع نيابة عن الغير إال‬

‫إذا كان زوجا أو قريبا أو صهرا من األصول أو الفروع أو الحواش ي إلى الدرجة الثالثة بإدخال‬

‫الغاية‪.‬‬

‫ومعلوم أن هذا الفصل وما يليه‪ 455‬ينظم الوكالة في التقاض ي لغير املحامين‪ ،‬وهو ما‬

‫لم يتم إلغاؤه إلى غاية كتابة هذه السطور‪ ،‬رغم توالي التعديالت التي لحقت بقانون‬

‫‪ 455‬ونقصد على وجه التحديد الفصلين ‪ 34‬و ‪ 35‬من ق م م المحددين لنطاق وشروط الوكالة في التقاضي لغير المحامين‪:‬‬
‫وقد جاء الفصل ‪ 34‬من ق م م انه ‪ :‬يجب على الوكيل الذي ال يتمتع بحق التمثيل أمام القضاء أن يثبت نيابته بسند رسمي‪،‬‬
‫أو عرفي مصادق على صحة توقيعه بصفة قانونية‪ ،‬أو بتصريح شفوي يدلي به الطرف شخصيا أمام القاضي بمحضر‬
‫وكيله‪.‬‬
‫غير أن اإلدارات العمومية تكون ممثلة بصفة قانونية أمام القضاء بواسطة أحد الموظفين المنتدبين لهذه الغاية‪.‬‬
‫‪1.‬‬ ‫كما ورد في الفصل ‪ 53‬من نفس القانون ‪ :‬ال يصح أن يكون وكيال لألطراف‪:‬‬
‫الشخص المحروم من حق أداء الشهادة أمام القضاء؛‬ ‫‪-1‬‬

‫‪P 348‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫تعديل قانون املسطرة‬ ‫‪4577088‬‬ ‫املحاماة والتي كان آخرها سنة ‪ 4567001‬وقد تالها سنة‬

‫املدنية دون أن يشمل اإللغاء هذه املقتضيات‪ 458‬بل إن القضاء نفسه ما فتئ يعتمد على‬

‫مقتضيات هذا الفصل من أجل حل مسائل تتعلق بمحل املخابرة مع الوكيل‪ ،‬ويمزجها مع‬

‫املقتضيات املتعلقة بوكالة املحامي‪ 459،‬ويرتب على ذلك قرارات قضائية مرجعية‪ ،‬ومن ذلك‬

‫ما ورد بقرار ملحكمة النقض‪ 460‬اختيار املتقاض ي ملحاميه وكيال عنه يعتبر اختيارا للمخابرة‬

‫معه موطن هذا الوكيل طبقا للفصل ‪ 99‬من قانون املسطرة املدنية‪ ،‬وبالتالي فإن إشعار‬

‫املطلوب بأداء صائر الخبرة مكتب محاميه يعتبر إشعارا صحيحا ومنتجا ألثره القانونية‪،‬‬

‫‪ -2‬المحكوم عليه حكما غير قابل ألي طعن بسبب جناية أو جنحة الزور‪ ،‬أو السرقة أو خيانة األمانة أو النصب‪ ،‬أو‬
‫التفالس البسيط أو بالتدليس أو انتزاع األموال أو محاولة انتزاعها؛‬
‫الوكيل الذي وقع حرمانه من تمثيل األطراف بمقتضى إجراء تأديبي؛‬ ‫‪-3‬‬
‫‪ -4‬العدول والموثقون المعزولون‪.‬‬
‫‪ 456‬وذلك بموجب الظهير الشريف رقم ‪ 1.05.101‬صادر في ‪ 20‬من شوال ‪ 20( 1422‬أكتوبر ‪ )2005‬بتنفيذ القانون‬
‫رقم ‪25.05‬‬
‫‪ 457‬ظهير شريف بمثابة قانون رقم ‪ 1.24.442‬بتاريخ ‪ 11‬رمضان ‪ 25( 1324‬شتنبر ‪ )1224‬بالمصادقة على نص‬
‫قانون المسطرة المدنية‪ .‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 3230‬مكرر‪ ،‬بتاريخ ‪ 13‬رمضان ‪ 30( 1324‬شتنبر ‪ ،)1224‬ص‬
‫‪.2241‬‬
‫‪ - 458‬دون احتساب الصيغ الواردة عليه في بعض الفصول وآخرها صيغة ‪.2014/03/20‬‬
‫‪ 459‬وقد سبقت اإلشارة الى ان بعض الباحثين طرحوا سؤاال مهما حول مصير مهنة الوكيل الشرعي في ضوء قانون المحاماة‬
‫لسنة ‪ 1223‬المنظم بمقتضى الظهير الشريف المؤرخ في ‪ 15‬صفر ‪ 1344‬الموافق ‪ 2‬شتنبر ‪ 1225‬وحصر مهامه في‬
‫تمثيل األطراف أمام المحاكم في قضايا األحوال الشخصية والميراث اإلسالمي وكذا القضايا العقارية باستثناء النزاع المتعلق‬
‫بالتحفيظ والنزاعات الراجعة للعقارات المحفظة‪ .‬حيث انقسم الفقه الى قسمين احدهما اعتبر ان مهمة الوكيل الشرعي انتهت‬
‫مع األدوار الجديدة للمحامي والتي نصت على مبدأ االحتكارية‪ ،‬منذ تعديل ‪ 1205‬بالمرسوم الملكي‪ ،‬ومنهم من اتخذ موقفا‬
‫مخالفا حيث اعتبر ان النص المؤسس لمهنة الوكيل الشرعي لم يلغ وبالتالي ال زال العمل ساريا به‪ ،‬كما ان القضاء ذهب قبيل‬
‫تعديل سنة ‪ 1223‬الى نفس االتجاه‪( .‬انظر للمزيد‪ :‬محمد بفقير ‪ /‬م س ‪ /‬ص ‪ 04‬وما بعدها‪ ).‬والغرض من طرح هذا‬
‫االستشهاد هو للتدليل على عدم استيعاب النصوص القانونية المتفرقة لمبدأ االنسجام الذي يحقق االمن القانوني‪ ،‬فقانون المحاماة‬
‫لم ينص بشكل صريح على الغاء هذه المقتضيات‪ ،‬وبالتالي سيكون للسؤال محل جدي عند مقارنته بمقتضيات الفصل ‪ 33‬من‬
‫ق م م محل الدراسة‪ .‬وفي هذا السياق صدر قرار عن المجلس األعلى (محكمة النقض حاليا) يعتبر أن الوكيل الشرعي وان‬
‫كان مقبوال للترافع امام المجلس األعلى بمقتضى قرار من سيادة وزير العدل‪ ،‬فان صالحيته للترافع امام المجلس المذكور‬
‫محصورة في قضايا األحوال الشخصية والميراث اإلسالمي‪ .‬قرار عدد ‪ 205‬بتاريخ ‪ 1222/12/05‬ملف مدني عدد‬
‫‪ 20122‬منشور بمجلة رابطة القضاة عدد ‪ 2 – 5‬ص ‪.51‬‬
‫‪ 460‬بالقرار عدد ‪ 5-452‬الصادر بتاريخ ‪ 2010/10/04‬ملف عدد ‪ 2015-5-1-5020‬منشور في كتاب الخبرة والخبراء‬
‫من خالل اجتهاد محكمة النقض الصادر عن محكمة النقض سلسلة إصدارات المكتب الفني العدد ‪ 3‬مطبعة األمنية الرباط‬
‫‪.2012‬‬
‫يمكن االطالع على القرار كامال بموقع السادة الخبراء القضائيون على االنترنت‪https://www.cnej.ma .‬‬

‫‪P 341‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫وأنه طبقا للفصل ‪ 44‬من القانون رقم ‪ 01.71‬بتعديل القانون املنظم ملهنة املحاماة‪ ،‬فإن‬

‫املحامي يمكنه أن يطلب من موكله تسبيقا جديدا أثناء سير الدعوى‪ ،‬أو مناسبة أي إجراء‬

‫اقتضته املسطرة وفي هذه الحالة يوافي موكله بتوضيح عن مصاريف الدعوى‪ ،‬وهو ما يعني‬

‫أن املحامي‪ ،‬الذي هو صلة الوصل بين املتقاض ي واملحكمة‪ ،‬يمكن إشعاره من طرف‬

‫املحكمة بأداء املصاريف التي يتطلبها سير الدعوى‪.‬‬

‫كما أن محكمة النقض أكدت مضمون الفصل املذكور بخصوص حصر حق تمثيل‬

‫األطراف أمام القضاء أو املرافعة عن الغير في الزوج أو القريب أو من ورد ذكرهم في الفصل‬

‫‪ 99‬من ق م م دون أن ينطبق ذلك على الشركة الخاصة في رفع الدعوى باعتبارها وكيلة‬

‫عن الدائنة بمقتض ى توكيل خاص‪ ،‬مادامت ال تتوفر فيها الشروط املنصوص عليها في هذا‬
‫الفصل‪461.‬‬

‫وقد سارت محكمة النقض في هذا االتجاه في عدة قرارات‪ 462‬ما يضع األمن القانوني‬

‫وأيضا األمن القضائي على محك حقيقي وذلك اعتبارا ملا يلي‪:‬‬

‫‪ -‬لم تستوعب املقتضيات القانونية بشكل منسجم و منطقي مسألة تدخل‬

‫املحامي في القضايا العقارية‪ ،‬فمن جهة ال يضمن القانون املتعلق بمهنة املحاماة‬

‫مبدأ الكفاية الذاتية في تأطير هذه املسألة‪ ،‬فهو كما سبقت اإلشارة إلى ذلك غير‬

‫‪ 461‬قرار عدد ‪ 505‬بتاريخ ‪ 2005/1002‬ملف عدد ‪ 03/232‬منشور بمجلة قضاء المجلس األعلى عدد ‪ 00‬ص ‪.34‬‬
‫‪ 462‬قرار عدد ‪ 1052‬ملف عدد ‪ 54555‬منشور بمجلة قضاء المجلس األعلى عدد ‪ 32‬ص ‪.32‬‬
‫قرار عدد ‪ 3210‬ملف عدد ‪ 22225‬بتاريخ ‪ 1255/11/30‬منشور بمجلة المحامي عدد ‪ 15‬ص ‪.05‬‬
‫قرار عدد ‪ 5112‬بتاريخ ‪ 1223/02/05‬منشور بمجلة االشعاع عدد ‪ 13‬ص ‪.122‬‬
‫انظر للمزيد مؤلف محمد بفقير قانون المسطرة المدنية والعمل القضائي المغربي منشورات دراسات قضائية سلسلة القانون‬
‫والعمل القضائي المغربيين‪ /‬ط ‪ / 2020 0‬الجزء ‪ 1‬ص ‪ 122‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪P 351‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫مانع لغيره من النوافذ القانونية من إضافة حاالت غير واردة فيه‪ ،‬كما أنه غير‬

‫جامع لكل الحاالت التي تدخل فيه حكمه‪ .‬ومن جهة ثانية نجد القضاء قد اتخذ‬

‫موقفا مختلفا إزاء مبدأ إلزامية املحامي في قضايا التحفيظ العقاري استنادا‬

‫إلى املكنة املتاحة بسبب عدم تضمن قانون املحاماة ملبدأ الكفاية الذاتية‪ ،‬و‬

‫بغية الخروج من املعضلة القانونية التي ُوضع القضاء فيها‪ ،‬وهي عدم إمكانية‬

‫الحكم بعدم قبول طلب التعرض‪ ،‬أو حتى بعدم صحة التعرض تجاوزا للشكل‬

‫إلى املوضوع‪ .‬أو الحكم بصحة التعرض إذا ما استنكف املتعرض أو طالب‬

‫التحفيظ عن تنصيب محام في دعوى التعرض على مطلب التحفيظ‪.‬‬

‫‪ -‬وامتدادا لهذه النتيجة‪ ،‬يستعص ي على املنطق القانوني استيعاب التمييز الذي‬

‫يعامل به القضاء – مضطرا‪ -‬أنواع القضايا العقارية بخصوص هذه املسألة‪.‬‬

‫فامليزة التي أقرها لدعاوى التحفيظ‪ ،‬ال تعتبر في جميع الدعاوى التي تدخل في‬

‫مفهوم دعاوى التحفيظ‪ ،‬رغم أن القانون نفسه من وضع بمقتض ى الفصل‬

‫األول من ظهير التحفيظ العقاري بعد تعديله بمقتض ى القانون رقم ‪84.02‬‬

‫مفهوما موسعا للتحفيظ العقاري حينما نص على أنه يرمي التحفيظ إلى جعل‬

‫العقار املحفظ خاضعا للنظام املقرر في هذا القانون من غير أن يكون في اإلمكان‬

‫إخراجه منه فيما بعد ويقصد منه‪:‬‬

‫‪ -‬تحفيظ العقار بعد إجراء مسطرة للتطهير يترتب عنها تأسيس رسم عقاري وبطالن‬

‫ما عداه من الرسوم‪ ،‬وتطهير امللك من جميع الحقوق السالفة غير املضمنة به؛‬

‫‪P 351‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪ -‬تقييد كل التصرفات والوقائع الرامية إلى تأسيس أو نقل أو تغيير أو إقرار أو إسقاط‬

‫الحقوق العينية أو التحمالت املتعلقة بامللك‪ ،‬في الرسم العقاري املؤسس له‪.‬‬

‫خاتمة‪:‬‬

‫من خالل ما سبق‪ ،‬يتبين أن ثمة أزمة قضائية تتجلى واضحة في تبني املفهوم الضيق‬

‫للتحفيظ عند التقرير في إلزامية املحامي‪ ،‬وهجر هذا املفهوم إلى املفهوم املوسع كما يحدده‬

‫القانون‪ ،‬بل وكما تبناه القضاء نفسه في أكثر من مناسبة‪ 463،‬عند البت في غير هذه املسألة‬

‫من الدعاوى العقارية‪ .‬ما يجعلنا نلح في طلب تعديل هذه النصوص وجعلها أكثر انسجاما‬

‫مع مبادئ األمن القانوني واألمن القضائي‪ .‬وذلك باتخاذ موقف واضح من هذه املسألة‬
‫العقاري‪464‬‬ ‫والنص في صلب القانون املتعلق بمهنة املحاماة على استثناء قضايا التحفيظ‬

‫مع تحديد أكثر دقة لنوع هذه القضايا‪ ،‬حتى يخرج القضاء من هذه املعضلة وتنسجم‬

‫قراراته مع مختلف النوافذ القانونية التي تؤطر املسألة‪ ،‬ويغلب عليها التعارض بل‬

‫والتناقض في كثير من األحيان‪.‬‬

‫‪ 463‬جاء في قرار لمحكمة النقض صادر بتاريخ ‪ 2015/02/22‬تحت عدد ‪ 3/500‬في الملف اإلداري عدد‬
‫‪ 10/3/4/3004‬أن الفصل ‪ 1‬من القانون رقم ‪ 14-02‬عرف التحفيظ العقاري والغرض منه‪:‬‬
‫أوال ‪ :‬تحفيظ العقار بعد إجراء مسطرة للتطهير يترتب عنها تأسيس رسم عقاري وبطالن ما عداه من الرسوم‪ ،‬وتطهير‬
‫الملك من جميع الحقوق السالفة غير المضمنة به؛‬
‫ثانيا‪ :‬تقييد كل التصرفات والوقائع الرامية إلى تأسيس أو نقل أو تغيير أو إقرار أو إسقاط الحقوق العينية أو التحمالت‬
‫المتعلقة بالملك‪ ،‬في الرسم العقاري المؤسس له‪ .‬ومؤدى ذا التعريف أن عبارة التحفيظ العقاري المنصوص عليها في الفصل‬
‫‪ 301‬من قانون المسطرة المدنية‪ .‬ال تقتصر على مسطرة التحفيظ العقاري كما ذهب الى ذلك عن خطأ القرار المطعون فيه‪،‬‬
‫وانما تشمل جميع ماهو منصوص عليه في الفصل أعاله وترتب عنه جميع االثار المنصوص عليها في الفصل ‪ 301‬من‬
‫قانون المسطرة المدنية‪.‬‬
‫‪ 464‬كما سبق لقانون مهنة لمحاماة أن تبنى االستثناء بشأنه قبل تعديل ‪ 1222‬السابق بيانه‪ ،‬وتبين من خالل ما ذكرنا من‬
‫أسباب ومؤيدات أن المشرع لم يستثن هذا النوع من القضايا عبثا‪ ،‬بل كان موقفه معتبرا لالنسجام بين المساطر المختلفة التي‬
‫تنظم الدعوى العقارية‪ ،‬والسيما دعاوى التحفيظ العقاري‪.‬‬

‫‪P 352‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫الئحة املراجع‪:‬‬

‫محمد بفقير ‪ /‬مدى خضوع قضايا التحفيظ العقاري ملبدأ وجوب تنصيب محام أمام‬

‫القضاء‪ /‬مؤلف دراسات قضائية الجزء الثالث ‪ /‬ط ‪ 7009‬مطبعة النجاح الجديدة ‪.‬‬

‫محمد بفقير‪/‬مدى إلزامية تنصيب محام |أمام املحاكم االبتدائية‪/‬دراسات قضائية ج‬

‫‪ 2‬ط ‪ /7007 – 8‬مطبعة النجاح الجديدة‪..‬‬

‫الظهير الشريف رقم ‪ 8.07.722‬بتاريخ ‪ 72‬من رجب ‪ 9( 8479‬أكتوبر ‪)7007‬؛ الجريدة‬

‫الرسمية عدد ‪ 2021‬بتاريخ ‪ 72‬ذي القعدة ‪ 90( 8479‬يناير ‪ ،)7009‬ص ‪982‬؛ كما تم تغييره‬

‫وتتميمه‪.‬‬

‫ظهير شريف بمثابة قانون رقم ‪ 8.22.993‬بتاريخ ‪ 72‬شوال ‪ 3( 8932‬أكتوبر ‪)8322‬‬

‫يصادق بموجبه على مدونة الجمارك والضرائب غير املباشرة الراجعة إلدارة الجمارك‬

‫والضرائب غير املباشرة؛ الجريدة الرسمية عدد ‪ 9913‬مكرر بتاريخ ‪ 73‬شوال ‪89( 8932‬‬

‫أكتوبر ‪ ،)8322‬ص ‪7317‬؛ كما تم تغييره وتتميمه‪.‬‬

‫القانون رقم ‪ 04.17‬الصادر األمر بتنفيذه بمقتض ى الظهير الشريف رقم ‪ 8.12.87‬بتاريخ‬

‫‪ 77‬من ربيع األول ‪ 80( 8484‬شتنبر‪ ،)8339‬الجريدة الرسمية عدد‪ 4225‬بتاريخ ‪ 4‬جمادى‬

‫األولى ‪ 70( 8484‬أكتوبر ‪ ،)8339‬ص ‪.7092‬‬

‫‪P 353‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪The effect of the provisions of filiation and lineage‬‬


‫مقدمة‪:‬‬
‫اعتبارا ملكانة وأهمية األسرة في املجتمع فقد أولتها الشريعة اإلسالمية عناية خاصة‬

‫من حيث تنظيم أحكام الزواج والطالق والوصية وامليراث‪ ،‬وكل ما له عالقة باألسرة‪ ،‬وهو‬

‫ما صار عليه الدستور املغربي من خالل التنصيص في الفصل ‪ 97‬على أن األسرة القائمة‬

‫على عالقة الزواج الشرعي هي الخلية األساسية للمجتمع‪.‬‬

‫ونظرا لكون األوراد ثمرة الحياة الزوجية وغايتها‪ ،‬ولكونها الطرق األضعف في تركيبة‬

‫النواة األولى لكل مجتمع‪ ،‬فقد أولتهم الشريعة اإلسالمية ومن بعدها القوانين والتشريعات‬

‫الوضعية عناية كبيرة‪ ،‬حيث شرعت الكثير من األحكام املتعلقة بالطفل بمجرد أن تدب‬

‫فيه الحياة وهو ما يزال جنينا في بطن أمه‪ ،‬إلى أن يشب ويترعرع‪.‬‬

‫ويعتبر النسب أول حق يثبت للمولود بعد انفصاله عن أمه‪ ،‬إذ يعد أحد أركان‬

‫ومقاصد الشريعة الخمسة‪ ،‬وهي حفظ الدين والنفس والنسل "النسب" واملال والعقل‪،‬‬

‫‪P 354‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫وذلك من أجل منع اختالط األنساب‪ ،‬حتى تقوم األسرة على وحدة الدم الذي يعتبر أقوى‬

‫الروابط بين أفرادها‪.‬‬

‫وقد انطلق االهتمام الدولي بحقوق الطفل بدأ بإنشاء عصبة األمم املتحدة‪ 465‬سنة‬

‫‪ ،8383‬وتعزز سنة ‪ 8374‬بإصدار إعالن جنيف املتألف من خمس نقاط عن االتحاد الدولي‬

‫سنة ‪ 8347‬تحت عنوان‬ ‫اليونسيف‪467‬‬ ‫لحماية األطفال‪ ،466‬ثم بعد ذلك أنشأت هيأة‬

‫"صندوق األمم املتحدة إلغاثة الطفل‪ ،‬وكانت تهدف إلى حماية ماليين األطفال ورعايتهم في‬

‫‪ 84‬دولة قاست من ويالت الحروب‪ ،‬ثم تالها مجموعة من االتفاقيات‪.468‬‬

‫وعليه‪ ،‬فإن أهمية موضوع أحكام البنوة والنسب بين مدونة األسرة واالتفاقيات‬

‫الدولية تتجلى من خالل الجزء األول من املوضوع‪ ،‬والذي هو البنوة والنسب باعتباره‬

‫يتعلق بمستقبل األمة‪ ،‬كما تتضاعف أهميته من خالل الجزء الثاني املتعلق باملواثيق‬

‫الدولية التي اكتسبت صفة اإللزام للدول التي وقعت وصادقت عليها حيث يصير لزاما على‬

‫هذه الدول تغيير قوانينها الداخلية لكي تنسجم مع تلك املواثيق الدولية وال تتعارض معها‪.‬‬

‫‪-465‬حيث نصت المادة ‪ 23‬من نظامها األساسي على تعهد كل الدول األعضاء بالسعي إلى توفير وضمان ظروف عادلة‬
‫للعمل وإنسانية للرجال والنساء واألطفال في بالدهم وفي جميع البلدان األخرى التي تمتد إليها عالقاتهم التجارية والصناعية‬
‫سواء بسواء‪6‬‬
‫‪-466‬حيث جاء في ديباجته أن البشرية مدينة للطفل بأفضل ما يمكن منحه له من حقوق وضمانات دون أي تمييز قائم على‬
‫أساس العرق أو الدين أو العقيدة أو الجنسية‪6‬‬
‫‪ -467‬أنشأت الجمعية العامة لألمم المتحدة مؤسسة األمم المتحدة للمساعدة الدولية الطارئة للطفولة (اليونسيف) بمقتضى‬
‫القرار رقم ‪( 57‬د‪ )1-‬المؤرخ في ‪ 16‬دجنبر ‪61146‬‬
‫‪-468‬من أبرزها االتفاقية الدولية الخاصة بحماية حقوق الطفل‪6‬‬

‫‪P 355‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫كما تبرز أهمية املوضوع من خالل تعدد القوانين التي تضمنت مقتضيات خاصة‬

‫بنسب الطفل‪ ،‬ليس فقط مدونة األسرة واملواثيق الدولية‪ ،‬وإنما أيضا في قانون الحالة‬

‫املدنية‪ ،469‬والقانون الجنائي‪ ،470‬وقانون الجنسية‪.471‬‬

‫واعتبارا لكون موضوع النسب هو صلة اإلنسان بمن ينتمي إليه من اآلباء واألجداد‪،‬‬

‫فإنه يدور حول محورين أساسيين‪ ،‬وهما اإلثبات‪ ،‬بمعنى تأكيد حق متنازع فيه له أثر‬

‫قانوني بالدليل الذي أباحه القانون إلثبات ذلك الحق‪ ،‬والنفي وفق الشروط والضوابط‬

‫الشرعية لذلك‪.‬‬

‫ومن خالل ما سبق عرضه‪ ،‬تثير اإلشكالية األساسية التالية‪ :‬ما هي األحكام التي‬

‫وضعها املشرع املغربي وكذا االتفاقيات الدولية لتنظيم مسائل البنوة والنسب؟؟ وما مدى‬

‫توافقهما مع التطورات العلمية الحديث؟‬

‫ولإلجابة على هذه اإلشكالية سنتناول هذا املوضوع من خالل مبحثين‪ ،‬سنخصص‬

‫األول للبنوة بين املدونة واملواثيق الدولية‪ ،‬على أن نتطرق في املبحث الثاني للنسب بين‬

‫املدونة واملواثيق الدولية‪.‬‬

‫‪ -469‬من خالل المادة الثالثة التي تنص على أنه يخضع لنظام الحالة المدنية بصفة إلزامية جميع الغاربة‪ ،‬كما يسري نفس‬
‫النظام على الجانب بالنسبة للواليات والوفيات التي تقع فوق التراب الوطني‪6‬‬
‫‪-470‬من خالل الفصل ‪ 468‬الذي يعتبر عدم التصريح باالزدياد جنحة‪6‬‬
‫‪-471‬من خالل اعتبار رابطة الدم من طرف األب واألم هي أساس ثبوت الجنسية األصلية‪6‬‬

‫‪P 356‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫املبحث األول‪ :‬البنوة بين املدونة واملواثيق الدولية‬

‫أقرت االتفاقيات الدولية مجموعة من الحقوق لفائدة الطفل ورتبها إما على عاتق‬

‫الدولة أو على عاتق األفراد الناتج عنهم هذا الطفل‪.‬‬

‫ولكي تتحقق هذه الحقوق اللصيقة بالطفل وهي الحق في اإلسم والحق في الهوية‬

‫والحق في الحياة وفي الجنسية والرعاية والتربية والتعليم والصحة وفقا لإلعالن العاملي‬

‫لحقوق الطفل فالبد لقيامها من مشرف على ذلك‪.‬‬

‫وإذا ما تم ربط هذه الحقوق باألشخاص امللزمين بالحرص على تنفيذها والسهر على‬

‫تطبيقها‪ ،‬نجد بالدرجة األولى املساهمين في والدة هذا الطفل‪ ،‬وهما األبوان اعتبارا لكون‬

‫الطفل بيولوجيا هو نتاج عالقة جنسية بين رجل وامرأة‪.‬‬

‫وهذا املبدأ يجد صعوبة في التطبيق من طرف بعض الدول التي تقوم على أسس‬

‫دينية‪ ،‬والتي تحدد رابطة معينة للعالقات الجنسية‪ ،‬وتجعل منها اإلطار القانوني لتحمل‬

‫مسؤوليات تنفيذ حقوق وحاجيات الطفل‪ ،‬ومن بين هذه الدول نجد املغرب الذي يجرم‬

‫اتصال الرجل واملرأة جنسيا خارج إطاره الشرعي‪ ،‬وهو مؤسسة الزواج‪ ،‬حيث يعتبرها فعال‬

‫مجرما يعاقب عليه القانون في إطار الفصل ‪ 430‬من القانون الجنائي عند تطابق إرادتي‬

‫طرفي هذه العالقة‪ ،‬وهو ما ال ينطبق في حالة االغتصاب املجرم قانونا‪.‬‬

‫وبالتالي فإنه على الرغم من إمكانية حدوث حمل ووالدة نتيجة هذا االتصال غير‬

‫الشرعي تبقى الرابطة القانونية في تحمل مسؤولية املولود مختلفة بين الرجل واملرأة‪.‬‬

‫‪P 357‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫وحري بالذكر أن املشرع املغربي تطرق للبنوة ورتب آثارا تختلف بين حالتين وهما‪:‬‬

‫البنوة الشرعية والبنوة غير الشرعية‪ ،‬هذه األخيرة ال تنتج أثرها في مواجهة الطرفين حيث‬

‫تبقى البنوة بالنسبة لألم شرعية وغير شرعية بالنسبة لألم البيولوجي‪ ،‬وهذا األثر ناتج عن‬

‫عدم احترام الشروط والضوابط القانونية والشرعية لهذا االتصال‪.‬‬

‫وبخالف ذلك قد رتب للبنوة الشرعية ضوابط يجب التقيد بها وسلوكها في بعض‬

‫الحاالت حتى يمكن إثبات النسب بها‪.‬‬

‫وقد تطرقت مدونة األسرة إلى تعريف النسب ووسائل إثباته ونفيه غايتها في ذلك‪،‬‬

‫حمايته ملؤسسة الزواج املحمية شرعا ومراعاة املصلحة الفضلى للطفل وفق ضوابط‬

‫الشريعة لتحقيق آثار البنوة الشرعية واملتمثلة في تحمل األبوين ملسؤوليتهما في قيام بكل‬

‫ما يلزم لحفظ حقوق الطفل في انسجام مع ما تضمنته االتفاقيات واملواثيق الدولية‪ .‬في‬

‫هذا الصدد يتبع أباه في نسبه ودينه‪ ،‬ويتوارثان وينتج عنه موانع الزواج‪ ،‬ويترتب عليه‬

‫حقوق وواجبات األبوة والبنوة‪.472‬‬

‫املطلب األول‪ :‬البنوة الشرعية‬

‫قبل الحديث أو باألحرى التطرق إلى موضوع البنوة الشرعية‪ ،‬كان لزاما علينا أن‬

‫نحدد مفهوم البنوة أوال‪ ،‬فالبنوة لغة‪ :‬هي كلمة مشتقة من االبن‪ ،‬واالبن الولد‪ ،‬وأصله بني‬

‫أو بنو ويجمع على أبناء‪.‬‬

‫‪-472‬المادة ‪ 145‬من مدونة األسرة‪6‬‬

‫‪P 358‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫وقد جاء في لسان العرب‪..." :‬البنوة مصدر االبن‪ ،‬يقال‪ :‬ابن بين البنوة‪ ،‬ويقال‪ :‬تبنيته‪،‬‬

‫أي ادعيت بنوته‪ ،‬وتبناه اتخذه ولدا‪.‬‬

‫ومن الناحية االصطالحية‪ ،‬اعتبرت املادة ‪ 847‬من مدونة األسرة أن البنوة تتحقق‬

‫عادة بتنسل الولد من أبويه معا‪ ،‬وهي قد تكون شرعية‪ ،‬وقد تكون غير شرعية حسب‬

‫األحوال‪.473‬‬

‫إذا فاالتصال الجنس ي بين رجل وامرأة أو ذكر وأنثى تكون نتيجته ابنا‪ ،‬فهنا االبن‬

‫يكون ابنا طبيعيا لطرفي العالقة التي كانت سببا في وجوده‪ ،‬فهذه العالقة الجنسية لكي‬

‫تكون شرعية يجب أن تتوفر على شروط محددة‪.‬‬

‫وبالرجوع إلى املادة ‪ 847‬من مدونة األسرة‪ ،‬نجد أن املشرع قد قسم العالقة إلى‬

‫قسمين األولى شرعية والثانية غير شرعية‪ .‬وقد جاء في املادة ‪ 844‬من نفس املدونة على أن‪:‬‬

‫"تكون البنوة شرعية بالنسبة لألب في حاالت قيام سبب من أسباب النسب وتنتج عنها‬

‫جميع اآلثار املترتبة على النسب شرعا"‪.474‬‬

‫وهكذا‪ ،‬يكون هناك تالزم جد واضح بين البنوة الشرعية واألسباب املثبتة للنسب‬

‫الشرعي بالنسبة لألب‪ ،‬ذلك أنه‪ ،‬وحسب هذا النص التشريعي‪ ،‬تكون البنوة شرعية في‬

‫حالة قيام سبب من أسباب ثبوت النسب الشرعي الصحيح الذي تنبني عليه‪ ،‬وهذه‬

‫‪ -473‬محمد الكشبور‪" :‬البنوة والنسب في مدونة األسرة‪ ،‬قراءة في المستجدات البيولوجية" مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬طبعة‬
‫‪ ،2117‬ص‪611 :‬‬
‫‪-474‬المادة ‪ 14‬من مدونة األسرة‪6‬‬

‫‪P 351‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫األسباب األخيرة –حسب مدونة األسرة ‪ -‬هي الفراش واإلقرار والشبهة‪ ،‬وهو ما سيتم التطرق‬

‫إليه في املبحث الثاني‪.‬‬

‫وبالنسبة لألم‪ ،‬نصت الفقرة األخيرة من املادة ‪ 842‬من مدونة األسرة على أنه‪" :‬تعتبر‬

‫بنوة األمومة شرعية في حالة الزوجية والشبهة واالغتصاب‪.475‬‬

‫من هنا نالحظ أن األبوة الشرعية واألمومة الشرعية يلتقيان في سببين اثنين هما‬

‫الزوجية والشبهة‪.‬‬

‫البنوة الشرعية أصل تقتض ي حماية األعراض واألنساب‪ ،‬إذ حسب املادة ‪ 849‬من‬

‫مدونة األسرة‪" :‬تعتبر البنوة بالنسبة لألب واألم شرعية إلى أن يثبت العكس"‪ ،‬وهي حق‬

‫للولد كذلك‪ ،‬رغم عدم إشارة املشرع إلى ذلك الحق في النص‪.‬‬

‫ومن هذه الناحية‪ ،‬يجب على من يدعي خالف هذا األصل الشرعي أن يثبت ما يدعيه‬

‫بالوسائل التي حددها املشرع‪.‬‬

‫ومن البديهي أن إثبات العكس فيه نفي للبنوة‪ ،‬وهو إثبات من الصعوبة بمكان‪ ،‬حيث‬

‫يحتاج إلى التمتع بالصفة كشرط إلقامة الدعوى‪ ،‬وهي غير متوفرة مبدئيا لغير األب‪ ،‬كما‬

‫أن األمر يحتاج إلى صدور حكم قضائي بذلك‪ .‬وهكذا‪ ،‬فقد جاء في مطلع الفقرة الثانية من‬

‫املادة ‪ 829‬من مدونة األسرة أنه‪" :‬يعتبر الفراش بشروطه حجة قاطعة على ثبوت النسب‬

‫ال يمكن الطعن فيه إال من الزوج‪."...‬‬

‫‪-475‬محمد الكشبور‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪621 :‬‬

‫‪P 361‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫وتطبيقا لهذا املقتض ى‪ ،‬جاء في قرار للمجلس األعلى‪" :‬الفراش حجة قاطعة على ثبوت‬

‫النسب‪."...‬‬

‫أما فيما يخص أثر البنوة الشرعية‪ ،‬فهي أثر النسب الصحيح‪ ،‬أضار املشرع املغربي‬

‫إلى أهم هذه اآلثار‪ ،‬باختصار جد شديد ضمن مقتضيات املادة ‪ 822‬من مدونة األسرة وقد‬

‫جاء فيها ما يلي‪:‬‬

‫"متى ثبت النسب ولو في زواج فاسد أو بشبهة أو باالستلحاق‪ ،‬تترتب عليه جميع نتائج‬

‫القرابة‪ ،‬فيمنع الزواج باملصاهرة أو الرضاع‪ ،‬وتستحق به نفقة القرابة واإلرث"‪.‬‬

‫ولقد نظم املشرع تحريم الزواج بسبب القرابة ضمن مقتضيات املادة ‪ 97‬من مدونة‬

‫األسرة‪ ،‬ونظم تحريم الزواج بسبب املصاهرة ضمن مقتضيات املادة ‪ 92‬من نفس املدونة‪،‬‬

‫ونظم تحريم الزواج بسبب الرضاع ضمن مقتضيات املادة ‪ 91‬من نفس املدونة‪.476‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬البنوة غير الشرعية‬

‫عندما تنتج البنوة بالنسبة لألم عن عالقة غير شرعية‪ ،‬يكون الولد غير شرعي ويلحق‬

‫نسبه بنسبها‪.‬‬

‫وتثبت البنوة بالنسبة لألم إما عن طريق واقعة الوالدة‪ ،‬أو إقرار األم أو صدور حكم‬

‫قضائي بها‪.477‬‬

‫‪-476‬محمد الكشبور‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪628-27-26 :‬‬


‫‪ -477‬دليل علمي لمدونة األسرة صادر عن وزارة العدل‪ ،‬من منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية سلسلة‬
‫الشروح والدالئل العدد ‪ ،2114 ،1‬مطبعة فضالة المحمدية‪ ،‬ص‪616 :‬‬

‫‪P 361‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫من هنا يتضح لنا جليا أن مدونة األسرة كانت في صف نسب الطفل وحمايته حتى‬

‫ولو نتج عن عالقة غير شرعية‪ ،‬ومن هذا املنطلق ال يمكن لنا بتاتا أن نتصور سوء نية‬

‫الزوج فهنا ال يعتبر النسب قائما للطفل في حق أبيه‪ .‬وأن جاز لنا أن نتصور هنا بنوة غير‬

‫شرعية لألب فعلية أو طبيعية أو عملية‪ ،‬ومع ذلك ال يترتب عنها أي أثر من آثار البنوة‬

‫الشرعية طبقا للمادة ‪ 841‬من م أ س‪ ،‬هنا يحق لنا أن نتساءل‪ :‬ألم يكن حريا باملشرع‬

‫املغربي أن يعترف بنسب الطفل لوالده في هذه الحالة؟ بل مع إنزال عقوبة قاسية في حق‬

‫من يتعمد سوء في النية في الزواج الباطل‪ ،‬ألن اإلبن أو الطفل ال ذنب له إن كان أبوه‬

‫حسن النية أو س يء النية‪.‬‬

‫*حماية حق الطفل في النسب خارج مؤسسة الزواج في إطار البنوة الشرعية‬

‫قد ينتج الولد عن عالقة غير شرعية ومع ذلك‪ /،‬اعتبرت مدونة األسرة أن اإلبن الناتج‬

‫عن حالة الشبهة أو عن حالة االغتصاب ابنا شرعيا مرة يلحق بأبيه ومره يلحق بأمه‪.‬‬

‫‪-8‬الحالة األولى‪ :‬حالة الشبهة‬

‫هي الحالة التي يقع فيها الوطء بشبهة كمن اتصل بامرأة‪ ،‬ظنها زوجته وظنته زوجها‪،‬‬

‫ففي مثل هذه الحالة يكون النسب شرعيا للمتصل‪ ،‬إذا ظهر باملرأة املتصل بها حمل أثناء‬

‫مدة االستبراء‪ .‬فهنا وحتى خارج الزواج أثبتت مدونة األسرة في مادتها ‪ 822‬النسب للطفل‬

‫واعتبرته شرعيا‪ ،‬كما أتت املدونة بجديد في املادة ‪ ،827‬عندما أقرت النسب حتى للخاطب‬

‫‪P 362‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫للشبهة عندما تحول ظروف قاهرة دون توثيق عقد الزواج وكان قد حصل اإليجاب والقبول‬

‫بالشروط التالية‪:‬‬

‫"أ‪-‬إذا اشتهرت الخطبة بين أسرتيهما ووافق ولي الزوجة عليها عند االقتضاء‪.‬‬

‫ب‪-‬إذا تبين أن املخطوبة حملت أثناء الخطبة‪.‬‬

‫ج‪-‬إذا أقر الخاطبان أن الحمل منهما‪ ...‬إذا أنكر الخاطب أن يكون ذلك الحمل منه‪،‬‬

‫أمكن اللجوء إلى جميع الوسائل الشرعية في إثبات النسب"‪ .‬وهذه املادة لن تستقر إال‬

‫بالتطبيق القضائي الذي سيكشف عن عيوبها ومزايها‪.478‬‬

‫‪-7‬الحالة الثانية‪ :‬حالة االغتصاب‬

‫عندما تتعرض املرأة لالغتصاب‪ ،‬فاملدونة اعتبرت في هذه الحالة أن اإلبن يكون نسبه‬

‫شرعيا لألم‪ ،‬فقد طبقا للفقرة األخيرة من املادة ‪ 842‬من م‪.‬أ‪.‬س‪ ،‬التي جاء فيها "تعتبر بنوة‬

‫األمومة شرعية في حالة الزوجية والشبهة واالغتصاب‪ ،‬وال ينسب ملرتكب فعل االغتصاب‪.‬‬

‫فحتى عندما تتعرض املرأة لالغتصاب راعى املشرع املغربي وضعها ووضعيتها النفسية‬

‫واعتبر اإلبن شرعيا‪.479‬‬

‫‪-478‬في هذا السياق كان قد سبق أن صدر قرار عن المجلس األعلى يحمل رقم ‪ 622‬صادر بتاريخ ‪ 118/15/11‬وهو منشور‬
‫بمجلة القضاء والقانون العدد ‪ 141‬و‪ ،141‬ص‪ ،155 :‬يتعلق بموضوع حمل المخاطبة وجاء فيه أن المحكمة لما تيقنت‬
‫من أن المرأة وضعت حملها بعد الزواج بأربعة أشهر فقط وألحقت مع ذلك نسب هذا المولد بالزوج بناءا عليه ثبت للمحكمة‬
‫أنه كان يعاشرها معاشرة األزواج قبل أن يعقد عليها أخذ بالنظرية الفقهية القائلة يجوز اعتبار الحمل الذي يظهر بالمخطوبة‬
‫قبل أن يعقد عليها الخاطب ولحوق نسب به‪ ،‬إذا أمكن االتصال تكون المحكمة بصنعها هذا قد خالفت أصول الفقه المعمول‬
‫به والحديث الشريف‪ ،‬الولد للفراش أي للعقد الصحيح بعد إمكان الوطء‪ ،‬وجاءت بعد ستة أشهر من العقد‪ "666‬أورد هذا‬
‫القرار إبراهيم بحماني‪ ،‬في م س‪ ،‬ص‪ 51 :‬بهذا يتضح أن المجلس األعلى في هذا القرار الذي أصدره في ظل مدونة‬
‫األحوال الشخصية عارض المادة ‪ 157‬من م أ س‪ ،‬واتجه اتجاها مخالفا لها لكن بمقتضى هذه المادة تغيرت األمور وسننظر‬
‫كيفية تطبيق المجلس األعلى لها‪6‬‬
‫‪-479‬مقتضيات الجديدة لمدونة‪ ،‬م س‪ ،‬ص‪151 :‬و‪6161‬‬

‫‪P 363‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫حماية حق الطفل في النسب في الزواج الباطل‬

‫يكون الزواج باطال طبقا للمادة ‪ 22‬من م‪.‬أ‪.‬س‪ ،‬إذا اختل فيه اإليجاب والقبول‪ ،‬أو‬

‫إذا اعتبره أحد املوانع املؤبدة أو املؤقتة املنصوص عليها في املادة ‪ 93‬من نفس املدونة‪.‬‬

‫فالزواج الباطل هو الزواج املنعدم الذي يمكن للمحكمة أن تصرح ببطالنه إما تلقائيا ألن‬

‫البطالن في هذه الحالة هو من النظام العام أو إما بطلب ممن يعينه األمر طبقا للمادة ‪21‬‬

‫من م‪.‬أ‪.‬س‪.‬‬

‫ويترتب عن هذا الزواج الباطل عند حسن النية ثبوت النسب‪ ،‬أما في حالة سوء النية‬

‫فال يمكن الحديث عن ثبوت النسب‪ ،‬وذلك حتى ال يفتح املجال تمثل فإنه العالقات غير‬

‫الشرعية وترتكب عن عمد‪.480‬‬

‫*حماية حق الطفل في النسب في الزواج الفاسد‬

‫قسمت املدونة الزواج الفاسد إلى قسمين الفاسد لصداقه‪ ،‬والفاسد لعقده‪.‬‬

‫فالفاسد لصداقه يفسخ قبل البناء وال صداق فيه ويصح بعد البناء بصداق املثل‬

‫املادة ‪ 70‬من م‪.‬أ‪.‬س‪.‬‬

‫وأما الفاسد لعقده فيفسخ قبل البناء وبعده حسب نص املادة ‪ 78‬من م‪.‬أ‪.‬س‪ ،‬في‬

‫الحاالت التالية‪:‬‬

‫‪-480‬المقتضيات الجديدة لمدونة األسرة من خالل أجوبة السيد وزير العدل ووزير األوقاف والشؤون اإلسالمية‪ ،‬عن األسئلة‬
‫واالستفسارات المثارة أثناء مناقشة مشروع المدونة أمام مجلسي البرلمان منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية‬
‫والقضائية‪ ،‬سلسلة الشروح والدالئل‪ ،‬مطبعة فضالة المحمدية العدد ‪ ،2114 ،4‬ط األولى‪ ،‬ص‪6111-118 :‬‬

‫‪P 364‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫"إذا كان الزواج في املرض املخوف ألحد الزوجين‪ ،‬إال أن يشفى املريض بعد الزواج‪.‬‬

‫‪-‬إذا قصد الزواج تحليل املبثوتة ملن طلقها ثالثا‪.‬‬

‫‪-‬إذا كان الزواج بدون ولي في حالة وجوبه"‪.‬‬

‫وتترتب عن الزواج الفاسد سواء لصداقة أو لعقده‪ ،‬إذا وقع فيه البناء جميع آثار‬

‫الزواج الصحيح بما في ذلك ثبوت نسب األطفال"‪.481‬‬

‫وهكذا يتضح لنا أن مدونة األسرة كانت صريحة أكثر من االتفاقيات الدولية ذات‬

‫الصلة بخصوص حماية نسب األطفال‪ ،‬وذلك بتشريعها أحكاما مفصلة تبين كيفية ثبوت‬

‫النسب األطفال‪ ،‬وذلك بتشريعها أحكاما مفصلة تبين كيفية ثبوت النسب وكذا اآلثار‬

‫املترتبة عن ثبوته‪.‬‬

‫املبحث الثاني‪ :‬النسب بين املدونة واملواثيق الدولية‬

‫النسب لغة هو القرابة‪ ،‬وقيل هو في اآلباء خاصة‪ ،‬وانتسب واستنسب‪ ،‬ذكر نسبه‪.482‬‬

‫ويطابق املفهوم االصطالحي للنسب مفهومه اللغوي‪ ،‬فهو القرابة‪ ،‬وهي االتصال بين‬

‫فردين باالشتراك في والدة قريبة أو بعيدة‪ ،483‬ومن ذلك قوله تعالى‪﴿ :‬فجعل منه نسبا‬

‫وصهرا﴾‪.484‬‬

‫‪-481‬إبراهيم بحماني" "نسب األبناء في الزواج الفاسد" مقال منشور بمجلة القضاء والقانون العدد ‪ 141‬لسنة ‪ ،31‬ص‪:‬‬
‫‪ 23‬إلى ‪651‬‬
‫‪-482‬مجد الدين الفيروز أبادي‪" :‬القاموس المحيط" دار إحياء التراث العربي‪ ،‬سنة ‪ ،2111‬ص‪6221 :‬‬
‫‪-483‬محمود محمد حسن‪" :‬النسب وأحكامه في الشريعة اإلسالمية وفي القانون الكويتي" مطبعة الفجر الكويتية‪،1111 ،‬‬
‫ص‪6372 :‬‬
‫‪-484‬اآلية ‪ 54‬من سورة الفرقان‪6‬‬

‫‪P 365‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫املطلب األول‪ :‬وسائل إثبات النسب‬

‫لقد تبنى املشرع املغربي مبدأ املرونة في ثبوت النسب تماشيا مع التوجه الذي أقرت‬

‫فيه مصلحة الطفل أوال ويظهر ذلك من خالل ما نص عليه في املادة ‪ 828‬بقوله يثبت‬

‫النسب بالظن‪ ....‬وبالنظر إلى تبني هذا األخير الوسائل الحديثة‪ ،‬كان له وقع على املمارسة‬

‫القضائية بخصوص إعمالها من عمده واعتماد حجيتها‪ ،‬مما ارتأينا معه تطعيم العرض في‬

‫هذا الشق بمجموعة من األحكام والقرارات التي تصب في صلب املوضوع‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬وسائل اإلثبات التقليدية‬

‫تناول املشرع في إطار املادة ‪ 827‬من مدونة األسرة ما يلي‪:‬‬

‫‪-‬أسباب لحوق النسب‪:‬‬

‫‪-8‬الفراش‬

‫‪-7‬اإلقرار‬

‫‪-9‬الشبهة‪.485‬‬

‫وقد نصت املادة ‪ 821‬من نفس املدونة على أنه‪" :‬يثبت النسب بالفراش أو بإقرار‬

‫األب‪ ،‬أو بشهادة عدلين‪ ،‬أو ببينة السماع‪ ،‬وبكل الوسائل األخرى املقررة شرعا بما في ذلك‬

‫الخبرة القضائية"‪.486‬‬

‫‪ -485‬المادة ‪ 153‬من مدونة األسرة‪6‬‬


‫‪ -486‬المادة ‪ 158‬من مدونة األسرة‪6‬‬

‫‪P 366‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫املالحظ من خالل املادتين ‪ 827‬و‪ 821‬من املدونة‪ ،‬أن من أهم الوسائل التقليدية‬

‫إلثبات النسب‪-8 :‬الفراش‪-7 ،‬اإلقرار‪-9 ،‬الشبهة‪-4 ،‬شهادة العدلين‪-2 ،‬بينة السماع‪.‬‬

‫أوال‪ :‬إثبات النسب بالفراش‬

‫‪-8‬مفهوم الفراش‬

‫يقصد بالفراش‪ ،‬من الناحية اللغوية‪ ،‬ما يبسط عادة للنوم أو للجلوس عليه‪ ،‬ويطلق‬

‫هذا اللفظ أحيانا على املرأة التي يستمتع بها زوجها‪ ،487‬انطالقا من قوله تعالى‪﴿ :‬وفرش‬

‫مرفوعة إذا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكارا عريا أترابا ألصحاب اليمين﴾ ‪ .488‬واملفرد‬

‫فراش –عن النساء وهن الحور العين‪.489‬‬

‫واصطالحا يقصد بالفراش الزوجية القائمة بين الرجل واملرأة‪ ،‬أو إن املرأة معدة‬

‫للوالدة من رجل معين‪.490‬‬

‫‪‬من حيث املبدأ‪:‬‬

‫‪-‬إبرام عقد زواج صحيح‬

‫‪ -487‬وفي لسان العرب‪" :‬الفراش الزوج‪ ،‬والفراش المرأة‪ ،‬والفراش ما ينامان عليه‪ ،‬والفراش البيت‪ ،‬والفراش عش الطائر"‬
‫ابن منظور‪ ،‬م س‪ ،‬ص‪63116 :‬‬
‫‪-488‬اآلية من ‪ 34‬إلى ‪ 38‬من سورة الواقعة‪6‬‬
‫‪ -489‬محمد مصطفى شلبي‪" :‬أحكام األسرة في اإلسالم‪ ،‬دراسة مقارنة" دار النهضة العربية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان ‪ ،1177‬ص‪:‬‬
‫‪6683‬‬
‫‪-490‬محمد مصطفى شلبي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪6684 :‬‬

‫‪P 367‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫الزواج الصحيح هو الذي استجمع كافة أركانه ككل شروط صحته‪ ،‬وهو زواج مرتب‬

‫آلثاره الشرعية‪ ،‬ولعل من أهم هذه اآلثار ثبوت نسب األوالد الذين يولدون على فراش‬

‫الزوجية لصاحب الفراش دون غيره‪.491‬‬

‫‪‬من حيث االستثناء‬

‫‪-‬ثبوت النسب في االتصال بالشبهة‬

‫لغة‪ :‬مشتقة من فعل شبه‪ ،‬يقال الشبه كالشبيه ويقصد بذلك املثل‪ ،‬كالجمع أشباه‪،‬‬

‫وأشبه الش يء ماثله‪ ،‬وفي املثل من أشباه أباه فما ظلم‪ ،‬وتشابه الشبان واشتبها‪ ،‬أشبه كل‬

‫منهما صاحبه‪.‬‬

‫وشبه عليه‪ :‬خلط عليه األمر حتى اشتبه بغيره‪ ،‬كشبه الش يء إذا أشكل‪ ،‬واشتبه األمر‬

‫إذا اختلط‪.‬‬

‫‪-‬اصطالحا‪ :‬هو االتصال الغير شرعي بين رجل وامرأة‪ ،‬مع اعتقاد الرجل شرعية‬

‫االتصال نتيجة غلط في الواقع والتزوج بمن تحرم عليه نسبا أو رضاعا أو مصاهرة وهو ال‬

‫يعلم العالقة الرابطة بينهما التي تشكل مانعا للزواج‪ ،‬أو في الشخص أو في الحكم الشرعي‬

‫مثل العقد على امرأة في العدة‪ ،‬أو بعد أن طلقها ثالث مرات وقبل أن تتزوج غيره جاهال أن‬

‫الشريعة تمنع هذا الزواج‪.492‬‬

‫‪-491‬محمد الكشبور‪" :‬الوسيط في شرح مدونة األسرة‪ ،‬الكتاب الثاني‪ ،‬انحالل ميثاق الزوجية وأثره" طبعة ‪ ،2111‬مطبعة‬
‫النجاح الجديدة‪ ،‬ص‪6113 :‬‬
‫‪-492‬عبد الكريم شهبون‪" :‬الشافي في شرح مدونة األسرة" الجزء األول‪ ،‬ص‪6373 :‬‬

‫‪P 368‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫أنواع الشبهة‪:‬‬

‫الشبهة بمعناه العام هي كل ما لم يتيقن منه‪ ،‬هل هي حالل أم حرام‪ ،‬وحددت أنواع‬

‫الشبهة التي يثبت بها النسب في ثالث‪:‬‬

‫‪‬شبهة امللك‬

‫ويطلق عليها أيضا شبهة الحل‪ ،‬وتعد حكمية الرتباطها بحكم الشارع‪ ،‬ومن أمثلتها‬

‫مواقعة األب لجارية ابنه ظنا إباحتها له‪ ،‬لقوله صلى هللا عليه وسلم‪" :‬أنت ومالك ألبيك"‬

‫رواه اإلمام أحمد‪ .‬كما تتجسد أيضا في مخالطة الرجل ملطلقته طالقا بائنا وهي في عدتها‬

‫منه ظنا أن ذلك جائز ومشروع مستندا في ذلك على حديث سيدنا عمر رض ي هللا عنه‬

‫"الكتابة رواجع"‪.493‬‬

‫‪‬شبهة العقد‬

‫هي التي تكون مقرونة بوجود العقد صورة ال حقيقة‪ ،‬كحالة الرجل الذي يعقد على‬

‫امرأة‪ ،‬ثم تبين له فساد العقد لوجود سبب من األسباب املوجبة لفساده‪ ،‬ومن أمثلة ذلك‪:‬‬

‫عقد رجل على معتدة الغير‪ ،‬أو على من هي محرمة عليه رضاعا‪ ،‬أو مصاهرة أو نسبا‪ ،‬وهو‬

‫يظن الحل لجهله بكونها محرمة عليه‪.‬‬

‫‪-493‬مشار إليه عند محمد ابن معجوز في كتاب أحكام النسب في الشريعة اإلسالمية‪ ،‬ص‪632 :‬‬

‫‪P 361‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪‬شبهة الفعل‬

‫وتسمى أيضا شبهة اشتباه‪ ،‬وتتحقق في حالة من اشتبه عليه الحل والحرمة‪ ،‬كأن‬

‫يظن الرجل ما ليس بدليل‪ ،‬بمعنى دليل موجب لفعله دون أن يكون ذلك في الواقع‪ ،‬وهذه‬

‫الشبهة تسقط الحد‪ ،‬كحالة املرأة التي زقت غلى رجل كقيل له هي زوجتك فوطنها ولم تكن‬

‫كذلك‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬إثبات النسب لإلقرار‬

‫‪-8‬مفهوم اإلقرار‬

‫اإلقرار في اللغة هو اإلذعان للحق واالعتراف به‪.‬‬

‫ومن الناحية االصطالحية‪ ،‬فاإلقرار لدى جانب من الفقه هو عبارة عن "خير يوجب‬

‫حكم صدقه على عائله بلفظه أو بلفظ نائبه"‪.494‬‬

‫‪-7‬أنواع اإلقرار‬

‫اإلقرار أربعة أنواع‪ :‬اإلقرار املباشر‪ ،‬اإلقرار غير املباشر‪ ،‬اإلقرار باألمومة‪ ،‬اإلقرار‬

‫باألبوة‪ ،‬إال أن املشرع املغربي لم يشر إال للنوعين األوليين فقط‪ ،‬وهو ما سنتطرق إليه أيضا‬

‫اقتفاءا ألثر املشرع‪.‬‬

‫أ‪-‬اإلقرار املباشر‬

‫‪-494‬محمد الكشبور‪ ،‬م س‪ ،‬ص‪6114 :‬‬

‫‪P 371‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫واملقصود به هو اإلقرار بالنسب على نفس املقر‪ ،‬أي إقرار الرجل لطفل أنه ابنه‬

‫شريطة أن يكون هذا الطفل مجهول النسب‪ ،‬وبالتالي يثبت نسبه إلى هذا املقر‪ ،‬وهو ما‬

‫صرحت به املادة ‪ 870‬من مدونة األسرة‪" :‬يثبت النسب بإقرار األب ببنوة املقر به ولو في‬

‫مرض املوت"‪.495‬‬

‫يستنتج من هذه املادة أن املقصود هنا هو اإلقرار املباشر الصادر عن األب ببنوة‬

‫اإلبن‪ ،‬حتى لو كان عاجزا وعبرت املدونة عن ذلك بمرض املوت‪.‬‬

‫ب‪-‬اإلقرار غير املباشر‬

‫معناه تحميل النسب على غير املقر من القرابة‪ ،‬ويسمى اإلقرار أن بفرع النسب‪،‬‬

‫كاإلقرار باألخوة واألعمام واألجداد وأوالد األوالد‪ ،‬وهو ما يسميه الفقهاء‪ ،‬إقرار فيه حمل‬

‫النسب على غير املقر ابتداء ثم يتعدى إليه نفسه‪ ،‬ومثاله إذا أقر إنسان بأن هذا حفيدي‪،‬‬

‫فإن هذا اإلقرار فيه تحميل النسب على ابنه‪.‬‬

‫وقد نصت املادة ‪ 878‬من مدونة األسرة على أنه‪" :‬ال يثبت النسب بإقرار غير األب"‪.496‬‬

‫‪-9‬شروط اإلقرار‬

‫‪-495‬المادة ‪ 161‬من مدونة األسرة‪6‬‬


‫‪-496‬المادة ‪ 161‬من مدونة األسرة‪6‬‬

‫‪P 371‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫لصحة اإلقرار يشترط أربعة شروط طبقا للمادة ‪ 870‬من مدونة األسرة‪ ،‬فقد جاء في‬

‫املادة املذكورة على أنه‪" :‬يثبت النسب بإقرار األب ببنوة املقر به ولو في مرض املوت‪ ،‬وفق‬

‫الشروط اآلتية‪:‬‬

‫‪-8‬أ‪ ،‬يكون األب املقر عاقال‪.‬‬

‫‪-7‬أال يكون الولد املقر به معلوم النسب‪.‬‬

‫‪-9‬أن ال يكذب املستلحق –بكسر الحاء –عقل أو عادة‪.‬‬

‫‪-4‬أن يوافق املستلحق –بفتح الحاء‪ -‬إذا كان راشدا حين االستلحاق‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬إثبات النسب عن طريق شهادة العدلين أو بينة السماع‬

‫‪-8‬شهادة العدلين كوسيلة إلثبات النسب‬

‫الشهادة لغة إسم مشتق من املشاهدة‪ ،‬وهي املعاينة‪ ،‬ألن الشاهد يخبر عما شاهده‬

‫وعاينه‪ ،‬وقيل الشهادة مأخوذة من اإلعالم من قوله تعالى‪﴿ :‬شهد هللا أنه ال إله إال هو﴾‬

‫أي علم‪ ،‬ال يحل ألحد أن يشهد إال بعلم والعلم يحصل بالرؤيا أو بالسماع أو باستفاضة‬

‫فيما يتعذر علمه غالبا بدونها‪ ،‬كما يقال لها أيضا البينة‪ ،‬وهي مأخوذة من الناحية اللغوية‬

‫من البيان والوضوح‪ ،‬واستبان الصبح وضح‪ ،‬وهو على بينة من أمره‪ ،‬أي على وضوح‪.‬‬

‫‪P 372‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫والشهادة في حقيقتها إخبار الناس بحق ما لغيره على غيره‪ ،‬ومن هنا يتضح اختالفها‬

‫عن اإلقرار الذي يعد في جوهره إخبار الناس بحق لغيره على نفسه‪ ،‬إضافة إلى أنها "أي‬

‫الشهادة تعتبر واجبة من الناحية الشرعية كذلك تطبيقا لقوله تعالى‪.497﴾﴿ :‬‬

‫‪-7‬بينة السماع‪ ،‬مفهومها وأنواعها‬

‫‪-‬مفهومها‬

‫باإلضافة إلى شهادة العدلين يمكن إثبات النسب عن طريق بينة السماع كما جاء في‬

‫مدونة األسرة‪ ،‬ويقصد بشهادة السماع من الناحية الفقهية‪ ،‬إخبار الشاهد أمام القضاءأنه‬

‫سمع سماعا فاشيا بأن واقعة ما قد تحققت‪ ،‬وفي الوقت الحاضر أن يشهد شاهد أنه قد‬

‫سمع سماعا فاشيا ان فالنا ابن فالن‪ ،‬أو أن فالنا أبا لفالن‪.498‬‬

‫‪-‬أنواعها‪:‬‬

‫أ‪-‬الشهادة األصلية‬

‫وهي التي يكون مضمونها كموضوعها من إمالء العاقد املشهود عليه أو "املتعاقدين‬

‫املشهود عليهما"‪ ،‬على الشاهد العدل أو "الشاهدين العدلين"‪ ،‬الذي يقتصر دوره على‬

‫تسجيل ما يسمعه والشهادة عليه‪ ،‬كما هو األمر في عقد البيع أو الهبة‪ ،‬والزواج أو الطالق‪.‬‬

‫ب‪-‬الشهادة االسترعائية‬

‫‪-497‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪6282‬‬


‫‪-498‬محمد الكشبور‪" :‬الوسيط في قانون األحوال الشخصية" ص‪6421 :‬‬

‫‪P 373‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫هي التي يمليها العدل من حفظه ويسندها إلى علمه أي أن العدل يشهد بما يعلم‪،‬‬

‫وهذا النوع يطلق عليه كذلك "الشهادة العلمية"‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬وسائل اإلثبات الحديثة‬

‫مما الشك فيه أنه يوجد في يومنا هذا مجموعة من الوسائل الحديثة التي تساهم في‬

‫إثبات النسب‪ ،‬وللتعرف على هذه الوسائل‪.‬‬

‫أوال‪ :‬إثبات النسب عن طريق فحص فصائل الدم‬

‫ففصيلة الدم يستعان بها لنفي النسب ال إلثباته‪ ،‬بصيغة أخرى ففحص فصيلة دم‬

‫األبوين والولد يحيل على أحد الفرضين‪:‬‬

‫‪-‬الفرض األول‪ :‬ظهور فصيلة دم الولد مخالفة ملقتضيات تناسل الزوجين دليل على‬

‫أن الزوج ليس هو األب الحقيقي للطفل كذلك على وجه التأكيد‪.499‬‬

‫فمثال إذا كانت فصيلة دم الزوجين ‪ o‬وكانت فصيلة الطفل ‪ ،A‬فهذا يعني أن هذا‬

‫الطفل ليس من هذا األب‪.‬‬

‫‪-‬الفرض الثاني‪ :‬ظهور فصيلة دم الولد متوافقة ملقتضيات تناسل فصيلتي دم‬

‫الزوجين‪ ،‬معناه أن األب قد يكون األب الحقيقي وقد ال يكون‪ ،‬كذلك أن الفصيلة الواحدة‬

‫يشترك فيها أناس كثيرون‪ ،‬ويحتمل أن يكون األب واحدا منهم‪.500‬‬

‫‪-499‬عائشة سلطان إبراهيم المرزوقي‪ ،‬ص‪6271 :‬‬


‫‪ -500‬إبراهيم أحمد عثمان‪ّ :‬دور البصمة الوراثية في إثبات النسب والجرائم الجنائية" المؤتمر العربي األول لعلوم األدلة‬
‫الجنائية والطب الشرعي‪ ،‬جامعة نايف العربية للعلوم األمنية‪ ،‬الرياض‪ ،1428-2117 ،‬ص‪613 :‬‬

‫‪P 374‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫فإذا كانت فصيلة األبوين كالطفل ‪ A‬فهذا ليس دليال مؤكدا وقاطع على إثبات نسبه‬

‫إلى الزوج باعتباره أبا حقيقا لوجود آباء لديهم نفس فصيلة الدم‪.‬‬

‫من خالل ما سبق توضيحه‪ ،‬تبين لنا أن فحص الدم يمكن اعتمادها كدليل قاطع‬

‫للنفي‪ ،‬لكن ال يمكن اعتبارها دليل إثبات إلثبات النسب تأكيدا‪ ،‬بل هي تفتقد البرهان‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬إثبات النسب عن طريق البصمة الوراثية‬

‫تعتبر البصمة الوراثية من بين املستجدات العلمية التي كرستها مدونة األسرة‬

‫بخصوص إثبات النسب‪ ،‬لكونها تضمنت مجموعة من الحقوق لفائدة الطفل معززة‬

‫مكانته داخل األسرة‪ ،‬وذلك بتثبيت حقه في االنتساب إلى أبيه‪ ،‬وقد اعتمدها املشرع املغربي‬

‫كوسيلة إلثبات النسب أو نفيه‪ ،‬وقد أشارت مدونة األسرة في املادة ‪ 821‬إلى أن البصمة‬

‫كوسيلة غال يلتجأ إليها إال في حالة النزاع‪ ،‬أو في حالة اختالل شروط الفراش‪ ،‬أو إذا تعذر‬

‫معرفة من ينسب إليه الولد‪.‬‬

‫كما أشارت املادة ‪ 829‬من نفس املدونة إلى أن الفراش حجة قاطعة على ثبوت‬

‫النسب‪ ،‬ال يمكن الطعن فيه إال من طرف الزوج عن طريق اللعان‪ ،‬أو خبرة تفيد القطع‬

‫بشرطين‪ ،‬أولهما إدالء الزوج بدالئل قوية على إدعانه‪ ،‬ثم صدور أمر قضائي بهذه األخيرة‪.‬‬

‫وقد جاء في حكم للمحكمة االبتدائية "أن الفراش بشروطه يعتبر حجة قاطعة على‬

‫ثبوت النسب ال يمكن الطعن فيه إال من طرف الزوج عن طريق اللعان‪ ،‬أو بواسطة خبرة‬

‫‪P 375‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫طبية تفيد القطع بشرطين‪ :‬إدالء الزوج بدالئل قوية على إدعائه وصدور أمر قضائي بهذه‬

‫الخبرة"‪.501‬‬

‫وجاء في حكم آخر للمحكمة االبتدائية "ال يمكن للمحكمة أن تأمر بإجراء خبرة طبية‬

‫إال إذا عزز الزوج ادعائه بقرائن قوية ترجح صدقه فيه‪ ،‬وهو ما كان مسافرا أو غائبا عن‬

‫زوجته منذ تاريخ اقترانه بها‪ ،‬فضال على أنه في حالة ثبوت ذلك السفر داخل املغرب ال يمنع‬

‫اتصال الزوج بزوجته وال يفيد استحالة ذلك"‪.502‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬وسائل نفس النسب‬

‫إذا كان املشرع قد توسع في األخذ بمبدأ الظن بثبوت النسب إال أنه على عكس ذلك‬

‫قد ضيق في نفس النسب وربطه بصدور حكم قضائي من خالل نفس املادة ‪ 828‬والتي جاء‬

‫فيها (يثبت النسب بالظن وال ينفي إال بحكم قضائي) وهو ما يستشف منه تشوف املشرع‬

‫للحقوق األنساب على نفيها وهو ما يتماش ى وفلسفة املواثيق واالتفاقيات الدولية التي أقرت‬

‫في العديد من مقتضياتها املشار إليها‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬وسائل نفي النسب التقليدية‬

‫في هذه الفقرة سنتحدث عن نفي النسب عن طريق اختالل شروط الفراش (أوال)‪،‬‬

‫و(ثانيا) عن نفي النسب بواسطة اللعان‪.‬‬

‫‪-501‬حكم المحكمة اإلبتدائية صادر بتاريخ ‪ 28-11-2116‬الملف عدد ‪ 3-16-245‬منشور في الملتقى من عمل القضاء في‬
‫تطبيق مدونة األسرة‪ ،‬ص‪6255 :‬‬
‫‪-502‬حكم المحكمة بالراشيدية‪ ،‬بتاريخ ‪ ،2116-11-28‬ملف عدد ‪ 3-16-245‬المنتقى من عمل القضاء في تطبيق مدونة‬
‫األسرة‪ ،‬م نفسه‪ ،‬ص‪6255 :‬‬

‫‪P 376‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫أوال‪ :‬نفي النسب عن طريق اختالل شروط الفراش‬

‫يعتبر الفراش أقوى األسباب القانونية لثبوت النسب‪ ،‬وقاعدة الولد للفراش هي‬

‫مستمدة في أصلها من حديث نبوي شريف‪ ،‬لقوله صلى هللا عليه وسلم في خطبة يوم حجة‬

‫الوداع "الولد للفراش وللعاهر الحجر"‪.503‬‬

‫ثانيا‪ :‬نفي النسب بواسطة اللعان‬

‫‪-8‬مفهوم اللعان‬

‫اللعان من الناحية اللغوية يفيد البعد‪ ،‬يقال عادة لعنه هللا‪ ،‬أي أبعده عنه‪ ،‬فهو‬

‫لعين وملعون ولعن نفسه إذا قال ابتداء عليه لعنة هللا‪.504‬‬

‫ومن الناحية االصطالحية‪ ،‬فاللعان حسب الفقيه املالكي ابن عرفة يتمثل في‪:‬‬

‫"‪...‬حلف الزوج على زنا زوجته أو نفي حملها الالزم له وحلفها على تكذيبه إن أوجب‬

‫نكولها حدها بحكم خاص‪.505 "...‬‬

‫‪-7‬صور اللعان‬

‫أ‪-‬أن يدعي أنه رأى زوجته تزني‬

‫ب‪-‬أن ينفي حملها عنه‬

‫‪-503‬وسائل إثبات النسب ونفيه بين الشريعة والقانون المغربي‪6‬‬


‫‪-504‬محمد الكشبور‪ ،‬م س‪ ،‬ص‪6155 :‬‬
‫‪-505‬محمد الكشبور‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪6156-155 :‬‬

‫‪P 377‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫وقد تدرج قرار للمجلس األعلى بهذا الخصوص‪ ،‬حيث جاء‪" :‬من املتفق عليه أن‬

‫الوضع ألقل من ستة أشهر ينفي النسب بغير لعان‪ ،‬لقيام املانع الشرعي على نفيه"‪.506‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬وسائل نفي النسب الحديثة‬

‫لقد عملنا على توضيح الوسائل الحديثة لنفي النسب في املطلب األول من هذا‬

‫املبحث‪ ،‬وذلك من خالل فحص فصائل الدم والبصمة الوراثية‪ ،‬ومن هنا سنذهب إلى‬

‫التعرف على موقف مدونة األسرة‪.‬‬

‫تنص املادة ‪ 87‬من مدونة األسرة على ما يلي‪" :‬إذا حالت أسباب قاهرة دون توثيق‬

‫العقد في وقته‪ ،‬تعتمد املحكمة في سماع دعوة الزوجية على سائر وسائل اإلثبات وكذا‬

‫الخبرة‪."...‬‬

‫وتنص املادة ‪ 829‬على أنه‪" :‬يثبت الفراش بما تثبت به الزوجية‪.‬‬

‫يعتبر الفراش بشروطه حجة قاطعة على ثبوت النسب‪ ،‬ال يمكن الطعن فيه إال من‬

‫الزوج عن طريق اللعان‪ ،‬أو بواسطة خبرة تفيد القطع بشرطين‪:‬‬

‫‪-‬إدالء الزوج املعني بدالئل قوية على ادعائه‪.‬‬

‫‪-‬صدور أمر قضائي بهذه الخبرة"‪.‬‬

‫‪-506‬وسائل إثبات النسب ونفيه بين الشريعة والقانون المغربي‪ ،‬ص‪681 :‬‬

‫‪P 378‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫وقد جاء في املادة ‪ 821‬من نفس املدونة على أنه‪" :‬يثبت النسب بالفراش أو بإقرار‬

‫األب‪ ،‬أو بشهادة عدلين‪ ،‬أو ببينة السماع‪ ،‬وبكل الوسائل املقررة شرعا بما في ذلك الخبرة‬

‫القضائية"‪.507‬‬

‫من خالل املواد التي ذكرناها سلفا‪ ،‬نجد أن الخبرة القضائية هي وسيلة من وسائل‬

‫إثبات النسب‪.‬‬

‫خاتمة‪:‬‬

‫بناء على ما سبق نالحظ أن املشرع املغربي ظل متوافقا مع موقف الفقه اإلسالمي‬

‫املالكي من النسب إلى درجة التطابق‪ ،‬وهذا في نظرنا ال يعود إلى النقل الحرفي ملعالجة هذا‬

‫الفقه ملوضوع النسب‪ ،‬بل إلى اإلعمال العقلي واملنطقي لهذا الفقه‪ ،‬واكتشاف أن معالجته‬

‫للنسب هي صالحة لكل زمان ومكان‪ ،‬وتأخذ في اعتبارها بالدرجة األولى مصلحة الولد‬

‫املزداد أو الذي سيزداد‪ ،‬وذلك بلحوق نسب الولد إلى أبيه أوال‪ ،‬ثم ثانيا صيانة هذا النسب‬

‫طوال حياة الولد‪ ،‬وبدرجة موازية رعى الفقه اإلسالمي املالكي أيضا مصلحة املرأة الحامل‬

‫سواء أكانت متزوجة أو مخطوبة‪ ،‬وذلك حفاظا لشرفها‪ ،‬وتجنب لحقوق عار ابن الزنا‬

‫لوليدها‪.‬‬

‫‪-507‬محمد الكشبور‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪118 :‬و‪6111‬‬

‫‪P 371‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫والفقه اإلسالمي لم يقف عند مصلحة املرأة والولد‪ ،‬بل من خالل مصلحة هذين‬

‫األخيرين‪ ،‬ستمكن الرجل من حفظ شرفه ونسب أجداده في ولده‪ ،‬وذلك في إطار نظام‬

‫شرعي إسمه الزواج‪ ،‬غايته حفظ األنساب من الضياع‪.‬‬

‫إال أن ما نسجله على املشرع املغربي رقم املستجدات القيمة التي جاء بها في مدونة‬

‫األسرة‪ ،‬هو الحيف الواقع في حق املرأة والذي تتجسد مالمحه في حالة البنوة غير الشرعية‬

‫حيث ال يتحمل أب اإلبن غير الشرعي أية مسؤولية تطلق‪ ،‬رغم أنه مشارك في ارتكاب جريمة‬

‫الزنا التي أدت إلى الحمل الغير الشرعي‪ ،‬وهللا سبحانه وتعالى في ذكره الحكيم لم يعاقب‬

‫املرأة وحدها في جريمة الزنا بل ساوى بينها وبين الرجل في حد الزنا‪ ،‬وبهذا فمن املفروض‬

‫أن يتحمل هذا الرجل نتيجة خطئه‪ ،‬وأن يتحمل مسؤولية هذا الطفل املزداد ولو من‬

‫الناحية املادية‪ ،‬وذلك استنادا لقواعد املسؤولية املدنية (الفصل ‪ 22‬من قانون االلتزامات‬

‫والعقود املغربي)‪ ،‬التي تلزم كل إنسان ارتكب فعال عن بينة ومن غير أن يسمح به القانون‬

‫فأحدث ضررا للغير ماديا أو معنويا بتعويض هذا الضرر إن كان الفعل هو السبب في‬

‫حدوث الضرر‪.‬‬

‫‪P 381‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫الئحة املراجع‪:‬‬

‫‪ ‬إبراهيم أحمد عثمان‪ :‬دور البصمة الوراثية في إثبات النسب والجرائم الجنائية"‬

‫املؤتمر العربي األول لعلوم األدلة الجنائية والطب الشرعي‪ ،‬جامعة نايف العربية للعلوم‬

‫األمنية‪ ،‬الرياض‪.8471-7002 ،‬‬

‫‪ ‬إبراهيم بحماني‪" :‬نسب األبناء في الزواج الفاسد" مقال منشور بمجلة القضاء‬

‫والقانون العدد ‪ 843‬لسنة ‪.98‬‬

‫‪ ‬أجوبة السيد وزير العدل ووزير األوقاف والشؤون اإلسالمية‪ ،‬عن األسئلة‬

‫واالستفسارات املثارة أثناء مناقشة مشروع املدونة أمام مجلس ي البرملان منشورات‬

‫جمعية نشر املعلومة القانونية والقضائية‪ ،‬سلسلة الشروح والدالئل‪ ،‬مطبعة فضالة‬

‫املحمدية العدد ‪ ،7004 ،4‬ط األول‪.‬‬

‫‪ ‬عبد الكريم شهبون‪" :‬الشافي في شرح مدونة األسرة" الجزء األول‪.‬‬

‫‪ ‬مجد الدين الفيروز أبادي‪" :‬القاموس املحيط" دار إحياء التراث العربي‪ ،‬سنة‬

‫‪.7000‬‬

‫‪ ‬محمد ابن معجوز في كتاب أحكام النسب في الشريعة اإلسالمية‪.‬‬

‫‪ ‬محمد الكشبور‪" :‬البنوة والنسب في مدونة األسرة‪ ،‬قراءة في املستجدات‬

‫البيولوجية" مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬طبعة ‪.7002‬‬

‫‪P 381‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪ ‬محمد الكشبور‪" :‬الوسيط في شرح مدونة األسرة‪ ،‬الكتاب الثاني‪ ،‬انحالل ميثاق‬

‫الزوجية وأثره" طبعة ‪ ،7003‬مطبعة النجاح الجديدة‪.‬‬

‫‪ ‬محمد الكشبور‪" :‬الوسيط في قانون األحوال الشخصية"‪.‬‬

‫‪ ‬محمد مصطفى شلبي‪" :‬أحكام األسرة في اإلسالم‪ ،‬دراسة مقارنة" دار النهضة‬

‫العربية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان ‪.8322‬‬

‫‪ ‬محمود محمد حسن‪" :‬النسب وأحكامه في الشريعة اإلسالمية وفي القانون‬

‫الكويتي" مطبعة الفجر الكويتية‪.8333 ،‬‬

‫‪ ‬مدونة األسرة‪.‬‬

‫‪ ‬حكم املحكمة اإلبتدائية صادر بتاريخ ‪ 71-03-7007‬امللف عدد ‪9-07-742‬‬

‫منشور في امللتقى من عمل القضاء في تطبيق مدونة األسرة‪.‬‬

‫‪ ‬حكم املحكمة بالراشيدية‪ ،‬بتاريخ ‪ ،7007-03-71‬ملف عدد ‪ 9-07-742‬املنتقى‬

‫من عمل القضاء في تطبيق مدونة األسرة‪.‬‬

‫‪ ‬دليل علمي ملدونة األسرة صادر عن وزارة العدل‪ ،‬من منشورات جمعية نشر‬

‫املعلومة القانونية والقضائية سلسلة الشروح والدالئل العدد ‪ ،7004 ،8‬مطبعة فضالة‬

‫املحمدية‪.‬‬

‫‪ ‬قرار عن املجلس األعلى يحمل رقم ‪ 777‬صادر بتاريخ ‪ 831/02/80‬منشور بمجلة‬

‫القضاء والقانون العدد ‪ 840‬و‪.848‬‬

‫‪P 382‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪Jurisdiction for consumer disputes between the legal text and the practical‬‬
‫‪reality‬‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫إن تطور الحياة االجتماعية و االقتصادية و ما صاحبها من ارتفاع على مستوى‬

‫معيشة األفراد عن طريق تطور وسائل اإلنتاج و زيادة االستهالك و تنوع الخدمات املقدمة‬

‫للمستهلك ترتب عنه إلحاق أضرار كبيرة بهذا األخير الذي وجد نفسه أمام تنوع السلع و‬

‫الخدمات عرضة ملجموعة من املمارسات الغير شريفة‪ ،‬خاصة من طرف مقدمي الخدمات‬

‫األمر الذي تحتم معه إيجاد إطار قانوني لحماية املستهلك حيث بدأ التفكير في حماية حقوق‬

‫املستهلك في ستينيات القرن املاض ي‪ ،‬وذلك بعد خطاب الرئيس األمريكي " جون كندي"‬

‫بتاريخ ‪ 82‬مارس ‪8377‬أمام الكونغريس باعتباره املستهلكين هم شريحة كبيرة في املجتمع‬

‫التي تؤثر وتتأثر في السوق االقتصادي إال أن صوتها ال يزال غير مسموع‪ ،‬وحينها أعلن ما‬

‫يسمى بالحقوق األربعة للمستهلكين‪ .‬وبعد ذلك ثم اإلعالن اليوم العاملي لحقوق املستهلكين‬

‫في ‪ 82‬مارس ‪.8319‬‬

‫‪P 383‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫ومنذ ذلك التاريخ إلى يومنا هذا يتم االحتفال باليوم العاملي لحقوق املستهلك‬

‫في ‪ 82‬مارس‪ ،‬وتتم مناقشة مواضيع لها عالقة باملستهلك في كل احتفال‪ ،‬فمثال في ‪ 7080‬تم‬

‫مناقشة موضوع " الطرق البديلة لتسوية نزاعات االستهالك" وذلك باملغرب‪ ،‬وأصبحت‬

‫املطالبة من طرف املستهلكين بحماية حقوقهم‪ ،‬وفي سبيل هذا أصدر املشرع املغربي سنة‬

‫‪ 7088‬القانون رقم ‪ 98-01‬والذي يقض ي بتحديد تدابير حماية املستهلك‪.‬وتشكل نزاعات‬

‫االستهالك أرضية خصبة يلعب فيها القضاء دورا مهما نظرا لخصوصية هذه النزاعات‬

‫الناشئة عن عقود االستهالك‪.‬‬

‫وعلى ضوء ذلك فقد كان من الواجب تحديد قواعد االختصاص لهذا النوع من‬

‫النزاعات الذي يتميز بطابعه الخاص وتحديد االختصاص القضائي في نزاعات االستهالك‬

‫يقصد به معرفة الجهة القضائية واملحكمة املؤهلة للنظر في النزاعات على اختالفها‪،‬‬

‫فاالختصاص هو سلطة املحكمة للبث في قضية معينة أو نزاع معين و عدم االختصاص هو‬

‫فقدان والية هذه الجهة أو املحكمة صالحية البث في نزاع معين و تحديد اختصاص محكمة‬

‫معينة يكون بتمييز القضايا التي لها سلطة النظر فيها وفقا للقواعد التي ينص عليها‬

‫القانون‪.‬‬

‫وتكمن أهمية موضوع تدبير االختصاص القضائي في منازعات االستهالك في‬

‫ضرورة ضمان األمن القضائي في هذه املنازعات‪ ،‬وإعطاء املستهلك الضمانات األزمة من‬

‫أجل اللجوء إلى القضاء كمؤسسة تضمن له حقوقه في هذا النوع من املعامالت‬

‫االستهالكية‪.‬‬

‫‪P 384‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫ومن خالل ما سبق فان التساؤل الذي يطرح نفسه‪ ،‬كيف قام املشرع املغربي‬

‫بتدبير االختصاص القضائي في نزاعات االستهالك؟‬

‫ولإلجابة عن هذه اإلشكالية ارتأينا أن نقسم املوضوع إلى التصميم التالي‪:‬‬

‫املبحث األول‪ :‬قواعد االختصاص القضائي في نزاعات االستهالك‪.‬‬

‫املبحث الثاني‪ :‬مظاهر قصور قواعد االختصاص في نزاعات االستهالك وآليات‬

‫تجاوزها‪.‬‬

‫‪P 385‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫املبحث األول‪ :‬قواعد االختصاص القضائي في منازعات االستهالك في التشريع املغربي‪.‬‬

‫من املعروف أن الحقوق تعد بال قيمة إن لم توفر للمستهلك حقوقه القضائية‬

‫وتمنحه الحماية القضائية في كل مراحل االستهالك وتنفيذ عقد االستهالك لكن ما يالحظ‬

‫هنا هو تنوع وتشعب االختصاص فيما يخص نزاعات االستهالك ذلك أن االختصاص‬

‫النوعي يعهد إلى كل من املحاكم التجارية واإلدارية واالبتدائية‪ ،‬هذا باإلضافة إلى حرية‬

‫األطراف فيما يخص االختصاص املحلي بالنسبة ملنازعات االستهالك‪ .‬وهذا ما سنتعرض‬

‫له في هذا املبحث وذلك بالتطرق إلى قواعد االختصاص النوعي في منازعات االستهالك‬

‫(املطلب األول) واالختصاص املحلي أيضا في هذا النوع من املنازعات (املطلب الثاني)‪.‬‬

‫‪ .2‬املطلب األول‪ :‬قواعد االختصاص النوعي في منازعات االستهالك‪.‬‬

‫إن نزاعات االستهالك تعرف تنوع االختصاص القضائي حسب طبيعة النزاع‬

‫الحاصل بين املستهلك واملورد‪،‬‬

‫وتخضع منازعات االستهالك للتنظيم القضائي املعمول به‪ ،‬حسب نص الفصل‬

‫األول من الظهير الشريف رقم ‪ 8.88.841‬بتنفيد القانون رقم ‪ 80/94‬الصادر بتاريخ ‪82‬‬

‫غشت ‪ 7088‬املتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة‪ ،‬الذي‪:‬‬

‫يشمل التنظيم القضائي املحاكم التالية‪:‬‬

‫‪8‬ـاملحاكم االبتدائية‪.‬‬

‫‪P 386‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫املحاكم االبتدائية املدنية وتضم أقسام قضاء القرب‪ ،‬غرف مدنية وتجارية وغرف‬

‫عقارية ـ أقسام قضاء األسرة ‪....‬‬

‫املحاكم االبتدائية الزجرية وتضم‪ :‬قضاء القرب‪ .‬غرف جنحية‪ .‬غرف حوادث السير‪.‬‬

‫غرف قضاء األحداث‬

‫‪7‬ـاملحاكم اإلدارية‪.‬‬

‫‪9‬ـاملحاكم التجارية‪.‬‬

‫‪4‬ـمحاكم االستئناف‪.‬‬

‫‪2‬ـمحاكم االستئناف التجارية‪.‬‬

‫‪-7‬محاكم االستئناف االدارية‬

‫‪2‬ـاملجلس األعلى ‪.508‬‬

‫وتجدر اإلشارة إلى أن الفصل ‪ 81‬من ق‪.‬م‪.‬م ينص على ما يلي " تختص املحاكم‬

‫االبتدائية مع مراعاة االختصاصات الخاصة املخولة إلى أقسام قضاء القرب بالنظر في‬

‫جميع القضايا املدنية"‪ ،.....‬وبقراءة قانونية لهذا املستجد التشريعي نالحظ بأنه يمكن‬

‫‪ 508‬تجدر اإلشارة إلى أنه تم تغيير هذه التسمية بمقتضى ظهير شريف رقم ‪ 61661680‬صادر في ‪ 28‬ذي القعدة ‪24(6522‬‬
‫أكتوبر‪ )2066‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 40166‬المتعلق بمحكمة النقض‪ ،‬المغير بموجبه الظهير الشريف رقم ‪ 61481222‬الصادر في ‪ 2‬ربيع‬
‫األول ‪6288‬ه(‪28‬شتنبر ‪ )6948‬بشأن المجلس األعلى‪.‬‬

‫‪P 387‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫للمحكمة االبتدائية النظر في جميع القضايا بما فيها قضايا نزاعات االستهالك أي بين‬
‫‪509‬‬ ‫املستهلك الطرف الضعيف في العالقة التعاقدية والتاجر املورد‪.‬‬

‫وعليه فإن تحديد نوع املحكمة املختصة للنظر في نزاع معين يكون باالستناد‬

‫على مجموعة من االعتبارات كقيمة النزاع مثال بحيث كلما كانت قيمة النزاع تقل عن ‪2000‬‬
‫القرب‪510.‬‬ ‫درهم‪ ،‬فان االختصاص في هذه الحالة ينعقد ألقسام قضاء‬

‫وقد يشكل النزاع أحيانا كثيرة عمال إجراميا يعاقب عليه املشرع املغربي‪ ،‬وفق‬

‫املقتضيات القسم السابع من القانون رقم ‪01‬ـ‪ ،98‬وفي هذه الحالة فإن االختصاص ينعقد‬

‫للمحكمة الزجرية‪ ،‬وهو خيار يوسع من طرق ممارسة الدعوى من طرف املستهلك وجعله‬

‫كما تختص كذلك في الجرائم‬ ‫اإلثبات‪511‬‬ ‫يستفيد من وجود النيابة العامة في مجال‬

‫املنصوص عليها في القانون رقم ‪ 89.19‬املتعلق بالزجر عن الغش في البضائع‪.‬‬

‫أما بالنسبة للدعاوى التي يكون أحد أطرافها تاجرا سواء كان شخصا طبيعيا أو‬

‫معنويا و اآلخر مدنيا مثل املستهلك املقترض ففي هذه الحالة يكون االختصاص إما‬

‫للمحكمة التجارية وإما للحكمة املدنية املتمثلة في املحكمة االبتدائية‪ ،‬وذلك حسب نوع‬

‫العمل املختلط بالنسبة للخصم أو املدعى عليه‪ ،‬بذلك يبقى للمستهلك املقترض الحق في‬

‫االختيار بين املحكمة املدنية و املحكمة التجارية‪ .‬ففي الحالة التي يكون فيها هو املدعي‬

‫‪509‬يوسف الزوجال‪ ،‬نظام الوسائل البديلة لفض منازعات عقود االستهالك بالمغرب بين التأصيل والتأويل والتحليل‪،‬الطبعة األول ىسنة‬
‫‪ 2068‬ص‪626‬‬
‫‪510‬المادة ‪ 60‬من القانون رقم ‪52‬ـ‪ 60‬الصادر في غشت ‪ 2066‬المحدث ألقسام قضاء القرب‬
‫‪511‬المهدي العزوزي‪ ،‬اإلختصاص القضائي في نزاعات االستهالك‪ ،‬دراسة في ضوء قانون تدابير حماية المستهلك وأولى االجتهادات‬
‫القضائية الصادرة في ظله المجلة المغربية للقانون االقتصاد يعدد ‪4‬و‪1‬ص‪625‬‬

‫‪P 388‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫يترك له الخيار في اللجوء إلى املحاكم املدنية أو التجارية قصد املطالبة بحقوقه‪ ،‬وذلك‬

‫ألن املعاملة هنا تكتس ي طابعا مختلطا‪ ،‬إذ تعد مدنية بالنسبة للمستهلك وتجارية في الغالب‬

‫بالنسبة للمنهي مما دفع باالجتهاد القضائي إلى ترسيخ هذه القاعدة من خالل مجموعة من‬

‫القرارات كلها تصب في حماية املصلحة الفردية للمستهلكين باعتبارهم أطرافا ضعيفة في‬

‫العالقة التعاقدية مع املهنيين‪ .512‬أما إذا كان املورد هو املدعي فيمكن له أن يرفع دعواه‬

‫أمام املحاكم االبتدائية الطبيعية للمستهلك ‪.‬كما يمكن للمورد أن يرفع دعواه أمام‬

‫املحكمة التجارية‪ ،‬لكن في هذه الحالة األخيرة يمكن للمستهلك الدفع بعدم اختصاص‬

‫املحكمة التجارية نوعيا في النزاعات املختلطة‪ ،‬وهو ما حدث فعال في قضية عرضت على‬

‫املحكمة التجارية بالدار البيضاء إذ بادرت املدعية شركة ليونيز للمياه (ليدك) برفع دعوى‬

‫أمام املحكمة التجارية ضد املدعى عليها املستهلك ملطالبتها بأداء مبلغ ‪ 29.477.12‬درهم‬

‫عن واجبات استهالك املاء والكهرباء فتقدمت املدعى عليها بواسطة نائبها بمذكرة دفعت‬

‫فيها بعدم االختصاص النوعي‪ ،‬ملتمستا التصريح بعدم االختصاص النوعي للمحكمة‬

‫التجارية ألن العارضة شخص مدني وأن النزاع ال يندرج تحت الشروط املنصوص عليها في‬

‫املادة ‪ 2‬من قانون إحداث املحاكم التجارية‪ ،‬وبعد تأكد املحكمة من خضوع النزاع لقانون‬
‫‪513.‬‬ ‫حماية املستهلك صرحت بعدم اختصاصها نوعيا للبث في النزاع املعروض عليها‬

‫‪512‬قوبعي بلحول‪ ،‬الحماية اإلجرائية للمستهلك رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون الخاص جامعة تلمسان سنة ‪ ،2009/2000‬ص‬
‫‪.61-64‬‬
‫‪513‬حكم المحكمة التجارية بالدارالبيضاءعدد‪ 1668‬بتاريخ‪ 2062/05/24‬ملف رقم أورده المهدي العزوزي‪ ،‬ص‪.6201629‬‬

‫‪P 381‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫أما فيما يخص االختصاص بالنسبة للمحاكم اإلدارية كلما تعلق األمر بسوء تدبير‬

‫املرافق العمومية اإلدارية‪ ،‬كاملستشفيات واملدارس مثال أو تسبب أحد أشخاص القانون‬

‫العام في إلحاق الضرر باملستهلك‪ ،‬لتأكيد على كون املشرع املغربي عمل على تحديد‬

‫اإلختصاص النوعي للمحاكم اإلدارية بنوع من الدقة‪ ،‬وجعله من متعلقات النظام العام‬
‫رقم‪30‬ـ‪514.41‬‬ ‫طبقا للمادة ‪ 87‬من القانون املحدث للمحاكم اإلدارية‬

‫‪ .7‬املطلب الثاني‪ :‬االختصاص املحلي لنزاعات االستهالك‬

‫أما فيما يخص لالختصاص املحلي املتعلق بالقضايا االستهالكية‪ ،‬فإن ممارسة‬

‫الدعوى املدنية يكون إما أمام محكمة املوطن الحقيقي أو املختار للمدعى عليه‪ ،‬وإذا لم‬

‫يكن لهذا األخير موطن في املغرب ولكن يتوفر على محل إقامة‪ ،‬كان االختصاص ملحكمة‬

‫هذا املحل وإذا لم يكن للمدعي عليه ال موطن له وال محل إقامة في املغرب فيمكن تقديم‬

‫الدعوى ضده أمام محكمة أو موطن أو إقامة املدعى أو واحد منهم عند تعددهم‪ ،‬أما إذا‬

‫تعدد املدعى عليهم جاز للمدعي أن يختار محكمة موطن أو محل إقامة أي واحد منهم‪ ،‬هذا‬

‫ما تنص عليه املادة ‪ 72‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬‬

‫هذا ويضيف بعض الفقه (عامر أحمد القيس ي)‪ ،‬على أنه بإمكان املستهلك إقامة‬

‫الدعوى أمام محكمة املكان الذي يقيم فيه املدعى عليه أو املكان الذي يحصل فيه التسليم‬

‫الفعلي للش يء املبيع أو املكان الذي تؤدى فيه الخدمة‪ ،‬حيث أن أفضل مكان للمستهلك‬

‫وهو مكان أداء الخدمة ألنه عادة ما يكون مكانها هو مكان إقامة املستهلك‪ ،‬واملقصود بمكان‬

‫‪-514‬المهدي العزوزي‪ ,‬تسوية نزاعات اإلستهالك في ضوء قانون رقم ‪ 00/26‬القاضي بتحديد تدابير حماية المستهلك ‪,‬ص ‪ 20‬و ‪.26‬‬

‫‪P 311‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫التسليم الفعلي املكان الذي يتم فيه التسليم ماديا‪ .‬لذلك إذا لم يحصل التسليم‪ ،‬فإن‬

‫على املستهلك أن يقيم الدعوى أمام محكمة مكان وجود البائع ‪.515‬‬

‫غير أنه بصدور قانون حماية املستهلك باملغرب‪ ،‬فقد سن املشرع املغربي نظاما‬

‫جديدا لالختصاص املحلي وهو ما يتضح من خالل املادة ‪ 888‬ق ح م التي تنص على أنه "‬

‫يجب أن تقام دعوى األداء أمام املحكمة التابع لها موطن أو محل إقامة املقترض خالل‬

‫السنتين املواليتين للحدث الذي أدى إلى إقامتها تحت طائلة السقوط حق املطالبة بفوائد‬
‫‪516‬‬ ‫التأخير"‬

‫كما تنص املادة ‪ 707‬من نفس القانون" في حالة نزاع بين املورد واملستهلك‪ ،‬ورغم‬

‫وجود أي شرط مخالف‪ ،‬فإن املحكمة املختصة هي محكمة موطن أو محل إقامة املستهلك‬
‫‪517‬‬ ‫أو محكمة املحل الذي يقع فيع الفعل املتسبب في الضرر باختيار هذا األخير"‬

‫وتبعا لذلك فإن االختصاص املحلي أصبح ينعقد ملحكمة موطن أو إقامة املستهلك‪،‬‬

‫وما يالحظ على هذه النصوص أنها‪:‬‬

‫‪ -‬جاءت لحماية املستهلك‪ ،‬فبعد أن كانت القواعد املتعلقة باالختصاص املحلي‬

‫تنص على صيغة "املدعى عليه" لتحديد املحكمة املختصة محليا جاء قانون‬

‫‪ 515‬آسيا شعبان‪ ،‬فضل المنازعات المرتبطة باالستهالك رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص كلية العلوم القانونية واالقتصادية‬
‫واالجتماعية مكناس ص ‪29‬‬
‫‪516‬المادة ‪ 666‬من قانون رقم ‪ 26100‬القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك‪.‬‬
‫‪517‬المادة ‪ 202‬من القانون رقم ‪ 26100‬القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك‬

‫‪P 311‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪ 01-98‬لينص على كون االختصاص يرجع ملحكمة موطن أو إقامة املستهلك أو‬

‫املقترض سواء كان مدعيا أو مدعى عليه‪.‬‬

‫‪ -‬جاءت بصيغة عامة قابلة للتطبيق على كافة أنواع النزاعات املتعلقة بقانون‬

‫حماية املستهلك‪ ،‬سواء أكانت ذات بعد مدني‪ ،‬مختلط‪ ،‬إداري‪ ،‬زجري‪ ،‬وبغض‬

‫النظر عن املحكمة املختصة في النزاع على اعتبار أنها قواعد جاءت عامة في نص‬

‫خاص يقدم على النص العام‪.‬‬

‫وانطالقا من كون االختصاص املحلي في قضايا االستهالل من النظام العام حسب‬

‫مقتضيات املادة ‪ 828‬من قانون القاض ي بتحديد تدابير لحماية املستهلك‪ .‬خصوصا في‬

‫القروض العقارية والقروض االستهالكية فإنه يترتب على ذلك أنه‪:‬‬

‫‪ -‬ال يمكن للخصوم االتفاق على رفع دعوى أمام محكمة غير مختصة محليا‬

‫بصورة مطلقة‬

‫‪ -‬لألطراف التمسك بالدفع بعدم االختصاص املحلي في أية مرحلة من مراحل‬

‫الدعوى‪ ،‬ولو ألول مرة أمام محكمة النقض عند الطعن بالنقض‪.‬‬

‫‪ -‬يتعين على املحكمة إثارته تلقائيا ولو لم يطلبه األطراف‪.‬‬

‫‪ -‬على النيابة العامة سواء كان تدخلها إلزاميا أو إختياريا‪ ،‬إبداء الدفع بعدم‬

‫االختصاص املحلي‪.‬‬

‫‪P 312‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪ -‬وهو ذاته التوجه الذي بدأت تسلكه املحاكم املغربية سواء منها االبتدائية أو‬

‫التجارية في تطبيقاتها ملقتضيات ق ‪ 98/01‬في عالقتها باالختصاص املحلي‪.518‬‬

‫‪ -‬ففيما يخص املحاكم التجارية نجدها قضت في حكم صادر عن املحكمة‬

‫التجارية بالدار البيضاء عدد ‪ 4744‬بتاريخ ‪ 7087/04/04‬ملف رقم‬

‫‪ 87321/1/7/7088‬طبقا ملقتضيات املادة ‪ 707‬من قانون ‪ 98.01‬فان املحكمة‬

‫املختصة في حال وقوع نزاع بين املورد واملستهلك رغم وجود أي شرط مخالف‬

‫تكون هي محكمة موطن أو محل إقامة املستهلك‪.‬‬

‫لذالك تكون املحكمة محقة فيما ذهبت إليه عندما صرحت بعدم اختصاصها‬

‫املحلي لتواجد موطن املستهلك خارج دائرة نفوذها‪.‬‬

‫وتجدر اإلشارة إلى أنه يكون االختصاص املحلي للدعاوى املدنية ملحكمة املحل‬

‫الذي وقع فيه الفعل املتسبب للضرر أو أمام محكمة موطن املدعى عليه باختيار الجامعة‬

‫الوطنية أو جمعية حماية املستهلك‪ .‬و تقام الدعاوى املدنية التابعة أمام املحكمة الزجرية‬

‫وفقا للشروط املقررة في قانون ‪ 77.08‬املتعلق باملسطرة الجنائية و ذلك حسب مقتضيات‬

‫املادة ‪ 823‬من القانون ‪. 01/98‬‬

‫هذا وقد كان املشرع الفرنس ي يعتبر االختصاص املحلي من النظام العام ويبطل‬

‫كل شرط مخالف له‪ ،‬لكن وعلى الرغم من وجود هذا النص إال أن الواقع يعكس حقيقة‬

‫‪ 518‬المهدي العزوزي تسوية نزاعات االستهالك في ضوء قانون رقم ‪ 26100‬القاضي بتحديد تدابير حماية المستهلك ص‪52-52 :‬‬

‫‪P 313‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫أخرى‪ ،‬حيث يالحظ أن أغلب العقود االستهالكية املتداولة في الساحة االقتصادية‬

‫الفرنسية ومن بينها عقود القرض السكني تتضمن شروطا يمنح بموجبها االختصاص‬

‫ملحكمة موطن املنهي من أجل فض النزاعات‪ ،‬وهو األمر الذي يدفع املستهلك إلى االعتقاد‬

‫بصحة هذا الشرط ويؤدي به إلى التزام الحياد وعدم القيام برفع الدعوى القضائية أو‬

‫اللجوء إلى العدالة ملقاضاة املنهي‪ ،‬ألنه من الناحية النفسية سوف تسيطر عليه فكرة أن‬

‫املحكمة لن تنصفه وإنها ستعطي الحق لخصمه‪..519‬‬

‫وللتصدي لهذا الوضع تدخل املشرع الفرنس ي معتبرا أن كل شرط من شأنه‬

‫إلغاء أو عرقلة حق املستهلك في ممارسة الدعوى القضائية شرط تعسفي يترتب عنه‬

‫البطالن‪520‬وقد بادرت لجنة إعادة صياغة قانون االستهالك الفرنس ي إلى اقتراح ضرورة‬

‫السماح للقاض ي بإثارة وسائل املستهلكين من تلقاء نفسه‪ ،‬وهو ما لم تقبله محكمة النقض‬

‫الفرنسية حينما قررت بأنه عندما يكون هناك نص تم سنه لغرض حمائي‪ ،‬فان البطالن‬

‫ال يمكن إثارته إال من قبل الشخص املقصود بالحماية‪ ،‬األمر الدي يمنع القاض ي من اثارته‬

‫من تلقاء نفسه‪.‬‬

‫لكن محكمة العدل االروبية وعن حق ذهبت في اتجاه مخالف في قرارها الصادر‬

‫بتاريخ ‪ 7000/07/72‬معتبرة انه يحق للقاض ي إثارة بطالن الشروط التعسفية من تلقاء‬

‫نفسه ولو لم يطلب األطراف ذالك صراحة ‪ .521‬وتجدر اإلشارة إلى أنه على صعيد االتحاد‬

‫‪ 519‬حيدر طالب محمد علي االختصاص القضائي بمنازعة عقد التوريد جامعة النهرين ص‪.2 :‬‬
‫‪520‬عبد المهيمن حم زة‪ ،‬حماية المستهلك في القروض العقارية مسألة االختصاص والمهلة القضائية (نمودجا) مقال منشور بمجلة القضاء‬
‫المدني عدد ‪ 8‬ص‪.220 – 228 :‬‬
‫‪521‬المهدي العزوزي مرجع سابق ص‪.52 :‬‬

‫‪P 314‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫األوروبي تم حل إشكالية تنازع االختصاص املحلي بشأن التقاض ي في املنازعات االستهالكية‬

‫عبر الحدود بين الدول األعضاء بموجب االتفاقية املوقعة في العاصمة البلجيكية بروكسيل‬

‫بتاريخ ‪ 72‬شتنبر ‪ 8371‬واملتعلقة باالختصاص القضائي وتنفيذ القرارات املدنية والتجارية‬

‫املطبقة على كافة النزاعات املدنية والتجارية بما فيها املنازعات االستهالكية‪ ،‬حيث تم النص‬

‫على أن محكمة التراب الوطني لدولة املدعى عليه هي املختصة للفصل في جميع القضايا‬

‫غير أن املواد ‪89‬و‪84‬و‪ 82‬من االتفاقية نفسها تنص على أن االختصاص يعود ملحكمة‬
‫عليه‪522‬‬ ‫موطن املستهلك سواء كان مدعيا أو مدعى‬

‫أما بالنسبة للتشريع الجزائري فإن قانون اإلجراءات املدنية في املواد ‪ 1‬و‪ 3‬و ‪80‬أعطى‬

‫مجموعة من القواعد التي يقوم عليها هدا االختصاص والتي تسمح للمدعي أن يوجه دعواه‬

‫بطريقة صحيحة‪ ،‬فاألصل أن الدعوى ترفع للجهة القضائية التي فيها موطن املدعى عليه‪،‬‬

‫فعلى املستهلك إذن في حالة تضرره من أي خطأ أو تقصير أو إهمال من خالل استهالكه‬

‫ملنتوج ما أو إهماله أو سوء الخدمة املقدمة له من طرف املنهي أو الصناعي أو الحرفي أن‬
‫‪523.‬‬ ‫يرفع الدعوى أمام املحكمة التي فيها موطن املدعى عليه‬

‫‪ 522‬مهدي منير‪ ،‬المظاهر القانونية لحماية المستهلك أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص كلية العلوم القانونية واالقتصادية وجدة‬
‫ص ‪206‬‬
‫‪523‬قوبعي بلحول" الحماية االجرائية للمستهلك" رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون الخاص جامعة تلمسان سنة ‪ 2009/2000‬ص‬
‫‪20‬‬

‫‪P 315‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫املبحث الثاني‪ :‬مظاهر قصور قواعد االختصاص في نزاعات االستهالك وآليات‬

‫تجاوزها‬

‫بعد الحديث في املبحث األول عن قواعد االختصاص سواء النوعي أو املحلي في‬

‫منازعات االستهالك‪ ،‬يجب أن ال ننس ى تبيان مظاهر القصور واملحدودية التي تعتري قواعد‬

‫االختصاص فيما يخص نزاعات االستهالك ‪ ،‬وذلك من شأنه أن يبعد املستهلك عن الولوج‬

‫إلى القضاء وذلك لتعقد وقصور قواعد االختصاص في املنازعات االستهالكية‪ .‬لذلك ارتأينا‬

‫أن نتطرق إلى مظاهر قصور قواعد االختصاص (املطلب األول) على أن نعرض بعض‬

‫الحلول كسبل لتجاوز هذا القصور واملحدودية (املطلب الثاني)‪.‬‬

‫‪ .2‬املطلب األول‪ :‬مظاهر قصور قواعد االختصاص في منازعات االستهالك‬

‫بعد أن نتطرق إلى مظاهر قصور االختصاص املحلي في قانون حماية املستهلك‬

‫في( الفقرة األولى) سنتحدث في (الفقرة الثانية) عن مظاهر قصور االختصاص املحلي‬

‫‪ .1‬الفقرة األولى‪ :‬محدودية االختصاص النوعي‬

‫يكمن القصور واملحدودية فيما يخص االختصاص النوعي في عدم تحديد‬

‫املشرع املغربي في قانون االستهالك لإلختصاص النوعي في قضايا االستهالك‪ ،‬حيث ظل األمر‬

‫خاضعا للقواعد العامة الش يء الذي انعكس سلبا على املستهلك وذلك ألنه في بعض‬

‫الحاالت قد يفرض على هدا االخير من قبل املنهي اللجوء لجهة قضائية أخرى غير القضاء‬

‫املدني كاملحاكم التجارية مثال وذلك بحجة امتياز نزاعات االستهالك بالطابع املختلط‪ ،‬أو‬

‫‪P 316‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫التوجه إلى املحاكم اإلدارية إذا تعلق األمر بشخص من أشخاص القانون العام فيجد‬

‫بالتالي نفسه أمام أكثر من جهة قضائية مفروض عليه اللجوء إليها‪ ،‬إما بسبب شرط‬

‫تعسفي من طرف املقرض‪ ،‬أو بسبب طبيعة النزاع‪.‬‬

‫لكن تجدر اإلشارة إلى أنه حين يكون املستهلك مدعى عليه فاليمكن للمنهي‬

‫مقاضاته إال أمام املحكمة االبتدائية وله أن يدفع بعدم االختصاص إذا ما تمت مقاضاته‬

‫أمام املحكمة التجارية أو اإلدارية مثال‪.‬‬

‫إذن نالحظ أنه بالنسبة لالختصاص النوعي فإن املشرع املغربي لم يراعي خصوصية‬

‫نزاعات االستهالك وذلك بعدم تحديده في القانون ‪ 98-01‬املتعلق بحماية املستهلك على‬

‫نصوص خاصة باالختصاص النوعي في إطار منازعات االستهالك‪ ،‬وأبقى األمر مقتصر على‬

‫القواعد العامة من أجل تحديد الجهة املختصة نوعيا في النزاع القائم‪.‬‬

‫‪ .3‬الفقرة الثانية‪ :‬محدودية االختصاص املحلي‬

‫كما تم الذكر سابقا فإن قواعد االختصاص املحلي في نزاعات االستهالك يخضع‬

‫ايضا لقانون املسطرة املدنية أو قانون إحداث املحاكم التجارية أو اإلدارية وبذلك فإن‬

‫االختصاص املحلي في منازعات االستهالك يعود ملحكمة موطن املدعى عليه‪ ،‬كما أنه ال يعتبر‬

‫من النظام العام‪.‬‬

‫الش يء الذي ترتب عليه آثار سلبية خصوصا في مواجهة املستهلك الذي يعد‬

‫طرفا ضعيفا في العالقة التعاقدية‪ ،‬في ظل انتشار البنود التعاقدية التي تمنح االختصاص‬

‫‪P 317‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫ملحكمة بعيدة عن املستهلك غالبا ما تكون هي محكمة الدار البيضاء‪ ،‬وبذلك يكون املشرع‬

‫قد فتح الباب أمام املنهي إلدراج الشروط التعسفية في عقد القرض‪ ،‬ويعني ذلك إسناد‬

‫االختصاص إلى املحكمة التي يوجد بها املقر االجتماعي للمؤسسة املقرضة‪ ،‬ألن رفع الدعوى‬

‫في مثل هده الحاالت يقتض ي االنتقال الى املكان الذي يوجد به املقراالجتماعى الذي قد‬

‫يكون بعيدا عن موطن املستهلك‪ ،‬مما يؤدي إلى عزوفه عن طرق باب القضاء للمطالبة‬
‫‪524‬‬ ‫بحقوقه‪.‬‬

‫‪525‬‬ ‫وهذه اإلشكالية تداركها املشرع املغربي في قانون تدابير حماية املستهلك‪.‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬سبل تجاوز مظاهر القصور االختصاص‬ ‫‪.80‬‬

‫بعد رصد بعض اإلشكاالت واملعيقات التي تجعل قواعد االختصاص القضائي‬

‫في منازعات االستهالك‪ ،‬يشوبها القصور واملحدودية‪ ،‬سنحاول اآلن ذكر مجموعة من‬

‫االقتراحات والحلول لتجاوز أزمة االختصاص القضائي في منازعات االستهالك‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬آليات تجاوز محدودية االختصاص النوعي‬ ‫‪.88‬‬

‫إن أهم آلية لتجاوز القصور الذي يعتري االختصاص النوعي في نزاعات‬

‫االستهالك هي إضافة قسم خاص بالحقوق القضائية للمستهلك والولوج إلى العدالة في‬

‫القانون رقم ‪ 98-01‬يتضمن مادة خاصة باالختصاص النوعي حسب رأي األستاذ عبد‬

‫الحميد أخريف "ينعقد االختصاص القضائي في قضايا االستهالك حصريا للمحكمة‬

‫‪524‬مهدي العزوزي‪ ،‬مرجع سابق ص ‪ 56‬و‪52‬‬


‫‪525‬انظر المادتين ‪ 666‬و ‪ 202‬من قانون تدابير حماية المستهلك ‪26-00‬‬

‫‪P 318‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫االبتدائية ملوطن املستهلك أو للمحكمة االبتدائية ملحل إبرام العقد وكل اتفاق على خالف‬
‫‪526‬‬ ‫ذلك يعتبر باطال‪.‬‬

‫إن مثل هذا التعديل ضرورة ملحة لتجنب املستهلك بصفة عامة‪ ،‬واملقترض ألجل‬

‫السكن بصفة خاصة‪ ،‬مشاق اللجوء إلى القضاء التجاري الذي يبقى قضاء غريبا عنه بما‬

‫يتسم به من قواعد قاسية تتميز بالصرامة والسرعة مقارنة مع القواعد املدنية كما أن‬

‫هذا التعديل سيضع حدا لتضارب االجتهادات القضائية حول االختصاص النوعي في‬

‫منازعات القروض البنكية املخصصة للسكن خاصة وأن القضاء التجاري املغربي يميل في‬

‫غالب األحيان إلى إسناد االختصاص في هذه املنازعات إلى املحاكم التجارية على اعتبار أن‬
‫‪527‬‬ ‫القرض البنكي عقد تجاري بطبيعته‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬سبل تجاوز الشروط التعسفية املتعلقة‬ ‫‪.87‬‬

‫باالختصاص القضائي‬

‫إنه ومن بين السبل التي يجب اتخاذها كحلول ألزمة االختصاص القضائي في‬

‫منازعات االستهالك‪ ،‬تعزيز حق املستهلك في الدفع بالشرط التعسفي الذي قد يتعلق في‬

‫بعض الحاالت بإدراج املقرض لشرط تعسفي في العقد يفرض بموجبه على املستهلك نوع‬

‫املحكمة التي يرجع لها االختصاص في حسم النزاع‪ ،‬وذلك ما يعتبر تعسفا في حق املستهلك‬

‫ويعطيه الحق في الدفع بالشرط التعسفي‪.‬‬

‫‪526‬عبد الحميد أخريف‪ :‬قراءة في مشروع قانون ‪ 26-00‬القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك‪ .‬المجلة المغربية للقانون االقتصادي‪،‬‬
‫العدد ‪ 2‬سنة ‪ 2060‬ص ‪262‬‬
‫‪527‬عبد المهيمن حمزة‪ ،‬مرجع سابق ‪224‬‬

‫‪P 311‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫كما أنه ال يجب فرض الطرق البديلة لتسوية املنازعات في عقد االستهالك‬

‫بكيفية تقص ي بها القضاء العادي من النظر في النزاع‪ ،‬وهذا ما أشار إله قانون حماية‬

‫املستهلك في حديثه عن الشروط التعسفية لكنه ال يشير إلى الوسائل البديلة بصيغة‬

‫صريحة‪ ،‬كما أنه يجب حين اعتماد هذه الطرق البديلة كطريق أولي قبل عرض النزاع على‬

‫القضاء اختيار الوسيلة األكثر تالؤما مع طبيعة نزاعات االستهالك كالوساطة مثال وليس‬
‫‪528‬‬ ‫التحكيم على اعتبار هذا األخير خاص بالنزاعات التجارية‪.‬‬

‫وفي األخير يمكننا القول أن موضوع تدبير االختصاص في منازعات االستهالك‪ ،‬من‬

‫أهم املواضيع التي تمت مناقشتها ومعالجتها في عدة كتابات ملا لها من أهمية في تحقيق‬

‫األمن القضائي على مستوى نزاعات االستهالك‪ ،‬ذلك باعتبار القضاء هو ملجأ املستهلك‬

‫ومالذه ألخذ واملطالبة بحقوقه‪ ،‬لكن ال زالت تعترضه عدة إشكاالت وال زال املشرع املغربي‬

‫لم يضع لالختصاص إطارا قانونيا كافيا وواضحا‪ ،‬لذلك وجب التفات املشرع املغربي إلى‬

‫هذا القصور على مستوى تدبير االختصاص في نزاعات االستهالك بالنسبة للنصوص‬

‫التشريعية أوال والواقع العملي ثانيا ‪.‬‬

‫‪528‬االمن القضائي وفض نزاعات االستهالك أمام القضاء‪ ،‬مقال منشور بالموقع االكتروني ‪ www.marocdroit.com‬تاريخ الزيارة‬
‫‪ 02/04/2068‬على الساعة ‪68:50‬‬

‫‪P 411‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫الئحة املراجع‬

‫القوانين‪:‬‬
‫‪ ‬قانون املسطرة املدنية‬
‫‪ ‬القانون املتعلق بمحكمة النقض‬
‫‪ ‬القانون املتعلق بتحديد تدابير حماية املستهلك‬
‫‪ ‬القانون املحدث لقضاء القرب‬
‫‪ ‬القانون املحدث للمحاكم اإلدارية‬
‫‪ ‬القانون املحدث للمحاكم التجارية‬
‫كتب‪:‬‬
‫يوسف الزوجال" نظام الوسائل البديلة لفض منازعات عقود االستهالك‬ ‫‪‬‬
‫باملغرب بين التأصيل و التأويل والتحليل"الطبعة األولى سنة ‪7082‬‬
‫املهدي العزوزي"تسوية نزاعات االستهالك في ضوء قانون رقم ‪01/98‬‬ ‫‪‬‬
‫القاض ي بتحديد تدابير حماية املستهلك"‬
‫مقاالت ‪:‬‬
‫املهدي العزوزي" اإلختصاص القضائي في نزاعات االستهالك‪ ،‬دراسة في‬ ‫‪‬‬
‫ضوء قانون تدابير حماية املستهلك وأولى االجتهادات القضائية الصادرة في ظله املجلة‬
‫املغربية للقانون االقتصادي‬
‫عبد الحميد أخريف" قراءة في مشروع قانون ‪ 98-01‬القاض ي بتحديد‬ ‫‪‬‬
‫تدابير لحماية املستهلك" املجلة املغربية للقانون االقتصادي‪ ،‬العدد ‪ 9‬سنة ‪7080‬‬
‫عبد املهيمن حمزة" حماية املستهلك في القروض العقارية مسألة‬ ‫‪‬‬
‫االختصاص واملهلة القضائية (نمودجا) "مقال منشور بمجلة القضاء املدني عدد ‪2‬‬
‫األطروحات والرسائل‪:‬‬

‫‪P 411‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫مهدي منير‪ ،‬املظاهر القانونية لحماية املستهلك أطروحة لنيل الدكتوراه‬ ‫‪‬‬
‫في القانون الخاص كلية العلوم القانونية واالقتصادية وجدة‬
‫قوبعي بلحول‪ ،‬الحماية اإلجرائية للمستهلك رسالة لنيل شهادة املاستر في‬ ‫‪‬‬
‫القانون الخاص جامعة تلمسان سنة ‪7003/7001‬‬
‫آسيا شعبان‪ ،‬فضل املنازعات املرتبطة باالستهالك رسالة لنيل دبلوم‬ ‫‪‬‬
‫املاستر في القانون الخاص كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية مكناس‬
‫حيدر طالب محمد علي االختصاص القضائي بمنازعة عقد التوريد‬ ‫‪‬‬
‫جامعة النهرين‪.‬‬

‫املواقع االلكترونية ‪:‬‬


‫األمن القضائي وفض نزاعات االستهالك أمام القضاء‪ ،‬مقال منشور‬ ‫‪‬‬
‫باملوقع االلكتروني ‪ www.marocdroit.com‬تاريخ الزيارة ‪ 07/02/7082‬على الساعة‬
‫‪82:41‬‬

‫‪P 412‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪Territorial Communities and the Question of Development in Morocco‬‬


‫مقدمة‪:‬‬
‫اعتمد املغرب منذ السنوات األولى من االستقالل نهج نظام الالمركزیة وذلك مند‬

‫صدور امليثاق الجماعي األول بتاريخ ‪ 23‬يونيو ‪ 1960‬الذي شكل النواة األولى نحو الالمركزية‬

‫اإلدارية ونص على نوعين من الجماعات ‪،‬الجماعات الحضرية والجماعات القروية أسندت‬

‫لها آنذاك اختصاصات ثانوية إذ انحصر دورها في املهام االستشارية وفي التسيير اإلداري‬

‫فقط نظرا لحداثة التجربة مع فرض وصاية صارمة ثالثية األبعاد بعدية‪،‬موازية وقبلية ‪،‬ثم‬
‫ٌ‬
‫بعد ذلك صدر ظهير ‪ 12‬دجنبر‪ 1963‬الذي احدث بمقتضاه املشرع مستوى ثان من‬

‫الالمركزية ويتعلق األمر بمجالس العماالت واألقاليم ‪،‬ثم تاله ظهير ‪ 30‬شتنبر ‪1976‬املتعلق‬

‫بالتنظيم الجماعي والذي مثل االنطالقة ملساهمة الجماعات في التنمية وبعدما تم االرتقاء‬

‫خالل التعديالت الدستورية لسنتي ‪ 1992‬و ‪ 1996‬بالجهة إلى جماعة ترابية أحدث في أبريل‬

‫‪1997‬صنف جديد من الجماعات الترابية ويتعلق األمر بالجهات ‪ .‬تاله إصدار قانون ‪78.00‬‬

‫عام ‪ 2002‬بمثابة امليثاق الجماعي تم بموجبه توسيع صالحيات املجالس الجماعية‬

‫‪P 413‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫والتخفيف من الوصاية وتخفيض آجال املصادقة ‪،‬و مستجدات أخرى على مستوى عالقات‬

‫الشراكة والتعاقد مع الدولة ومؤسساتها ومع القطاع الخاص ‪.‬‬

‫على بعد شهور قليلة عن موعد استحقاقات شتنبر ‪ 2015‬عرف شهر يوليوز من نفس‬

‫السنة وألول مرة إصدار العديد من القوانين في شكل قوانين تنظيمية تتعلق بالجهات‬

‫(بمقتض ى القانون التنظيمي ‪ )888-84‬وبالعماالت واألقاليم (بمقتض ى القانون التنظيمي‬

‫‪ )888-87‬وبالجماعات(القانون التنظيمي ‪ )888-89‬بعدما كانت الجماعات املحلية منظمة‬

‫بقوانين عادية منذ‪. 1960‬‬

‫هذا ويعد كسب رهان التنمية‪ ،‬ضرورة ملحة في عصرنا الحاضر خصوصا مع تزايد‬

‫املطالب واالحتياجات املجتمعية من جهة‪ ،‬واألزمة املالية التي تعاني منها الدولة والجماعات‬

‫الترابية من جهة ثانية ولعل البحث عن كسب هذا الرهان االستراتيجي في ظل هذه األزمة‪،‬‬

‫يقتض ي البحث عن أنجع الوسائل واآلليات الحديثة لتحقيق التنمية الترابية‪ ،‬وتمثل‬

‫الالمركزية خيارا استراتيجيا لتدبير الشأن العام الترابي‪ ،‬كونها تتيح لكيانات ترابية – أي‬

‫الجماعات الترابية ‪-‬فرصة تدبير شونها الذاتية ومعالجة املشاكل والتحديات التنموية التي‬

‫تعاني منها‪ ،‬بعيدا عن املقارية املركزية في التدبير التي أبانت عن عجز وقصور في تدبير‬

‫التنمية االقتصادية واالجتماعية على املستوى الجهوي والترابي‪.529‬‬

‫وقد أفرد دستور ‪ 2011‬الباب التاسع للجماعات الترابية وحسب الفصل ‪ 842‬من هذا‬

‫الدستور فالجماعات الترابية هي الجهات والعماالت واألقاليم والجماعات وهي أشخاص‬

‫‪P 414‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫اعتبارية‪ ،‬خاضعة للقانون العام‪،‬تسير شؤونها بكيفية ديمقراطية ‪ ،‬وهكذا سیقع تحول‬

‫مهم على مستوى التسمیة‪ ،‬ففي الدساتير السابقة كان املشرع الدستوري یستعمل‬

‫الجماعات املحلیة للداللة على الوظیفة اإلداریة لهذه الجماعات‪ ،‬لكن مع دستور ‪ 2011‬تم‬

‫استعمال الجهات والجماعات الترابیة األخرى‪ ،‬حیث أدخل املشرع الدستوري البعد الترابي‬

‫في تصوره للجماعات املحلیة باعتباره أحد املداخل األساسیة والجدیدة للسیاسات‬

‫العمومیة ومحددا مرجعیا وفاعال أساسیا لتحقیق التنمیة الشاملة واملندمجة‪.‬‬

‫إذا كانت التنمية نشاطا إنسانيا يشمل صيرورات تحويلية متعددة األبعاد يمتزج فيها‬

‫السياس ي والثقافي واالجتماعي واالقتصادي‪ ،‬وهي تسعى‪ ،‬پذلك‪ ،‬إلى تطوير اإلنسان ماديا‬

‫وثقافيا وروحيا من خالل إعادة االعتبار لدوره ومكانته في توجيه تلك الصيرورات‪ ،‬وذلك‬

‫بما يمكنه من استغالل املوارد واإلمكانات املتاحة له ماديا وبشريا بشكل فعال وعادل‬

‫وراشد‪ .530‬وعلى هذا‪ ،‬تشمل التنمية‪ ،‬كعملية مركبة‪ ،‬كل القطاعات‪ ،‬وتسعى إلى تغيير كل‬

‫البنيات واملؤسسات وانساق القيم‪ .‬كما تتداخل في بلورتها عوامل مختلفة منها البشرية‬
‫‪531‬‬ ‫والفكرية واملالية والتقنية‪...‬‬

‫وتحتاج التنمية على املستوى املحلي إلى مساهمة العديد من الفاعلين من أبرزها ‪-‬‬

‫إلى جانب الدولة واملجتمع املدني والخواص‪ -....‬الجماعات الترابية ‪،‬وإن كان األمر كذلك ‪،‬‬

‫‪530-voir‬‬ ‫‪a ce propos : Norbert Elias, Qu’est ce que la Sociologie ? ,Pocket ,éditions de l’aube , 1993,p 178‬‬

‫‪P 415‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫فإلى أي حد يمكن للجماعات الترابية املساهمة في تسريع وثيرة التنمية في ظل املستجدات‬

‫القانونية باملغرب ؟‬

‫ملعالجة هذه اإلشكالية ‪،‬سنقوم بتقسيم هذا العمل إلى مطلبين كالتالي‪ :‬املطلب‬

‫األول‪ :‬اختصاصات الجماعات الترابية في مجال التنمية‪ .‬املطلب الثاني‪ :‬معيقات‬

‫الجماعات الترابية في مجال التنمية ‪.‬‬

‫املطلب األول ‪ :‬اختصاصات الجماعات الترابية في مجال التنمية‬

‫أضحى ربح رهان التنمية يرتبط بشكل كبير بدور الجماعات الترابية‪ ،‬باعتبارها األقرب‬

‫إلى واقع تراب الجماعة واألقرب ملعرفة احتياجات املواطنين وتطلعاته‪.‬‬

‫وإيمانا من املغرب بدور الجماعات الترابية في التنمية عمل اإلصالح الدستوري لسنة‬

‫‪ 7088‬على تمكين هذه الجماعات من مجموعة من الصالحيات واالختصاصات الجديدة‬

‫‪،‬حيث سيشمل هذا التوسع عدد الفصول املخولة للجهات والجماعات الترابية األخرى إذ‬

‫انتقلنا من ‪ 9‬فصول خصصها دستور ‪ 8337‬للجماعات املحلية إلى ‪ 87‬فصل في دستور‬

‫‪. 532 7088‬‬

‫و یحیل الفصل ‪ 146‬من دستور ‪ 2011‬في فقرته الرابعة على تحدید اختصاصات‬

‫الجماعات الترابیة بقوانين تنظیمیة‪ ،‬وبهذا الشأن صدر القانون التنظیمي رقم ‪888.84‬‬

‫املتعلق بالجهات‪ ،‬والقانون التنظیمي رقم ‪ 14 - 112‬املتعلق بالعماالت واألقاليم‪ ،‬والقانون‬

‫‪P 416‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫التنظیمي ‪ 14 - 113‬املتعلق بالجماعات‪ ،‬حیث خصصت القوانين التنظیمیة الثالث القسم‬

‫الثاني منها لالختصاصات املمنوحة لكل منها‪ .‬وتقسم إلى اختصاصات ذاتية (الفقرة‬

‫األولى)وأخرى مشتركة ومنقولة (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى ‪:‬االختصاصات الذاتية ‪:‬‬

‫إن الجهة تمارس اختصاصاتها الذاتیة ‪533‬في مجال التنمیة الجهوية ‪ ،‬وتعد برنامجها‬

‫التنموي للنهوض بالتنمیة املندمجة واملستدامة‪ ،‬وتتابع تنفیذه إلى جانب التصمیم الجهوي‬

‫إلعداد التراب‪،‬ولهذا فقد حدد املشرع میادین االختصاصات الذاتیة للجهة في التنمیة‬

‫االقتصادية‪ ،‬والتكوین املنهي والتكوین املستمر والشغل‪ ،‬والتنمیة القرویة‪،‬والنقل‪ ،‬والثقافة‬

‫والبیئة وكذلك إمكانیة إبرام اتفاقیات في إطار التعاون الدولي‪.‬‬

‫أما مهام النهوض بالتنمیة االجتماعية خاصة في الوسط القروي وكذا في املجاالت‬

‫الحضریة فأناطها املشرع بالعمالة واإلقلیم ‪ ، 534‬إلى جانب تعزیز التعاون بين الجماعات‬

‫الواقعة تحت نفوذها‪.‬‬

‫وقد ترك املشرع مهام تقدیم خدمات القرب للمواطن للجماعة‪ 535‬داخل دائرتها الترابیة‬

‫من خالل إحداث وتدبير املرافق والتجهيزات‬

‫‪P 417‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫العمومیة في عدة مجاالت‪ ،‬منها ما یتعلق بالنقل الحضري‪ ،‬وما یتعلق بتوزیع املاء‬

‫الصالح للشرب والكهرباء‪ ،‬واإلنارة العمومیة‪،‬وحفظ الصحة‪...‬‬

‫كما سمح املشرع للجماعات الترابیة األخرى ‪ 536‬شأنها شأن الجهات ‪ 537‬بإمكانیة إبرام‬

‫اتفاقيات مع فاعلين من خارج اململكة في إطار التعاون الدولي‪ ،‬وكذا الحصول في نفس اإلطار‬

‫على تمویالت طبقا للقوانين الجاري بها العمل بعد موافقة السلطات العمومیة‪.‬‬

‫وفي نفس اإلطار حدد املشرع مسطرة إعداد وتتبع الجماعات الترابیة لبرنامج عملها‬

‫خالل مدة انتداب مجالسها‪ ،‬حیث یضع مجلس الجهات برنامج عمله ‪ 538‬تحت إشراف رئیس‬

‫مجلسها خالل السنة األولى من اإلنتذاب‪ ،‬یتضمن تحدید األعمال التنمویة املقرر برمجتها و‬

‫إنجازها بمجالها الترابي ملدة ‪ 6‬سنوات‪ ،‬یخضع بالتزامن معها للتحیين والتقییم اعتبارا‬

‫لنوعیتها وكلفتها وتوطینها لتحقیق تنمیة مستدامة وفق برنامج تشاركي‪ ،‬مع ضرورة التنسیق‬

‫مع والي الجهة ‪ ،‬كما یلزم أن یكون برنامج العمل هذا مواكبا للتوجهات اإلستراتیجیة لسیاسة‬

‫الدولة وللتصمیم الجهوي إلعداد التراب‪ ،‬مع األخذ بعين االعتبار االلتزامات املتفق بشأنها‬

‫بين الجهة والجماعات الترابیة األخرى واملقاوالت العمومیة والقطاعات االقتصادية‬

‫واالجتماعية الجهوية‪.‬‬

‫بالنسبة للجماعات الترابیة األخرى ‪539‬تتبع كذلك نفس الخطوات كل في مجال‬

‫اختصاصها وفي نفس املدة الزمنیة لالنتداب ‪ ،‬وبناءا على نفس االعتبارات تحت إشراف‬

‫‪P 418‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫رئیس ي مجلسهما‪ ،‬مع التنسیق مع عامل العمالة أو اإلقلیم أو من ینوب عنها بصفته مكلفا‬

‫بتنسیق أنشطة املصالح الالممركزة لإلدارة املركزیة‪.‬‬

‫كما یلزم أن یتضمن برنامج العمل تشخیصا للحاجیات واإلمكانیات وتحدید األولویات‪،‬‬

‫وكذلك تضمين تقییم ملواردها ونفقاتها التقدیریة للسنوات الثالث األولى‪.‬‬

‫كما سمح املشرع للجماعات الترابیة بإمكانیة تحیين برنامجها التنموي إبتداءا من‬

‫السنة الثالثة من دخوله حيز التنفیذ‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬االختصاصات املشتركة واملنقولة ‪:‬‬

‫سوف نرى في هذه الفقرة الثانية نوع آخر من االختصاصات التي تمتلكها الجماعات‬

‫الترابية الثالث في مجال التنمية ويتعلق األمر باالختصاصات املشتركة (أوال) ثم‬

‫االختصاصات املنقولة (ثانيا)‬

‫أوال‪ :‬االختصاصات املشتركة ‪.‬‬

‫أما فيما یخص االختصاصات املشتركة للجماعات الترابیة مع الدولة‪ ،‬فالقوانين‬

‫التنظیمیة للجماعات الترابية تنص مجتمعة على أن هذا الصنف من االختصاصات یتم‬

‫بشكل تعاقدي‪ ،‬إما بمبادرة من الدولة أو بطلب من الجهة‪ ،540‬والعمالة أو اإلقلیم‪،541‬‬

‫والجماعة‪ , 542‬ووفق ذات األسلوب التعاقدي بمبادرة من كل وحدة ترابیة‪ ،‬واعتمادا على‬

‫‪P 411‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫مواردها الذاتیة أن تتولى كل واحدة تمویل أو تشارك في تمویل إنجاز مرفق أو تجهيز أو تقدیم‬

‫خدمة عمومیة ال تدخل ضمن اختصاصاتها الذاتیة‪ ،‬إذا تبين أن هذا التمویل یيساهم في‬

‫بلوغ أهدافها‪ .‬أما النوع الثالث من اختصاصات‪ ،‬ویتعلق األمر باالختصاصات املنقولة من‬

‫الدولة للجماعات الترابیة‪ ،‬فیقتض ي وفقا ملنطوق القوانين التنظیمیة الثالث‪ ،543‬مراعاة‬

‫مبدأ التدرج في الزمن والتمایز في املجال بين كل الوحدات الترابیة عند نقل االختصاص إليها‬

‫بأصنافها الثالثة من الدولة‪ ،‬وتحدد مجاالتها اعتمادا على مبدأ التفریع‪ ،‬الذي یمنح للجهة‬

‫بصفة خاصة‪ ،‬االختصاص في مجاالت التجهيزات والبنیات التحتیة ذات البعد الجهوي‪.‬‬

‫واملرتبطة بالصناعة والصحة والتجارة والتعلیم والثقافة والریاضة والبیئة واملاء والكهرباء‬

‫ووفق نفس املبدأ تمنح للعمالة اختصاصات في مجال التنمیة االجتماعية وإحداث‬

‫وصیانة املنشآت املائیة الصغرى واملتوسطة‪ ،‬خاصة بالوسط القروي‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬االختصاصات املنقولة ‪:‬‬

‫حسب القوانين التنظيمية للجماعات الترابية ‪،‬تنقل الدولة للجماعات اختصاصات‬

‫تشمل حمایة وترسیم املآثر التاریخیة والتراث الثقافي والحفاظ على املواقع الطبیعیة‬

‫وإحداث وصیانة املنشآت والتجهيزات املائیة الصغيرة واملتوسطة‪.‬‬

‫إن الهدف من دسترة اختصاصات الجماعات الترابیة‪ ،‬یؤشر على أهمية البعد الترابيي‬

‫في التنظیم اإلداري املغربي‪ ،‬وذلك عبر منح صالحیات واسعة للنظام الالمركزي بعیدا عن‬

‫‪P 411‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫الوصایة املركزیة‪ ،544‬إال أن تحقیق ذلك الهدف وما یرتبط به من مؤهالت إصالحیة ال زالت‬

‫تعتريهما بعض الشوائب التي تتصل بطریقة أو بأخرى بالتوجهات العامة التي ستحكم مسار‬

‫العمل املحلي‪ ،‬من حیث السبل واإلمكانیات ‪ ،‬في ظل قوانين تنظیمیة تتسم بعض مقتضیاتها‬

‫بنوع من الغموض والعمومیة في الطرح املتعلق بالتنمیة املحلیة واملجالیة‪،‬األمر الذي یبرر‬

‫معها عمق التداخل في الحدود الجغرافیة للجماعات الترابیة التي تخضع املستوى األدنى‬

‫للمستوى األعلى منها‪ ،‬بالرغم من التنصیص الدستوري على االستقاللية املالیة واإلداریة‬

‫لكل وحدة ترابیة على األخرى مع عدم السماح ملمارسة الوصایة على بعضها البعض‪ ،‬مما‬

‫سیؤدي إلى مسلسل املنازعات املجالیة واألحقیة في ممارسة االختصاصات‪.545‬‬

‫وعلى هذا األساس فإن أهمية البعد الترابي في التنظیم الترابي املغربي یتطلب بذل املزید‬

‫من الجهود لتفسير املقتضیات القانونیة الترابیة بما یتوافق وروح الدستور‪ ،‬من أجل توضیح‬

‫أكثر الختصاصات الجماعات الترابیة شكال ومضمونا‪ ،‬وكذلك لضبط حدود املتدخلين في‬

‫تدبير الشأن الترابي‪ ،‬مع األخذ بعين االعتبار الدور الریادي للقضاء اإلداري والسیما‬

‫اإلستعجالي في حل املنازعات الترابیة وعقلنة تدخل سلطات الرقابة اإلداریة‪.‬‬

‫إذا كانت الجماعات الترابية أصبحت خيارا استراتيجيا من أجل تحقيق التنمية‬

‫الترابية من خالل صالحيتها الواسعة واختصاصاتها املتعددة ‪،‬فإن الواقع العملي الشتغال‬

‫‪P 411‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫هذه الجماعات يفرز لنا مجموعة من اإلكراهات وهو ما سنراه من خالل التركيز على أبرز‬

‫معيقات الجماعات الترابية في مجال التنمية ‪.‬‬

‫املطلب الثاني ‪ :‬معيقات الجماعات الترابية في مجال التنمية ‪.‬‬

‫أصبحت الجماعة اليوم مطالبة بالتصرف كمقاولة حقيقية من خالل االختصاصات‬

‫الواسعة التي تتمتع بها ‪ ،‬نتيجة التركيز على البعد االقتصادي لالمركزية اإلدارية القادر‬

‫لوحده على جعل الدولة مؤهلة ملواجهة التحديات املطروحة على الصعيدين الداخلي‬

‫والخارجي املطبوعة بعوملة االقتصاد و التزايد املستمر لحاجيات املواطنين ‪ ،‬حيث تبدو من‬

‫خاللها كأقطاب التنمية املحلية والوطنية ‪ ،‬وهو وضع لم يأت صدفة وإنما هو وليد‬

‫مجموعة من التطورات والتحوالت التي عرفها نظام الالمركزية اإلدارية ‪.‬‬

‫إال أنه بالرجوع إلى تجارب الجماعات الترابية طيلة الحقب املاضية ‪ ،‬نجد أنها تعرف‬

‫مجموعة من املعيقات منها ما هو مرتبط بما هو مادي ( الفقرة األولى ) ‪ ،‬ومنها املعيقات‬

‫البشرية التي تقف في وجه هذه الجماعات ( الفقرة الثانية ) ‪.‬‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬املعيقات املادية‪.‬‬

‫تعتبر املوارد الحلقة األساسية ألي مسلسل تنموي ‪ ،‬فاملوارد املالية والبشرية هي‬

‫الركيزة التي يمكن أن تعتمد عليها الجماعة الترابية لتحقيق التنافسية في أهدافها التنموية‬

‫على مختلف األصعدة ‪ ،‬لكن هذه املنظومة الزالت تعاني من عدة إكراهات مما يؤثر سلبا‬

‫‪P 412‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫على أوجه تصريف الشؤون املحلية ‪.‬ولعل أبرز هذه املعيقات ما يرتبط بضعف ومحدودية‬

‫مصادر التمويل الترابي‪.‬‬

‫حيث رغم أن مسلسل تجربة الالمركزية عرف منذ ‪ 8370‬مرورا بالتنظيم الجماعي‬

‫لسنة ‪ 8327‬وأخيرا امليثاق الجماعي ‪ 21.00‬والقوانين التنظيمية لسنة ‪ ،7082‬تطورات‬

‫سواء على املستوى التنظيمي واملؤسساتي خاصة في املجال القانوني املتعلق بتوسيع‬

‫االختصاصات إال أن هذا التطور لم يرافقه تطور مادي مواز ‪ ،‬يمكن هذه الوحدات الترابية‬

‫من مواجهة تكاليف ممارسة مهام التسيير وتمويل انجاز التنمية التي يفرضها التناسب بين‬

‫توسيع االختصاصات والقدرة على التمويل‪ ،‬خاصة وأن املوارد الذاتية ال تستطيع حتى‬

‫تغطية نفقات التسيير ‪ ،‬فباألحرى تمويل البرامج واملشاريع التنموية ‪ ،‬إذ بالرغم من‬

‫اإلصالحات التي عرفتها الجبايات املحلية في السنوات األخيرة ‪ ،‬فإن هذه األخيرة ال زالت‬

‫دون املستوى املطلوب ‪ ، 546‬هذا باإلضافة إلى إشكالية التهرب الضريبي ‪.‬‬

‫وتنقسم املوارد التمويلية للجماعات الحضرية والقروية من خالل القانون املنظم‬

‫للجبايات املحلية ‪ ،547 42.07‬إلى موارد ذاتية ذات طبيعة جبائية ‪ ،‬وتحويالت الدولة من‬

‫القيمة املضافة بنسبة ‪ ، %90‬ثم موارد ذات طبيعة غير جبائية تتمثل في موارد أمالك‬

‫الجماعات وإعانات وإمدادات الدولة ‪ ،‬باإلضافة إلى املوارد االستثنائية املتمثلة في القروض‬

‫‪546-Fatima‬‬ ‫‪chahid :"territorialisation des politiques "publications de la revue marocaine, l'administration locale‬‬
‫‪Développement collection, manuelet traveaux n° 63 2005 p 111‬‬

‫‪P 413‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫املقدمة من صندوق التجهيز الجماعي األمر الذي يؤدي بداهة إلى فرض الوصاية الختياراتها‬

‫وتوجهاتها‪.‬‬

‫وهكذا تتلخص املوارد الذاتية للجماعات الحضرية والقروية من مجموع املوارد التي‬

‫تقوم بتحصيلها في إطار نطاقها الترابي واملنصوص عليها في املادة الثانية من القانون‬

‫الجباني في ‪ 88‬رسما ‪ ،‬إال أن املستفيد األكبر من هذه الرسوم ‪ ،‬هي الجماعات الحضرية‬

‫باملقارنة الجماعات القروية ‪ ،548‬علما أن عدد الجماعات الترابية يبلغ ‪ 8242‬جماعة ‪ ،‬مع‬

‫تشكل ‪549 %17.48‬بالنسبة إلى باقي الجماعات الترابية ‪ ،‬وهو ما يستدعي إعادة النظر في‬

‫إصالح املالية املحلية وإقرار التوزيع املتكافئ لها ‪ ،‬إذا ما أريد للجماعة أن تمارس التنمية‬

‫حقا وبخصوص تحويالت الدولة من الضريبة على القيمة املضافة ‪ ،‬فتبلغ حوالي ‪ %70‬من‬

‫مجموع مداخيل الجماعات القروية ‪ ،‬و‪ %40‬من مداخيل الجماعات الحضرية ‪ ،‬مما يبين‬

‫بوضوح ارتباط الجماعات الوثيق وخاصة القروية منها ‪ ،‬باملالية العامة للدولة والتبعية‬

‫املطلقة لها على املستوى املالي ‪ ،‬مما يتنافى ومبدأ االستقاللية املالية واإلدارية للوحدات‬

‫الالمركزية وتحرر قرار اتها‪.‬‬

‫‪P 414‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫أما بالنسبة لألمالك الجماعية ‪ ،‬فرغم الدور الذي يمكن أن تلعبه عبر توفير رصيد‬

‫عقاري قد تراهن عليه في تحفيز االستثمار املحلي والوطني واألجنبي ‪ ،‬فال زالت املمارسة‬

‫العملية تؤكد ضعف تدبيره وجعله قطاعا جذابا لالستثمار ‪.‬‬

‫وفيما يخص اإلعاقات واإلمدادات‪ ،‬فهي عبارة عن مبالغ تقدمها الدولة من خزينتها‬

‫العامة‪ ،‬كمساهمة منها بهدف تغطية العجز املستديم الذي تتخبط فيه ميزانيات هذه‬

‫الجماعات والتي يعتبرها البعض مساسا باستقالليتها‪.550‬‬

‫ومن جهة أخرى تستعين الجماعات الترابية في تدبير ماليتها عن طريق القروض‬

‫باعتبارها موارد استثنائية يتم رصدها للتجهيز وتمويل املشاريع ‪ ،‬إال أن هذه املوارد ال يمكن‬

‫الحصول عليها إال في إطار مجموعة من الشروط واإلجراءات املسطرية املعقدة والتي يحرم‬

‫االستفادة منها العديد من الجماعات الفقيرة ‪ ،‬كما يتفاقم مشكل ضعف التمويل أمام‬

‫تحريم القانون إمكانية االقتراض من األبناك‪ ،‬وحصره في صندوق التجهيز الجماعي رغم‬

‫معدالت الفائدة املرتفعة ‪.‬‬

‫أما الرسوم املستحقة لفائدة العماالت واألقاليم والجهات فتبلغ ‪ 7‬أي معدل ‪ 9‬رسوم‬

‫لكل من العمالة أو اإلقليم و ‪ 9‬رسوم للجهة ‪ ،‬ومن خالل هذه املعطيات يمكن أن نستنتج‬

‫أن اإلمكانيات واملوارد املالية املخصصة للجماعات الترابية ال يمكنها بأي حال من األحوال‬

‫أن تواجه أعباء ومتطلبات التنمية ‪ ،‬وال بانتظارات املواطنين من ممثليهم ‪ ،‬خاصة إذا علمنا‬

‫أن الجماعات الحضرية في إطار وحدة املدينة للمدن الكبرى وعلى رأسها الجماعة الحضرية‬

‫‪P 415‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫للعاصمة اإلدارية ‪ ،‬تعرف خصاصا ماليا هائال من جراء باقي استخالصه املقدر باملالير من‬

‫الدراهم‪. 551‬‬

‫وفيما يخص القوانين التنظيمية الجديدة لسنة ‪ 7082‬املتعلقة بالجماعات الترابية‬

‫فقد عرفت بدورها اختالالت مالية منها على املستوى الجهوي عدم حسم القانون التنظيمي‬

‫للجهة في مشكل محدودية املوارد الجهوية ‪ ،‬إذ رغم تنصيصه على الزيادة في املوارد ‪ ،‬من‬

‫خالل الزيادة في نصيب الجهة من الضريبة على الشركات (‪ ،)%2‬ومن الضريبة على الدخل‬

‫( ‪ ، ) %2‬ومن رسوم التأمين (‪ ،)%2‬فإن األمر وبالنظر إلى حجم االنتظارات ‪ ،‬ينذر مرة‬

‫بمحدودية هذه املوارد‪ ،‬السيما في ظل افتقار املشروع لتصور قادر على حل املشاكل العالقة‬

‫‪ ،‬خزينة ترابية تعوزها املوارد البشرية الكافية واملؤهلة ‪ .‬عجز بنيوي في تجاوز مشكل الباقي‬

‫استخالصه ‪ ،‬غياب إحصاء حقيقي للملك العمومي املتسم أصال بضعف املردودية‪.552‬‬

‫أما على مستوى الجماعات فإن غياب االستقالل املالي للجماعات يطرح إشكالية‬

‫مدى تمتع الجماعة بالشخصية املعنوية املكرسة بموجب الدستور ‪ ،‬ويحولها بالتالي إلى‬

‫جماعة مستهلكة للميزانية وليست جماعة مبادرة وقادرة على تحقيق التنمية ‪ ،‬وكذلك‬

‫اإلبقاء على الوصاية القبلية على املقررات املالية في القانون التنظيمي الخاص بالجماعات‬

‫الترابية يعكس نوعا من استمرار هاجس عدم الثقة باملنتخب املحلي ‪ .‬أكثر من ذلك ‪ ،‬يالحظ‬

‫أن أغلب األنشطة االقتصادية املحلية مازالت خاضعة لضرورة تأشير الدولة ‪ ،‬كما أن كل‬

‫‪P 416‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫املداوالت املهمة أو التي هي على درجة كبيرة من األهمية في املجال االقتصادي أو املالي تكون‬

‫خاضعة إلعادة القراءة من طرف سلطات الوصاية ‪ ،‬وهو ما يؤكد حضور القوي الذي ما‬

‫زال قائما من طرف ممثل وزارة الداخلية ‪ ،‬وقد يؤثر على مفهوم التدبير الحر الذي أكد‬

‫عليه الدستور واعتمده القوانين التنظيمية‪.553‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬ضعف تكوين وتأهيل املوارد البشرية ‪.‬‬

‫يعتبر العنصر البشري عصب تحقيق النجاح في كل عملية تنموية كيفما كان نوعها‬

‫ومهما اختلفت مهامها وأهدافها ‪ ،‬ومفهوم تدبير املوارد البشرية بكل املقومات املوجودة‬

‫لدى الجماعات الترابية في الوقت الراهن ال زال غائبا بسبب افتقادها للتقنيات الحديثة‬

‫في التخطيط والتنظيم والرقابة لهذه املوارد ‪ ،‬والجماعات الترابية تعاني في مجال تحقيق‬

‫التنمية من عدة إكراهات مرتبطة بهذا العنصر الحيوي أي العنصر البشري خصوصا ما‬

‫يتعلق باملنتخب الجماعي ‪.‬‬

‫حيث يحتل املنتخب الجماعي سواء كان مستشارا أو رئيسا للمجلس هرم السلطة‬

‫التنفيذية للوحدة الترابية التي يرأسها يتعين من خالل تدبيره للشأن املحلي التابع لنفوذه‬

‫‪ ،‬أن يتحرك بمهارة في محيطه الترابي الذي تحكمه مجموعة من التناقضات الطبقية ‪،‬‬

‫وأنسجة من العالقات واالنتماءات السياسية واالجتماعية واملهنية ليجعل منها مشروعا‬

‫‪P 417‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫متكامال االنجاز التنمية التي تسعى إليها ‪ ،‬لكن املسؤولية الجماعية الزالت تتسم بثغرات‬

‫قانونية خطيرة ‪ ،‬إضافة املمارسات السلبية لغالبية املنتخبين الجماعيين ‪.‬‬

‫إن املنتخب في معظم الجماعات وفي إطار الصالحيات القانونية الواسعة املمنوحة‬

‫له‪ ،‬ال يتوفر على الكفاءة واملؤهالت العلمية والثقافية التي تمكنه من استيعاب هذه املهام‬

‫على املستوى اإلداري ( باملقارنة مع رجل السلطة املتفوق عليه ‪ ،‬والذي تربطه به عالقات‬

‫أدارية متعددة الجوانب ) تسمح له باالضطالع بمسؤولياته على الوجه املطلوب‪ ،‬وإذ كان‬

‫ضعف املستوى العلمي والثقافي السمة الغالبية ملعظم املنتخبين الجماعيين‪ ،554‬فإن ذلك‬

‫ينعكس سلبا على دورهم ومكانتهم داخل الجماعة ‪ ،‬ولهذا يحق ألعضاء مجلس الجماعة‬

‫االستفادة من تكوين مستمر في املجاالت املرتبطة باالختصاصات املخولة للجماعة ‪.‬‬

‫أما فيما يخص تدني هذه املؤهالت لدى املنتخبين ‪ ،‬فيرجع بالدرجة األولى إلى كون‬

‫هؤالء يختارون على أساس وضعهم االجتماعي والنخبوي ‪ ،‬دون مراعاة لعامل الكفاءة و‬

‫الخبرة ‪ ،‬إذ تصل نسبة الذين ال يتوفرون على أي مستوى تعليمي ‪ ، %70.43‬بينما نسبة‬

‫الحاصلين الخبرة ‪ ،‬بينما نسبة الحاصلين على الشهادة االبتدائية ال تتعدى ‪ %72.81‬مما‬

‫ينعكس سلبا على أوجه التنمية املحلية في سياق أساليب وتقنيات التدبير الحديث‪.‬‬

‫كما أن اشتراط املشرع ملستوى تعليمي يعادل على األقل مستوى نهاية الدروس‬

‫االبتدائية لتقلد منصب رئيس الجماعة ( املادة ‪ 71‬من امليثاق الجماعي ) يثير كثيرا من‬

‫الجدل خصوصا وأن بعض األحزاب السياسية واملنظمات النقابية والجمعيات ‪ ،‬كانت قد‬

‫‪P 418‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫طالبت بإعادة النظر في املادة ‪ 71‬أعاله ‪ ،‬وذلك بالرفع من املستوى التعليمي لرؤساء‬

‫املجالس املحلية ‪ ،‬والتفرغ بالنسبة للرئيس ‪ ،‬وذلك بمناسبة اجتماع رؤساء املجالس‬

‫الجهوية في ‪ 78‬أبريل ‪ 7001‬في إطار مقترحات التعديل املرتقب للميثاق الجماعي ‪.7003‬‬

‫وعلى العموم فإن الشرط املذكور غير كاف في ظل تعقد وتعدد املسؤوليات القانونية‬

‫والتدبيرية للجماعات املحلية ‪ ،‬في ظل تنامي دور هذه األخيرة في تحقيق التنمية املحلية بعد‬

‫انسحاب الدولة‪.555‬‬

‫لذا كان يجب اشتراط مستوى تعليمي عالي ‪ ،‬مصحوبا بتكوين للمنتخب املحلي يتسم‬

‫باملالئمة واالنتظام ‪ ،‬على اعتبار أن التكوين يشكل عنصرا أساسيا في مسلسل التنمية‬

‫شرط أن ينبني على صيغ أكثر نجاعة واعتماد عناصر التوعية والتواصل والتحسيس‬

‫بأهمية املنصب وخطورة املسؤولية‪.556‬‬

‫فإذا كان العنصر البشري هو القلب النابض واملحرك الحقيقي للفعل املحلي بشتى‬

‫جوانبه االقتصادية واالجتماعية والثقافية والبيئية ‪ ،‬فإن التكوين والتأهيل ‪ ،‬هما السبيل‬

‫الوحيد الكتساب التجربة ورفع املهارات والتقنيات التدبيرية ‪ ،‬من أجل مواكبة املستجدات‬

‫على جميع األصعدة ‪ ،‬لكن التجربة املغربية تؤكد أن مسألة تكوين املنتخب الجماعي لم‬

‫تعد أولوية الدولة ‪ ،‬عكس التجارب املقارنة ‪ ،‬حيث نجد أن أول دولة نظمت اللقاءات‬

‫التكوينية هي السويد التي أنسأت معهدا نظم منذ سنة ‪ 8323‬حلقات دراسية لفائدة‬

‫‪P 411‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫املنتخبين ‪ ،‬كما قام املشرع الفرنس ي من خالل القانون ‪ 8.01.37‬الصادر في ‪ 9‬فبراير ‪8337‬‬

‫املتعلق بالنظام األساس ي للمنتخب بفرض خضوع املنتخبين التكوين من أجل تحسين‬

‫مردوديتهم ‪ ،‬ومن الدول العربية التي قامت بنشاط مماثل نذكر مصر التي نظمت لقاءات‬

‫دراسية باملعهد للتنمية اإلدارية بالقاهرة‪ ،557‬وأكثر من هذا أن املادة ‪ 49‬من امليثاق الجماعي‬

‫تشير إلى أن مسألة تكوين املنتخبين تدخل ضمن االختصاصات القابلة للنقل التي يزاولها‬

‫املجلس الجماعي ‪ ،‬وكما هو معلوم أن نقل االختصاص ‪ ،‬يقابله مبدئيا تخصيص التمويل‬

‫الالزم هذا باإلضافة إلى بعض الظواهر والسلوكيات السلبية التي يتميز بها املنتخب الجماعي‬

‫من قبيل ‪ :‬ظاهرة الغياب املستمر عن ممارسة املهام االنتدابية ‪ ،‬مما يتسبب في عرقلة سير‬

‫املرفق العام الجماعي وتعطيل مسيرة التنمية ‪ ،‬نظرا لعدم اإلحساس باملسؤولية واالنشغال‬

‫بالصراعات السياسية التي تغذيها الخالفات الحزبية ‪ ،‬إضافة إلى الصراع حول تضارب‬

‫املصالح الشخصية‪ ،558‬مما يجعل محدودية املشاركة السياسية والتمثيلية تترسخ وتنمو‬

‫في ذهن املواطن املراقب واملتتبع‪.‬‬

‫أما بخصوص القوانين التنظيمية الجديدة لسنة ‪ 7082‬املتعلقة بالجماعات الترابية‬

‫فنجد فيه أن عدم اشتراط مستوى تعليمي لتولي مهام الرئاسة يطرح السؤال عن أي نوع‬

‫من الحكامة ( أو التدبير الحر) تلك التي ال تفترض حد أدنى من التكوين ( مالحظة عامة‬

‫‪P 421‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫بالنسبة لكل الوحدات الترابية ‪ ،‬أي سواء كانت جهات أو جماعات أو مقاطعات أو مجالس‬

‫عماالت أو أقاليم )‪ 559‬؟‬

‫‪559‬‬

‫‪P 421‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫الخاتمة‪:‬‬

‫وكخالصة لهذا العمل يتبين أن قضية التنمية الترابية اعتبرت من أبرز املواضيع التي‬

‫اهتم بها مختلف الباحثين ‪ ،‬وذلك لسعي مختلف دول العالم لتحقيقها ‪ ،‬فالتنمية الترابية‬

‫املحلية التي يتميز مجالها بتدخل عدة فاعلين عموميين وخواص ‪ ،‬وكل تدخل تحكمه آلياته‬

‫الخاصة وضوابطه ونفوذه وغاياته املميزة ‪ ،‬وكل ذلك في إطار دينامية محلية تستهدف‬

‫تحقيق تغيير في الوضع القائم نحو األحسن يوفر إمكانيات مالئمة للعيش ولتلبية متطلبات‬

‫الساكنة على جميع املستويات‪.‬‬

‫وكما سبق القول أن التنمية املحلية هي عملية مركبة تهدف إلى الرفع من املستوى‬

‫املعيش ي للسكان في مجال ترابي معين ‪ ،‬وذلك عبر تنويع وتطوير األنشطة االقتصادية‬

‫واالجتماعية بواسطة تفعيل وتنسيق موارد وطاقات هذا املجال الترابي ‪ ،‬إال أن التنمية‬

‫املحلية تطرح على مستوى التحديات عوائق منهجية والتي ترجع باألساس إلى صعوبة‬

‫الفصل بين ما هو وطني وما هو محلي ‪ .‬أما املؤشرات املتعلقة بالتنمية الوطنية في املجاالت‬

‫االقتصادية واالجتماعية والسياسية ‪ ،‬ما هو إال انعکاس وتعبير عن املؤشرات املحلية ‪،‬‬

‫بهذا املعنى فإنه تقدم املغرب أو تأخره على مستوى التنمية مرهون بمدى تحقيق تنمية‬

‫محلية متكاملة تأخذ بعين االعتبار طبيعة املؤشرات العامة ‪.‬‬

‫وهكذا تعتبر الجماعات الترابية من األدوات الضرورية للتنمية في ظل دولة غير قادرة‬

‫على لعب دور القوة الدافعة لالقتصاد ‪ ،‬وكما الحظنا فلكي تتمكن الجماعات الترابية من‬

‫االطالع بهذا الدور وسعت صالحيتها بواسطة تخلي الدولة عن بعض اختصاصاتها ‪ ،‬وذلك‬

‫‪P 422‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫بمنح الجماعات الترابية اختصاصات واسعة في مجال التنمية خصوصا مع التعديل األخير‬

‫لهذه الجماعات املتمثل في صدور القوانين التنظيمية الجديدة لسنة ‪ ، 7082‬إال أن رغم‬

‫الدور التنموي لهذه الجماعات الترابية فتجد مجموعة من العراقيل واإلكراهات تقف‬

‫أمامها من أجل القيام بدورها كما ينبغي ‪ ،‬منها ضعف مصادر التمويل الترابي و أيضا‬

‫معيقات ضعف وتكوين املوارد البشرية‪.‬‬

‫‪P 423‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫الئحة املراجع ‪:‬‬

‫‪ ‬مراجع باللغة العربية‪:‬‬

‫أ‪-‬الكتب‪:‬‬

‫‪-1‬د ‪.‬زين الدين محمد ‪ " :‬الدستور ونظام الحكم في املغرب"‪ ,‬الطبعة األولى أبريل‪,‬‬

‫مطبعة النجاح الجديدة‪ ,‬الدار البيضاء ‪.7082‬‬

‫‪ - 2‬د‪ .‬كريم لحرش ‪ ":‬تدبير مالية الجماعات املحلية باملغرب " ‪،‬مطبعة طوب بريس ‪،‬‬

‫الرباط‪ ،‬الطبعة األولى ‪. 7080‬‬

‫ب‪ -‬املقاالت ‪:‬‬

‫‪ -1‬د‪.‬سعيد الدحماني‪ ":‬التدبير العمومي الترابي‪ :‬من التدبير املقيد إلى التدبير‬

‫الحر"‪،‬مجلة الشؤون القانونية والقضائية‪ ،‬العدد ‪،7‬الطبعة ‪. 7082‬‬

‫‪-2‬د‪.‬أحمد حاسون‪" :‬اإلقليم ورهان التنمية الترابية باملغرب ‪ :‬األدوات واملعيقات"‬

‫‪،‬منشورات املجلة املغربية لإلدارة املحلية والتنمية‪،‬العدد ‪، 842-844‬الطبعة ‪. 7083‬‬

‫‪-3‬جمال الدين بيت الطاهر‪" :‬القوانين التنظيمية ومبدأ التدبير الحر –" مجلة‬

‫مسالك في الفكر والسياسة واالقتصاد‪ ،‬العدد ‪– 94/99‬مطبعة النجاح الجديدة ‪،‬الدار‬

‫البيضاء ‪. 7082‬‬

‫‪P 424‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪- 4‬سعيد جعفري‪ " :‬الثابت واملتحول في التوجه اإلصالحي املالية الجماعة باملغرب "‬

‫املجلة املغربية للسياسات العمومية ‪ ،‬العدد ‪.7003 ، 4‬‬

‫‪-5‬إدريس جردان‪":‬العدالة التوزيعية بالجماعات املحلية واشكالية التضامن واملوازنة‬

‫" املجلة املغربية السياسات العمومية ‪ ،‬العدد ‪.7003 ،4‬‬

‫‪ -6‬عبد النبي أضريف‪ ":‬أي جديد‪ .‬لتجاوز محدودية موارد الجهات في ظل مشروع‬

‫القانون التنظيمي الجهات ؟ " مجلة مسالك في الفكر والسياسة واالقتصاد ‪ ،‬العدد ‪ 93‬و‬

‫‪. 7087 ، 40‬‬

‫‪ -7‬جميلة دليمي‪ " :‬إشكالية االستقالل املالي للجماعات على ضوء مشروع القانون‬

‫التنظيمي املتعلق بالجماعات " مجلة مسالك والسياسة واالقتصاد ‪ ،‬عدد ‪ 92‬و ‪.7087 : 80‬‬

‫‪- 8‬املهدي بنمير ‪ ":‬الحكامة املحلية باملغرب وسؤال التنمية البشرية " املجلة املغربية‬

‫لإلدارة والقانون والتنمية ‪ ،‬مطبعة وليلي ‪ ،‬الطبعة األولى ‪. 2010‬‬

‫‪ -9‬املكاوي نصير ‪ ":‬قراءة في مشروع القانون التنظيمي رقم ‪ 887.84‬املتعلق بالعماالت‬

‫واألقاليم" مجلة مساك في الفكر والسياسة واالقتصاد ‪,‬عدد ‪ 93‬و ‪. 7082، 40‬‬

‫ج – األطروحات و الرسائل‪:‬‬

‫‪ -1‬إدريس جردان‪ " :‬دور العنصر البشري في تنمية الجماعات املحلية " أطروحة لنيل‬

‫الدكتوراه في القانون العام ‪ ،‬جامعة محمد الخامس ‪ ،‬کلية الحقوق أكدال ‪ :‬الرباط ‪،‬‬

‫السنة الجامعية ‪.7007 –7008‬‬

‫‪P 425‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪ -7‬عاللى اليوسفي‪ " :‬التنمية املحلية ‪ :‬املقاربات والرهانات" رسالة لنيل دبلوم املاستر‬

‫في القانون العام ‪ ،‬كلية الحقوق ‪ ،‬جامعة عبد املالك‪ ،‬طنجة ‪. 7089/7087 ،‬‬

‫د‪ -‬القوانين‪:‬‬

‫‪ -1‬ظهير شريف ‪ 8.82.12‬الصادر في ‪ 70‬من رمضان ‪ 2( 8497‬يوليوز ‪ ) 7082‬بتنفيذ‬

‫القانون التنظيمي رقم ‪ 888.84‬املتعلق بالجهات بالجريدة الرسمية عدد ‪ 7910‬بتاريخ ‪79‬‬

‫يوليوز ‪.7082‬‬

‫‪ -2‬ظهير شريف ‪ 8.82.12‬الصادر في ‪ 70‬من رمضان ‪ 2( 8497‬يوليوز ‪ ) 7082‬بتنفيذ‬

‫القانون التنظيمي رقم ‪ 887.84‬املتعلق بالعماالت واألقاليم بالجريدة الرسمية عدد ‪7910‬‬

‫بتاريخ ‪ 79‬يوليوز ‪.7082‬‬

‫‪ -3‬ظهير شريف ‪ 8.82.12‬الصادر في ‪ 70‬من رمضان ‪ 2( 8497‬يوليوز ‪ ) 7082‬بتنفيذ‬

‫القانون التنظيمي رقم ‪ 889.84‬املتعلق بالجماعات بالجريدة الرسمية عدد ‪ 7910‬بتاريخ‬

‫‪ 79‬يوليوز ‪.7082‬‬

‫‪ .4‬ظهير شريف رقم ‪ 8.02.832‬يتعلق بجبايات الجماعات املحلية و مجموعاتها ‪ .‬صادر‬

‫في ‪ 83‬من ذي القعدة ‪ 90 ( 8471‬نونبر ‪ 7002‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 77 ، 219‬ذي القعدة‬

‫‪ 9( 8471‬دسمبر ‪.) 7002‬‬

‫‪P 426‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس‬40 ‫العدد‬

: ‫ املراجع باللغة الفرنسية‬

 Les ouvrages:

1- Norbert Elias, Qu’est ce que la Sociologie ? ,Pocket ,éditions de l’aube ,

1993.

 Les articles :

1-Fatima chahid :"territorialisation des politiques "publications de la

revue marocaine, l'administration locale Développement collection, manuelet

traveaux n° 63, 2005.

P 427 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪Administrative determination of the lands of the dynastic groups in the light‬‬


‫‪of the developments of civilisation‬‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫يشكل العقار األرضية األساسية النطالق املشاريع الصناعية والتجارية والسياحية‬

‫املنتجة‪ ،‬وأداة لتحقيق االستقرار واألمن والسلم االجتماعي‪ ،‬بالنظر الى الدور الفعال الذي‬

‫يقوم به على املستوى االقتصادي واالجتماعي‪.‬‬

‫وكما هو معلوم‪ ،‬ان النظام العقاري املغربي نظام مزدوج ومتنوع في طبيعته‪ .‬اذ يوجد‬

‫نظام خاص بالعقارات غير املحفظة وهناك نظام العقارات املحفظة‪ .560‬و الى جانب هذه‬

‫االزدواجية نجد تعدد في األنظمة العقارية من قبيل أراض ي األحباس و أمالك الدولة العامة‬

‫و الخاصة و امللك الغابوي و أمالك الجماعات الساللية الخ ‪..‬‬

‫وتعرف أمالك الجماعات الساللية أو أراض ي الجموع كونها القبائل أو فصائل و غيرها‬

‫من العشائر األصلية التي تنتفع باألمالك الجماعية طبقا لألعراف التي اعتمدت عليها منذ‬

‫‪ 560‬ادريس الفاخوري '' الوسيط في نظام التحفيظ العقاري بالمغرب'' مطبعة النجاح الجديدة –الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪ 2060‬ص‬
‫‪.8‬‬

‫‪P 428‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫القديم استعماال و استغالال‪ . 561‬و تشكل هذه األراض ي ثروة اقتصادية هامة ‪ ،‬بحيث تقدر‬

‫املساحة االجمالية لها ‪ 82‬مليون هكتار تمثل األراض ي الرعوية فيها منها نسبة ‪ 12‬باملئة‬

‫تستغل بكيفية جماعية من طرف ذوي الحقوق ‪ ،‬بينما توظف أهم املساحات املتبقية في‬

‫النشاط الفالحي‪. 562‬‬

‫و نظرا ألهمية ألراض ي الجماعات الساللية‪ ،‬فقد تم تأطيرها منذ عشرينيات القرن‬

‫املاض ي‪ ،‬حيث يعود أول ظهير منظم للجماعات الساللية لسنة ‪ 8383‬أي سبع سنوات على‬

‫ابرام معاهدة الحماية الفرنسية للمغرب بحيث وضع اللبنة األولى لتنظيم استغالل هذه‬

‫األراض ي لكل قبيلة و قيد التصرف في ملكيتها و جعله خاضعا لرقابة الدولة بعدما كانت‬

‫تخضع لألعراف و العادات املعمول بها في كل قبيلة و قد خضع هذا الظهير للعديد من‬

‫التعديالت لكن بقيت مساهمة هذه األراض ي في عجلة التنمية االقتصادية محدودة ‪.‬‬

‫األمر الذي دفع الحكومة و تنفيذا للتوصية امللكية‪ ،563‬الى مراجعة الترسانة القانونية‬

‫العتيقة املنظمة للجماعة الساللية و ذلك بإصدار ثالث قوانين صادق عليها البرملان‪،‬‬

‫ويتعلق األمر بالقانون ‪ 77.82‬بشأن الوصاية اإلدارية على الجماعات الساللية وتدبير‬

‫‪ 561‬مأمون الكزبري‪ " ،‬التحفيظ العقاري والحقوق العينية األصلية و التبعية في ضوء التشريع المغربي"‪ ،‬شركة الهالل العربية‪ ،‬الرباط‪،‬‬
‫الطبعة الثانية‪، 6908 ،‬ص ‪.621‬‬
‫‪ 562‬التقرير التركيبي حول واقع قطاع العقار بالمغرب بمناسبة اشغال المناظرة الوطنية حول السياسة العقارية للدولة ودرها في التنمية‬
‫االقتصادية واالجتماعية‪ .‬الرباط دجنبر ‪. 2064‬ص‪.0‬‬
‫‪ 563‬كالرسالة الملكية الموجهة الى المشاركين في المناظرة الوطنية حول موضوع " السياسة العقارية للدولة و دورها في التنمية االقتصادية‬
‫و االجتماعية يومي ‪ 0‬و ‪ 9‬دجنبر ‪ 2064‬للعمل على تسريع وتيرة التصفية القانونية لألراضي الجماعية ‪ ،‬بهدف توفير مناخ مالئم لدمج‬
‫أمثل لهذه األراضي في مسلسل التنمية االقتصادية و االجتماعية للبالد ‪ .‬لالطالع على النص الكامل لمضمون الرسالة الملكية أنظر الموقع‬
‫اإللكتروني ‪ /https://www.maroc.ma‬تاريخ االطالع االثنين ‪ 60‬غشت ‪ 2026‬على الساعة ‪ 66:26‬صباحا ‪.‬‬

‫‪P 421‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫أمالكها‪ 564‬و القانون رقم ‪ 79.82‬املتعلق بالتحديد اإلداري للجماعات الساللية‪ 565‬و القانون‬

‫‪ 74.82‬بشأن األراض ي الجماعية الواقعة داخل دوائر الري‪.566‬‬

‫و تعتبر مسطرة التحديد اإلداري ألراض ي الجماعات الساللية‪ ،‬املنصوص عليها في‬

‫قانون ‪ 79.82‬من أنجع و أهم الوسائل التي تحقق حماية هذا الرصيد العقاري ‪ ،‬و ذلك‬

‫بتدقيق مساحته و ضبط حدوده بصفة نهائية ‪ ،‬بحيث أن التحديد اإلداري لهذه األمالك‬

‫يساهم في بيان الحدود التقنية و القانونية للملك و من تم توضيح حقوق الشخص املعنوي‬

‫املالك له و كذا حقوق الغير‪.567‬‬

‫وسنحاول من خالل هذا املوضوع‪ ،‬أن نقف بالدراسة والتحليل عند قانون ‪79.82‬‬

‫املتعلق بالتحديد اإلداري للجماعات الساللية و اإلشكاالت التي يطرحها عن طريق اإلجابة‬

‫عن إشكالية مركزية مفادها ‪ :‬ماهي خصوصيات مسطرة تحديد أراض ي الجموع و التعرض‬

‫عليها ؟ والجواب عن هذه اإلشكالية يقتض ي منا تناول املوضوع في مطلبين كاآلتي‪:‬‬

‫صدر بتنفيذه الظهير الشريف ‪ 1.10.112‬في ‪ 37‬ذي الحجة ‪ 1443‬موافق ‪ 0‬غشت ‪ ،0310‬منشور بالجريدة الرسمية عدد‬ ‫‪564‬‬

‫‪ ،6137‬بتاريخ ‪ 06‬غشت ‪ ،0310‬ص ‪ .2117‬وهو القانون الذي نسخ كال من الظهير الشريف المؤرخ في ‪ 02‬رجب ‪1007‬‬
‫الموافق ‪ 07‬أبريل ‪ 1010‬بتنظيم الوصاية اإلدارية على الجماعات وضبط تدبير شؤون الجماعية وتفويتها‪ ،‬كما تم تغييره وتتميمه؛‬
‫وكذا الظهير الشريف المؤرخ في ‪ 11‬جمادى الثانية ‪ 1073‬الموافق ‪ 1021/0/10‬في شأن سن ضابط لتدبير شؤون األمالك‬
‫المشتركة بين الجماعات وتفويتها ‪.‬‬
‫‪565‬صدر بتنفيذه الظهير الشريف ‪ 1.10.116‬في ‪ 37‬ذي الحجة ‪ 1443‬موافق ‪ 0‬غشت ‪ ،0310‬منشور بالجريدة الرسمية عدد‬
‫‪ ،6137‬بتاريخ ‪ 06‬غشت ‪ ،0310‬ص ‪ .2100‬وهو القانون الذي نسخ الظهير الشريف المؤرخ في ‪ 10‬رجب ‪ 1040‬الموافق ‪11‬‬
‫فبراير ‪ 1004‬في تأسيس ضابط خصوصي يتعلق بتحديد األراضي المشتركة بين القبائل‪ ،‬كما تم تغييره وتتميمه ‪.‬‬
‫–صدر بتنفيذه الظهير الشريف ‪ 1.10.117‬في ‪ 37‬ذي الحجة ‪ 1443‬موافق ‪ 0‬غشت ‪ ،0310‬منشور بالجريدة الرسمية عدد‬ ‫‪566‬‬

‫‪ ،6137‬بتاريخ ‪ 06‬غشت ‪ ،0310‬ص ‪. 2102‬‬


‫‪ 567‬هشام عليوي ''دور أراضي الجموع في تشجيع االستثمار'' مقال منشور بأشغال الندوة الوطنية المنظمة يومي ‪ 24‬و ‪ 21‬نونبر ‪2061‬‬
‫بعنوان ''العقار و التعمير و االستثمار " الطبعة األولى ‪ 2068‬مطبعة المعارف الجديدة الرباط ‪.222‬‬

‫‪P 431‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫املطلب األول‪ :‬مسطرة التحديد اإلداري ألراض ي الجماعات الساللية‪ .‬املطلب الثاني‪:‬‬

‫مسطرة التعرض على عملية التحديد‬

‫املطلب األول‪ :‬مسطرة التحديد اإلداري ألراض ي الجماعات الساللية‬

‫نظم املشرع املغربي مسطرة التحديد اإلداري‪ ،‬بمقتض ى القانون ‪ 79.82‬املتعلق‬

‫الذي نسخ مقتضيات ظهير ‪ 81‬فبراير‬ ‫الساللية‪568‬‬ ‫بالتحديد اإلداري ألراض ي الجماعات‬

‫‪.8374‬‬

‫ويعتبر التحديد اإلداري ألراض ي الجموع وسيلة فعالة لضبط حدود عقار ال تقل‬

‫مساحته عن ‪ 200‬هكتار‪ ،‬وتطهيره من حقوق األغيار‪.569‬‬

‫و تمر عملية تحديد هذه األراض ي بمجموعة من اإلجراءات و املراحل التي تضفي على‬

‫العقار الجماعي موضوع التحديد ما يكفي من االستقرار لتحصينه من أي منازعة‪ .‬و‬

‫سنتطرق في دراسة مسطرة التحديد اإلداري ألراض ي الجموع الى اعداد ملف التحديد‬

‫اإلداري (الفقرة األولى)‪ ،‬و كذلك الى بيان اللجنة املكلفة بإنجاز أعمال التحديد ( الفقرة‬

‫الثانية) ‪.‬‬

‫‪ 568‬ظهير شريف رقم ‪ 1.10.116‬صادر في‪ 7‬ذي الحجة ‪ 0( 1443‬أغسطس ‪ )0310‬بتنفيذ القانون رقم ‪60.17‬‬
‫المتعلق بالتحديد اإلداري ألراضي الجماعات الساللية‪.‬‬
‫‪ 569‬أساتذتنا حليمة بنت المحجوب بن حفو" القانون العقاري وفق آخر المستجدات ‪ :‬دراسة نظرية تطبيقية معززة باجتهادات قضائية''‬
‫الطبعة األولى ‪ 2060‬المطبعة و الوراقة الوطنية ص ‪.298‬‬

‫‪P 431‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫الفقرة األولى‪ :‬اعداد ملف التحديد اإلداري‬

‫تنص املادة األولى من قانون ‪ 79.82‬املتعلق بالتحديد اإلداري ألراض ي الجماعات‬

‫الساللية على ما يلي‪ '':‬تتم مباشرة عمليات التحديد اإلداري لألراض ي التي تتوفر فيها قرينة‬

‫أمالك الجماعات الساللية‪ ،‬قصد ضبط حدودها ومساحتها ومشتمالتها املادية‪ ،‬وتصفية‬

‫وضعيتها القانونية‪ ،‬وذلك بمبادرة من سلطة الوصاية على الجماعات الساللية أو بطلب‬

‫من هذه الجماعات''‪.‬‬

‫وبالتالي فان مسطرة التحديد اإلداري ألراض ي الجموع‪ ،‬تبتدئ بمبادرة من طرف وزارة‬

‫الداخلية بصفتها وصية على الجماعات الساللية‪ ،570‬أو بطلب من الجماعة النيابية وذلك‬

‫بشأن األراض ي التي تتوفر فيها قرينة أمالك الجماعات الساللية قصد ضبط حدودها‬

‫ومساحتها ومشتمالتها املادية‪ ،‬وتصفية وضعيتها القانونية‪.571‬‬

‫وفي الحالة التي يتم فيها اعداد ملف التحديد اإلداري من طرف الجماعة النيابية‪،‬‬

‫فهي تقوم بذلك بتعاون مع السلطة املحلية‪ ،‬ويضم هذا امللف تصميم مختصر لألراض ي‬

‫املراد تحديدها معزز بتقرير من السلطة املحلية و بطاقة تتضمن بيانات و معلومات عن‬

‫‪ 570‬في هذا الصدد تنص المادة ‪ 20‬من قانون ‪ 12168‬بشأن الوصاية اإلدارية على الجماعات الساللية وتدبير أمالكها على ما يلي‪'' :‬‬
‫يمارس وزير الداخلية أو من يفوض إليه ذلك الوصاية اإلدارية للدولة على الجماعات الساللية‪ ،‬مع مراعاة االختصاصات المخولة لمجلسي‬
‫الوصاية المركزي واإلقليمي‪ ،‬المنصوص عليهما في المادتين ‪ 21‬و‪ 22‬من هذا القانون ‪.‬تهدف هذه الوصاية إلى السهر على احترام‬
‫الجماعات الساللية وجماعات النواب للقوانين واألنظمة الجاري بها العمل‪ ،‬وكذا إلى ضمان المحافظة على أمالك الجماعات الساللية‬
‫ومواردها المالية وتنميتها''‪.‬‬
‫‪ 571‬ان مبدأ القرينة الذي تنص عليه المادة األولى من قانون ‪ 12168‬يعني أن التحديد اإلداري ال ينصب فقط على األمالك الجماعية الثابتة‬
‫ملكيتها‪ ،‬و انما يمتد الى تلك التي تتوفر فيها الجماعة الساللية فقط على قرينة أنها تدخل في ملكها حتى لو كان يحوزها الغير حيازة هادئة‬
‫و علنية و مستقرة‪ ،‬و اال كان من المفروض التنصيص هكذا '' يمكن مباشرة عملية التحديد اإلداري لألراضي الجماعية " أنظر‪ :‬العربي‬
‫مياد '' قراءة في المشروع قانون المتعلق بالتحديد اإلداري ألراضي الجماعات الساللية " مقال منشور بالموقع االلكتروني للمجلة‬
‫‪ https://www.maroclaw.com‬تاريخ االطالع السبت ‪ 1‬غشت ‪ 2026‬على الساعة ‪60:01‬‬ ‫االلكترونية مغرب القانون‬
‫مساءا ‪.‬‬

‫‪P 432‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫موقع األرض و طبيعتها و حدودها و مساحتها و الجماعة املالكة‪ ،،572‬و يتم ارفاق هذه الوثائق‬

‫بتصريح من نواب أراض ي الجموع مذيل بإمضاء نائب أو عدة نواب ‪ ،‬و يضم كذلك رأي‬

‫بعض اإلدارات كمديرية أمالك الدولة و املياه و الغابات و األحباس‪ .‬ثم يرسل بعد ذلك الى‬

‫سلطة الوصاية التي تعمل على اعداد ملف آخر يوضح موقع األرض و حدودها و اسمها و‬

‫املجاورين لها‪ ،‬و ما قد يكون عليها من حقوق عينية و تحمالت عقارية‪.573‬‬

‫وبعد انتهاء سلطة الوصاية أي وزارة الداخلية من اعداد امللف املذكور تتولى ارساله‬

‫الى األمانة العامة للحكومة‪ ،‬حيث يصدر رئيس الحكومة بناء على اقتراحها مرسوما بإجراء‬

‫التحديد وتحديد تاريخ الشروع في العمليات‪.‬‬

‫وبالتالي‪ ،‬فان املرسوم يصدر من طرف رئيس الحكومة باقتراح من وزير الداخلية وفي‬

‫هذا الصدد تنص املادة الثانية من قانون ‪ 79.82‬املتعلق بالتحديد اإلداري ألراض ي‬

‫الجماعات الساللية على ما يلي‪ '' :‬يحدد بمرسوم يتخذ باقتراح من وزير الداخلية تاريخ‬

‫افتتاح عمليات التحديد اإلداري‪ ،‬بالنسبة لعقار واحد أو عدة عقارات على ملك جماعة‬

‫ساللية أو عدة جماعات ساللية‪.‬‬

‫يبين املرسوم السالف الذكر‪ ،‬بالنسبة لكل عقار‪ ،‬اسم الجماعة الساللية أو‬

‫الجماعات الساللية املالكة واالسم الذي يعرف به‪ ،‬وموقعه الجغرافي وحدوده ومساحته‬

‫‪572‬وفاء جوهر‪ " ،‬التحديد اإلداري ألراضي الجموع "مداخلة في أشغال الندوة الوطنية المنظمة ٌيومي ‪ 22‬و‪ 22‬أبريل ‪، 2061‬في‬
‫موضوع أراضي الجموع وسؤال الحكامة والتنمية الترابية‪ ،‬مطبعة المعارف الجددة بالرباط‪ ،‬طبعة ‪ ، 2060‬ص‪601‬‬

‫‪ 573‬أساتذتنا حليمة بنت المحجوب بن حفو" مرجع سابق ص ‪.290‬‬

‫‪P 433‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫التقريبية‪ ،‬وعند االقتضاء‪ ،‬أسماء املجاورين والقطع األرضية املحصورة داخله والتحمالت‬

‫والحقوق العينية املترتبة عليه"‪.‬‬

‫و يترتب على نشر‪ 574‬املرسوم االفتتاحي لعملية التحديد اإلداري اآلثار التالية‪:‬‬

‫‪-‬منع ابرام أي تصرف يتعلق باألمالك باألراض ي موضوع التحديد تحت طائلة البطالن‪،‬‬

‫باستثناء الحاالت املنصوص عليها في القانون ‪ 79.87‬بشأن الوصاية اإلدارية على أراض ي‬

‫الجماعات الساللية وتدبير أحكامها املشار اليها في املواد ‪ 87‬و‪ 83 82‬و ‪70‬و ‪ 78‬و يتعلق‬

‫األمر بتوزيع االنتفاع بين أعضاء الجماعة الساللية و عقود األكرية و التفويتات و اتفاقات‬

‫الشراكة و املبادلة التي تبرمها سلطة الوصاية سواء عن طريق املنافسة أو التراض ي لفائدة‬

‫الدولة و املؤسسات العمومية و الجماعات الترابية و الجماعات الساللية األخرى و الفاعلين‬

‫العموميين و الخواص ‪ ،‬باإلضافة الى عملية تقسيم األراض ي الفالحية لفائدة أعضاء‬

‫الجماعة‪.575‬‬

‫‪-‬عدم قبول أي مطلب تحفيظ مقدم من طرف الغير‪ ،‬يتعلق باألراض ي موضوع‬

‫التحديد اإلداري ما لم يكن هذا املطلب تأكيدا للتعرض و في هذا الصدد تنص الفقرة‬

‫‪574‬جاء في المادة الثانية من قانون قانون رقم ‪ 12168‬المتعلق بالتحديد اإلداري ألراضي الجماعات الساللية ما يلي ‪ '' :‬ينشر‬
‫المرسوم المنصوص عليه في المادة ‪ 2‬أعاله في الجريدة الرسمية خالل مدة ثالثين يوما على األقل قبل التاريخ المحدد لبدء‬
‫عمليات التحديد اإلداري‪.‬‬

‫يتم إشهار المرسوم المذكور من طرف السلطة المحلية بكل الوسائل المتاحة‪ ،‬خالل نفس المدة‪.‬‬
‫كما يتم خالل هذه المد ة‪ ،‬تعليق نسخة من المرسوم المذكور في مقرات السلطة المحلية والمحكمة االبتدائية ومصلحة المحافظة على األمالك‬
‫العقارية ومصلحة المسح‬
‫‪ 575‬للمزيد من التوسع بخصوص التصرفات التي ترد على أراضي الجماعات الساللية أنظر‪ :‬الحبيب السرناني ''قراءة في مستجدات‬
‫القانون رقم ‪ 12168‬المتعلق بالوصاية اإلدارية على الجماعات الساللية وتدبير أمالكها'' مقال منشور بمجلة منازعة األعمال االلكترونية‬
‫‪ /http://frssiwa.blogspot.com‬تاريخ االطالع السبت ‪ 8‬غشت ‪ 2026‬على الساعة ‪ 69:45‬مساءا‪.‬‬

‫‪P 434‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫الثانية من املادة الرابعة على ما يلي ‪ '' :‬كما ال يمكن‪ ،‬داخل نفس الفترة‪ ،‬قبول أي مطلب‬

‫تحفيظ مقدم من طرف الغير‪ ،‬يتعلق باألراض ي موضوع التحديد اإلداري‪ ،‬مالم يكن هذا‬

‫املطلب تأكيدا لتعرض مقدم وفقا ألحكام املادتين ‪ 7‬و‪ 3‬بعده‪".‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬اللجنة املكلفة بإنجاز أعمال التحديد‬

‫ان التحديد اإلداري ألراض ي الجماعة الساللية‪ ،‬تقوم به لجنة و قد بين القانون‬

‫تأليفها واألعمال التي تقوم بها بحيث تنص الفقرة الثانية من املادة الخامسة من قانون‬

‫‪ 79.87‬املتعلق بالتحديد اإلداري ألراض ي الجماعات الساللية على ما يلي ‪ ... '' :‬تباشر عملية‬

‫التحديد اإلداري من طرف لجنة تحمل اسم لجنة التحديد اإلداري تترأسها السلطة‬

‫املحلية‪ ،‬وتضم في عضويتها ممثال عن العمالة أو اإلقليم الذي يقع العقار في دائرة نفوذه‬

‫ونائب أو نواب الجماعة أو الجماعات الساللية املعنية وعند االقتضاء ممثال عن سلطة‬

‫الوصاية‪ ،‬كما تضم مهندسا مساحا طوبوغرافيا أو تقنيا طبوغرافيا‪ ''.‬ويتبين من خالل‬

‫هذه املادة أن املشرع يمزج في تكوين اللجنة بين أشخاص لهم تكوين اداري وآخرون لهم‬

‫تكوين تقني‪ 576‬لكنه استغنى عن املترجم والعدلين والذين كانا منصوصا عليهما في الفصل‬

‫الثاني من ظهير ‪ 81‬فبراير ‪ 8374‬املنسوخ‪.‬‬

‫‪576‬العرب محمد مياد‪ " ،‬تأمالت في القانون المنظم للجماعات الساللية على ضوء وثائق الحوار الوطني حول األراضي الجماعية‬
‫مطبعة األمنية‪ ،‬الرباط‪، 2065 ،‬ص ‪.21‬‬

‫‪P 435‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫وتستهل اللجنة السالفة الذكر عملية التحديد في التاريخ واملكان املبينين في املرسوم‬

‫االفتتاحي لعملية التحديد وتقوم بمعاينة العقاروالوقوف على حدوده ووضع األنصاب‪ .‬وفي‬

‫حالة ما إذا تعذر‪ ،‬ألي سبب من األسباب‪ ،‬على لجنة التحديد اإلداري مواصلة أشغالها‬

‫أي في الحالة التي تسفر فيها عملية التحديد عن تحديد سلبي‪ ،577‬قام رئيس اللجنة بتحديد‬

‫تاريخ جديد ملواصلة عملية التحديد وأخبر الحاضرين بهذا التاريخ‪.578‬‬

‫و في حالة انجاز عملية التحديد تقوم اللجنة املذكورة حسب املادة ‪ 2‬من قانون‬

‫‪ 77.82‬بإعداد محضر التحديد وتوقيعه‪ .‬ويتضمن هذا املحضر تاريخ العمليات وأسماء‬

‫الحاضرين‪ ،‬ووصفا دقيقا للعقار املعني بمميزاته ومشتمالته ومساحته ووصفا ملواقع‬

‫األنصاب والحدود‪ ،‬وعند االقتضاء‪ ،‬أجزاء امللك العام والقطع األرضية املحصورة داخله‬

‫والحقوق العينية املترتبة عليه والتعرضات واملالحظات املقدمة إلى اللجنة والوثائق املدلى‬

‫بها‪ .‬ثم تضع تصميما مؤقتا للعقار موضوع التحديد‪.579‬‬

‫‪ 577‬عدنان الوهابي '' مسطرة التحديد اإلداري ألراضي الجموع على ضوء المستجدات التشريعية '' بالموقع االلكتروني للمجلة االلكترونية‬
‫‪ https://www.maroclaw.com‬تاريخ االطالع السبت ‪ 1‬غشت ‪ 2026‬على الساعة‪ 20:26‬مساءا ‪.‬‬ ‫مغرب القانون‬
‫‪ 578‬و في هذا الصدد تنص الفقرة الثامية المادة ‪ 4‬من قانون ‪ 12168‬المتعلق بالتحديد اإلداري ألراضي الجماعات‬
‫الساللية على ما يلي ‪ ":‬تباشر عملية التحديد اإلداري من طرف لجنة تحمل اسم لجنة التحديد اإلداري تترأسها‬
‫السلطة المحلية‪ ،‬وتضم في عضويتها ممثال عن العمالة أو اإلقليم الذي يقع العقار في دائرة نفوذه ونائب أو نواب‬
‫الجماعة أو الجماعات الساللية المعنية وعند االقتضاء ممثال عن سلطة الوصاية‪ ،‬كما تضم مهندسا مساحا‬
‫طوبوغرافيا أو تقنيا طبوغرافيا‪".‬‬
‫‪ 579‬جاء في المادة ‪ 8‬من قانون ‪ 12168‬المتعلق بالتحديد اإلداري ألراضي الجماعات الساللية ما يلي ‪'' :‬تقوم‬
‫اللجنة بإعداد محضر التحديد وتوقيعه‪ .‬ويتضمن هذا المحضر تاريخ العمليات وأسماء الحاضرين‪ ،‬ووصفا دقيقا‬
‫للعقار المعني بمميزاته ومشتمالته ومساحته ووصفا لمواقع األنصاب والحدود‪ ،‬وعند اإلقتضاء‪ ،‬أجزاء الملك العام‬
‫والقطع األرضية المحصورة داخله والحقوق العينية المترتبة عليه والتعرضات والمالحظات المقدمة إلى اللجنة‬
‫والوثائق المدلى بها‪.‬‬
‫يمكن للجنة عند االقتضاء إعداد محاضر تلحق بالمحضر المذكور‪.‬‬
‫تضع اللجنة تصميما مؤقتا للعقار موضوع التحديد‪''.‬‬

‫‪P 436‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫محضر التحديد و‬ ‫‪580‬‬ ‫وبعد إتمام عمليات التحديد‪ ،‬تودع اللجنة حسب املادة ‪1‬‬

‫التصميم املؤقت للتحديد لدى السلطة املحلية ‪ ،‬و تودع نسخة منهما لدى مصلحة‬

‫املحافظة العقارية ومصلحة املسح العقاري الواقع بدائرة نفوذهما الترابي العقار املعني و‬

‫ذلك حتى يتسنى للعموم االطالع عليه تدعيما لعملية اإلشهار التي تتميز بها عملية التحديد‬

‫اإلداري ‪ .‬و يتم نشر اعالن في الجريدة الرسمية عن هذا اإليداع و اشهاره بتعليق نسخة‬

‫منه حسب الكيفية املنصوص عليها في املادة الثانية أي بمقرات السلطة املحلية واملحكمة‬

‫االبتدائية ومصلحة املحافظة على األمالك العقارية ومصلحة املسح العقاري واملصالح‬

‫التابعة ملديرية أمالك الدولة واملياه والغابات‪ ،‬التي يقع العقار املعني في دائرة نفوذها‬

‫الترابي‪.‬‬

‫املطلب الثاني ‪ :‬مسطرة التعرض على عملية التحديدا‬

‫ان مباشرة إجراءات تحديد عقار معين‪ ،‬من شأنها اذا ما سارت الى نهايتها بشكل‬

‫طبيعي و بدون منازعة‪ ،‬أن تؤدي الى املصادقة على عملية التحديد اإلداري‪ ،‬غير أن األمور‬

‫قد ال تسير دائما بهذه السهولة و البساطة‪ ،‬ألن البعض قد يرى أن عملية التحديد قد‬

‫‪ 580‬جاء في المادة ‪ 0‬من قانون ‪ 12168‬المتعلق بالتحديد اإلداري ألراضي الجماعات الساللية ما يلي ‪ " :‬يودع محضر‬
‫التحديد والتصميم المؤقت المشار إليهما في المادة ‪ 8‬أعاله لدى السلطة المحلية التي تضعهما رهن إشارة العموم قصد االطالع‬
‫عليهما‪.‬‬

‫تودع نسخة من محضر التحديد والتصميم المذكورين لدى مصلحة المحافظة العقارية ومصلحة المسح العقاري الواقع بدائرة‬
‫نفوذهما الترابي العقار المعني‪.‬‬

‫يتم نشر إعالن عن هذا اإليداع في الجريدة الرسمية (نشرة اإلعالنات القانونية والقضائية واإلدارية)‪ ،‬وإشهاره وفق الكيفية‬
‫المشارة إليها في المادة ‪ 2‬أعاله‪''.‬‬

‫‪P 437‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫مست بحقوقه على العقار اما بشكل كلي أو جزئي أو بخصوص الحدود و لحفظ حقوق‬

‫هؤالء أعطاهم املشرع حق التعرض‪. 581‬‬

‫وال يمكن تصور املنازعة في العقار موضوع التحديد خارج هذه املسطرة من ذلك لو‬

‫تقدم أحد األطراف بدعوى استحقاق منفعة ألجل املطالبة باستحقاق عقار تحوزه‬

‫الجماعة الساللية و هو موضوع التحديد فإنه لن يقبل منه ألنه لم يمارسها ضمن إطارها‬

‫القانوني السليم وهو التعرض على عملية التحديد اإلداري‪.582‬‬

‫وتجدر اإلشارة أن املشرع في اطار قانون ‪ 79.87‬املتعلق بالتحديد اإلداري ألراض ي‬

‫الجماعات قد أفرد ملسطرة التعرض على التحديد اإلداري مجموعة من الخصوصيات‬

‫(الفقرة األولى) كما أن القضاء يبث في هذه التعرضات كذلك وفق خصوصيات معينة‬

‫(الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬خصوصيات التعرض على مسطرة التحديد اإلداري ألراض ي الجماعات‬

‫الساللية‬

‫يحق لكل من يدعي حقا عينيا‪ ،‬أو وجود تحمالت عقارية على أراض ي الجموع‪ ،‬أو ينازع‬

‫في حدود هذه األراض ي‪ ،‬أن يقدم تعرضه اما في عين املكان أمام اللجنة املكلفة بالتحديد‬

‫‪ 581‬يقصد بالتعرض بصفة عامة و سيلة قانونية يمارسها الغير للحيلولة دون إتمام إجراءات التحفيظ و ذلك خالل‬
‫اآلجال القانوني المقررة ‪ ،‬و يهدف التعرض بهذا المعنى الى وقف إجراءات التحفيظ من طرف المحافظ و عدم‬
‫االستمرار فيها الى أن يرفع التعرض و يوضع حدا للنزاع عن طريق المحكمة أو ابرام صلح بين األطراف ‪.‬‬
‫للمزيد من التوسع بخصوص مؤسسة التعرض أنظر ‪:‬محمد خيري '' العقار و قضايا التحفيظ في التشريع المغربي"‬
‫مطبعة المعارف الجديدة –الرباط طبعة ‪ 2065‬ص ‪. 262‬‬
‫‪ 582‬محمد مومن ''أمالك الجماعات الساللية و أراضي الكيش" مطبعة النجاح الجديدة ‪ ،‬الدار البيضاء الطبعة‬
‫األولى ‪ 2065‬ص ‪.22‬‬

‫‪P 438‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪ ،583‬و اما لدى السلطة املحلية املعنية ‪ ،‬خالل أجل ثالثة أشهر ابتداءا من تاريخ نشر‬

‫اإلعالن عن إيداع محضر التحديد و التصميم املؤقت لدى السلطة املحلية ‪ ،‬سواء في‬

‫تصريح كتابي أو شفوي و في هذه الحالة األخيرة تحرر السلطة املذكورة محضرا بهذا‬

‫الخصوص‪ ،‬وتسلم نسخة منه إلى املتعرض ‪ ،‬كما أنها تقوم بتضمين هذه التعرضات في‬

‫سجل للتعرضات خاص بالتحديد اإلداري املعني يتم فتحه لهذا الغرض و ال يقبل أي‬
‫املذكور‪584.‬‬ ‫تعرض بعد مض ي األجل‬

‫و السؤال الذي يطرح نفسه هنا‪ ،‬يتمحور حول أهلية السلطة املحلية في قبول‬

‫التعرض و دراسة املستندات و الحجج املؤيدة للتعرض الذي أثار نقاشا فقهيا واسعا‪، 585‬‬

‫خاصة مع سكوت القانون و ذلك على خالف ظهير ‪ 81‬فبراير ‪ 8374‬املنسوخ الذي كان أكثر‬

‫وضوحا‪ ، 586‬اذ كان ينص بشكل صريح على اختصاص السلطة املحلية في قبول التعرض‬

‫و دراسة الحجج و املستندات الش يء الذي كان يخلق مصاعب في وجه املتعرضين ‪ ،‬و حتى‬

‫‪583‬جاء في المادة ‪ 1‬من قانون ‪ 12168‬المتعلق بالتحديد اإلداري ألراضي الجماعات الساللية ما يلي‪ '':‬يمكن التعرض على‬
‫عملية التحديد اإلداري بسبب المنازعة في الحدود أو المطالبة بحق من الحقوق العينية العقارية المتعلقة باألراضي موضوع‬
‫التحديد‪.‬‬

‫يقدم التعرض المذكور في عين المكان إلى لجنة التحديد اإلداري‪ ،‬مع مراعاة أحكام المادة ‪ 9‬أدناه"‪.‬‬

‫‪ 584‬جاء في الفقرة الثانية من المادة ‪ 9‬من قانون ‪ 12168‬المتعلق بالتحديد اإلداري ألراضي الجماعات الساللية ما يلي‪" :‬‬
‫‪..‬تقوم السلطة المحلية بتضمين التعرضات المقدمة إليها سواء كانت كتابية أو شفوية في سجل للتعرضات خاص بالتحديد‬
‫اإلداري المعني يتم فتحه لهذا الغرض‪.‬‬

‫ال يقبل أي تعرض بعد مضي األجل المذكور‪".‬‬

‫‪ 585‬للتوسع في هذا النقاش الفقهي الرجوع إلى أحمد الداودي ارتباط نظام التحفيظ العقاري باألنظمة العقارية مساهمة‬
‫في أعمال الندوة الوطنية حول التحفيظ العقاري بالمغرب مركز الدراسات القانونية و االجتماعية مراكش ‪0331‬‬
‫ص ‪020‬‬
‫‪ 586‬ينص الفصل ‪ 2‬من ظهير ‪ 11‬فبراير ‪ “1004‬أما المعارضون فزيادة عمالهم من الحق في تقديم تعرضهم في‬
‫نفس المكان إلى اللجنة يعطى لهم أجل ستة أشهر ابتداء من نشر ما ذكر من إيداع التقرير في الجريدة الرسمية لكي‬
‫يقدموا إلى النائب المحلي عن حكومة المراقبة تصريحا كتابيا يضمنون فيه موضوع اعتراضهم والحجج المستند‬
‫عليها في ذلك”‬

‫‪P 431‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫للمحافظة العقارية نفسها ذلك أن السلطة املحلية غير مختصة في قبول التعرضات و‬

‫دراسة املستندات ‪.‬‬

‫ومن هنا يتبين أن سكوت املشرع املغربي عن ذكر تقديم الحجج واملستندات املؤيدة‬

‫للتعرض كان في محله ألنه ليست للسلطة املحلية االختصاص في تلقى الحجج من أصحابها‬

‫والحكم على قيمتها و ترجيحها بحجج أخرى ألن ذلك من اختصاص املحافظ العقاري‬

‫واملحكمة فقط دون غيرهم ‪ ،‬وفي هذا اإلطار فإنه عند سكوت النص الخاص يتم الرجوع‬

‫إلى النص العام املتمثل في قانون التحفيظ العقاري الذي حدد الجهة املختصة على سبيل‬

‫الحصر و يتوجب في هذه الحالة تقديم التعرض لذا السلطة املحلية كإجراء شكلي وبعد‬

‫ذلك يتم تقديم الوثائق و الحجج لذا املحافظة العقارية مرفقة بمطلب التحفيظ التأكيدي‪.‬‬

‫و الجدير بالذكر‪ ،‬أن كل تعرض قدم وفق الكيفية التي أشرنا اليها سابقا‪ ،‬ال تنتج أي‬

‫أثر حسب املادة ‪ 80‬من قانون ‪ 77.82‬اال اذا تقدم املتعرض على نفقته‪ ، 587‬بمطلب تحفيظ‬

‫‪ 587‬في ظل ظهير ‪ 11‬فبراير ‪ 1004‬المنسوخ كان يطرح اشكاال فيما يتعلق بنفقات مطلب التحفيظ التأكيدي نظرا‬
‫لغموضه‪ ،‬إلى أن صدرت مذكرة من المحافظ العام رقم – ‪ 3/4142‬بتاريخ ‪ 04‬نونبر ‪ .0333‬التي حسمت‬
‫الخالف وعملت على توحيد العمل اإلداري حيت نصت على ما يلي“ ألفت انتباهكم إلى أن المشرع لم ينص على‬
‫مقتضيات خاصة متعلقة برسوم المحافظة العقارية والمستحقات على طلبات إيداع مطالب التحفيظ التأكيدي‬
‫للتعرضات المصرح بها ضد مساطر التحديد اإلداري ألراضي الدولة والجماعات الساللية ‪”.‬الشيء الذي يؤكد على‬
‫أن نفقات مطلب التحفيظ التأكيدي على طالب التحفيظ التأكيدي والمالحظ أن هذه المذكرة أحالت على هذا المرسوم‬
‫المتعلق بتسجيل التحفيظ االختياري ولم تحل على الفقرة المتعلقة بإيداع مطالب التحفيظ في حالة التحفيظ اإلجباري‪.‬‬
‫ولهذه المذكرة ما يبررها فهي من جهة تطبق المبدأ الذي يقضي بأنه في حالة عدم وجود نص خاص يتم اللجوء إلى‬
‫القواعد العامة‪ ،‬وهو ما يستفاد من تعليل هذه المذكرة أيضا ومن جهة أخرى عدم التحديد التشريعي لطبيعة مطالب‬
‫التحفيظ التأكيدية‪ ،‬والذي استمرت آثاره حتى بالنسبة لهذه الرسوم كذلك‪.‬لكن المشرع حسم األمر في القانون الجديد‬
‫وأصبح على طالب التحفيظ التأكيدي أداء هذه النفقات حتى يكون إجرائه صحيحا حيث أن تلك المطالب تظل خاضعة‬
‫للقواعد العامة ألداء الرسوم المتعلقة بإيداع مطالب التحفيظ المنصوص عليها في الرسوم المتعلقة بتحديد تعريفة‬

‫‪P 441‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫تأكيدا لتعرضه وذلك خالل ثالثة أشهر املوالية النقضاء األجل املحدد لتقديم‬

‫عوضا عن أجل ستة أشهر الذي كان منصوصا عليه في الظهير الشريف‬ ‫التعرضات‪588‬‬

‫املؤرخ في ‪ 81‬فبراير ‪ 8374‬املنسوخ تحت طائلة الغاء تعرضه و اعتبار هذا األخير بدون‬

‫جدوى و عديم األثر‪. 589‬‬

‫و قد جرى العمل اإلداري على الزام املتعرض ارفاق مطب التحفيظ التأكيدي بشهادة‬

‫من السلطة املحلية يثبت بمقتضاها أنه سبق أن تقدم بتعرضه داخل اآلجال القانونية و‬

‫اال سقط حقه في التعرض‪. 590‬وإن كانت هذه الشهادة تثير بعض اإلشكاليات و االنتقادات‬

‫في الظهير القديم ‪ 81‬فبراير ‪ 8374‬ولم يحسم فيها حتى القانون الجديد ‪ ، 77.82‬إذ قد تضر‬

‫بحقوق املتعرضين ولعل السبب في ذلك التماطل الذي قد تقوم به الجهات املعنية في‬

‫تسليم شهادة التعرض لفائدة املتعرض خالل ثالثة أشهر املوالية لتاريخ انتهاء األجل املحدد‬

‫للتعرض لذلك تسهيال ملأمورية طالب التحفيظ التأكيدي وجب مطالبتها بواسطة املحافظ‬

‫رسوم المحافظة العقارية و هو مرسوم ‪ 0.07.021‬المتعلقة بتحديد تعريفة رسوم المحافظة العقارية – المنشور‬
‫بالجريدة الرسمية عدد ‪ 4402‬بتاريخ ‪ 0‬يناير ‪ .1007‬الذي عدل وتمم بمرسوم رقم ‪ 0.16.072‬صادر في ‪ 10‬شوال‬
‫‪ 1407‬الموافق ل ‪ 11‬يوليوز ‪ 0316‬صادر بالجريدة الرسمية عدد ‪ 6414‬بتاريخ ‪ 16‬شوال ‪ 1407‬الوافق ل ‪01‬‬
‫يوليوز ‪.6102‬‬
‫‪ 588‬جاء في الفقرة األولى من المادة ‪ 60‬من قانون ‪ 12168‬المتعلق بالتحديد اإلداري ألراضي الجماعات الساللية ما يلي‪:‬‬
‫كل تعرض قدم طبقا للكيفية المنصوص عليها في المادتين ‪ 1‬و‪ 9‬أعاله ال ينتج أي أثر إال إذا تقدم المتعرض‪ ،‬على نفقته‬
‫بمطلب تحفيظ تأكيدا لتعرضه‪ ،‬لدى المحافظة العقارية المختصة‪ ،‬وذلك خالل ثالثة أشهر الموالية النقضاء األجل المحدد‬
‫لتقديم التعرضات ‪"...‬‬
‫‪ 589‬و هذا ما أقرته المحكمة اإلدارية بالرباط في أحد قراراتها الذي ورد فيه ‪ .. '' :‬و حيث بالرجوع الى نازلة الحال ‪ ،‬فالثابت من أوراق‬
‫الملف أن الطاعنين و ان كانوا قد تقدموا بداية بتعرض على عملية التحديد اإلداري للملك موضوع النزاع في حدود مساحة ‪ 24‬هكتار‬
‫لدى لجنة التحديد ‪ ،‬اال أنهم لم يبادروا الى تأكيد تعرضهم بإيداع مطلب التحفيظ داخل األجل المشار اليه أعاله و الممتد من ‪-01-62‬‬
‫‪ 6991‬الى غاية ‪ 62-09-6991‬تاريخ انصرام أجل قبول التعرضات ‪ ،‬بالرغم من الرسالة الموجهة اليهم من طرف المحافظ من أجل‬
‫اإلسراع بإيداع ذلك المطلب و التي توصلوا بها بتاريخ ‪ ، 6991 04-68‬األمر الذي يجعل تعرضهم عديم األثر بعد انصرام األجل‬
‫المذكور ‪ ،‬و يعتبر ملغى بقوة القانون ‪ ''...‬قرار عدد ‪ 924‬بتاريخ ‪ 2008-04-60‬في الملف رقم ‪ 1-540‬أوردته ادريسية الحنفاوي‬
‫''إشكاالت تعميم نظام التحفيظ العقاري بالمغرب'' أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون الخاص ‪ ،‬جامعة القاضي عياض ‪ ،‬كلية العلوم‬
‫القانونية و االقتصادية و االجتماعية ‪ ،‬مراكش الموسم الجامعي ‪ 2062- 2062‬ص ‪ 606‬و ‪.602‬‬
‫‪ 590‬محمد مومن‪ ،‬مرجع سابق ص ‪.24‬‬

‫‪P 441‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫العقاري عن طريق السلم اإلداري من السلطة املحلية بدل تكليف طالب التحفيظ‬

‫التأكيدي بذلك‪.591‬‬

‫وإذا كان املتعرض ملزم بتقديم مطلب تحفيظ تأكيدي و يقع عليه عبء االثبات‬

‫باعتباره متعرضا على عملية التحديد اإلداري حسب الفقرة الثانية من املادة ‪ 88‬من قانون‬

‫‪ ، 77.82‬فإننا نتساءل من جهة عن الطبيعة القانونية لهذا املطلب و من جهة ثانية عن‬

‫مدى إمكانية اجراء تصرفات قانونية موضوع مطالب تحفيظ تأكيدية ‪.‬‬

‫إجابة عن التساؤل األول ‪ ،‬نقول هنا أن أمام سكوت النص القانوني عن تحديد‬

‫طبيعة مطلب التحفيظ التأكيدي‪ ،‬فانه يجب التعامل معه كأي مطلب آخر مودع طبقا‬

‫لظهير التحفيظ العقاري‪ .‬حيث يجب على طالب التحفيظ تدعيمه بالحجج و الوثائق‬

‫املؤيدة له تحت طائلة الرفض‪ ،‬مع ارفاقه بشهادة إدارية تسلمها السلطة املحلية تفيد بأنه‬

‫سبق و قدم تعرضه داخل األجل القانوني ثم يؤدى عنه رسوم املحافظة العقارية‪.‬‬

‫أما التساؤل الثاني‪ ،‬فبما أن املشرع املغربي في قانون ‪ 77.82‬نص على أن فترة املنع‬

‫محددة بين ما بين تاريخ صدور املرسوم االفتتاحي الى غاية صدور مرسوم املصادقة و‬

‫‪ 591‬وفي هذا اإلطار تم عقد اتفاقات شراكة بين الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية و وزارة الداخلية في إطار ما‬
‫يسمى الحسابات الكبرى من أجل الحد من هذه العراقيل إذ تم إبرام اتفاقية شراكة مع وزارة الداخلية بتاريخ‬
‫‪ 0311/30/00‬تم تمديد العمل بها بتاريخ مارس ‪ 0310‬وذلك لسنتين‪ ،‬ونظرا للنتائج االيجابية المحققة في هذا الصدد‬
‫فقد تمت المصادقة على اتفاقية جديدة بتاريخ يوليوز ‪ 0312‬شرع العمل بها لمدة خمس سنوات ‪ ،‬ذلك أن تفعيل هذه‬
‫االتفاقيات من شأنه الحد من العراقيل التي قد تواجه المسطرة الخاصة بالتحديدات اإلدارية ألراضي الجموع ‪،‬وفي‬
‫هذا اإلطار تم عقد اجتماعات دورية من أجل التداول حول هذه العراقيل واتخاذ حلول إما عن طريق تحفيظها‪ ،‬أو‬
‫إرسالها إلى المحكمة للبث في هذه التعرضات إن وجدت‪ ..‬أنظر ‪ :‬لبيب نبيل '' التعرض على مسطرة التحديد‬
‫اإلداري ألراضي الجموع بين واقع النص وأفاق التفعيل" مقال منشور بالمجلة االلكترونية القانون و األعمال الدولية‬
‫على الموقع االلكتروني ‪ /https://www.droitetentreprise.com :‬تاريخ االطالع األحد ‪ 1‬غشت ‪10:30‬‬
‫صباحا ‪.‬‬

‫‪P 442‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫بالتالي فان التصرفات املبرمة خالل هذه الفترة باطلة ‪ ،‬مما ينبغي على املحافظ عند بثه‬

‫في الطلبات املقدمة لديه بخصوص إيداع عملية تفويت أو رهن و غير ذلك من التصرفات‬

‫أن يتأكد من تاريخ تحرير العقود و لم يبرم في فترة املنع و اال فان مصير الطلب املنع ‪ .‬أما‬

‫عذا ذلك فانه يقبله على غرار مطالب التحفيظ العادية ووجب لزوما ايداعها طبقا‬

‫ملقتضيات الفصلين ‪ 19‬و ‪ 14‬من ظهير التحفيظ العقاري ‪.592‬‬

‫بعد استنفاد امللف لجميع املراحل‪ ،‬و في حالة عدم وجود تعرضات ‪ ،‬أو في حالة‬

‫تسوية هذه التعرضات من طرف اللجنة املختصة ‪ ،‬فانه يتم استصدار مرسوم من طرف‬

‫رئيس الحكومة باقتراح من طرف وزير الداخلية ‪ ،‬يتعلق باملصادقة على أعمال التحديد ‪.‬‬

‫وتصبح األراض ي موضوع مرسوم املصادقة املذكور غير قابلة ألي منازعة أو ادعاء بحق‬

‫عيني‪.‬‬

‫أما في حالة فشل اللجنة املذكورة في التوصل الى تسوية النزاع ‪ ،‬فان امللف يحال‬

‫على القضاء قصد البث في التعرض على التحديد اإلداري‪ 593‬وهو موضوع الفقرة املوالية‪.‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬بث القضاء في التعرضات‬

‫في حالة سلوك املسطرة القضائية للتحديد اإلداري‪ ،‬فان املتعرض يأخذ مركز املدعي‬

‫يقع عليه عبء االثبات‪ ،‬بينما الجماعة التي تم التحديد اإلداري لفائدتها تأخذ مركز املدعى‬

‫‪ 592‬عدنان الوهابي مرجع سابق مقال بالموقع االلكتروني للمجلة االلكترونية مغرب القانون‬
‫‪https://www.maroclaw.com‬تاريخ االطالع ‪0‬غشت ‪ 2026‬على الساعة ‪. 62:46‬‬
‫‪593‬أستاذتنا حليمة بنت المحجوب بن حفو مرجع سابق ص ‪.206‬‬

‫‪P 443‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫عليه‪ .‬و في هذا الصدد تنص الفقرة الثانية من املادة ‪ 88‬من قانون ‪ 72.87‬ما يلي ‪ '' :‬يقع‬

‫عبء اإلثبات على عاتق طالب التحفيظ بصفته متعرضا على عملية التحديد اإلداري"‪.‬‬

‫أما بخصوص مطالب التحفيظ التي تشكل تعارض متبادل مع مسطرة التحديد‬

‫اإلداري واملودعة قبل صدور املرسوم االفتتاحي لعمليات التحديد اإلداري ‪ ،‬فانهم يستمرون‬

‫بصفتهم تلك – طالب التحفيظ‪ -‬في حين أن الجماعة الساللية تكون في مركز املدعية –‬

‫املتعرضة ‪ -‬و هو التوجه الذي أقرته محكمة النقض من خالل احد قراراتها ‪ 594‬الذي جاء‬

‫فيه ما يلي ‪ '' :‬اذا قدم مطلب التحفيظ قبل انطالق عملية التحديد اإلداري من طرف‬

‫الجماعة ‪ ،‬فان مسطرة التعرض الواجبة التطبيق هي تلك املنصوص عليها في ظهير‬

‫التحفيظ العقاري الصادر بتاريخ ‪ 87‬غشت ‪ ،8389‬و ليس ظهير ‪ 81‬فبراير ‪ ، 8374‬و تعتبر‬

‫صاحبة التحديد متعرضة يقع عليها عبء االثبات ‪''.‬‬

‫و كما سبقت اإلشارة‪ ،‬اذا كان يجب على املتعرض تدعيم تعرضه عن طريق مطلب‬

‫تحفيظ تأكيدي تحت طائلة اعتبار تعرضه ال غيا‪ ،‬فان السؤال الذي يطرح نفسه هو مدى‬

‫إمكانية التعرض على مطلب التحفيظ التأكيدي خصوصا و أن هذا املطلب هو في حذ ذاته‬

‫تعرض على التحديد اإلداري؟ ‪.‬‬

‫‪ 594‬قرار ‪ 2400‬الصادر بتاريخ ‪ 25‬ماي ‪ 2066‬في الملف عدد ‪ 296-6- 2060‬منشور بمجموعة ملفات عقارية ‪ :‬قضايا التحفيظ‬
‫العقاري ‪ ،‬العدد ‪ ،4‬محكمة النقض مرصد االجتهادات القضائية ‪ 2064‬ص ‪.99‬‬

‫‪P 444‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫نظرا لكون املشرع لم يتطرق لهذه املسألة‪ ،‬أقر املحافظ من خالل أحد دورياته‪ ،‬التي‬

‫اتجه فيها الى جواز التعرض على مطالب التحفيظ التأكيدية‪ ، 595‬و حث السادة املحافظين‬

‫على قبول التعرضات ضد مطالب التحفيظ التأكيدية متى استجابت للمقتضيات‬

‫القانونية املنصوص عليها في ظهير ‪ 87‬غشت ‪ ، 8389‬مع تأكيده على ضرورة تنبيه املحكمة‬

‫املحال عليها هذه املطالب على ما يلي ‪:‬‬

‫‪ -‬البث بداية في تعرضات طالب التحفيظ في مواجهة الدولة أو الجماعة الساللية‬

‫املعنية بالتحديد اإلداري‪.‬‬

‫‪ -‬و على ضوء مآل التعرضات املشار اليها أعاله‪ ،‬يتم البث في التعرضات املودعة‬

‫املودعة في مواجهة طالب التحفيظ على النحو التالي ‪'' :‬‬

‫‪ -‬في حالة الحكم بعدم صحة تعرض طالب التحفيظ ضد مسطرة التحديد‬

‫اإلداري ‪ ،‬ينتهي نظر املحكمة عند هذا الحد و ال تلتفت الى باقي التعرضات ‪،‬‬

‫لكونها موجهة ضد طالب التغيير دون غيره ‪.‬‬

‫‪ -‬و في حالة الحكم بصحة تعرض طال تحفيظ ضد التحديد اإلداري تنظر املحكمة‬

‫بعد ذلك في التعرضات املوجهة ضده بصقته طالب تحفيظ طبقا ملقتضيات‬

‫ظهير ‪ 87‬غشت ‪.8389‬‬

‫‪ 595‬للمزيد من التوسع بخصوص هذه الدورية أنطر‪ :‬عبد القادر بوبكري '' التعرض على مسطرة التحديد اإلداري ألراضي الجماعات‬
‫الساللية ‪ ،‬اشكاالته القانونية و العملية ‪ ،‬مقال منشور بأشغال الندوة الوطنية المنظمة يومي ‪ 24‬و ‪ 21‬نونبر ‪ 2061‬بعنوان ''العقار و‬
‫التعمير و االستثمار " الطبعة األولى ‪ 2068‬مطبعة المعارف الجديدة الرباط ‪. 215‬‬

‫‪P 445‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫و في هذه الحالة األخيرة يتغير املركز القانوني لطالب التحفيظ من مدعي في مواجهة‬

‫التحديد اإلداري الى مدعى عليه في مواجهة باقي املتعرضين الذين ينازعونه في العقار‬

‫موضوع الطلب‪ ،‬و من ثم يمكن للمحكمة أن تنظر في التعرضات املوجهة ضد مطالب‬

‫التحفيظ على اثر تغيير مركزه القانوني من مدعي الى مدعى عليه‪ ،‬لكون مطلب التحفيظ‬

‫التأكيدي ‪ ،‬بعد احالته من طرف القضاء على املحافظ العقاري لم يعد موجها ضد‬

‫التحديد اإلداري ‪.596‬‬

‫وفي األخير تجدر اإلشارة‪ ،‬أن املشرع املغربي على الرغم من نصه على األثر التطهيري‬

‫ملرسوم املصادقة على عملية التحديد اال أنه حث سلطة الوصاية أو الجماعة الساللية‬

‫املعنية‪ ،‬بتقديم مطلب أو مطالب التحفيظ في شأن العقار الذي تمت املصادقة على‬

‫تحديده مع أداء وجيبات املحافظة العقارية حيث يقوم املحافظ بتأسيس الرسم العقاري‬

‫أو الرسوم العقارية لعقار الجماعة أو الجماعات الساللية موضوع التحديد اإلداري‬

‫املصادق عليه‪ ،‬بمجرد التحقق من وضع األنصاب والتصميم العقاري‪ .597‬و يقصد من‬

‫عملية تحقيق الحدود‪ :‬اعتماد عالمات الحدود املثبتة أثناء عملية التحديد اإلداري و جعلها‬

‫مطابقة للعالمات املعمول بها في ظهير التحفيظ العقاري وربطها بالشبكة الجيوديزية‪،‬‬

‫وتعويض العالمات املفقودة و إضافة عالمات جديدة ان اقتض ى األمر ذلك مع تحيين‬

‫‪ 596‬أحمد أيت الغازي ‪ '' ،‬بعض مسطرة تحفيظ العقارات المحددة إداريا مصادق عليه " ‪ ،‬مقال منشور بمجلة سلسلة دفاتر محكمة‬
‫النقض العدد ‪ 26‬سنة ‪ 2064‬ص ‪ 10‬و ‪.16‬‬
‫‪ 597‬جاء في المادة ‪ 62‬من قانون ‪ 12,68‬ما يلي ‪ '' :‬تقوم سلطة الوصاية بمبادرة منها أو بطلب من الجماعة أو الجماعات‬
‫الساللية المعنية‪ .‬بعد نشر المرسوم القاضي بالمصادقة على عملية التحديد اإلداري في الجريدة الرسمية‪ ،‬بتقديم مطلب أو‬
‫مطالب تحفيظ في شأن العقار الذي تمت المصادقة على تحديده‪.‬‬
‫يقوم المحافظ على األمالك العقارية بتأسيس الرسم العقاري أو الرسوم العقارية لعقار الجماعة أو الجماعات الساللية موضوع‬
‫التحديد اإلداري المصادق عليه‪ ،‬بمجرد التحقق من وضع األنصاب والتصميم العقاري‪.‬‬

‫‪P 446‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫املعلومات الخاصة باملجاورين‪ .‬حيث يقوم املهندس املنتدب من طرف املحافظ بتحرير‬

‫محضر تدون فيه جميع حالة العقار املادية و القانونية و تضاف اليه كل املستجدات‬

‫املحدثة بعد املصادقة على التحديد املذكور بموافقة من الجهة طالبة التحفيظ دون أن‬

‫يضمن في هذا املحضر أي تعرض‪. 598‬‬

‫خاتمة‪:‬‬

‫حاولنا من خالل هذا املوضوع أن نقف عند املستجدات التي أتى بها قانون ‪77.82‬‬

‫املتعلق بالتحديد اإلداري ألمالك الجماعة الساللية سواء على مستوى مسطرة التحديد‬

‫اإلداري لهذه األراض ي و مسطرة التعرض عليها‪ ،‬و التي سعى املشرع من خاللها تجاوز‬

‫االختالالت واإلشكاالت القانونية التي كان يطرحها ظهير ‪ 81‬فبراير املنسوخ اال أنها تبقى‬

‫قاصرة عن معالجة كل النقائص و اإلكراهات الواجب تداركها و باألساس ‪:‬‬

‫‪-‬إتاحة إمكانية التعرض على مطالب التحفيظ التأكيدية بخصوص التحديد االداري‬

‫بنص صريح ما دام األمر يرتبط باألغيار وال مساس له بحقوق الجماعات الساللية وال‬

‫يساهم في تأخير املسطرة‬

‫‪-‬النص بشكل صريح على مجانية تقديم مطلب التحفيظ التأكيدي تيسيرا لطالب‬

‫التحفيظ التأكيدي ومساواته مع اإلدارة الوصية في هذا الشأن‪.‬‬

‫‪ 598‬عدنان الوهابي مرجع سابق مقال بالموقع االلكتروني للمجلة االلكترونية مغرب القانون‬
‫‪https://www.maroclaw.com‬تاريخ االطالع ‪0‬غشت ‪ 2026‬على الساعة ‪ 20:50‬مساءا ‪.‬‬

‫‪P 447‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪-‬تدعيم مرحلة االشهار بوسائل ذات فعالية تروم حماية حقوق األغيار بحيث يتعين‬

‫إعطاء الوقت الكافي لعملية النشر واالشهار‪.‬‬

‫‪ -‬تحديد آجال معقولة لسريان مسطرة التحديد اإلداري‪ ،‬ملا يشكله صدور املرسوم‬

‫االفتتاحي من تجميد للوضعية القانونية للعقار ومنع تداوله‪ ،‬خصوصا أن مجموعة من‬

‫املراسيم االفتتاحية صدرت منذ عشرات السنين دون أي اجراء الحق يذكر‪.‬‬

‫‪ : -‬إعادة النظر في تركيبة لجنة التحديد اإلداري املتعلق بأراض ي الجموع عن طريق‬

‫إسناد و ذلك بتعزيز هذه التشكيلة بأطر قانونية تساهم في تسريع مسطرة التحديد االداري‬

‫و ال سيما من أطر الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية و املسح العقاري و الخرائطية ملا‬

‫لهم من تجربة كبيرة في املجال العقاري ‪.‬‬

‫‪ -‬تمديد آجال التعرض أو إضافة مقتض ى يتيح إمكانية قبول التعرض خارج االجل‬

‫عند إيداع مطلب التحفيظ شريطة أال يكون امللف قد وجه الى املحكمة‪.‬‬

‫‪P 448‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫الئحة املراجع‪:‬‬

‫ادريس الفاخوري'' الوسيط في نظام التحفيظ العقاري باملغرب'' مطبعة النجاح‬

‫الجديدة –الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪.7081‬‬

‫ٌ‬
‫مأمون الكزبري‪ " ،‬التحفيظ العقاري والحقوق العينية األصلية والتبعية في ضوء‬

‫التشريع املغربي"‪ ،‬شركة الهالل العربية‪ ،‬الرباط‪ ،‬الطبعة الثانية‪.8312 ،‬‬

‫هشام عليوي ''دور أراض ي الجموع في تشجيع االستثمار'' مقال منشور بأشغال الندوة‬

‫الوطنية املنظمة يومي ‪ 72‬و ‪ 77‬نونبر ‪ 7087‬بعنوان ''العقار و التعمير و االستثمار " الطبعة‬

‫األولى ‪ 7082‬مطبعة املعارف الجديدة الرباط ‪.999‬‬

‫حليمة بنت املحجوب بن حفو" القانون العقاري وفق آخر املستجدات‪ :‬دراسة نظرية‬

‫تطبيقية معززة باجتهادات قضائية'' الطبعة األولى ‪ 7081‬املطبعة و الوراقة الوطنية ‪.‬‬

‫وفاء جوهر‪ ،‬التحديد اإلداري ألراض ي الجموع "مداخلة في أشغال الندوة الوطنية‬

‫املنظمة ٌٌيومي ‪ 77‬و‪ 79‬أبرٌيل ‪ 7087‬في موضوع أراض ي الجموع وسؤال الحكامة والتنمية‬
‫الترابية‪ ،‬مطبعة املعا ف ٌ‬
‫الجددة بالرباط‪ ،‬طبعة ‪.7081‬‬ ‫ٌ‬
‫ر‬

‫العرب محمد مياد‪ " ،‬تأمالت في القانون املنظم للجماعات الساللية على ضوء وثائق‬

‫الحوار الوطني حول األراض ي الجماعية مطبعة األمنية‪ ،‬الرباط‪.7084 ،‬‬

‫‪P 441‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪Legal protection of the best interests of the child nationally and internationally‬‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫يشكل األطفال شريحة كبيرة ومهمة في الهرم السكاني للدول‪ ،‬وتعد الجهود املبذولة‬

‫لتحسين أوضاع هذه الشريحة العمرية في املجتمع ركيزة أساسية من ركائز إعداد القاعدة‬

‫البشرية‪ ،‬التي تؤهل الستخدامها فيما بعد استخداما منتجا وفعاال‪ ،‬وال يأتي االهتمام‬

‫بقضايا األطفال وحقوقهم وتلبية حاجاتهم األساسية من فراغ‪ ،‬حيث تتوافق كل املنظمات‬

‫الدولية‪ ،‬والقمم العاملية لحماية الطفولة‪ ،‬كما تتوافق املواثيق الدولية‪ ،‬والوطنية ليس‬

‫فقط على حماية الطفولة وضمان حقوقها األساسية بل أيضا على مبدأ النداء األول‬

‫للمصلحة الفضلى للطفل في مختلف األوضاع والتقلبات السياسية واالجتماعية‬


‫‪599‬‬ ‫واالقتصادية‪.‬‬

‫‪599‬ـ قدوري محمد رضا‪" :‬املصلحة الفضلى للطفل من خالل التشريع الوضعي" مذكرة لنيل شهادة املاستر في الحقوق‪ ،‬جامعة زيان‬
‫عشور بالجلفة‪ ،‬الجزائر‪ ،‬السنة الجامعية ‪ 6102 ،6102‬ص ‪.6‬‬

‫‪P 451‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫وهكذا بدأ االهتمام بالطفولة على املستوى الدولي في إطار عصبة األمم بإصدار‬
‫‪6018313‬‬ ‫إعالن جنيف لحقوق الطفل سنة ‪ 6008374‬وإلى وقتنا الحاضر وبالضبط سنة‬

‫تاريخ صدور االتفاقية األممية لحقوق الطفل التي تشكل حاليا منعطفا حاسما في تاريخ‬

‫االهتمام بالطفولة بحيث أصبح ينظر إلى حقوق الطفل على أساس أنها حقوق إنسانية و‬

‫عاملية ال يمكن التغاض ي عنها أو تأجيلها‪ ،‬لذلك يبدل املغرب جهودا كبرى منذ توقيعه على‬

‫االتفاقية األممية لحقوق الطفل من أجل النهوض بأوضاع الطفولة وتكريس حقوقها من‬

‫خالل مالئمة التشريعات الوطنية توصياتها‪.‬‬

‫ولقد جرت العادة في دراسة األحكام العامة ألي موضوع‪ ،‬أن تتم اإلحاطة بكل‬

‫جوانبه ووصفه وإطاره العام ملعرفة أحكامه‪ ،‬وهكذا يتم التطرق إلى تعريف املوضوع‪،‬‬

‫وبيان خصائصه ومميزاته واستعراض أنواعه والوقوف على املراحل التاريخية التي مر بها‪...‬‬

‫إال أننا خرجنا عن هذه القاعدة وحاولت التركيز على بعض النقط املهمة التي تتعلق‬

‫بالحماية القانونية للطفل سواء في املواثيق أو اإلتفاقيات الدولية أو في التشريع املغربي‪.‬‬

‫وفي هذا السياق ستكون معالجتنا لهذا املوضوع بمنهجية نظرية علما ان املنهج‬

‫املعتمد‪ ،‬هو دراسة وصفية يتخللها نوعا ما الجانب التحليلي‪.‬‬

‫‪600‬ـ إعالن جنيف بشأن األطفال‪ ،‬صادر عن منظمة األمم املتحدة لسنة ‪ ،0261‬وهو اول اعالن دولي متخصص للتأكيد على‬
‫حقوق الطفل‪ ،‬وقد تبتته الجمعية العامة لعصبة األمم في ‪ 62‬شتنبر ‪ ،0261‬ويتكون من ديباجة و ‪ 5‬مبادئ‪.‬‬
‫‪601‬ـ اعتمدت بموجب قرار للجمعية العامة ‪ 65/11‬في ‪ 61‬نوفمبر ‪ 0292‬ودخلت حيز التنفيذ ‪ 6‬سبتمبر ‪ .0221‬وانضم إليها املغرب‬
‫في ‪.0221/12/60‬‬

‫‪P 451‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫وقد قمنا بتقسيم موضوع الدراسة إلى مبحثين‪ :‬املبحث األول‪ :‬آليات الحماية‬

‫الدولية للمصلحة الفضلى للطفل‪ .‬املبحث الثاني‪ :‬حماية املصلحة الفضلى للطفل من‬

‫خالل التشريعات الوطنية‪.‬‬

‫املبحث األول‪ :‬آليات الحماية الدولية للمصلحة الفضلى للطفل‪.‬‬

‫لقد اعترفت املواثيق الدولية العامة واملتخصصة منها بحقوق ومصالح فضلى‬

‫وحرية أساسية للطفل‪ ،‬وذلك من منطلق أن أنه إنسان وأن الطفل ال يمكنه اقتضاء هذه‬

‫الحقوق بنفسه‪ ،‬وذلك لنقص الوعي والنضج لديه‪ ،‬من جهة ومن جهة أخرى توجد العديد‬

‫من العراقيل التي توضع أمامه والكثير من اإلنتهاكات في حقه التي تنال من هذه املكاسب‬

‫األساسية‪ ،‬وهذه الوضعية هي محور املواثيق الدولية العامة والخاصة التي توضح ماهية‬

‫هذه الحماية‪.‬‬

‫وبناءا على ذلك سنتطرق في هذا املبحث إلى الحماية املنشودة للطفل من خالل‬

‫اإلعالنات الدولية العامة (املطلب األول) ثم نخصص املبحث الثاني لحماية حقوق الطفل‬

‫من خالل اإلتفاقيات الخاصة به (املطلب الثاني)‪.‬‬

‫املطلب األول‪ :‬حماية املصلحة الفضلى للطفل في املواثيق الدولية العامة‪.‬‬

‫سنتناول في هذا املطلب اإلعالن العاملي لحقوق اإلنسان نظرا لكونه يعتبر أول‬

‫عمل تشريعي في املنظمة األممية والصادر في شكل الئحة عن الجمعية العامة لألمم املتحدة‬

‫في عشر ديسمبر ‪ .8341‬والذي يعتبر املرجع العام والهام لحقوق اإلنسان عامة بما فيها‬

‫‪P 452‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫حقوق الطفل التي أشار إليها كما سنراه الحقا من خالل (الفقرة األولى)‪ ،‬وتطرقا أيضا إلى‬

‫املصلحة الفضلى للطفل وفق العهدين الدوليين لسنة ‪ (8377‬الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬حماية املصلحة الفضلى للطفل في االعالن العاملي لحقوق اإلنسان‪.‬‬

‫تضمنت املادة األولى من اإلعالن العاملي لحقوق اإلنسان‪ 602‬أنه" يولد جميع الناس‬

‫أحرارا أو متساويين في الكرامة والحقوق‪ ،‬وهم وهبوا العقل والوجدان‪ ،‬وعليهم أن يعاملوا‬

‫بعضهم بروح اإلخاء‪ ،‬وهذا الفصل ليس مقيدا بل هو على إطالقه‪ ،‬إذ يشمل اإلنسان في‬

‫أي مرحلة من مراحل العمر شابا أو كهال أو شيخا‪ ،‬وسيما الطفل على اعتبار أن الحقوق‬

‫التي جاء بها هذا اإلعالن تكتسب منذ الوالدة‪.603‬‬

‫على مستوى آخر شكلت املادة األولى الفلسفة العامة التي ارتكز عليها اإلعالن والتي‬

‫تبلورت بعد سلسلة مناقشات طويلة‪ ،‬أثيرت في اجتماعات اللجنة التحفيزية إلعداد‬

‫اإلعالن‪.‬‬

‫كما أكدت املادة الثالثة من هذا اإلعالن على انه لكل فرد الحق في الحياة والحرية‬

‫واألمان على شخصه ولعل الطفل أكثر عرضة النتهاك حقه في الحياة عندما يكون جنينا‬

‫أو حتى كونه طفال ولذلك كرس هذا اإلعالن الحق في الحياة‪ ،‬لحماية مصلحة الطفل‬

‫الفضلى‪ ،‬العتباره كان ضعيفا ال يملك شيئا من زمام نفسه‪.‬‬

‫‪602‬ـ اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان هو وثيقة دولية تمثل اإلعالن الذي تبينه األمم املتحدة‪ ،‬في باريس وهو يتحدث عن رأي األمم‬
‫املتحدة عن حقوق اإلنسان املحمية لدى كل الناس‬
‫‪603‬ـ فاطمة الزهراء عالوي ‪ ":‬الحماية القانونية للطفولة باملغرب في ضوء املعايير الدولية والتشريعات القانونية"‪ ،‬املجلة القانونية‬
‫للرصد القانوني والقضائي‪ ،‬العدد الثالث عشر ‪ 6160‬ص ‪.011‬‬

‫‪P 453‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫وبالنظر للمادة الرابعة من هذا اإلعالن نجدها تنص على انه ال يجوز استرقاق أو‬

‫استعباد أي شخص ويحظر االسترقاق وتجارة الرقيق بكافة أوضاعها‪ ،‬هذا النص وإن كان‬

‫نصا عاما‪ ،‬قصد به اإلنسان عموما‪ ،‬فإنه أول ما يمس الطفولة‪ ،‬ذلك ألن االسترقاق‬

‫وتجارة الرقيق‪ ،‬تتجه إلى األطفال باعتبارهم سلعا بشرية ال حول لها وال قوة في الوقت‬

‫الذي يكونون فيه تحت سلطان آبائهم وذويهم أو من يضعون في حوزتهم‪ ،‬وهذا فيه حماية‬

‫ملصلحتهم الفضلى‪.604‬‬

‫كما أكدت املادة ‪ 72‬من نفس اإلعالن على حق الطفل في الرعاية الصحية‬

‫والحماية اإلجتماعية‪ .‬حيث جاء في فقرتها الثانية أن "لألمومة والطفولة حق في رعاية‬

‫ومساعدة خاصتين‪ ،‬ولجميع األطفال التمتع بذات الحماية اإلجتماعية سواء ولدوا في إطار‬

‫الزواج أو خارج هذا اإلطار" وحماية ملصلحة الطفل الفضلى فمن حقه أن ينعم بهذه‬

‫الحقوق بغض النظر عن الرابطة التي جمعت بين أبويه‪.‬‬

‫وطبقا للفقرة األولى من املادة ‪ 77‬من اإلعالن العاملي لحقوق اإلنسان التي نصت‬

‫على أنه" لكل شخص الحق في التعليم ويجب أن يكون التعليم في مرحلته األولى واألساسية‬

‫على األقل باملجان‪ ،‬وأن يكون التعليم األولي إلزاميا‪ "...‬فهذه املادة جاءت لتضفي الصفة‬

‫الدولية لهذا الحق الدستوري للفرد أو الطفل في التعليم وجعله إلزاميا وباملجان‪.‬‬

‫‪604‬ـ تجدر اإلشارة بأنه قد أعبر أحيانا بعبارة املصلحة الفضلى للطفل‪ ،‬وأحيانا بعبارة الحماية القانونية للطفل‪ ،‬واملعنى واحد‬
‫ففي الحماية القانونية مصلحة الطفل‪ ،‬فليس األمر سوى تنوع استعمال املصطلحات‪.‬‬

‫‪P 454‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬حماية املصلحة الفضلى للطفل في العهدين الدوليين لسنة ‪.8377‬‬

‫* العهد الدولي الخاص بالحقوق املدنية والسياسية‪.605‬‬

‫يعتبر هذا العهد بمثابة نقطة تحول لتأكيد إلتزام الدول باملبادئ والحقوق التي‬

‫وردت في اإلعالن العاملي لحقوق اإلنسان سنة ‪ ،8341‬وتعزيز مكانة الفرد واإلعتراف له‬

‫بالحقوق املدنية والسياسية‪ ،‬وهو ما يمكن استنتاجه من منطوق املادة الثانية من العهد‬

‫الدولي للحقوق املدنية والسياسية" تتعهد كل دولة في العهد باحترام الحقوق املعترف بها‬

‫فيه وبكفالة هذه الحقوق لجميع األفراد املوجودين في اقليمها والداخلين في واليتها دون‬

‫تمييز أي كان نوعه"‪.‬‬

‫وفيما يتعلق بحقوق الطفل‪ ،‬تضمن امليثاق جملة مواد تطرقت بشكل مباشر إلى‬

‫مصالح األطفال الفضلى وحقهم بالحماية‪.‬‬

‫وبالرجوع للمادة ‪ 7‬من العهد الدولي الخاص بالحقوق املدنية والسياسية نجدهما‬

‫تنص على أنه" ال يجوز الحكم بعقوبة اإلعدام على جرائم ارتكبها أشخاص دون ‪ 81‬سنة‬

‫من العمر‪ ،‬كما ال يجوز تنفيذه بامرأة حامل"‪ ،‬وأوجب هذا العهد ضرورة فصل املتهمين‬

‫األحداث عن البالغين وإحالتهم بالسرعة املمكنة إلى القضاء للفصل في قضاياهم‪ ،‬وفصل‬

‫املذنبين من األحداث عن البالغين مع معاملتهم معاملة تتفق مع سنهم ومركزهم‬

‫‪605‬ـ العهد الدولي الخاص بالحقوق املدنية والسياسية لسنة ‪ ،0222‬دخل حيز النفاذ ‪ 0222/11/66‬وانضم إليه املغرب في‬
‫‪.0222/15/11‬‬

‫‪P 455‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫القانوني‪ ،606‬وفي نفس السياق أكدت املادة ‪ 84‬على أنه تستثني من علنيه املحاكمات‬

‫الحاالت التي تتصل بأحداث تقتض ي مصلحتهم إجراء املحاكمة سرا وقد تنسحب السرية‬

‫إلى علنية إصدار الحكم‪.‬‬

‫أما املادة ‪ 79‬نصت في البند الرابع منها على وجوب أن تأخذ الدول األطراف في‬

‫امليثاق‪ ،‬االجراءات املناسبة لتأمين املساواة في حقوق وواجبات الزوجين عند انعقاد الزواج‬

‫وأثناء انحالله وفي الحالة األخيرة وجوب اتخاد التدابير الالزمة لحماية األطفال‪.607‬‬

‫كما نصت الفقرتان الثانية والثالثة من نفس املادة على ضرورة تسجيل كل طفل‬

‫فور والدته مع إعطائه حق االسم وحق اكتساب الجنسية وفي هذا صيانة وحماية لحق‬

‫أساس ي أال وهو حق اإلنتماء‪.608‬‬

‫ما ينبغي أن تجدر إليه اإلشارة أن امليثاق الدولي الخاص بالحقوق املدنية‬

‫والسياسية‪ ،‬لم يعرف عبارة الطفل ولم يحدد سن الطفولة بشكل واضح وصريح‪ ،‬مما‬

‫أبقى اإلبهام قائما حول مرحلة ما قبل بلوغ سن الرشد وبالتالي حول األشخاص املعنيين‬

‫بأحكام هذا امليثاق‪ ،‬وال سيما بأحكام املادة ‪ 74‬منه املتعلقة بحقوق االطفال‪.609‬‬

‫* العهد الدولي الخاص بالحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية‪.610‬‬

‫‪606‬ـ الفقرتين الثانية والثالثة من املادة العاشرة من العهد الدولي الخاص بالحقوق املدنية والسياسية لسنة ‪.0222‬‬
‫‪607‬ـ غسان خليل‪" :‬حقوق الطفل التطور التاريخي منذ بدايات القرن العشرين" ببيروت‪ :‬شمالي أند شمالي سنة ‪ ،6111‬ص ‪.21‬‬
‫‪608‬ـ فاطمة الزهراء عالوي‪ :‬م‪ .‬س‪ .‬ص ‪.012‬‬
‫‪609‬ـ غسان خليل‪ :‬م‪.‬س‪ .‬ص ‪.21‬‬
‫‪610‬ـ أصدرته الجمعية العامة لألمم املتحدة بتاريخ ‪ ،0222/06/02‬ودخل حيز النفاذ في ‪ ،0222/16/11‬وانضم املغرب إليه بتاريخ‬
‫‪.0222/15/11‬‬

‫‪P 456‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫باالطالع على مواد هذا العهد نجده أقر حماية للمصلحة الفضلى للطفل والطفولة‬

‫باعتبارها اللبنة األساسية في بناء املجتمع‪ ،‬كما يعتبر العهد رعاية وتثقيف األطفال‬

‫القاصرين حقا أساسيا من حقوق األسرة وأمرا واجبا عليها‪ .‬وهو ما أقرته الفقرة األولى من‬

‫املادة ‪ ،80‬ناهيك عما أقرته الفقرة الثانية من نفس املادة ب" وجوب منح األمهات حماية‬

‫خاصة خالل فترة معقولة قبل الوالدة وبعدها‪ ،‬على أن تمنح األمهات العامالت إجازة‬

‫مدفوعة األجر أو مقرونة بمنافع مناسبة من الضمان اإلجتماعي‪ ،‬أما الفقرة ‪ 9‬من نفس‬

‫املادة فتنص على" وجوب اتخاد إجراءات خاصة لحماية املصلحة الفضلى للطفل‬

‫ومساعدته دون أي تمييز ويجب كذلك حماية الطفل من كافة اإلستغالل اإلقتصادي‬

‫واإلجتماعي‪.‬‬

‫كما نصت املادة ‪ 89‬في فقرتها الثانية على جعل التعليم اإلبتدائي إلزاميا وإتاحته‬

‫للجميع بصورة مجانية‪ ،‬ونصت في الفقرة (ب) منها على ما يلي‪" :‬تعميم التعليم الثانوي‬

‫بجميع فروعه بما في ذلك التعليم الثانوي التقني واملنهي‪ ،‬واتاحته للجميع بكل الوسائل‬

‫الالزمة‪ ،‬وال سيما منها التطبيق التدريجي ملجانية التعليم‪.‬‬

‫إضافة إلى ما سبق‪ ،‬اهتم العهد الدولي بالرعاية الصحية للطفل في املادة ‪،87‬‬

‫ودعا الدول إلى وضع برامج املتابعة الصحية للحفاظ على حياة األطفال والتقليل من‬

‫أسباب ونسب الوفاة ال سيما في صفوق املواليد‪ ،‬باعتبار أن الحق في الحياة هو أرقى‬

‫مصلحة فضلى للطفل وأسمى الحقوق على اإلطالق‪.‬‬

‫‪P 457‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫املطلب الثاني‪ :‬حماية املصلحة الفضلى للطفل من خالل االتفاقيات الخاصة به‪.‬‬

‫لم تبقى املصلحة الفضلى للطفل حبيسة الصكوك الدولية العامة وإنما تطورت‬

‫بشكل ملحوظ من خالل اإلرتقاء بالطفل إلى مستوى جد متطور فيما يتعلق باإلعتراف‬

‫بحقوقه‪ ،‬وهو ما تتجلى أساسا في اإلعالنات الدولية الخاصة بالطفل الصادرة عن الهيات‬

‫الدولية املعنية(الفقرة األولى)‪ ،‬ثم من خالل اتفاقية حقوق الطفل لسنة ‪(8313‬الفقرة‬

‫الثانية)‪.‬‬

‫إعالن جنيف لحقوق الطفل لسنة ‪:6118374‬‬

‫تضمن إعالن جنيف في مبادئه األساسية‪ ،‬مفاهيم جديدة لم يتم التعرض لها من‬

‫قبل‪ ،‬بحيث إنه مفهوم جديد وجريء إذا ما قورن بمفهوم الطفولة وبأوضاعها السابقة‪،‬‬

‫وتميز إعالن جنيف بأنه نص في مقدمته على إلتزام البشر بحماية األطفال بغض النظر عن‬

‫اإلعتبارات العرقية واملدنية والفروقات الدينية‪ ،‬وهذا اإللتزام بعدم التمييز كان خطوة‬

‫بالغة األهمية في سباق تطور املبادئ الدولية لحقوق الطفل من جهة وحماية مصلحته‬

‫الفضلى من جهة أخرى‪.612‬‬

‫اإلعالن العاملي لحقوق الطفل لسنة ‪.6138323‬‬

‫‪611‬ـ إعالن جنيف بشأن األطفال‪ ،‬صادر عن منظمة األمم املتحدة لسنة ‪ ،0261‬وهو أول اعالن دولي متخصص للتأكيد على‬
‫حقوق الطفل‪ ،‬وقد تبنته الجمعية العامة لعصبة األمم في ‪ 62‬شتنبر ‪ ،0261‬ويتكون من ديباجة و ‪ 5‬مبادئ‪.‬‬
‫‪612‬ـ غسان خليل‪ :‬م‪ .‬س‪ .‬ص ‪.62‬‬
‫‪613‬ـ أصدرت الجمعية العامة لألمم املتحدة إعالن حقوق الطفل في ‪ 61‬نونبر ‪ 0252‬وذلك بموافقة ‪ 19‬دولة‪.‬‬

‫‪P 458‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫يعتبر هذا اإلعالن امتدادا إلعالن جنيف‪ ،‬إذ تشير ديباجته هذا اإلعالن إلى ميثاق‬

‫األمم املتحدة وإلى اإلعالن العاملي لحقوق اإلنسان وأن الطفل يحتاج لحماية وعناية خاصة‬

‫بسبب عدم نضجه البدني والعقلي‪.614‬‬

‫إن هذا اإلعالن أضاف مفهوما جديدا إلى حقوق الطفل هو مبدأ حماية املصلحة‬

‫الفضلى للطفل بكل أنواعها الجسدية والفكرية واألخالقية واألهم أنه وسع نطاق هذه‬

‫الحماية‪ ،‬فصارت تبدأ من اللحظة التي يتكون فيها الطفل في أحشاء أمه بعد أن كانت تبدأ‬

‫في املاض ي من لحظة الوالدة‪ ،‬وهذا ما اعتبر في حينه خطوة رائدة في حماية املصلحة الفضلى‬

‫للطفل‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬املصلحة الفضلى للطفل من خالل اتفاقية حقوق الطفل لسنة‬

‫‪.6158313‬‬

‫تعتبر هذه اإلتفاقية أهم صك دولي في مجال حماية املصلحة الفضلى للطفل ملا‬

‫تضمنته من أحكام وحقوق وآليات حمايتها‪ ،‬وألنها اتفاقية خاضعة ملبدأ الرقابة من طرف‬

‫لجنة حقوق الطفل املنشئة بموجب نص هذه اإلتفاقية وهذه الرقابة ترمي إلى تجسيد‬

‫وتنفيد أحكام اإلتفاقية بين الدول األعضاء‪.‬‬

‫‪614‬ـ فاطمة الزهراء عالوي‪ .‬م‪ .‬س‪ .‬ص ‪.019‬‬


‫‪615‬ـ اعتمدت بموجب قرار الجمعية العامة ‪ 65/11‬في ‪ 61‬نوفمبر ‪ 0292‬ودخلت حيز التنفيذ ‪ 6‬سبتمبر ‪ ،0221‬وانظم إليها املغرب‬
‫في ‪.0221/12/60‬‬

‫‪P 451‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫وقد احتوت ديباجة اتفاقية ‪ 8313‬على ‪ 24‬مادة مفصلة لكل منها عنوان خاص‬

‫بها‪ ،‬وتنقسم هذه اإلتفاقية إلى ثالثة أجزاء‪ ،‬يشتمل الجزء األول منها على ‪ 48‬مادة‪ ،‬تحدثت‬

‫عن أهم الحقوق واملبادئ املعلنة للطفل على والديه واملجتمع والدول واملنظمات العاملية‬

‫األخرى‪.‬‬

‫أما الجزء الثاني فيشتمل على ‪ 4‬مواد من ‪ 47‬إلى ‪ 42‬والتي تبين كيفية نشر مبادئ‬

‫اإلتفاقية وأحكامها‪ ،‬والثانية تبين كيفية إنشاء اللجنة العامة بحقوق الطفل ووظائفه‪،‬‬

‫والثالثة تبين كيفية وضع الدول األطراف التقارير عما تقوم به من تدابير لتطبيق حقوق‬

‫الطفل ونتائج هذا التطبيق أما الرابعة فتبين طرق عمل اللجنة‪.‬‬

‫أما بالنسبة للجزء الثالث من اإلتفاقية فيشمل ‪ 3‬مواد من املادة ‪ 47‬إلى غاية‬

‫املادة ‪ 24‬وتبين كيفية اإلنضمام وما يتعلق به من حيثيات‪.616‬‬

‫ومن أهم املبادئ العامة الواردة في هذه اإلتفاقية‪.‬‬

‫‪ .8‬مصالح الطفل الفضلى وحقه في عدم التعرض للتمييز‬

‫‪ .7‬مصالح الطفل الفضلى وحقه في الحياة والبقاء والنمو‪.‬‬

‫‪ .9‬مصالح الطفل الفضلى وحقه في اإلستماع إليه‪.‬‬

‫‪ .4‬املصالح الفضلى للطفل وحقه في الحياة األسرية‪.617‬‬

‫‪616‬ـ فاطمة الزهراء عالوي‪ :‬م‪ .‬س‪ .‬ص ‪.001‬‬


‫‪617‬ـ قدوري محمد رضا‪ :‬م‪ .‬س‪ ،‬ص‪.15 :‬‬

‫‪P 461‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫وإذا كانت هذه هي املكانة التي يحتلها مصطلح املصلحة الفضلى للطفل ضمن‬

‫املواثيق واإلتفاقيات الدولية فماذا عن التشريع الوطني‪.‬‬

‫املبحث الثاني‪ :‬حماية املصلحة الفضلى للطفل من خالل التشريعات الوطنية‪.‬‬

‫نتيجة للتفاعل مع املتغيرات الدولية واإلنضمام إلى اإلتفاقيات الدولية ذات‬

‫الصلة حظيت املصلحة الفضلى للطفل بإلتفاتة واعية من املشرع املغربي وهو يعيد النظر‬

‫في املقتضيات القانونية املؤطرة للطفل والرابطة األسرية‪ ،‬األمر الذي انعكس على التطور‬

‫التشريعي واملؤسساتي في هذا الجانب‪ ،‬وتتعدد أوجه هذه الحماية ما بين حماية دستورية‬

‫وتشريعية فرعية (املطلب األول) وحماية اجتماعية واقتصادية جاءت بها باقي النصوص‬

‫القانونية األخرى في الصلة (املطلب الثاني)‪.‬‬

‫املطلب األول‪ :‬انفتاح املنظومة القانونية الوطنية على حماية املصلحة الفضلى‪.‬‬

‫حظي الطفل بنوع من العناية من طرف املشرع املغربي الذي سن له أحكاما خاصة‬

‫بد في مختلف فروع القانون‪ ،‬حيث تتعدد مظاهر هذه الحماية ما بين حماية دستورية‬

‫(الفقرة األولى) وحماية أقرتها النصوص القانونية الفرعية األخرى (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫‪P 461‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫الفقرة األولى‪ :‬املصلحة الفضلى للطفل في الحقل الدستوري‪.‬‬

‫تضمن دستور ‪ 7088618‬مجموعة من املقتضيات التي تروم إلى حماية املصلحة‬

‫الفضلى للطفل سواء باعتباره إنسانا‪ ،‬أو بصفته طفال‪ ،‬وعندما نتحدث عن حقوق الطفل‬

‫كإنسان‪ ،‬فإننا نشير إلى أهم الحقوق التي كرسها الدستور لإلنسان بصفة عامة ومن أهم‬

‫هذه الحقوق التي كرسها دستور ‪ 7088‬والتي هي حقوق للطفل أيضا‪ ،‬ما تضمنه الفصل‬

‫‪ 83‬من الدستور من مساواة في الحقوق‪ ،‬وعدم التمييز في التمتع بها بسبب الجنس أو اللون‬

‫أو املعتقد‪ ،...‬باإلضافة إلى الحق في الحياة‪.619‬‬

‫وكذا حرية التفكير والرأي والتعبير كما هو منصوص عليه في الفصل ‪ 72‬من‬

‫الدستور‪ ،‬وهذا الحق يعتبر أساس ي وجوهري للطفل‪ .‬باإلضافة إلى تكريسه للمصلحة‬

‫الفضلى للطفل باعتباره طفل حيث أكد في الفصل ‪ 97‬على واجب الدولة في السعي لتوفير‬

‫الحماية القانونية واالعتبار االجتماعي واملعنوي لجميع األطفال‪ ،‬بكيفية متساوية‪ ،‬بصرف‬

‫النظر عن وضعيتهم العائلية من جهة‪ ،‬وفي العمل على ضمان الحماية الحقوقية‬

‫واالجتماعية واالقتصادية لألسرة‪ ،‬بمقتض ى القانون‪ ،‬بما يضمن وحدتها واستقرارها‬

‫واملحافظة عليها‪ ،‬باعتبار األسرة القائمة على عالقة الزواج الشرعي هي الخلية األساسية‬

‫للمجتمع من جهة ثانية‪ ،‬كما أن هناك كذلك إشارة في الفقرة الرابعة من نفس الفصل إلى‬

‫‪618‬ـ ظهير شريف رقم ‪ 20.00.0‬صادر في ‪ 62‬شعبان ‪ 62(0116‬يوليوز ‪ )6100‬تنفيد نص الدستور في الجريدة الرسمية عدد ‪5221‬‬
‫مكرر ـ ‪ 69‬شعبان ‪ 11(0116‬يوليوز ‪ 1211 )6100‬وما يفدها‪.‬‬
‫‪619‬ـ حومالك محمد‪" :‬حقوق الطفل باملغرب على ضوء اإلصالحات الدستورية واملرجعية الدولية" مقال منشورعلى املوقع"‬
‫‪www.Frssiwa.com‬‬

‫‪P 462‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫حق أساس ي للطفل وهو الحق في التعليم األساس ي وواجب على األسرة والدولة ان تضمن‬

‫هذا الحق‪.620‬‬

‫كما نص في الفصل ‪ 94‬على أنه من واجب السلطات العمومية وضع وتفعيل‬

‫سياسات تسهر على معالجة األوضاع الهشة لفئات من النساء واألمهات‪ ،‬واالطفال‬

‫واألشخاص املسنين والوقاية منها‪ ،‬وإعادة تأهيل الذين يعانون من إعاقة جسدية أو حسية‬

‫أو حركية‪ ،‬وإدماجهم في الحياة االجتماعية و املدنية وتيسير تمتعهم بالحقوق والحريات‬

‫املعترف بها للجميع‪.‬‬

‫هذا ما يوضح أن دستور ‪ 7088‬يختلف عن الدساتير السابقة ألنه تضمن‬

‫مقتضيات بالنهوض بأوضاع األطفال‪ ،‬وأسرهم ما شكل تحوال كبيرا على مستوى التعاطي‬

‫لقضايا الطفولة وحماية مصلحتهم الفضلى‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬املصلحة الفضلى للطفل في القوانين الفرعية‪.‬‬

‫حظيت املصلحة الفضلى للطفل بالتفاتة واعية من املشرع املغربي وهو يعيد النظر‬

‫في املقتضيات القانونية حيث سن أحكاما خاصة في مختلف فروع القانون كمدونة األسرة‬

‫والقانون الجنائي‪.‬‬

‫* املصلحة الفضلى للطفل في مدونة األسرة‪:621‬‬

‫‪620‬ـ فاطمة الزهراء عالوي‪ .‬م‪ .‬س‪ .‬ص‪.000‬‬


‫‪621‬ـ القانون رقم ‪ 21.11‬بمثابة مدونة األسرة‪ ،‬الجريدة الرسمية رقم ‪ 5091‬الصادر بتاريخ ‪ 1‬فبراير ‪.6111‬‬

‫‪P 463‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫تعتبر مدونة األسرة ترجمة قانونية أكيدة في إنشاء قطيعة مع معاناة األسرة‬

‫املغربية قانونيا واجتماعيا وثقافيا‪ ،‬وبعدها الشمولي يكرسه املبدأ املحوري الثالثي األبعاد‬

‫والذي يتجلى في (رفع الحيف عن النساء‪ ،‬وحماية حقوق الطفل‪ ،‬وصيانة كرامة الرجل‪.)622‬‬

‫وفي هذا السياق أكدت املادة ‪ 24‬من مدونة األسرة على أن حقوق األطفال على‬

‫أبويه وأهمهما حماية الطفل وصحته‪ ،‬والعمل على تثبيت هويته خاصة بالنسبة لالسم‬

‫والجنسية والتسجيل والحالة املدنية والنسب والنفقة والحفاظ على سالمته الجسدية‬

‫والنفسية‪ ،‬وفي حالة افتراق الزوجين تتوزع الواجبات بينهما قدر املستطاع حسب ما تنص‬

‫عليه أحكام الحضانة‪.623‬‬

‫كما أكدت املادة ‪ 707‬من نفس املدونة على تطبيق أحكام إهمال األسرة في حق كل‬

‫من توقف عن النفقة الواجبة لألطفال بعد انصرام أجل شهر دون عذر مقبول‪ ،‬مع تضمن‬

‫إجراءات الحضانة بمقتض ى توفير السالمة البدنية والنفسية للطفل ومتابعة مساره‬

‫الدراس ي‪.‬‬

‫كما تحدثت املدونة في الكتاب الثالث عن أحكام الوالدة ونتائجها‪ ،‬هذا الكتاب‬

‫الذي شمل كل ماله عالقة بالبنوة والنسب ووسائل إثباته‪ ،‬والحضانة ومستحقيها وتربيتهم‬

‫وشروط استحقاق الحضانة وأسباب سقوطها وأحكام زيارة املحضون والنفقة‪.‬‬

‫‪622‬ـ أحمد ا لعباس ي‪" :‬املصلحة الفضلى للطفل في ضوء أحكام مدونة األسرة والنصوص ذات الصلة بها واإلتفاقيات الدولية"‬
‫بحث نهاية التدريب باملعهد العالي للقضاء‪ ،‬الفوج ‪ ،12‬السنة ‪ .6100 .6112‬ص ‪.12‬‬
‫‪623‬ـ للمزيد من التوسع انظر املادتين ‪ 056‬و ‪ 059‬من مدونة األسرة‪.‬‬

‫‪P 464‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫* املصلحة الفضلى للطفل في القانون الجنائي‪:624‬‬

‫من املعلوم أن الطفل يتميز بضعف قدراته الجسمية والعقلية والتي تجعله فريسة‬

‫سهلة ملن يرغب في إساءة معاملته ووعيا من املشرع املغربي بوضعية الطفل هذه فقد أقر‬

‫نصوصا زجربة لحماية حقه في الحياة والنماء منذ مراحل حياته األولى إلى حين اكتمال‬

‫نضجه البدني والعقلي وذلك ببلوغه ‪ 81‬سنة‪ ،‬كما أقر نصوصا أخرى تهدف إلى صيانة‬

‫بدنية ونفسية من أي اعتداء‪ ،‬ومن بين هذه النصوص الزجرية نجد املشرع املغربي عاقب‬

‫على جريمة اإلجهاض في الفصل (‪ 442‬ق ج) بشدة مقترف هذه الجريمة أكان ذلك برض ي‬

‫املرأة أو بدونه‪ ،‬وذلك لتعزيز حماية حق الجنين في الحياة‪ ،‬ولدعم هذه الحماية ملصلحة‬

‫الطفل الفضلى فقد نصت املادتان ‪ 427‬و ‪ 422‬ق ج (على تطبيق الحرمان بقوة القانون‬

‫من أية وظيفة في مصحة أو مؤسسة تستقبل الحوامل على كل من صدر عليه حكم باإلدانة‬

‫بإحدى جرائم اإلجهاض‪ ،‬سواء صدر الحكم داخل املغرب أو خارجه وتعاقب املادة ‪421‬‬

‫للمنع املفروض بالفصلين( ‪ 427‬و ‪ 422‬ق ج‪.) 625‬‬

‫ونظرا لخطورة جرائم االختطاف على القاصرين‪ ،‬فقد تعامل معها املشرع الجنائي‬

‫املغربي بنوع من التشدد في التجريم والعقاب‪ ،‬حيث ينص في (الفصل ‪ 428‬ق ج) على‬

‫معاقبة الخاطف بالسجن من خمس إلى عشر سنوات‪ ،‬إذا استعمل العنف أو التهديد أو‬

‫التدليس إلختطاف قاصر دون الثامنة عشر عاما أو إلستدراجه أو إغرائه أو نقله من‬

‫‪624‬ـ ظهير شريف رقم ‪ .0.52.101‬صادر في ‪ 69‬جمادى الثانية ‪ 62 0196‬نونبر ‪ 0226‬باملصادقة على مجموعة القانون الجنائي‬
‫للجريدة الرسيمة عدد ‪ 6211‬مكرر بتاريخ ‪ 5‬يونيو ‪ 0221‬ص ‪.0651‬‬
‫‪625‬ـ أحمد الخمليش ي‪" :‬القانون الجنائي الخاص"‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬مكتبة املعارف‪ ،‬الطبقة األولى‪ ،‬الرباط ‪ 0296‬ص ‪.021‬‬

‫‪P 465‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫األماكن التي وضعه فيها من له سلطة أو إشراف عليه‪ ،‬سواء فعل ذلك بنفسه أو بواسطة‬

‫غيره‪.‬‬

‫وبما أن الطفل غير قادر على العيش لوحده‪ ،‬وإنما يعيش عالة على غيره وفي كنفه‬

‫حتى لو كان له مال يعيش منه‪ ،‬فهو دائما في حاجة ملن يوليه الرعاية التي تتطلب من الولي‬

‫أو ممن كلف برعايته‪ ،626‬لهذه اإلعتبارات أحاط املشرع الجنائي املغربي املصلحة الفضلى‬

‫للطفل بحماية خاصة من جرائم ترك األطفال أو تعريضهم للخطر وذلك من خالل (الفصل‬

‫‪ 423‬ق ج)‪.‬‬

‫وبالرجوع إلى مقتضيات (الفصل ‪ 401‬ق ج)‪ ،‬يتبين بأن املشرع الجنائي املغربي‬

‫قصد مصلحة الطفل بعناية خاصة من جرائم اإليذاء البدني الذي قد تطاله إذ وضع‬

‫نصوص خاصة تشدد العقوبات على جرائم العنف‪ ،‬الجرح والضرب‪ ...‬التي يمكن أن‬

‫يتعرض لها الطفل والتي من شأنها أن تحقق ردعا في نفوس الجناة‪ ،‬وال تقتصر هذه الحماية‬

‫الجنائية للمصلحة الفضلى للطفل على تجريم األفعال التي من شأنها أن تشكل اعتداءات‬

‫جسدية بل تشمل ردع السلوكات التي من شانها ان تسبب اإلهانة واإلعتداء على الشرف‬

‫والسمعة‪ ...‬التي تحظى أيضا بكثير من اإلهتمام لدى أفراد املجتمع‪.‬‬

‫‪626‬ـ مصباح مصباح القاض ي‪" :‬الحماية الجنائية للطفولة" دار التحفة العربية بالطبعة األولى‪ ،‬القاهرة ‪ .0229‬ص ‪.11‬‬

‫‪P 466‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫ولحماية الطفل ضحية اإلغتصاب وهتك العرض تضمن القانون الجنائي املغربي‬

‫عقوبات صارمة في حق كل من سولت له نفسه هتك عرض األطفال القاصرين‪ ،‬وذلك من‬

‫خالل مقتضيات (الفصل ‪ 412‬ق ج)‪.‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬املصلحة الفضلى للطفل في باقي القوانين الوطنية ذات الصلة‪.‬‬

‫إن جل القوانين املغربية الحالية‪ ،‬وخاصة تلك التي تم تعديالتها مؤخرا مثل‬

‫القانون الخاص بالحالة املدنية(الفقرة األولى)‪ ،‬أو من خالل قانون كفالة األطفال املهملين‬

‫ومصلحة الطفل وفق أحكام قانون الجنسية(الفقرة الثانية)تشمل موادها مراعاة خاصة‬

‫ملصلحة الطفل وإن كان بشكل ضمني ودون إدراج املصطلح بشكل صريح‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬املصلحة الفضلى في قانون الحالة املدنية‪.627‬‬

‫إن حق الطفل في اكتساب اسم وجنسية ومعرفة والدية وتلقي رعايتها هو حق‬

‫مشروع‪ ،‬والحرمان من هذا الحق قد تترتب عنه نتائج وخيمة‪.‬‬

‫لذلك فالطفل هو في أمس الحاجة إلى دليل رسمي يثبت هويته للتمكن من‬

‫الحصول على خدمات عامة أساسية مثل التعليم والتحصين‪ ،‬وفي بعض الدول ال يمكن‬

‫لألطفال الذهاب إلى املدرسة أو الحصول على التحصين مالم يتوفر لديهم دليل قانوني‬

‫على ميالدهم أو شهادة امليالد الرسمية وغيرها من املستندات (املتبة للهوية توفر لألطفال‬

‫‪627‬ـ ظهير شريف رقم ‪ .0.16.026‬صادر في ‪ 1‬أكتوبر ‪ 6116‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 22.12‬املتعلق بالحالة املدنية‪ ،‬الجريدة الرسمية‬
‫عدد ‪ 5151‬بتاريخ ‪ 6‬رمضان ‪ 0161‬موافق ‪ 2‬نوفمبر ‪.6116‬‬

‫‪P 467‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫ضمانا يحميهم من مجموعة عريضة من أشكال األذى‪ ،‬مثل الزواج املبكر وتشغيل‬

‫األطفال‪ ...‬إلى غير ذلك‪.628‬‬

‫لذلك ينص قانون الحالة املدنية وذلك من خالل منطوق املادة الثالثة التي جاء‬

‫فيها " يخضع لنظام الحالة املدنية بصفة إلزامية جميع املغاربة كما يسري نفس النظام‬

‫على األجانب بالنسبة للوالدات والوفيات التي تقع فوق التراب الوطني"‪ ،‬وبذلك فإن‬

‫التسجيل في الحالة املدنية حق من الحقوق الفضلى للطفل سواء كان الطفل شرعيا أو‬

‫مجهول النسب‪ ،‬والتصريح بأي والدة يجب أن يتم داخل تالثين يوما إبتداءا من الوالدة‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬املصلحة الفضلى في قانون كفالة األطفال املهملين وقانون الجنسية‪.‬‬

‫* من خالل قانون كفالة األطفال املهملين‪:629‬‬

‫تعتبر الكفالة عمل انساني يرمي باألساس إلى ضمان حياة عادية وسليمة للطفل‪،‬‬

‫سواء كان معروف األبوين ومتخلى عنه أو كان من أبوين مجهولين‪ ،‬فالهدف املتوخى من‬

‫الكفالة هو القيام بهذا العمل لضمان حياة مستقرة وتربية سليمة لطفل متكفل به‪.630‬‬

‫وعالجا لهذه اآلفة تضافرت عدة عوامل داخلية وخارجية فأترت على بنية التشريع‬

‫املتعلق باألسرة وبرز إلى حيز الوجود قانون كفالة األطفال(املهملين الذي ينظم شروط‬

‫ومسطرة إسناد الكفالة بمقتض ى حكم قضائي‪ ،‬حيث يتضمن مجموعة من التدابير‬

‫‪628‬ـ أحمد العباس ي‪ :‬م‪ .‬س‪ .‬ص ‪.59‬‬


‫‪629‬ـ ظهير شريف رقم ‪ 0.16.026‬صادر في فاتح ربيع األول ‪ 01(0161‬يونيو ‪ )6116‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 10.05‬املتعلق بكفالة‬
‫األطفال املهملين جريد رسمية عدد ‪.5110‬‬
‫‪630‬ـ أحمد العباس ي‪ :‬م‪ .‬س‪ .‬ص ‪.21‬‬

‫‪P 468‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫الضامنة لحق الطفل املهمل في االسم والنسب وحقه في الرعاية والتربية والنفقة وحدد‬

‫آليات املراقبة القبلية‪ ،‬وتتبع الطفل ما بعد إسناد الكفالة‪.631‬‬

‫* من خالل قانون الجنسية‪:632‬‬

‫سعى املشرع املغربي كذلك من خالل سنه لقانون الجنسية إلى حماية مصالح‬

‫الطفل الفضلى وذلك من خالل نصه على مجموعة من املقتضيات القانونية في هذا‬

‫القانون‪ ،‬تهدف كلها إلى الغاية التي أشرت إليها‪ ،‬من بين هذه املقتضيات ما جاء في الفصلين‬

‫‪ 7‬و ‪ 2‬املتعلقين بإسناد الجنسية األصلية بإعتماد على معيار البنوة والنسب أي بالدم أو‬

‫اعتمادا على معيار الطفل املولود من أب مغربي أو أم مغربية‪ ،‬فالفصل ‪ 7‬يؤكد في الفقرة‬

‫الثانية على أنه" يعتبر مغربيا الولد املولود من أب مغربي أو أم مغربية" ويعتبر هذا اإلقرار‬

‫أهم ما جاء به هذا اإلصالح بحيث أقر حق الطفل من أم مغربية الحصول على الجنسية‬

‫املغربية بعد أن لم يكن ذلك متاحا من قبل‪ ،‬إذ لم يكن بإمكان الطفل من أم مغربية وأب‬

‫أجنبي الحصول على الجنسية املغربية‪.‬‬

‫‪631‬ـ فاطمة الزهراء عالوي‪ :‬م‪ .‬س‪ .‬ص ‪.002‬‬


‫‪632‬ـ ظهير شريف رقم ‪ 0.59.651‬بتاريخ ‪ 60‬صفر ‪ 0129‬بسن قانون الجنسية املغربية‪ ،‬جريدة رسمية بتاريخ ربيع األول ‪،0129‬‬
‫موافق ‪ 02‬شتنبر ‪.0259‬‬

‫‪P 461‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫خاتمة‪:‬‬

‫بناء على ما تقدم يمكن القول أن مفهوم املصلحة الفضلى للطفل قد تمت والدته‬

‫منذ زمن بعيد في القوانين الدولية‪ ،‬وقد ولد هذا املفهوم مع اإلعالن العاملي لحقوق الطفل‬

‫لسنة ‪ ،8374‬والذي لم يثر بصراحة املصلحة الفضلى للطفل ولكنه نص على أن "اإلنسانية‬

‫يجب أن نعطي للطفل أحسن ما لدينا" وهكذا كان هذا اإلعالن هو أول وثيقة قانونية‬

‫تصرح بأنه يجب القيام بما هو أحسن من أجل األطفال‪ ،‬ليأتي بعد ذلك إعالن حقوق‬

‫الطفل لسنة ‪ ،8323‬الذي صرح بصريح عبارته بأنه" يجب على أن يكون للمصلحة الفضلى‬

‫للطفل اإلعتبار األول‪ ،‬وذلك أثناء تبني القوانين املتعلقة باألطفال‪ ،‬غير أن هذا املبدأ تم‬

‫توضيحه وتكريسه بشكل أكبر من خالل اإلتفاقية الدولية املتعلقة بحقوق الطفل‪ ،‬التي‬

‫اكتسبت بالفعل زخما هائال من التوقيعات من طرف جل الدول التي عملت على مالئمة‬

‫قوانينها الداخلية مع بنود اإلتفاقية ومن بينها املغرب ومع ذلك من خالل استخدام مبدأ‬

‫املصلحة الفضلى للطفل في بناء مقاصد نصوصها القانونية‪.‬‬

‫إذن فحماية املصلحة الفضلى للطفل يمثل رهان من طرف املغرب للرقي بالطفولة‬

‫املغربية إلى مستويات متقدمة من الحماية لكون أن تفعيل ما تم النص عليه في القوانين‬

‫الوطنية يستدعي التعاون وتظافر الجهود يين مختلف الفاعلين من هيئات ومؤسسات‬

‫وطنية وكدا هيئات املجتمع املدني‪.‬‬

‫غير أنه ما يالحظ على حقوق الطفل وخصوصا من الناحية القانونية‪ ،‬أن هذه‬

‫القوانين الوطنية املنظمة للمصلحة الفضلى للطفل جاءت مبعثرة بين فروع القانون‬

‫‪P 471‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫لدرجة أنها تشكل تحديا حقيقيا يواجه املخاطين بهذه النصوص‪ ،‬مما يستدعي تفكير املشرع‬

‫بشكل ملح في العمل على إصدار مدونة بحقوق الطفل تتضمن جميع القوانين الصادرة في‬

‫مجال املصلحة الفضلى للطفل‪.‬‬

‫‪P 471‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫الئحة املراجع‬

‫* املراجع العامة‪:‬‬

‫‪ -‬قدوري محمد رضا‪" :‬املصلحة الفضلى للطفل من خالل التشريع الوضعي" مذكرة‬

‫لنيل شهادة املاستر في الحقوق‪ ،‬جامعة زيان عشور بالجلفة‪ ،‬الجزائر‪ ،‬السنة الجامعية‬

‫‪.7082 ،7087‬‬

‫‪ -‬أحمد الخمليش ي‪" :‬القانون الجنائي الخاص"‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬مكتبة املعارف‪ ،‬الطبقة‬

‫األولى‪ ،‬الرباط ‪.8317‬‬

‫‪ -‬مصباح مصباح القاض ي‪" :‬الحماية الجنائية للطفولة" دار التحفة العربية بالطبعة‬

‫األولى‪ ،‬القاهرة ‪.8331‬‬

‫‪ -‬غسان خليل‪" :‬حقوق الطفل التطور التاريخي منذ بدايات القرن العشرين" ببيروت‪:‬‬

‫شمالي أند شمالي سنة ‪.7000‬‬

‫‪ -‬أحمد العباس ي‪" :‬املصلحة الفضلى للطفل في ضوء أحكام مدونة األسرة والنصوص‬

‫ذات الصلة بها واإلتفاقيات الدولية" بحث نهاية التدريب باملعهد العالي للقضاء‪ ،‬الفوج‬

‫‪ ،97‬السنة ‪.7088/7003‬‬

‫‪P 472‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫* املقاالت العلمية‪:‬‬

‫‪ -‬فاطمة الزهراء عالوي ‪ ":‬الحماية القانونية للطفولة باملغرب في ضوء املعايير الدولية‬

‫والتشريعات القانونية"‪ ،‬املجلة القانونية للرصد القانوني والقضائي‪ ،‬العدد الثالث عشر‬

‫‪7078‬‬

‫‪ -‬حومالك محمد‪" :‬حقوق الطفل باملغرب على ضوء اإلصالحات الدستورية‬

‫واملرجعية الدولية" مقال منشورعلى املوقع" ‪.www.Frssiwa.com‬‬

‫* االتفاقيات و االعالنات الدولية‪:‬‬

‫‪ -‬إعالن جنيف بشأن األطفال‪ ،‬صادر عن منظمة األمم املتحدة لسنة ‪.8374‬‬

‫‪ -‬العهد الدولي الخاص بالحقوق املدنية والسياسية لسنة ‪.8377‬‬

‫‪ -‬اإلعالن العاملي لحقوق اإلنسان لسنة ‪.8341‬‬

‫‪ -‬العهد الدولي الخاص بالحقوق املدنية والسياسية لسنة ‪.8377‬‬

‫‪ -‬اإلعالن العاملي لحقوق الطفل لسنة ‪.8323‬‬

‫‪ -‬اتفاقية حقوق الطفل لسنة ‪.8313‬‬

‫*النصوص القانونية‪:‬‬

‫‪ -‬ظهير شريف رقم ‪ 38.88.8‬صادر في ‪ 72‬شعبان ‪ 73( 8497‬يوليوز ‪ )7088‬بتنفيذ نص‬

‫الدستور في الجريدة الرسمية عدد ‪ 2374‬مكرر ـ ‪ 71‬شعبان ‪ 90( 8497‬يوليوز ‪.)7088‬‬

‫‪P 473‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪ -‬ظهير شريف رقم ‪ 8.04.77‬صادر في ‪ 87‬من دي الحجة ‪ 9/ 8474‬فبراير ‪ 7004‬بتنفيذ‬

‫القانون رقم ‪ 20.09‬بمثابة مدونة األسرة‪ ،‬الجريدة الرسمية رقم ‪.2814‬‬

‫‪ -‬ظهير شريف رقم ‪ .8.07.827‬صادر في ‪ 9‬أكتوبر ‪ 7007‬بتنفيذ القانون رقم ‪33.92‬‬

‫املتعلق بالحالة املدنية‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 2024‬بتاريخ ‪ 7‬رمضان ‪ 8479‬موافق ‪2‬‬

‫نوفمبر ‪.7007‬‬

‫‪ -‬ظهير شريف رقم ‪ .8.23.489‬صادر في ‪ 71‬جمادى الثانية ‪ 77 8917‬نونبر ‪8377‬‬

‫باملصادقة على مجموعة القانون الجنائي للجريدة الرسيمة عدد ‪ 7740‬مكرر بتاريخ ‪ 2‬يونيو‬

‫‪.8379‬‬

‫‪ -‬ظهير شريف رقم ‪ 8.07.827‬صادر في فاتح ربيع األول ‪ 89(8479‬يونيو ‪ )7007‬بتنفيذ‬

‫القانون رقم ‪ 08.82‬املتعلق بكفالة األطفال املهملين جريد رسمية عدد ‪.2098‬‬

‫‪ -‬ظهير شريف رقم ‪ 8.21.720‬بتاريخ ‪ 78‬صفر ‪ 8921‬بسن قانون الجنسية املغربية‪،‬‬

‫جريدة رسمية بتاريخ ربيع األول ‪ ،8921‬موافق ‪ 83‬شتنبر ‪.8321‬‬

‫‪P 474‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪Post-care for the delinquent juvenile * A study of its various manifestations‬‬


‫‪and manifestations‬‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫الزمت الجريمة حياة اإلنسان منذ القدم وتطورت إزاء تقدمه العلمي والتقني‪ ،‬حيث‬

‫أصبحت تهدد كيان املجتمع ومصالحه في كل لحظة وحين‪ ،‬لذلك تعد مشكلة إجرام‬

‫األحداث من أهم و أعقد املشكالت االجتماعية التي تواجه جميع اقطار العالم املعاصر ‪،‬‬

‫املتقدمة واملتأخرة على حد سواء إذ تعرض كيانها ومستقبل أجيالها الصاعدة لخطر كبير‬

‫(‪ )633‬مما يفرض على الدول نهج سياسات جنائية بناءة كفيلة بإيجاد الحل لهذه املعضلة‪،‬‬

‫من خالل سياسة تجريم تتولى بيان القيم الجديرة بالحماية ومنع إلحاق الضرر بها‪ ،‬ثم من‬

‫خالل سياسة املنع الهادفة إلى احتواء الفعل اإلجرامي قبل وقوعه‪ ،‬وفي حال وقوع هذا‬

‫األخير نهج سياسة عقابية قادرة على الحد من آثار هذا الفعل ورد مرتكبيه إلى جادة‬

‫الصواب بعد إصالحه وتهذيبه والرجوع به إلى حظيرة املجتمع مواطن صالح قادر على‬

‫العطاء من جديد واملساهمة في تنميته ‪.‬‬

‫(‪- )633‬‬
‫حسن الجوخدار‪ ،‬قانون االحداث الجانحين‪ ،‬مكتبة دار الثقافة للنشر و التوزيع‪ ،‬الطبعة االولى ‪ 1000‬ص‪6 :‬‬

‫‪P 475‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫وتعد الرعاية الالحقة للمفرج عنهم آلية من آليات هذه السياسة العقابية الحديثة‬

‫التي تهدف مساعدة املسجونين على تخطي مختلف العقبات (النفسية واالجتماعية‬

‫كجزء مهم من‬ ‫االجتماعي (‪)634‬‬ ‫واالقتصادية الخ‪)...‬التي تعترض سبيل تكيفهم مع محيطهم‬

‫جهود مكافحة الجريمة بصفة عامة و العود بصفة خاصة‪ ،‬حيث لم يكن يعرف سابقا‬

‫العقاب إال في صورة الردع و القسوة و األلم‪ ،‬كمحور أساس للسياسة العقابية التي تنظر‬

‫للفعل و ليس للمجرم املفترض عودته إلى املجتمع بعد انقضاء عقوبته السالبة للحرية‪،‬‬

‫وانه حتى عندما بدأ االهتمام به‪ ،‬كانت وظيفة الدولة تقتصر على فترة العقوبة ليترك فيما‬

‫بعد فريسة ما يعرف بأزمة الخروج أو اإلفراج‪ ،‬ثم بعد ذلك تغيرت النظرة إلى أغراض‬

‫العقوبة وفق السياسة الجنائية الحديثة وأصبح التأهيل و التهذيب و اإلصالح من األهداف‬

‫الرئيسية للعقوبة حتى تتمكن الدولة من القيام بواجبها االجتماعي نحو املحكوم عليه‬
‫(‪)635‬‬ ‫برعايته اجتماعيا بعد اإلفراج عنه‪.‬‬

‫وموضوع الرعاية الالحقة‪ ،‬لم يعرف حضور رسمي في مؤتمرات املنتظم الدولي إال‬

‫في أواسط القرن امليالدي املنصرم‪ ،‬وكان من أبرزها ما تضمنه قرار املؤتمر الدولي األول‬

‫ملكافحة الجريمة و معاملة املجرمين سنة ‪ ،8322‬املنعقد بجنيف برعاية هيئة األمم‬

‫املتحدة‪ ،‬حين تضمن مجموعة من املقتضيات و القواعد املنظمة لعملية رعاية السجناء‬

‫ما بعد اإلفراج عنهم‪ ،‬ثم تاله توصيات املؤتمر الدولي الثاني املنعقد بلندن سنة ‪،8370‬‬

‫(‪- )634‬مح مدد العياط‪ ،‬الرعاية الالحقة لتنفيذ العقوبات السدددددددالبة للحرية ‪ ،‬بعض جوانب فلسدددددددفتها و تطبيقاتها‪ ،‬مجلة الملحق‬
‫القضائي ‪،‬عدد‪ 01:‬يونيه ‪ 1006‬ص‪. 00 :‬‬
‫(‪ -- )635‬محمد صدبحي نجم‪ ،‬أصول علم اإلجرام وعلم العقاب‪ ،‬دراسة تحليلية وصفية موجزة‪ ،‬دار الثقافة للنشر و التوزيع ‪،‬‬
‫سنة النشر ‪1400‬ه‪0311/‬م ص‪037 :‬‬

‫‪P 476‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫فآخرها مؤتمر سنة ‪ 8330‬خرج بقرار ‪ 888/42‬الخاص باملبادئ األساسية ملعاملة السجناء‬

‫(‪)636‬؛ ليضمن تدريجيا في تشريعات الدول ‪.‬‬

‫والرعاية الالحقة تهدف إلى مكافحة الجريمة وإزالة أسباب العود إليها و ذلك من‬

‫خالل تتبع حالة املفرج عنه والعناية بشخصه و مساعدته و الوقوف على مدى تكيفه مع‬

‫األسرة و في املجتمع و في الدراسة و العمل من أجل مساعدته ليستقر في حياته االجتماعية‬

‫إلبعاده عن طريق االنحراف و الجريمة(‪ .)637‬فهدفها توفير فرص العمل للمفرج عنه أو فرض‬

‫مواصلة نشاطاته في الحراسة أو غيرها من املهن األمر الذي سيحقق مما يؤمن له حياة‬

‫اجتماعية مستقرة تكون بمثابة سياج يحميه من التفكير في اقتراف جريمة أخرى(‪.)638‬‬

‫أما املظهر أو الصورة الثانية املتمثلة في املعونات األدبية ‪ ،‬فاملقصود بها هنا إزالة‬

‫العقوبات التي تعترض جهوده في هذا السبيل كاملرض و عداء املجتمع و اإلعالم و نظم‬

‫املراقبة التي تفرض على املفرج عنهم في بعض الحاالت ‪ .‬و ال شك أن هذه الصورة و غيرها‬

‫تعيد ثقة املفرج في نفسه و شعوره بأنه مواطن ال يختلف عن غيره من املواطنين مما‬

‫يساهم في حصوله على مصدر رزق يؤمن له حياة اجتماعية مستقرة (‪.)639‬‬

‫(‪ -)636‬اعتمدت ونشرت على المأل بموجب قرار الجمعية العامة لألمم المتحدة‪ 111/42‬المؤرخ في كانون األول‪/‬ديسمبر‬
‫‪. 1003‬‬
‫(‪ -- )637‬حسن الحروشي‪ ،‬التأهيل و إعادة اإلدماج بين رغبة المشرع و إكراهات الواقع ‪"،‬دراسة ميدانية" بالسجن المحلي‬
‫بعين سبع ‪ ،‬بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا المتخصصة في علوم التربية ‪ ،‬جامعة محمد الخامس ‪ 0334-0330‬ص‪. 66 :‬‬
‫(‪ - )638‬نسرين الرحالي‪ ،‬اإلشكالية الوظيفية للمؤسسة قضاء األحداث الجانحين‪ ،‬أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون‬
‫الخاص ‪ ،‬كلية العلوم القانونية و االقتصادية و االجتماعية جامعة عبد المالك السعدي طنجة ‪ ،‬السنة الجامعية ‪،0316/0312‬‬
‫ص‪. 007:‬‬
‫(‪ - )639‬محمد صبحي نجم‪ ،‬أصول علم اإلجرام و علم العقاب‪ ،‬دار الثقافة للنشر و التوزيع عمان‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪0332‬‬
‫ص‪.032 :‬‬

‫‪P 477‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫وبذلك يتضح ان املوضوع على قدر كبير من االهمية باعتباره يسلط الضوء على‬

‫واحدة من اهم العمليات التأهيلية التي حظيت بنصيب وافر من النقاش و االهتمام ضمن‬

‫التشريعات الدولية املهتمة بقضايا االحداث ‪ ،‬كما انه يزيح الستار عن احدى ركائز‬

‫السياسة العقابية املعاصرة التي تحاول معالجة قضايا الجانحين وفق مقاربة تأهيلية‬

‫تنموية تتوخى تجاوز اثار العقوبات السالبة للحرية ‪ ،‬و ما خلفته من فشل في احتواء‬

‫الظاهرة و التقليل منها‪ .‬الش يء الذي يدعونا الى التساؤل عن واقع الرعاية الالحقة لألحداث‬

‫في املمارسة العقابية املغربية ‪ ،‬و اآلليات التي وظفها املشرع من اجل القيام بهذا الدور ‪ ،‬و‬

‫الى اي حد استطاعت تحقيق االهداف املنتظرة ؟‬

‫وللحديث عن هذه األمور وغيرها‪ ،‬آثرت تقسيم هذا املوضوع إلى مبحثين أساسيين‬

‫تناولت في (املبحث األول) ماهية الرعاية الالحقة ومكانتها في املواثيق الدولية ‪ ،‬وفي (املبحث‬

‫الثاني)‪ ،‬تناولت الرعاية الالحقة من خالل تجارب الدول املقارنة والتجربة املغربية‪.‬‬

‫املبحث األول‪ :‬ماهية الرعاية الالحقة للسجناء املفرج عنهم ومكانتها في املواثيق الدولية‬

‫إن املوقف الذي يواجه الشخص عندما يخرج من السجن أو مدارس التأهيل قد‬

‫يتمثل في نفور املجتمع منه فهناك من يخشاه و يبتعد عنه و ال يأمن جانبه‪ ،‬لذلك كان من‬

‫الطبيعي أن يتجه بعض الخارجين من السجون أو املؤسسات اإلصالحية إلى عالم الجريمة‪،‬‬

‫و ذلك لتنكر املجتمع لهم و نفوره منهم و ابتعاده عنهم و سده أبواب الرزق الحالل في‬

‫وجوههم ‪ ،‬هذه األسباب دعت – الضرورة – إلى االعتراف بوجوب رعاية املفرج عنهم‬

‫‪P 478‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫كأولوية جوهرية من أولويات السياسة الجنائية للعالج فالسجين أو – املودوع – و قد عاد‬

‫إلى الحياة الطليقة ال يصح تركه بها الحتقار الناس و تنكرهم له (‪.)640‬‬

‫وتعتبر الرعاية الالحقة من أهم مظاهر تطور النظام العقابي الحديث في تعامله مع‬

‫السجناء بغية تجاوزهم الزمة اإلفراج من وسط محدود‪ ،‬ثم إدماجهم داخل مجتمع كبير‬

‫بشكل صحيح يؤمن عدم رجوعهم إلى فضاء السجن‪ .‬وإيمانا من املجتمع الدولي بهذه‬

‫الرعاية سعى إلى التأكيد عليها من خالل املؤتمرات عن طريق تحديد ماهيتها‪ ،‬ثم تأطيرها‬

‫في وعاء قانوني يسمح بتحقيق أهدافها؛ ذلك ما سنحاول التقرب إلى مالمسته في مطلبين‪:‬‬

‫املطلب االول‪ :‬ماهية الرعاية الالحقة للسجناء املفرج عنهم‬

‫حتى نتعرف جوهر الرعاية الالحقة للمفرج عنهم‪ ،‬يجب أوال الوقوف على إشكالية‬

‫تعريف هذه الرعاية من خالل (الفقرة األولى)‪ ،‬ثم نتناول (الفقرة الثانية) عناصرها‪،‬‬

‫فاألنماط التي تمثلها (الفقرة الثالثة)‪.‬‬

‫‪ -‬الفقرة األولى‪ :‬إشكالية تعريف الرعاية الالحقة للمفرج عنهم‪.‬‬

‫يطرح تعريف الرعاية الالحقة للمفرج عنهم من املؤسسات السجنية مجموعة من‬

‫اإلشكاالت مردها األساس؛ االختالف الكمي والنوعي بين جل هاته التعريفات‪.‬‬

‫(‪ - )640‬براء منذر عبد اللطيف‪ ،‬السدددياسدددة الجنائية في قانون رعاية األحداث دراسدددة مقارنة‪ ،‬دار الحامد للنشدددر و التوزيع‬
‫عمان‪ 0331 ،‬ص‪.006:‬‬

‫‪P 471‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫فقد عرفها علماء االجتماع على أنها‪" :‬تلك العمليات التي تسعى إلى الوقوف بجانب‬

‫السجين بهدف تحقيق التكييف االجتماعي‪ ،‬والنفس ي واملنهي له بعد انتهاء فترة عقوبته‬

‫وانعزاله عن املجتمع"(‪.)641‬‬

‫أما علماء اإلجرام‪ ،‬فقد عرفوها من خالل املنظمة العربية للدفاع االجتماعي(‪ )642‬على‬

‫أنها‪" :‬عملية تتابعية وتقويمية للنزالء املفرج عنهم في بيئتهم الطبيعية من خالل تهيئتهم‬

‫للعود إلى العالم الخارجي‪ ،‬والعمل على توفير أنسب ألوان األمن االقتصادي واالجتماعي‬

‫والنفس ي والترفيهي داخل مجتمعهم الطبيعي"‪.‬‬

‫بينما عرفها علم العقاب بأنها‪" :‬االمتداد الطبيعي واملهم ألساليب املعاملة العقابية‬

‫داخل املؤسسات والتي بدونها تتعرض هذه الجهود للضياع"(‪.)643‬‬

‫إال أن هذه التعاريف على الرغم من وجاهتها‪ ،‬والزاوية التي نظر منها للرعاية الالحقة‬

‫وجهت لها عدة انتقادات منها‪ :‬تركيزها على الرعاية الالحقة ما بعد اإلفراج عن السجين‬

‫وإغفالها ملرحلة ما قبل اإلفراج‪ ،‬باإلضافة إلى إغفالها ملوقع أسرة السجين في هذا البرنامج؛‬

‫بأن الرعاية الالحقة هي مجموعة من الجهود العلمية‬ ‫يرى(‪)644‬‬ ‫لذلك نجد أن هناك من‬

‫والعملية التي تقوم بها بعض األجهزة املتخصصة خالل فترة العقوبة قبل اإلفراج وبعده‪،‬‬

‫(‪ - )641‬نجوى عبد الوهاب حافظ‪ ،‬رعاية الجمعيات األهلية لنزالء المؤسددسددات االصددالحية‪ ،‬منشددورات أكاديمية نايف‪ ،‬سددنة‬
‫‪ ،0330‬ص ‪.11‬‬
‫(‪ - )642‬المنظمة العربية للدفاع االجتماعي ضدددد الجريمة منظمة تابعة لجامعة الدول العربية أسدددسدددت سدددنة ‪ ،1063‬الغرض‬
‫منها العمل على دراسددددة أسددددباب الجريمة ومكافحتها‪ ،‬ومعاملة المجرمين وتامين التعاون المتبادل بين الشددددرطة الجنائية في‬
‫البالد العربية ومكافحة المخدرات‪.‬‬
‫(‪ - )643‬أحمد عصدام الدين المليجي‪ ،‬الرعاية الالحقة للمفرج عنهم من المؤسسات العقابية‪ ،‬المجلة العربية للدراسات األمنية‪،‬‬
‫المجلد ‪، 0‬العدد ‪،2،1431‬ص ‪.110‬‬
‫(‪ - )644‬عبد هللا بن ناصددر السدددحان‪ :‬الرعاية الالحقة في التشددريع اإلسددالمي والجنائي المعاصددر‪ ،‬منشددورات أكاديمية نايف‬
‫العربية للعلوم األمنية‪،0336 ،‬ص ‪.10‬‬

‫‪P 481‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫حيث إنه ال يمكن االقتصار على ما بعد اإلفراج عن السجين‪ ،‬وإنما يجب أن تتكامل جل‬

‫هاته املراحل حتى تنتج الرعاية ما هو منتظر منها‪.‬‬

‫كما يتضح من خالل نفس التعاريف إغفالها لعنصرين أساسيين من عناصر الرعاية‬

‫الالحقة‪ ،‬وهما عنصري املراقبة واإلجراءات‪ ،‬إذ يعتبران من العناصر األساسية في الرعاية‬

‫الالحقة للمفرج عنهم‪ ،‬خصوصا إذا علمنا أن بعض السجناء يتم اإلفراج عنهم قبل نهاية‬

‫فترة عقوبتهم‪.‬‬

‫لذلك يمكن اقتراح تعريف الرعاية الالحقة مبدئيا‪ ،‬على أنها تلكم العمليات‬

‫واإلجراءات و املراقبة التي يتم اعتمادها من أجل تأهيل السجناء وإعادة إدماجهم داخل‬

‫املجتمع‪ ،‬سواء تلك التي تكون داخل فضاء السجن أو تلك التي تكملها خارجه بمعية األسرة‬

‫و املجتمع بغية إدماج وإعادة تأهيل السجين نفسيا وماديا ومعنويا‪ ،‬فيتحقق له التكييف‬

‫االجتماعي والتوافق النفس ي بشكل يجعل منه فردا منتجا وسويا‪.‬‬

‫‪ -‬الفقرة الثانية ‪ :‬عناصر الرعاية الالحقة ما بعد اإلفراج عن السجين‬

‫بعد محاولة التقرب من تعريف الرعاية الالحقة‪ ،‬وجب الوقوف على أهم عناصرها‬

‫لتتضح ماهيتها بشكل أعمق‪ .‬فالرعاية الالحقة تقوم على ثالث عناصر أساسية وهي‪:‬‬

‫التأهيل واإلرشاد (‪ ،)8‬املساعدة املادية (‪ ،)8‬ثم املراقبة واإلجراءات (‪.)9‬‬

‫‪P 481‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪ :8 -‬التأهيل وإرشاد املفرج عنهم‬

‫يعد اإلرشاد و التوجيه من أسس عناصر الرعاية الالحقة للمفرج عنهم‪ ،‬لذلك ينبغي‬

‫التركيز على ثالث مجاالت ال محيد عنها ‪:‬‬

‫*التأهيل االجتماعي‪:‬‬

‫ويقصد به عملية إعادة التنشئة االجتماعية(‪ )645‬من زاوية إكمال بعض النقص في‬

‫التنشئة السابقة‪ ،‬حيث تظهر بعد اإلفراج عن السجين حاجته أكثر مما سبق لهذه‬

‫التنشئة‪ ،‬من اجل تحقيق تكيفه مع املجتمع واستقراره فيه كمواطن صالح يسهم في بناء‬

‫نفسه و بناء هذا املجتمع مثل باقي املواطنين؛ وينطوي التأهيل االجتماعي في هذا اإلطار‬

‫على مجموعة من املحددات أهمها‪:‬‬

‫‪ ‬تهييئ املناخ املناسب للمفرج عنه في املجتمع الخارجي‪ ،‬من اجل التكيف‬

‫االجتماعي‪.‬‬

‫‪ ‬العمل على إقناع املفرج عنه بإمكانية عودته إلى املجتمع ليمارس حياته‬

‫الطبيعية‪.‬‬

‫ولتحقيق هذا املبتغى‪ ،‬فإنه البد من تظافر مجموعة من الجهود‪ ،‬جهود األجهزة‬

‫املشرفة على الرعاية الالحقة(‪ ،)646‬وهنا يبرز دور الخدمة االجتماعية‪ ،‬التي تقوم على‬

‫(‪ - )645‬التنشددددددئة االجتماعية هي العملية التي يتم بو اسددددددطتها نقل أدوار وقيم ومبادئ ومعارف وعادات ونظم وقوانين ثقافة‬
‫مجتمع إلى أحدد أعضدددددددائه‪ ،‬أنظر علي بن سدددددددليمان بن إبراهيم الحناكي‪ :‬الواقع االجتماعي ألسدددددددر األحداث العائدين من‬
‫االنحراف‪ ،‬منشورات جامعة نايف للعلوم األمنية‪ ،‬الرياض‪ ،0336 ،‬ص ‪...02‬‬
‫‪(646) -‬‬
‫‪Olivia Cligman :Laurence Gratiot et Jean-Christophe Hanoteau; le droit en Prison ; Editions‬‬
‫‪Dalloz ; 2001 ;p 290.‬‬

‫‪P 482‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫مساعدة املفرج عنه‪ ،‬وحل املشاكل التي تواجهه إلى أن يستقر‪ .‬مع متابعته بين حين و آخر‬

‫إلى أن يتوفر له االستقرار نهائيا‪ ،‬فقد أثبتت البحوث و الدراسات أن الشخص املفرج عنه‬

‫إذا ترك بمفرده يواجه قوى الشر التي تتحالف لجدبه إلى صفها تكون النتيجة هي العودة‬

‫مباشرة إلى أحضان الوسط اإلجرامي من جهة؛ ومن جهة أخرى يجب على األسرة تكملة‬

‫هذه املجهودات املبذولة مع املفرج عنه وذلك من خالل احتضانها له بعد الخروج من‬

‫املؤسسة السجنية(‪.)647‬‬

‫*التأهيل التعليمي واملنهي‪:‬‬

‫بالنسبة للتأهيل التعليمي في إطار الرعاية الالحقة ما بعد اإلفراج عن السجين‪ ،‬يبرز‬

‫أساسا من خالل تخويل املفرج عنه إمكانية متابعة دراسته التي كان يقوم بها داخل‬

‫املؤسسة السجنية‪ ،‬في حال كان األمر كذلك؛ أو تأهيله مهنيا من خالل إمداد الذي سيفرج‬

‫عنه في إطار ما يسمى باالستعداد لإلفراج بحرفة معينة‪ ،‬والتي يجب أن يراعى فيها متطلبات‬

‫سوق الشغل‪ ،‬حتى يسهل إعادة إدماجه في عمل معين ما بعد اإلفراج(‪ ،)648‬يليق بما تلقاه‬

‫من تأطير منهي في هذا الصدد داخل فضاء السجن أو نما فيه مكتسباته السابقة في هذا‬

‫املجال؛ فالشغل هو أهم وسيلة تأهيلية تستهدف تدريب السجناء على حرفة وتلقينهم‬

‫قواعد إتقانها‪ ،‬ومساعدتهم على سلوك سبل العيش الشريف بعد اإلفراج عنهم من‬

‫السجن(‪.)649‬‬

‫(‪ - )647‬عبد هللا بن ناصر السدحان‪ :‬الرعاية الالحقة في التشريع اإلسالمي والجنائي المعاصر‪ ،‬م س‪ ،‬ص‪.01 :‬‬
‫(‪ - )648‬أحمد عصام الدين المليجي‪ ،‬الرعاية الالحقة للمفرج عنهم من المؤسسات العقابية ‪ ،‬م س‪ ،‬ص‪.100 :‬‬
‫(‪ - )649‬عبد الجليل العينوسدددي‪ ،‬تشدددغيل السدددجناء في المغرب بين القانون و الواقع‪ ،‬دار ابي رقراق للطباعة والنشدددر‪،‬الطبعة‬
‫األولى ‪ ،0310‬ص‪00:‬‬

‫‪P 483‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫*التأهيل النفس ي‪:‬‬

‫يعتبر التأهيل النفس ي شأنه في ذلك شأن التأهيل االجتماعي من املجاالت املكونة‬

‫لعنصر التأهيل ذات طابع تكميلي وليس تصحيحي في إطار الرعاية الالحقة للمفرج عنهم‪،‬‬

‫وذلك من خالل تتبع حالته النفسية ومحاولة تحقيق التكيف النفس ي لديه مع محيطه‬

‫الخارجي(‪ ،)650‬خاصة وأن جل هؤالء املفرج عنهم يعانون من الوصم االجتماعي(‪ )651‬الذي‬

‫يالحقهم و الذي يخلق لديهم شعور بأن السجن الحقيقي هو ما يكابدونه من نظرات و‬

‫معامالت اآلخر فتكون النتيجة مجموعة من العقد تولد لديهم اإلحباط و الرغبة في‬

‫االنتحار‪ ،‬أو على األقل االرتماء في أحضان الوسط اإلجرامي من جديد باعتباره يجسد هذا‬

‫الوصم‪.‬‬

‫‪ :7 -‬املساعدة املادية للمفرج عنهم‬

‫تشمل املساعدة املادية كل ما يمكن أن يقدم للمفرج عنه من مساعدات ضرورية‬

‫إلعادته إلى املجتمع بشكل الئق‪ ،‬يحفظ له كرامته اإلنسانية املتأصلة فيه وذلك من خالل‪:‬‬

‫توفير مكان للسكن املؤقت‪:‬‬

‫حيث إن بعض املفرج عنهم يواجهون برفض من قبل األسرة والعائلة‪ ،‬من هنا كان‬

‫من الضروري أن يتم توفير مكان لإلقامة ولو بشكل مؤقت‪.‬‬

‫(‪ - )650‬فتيحة الجميلي‪ :‬تأهيل المجرمين وأثره في المجتمع‪ ،‬دراسددة خطوات التأهيل وموقف المشددرع العراقي‪ ،‬مجلة العلوم‬
‫االجتماعية‪ ،‬العدد ‪ ،1‬مارس ‪،1010‬ص ‪.140‬‬
‫‪(651) -‬‬
‫‪"La théorie de la stigmatisation sociale s’est épanouie pendant les années soixante aux états‬‬
‫‪unis et en Europe occidentale dans un climat social relativement tendu", Mohammed Ayat,‬‬
‫‪Crime et société ,IMP ElMaarif ,El-Jadida,1997,P :122‬‬

‫‪P 484‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫إمداد املفرج عنه بامللبس واملصروفات الضرورية‪:‬‬

‫ذلك أنه البد من تزويد السجناء املفرج عنهم بمالبس الئقة‪ ،‬بحيث إذا خرجوا من‬

‫السجن إلى العالم الخارجي أصبحوا أشخاص عاديين في املظهر‪ ،‬هذا باإلضافة إلى إمدادهم‬

‫باملصروفات الضرورية لقضاء حاجتهم في التنقل‪ ،‬وكذا العيش الكريم خالل الفترة‬

‫اإلنتقالية(‪.)652‬‬

‫‪ -‬املساعدة على إيجاد عمل‪:‬‬

‫تعتبر هذه الصورة من أهم صور املساعدة املادية للرعاية الالحقة‪ ،‬حيث غالبا ما‬

‫تكون السبيل األنجع إلعادة إدماج املفرج عنهم في املجتمع الخارجي(‪.)653‬‬

‫التطبيب‪:‬‬

‫تبرز أهمية ذلك خاصة عندما يكون املعتقل في حاجة ماسة إلتمام عالج شرع فيه‬

‫أثناء مدة االعتقال‪ ،‬وذلك من خالل استكمال عالجه بعد اإلفراج عنه‪.‬‬

‫لكن عنصر املساعدة املادية في الرعاية الالحقة‪ ،‬يطرح مجموعة من اإلشكاالت أهمها‬

‫أن توفير مستلزماتها يتطلب موارد مادية كبيرة‪ ،‬وقد يستعص ي على الدولة توفيرها‪ ،‬كذلك‬

‫(‪- )652‬‬
‫محمد خلف‪ :‬علم العقاب‪ ،‬مطابع دار الحقيقة‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ ،1077‬ص ‪.010‬‬
‫(‪- )653‬‬
‫فتيحة الجميلي‪ :‬تأهيل المجرمين وأثره في المجتمع‪ ،‬دراسدددة خطوات التأهيل وموقف المشدددرع العراقي ‪،‬م س‪ ،‬ص‪:‬‬
‫‪.140‬‬

‫‪P 485‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫أن املفرج عنه غالبا ما يواجه بالرفض من قبل أرباب العمل األمر الش يء الذي يتطلب‬

‫تضافر الجهود من أجل تجاوز هذه اإلشكاالت(‪.)654‬‬

‫‪ :9 -‬املراقبة واإلجراءات‬

‫‪ -‬أ‪ -‬املراقبة‪:‬‬

‫تهدف في هذا اإلطار إلى تحقيق أمرين‪ :‬رعاية مصلحة املفرج عنه‪ ،‬ومنعه من العودة‬

‫إلى الجريمة‪ ،‬ثم تمكين الدولة من املالحظة وأخذ االحتياط والحذر ممن لهم ماض ي إجرامي‪.‬‬

‫فمن املسؤول عن مراقبة املفرج عنهم؟ وماهي املدة التي يجب مراقبتهم فيها؟‬

‫بالنسبة للمسؤول عن تنفيذ عنصر املراقبة‪ ،‬هناك تضارب في الرأي حول من يجب‬

‫أن يكلف بمراقبة املفرج عنه‪ ،‬بين من يرى(‪ )655‬على أن املراقبة يجب أن تتم من قبل جهاز‬

‫الشرطة القضائية‪ ،‬ملا له من خبرة في تعامل مع املجرمين خارج السجن‪ ،‬وهناك من يرى‬

‫على أن املراقبة ال يجب أن تتم من قبل هؤالء‪ ،‬وإنما يجب أن يعين لها ضابط للمراقبة‪،‬‬

‫من ذوي الخبرة في مجال الخدمة االجتماعية والذي يجب أن ينمي في املفرج عنه الوازع‬

‫الذاتي لالحترام واالمتثال لشروط املراقبة(‪.)656‬‬

‫‪(654) -‬‬
‫‪Olivia Cligman :Laurence Gratiot et Jean-Christophe Hanoteau ; Même Référence ; P‬‬
‫‪293.‬‬
‫(‪ - )655‬محمد خلف‪ ،‬علم العقاب‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪.072‬‬
‫(‪- )656‬سمير ناجي‪ :‬بحوث ودراسات في القانون الجنائي‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،0332 ،‬ص ‪.000‬‬

‫‪P 486‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫أما فيما يخص مدتها‪ ،‬فلم يتولى الفقه اإلجابة عنها‪ ،‬وإن كان في إجراءات رد االعتبار‬

‫ما يفي باإلجابة عن هذه النقطة‪ ،‬ذلك أن مدة املراقبة تنتهي في اليوم الذي يحصل فيه‬

‫املفرج عنه على هذ الرد‪ ،‬كإجراء يدخل في عناصر الرعاية الالحقة‪.‬‬

‫‪ -‬ب‪ :‬اإلجراءات‪:‬‬

‫يقصد بها اإلجراءات القانونية التي تيسر إعادة إدماج املفرج عنه في املجتمع‪ ،‬ونورد‬

‫في هذا الصدد ثالثة إجراءات أساسية‪.‬‬

‫رد االعتبار‪:‬‬

‫من املعلوم أن العقوبة تؤدي إلى االنتقاص من شخصية املحكوم عليه(‪ ،)657‬ذلك أن‬

‫الحكم بالعقوبة في أغلب أحوال يعقبه الحرمان من بعض الحقوق الوطنية واملدنية(‪،)658‬‬

‫فيتعذر على املفرج عنه االندماج ثانية في الهيئة االجتماعية‪.‬‬

‫ومن هنا فإن رد االعتبار للمحكوم عليه يلعب دورا هاما في تخويل املفرج عنه إمكانية‬

‫استرداد املكانة االجتماعية‪.‬‬

‫ورد االعتبار نوعان إما أن يكون قضائيا أو قانونيا‪ ،‬فاألول يكون بناء على طلب‬

‫املحكوم عليه‪ ،‬وتنظر السلطة القضائية في هذا الشأن‪ ،‬وتصدر قرارها بعد التأكد من‬

‫(‪ - )657‬ويقصد هنا الشخصية القانونية للمحكوم عليه‪.‬‬


‫(‪ - )658‬لطيفة المهداتي‪ ،‬الشرعية في تنفيذ العقوبات السالبة للحرية‪ ،‬الشركة الشرقية‪ ،0332 ،‬ص ‪.21‬‬

‫‪P 487‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫توافر الشروط التي وضعها املشرع‪ ،‬والثاني هو رد اإلعتبار بقوة القانون دون طلب املعني‬

‫باألمر بعد إستيفاء املدة التي حددها القانون دون إرتكاب املفرج عنه لجرم جديد(‪.)659‬‬

‫نظام السوابق القضائية(‪:)660‬‬

‫هناك ثالث آراء تنازعت مشكلة نظام السوابق القضائية‪ :‬الرأي األول يرى وجوب‬

‫إيراد السوابق كلها في صحيفة املحكوم عليه‪ ،‬وعدم إخفاء أية واحدة منها سواء عن األفراد‬

‫أو السلطات العمومية؛ في حين قال رأي آخر بوجوب إخفاء جميع السوابق عن األفراد‬

‫دون السلطات العمومية‪ ،‬وذهب رأي ثالث إلى إسقاط السوابق البسيطة وحدها من‬

‫الصحيفة التي تسلم لألفراد دون السلطات العمومية(‪.)661‬‬

‫الشهادة العلمية أو املهنية‪:‬‬

‫من حق السجين تلقي التعليم أو التكوين املنهي‪ ،‬كما من حق املفرج عنه استكمال‬

‫هذا التأهيل في حالة اإلفراج‪ .‬ومن تم من حق املفرج عنه الحصول على شهادة رسمية في‬

‫االختصاص الذي تعلمه وتدرب فيه‪ ،‬لكي تساعده في اإلندماج في سوق الشغل‪ ،‬وهذه‬

‫الشواهد والديبلومات املمنوحة للمفرج عنه في إطار التأهيل التعليمي أو املنهي‪ ،‬ال يجب أن‬

‫تتضمن أي مقتض ى يشير إلى حالته السابقة (أي االعتقال)‪.‬‬

‫‪ -‬الفقرة الثالثة‪ :‬أنماط الرعاية الالحقة للمفرج عنهم‬

‫(‪ - )659‬لطيفة المهداتي نفس المرجع‪ ،‬ص ‪.017‬‬


‫(‪ - )660‬وتسمى في التشريع المغربي بالسجل العدلي وهي الوثيقة أو المستند الخاص بحفظ آثار األحكام الجنائية وأداة لتحديد‬
‫وضبط السوابق القضائية‪.‬‬
‫(‪ - )661‬سمير ناجي‪ ،‬بحوث ودراسات في القانون الجنائي ‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪.431‬‬

‫‪P 488‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫وقفنا على إشكالية تعريف الرعاية الالحقة‪ ،‬ثم عناصرها؛ أما اآلن سوف نتحدث عن‬

‫أشكال أو أنماط هذه األخيرة والتي تختلف حسب طبيعة الهيئات املشرفة على تنفيذها‬

‫واألشخاص املستفيدين من برامجها‪.‬‬

‫‪ :8 -‬الرعاية الالحقة التقليدية والحديثة‬

‫ينبني هذا التصنيف انطالقا من املسؤول عن تنفيذ برامج الرعاية الالحقة للسجناء‬

‫املفرج عنهم بين‪:‬‬

‫أ ‪ :‬الرعاية الالحقة التقليدية أو البدائية ‪:‬‬

‫تسند مهمة هذه الرعاية إلى أفراد متطوعين أو جمعيات خيرية تطوعية‪ ،‬حيث إن‬

‫الرعاية الالحقة بدأت في صورة مساعدات حثثت عليها التعاليم الدينية‪ ،‬ولم تكن للرعاية‬

‫عندئذ صفة عقابية إذ اعتبر املفرج عنهم في ظلها صنف من البؤساء يقدم إليهم العون‬

‫كما يقدم إلى سائر البؤساء‪ ،‬ويعني ذلك أن هذا النمط تولته جمعيات الخير ولم تتحمل‬

‫الدولة في شأنه أية مسئولية‪ ،‬وقد أكدت النظريات الجنائية التي سادت في بداية القرن‬

‫التاسع عشر هذا الطابع حيث وصفت العقوبة بأنها محض إيالم تستهدف الردع العام أو‬

‫العدالة‪ ،‬وان واجب الدولة ينحصر في مجرد إنزال اإليالم بتنفيذ العقوبة‪ ،‬فإذا انقض ى‬

‫التنفيذ انقض ى واجب الدولة و لم تعد ملزمة بش يء قبل املفرج عنه(‪.)662‬‬

‫ب ‪ :‬الرعاية الالحقة الحديثة ‪:‬‬

‫(‪ - )662‬أحمد فوزي الصدددادي‪ ،‬رعاية أسدددر النزالء كأسدددلوب من أسددداليب الرعاية الالحقة‪ ،‬جامعة نايف للعلوم األمنية‪ ،‬دار‬
‫النشر بالمركز العربي للدراسات األمنية و التدريب بالرياض‪ ،‬الطبعة األولى ‪1431‬هـ‪ ،‬ص‪134 :‬‬

‫‪P 481‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫يرى هذا االتجاه أنها تنقسم إلى الرعاية شبه الرسمية التي تفوض الدولة فيها عملية‬

‫الرعاية إلى منظمات تتعهد رسميا بالقيام بتلك الوظيفة تحت رقابتها؛ بعد أن تكون قد‬

‫حددت أغراضها ووظائفها تحديدا دقيقا واضحا‪.‬‬

‫وبين الرسمية منها‪ ،‬تحت إشراف الدولة التي تسهم في مواردها‪ ،‬عن طريق جهاز‬

‫حكومي خاص يجسد أرقى السياسات العقابية في التعامل مع السجناء كما أصبحت‬

‫تكرسه وتدعو له املواثيق الدولية في هذا الصدد‪ .‬كما يرى أنصار هذا النموذج أن التنسيق‬

‫ما بين الجهازين من شأنه أن يعطي نظرة شمولية وواضحة الحتياجات السجين املفرج‬

‫عنه(‪)663‬؛ وذلك في إطار شراكة بناءة و هادفة تقوم على مخططات تنموية‪ ،‬تخلو من كل‬

‫ازدواج أو اضطراب في الرؤى و األهداف‪.‬‬

‫‪ :7 -‬الرعاية الالحقة الشمولية والتخصصية‬

‫ينبني هذا التصنيف على عنصر املستحقين لبرامج الرعاية الالحقة للمفرج عنهم‪،‬‬

‫بحيث قد تكون في بعض األحيان شمولية وعامة لكافة املفرج عنهم‪ ،‬وقد تكون في أحيان‬

‫أخرى أكثر تخصصا‪.‬‬

‫الرعاية الالحقة الشمولية‪:‬‬ ‫أ‪.‬‬

‫‪(663) -‬‬
‫‪Donat Décisier : les conditions de la réinsertion socioprofessionnelle des détenus en France,‬‬
‫‪avis et rapports du conseil économique et sociale, République Française, 2006, P 40.‬‬

‫‪P 411‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫وهي تلك الرعاية املقدمة إلى كافة املفرج عنهم دون استثناء هذا من جهة‪ ،‬ومن جهة‬

‫أخرى تلك الرعاية شاملة للعناصر الثالث األساسية‪( ،‬التأهيل واإلرشاد‪ ،‬املساعدة املادية‬

‫ثم املراقبة واإلجراءات)(‪.)664‬‬

‫الرعاية الالحقة املتخصصة‪:‬‬ ‫ب‪.‬‬

‫بالنسبة لبعض املفرج عنهم نجدهم محتاجين إلى رعاية الحقة من نوع خاص يطلق‬

‫عليها الرعاية الالحقة ذات التخصص‪ ،‬ذلك أن بعض الجرائم املرتكبة من طرف هؤالء‬

‫تكون نتيجة اضطرابات عقلية ونفسية‪...‬وفي هذا اإلطار فان الرعاية الالحقة ذات‬

‫التخصص ضرورية في مثل هذه الحاالت‪ ،‬حيث إن تتبع عملية التكيف االجتماعي والنفس ي‬

‫يتطلب برنامج ذا طابع خاص(‪.)665‬‬

‫‪ :9 -‬الرعاية الالحقة االختيارية واإلجبارية‬

‫أساس هذا التصنيف مرده إلى نوع اإلفراج الذي حصل عليه السجين‪ ،‬أهو إفراج‬

‫بعد قضاء فترة العقوبة كاملة‪ ،‬أم إفراج سابق ألوانه‪:‬‬

‫الرعاية الالحقة االختيارية‪:‬‬ ‫أ‪.‬‬

‫من املعلوم أن األصل العام في اكتمال التأهيل وإدماج السجناء هو انقضاء فترة‬

‫العقوبة املحكوم عليهم بها‪ ،‬وبالتالي فإن الرعاية الالحقة ما بعد هاته الفترة تتحدد حسب‬

‫(‪ - )664‬محمد خلف‪ ،‬علم العقاب‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪.014‬‬


‫(‪ - )665‬عبد المجيد طاش نيازي‪ :‬برنامج الرعاية الالحقة للمتعافين من اإلدمان‪ ،‬منشدددورات جامعة نايف للدراسدددات األمنية‪،‬‬
‫سنة النشر‪ ،0336 :‬ص ‪ 4‬و ‪.2‬‬

‫‪P 411‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫رغبة املفرج عنه من حيث قبولها أو رفضها‪ ،‬خصوصا التأهيل واإلرشاد واملساعدة املادية‬

‫كعناصر في الرعاية الالحقة(‪.)666‬‬

‫الرعاية الالحقة اإلجبارية‪:‬‬ ‫ب‪.‬‬

‫سلف الذكر أن هناك بعض السجناء يتم اإلفراج عنهم قبل انقضاء فترة العقوبة‪،‬‬

‫خصوصا في حالتي اإلفراج الشرطي‪ ،‬وكذا العفو بنوعيه؛ األمر الذي يفرض تتبع هؤالء‬

‫املفرج عنهم‪ ،‬وبالتالي ال يجب تركهم بمجرد اإلفراج‪ ،‬خصوصا من زاوية املراقبة كعنصر من‬

‫عناصر الرعاية الالحقة والتي يجب أن تكون إلزامية في هذه الحالة(بمعنى أنه إذا قام بعمل‬

‫يخالف القانون أمكن إعادته إلى السجن مرة أخرى‪ ،‬ويطلق عليها أحيانا نظام‪la Parole-‬‬

‫‪-‬البارول)(‪ ،)667‬املعروف في الدول االنجلوساكسونية ونظام – ‪la libération‬‬

‫‪ -conditionnelle‬املعمول به في املغرب تحت اسم اإلفراج الشرطي‪.‬‬

‫‪ -‬املطلب الثاني‪ :‬الرعاية الالحقة في املواثيق والعهود الدولية‬

‫تعد معاملة السجناء بما يليق مع الكرامة اإلنسانية مبدأ رئيسيا‪ ،‬لذلك كان لالهتمام‬

‫الدولي في هذا اإلطار وقع إيجابي في تطور مؤسسة الرعاية الالحقة‪ ،‬وذلك من خالل‬

‫استصداره ملجموعة من املواثيق والعهود الدولية؛ أهمها القواعد النموذجية الدنيا‬

‫ملعاملة السجناء (الفقرة االولى)‪ ،‬ثم التوصيات الصادرة عن املؤتمر الدولي الثاني ملكافحة‬

‫الجريمة ومعاملة املجرمين (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫(‪ - )666‬سمير ناجي‪ ،‬بحوث ودراسات في القانون الجنائي ‪،‬م س ‪ ،‬ص ‪.430‬‬
‫(‪ - )667‬يحيى حسن درويش‪ ،‬الرعاية الالحقة وأثرها في الحد من العود إلى الجريمة‪ ،‬من الرعاية الالحقة للمفرج عنهم بين‬
‫النظرية و التطبيق‪ ،‬جامعة نايف للعلوم األمنية‪ ،‬الرياض‪ ،‬الطبعة األولى‪،‬سنة ‪1431‬ه‪ ،‬ص‪12 :‬‬

‫‪P 412‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪ -‬الفقرة االولى‪ :‬الرعاية الالحقة في القواعد النموذجية الدنيا ملعاملة السجناء‬

‫شكل املؤتمر الدولي األول ملكافحة الجريمة ومعاملة املذنبين املنعقد بجنيف سنة‬

‫‪ ،8322‬أول لقاء دولي يحدد السياسات العمومية في مجال تدبير الجريمة والعقوبة‪ ،‬وقد‬

‫خلص هذا املؤتمر إلى عدد من التوصيات‪ ،‬تم صياغتها في شكل قواعد سميت القواعد‬

‫النموذجية الدنيا ملعاملة السجناء‪ ،‬وقد تناولت هذه األخيرة الرعاية الالحقة في مجموعة‬

‫من قواعدها‪.‬‬

‫ومن هذه املقتضيات ضرورة استحضار مستقبل السجين بعد خروجه من السجن‪،‬‬

‫وترتيب أوضاعه األسرية واالجتماعية خارج السجن(‪.)668‬‬

‫كما تؤكد هاته القواعد على ضرورة تهيئة الظروف املالئمة لتمكين السجين الحدث‬

‫من سرعة التعامل مع املجتمع بعد خروجه من املؤسسة السجنية بشكل سوي من خالل‬

‫تأهيله دراسيا‪ ،‬ويجب أن تكون هذه الدراسة متناسقة مع التعليم خارج السجن(‪.)669‬‬

‫كذلك من املقتضيات التي أقرتها هذه القواعد‪ ،‬نجد القاعدة ‪ 18‬من ق‪.‬ن‪.‬د‪.‬م‪.‬س‪،‬‬

‫والتي أقرت "‪ -8‬على اإلدارات والهيئات الحكومية أو الخاصة‪ ،‬التي تساعد الخارجين من‬

‫السجن على العودة إلى احتالل مكانهم في املجتمع‪ ،‬أن تسعى بقدر اإلمكان لجعلهم يحصلون‬

‫(‪ - )668‬القاعدة ‪ 13‬من ق‪.‬ن‪.‬د‪.‬م‪.‬س‪ ،‬والتي نصدت " يوضع في االعتبار‪ ،‬منذ بداية تنفيذ الحكم‪ ،‬مستقبل السجين بعد إطالق‬
‫سدراحه ‪ ،‬ويشدجع ويسداعد على أن يواصدل أو يقيم‪ ،‬من العالقات مع األشدخاص أو الهيئات خارج السدجن‪ ،‬كل ما من شأنه‬
‫خدمة مصالح أسرته وتيسير إعادة تأهيلها االجتماعي"‪.‬‬
‫(‪ - )669‬القاعدة ‪ 77‬من ق‪.‬ن‪.‬د‪.‬م‪.‬س‪ ،‬والتي نصتتت "‪ -1‬تتخذ إجراءات لمواصتتلة تعليم جميع الستتجناء القادرين على االستتتفادة‬
‫منه‪ ،‬بما في ذلك التعليم الديني في البلدان التي يمكن فيها ذلك‪ .‬ويجب أن يكون تعليم األميين واألحداث إلزاميا‪ ،‬وأن توجه إليه‬
‫اإلدارة عناية خاصة‪.‬‬
‫‪ -0‬يجعل تعليم الستتتتجناء‪ ،‬في حدود المستتتتتطاع عمليا‪ ،‬متناستتتتقا مع نظام التعليم العام في البلد‪ ،‬بحيث يكون في مقدورهم‪ ،‬بعد‬
‫إطالق سراحهم‪ ،‬أن يواصلوا الدراسة دون عناء‪.‬‬

‫‪P 413‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫على الوثائق وأوراق الهوية الضرورية‪ ،‬وعلى املسكن والعمل املناسبين‪ ،‬وعلى ثياب الئقة‬

‫تناسب املناخ والفصل‪ ،‬وأن توفر لهم من املوارد ما يكفي لوصولهم إلى وجهتهم ولتأمين‬

‫أسباب العيش لهم خالل الفترة التي تلي مباشرة إطالق سراحهم‪. "...‬‬

‫وبذلك فإنها أكدت على ضرورة قيام الجهات املشرفة على عمليات الرعاية الالحقة‬

‫للمفرج عنهم بدورها لتمكين املفرج عنه من الحصول على مجموعة من املستلزمات‬

‫الضرورية من سكن وعمل‪ ،‬وأن توفر لهم املوارد الكافية للوصول إلى وجهتهم‪.‬‬

‫‪ -‬الفقرة الثانية ‪ :‬الرعاية الالحقة وفق توصيات املؤتمر الدولي الثاني ملكافحة‬

‫الجريمة ومعاملة املجرمين‪ ،‬ومؤتمر الخبراء العرب‬

‫اهتم املؤتمر الثاني املنعقد بلندن سنة ‪ 8370‬بموضوع الرعاية الالحقة للمفرج عنهم‪،‬‬

‫وقد أصدر هذا املؤتمر ‪ 82‬توصية خصص ‪ 1‬منها للرعاية الالحقة(‪،)670‬حيث أشارت جلها‬

‫إلى ضرورة النظر من جديد من قبل الدولة إلى املقتضيات املتعلقة بعمل املفرج عنه‪،‬‬

‫وحقه في اإلدماج في الوظيفة العمومية‪ .‬كما أنه من املقتضيات التي جاءت بها‪ ،‬تلك املتعلقة‬

‫بالرعاية املتخصصة‪ ،‬حيث أشارت التوصية رقم ‪ 87‬على أنه البد من توجيه رعاية الحقة‬

‫خاصة باملذنبين الشواذ والعجزة وكذا مدمني الخمر واملخدرات‪ ،‬نظرا للوضعية الخاصة‬

‫لهؤالء املجرمين والذين يحتاجون إلى بذل مزيد من الجهد‪ ،‬كما أقرت بضرورة شمول‬

‫الرعاية الالحقة جميع املفرج عنهم بدون استثناء أو إقصاء‪ ،‬على اعتبار أن حاجات املفرج‬

‫عنهم مختلفة‪ ،‬وبالتالي فإن أي مفرج عنه يحتاج إلى رعاية الحقة حسب هاته الحاجات‪،‬‬

‫(‪- )670‬‬
‫احمد عصام الدين المليجي‪ ،‬الرعاية الالحقة للمفرج عنهم من المؤسسات العقابية ‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪.100‬‬

‫‪P 414‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫ثم على الدولة أن تعنى بتنظيم مؤسسات الرعاية الالحقة والسهر على عملها وتنظيمها(‪،)671‬‬

‫وأخيرا فقد أكدت هذه التوصيات على ضرورة االستفادة من وسائل اإلعالم للوصول إلى‬

‫مشاركة املجتمع بكافة عناصره في إجراءات التأهيل االجتماعي للمفرج عنهم(‪.)672‬‬

‫ونود أن نشير إلى أن املبادئ األساسية ملعاملة السجناء تضمنت مادة جوهرية في هذا‬

‫الصدد جاء فيها ‪":‬ينبغي العمل بمشاركة ومعاونة املجتمع املحلي واملؤسسات االجتماعية‬

‫ومع إيالء االعتبار الواجب ملصالح الضحايا‪ ،‬على تهيئة الظروف املواتية إلعادة إدماج‬
‫املمكنة‪)673(".‬‬ ‫السجناء املطلق سراحهم في املجتمع في ظل الظروف‬

‫كما كان للرعاية الالحقة صدى على مستوى مؤتمر خبراء الشئون االجتماعية العرب‬

‫الذي عقد بالقاهرة سنة‪8374‬م‪ ،‬حيث أشارت توصياته إلى مستقبل السجين بعد اإلفراج‬

‫وكفالة أسباب العيش الشريف له إذ إن واجب املجتمع ال ينتهي باإلفراج عنه‪ ،‬ولذلك‬

‫يجب أن تقوم الهيئات و الجمعيات الحكومية والخيرية على مد يد العون واملساعدة‬

‫للمفرج عنه؛ كما أوص ى املؤتمر بتوعية الرأي العام العربي بشتى وسائل اإلعالم بمشكلة‬

‫السجون واملسجونين وأسرهم ومدى فائدة و أهمية الرعاية الالحقة(‪.)674‬‬

‫‪ -‬املبحث الثاني ‪ :‬الرعاية الالحقة من خالل تجارب الدول املقارنة و التجربة‬

‫املغربية‬

‫(‪ - )671‬التوصددية رقم ‪ 1‬من ت‪.‬م‪.‬د‪.‬ث‪.‬م‪.‬ج‪.‬م‪.‬س‪ ،‬على ما يلي‪ ":‬لما كانت الرعاية الالحقة جزء ال يتجزأ من عملية التأهيل‬
‫االجتماعي‪ ،‬لذا ينبغي توفيرها لجميع من يفرج عنهم من السجون ومن واجب الدولة في هذا المجال أن تعنى بتنظيم إدارات‬
‫الرعاية الالحقة وتوفير خدماتها"‪.‬‬
‫(‪ - )672‬عبد هللا بن ناصر السدحان‪ ،‬الرعاية الالحقة في التشريع االسالمي و الجنائي المعاصر ‪ ،‬م س‪ ،‬ص ‪.44‬‬
‫(‪ - )673‬المادة ‪ 13‬من المبادئ االساسية لمعاملة السجناء‬
‫(‪ - )674‬محمد صبحي نجم‪،‬اصول علم االجرام و علم العقاب ‪،‬م س ‪ ،‬م س ‪ ،‬ص‪031 :‬‬

‫‪P 415‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫إن ضمان الفعالية للرعاية الالحقة يمر وجوبا عبر قناة املشرع‪ ،‬الذي يحدد اإلطار‬

‫القانوني إلجراءات الحكم والعقوبة‪ ،‬بحيث ال فعالية وال إجرائية للرعاية الالحقة دون‬

‫تنظيم قانوني مؤطر وموجه لعمل املؤسسات واألفراد‪ ،‬الذين خصهم القانون بتنفيذ‬

‫العقوبة واإلصالح وكذا الرعاية الالحقة‪ ،‬حيث إن املشرع املغربي ال يمكنه أن يتبنى أي‬

‫إجراء أو مقتض ى قانوني‪ ،‬إال باالستئناس بما سارت عليه املعاهدات الدولية‪ ،‬وما سارت‬

‫عليه القوانين املقارنة؛ فإننا سنسلط الضوء على القوانين املقارنة(املطلب االول) ثم‬

‫نتحدث عن التجربة املغربية(املطلب الثاني)‪.‬‬

‫‪ -‬املطلب االول‪ :‬الرعاية الالحقة للمفرج عنهم في القانون املصري الفرنس ي‬

‫اهتم التشريعين املصري والفرنس ي بموضوع الرعاية الالحقة للمفرج عنهم ملا لهذا‬

‫املوضوع من أهمية على مستوى السياسة العقابية‪ ،‬التي هي جزء من السياسة الجنائية؛‬

‫ومدى فاعليتها في مواجهة الجريمة بصفة عامة‪.‬‬

‫‪ -‬الفقرة االولى‪ :‬الرعاية الالحقة للمفرج عنهم في التشريع املصري‬

‫تعد تجربة الجمهورية العربية املصرية متجذرة نسبيا‪ .‬وذلك لكونها انطلقت في نهاية‬

‫األربعينيات؛ بيد أنها رغم كونها تجربة رائدة في العالم العربي ال زالت تتنسم طريقها لحد‬

‫اآلن نحو تطبيق سليم و أفضل‪ .‬ويالحظ جزءا منها له طابع رسمي عام وجزء آخر ذو طابع‬

‫خصوص ي شبه رسمي (‪.)675‬‬

‫(‪ - )675‬محمدد عيداط ‪ ،‬الرعدايدة الالحقدة لتنفيذ العقوبات السدددددددالبة للحرية‪:‬بعض جوانب فلسدددددددفتها وتطبيقاتها‪ ،‬مجلة الملحق‬
‫القضائي‪ ،‬العدد ‪ 01‬يونيه‪ 1006:‬ص‪01 :‬‬

‫‪P 416‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫وعليه فقد أورد املشرع املصري في القانون رقم ‪ 937‬لسنة ‪ 8327‬املتعلق بتنظيم‬

‫السجون مجموعة من النصوص واملقتضيات القانونية التي لها صلة مباشرة بموضوع‬

‫رعاية السجناء املفرج عنهم‪ ،‬حيث أقر لهم مجموعة من الحقوق واملستلزمات الضرورية‬

‫من قبيل امللبس كما نصت على ذلك املادة ‪ )676(28‬من القانون سالف الذكر وعلى ضرورة‬

‫تزويد املؤسسات السجنية للسجين املفرج عنه بملبس وذلك في حالة عدم قدرته الحصول‬

‫عليها‪ ،‬باإلضافة إلى املساعدة املالية‪.‬‬

‫أما على مستوى التوجيه واإلرشاد فقد أقرت املادة ‪ 74‬من الفصل العاشر من قانون‬

‫السجون املصري على ضرورة إعالم وزارة الشؤون االجتماعية من قبل إدارة السجن‪ ،‬في‬

‫إطار اإلعداد لإلفراج عن وقت خروج السجين حتى يتسنى لها تأهيل املفرج عنهم وإعدادهم‬

‫لالندماج في الوسط االجتماعي‪.‬‬

‫أما على مستوى املراقبة واإلجراءات كإحدى عناصر الرعاية الالحقة للمفرج عنهم‬

‫فقد نص املشرع املصري في املادة ‪ 21‬من نفس القانون على ما يلي‪ ":‬يسلم املسجون إلى‬

‫جهة اإلدارة مع أمر اإلفراج لتنفيذه مع تسليمه التذكرة املبين فيها اسمه والعقوبة املحكوم‬

‫بها عليه‪ ...‬ويذكر فيها الشروط التي وضعت لإلفراج عنه‪ ،‬والواجبات املفروضة عليه‪.".....‬‬

‫(‪ - )676‬التي نصددت على ما يلي‪ ":‬إذا لم يكن للمسددجون مالبس أو لم يكن في قدرته الحصددول عليها تصددرف له مالبس طبقا‬
‫لما تقرره الئحة السجون"‪.‬‬

‫‪P 417‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫أما فيما يتعلق باإلجراءات فقد نظم املشرع املصري رد االعتبار‪ ،‬وإمكانية الحصول‬

‫عليه سواء قضائيا‪ ،‬أي بناء على طلب املحكوم عليه(‪ ،)677‬وتتحدد مدته بين ثالث إلى ست‬

‫سنوات حسب نوع الجريمة(‪ ،)678‬أو رد االعتبار بقوة القانون الذي تتراوح مدته ما بين ستة‬

‫واثني عشرة سنة حسب نوع الجريمة(‪.)679‬‬

‫‪ -‬الفقرة الثانية‪ :‬الرعاية الالحقة في القانون الفرنس ي‬

‫أولى القانون الفرنس ي منذ اإلصالح العقابي لسنة ‪8342‬م‪ ،‬الرعاية الالحقة للمفرج‬

‫عنهم ‪،‬عناية بالغة تظهر من خالل تخصيصه حيزا هاما لها في املرسوم التنظيمي لقانون‬

‫املسطرة الجنائية الفرنس ي(‪.)680‬‬

‫ومن جملة املقتضيات التي أقرها هذا املشرع‪ ،‬إحداثه ملصلحة خاصة باإلدماج‬

‫واالختبار كمصلحة تابعة لإلدارة السجنية(‪ ،)681‬وأسند لها مجموعة من االختصاصات‪ ،‬منها‬

‫السهر على استمرار عملية إدماج املفرج عنهم في املجتمع‪ ،‬وتقديم املساعدة املادية‬

‫لألشخاص املسلمين لها من قبل السلطات القضائية (املادة ‪ D544‬من نفس املرسوم)‪.‬‬

‫(‪ - )677‬المادة ‪ 206‬من ق رقم ‪ 123‬لسدنة ‪ 1023‬بإصددار قانون اإلجراءات المصري نصت على أنه ‪ ":‬يجوز رد االعتبار‬
‫إلى كل محكوم عليه في جناية أو جنحة‪ ،‬ويصدر الحكم بذلك في محكمة الجنايات التابع لها محل إقامة المحكوم عليه وذلك‬
‫بناء على طلبه"‪.‬‬
‫(‪ - )678‬المادة ‪ 207‬من نفس القانون ‪ ":‬يجب لرد االعتبار ‪...‬أن يكون قد انقضددى من تاريخ تنفيذ العقوبة ‪ ،‬أو صدددور العفو‬
‫عنها مدة ست سنوات إذا كانت عقوبة جناية أو ثالث سنوات إذا كانت عقوبة جنحة‪."...‬‬
‫(‪ - )679‬أما على المسدتوى الخاص أو شدبه الرسدمي فقد تم إنشداء جمعية للرعاية الالحقة للسجناء في القاهرة سنة ‪ ،1024‬ثم‬
‫ظهرت جمعيات مما ثلة في المحافظات األخرى ابتداء من سنة ‪. 1026‬‬
‫إلى أن تم تكوين سدددنة ‪ 1060‬االتحاد النوعي لجمعيات رعاية السدددجناء ‪.‬ويالحظ على العموم تظافر مكثف للجهود المبدولة‬
‫من طرف هذه الجمعيات واإلدارة للقيام بالمهام الجسدديمة للرعاية الالحقة بالرغم من الصددعوبات التي تعتري عملية التطبيق‬
‫من قلة اطر متطوعة و ضعف تكوينها و نقص في الموارد المالية بالمقارنة مع كثرة المستفيدين ‪.‬‬
‫‪(680) -‬‬
‫‪Code de Procédure Pénale : Partie réglementaire – Décrets N : 2004-1364 ;du 13 décembre‬‬
‫‪2004‬‬
‫(‪ - )681‬نظم المشددددرع الفرنسددددي أحكام هذه المصددددلحة في المواد من ( ‪ D572‬إلى ‪ )D587‬من المرسددددوم التنظيمي لقانون‬
‫المسطرة الجنائية الفرنسي‪.‬‬

‫‪P 418‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫وكذلك من املقتضيات التي أوجبها املشرع الفرنس ي تلك املتعلقة بالتأهيل املنهي‬

‫والتعليمي‪ ،‬وفي هذا اإلطار اقر في املادة ‪ D450‬من املرسوم التنظيمي على أنه من الضروري‬

‫على السجناء أن يكتسبوا وينموا املعارف الالزمة وذلك بغية إدماجهم في املجتمع عند‬

‫اإلفراج(‪ ،)682‬مع منح هؤالء الشواهد املهنية والعلمية التي حصلوا عليها دون اإلشارة إلى‬

‫حالة االعتقال في الشواهد‪ .‬باإلضافة إلى املساعدة املادية للمفرج عنهم لقضاء احتياجاتهم‬

‫الضرورية للعيش وكذا التنقل (املادة ‪ D481‬من نفس املرسوم)(‪ ،)683‬كما يمكن للمفرج‬

‫عنه أن يستفيد من ملبس الئق عند خروجه من املؤسسة السجنية (املادة ‪.)D 487‬‬

‫أما على مستوى املراقبة كإحدى عناصر الرعاية الالحقة فقد نظم املشرع الفرنس ي‬

‫أحكامها بمناسبة تنظيمه لإلفراج الشرطي ويدخل هذا اإلجراء من أجل تسهيل عملية‬

‫إدماج املفرج عنه في املجتمع الحر وكذا الوقاية من العودة إلى الجريمة(‪ ،)684‬كما أن‬

‫الرعاية الالحقة فيه تعد إجبارية ‪ ،‬عكس السجين الذي قض ى فترة عقوبته كاملة فتصبح‬

‫الرعاية في حقه اختيارية‪.‬‬

‫أخيرا و نظرا ملا تكتسيه أهمية الرعاية الالحقة وتداخل املصالح فان توحيد وتنسيق‬

‫الجهود من أجل تحقيق أهدافها من أهم الركائز التي اعتمدها املشرع الفرنس ي خاصة‬

‫‪(682) -‬‬
‫‪Art D450 du CPP ;PR ;DS dispos : « les détenus doivent acquérir ou développer les‬‬
‫‪connaissances qui leur seront nécessaires après leur libération en vue d’une meilleure adaptation‬‬
‫‪sociale.‬‬
‫‪(683) -‬‬
‫‪Art D481 du CPP ;PR ;DS dispos : « Une aide matérielle peut être attribuée aux détenus‬‬
‫‪dépourvus de ressources au moment de leur libération afin de leur permettre de subvenir à leurs‬‬
‫‪besoins pendent le tempe nécessaire pour rejoindre le lieu ou ils ont déclaré se rendre.‬‬
‫‪les mesures et conditions assortissant la libération conditionnelle sont, selon distinctions prévues‬‬
‫‪par le présent chapitre, obligatoires ou particulières. Elles sont destinées à faciliter et vérifier la‬‬
‫‪réinsertion du condamné et à prévenir la récidive.‬‬

‫‪P 411‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫عندما ترك دائما الكلمة الفصل لجهاز القضاء في شخص قاض ي تطبيق العقوبات في كل‬

‫ما يتعلق بالرعاية اإلجبارية(‪.)685‬‬

‫‪ -‬املطلب الثاني‪ :‬تجربة الرعاية الالحقة للمفرج عنهم في القانون املغربي‬

‫لم يفرد املشرع املغربي للرعاية الالحقة للمفرج عنهم إطار قانوني خاص‪ ،‬ال على‬

‫مستوى قانون رقم ‪ 79.31‬املتعلق بتنظيم وتسيير املؤسسات السجنية(‪ ،)686‬وال على مستوى‬

‫مرسومه التنظيمي(‪ ،)687‬إال أن هذا ال يمنع املشرع من التنصيص على مجموعة من‬

‫املقتضيات املتفرقة التي تعبر عن مقومات الرعاية الالحقة وهذا ما سأتناوله في النقط‬

‫املوالية‪:‬‬

‫‪ -‬الفقرة االولى‪ :‬اإلطار القانوني للرعاية الالحقة للمفرج عنهم في املغرب‬

‫أسند املشرع املغربي للرعاية الالحقة مجموعة من املقتضيات الهامة‪ ،‬سواء على‬

‫مستوى التأهيل واملساعدة املادية للمفرج عنهم (‪ ،)8‬أو على مستوى املراقبة واإلجراءات‬

‫كإحدى عناصر الرعاية الالحقة (‪.)7‬‬

‫‪ :8 -‬تنظيم املشرع املغربي للتأهيل واملساعدة املادية‬

‫" ‪(685) -‬‬


‫‪Le juge d’application des peines et le directeur du service pénitentiaire d’insertion et de‬‬
‫‪probation visitent chaque année les divers foyers ou organismes d’hébergement accueillant les‬‬
‫‪personnes visées aux articles D/ 544 et D 574" .‬‬
‫(‪ - )686‬ظهير شدددددريف رقم ‪ 033-00-1‬الصدددددادر في ‪ 10‬جمادى األولى (‪ 02‬أغسدددددطس ‪ )1000‬بتنفيذ قانون رقم ‪00.01‬‬
‫المتعلق بتنظيم وتسييرا لمؤسسات السجنية‪.‬‬
‫(‪- )687‬مرسددددوم رقم ‪ 0.33.412‬صددددادر في ‪ 6‬شددددعبان ‪ 0 ( 1401‬نوفمبر‪ )0333‬تحدد بموجبه كيفية تطبيق القانون رقم‬
‫‪ 00.01‬المتعلق بتنظيم وتسددديير المؤسدددسدددات السدددجنية الصدددادر بتنفيذها للظهير الشدددريف رقم ‪ 1.00.033‬بتاريخ ‪ 10‬من‬
‫جمادى األولى ‪1403‬ه ( ‪ 02‬أغسطس ‪.)1000‬‬

‫‪P 511‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫كما سبق الحديث عنه في الفرع األول عند محاولة تعريف ماهية الرعاية الالحقة‪،‬‬

‫تمت اإلشارة إلى أن التأهيل واملساعدة املادية للمفرج عنهم عنصرين أساسين في الرعاية‬

‫الالحقة‪ ،‬لذلك خصهما املشرع املغربي بالنصوص اآلتية‪:‬‬

‫‪ -‬التأهيل االجتماعي والنفس ي‪:‬‬

‫أسند املشرع هذه املهمة إلى اللجنة اإلقليمية ملراقبة السجون كإحدى أجهزة املراقبة‬

‫السجنية‪ ،‬وذلك من خالل املادة ‪ 770‬من ق م ج(‪ ،)688‬التي تنطلق من داخل السجن وتستمر‬

‫إلى ما بعد اإلفراج عنهم‪ .‬وقد توفق املشرع املغربي في تمديد اختصاص هذه اللجنة إلى ما‬

‫بعد اإلفراج عن السجين‪.‬‬

‫ولعل من بين محاسن هذه اللجنة ما يتعلق بتكوينها والتي أقر بشأنها املشرع إمكانية‬

‫إضافة أعضاء متطوعين من بين الجمعيات أو الشخصيات املعروفة باهتمامها بالسجين‪،‬‬

‫األمر الذي يؤكد رغبة املشرع في تنسيق وتوحيد الجهود ما بين األجهزة الرسمية ومؤسسات‬

‫املجتمع املدني‪ ،‬لكن السؤال هو هل تؤدي هذه اللجنة املهام املوكلة على عاتقها كما هو‬

‫منصوص عليه ؟؛ خاصة وان املهام املوكولة إليها جاءت في ألفاظ عامة ال توضح هذه‬

‫املهام‪.‬‬

‫التأهيل التعليمي واملنهي‪:‬‬ ‫ت‪.‬‬

‫(‪" - )688‬تكلف فيه الوالية أو عمالة أو إقليم لجنة للمراقبة‪ ،‬يناط بها على الخصوص السهر على توفير وسائل الصحة واألمن‬
‫والوقاية من األمراض وعلى نظام تغذية المعتقلين وظروف حياتهم العادية وكذا المسددددداعدة على إعادة تربيتهما ألخالقية‬
‫وإدماجهم اجتماعي او إحاللهم محال الئقا بعد اإلفراج عنهم‪."...‬‬

‫‪P 511‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫لقد نص املشرع على التأهيل التعليمي واملنهي ومن ذلك ما نص عليه في املادة ‪48‬‬

‫من قانون رقم ‪ ،)689( 79.31‬بخصوص التأهيل املنهي للسجناء‪ ،‬حيث أقرت بضرورة مالئمة‬

‫مناهج العمل وتنظيمه ملا هو معمول به خارج املؤسسة السجنية‪ ،‬ونفس الش يء بالنسبة‬

‫للتأهيل التعليمي‪ ،‬حيث أقرت املادة ‪ 887‬من املرسوم التنظيمي للقانون رقم ‪" 79.31‬‬

‫يجب أن تكون برامج التعليم وطرقه مطابقة ملا هو معمول به في التعليم الرسمي"‪ ،‬ونفس‬

‫الش يء أقرته املادة ‪ 883‬من نفس املرسوم(‪ ،)690‬أي ضرورة متابعة التعليم بالنسبة‬

‫للمعتقلين الذين أفرج عنهم قبل استكمال السنة الدراسية‪ ،‬مع الحصول على الشهادة أو‬

‫دبلوم في التخصص الذي درس فيه‪.‬‬

‫ومن جانب آخر حرص املشرع املغربي على ضرورة مالءمة التكوين املنهي للسجناء‬

‫املزمع اإلفراج عنهم ملتطلبات سوق الشغل‪ ،‬وذلك بهدف تيسير إدماجهم مهنيا بعد‬

‫اإلفراج(‪ ،)691‬كما أقر بضرورة إتاحة الفرصة الستكمال التكوين املنهي ملن أفرج عنهم قبل‬

‫انقضاء مدة التكوين داخل السجن(‪.)692‬‬

‫املساعدة املادية للمفرج عنهم‪:‬‬ ‫ث‪.‬‬

‫(‪- )689‬المادة ‪ 41‬من قانون رقم ‪...": 00.01‬يتعين أن يكون تنظيم العمل ومناهجه‪ ،‬مسددددددايرين ما أمكن للمناهج المطبقة‪.‬‬
‫وذلك قصد إعداد المعتقلين التكيف مع الظروف العادية للعمل في الوسط الحر‪.‬‬
‫يسدددددددندد العمل للمعتقل‪ .‬بالنظر إلى قدراته البدنية والفكرية ومؤهالته المهنية والتزاماته العائلية‪ .‬وكذا إلى إمكانية إعادة‬
‫إدماجه‪."...‬‬
‫(‪- )690‬المادة ‪ ": 110‬يمكن للمعتقلين الذين كانوا يتابعون دراسدتهم السجنية وأفرج عنهم قبل انتهاء السنة الدراسية أن يتابعوا‬
‫دراسددتهم وان يجتازوا االمتحانات بمركز رسددمي‪ .‬تقوم اإلدارة بتسددجيلهم‪ ،‬وإال آذت لهم باجتياز االمتحانات داخل المؤسددسددة‬
‫التي كانوا معتقلين بها"‪.‬‬
‫(‪ - )691‬المادة ‪ 100‬من نفس المرسددوم‪...":‬ينص بهذا التكوين على مختلف الحرف وتراعى في ذلك متطلبات سددوق التشددغيل‬
‫لتسهيل إعادة إدماج المعتقلين المفرج عنهم"‪.‬‬
‫(‪ - )692‬يتضح ذلك من خالل المادة ‪ 104‬من نفس المرسوم‪ ":‬يلحق كل معتقل أفرج عنه قبل انتهاء مدة تكوينه بأقرب مركز‬
‫رسددمي للتكوين المهني تابع للوزارة الوصددية وذلك من اجل متابعة هذا التكوين وإال سددمح له بإتمامه في حالة سددراح داخل‬
‫المؤسسة السجنية"‪.‬‬

‫‪P 512‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫تعد املساعدة املادية أول و أهم ش يء يحتاجه‪ ،‬لذلك نص املشرع في هذا الصدد‪ ،‬و‬

‫من خالل املادة ‪ 892‬من املرسوم سالف الذكر على أنه‪ ":‬يتم إخبار املصلحة االجتماعية‬

‫باقتراب موعد اإلفراج ليتأتى لها قدر اإلمكان تزويد املعتقلين املعوزين بلباس مناسب عند‬

‫اإلفراج عنهم وتقديم املساعدة إليهم لضمان وصولهم الى مقر سكناهم‪.‬‬

‫يزود املعتقلون كذلك عند اإلفراج عنهم باألكل الكافي ثالثة أيام على األقل وإذا اقتض ى‬

‫الحال بسند للتنقل املجاني‪."...‬‬

‫وهذا يدل على وعي أكيد بالوضعية الصعبة التي يواجهها السجين فور خروجه‬

‫خصوصا أولئك الذين ال معيل وال أسرة لهم فتبدأ معاناتهم منذ اليوم األول لإلفراج‪ .‬ومن‬

‫مكونات املساعدة املادية للمفرج عنهم كذلك‪ ،‬تلك املتعلقة باملساعدة الطبية‪ ،‬والتي نص‬

‫عليها املشرع في املادة ‪ 893‬من املرسوم التطبيقي‪ ،‬حيث جاء فيها ما يلي‪ ":‬إذا كان من الالزم‬

‫إخضاع معتقل عند اإلفراج عنه ملراقبة طبية وقائية أو إلتمام عالج شرع فيه أثناء االعتقال‬

‫فيجب على املصلحة االجتماعية بتنسيق مع طبيب باملؤسسة ربط االتصاالت الالزمة مع‬

‫الوحدة الصحية القريبة من هذه املؤسسة السجنية"‪.‬‬

‫أما فيما يتعلق بتوفير مكان للسكن املؤقت‪ ،‬فنكاد ال نجد أي مقتض ى يشير إلى إمكانية‬

‫استفادة املفرج عنه منه‪ ،‬اللهم ما يتعلق بإمكانية تقدم املفرج عنهم املعوزين ماديا بطلب‬

‫تأجيل االفراج‪ ،‬إذا صادف وقت خروجهم من املؤسسة ساعة متأخرة من الليل(‪ ،)693‬إال‬

‫(‪ - )693‬المادة ‪ 101‬من المرسدددوم التطبيقي‪ ":‬يمكن للمعتقل المعوز الذي انتهت عقوبته في سددداعة متأخرة من الليل أن يتقدم‬
‫بطلب صريح وموقع من طرفه لتأجيل اإلفراج عنه إلى الصباح الموالي إذا لم يكن متيقنا من وجود وسيلة نقل فورية‪.‬‬
‫ال يمكن في هذه الحالة المبيت داخل المعتقل "‪.‬‬

‫‪P 513‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫أن ذلك ال يكفي بطبيعة الحال‪ ،‬على اعتبار أنه ال يحصن املفرج عنهم الذين هم في حاجة‬

‫ماسة لالستقرار املؤقت‪ ،‬خصوصا في الحالة التي يواجهون فيها برفض من قبل األسرة‪.‬‬

‫وبالنسبة لإلدماج املنهي‪ ،‬فقد منح املشرع للجنة املراقبة اإلقليمية ملراقبة السجون‬

‫اختصاص املساعدة على إدماج السجناء املفرج عنهم في املادة ‪ 770‬من ق‪.‬م‪.‬ج سالفة‬

‫الذكر‪ ،‬ومن بين مرتكزات هذا االختصاص‪ ،‬ما يتعلق باملساعدة على إدماج السجناء مهنيا‪.‬‬

‫‪ :7 -‬املراقبة واإلجراءات في تسهيل عملية إعادة اإلدماج‬

‫أ‪ -‬املراقبة‪:‬‬

‫تعتبر املراقبة إحدى املرتكزات األساسية في الرعاية الالحقة‪ ،‬واملقصود تلك التي‬

‫تطال املفرج عنهم قبل اكتمال فترة العقوبة‪ ،‬فيما يخص اإلفراج الشرطي والعفو‪ ،‬حيث‬

‫إن املشرع نص على مجموعة من الشروط ليس من السهل تحققها‪ ،‬والتي يمكن إجمالها‬

‫في ضرورة تحلي السجين بسلوك حسن داخل املؤسسة السجنية‪ ،‬كشرط أساس ي‬

‫وجوهري(‪ ،)694‬ثم ضرورة توفر السجين الراغب في االستفادة من اإلفراج الشرطي‪ ،‬على ما‬

‫يثبت توفره على وسائل وإمكانيات العيش القار(‪ ،)695‬وهو ما يصعب تحققه في الغالب‬

‫للمفرج عنه الذي يواجه برفض املجتمع‪ ،‬ومنع املشرع صراحة إمكانية حصوله على‬

‫(‪ - )694‬المدادة ‪ 00‬من م‪.‬ت ‪ ":‬يمكن أن يترتدب عن حسدددددددن سددددددديرة المعتقلين اقتراحهم لتغيير نظدام اعتقالهم أو ترحيلهم أو‬
‫ترشيحهم لالستفادة من العفو أو اإلفراج بشروط أو لمنحهم رخص الخروج االستثنائية ‪.‬‬
‫(‪ - )695‬المادة ‪ 126‬من م‪.‬ت‪ ":‬ترسل هذه الملفات إلى مدير إدارة السجون وإعادة اإلدماج لتتميمها‪:‬‬
‫بشدهادة تثبت بأن المعني باألمر يملك وسدائل شدخصدية للعيش أو مهنة ذات دخل قار‪ ،‬وإذا تعذر ذلك بشهادة إيواء أو شهادة‬
‫من مشغل يلتزم فيها بتشغيل المعتقل بمجرد اإلفراج عنه وإال سيرفض الطلب ‪.‬‬

‫‪P 514‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫مما يعمق من أزمته ؛ هذا و باإلضافة إلى أنه في حال اإلخالل‬ ‫العمومية(‪)696‬‬ ‫الوظيفة‬

‫بشروط اإلفراج الشرطي‪ ،‬فإنه و من املؤكد سيتم إرجاعه إلى فضاء السجن أو الى مركز‬

‫االصالح والتهذيب‪.‬‬

‫أما فيما يخص األجهزة املكلفة باملراقبة‪ ،‬فإن املشرع في معرض حديثه عن توجيه‬

‫نسخ من قرار اإلفراج الشرطي‪ ،‬أقر بضرورة توجيه نسخة منه إلى وكيل امللك وإلى والي أو‬

‫عامل اإلقليم الذي يتعين على املفرج عنه أن يجعل محل إقامته فيه‪ ،‬وتشعر السلطات‬

‫املذكورة مصالح الدرك امللكي واألمن الوطني بقرار اإلفراج وتأمرهم بموافاتها بأية معلومات‬

‫عن سوء سلوك املفرج عنه أو مخالفته لشروط اإلفراج املحددة في القرار(‪.)697‬‬

‫‪ -‬ب ‪ -‬اإلجراءات‪:‬‬

‫ويقصد بها اإلجراءات القانونية التي تيسر إعادة إدماج املفرج عنه في الوسط الحر‪،‬‬

‫كإجراء رد االعتبار‪ ،‬وصحيفة السوابق العدلية‪ ،‬ثم منح الشواهد العلمية واملهنية‪ .‬ورد‬

‫االعتبار في التشريع املغربي على نوعين(‪: )698‬‬

‫(‪ - )696‬يحدد الفصدددل ‪ 01‬من الظهير الشدددريف رقم ‪ 331/21/1‬الصدددادر بتاريخ ‪ 04‬فبراير ‪ 1021‬ومختلف التعديالت التي‬
‫أدخلت عليه إلى حدود ‪ 0336‬من بين شروط ولوج الوظيفة العمومية‪ :‬أن يكون متمتعا بالحقوق الوطنية وذا مروءة‪.‬‬
‫وقد فصل منشور الوظيفة العمومية رقم ‪ 1‬الصادر بتاريخ ‪2‬فبراير ‪ 1071‬مفهوم المروءة الوارد في الظهير الشريف أعاله‬
‫بأنه يسدددتلزم على األقل غياب إدانة جنائية جدية‪ ،‬و يسدددير الفصدددل ‪ 60‬من القانون الجنائي المغربي في نفس االتجاه إذ يؤكد‬
‫على أن التجريدد من الحقوق الوطنيدة يؤدي إلى عزل المحكوم عليده و طرده من جميع الوظدائف العمومية وكل الخدمات و‬
‫األعمدددال العدددامدددة‪ http://benhamza.arabblogs.com/archive/2007/2/155138.html.‬تمدددت مشددددددددداهددددتددده في‬
‫‪ 0301/36/04‬على الساعة ‪21H: 33:‬‬
‫(‪ - )697‬المدادة ‪ 601‬من ق‪.‬م‪.‬ج‪... ":‬توجه نسدددددددخة من قرار اإلفراج إلى وكيل الملك وإلى والي أو عامال إلقليم الذي يتعين‬
‫على المفرج عنه أن يجعل فيه محل إقامته‪ .‬وتشددددعر السددددلطات المذكورة رجال الدرك الملكي ومصددددالح الشددددرطة بالقرار‬
‫وتأمرهم بموافاتها‪ ،‬إن اقتضدددى الحال‪ ،‬بأية معلومات عن سدددوء سددديرة المفرج عنه أو مخالفته لشدددروط اإلفراج المحددة في‬
‫القرار‪."...‬‬
‫(‪ - )698‬المدادة ‪ 617‬من ق‪.‬م‪.‬ج تنص في فقرتهدا الثدالثدة على مدا يلي‪ ...":‬يرد االعتبدار إمدا بقوة القانون أو بقرار تصددددددددره‬
‫الغرفة الجنحية بمحكمة االستئناف"‪.‬‬

‫‪P 515‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫رد االعتبار القضائي‪ :‬وهو الذي حدد أحكامه في املواد ‪ 730‬إلى ‪ 209‬من ق‪.‬م‪.‬ج‪ ،‬حيث‬

‫أقر أنه من حق كل شخص صدر بشأنه حكم من إحدى املحاكم الزجرية من أجل جناية‬

‫أو جنحة أن يطلب رد اعتباره قضائيا(‪ ،)699‬وذلك من خالل طلب يقدم إلى وكيل امللك‬

‫بمحل إقامته(‪ ،)700‬على أن يقوم هذا األخير بتيهئ ملف يدرج فيه شهادات من الوالي أو عامل‬

‫اإلقليم(‪ ،)701‬ليتم بعد ذلك إحالة امللف على محكمة االستئناف لتبت فيه داخل أجل‬

‫شهرين(‪.)702‬‬

‫ونظرا لكون إجراءات رد االعتبار تعتبر إلى حد ما تعجيزية‪ ،‬حيث تطول مدة النظر في‬

‫هذا الطلب باإلضافة إلى اإلجراءات البيروقراطية التي تزيد األمر تعقيدا يبقى من الصعب‬

‫إمكانية استفادة السجين من هذا الحق‪.‬‬

‫أما رد االعتبار القانوني والذي يكتسب بقوة القانون دون حاجة إلى تقديم طلب من‬

‫املحكوم عليه‪ ،‬وقد نظم املشرع أحكامه في املادتين ‪ 711‬و ‪ 713‬من ق‪.‬م‪.‬ج‪ ،‬ويمكن إجمال‬

‫الشروط املوجبة له في ضرورة صدور حكم قضائي باإلدانة من املحاكم الزجرية من أجل‬

‫أفعال تشكل جناية أو جنحة‪ ،‬ثم كذلك تنفيذ العقوبة املحكوم بها على الشخص املدان‬

‫أو تقادمها‪ ،‬كذلك فيما يخص اآلجال الواجب توافرها الستفادة املفرج عنه من رد االعتبار‬

‫القانوني‪ ،‬فقد جعلها حسب نوع الجريمة من حيث كونها جناية أو جنحة(‪.)703‬‬

‫(‪ - )699‬الفقرة األولى من المادة ‪ 617‬من ق‪.‬م‪.‬ج‪.‬‬


‫(‪ - )700‬المادة ‪ 606‬من ق‪.‬م‪.‬ج‪ ":‬يقدم المحكوم عليه طلبا برد االعتبار لوكيل الملك بمحل إقامته الحالي‪."...‬‬
‫(‪ - )701‬المادة ‪ 607‬من ق‪.‬م‪.‬ج‪ ":‬يطلب وكيل الملك شدددهادات من والة أو عماال ألقاليم أو العماالت أو المفوضدددين من قبلهم‬
‫باألماكن التي أقام بها المحكوم عليه‪."...‬‬
‫(‪ - )702‬المادة ‪ 733‬من ق‪.‬م‪.‬ج‪ ":‬تبت الغرفة داخ ل شدددددهرين بناء على مسدددددتنتجات الوكيل العام للملك وبعد االسدددددتماع إلى‬
‫الطرف الذي يعنيه األمر أو إلى محاميه أو بعد استدعائهما بصفة قانونية"‪.‬‬
‫(‪ - )703‬المادة ‪ 611‬من ق‪.‬م‪.‬ج‪.‬‬

‫‪P 516‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫وبالنسبة لصحيفة السوابق القضائية فقد استجاب املشرع فيها للتوجه الفقهي‬

‫الحديث‪ ،‬الذي أقر بإسقاط العقوبات البسيطة املحكوم بها على املدانين وهذا ما يتضح‬

‫من خالل املادة ‪ 721‬من ق‪.‬م‪.‬ج‪ ،‬والتي أقرت إدراج املقررات الصادرة من أجل جناية أو‬

‫جنحة في البطاقة رقم ‪ 8‬من السجل العدلي دون املخالفات‪ ،‬مع تخويل إمكانية االطالع‬

‫عليها من قبل السلطات العمومية دون األشخاص(‪)704‬؛ بالرغم من أنها تبقى دائما وصمة‬

‫في تاريخ السجين تالحقه أينما حل و ارتحل باحثا في سوق الشغل ليواجه بالرفض حينما‬

‫ال يستطيع اإلدالء بها نظرا ملا تحتويه من ماضيه في السوابق القضائية‪.‬‬

‫وبالنسبة للشواهد العلمية واملهنية‪ ،‬نجد أن املشرع من خالل املادة ‪ 878‬من املرسوم‬

‫التنظيمي للقانون رقم ‪ 79.31‬نص على أنه ال يجب أن يشار لحالة االعتقال للشواهد‬

‫والديبلومات املمنوحة لهم‪ ،‬وأن تكون هذه الشواهد غير مختلفة عن نظيرتها في التعليم‬

‫والتكوين الرسميين‪.‬‬

‫‪ -‬الفقرة الثانية‪ :‬صور وأهداف الرعاية الالحقة لألحداث‬

‫لقد سعى املشرع املغربي من خالل الرعاية الالحقة للحدث من خالل عدة صور(‪)8‬‬

‫لتحقيق غايات وأهداف(‪ )7‬الهدف منها تهذيب سلوك الحدث الجانح بعد االفراج عنه‪.‬‬

‫(‪ - )704‬المادة ‪ 662‬من ق‪.‬م‪.‬ج‪ ":‬تعتبر البطاقة رقم ‪ 0‬نسخة للنص الكامل لمختلف البطائق رقم ‪ 1‬المتعلقة بشخص واحد‪.‬‬
‫تسلم هذه البطاقة للجهات اآلتية‪:‬‬
‫‪-‬أعضاء النيابة العامة وقضاة التحقيق والقضاة والمدير العام لألمن الوطني؛‬
‫‪-‬رؤساء المحاكم التجارية بقصد إضافتها إلى إجراءات التصفية القضائية؛‬
‫‪-‬السلطات العسكرية ‪،‬فيما يخص الشبان الذين يرغبون في التجنيد بالقوات المسلحة الملكية؛‬
‫‪-‬المصلحة المكلفة بالحرية المحروسة ‪،‬فيما يخص األحداث الموضوعين تحت مراقبتها؛ ‪-‬اإلدارات العمومية للدولة‬
‫المعروضة عليها إما طلبات التوظيف في وظائف عمومية أو اقتراحات لمنح شارات فخرية أو التزامات تخص سمسرة بعض‬
‫األشغال أو سمسرة صفقات عمومية أو قصد القيام بمتابعات تأديبية أو لفتح مؤسسة للتعليم الخاص؛‬
‫‪ -‬السلطات المختصة بإعداد اللوائح االنتخابية أو للفصل في المنازعات الخاصة بممارسة حق من الحقوق االنتخابية‪."...‬‬

‫‪P 517‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪ )8‬صور الرعاية الالحقة‬

‫إن الرعاية الالحقة تعتبر من بين وسائل التنمية الطبيعية لجهود إعادة التأهيل‬

‫والتهذيب‪ ،‬فهي تعنى باألحداث الذين غادروا مراكز حماية الطفولة ‪ ،‬بعد انتهاء مدة‬

‫إقامتهم‪ ،‬والذين يحتاجون إلى مساعدات تربوية و اجتماعية إلدماجهم في وسطهم األسري‬

‫واالجتماعي ‪ .‬فهي تؤدي دوران األول هو تكميلي والثاني هو صيانة الجهود كي ال تفسدها‬

‫العوامل االجتماعية (‪. )705‬‬

‫و قد بدأت الرعاية الالحقة تتخذ صورة مساعدات فردية يعود الفضل فيها لجهود‬

‫بعض محبي الخير واإلنسانية الذين حاولوا تخفيف شقاء تلك الطائفة من مواطنيهم كعمل‬

‫من أعمال البر و اإلحسان‪ ،‬ثم تطورت الرعاية الالحقة تدريجيا لتأخذ بها بعض الدول في‬

‫تشريعاتها‪ ،‬بعد أن أكدت العديد من املواثيق الدولية و العربية على ضرورة األخذ بها‬

‫كوسيلة عملية لحماية املجتمع عن طريق توجيه و إرشاد و مساعدة املفرج عنه لسد‬

‫احتياجاته و معاونته على االستقرار في حياته و االندماج و التكييف مع مجتمعه (‪. )706‬‬

‫وتتخذ الرعاية الالحقة عدة صور ملساعدة الحدث املفرج عنه للتكيف مع سلوكه‬

‫الخاص ورضاه عن واقعه الجديد ‪ ،‬ثم اتفاق قيمه مع قيم الجماعة واملجتمع و العثور‬

‫على مكان يأويه و يبعده عن عوامل و مسببات الجنوح ‪ ،‬و إال أصبحنا أمام جدث مفرج‬

‫عنه في وضعية صعبة طبقا ملقتضيات املادة ‪ 289‬من ق م ج ‪ ،‬و بالتالي إمكانية إخضاعه‬

‫(‪ - )705‬سعيد بنماد ‪،‬العدالة الجنائية لألحداث ‪ ،‬بحث لنيل الماستر في القانون الخاص ‪ ،‬كلية العلوم القانونية و االقتصادية و‬
‫االجتماعية جامعة القاضي عياض مراكش السنة الجامعية ‪ ، 0312/0314‬ص‪. 161:‬‬
‫(‪ - )706‬براء منذر عبد اللطيف السياسة الجنائية في قانون رعاية األحداث ‪،‬م س‪ ،‬ص‪. 006:‬‬

‫‪P 518‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫من جديد ألحدث تدابير الحراسة املؤقتة لتذهب كل جهود اإلدماج سدى ‪ ،‬إذ يظل طيف‬

‫الجريمة يصطحبه في كل وقت وحين (‪ ،)707‬فهي تتمثل في صورتين أساسيتين هما‬

‫املساعدات املالية واملساعدات املعنوية‪ ،‬فاملساعدة املادية تتطلب إمداد املفرج عنه بمأوى‬

‫مؤقت ومالبس الئقة وأوراق إثبات شخصية ‪ ،‬و مبلغ من النقود يفي باحتياجاته العاجلة‬

‫والحصول على عمل (‪)708‬حتما إن إعانة الحدث ماليا بعد خروجه من املؤسسة العقابية‬

‫أو اإلصالحية كمقابل لبعض الخدمات التي كان يقدمها خالل مدة إيداعه أو بدونها ‪ ،‬قد‬

‫يسهل له تدبير حاجياته األولى بعد اإلفراج عنه إلى حين عثوره على عمل دائم أو إيوائه من‬

‫طرف أسرته أو جمعية أو مركز مؤهل الستقبال أحداث بدون مأوى أو معيل قصد تأهيله‬

‫ماديا ومعنويا و االطمئنان على قدرته في تدبير شؤونه اليومية (‪ . )709‬فيرى البعض ضرورة‬

‫إنشاء أماكن و مراكز استقبال املفرج عنهم حديثا بالقرب من املؤسسات العقابية ‪ ،‬حيث‬

‫يتم إيواؤهم إلى حين إيجاد لهم مكان لالستقرار أو قبولهم من طرف أسرهم (‪.)710‬‬

‫و لنجاح نظام الرعاية الالحقة البد من وضع إطار قانوني ينظم شراكة بين األجهزة‬

‫الوصية على املؤسسات التهذيبية و اإلصالحية و كذا القطاعات املشغلة الحتضان األحداث‬

‫املفرج عنهم ‪ ،‬و هي أهم خطوة لتحقيق االندماج الكامل في املجتمع‪ ،‬فبعد مغادرة مراكز‬

‫(‪ - )707‬محمد العمري حماية المصدددلحة الفضدددلى للحدث في التشدددريع الجنائي المغربي‪ ،‬اطروحة لنيل شدددهادة الدكتوراه في‬
‫القانون الخاص كلية العلوم القانونية و االقتصدددددددادية و االجتماعية جامعة سددددددديدي محمد بن عبد هللا فاس السدددددددنة الجامعية‬
‫‪ ، 0312/0314‬ص‪. 436:‬‬
‫(‪ - )708‬المادة ‪ 1/11‬من القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء و قد جاء فيها ‪ " ،‬يجب على اإلدارات و الهيئات الحكومية‬
‫أو الخاصة ‪ ،‬التي تساعد الخارجين من السجن على العودة إلى احتالل مكانهم في المجتمع ‪ ،‬أن تسعى بقدر اإلمكان لجعلهم‬
‫يحصددلون على الوثائق و األوراق الهوية الضددرورية و على المسددكن و العمل المناسددب و على ثياب الئقة تناسددب المناخ و‬
‫الفصدل و أن توف ر لهم من الموارد ما يكفي لوصدولهم إلى وجهتهم و لتأمين أسباب العيش لهم خالل الفترة التي تلي مباشرة‬
‫إطالق سراحهم ‪.‬‬
‫(‪ - )709‬محمد العمري حماية المصلحة الفضلى للحدث في التشريع الجنائي المغربي ‪،‬م س‪ ،‬ص‪. 437:‬‬
‫(‪ - )710‬فوزية عبد الستار مبادئ علم اإلجرام و علم العقاب دار النهضة الطبعة الخامسة بيروت ‪ 1012‬ص ‪.443- 401‬‬

‫‪P 511‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫حماية الطفولة أو مراكز اإلصالح و التهذيب يجب استقبال األحداث و عدم التخلي‬

‫عنهم(‪.)711‬‬

‫فال يكفي إمداد الحدث شهادة تكوين دون إكمال حلقة التأهيل لسوق العمل ‪،‬‬

‫خصوصا بالنسبة لألحداث املشرفين على سن الرشد الجنائي (‪ .)712‬بينما تأتي أهمية توفير‬

‫العمل الشريف للمفرج عنه في أنه السبيل إلى شغل الوقت في نشاط ذي قيمة اجتماعية‬

‫إيجابية وباإلضافة إلى ذلك‪ ،‬فإنه الوسيلة إلى انتظام مورد للعيش ومن هاتين الوجهتين‬

‫يكفل العمل الشريف ابتعاد املفرج عنه عن طريق الجريمة(‪.)713‬‬

‫هذا عن املساعدة املادية أما املساعدة املعنوية‪ ،‬فهي اإلعانات واملساعدات املعنوية‬

‫وتكون عن طريق العمل بكل الوسائل على تغيير نظرة املجتمع إلى املحكوم عليه هذا‬

‫املجتمع الذي ينفر منه ويحاول االبتعاد عنه بصورة تجعله في عزلة اجتماعية مما يعرقل‬

‫خطوات تأهيله و إعادة تكيفه بل و مساعدته شخصيا على التحقيق من رد الفعل النفس ي‬

‫لديه نتيجة هذا الشعور االجتماعي املعادي له و كذلك العمل على إعادة عالقاته األسرية‬

‫واالجتماعية األخرى و هو ما تقوم به كان مساعدة املفرج عنهم حديثا (‪.)714‬‬

‫(‪ - )711‬نوال بلبل عدالة األحداث بين التشددريع المغربي و االتفاقيات الدولية و رهان اإلصدددالح‪ ،‬بحث لنيل شددهادة الماسدددتر‬
‫كلية العلوم القانونية و االقتصددددادية و االجتماعية اكدال جامعة محمد الخامس الرباط السددددنة الجامعية ‪ ،0311/0317‬م س‪،‬‬
‫ص‪. 16-12:‬‬
‫(‪ - )712‬محمد العمري حماية المصلحة الفضلى للحدث في التشريع الجنائي المغربي‪ ،‬م س‪ ،‬ص‪.437:‬‬
‫(‪ - )713‬البختي عبد السددددالم الحكم بوقف تنفيد العقوبة و اعادة ادماج المنحرفين في القانون الجنائي ‪ ،‬اطروحة لنيل شددددهادة‬
‫الدكتوراه في القانون الخاص كلية العلوم القانونية و االقتصدددددادية و االجتماعية جامعة عبد المالك السدددددعدي طنجة ‪،‬السدددددنة‬
‫الجامعية ‪ ،0311/0317‬ص‪. 040:‬‬
‫(‪ -- )714‬البختي عبد السالم ‪ ،‬الحكم بوقف تنفيد العقوبة و اعادة ادماج المنحرفين في القانون الجنائي ‪ ،‬م س ‪ ،‬ص ‪. 023‬‬

‫‪P 511‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫واالبتعاد عن الحياة املادية أثناء مدة إيداعه تخلق له مشاكل نفسية مما يولد له‬

‫شعور بأن املجتمع ينفر منه و يبتعد عنه و يخشاه‪ ،‬فإذا لم يجد من يهتم بأمره ويساعده‬

‫على التغلب على تلك الحالة النفسية بالتشجيع والتوجيه والرعاية‪ ،‬فقد يترتب على ذلك‬

‫تحطيم إرادته وشعوره بحقارة ‪ ،‬وخوفه من االتصال بأفراد املجتمع و رعبه من مواجهة‬

‫املستقبل في عالم ال يلقى فيه نفسه و ال يأتمن له‪ ،‬لذلك من األفضل األخذ بالعناصر التي‬

‫تقول بوجوب مساعدة الحدث املفرج عنه و رعايته و بذل العون له حتى يندمج في املجتمع‬

‫و يصبح عضوا صالحا من أعضائه (‪. )715‬‬

‫وقد قام املشرع املغربي بوضع النصوص التي تتعلق بالرعاية الالحقة و يتجلى ذلك‬

‫من خالل املرسوم التطبيقي للقانون املنظم للسجون ‪ 79-31‬فمثال تنص املادة ‪ 892‬منه‬

‫على أنه يتم إخبار املصلحة االجتماعية باقتراب موعد اإلفراج ‪ ،‬ليتأتى لها قدر اإلمكان‬

‫تزويد املعتقلين املعوزين بلباس مناسب عند اإلفراج عنهم ‪ ،‬و تقديم املساعدة إليهم‬

‫لضمان وصولهم إلى مقر سكناهم و يزود املعتقلون كذلك عند اإلفراج عنهم باألكل الكافي‬

‫لثالثة أيام على األقل و إذا اقتض ى الحال سند التنقل املجاني‪ ،‬كما تتجلى مظاهر الرعاية‬

‫الالحقة من خالل نص املادة ‪ 893‬من نفس املرسوم ‪ ،‬حينما أكد على ضرورة تتبع حالة‬

‫املفرج عنه إذا كانت حالته الصحية تستدعي مراقبة طبية وقائية إذا تم عالج شرع فيه‬

‫أثناء االعتقال (‪.)716‬‬

‫(‪ - )715‬إبراهيم شددريف عبد العزيز‪ ،‬الرعاية الالحقة لألحداث الجانحين في التجارب الدولية سددلسددلة الدراسددات االجتماعية‬
‫والعمالية العدد ‪ 00‬الطبعة األولى أبريل ‪ 0312‬ص ‪. 61‬‬
‫(‪ - )716‬بهية السدددقاط ‪ ،‬حقوق الطفل في القانون الجنائي المغربي الحماية و الضدددمانات ‪ ،‬رسدددالة لنيل شدددهادة الماسدددتر في‬
‫القدانون الخداص ‪ ،‬كليدة العلوم القدانونية و االقتصدددددددادية و االجتماعية اكدال جامعة محمد الخامس الرباط السدددددددنة الجامعية‬
‫‪ ، 0311/0317‬ص‪. 132:‬‬

‫‪P 511‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪ : 7‬أهداف الرعاية الالحقة‬

‫تتمثل أهداف برامج الرعاية الالحقة في مساعدة األحداث املفرج عنهم على مواجهة‬

‫الصعوبات التي تعيق تكيفهم مع املجتمع و مع األسرة و كذلك مساعدتهم على بناء عالقات‬

‫اجتماعية سوية تساعدهم على النضج و تنمي إرادتهم و تقوى عزيمتهم للتكيف مع الظروف‬

‫االجتماعية و البيئة التي يعيشون فيها (‪. )717‬‬

‫والرعاية الالحقة هي السبيل الوحيد الجتناب ظاهرة العود و ذلك بتحقيق أفضل‬

‫معايشة ممكنة للحدث مع بيئته االجتماعية ‪ ،‬هذه املعايشة التي تتطلب إطالق قدرات‬

‫الحدث اإليجابية ملواجهة ردود األفعال الناجمة عن عودته إلى بيئته الطبيعية بعد فترة‬

‫من العزلة االجتماعية التامة أو النسبية إلى جانب اإلعداد املناسب لذلك ‪ ،‬فالرعاية‬

‫الالحقة يتركز هدفها حول تحقيق املمكن في واقعية دون مبالغة أو خيال (‪ . )718‬و لتهيئة‬

‫الحدث على االندماج في املجتمع يجب تأمين جميع املستلزمات التي تؤمن سرعة انسجام‬

‫الحدث مع األسرة و املحيط االجتماعي و ذلك عن طريق ‪:‬‬

‫‪ ‬تعليم األحداث أنماط من السلوك املقبول اجتماعيا و اكتساب خبرات‬

‫تساعدهم على تحمل ظروف الحياة ‪.‬‬

‫‪ ‬تدريبهم على االعتماد على النفس و الثقة بالذات ‪.‬‬

‫(‪ - )717‬وفاء مطيع ‪ ،‬عدالة االحداث الجانحين بين الرعاية النفسدددددية و االجتماعية و العقوبات الزجرية " دراسدددددة تحليلية"‬
‫اطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون الخاص كلية العلوم القانونية و االقتصادية و االجتماعية جامعة عبد الملك السعدي‬
‫طنجة ‪،‬السنة الجامعية ‪ ، 0311/0317‬ص‪. 027:‬‬
‫(‪ - )718‬عادل الزاوي الرعاية الالحقة للحدث الجانح دراسة ميدانية بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا المتخصصة في القانون‬
‫الخداص كليدة العل وم القدانونيدة واالقتصددددددداديدة و االجتمداعيدة جدامعدة سددددددديددي محمدد بن عبدد هللا فاس ‪ ،‬الموسدددددددم الجامعي‬
‫‪ 0330/0331‬ص ‪. 16‬‬

‫‪P 512‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪ ‬تدعيم السلوك اإليجابي و الخبرات التي اكتسبوها خالل برامج الرعاية‬

‫والتأهيل باملركز ‪ ،‬و مساعدتهم على وضعها موضع التطبيق في حياتهم‬

‫االجتماعية ‪.‬‬

‫‪ ‬العمل على تكييف سلوك األحداث ليتوافق مع النظم و املعايير‬

‫االجتماعية و القانونية (‪.)719‬‬

‫و بالتالي فالهدف األول و األخير للرعاية الالحقة هو إعادة التأهيل االجتماعي للمفرج‬

‫عنه لحماية املجتمع ‪ ،‬ولذلك ينبغي قيام هيئات حكومية و خاصة قادرة على مد الحدث‬

‫املفرج عنه برعاية الحقة فعالة تهدف إلى تقليل التحامل عليه و إلى تأهيله االجتماعي (‪.)720‬‬

‫‪ -‬الفقرة الثالثة‪ :‬دور مؤسسة محمد السادس إلعادة إدماج السجناء في‬

‫الرعاية الالحقة لألحداث‬

‫إذا كان املشرع املغربي قد أقر للرعاية الالحقة للمفرج عنهم مجموعة من املقتضيات‬

‫العامة‪ ،‬فإنه من جهة أخرى خلف قصورا على مستوى اإلطار التشريعي‪ ،‬كما سبق ورأينا‬

‫والذي يتجلى باألساس في غياب إطار محكم وخاص لها على مستوى القانون رقم ‪79.31‬؛‬

‫لذلك تم إحداث وبالضبط منذ تاريخ ‪ 82‬يناير ‪ 7007‬مؤسسة محمد السادس إلعادة إدماج‬

‫السجناء؛ حيث أعلن عنها رسميا جاللة امللك محمد السادس بعد قيامه بزيارات عديدة‬

‫تأكد له من خاللها تردي أوضاع السجناء ووعيا منه بضرورة نهج سياسة عقابية تتماش ى‬

‫(‪- )719‬‬
‫و فاء مطيع‪ ،‬عدالة االحداث الجانحين بين الرعاية النفسية و االجتماعية و العقوبات الزجرية ‪ ،‬م س‪ ،‬ص‪. 021:‬‬
‫(‪- )720‬‬
‫إبراهيم شريف عبد العزيز‪ ،‬الرعاية الالحقة لألحداث الجانحين في التجارب الدولية ‪،‬م س‪ ،‬ص‪. 66:‬‬

‫‪P 513‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫واملعايير الدولية؛ كما زاد جاللته في التأكيد على حقوق السجناء في الحياة الكريمة في‬

‫خطابه بمناسبة افتتاح السنة القضائية ‪ 73‬يناير ‪ ... ":7009‬وان ما نوليه من رعاية شاملة‬

‫للبعد االجتماعي في مجال العدالة ال يستكمل إال بما نوفره من الكرامة اإلنسانية‬

‫للمواطنين السجناء التي ال تجردهم منها األحكام القضائية السالبة للحرية‪.‬‬

‫ولقد تأثرنا بالغ التأثر ملا وقع في بعض السجون من حوادث مؤملة‪ ،‬لذلك و بمؤازرة‬

‫مع اإلصالح املتقدم الذي شمل قانون السجون‪ ،‬و برنامج العمل الطموح الذي نسهر على‬
‫السجنية‪)721(."...‬‬ ‫أن تنهض به مؤسسة محمد السادس إلعادة إدماج نزالء املؤسسات‬

‫ومن تم فمن بين املهام التي أوكلت لهذه املؤسسة باعتبارها جمعية حائزة على صفة‬

‫املنفعة العامة(‪ ،)722‬عملية إعادة إدماج السجناء في الوسط الحر من خالل إحداث مراكز‬

‫الرعاية الالحقة‪ -les centres d’accompagnements post-carcéral-‬تتضمن هذه األخيرة‬

‫خليتين التي في الغالب ما يديرها قدماء املسجونين حيث ‪ :‬األولى تعنى بالرعاية االجتماعية‬

‫و مدى اندماج السجناء‪ ،‬وذلك من خالل لقاءات دورية لالطالع على أحوالهم و كذا‬

‫صعوبات إعادة تكييفهم داخل املجتمع‪.‬‬

‫(‪ - )721‬موقع مؤسسة محمد السادس إلعادة االدماج ‪ ، Mohamed6.net/showthread.php?p=205‬تمت مشاهدته في‬
‫‪، 0303/36/03‬على الساعة ‪. 10:30‬‬
‫(‪ - )722‬قنن المشدددرع المغربي مقتضددديات منح صدددفة المصدددلحة العمومية لجمعيات المجتمع المدني في ظهير شدددريف رقم‪:‬‬
‫‪ 1.21.076‬الصددادر في جمادى االولى‪1071‬ه‪ 12/‬نونبر ‪1021‬م المتعلق بتنظيم حق التأسدديس للجمعيات‪ ،‬ج‪.‬ر رقم ‪0434‬‬
‫مكرر بتاريخ ‪ 07‬نونبر ‪ (1021‬الفصول من ‪ 0‬إلى ‪.)10‬‬

‫‪P 514‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫وخلية ثانية متخصصة في الجانب املتعلق باإلدماج املنهي من خالل مساعدة السجناء‬

‫في البحث عن الشغل أو على األقل تقديم مقترحات مشاريع من خالل استعدادهم املنهي‪،‬‬

‫وتتبع السجين عبر اإلمكانيات املتاحة للمؤسسة‪.‬‬

‫لذلك فاملؤسسة تعتبر بمثابة رافد نفس ي و معنوي مهم للسجناء املفرج عنهم في كل‬

‫ما تسعى لتحقيقه(‪ )723‬خاصة مع الشراكات التي تسعى لخلقها إن على املستوى الداخلي أو‬

‫الخارجي مع دول سباقة في هذا الصدد؛ بيد أن األمر تعتريه صعوبات تتمثل في أن مراكز‬

‫الرعاية الالحقة قليلة باملقارنة مع املؤسسات السجنية املتواجدة باملغرب‪ ،‬فحتى كتابة‬

‫هذه األسطر يتراوح عددها بين خمس (‪)724‬مراكز آخرها مركز فاس الذي تم تدشينهم حديثا؛‬

‫مما يجعل عدد السجناء املستفيدين عبر املغرب قليل‪ ،‬تضاف إلى ذلك محدودية املوارد‬

‫البشرية‪ ،‬وعقليات املجتمع املدني في النظر إلى السجين كشرير ال يمكن منحه ثقة املجتمع‬

‫بعد أن أدى عقوبته‪.‬‬

‫أيضا ارتفاع نسبة العود بصفة عامة مما يدعو معه األمر إلى إعادة النظر في السياسة‬

‫الجنائية بصفة عامة و السياسة العقابية بصفة خاصة‪ ،‬عن طريق سد ثغرات اإلطار‬

‫القانوني‪ ،‬والتخفيف من حدة شروط إجراءات رد االعتبار حيث إن السجل العدلي يعد‬

‫الوصمة األساس التي تالحق السجين و تحصنه من قسوة أرباب العمل‪ ،‬ثم ايالء مؤسسة‬

‫‪(723) -‬‬
‫‪Camélia ZOUBIR SPÉCIFICITÉ DU TRAITEMENT DE LA DÉLINQUANCE DES‬‬
‫‪MINEURS EN DROIT COMPARE Thèse pour obtenir le grade de doctorat en droit privé‬‬
‫‪Centre de Droit et de Politique Comparés Jean-Claude ESCARRAS (CDPC) UNIVERSITÉ DE‬‬
‫‪TOULON 2018 page : 273.‬‬
‫(‪ . - )724‬حيث لم تكن تتواجد بادئ األمر إال في الدار البيضاء و سال و اكادير‪ ،‬في حين ينتظر إحداث أخريات على مستوى‬
‫جهات المغرب‪.‬‬

‫‪P 515‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫قاض ي تطبيق العقوبات صالحيات حقيقية ال شكلية تمكنه على األقل من القيام بدور‬

‫حقيقي فعال و فاعل في الرعاية الالحقة اإلجبارية‪.‬‬

‫فاذا كانت ظاهرة جنوح االحداث فرضت على املجتمع الدولي تحدي كبير يتمثل في‬

‫اختيار افضل الطرق ملواجهتها خاصة و ان العقوبة لم تعد قادرة على تحقيق االهداف ‪،‬‬

‫فتطور فلسفة العقاب ادى الى ظهور انماط جديدة تتوخى مقاربة الظاهرة وفق نهج تربوي‬

‫اصالحي يواكب اخر ما توصلت اليه العلوم االنسانية ‪ ،‬و اذا كانت التدابير املتخذة لفائدة‬

‫األحداث قد ادركت هذا الدور‪ ،‬فان ارتفاع معدالت جرائم االحداث اصبح يفرض اتباع‬

‫اليات أكثر تأهيال تالزم الحدث بعد الخروج من املؤسسة إلى أن يستقر حاله لتكون الرعاية‬

‫الالحقة أهم هذه االليات خاصة بعدما تغيرت النظرية اليها ولم تعد مجرد إحسان أو‬

‫شقفة‪ ،‬بل باتت من واجبات العملية االصالحية ومتطلبات التأهيل‪ ،‬فالرعاية الالحقة اداة‬

‫حاسمة ليس في محاصرة حاالت العود فحسب‪ ،‬بل هي االداة القادرة على مكافحة الجريمة‬

‫ولتحقيق األغراض املتوخاة من الرعاية الالحقة وجب خلق شراكة حقيقية بين الدولة‬

‫واملجتمع املدني إليجاد اليات مؤسساتية وموضوعية موجهة بنصوص قانونية تكفل‬

‫تطبيق العملية الرعائية‪ ،‬وتضمن استمرارها على املستوى الواقعي ‪.‬‬

‫‪P 516‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫خاتمة‪:‬‬

‫إذا كانت ظاهرة جنوح األحداث قد فرضت على املجتمع الدولي تحدي حقيقي يتمثل‬

‫في اختيار أنجح السبل ملواجهتها خاصة بعدما صارت العقوبة وحدها قاصرة عن تحقيق‬

‫تلك األهداف‪ ،‬فان تطور فلسفة العقاب افرز ظهور أنماط جديدة وآليات حقيقية تتوخى‬

‫مقاربة الظاهرة‪ ،‬وفق منهج تربوي اصالحي يواكب اخر ما توصلت اليه العلوم االنسانية‪،‬‬

‫واذا كانت التدابير املتخذة لفائدة االحداث قد ادركت هذا الدور ‪ ،‬فإن ارتفاع معدالت‬

‫جرائم األحداث بات يفرض اتباع اليات تأهيال تالزم الحدث بعد الخروج من املدرسة إلى‬

‫أن يستقر حاله‪ ،‬لذلك فقانون الرعاية الالحقة يعد أهم هذه االليات خاصة بعدما تغيرت‬

‫النظرية اليها ولم تعد مجرد احسان أو شفقة ‪ ،‬بل باتت من واجبات العملية االصالحية‬

‫ومتطلبات التاهيل‪ ،‬وإذا كانت أغلبية التشريعات املقارنة قد كسبت الرهان يتبنيها للرعاية‬

‫الالحة في نصوصها القانونية‪ ،‬فمن خالل تلك النصوص بات يطرح أكثر من سؤال اليوم‬

‫من معاملة الجانحين‪ ،‬بحيث إذا كانت مجموعة من املحاوالت من قبل بعض الشركاء مثل‬

‫مؤسسة السادس إلعادة االدماج‪ ،‬فإنها تظل غير كافية وال ترقى إلى املستوى املطلوب ‪.‬‬

‫ولذلك فمن خالل هذا البحث املتواضع توصلت إلى العديد من النتائج ‪:‬‬

‫‪ ‬ان برامج أندية العمل االجتماعي ال ترقى إلى املستوى الحقيقي لخدمات‬

‫الرعاية الالحقة ‪.‬‬

‫‪P 517‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪ ‬تبقى أندية العمل االجتماعي‪ ،‬محاولة فقط لسد الفراغ املؤسساتي‬

‫الحاصل في مجال الرعاية الالحقة في انتظار احداث مكاتب خاصة بهذه‬

‫العملية تابعة ملؤسسة محمد السادس إلعادة االدماج على صعيد كل‬

‫التراب‪.‬‬

‫‪ ‬االعتماد على التعليم في الوسط الحر عبر برنامج اساس ي ألندية العمل‬

‫االجتماعي غير كافي لتحقيق األهداف املرجوة من الرعاية في الوسط املفتوح‪.‬‬

‫‪ ‬ضعف املتابعة النفسية واالجتماعية ملؤسسة ما قبل املغادرة يعصف بكل‬

‫الجهود املبذولة خالل املراحل السابقة ‪.‬‬

‫‪ ‬غياب مربي الرعاية الالحقة مما يجعل مسالة دمج االحداث في سوق الشغل‬

‫وتسيير أزمة االفراج مجرد طموح يفتقد للفالية ‪.‬‬

‫‪ ‬هروب املجتمع املدني‪ ،‬من تحمل مسؤوليته خالل هاته املرحلة خاصة‬

‫الجمعيات املهنية واملقاوالت يزيد من تكريس عملية الوصم الذي يفاجا به‬

‫االحداث املفرج عنهم بمناسبة البحث عن العمل يقيهم شرور البطالة ‪.‬‬

‫‪ ‬غياب قوانين تنظم الرعاية الالحقة‪ ،‬وتحدد املتدخلين واملسؤوليات واالدوار‬

‫يجعل نجاحها امر في غاية الصعوبة‪.‬‬

‫‪ ‬غياب التعاون الحقيقي بين املؤسسة واألسر مما يحول دون تحقيق مقاربة‬

‫عالجية مكتملة االهداف‪.‬‬

‫‪P 518‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫الئحة املراجع‬

‫‪ -‬إبراهيم شريف عبد العزيز‪ ،‬الرعاية الالحقة لألحداث الجانحين في التجارب‬

‫الدولية سلسلة الدراسات االجتماعية والعمالية العدد ‪ 33‬الطبعة األولى أبريل ‪7082‬م ‪.‬‬

‫‪ -‬أحمد عصام الدين املليجي‪ ،‬الرعاية الالحقة للمفرج عنهم من املؤسسات‬

‫العقابية‪ ،‬املجلة العربية للدراسات األمنية‪ ،‬املجلد ‪ ،9‬العدد ‪2،8401‬م ‪.‬‬

‫‪ -‬أحمد فوزي الصادي‪ ،‬رعاية أسر النزالء كأسلوب من أساليب الرعاية الالحقة‪،‬‬

‫جامعة نايف للعلوم األمنية‪ ،‬دار النشر باملركز العربي للدراسات األمنية والتدريب بالرياض‪،‬‬

‫الطبعة األولى ‪8401‬هـ‪.‬‬

‫‪ -‬البختي عبد السالم الحكم بوقف تنفيد العقوبة و اعادة ادماج املنحرفين في‬

‫القانون الجنائي‪ ،‬اطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون الخاص كلية العلوم القانونية‬

‫و االقتصادية واالجتماعية جامعة عبد املالك السعدي طنجة‪ ،‬السنة الجامعية‬

‫‪7081/7082‬م ‪.‬‬

‫‪ -‬براء منذر عبد اللطيف‪ ،‬السياسة الجنائية في قانون رعاية األحداث دراسة‬

‫مقارنة‪ ،‬دار الحامد للنشر و التوزيع عمان‪. 7001 ،‬‬

‫‪ -‬بهية السقاط‪ ،‬حقوق الطفل في القانون الجنائي املغربي الحماية والضمانات‪،‬‬

‫رسالة لنيل شهادة املاستر في القانون الخاص‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية‬

‫واالجتماعية أكدال جامعة محمد الخامس الرباط السنة الجامعية ‪.7081/7082‬‬

‫‪P 511‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪ -‬حسن الجوخدار‪ ،‬قانون االحداث الجانحين‪ ،‬مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع‪،‬‬

‫الطبعة االولى ‪ 8337‬م ‪.‬‬

‫‪ -‬حسن الحروش ي‪ ،‬التأهيل و إعادة اإلدماج بين رغبة املشرع و إكراهات‬

‫الواقع‪"،‬دراسة ميدانية" بالسجن املحلي بعين سبع‪ ،‬بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا‬

‫املتخصصة في علوم التربية‪ ،‬جامعة محمد الخامس ‪. 7004-7009‬‬

‫‪ -‬سعيد بنماد ‪،‬العدالة الجنائية لألحداث ‪ ،‬بحث لنيل املاستر في القانون الخاص‬

‫‪ ،‬كلية العلوم القانونية و االقتصادية و االجتماعية جامعة القاض ي عياض مراكش السنة‬

‫الجامعية ‪. 7082/7084‬‬

‫‪ -‬سمير ناجي‪ :‬بحوث ودراسات في القانون الجنائي‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪،‬‬

‫‪.7002‬‬

‫‪ -‬عادل الزاوي الرعاية الالحقة للحدث الجانح دراسة ميدانية بحث لنيل دبلوم‬

‫الدراسات العليا املتخصصة في القانون الخاص كلية العلوم القانونية واالقتصادية‬

‫واالجتماعية جامعة سيدي محمد بن عبد هللا فاس‪ ،‬املوسم الجامعي ‪. 7003/7001‬‬

‫‪ -‬عبد الجليل العينوس ي‪ ،‬تشغيل السجناء في املغرب بين القانون و الواقع‪ ،‬دار‬

‫ابي رقراق للطباعة والنشر‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 7087‬م‪.‬‬

‫‪ -‬عبد هللا بن ناصر السدحان‪ :‬الرعاية الالحقة في التشريع اإلسالمي والجنائي‬

‫املعاصر‪ ،‬منشورات أكاديمية نايف العربية للعلوم األمنية‪7007 ،‬م ‪.‬‬

‫‪P 521‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪ -‬عبد هللا بن ناصر السدحان‪ :‬الرعاية الالحقة في التشريع اإلسالمي والجنائي‬

‫املعاصر‪.‬‬

‫‪ -‬عبد املجيد طاش نيازي‪ :‬برنامج الرعاية الالحقة للمتعافين من اإلدمان‪،‬‬

‫منشورات جامعة نايف للدراسات األمنية‪ ،‬سنة النشر‪7007 :‬م ‪.‬‬

‫‪ -‬علي بن سليمان بن إبراهيم الحناكي‪ :‬الواقع االجتماعي ألسر األحداث العائدين‬

‫من االنحراف‪ ،‬منشورات جامعة نايف للعلوم األمنية‪ ،‬الرياض‪7007 ،‬م ‪.‬‬

‫‪ -‬فتيحة الجميلي‪ :‬تأهيل املجرمين وأثره في املجتمع‪ ،‬دراسة خطوات التأهيل‬

‫وموقف املشرع العراقي‪ ،‬مجلة العلوم االجتماعية‪ ،‬العدد ‪ ،8‬مارس ‪8317‬م‪.‬‬

‫‪ -‬فتيحة الجميلي‪ :‬تأهيل املجرمين وأثره في املجتمع‪ ،‬دراسة خطوات التأهيل‬

‫وموقف املشرع العراقي‪.‬‬

‫‪ -‬فوزية عبد الستار مبادئ علم اإلجرام وعلم العقاب دار النهضة الطبعة‬

‫الخامسة بيروت ‪.8312‬‬

‫‪ -‬لطيفة املهداتي‪ ،‬الشرعية في تنفيذ العقوبات السالبة للحرية‪ ،‬الشركة الشرقية‪،‬‬

‫‪7002‬م‪.‬‬

‫‪ -‬محمد العمري حماية املصلحة الفضلى للحدث في التشريع الجنائي املغربي‪،‬‬

‫اطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون الخاص كلية العلوم القانونية واالقتصادية‬

‫واالجتماعية جامعة سيدي محمد بن عبد هللا فاس السنة الجامعية ‪.7082/7084‬‬

‫‪P 521‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪ -‬محمد العياط‪ ،‬الرعاية الالحقة لتنفيذ العقوبات السالبة للحرية‪ ،‬بعض‬

‫جوانب فلسفتها و تطبيقاتها‪ ،‬مجلة امللحق القضائي‪ ،‬عدد‪ 98:‬يونيه ‪8337‬م ‪.‬‬

‫‪ -‬محمد خلف‪ :‬علم العقاب‪ ،‬مطابع دار الحقيقة‪ ،‬الطبعة الثانية ‪8322‬م ‪.‬‬

‫‪ -‬محمد صبحي نجم‪ ،‬أصول علم اإلجرام و علم العقاب‪ ،‬دار الثقافة للنشر‬

‫والتوزيع عمان‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪7002‬م ‪.‬‬

‫‪ -‬محمد صبحي نجم‪ ،‬أصول علم اإلجرام وعلم العقاب‪ ،‬دراسة تحليلية وصفية‬

‫موجزة‪ ،‬دار الثقافة للنشر و التوزيع ‪ ،‬سنة النشر ‪8497‬ه‪7088/‬م‪.‬‬

‫‪ -‬محمد عياط ‪ ،‬الرعاية الالحقة لتنفيذ العقوبات السالبة للحرية‪:‬بعض جوانب‬

‫فلسفتها وتطبيقاتها‪ ،‬مجلة امللحق القضائي‪ ،‬العدد ‪ 98‬يونيه‪ 8337:‬م ‪.‬‬

‫‪ -‬نجوى عبد الوهاب حافظ‪ ،‬رعاية الجمعيات األهلية لنزالء املؤسسات‬

‫االصالحية‪ ،‬منشورات أكاديمية نايف‪ ،‬سنة ‪،7009‬‬

‫‪ -‬نسرين الرحالي‪ ،‬اإلشكالية الوظيفية للمؤسسة قضاء األحداث الجانحين‪،‬‬

‫أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون الخاص‪ ،‬كلية العلوم القانونية و االقتصادية‬

‫و االجتماعية جامعة عبد املالك السعدي طنجة‪ ،‬السنة الجامعية ‪7087/7082‬م ‪.‬‬

‫‪ -‬نوال بلبل عدالة األحداث بين التشريع املغربي و االتفاقيات الدولية و رهان‬

‫اإلصالح‪ ،‬بحث لنيل شهادة املاستر كلية العلوم القانونية و االقتصادية و االجتماعية اكدال‬

‫جامعة محمد الخامس الرباط السنة الجامعية ‪7081/7082‬م ‪.‬‬

‫‪P 522‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪ -‬وفاء مطيع‪ ،‬عدالة االحداث الجانحين بين الرعاية النفسية و االجتماعية و‬

‫العقوبات الزجرية " دراسة تحليلية" اطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون الخاص‬

‫كلية العلوم القانونية و االقتصادية و االجتماعية جامعة عبد امللك السعدي طنجة ‪،‬السنة‬

‫الجامعية ‪7081/7082‬م ‪.‬‬

‫‪ -‬يحيى حسن درويش‪ ،‬الرعاية الالحقة وأثرها في الحد من العود إلى الجريمة‪ ،‬من‬

‫الرعاية الالحقة للمفرج عنهم بين النظرية و التطبيق‪ ،‬جامعة نايف للعلوم األمنية‪،‬‬

‫الرياض‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬سنة ‪8401‬هـ ‪.‬‬

‫القوانين والظهائر ‪:‬‬

‫ظهير شريف رقم‪ 8.21.927 :‬الصادر في جمادى االولى‪8921‬ه‪ 82/‬نونبر ‪8321‬م املتعلق‬

‫بتنظيم حق التأسيس للجمعيات‪ ،‬ج‪.‬ر رقم ‪ 7404‬مكرر بتاريخ ‪ 72‬نونبر ‪ (8321‬الفصول من‬

‫‪ 3‬إلى ‪.)89‬‬

‫مرسوم رقم ‪ 7.00.412‬صادر في ‪ 7‬شعبان ‪ 9 ( 8478‬نوفمبر‪ )7000‬تحدد بموجبه‬

‫كيفية تطبيق القانون رقم ‪ 79.31‬املتعلق بتنظيم وتسيير املؤسسات السجنية الصادر‬

‫بتنفيذها للظهير الشريف رقم ‪ 8.33.700‬بتاريخ ‪ 89‬من جمادى األولى ‪8470‬ه ( ‪72‬‬

‫أغسطس ‪.)8333‬‬

‫‪P 523‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس‬40 ‫العدد‬

‫املراجع االجنبية‬

- Camélia ZOUBIR SPÉCIFICITÉ DU TRAITEMENT DE LA


DÉLINQUANCE DES MINEURS EN DROIT COMPARE Thèse pour obtenir le
grade de doctorat en droit privé Centre de Droit et de Politique Comparés
Jean-Claude ESCARRAS (CDPC) UNIVERSITÉ DE TOULON 2018

- Code de Procédure Pénale : Partie réglementaire – Décrets N : 2004-


1364 ;du 13 décembre 2004

- Donat Décisier : les conditions de la réinsertion socioprofessionnelle


des détenus en France, avis et rapports du conseil économique et sociale,
République Française, 2006.

- La théorie de la stigmatisation sociale s’est épanouie pendant les


années soixante aux états unis et en Europe occidentale dans un climat social
relativement tendu", Mohammed Ayat, Crime et société ,IMP ElMaarif ,El-
Jadida,1997.

- Olivia Cligman :Laurence Gratiot et Jean-Christophe Hanoteau; le


droit en Prison ; Editions Dalloz ; 2001 .

Olivia Cligman :Laurence Gratiot et Jean-Christophe Hanoteau ; Même


Référence .

P 524 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪The extradition system as a mechanism for international judicial cooperation‬‬


‫مقدمة‪:‬‬
‫أضحت الجريمة العابرة للحدود هاجسا يقض مضجع السياسات والحكومات في‬

‫العالم املعاصر‪ ،‬وذلك بسبب تأثيراتها السلبية على السياسات االقتصادية واألمنية‬

‫ملختلف دول املعمور بقصد إيجاد آليات جديدة ملكافحتها بطرق قانونية ومهنية‪.‬‬

‫ومعلوم أن املغرب أصبح نقطة عبور للعديد من العصابات االجرامية الناشطة في‬

‫مجال االجرام العابر للحدود وذلك بحكم موقعه الجيو إستراتيجي املطل على واجهتين‬

‫بحريتين‪ ،‬مما يستدعي تطوير آليات التعاون القضائي الدولي نظرا للدور اإليجابي الفعال‬

‫الذي تلعبه في مكافحة اإلجرام العابر للحدود ووضع حد إلفالت الجناة من العقاب‪،‬‬

‫خصوصا أمام الثورة الهائلة التي عرفتها وسائل االتصال واملواصالت التي سهلت تنقل‬

‫الجناة بكل حرية وسرعة‪ ،‬بهدف ارتكاب جرائم خطيرة من قبيل غسل األموال والجرائم‬

‫املاسة بأمن الدولة‪ ،‬وتهريب املخدرات واالتجار بالبشر‪...‬‬

‫‪P 525‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫ويعتبر نظام تسليم املجرمين من أكثر آليات التعاون القضائي الدولي املعمول بها في‬

‫ميدان مكافحة الجرائم العابرة للحدود‪ ،‬تولت تنظيمه ترسانة هامة من القوانين الوطنية‬

‫واالتفاقيات الدولية الثنائية والجماعية‪،‬‬

‫ولم يكن املغرب بمعزل عن مواكبة التطورات التي يعرفها تطور هذه الظاهرة‬

‫اإلجرامية‪ ،‬فقد قام منذ زمن غير يسير بتكثيف الجهود ملحاصرتها وتعقب مرتكبيها‪ ،‬كما‬

‫بادر إلى االنخراط في مجموعة من االتفاقيات الدولية الثنائية والجماعية املتعلقة بالتعاون‬

‫القضائي وتسليم املجرمين‪ ،‬ووضع مجموعة من املقتضيات القانونية الخاصة بالتسليم‬

‫في إطار قانون املسطرة الجنائية‪.725‬‬

‫وإذا كان الفقه يكاد يجمع على أن التسليم إجراء بمقتضاه تتخلى الدولة عن شخص‬

‫يتواجد فوق إقليمها لسلطات دولة أخرى‪ ،‬تطالب بتسليمه إليها ملحاكمته عن جريمة‬

‫منسوب إليه ارتكابها أو تنفيذ عقوبة صادرة في حقه من محاكم الدولة الطالبة‪ ،726‬فإن‬

‫املشرع املغربي لم يخرج عن هذا التعريف‪ ،‬وهو ما يتضح من خالل نص الفقرة األولى من‬

‫املادة ‪ 281‬قانون املسطرة الجنائية التي نصت على أنه‪" :‬تخول مسطرة تسليم املجرمين‬

‫لدولة أجنبية‪ ،‬الحصول من الدولة املغربية على تسليم متهم أو محكوم عليه غير مغربي‬

‫‪ -725‬إن تسليم المجرمين بعد ما كان منظما بمقتضى ظهير ‪ 0‬نونبر ‪ ،6940‬قد أصبح منظما حاليا في إطار قانون‬
‫رقم ‪ 22106‬المتعلق بقانون المسطرة الجنائية‪ ،‬في الباب الرابع‪ ،‬المواد (‪ .)858-860‬الصادر بتنفيذه الظهير رقم‬
‫‪ 61021244‬بتاريخ ‪ 24‬رجب‪ ،‬الجريدة الرسمية‪ ،‬عدد ‪ ،2002 ،4080‬ص‪.264.‬‬
‫‪ -726‬عبد الغني محمود‪ :‬تسليم المجرمين على أساس المعاملة بالمثل‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة األولى‪،‬‬
‫‪ ،6996‬ص‪.2.‬‬

‫‪P 526‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫يوجد في أراض ي اململكة ويكون موضوع متابعة جارية باسم الدولة الطالبة‪ ،‬أو محكوم‬

‫عليه بعقوبة صادرة من إحدى محاكمها العادية"‪.727‬‬

‫املطلب األول‪ :‬الشروط املوضوعية لتسليم املجرمين‪.‬‬ ‫‪.89‬‬

‫إن آليات التعاون القضائي في مجال تسليم املجرمين تقتض ي استيفاء مجموعة من‬

‫الشروط املوضوعية في كل من الجريمة واملجرم‪ ،‬وهو ما كرسته جل القوانين الوطنية‬

‫واالتفاقيات الثنائية والجماعية املنعقدة بين الدول في هذا اإلطار‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬الشروط املوضوعية املتعلقة بالجريمة‬ ‫‪.84‬‬

‫استقرت أغلب االتفاقيات الدولية التشريعات الجنائية املقارنة على األخذ بمجموعة‬

‫من املعايير التي تمكن من تحديد الشروط الواجب توافرها في الجرائم حتى يمكن إجراء‬

‫التسليم من أجلها‪ ،‬وقد تم حصرها في معيارين رئيسيين‪ ،‬يتعلق األمر بكل من معيار خطورة‬

‫الجريمة ثم معيار طبيعة الجريمة‪.‬‬

‫أوال‪ :‬معيار خطورة الجريمة‪.‬‬

‫تصنف الجرائم في معظم التشريعات الجنائية املقارنة إلى جنايات وجنح ومخالفات‪،‬‬

‫وقد دأبت هذه التشريعات على اتخاذ معيار الخطورة كأساس لهذا التصنيف‪ ،‬فأفردت‬

‫للجنايات الخطيرة عقوبات جسيمة‪ ،‬وللمخالفات عقوبات بسيطة قد ال تتجاوز الغرامات‬

‫في غالب األحيان‪ ،‬ومن هذا املنطلق يطرح التساؤل حول الجرائم التي يمكن أن يتم تسليم‬

‫‪ -727‬يتضح من هذا التعريف أن المشرع المغربي أوجد فئتين من طلبات التسليم فاألول يكون من أجل المحاكمة‬
‫والثاني يكون من أجل تنفيذ المحاكمة‪.‬‬

‫‪P 527‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫مرتكبيها لدول أخرى‪ ،‬وما هو الوضع بالنسبة لجريمة غسل األموال؟ وهل يمكن الحديث‬

‫عن تسليم املجرمين في حالة ارتكابهم ملخالفات بسيطة ال تكتس ي طابع الخطورة؟‬

‫إن اعتماد معيار خطورة الجريمة كان كافيا لإلجابة عن هذه التساؤالت ووضع بذلك‬

‫قيدا مهما في طريق تفعيل مسطرة تسليم املجرمين‪ ،‬وتم من خالله حصر نطاق التسليم في‬

‫الجرائم الخطيرة التي ال تقل عقوبتها عن مدة معينة تحددها القوانين الوطنية وكذلك‬

‫االتفاقيات الثنائية والجماعية‪ ،728‬و تتجلى الغاية من اتخاذ هذا املعيار باألساس في كون‬

‫إجراءات التسليم كثيرة ومتنوعة‪ ،‬فمنها ما هو إداري ومنها ما هو قضائي‪ ،‬كما أنها تستغرق‬

‫وقتا طويال وتستلزم نفقات ومصاريف‪ ،‬وبالتالي فال يجوز اللجوء إليها إال من أجل جرائم‬

‫على درجة كبيرة من الخطورة‪ .729‬وفي هذا اإلطار فقد طرحت إشكالية تحديد معيار موحد‬

‫لقياس درجة خطورة الجرائم القابلة للتسليم‪ ،‬وهو األمر الذي خلق صعوبات كثيرة‬

‫بالنسبة لدول العالم‪ ،‬مما دفعها إلى استخدام طرق كثيرة ومتعددة للتغلب على هذا‬

‫املشكل أهمها وأكثرها استعماال طريقتي الترتيب واالستبعاد‪.‬‬

‫‪ -728‬مصطفى المودن‪ :‬تسليم‪.‬المجرمين في القانون الجنائي المغربي‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة‬
‫في القانون الخاص‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في العلوم الجنائية‪ ،‬كلية الحقوق طنجة‪ ،‬الموسم‬
‫الجامعي ‪ ،2008-2001‬ص‪.40.‬‬
‫‪ -729‬وزارة العدل‪ :‬شرح قانون المسطرة الجنائية‪ ،‬الجزء الثالث‪ ،‬منشورات جمعية النشر المعلومة القانونية‬
‫والقضائية‪ ،‬مطبعة إليت ‪ 2008‬ص‪.612.‬‬

‫‪P 528‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫ففيما يخص الطريقة األولى املتمثلة في الترتيب‪ ،‬فيتم اللجوء بمقتضاها إلى وضع‬

‫جدول تحدد فيه بنص صريح وعلى وجه الدقة والتفصيل جميع الجرائم التي تخضع‬

‫للتسليم‪ ،‬وذلك في صلب املعاهدة أو االتفاق الذي تعقده الدولة‪.730‬‬

‫لكن على الرغم ملا لهذه الطريقة من دور مهم في تحديد وتبيان الجرائم ذات الخطورة‬

‫والتي تكون محال إلجراءات التسليم‪ ،‬إال أنها لم تسلم من االنتقادات العديدة التي وجهت‬

‫لها‪ ،‬وذلك بالنظر للعيوب الكثيرة التي تخللتها والتي من أبرزها إمكانية ظهور جرائم عديدة‬

‫بعد نفاذ املعاهدة‪ ،‬وبالتالي فعند تطبيقها يتطلب عقد معاهدة جديدة أو إحداث ملحق‬

‫بهذه املعاهدة‪ ،‬وهو الش يء الذي يتطلب وقتا ال يتالءم وعملية التسليم‪ ،731‬هذا باإلضافة‬

‫إلى الفوارق القائمة بين اللغات ومدلوالتها والتعابير واملصطلحات في تشريعات الدول‬

‫املختلفة التي تجعل من الصعب وضع جدول مفصل بالجرائم القابلة للتسليم‪ ،‬وكمثال‬

‫على هذه الصعوبات أن بعض األفعال تكون جريمة اختالس في تشريعات بعض الدول‪،‬‬

‫بينما تشكل جريمة إساءة ائتمان أو خيانة األمانة في تشريع دولة أخرى‪ ،732‬ونفس األمر‬

‫ينطبق على جريمة غسل األموال بحيث إن بعض الصور التي تشكل الركن املادي لجريمة‬

‫غسل األموال في نظر التشريع املغربي قد تشكل الركن املادي لجريمة إخفاء أشياء متحصلة‬

‫من جناية أو جنحة في نظر تشريعات أخرى‪.‬‬

‫‪ -730‬حسن القادري‪:‬العمل القضائي في مجال مكافحة المجرمين واألجانب"‪ ،‬مجلة القضاء والقانون عدد‪،658:‬‬
‫‪ ،2002‬ص‪.620.‬‬
‫‪ -731‬عبد القادر خضر‪ :‬اتفاقيات التعاون القانوني القضائي في تسليم المجرمين‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الدراسات‬
‫العليا في علوم القانون الجنائي‪ ،‬جامعة الحاج لخضر‪ ،‬باتنة‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم القانونية‪ ،‬الجزائر‪-2001 ،‬‬
‫‪ ،2008‬ص‪:601‬‬
‫‪ -732‬مصطفى المودن‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.42-46:‬‬

‫‪P 521‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫أما فيما يخص الطريقة الثانية املعتمدة لقياس درجة الخطورة فتتمثل في طريقة‬

‫االستبعاد‪ ،‬الذي يقوم على تحديد نوع العقوبة ومقدارها بشكل رقمي وفقا للعقوبات‬

‫كتحديد‬ ‫الدولية‪733‬‬ ‫املقررة في املدونات الجنائية أو املنصوص عليها في بنود االتفاقيات‬

‫العقوبة مثال في سنتين‪ ،‬وهذا األسلوب تبنته معاهدة واشنطن املوقعة من طرف خمس‬

‫دول من أمريكا الوسطى‪ ،734‬ونفس املنهج سارت عليه العديد من االتفاقيات الثنائية املبرمة‬

‫بين الدول كاالتفاقية املبرمة بين اململكة املغربية واململكة اإلسبانية في ميدان تسليم‬

‫املجرمين‪ 735‬التي نصت مادتها الثانية األشخاص الواجب تسليمهم في‪:‬‬

‫"‪ -8‬األشخاص املتابعين القترافهم ألفعال معاقب عليها بمقتض ى قوانين الطرفين‬

‫املتعاقدين بعقوبة سالبة للحرية ملدة سنتين حبسا على األقل"‪..‬‬

‫وهو نفس البند الذي تضمنته االتفاقية املبرمة بين اململكة املغربية والجمهورية‬

‫الفرنسية‪ ،‬وكذلك املعاهدة املبرمة بين اململكة املغربية والجمهورية التونسية‪ ،‬و املعاهدة‬

‫املبرمة بين اململكة املغربية والجمهورية الجزائرية‪ ،‬أما اتفاقية الجامعة العربية بشأن‬

‫تسليم املجرمين التي أبرمت بتاريخ ‪ 8327/3/84‬والتي دخلت حيز النفاذ في ‪8324/2/72‬‬

‫‪،‬فقد نصت على أن "التسليم ال يكون واجبا إال إذا كانت الجريمة املطلوب التسليم من‬

‫‪ -733‬جعفر العلوي‪ :‬تطور مؤسسة تسليم المجرمين‪ ،‬مجلة القانون واالقتصاد‪ ،‬العدد الثاني‪ ،6901 ،‬ص‪.69-60:‬‬
‫‪ -734‬حسن القادري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.620:‬‬
‫‪ -735‬ظهير شريف رقم ‪ 6-90-642‬صادر في ‪ 24‬محرم ‪ 62( 6520‬ماي ‪ )6999‬بنشر االتفاقية‪ :‬الموقعة في‬
‫مدريد في ‪ 20‬ماي ‪ 6998‬بين المملكة المغربية والمملكة اإلسبانية في ميدان تسليم المجرمين‪ ،‬الجريدة الرسمية‬
‫عدد ‪ 5800‬بتاريخ ‪ 68‬يونيو ‪.6999‬‬

‫‪P 531‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫أجلها جناية أو جنحة معاقبا عليها بالحبس ملدة سنة أو بعقوبة أشد في قوانين كل من‬

‫الدولة الطالبة واملطلوب إليها"‪.736‬‬

‫وبتطبيق هذا املعيار على جريمة غسل األموال يالحظ أنها تقبل التسليم بشأنها في‬

‫سائر االتفاقيات الدولية مادام الحد األقص ى للعقوبة املقررة لها يصل إلى خمس سنوات‪.‬‬

‫وتجدر اإلشارة في األخير إلى أن شرط الخطورة ال يقتصر فقط على الفعل الجرمي‬

‫املرتكب من طرف الفاعل األصلي‪ ،‬بل إنه يشترط كذلك بالنسبة ألفعال املحاولة واملشاركة‬

‫وذلك طبقا ألحكام الفقرة الخامسة من املادة ‪ 270‬من ق‪.‬ج‪.‬م‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬معيار نوعية الجريمة‪.‬‬

‫ال يكفي توفر معيار خطورة الجريمة لكي تستجيب الدولة املطلوب منها التسليم‪ ،‬بل‬

‫ال بد من األخذ بعين االعتبار نوعية الجريمة املرتكبة‪ ،‬وذلك على ألن التسليم ال يقبل‬

‫بالنسبة لكل الجرائم التي تصل عقوبتها إلى مقدار معين‪ ،‬وإنما هناك بعض الجرائم التي‬

‫استبعدتها املعاهدات واالتفاقيات والقوانين الوطنية الخاصة من نطاق التسليم بالنظر‬

‫لطبيعتها الخاصة‪ ،‬والتي يمكن التعرض لها في هذا املقام لتعميم الفائدة رغم عدم انضواء‬

‫جريمة غسل األموال تحت لوائها‪ ،‬ويتعلق األمر بالجرائم السياسية والجرائم العسكرية‪.‬‬

‫ففيما يتعلق باألولى‪ ،‬والتي تم التأكيد عليها في العديد من القوانين الوطنية‬

‫واالتفاقيات الدولية فإن السبب في استبعادها من الجرائم التي يجوز التسليم بشأنها يرجع‬

‫‪ -736‬عبد الغني محمود‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.28.‬‬

‫‪P 531‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫إلى حرص كل دولة على احترام سيادتها السياسية مما يقتض ي بالضرورة احترام سيادة‬

‫الدولة األخرى‪ ،‬إذ أن تسليم الشخص املتهم بارتكاب جريمة سياسية يعتبر من باب التدخل‬

‫في الشؤون السياسية الداخلية للدولة املطلوب منها التسليم‪ ،‬ألنه تعضيد للفريق الذي‬

‫بيده الحكم على الفريق اآلخر‪ ،737‬كما أن تعقب املجرم السياس ي في دولة أخرى يمثل في‬

‫نظر البعض‪ 738‬اعتداء على القانون والعدالة في الدولة املطلوب إليها التسليم‪.‬‬

‫أما بالنسبة للثانية – أي الجرائم العسكرية ‪ -‬فقد جرى العرف الدولي على عدم‬

‫التسليم بشأنها‪ ،‬وذلك العتبارات متعددة وعلى رأسها عدم اتصال هذا النوع من الجرائم‬

‫بالحقوق الخاصة‪ ،‬كما أنها ال تدخل ضمن جرائم الحق العام حتى يمكن تسليم مرتكبيها‪،‬‬

‫وعالوة على ذلك فال توجد أصال مصلحة مشتركة بين الدول في التضامن على تسليم‬

‫الجندي الهارب من الخدمة العسكرية في بلد أجنبي‪ ،‬هذا باإلضافة إلى اعتبار هذه الجرائم‬

‫ذات صلة وطيدة باألعمال السياسية‪ ،‬بحيث يصعب فصلها عنها وهو األمر الذي دفع إلى‬

‫تسميتها بالجرائم شبه السياسية‪.739‬‬

‫وقد تبنى املشرع املغربي هذين املبدأين عندما نص في الفقرة الثانية من املادة ‪278‬‬

‫من ق‪.‬م‪.‬ج بخصوص الجريمة السياسية على أنه "ال يوافق على التسليم إذا كانت الجريمة‬

‫املطلوب من أجلها التسليم تعتبر جريمة سياسية أو مرتبطة بجريمة سياسية"‪ ،‬أما الجريمة‬

‫العسكرية فقد تضمنتها الفقرة األخيرة من املادة ‪ 270‬من ق‪.‬م‪.‬ج والتي جاء فيها بأنه "تطبق‬

‫‪ -737‬موسى عبود‪ :‬تسليم المجرمين األجانب‪ ،‬مجلة القضاء والقانون‪ ،‬عدد ‪ ،68‬سنة ‪ ،6949‬ص‪.460:‬‬
‫‪ -738‬إلهام محمد حسن العاقل‪ ،‬مبدأ عدم تسليم المجرمين في الجرائم السياسية‪ ،‬مطابع المفضل لالوفنست‪،‬‬
‫‪،2000‬ص‪.209:‬‬
‫‪ -739‬مصطفى المودن‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.12:‬‬

‫‪P 532‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫املقتضيات السابقة على الجرائم التي يرتكبها عسكريون أو بحارة أو من في حكمهم‪ ،‬إذا‬

‫كانت الجريمة املطلوب من اجلها التسليم يعاقب عليها كجريمة عادية‪ ،‬وذلك مع مراعاة‬

‫املقتضيات املعمول بها في تسليم البحارة املوجودين في حالة فرار"‪.‬‬

‫وباإلضافة ملا سبق فإن مجمل االتفاقيات التي أبرمتها اململكة املغربية مع الدول‬

‫األجنبية تضمنت هذين الشرطين‪ ،‬ومن بينها اتفاقية التعاون القضائي في املواد الجنائية‬

‫وتسليم املجرمين بين حكومة اململكة املغربية وحكومة جمهورية مصر العربية‪.740‬‬

‫وتجدر اإلشارة في األخير إلى أن ما يشهده العالم املعاصر من تطور هائل في وسائل‬

‫االتصال والتطور التكنولوجي الكبير‪ ،‬قد ساهم في ظهور أنواع جديدة من الجرائم لم تكن‬

‫معروفة من قبل‪ ،‬وتطرح إشكاالت مهمة في إطار التسليم بشأنها وذلك بما توفرها هذه‬

‫التطورات التكنولوجية من إمكانية إبرام صفقات إلكترونية وتقدم وسائل تحويل األموال‬

‫‪،‬الش يء الذي وسع من إمكانية ارتكاب هذه الجرائم دون عبور الحدود الوطنية‪.‬‬

‫وعالوة على الشرطين السالفي الذكر فإن هناك شرطا جوهريا آخر اليقل أهمية وهو‬

‫ما يصطلح على تسميته بشرط " ازدواجية التجريم "‪.‬‬

‫ويقصد بازدواجية التجريم أن يكون الفعل املطلوب التسليم بشأنه معاقبا عنه في‬

‫قوانين كلتا الدولتين الطالبة للتسليم واملطلوب منها ذلك‪ ،‬وإذا لم يتحقق هذا الشرط‬

‫‪ -740‬ظهير شريف رقم ‪ 6198121‬صادر في ‪ 21‬جمادى األولى ‪ 29( 6560‬شتنبر ‪ )6998‬بنشر االتفاقية‬
‫المتعلقة بالتعاون القضائي في المواد الجنائية وتسليم المجرمين الموقعة بالرباط في ‪ 65‬شعبان ‪22( 6509‬‬
‫مارس ‪ )6909‬بين الحكومة المغربية وحكومة جمهورية مصر العربية ‪/‬منشور بالجريدة الرسمية عدد ‪5424‬‬
‫بتاريخ ‪ 01‬أكتوبر ‪.6998‬‬

‫‪P 533‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫شروطه‪741،‬‬ ‫بالنسبة للدول التي تتمسك به‪ .‬فإنه يرفض التسليم لعدم توفر شرط من‬

‫ويكمن األساس الفلسفي لحتمية تطلب ازدواج التجريم‪ ،‬في أن التسليم إجراء يتضمن‬

‫مساسا شديدا بالحرية الشخصية يستند إلى قضاء أجنبي‪ ،‬وهو األمر الذي يوجب أن يكون‬

‫لهذا اإلجراء ما يبرره في النظام القانوني الوطني وان يكون الفعل أو الجرم مبنى الطلب‬

‫مجرما في القانون الوطني‪ ،‬إذ انه الرأي العام أن يسلم شخص لدولة أخرى عن فعل ال‬

‫تعتبره جرما ويعتبر في نظامها العام مباحا ومشروعا فعلى سبيل املثال‪ .‬بعض الدول‬

‫األوروبية ال تعاقب على جريمة الفساد وتعتبره أمرا مشروعا يدخل في نطاق الحريات‬

‫الشخصية‪ .‬فإنه من الطبيعي أن ال تقبل هذه الدولة تسليم شخص لدولة أخرى لتعاقبه‬

‫من أجل الفساد ولو فعلت ذلك الصطدم قرارها بمشاعر مواطنيها‪ .742‬وفي هذا اإلطار ال‬

‫يجب إغفال ما قد يترتب عن هذه املسألة من إمكانية إفالت هذا الشخص من العقاب‪،‬‬

‫بحجة أن الفعل املرتكب واملتمثل في جريمة الفساد ال يعاقب عليه في الدولة املطلوب منها‬

‫التسليم‪ ،‬وبالتالي يحرم الدولة الطالبة للتسليم واملرتكب في داخل ترابها لهذه الجريمة من‬

‫معاقبته وكذا عدم حقها في طلب تسليمه‪.‬‬

‫وبناء عليه فاملقياس املعتمد لتحديد ما إذا كان الفعل موضوع التسليم يعتبر جريمة‬

‫في تشريع الدولة طالبة التسليم‪ ،‬هو بدون شك أحكام القانون الجنائي الجاري به العمل‬

‫في هذه الدولة بتاريخ اقتراف الفعل موضوع الطلب‪ ،‬إذ أن مبدأ الشرعية يقوم على أساس‬

‫‪ -741‬عبد القادر حضر‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.68:‬‬


‫‪ -742‬البشير بوحبة‪ :‬التعاون الدولي في الميدان الجنائي‪ ،‬محاضرة ألقيت في إطار التكوين المستمر للقضاء‬
‫بمحكمة االستئناف بوجدة‪ ،2009 ،‬ص‪.68:‬‬

‫‪P 534‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫"ال جريمة وال عقوبة إال بنص"‪،‬كما ال يجوز االعتداد بنصوص تشريعية الحقة تصدر بعد‬

‫ارتكاب هذا الفعل احتراما ملبدأ "عدم رجعية القانون الجنائي"‪.743‬‬

‫وتأسيسا على املبدأ السائد (عدم رجعية القانون) فإنه ال يجوز ألية دولة أن تطلب‬

‫من دولة أخرى تسليمها شخصا لجأ إليها في أراضيها من أجل فعل لم يكن قانون الدولة‬

‫الطالبة يجرمه ويعاقب عليه حين اقترافه‪ ،‬وال من أجل فعل لم يعد قانون الدولة الطالبة‬

‫يجرمه أو يعاقب عليه بعد اقترافه‪ ،‬ذلك أن الدولة املطلوب منها التسليم ال ينبغي لها أن‬

‫تساهم في عمل عقابي يتنافس مع املبادئ األساسية لتشريعها الجنائي‪.744‬‬

‫وبالنسبة للتشريع املغربي نجده قد نص صراحة على وجوب توافر عنصر االزدواج في‬

‫التجريم لكي يتم تسليم الشخص األجنبي للدولة املطالبة بتسليمه ويستفاد ذلك من خالل‬

‫مقتضيات املادة ‪ 270‬من ق‪.‬م‪.‬ج بحيث تنص على انه "ال يوافق بأي حال من األحوال على‬

‫التسليم إذا لم يكن الفعل معاقبا عليه حسب القانون املغربي بعقوبة جنائية أو جنحية"‪.‬‬

‫لكن بالرجوع إلى مقتضيات املادة ‪ 745283‬من ق‪.‬م‪.‬ج يتضح الغموض الذي يكتنفها‬

‫على مستوى املتابعة وكذا الحكم الصادر في حق الشخص املطلوب تسليمه املنصوص‬

‫عليه في هذا اإلطار‪ ،‬حيث يرى األستاذ سفيان ادريوش أن األمر ال يعدوا أن يكون سوى‬

‫عيب على مستوى صياغة املشرع لهذه املادة وذلك على اعتبار كون قانون املسطرة‬

‫‪ -743‬وزارة العدل‪ :‬شرح قانون المسطرة الجنائية‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.11:‬‬


‫‪ -744‬مصطفى المودن‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.11:‬‬
‫‪ -745‬تنص هذه المادة على ما يلي‪":‬ال يمكن أن يسلم لدولة أجنبية أي شخص إذا لم يكن متابعا أو محكوما عليه‬
‫بعقوبة من اجل أفعال ينص عليها هذا القانون"‪.‬‬

‫‪P 535‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫الجنائية قانون شكلي وعنصر التجريم يتم إقراره في إطار قانون املوضوع أي القانون‬

‫الجنائي هذا من جهة‪ ،‬ومن جهة ثانية وعلى افتراض أن املشرع املغربي إذا كان يقصد‬

‫املتابعة في حق الشخص املراد تسليمه في هذا اإلطار وكونه صدر الحكم عليه من طرف‬

‫املحاكم املغربية فإنه في هذه الحالة ال يجوز تسليمه أصال ما دام طلب التسليم املقدم‬

‫للمملكة املغربية يتعلق بنفس الفعل الذي توبع عنه الشخص وصدر في حقه حكم بشأنه‪.‬‬

‫وبالتالي فاملشرع املغربي من خالل هذه املادة كان يقصد اشتراط املتابعة وصدور‬

‫الحكم في الدولة الطالبة وليس الدولة املغربية بصفتها دولة مطلوب منها التسليم يضيف‬

‫األستاذ سفيان ادريوش‪.‬‬

‫وشرط اإلزدواجية في التجريم ال يقتصر على الجريمة التامة‪ ،‬بل يمتد كذلك إلى‬

‫محاولة ارتكاب الجريمة وكذا أفعال املشاركة فيها‪.746‬‬

‫وارتباطا دائما بشرط ازدواجية التجريم في تشريع الدولتين طالبة التسليم أو املطلوب‬

‫منها التسليم فقد أضافت إليه مختلف التشريعات الجنائية وكذا سائر االتفاقيات‬

‫واملعاهدات الدولية في مجال التسليم على امتناع التسليم بسبب سقوط الدعوى‬

‫العمومية أو العقوبة املحكوم بها بالتقادم‪ ،‬ومثال ذلك االتفاقية األوروبية للتسليم التي‬

‫تنص في مادتها الحادية عشر على امتناع التسليم إذا كان تقادم الدعوى أو العقوبة قد‬

‫‪ -746‬تنص الفقرة الخامسة من قانون المسطرة الجنائية على ما يلي‪ ":‬تطبق القواعد السابقة على األفعال المكونة‬
‫لمحاولة الجريمة أو المشاركة فيها بشرطين يكون معاقبا عليها حسب قانون الدولة الطالبة وحسب القانون‬
‫المغربي "‪.‬‬

‫‪P 536‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫اما‬ ‫إليها‪747،‬‬ ‫اكتمل إما وفقا لقانون الدولة الطالبة وإما وفقا لقانون الدولة املطلوب‬

‫االتفاقيات املنظمة للتسليم املبرمة بين املغرب والدول األخرى فهي جميعها تتضمن هذا‬

‫الشرط‪.748‬‬

‫ولكن التساؤل يطرح حول مسألة انقطاع التقادم والتي يترتب عليها عدم االعتداء‬

‫بمدة التقادم السابقة على مباشرة اإلجراء القاطع للتقادم كما لو تم االستماع لشاهد في‬

‫قضية من قضايا غسل األموال مثال‪ ،‬أو األمر الصادر باعتقال املتهم أو إحضاره وبدء مدة‬

‫تقادم جديدة‪ ،‬فهل في هذه الحالة تطبق القواعد العامة بشأن انقطاع التقادم في مجال‬

‫تسليم األشخاص؟ وهل يمكن أن يعتبر طلب التسليم السابق صدوره عن الدولة الطالبة‬

‫في حد ذاته إجراء قاطعا للتقادم؟ ففي هذه الحاالت ليس هناك ما يمنع أو يحول دون‬

‫ذلك‪ ،‬فإن كان الدفع بالتقادم من جانب الشخص املطلوب تسليمه مقبوال لسقوط‬

‫الدعوى العمومية أو العقوبة وبالتالي رفض التسليم فإن الدفع بانقطاع التقادم من جانب‬

‫الدولة الطالبة يجب بدوره أن يكون مقبوال إذ ليس مبررا تجزئة أحكام نظام قانوني واحد‬

‫‪ -747‬سليمان عبد المنعم‪ ،‬الجوانب اإلشكالية في النظام القانوني بتسليم المجرمين‪ ،‬دار الجامعة الجديدة للنشر‪،‬‬
‫اإلسكندرية‪ ،2008 ،‬ص‪.280:‬‬
‫‪ -748‬تنص المادة ‪ 26‬من االتفاقية المبرمة بين المملكة المغربية في الفقرة السادسة "ال يجوز التسليم في األحوال‬
‫التالية‪:‬‬
‫‪ -‬إذا كانت الدعوى العمومية قد انقضت أو العقوبة قد سقطت وفق أحكام التشريعات أي من الدولتين عند تلقي‬
‫طلب التسليم‪".‬‬

‫‪P 537‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫واألخذ ببعض أحكامه دون البعض اآلخر‪ ،749‬وترجع مسألة تقدير أسباب انقطاع التقادم‬

‫وفقا لتشريع أي من الدولتين الطالبة أو املطلوب إليها التسليم‪.750‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬الشروط املتعلقة باألشخاص املراد تسليمهم‪.‬‬ ‫‪.82‬‬

‫إذا كان مبدأ التعاون القضائي بين الدول وضع على عاتقها التزاما تسليم كل شخص‬

‫متواجد بأراضيها للدولة الطالبة فإن هذا املبدأ ال يأخذ به على إطالقه‪ ،‬إذ يجوز للدولة‬

‫املطلوب منها التسليم أن ترفضه‪ ،‬إذ تعلق األمر بتسليم ألحد مواطنيها‪ ،‬او إذا سبق أن‬

‫صدر حكم بات في الجريمة املطلوب من اجلها التسليم‪ ،‬وكذا في حالة انعقاد االختصاص‬

‫القضائي لدولة امللجأ‪.‬‬

‫أوال‪ :‬عدم تسليم الدولة ملواطنيها‪.‬‬

‫يعتبر مبدأ عدم تسليم الدولة ملواطنيها من أكثر املبادئ القانونية التي تكاد يجمع على‬

‫األخذ بها كل االتفاقيات الثنائية أو الجماعية والقوانين الداخلية املتعلقة بتسليم‬

‫املجرمين‪. 751‬‬

‫‪ -749‬سليمان عبد المنعم‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.200.‬‬


‫‪ -750‬والمالحظ على الصعيد األوروبي‪ ،‬أن اتفاقية شينجن قد أضافت بموجب مادتها ‪ 12‬إلى المادة ‪ 600‬من‬
‫االتفاقية األوروبية للتسليم الخاصة بانقضاء الدعوى أو العقوبة بالتقادم أن قانون الدولة الطالبة هو وحده الذي‬
‫يطبق فيما يتعلق بمسألة انقطاع هذا التقادم‪.‬‬
‫‪ -751‬والجدير بالذكر أن فرنسا كانت من الدول األوائل التي وقعت مع بلجيكا في سنة ‪ ،6925‬اتفاق لتسليم‬
‫المجرمين وتبنت صراحة عدم تسليم المواطنين‪.‬‬

‫‪P 538‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫ويجد مبدأ عدم تسليم الدولة ملواطنيها أساسه في رغبة الدول في حماية مواطنيها من‬

‫األضرار الجسيمة التي قد تلحقهم عند محاكمتهم أمام محاكم أجنبية‪ ،‬إذ تخش ى معاملتهم‬

‫بشكل غير قانوني ومحاكمتهم محاكمة تعسفية وغير عادلة‪.752‬‬

‫وقد أخذ التشريع املغربي بهذا املبدإ على إطالقه من خالل ما جاء في الفقرة األولى‬

‫من املادة ‪ 278‬من ق م ج التي نصت على أنه "ال يوافق على التسليم إذا كان الشخص‬

‫املطلوب مواطنا مغربيا‪ ،"...‬وهو ما تم تأكيده في االتفاقيات الثنائية‪ 753‬والجماعية‪ 754‬التي‬

‫عقدها املغرب مع غيره من الدول في مجال تسليم املجرمين‪ ،‬ويقصد بهذا املبدإ أن اليكون‬

‫الشخص الذي يطلب تسليمه من أحد مواطني الدولة املطلوب منها التسليم‪ ،‬سواء أكان‬

‫من الرعايا األصليين أو املتجنسين بجنسيتها‪ ،‬لكن هذا ال يعني أن الشخص الذي يرتكب‬

‫جريمة خارج إقليم دولته ثم يفر إلى وطنه سيبقى بمنأى عن املتابعة‪ ،‬إذ غالبا ما تلجأ‬

‫الدولة التي وقعت في إقليمها الجريمة إلى تقديم شكاية رسمية أمام السلطات القضائية‬

‫للدولة التي ينتهي إليها وفقا ملقتضيات املادة ‪ 243‬ق‪.‬م‪.‬ج‪.755‬‬

‫وتبعا ملا سبق‪ ،‬فإن الشخص املغربي الذي يرتكب جريمة غسل األموال بدولة أخرى‬

‫ثم يفر إلى املغرب فإن تلك الدولة بعد علمها بتواجده بالتراب املغربي ال يحق لها أن تطالب‬

‫‪ -752‬علوي جعفر‪" ،‬انتكاسة مؤسسة تسليم المجرمين كوسيلة لتحقيق التعاون الجنائي الدولي"‪ ،‬المجلة المغربية‬
‫للدراسات الدولية عدد ‪ 0‬يناير ‪،2002‬ص‪.21:‬‬
‫‪ -753‬من ذلك االتفاقية المغربية الفرنسية في الفصل ‪ ،286‬االتفاقية المغربية االسبانية في المادة ‪ ،2‬االتفاقية‬
‫المغربية المصرية في المادة ‪ ،6/26‬االتفاقية المغربية الجزائرية في الفصل ‪.)26‬‬
‫‪ -754‬من ذلك إتفاقية الرياض العربية للتعاون القضائي (المادة ‪.)29‬‬
‫‪ -755‬وقد تضمن هذا المقتضى العديد من االتفاقيات الثنائية أبرمها المغرب مع غيره من الدول‪ ،‬ومن ذلك االتفاقية‬
‫المغربية االسبانية بشأن التسليم التي نصت في الفقرة الثالثة من المادة الثالثة بتعهد الدولة المطلوب منها التسليم‬
‫باتخاذ جميع اإلجراءات المتعلقة بتوجيه اإلتهام ضد احد مواطنيها في حالة ارتكابه جناية او جنحة معاقبا عليها‬
‫وفق تشريع الدولتين حسب ما تتوصل به من وثائق وأشياء ومعلومات‪.‬‬

‫‪P 531‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫السلطات املغربية بتسليمه إليها وإنما يحق لها فقط أن تتقدم بشكاية رسمية قانونية إلى‬

‫السلطات املغربية وتطالبها فيها بمتابعته وفق القانون املغربي‪.‬‬

‫إال أنه في بعض الحاالت قد يكون الشخص املطلوب تسليمه يحمل جنسية الدولة‬

‫الطالبة والدولة املطلوب منها التسليم في آن واحد‪ ،‬فهل يمكن االستجابة لطلب التسليم‬

‫في حالة ازدواج الجنسية؟‬

‫نظرا ملا قد يترتب عن هذه الحالة من صعوبات قانونية فقد حاولت العديد من‬

‫التشريعات التنصيص في قوانينها الداخلية على حل لهذه اإلشكالية‪ ،‬وهكذا نجد أن املادة‬

‫‪ 8/278‬من ق‪.‬م‪.‬ج تؤكد أن العبرة بصفة املواطن املغربي الذي ال يجوز تسليمه تحدد من‬

‫وقت ارتكاب الجريمة املطلوب من أجلها التسليم‪ ،‬وهو نفس املقتض ى الذي تم تأكيده في‬

‫العديد من االتفاقيات الثنائية التي أبرمها املغرب مع غيره من الدول‪ ،‬ومن ذلك االتفاقية‬

‫املغربية البلجيكية في ميدان تسليم املجرمين التي جاء في الفقرة الثانية من مادتها الرابعة‬

‫بأن "صفة الرعايا تحدد باعتبار الفترة التي ارتكبت فيها الجريمة التي يطلب التسليم من‬

‫اجلها‪.756"...‬‬

‫وعليه فإذا تجنس أحد األشخاص بالجنسية املغربية بعد أن ارتكب جريمة غسل‬

‫األموال في إحدى الدول التي تربطها مع اململكة املغربية اتفاقية ثنائية بشأن تسليم‬

‫املجرمين‪ ،‬فإن الجنسية املغربية ال تمنع في هذه الحالة من تسليمه للدولة التي ارتكبت‬

‫‪ -756‬وفي نفس المقتضيات التي تم تأكيدها في االتفاقية المغربية التركية في المادة ‪.6/22‬‬

‫‪P 541‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫الجريمة على أراضيها ألن العبرة والحالة هذه تكون بجنسية الشخص في وقت ارتكاب‬

‫الجريمة وليس في وقت إلقاء القبض عليه أو في وقت محاكمته‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬عدم التسليم لصدور حكم نهائي في الدعوى‪.‬‬

‫ينبني هذا املبدأ على أساس تكريس قواعد العدالة واإلنصاف‪ ،‬بحيث ال يمكن تصور‬

‫معاقبة شخص مرتين على نفس الفعل‪ ،‬ويترتب على ذلك عدم جواز تسليم شخص قد‬

‫سبق أن صدر ضده من الدولة املطلوب منها التسليم قرار سواء باإلدانة أو البراءة‪.‬‬

‫وعليه فإذا أصدر القضاء املغربي حكما قضائيا أو أقر ببراءة الشخص املتهم بارتكاب‬

‫جريمة غسل األموال ثم توصل بعد ذلك بطلب من دولة أخرى تطلب فيه تسليم ذلك‬

‫الشخص إلى سلطاتها القضائية من أجل نفس الجريمة فإن هذا الطلب ال يقبل لسبقية‬

‫البت ولعدم إمكانية محاكمة الشخص على نفس الفعل مرتين‬

‫وقد أخذ املشرع املغربي بهذه القاعدة‪ ،‬في الفقرة الرابعة من املادة ‪ 278‬من ق‪.‬م‪.‬ج‬

‫التي تنص على أنه "ال يوافق على التسليم إذا كانت الجنايات أو الجنح ولو أنها ارتكبت‬

‫خارج أراض ي اململكة قد تمت املتابعة من أجلها باملغرب ووقع الحكم فيها نهائيا"‪ ،‬وهو ما‬

‫تم تكريسه أيضا من طرف االتفاقيات الدولية الثنائية والجماعية التي عقدها املغرب مع‬

‫العديد من دول العالم‪، 757‬وهو ماسارت عليه أيضا الغرفة الجنائية باملجلس األعلى التي‬

‫‪ -757‬ومن ذلك االتفاقية المغربية الفرنسية (الفصل ‪ ،22‬واتفاقية المغرب مع اإلمارات العربية المتحدة (المادة‬
‫‪ ،21‬واتفاقية الرياض العربية للتعاون القضائي المادة ‪.560‬‬

‫‪P 541‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫إلى رفض طلب تسليم مواطن إيطالي تقدمت به السلطات‬ ‫قراراتها‪758‬‬ ‫ذهبت في أحد‬

‫اإليطالية استنادا لوثيقة أدلى بها الشخص املطلوب تسليمه تثبت أنه سبق أن تمت‬

‫محاكمته على نفس الفعل أمام القضاء املغربي كما قضت في قرار آخر‪ ،759‬بعدم املوافقة‬

‫على طلب تسليم تقدمت به السلطات الفرنسية ملواطنين فرنسيين متابعين بنقل‬

‫املخدرات‪ ،‬ألنهما سبق أن حوكما وأدينا على نفس الفعل من طرف محكمة االستئناف‬

‫بفاس‪ ،‬هذا مع اإلشارة أن السلطات الفرنسية كانت قد التمست تسليم املواطنين‬

‫الفرنسيين الستيرادهم املخدرات إلى التراب الفرنس ي في حين تم تكييف الفعل من طرف‬

‫محكمة اإلستئناف بفاس على أنه نقل وتصدير املخدرات من املغرب حسب مقتضيات‬

‫ظهير ‪ 78‬ماي ‪.8324‬‬

‫وتطرح مسألة عدم جواز تسليم الشخص الذي صدر في حقه حكم نهائي في الجريمة‬

‫املطلوبة من أجلها التسليم التساؤل عن طبيعة هذا الحكم‪ ،‬بمعنى هل يشترط فيه أن‬

‫يكون حكما نهائيا يقض ي بالعقوبة أم البراءة؟ وهل يلزم أن يتم تنفيذ هذا الحكم حتى‬

‫يرفض طلب التسليم أم أنه يعتد به رغم كونه لم ينفذ؟‬

‫تجدر اإلشارة أوال إلى أن معيار طبيعة الحكم الذي بصدوره يفرض االمتناع عن‬

‫التسليم هو الحكم‪ 760‬املكتسب لقوة الش يء املقض ي به‪ ،‬أي الحكم ذلك الحكم الذي لم‬

‫‪ -758‬قرار عدد ‪ 6060‬صدر بتاريخ ‪ 64‬أبريل ‪ ،6914‬الملف الجنائي‪ ،‬رقم ‪ ،69214‬أورده يوسف المنصوري‬
‫في تسليم المجرمين بين القانون الداخلي واالتفاقيات الثنائية‪ ،‬رسالة نهاية التدريب بالمعهد العالي للقضاء‪ ،‬الفوج‬
‫‪ ،2005-2002 ،22‬ص‪.68.‬‬
‫‪ -759‬قرار صادر بتاريخ ‪ 20‬غشت ‪ ،6989‬في ملف جنائي تحت رقم ‪6585/28‬ن أورده يوسف المنصوري‪،‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.60:‬‬
‫‪ -760‬مع اإلشارة أن مصطلح الحكم يسري ليشمل كل من األحكام والقرارات واألوامر الصادرة عن السلطة‬
‫القضائية حسب المادة ‪ 215‬من قانون المسطرة الجنائية‪.‬‬

‫‪P 542‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫يعد قابال ألي طعن عادي أو غير عادي‪ ،‬وهو ما تم التنصيص عليه في املادة ‪ 4/278‬من‬

‫ق‪.‬م‪.‬ج التي اشترطت"أن يكون الحكم الذي يقض ي بعدم جواز التسليم نهائيا"‪ ،‬وتم تأكيد‬

‫نفس القاعدة في مجموعة من االتفاقيات الدولية الثنائية والجماعية بشأن تسليم‬

‫املجرمين‪ ،‬من ذلك مثال االتفاقية املغربية الفرنسية ‪ ،‬التي تقض ي في الفقرة الثانية من‬

‫الفصل‪ 99‬منها برفض التسليم إذ كان قد سبق صدور حكم نهائي بشأن تلك األفعال في‬

‫الدولة املطلوب منها التسليم‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬فحتى يرفض طلب التسليم في هذه الحالة‪ ،‬يجب أن تكون الدولة املطلوب‬

‫منها التسليم قد أصدرت مقررا مكتسبا لقوة الش يء املقض ي به في الجريمة املطلوب من‬

‫أجلها التسليم سواء باإلدانة أو البراءة‪ ،‬بيد أنه إذا كان الحكم الصادر باإلدانة ال يطرح أي‬

‫إشكال‪ ،‬فإن الحكم الصادر بالبراءة قد يطرح بعض الصعوبات بين ما إذا تعلق األمر‬

‫باالستناد إلى أسباب واقعية أو قانونية للحكم بالبراءة فإذا صدر حكم بالبراءة‪ ،‬لوجود‬

‫سبب من األسباب القانونية‪ .‬كتقادم الجريمة‪ ،‬أو صدر بشأنها عفو‪ ،‬أو تم إلغاء النص‬

‫الذي يجرم هذا الفعل‪ ،‬ففي هذه الحالة يرفض التسليم النقضاء أحد شروطه‪ 761‬أما في‬

‫حالة إذا تعلق األمر بحكم صادر بالبراءة ألسباب واقعية‪ ،‬كعدم ثبوت ارتكابه للجريمة‪ ،‬فإن‬

‫هذا الحكم ال يمكن أن يقف حائال دون تسليمه للدولة الطالبة‪ ،‬طاملا كون هذه األخيرة‬

‫تتقدم بحجج قوية تثبت إسناد الفعل في حق املطلوب تسليمه‪ ،762‬واألمر نفسه ينطبق على‬

‫‪ -761‬المادة ‪ 4/826‬من قانون المسطرة الجنائية‪.‬‬


‫‪ -762‬هذا مع اإلشارة أن هذه الحجة إما أن تكون حكما نهائيا صادرا في حق المطلوب تسليمه‪ ،‬ال ينفذ بحيث‬
‫يجب على الدولة الطالبة في هذه الحالة أن ترفق طلب التسليم بنسخة من هذا الحكم‪ ،‬ويتعلق األمر بتقديم أدلة ضد‬
‫شخص موضوع متابعة جنائية‪ ،‬بحيث يجب أن تكون هذه األدلة قوية وكافية‪.‬‬

‫‪P 543‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫الحكم الذي لم يتم تنفيذه بحيث إذا كان عدم التنفيذ يرجع إلى أسباب قانونية‪ ،‬فإنه‬

‫يمنع معه التسليم في حين إذا كان عدم التنفيذ يرجع لوجود أسباب واقعية كفرار املحكوم‬

‫عليه‪ ،‬فإنه ال يقف حائال لرفض التسليم‪.‬‬

‫كما يمكن أن يطرح إشكال آخر‪ ،‬بخصوص أمر بحفظ امللف الذي تتخذه النيابة‬

‫العامة‪ ،763‬فهل يمكن أن يكون مانعا للتسليم؟‬

‫تجدر اإلشارة إلى أن قرار حفظ امللف‪ .‬ليس بحكم قضائي متمتع بقوة الش يء املقض ي‬

‫به‪ ،‬وإنما هو تدبير إداري يمكن للنيابة العامة أن تتراجع عنه‪.‬‬

‫وبناءا عليه‪ ،‬فإن قرار حفظ امللف‪ ،‬ال يقف حائال دون االستجابة لطلب التسليم‪ ،‬ما‬

‫لم توجد مقتضيات مخالفة في االتفاقية الثنائية والجماعية املبرمة بين الدول بشأن‬

‫التسليم‪ ،‬ومن ذلك‪ ،‬االتفاقية املغربية التركية‪ ،‬التي نصت في الفقرة الثانية من املادة ‪،77‬‬

‫برفض التسليم‪ ،‬إذا صدر عن السلطات القضائية للطرف املتعاقد املطلوب مقرر بالحفظ‬

‫أو بعدم املتابعة‪.‬‬

‫وأخيرا قد يثار إشكال‪ ،‬في حالة االستناد إلى حكم صادر من دولة ثالثة؟‬

‫اإلجابة عن هذا اإلشكال‪ ،‬تقتض ي الرجوع إلى نصوص االتفاقيات املبرمة بين الدول‬

‫بشأن التسليم‪ ،‬فإذا كانت تجيز االعتداد بالحكم الصادر عن دول ثالثة فال‬

‫‪ -763‬نظرا لسلطة المالئمة التي تتمتع بها بمقتضى المادة ‪ 50‬من قانون المسطرة الجنائية في فقرتها ‪ ،5‬المتعلقة‬
‫بالوكيل للملك والمادة ‪ 59‬من نفس القانون في فقرتها السادسة (المتعلقة بالوكيل العام للملك)‪.‬‬

‫‪P 544‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫إشكال‪،764‬بشرط ان يكون حكما نهائيا‪ ،‬وقد سبق للغرفة الجنائية باملجلس األعلى‪ ،‬أن‬

‫أكدت في أحد قراراتها‪ ،765‬أن القرار الصادر عن قاض ي التحقيق بمقاطعة بسويسرا بعدم‬

‫املتابعة‪ ،‬يعد قرارا مؤقتا بطبعه‪ ،‬وقابل للرجوع فيه‪ ،‬وليس بمثابة الحكم الفاصل في‬

‫موضوع الدعوى العمومية‪ ،‬وبالتالي ال يكون حائال دون االستجابة لطلب التسليم الذي‬

‫تقدمت به السلطات الجزائرية‪ ،‬أما إذا خلت بنود االتفاقية من نص خاص يحل هذا‬

‫اإلشكال‪ ،766‬فيتم الرجوع إلى القواعد العامة في القانون الجنائي‪ ،‬وبالتالي عدم األخذ‬

‫بحجية هذا الحكم‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬عدم وجود اختصاص قضائي لدولة امللجأ‪.‬‬

‫يستند هذا املبدأ إلى فكرة سيادة الدولة على إقليمها‪ ،‬إذ أن األصل في االختصاص‬

‫الجنائي يرجع إلى قضاء الدولة التي ارتكبت الجريمة داخل إقليمها‪ ،‬وهو األمر الذي تكاد‬

‫تجمع عليه التشريعات الوطنية واالتفاقيات الثنائية والجماعية املنظمة لتسليم املجرمين‪.‬‬

‫وقد نص املشرع املغربي على هذا املبدأ في الفصل ‪ 80‬من ق‪.‬ج‪ ،767‬األمر الذي يترتب‬

‫عليه إسناد والية البث في الجرائم املرتكبة داخل السيادة املغربية للقضاء املغربي بغض‬

‫‪ -764‬ومن بين اتفاقيات التي عقدها المغرب‪ ،‬والمتضمنة لهذا الشرط‪ ،‬االتفاقية المغربية الفرنسية (ق‪)4/22‬‬
‫واالتفاقية المغربية البلجيكية (م‪ ،)8‬واالتفاقية المغربية المصرية (م‪ ،)22‬واالتفاقية المغربية الجزائرية (م ‪25‬‬
‫)في فقرتها األخيرة‪.‬‬
‫‪ -765‬قرار عدد ‪ ،442‬صادر بتاريخ ‪ 0‬ماي ‪ ،6919‬مجلة قضاء المجلس األعلى‪ ،‬اإلصدار الرقمي دجنبر‬
‫‪ ،2000‬عدد ‪ ،60‬ص‪.94:‬‬
‫‪ -766‬ومثال ذلك اتفاقية المغرب مع اإلمارات العربية المتحدة التي تتضمن أي مقتضى يشير إلى رفض التسليم‪،‬‬
‫إذا تعلق األمر بحكم صادر عن دولة ثالثة‪.‬‬
‫‪ -767‬الذي ينص على ما يلي‪":‬التشريع الجنائي المغربي يسري على كل ما يوجد بإقليم المملكة من وطنيين‬
‫وأجانب‪ ،‬وعديمي الجنسية‪ ،...‬هذا مع اإلشارة انه يدخل في عداد اإلقليم كل من السفن والطائرات المغربية أينما‬
‫وجدت وفقا للفصل ‪ 60‬ق‪.‬ج) ‪.‬‬

‫‪P 545‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫النظر عن جنسية الجاني أو املجني عليه‪ ،‬وال لنوع الحق الذي تم املساس به‪ ،‬وبالتالي فال‬

‫يبقى أي مبرر لتسليمه لدولة أخرى‪.‬‬

‫وفي ضوء هذه االعتبارات‪ ،‬عملت االتفاقيات الثنائية والجماعية التي أبرمتها الدول‬

‫في مجال تسليم املجرمين‪ 768،‬على إيراد بنود صريحة تقض ي بعدم جواز التسليم في حالة‬

‫كون األفعال التي يطلب من أجلها قد ارتكبت في الدولة املطلوب منها التسليم‪.‬‬

‫بيد أنه إذا كان إجماع التشريعات الوطنية واالتفاقيات الدولية على حظر التسليم‬

‫تطبيقا لالختصاص اإلقليمي للدولة املطلوب منها التسليم‪ ،‬فإن التساؤل يبقى قائما بشأن‬

‫جواز رفض التسليم استنادا إلى معيار آخر من معايير االختصاص‪ ،‬كاالختصاص الشخص ي‬

‫في شقيه اإليجابي أو السلبي أو معيار االختصاص العيني؟‬

‫يبدو أن اإلجابة للوهلة األولى‪ ،‬ستكون بالنفي‪ ،‬بحيث أن سائر االتفاقيات الثنائية‬

‫والجماعية في مجال التسليم تقريبا‪ ،769‬ال تجيز للدولة رفض التسليم إال في حالة توفر‬

‫شروط مبدأ اإلقليمية‪ ،‬وهو ما تم تكريسه أيضا على مستوى التشريعات الوطنية‪ ،770‬غير‬

‫أن هذه املسألة تحتاج إلى توضيح وتدقيق‪.‬‬

‫‪ -768‬وهذا المقتضى القانوني ثم التنصيص عليه حتى على مستوى القوانين الداخلية ومن ذلك المادة ‪ 2/826‬من‬
‫قانون المسطرة الجنائية التي تنص على أنه "ال يوافق على التسليم إذا كانت الجنايات والجنح المطلوب من أجلها‬
‫التسليم ارتكبت بأراضي المملكة المغربية‪.‬‬
‫‪ -769‬من ذلك االتفاقية المغربية (م‪ )6/24‬االتفاقية المغربية الفرنسية (م‪ )6/22‬االتفاقية المغربية البلونية‬
‫(ق‪ ،)6/29‬االتفاقية المغربية االسبانية (م‪.)1‬‬
‫‪ -770‬المادة ‪ 2/826‬من قانون المسطرة الجنائية التي تنص على ما يلي "ال يوافق على التسليم‪...‬إذ ارتكبت‬
‫الجنايات أو الجنح بأراضي المملكة المغربية‪.)...‬‬

‫‪P 546‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫ففي حالة توافر اختصاص الدولة بموجب مبدأ الشخصية‪ 771‬ولنفرض أن شخصا‬

‫يحمل جنسية دولة (أ) ارتكب جريمة في دولة (ب)‪ ،‬ثم عاد إلى دولة (أ)‪ ،‬وحصل أن قدمت‬

‫دولة (ب) طلبا للتسليم‪ ،‬هذا الشخص فإنه يحق في هذه الحالة لدولة (أ) رفض التسليم‪،‬‬

‫استنادا إلى مبدأ آخر هو مبدأ عدم تسليم الدولة ملواطنيها‪ ،‬ثم أنه يحق لهذه الدولة‬

‫محاكمة مواطنيها وفق ملبدأ الشخصية في شقه اإليجابي‪.772‬‬

‫إال أنه قد يثور اإلشكال مجددا‪ ،‬في الحالة املعاكسة‪ ،‬إذ يكون اختصاص الدولة‬

‫مستندا إلى مبدأ الشخصية في شقه السلبي‪ ،‬ولنفترض أن شخصا يحمل جنسية دول (أ)‬

‫ارتكبت في حقه جريمة من شخص يحمل جنسية دولة (ب)‪ ،‬وداخل إقليمها‪ ،‬ثم تواجد‬

‫هذا األخير لسبب أو آلخر‪ ،‬داخل إقليم دولة (أ)‪ ،‬ففي هذه الحالة ليس هناك ما يمنع رفض‬

‫دولة (أ)‪ ،‬دون تسليم هذا الشخص إلى دولة تطالب بمتابعته‪.773‬‬

‫أما بخصوص االختصاص العيني‪ ،‬فمن املعلوم أنه يمنع للدولة بمتابعة كل من ارتكب‬

‫جريمة تمثل إضرار ببعض مصالحها األساسية‪ ،774‬وذلك أيا كان مكان ارتكابها أو جنسية‬

‫‪ -771‬إذ من المعلوم أن االتجاهات الحديثة والتطورات الدولية تسمح باالمتداد واالختصاص الجنائي للدولة خارج‬
‫حدودها اإلقليمية‪ ،‬ومن بين هذه االختصاصات‪ ،‬االختصاص الجنائي الشخصي الذي يكفل تحقيق العدالة على نطاق‬
‫واسع‪ ،‬وتتبع الجناة حتى ال يفلتوا من العقاب‪ ،‬خاصة بعد ارتكاب جرائمهم بالخارج لشعورهم المستمر بأن العدالة‬
‫تالحقه أينما وجد وا‪ ،‬بالهروب ال يحصنهم من الخضوع ألحكام القانون الجنائي الوطني‪ ،‬كما يكفل هذا المبدأ في‬
‫شقه السلبي حماية مواطني الدول في الخارج عند تعرضهم العتداء إجرامي يكتسي صبغة جنائية‪.‬‬
‫‪ -772‬وهو ما كرسه المشرع المغربي في المادة ‪ 808‬و ‪ 800‬من قانون المسطرة الجنائية‪.‬‬
‫‪ -773‬هذا طبعا ما لم يثبت الجاني صدور حكم مكتسب قوة الشيء المقضي به بخصوص هذه الجريمة في دولته‬
‫(المادة ‪ 2/860‬من قانون المسطرة الجنائية)‪.‬‬
‫‪ -774‬المتمثل في الجنايات والجنح ضد أمن الدولة أو تزييف أختام الدولة‪ ،‬أو تزييف أو تزوير النقود أو أوراق‬
‫بنكية وطنية متداولة بالمغرب بصفة قانونية أو المكاتب العمومية المغربية (م ‪ 8662‬من قانون المسطرة الجنائية)‪.‬‬

‫‪P 547‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫مرتكبيها‪ ،‬وعليه إذا طلب من املغرب مثال تسليم املتهم بارتكاب هذه الجريمة واملتواجد‬

‫بإقليمها‪ ،‬فهل يمكن أن يمتنع عن تسليمه؟‬

‫إن االتفاقيات الثنائية والجماعية التي عقدها املغرب بخصوص التسليم‪ ،‬ال تجيز له‬

‫رفض التسليم‪ ،‬إال إذا ارتكبت الجريمة في إقليمه‪ .‬لكن هذا على ما يبدو ليس فيه ما يمنع‬

‫برفض الدولة املغربية لهذا التسليم‪ ،‬على اعتبار أنه حتى لو كانت اتفاقيات التسليم لم‬

‫تنص على رفض التسليم طبقا ملبدأ العينية إال أنها لم تمنع ذلك بصفة صريحة‪ ،‬بل يمكن‬

‫للدولة في هذه الحالة أن تستند إلى مانع أخذ كون الجريمة مطلب التسليم‪ ،‬موضوع‬

‫متابعة من قضائها‪.775‬‬

‫هذا وإن كان املشرع املغربي اكتفى‪ ،‬بمنع التسليم بالنسبة للجرائم التي تقع فوق‬

‫سيادته‪ ،‬فإنه يمكن أن يثار إشكال‪ ،‬يتعلق بتحديد مكان وقوع الجريمة‪ ،‬وهل يشمل‬

‫املساهمين واملشاركين املتواجدين بين الخارج؟‬

‫بالنسبة لإلشكال األول‪ ،‬فبالرجوع إلى الفقرة الثانية من املادة ‪ 204‬من ق‪.‬م‪.‬ج التي‬

‫تنص على أن "كل جريمة يتم داخل املغرب ارتكاب أحد األفعال التي تشكل عنصرا من‬

‫عناصر تكوينها تعتبر كما لو ارتكبت في أراض ي اململكة"‪.‬‬

‫‪ -775‬ونظرا لما قد تطرحه مسألة االختصاص الجنائي من إشكاالت قام المشرع اللبناني بوضع مقتضيات تمنع‬
‫التسليم‪ ،‬استنادا ألي من معايير االختصاص اإلقليمي أو العيني أو الشخصي‪( ،‬م‪ 22‬من قانون العقوبات اللبناني)‪.‬‬

‫‪P 548‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫إذن يستفاد من هذه املادة انه ال يشترط أن تقع صور الجريمة كلها في إقليم‬

‫الدولة‪ ،776‬بل يكفي أن يتحقق أحد عناصرها حتى تكون الدولة مختصة للبث فيها‪ ،‬وقد‬

‫تضمنت بعض من االتفاقيات التي عقدها املغرب بشأن التسليم على هذا الشرط‪ .777‬ومن‬

‫ذلك االتفاقية املغربية املصرية‪ ،‬التي جاء في املادة ‪ 4/78‬على أنه "يرفض التسليم‪ ،‬إذا‬

‫كانت الجريمة املطلوب من أجلها التسليم قد ارتكبت كلها أو بعضها في الدولة املطلوب‬

‫منها أو في أي مكان يخضع لواليتها القضائية"‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬يمكن للدولة أن تمتنع عن التسليم بمجرد وقوع عنصر من عناصر الجريمة‬

‫داخل ترابها‪ ،‬ويعتبر هذا املقتض ى ذا أهمية بمكان‪ ،‬خاصة فيما يتعلق بحكم التسليم في‬

‫الجرائم التي يتم تدويل مكان وقوعها‪ ،‬فهذه الجرائم يستمر النشاط املكون لها أو تتوزع‬

‫األفعال املكونة لها عبر إقليم أكثر من دولة‪ ،‬ويترتب على ذلك اعتبار أكثر من دولة مختصة‬

‫وفقا ملبدأ اإلقليمية بمتابعة فاعلي هذه الجرائم‪ ،‬وعليه يحق لكل من هذه الدول االمتناع‬

‫عن تسليم هؤالء لكون الجريمة قد تحققت في إقليمها‪.‬‬

‫وهكذا فمسك املخدرات يمكن أن يتحقق على إقليم كل دولة تمت فيه هذا املسك‬

‫الغير املشروع‪ ،‬حتى ولو تواصل استمرار هذا املسك على أكثر من دولة‪ ،‬وبالتالي يحق لكل‬

‫‪ -776‬إن إقليم الدولة ال ينحصر في المجال الترابي والجوي والبحرين بل تدخل في نطاقه أيضا السفن والطائرات‬
‫المغربية أينما وجدت سواء كانت مملوكة للمغرب أو لغير‪ ،‬إذا كانت تحمل العلم المغربي بصرف النظر عن مجال‬
‫تنقلها أو المكان الذي ترسوا به الباخرة‪ ،‬او تحط به الطائرة (المواد ‪ 801 ،804‬من قانون المسطرة الجنائية‬
‫المغربي)‪.‬‬
‫‪ -777‬من ذلك االتفاقية المغربية البلجيكية (م‪.)6/4‬‬

‫‪P 541‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫دولة من هذه الدول أن ترفض تسليم املتهم املتواجد في إقليمها‪ ،‬حتى ولو كان طلب التسليم‬

‫مقدما من دولة تحقق هذا الفعل على إقليمها‪.778‬‬

‫كما يجب التأكيد‪ ،‬أن تحقق عنصر من عناصر الجريمة داخل إقليم الدولة‪ ،‬يمكن‬

‫أن يشمل حتى أعمال املشاركة واإلخفاء في ارتكابها‪ .‬ولو حتى في حالة تم ارتكابها خارج‬

‫اململكة ومن طرف أجانب‪.779‬‬

‫ألن العبرة في مبدأ اإلقليمية‪ ،‬مكان وقوع الفعل بصرف النظر عن مكان تواجد‬

‫الفاعل‪ ،‬وسواء أكان مغربيا أو أجنبيا‪ ،‬فلو قام مواطن مغربي بتصدير مخدرات إلى إسبانيا‪،‬‬

‫وقام مواطن إسباني باستقبال هذه املخدرات وروجها داخل التراب اإلسباني‪ ،‬فإنه يكون‬

‫بهذا الفعل قد أعان املواطن املغربي‪ ،‬لذا تجب محاكمته على هذا األساس أمام املحاكم‬

‫املغربية‪ ،780‬وإذا فرض أن تواجد باملغرب‪ ،‬فإنه ال يمكن تسليمه لدولة أخرى‪.‬‬

‫وأخيرا يمكن أن يقع تعارض بين االختصاص املنعقد لعدد من الدول‪ ،‬التي قد تتقدم‬

‫بطلبات التسليم من أجل جريمة واحدة‪ ،‬ونعطي مثال‪ ،‬بشخص جزائري يرتكب تزوير‬

‫للنقود الفرنسية في تونس‪ ،‬ثم يهرب إلى املغرب‪ ،‬فإنه يكون في هذه الحالة من حق تونس‬

‫‪ -778‬بالنسبة لجرائم المخدرات فقد تم تأكيد هذه المسألة في اتفاقية األمم المتحدة لمكافحة االتجار غير المشروع‬
‫في المخدرات والمؤثرات العقلية الموقعة بفيينا في ‪ 20‬ديسمبر ‪ ،6900‬بحيث جاء في المادة في فقرتها الثانية ما‬
‫يلي‪:‬‬
‫أ‪-‬يتخذ أيضا ما يعزم من تدابير بتقرير اختصاصها القضائي في مجال الجرائم التي قررها وفق الفقرة ‪ 6‬من المادة‬
‫‪ ،2‬عندما يكون الشخص المنسوب إليه ارتكاب الجريمة موجودا داخل إقليمه وال يسلمه إلى طرف آخر على أساس‪:‬‬
‫‪-6‬أن الجريمة ارتكبت في إقليمها‪)....‬‬
‫‪ -779‬استنادا إلى المادة ‪ 2/805‬من قانون المسطرة الجنائية‪.‬‬
‫‪ 780‬تطبيقا ألحكام ظهير ‪ 26‬ماي ‪ ،6985‬فإن اختصاص المحاكم المغربية يمتد إلى كل جرائم المخدرات الواردة‬
‫به والتي يمكن أن ترتكب خارج المغرب‪ ،‬إذا كان أحد األفعال المؤسسة بالجريمة قد ارتكبت في المغرب‪ ،‬كما‬
‫يمكن أن تمتد إلى أفعال المشاركة أو اإلخفاء التي يمكن أن تكون أرتكبت بالخارج(م ‪ 1‬من الظهير المذكور)‪.‬‬

‫‪P 551‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫طلب تسليمه باعتبارها صاحبة االختصاص اإلقليمي‪ ،‬كما يمكن لفرنسا أن تطالب‬

‫بتسليمه على أساس مبدأ االختصاص العيني‪ ،‬ويمكن أيضا للجزائر أن تطالب بتسليمه‬

‫على أساس االختصاص الشخص ي وعليه تكون في هذه الحالة أمام تعدد االختصاص عن‬

‫جريمة واحدة‪ ،‬فإلى أي دولة يجب أن يسلم؟‬

‫إن املشرع املغربي‪ ،‬وضع حدا لهذه اإلشكالية في املادة ‪ 274‬من ق‪.‬م‪.‬ج التي تعطي‬

‫األولوية في التسليم للدولة التي عقدت اتفاقية تسليم مع املغرب‪ ،‬وإذا كانت كلها مرتبطة‬

‫مع املغرب باتفاقية‪ ،‬فإنه يرجع إلى درجة ضرر الجريمة بمصالح الدولة‪ ،‬وإذا لم ينتج عنها‬

‫أي ضرر‪ ،‬فيمنح التسليم للدولة التي ارتكبت الجريمة داخل إقليمها‪.‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬الشروط اإلجرائية لنظام تسليم املجرمين‬ ‫‪.87‬‬

‫يخضع تسليم املجرمين إلجراءات مسطرية منها ما يخص الدولة الطالبة التسليم‬

‫وأخرى تخص الدولة املطلوب منها التسليم‪ ،‬في إطار احترام أولوية تطبيق االتفاقيات‬

‫الدولية على التشريعات الوطنية‪ ،‬فهل يتعلق األمر بخصوصيات تميز إجراءات التسليم في‬

‫حالة كون املغرب دولة طالبة؟(املطلب األول)‪ ،‬وما هو موقف املغرب في حالة كونه دولة‬

‫مطلوب منها التسليم(املطلب الثاني)‪.‬‬

‫‪P 551‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫الفقرة األولى‪ :‬إجراءات التسليم في حالة كون املغرب دولة طالبة‬ ‫‪.82‬‬

‫للتسليم‬

‫تطبق مقتضيات االتفاقيات الثنائية املبرمة مع املغرب عندما يتعلق األمر بتقديم‬

‫طلب التسليم‪ ،‬وعند عدم وجود أية اتفاقية فإن القانون املغربي يطبقه ال محالة‪ ،‬مع‬

‫األخذ بعين االعتبار قانون الدولة املطلوب منها التسليم احتراما ملبدأ املعاملة باملثل‪،‬‬

‫وتقتض ي مسطرة التسليم من حيث املبدأ تدخل سلطات متعددة من أجل تفعيلها‪،‬‬

‫ويتفاوت تدخل هذه السلطات حسب املراحل التي يمر منها طلب التسليم‪ ،‬يتعلق األمر‬

‫بالسلطات القضائية والحكومية واإلدارية‪ ،‬ولن يفعل طلب التسليم ما لم تتوفر فيه‬

‫شروط وشكليات محددة‪ ،‬بنص القانون‪.‬‬

‫أوال‪:‬السلطات املغربية املطالبة بالتسليم‬

‫تتميز مسطرة تسليم املجرمين بطابع تعدد السلط املتدخلة في تنظيمها‪ ،‬ويكتس ي‬

‫الجهاز القضائي‪ ،‬إلى جانب األجهزة الحكومية واإلدارية أهمية كبرى في تفعيل هذه املسطرة‪.‬‬

‫أ‪-‬السلطات القضائية املختصة‬

‫إذا كان التسليم ممارسا من قبل السلطات املغربية فاألمر يتعلق بتسليم إيجابي‪،‬‬

‫يقابله التسليم السلبي الذي تمارسه الدولة املطلوب منها التسليم‪.‬‬

‫ولعل أهم جهة قضائية أوكل لها القانون التدخل في تفعيل مسطرة تسليم املجرمين‬

‫جهاز النيابة العامة بشكل عام‪ ،‬والنيابة العامة لدى محكمة الرباط بشكل خاص‪ ،‬حيث‬

‫‪P 552‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫نص املشرع املغربي في الفقرة الثالثة من املادة ‪ 40‬من قانون املسطرة الجنائية على‬

‫أنه"يحق لوكيل امللك لضرورة تطبيق مسطرة تسليم املجرمين إصدار أوامر دولية بالبحث‬

‫وإلقاء القبض‪ ،"....‬ونفس املقتض ى نص عليه املشرع املغربي في املادة ‪ 43‬من ق‪.‬م‪.‬ج‬

‫بالنسبة للوكيل العام للملك‪.‬‬

‫كما خول القانون لقاض ي التحقيق إصدار أوامر بإلقاء القبض بعد أخذ رأي النيابة‬

‫العامة‪ ،‬إذا كان املتهم مقيما خارج أراض ي اململكة وهذا ما أكدته الفقرة ‪ 7‬من املادة ‪824‬‬

‫من ق‪.‬م‪.‬ج‪ ،‬ومما تجدر اإلشارة إليه في هذا الصدد أن شكليات التسليم منظمة وفقا‬

‫لالتفاقيات الدولية الثنائية‪ ،‬وعند غياب هذه املعاهدة تطبق املقتضيات الواردة في اتفاقية‬

‫إذا تعلق‬ ‫العقلية‪781‬‬ ‫األمم املتحدة ملكافحة االتجار غير املشروع في املخدرات واملؤثرات‬

‫التسليم بجرائم املخدرات‪ ،‬طبقا للفقرة ‪ 9‬من املادة ‪ 7‬من هذه االتفاقية‪ ،‬أما على املستوى‬

‫التعاون القضائي العربي فطلب التسليم تحدد شكلياته وفقا لالتفاقيات الثنائية‪ ،‬وفي حالة‬

‫عدم وجودها‪ ،‬وعندما يتعلق األمر بجرائم املخدرات والجرائم الناتجة عنها‪ ،‬فتطابق بهذا‬

‫الشأن املقتضيات املتضمنة في االتفاقية العربية ملكافحة االتجار غير املشروع في املخدرات‬

‫واملؤثرات العقلية‪ ،782‬وهذا ما نصت عليه املادة ‪ 7‬في فقرتها الثانية‪.‬‬

‫‪- 781‬ظهير شريف رقم ‪ 6-92-202‬صادر في ‪ 64‬ذي القعدة ‪ 29(6522‬يناير ‪ )2002‬بنشر اتفاقية األمم المتحدة‬
‫لمكافحة االتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية الموقعة في فينا في ‪ 20‬دجنبر ‪ ،6900‬الجريدة‬
‫الرسمية عدد ‪ 6999‬بتاريخ ‪ ،2002-5-29‬ص‪.6620 :‬‬
‫‪- 782‬ظهير شريف رقم ‪ 6-41-680‬صادر في ‪ 29‬ربيع األول ‪ 22(6522‬يونيو ‪ ،)2006‬بنشر االتفاقية العربية‬
‫لمكافحة االتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية‪ ،‬جريدة رسمية عدد ‪ 4006‬بتاريخ ‪،2002-4-1‬‬
‫ص ‪.6219‬‬

‫‪P 553‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫ب‪ -‬دور الجهاز الحكومي‬

‫أضحى تدخل الجهاز الحكومي في تنظيم مسطرة تسليم املجرمين أمرا ضروريا نظرا‬

‫للطابع الدبلوماسية الذي يميز العالقات الدولية‪ ،‬ويتجلى هذا التدخل في سهر وزارة العدل‬

‫على تهيئة ملف الطلب الذي يتم توجيهه بعد ذلك إلى مصالح وزارة الخارجية‪ ،‬وعن طريق‬

‫املصالح الدبلوماسية يجعل طلب التسليم إلى الدولة املطلوب منها التسليم‪ ،‬وهذا ما نص‬

‫عليه املشرع املغربي في املادة ‪ 272‬من قانون املسطرة الجنائية‪.‬‬

‫وفي الجانب اآلخر تقوم حكومة دولة امللجأ بالتـأكد من توفر الوثائق املطلوبة واملرفقة‬

‫بطلب التسليم لكي تقرر قبولها أو رفضها لهذا الطلب‪ ،783‬وذلك بالطبع قبل إحالته على‬

‫القضاء املختص ليقول كلمته األخيرة‪.‬‬

‫ج‪ -‬دور األجهزة اإلدارية‪.‬‬

‫إن إسباغ الصيغة التنفيذية على طلب التسليم لن تتم عن طريق أجهزة خول لها‬

‫القانون االختصاص التقني للتنفيذ‪ ،‬ويتعلق األمر بجهاز الشرطة القضائية على املستوى‬

‫الوطني‪ ،‬وجهاز الشرطة الجنائية الدولية(األنتربول) على املستوى الدولي‪ ،‬وفي إطار التعاون‬

‫األمني بين كال الجهازين تمر عملية التسليم في ظروف جيدة ومهنية عالية‪ ،‬ويتأتى هذا‬

‫التنسيق عن طريق شرطة البلدين الطالبة واملطلوبة‪ ،‬ثم عن طريق املكتب اإلقليمي‬

‫األنتربول باملغرب والكائن مقره بالدار البيضاء‪ ،‬ولقد دأبت املنظمة الدولية للشرطة‬

‫‪- 783‬أنظر فيما يتعلق بهذه الوثائق والمرفقات المادة ‪ 25‬من االتفاقية المغربية الفرنسية المتعلقة بالتعاون القضائي‬
‫وتسليم المجرمين‪.‬‬

‫‪P 554‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫الجنائية منذ تأسيسها سنة ‪ 784 8399‬على تحقيق هذا الهدف من خالل تبادل املعلومة‬

‫األمنية مع جميع مكاتبها وفروعها وعبر العالم‪ ،‬وعلى سبيل املثال يضطلع املكتب اإلقليمي‬

‫لألنتربول باملغرب بمهام كبرى‪ ،‬فبمجرد توصله عن طريق وزارة العدل بوجود قرار إلقاء‬

‫قبض دولي‪ ،‬فإن املكتب املركزي لإلنتربول يقوم بجميع اإلجراءات الالزمة كتقديم طلب‬

‫الحصول على معلومات من الكتابة العامة بواسطة برقية وإصدار إعالن بحث قصد إدانته‬

‫عامليا في إطار ما يسمى بالنشرات الخبراء‪ ،‬كما يطلب هذا املكتب من جميع املصالح األمنية‬

‫مده باملعلومات الالزمة لتحديد مكان املشتبه بهم‪ ،‬وفي حالة االستعجال‪ -‬كما إذا كان‬

‫املجرم يشكل خطرا على النظام العام‪ -‬يلتمس هذا املكتب اعتقال املشتبه بع اعتقاال‬

‫مؤقتا‪ ،785‬في انتظار إرسال طلب تسليم رسمي‪.786‬‬

‫‪- 784‬ظهرت أولى بوادر المنظمة الدولية للشرطة الجنائية سنة ‪ ،6965‬على أثر انعقاد المؤتمر الدولي للشرطة‬
‫الجنائية‪ ،‬وسنة ‪ 6922‬بمدينة فينا ثم إنشاء األنتربول‪ ،‬وسنة ‪ 6961‬نقل مركزها إلى باريس‪ ،‬وسنة ‪ ،09‬ثم تنشئة‬
‫مقر المنظمة الجديد بمدينة ليون الفرنسية‪.‬‬
‫‪- 785‬وهو ما نصت عليه المادة ‪ 829‬من قانون المسطرة الجنائية " يمكن لوكيل الملك‪ ...‬أو بناء على إشعار من‬
‫مصالح المنظمة الدولية للشرطة الجنائية أنتربول أن يأمر باعتقال شخص أجنبي مؤقتا"‬
‫أنظر أيضا المادة ‪ 24‬من االتفاقية المغربية الفرنسية بشأن التعاون القضائي وتسليم المجرمين والتي تنص على ما‬
‫يلي"ففي الحاالت المستعجلة وبناء على رغبة السلطات المختصة في الدولة الطالبة يوقف الشخص المطلوب توقيفا‬
‫احتياطيا‪"...‬‬
‫‪ - 786‬رحمة زروق‪ :‬نظام تسليم المجرمين بين قانون المسطرة الجنائية واالتفاقيات الدولية بحث نهاية التكوين في‬
‫ماستر القانون الجنائي والعلوم الجنائية‪ ،‬كلية الحقوق وجدة‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ، ،2009-2000‬ص ‪.16‬‬

‫‪P 555‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫ثانيا‪ :‬البيانات الشكلية في طلب التسليم‪.‬‬

‫إن املشرع املغربي ومن خالل نص املادة ‪ 277‬قانون املسطرة الجنائية‪ .‬قد أكد على‬

‫مجموعة من الشكليات والتي ينبغي احترامها في حالة تقديم طلب التسليم إلى دولة أجنبية‬

‫أخرى‪ ،‬وذلك ضمانا لتطبيق القانون الجنائي ضد جميع املجرمين‪ ،‬وعلى هذا األساس كان‬

‫البد ملسطرة التسليم أن تراعي بعض الشروط وذلك تحت طائلة رفض طلب الدولة‬

‫املغربية طالبة التسليم‪.‬‬

‫أ‪ -‬الشكليات املتعلقة بالوثائق الواجبة توفرها‬

‫تتعلق هذه الشكليات بالشخص محل الطلب‪ ،‬وباملسطرة املتبعة في حقه‪.‬‬

‫‪-8‬الوثائق املتعلقة بالشخص محل الطلب‬

‫إن طلب التسليم يجب أن يرفق بمجموعة من الوثائق التي يتم من خاللها تحديد‬

‫هوية وجنسية الشخص املطلوب تسليمه ‪ ،787‬وذلك تفاديا ألي خلط في هوية الشخص‬

‫املطلوب إلى جانب تمكين الدولة املطلوبة تطبيق مبدأ عدم تسليم الدولة لرعاياها‪.‬‬

‫‪-7‬الوثائق املتعلقة باملسطرة املتبعة في حق الشخص املطلوب‪:‬‬

‫ينصرف طلب التسليم املقدم من طرف املغرب إما إلى متابعة الشخص املطلوب وإما‬

‫إلى ضمان تنفيذ عقوبة قد سبق الحكم عليه بها من قبل القضاء املغربي‪.‬‬

‫‪- 787‬تجدر اإلشارة في هذه الصدد إلى أن المشرع المغربي نظم إجراءات تسليم المجرمين والمساطر المتعلقة بها‬
‫في حالة واحدة تتعلق بكون المغرب بلدا مطلوبا منه التسليم طبقا للمادة ‪ 821‬قانون المسطرة الجنائية أما الحالة‬
‫التي يكون فيها المغرب طالبا للتسليم فلم يتم تنظيمها من طرف المشرع‪.‬‬

‫‪P 556‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫ففي الحالة األولى على الحكومة تمكين الدولة املطلوب منها التسليم من النسخة‬

‫األصلية من أمر إلقاء القبض وملخص الوقائع إضافة إلى تعهد الدولة الطالبة بعدم‬

‫متابعة الشخص إال من أجل ما ارتكبه من جرائم‪.‬‬

‫أما في الحالة الثانية والتي يتم فيها طلب التسليم من اجل تنفيذ عقوبة فيجب إرفاق‬

‫الطلب بحكم أو بقرار اإلدانة الصادر عن إحدى املحاكم املغربية‪.‬‬

‫وقد تنضاف حالة أخرى يكون معها تبسيط الشكليات أمرا ضروري‪ ،‬وهي الحالة التي‬

‫يطلق عليها وصف االستعجال‪.‬‬

‫‪-9‬حالة االستعجال الواجب معها تبسيط الشكليات‬

‫استثناء من املبدأ الوارد في املادة ‪ 277‬قانون املسطرة الجنائية والقاض ي باتباع‬

‫الطريق الدبلوماسية في طلب التسليم‪ ،‬فقد تحدث حالة استعجال يكون معها لزاما‬

‫تبسيط الشكليات من أجل ضمان عدم إفالت الجاني خاصة عندما يتعلق األمر باملحرم‬

‫الخطير الذي يصعب القبض عليه‪ ،‬واستنادا إلى مجموعة من اتفاقيات التسليم الثنائية‬

‫املبرمة بين املغرب ودول أخرى‪ ،‬فنجدها قد اشترطت ضرورة تبسيط مسطرة التسليم عند‬

‫إتباع الطرق الدبلوماسية‪.‬‬

‫‪P 557‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫ب‪ -‬مصاريف مسطرة تسليم املجرمين‪.‬‬

‫تتطلب مسطرة تسليم املجرمين بعض املصاريف التي ينبغي للمغرب أن يدفعها في‬

‫حالة كونه دولة طالبة‪ ،‬إال أن هذه املسألة ال تخلو من أحد أمرين اثنين‪:‬‬

‫األمر األول‪ :‬الحالة التي يكون فيها املغرب مرتبطا بعالقة الجوار مع الدولة املطلوب‬

‫منها التسليم كالجزائر وموريطانيا‪ ،‬حيث أن السلطات املغربية يكون عليها أداء املصاريف‬

‫املتعلقة بإلقاء القبض على املتهم وحبسه احتياطيا فوق إقليم الدولة املطلوب منها‬

‫التسليم‪.788‬‬

‫األمر الثاني وهو الحالة التي ال يرتبط فيها املغرب بعالقة الجوار مع الدولة‬

‫املطلوبة(دولة امللجأ)‪ ،‬فإن جميع املصاريف التي تشمل تنقل الشخص املطلوب تسليمه‬

‫وتنقالت أفراد الشرطة املغربية تتحملها الحكومة املغربية‪.789‬‬

‫لكن في حاالت أخرى‪ ،‬قد يتطلب األمر ترحيل الشخص من الدولة املطلوبة إلى الدولة‬

‫الطالبة عبوره عدة دول مجاورة‪ ،‬هنا نتساءل من اإلجراءات الواجب اتخاذها احتراما ملبدأ‬

‫السيادة البلد محل العبور‪.‬‬

‫يقتض ي مبدأ التسليم بالعبور ترحيل الشخص املطلوب تسليمه مروره بعدة دول‪،‬‬

‫حيث يجب والحالة هذه التمييز بين أمرين اثنين إما أن يكون السماح بالعبور مرتبطا‬

‫‪- 788‬تنص المادة ‪ 51‬من االتفاقية المغربية الجزائرية على أن"الصوائر المترتبة عن مسطرة التسليم تتحملها الدولة‬
‫الطالبة‪ ،‬وال تطالب الدولة المطلوب إليها التسليم بأي صائر من المسطرة وال عن االعتقال‪.‬‬
‫‪- 789‬والحكومة المغربية في هذه الحالة هيا الدولة الطالبة‪ ،‬وقد نصت المادة ‪ 54‬من االتفاقية المغربية الفرنسية على‬
‫أنه"تتحمل الدولة الطالبة التسليم المصاريف التي تتسبب في إجراءاته على أال تطالب الدولة المطلوب إليها بأي‬
‫معروف من قبل اإلجراءات وال من قبل سجن الشخص المطلوب تسليمه‪.‬‬

‫‪P 558‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫باتفاقية التسليم مع الدولة املطلوبة‪ ،‬وفي هذه الحالة سوف يكون التسليم بالعبور‬

‫منصوصا عليه في هذه االتفاقية‪ 790‬أما الحالة الثانية والتي ال يرتبط فيها البلد الطالب‬

‫بأية اتفاقية مع البلد املطلوب‪ ،‬فإن القانون املطبق هو قانون دولة العبور احتراما ملبدأ‬

‫سيادة البلد محل العبور‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬الشروط اإلجرائية لقبول املغرب طلب التسليم‬ ‫‪.81‬‬

‫إذا كان نظام تسليم املجرمين يعتبر من بين مظاهر التضامن الدولي في مكافحة‬

‫الجريمة الدولية‪ ،‬وأكثرها شيوعا في التطبيقات العملية بين الدول‪ ،‬ولعل السبب راجع‬

‫لطبيعة نظام التسليم وأثره املباشر في تحقيق أكبر قدر من الفاعلية‪ ،‬تتمثل في إمكانية‬

‫ترحيل الشخص املطلوب إلى الدولة الطالبة‪ ،‬لتتمكن من محاكمته أو تنفيذ الجزاء الجنائي‬

‫الصادر ضده‪ ،‬فإن ذلك خاضع ملجموعة من اإلجراءات الشكلية التي على الدولة املطلوب‬

‫منها التسليم أن تتقيد بها‪ ،‬وبالرجوع إلى قانون املسطرة الجنائية وبنود االتفاقيات الدولية‬

‫يتبين أن مسطرة البث في طلبات التسليم الواردة من الخارج‪ ،‬أسندت إلى كل من السلطة‬

‫القضائية(الفقرة األول)‪ ،‬والسلطة التنفيذية(الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫‪- 790‬تنص المادة ‪ 55‬من االتفاقية المغربية الفرنسية على أنه"إذا اقتضى األمر مرور شخص مسلم من طرف دولة‬
‫ثالثة ألحدى الدولتين المتعاقدتين عبر أراضي الدولة األخرى يسمح بذلك المرور بناء على طلب يوجه بالطريق‬
‫الدبلوماسية‪ ،‬وتقدم معه الوثائق الالزمة التي تثبت أن الجريمة هي من الجرائم التي يجوز فيها التسليم ‪ "...‬ولهذه‬
‫المقتضيات تتعلق إذا كان التسليم تم من طريق البر‪ ،‬أما إذا كان التسليم يتم جوا فالمشرع نظمه بمقتضى الفقرة ‪6‬‬
‫و‪ 2‬من هذه المادة(المادة ‪ :)55‬أنظر المادة‪.‬‬

‫‪P 551‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫أوال‪ :‬سلطة القضاء في الفصل في قرار التسليم‬

‫إذا كان نظام تسليم املجرمين يمس باألساس الحرية الفردية لألشخاص‪ ،‬فإنه يكون‬

‫من الالزم حصر‪ ،‬في نطاق قانوني محكم لضمان الحريات الفردية للشخص املراد تسليمه‪،‬‬

‫وبالتالي فإن تدخل السلطات القضائية في البث في طلبات التسليم تكون وفقا ملا هو‬

‫منصوص عليه في قانوننا الوضعي‪.‬‬

‫وتبتدئ هذه املرحلة في تسلم السلطات القضائية الوثائق الكافية وجميع املرفقات‬

‫الضرورية حسب ما نصت عليه املادة ‪ 277‬من قانون املسطرة الجنائية‪.‬‬

‫وهكذا بعد أن يطلع وزير الشؤون الخارجية على املستندات يوجهها رفقة امللف إلى‬

‫وزير العدل الذي يعتبر الجهة املخول لها التأكد من صحة الطلب واتخاذ في شانها ما يلزم‬

‫قانونا‪ ،‬غير انه في حالة كون املعلومات املقدمة من الدولة الطالبة غير كافية لتمكين‬

‫السلطات املغربية من اتخاذ القرار املناسب بشأن الطلب فإن هذه األخيرة تطلب إفادتها‬

‫باملعلومات التكميلية الضرورية مع إمكانية تحديد أجل للحصول عليها‪ ،‬وذلك حسب املادة‬

‫‪ 271‬من قانون املسطرة الجنائية‪ ،‬وكذا حسب االتفاقيات الثانية التي عقدها املغرب‪ ،‬وهنا‬

‫نستحضر اتفاقية الرياض العربية للتعاون القضائي التي نصت في املادة ‪ 42‬على أنه يمكن‬

‫للطرف املتعاقد املطلوب إليه التسليم أن يطلب إيضاحات تكميلية ليتحقق من توفر‬

‫الشروط املنصوص عليها في هذا الباب‪.791‬‬

‫‪- 791‬وكذلك الشأن بالنسبة التفاقية المغربية الفرنسية التي نصت في المادة ‪ 28‬على ما يلي‪":‬إذا تبين للدولة المطلوب‬
‫إليها التسليم أنها تحتاج إلى معلومات إضافية لتحقق مما إذا كانت الشروط المقررة في االتفاقية مستوفاة كلها ورأت‬

‫‪P 561‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫ونفس الش يء ينطبق على اتفاقية اململكة املغربية مع اململكة البلجيكية بشأن تسليم‬

‫املجرمين‪ ،‬التي نصت في مادتها ‪ 88‬على أنه "إذا كانت املعلومات املقدمة من طرف طالب‬

‫التسليم غير كافية حتى يتأتى الطرف املطلوب بالتسليم اتخاذ تقرير تطبيقا لهذه االتفاقية‪،‬‬

‫فإن الطرف األخير يلتمس استكمال املعلومات الضرورية ويمكنه أن يحدد أجال لنيل هذه‬

‫املعلومات"‪.‬‬

‫وتبعا لذلك تقوم النيابة العامة بإحالة امللف إلى الوكيل العام للملك باملجلس‬

‫األعلى‪ ،‬الذي يرفع القضية بدوره أمام الغرفة الجنائية لهذا املجلس‪ ،‬طبقا ملا نصت عليه‬

‫املادة ‪ 297‬من قانون املسطرة الجنائية‪.‬‬

‫وانطالقا من ذلك‪ ،‬فإن الغرفة الجنائية باملجلس األعلى هي وحدها املختصة بالنظر‬

‫في جميع طلبات التسليم‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬فإن الغرفة الجنائية باملجلس األعلى‪ ،‬كأعلى جهة قضائية في البلد هي التي‬

‫رأى املشرع املغربي أحقية إسناد االختصاص إليها للنظر في شرعية الطلبات األجنبية‬

‫للتسليم‪ ،‬وذلك وفق قانون التسليم االتفاقي أو الوطني حسب األحوال‪.792‬‬

‫إال أنه يطرح السؤال حول السر وراء إسناد هذه املهمة لغرفة الجنايات باملجلس‬

‫األعلى؟‬

‫أنه من الممكن تدارك ذلك النقض‪ ،‬فإنها تبلغ األمر بالطريقة الدبلوماسية إلى الدولة الطالبة قبل أن ترفض الطلب‪،‬‬
‫ويجوز للدولة المطلوب إليها التسليم أن تحدد أجال للحصول على هذه المعلومات‪.‬‬
‫‪- 792‬مصطفى المودن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.06 :‬‬

‫‪P 561‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫إذا كان طلب التسليم إجراء يمس حقوق الشخص املراد تسليمه‪ ،‬فإن منح هذا‬

‫االختصاص لها‪ ،‬يعد قيمة عليا وضمانة أساسية لحقوق املتهم‪.‬‬

‫وعالوة على ذلك‪ ،‬فإن تسليم املجرمين هو تصرف ديبلوماس ي ومن ثم فإسناده إلى‬

‫أعلى جهة قضائية في البلد‪ ،‬يمكن لهذه األخيرة أن تعتمد عليه في مواجهة نظريتها التي‬

‫تطلب التسليم‪ ،‬خاصة في حالة صدور قرار قضائي سلبي بالتسليم‪ ،‬دون أن تضر بحساسية‬

‫الدولة األخرى‪ ،‬معززة موقفها باالستناد إلى مبدأ فصل السلطات املنصوص عليه في‬

‫الدستور‪.‬‬

‫غير أنه‪ ،‬وبالرجوع إلى املجلس األعلى إلبداء رأيه في طلب التسليم فإن الحكومة‬

‫تتملص من كل مسؤولية‪ ،‬وبالتالي فهل يمكن اعتبار رأي القضاء مجرد قرار عادي أم أنه‬

‫قرار ملزم؟‬

‫من قانون املسطرة الجنائية املغربي‪ ،‬فالغرفة الجنائية‬ ‫‪793297‬‬ ‫انطالقا من املادة‬

‫باملجلس األعلى تبث في طلب التسليم بقرار معلل خالل خمسة أيام من إحالته إليها‪ ،‬إضافة‬

‫إلى أن املادة ‪ 297‬من نفس القانون تنص على أنه إذا ارتأى املجلس األعلى املوافقة على‬

‫التسليم‪ ،‬فإن رأيه في هذه الحالة يكون نهائيا‪.‬‬

‫‪- 793‬تنص المادة ‪ 822‬من قانون المسطرة الجنائية على ما يلي‪" ،‬يوجه وكيل الملك فورا الطلب والمستندات المدلى‬
‫بها إلى الوكيل العام للملك لدى المجلس العلى الذي يحيلها على الغرفة الجنائية بنفس المجلس‪.‬‬
‫تبث الغرفة الجنائية بالمجلس العلى في طلب التسليم بقرار معلل خالل ‪ 4‬أيام من إحالته إليها بناءا على تقرير أحد‬
‫المستشارين وبعد اإلدالء النيابة العامة بمستنتجاتها االستماع إلى الشخص المعني الذي يمكن أن يكون مؤازرا‬
‫بمحامي"‪.‬‬

‫‪P 562‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫إذن‪ :‬انطالقا من فصول قانون املسطرة الجنائية‪ ،‬يظهر طبيعة وقوة الرأي القضائي‬

‫في تسليم الشخص املطلوب تسليمه‪.‬‬

‫وعلى هذا األساس‪ ،‬فإنه في حالة رفض الغرفة باملجلس األعلى التسليم‪ ،‬تلتزم‬

‫الحكومة بهذا الرأي‪ ،‬وكل إجراء تسليم تقوم به هذه األخيرة يعتبره القانون باطال وغير‬

‫شرعي‪ ،‬أما في حالة إصدارها رأيا في غير صالح الشخص املطلوب تسليمه‪ ،‬فإن الغرفة‬

‫تكون بذلك قد رخصت للحكومة في أن تبدأ في اتخاذ إجراءات التسليم‪.‬‬

‫وتجدر اإلشارة إلى أن قبول املعني باألمر تسليمه دون سلوك اإلجراءات القضائية‬

‫املنصوص عليها في املادة ‪ 297‬من قانون املسطرة الجنائية‪ ،‬يوقف املسطرة وتقوم‬

‫السلطات املعنية بإشعار السلطات السياسية بذلك‪ ،‬لتتخذ من اإلجراءات ما تراه‬

‫مناسبا‪.794‬‬

‫وفي هذا السياق ذهبت الغرفة الجنائية باملجلس األعلى على أن املطلوب في التسليم‬

‫صرح أنه قبل صراحة بأن يسلم إلى سلطات بالده‪ ،‬مما يكون معه قد تخلى عن االستفادة‬

‫من تطبيق املسطرة املنصوص عليها في باب تسليم املجرمين عمال بمقتضيات الفصل ‪292‬‬

‫من قانون املسطرة الجنائية‪.795‬‬

‫وفي قرار أخر للغرفة الجنائية باملجلس األعلى‪ ،‬صرح املطلوب في التسليم رغبته بقبوله‬

‫أن يسلم عن طواعية واختيار‪ ،‬مما ينبغي معه والحالة ما ذكر قبول املطالبة بالتسليم‬

‫‪- 794‬جعفر العلوي‪ ،‬انتكاسة مؤسسة تسليم‪ ،...‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.51:‬‬


‫‪- 795‬قرار عدد ‪ 6/2604‬الصادر بتاريخ ‪ ،2002/60/22‬في ملف تسليم رقم ‪ 2002/22826‬مجلة مجلس‬
‫األعلى‪ ،‬عدد ‪ ،2005 ،16‬ص‪.220 :‬‬

‫‪P 563‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫واالستجابة لها‪ ،796‬دون االستفادة من املقتضيات القضائية املنظمة ملسطرة تسليم‬

‫املجرمين‪.‬‬

‫وهكذا وطبقا للقانون املسطرة الجنائية(م ‪ )292‬يمكن للسلطات املغربية أن تقوم‬

‫بتسليم املعني باألمر دون تطبيق عليه املقتضيات القانونية القضائية‪ ،‬في حالة موافقته‬

‫على ذلك‪ ،‬وفي نفس التوجه نسجله للقضاء املغربي‪ ،‬الذي دأب في العديد من قراراته على‬

‫تكريس هذا األمر‪.‬‬

‫وفي حالة إذا كان املطلوب في التسليم قد تنازع في املستند القضائي بحيث دفع على‬

‫أنه ال ينطبق عليه‪ ،‬فيمكن في هذه الحالة للغرفة الجنائية أن تأمر بإجراء تحقيق تكميلي‬

‫حول هوية املطلوب وذلك طبقا للفقرة األخيرة من املادة ‪ 297‬قانون املسطرة الجنائية‬

‫ونفس املتوجه ذهبت إليه الغرفة الجنائية في أحد قراراتها‪ ،‬فقد جاء فيها‪":‬وحيث أن‬

‫املطلوب في التسليم دفع بأن القضائي ال ينطبق عليه‪ ،‬األمر الذي ارتأت معه الغرفة إلى‬

‫إجراء تحقيق تكميلي حول هوية املطلوب"‪.797‬‬

‫وعليه‪ ،‬فإن الغرفة الجنائية باملجلس األعلى عند بثها في طلب التسليم كما سبق‬

‫القول ففي الحالة األولى‪ ،‬يتم توجيه امللف مع نسخة من القرار خالل ثمانية أيام إلى وزير‬

‫العدل الذي يقترح عند االقتضاء على الوزير األول إمضاء مرسوم يأذن بالتسليم والذي‬

‫يتم توجيهه إلى وزير الشؤون الخارجية قصد تبليغه إلى املمثل الدبلوماس ي للدولة الطالبة‬

‫‪- 796‬قرار عدد ‪ 6/6919‬الصادر بتاريخ ‪ ،699/01/61‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.228 :‬‬


‫‪- 797‬قرار عدد ‪ 6/6229‬الصادر بتاريخ ‪ 2005/01/20‬في ملف رقم ‪ ،2005/62218-66462‬المرجع السابق‪،‬‬
‫ص‪.694 :‬‬

‫‪P 564‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫وإلى وزير الداخلية قصد تبليغه إلى الشخص املعني باألمر وألجل التنفيذ طبقا للمادة ‪292‬‬

‫من قانون املسطرة الجنائية‪.‬‬

‫وفي هذا الصدد ذهبت الغرفة الجنائية باملجلس األعلى‪ ،‬باملوافقة على طلب التسليم‪،‬‬

‫لكون املطلوب في التسليم ليس من جنسية مغربية وقد عثر عليه فوق التراب املغربي‪ ،‬وأن‬

‫األمر باالعتقال الصادر في حقه يشمل الوصف الدقيق لألفعال املنسوبة إليه‪ ،‬ويتضمن‬

‫جميع الشروط التي يجب التسليم في نطاقها‪.798‬‬

‫وفي قرار آخر للغرفة الجنائية‪ ،‬أقرت على أن املطالبة بالتسليم الصادرة عن السلطات‬

‫القضائية اإلسبانية‪ ،‬جاء وفقا ملا ينص عليه الفصل السادس من ظهير ثامن نونبر ‪.7998312‬‬

‫وفي هذا اإلطار يتعين على الدولة الطالبة أن تتخذ جميع اإلجراءات واملبادرات الالزمة‬

‫الستالم الشخص موضوع طلب التسليم بواسطة أعوانها‪ ،‬وذلك خالل أجل شهر من تاريخ‬

‫تبليغ املرسوم ملمثلها الدبلوماسية‪ ،‬وإذا ما تأخرت عن ذلك ولم تبرر تأخرها فإنه يتم‬

‫اإلفراج عن الشخص املقرر تسليمه‪ ،‬وال يمكن لها بعد ذلك املطالبة بتسليمه مرة أخرى‬

‫على نفس األفعال‪ ،800‬ألن موقفها السلبي هذا بمثابة تخلي ضمني عن طلب التسليم‪ ،‬ونفس‬

‫املوقف نستشفه من اتفاقية التعاون القضائي املتبادل وتنفيذ األحكام وتسليم املجرمين‬

‫بين املغرب وفرنسا واملوقعة في ‪ 2‬أكتوبر ‪ ،8322‬التي نصت في الفقرة الرابعة من املادة ‪40‬‬

‫على أنه "‪ ...‬يجب على الدولة الطالبة أن تسلم الشخص بواسطة مأموريها داخل شهر‬

‫‪- 798‬قرار أورده يوسف المنصوري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.28 :‬‬


‫‪- 799‬الظهير المتعلق بالمسطرة الجنائية القديمة‪.‬‬
‫‪- 800‬المادة ‪ 628‬من قانون المسطرة الجنائية‪.‬‬

‫‪P 565‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫يحسب من التاريخ الذي يعين طبقا ألحكام الفقرة الثالثة من هذا الفصل مع مراعاة‬

‫الحالة املشار ليها في الفقرة األخيرة منه‪ ،‬فإذا انقض ى األجل املذكور دون أن تقوم الدولة‬

‫الطالبة باستالمه يخلى سبيله وال يمكن بعد ذلك طلب تسليمه بسبب الفعل نفسه"‪.‬‬

‫واملالحظ أن اتفاقية‪ 801‬مع اإلمارات املتحدة‪ ،‬نصت على مدة تختلف عن املدة املقرر‬

‫في اتفاقية املغرب وفرنسا‪ ،‬حيث جاء في اتفاقية األولى‪ ،‬وبالضبط في الفصل ‪ 99‬على أن‬

‫"تقوم الدولة طالبة التسليم بتسليم الشخص املطلوب تسليمه خالل خمسة وأربعين يوما‬

‫من تاريخ وأربعين يوما من تاريخ إرسال إشعار إليها بذلك"‪.‬‬

‫إال أن هذه االتفاقيات تقرر نفس املصير في ما يتعلق بالتسليم‪ ،‬وفي حالة تأخر في‬

‫استالم املعني باألمر‪ ،‬ويتم إخالء سبيله من طرف الدولة املطلوب منها وال يجوز طلب‬

‫التسليم مرة ثانية عن نفس الفعل‪.‬‬

‫غير أن السؤال الذي يطرح في هذا املضمار‪ ،‬هل يحق للشخص املطلوب في التسليم‬

‫أن يطلب بإعادة النظر في القرار الذي أصدرته الغرفة الجنائية باملجلس األعلى؟ يبدو أن‬

‫هذا السؤال كان مشروعا في ظل قانون املسطرة الجنائية القديم‪ ،‬ولكن في ظل قانون‬

‫املسطرة الجنائية الحالية‪ ،‬يمكن االستناد إلى القسم الثاني املتعلق بإعادة النظر وتصحيح‬

‫القرارات من قانون املسطرة الجنائية‪.‬‬

‫‪- 801‬ويتعلق األمر باالتفاقية المغربية ودولة اإلمارات العربية المتحدة المتعلقة بالتعاون القضائي واإلعالنات‬
‫القضائية وتنفيذ األحكام وتسليم المحرمين‪.‬‬

‫‪P 566‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫وفي هذا اإلطار هناك العديد من القرارات القضائية الصادرة في هذا الشأن تستند‬

‫إلى فصل ‪ 923‬من قانون املسطرة املدنية الذي يسمح للمجلس األعلى إلعادة النظر في‬

‫قراراته‪ ،‬وهنا نستحضر أحد القرارات الصادرة عن الغرفة الجنائية باملجلس األعلى‪ ،‬حيث‬

‫جاء فيه‪" :‬وحيث إن القرار املطلوب إعادة النظر فيه قد تبث للغرفة أنه مشوب بخطأ‬

‫مادي أثر فيه ما قض ى به‪ ،‬مما يتعين قبول الطلب"‪. 802‬‬

‫أما في حالة إبداء الرأي بعدم املوافقة‪ ،‬فتكون على أساس أن طلب التسليم ال يتوفر‬

‫على الشروط القانونية أو أنها غير مستوفاة أو أن هناك خطأ بينا‪ ،‬ويصبح هذا القرار نهائي‬

‫كما أسلفنا‪ ،‬بحيث ال يمكن بعد ذلك املوافقة على تسليم الشخص املطلوب‪ ،‬ويترتب على‬

‫ذلك إطالق صراح املتهم‪ ،‬ما لم يكن متهم من أجل سبب أخر‪.‬‬

‫وعلى إثر ذلك‪ ،‬يوجه امللف وكذا نسخة من القرار بالطريقة الدبلوماسية إلى الدولة‬

‫الطالبة متضمنا طلب التسليم‪.‬‬

‫ولكن هذا الرفض يجب أن يكون معلال‪ ،‬وهذا ما نستشفه من اتفاقية الثنائية مع‬

‫اإلمارات العربية املتحدة التي نصت في مادتها ‪ 97‬على قرار الصادر بالرفض طلب التسليم‬

‫يجب أن يكون مسببا ونفس املقتض ى جاءت به اتفاقية التعاون القضائي مع فرنسا‪ ،‬حيث‬

‫نصت في الفصل ‪ 40‬على أن كل قرار يرفض التسليم كليا أو جزئيا يجب أن تبين معلالته‪.‬‬

‫‪- 802‬قرار عدد ‪ 6/6828‬صادر بتاريخ ‪ ،98/62/61‬في ملف جنائي رقم ‪ ،98/22-509‬مجلة المجلس األعلى‪،‬‬
‫عدد ‪2000 ،45‬ـ ص‪.214:‬‬

‫‪P 567‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫وتجدر اإلشارة أيضا إلى أن الغرفة الجنائية باملجلس األعلى‪ ،‬تنظر في طلبات تمديد‬

‫مفعول التسليم‪ ،‬ألن قاعدة التخصيص املنصوص عليه في املادة ‪ 279‬قانون املسطرة‬

‫الجنائية‪ ،‬تجد استثناء لها باملادة ‪ 279‬قانون املسطرة الجنائية‪ ،‬وكذا باملادة ‪ 291‬من نفس‬

‫القانون‪ ،‬حيث تسمح بمعاقبة أو متابعة الشخص املسلم بجريمة سابقة على التسلم غير‬

‫تلك التي استند إليها طلب التسليم‪ ،‬بشرط موافقة السلطات املغربية على ذلك‪ ،‬ولو كان‬

‫طلب تمديد مفعول التسليم يستند إلى جرائم املحددة في املادة ‪ 270‬قانون املسطرة‬

‫الجنائية‪ ،‬غير أن ذلك غير ممكن في الجرائم املنصوص عليها في املادة ‪.278‬‬

‫وتبعا لذلك‪ ،‬جاء في قرار الغرفة الجنائية على أن"‪...‬املعني باملطالبة املذكورة ليس‬

‫من جنسية مغربية‪ ،‬وعثر عليه فوق التراب املغربي‪ ،‬وسبق للمجلس األعلى أن أبدى رأيه‬

‫باملوافقة على طلب تسليمه إلى سلطات بالده بتاريخ ‪ 84‬دجنبر ‪ 8434‬وسلم إليها فعال بتاريخ‬

‫‪ 84‬فبراير ‪ 8332‬وأنه عبر عن رأيه بشأن طلب تمديد مفعول تسليمه إلى تنفيذ قرارين‬

‫جنائيين املذكورين بعد عرضهما عليه في محضر قضائي وصرح بأنه ال يقبل ذلك وبأنه‬

‫ينازع في قانونية املسطرة التي يراد تطبيقها عليه‪.803‬‬

‫ثانيا‪ :‬سلطة الحكومة في البث في قرار التسليم‬

‫تستهل هذه املرحلة بإقدام الدولة طالبة التسليم بتوجيه طلبها إلى السلطات الدولة‬

‫املطلوب منها التسليم بالطريق الدبلوماس ي‪ ،‬وعلى اعتبار أن تصرفات الدولة لها طابع‬

‫‪- 803‬قرار عدد ‪ 6/6829‬صادر بتاريخ ‪ ،98/62/61‬في ملف رقم ‪ ، 98/22/562‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.606 :‬‬

‫‪P 568‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫سيادي‪ ،‬فإن عملية التسليم السلبي تستوجب تدخل الحكومة املغربية التي تعتبر مسؤولة‬

‫عن تحديد وربط العالقات الخارجية كيفما كان نشاطها‪.804‬‬

‫ومن إيجابيات إناطة مهمة الفصل في التسليم إلى السلطة التنفيذية كون أن‬

‫تصرفات هذه األخيرة تعبر عن أعمال السيادة كما أن التسليم قد يثير مسائل أسياسة‬

‫تكون السلطة التنفيذية كفيلة بمعالجتها‪ ،‬رغم ما يتميز به هذا النظام من بساطة‬

‫اإلجراءات‪ ،‬إال أنه ما يعاب على هذا النظام أنه ال يوفر للشخص املسلم الضمانات‬

‫القانونية الكافية‪ ،‬كما أن اإلجراءات القانونية املتخذة من السلطة التنفيذية قد تأثر‬

‫باعتبارات سياسية مما يشوبها عيب في الدقة وبالتالي تؤدي إلى خالف ما يقتضيه التسليم‪.‬‬

‫وكما أسلفنا‪ ،‬فإنه في حالة قول القضاء بعدم التسليم‪ ،‬يعبر هذا الرأي ملزما‬

‫للحكومة‪ ،‬وأي قرار ستتخذه الحكومة يعتبر قرارا غير شرعي وباطل وال يمكنها بأي حال من‬

‫األحوال أن تلجأ إلى تسليم الشخص أما في حالة قولها بالتسليم فتصير الحكومة حرة في‬

‫تسليم املجرم أو عدم تسليمه وتبقى لها الحرية في تقدير التسليم‪.805‬‬

‫إال أنه بهذا الخصوص يجب أن نميز بين الحالة التي يكون فيها البلد الطالب مرتبطا‬

‫مع املغرب باتفاقية لتسليم ملجرمين وبين حالة انعدام اتفاقية من هذا النوع‪. 806‬‬

‫ففي الحالة األولى‪ ،‬أي حالة وجود اتفاقية يالحظ انه ال توجد أية آلية تنص صراحة‬

‫على أنه في حالة قرار قضائي قابل التسليم يتعين على الحكومة املغربية أوتوماتيكيا تسليم‬

‫‪- 804‬مصطفى المودن‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.00‬‬


‫‪- 805‬جعفر العلوي‪ ،‬إشكالية مؤسسة التسليم‪ .،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.54 :‬‬
‫‪- 806‬مصطفى المودن‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.90 :‬‬

‫‪P 561‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫الشخص املطلوب‪ ،‬لكن باملقابل فإن هذه االتفاقيات تنص بعبارة مشابهة في كل واحدة‬

‫منها على االلتزام بإخبار الدولة الطالبة بالقرار الصادر من جهة وتؤكد على ضرورة تعليل‬

‫الحكومة املغربية لكل رفض كلي أو جزئي لطلب التسليم وفي بعض االتفاقيات نجد‬

‫باإلضافة إلى التزامات أعاله‪ ،‬االلتزام بإرسال وتبليغ حيثيات القرار املتخذ إلى الدولة‬

‫الطالبة‪.‬‬

‫وهذا ما نستشفه أساسا من املادة ‪ 807 87‬من االتفاقية املغربية البلجيكية بشأن‬

‫تسليم املجرمين‪ ،‬في حين نجد االتفاقية املغربية الجزائرية جاءت صامتة عن تحديد معنى‬

‫القرار القضائي ونصت على أن الدولة املطلوبة بالتسليم تخبر الدولة الطالبة على الطريقة‬

‫الدبلوماسية بقرارها‪ ،‬وأن كل رفض كلي أو جزئي سيكون مبررا‪.‬‬

‫ويمكن القول أن الحكومة املغربية باعتبارها موقعة التفاقية ومسؤولة عن تطبيقها‬

‫يتعين عليها أن تعلم الدولة املتعاقدة معها وطالبة لتسليم بقرارها وأسبابه‪.‬‬

‫وفي املقابل أي في حالة عدم وجود قرار رافض التسليم من طرف الغرفة الجنائية‬

‫باملجلس األعلى‪ ،‬فإن الحكومة تتحمل لوحدها مسؤولية تطبيق االتفاقية الثنائية‪ ،‬ويتعين‬

‫عليها القيام بالتزاماتها الواردة بهذه األخيرة فتصبح لها نتيجة لذلك السلطة التقديرية في‬

‫تسليم املجرم أو عدم تسليمه كمسألة إدارية أو حكومية‪.‬‬

‫‪- 807‬وتنص هذه المادة على ما يلي‪" ::‬يخبر الطرف المطلوب منه التسليم الظرف طالب التسليم على الطريقة‬
‫المقررة في الفقرة األولى من المادة ‪ 60‬بمقره حول التسليم‪.‬‬
‫‪-‬يعلل بأسباب كل رفض كلي أو جزئي للتسليم‪."...‬‬

‫‪P 571‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫وباملقابل أي في الحالة الثانية‪ ،‬بمعنى حالة عدم وجود اتفاقية دولية‪ ،‬ال يوجد أي‬

‫التزام اتفاقي بتسليم املجرم وال بتعليل الرفض تجاه الحكومة املغربية‪ ،‬إال أن إكراهات‬

‫املجاملة الدولية ‪-‬خاصة تجاه حكومة دولة طالبة تحترم قاعدة املعاملة باملثل في معاهدة‬

‫التسليم‪-‬تفرض على هذه األخيرة أن توضح للحكومة الطالبة أسباب رفض تسليم الشخص‬

‫املطلوب‪ ،‬رغم القرار القضائي اإليجابي‪.808‬‬

‫ومن الناحية العملية‪ ،‬فقد رفضت السلطات املغربية ذلك على أن الجزائر سبق وأن‬

‫أخلت بالتزاماتها الدولية حينما رفضت تسليم املغرب مواطنا مغربيا كان قبل ذلك قد‬

‫ارتكب جريمة فوق التراب الوطني‪.809‬‬

‫وفي نفس املضمار‪ ،‬سبق للحكومة املغربية أن رفضت تسليم أشخاص مطلوبين في‬

‫قضيتين اثنتين بعد صدور قرار إيجابي بالتسليم من جانب الغرفة الجنائية للمجلس‬

‫األعلى‪.‬‬

‫في الحالة األولى‪ ،‬كانت الحكومة اإليطالية هي التي لم يتم االستجابة لطلبها بسبب‬

‫رفض األخيرة إعطاء املتابعة لطلب تسليم مغربي سبق للعدالة اإليطالية أن وافقه عليه‪.810‬‬

‫وفي الحالة الثانية جاء الرفض على أساس أن الحكومة الجزائرية لم تحترم التزاماتها‬

‫املوجودة في االتفاقية املوجودة لتسليم املجرمين‪.‬‬

‫‪- 808‬مصطفى لمودن‪ ،‬المرجع السابق‪.90 ،‬‬


‫‪- 809‬قرار عدد ‪ ،180‬صادر بتاريخ ‪ 20‬مايو ‪ 6984‬في ملف رقم ‪ 4090‬أشار إليه جعفر العلوي‪ ،‬انتكاسة‬
‫مؤسسة التسليم‪ ،...‬المرجع سابق‪ ،‬ص‪.51 :‬‬
‫‪- 810‬قرار الغرفة الجنائية عدد ‪ 04‬الصادر بتاريخ ‪ ،6916-02-25‬أشارت إليه رحمة زروق‪ ،‬المرجع السابق‪،‬‬
‫ص‪.19 :‬‬

‫‪P 571‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫وتجدر اإلشارة إلى أنه في حالة املطالبة بالتسليم‪ ،‬فإنه تترك للحكومة سلطة تقدير‬

‫اختيار أيا من الطالبين سيخطئ باألولوية وفق املادة ‪ 274‬من قانون املسطرة الجنائية‪،‬‬

‫وهذا ما نستجليه أيضا من خالل االتفاقية الثنائية املغربية وجمهورية مصر العربية‪ ،‬في‬

‫مجال التعاون القضائي التي نصت في املادة ‪ 71‬على أنه" إذا قدمت للدولة املطلوب منها‬

‫عدة طلبات تسليم من دول مختلفة‪ ،‬إما عن نفس األفعال أو عن أفعال متعددة فيكون‬

‫لهذه الدولة أن تفصل في هذه الطلبات بمطلق حريتها‪ ،‬على أن تراعي في ذلك كافة الظروف‪،‬‬

‫وعلى األخص إمكانية التسليم الالحق وتاريخ وصول الطلبات ودرجة خطورة األفعال واملكان‬

‫الذي ارتكبت فيه"‪.‬‬

‫ونفس الش يء ينطبق على االتفاقية الثنائية املغربية اإلسبانية في ميدان تسليم‬

‫املجرمين‪ ،‬التي نصت على أنه في حالة ورود عدة طلبات على الدولة املطلوبة‪ ،‬فلهذه األخيرة‬

‫كامل الحرية ف البث في هذه الطلبات‪.‬‬

‫وقد سبق أن أصدرت الغرفة الجنائية رأيين إيجابيين في طلبين مقدمين من حكومتين‬

‫مختلفتين(فرنسا‪-‬إسبانيا)‪ ،‬بشأن تسليم نفس الشخص‪ ،‬وتركت للحكومة املغربية حرية‬

‫توجيه األولوية‪ ،‬وقد منحت للدولة الفرنسية‪.811‬‬

‫ويمكن القول أن هذه السلطة التقديرية املمنوحة للسلطات الحكومية تمارس حسب‬

‫الحالة التي توجد عليها عالقات التعاون القضائي الجنائي بخصوص تسليم املجرمين أخدا‬

‫‪- 811‬قرار عدد ‪ 4100/62‬الصادر بتاريخ ‪ ،6980/05/29‬والقرار عدد ‪ 6090/65‬الصادر بتاريخ‬


‫‪ ،6980/6269‬أشارت إليها رحمة زروق‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.16 :‬‬

‫‪P 572‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫بعين االعتبار مدى احترام الدولة الطالبة لقاعدة املعاملة باملثل‪ ،‬وتسليم املجرمين من‬

‫طرف الحكومة املغربية باإلضافة إلى استناده على قرار قضائي موافق يمكن أن ينبني على‬

‫اعتبارات أخرى تتعلق بالسياسة الجنائية على املستوى الداخلي أو عالقات دبلوماسية بين‬

‫الدول على املستوى الخارجي‪.‬‬

‫يتضح من خالل ما سبق إذن أن نظام تسليم املجرمين في القانون املغربي حاول‬

‫املشرع املغربي أن يجعله كآلية هامة ملتابعة املتهمين واملحكوم عليهم ملحاربة اإلفالت من‬

‫العقاب‪ ،‬إال أن موضوع تسليم املجرمين في القانون املغربي لم تتبلور بعد مالمحه القانونية‬

‫بشكل جلي‪ ،‬نظرا ملا تطرحه شروط التسليم من إشكاالت تحول دون تطبيقه بشكل فعال‪.‬‬

‫وتبقى أهم اإلشكاالت هي التي تتعلق بكثرة الشروط املوضوعية املتطلبة في عملية‬

‫التسليم‪ ،‬خاصة املتعلقة باملجرم والجريمة‪ ،‬ثم أيضا اإلشكاالت التي تطرحها الشروط‬

‫اإلجرائية‪ ،‬بحيث تستأثر الحكومة دائما بكلمة الفصل في هذا املجال‪.‬‬

‫‪P 573‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫الئحة املراجع‪:‬‬

‫عبد الغني محمود‪ :‬تسليم املجرمين على أساس املعاملة باملثل‪ ،‬دار النهضة العربية‪،‬‬

‫القاهرة‪ ،‬الطبعة األولى‪.8338 ،‬‬

‫مصطفى املودن‪ :‬تسليم‪.‬املجرمين في القانون الجنائي املغربي‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم‬

‫الدراسات العليا املعمقة في القانون الخاص‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا املعمقة في‬

‫العلوم الجنائية‪،‬كلية الحقوق طنجة‪ ،‬املوسم الجامعي ‪.7002-7007‬‬

‫حسن القادري‪:‬العمل القضائي في مجال مكافحة املجرمين واألجانب"‪ ،‬مجلة القضاء‬

‫والقانون عدد‪.7009 ،842:‬‬

‫عبد القادر خضر‪ :‬اتفاقيات التعاون القانوني القضائي في تسليم املجرمين‪ ،‬رسالة‬

‫لنيل دبلوم الدراسات العليا في علوم القانون الجنائي‪ ،‬جامعة الحاج لخضر‪ ،‬باتنة‪ ،‬كلية‬

‫الحقوق والعلوم القانونية‪ ،‬الجزائر‪،7002-7007 ،‬‬

‫جعفر العلوي‪ :‬تطور مؤسسة تسليم املجرمين‪ ،‬مجلة القانون واالقتصاد‪ ،‬العدد‬

‫الثاني‪.8317 ،‬‬

‫ظهير شريف رقم ‪ 8-31-827‬صادر في ‪ 72‬محرم ‪ 89( 8470‬ماي ‪ )8333‬بنشر‬

‫االتفاقية‪ :‬املوقعة في مدريد في ‪ 90‬ماي ‪ 8332‬بين اململكة املغربية واململكة اإلسبانية في‬

‫ميدان تسليم املجرمين‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 4200‬بتاريخ ‪ 82‬يونيو ‪.8333‬‬

‫‪P 574‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫إلهام محمد حسن العاقل‪ ،‬مبدأ عدم تسليم املجرمين في الجرائم السياسية‪ ،‬مطابع‬

‫املفضل لالوفنست‪.7000 ،‬‬

‫البشير بوحبة‪ :‬التعاون الدولي في امليدان الجنائي‪ ،‬محاضرة ألقيت في إطار التكوين‬

‫املستمر للقضاء بمحكمة االستئناف بوجدة‪.7003 ،‬‬

‫‪P 575‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪83‬‬

‫‪The repercussions of the Covid-19 epidemic on the criminal phenomenon in‬‬


‫‪Morocco‬‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫إن املتتبع للشؤون املغربية سواء من بعيد أو قريب‪ ،‬تظهر له الجهود املبذولة من‬

‫طرف املغرب في جميع املجاالت السياسية واالقتصادية واالجتماعية والثقافية‪ ...‬للرفع من‬

‫مكانته داخليا وخارجيا‪.‬‬

‫ويبقى خير دليل على ذلك هو الطريقة التي تعامل بها املغرب مع تدبير جائحة كورونا‬

‫على املستوى الداخلي‪ ،‬وكيف سخرت الدولة جميع إمكانياتها ووضعتها رهن إشارة جميع‬

‫القطاعات لتكون قادرة للتصدي لهذا الوباء‪.‬‬

‫وما كانت اململكة املغربية لتحقق هذه النتائج الجد املهمة‪ ،‬إال من خالل وجود إرادة‬

‫حقيقية وصادقة من هرم الدولة وممثلها األسمى جاللة امللك محمد السادس نصره هللا‬

‫وأيده‪ ،‬فبرؤيته الثاقبة وحكمته املتبصرة‪،‬جنب املغرب الوقوع في كارثة إنسانية كبرى وهذا‬

‫بشهادة املنتظم الدولي‪،‬وذلك من خالل النتائج التي حققها املغرب مند فرض حالة الطوارئ‬

‫في ‪ 70‬مارس ‪ 7070‬أي بعد ظهور اإلصابة األولى بالفيروس في املغرب‪.‬‬

‫‪P 576‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫إال أن الحالة الوبائية ببالدنا وبالعالم بأسره شهدت تغيرا كبيرا‪ ،‬من حيث عدد‬

‫اإلصابات التي وصلت إلى أرقام قياسية سواء باملغرب أو خارجه‪ ،‬وهذا ما يطلق عليه‬

‫باملوجة الثانية النتشار وباء كوفيد ‪ 83‬في العالم برمته‪.‬‬

‫ورغم إمكانيات املغرب البسيطة في مجال الصحة‪ ،‬وبالخصوص النقص الحاد في‬

‫عدد األطباء وأيضا قلة املعدات واألجهزة الطبية‪ ،‬فإن املغرب حاول وال زال يحاول بكل‬

‫إمكانياته املحدودة الصمود في وجه هذه الجائحة التي دمرت كبريات الطواقم الطبية مثل‬

‫فرنسا وايطاليا والواليات األمريكية املتحدة‪.‬‬

‫فقد كان لهذا الوباء تداعيات جد مهمة مست كل القطاعات الحيوية لدولة‪ ،‬حيث‬

‫تأثر القطاع الصحي من هذه الجائحة من خالل بروز النواقص التي تعتري هذا املجال سواء‬

‫داخل املغرب أو خارجه‪ ،‬كما عان القطاع االقتصادي هو أيضا من وباء كوفيد ‪ 83‬حيث‬

‫تضررت جميع املجاالت الحيوية التي تمثل مصدرا مهما ملالية الدولة العمومية‪.‬‬

‫إلى جانب هذه التداعيات السابقة‪ ،‬حقق املغرب انخفاضا مهما في معدل الجريمة‬

‫خاصة في الفترة األولى للحجر الصحي‪ ،‬إال أن هذا األمر عاد كما هو عليه الحال بعدما‬

‫قامت الدولة بالرفع التدريجي لهذا الحجر‪ ،‬فقد كان لهذا الرفع تداعياته السلبية من‬

‫تفاقم الظاهرة اإلجرامية والتي تعامل معها القضاء املغربي بنوع من الشدة والحزم‪.‬‬

‫‪P 577‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫وتبقى اإلشكالية الرئيسية لهذا املوضوع‪ ،‬فيما هي تداعيات وباء كوفيد ‪ 83‬على‬

‫الظاهرة اإلجرامية باملغرب من الناحية الصحية واالقتصادية ‪...‬؟‪ ،‬وكيف تعامل القضاء‬

‫املغربي مع الظاهرة اإلجرامية في فترة الحجر الصحي؟‬

‫سنقسم دراستنا لهذا املوضوع إلى مطلبين اثنين‪ ،‬املطلب األول سنخصصه لتداعيات‬

‫وباء كوفيد ‪ 83‬على املغرب‪ ،‬ثم سنعالج في املطلب الثاني آثار وباء كوفيد ‪ 83‬على الظاهرة‬

‫اإلجرامية باملغرب‪.‬‬

‫املطلب األول‪ :‬تداعيات وباء كوفيد ‪ 83‬على املغرب‬

‫أعلن املغرب ابتداء من يوم الجمعة ‪ 70‬مارس فرض حالة الطوارئ الصحية وتقييد‬

‫الحركة في البالد ألجل غير مسمى‪ ،‬كوسيلة إلبقاء فيروس كورونا تحت السيطرة‪،‬ويأتي هذا‬

‫القرار لتسجيل املغرب ألول إصابة بهذا الفيروس في مدينة الدار بيضاء ملواطن كان مقيما‬

‫في ايطاليا‪.‬‬

‫فقد صادقت الحكومة على مرسوم عدد ‪ 7-70-739‬املتعلق بإعالن حالة الطوارئ‬

‫الصحية في سائر أرجاء اململكة ملواجهة هذا الفيروس‪ ،‬ويستمد هذا املرسوم مشروعيته‬

‫من خالل الدستور‪ ،‬الذي يعتبر أسمى قانون في البالد‪ ،‬وبالخصوص في فصوله ‪ 18‬و‪78‬‬

‫و‪(74‬الفقرة الرابعة)‪.812‬‬

‫‪ -812‬مرسوم قانون رقم ‪ 21201292‬الصادر في ‪ 20‬رجب ‪ 22( 6556‬مارس ‪ )2020‬يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة‬
‫الطوارئ الصحية و إجراءات اإلعالن عنها‪ ،‬منشور في الجريدة الرسمية تحت عدد ‪ 1018‬مكرر‪ ،‬ص ‪.6802‬‬

‫‪P 578‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫فبعد إعالن املغرب فرض حالة الطوارئ الصحية في عموم أرجاء البالد‪ ،‬ملنع حدوث‬

‫كارثة إنسانية تؤدي إلى انتشار الوباء بين املواطنين خصوصا في املناطق التي تشهد كثافة‬

‫سكانية مرتفعة ‪ ،‬من هذا املنطلق سعت الدولة منذ اللحظات األولى لظهور الوباء بالبالد‬

‫إلى التصدي له بكل مؤسساته الدستورية والوطنية‪.‬‬

‫فقد انخرطت كل مؤسسات الدولة للتصدي لهذا الوباء الفتاك وعلى رأس هذه‬

‫املؤسسات‪ ،‬نجد وزارة الصحة التي لعبت دورا أساسيا في الوقوف في وجه وباء كوفيد ‪،83‬‬

‫والتي سنخصص لها (الفقرة األولى) ‪ ،‬أيضا نجد صندوق كورونا الذي دشنه صاحب‬

‫الجاللة امللك محمد السادس كأول املتبرعين في هذا الصندوق بمبلغ ملياري درهم‪ ،‬والذي‬

‫سنتطرق إليه في ( الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫كما لعبت املؤسسة األمنية ببالدنا خالل هذه الجائحة دورا رياديا قل نظيره على‬

‫املستوى اإلقليمي أو الدولي‪ ،‬فال أحد ينكر جهود األجهزة األمنية في ظل االنتشار املهول‬

‫لوباء كورونا وحرص ويقظة هذه املؤسسة في حماية املواطن املغربين‪ ،‬والتي سنعمل على‬

‫معالجتها في ( الفقرة الثالثة) ‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬جهود وزارة الصحة في التصدي لوباء كورونا‬

‫ال أحد ينكر دور وزارة الصحة في مواجهة هذه الجائحة على الرغم من املعاناة التي‬

‫يعاني منها هذا القطاع‪ ،‬بدءا من قلة األطباء سواء على مستوى القطاع العام أو الخاص‪،‬‬

‫‪P 571‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫أيضا النقص الحاد في املعدات والوسائل الطبية التي تبقى شبه منعدمة في بعض‬

‫املستشفيات‪.‬‬

‫حيث يبلغ عدد األطباء باملغرب حوالي ‪ 87‬ألف طبيب موزعين ما بين ‪ 9122‬طبيبا‬

‫عاما و‪ 2222‬طبيبا خاصا‪ ،‬أما فيما يخص البنيات التحتية الصحية بالقطاع العمومي‬

‫فإن مؤسسات العالج الصحي التي يبلغ عددها ‪ ،7887‬موزعة على التوالي بين املجال‬

‫الحضري والقروي ب ‪ 191‬و‪ 8724‬مركزا‪.813‬‬

‫وباملوازاة مع ذلك فقد قررت الحكومة تخصيص مبلغ مالي مقدر في ‪ 7‬مليار درهم‬

‫مخصص القتناء املعدات واملستلزمات الطبية الضرورية كما تم اقتناء ‪ 470‬سريرا لإلنعاش‬

‫و‪ 210‬سريرا استشفائيا عاديا و‪ 480‬جهازا للتنفس بحسب وزير االقتصاد واملالية‪.814‬‬

‫أما فيما يخص االعتماد املالي املخصص لوزارة الصحة ببالدنا‪ ،‬فـإنه يشهد تحسنا‬

‫ملحوظا عاما بعد عام‪ ،‬حيث خصصت الحكومة لقطاع الصحة ميزانية تقدر بحوالي ‪8,3‬‬

‫مليار دوالر بزيادة قدرها ‪ 84,2‬باملئة مقارنة مع سنة ‪ ،7083‬الش يء الذي يمكن معه القول‬

‫بأن الغطاء املالي املخصص لهذا القطاع يبقى ضعيفا شيئا ما باملقارنة مع قطاعات أخرى‬

‫والتي تحظى بالدعم املالي الكافي من طرف الدولة‪.‬‬

‫كما كشف تقرير للمجلة الطبية البريطانية ‪ ،BMJ‬بأن هجرة األطباء ومنهي الصحة‬

‫املغاربة نحو البلدان األوروبية وبالضبط فرنسا يزداد يوما بعد يوم‪ ،‬حيث يبلغ عدد األطباء‬

‫‪ -813‬وزارة الصحة‪ ،‬الصحة باألرقام ‪ ،2005‬مديرية التخطيط و الموارد المالية‪ ،‬ص ‪.56‬‬
‫‪ - 814‬مؤلف جماعي‪ ،‬إستراتيجية المغرب في مواجهة كوبيد ‪ ،69‬مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد‪ ،‬األوراق‬
‫السياسية أبريل ‪ ،2020‬ص ‪.1‬‬

‫‪P 581‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫املتواجدين بفرنسا حوالي ‪ 1‬اآلف طبيب أي بمعدل سنوي يقدر ب ‪ 900‬طبيب‪ ،815‬األمر‬

‫الذي يدعو إلى إعادة التفكير مليا من لدن الجهات املختصة لفتح حوار بناء مع األطباء‬

‫املغاربة‪ ،‬للوقوف على املشاكل التي يعانون منها وعلى رأسها ضعف األجور املقدمة لهم‪.‬‬

‫يبدو أن وباء كورونا كشف حقيقية القطاع الصحي باملغرب‪ ،‬هذا القطاع الذي كان‬

‫يعاني من مشاكل معقدة للغاية قبل ظهور هذه الجائحة‪ ،‬إال أنه وبعد انتشار هذا الوباء‬

‫في جميع التراب املغربي وزيادة عدد املصابين به‪ ،‬أظهر لنا الحقيقة التي كانت مغيبة شيئا‬

‫ما عنا‪ ،‬رغم أن املغاربة يعرفون أن القطاع الصحي باملغرب يعاني من أزمات منذ تبني‬

‫املغرب لفكرة الخوصصة‪.‬‬

‫أيضا يجب أال ننس ى أن أحسن منظومات الصحة بالعالم انهارت أمام هذه الجائحة‪،‬‬

‫رغم الدعم املالي والبشري املخصصة لها لكنها وجدت نفسها عاجزة عن مجابهة هذا الوباء‬

‫مثل ايطاليا‪ ،‬ألن املشكل الرئيس ي هو كثرة املصابين بكوفيد ‪ 83‬زيادة على ذلك انتقال‬

‫العدوى إلى األطباء الذين أصبحوا يحاربون عدوا غير مرئي لهم‪.‬‬

‫وإذا عدنا لجهود املغرب في هذا املجال فال أحد ينكر أن الدولة قدمت كل إمكانياتها‬

‫لقطاع الصحة وال زالت تقدم لحدن اآلن‪ ،‬فقد ذكر تقرير أوردته جريدة هسبريس في عددها‬

‫‪ 2‬نونبر لسنة ‪ 7070‬أن املغرب قام باقتراض ‪ 8,7‬مليار الدهم من البنك اإلفريقي للتنمية‪،‬‬

‫‪ -815‬وزارة الصحة‪ ،‬مشروع النجاعة في األداء الملحق بمشروع الميزانية الفرعية لوزارة الصحة برسم سنة ‪ ،2061‬ص‬
‫‪.40‬‬

‫‪P 581‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫القتناء ‪ 777‬سرير لإلنعاش كما تم اقتناء كمية كافية من اختبارات الكشف عن فيروس‬

‫كورونا إضافة إلى تأهيل املنصات التقنية ل ‪ 21‬خدمة مستعجالت‪.‬‬

‫ولكن يبقى ارتفاع اإلصابات بوباء كوفيد ‪ 83‬باملغرب‪ ،‬تحديا كبيرا يفرض نفسه أمام‬

‫الدولة بكل مكوناتها ومؤسساتها إليجاد حلول سريعة ملواجهة هذا الوباء‪ ،‬لذا دعت‬

‫الضرورة إلى تبني رؤية واضحة تجنب البالد الوقوع في أزمة صحية خانقة مثل النقص‬

‫الحاد في عدد األطباء‪ ،‬أيضا ال يجب أن ننس ى أن منظومة الصحة ببالدنا تعرف خصصا‬

‫في املستشفيات املجهزة وهذا ما يعد مشكال حقيقيا لقطاع الصحة‪.‬‬

‫رغم كل ش يء فإن املغرب وبموارده الصحية البسيطة‪ ،‬استطاع أن يقاوم هذا الوباء‬

‫الفتاك الذي ألحق أضرارا جسيمة بقطاع الصحة العاملي‪ ،‬فاملغرب يعي ثقل املسؤولية‬

‫امللقاة على عاتقه في حماية أرواح املواطنين‪ ،‬لذا فإن الدولة تقوم بكل ما هو ضروري‬

‫لحماية األمن الصحي والدوائي لكافة املغاربة بدون استثناء‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬دور صندوق كورونا في مواجهة وباء كوفيد ‪83‬‬

‫بعد إعالن املغرب عن ظهور أول إصابة بهذا الوباء فوق ترابه‪ ،‬أعلن صاحب الجاللة‬

‫امللك محمد السادس نصره هللا إنشاء صندوق خاص بوباء كورونا لتوفير التمويل‬

‫الضروري ملواجهة هذه الجائحة‪.‬‬

‫وقد كان أعزه هللا أول املساهمين به بمبلغ مالي يقدر بنحو ملياري دهم‪ ،‬ثم انطلقت‬

‫بعده التبرعات بهذا الصندوق من جميع القطاعات والفاعلين السياسيين ورجال األعمال‬

‫‪P 582‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫وقطاعات أخرى‪ ،‬حيث أفادت الخزينة العامة للمملكة أن مجموع موارد الصندوق الخاص‬

‫بتدبير جائحة فيروس كورونا املستجد‪ ،‬بلغت إلى غاية متم يوليوز املاض ي ما قيمته ‪99,2‬‬

‫مليار درهم‪.‬‬

‫ويهدف هذا الصندوق إلى دعم االقتصاد الوطني ملواجهة تداعيات هذا الوباء من‬

‫خالل التدابير التي ستقترحها لجنة اليقظة االقتصادية‪ ،816‬وذلك للحد من آثار هذا‬

‫الفيروس على الحالة االجتماعية واملعيشية للمواطنين‪ ،‬الذين تضرروا من هذه الجائحة‬

‫التي مست القدرة الشرائية وزادت من نسبة البطالة خصوصا بعد فرض حالة الطوارئ‬

‫الصحية ببالد‪.‬‬

‫فقد شملت املساعدات املمنوحة من طرف الدولة لألسر العاملة في القطاع الغير‬

‫املهيكل‪ ،‬والفقراء الذين ال يتوفرون على دخل أو يعملون في القطاع غير الرسمي والغير‬

‫مصرح بهم لدى صندوق الضمان االجتماعي‪ ،‬لكون هذه الفئات هي املتضررة من هذا‬

‫الوباء بصفة شخصية ال على املستوى البعيد أو القريب‪.‬‬

‫وقد استفاد من هذا الدعم املقدم من طرف صندوق كورونا حوالي ‪ 4‬ماليين أسرة‪،‬‬

‫فبالنسبة لألسرة املكونة من شخصين فقد خصص لها حوالي ‪ 12‬دوالرا‪ ،‬أما األسرة التي‬

‫تتكون من ثالثة إلى أربعة أفراد فيمنح لها مبلغ ‪ 880‬دوالرا‪ ،‬بينما ستحصل األسرة املؤلفة‬

‫من أكثر من أربعة أشخاص على مبلغ مالي يقدر في ‪ 872‬دوالرا شهريا‪.‬‬

‫‪816‬‬
‫‪-‬وزارة المالية و االقتصاد و إصالح اإلدارة‪ ،‬بيان صحفي‪ ،‬إحداث صندوق تدبير و مواجهة و باء فيروس كورونا‪.‬‬

‫‪P 583‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫وتجدر اإلشارة أن حوالي ‪ 2‬ماليين مغربي استفادوا من الدعم املالي املقدم لهم من‬

‫طرف صندوق كورونا حسب رئيس الحكومة‪ ،‬حيث اعتبر هذا األخير أن هذه العملية هي‬

‫األكبر من نوعها في تاريخ الدولة من حيث الدعم املباشر للفئات املعوزة داخل البالد‪ ،‬فقد‬

‫وصلت املساعدات املقدمة لهم شهريا في فترة وجيزة إلى نحو ‪ 18‬و‪ 704‬دوالرا حسب وزارة‬

‫املالية‪.817‬‬

‫أما فيما يتعلق بالطبقة العاملة فقد استفاد قرابة مليون من العمال باملغرب من‬

‫التعويضات املمنوحة لهم من طرف الحكومة بسبب كورونا‪ ،‬حيث استفاد األجراء‬

‫املتوقفون عن العمل املصرح بهم لدى صندوق الضمان االجتماعي‪ ،‬من دعم مالي قيمته‬

‫‪ 8000‬درهم بالنسبة لشهر مارس و‪ 7000‬درهم لشهور أبريل وماي ويونيو‪.818‬‬

‫إن الروح الوطنية التي اتصفت بها الطبقة العاملة سواء العامة منها أو الخاصة‪،‬‬

‫لهي خير دليل على املواطنة الحقيقية التي تنبعث من روح التضامن والتآزر املعهودة في‬

‫املواطن املغربي‪ ،‬فبعد إطالق حملة التبرعات من طرف امللك محمد السادس انخرطت‬

‫جميع القطاعات دون استثناء في حملة املساهمة في صندوق كورونا لتصدي لهذه الجائحة‪.‬‬

‫‪ -817‬تقرير المجلس االقتصادي و االجتماعي و البيئي‪ ،‬االنعكاسات الصحية و االقتصادية و االجتماعية لفيروس كورونا "‬
‫كوبيد‪ "69 -‬و السبل الممكنة لتجاوزها‪ ،‬إحالة رقم ‪ ،2020/20‬ص ‪.24‬‬
‫‪818‬‬
‫‪-haut-commissariat au plan, enquête sur l’impact du coronavirus sur la situation‬‬
‫‪économique, sociale et psychologique des ménages, note de synthèse des principaux‬‬
‫‪résultats,2020, p 11.‬‬
‫لتوسع أكثر في هذا المجال راجع‪:‬‬
‫‪- Note stratégique, de la crise du covid-19 au Maroc , le haut –commissariat au plan et le‬‬
‫‪système des nations unies au Maroc et la banque mondiale, juillet 2020, p 2.‬‬

‫‪P 584‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫لكن ومع األسف ورغم كل هذه الجهود املبذولة من طرف الدولة‪ ،‬كان هناك تدبير‬

‫غير معقلن لهذه الجائحة وبالضبط من حيث توزيع املساعدات املمنوحة من طرف‬

‫صندوق كورونا للفئات املعنية بها‪ ،‬حيث تم صرف مبالغ طائلة وجهت في كثير من األحيان‬

‫لجهات تستحقها نظرا لتأزم وضعيتها املالية في فترة كورونا‪ ،‬لكن في أحيان عديدة استفادت‬

‫جهات أخرى ال تستحق هذه التعويضات املقدمة لها من طرف هذا الصندوق‪.‬‬

‫فاملشكل ليس في الدولة بل في بعض السلطات املحلية التي لم تفرز الطبقات التي‬

‫تستحق هذه املساعدات‪ ،‬بل ذهبت هذه اإلعانات إلى أطراف أو جهات غير معروفة بتاتا‬

‫الش يء الذي نتج عنه ضياع هذه األموال‪ ،‬مما أدى ببعض الطبقات التي لم تستفد من‬

‫هذه اإلعانة املقدمة لها من طرف صندوق كورونا إلى تقديم تظلم للسلطات املحلية املعنية‬

‫في املقام األول بتحديد املستحقين لهذه املساعدات‪.‬‬

‫إن ما صاحب توزيع املستحقات املالية املمنوحة من طرف صندوق كوفيد ‪ ،83‬هو‬

‫غياب الرؤية الواضحة لبعض السلطات املحلية التي غفلت تماما عن الطبقات الفقيرة‬

‫واملعوزة والتي هي في أمس الحاجة ملثل هذا املبلغ املالي‪ ،‬لهذا كان عليها أن تقوم بعملية‬

‫فرز دقيقة لألشخاص الذين يحتاجون هذه املساعدات لتجاوز هذه الجائحة بأقل‬

‫الخسائر البشرية واملالية‪.‬‬

‫وعلى الرغم من قيمة هذه املبالغ املالية التي وزعت على األسر أو على الطبقات‬

‫العاملة بمختلف أشكالها وأصنافها‪ ،‬فإن تداعيات أزمة كورونا ال زالت تخيم على هذه‬

‫‪P 585‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫الطبقات التي عانت وال زالت تعاني لحد الساعة من غياب دخل قار يضمن لها مستوى‬

‫معيش ي أفضل‪.‬‬

‫إن ما قامت به الدولة املغربية ملواجهة وباء كوفيد ‪ 83‬على جميع األصعدة‪ ،‬له دليل‬

‫على حرص املغرب ملكا‪ ،‬وشعبا‪ ،‬وحكومة‪ ،‬على الخطورة التي تحدق بالبالد من جراء هذه‬

‫الجائحة التي لم يشهد لها العالم مثيال‪ ،‬فضرورة املوقف ألزمت على الجميع االنخراط‬

‫الفعلي والتحلي بروح املواطنة للخروج من هذه األزمة بأقل الخسائر املمكنة‪.‬‬

‫فمعاناة العالم من وباء كوفيد ‪ 83‬شكلت تحديا حقيقيا لدول العالم من حيث‬

‫الحقوق وااللتزامات املكفولة دوليا ملواطنيها‪ ،‬وهذا ما ينطبق فعال على املغرب الذي ما فتئ‬

‫في تدبير هذه املرحلة الراهنة بكل إمكانياته ووسائله معتمدا على نفسه في املقام األول‪ ،‬كما‬

‫عمل على تسخير جهوده لحماية البالد من الوقوع في كارثة إنسانية‪ ،‬باإلضافة إلى ذلك‬

‫ساهم في إخراج صندوق كورونا للوجود ليكون بديال ومعينا لألسر املعوزة‪.‬‬

‫الفقرة الثالثة‪ :‬نجاعة املؤسسة األمنية في مواجهة وباء كوفيد ‪83‬‬

‫جاء في ديباجة دستور ‪ 7088‬للمملكة املغربية‪ " 819‬كون األمن بمفهومه االستراتيجي‪،‬‬

‫قد غدا تحديا عامليا‪ ،"...‬من هنا تظهر لنا األهمية التي يحظى بها األمن داخل أي منظومة‬

‫دولية‪ ،‬فأساس االستقرار واألمان هو وجود جهاز أمني فعال وناجح على جميع األصعدة‪.‬‬

‫‪ -819‬كريم لحرش‪ ،‬الدستور الجديد للمملكة المغربية شرح و تحليل‪ ،‬سلسلة العمل التشريعي و االجتهاد القضائي (‪،)2‬‬
‫توزيع مكتبة الرشاد سطات‪ ،‬طبعة ‪ ،2062‬ص ‪.60‬‬

‫‪P 586‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫واملغرب كغيره من دول العالم يولي اهتماما بليغا للمنظومة األمنية باعتبارها الضامن‬

‫الوحيد لحماية املواطن من أي تهديد يمس حياته‪ ،‬هذه الضمانة التي تجد سندها القانوني‬

‫في املمثل األسمى ورئيس الدولة وأمير املؤمنين جاللة امللك محمد السادس نصره هللا وأيده‪.‬‬

‫وقد شهد الجهاز األمني ببالدنا عدة تحوالت ساهمت بشكل كبير في إضفاء دينامية‬

‫جديدة على هذه املؤسسة‪ ،‬كما أن العناية املولوية التي يوليها امللك محمد السادس لقطاع‬

‫األمن تبرهن مكانته ودوره الحقيقي‪ ،‬كآلية وقائية وحمائية تحارب الجريمة بمختلف‬

‫أشكالها وتحافظ على بقاء هبة الدولة ومكانتها داخل اإلطار الشرعي لها‪.‬‬

‫كما أن األعمال التي يقوم بها هذا الجهاز والتي تعد من واجباته الوطنية‪ ،‬على مر‬

‫التاريخ املغربي لهي خير برهان على التضحيات التي يقوم بها نساء ورجال األمن كل من‬

‫موقع مسؤوليته‪ ،‬فالواجب الوطني واألمانة التي تربى عليها رجل األمن توجب عليه العمل‬

‫واالجتهاد في تأدية واجبه على أحسن وجه‪.‬‬

‫وكعادته‪ ،‬ال يتخلف جهاز األمن عن القيام بواجبه عندما تستدعيه الضرورة امللحة‬

‫لذلك‪ ،‬فعندما احتاجت الدولة للمؤسسة األمنية بمختلف أطرها عند تفش ي وباء كوفيد‬

‫‪ ،83‬لبى األمن نداء رئيس الدولة صاحب الجاللة امللك محمد السادس للقيام بما تتطلبه‬

‫منه املرحلة الراهنة‪.‬‬

‫فحينما أعلنت الحكومة عن فرض حالة الطوارئ الصحية بعموم البالد في شهر‬

‫مارس ‪ ،7070‬عهد إلى تطبيقه وتنزيله على أرض الواقع لجهاز األمن باعتباره صاحب‬

‫‪P 587‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫االختصاص في مثل هذه القضايا‪ ،‬حيث عملت مختلف األجهزة األمنية ليال نهارا على تطبيق‬

‫مرسوم حالة الطوارئ الصحية بشكل يضمن عدم تفش ي الوباء في عموم البالد‪.‬‬

‫ومن بين الخطوات التي لجأت إليها املؤسسة األمنية املمثلة في مديرها العام السيد‬

‫عبد اللطيف الحموش ي‪ ،‬ملواجهة هذه الجائحة هي تقييد حركة التنقل في عموم البالد‪،‬‬

‫حيث أصبح ضروريا حصول الشخص على رخصة للخروج من منزله لقضاء مستلزماته‬

‫مسلمة له من طرف السلطة املحلية‪ ،‬كما تم تقييد حركة التنقل بين املدن إال في حالة‬

‫تنقل البضائع واملواد الغذائية أو للضرورة القصوى‪.‬‬

‫كما شملت اإلجراءات التي اعتمدها املغرب ملواجهة وباء كورونا‪ ،‬مثل تعليق التعليم‬

‫الخاص والعام وحظر السفر والتجمعات الكبيرة‪ ،‬باإلضافة إلى إغالق املقاهي واملطاعم‬

‫وتعليق الصالة في املساجد‪ ،‬حيث فسرت هذه الخطوات بأنها تعد انتهاكا لحقوق املواطنين‪،‬‬

‫إال أن هناك استطالع للرأي العام أجراه املعهد املغربي لتحليل السياسات في مارس وهو‬

‫مركز أبحاث مستقل مقيم في الرباط‪ ،‬بأن غالبية املواطنين يؤيدون الخطوات االستباقية‬

‫التي قامت بها السلطات‪.‬‬

‫كما عملت املديرية العامة لألمن الوطني على تزويد عناصرها في نقاط املراقبة‬

‫بتطبيق الكتروني على هواتفهم الذكية‪ ،820‬من أجل ضبط تنقالت املواطنين وزجر كل‬

‫مخالف لحالة الطوارئ الصحية‪ ،‬خصوصا أن هناك بعض املواطنين لم يحترموا‬

‫‪P 588‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫اإلجراءات املعمول بها من طرف رجال الشرطة‪ ،‬لذا كان البد من تشديد املراقبة عليهم في‬

‫بعض األحيان كون األمر يتعلق بأرواح الناس وممتلكاتهم‪.‬‬

‫ونعتقد أن تغليب مفهوم األمن على مفهوم الحرية يبقى واردا في بعض األحيان‪ ،‬ولعل‬

‫السبب في ذلك راجع باألساس إلى انتشار وباء كوفيد ‪ 83‬في العالم بشكل مخيف مع تطور‬

‫اهتمام الناس بخطورته‪ ،821‬لذا كان على الدول ومن ضمنها املغرب تغليب املقاربة األمنية‬

‫في هذه الوضعية لحماية البالد من االنزالق في مستنقع وباء كوفيد ‪.83‬‬

‫إن الفوض ى التي خلفتها كورونا والفزع الذي نتج عنها‪ ،‬أكسبت رجال الشرطة مكانة‬

‫رفيعة ومتميزة في نفوس املغاربة سواء بالداخل أو بالخارج‪ ،‬كونهم يضحون بأنفسهم‬

‫ويواجهون هذا الوباء في الصفوف األمامية ويقومون بما تتطلبه منهم مصلحة الوطن‪،‬‬

‫وهذا ليس بجديد على املؤسسة األمنية ببالدنا فمنذ تأسيسها وهي تأخذ على عاتقها حماية‬

‫أمن الوطن‪.‬‬

‫أيضا ال ننس ى ما قام به املدير العام لألمن الوطني‪ ،‬الذي رفع من مكانة هذه املؤسسة‬

‫داخليا وخارجيا‪،‬وأعطى أهمية كبرى لرجل الشرطة ملا يمثله هذا األخير داخل منظومة‬

‫األمن الوطني‪ ،‬حيث أصبح لدينا جهاز أمني متطور يواكب كل املستجدات ويعمل بدينامية‬

‫جديدة تنافس األجهزة األمنية الكبرى واملتقدمة‪.‬‬

‫‪ - 821‬المندوبية السامية للتخطيط‪ ،‬تطور سلوك المغاربة تجاه جائحة كوبيد – ‪ ،69‬المرحلة الثانية من البحث حول تأثير فيروس‬
‫كورونا على الوضع االقتصادي و االجتماعي و النفسي لألسر‪ ،2020 ،‬ص ‪.2‬‬

‫‪P 581‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫وبالفعل‪ ،‬اليوم أصبح لدينا جهاز أمني ناجح على جميع املستويات‪ ،‬يستطيع مواجهة‬

‫كل املخاطر والتحديات التي تهدد أمن وسالمة املواطنين‪ ،‬وأبسط مثال يدل على هذه‬

‫النجاعة األمنية التي تحظى بها بالدنا‪ ،‬هي القدرة واملهنية التي تحلى بها رجال الشرطة خالل‬

‫جائحة كورونا‪ ،‬حيث تم تغييب املصلحة الشخصية لرجل األمن وأضحت املصلحة‬

‫الوطنية فوق كل اعتبار‪ ،‬وتم العمل بمبدأ نكران الذات وأن الواجب املنهي لرجل الشرطة‬

‫يتطلب منه الضحية ألجل للوطن‪.‬‬

‫وحتى جهاز األمن لم يسلم هو أيضا من جائحة كورونا‪ ،‬حيث تعددت اإلصابات في‬

‫صفوف األمن من والية إلى أخرى‪ ،‬ال سيما وأن رجال الشرطة يقفون في الصفوف األمامية‬

‫ملواجهة هذا الوباء بكل تجرد ومسؤولية ونزاهة‪ ،‬لهذا كان البد للمديرية العامة لألمن‬

‫الوطني من توفير الحماية الالزمة لرجل الشرطة‪ ،‬ليكون في منأى من تهديد هذا الوباء له‬

‫حتى يؤدي مهامه املطلوبة منه في أحسن األحوال‪.‬‬

‫إن املؤسسة األمنية اليوم وبالخصوص جهاز االستخبارات في الدول املتقدمة‪ ،‬أضحى‬

‫نموذجا في االبتكار واالختراع الخاص بمجال األوبئة‪ ،‬فقد تم إنشاء الهيئة املتخصصة في‬

‫جمع املعلومات عن األوبئة في الواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬مهمته األساسية تنحصر في‬

‫الجانب الوقائي والتصدي ألي تهديدات خارجية تهدد الشعب األمريكي‪ ،‬و هذا ما ينقصن‬

‫الدول العربية والتي ال تمتلك مثل هذه املراكز العلمية عالية املستوى‪ ،‬فنتمنى من‬

‫املؤسسات االستخباراتية ببلدنا أن تأخذ بعين االعتبار بمثل هذه املراكز التي دعت الضرورة‬

‫لها في مثل هذا العصر‪.‬‬

‫‪P 511‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫وإذا كان جهاز األمن الوطني انخرط بكل مكوناته للتصدي لتداعيات وباء كوفيد ‪83‬‬

‫التي أضرت باملغرب من كل النواحي‪ ،‬فإننا ال ننس ى أيضا دوره املهم في تثبيت األمن في ربوع‬

‫البالد و الضرب على أيدي املخالفين الذين ساهموا بشكل أو بأخر في املساس بحقوق‬

‫املواطنين‪ ،‬وذلك عن طريق تقديمهم للقضاء حتى يقول كلمته األخيرة في حق كل مخالف‬

‫للنصوص القانونية املعمول بها داخل البالد‪.‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬أثار وباء كوفيد ‪ 83‬على الظاهرة اإلجرامية باملغرب‬

‫تعتبر الجريمة ظاهرة عاملية منذ ظهور البشرية على سطح األرض‪ ،‬حيث تختلف هذه‬

‫األخيرة من وقت إلى آخر معتمدة في ذلك على التطور والتقدم الحاصل بفعل اإلنسان‪،‬‬

‫الش يء الذي نتج عنه ظهور أصناف جديدة من اإلجرام ساهمت بشكل مباشر في إلحاق‬

‫الضرر بالفرد كونه هو الحلقة الضعيفة في املجتمع‪.‬‬

‫لهذا كان على املجتمعات إيجاد الحلول املمكنة للتصدي ألي جريمة كيفما كان‬

‫شكلها‪ ،‬وهذا ما عمل عليه املغرب من خالل اعتماده على مقاربة قانونية تمكن املجتمع‬

‫من ضمان أمنه الداخلي‪ ،‬والعيش في بيئة يسود فيها القانون والعدل لكل أطياف الشعب‪.‬‬

‫وستنحصر هذه الدراسة على تناول الجريمة في ظل الحجر الصحي في الفقرة األولى‪،‬‬

‫ثم نخصص الفقرة الثانية لتناول املحاكم املغربية ملثل هذه الجرائم في فترة الحجر الصحي‪.‬‬

‫‪P 511‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫الفقرة األولى‪ :‬الجريمة في ظل الحجر الصحي‬

‫عرف املشرع املغربي مفهوم الجريمة في الفصل ‪ 880‬من القانون الجنائي بقوله‪" 822‬‬

‫الجريمة عمل أو امتناع مخالف للقانون الجنائي ومعاقب عليه بمقتضاه "‪ ،‬من خالل هذا‬

‫التعريف يظهر لنا أن املشرع الجنائي كان حريصا على إعطاء تعريف دقيق ملفهوم الجريمة‬

‫يحيط بجميع الجوانب املوضوعية التي تؤدي باإلنسان الرتكاب فعل مخالف للقانون‪.‬‬

‫كما أن هناك مفهوم اجتماعي للجريمة منصوص عليه في الفصل األول من القانون‬

‫الجنائي‪ ،‬الذي جاء فيه " يحدد التشريع الجنائي أفعال اإلنسان التي يعدها جرائم بسبب‬

‫ما تحدثه من اضطراب اجتماعي ويوجب زجر مرتكبيها بعقوبات أو تدابير وقائية "‪ ،‬وبالتالي‬

‫فالجريمة هي كل فعل أو امتناع – صادر عن إرادة جنائية – يحظره القانون الجنائي‬

‫ويعاقب عليه بسبب ما يحدثه من اضطراب اجتماعي‪.823‬‬

‫وبالتالي يمكننا أن نعرف الجريمة بأنها ظاهرة اجتماعية تؤدي باإلنسان إلى ارتكاب‬

‫فعل مخالف للقانون أو معاقب عليه بمقتضاه‪ ،‬أو أن يمتنع هذا الشخص عن تنفيذ أمر‬

‫أوجبه القانون وعاقب على من تركه عمدا دون عذر مقبول منه‪.‬‬

‫وعليه فالجريمة تبقى مرتبطة باإلنسان كارتباط الجسد بالروح‪ ،‬وهي تتغير باستمرار‬

‫بفعل تغير اإلنسان معها نتيجة ظهور عدة عوامل أدت بها إلى سلوك هذا املسار‪ ،‬ومن بين‬

‫‪ -822‬دار اإلنماء الثقافي‪ ،‬قانون المسطرة الجنائية و القانون الجنائي وفق آخر التعديالت‪ ،‬سلسلة المعرفة القانونية للجميع‪،‬‬
‫الطبعة الثانية‪ ،2061 ،‬ص ‪.281‬‬
‫‪ -823‬نور الدين العمراني‪ ،‬شرح القسم العام من القانون الجنائي المغربي‪ ،‬مطبعة وراقة سجل ماسة الزيتون مكناس‪ ،‬الطبعة‬
‫‪ ،2065‬ص ‪.49‬‬

‫‪P 512‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫هذه العوامل التي ساهمت بشكل كبير في ازدياد أو انخفاض معدل الجريمة باملغرب‪ ،‬هو‬

‫وباء كورونا الذي مثل تحديا كبيرا لسياسة الجنائية ببالدنا من منطلق النهج املتبع في‬

‫سياسة التجريم والعقاب‪.‬‬

‫إن القول بأن معدل الجريمة انخفض في املغرب في زمن وباء كوفيد ‪ 83‬ليس بالكالم‬

‫الصحيح‪ ،‬على اعتبار وجود حجر صحي مطبق من طرف الدولة والذي يحد من حرية‬

‫التنقل والتجول في عموم املغرب‪ ،‬كما أن عناصر الشرطة أصبحت مستنفرة ليال نهارا‬

‫ومركزة في الشوارع واألزقة‪ ،‬الش يء الذي يصعب معه للمجرم أن ينفذ جريمته وهو في‬

‫ظروف عادية‪ ،‬أيضا ال ننس ى أن حتى العنصر البشري الذي سيكون مستهدفا بالجريمة‬

‫أصبح منعدما في ربوع البالد نتيجة الحجر الصحي املفروض عليه‪.‬‬

‫نحن ال نبخس عمل عناصر الشرطة ال في زمن كورونا أو في الحالة العادية‪ ،‬بل يبقى‬

‫األمن الذي تنعم به البالد هو من أكبر التضحيات التي يقوم بها جهاز الشرطة في تكريس‬

‫الطمأنينة واألمان لكافة املواطنين‪ ،‬لكن مفهوم األمن الذي يطبقه رجل الشرطة في زمن‬

‫كورونا ليس بمفهوم األمن املعمول به من طرف هذه عناصر في الظروف العادية‪.‬‬

‫ثم إن الحكم بارتفاع معدل الجريمة أو انخفاضها في زمن الجائحة‪ ،‬ال يوصلنا إلى‬

‫النتيجة الحقيقية وهي هل الجريمة مستقرة أم متغيرة؟ لكون السبب الحقيقي في معرفة‬

‫معدل نمو الجريمة باملغرب هو اإلنسان‪ ،‬وما ينتج عنه من أعمال وأفعال تؤذي به إما‬

‫لتطبيق القانون أو مخالفته وإلحاق الضرر باآلخرين‪.‬‬

‫‪P 513‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫فقد أشار التقرير السنوي للمجلس االقتصادي واالجتماعي والبيئي لسنة ‪ ،7087‬أن‬

‫معدل اإلجرام باملغرب قد تزايد بشكل كبير للغاية‪ ،‬حيث بلغت عدد االعتقاالت التي قامت‬

‫بها قوات األمن حوالي ‪ 477.332‬اعتقال‪ ،‬أي بمعدل ‪ 79‬في املائة مقارنة مع ‪ ،7082‬مما يدل‬

‫على أن معدل نمو الجريمة في املغرب أصبح في ارتفاع سنة بعد سنة‪.‬‬

‫وحسب تقرير مؤشر األمن العاملي لسنة ‪ ،8247082‬فقد كلفت الجريمة والعنف‬

‫اقتصاد املغرب حوالي ‪ 7,7‬في املائة من ناتجه الداخلي الخام لسنة ‪ 7087‬أي بمعدل ‪221‬‬

‫دوالرا للفرد الواحد‪ ،‬الش يء الذي يدل على أن الجريمة تؤثر على اقتصاد املغرب بطريقة‬

‫خطيرة للغاية إذا لم تكن هناك حلول جذرية ملعالجة الظاهرة اإلجرامية ببالدنا‪.‬‬

‫إن القضاء على الجريمة وصورها من املغرب ال يمكن أن يكون رهين وضعية أو فترة‬

‫زمنية أو فيروس ما‪ ،‬بل ال بد لنا من وضع سياسية جنائية متكاملة تراع الجانب االقتصادي‬

‫واالجتماعي والقانوني‪ ،‬وتغلب الجانب الوقائي على الجانب الزجري من خالل دعم‬

‫العقوبات البديلة ودعم املبادرة الوطنية للتنمية البشرية‪ ،‬حتى يكون هناك توازن بين‬

‫الجريمة والظروف املسببة لها‪ ،‬وإال فإننا سنكون أمام سياسة تشريعية تشرعن لإلجرام‬

‫وتغيب الحلول الجذرية للقضاء على الجريمة‪.‬‬

‫ويبقى الخوض في مسألة انخفاض الجريمة باملغرب في فترة وباء كوفيد ‪ ،83‬عارية من‬

‫الصحة تماما ألن القياس على ارتفاع معدل الجريمة من انخفاضه ال يعمل به في حالة‬

‫الطوارئ كيفما كان شكلها‪ ،‬لسبب أن الجريمة تحكمها متغيرات وظروف هي التي تكون‬

‫‪ -824‬التقرير السنوي ‪ ،2061‬للمجلس االقتصادي و االجتماعي و البيئي‪ ،‬ص ‪.96‬‬

‫‪P 514‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫السبب املباشر في ارتكابها‪ ،‬لهذا فإننا نعتبر بأن الجريمة ولو شهدت انخفاضا تدريجيا‬

‫فالسبب يعود لوجود رجل الشرطة في كل مكان وزمان أثناء فترة الحجر الصحي‪ ،‬وبالتالي‬

‫فالجريمة تقلصت بفعل عناصر األمن وليس بفعل جائحة كورونا‪.‬‬

‫إن واقع الجريمة باملغرب يبقى كغيره من دول العالم إذا لم تكن هناك حلول واقعية‬

‫ملعالجة الجريمة‪ ،‬حيث ظهر في املغرب نوع خاص من اإلجرام وهو ليس بجديد بل تضاعف‬

‫أثناء فترة الحجر الصحي ببالدنا‪ ،‬أال وهو العنف األسري الذي يحتضنه بيت الزوجية وتكون‬

‫الزوجة هي الضحية األولى فيه‪.‬‬

‫حيث صدر تقرير عن األمم املتحدة بمشاركة ‪ 83‬جمعية نسائية والذي يحمل‬

‫" العنف ضد النساء والفتيات في أوقات األزمات‪ ...‬تجربة الحجر الصحي في‬ ‫عنوان‪825‬‬

‫املغرب" والذي توصل إلى أن النساء اللواتي لهن أوالد هن أكثر تعرضا للعنف من اللواتي‬

‫ليس لهن أوالد‪ ،‬وهذا أمر طبيعي والسبب في ذلك هو بقاء الرجل في املنزل كل الوقت‪ ،‬مما‬

‫يؤدي إلى وجود مشاحنات وصراعات داخلية بين األزواج النعدام ثقافة الحوار والتفاهم‬

‫فيما بينهم‪.‬‬

‫كل هذا كان نتيجة الضغوطات النفسية‪ 826‬التي تعرضت لها األسرة بأكملها‪ ،‬مما أدى‬

‫بأفرادها إلى تفريغ هذه الشحنات السلبية إما بين األزواج فيما بينهم أو حدوث صدمات‬

‫‪ -825‬تقرير البحث العلمي التكميلي‪ ،‬انعكاسات جائحة كوبيد‪ 69-‬على العنف ضد النساء بالمغرب‪ ،‬يونيو ‪ ،2020‬ص ‪.0‬‬
‫‪ - 826‬يعتبر الضغط النفسي بمثابة صيرورة تظهر حينما تتجاوز معطيات الوضعية االجتماعية قدرات الفرد الكيفية‪ ،‬كما أنها حالة من‬
‫الالتوازن بين معطيات الواقع االجتماعي و مؤهالت الفرد وقدراته‪.‬‬
‫‪ -‬مصطفى أوسرار و عبد هللا أزور‪ ،‬استراتيجيات مواجهة الضغوط النفسية في وضعية الحجر الصحي‪ ،‬النشر العلمية‪ ،‬عدد ‪ 06‬ماي‬
‫‪ ،2020‬الصادرة عن خلية الدعم النفسي عن بعد كوبيد‪ ،69-‬ص ‪.0‬‬

‫‪P 515‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫بين األطفال و اآلباء خصوصا وأنهم يعيشون في بيت واحد‪ ،‬وبالتالي كان البد من وجود‬

‫إستراتجية ملواجهة الضغوط النفسية التي تتعرض لها األسرة خالل فترة الحجر الصحي‬

‫ببالدنا‪ ،‬تتجلى من خالل تغيير مصدر الضغط و التوتر الناتج عن وباء كوفيد‪ 83-‬واستبداله‬

‫بطاقة ايجابية تكون هي البديلة ملواجهة أثار وباء كوفيد‪ 83-‬على الشخص‪.‬‬

‫إن مفهوم الجريمة ال يتغير في أي بلد سواء كان متقدما أم متأخر‪ ،‬ألن العنصر‬

‫البشري هو العامل املباشر في حصول هذه الجريمة في أي مكان أو زمان‪ ،‬وبالتالي فان‬

‫حقيقة الجريمة ال ترتبط بظروف أو أزمات معينة بل إن مستوى اإلجرام قد يزيد عن شكله‬

‫التقليدي‪ ،‬بسبب أن اإلنسان يبقى دائما مستعد الرتكاب أي جريمة كيفما كانت وهذا راجع‬

‫باألساس إلى بنيته البيولوجية‪ ،‬ويبقى القول بأن وباء كوفيد ‪ 83‬قلص مستوى الجريمة‬

‫ليس في محله ألن وجود اإلنسان في الحياة ينتج عنه وجود الجريمة‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬معالجة املحاكم املغربية لجرائم الحجر الصحي‬

‫بعد تفش ي وباء كورونا باملغرب وتفاديا النتشار هذا الوباء بين صفوف هيئة القضاء‪،‬‬

‫كان البد من وقف النظر في جميع القضايا املعروضة على املحاكم حفاظا على صحة‬

‫وسالمة املواطن املغربي‪ ،‬لذا نجد أن القضاء ببالدنا اعتمد تقنية املحاكمة عن بعد لعدم‬

‫تعطيل مصالح الناس التي تبقى مرهونة بصدور حكم قضائي مؤيد أو معارض لقضاياهم‪.‬‬

‫وبالفعل انطلقت جل املحاكم ببالدنا في النظر في القضايا املعروضة عليها في فترة‬

‫الحجر الصحي‪ ،‬إال أن املسالة تبقى متعلقة إلى حد ما في كيفية الخوض في هذه الجرائم‬

‫‪P 516‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫من الناحية القانونية‪ ،‬أي ما هو التكييف القانوني ملثل هذه الجرائم املرتكبة في زمن‬

‫كورونا‪،‬هل نطبق النص بحذافيره أم أن على القضاء أن يراعي الوضعية االجتماعية‬

‫واالقتصادية للمجرم ودوافع ارتكابه هذه الجريمة في فترة الحجر الصحي‪.‬‬

‫إن املتتبع لألحكام الصادرة عن املحاكم املغربية يجد بأنها لم تجانب الصواب في‬

‫كيفية النظر في الجرائم املحالة عليها‪ ،‬أي أنها نظرت إلى هذه الجرائم على أنها تهديد لألمن‬

‫الداخلي وكونها ارتكبت في فترة الحجر الصحي‪ ،‬الش يء الذي يخرجها من اإلطار العادي‬

‫للجريمة إلى املسار الضيق من الناحية القانونية وتفسيرها تفسيرا مغايرا ال يراعي للجاني‬

‫أي ظرف كيفما كان‪.‬‬

‫حيث ذهبت بعض املحاكم املغربية إلى تفسير جنحة السرقة املرتكبة في فترة الحجر‬

‫الصحي بكونها تعد جناية‪ ،‬معتمدة في ذلك على اقتران جنحة السرقة على ظرف مشدد‬

‫للعقوبة وهو وقوعها في زمن الكارثة‪ ،‬وذلك استنادا على الفصل ‪ 280‬من القانون الجنائي‬

‫وبضبط الفقرة الخامسة منه التي جاء فيها " ارتكاب السرقة في أوقات الحريق أو االنفجار‬

‫أو االنهدام أو الفيضان‪ ،‬أو الغرق أو الثورة أو التمرد أو أية كارثة أخرى "‪.‬‬

‫وقبل أن نناقش حكم محكمة القنيطرة من الناحية القانونية البد علينا أوال تعريف‬

‫معنى الكارثة‪ ،‬وقد جاء في لسان العرب أن مصطلح الكارثة يعني كرثه األمر يكرث هو يكرثه‬

‫كرثا وأكرثه أي ساءه واشتد عليه وبلغ منه املشقة‪.‬‬

‫‪P 517‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫أما تعريف مفهوم الكارثة من الناحية االصطالحية فهي التحول املفاجئ غير املتوقع‬

‫في أسلوب الحياة العامة بسبب ظواهر طبيعية أو من فعل اإلنسان‪ ،‬تتسبب في العديد من‬

‫اإلصابات والوفيات أو الخسائر املادية الكبيرة‪.827‬‬

‫وحتى نعتد بأن هذا الش يء كارثة أم ال البد من وجود سمات لها مثل‪:‬‬

‫‪ -‬صعوبة التنبؤ بحدوث أغلبها‬

‫‪ -‬إذا ما حدثت الكارثة فإنها تترك خسائر جسيمة في الجوانب املادية والبشرية‬

‫‪ -‬الكارثة قد يكون سببها اإلنسان إما عمدا أو إهماال‪ ،‬وقد ترجع إلى غيره‪.828‬‬

‫من خالل ما سبق يمكننا أن نعرف مفهوم الكارثة بأنها عبارة عن ش يء غير مألوف‪،‬‬

‫قد يكون حدث طبيعي أو اصطناعي أو بيئي يؤدي إلى التقليص من الحركة البشرية على‬

‫جميع األصعدة سواء االجتماعية أو االقتصادية‪ ،‬مما تضطر معه الدولة إلى اتخاذ جميع‬

‫التدابير املمكنة ملواجهة هذا الحدث‪.‬‬

‫أما برجوعنا إلى الحكم الصادر عن املحكمة االبتدائية بالقنيطرة والذي قض ى بأن‬

‫جنحة السرقة املقترفة من طرف شخصين‪ ،‬متهمين بسرقة كبش من أحد الرعاة بمشاركة‬

‫أحد األشخاص الذي اشترى منهم هذا الكبش بمعية شخص رابع كان مع املشتري عند‬

‫القيام بعملية الشراء‪،‬يعد جناية وليس جنحة القترانه بظرف مشدد للعقوبة‪ ،‬وهو وقوع‬

‫‪ -827‬محمد حمزة محمد صالح‪ ،‬الكوارث الطبيعية في بالد الشام و مصر( ‪ 922-596‬ه = ‪ 6468-6098‬م )‪ ،‬لرسالة لنيل‬
‫شهادة الماجستير في التاريخ اإلسالمي‪ ،‬الجامعة اإلسالمية– غزة‪ ،‬عمادة الدراسات العليا كلية اآلداب قسم التاريخ و اآلثار‪،‬‬
‫السنة الجامعية ‪ ،2060-2009‬ص ‪.2‬‬
‫‪ -828‬محمد حمزة محمد صالح‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.5‬‬

‫‪P 518‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫هذه السرقة في فترة الحجر الصحي أو بمعنى أخر ارتكاب السرقة في فترة كارثة تجتاح البالد‬

‫طبقا ملضمون الفصل ‪ 829280‬من القانون الجنائي‪ ،‬حيث توبع األشخاص الثالثة في حالة‬

‫اعتقال أما الشخص الرابع توبع في حالة سراح‪.‬‬

‫إن التكييف القانوني الذي أعطاه القاض ي الجنائي لهذه النازلة يخرج الفصل ‪280‬‬

‫من مضمونه األصلي‪ ،‬حيث إذا رجعنا للنص الفرنس ي األصلي نجده أنه استعمل عبارة‬

‫»‪ «tout autre trouble‬التي تبين التعداد أي املراحل التي تخرج الفعل من جنحة إلى‬

‫جناية‪ ،‬كما أن الترجمة الحرفية للفقرة توحي بمعنى آخر " ارتكاب السرقة في أوقات الحريق‬

‫أو انفجار أو االنهدام أو الفيضان‪ ،‬أو الغرق أو الثورة أو التمرد أو أي اضطراب آخر "‪.830‬‬

‫وبالتالي فان عبارة "كارثة" التي جاء بها الفصل الجنائي املغربي غير دقيقة من ناحية‬

‫الترجمة‪ ،‬لكون الفصل الجنائي الفرنس ي جاء واضحا في هذه املسألة من حيث استعماله‬

‫عبارة " اضطراب آخر" وليس عبارة كارثة التي وظفها املشرع املغربي‪ ،‬وهذا ما يدفعنا إلى‬

‫القول بأن محكمة القنيطرة التي بثت في هذه القضية حرفت النص الجنائي عن معناه‬

‫الحقيقي‪ ،‬وأولت أو فسرت النص الجنائي لغير صالح املتهم أو غيبت مبدأ شرعية العقوبة‪،‬‬

‫حيث حكمت بحكم قضائي ال يناسب الفعل ألجرمي املرتكب‪.‬‬

‫‪ -829‬نور الدين العمراني‪ ،‬شرح القانون الجنائي الخاص المغربي‪ ،‬مطبعة وراقة سجل ماسة الزيتون ‪ ،‬مكناس‪ ،‬الطبعة‬
‫‪ ،2065-2062‬ص ‪.250‬‬
‫‪article 510 du code pénal français :-830‬‬
‫‪« si le vol a été commis au cours d’un incendie ou après une explosion, un effondrement, une‬‬
‫‪inondation, un naufrage, une révolte, une émeute ou tout autre trouble ».‬‬

‫‪P 511‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫وبالرجوع إلى النصوص القانونية األخرى نجدها أنها توظف عبارة " كارثة"‪ ،‬حيث‬

‫نص الفصل ‪ 703‬من القانون الجنائي على هذه العبارة "‪ ...‬وذلك في حالة حادثة أو‬

‫اضطراب أو غرق أو فيضان أو حريق أو أي كارثة أخرى‪ "...‬كما تطرق الفصل ‪ 220‬من‬

‫قانون االلتزامات والعقود لهذه العبارة "‪ ...‬إذا كان سبب الحادثة أو الكارثة راجعا إلى‬

‫مخالفة أو عدم مراعاة رب العمل‪."...‬‬

‫ومن هنا نتساءل عن دور القضاء املغربي في تغييب هذه العبارة عن أحكامه الصادرة‬

‫عنه‪ ،‬أال يمكن القول بأن استعمال هذه العبارة في زمن كورونا لم يكن مناسبا لعدة‬

‫اعتبارات‪ ،‬من بينها أن هذا املصطلح موجود في عديد من النصوص القانونية األخرى وإذا‬

‫تم توظيفه في األحكام القضائية فإننا سنعيش كل يوم كوارث وليس كارثة واحدة‪.‬‬

‫ورغبة من املشرع املغربي في وضع تعريف موحد لعبارة " كارثة" ضمن منظومته‬

‫القانونية‪ ،‬نجد أنه تطرق إليها ضمن قانون رقم ‪ 880.84‬الخاص بإحداث نظام لتغطية‬

‫الوقائع الكارثية الصادر في ‪ ،7087‬الذي أشار في مادته ‪ 9‬إلى تعريف مفهوم الكارثة بقوله "‬

‫كل حدث تنجم عنه أضرار مباشرة في املغرب ويرجع السبب الحاسم فيه إلى قوة الفعل‬

‫غير العادية لعامل طبيعي أو إلى الفعل العنيف لإلنسان"‪.‬‬

‫وعليه فان التشريع املغربي تدرج على استعمال هذا املفهوم لعدم إفالت أي حالة‬

‫يمكن أن تؤدي إلى حصول أضرار جسيمة تمس باألشخاص واملمتلكات‪ ،‬لذا نجد أن املشرع‬

‫يعدد الحاالت التي يمكن أن تسبب الفعل ألجرمي‪ ،‬وتفاديا إلغفال أي واقعة أخرى قد‬

‫‪P 611‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫تكون سببا مباشرا في حصول فعل يضر باملجتمع‪ ،‬يأتي بعبارة في األخير تدل على العناصر‬

‫التي لم يتم إدراجها في النص القانوني رغبة منه في عدم اإلفالت من العقاب‪.‬‬

‫فاملشرع املغربي يحرص تمام الحرص على عدم وجود أي ثغرة في النص القانوني‬

‫وبالخصوص النص الجنائي‪ ،‬اهتماما منه في عدم ترك مؤسسة القضاء في الوقوع في أي‬

‫لبس أو شك يؤثر على مصداقية أحكامها‪ ،‬لذا نجده يمنع القاض ي الجنائي من عدم تفسير‬

‫النص الجنائي أو تأويله لغير ما نص له‪ ،‬بل تطبيقه كما هو صادر عن املؤسسة التشريعية‪.‬‬

‫ويبقى الحكم الصادر عن محكمة القنيطرة حدثا تاريخيا ومحطة مهمة في املسار‬

‫القضائي باملغرب‪ ،‬فالقضاء كان دائما في خدمة العدالة ونبراسا للوصول للحقيقة املضللة‬

‫في قاعات املحكمة‪ ،‬إال أننا اليوم نشاهد حكما قضائيا أخرج الجريمة من إطارها العادي‬

‫ووضعها في حلقة ضيقة معتمدا في ذلك على النص القانوني‪ ،‬الذي فهمه من جانب وغابت‬

‫عنه جوانب أخرى وحمل املتهم وغيره فعال جرميا أكبر من الجريمة نفسها‪.‬‬

‫إن الغلط الذي وقعت فيه املحكمة االبتدائية بالقنيطرة جاء نتيجة الخلط بين‬

‫مفهوم الكارثة وكورونا‪ ،‬حيث اعتبرت املحكمة بأن وباء كوفيد ‪ 83‬يعد كارثة رغم أن املعايير‬

‫التي يمكن االعتماد عليها للقول بأن هذا الوباء يعد كارثة بعيدة كل البعد‪ ،‬فالكارثة إذا‬

‫حلت ببلد ما فإنها تشل جميع مقومات الحياة وال يمكن العيش فيها ألنها تعد بالدا منكوبة‪،‬‬

‫إذن أين نحن من هذا الوباء الذي تحاول الدولة السيطرة عليه‪ ،‬بموازاة مع ذلك تبقى‬

‫مؤسسات الدولة في خدمة املواطن ونحن نعيش اليوم انطالق عملية التلقيح تحت الرعاية‬

‫السامية لصاحب الجاللة امللك محمد السادس نصره هللا‪.‬‬

‫‪P 611‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫ونعتقد في األخير أن على املحكمة االبتدائية بالقنيطرة أن تبقي فعل السرقة في حدود‬

‫الجنحة‪ ،‬لكون الوضعية التي تمر بها البالد ساهمت إلى حد كبير في تضرر فئات كثيرة من‬

‫الناس بهذا الوباء‪ ،‬فرغم الظروف القاسية التي يعيشها املواطن املغربي إال انه يحترم‬

‫القانون وكان سندا وجنبا إلى جنب مع جميع املؤسسات سواء األمنية أو القضائية أو‬

‫العسكرية ملحاربة وباء كوفيد ‪ 83‬باملغرب‪ ،‬وبالتالي فالقانون أو القضاء أو األمن كلها‬

‫مؤسسات أوجدتها الدولة لخدمة الشعب وصون كرامته والتعامل معه في حدود القانون‬

‫ألن املغرب دولة الحق و القانون‪.‬‬

‫وتبقى تداعيات وباء كوفيد ‪ 83‬الذي يجتاح العالم تتواصل ليومنا هذا‪ ،‬حيث‬

‫تضررت جميع القطاعات من هذه الجائحة بدون استثناء‪ ،‬كل هذا كان له االنعكاس‬

‫السلبي على املواطن املغربي الذي عان هو أيضا من هذا الوباء‪ ،‬فرغم قلة املوارد املالية أو‬

‫البشرية للدولة إال أن هذه األخيرة واجهت هذه الجائحة بكل إمكانياتها املحدودة‪ ،‬وقد‬

‫نجحت الدولة إلى حد ما في تجنيب املغرب في الوقوع في كارثة صحية و اقتصادية‪ ...‬تكون‬

‫أضرارها وخيمة على الدولة و املواطن معا‪.‬‬

‫‪P 612‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫الئحة املراجع‪:‬‬

‫مرسوم قانون رقم ‪ 7.70.737‬الصادر في ‪ 71‬رجب ‪ 79( 8448‬مارس ‪ )7070‬يتعلق‬

‫بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية و إجراءات اإلعالن عنها‪ ،‬منشور في الجريدة‬

‫الرسمية تحت عدد ‪ 7172‬مكرر‪ ،‬ص ‪.8217‬‬

‫مؤلف جماعي‪ ،‬إستراتيجية املغرب في مواجهة كوبيد ‪ ،83‬مركز السياسات من أجل‬

‫الجنوب الجديد‪ ،‬األوراق السياسية أبريل ‪.7070‬‬

‫وزارة الصحة‪ ،‬مشروع النجاعة في األداء امللحق بمشروع امليزانية الفرعية لوزارة‬

‫الصحة برسم سنة ‪.7087‬‬

‫تقرير املجلس االقتصادي و االجتماعي و البيئي‪ ،‬االنعكاسات الصحية و االقتصادية‬

‫و االجتماعية لفيروس كورونا " كوبيد‪ "83 -‬و السبل املمكنة لتجاوزها‪ ،‬إحالة رقم‬

‫‪.7070/71‬‬

‫كريم لحرش‪ ،‬الدستور الجديد للمملكة املغربية شرح و تحليل‪ ،‬سلسلة العمل‬

‫التشريعي و االجتهاد القضائي (‪ ،)9‬توزيع مكتبة الرشاد سطات‪ ،‬طبعة ‪.7087‬‬

‫املندوبية السامية للتخطيط‪ ،‬تطور سلوك املغاربة تجاه جائحة كوبيد – ‪،83‬‬

‫املرحلة الثانية من البحث حول تأثير فيروس كورونا على الوضع االقتصادي و االجتماعي و‬

‫النفس ي لألسر‪.7070 ،‬‬

‫‪P 613‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪The role of the will in concluding the medical contract‬‬


‫مقدمة‪:‬‬
‫ال يختلف العقد الطبي عن بقية العقود التي تتطلب إلبرامها التقاء إرادتين‬

‫متطابقتين لتحقيق غاية مشروعة‪ ،‬ومن أجل إبرام عقد طبي البد من أن تلتقي إرادة‬

‫الطبيب وإرادة املريض الذي يطلب العالج‪ ،‬لذا فإن هذا العقد ال يتم انعقاده من دون‬

‫هاتين اإلرادتين‪ .831‬وبذلك فإن األصل في العقد الطبي أن العقد شريعة املتعاقدين‪ ،‬طبقا‬

‫للفصل ‪ 790‬من قانون االلتزامات والعقود‪ .‬الذي جاء فيه أن االلتزامات التعاقدية املنشأة‬

‫على وجه صحيح تقوم مقام القانون بالنسبة إلى منشئها‪ ،‬وال يجوز إلغاؤها إال برضاهما‬

‫معا أو في الحاالت املنصوص عليها في القانون‪ .‬وتبعا لذلك فإن عالقة الطبيب باملريض‬

‫ليست سوى تطبيق لهذه القاعدة فكما أن املريض حر في اختيار طبيبه‪ ،‬فإن الطبيب‬

‫كذلك حر في اختيار مرضاه‪.832‬‬

‫‪ -831‬جابر محجوب علي‪ ،‬دور اإلرادة في إبرام العقد الطبي‪ ،‬مؤسسة الطباعة الفنية والنشر‪ ،‬دار النهضة العربية‪ -‬القاهرة‪،‬‬
‫‪ ،1001‬ص‪.06:‬‬
‫‪ -832‬المصطفى الغشام الشعيبي‪ ،‬العقد الطبي‪ ،‬دار السالم للطباعة والنشر والتوزيع –الرباط‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،0316‬ص‪.20 :‬‬

‫‪P 614‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫إال أن هذا العقد الطبي على أعلى درجة من درجة الثقة املتبادلة بين طرفيه‪ ،‬بل إن‬

‫هذه الثقة هي أفضل وسيلة لتحقيق الهدف املشترك لطرفي هذا العقد‪ ،‬لكن هذا ال يعني‬

‫أن الثقة هي الصفة الوحيدة التي يختص بها العقد الطبي بل تالزمها صفة أخرى أال وهي‬

‫االعتبار الشخص ي الذي يقوم عليه العقد الطبي‪ ،‬فالطبيب ال يفرض على املريض شروطا‬

‫من أجل تقديم خدماته الطبية‪ ،‬واملريض ال يفرض على الطبيب شروط أخرى ملعالجته‪،‬‬

‫كل هذا يقودنا إلى مبدأ أساس ي يقوم عليه العقد الطبي أال وهو حرية الطبيب في اختيار‬

‫مرضاه مقابل حرية املريض في اختيار طبيبه‪.833‬‬

‫وتستند املوافقة في العالقة بين الطبيب واملريض على مبدأ استقاللية اإلرادة في القانون‬

‫الفرنس ي كما في القانون األمريكي‪ .‬ونتيجة لذلك يمكن للمريض أن يختار بحرية طبيبه الذي‬

‫بدوره حر‪ ،‬باستثناء حاالت االستعجال‪ ،‬لعالجه أو عدم عالجه‪ .‬ويتم تقدير الحصول على‬

‫موافقة املريض بطريقة مماثلة في هذين القانونين‪ ،‬ومع ذلك‪ ،‬يترك القانون األمريكي مزيدا‬

‫من الحرية للطبيب في اختيار مريضه أكثر من القانون الفرنس ي‪.834‬‬

‫ولكن هل يطبق هذا املبدأ على إطالقه‪ ،‬أم أن هناك من القيود واالستثناءات التي‬

‫تحد منه؟‬

‫‪ -833‬زينة غانم يونس العبيدي‪ ،‬إرادة المريض في العقد الطبي‪ -‬دراسة مقارنة‪ ،‬دار الكتب القانونية‪ ،‬مطابع شتات‪ -‬مصر‪،‬‬
‫‪ ،0311‬ص‪.17:‬‬
‫‪834‬‬
‫‪- Géraldine Salem, contribution l’étude de la responsabilité médicale pour faute en droits‬‬
‫‪français et American, thèse pour obtenir le garde de doctorat en droit, université paris VIII‬‬
‫‪Vincennes-saint dénis, 2015, p: 66.‬‬

‫‪P 615‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫مما الشك فيه أن لكل أصل استثناء‪ ،‬فإذا كان األصل أن للطبيب الحرية في اختيار‬

‫مرضاه فإن هذه الحرية ليست مطلقة وإنما هناك استثناءات ترد عليها‪ ،‬وباملقابل إذا كان‬

‫األصل للمريض الحرية في اختيار طبيبه فإن حريته هذه هي األخرى ليست مطلقة فهناك‬

‫استثناءات ترد عليها أيضا‪ .‬استنادا إلى ما تقدم‪ ،‬ومن أجل اإلملام بهذا املوضوع ارتأينا‬

‫تسليط الضوء على حرية الطبيب في اختيار مرضاه واالستثناءات الوارد عليها في (املبحث‬

‫األول)‪ ،‬وحرية املريض في اختيار طبيبه واالستثناءات الوارد عليها في (املبحث الثاني)‪.‬‬

‫املبحث األول‪ :‬حرية الطبيب في اختيار مرضاه واالستثناءات الواردة عليها‬

‫األصل أن قيام العالقة بين الطبيب واملريض في إطار عقدي يتطلب أن يكون الطبيب‬

‫حر في اختيار من يتعاقد معه‪ ،‬وتبعا لذلك يكون له الحق في رفض التعاقد مع مريض‬

‫معين‪ ،‬أيا كان الدافع وراء هذا الرفض‪ .835‬وهذه القاعدة ليست في الواقع سوى تطبيق‬

‫ملبدأ حرية التعاقد الذي يعني في شق منه أن كل فرد حر في أن يتعاقد أم ال‪ ،‬كما أنه حر‬

‫في اختيار الشخص الذي يتعاقد معه‪ .‬فكما أن املريض حر في اختيار طبيبه‪ ،‬كذلك يكون‬

‫من حق الطبيب اختيار مرضاه‪ ،836‬إذ تبقى للطبيب مطلق الحرية في قبول أو رفض تلبية‬

‫طلب مريض للعالج‪ .837‬وإذا كان األصل هو أن للطبيب الحق والحرية في اختيار مرضاه‬

‫‪835‬‬
‫‪- René Savatier, Jean-Mary Auby, Henri Péquignot, Jean Savatier, traité de droit médical, éd‬‬
‫‪librairies techniques, paris 1956, p: 231.‬‬
‫‪-et Jean Penneau, la responsabilité médicale, éd sirey, 1977, p: 20.‬‬
‫‪ -836‬منصور مصطفى منصور‪ ،‬حقوق المريض على الطبيب‪ ،‬مقال منشور بمجلة الحقوق والشريعة‪ ،‬السنة الخامسة‪ ،‬العدد‬
‫‪ ،0‬يونيو ‪ ،1011‬ص‪.12 :‬‬
‫‪ -837‬أحمد ادريو ش‪ ،‬العقد الطبي دراسة تحليلية وتأصيلية للمقتضيات القانونية المؤطرة للعالقة بين الطبيب وزبونه‪ ،‬مطبعة‬
‫األمنية‪ -‬الرباط‪ ،‬منشورات سلسلة المعرفة القانونية‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ ،0316-0312‬ص‪.66 :‬‬

‫‪P 616‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫والتعاقد معهم (املطلب األول)‪ ،‬فإن ذلك ليس على إطالقه‪ ،‬إذ يرد على هذا األصل بعض‬

‫االستثناءات التي تقيد حرية الطبيب وإرادته في هذا املجال‪( 838‬املطلب الثاني)‪.‬‬

‫املطلب األول‪ :‬حرية الطبيب في اختيار مرضاه‬

‫من املتعارف عليه أن األطباء وحدهم لهم الحق في ممارسة مهنة الطب‪ ،‬فلهم استئثار‬

‫علمي وقانوني فيما يتعلق بمزاولة املهنة‪ ،‬فاألطباء لهم الحرية في اختيار من يتعاقدون معهم‬

‫ولهم الحق في رفض التعاقد مع مريض معين‪ ،‬وهذا جاء تطبيقا ملبدأ حرية الفرد في اختيار‬

‫من يتعاقد معهم‪ .839‬وفي هذا الصدد نصت املادة ‪ 42‬من قانون‪ 840‬أخالقيات مهنة الطب‬

‫الفرنس ي على أنه مهما كانت الظروف‪ ،‬فإنه ينبغي ضمان استمرار العناية باملرض ى‬

‫وباستثناء الحاالت املستعجلة أو حالة الضرورة أو الحالة التي يقصر فيها الطبيب في القيام‬

‫بواجباته اإلنسانية فإن من حقه رفض القيام بأعمال العناية ألسباب مهنية أو شخصية‬

‫وإذا ما تخلص من مهمته فإن عليه عندئذ إخطار املريض‪.841‬‬

‫بالنسبة للتشريع األمريكي فإن وضع الطبيب األمريكي يختلف كثيرا عن حالة الطبيب‬

‫الفرنس ي‪ .‬إذا استطعنا القول إن األخير في وضع دائم لتقديم الرعاية‪ ،‬فإن الطبيب األمريكي‬

‫يتمتع بحرية أكبر في اختياراته وفي إمكانية رفض العالج‪ .‬إذ تبقى للطبيب‪ ،‬باستثناء حالة األمر‬

‫‪ -838‬حسام زيدان شكر الفهاد‪ ،‬االلتزام بالتبصير في المجال الطبي دراسة مقارنة‪ ،‬دار الجامعة الجديدة‪ ،0310 ،‬ص‪.00 :‬‬
‫‪ -839‬محمد السعيد رشيدي‪ ،‬عقد العالج الطبي‪ ،‬دراسة تحليلية وتأصيلية لطبيعة العالقة بين الطبيب والمريض‪ ،‬مكتبة سيد عبد‬
‫هللا وهبة‪ ،‬القاهرة ‪ ،1016‬ص‪.06 :‬‬
‫‪ -840‬المرسوم رقم ‪ 1333-02‬الصادر في ‪ 6‬شثنبر ‪.1002‬‬
‫‪841‬‬
‫‪- Géraldine Salem, op. cit, p: 67.‬‬

‫‪P 617‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫القانوني لرعاية املصلحة‪ ،‬حرية عدم االمتثال لرعاية الشخص املريض أو املصاب‪ .‬ويبقى‬

‫على األطباء عدم رفض رعايتهم في حاالت االستعجال‪ ،‬حتى لو لم يتم ضمان أجرهم‪ ،‬فهذه‬

‫مسألة شرف‪ ،‬وفهم عال للواجب‪ ،‬وليست التزاما‪ .842‬وبالتالي فإن الطبيب األمريكي ليس‬

‫ملزما أبدا باملوافقة على عالج مريض‪.843‬‬

‫وبالنسبة للتشريع املغربي فإنه جاء في الفقرة الثانية من املادة ‪ 84‬من مدونة‬

‫أخالقيات مهنة الطب‪ 844‬أنه يمكن للطبيب من جهته أن يرفض تتبع حالة مريض ألسباب‬

‫مقبولة مهنية كانت أو شخصية‪ ،‬ما لم يتعلق األمر بحالة طارئة أو بإخالل بواجب إنساني‪.‬‬

‫أما الفقرة الثالثة من نفس املادة فقد ألزمت الطبيب عندما يرفض تتبع حالة مريض‪،‬‬

‫بأن يخبر هذا األخير بذلك وأن يوافي الطبيب الذي يختاره املريض بكل املعلومات الضرورية‬

‫ملواصلة العالج‪ ،‬والسيما امللف الطبي الكامل للمريض‪.‬‬

‫أما بالنسبة للتشريع املصري فقد نصت املادة ‪ 74‬من الئحة آداب مهنة الطب‬

‫الصادرة عن النقابة العامة ألطباء مصر على أنه في الحاالت غير العاجلة يجوز للطبيب‬

‫االعتذار عن عالج أي مريض ابتداء أو في أي مرحلة األسباب شخصية أو متعلقة باملرض ى‪،‬‬

‫أما في الحاالت العاجلة فال يجوز له االعتذار‪.845‬‬

‫‪842‬‬
‫‪-Paul Appleton, Droit Médical, 2éme édition, librairie du monde médical, paris 1939, p: 139.‬‬
‫‪843‬‬
‫‪- Géraldine Salem, op. cit, p: 68.‬‬
‫‪ -844‬مرسوم رقم ‪ 0.01.002‬صادر في ‪ 6‬ذي القعدة ‪ 17( 1440‬يونيو ‪ )0301‬يتعلق بمدونة أخالقيات مهنة الطب‪ ،‬الجريدة‬
‫الرسمية عدد ‪ ،7330‬صادرة ‪ 07‬ذي القعدة ‪ 1( 1440‬يوليوز ‪ ،)0301‬ص‪.2161 :‬‬
‫‪ -845‬الئحة آداب مهنة الطب المصرية التابعة لنقابة أطباء مصر‪ ،‬الصادرة بقرار وزير الصحة والسكان‪ ،‬رقم ‪ 01‬لسنة ‪،0330‬‬
‫ص‪.13:‬‬

‫‪P 618‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫فمن خالل النصوص القانونية املذكورة أنفا وإن اختلفت في التعبير تبقى متفقة في‬

‫املعنى على إعطاء الطبيب الحق والحرية في اختيار مرضاه‪ ،‬ولكن هل هذه الحرية مطلقة‬

‫أم هناك من االعتبارات والحدود ما يحول أو يحد منها ؟‪.‬‬

‫لإلجابة على هذا السؤال نقول أن الطب ما هو إال وظيفة اجتماعية يتعين بمقتضاها‬

‫على الطبيب أن يلتزم بأدائها وفقا ملا تمليه مصلحة املجتمع والحالة اإلنسانية‪ ،‬وعليه ال‬

‫يحق للطبيب أن يمتنع عن تلبية دعوة املريض أو إغاثته‪ ،‬وال يحق له أن يتخذ موقفا سلبيا‬

‫ال يخدم مصلحة املجتمع‪ ،‬فالتطور االجتماعي اتجه بالنظام القانوني إلى تعزيز فكرة‬

‫الوظيفة االجتماعية والتضامن االجتماعي‪ ،‬فقرر مبدأ حرية الطبيب في اختيار مرضاه‪ ،‬غير‬

‫أن هذا املبدأ ال يبدو مطلقا‪ ،‬بل وردت عليه استثناءات‪ 846‬كما سنرى في النقطة املوالية‪.‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬االستثناءات الواردة على حرية الطبيب في اختيار مرضاه‬

‫كما نعلم أن لكل أصل استثناء‪ ،‬فإذا كان األصل هو حرية الطبيب في اختيار مرضاه‪،‬‬

‫إال أن هناك بعض االستثناءات التي ترد على هذا األصل كحالة التعاقد بين الطبيب‬

‫وإحدى املنشآت (الفقرة األولى)‪ ،‬وحالة الطبيب الذي يعمل في إحدى املستشفيات‬

‫العمومية (الفقرة الثانية)‪ ،‬وحالة الضرورة أو االستعجال (الفقرة الثالثة) وحالة املريض‬

‫الذي يتابع الطبيب حالته (الفقرة الرابعة)‪ ،‬ففي هاته الحاالت ال يملك الطبيب حرية‬

‫اختيار مرضاه‪.‬‬

‫‪ -846‬زينة غانم يونس العبيدي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.00 :‬‬

‫‪P 611‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫الفقرة األولى‪ :‬التعاقد بين الطبيب وإحدى املنشآت‬

‫في مثل هذه الحالة يلتزم الطبيب عقديا بعالج مجموعة من املرض ي‪ ،‬كحالة الطبيب‬

‫الذي يتعاقد مع منشأة صناعية أو تجارية للقيام بتقديم خدماته للعمال واملستخدمين‬

‫الذين يشتغلون في هذه املنشأة‪ ،‬فالطبيب يفقد بتعاقده مع املنشأة حقه في اختيار مرضاه‪،‬‬

‫بحيث يلتزم الطبيب بتقديم الرعاية الطبية لكل مريض مستفيد من عقد االشتراط الذي‬

‫أبرمه‪ ،‬أي لكل من يتوفر فيه وصف العامل لدى املنشأة أو املعمل والتي لعبت في العقد‬

‫مع الطبيب دور املشترط‪ ،‬فمن املعلوم أن االشتراط ملصلحة الغير ينش ئ ملصلحة املستفيد‬

‫حقا مباشرا قبل املتعهد على وجه يستطيع معه املريض مطالبة الطبيب مباشرة بتقديم‬

‫العالج دون حاجة إلى وساطة املنشأة أو املعمل اللذين يقتصر دورهما على مجرد تحويل‬

‫العامل املريض إلى الطبيب املتعهد‪ .847‬ففي مثل هذه الحالة يعتبر الطبيب مسؤوال عن‬

‫عدم تلبية طلب هؤالء املرض ى مسؤولية عقدية استنادا إلى االشتراط ملصلحتهم الذي‬

‫تضمنه عقد استخدامه‪.848‬‬

‫وهذا ما قضت به محكمة التمييز العراقية‪ 849‬في قرار لها قضت فيه بأن امتناع طبيب‬

‫املعمل عن تطبيب العامل املصاب باعتباره أحد منتسبي املعمل يوجب مسئوليته العقدية‪.‬‬

‫وهو قرار جدير بالتأييد على اعتبار أنه أقام املسؤولية العقدية على الطبيب ألنه ملزم‬

‫‪847‬‬
‫‪- René Savatier, Jean-Mary Auby, Henri Péquignot, Jean Savatier, op.cit, p: 269.‬‬
‫‪ -‬انظر كذلك محمد السعيد رشدي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.07 :‬‬
‫‪ -848‬أحمد ادريوش‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.77 :‬‬
‫‪ -849‬قرار رقم ‪/0171‬م‪ 61/1‬الصادر بتاريخ ‪ 6‬يونيو ‪.1001‬‬
‫‪ -‬أشار إليه حسام زيدان شكر الفهاد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.40 :‬‬

‫‪P 611‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫بموجب العقد املبرم بينه وبين املعمل بعالج جميع منتسبي املعمل ورعايتهم‪ ،‬ألن هذا العقد‬

‫بمثابة استثناء على إرادة الطبيب وحريته في اختيار مرضاه‪ ،‬ومن الناحية القانونية نجد‬

‫أن هذا االلتزام العقدي ينش ئ للعاملين في املنشأة أو للمرض ى النزالء في املستشفى الخاص‬

‫حقا مباشرا يمكنهم من مطالبة الطبيب املعالج أن يؤدي لهم خدمة عالجية ورعاية‬

‫طبية‪.850‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬حالة الطبيب الذي يعمل في إحدى املستشفيات العمومية‬

‫لقد أدت النظم املتبعة في املستشفيات العمومية إلى تعيين الطبيب للقيام بعالج‬

‫املرض ى‪ ،‬إذ يكون الطبيب ملزما بتقديم العالج الالزم‪ ،‬وال يستطيع أن يمتنع عنه استنادا‬

‫إلى حقه في اختيار مرضاه‪ .‬وامتناع الطبيب عن تقديم العالج يثير مسؤوليته أمام الجهة‬

‫اإلدارية التي يتبعها‪ ،‬ويثير كذلك مسؤوليته تجاه املريض إذا ما لحق هذا األخير ضرر من‬

‫جراء امتناع الطبيب عن تقديم العالج إليه‪.851‬‬

‫فالطبيب في املستشفى العام ال تربطه باملريض عالقة عقدية‪ ،‬حيث ال يوجد عقد‬

‫يربط بين هذين الطرفين‪ ،‬إنما تقوم بينهما عالقة الئحية أو إدارية‪ ،‬عالقة بين منتفع بمرفق‬

‫عام وبين العاملين الذي تستخدمهم اإلدارة في تأدية مهام هذا املرفق‪ .‬وطبيعة هذه العالقة‪،‬‬

‫إضافة إلى طبيعة العالقة التي تربط الطبيب بجهة اإلدارة ‪ -‬وهي عالقة تنظيمية بحثة‪-‬‬

‫ليس من شأنها أن تسمح للطبيب باختيار مرضاه‪ ،‬فالطبيب ملتزم ‪ -‬طبقا لنظام الوظيفة‬

‫‪ -850‬زينة غانم يونس العبيدي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 07 :‬و ‪.01‬‬


‫‪ -851‬منصور مصطفى منصور‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 10 :‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪P 611‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫الذي يسري عليه‪ -‬بأن يقدم العناية الطبية لكل من يتقدم طالبا العالج في املستشفى الذي‬

‫يعمل به‪ .852‬وبذلك يفقد الحق في اختيار مرضاه ألنه مقيد بحكم وظيفته أو بمقتض ى‬

‫قانون وزارة الصحة أو بموجب األنظمة والتعليمات‪ ،‬فهذه الحالة تدخل ضمن‬

‫االستثناءات الواردة على حرية الطبيب في اختيار مرضاه إال أنها ليست بعالقة عقدية‪.‬‬

‫ويعود نفي الصفة العقدية لعلاقة هذا الطبيب بالمستشفى أو‬

‫المستوصف الذي يعمل فيه إلى أن العقد وبصورة عامة لايتم إلا بإیجاب‬

‫وقبول من الطرفين بعد مفاوضات تجري بينهما على تحديد موضوع‬

‫العقد وشروط التعاقد وحقوق الطرفين والتزاماتهما‪ ،‬فإن مثل هذه‬

‫المناقشات والمفاوضات لا وجود لها في تعيين الأطباء في‬

‫المستشفيات العامة أو المستوصفات الصحية‪ ،‬فلا وجود لمناقشات أو‬

‫مفاوضات حول أحكام الوظيفة‪ ،‬لأن هذه الأحكام أساسا مقررة وبشكل‬

‫مسبق وتترتب بمجرد صدور أمر التعيين‪ ،‬فضلا عن هذا فان‬

‫المستشفيات العامة أو المستوصفات التي تصدر الأمر بتعيين‬

‫الأطباء لها الحق في تعديل أحكام الوظيفة وبمحض إرادتها كأن تقوم‬

‫بنقل أحد الأطباء إلى مستشفى أو مستوصف أخر وليس للموظف‬

‫المعني هنا الاحتجاج‪ ،‬لأن علاقته بالإدارة جعلته في مركز تنظیمی‬

‫ولائيحي تخضعه للقوانين واللوائح الخاصة بالتوظيف وهي التي‬

‫‪ -852‬جابر محجوب علي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.43 :‬‬

‫‪P 612‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫تنظم كيفية إلتحاقه بالوظيفة ومدة بقائه فيها وتحدد حقوقه‬

‫وواجباته‪.853‬‬

‫إال أنه متى أخل الطبيب بالتزامه وأصاب املريض بضرر يمنح ذلك الحق للمريض في‬

‫رفع الدعوى أمام القضاء العادي ملقاضاة الطبيب املخل تجاهه‪ ،‬وهذا ما قضت به‬

‫لها جاء في مضمونه بما أن عالقة الطبيب بالجهة‬ ‫قرار‪854‬‬ ‫محكمة النقض املصرية في‬

‫اإلدارية التي يتبعها تنظيمية وليست تعاقدية فإن مسؤولية الطبيب تقصيرية عن الضرر‬

‫الذي أصاب املريض ألنه ال يمكن القول في هذه الحالة بأن املريض قد اختار الطبيب‬

‫لعالجه حتى ينعقد عقدا بينهما‪.‬‬

‫ولكن يستثنى من هذه الصورة ما يعرف بالقسم الخاص داخل املستشفيات العامة‪،‬‬

‫وكذلك ما يسمى بالعيادات املفتوحة‪ ،‬وفي الحالتين يسمح ألطباء املستشفى‪ ،‬في أوقات‬

‫محددة‪ ،‬بأن يستقبلوا املرض ى على نحو خصوص ي‪ ،‬وبأجر يتقاض ى املستشفى نسبة منه‬

‫نظير استخدام الطبيب املكان واألجهزة واملساعدين التابعين للمستشفى‪ .‬ففي هذا النظام‬

‫يختار طبيبه‪ ،‬وتنشأ بين الطرفين عالقة تعاقدية‪ ،‬شأن تلك التي تقوم بين املريض والطبيب‬

‫الذي يستقبل مرضاه في عيادته الخاصة‪ .855‬وما دمنا إزاء عالقة تعاقدية‪ ،‬فإن الطبيب‬

‫‪ -853‬زينة غانم يونس العبيدي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 01 :‬و ‪.00‬‬


‫‪ -854‬قرار صادر عن محكمة النقض المصرية بتاريخ ‪ 0‬نونبر ‪.1060‬‬
‫‪ -‬أشار إليه حسام زيدان شكر الفهاد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.40 :‬‬
‫‪ -855‬جابر محجوب علي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.41 :‬‬

‫‪P 613‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫يسترد حقه في اختيار مريضه‪ ،‬وهو ما يعني أن يكون باستطاعته ‪ -‬في غير حالة الضرورة أو‬

‫االستعجال‪ -‬أن يرفض تقديم العالج ألسباب شخصية أو مهنية‪.856‬‬

‫الفقرة الثالثة‪ :‬حالة الضرورة أو االستعجال‬

‫ففي هذه الحالة يجب على أي طبيب يعرض عليه املريض‪ ،‬أو يستدعي إلسعافه‪ ،‬أن‬

‫يقدم للمريض العناية الالزمة في حدود إمكانياته إذا كانت حالته ال تحتمل التأخير‪ .‬وفي‬

‫هذا الصدد ألزمت املادة ‪ 8573‬من مدونة أخالقيات مهنة الطب املغربي كل طبيب‪ ،‬كيفما‬

‫كان شكل مزاولته للمهنة أو تخصصه أو القطاع الذي ينتمي إليه‪ .‬وباستثناء حاالت القوة‬

‫القاهرة‪ ،‬أن يقدم املساعدة بكب مريض أو جريح يوجد في حالة خطر وشيك وال يمكنه‬

‫االستفادة من العالجات الطبية املالئمة‪.‬‬

‫كما أن املشرع املغربي كان واضحا في تأكيده على هذا االلتزام من خالل الفصل‬

‫‪ 858498‬من مدونة القانون الجنائي املغربي‪ ،‬الذي جعل بموجبه املشرع املغربي االمتناع عن‬

‫تقديم املساعدة لشخص في خطر جريمة يعاقب عليها كل من اقترفها سواء كان طبيبا أم‬

‫‪ -856‬المادة ‪ 0-47‬من قانون أخالقيات مهنة الطب الفرنسي‪.‬‬


‫‪ -857‬الذي ينص على أنه‪ ":‬يتعين على كل طبيب‪ ،‬مهما كان تخصصه ومهامه‪ ،‬ما عدا في حاالت الضرورة القصوى‪ ،‬أن‬
‫يقدم المساعدة المستعجلة لكل مريض يوجد في حالة خطر"‪.‬‬
‫‪ -858‬الذ ي ينص على أنه‪ ":‬من أمسك عمدا عن تقديم المساعدة لشخص في خطر رغم أنه كان يستطيع أن يقدم تلك المساعدة‬
‫إما بتدخله الشخصي وإما بطلب اإلغاثة‪ ،‬دون تعريض نفسه أو غيره ألي خطر‪ ،‬يعاقب بالحبس من ثالثة أشهر إلى خمس‬
‫سنوات وغرامة من مائتي درهم إلى ألف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط"‪.‬‬

‫‪P 614‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫ال‪ .‬وهذه هي أقص ى صور اإلجبار على التعاقد بحيث إذا أخل به الطبيب بلتزامه ترتبت‬

‫عليه املسؤولية الجنائية‪.859‬‬

‫أما بالنسبة للقضاء املدني الفرنس ي‪ ،‬فقد اعترف بهذا الواجب على عاتق الطبيب‪،‬‬

‫إذ ذهبت محكمة استئناف‪ 860‬مرساي )‪ (Marseille‬إلى إدانة الطبيب الذي امتنع عن إنقاذ‬

‫مولود جديد في حالة خطر بسبب والدته السرية‪ ،‬على الرغم من حقيقة أنه تم إبالغه‬

‫بالحياة املستمرة للطفل مع وجود فرص للبقاء على قيد الحياة‪ .‬وبعد ذلك تم تكريسه على‬

‫مستوى تقنين العقوبات الفرنس ي الصادر سنة ‪ 8337‬من خالل الفقرة الثانية من املادة‬

‫‪.8617-779‬‬

‫وعلى الرغم من عموم هاته النصوص‪ ،‬إال أنها تجد مجاال خصبا للتطبيق في مواجهة‬

‫األطباء الذين يفترض فيهم‪ ،‬بسبب املهنة التي يباشرونها‪ ،‬القدرة على إنقاذ أشخاص‬

‫يتعرضون لخطر املوت أو اإلصابة بأضرار جسمانية بالغة‪ .‬وبذلك فإن الطبيب الذي يوجد‬

‫إزاء شخص يتعرض لخطر ال يحتمل تأجيل العالج‪ ،‬أو يعلم بوجود هذا الشخص‪ ،‬يجب‬

‫‪ -859‬أحمد ادريوش‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.73 :‬‬


‫‪860‬‬
‫‪- C. A. Marseille 10 février 1938.‬‬
‫‪ -‬أشار إليه جابر محجوب علي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.41 :‬‬
‫‪ -861‬التي تنص على أنه‪":‬كل من يمتنع عمدا عن تقديم المساعدة لشخص في خطر‪ ،‬إذا لم يكن في تقديمها خطر عليه أو على‬
‫الغير‪ ،‬سواء تمثلت المساعدة في عمل من جانبه أو في استجالب نجدة الغير‪ ،‬يعاقب بالحبس من خمس سنوات وغرامة‬
‫‪ 233.333‬فرنك"‪.‬‬

‫‪P 615‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫عليه أن يتدخل إلنقاذه‪ ،‬طاملا كان ذلك في إمكانه‪ .‬فإن لم يفعل ذلك عد مرتكبا لخطأ‬

‫يقيم مسؤوليته‪.862‬‬

‫وعلى العموم فإنه مادام الطبيب ملزما بالتدخل إلسعاف املريض الذي يتعرض‬

‫للخطر‪ ،‬فإنه ال يكون هناك مجال للحديث عن حق الطبيب في رفض تقديم العالج‪ ،‬أو عن‬

‫حقه في اختيار املريض الذي يعالجه‪.863‬‬

‫الفقرة الرابعة‪ :‬حالة املريض الذي يتابع الطبيب حالته‬

‫فسواء تصورنا أن املتابعة تتم في إطار ذات العقد الذي بدأ به العالج‪ ،‬أم أن املريض‬

‫يبرم‪ ،‬في كل مرة يأتي فيها لزيارة الطبيب‪ ،‬عقدا جديدا‪ ،‬فإن قواعد أخالقيات مهنة الطب‬

‫تمنع على الطبيب أن يتخلى عن مريضه‪ ،‬أي تمنع عليه أن يرفض االستمرار في متابعة‬

‫حالته التي بدأ فعال بعالجها‪ .864‬وفي هذا الصدد نصت املادة ‪ 42‬من قانون أخالقيات مهنة‬

‫الطب الفرنس ي في فقرتها األولى‪ ،‬على أنه مهما كانت الظروف فإنه يتعين على الطبيب‬

‫االستمرار في تقديم العالج للمرض ى‪ .‬كما أضافت في فقرتها الثالثة أن الطبيب الذي يريد‬

‫التحلل من مهمته‪ ،‬يجب أن يخطر بذلك املريض وأن ينقل إلى الطبيب الذي يختاره هذا‬

‫األخير املعلومات التي تفيذ في متابعة تقديم العالج له‪.‬‬

‫‪ -862‬منصور مصطفى منصور‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.14 :‬‬


‫‪ -‬محمد السعيد رشدي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 130 :‬و ‪.130‬‬
‫‪ -863‬جابر محجوب علي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.44 :‬‬
‫‪ -864‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.01 :‬‬

‫‪P 616‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫وهو ما نص عليه املشرع املغربي في الفقرة الثالثة من املادة ‪ 84‬ألزم الطبيب عندما‬

‫يرفض تتبع حالة مريض‪ ،‬بأن يخبر هذا األخير بذلك وأن يوافي الطبيب الذي يختاره املريض‬

‫بكل املعلومات الضرورية ملواصلة العالج‪ ،‬والسيما امللف الطبي الكامل للمريض‪.‬‬

‫تلك هي حدود مبدأ حق الطبيب في اختيار مرضاه‪ ،‬وهي تكشف بوضوح أن الدور‬

‫الذي تلعبه إرادة الطبيب في إبرام العقد الطبي هو دور مقيد إلى حد كبير‪ .‬ويرجع السبب‬

‫في ذلك‪ ،‬بطبيعة الحال‪ ،‬إلى قيام الطبيب بخدمة عامة‪ ،‬تعد أساسية للمواطنين‪ ،‬على نحو‬

‫تبدو معه حرية التعاقد واالستقالل املنهي للطبيب وحقه في اختيار مرضاه‪ ،‬ضئيلة األهمية‬

‫إذا قيست بضرورة توفير الرعاية الطبية ملن يحتاج إليها‪ .865‬وإذا كان األمر كذلك بالنسبة‬

‫إلرادة الطبيب‪ ،‬فإن السؤال يثور عن حقيقة الدور الذي تلعبه إرادة املريض في العقد‬

‫الطبي‪ .‬وهو ما سنتناوله في النقطة املوالية‪.‬‬

‫املبحث الثاني‪ :‬حرية املريض في اختيار طبيبه واالستثناءات الواردة عليها‬

‫إذا كان للطبيب الحق في اختيار مرضاه‪ ،‬فمن باب أولى أن يعطى للمريض الحق‬

‫والحرية في اختيار طبيبه خصوصا أنه الطرف الضعيف واملستفيد من العقد‪ ،‬ولكن هل‬

‫هذا الحق مطلقا أم نسبيا‪ .‬فإذا كان للمريض الحرية في اختيار طبيبه كأصل (املطلب‬

‫األول)‪ ،‬فإن هذه القاعدة ترد عليها استثناءات (املطلب الثاني)‪.‬‬

‫‪ -865‬منصور مصطفي منصور‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 11 :‬و ما بعدها‪.‬‬

‫‪P 617‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫املطلب األول‪ :‬حرية املريض في اختيار طبيبه‬

‫يقصد بحرية املريض في اختيار الطبيب أن تكون للمريض الحرية في اختيار الطبيب‬

‫الذي يعالجه من بين أطباء القطاع الخاص في كل مرة يقرر فيها اللجوء إلى الطبيب من‬

‫غير أن يجبر على اللجوء إلى طبيب معين‪ .866‬إذ يعد ذلك من املبادئ األساسية التي تحكم‬

‫مهنة الطب‪ ،867‬وهذا املبدأ يأتي استنادا إلى فكرة الثقة التي تسود بين الطرفين وإلى كون‬

‫العقد الطبي من العقود القائمة على االعتبار الشخص ي‪ ،‬بمعنى أن للمريض الحرية والحق‬

‫في اختيار الطبيب الذي يعالجه‪.868‬‬

‫وفي هذا الصدد نصت املادة ‪ 7‬من قانون أخالقيات مهنة الطب الفرنس ي على أنه‬

‫للطبيب أن يحترم حق كل شخص في اختيار طبيبه بحرية وبإرادة تامة وينبغي أن يسهل له‬

‫ممارسة هذا الحق‪ .‬أما بالنسبة للمشرع املصري فقد نصت املادة ‪/97‬أ على أنه يجب على‬

‫الطبيب مراعاة حرية املريض في اختيار الطبيب‪.‬‬

‫األولى من املادة ‪86984‬‬ ‫أما بالنسبة للتشريع املغربي فقد نص على هذا املبدأ في الفقرة‬

‫من مدونة‬ ‫‪8707‬‬ ‫من مدونة أخالقيات مهنة الطب املغربي‪ ،‬كما تنص عليه كذلك املادة‬

‫‪ -866‬أحمد ادريوش‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.11 :‬‬


‫‪ -867‬جابر محجوب علي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.42 :‬‬
‫‪ -868‬زينة غانم يونس العبيدي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 112 :‬و ‪.116‬‬
‫‪ -869‬التي تنص على أنه‪ ":‬يعتبر المريض حرا في اختيار الطبيب الذي يعالجه‪ .‬ويجب على الطبيب أن يسهل على المريض‬
‫ممارسة هذا الحق"‪.‬‬
‫‪ -870‬التي تنص على أنه‪ ":‬يجب على كل طبيب أسنان أن يتقيد بالمبادئ التالي بيانها المتعارف عليها في ميدان طب األسنان‬
‫مع مراعاة األحكام الواردة في النصوص التشريعية المتعلقة بتنظيم األسعار‪:‬‬
‫‪ -‬حرية المريض في اختيار طبيب األسنان"‪.‬‬

‫‪P 618‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫اآلداب املهنية ألطباء األسنان‪ ،871‬ثم رفعه املشرع من قاعدة أخالقية إلى مصاف القاعدة‬

‫القانونية بموجب املادة ‪ 8727‬من القانون رقم ‪.873898.89‬‬

‫وقد يحصل في الواقع العملي ملهنة الطب أن يقوم الطبيب املتعاقد مع املريض‬

‫بإحالل طبيب آخر محلة لفترة مؤقتة‪ ،‬فهل يؤثر ذلك في حرية املريض في اختيار طبيبه؟‬

‫من حيث املبدأ ال يتعارض هذا االحتمال مع قواعد وأخالقيات مهنة الطب بشرط‬

‫أن يكون هذا الطبيب على كفاءة وخبرة تتناسب مع كفاءة الطبيب األصلي‪ ،‬ومن ثم فإن‬

‫هذا ال يؤثر في مبدأ حرية املريض في اختيار طبيبه‪ ،‬إذ بإمكانه أن يستمر مع الطبيب الجديد‬

‫من عدمه ويبقى املريض حرا وغير مقيد باختيار من يعالجه‪.874‬‬

‫وإذا كان القانون قد كرس مبدأ حرية املريض في اختيار طبيبه‪ ،‬فإن هذا املبدأ ترد‬

‫عليه مجموعة من القيود وهو ما سنتطرق إليه في النقطة املوالية‪.‬‬

‫‪ -871‬مرسوم رقم ‪ 0.06.010‬صادر في ‪ 17‬رمضان ‪ 2( 1410‬يناير ‪ )1000‬بتطبيق مدونة اآلداب المهنية لجراحي األسنان‪،‬‬
‫ج‪.‬ر‪.‬ع ‪ ،4660‬بتاريخ ‪ 17‬شوال ‪ 4( 1410‬فبراير ‪ ،)1000‬ص‪.031 :‬‬
‫‪ -872‬التي تنص على أنه ‪":‬يجب على كل طبيب كيفما كان القطاع الذي ينتمي إليه وشكل ممارسته للمهنة‪ ،‬أن يحترم حقوق‬
‫اإلنسان كما هي متعارف عليها عالميا‪ ،‬وأن يحترم في ممارسته المهنية المبادئ التالية‪:‬‬
‫‪ -‬حق المريض في اختيار الطبيب الذي سيعالجه"‪.‬‬
‫‪ -873‬ظهير شريف رقم ‪ 1.12.06‬صادر في ‪ 00‬من ربيع األخر ‪ 10( 1406‬فبراير ‪ )0312‬بتنفيذ القانون رقم ‪101.10‬‬
‫المتعلق بمزاولة مهنة الطب‪ ،‬ج‪.‬ر‪.‬ع ‪ 01 ،6040‬جمادى األولى ‪ 10( 1406‬مارس ‪ ،)0312‬ص‪.1637 :‬‬
‫‪ -874‬زينة غانم يونس العبيدي‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‪.116 :‬‬

‫‪P 611‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫املطلب الثاني‪ :‬االستثناءات الواردة على حرية املريض في اختيار طبيبه‬

‫في بعض الحاالت يفقد املريض حريته في اختيار طبيبه‪ ،‬كحالة املستشفيات العامة‬

‫(الفقرة األولى) وكحالة االستعجال (الفقرة الثانية)‪ ،‬وقلة عدد أطباء القطاع الخاص‬

‫(الفقرة الثالثة) باإلضافة إلى حاالت أخرى (الفقرة الرابعة)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬حالة املستشفيات العامة‬

‫تقوم املستشفيات العامة بدور هام في تقديم الخدمات الطبية للمرض ى في جميع‬

‫الدول‪ ،‬وترجع أهمية هذا الدور ملا لهذه املؤسسات من مخصصات مالية ضخمة بما يمكنها‬

‫‪ -‬في كثير من األحيان‪ -‬من مسايرة التقدم العلمي والفني في املجال الطبي‪ ،‬مقارنة مع‬

‫املستشفيات الخاصة‪ .‬فكل مريض بغض النظر عن وضعه االجتماعي أو عن إمكانياته‬

‫املادية‪ ،‬يمكن له أن يتردد على املستشفيات العامة‪ ،‬ويصبح منتفعا بمرفق عام‪ ،‬هو مرفق‬

‫الصحة التي تتولى الدولة إدارته‪ ،‬ولكن املريض في هذه الحالة يفقد حريته في اختيار‬

‫طبيبه‪.875‬‬

‫وما يهمنا في هذا المجال هو علاقة المريض بالمستشفى العام لأنه‬

‫يتعامل مع شخص معنوي‪ ،‬وهذا يوصلنا إلى نتيجة مقتضاها عدم وجود إمكانية للمريض‬

‫الختيار طبيبه املعالج بحرية‪ ،‬وهذا هو أحد االستثناءات التي ترد على حق املريض في اختيار‬

‫طبيبه‪ .‬فاملريض يتعامل مع أحد األطباء املوظفين لدى اإلدارة الصحية في هذه‬

‫‪ -875‬جابر محجوب علي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 46 :‬و ‪.47‬‬

‫‪P 621‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫املستشفيات والذي حددته هذه اإلدارة من أجل تشخيص مرضه وعالجه فهو ال يتعامل‬

‫معه بصفته الشخصية ولكن بصفته مستخدما أو موظفا لدى هذه اإلدارة‪.876‬‬

‫ومن خالل ما تقدم تكون عالقة املريض بالطبيب في املستشفى العام عالقة غير‬

‫مباشرة ال تقوم إال من خالل املرفق الصحي العام ويفترض هذا وجود عالقة مباشرة بين‬

‫املريض واملستشفى‪ ،‬وعليه فإن حقوق والتزامات كل من املريض والطبيب تتجدد وفقا‬

‫للوائح املنظمة لنشاط املرفق الصحي العام‪ ،‬كما أنه ال يوجد عقد بين املريض والطبيب‬

‫في املستشفى العام‪.877‬‬

‫وفي هذا الصدد قضت محكمة النقض‪ 878‬املصرية بأنه ال يمكن مساءلة الطبيب عن‬

‫الضرر الذي يصيب املريض بسبب خطئه إال على أساس املسؤولية التقصيرية‪ ،‬واستندت‬

‫في ذلك إلى أنه ال يمكن القول في هذه الحالة بأن املريض قد اختار الطبيب لعالجه حتى‬

‫ينعقد عقد بينهما‪ .‬فهذا القرار جعل مسؤولية الطبيب الذي أخطأ مسؤولية تقصيرية‪ ،‬ال‬

‫عقدية النعدام إرادة املريض باختيار طبيبه‪ ،‬وهذا ما يترتب عليه انعدام العقد بين املريض‬

‫والطبيب‪ ،‬فاملريض في هذه الحالة يفقد حقه في اختيار الطبيب الذي يعالجه‪ ،‬وحتى األطباء‬

‫املساعدين له‪ ،‬ألن هؤالء جميعا تعينهم األنظمة اإلدارية الخاصة بتوزيع العمل داخل‬

‫املستشفى‪.‬‬

‫‪ -876‬زينة غانم يونس العبيدي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.102 :‬‬


‫‪ -877‬حسام زيدان شكر الفهاد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 46 :‬و ‪.47‬‬
‫‪ -878‬قرار صادر بتاريخ ‪ 0‬يوليوز ‪.1060‬‬
‫‪ -‬زينة غانم يونس العبيدي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.106 :‬‬

‫‪P 621‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬حالة االستعجال‬

‫الشك أن املريض يفقد حريته في اختيار طبيبه إذا كان غير قادر على التعبير عن‬

‫إرادته‪ ،‬كما لو كان صغير السن‪ ،‬أو مصابا في حادثة سير‪ ،‬أو فاقد للوعي‪ ،‬ففي هذه الحالة‬

‫تستوجب حالة املريض السرعة في إنقاذه إذا كانت حياته أو سالمته البدنية معرضة‬

‫للخطر‪ ،‬إذ يتعين فيها على الطبيب أو الجراح أن يتدخل فورا إلنقاذ حياة املريض أو‬

‫املصاب‪ ،‬وهذا االستعجال هو الذي يترتب عليه فقدان املريض إلرادته في اختيار طبيبه‪،‬‬

‫باعتبارها من إحدى الحاالت االستثنائية التي ترد على إرادة املريض‪ ،‬مقابل هذا يلتزم‬

‫الطبيب الذي تعرض عليه مثل هذه الحاالت بإنقاذ املريض‪ ،‬إذ هو األخر أيضا يفقد إرادته‬

‫في اختيار مريضه‪.879‬‬

‫وقد نالحظ ذلك في كثير من الحاالت التي يشاهد فيها الطبيب حادثة معينة قد تؤدي‬

‫إلى وفاة الشخص فيتدخل من تلقاء نفسه إلسعافه دون عقد بين الطبيب واملصاب‪ .‬ومما‬

‫تجدر اإلشارة إليه أنه ال يوجد خالف بين هذه الحالة وسابقتها‪ ،‬ألنه في كال الحالتين يفقد‬

‫املريض حريته في اختيار طبيبه‪ ،‬مثلما يفقد الطبيب حريته في اختيار مريضه‪ ،‬ويشترط‬

‫لقيام حالة االستعجال شروط البد من توافرها‪ .880‬وهي أال تحتمل حالة املريض التأخير‬

‫(أوال)‪ ،‬وأن يكون املريض فاقدا لوعيه (ثانيا)‪ ،‬وعدم وجود قريب برفقة املريض (ثالثا)‪.‬‬

‫‪ -879‬جابر محجوب علي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.23 :‬‬


‫‪ -880‬حسام زيدان شكر الفهاد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.41 :‬‬

‫‪P 622‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫أوال‪ :‬أن ال تحتمل حالة املريض التأخير‬

‫فهناك بعض الحاالت املرضية التي ال تحتمل التأخير‪ ،‬إذ لكل دقيقة قيمة كبيرة‪،‬‬

‫فالتدخل الطبي من قبل الطبيب يجب أن ال يتأخر وإال ترتب على ذلك آثار سلبية على‬

‫صحة املريض‪ ،‬كأن يتعرض املريض للموت أو تتعرض صحته آلثار جانبية ومضاعفات‬

‫يتعذر عالجها بعد ذلك‪.881‬‬

‫وفي هذا الصدد قضت محكمة استئناف باريس‪ 882‬في قضية تتلخص وقائعها في أن‬

‫مريضة كانت تشكو من آالم شديدة في منطقة الحوض جعلتها تعزف عن مزاولة عملها‬

‫فاضطرت إلى دخول املستشفي وبقيت تحت املالحظة مدة إثني عشر يوما‪ ،‬وكانت نتيجة‬

‫الفحص هي إصابتها بانقالب في الرحم فأجريت لها عملية جراحية على هذا األساس‪ ،‬لكن‬

‫أثناء الجراحة اتضح للطبيب الجراح أن املبيضين مصابان بأورام خطيرة تقتض ي إزالتهما‬

‫حتما فاضطر الطبيب أن يجري لها عملية االستئصال‪ ،‬لكن بعد أن فاقت املريضة وعلمت‬

‫بطبيعة العملية رفعت الدعوى على الطبيب تطالبه بالتعويض على اعتبار أنه قد أجرى‬

‫العملية بغير رضا منها وال من زوجها كما أنها ادعت بأنه لم توجد ضرورة إلجراء هذه‬

‫العملية خاصة وأنها أفقدتها األمل في أن تكون أما في املستقبل‪ .‬إال أن املحكمة وجدت أن‬

‫الطبيب الذي أجرى العملية له من املقام العلمي ما يسمح باالطمئنان إلى تقريره في لزوم‬

‫الجراحة التي أجراها والهدف األساس ي من إجرائها هو مصلحة املريضة ال غير‪ .‬كما أقر‬

‫‪ -881‬زينة غانم يونس العبيدي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.100 :‬‬


‫‪ -882‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.106 :‬‬

‫‪P 623‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫هذه العملية عدد كبير من األطباء على اعتبار أن األورام السرطانية في املبايض من األمراض‬

‫الخطيرة التي تؤدي إلى املوت ويجب إزالتها حال التحقق من وجودها‪ ،‬ونجاح العملية‬

‫يتوقف على سرعة إجرائها ولذلك قررت املحكمة رفض دعوى السيدة ضد الطبيب الجراح‬

‫الذي أجرى لها العملية تحت ظرف االستعجال‪.‬‬

‫بعدم قيام مسئولية‬ ‫قرارها‪883‬‬ ‫كما أن محكمة بداءة كركوك العراقية أقرت في‬

‫الطبيب عن العمل الجراحي الذي قام به لوجود ما يبرره كون حالة املريض الصحية ال‬

‫تحتمل التأخير‪ .‬في قضية تتلخص وقائعها بأن أحد املرض ى كان مصابا بمغص حاد‬

‫مصحوبا بأعراض الزائدة الدودية التي تستوجب التدخل السريع الستئصالها‪ ،‬وعندما فتح‬

‫الطبيب الجراح بطن املريض فوجئ بوجود كلية ملتهبة وتالفة وفي غير موضعها الطبيعي‪،‬‬

‫وكان ذلك نتيجة عيب خلقي لم يعلم به املريض‪ ،‬فقام الطبيب باستئصالها حرصا على‬

‫حياة املريض‪ ،‬إال أن املريض اتهم الطبيب بسرقة كليته‪ ،‬فقضت املحكمة بعدم مسؤولية‬

‫الطبيب‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬أن يكون املريض فاقدا لوعيه‬

‫هناك عدة حاالت ال يملك فيها املريض القدرة على اختيار الطبيب املعالج وال على‬

‫التعاقد معه على العالج‪ .‬فقد يكون الشخص كامل األهلية لكن بسبب تعرضه لحادث أو‬

‫لنوبة تفقده الوعي فال يستطيع بموجبه أن يختار الطبيب الذي يعالجه‪ ،‬فهو يصبح في‬

‫‪ -883‬قرار رقم ‪ 0030‬الصادر بتاريخ ‪ 01‬يوليوز ‪.0330‬‬


‫‪ -‬أشار إليه حسام زيدان شكر الفهاد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.41 :‬‬

‫‪P 624‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫حكم فاقد األهلية من حيث الواقع‪ .884‬إن فقدان املريض لوعيه يجعله في حالة يتعذر‬

‫عليه اختيار الطبيب الذي يعالجه ومن ثم يفرض الطبيب إرادته على مرضاه وخاصة في‬

‫حالة الغيبوبة الناتجة عن إصابات الرأس‪ ،‬ففي هذه الحاالت يفقد املريض وعيه وهذا‬

‫بدوره يفقده إرادته التي تمكنه من اختيار الطبيب املعالج لحالته‪.885‬‬

‫كما يفقد املريض وعيه في حالة وفاة املخ التامة‪ ،‬أو الجزئية‪ ،‬ألن في حالة الوفاة‬

‫التامة للمخ يفقد املصاب الوعي والحركة والقدرة على الكالم والسمع والبصر والتنفس‬

‫فتتعطل الذاكرة‪ ،‬فيفقد املريض وعيه وإدراكه في اختيار من يعالجه‪ ،‬وغالبا ما يموت‬

‫املريض املصاب بوفاة املخ التام بعد مدة تتراوح بين أسبوع أو أسبوعين‪ ،‬أما في حالة وفاة‬

‫املخ الجزئية والتي من شأنها أن تتلف األجزاء العليا في املخ وخاصة األجزاء التي تتحكم‬

‫باليقظة والسمع والبصر واإلحساس واإلدراك‪ ،‬فيدخل املريض في غيبوبة تمنعه عن الكالم‬

‫والحركة وحتى اإلحساس إال أن الدورة الدموية والتنفس يستمران في العمل‪ ،‬لكن مع ذلك‬

‫يفقد املريض إرادته في اختيار الطبيب الذي سيعالجه وحتى لو أفاق من غيبوبته هذه فإنه‬

‫يصبح فاقدا لإلدراك والتميز مما يتعذر عليه اختيار طبيبة املعالج‪.886‬‬

‫وهناك أيضا من هو مصاب بآفة عقلية (كاملجنون واملعتوه) أو أنه صغير السن فإن‬

‫من له الوالية عليه أن يطلب تدخل الطبيب لتقديم العناية الالزمة له‪ .887‬والسؤال الذي‬

‫‪ -884‬أحمد ادريوش‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 10 :‬و ‪.10‬‬


‫‪ -885‬زينة غانم يونس العبيدي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.101 :‬‬
‫‪ -886‬زينة غانم يونس العبيدي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.101 :‬‬
‫‪ -887‬جابر محجوب علي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.50 :‬‬

‫‪P 625‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫يطرح نفسه كيف نكيف العالقة بين الطبيب واملصاب الصغير أو فاقد الوعي في مثل هذه‬

‫الحاالت؟‪.‬‬

‫فذهب جانب من الفقه‪ 888‬إلى القول بأن طبيعة العالقة بين الطبيب واملريض الصغير‬

‫أو فاقد الوعي ال يمكن تأسيسها أو تكييفها إال على أساس الفضالة‪ ،‬على اعتبار أن أول‬

‫ركن من أركانها قائم أال وهو إرادة الفضولي في أن يتصرف ملصلحة املريض الصغير أو فاقد‬

‫الوعي بغير علم هذا األخير‪ ،‬أو موافقته‪ ،‬وال شك أن ذلك واضح في قيام هذا الركن بالنسبة‬

‫إلى الطبيب الذي يسخر جهوده وفنه في سبيل عودة املريض إلى وعيه وإنقاذه من الخطر‬

‫املحدق به‪ ،‬ألن املصاب ليس لديه القدرة على التعبير عن رضاه‪ ،‬وبمعنى آخر أن املريض‬

‫سواء أكان قد شعر بتدخل الطبيب أم ال فإن فعله هذا ال يخرج عن كونه فضوليا‪.‬‬

‫غير أنه من الصعوبة بمكان أن نعد تصرف الطبيب في هذه الحالة بمثابة تصرف‬

‫فضولي‪ .‬باعتبار أن الخصوصية التي يمتاز بها العقد الطبي عن غيره من العقود وبالنظر‬

‫للطابع اإلنساني الذي تختص به مهنة الطب‪ ،‬كل هذا وذاك يقودنا إلى القول بعدم إمكانية‬

‫تكييف العالقة بين الطبيب واملريض الصغير أو فاقد الوعي في حالة االستعجال‪ 889‬على‬

‫أنها وكالة ضمنية منحها املريض قبل أن يفقد وعيه وعقله‪ ،‬متضمنة حق التنازل عن حقه‬

‫في اختيار طبيبه‪.890‬‬

‫‪888‬‬
‫‪- René Savatier, Jean-Mary Auby, Henri Péquignot, Jean Savatier, op.cit, p: 218.‬‬
‫‪ -‬محمد السعيد رشدي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 60 :‬و ‪.60‬‬
‫‪ -889‬زينة غانم يونس العبيدي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪100 :‬‬
‫‪ -890‬حسام زيدان شكر الفهاد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.20 :‬‬

‫‪P 626‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫إضافة إلى أن وجود الفضالة يفترض أن يكون تدخل الفضولي تلقائيا‪ ،‬أي ال يفرضه‬

‫التزام سابق يجد مصدره في العقد أو نص القانون‪ .‬وهذا ال يتحقق في الحالة التي نحن‬

‫بصددها‪ ،‬ألن نصوص القانون تفرض على من يتولى شؤون ناقص األهلية أو عديمها أن‬

‫يقوم باالهتمام بصحته‪ ،‬بحيث يستدعي من يقدم له العناية الطبية عندما يكون في حاجة‬

‫إليها‪ .‬كما أن القانون ال يعتد وال يرتب أثر إذا أصدرت هذه الوكالة من شخص فاقد التمييز‬

‫واإلدراك‪ ،‬وإذا ادعى من منحت له هذه الوكالة بأنه قد حصل عليها قبل املرض‪ ،‬فهذا ش يء‬

‫خارج عن املألوف‪ ،‬ألنه كيف للشخص أن يظن أنه سيمرض ولنفرض جدال توقع مرضه‬

‫فهل سيشغل فكره بتوكيل اآلخرين الختيار طبيب له سواء بوكالة صريحة أو ضمنية‬

‫لعالجه‪.891‬‬

‫ثالثا‪ :‬عدم وجود قريب برفقة املريض‬

‫من املبادئ العامة التي تحكم العالقة بين الطبيب واملريض‪ ،‬هو أن يحترم الطبيب‬

‫إرادة مريضه‪ ،‬وذلك بتبصيره والحصول على رضاه بأي عمل طبي يقوم به سواء أكان عالجيا‬

‫أم جراحيا‪ ،‬لكن إذا كان املريض فاقدا لوعيه‪ ،‬فهذا ال يكفي إلعفاء الطبيب من التزامه‬

‫هذا‪ ،‬بل عليه أن يحترم إرادة القريب من املريض‪ ،‬أو من برفقته‪ ،‬أي عليه تبصيرهم‬

‫والحصول على رضاهم‪ ،‬لكن متى انعدم وجود األخير أصبح ذلك استثناء على األصل‪ ،‬ومن‬

‫ثم فسح املجال أمام الطبيب للقيام بالعمل الطبي الذي يروم القيام به متجاوزا بل‬

‫‪ -891‬جابر محجوب علي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.20 :‬‬

‫‪P 627‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫متجاهال إلرادة املريض‪ .892‬صفوة القول أنه ال بد أن تتوافر الشروط الثالثة مجتمعية لكي‬

‫يحق للطبيب فرض إرادته على مرضاه‪ ،‬ومن ثم يفقد املريض حقه في اختيار طبيبه‪.‬‬

‫الفقرة الثالثة‪ :‬قلة عدد أطباء القطاع الخاص‬

‫ال شك أن مبدأ حرية املريض في اختيار الطبيب املعالج‪ ،‬يفترض وجود عدد كبير من‬

‫األطباء يسمح أو يمكن املريض من أن يمارس هذه الحرية‪ ،‬وهو أمر غير ممكن لقلة عدد‬

‫أطباء القطاع الخاص‪ .‬ومعلوم أن مبدأ حرية املريض في اختيار الطبيب املعالج يقتض ي‬

‫فضال عن وجود عدد كاف من األطباء توزيع جغرافيا متوازيا‪ ،‬يشمل جميع إقليم البالد‪.893‬‬

‫فعلى مستوى املقارنة بين الوسط الحضري وبين الوسط القروي‪ ،‬تصل درجة انعدام‬

‫التوازن في التوزيع أقصاها‪ ،‬حيث يالحظ أن املدينة تستحوذ على مجموع األطباء وبالتالي‬

‫مجموع البنية التحتية الصحية‪ ،‬في حين تظل القرية محرومة من هذه الخدمات‪ ،‬مع أن‬

‫نسبة السكان فيها أعلى من نسبة السكان في املدن بكثير‪ .‬وعلى مستوى املدن فيما بينها‪،‬‬

‫فإذا كان الوسط الحضري يستحوذ على مجموع الخدمات الطبية‪ ،‬فإن توزيع هذه األخيرة‬

‫فيه ليس متوازنا‪ ،‬حيث يتمركز األطباء في أكبر وأهم املدن‪ ،‬في حين أن املدن الصغيرة ال‬

‫تتوفر إال على عدد قليل ال يسمح فعليا بممارسة حرية االختيار‪.894‬‬

‫‪ -892‬حسام زيدان شكر الفهاد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.20 :‬‬


‫‪ -893‬أحمد ادريوش‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.11 :‬‬
‫‪ -894‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.10 :‬‬

‫‪P 628‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫الفقرة الرابعة‪ :‬حاالت أخرى‬

‫هناك حاالت يفقد بموجبها املريض حقه في اختيار الطبيب الذي يعالج حالته‪ ،‬إذ‬

‫تفرض إرادة الطبيب على مثل هؤالء املرض ى‪ ،‬وهذا يتمثل في حالة األشخاص املصابين‬

‫بأمراض خطيرة ومعدية في الوقت نفسه كحالة املصاب بمرض اإليدز أو مرض الجدري‪ ،‬أو‬

‫أي من األمراض املعدية األخرى‪ ،‬إذ يتم إيداعهم في مصحات‪ ،‬وهذه املصحات عادة فيها‬

‫أطباء ذوو اختصاص في معالجة هذه األمراض‪ ،‬وبمجرد إيداع هؤالء األشخاص في هذه‬

‫املصحات يفقدون حريتهم في اختيار الطبيب املعالج ألنهم يخضعون ملعاينة وتشخيص‬

‫وعالج األطباء التابعين لهذه املصحات‪ .895‬لكن هل يعني فقدان هؤالء املرض ى لحقهم في‬

‫اختيار الطبيب املعالج فقدانهم الختيار طريقة العالج ونوعه أيضا؟‪.‬‬

‫إن إيداع األشخاص املصابين بأمراض خطيرة ومعدية في املصحات املحددة لهذا‬

‫الشأن وإن كان يفقدهم حقهم في اختيار الطبيب املعالج إال أنهم يتمتعون بحرية نسبية في‬

‫الحاالت التي تتعدد فيها أنواع العالجات التي تتطلبها حالتهم‪ ،‬إذ بإمكان طبيب املصحة أن‬

‫يخيرهم بين العالجات املتعددة األنواع واملشتركة األهداف كلما كان ذلك ممكنا‪.896‬‬

‫كما يفقد املريض حقه وحريته في اختيار طبيبه الذي يعالجه في الحالة التي يكون‬

‫فيها مضطربا عقليا‪ ،‬فمثل هؤالء املرض ى يكونون مشلولي اإلرادة واإلدراك فيقوم ذووهم‬

‫‪ -895‬زينة غانم يونس العبيدي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.107 :‬‬


‫‪ -896‬زينة غانم يونس العبيدي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.107 :‬‬

‫‪P 621‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫بإيداعهم لدى املصحات الخاصة‪ ،‬وبذلك يفقدون حقهم وحريتهم في اختيار الطبيب الذي‬

‫يعالجهم‪ ،‬إذ يقوم األطباء التابعين لهذه املصحات بعالج حالة هؤالء املرض ى ومتابعتها‪.897‬‬

‫ويفقد املريض حقه وحريته في اختيار طبيبه عندما يكون من نزالء السجن وتستوجب‬

‫حالتهم الصحية مراجعة األطباء ألغراض عالجية‪ ،‬إذ أنه يخضع ملعاينة وفحص الطبيب‬

‫التابع للسجن أو املؤسسة املوقوف فيها‪ ،‬فال يتمتع بحق اختيار طبيبه‪ ،‬وال شك أنه من‬

‫حق هؤالء األشخاص التمتع بكل حقوق الرعاية الصحية وبنفس املستوى الذي يتمتع به‬

‫املواطنون اآلخرون‪ ،‬فمتى شعر النزيل باآلم تهدد صحته له الحق بأن يعرض حالته على‬

‫الطبيب املختص والتابع للمؤسسة‪ ،‬فاملريض بهذه الحالة يتمتع بحق املحافظة على صحته‬

‫داخل املؤسسة أو السجن‪ ،‬إال أنه يفقد حقه في اختيار الطبيب املعالج‪ ،‬لكن هذا ال يفقده‬

‫حق الخيار بين أنواع العالجات وطرقها املختلفة كلما كان ذلك ممكنا ‪ .‬وتجدر اإلشارة إلى‬

‫أنه في بعض الحاالت ال يتمتع السجناء واملوقوفون بحق الخيار في تناول العالج أو عدم‬

‫تناوله عند ثبوت مرضهم حيث يفرض عليهم جبرا‪ ،‬ألن ذلك يتعلق بالحفاظ على الوضع‬

‫الصحي داخل املؤسسة اإلصالحية منعا من انتشار املرض والعدوى إلى بقية املحكوم‬

‫عليهم‪.898‬‬

‫وتجدر اإلشارة إلى حالة أخرى يفقد بموجبها املريض حقه في اختيار الطبيب املعالج‪،‬‬

‫وهذه الحالة ال يمكن تصورها إال في اإلصابات التي تقع على أحد أعضاء الفريق الرياض ي‬

‫‪ -897‬حسام زيدان شكر الفهاد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.24 :‬‬


‫‪ -898‬زينة غانم يونس العبيدي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 101 :‬و ‪.100‬‬

‫‪P 631‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫عند أدائه لعبة رياضية‪ .‬فبعد أن أصبحت الرياضة حرفة يزاولها عدد من األفراد أصبح‬

‫عمل الطبيب الرياض ي مرتبطا بحرفتين هما الطب والرياضة‪ ،‬وهذا يفرض عليه مراعاة‬

‫القواعد العامة ملهنة الطب‪ ،‬فضال عن القواعد الخاصة ملهنته كطبيب رياض ي‪ .‬وغالبا ما‬

‫تتعاقد االتحادات واألندية الرياضية مع األطباء من أجل معالجة العبيها من اإلصابات التي‬

‫قد تقع أثناء تأديتهم للعبة الرياضية فيفقد هؤالء الالعبين حقهم وحريتهم في اختيار‬

‫الطبيب املعالج‪ ،‬بل أكثر من ذلك فإنهم يفقدون أيضا وفي أغلب األحوال حريتهم في اختيار‬

‫طريقة العالج املناسبة لإلصابة أثناء اللعبة‪ .‬وهذه الحالة على ما تبدو من قبيل‬

‫االستثناءات التي ترد على حرية املريض في اختيار طبيبه والتي لم تنل حظا بالتنظيم‬

‫القانوني‪.899‬‬

‫‪ -899‬زينة غانم يونس العبيدي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 100 :‬و ‪.143‬‬

‫‪P 631‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫خاتمة‪:‬‬

‫إذا وقع اختيار املريض الذي يتمتع باإلدراك والتمييز على طبيب معين فإن هذا ال‬

‫يكفي لتكوين العقد الطبي‪ .‬إذ يبقى هذا االختيار مجرد تحديد نظري إلى أن يصدر من‬

‫الطرفين تعبير عن اإلرادة‪ ،‬يجسد هذا االختيار في صورة عالقة عقدية‪ ،‬تربط الطبيب‬

‫باملريض‪ ،‬وتعرف باسم العقد الطبي‪.‬‬

‫وال شك أن إرادة املريض تلعب دورها في مرحلتين مختلفتين‪ ،‬ففي مرحلة إبرام العقد‬

‫يكون إلرادة املريض دور يظهر في صورة القبول الذي يصدره‪ ،‬وينعقد به العقد متى اقترن‬

‫باإليجاب الصادر من الطبيب‪ .‬وفي مرحلة تنفيذ العقد يكون إلرادة املريض دور أخر‪ ،‬يبدو‬

‫في صورة الرضا الحر املستنير الذي يتعين على الطبيب الحصول عليه من املريض قبل‬

‫الشروع في تنفيذ العالج‪ .‬فاألمر يتعلق إذن برضائين منفصلين‪ ،‬لكل منهما نطاق مستقل‬

‫عن األخر‪ .‬فاألول ضروري النعقاد العقد‪ ،‬حين يلعب الثاني دوره في مرحلة تنفيذ العقد‪،‬‬

‫ويضفي على عمل الطبيب وصف املشروعية‪.‬‬

‫‪P 632‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫الئحة املراجع‪:‬‬

‫املراجع باللغة العربية‬

‫‪ ‬املراجع العامة‬

‫‪ ‬حسام زيدان شكر الفهاد‪ ،‬االلتزام بالتبصير في املجال الطبي دراسة مقارنة‪ ،‬دار‬

‫الجامعة الجديدة‪.7089 ،‬‬

‫‪ ‬املراجع الخاصة‬

‫‪ ‬جابر محجوب علي‪ ،‬دور اإلرادة في إبرام العقد الطبي‪ ،‬مؤسسة الطباعة الفنية‬

‫والنشر‪ ،‬دار النهضة العربية‪ -‬القاهرة‪.8331 ،‬‬

‫‪ ‬املصطفى الغشام الشعيبي‪ ،‬العقد الطبي‪ ،‬دار السالم للطباعة والنشر والتوزيع‬

‫–الرباط‪ ،‬الطبعة األولى ‪.7087‬‬

‫‪ ‬زينة غانم يونس العبيدي‪ ،‬إرادة املريض في العقد الطبي‪ -‬دراسة مقارنة‪ ،‬دار‬

‫الكتب القانونية‪ ،‬مطابع شتات‪ -‬مصر‪.7088 ،‬‬

‫‪ ‬أحمد ادريوش‪ ،‬العقد الطبي دراسة تحليلية وتأصيلية للمقتضيات القانونية‬

‫املؤطرة للعالقة بين الطبيب وزبونه‪ ،‬مطبعة األمنية‪ -‬الرباط‪ ،‬منشورات سلسلة املعرفة‬

‫القانونية‪ ،‬الطبعة الثانية ‪.7087-7082‬‬

‫‪P 633‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪ ‬محمد السعيد رشيدي‪ ،‬عقد العالج الطبي‪ ،‬دراسة تحليلية وتأصيلية لطبيعة‬

‫العالقة بين الطبيب واملريض‪ ،‬مكتبة سيد عبد هللا وهبة‪ ،‬القاهرة ‪.8317‬‬

‫‪ ‬املقاالت‬

‫‪ ‬منصور مصطفى منصور‪ ،‬حقوق املريض على الطبيب‪ ،‬مقال منشور بمجلة‬

‫الحقوق والشريعة‪ ،‬السنة الخامسة‪ ،‬العدد ‪ ،7‬يونيو ‪.8318‬‬

‫‪ ‬القوانين واملراسيم‬

‫‪ ‬ظهير شريف رقم ‪ 8.82.77‬صادر في ‪ 73‬من ربيع األخر ‪ 83( 8497‬فبراير ‪)7082‬‬

‫بتنفيذ القانون رقم ‪ 898.89‬املتعلق بمزاولة مهنة الطب‪ ،‬ج‪.‬ر‪.‬ع ‪ 78 ،7947‬جمادى األولى‬

‫‪ 87( 8497‬مارس ‪.)7082‬‬

‫‪ ‬مرسوم رقم ‪ 7.78.772‬صادر في ‪ 7‬ذي القعدة ‪ 82( 8447‬يونيو ‪ )7078‬يتعلق‬

‫بمدونة أخالقيات مهنة الطب‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ ،2007‬صادرة ‪ 72‬ذي القعدة‬

‫‪ 1( 8447‬يوليوز ‪.)7078‬‬

‫‪ ‬الئحة آداب مهنة الطب املصرية التابعة لنقابة أطباء مصر‪ ،‬الصادرة بقرار وزير‬

‫الصحة والسكان‪ ،‬رقم ‪ 71‬لسنة ‪.7007‬‬

‫‪ ‬مرسوم رقم ‪ 7.37.313‬صادر في ‪ 82‬رمضان ‪ 2( 8483‬يناير ‪ )8333‬بتطبيق مدونة‬

‫اآلداب املهنية لجراحي األسنان‪ ،‬ج‪.‬ر‪.‬ع ‪ ،4777‬بتاريخ ‪ 82‬شوال ‪ 4( 8483‬فبراير ‪.)8333‬‬

‫املراجع باللغة الفرنسية‬

‫‪P 634‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس‬40 ‫العدد‬

 Les ouvrages

 Jean Penneau, la responsabilité médicale, éd sirey, 1977.

 Paul Appleton, Droit Médical, 2éme édition, librairie du monde médical,

paris 1939.

 René Savatier, Jean-Mary Auby, Henri Péquignot, Jean Savatier, traité

de droit médical, éd librairies techniques, paris 1956.

 Les Thèses

 Géraldine Salem, contribution l’étude de la responsabilité médicale

pour faute en droits français et American, thèse pour obtenir le garde

de doctorat en droit, université paris VIII Vincennes-saint dénis, 2015.

P 635 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪Real estate warning and real estate property circulation‬‬


‫مقدمة‪:‬‬
‫يعد تحقيق االئتمان‪ ،900‬من بين األهداف األساسية للنظام االقتصادي واالجتماعي‬

‫لكل بلد؛ وتعليل ما سبق أن ضعف القدرة الذاتية للفرد فرضت عليه ضرورة اللجوء إلى‬

‫املؤسسات البنكية‪ ،‬بهدف تمويل ما يصبو إليه من مشاريع مما جعل التعامل مع البنوك‬

‫أمرا ضروريا في الوقت الحاضر‪.901‬‬

‫إن الحديث عن االئتمان يؤدي بنا إلى الحديث عن الضمانات‪ ،902‬فكالهما وجهان‬

‫لعملة واحدة‪ ،‬ومؤدى ما نقول أن املؤسسة املالية الدائنة ال تخاطر بمنح القروض إال إذا‬

‫‪ -900‬عرف المشرع المغربي االئتمان بقوله‪:‬‬


‫"يعتبر عملية ائتمان كل تصرف يقوم بمقتضاه شخص من األشخاص‬
‫‪-‬بوضع أموال أو االلتزام رهن تصرف شخص آخر يكون ملزما بإرجاعها‬
‫‪-‬أو االلتزام لمصلحة شخص آخر عن طريق التوقيع في شكل ضمان احتياطي أو كفالة أو أي ضمان آخر"‪.‬‬
‫انظر المادة الثالثة من الظهير الشريف رقم ‪ 1.491391‬الصادر في فاتح ربيع األول ‪ 1341‬الموافق ل ‪43‬‬
‫ديسمبر ‪ 4113‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 149114‬المتعلق بمؤسسات االئتمان والهيئات المعتبرة في حكمها‪ ،‬المنشور‬
‫بالجريدة الرسمية عدد ‪ 1446‬بتاريخ فاتح ربيع اآلخر ‪ 44( 1341‬يناير ‪ )4112‬ص ‪ 314‬والذي حل محل‬
‫القانون رقم ‪.14943‬‬
‫‪ -901‬الخطاب الملكي السامي بمناسبة افتتاح السنة التشريعية الجديدة يوم ‪11‬أكتوبر ‪411.‬‬
‫‪ -902‬الضمانات العينية فضل المشرع تسميتها ب" الحقوق العينية التبعية" وهذه التسمية تقتضي منا إبداء مالحظتين‪:‬‬
‫‪-‬األولى‪ :‬أنه اعتبر كل من االمتيازات والرهون سواء الحيازية أو الرسمية كضمانات عينية حقوقا عينية لكونها تحقق‬
‫لصاحبها سلطة مباشرة واستئثار على شيء معين‪.‬‬

‫‪P 636‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫توفرت لديها الثقة الكافية في الشخص طالب االئتمان‪ ،‬ومن أجل تكريس هذه الثقة‬

‫واالئتمان تم خلق بعض القواعد والنظم القانونية التي تروم إلى حماية وتأمين عالقة‬

‫املديونية التي على أساسها تمنح املؤسسة املالية السيولة النقدية بكل طمأنينة وارتياح‪.‬‬

‫إضافة إلى ما سبق إن القواعد املتجذرة في قانون االلتزامات والعقود املغربي تؤكد‬

‫على أن أموال املدين ضمان عام لدائنيه‪ ،‬إذ توزع أمواله على دائنيه بالتساوي مالم تكن‬

‫هناك أسباب قانونية تفضل أحد الدائنين على اآلخر‪ ،‬إال أن الواقع العملي باعتباره املحك‬

‫الحقيقي لتطبيق القاعدة املومأ إليها أعاله‪ ،‬قد أبان عن محدودية هذه الضمانة في حماية‬

‫مصالح الدائن وأفرغها من محتواها‪ ،‬ذلك أن الدائن ال يرتبط حقه بمال مخصوص من‬

‫أموال مدينه ومعين على وجه التحديد من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى تقل الضمانات أكثر بكون‬

‫الدائن يتساوى مع غيره من الدائنين في أموال مدينهم استنادا إلى مبدأ املساواة بين‬

‫الدائنين‪.‬‬

‫‪-‬الثانية‪ :‬أنها تبعية ألنها تكون تابعة لحق شخصي وذلك لكي تضمن الوفاء به فإذا انقضى الحق الشخصي انقضى‬
‫تبعا لذلك الحق العيني التابع والحقوق العينية التبعية تدور مع الحق الشخصي وجودا أو عدما‪.‬‬
‫ويقصد بالضمانات العينية‪ :‬التأمينات العينية‪ ،‬تخصيص مال معين مملوك المدين أو لغيره لتأمين حق الدائن‪ ،‬وذلك‬
‫بإعطائه سلطة تمكنه من التنفيذ على المال وبيعه جب ار واستيفاء حقه من ثمنه‪ ،‬أما الضمانات الشخصية فتكون‬
‫بضم ذمة أو أكثر إلى ذمة المدين األصلي بحيث يصبح للدائن بدال من مدين واحد مدينان أو أكثر يسألون جميعا‬
‫عن المدين إما في وقت واحد أو بالنتائج ألن الضمان فيها بأي من التزامات شخصية تنضاف إلى التزامات المدين‬
‫األصلي‪.‬‬
‫‪-‬انظر التمييز في الظهير الشريف ‪ 191191.6‬صادر في ‪ 44‬نوفمبر ‪ 4111‬المنشور بالجريدة الرسمية عدد‬
‫‪ 2..6‬بتاريخ ‪ 43‬نوفمبر ‪ 4111‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 1694.‬المتعلق بمدونة الحقوق العينية‪ ،‬وراجع المادة ‪11‬‬
‫منها بالخصوص التي تنص على أن‪"ّ :‬الحق العيني التبعي الحق الذي ال يقوم بذاته وانما يستند في قيامه على‬
‫وجود حق شخصي‪ ،‬ويكون ضمانا للوفاء به‪ ،‬والحقوق العينية التبعية هي‪ :‬االمتيازات‪ -‬الرهن الحيازي‪ -‬الرهن‬
‫الرسمي‪.‬‬

‫‪P 637‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫تبعا لذلك إن الحاجة ماسة إلى إقرار ضمانات مهمة تضمن لفئة محددة من الدائنين‬

‫حق اقتضاء مالهم بطريقة سريعة وفعالة‪ ،‬الش يء الذي استجاب له املشرع املغربي من‬

‫خالل إقراره للحقوق العينية التبعية كإحدى الضمانات العينية‪ ،‬وذلك بموجب املواد من‬

‫‪ 847‬إلى ‪ 778‬من القانون رقم ‪ 93.01‬املتعلق بمدونة الحقوق العينية‪ ،‬التي تقر تخصيص‬

‫مال معين يعود مللكية املدين لتأمين حق الدائن الستيفاء حقه‪.‬‬

‫ويعتبر الرهن الرسمي الوارد على العقار املحفظ‪ ،‬من أهم الضمانات العينية حيث‬

‫تلجأ إليه املؤسسات املالية عند إبرامها عقد القرض باعتباره حق عيني تبعي يتقرر على‬

‫ملك محفظ أو في طور التحفيظ ويخصص لضمان أداء الدين‪.‬‬

‫تبعا ملا سبق فإن الرهن الرسمي ال يقتصر نطاقه على العقارات‪ ،‬بل اتسع نطاقه‬

‫ليشمل بعض األموال املنقولة والتي تمتاز بأهميتها االقتصادية وقيمتها املرتفعة‪ ،‬مقارنة‬

‫واألصل التجاري‪ 905‬كما أن‬ ‫السفن‪903‬والطائرات‪904‬‬ ‫بباقي املنقوالت‪ ،‬ونجد في هذا اإلطار‬

‫أهمية الرهن الرسمي تظهر بشكل أكثر وضوحا من خالل املمارسة العملية بحيث يشكل‬

‫وسيلة فعالة تضمن مصالح األغيار‪ ،‬ذلك أنها تخضع لعملية إشهار وغيرها من الوسائل‪،‬‬

‫التي تمكن األفراد املعنيين باألمر من االطالع على وضعية العقار من الناحيتين القانونية‬

‫‪ -903‬المختار العطار "الرهن البحري في التشريع لمغربي "أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص‪ ،‬جامعة‬
‫الحسن الثاني‪ ،‬كلية لعلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬السنة الجامعية ‪،1.6.-1.66‬ص‬
‫‪ 11‬وما يليها‪.‬‬
‫‪-904‬محمد بونبات‪ ،‬دراسة مقارنة للحقوق العينية وجدواها االقتصادية واالجتماعية‪ ،‬المطبعة والوراقة الوطنية‪،‬‬
‫مراكش الطبعة األولى ‪ ،4114‬ص ‪ 131‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ -905‬محمد بفقير "مدونة التجارة والعمل القضائي المغربي" منشورات دراسات قضائية سلسلة القانون و العمل‬
‫القضائي المغربيين‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة –الدار البيضاء العدد الثالث ‪ ،4141/411.‬ص‪.111‬‬

‫‪P 638‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫واملادية‪ ،‬وبالتالي في حالة وجود أية منازعة يكونون على علم مسبق بها ويخول للمدين‬

‫كذلك مواصلة استغالل العقار املرهون وإدارته دون التخلي عن حيازته لفائدة الدائن‬

‫املرتهن‪ ،‬كما أنه يتيح للدائنين إمكانية استثمار أموالهم وتوظيفها في العملية االقتصادية ‪.‬‬

‫ان تقييد اإلنذار العقاري‪ ،‬يعد بمثابة حجز عقاري كما سبق ذكره أعاله وينتج أثار‬

‫قانونية من قبيل تجميد امللكية العقارية ومنعها من التداول بين األفراد وال يمكن أن ترد‬

‫على العقار موضوع اإلنذار أي تصرف أو ترتيب أي حق عيني سواء كان أصليا أو تبعيا‪.‬‬

‫ولعل دراسة موضوع اإلنذار العقاري وأثره على تداول امللكية العقارية‪ ،‬والوقوف على‬

‫أهم االشكاالت العملية املطروحة في هذا املجال‪ ،‬ويقتض ي تقسيم هذا املوضوع الى‬

‫محورين اثنين على الشكل التالي‪ :‬املحور األول‪ :‬التأصيل القانوني ملؤسسة اإلنذار العقاري‪.‬‬

‫املحور الثاني‪ :‬أثر اإلنذار العقاري على تداول امللكية العقارية‬

‫‪P 631‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫املحور األول‪ :‬التأصيل القانوني ملؤسسة اإلنذار العقاري‪.‬‬

‫إن مسطرة اإلنذار العقاري من أهم إجراءات التنفيذ التي خولها املشرع للدائن املرتهن‬

‫السترداد الديون املضمونة برهن رسمي‪.‬‬

‫لقد حاول مجموعة من الباحثين والفقهاء تقديم تعريف لإلنذار العقاري إال أن هذه‬

‫املؤسسة أثارت اشكاالت حول تحديد طبيعته‪ ،‬وبذلك سنتناول بالتحليل تعريف اإلنذار‬

‫العقاري (أوال) ثم نتناول الطبيعة القانونية لإلنذار العقاري (ثانيا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬تعريف اإلنذار العقاري‬

‫لقد تعددت التعاريف التي تبين املراد بهذه املؤسسة‪ ،‬الش يء الذي ساهم في توضيح‬

‫املقصود بها ورفع اللبس عنها واملشرع املغربي لم يعط أي تعريف لإلنذار العقاري‪.906‬‬

‫‪ -906‬بالرجوع الى الفصل ‪550‬من قانون المسطرة المدنية الذي ينص على ما يلي‪ ":‬يبلغ عون التنفيذ إلى الطرف‬
‫المحكوم عليه‪ ،‬الحكم المكلف بتنفيذه ويعذره بأن يفي بما قضى به الحكم حاال أو بتعريفه بنواياه وذلك خالل أجل ال‬
‫يتعدى عشرة أيام من تاريخ تقديم طلب التنفيذ‪.‬‬
‫إذا طلب المدين آجاال أخبر العون الرئيس الذي يأذن بأمر بحجز أموال المدين تحفظيا إذا بدا ذلك ضروريا للمحافظة‬
‫على حقوق المستفيد من الحكم‪.‬‬
‫إذا رفض المدين الوفاء أو صرح بعجزه عن ذلك اتخذ عون التنفيذ اإلجراءات المقررة في الباب المتعلق بطرق التنفيذ"‪.‬‬
‫‪-‬كذلك المادة‪412‬من مدونة الحقوق العينية التي تنص على ما يلي‪ ":‬للدائن المرتهن الذي لم يستوف دينه في أجل‬
‫استحقاقه أن يحصل على بيع الملك المرهون وفق اإلجراءات المنصوص عليها في القانون‪ ،‬وذلك بعد توجيه إنذار‬
‫بواسطة المكلف بالتنفيذ للمدين األصلي وللحائز‪ ،‬ألداء الدين أو التخلي عن الملك المرهون داخل خمسة عشر يوما من‬
‫تاريخ التوصل به‪.‬‬

‫‪P 641‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫"إشعار يوجهه الدائن املرتهن إلى املدين الراهن‬ ‫بأنه‪907‬‬ ‫حيث عرفه بعض الفقه‬

‫بواسطة عون التبليغ‪ ،‬يطالبه فيه بأداء الدين املضمون بالرهن تحث طائلة نزع ملكية‬

‫العقار املرهون وبيعه باملزاد العلني لتسديد هذا الدين وفوائده ومصاريفه"‪.‬‬

‫كما يعرفه البعض‪ 908‬كذلك بأنه "إشعار يوجهه الدائن املرتهن أو املؤسسة املالية إلى‬

‫املدين بواسطة عون التبليغ‪ ،‬يطلب فيه استرداد الدين املضمون من املدين تحت طائلة‬

‫نزع ملكية العقار املرهون بالبيع القضائي باملزاد العلني لتسديد الدين وفوائده والضريبة‬

‫على القيمة املضافة واملصاريف القضائية"‪.‬‬

‫يتبين من هذه التعاريف املشار إليها أعاله أنها تصب في منح اإلنذار العقاري مضمون‬

‫واحد‪ ،‬مع العلم أنها أغفلت عناصر أساسية لهذا املفهوم منها مسألة اآلجال الذي لم‬

‫تتناوله‪ ،‬مع العلم أن املشرع حدده في املادة ‪ 787‬من مدونة الحقوق العينية‪ 909‬في ‪ 82‬يوما‪،‬‬

‫باإلضافة إلى اقتصار هذه التعاريف باستثناء التعريف األخير؛ على أن اإلنذار العقاري يوجه‬

‫‪ -907‬محمد سالم ‪" :‬تحقيق الرهن الرسمي في القانون المغربي " دراسة علمية مطبعة االجتهادات القضائية‪ ،‬مطبعة‬
‫النجاح‪ ،‬البيضاء‪ ،‬الطبعة األولى‪2002،‬ص ‪43‬‬
‫‪ -908‬حبيبة التايس ‪" :‬اإلشكاالت العملية في موضوع اإلنذار العقاري" مقال منشور بالمجلة المغربية لقانون‬
‫األعمال والمقاوالت عدد ‪ 4‬في ماي ‪ 4114‬الصفحة ‪.41‬‬
‫‪-‬وللمزيد من التوضيح حول تعريف اإلنذار العقاري يعرفه‬
‫األستاذ سفيان أدريش بأنه‪ " :‬إنذار يوجهه الدائن المرتهن إلى المدين الراهن يطالبه فيه بأداء ما بذمته‪ ،‬من الدين‬
‫رأسماال وفوائده والمصاريف داخل أجل محدد تحت طائلة التنفيذ المباشر على العقار ونزع ملكيته وحجزه وبيعه‬
‫العلني"‪.‬‬
‫‪ -909‬تنص المادة‪264‬من مدونة الحقوق العينية على ما يلي‪ ":‬يتضمن اإلنذار المشار إليه في المادة السابقة اسم المالك المقيد‬
‫واسم الملك المرهون وموقعه ومساحته ومشتمالته ورقم رسمه العقاري‪.‬‬
‫يبلغ المكلف بالتنفيذ نسخة من اإلنذار المذكور إلى المحافظ على األمالك العقارية الذي يقيده بالرسم العقاري‪.‬‬
‫يعتبر اإلنذار المذكور بمثابة حجز عقاري وينتج نفس آثاره‪.‬‬

‫‪P 641‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫إلى املدين فقط مع العلم أنه يوجه إلى أشخاص أخرين كالكفيل والحائز واملحافظ على‬

‫األمالك العقارية‪.‬‬

‫وتجدر اإلشارة إلى أن هذه العناصر التي أغفلت عنها التعاريف املشار إليها أعاله تعتبر‬

‫أساسية لصحة اإلجراءات‪ ،‬وتداركا لذلك يمكن تعريف اإلنذار العقاري بأنه إشعار يوجهه‬

‫الدائن املرتهن إلى الطرف امللزم قانونا بذلك‪ ،‬من أجل الوفاء بالدين داخل أجل ‪ 82‬يوما‬

‫من التبليغ وإال تمت التنفيذ على املرهون وبيعه باملزاد العلني من أجل استخالص الدين‬

‫وفوائده‪.‬‬

‫والسؤال الذي يطرح ما هي الطبيعة القانونية لإلنذار العقاري؟‬

‫ثانيا‪ :‬الطبيعة القانونية لإلنذار العقاري‬

‫إن املقصود من تحديد الطبيعة القانونية لإلنذار العقاري‪ ،‬هو معرفة ما إذا كان هذا‬

‫األخير بمثابة إجراء تنفيذي‪ ،‬الش يء الذي يترتب عنه أثار الحجز التنفيذي أم أنه ليس إال‬

‫مقدمة من مقدمات التنفيذ‪ ،‬حيث يتعين القيام بإجراء أخر من أجل التنفيذ؟‬

‫بعبارة أدق هل تبليغ اإلنذار لكل من املدين الراهن أو الكفيل العيني واملحافظ على‬

‫األمالك العقارية‪ ،‬يمكن اعتباره إجراء أولي ملسطرة النزع الجبري للعقار أم إجراء من‬

‫إجراءات التنفيذ التي تمنع املدين الراهن من أي تصرف في امللك املرهون بعد تبليغه‬

‫اإلنذار؟‬

‫‪P 642‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫هذه التساؤالت وأخرى أفرزت العديد من االتجاهات الفقهية التي سعت إلى الدفاع‬

‫عن هذا الطرح أو ذاك عبر االرتكاز على أسانيد معينة‪.‬‬

‫االتجاه األول‪ :‬يعتبر أن اإلنذار العقاري بمثابة تنبيه عادي‪ ،‬ونجد في هذا اإلطار‬

‫األستاذ "أبو عبد هللا عبد اإلله" الذي يرى‪ " :‬أن اإلنذار العقاري مجرد تنبيه ينزع ملكية‬

‫العقار املرهون‪ ،‬و يضيف أن إجراءات الحجز ال تباشر إال بعد بقاء اإلنذار العقاري بدون‬

‫أثر وأن الطعن في مسطرة اإلنذار العقاري‪ ،‬ال يترتب عنها وقف إجراءات بيع العقار لكونه‬

‫ال يعد طعنا في إجراءات الحجز العقاري‪ ،‬فضال عن ذلك فالقول بخالف ذلك هو نكر‬

‫للفصول املنظمة للحجز التنفيذي املبينة في الفصول ‪ 423‬إلى ‪412‬من قانون املسطرة‬

‫املدنية" ‪.910‬‬

‫وهو نفس الش يء الذي أكده األستاذ "عبد الواحد بن مسعود " الذي يرى‪" :‬أن توجيه‬

‫اإلنذار العقاري هو مجرد مقدمة ملسطرة التحصيل الجبري للدين‪ ،‬قد يتجاوب املدين‬

‫الراهن معه بعد توصله به؛ ومن تم تقف اإلجراءات عند هذا الحد‪ ،‬لذلك ففي هذه الحالة‬

‫ال يعد العقار محجوزا بل يتطلب األمر القيام بإجراءات تحويله إلى حجز تنفيذي و التي‬
‫م"‪911.‬‬ ‫وردت في الفصل ‪ 473‬وما يليه ق م‬

‫‪ -910‬أبو عبد اهلل عبد اإلله ‪ " :‬تعليق حول إبقاء إجراءات التنفيذ العقاري من طرف قاضي المستعجالت" مجلة‬
‫المحاكم المغربية‪ ،‬عدد ‪ ،24‬يناير‪ 1.66،‬ص ‪ 61‬وما بعدها ‪.‬‬
‫‪ -911‬عبد الواحد بن مسعود ‪ " :‬اإلنذار العقاري" مجلة البحوث‪ ،‬العدد الثاني السنة يونيو‪ ،4114‬ص‪.32‬‬

‫‪P 643‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫و هو نفس املوقف الذي تبناه األستاذ "محمد سالم"‪ ،‬حيث أكد على أنه بالرغم من‬

‫أن مجرد توجيه اإلنذار العقاري يترتب عنه بعض آثار الحجز التنفيذي العقاري‪ ،‬فإنه ال‬

‫يتحول بصفة تلقائية إلى الحجز التنفيذي‪ ،‬بل على العكس من ذلك ينبغي إعمال‬
‫م‪913.‬‬ ‫مقتضيات الفصل ‪ 912473‬ق م‬

‫وفي نفس االتجاه نجد األستاذ "يونس الزهري" الذي دعي إلى ضرورة التمييز بين‬

‫مقتضيات املرسوم امللكي املؤرخ في‪ 17‬دجنبر ‪1968‬؛ بحيث يعتبر مجرد اإلنذار بمثابة حجز‬

‫تنفيذي عقاري لصراحة مقتضيات الفصلين ‪61‬و‪62‬من املرسوم امللكي‪ ،‬وبين اإلنذار‬

‫العقاري املوجه للمدين في غير ذلك من الحاالت التي ال يعتبر بمثابة حجز عقاري‪ ،‬طاملا أن‬

‫الدائن يتعين عليه مباشرة اجراءات الحجز وتحرير محضر بذلك بعد بقاء اإلنذار بدون‬
‫جدوى‪914.‬‬

‫وتجدر اإلشارة إلى أن اإلنذار العقاري حسب هذا التوجه‪ ،‬ال يعد إال إشعار يوجه‬

‫للمدين الراهن حيث يتم تبليغه بضرورة األداء تحت طائلة نزع ملكية عقاره املرهون؛ تم‬

‫‪ -912‬ينص الفصل ‪519‬من قانون المسطرة المدنية‪ ":‬ال يقع البيع الجبري للعقارات إال عند عدم كفاية المنقوالت عدا إذا كان‬
‫المدين مستفيدا من ضمان عيني‪.‬‬
‫إذا سبق حجز العقار تحفظيا بلغ العون المكلف بالتنفيذ بالطريقة العادية تحول هذا الحجز إلى حجز تنفيذي عقاري‬
‫للمنفذ عليه شخصيا‪ ،‬أو في موطنه أو محل إقامته‪.‬‬
‫إذا لم يتأت التبليغ طبقا لمقتضيات الفقرة السابقة أجريت المسطرة طبقا لما هو مقرر في الفصل ‪.4.‬‬
‫‪ -913‬محمد سالم ‪" :‬تحقيق الرهن الرسمي في القانون المغربي"‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪،‬‬
‫البيضاء‪ ،4114‬ص‪.43‬‬
‫‪ -914‬يونس الزهري ‪" :‬الحجز التنفيذي على العقار في القانون المغربي"‪ ،‬مطبعة الوراقة الوطنية‪ ،‬مراكش‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى ‪ ،2007‬ص‪.270-269‬‬

‫‪P 644‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫بعد ذلك يتم تحويل اإلنذار إلى حجز تنفيذي بمقتض ى محضر التحويل الذي يحرره عون‬

‫التنفيذ‪ ،‬وعليه فإن اإلنذار العقاري يعتبر إجراء من اإلجراءات املمهدة لعملية التنفيذ‪.‬‬

‫االتجاه الثاني‪ :‬يؤكد هذا التوجه الفقهي املذكور أن توجيه اإلنذار العقاري بمثابة‬

‫حجز عقاري‪.‬‬

‫ونجد في هذا االتجاه األستاذة "حبيبة التايس" التي ترى‪" :‬أن اإلنذار العقاري هو‬

‫أيضا حجز عقاري و ليس إنذارا عاديا و هو يرتب اآلثار التي يرتبها الحجز خصوصا غل يد‬

‫املدين من التصرف في العقار و املنع من أي تقييد بشأن العقار خالل مدة سريان مسطرة‬
‫جدوى"‪915.‬‬ ‫النزع اإلجباري للملكية و أنه يتحول إلى حجز تنفيذي متى بقي اإلنذار بدون‬

‫في نفس اإلطار يؤكد األستاذ "محمد خيري" أن اإلنذار العقاري هو بمثابة حجز‬

‫تحفظي؛ وأن التنبيه بنزع امللكية و هو عبارة عن أمر يصدره رئيس املحكمة بناء على طلب‬
‫أو الدائنين‪916.‬‬ ‫الدائن‬

‫كما يرى األستاذ "بوجمعة زفو" في نفس االتجاه أن اإلنذار العقاري يعتبر بمثابة إجراء‬

‫من إجراءات التنفيذ و ليس مجرد تنبيه فقط‪ ،‬و يضفي على العقار صفة الحجز حيث ال‬

‫‪ -915‬حبيبة التايس ‪" :‬اإلشكاالت العلمية في موضوع اإلنذار العقاري"‪ ،‬المجلة المغربية لقانون األعمال والمقاوالت‪،‬‬
‫العدد‪ ،4‬السنة‪ ،4114‬ص‪.41‬‬
‫‪ -916‬محمد خيري ‪" :‬قضايا التحفيظ العقاري في التشريع المغربي"‪ ،‬الطبعة الخامسة‪ ،411.‬مطبعة المعارف‬
‫الجديدة الرباط‪ ،‬ص‪.312‬‬

‫‪P 645‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫يمكن للمدين الراهن أن يقوم بأي تصرف بعد هذا اإلنذار كما يمنع املحافظ أيضا من‬
‫اإلنذار العقاري‪917.‬‬ ‫إجراء أي تقييد جديد بالرسم العقاري بعد تقييد‬

‫فضال عن ذلك فإن اإلنذار العقاري يأخذ صفة الحجز بعد تقييده بالرسم العقاري‪،‬‬

‫حيث يرتب نفس اآلثار الناتج عن الحجز و املتمثلة في املنع من إجراء أي تصرف على العقار‬
‫امللكية‪918.‬‬ ‫موضوع نزع‬

‫من خالل االتجاهات املشار اليها أعاله‪ ،‬يتضح أن الكفة الراجحة اعتبرت اإلنذار‬

‫العقاري بمثابة إجراء من اجراءات التنفيذ على العقار املرهون‪ ،‬وليس تنبيه عادي هذا من‬

‫زاوية أولى أما من زاوية أخري فإن هذا االختالف العميق في الوقت الحاضر لم يعد له ما‬

‫يبرره‪ ،‬بعد أن تدخل املشرع صراحة واعتبر اإلنذار العقاري إجراء من اجراءات التنفيذ‬

‫وهو ما كرسه التنزيل لهذا النص القانوني‪ ،919‬باإلضافة الى املادة ‪ 787‬من م ح ع‪ ،‬التي‬

‫نصت صراحة على ما يلي ‪..." :‬يعتبر اإلنذار املذكور بمثابة حجز عقاري وينتج نفس آثاره"‪.‬‬

‫‪ -917‬بوجمعة زفو ‪" :‬أثر التحفيظ على تداول الملكية العقارية مقاربة قانونية علمية"‪،‬أطروحة لنيل دبلوم الدكتوراه في القانون‬
‫الخاص وحدة التكوين والبحث في قانون العقود والعقار‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية جامعة محمد األول‪،‬‬
‫وجدة‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،4114 -4111‬ص‪.414‬‬
‫‪ -918‬محمد بن الحاج السلمي‪" :‬التقييد االحتياطي"‪ ،‬مقال منشور بمجلة المساحة والعقار‪ ،‬العدد األول‪ ،‬السنة ‪،1..1‬‬
‫ص ‪.14‬‬
‫‪ -919‬تنص المادة ‪413‬من مدونة الحقوق العينية على ما يلي ‪":‬يمكن للدائن الحاصل على شهادة خاصة بتقييد الرهن‬
‫لفائدته مسلمة له من طرف المحافظ على األمالك العقارية طبقا للشروط المنصوص عليها في الفصل ‪ 26‬من الظهير الشريف‬
‫الصادر في ‪ .‬رمضان ‪ 14( 1441‬أغسطس ‪ )1.14‬المتعلق بالتحفيظ العقاري أن يطلب بيع الملك المرهون بالمزاد‬
‫العلني عند عدم الوفاء بدينه في األجل‪.‬‬
‫تكون للشهادة الخاصة المذكورة قوة سند قابل للتنفيذ"‪.‬‬

‫‪P 646‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫وفي نفس السياق نجد الفصل ‪ 12‬من ظهير التحفيظ العقاري املعدل بالقانون‬

‫‪ ،92084.02‬الذي اعتبر اإلنذار العقاري بمثابة حجز عقاري؛ مما يدل بوضوح أن املشرع‬

‫املغربي خلص إلى توحيد الجانب اإلجرائي لكل من اإلنذار العقاري والحجز العقاري في شق‬

‫واحد‪ ،‬الش يء الذي سينعكس إيجابا على مسطرة تحقيق الرهن الرسمي من خالل الرفع‬

‫من مستوى العقارات محل التنفيذ على االئتمان العقاري‪.‬‬

‫على العموم ال يسعنا إال نقول بأن املشرع املغربي جاء بشكل صريح من خالل الفصل‬

‫‪ 12‬من ظ ت ع املعدل بالقانون ‪ ،84.02‬واملادة ‪ 787‬م ح ع بأن اإلنذار العقاري يعد بمثابة‬

‫حجز عقاري وينتج نفس اآلثار التي يرتبها الحجز‪.‬‬

‫فضال عن ذلك يمكن القول بأن اإلنذار العقاري‪ ،‬يتحول بشكل تلقائي إلى حجز‬

‫تنفيذي في حالة عدم الوفاء بالدين إلى الدائن املرتهن في األجل املحدد في اإلنذار‪ ،‬وذلك‬

‫استنادا إلى الفصل ‪ 12‬من ظ ت ع املعدل بالقانون ‪.84.02‬‬

‫وتفعيال لهذه النصوص نجد العمل القضائي بدوره عبر صراحة بأن اإلنذار العقاري‬

‫هو اجراء من اجراءات التنفيذ حيث جاء في قرار استئنافي عن املحكمة التجارية بفاس ما‬

‫يلي‪ " :‬إن مطلع الفصل ‪ 12‬من ذات الظهير يعطي لإلنذار العقاري اسم أمر رسمي بحجز‬

‫عقاري‪ ،‬وأن هذه املقتضيات التدع مجاال للشك في كون التنبيه العقاري إجراء من اجراءات‬

‫‪ -920‬ينص الفصل‪6.‬من قانون‪1391.‬على ما يلي‪ ":‬كل حجز أو انذار بحجز عقاري يجب أن يبلغ الى المحافظ على‬
‫األمالك العقارية الذي يقيده بالرسم العقاري‪ .‬وابتداء من تاريخ هذا التقييد ال يمكن اجراء أي تقييد جديد خالل جريان مسطرة‬
‫البيع الجبري للعقار المحجوز‪.‬‬
‫يشطب على الحجز واالنذار بحجز المنصوص عليهما في الفقرة السابقة بناء على عقد أو أمر من قاضي المستعجالت يكون‬
‫نهائيا ونافذا فور صدوره"‪.‬‬

‫‪P 647‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫التنفيذ؛ ويعتبر في الحقيقة بمثابة حجز على أنه يحول دون مباشرة أي تقييد جديد بشأن‬

‫العقار ويحول دون التصرف فيه وألن املشرع املغربي عهد إلى كتابة الضبط بالقيام مباشرة‬

‫بتنفيذ األحكام"‪.921‬‬

‫كذلك جاء في قرار استئنافي صادر عن املحكمة التجارية بفاس ما يلي‪" :‬حيث إن الدين‬

‫املطلوب سابقا على الحكم بفتح املسطرة‪ ،‬كما أن اإلنذار العقاري يعد من اجراءات التنفيذ‬

‫مما يتعين معه وقف اجراءات اإلنذار العقاري‪ ،‬األن من شأن تنفيذه أن يخل باستمرار‬

‫استغالل املقاولة املدنية نتيجة التنفيذ على عقارها الذي هو ضروري لهذه االستمرارية‬

‫من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى أنه يخل بمبدأ املساواة بين الدائنين وأنه يتعارض مع الطابع‬

‫الجماعي الدي يطغى على هذه املسطرة‪.922"...‬‬

‫وفي نفس الصدد قضت املحكمة التجارية بالدار البيضاء في قرار لها بما يلي‪ " :‬وحيث‬

‫انه وبناء على ذلك وبالرجوع إلى مقتضيات املادة ‪ 653‬من مدونة التجارة بأن حكم بفتح‬

‫املسطرة يوقف ويمنع كل إجراء للتنفيذ‪ ،‬يقيمه الدائنون سواء على املنقوالت أو العقارات‪.‬‬

‫وحيث إن املدعى عليه يهدف من توجيه اإلنذار العقاري إلى تحقيق الرهن في حالة‬

‫عدم أداء الدين داخل األجل املحدد في اإلنذار‪.‬‬

‫‪ -921‬مصطفى المرضي‪" :‬اإلنذار العقاري بين التشريع العقاري والعمل القضائي"‪ ،‬مطبعة األمنية‪ ،‬الربا ط‬
‫‪ ،4111‬ص‪.36‬‬
‫‪ -922‬قرار عدد ‪1143‬بتاريخ‪24‬أكتوبر ‪2002‬ملف رقم ‪12002 ،431‬منشور بمجلة المعيار العدد ‪29‬سنة‬
‫‪ ،2003‬ص‪202‬وما بعدها‬

‫‪P 648‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫فضال عن ذلك فإن الدين املضمون بالرهن قد نشأ قبل صدور الحكم بفتح مسطرة‬

‫التسوية القضائية‪ ،‬وحيث انه وتبعا لذلك واستنادا الى مقتضيات املادة ‪ 653‬من مدونة‬

‫التجارة فإن الحكم القاض ي بفتح مسطرة التسوية القضائية في حق الشركة يوقف اإلجراء‬

‫الذي قام به املدعى عليه؛ الرامي إلى التنفيذ على عقارات هذا األخيرة مما يتعين معه‬
‫النازلة‪923"...‬‬ ‫التصريح بإبطال اإلنذار العقاري موضوع‬

‫املحور الثاني‪ :‬أثر اإلنذار العقاري على تداول امللكية العقارية‬

‫ان تقييد االنذار العقاري في الرسم العقاري يأخذ صورة الحجز العقاري وينتج نفس‬

‫األثار القانونية من قبيل عدم امكانية تداول امللكية موضوع االنذار العقاري‪.‬‬

‫فضال عن ذلك ان املنع من تداول امللكية العقارية يؤثر على القيمة التجارية للعقار‬

‫موضوع االنذار العقاري (أوال) وأن فك االنذار من الرسم العقاري في حالة لم يتم تحقيق‬

‫الرهن سيساهم في تداول امللكية (ثانيا)‬

‫أوال‪ :‬آثار تقييد االنذار العقاري على تداول امللكية العقارية‪.‬‬

‫ان تقييد االنذار بالرسم العقاري يقيد سلطة املدين الراهن من التصرف في امللك‬

‫موضوع االنذار‪ ,‬حيث رتب املشرع املغربي جزاء البطالن لكل تصرف مريب يقوم به املدين‬

‫‪ -923‬حكم غير منشور عدد ‪ 2003-11035‬المؤرخ بتاريخ ‪ 15‬دجنبر ‪ 2003‬في الملف رقم‬
‫‪6788-2003-11‬استشهد به الباحث‪ ،‬رشيد قافو‪ ،‬في مقاله المنشور بالمجلة المغربية للدراسات القانونية‬
‫والقضائية ص ‪.163‬‬

‫‪P 641‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫الراهن بعد توجيه االنذار العقاري اليه سواء كان التصرف ماديا ينصب على تغيير معالم‬

‫العقار املحفظ املرهون‪ ,‬أو كان التصرف قانونيا وذلك ببيعه أو تفويته مطلقا‪.‬‬

‫األنه بتصرفه‪ 924‬ذلك مس بحقوق الدائن املرتهن ومن تم خالف مقتضيات املادة‬

‫‪812‬من مدونة الحقوق العينية التي تنص على أنه‪ ":‬يبقى امللك املرهون تحت يد الراهن‬

‫يستعمله ويتصرف فيه دون املساس بحقوق الدائن املرتهن"‪.‬‬

‫و أكثر من ذلك فالفصل ‪422‬من قانون املسطرة املدنية صريح بهذا الخصوص حيث‬

‫جاء فيه ما يلي ‪ ":‬يمنع على املنفذ عليه بمجرد تبليغه الحجز أي تفويت في العقار تحت‬

‫طائلة البطالن‪ "...‬الواضح أن املشرع املغربي رتب جزاء البطالن عن كل تصرف مادي أو‬

‫قانوني في العقار الرهون‪.‬‬

‫تجدر االشارة أن الواقع العملي مختلف تماما عن فلسفة املادة ‪812‬من مدونة‬

‫الحقوق العينية املشار اليهار أعاله على اعتبار أن املؤسسات املالية عندما تعطي قرض‬

‫معين مقابل رهن العقار رسميا تفرض مجموعة من الشروط التي من شأنها تقيد حرية‬

‫املدين الراهن في التصرف ومن األمثلة التي ال تختلف فيها املؤسسات البنكية نجد‪:‬‬

‫‪ ‬عدم السماح بترتيب تحمالت على العقار املرهون دون موافقة املؤسسة‬

‫املقرضة‪.‬‬

‫يونس الزهري ‪" :‬الحجز التنفيذي على العقار في القانون المغربي"‪ ،‬مطبعة الوراقة الوطنية‪ ،‬مراكش‪ ،‬الطبعة‬ ‫‪924‬‬

‫األولى ‪2007‬ص‪11‬‬

‫‪P 651‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪ ‬اشتراط االذن املسبق عند القيام بأي تفويت لكل أو جزء من العقار‬

‫املرهون أو تقديم العقار موضوع الرهن كحصة في شركة معينة‪.‬‬

‫و عليه نعتقد أن املمارسة العملية غير سليمة وفيها كثيرا من الشروط االذعانية‬

‫والتعسفية التي تجعل املستهلك يقبل بها تحت وطاءة الحاجة لذلك وجب على القضاء‬

‫املغربي أن يعيد النظر في الشروط التي تفرضها املؤسسات البنكية على املستهلكين وأخذ‬

‫بعين االعتبار التفاوت الصارخ بين أطراف العالقة التعاقدية علما أن هنالك قانون حماية‬

‫املستهلك وذلك من أجل تحقيق التوازن العقدي وبناء دولة الحق والقانون‪.‬‬

‫ان االنذار العقاري يقيد من سلطة املدين الراهن في التصرف على العقار املرهون‬

‫من قانون املسطرة املدنية الذي يؤكد على ضرورة توجيه‬ ‫‪925422‬‬ ‫وذلك من خالل الفصل‬

‫االنذار الى املدين الراهن ويجعل هذا االنذار يده مغلولة من حيث استعمال العقار املرهون‬

‫أو استغالله‪ ,‬و أنه اذا لم تكن العقارات مكتراة وقت الحجز فإن املدين الراهن يبقى حائزا‬

‫للملك املرهون بصفته حارسا قضائيا الى يوم البيع مالم يصدر اجراء بغير ذلك‪.‬‬

‫‪ 925‬ينص الفصل ‪584‬من قانون المسطرة المدنية على ما يلي‪ ":‬إذا لم تكن العقارات مكتراة وقت الحجز فإن المنفذ عليه يبقى‬
‫حائزا لها بصفته حارسا قضائيا حتى يوم البيع ما لم يصدر األمر بغير ذلك‪ ،‬ويمكن للمحكمة أن تبطل عقود الكراء إذا أثبت‬
‫الدائن أو من رسا عليه المزاد أنها أبرمت إضرارا بحقوقه دون مساس بمقتضيات الفصلين ‪ 420‬و‪.424‬‬

‫يمنع على المنفذ عليه بمجرد تبليغه الحجز أي تفويت في العقار تحت طائلة البطالن وتعقل ثمار هذا العقار‬
‫ومدا خيله عن المدة الالحقة للتبليغ وتوزع بنفس المرتبة مع ثمن العقار نفسه‪.‬‬
‫يعتبر اإلشعار الموجه للمكترين من العون المكلف بالتنفيذ طبق الطرق العادية للتبليغ بمثابة حجز لدى الغير بين‬
‫أيديهم على المبالغ التي كانوا سيؤدونها عن حسن نية قبل التبليغ بالنسبة للمدة الموالية لهذا التبليغ‪.‬‬

‫‪P 651‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫مما الشك فيه أن االنذار العقاري يرتب أثار هامة تجاه الدائن املرتهن وهو ما يستشف‬

‫من خالل املواد ‪837‬الى ‪832‬من مدونة الحقوق العينية ‪ ,‬بحيث من حق استيفاء حقه في‬

‫الدين عند حلول أجل الوفاء وذلك بعد توجيه انذار الى املدين الراهن‪.‬‬

‫ان املشرع املغربي شدد من الجزاء في حالة التقاعس عن األداء في تملك العقار‬

‫املرهون موضوع عقد الرهن وذلك من خالل ترتيب جزاء البطالن‪.‬‬

‫حيث أكد املشرع في املادة ‪834‬من مدونة الحقوق العينية أنه‪ ":‬كل شرط من شأنه‬

‫أن يسمح للدائن املرتهن عند عدم الوفاء له بدينه أن يتملك امللك املرهون يكون باطال‬

‫سواء تم النص عليه في صلب العقد أو في عقد الحق"‪.‬‬

‫لكن انطالقا من مبدأ سلطان االرادة‪ ،‬هل يسوغ لكل من الدائن واملدين االتفاق‬

‫رضاء على بيع امللك دون اتباع االجراءات املنصوص عليها في قانون املسطرة املدنية؟‬

‫بالرجوع الى مقتضيات املادة ‪832‬من مدونة الحقوق العينية نجد أن املشرع املغربي‬

‫ميز بين فرضيتين األولى أن كل اتفاق يرمي الى بيع امللك املرهون دون اتباع االجراءات‬

‫القانونية يكون مآله البطالن‪ ،‬وفي الفرضية الثانية أنه يمكن أن يتفق املدين مع الدائن‬

‫بعد حلول أجل الدين على بيع امللك املرهون دون اتباع هذه االجراءات‪.‬‬

‫من خالل القراءة املتأنية للمادة أعاله يتضح أن املنع يتعلق بكل اتفاق قبلي ال االتفاق‬

‫البعدي‪.‬‬

‫‪P 652‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫وتأسيسا عل ما سبق ان االنذار العقاري يقيد من امكانية تداول امللكية العقارية‬

‫على اعتبار أن امللك موضوع االنذار يوجد في وضعية ال يمكن معها تفويته الى شخص أخر‪,‬‬

‫ومنه فإن االنذار العقاري يعقل امللك املرهون ويحول دون تداوله وتحقيق الغاية املثلى منه‬

‫وهي القيمة االقتصادية‪.‬‬

‫تانيا‪ :‬آثار دعوى بطالن اجراءات االنذار العقاري على مسطرة التنفيذ‪.‬‬

‫إن أثر دعوى البطالن التي يقيمها املدعي تختلف بالنظر إلى أساس الطعن‪ ،‬فاذا كان‬

‫الطعن مؤسسا على خرق إجراء شكلي شاب املسطرة‪ ،‬فإن قبول الطلب ينتج عنه ابطال‬

‫اإلجراء املعيب و اعادة اجراءه بالشكل الذي يتطلب قانونا‪.‬‬

‫إن أثار الطعن الشكلي على مسطرة التنفيذ في دعاوى املنازعات مسطرة اإلنذار‬

‫العقاري تختلف باختالف األسباب املؤسسة عليها كل دعوى‪ ،‬حيث إن قبول الطلب ينتج‬

‫عنه ابطال اإلجراء املعيب و اعادته بالشكل الذي يتطلب قانونا‪.‬‬

‫لعل اإلشكال الذي يطرح في هذا اإلطار هو هل اإلجراءات تتوقف تلقائيا عند رفع‬

‫دعوى البطالن أم أن األمر يحتاج إلى صدور مقرر قضائي يقض ي بذلك؟‬

‫بالرجوع إلى مقتضيات الفصل ‪ 414‬من ق م م‪ ،‬نالحظ أن املشرع املغربي لم يشر إلى‬

‫وقف إجراءات التنفيذ‪ ،‬إطالقا بل قام باإلحالة على الفصل ‪ 419‬من نفس القانون املتعلق‬

‫بدعوى االستحقاق الفرعية‪ ،‬مما يمكن معه االستنتاج أن الدعويين معا ينتجان نفس‬

‫األثر القانونية ‪.‬‬

‫‪P 653‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫وتجذر اإلشارة إلى أن وقف اإلجراءات من أبرز و أخطر اآلثار املترتبة عن هذه الدعوى‪،‬‬

‫حيث يتم تجميد االجراءات إلى حين البث في الدعوى‪ 926،‬والتي يتطلب البت فيها وقت ليس‬

‫بالقصير الش يء الدي ينعكس سلبا على القيمة املالية للرهون و على األهمية االقتصادية‬
‫للقروض‪927.‬‬

‫إن األثر الذي تشترك فيه جميع الدعاوى و ينتج عن مجرد إثارتها أو حتى قبل البت‬

‫فيها ويتعلق األمر بإيقاف إجراءات التنفيذ عمال بالفقرة الثانية من الفصل ‪ 417‬من ق م‬

‫م الذي ينص على ما يلي‪... ":‬يمكن رفع هده الدعوى إلى حين إرساء املزايدة النهائية و‬

‫يترتب عليها وقف مسطرة التنفيذ ‪."...‬‬

‫و يتبين من خالل الفصل املذكور أعاله أنه يمكن وقف مسطرة التنفيذ كلما كانت‬

‫األسباب املبنية عليها جدية‪ ،‬و ذلك تفاديا لحاالت كثيرة خصوصا عندما يتعلق األمر‬

‫بالدعاوى الكيدية التي يمكن أن يقيمها املدينون ذوي النيات السيئة أو من يتواطؤون‬

‫معهم من إلحاق الضرر بمصالح الدائنين املر تهنين‪.‬‬

‫إن املنازعة التي تهم اجراء موضوعي كاملنازعة في وجود الدين‪ ،‬فإن االستجابة إلى‬

‫الطلب في هذه الحالة يؤدي إلى إبطال جميع اجراءات التنفيذ دون إعادة إجرائها من جديد‪.‬‬

‫‪ -926‬خصوصا و أن الهدف من ممارسة الطعن في اجراءات االنذار العقاري قد ال يكون مشروعا في جميع‬
‫األحوال اذ يرفع لمدينون دوي النيات السيئة دعاوى كيدية اضرار بمصالح الدائنين المرتهنين‪.‬‬
‫‪ -927‬عماد أ رقراق‪" :‬الحجز التنفيذي على العقار –دراسة ميدانية – بحث نهاية التمرين الفوج ‪ 41‬اللحقين‬
‫القضائيين‪ ،‬السنة ‪.4111-411.‬ص‪62‬‬

‫‪P 654‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫والبد من اإلشارة إلى أن الفصل ‪ 419‬من ق م م‪ 928‬أثار نقاش فقهيا و قضائيا بهذا‬

‫الخصوص حيث انقسم فيه االختالف إلى اتجاهين‪:‬‬

‫االتجاه األول ‪ :‬يؤكد هذا االتجاه أنه بمجرد تقديم املقال االفتتاحي مرفقا باملستندات‬

‫التي تثبت االدعاء طبقا للفصل ‪419‬من ق م م يوقف اإلجراءات‪ ،‬و يؤكد نفس االتجاه أن‬
‫الدعوى‪929‬‬ ‫عون التنفيذ يتوقف من مواصلة اإلجراءات في حالة رفع هده‬

‫وفي نفس االتجاه يؤكد األستاذ "يونس الزهري"‪ 930‬على ما يلي‪ ":‬إن الفصل ‪ 414‬من‬

‫ق م م ينص على أنه عند تقديم دعوى البطالن‪ ،‬فإنه إذا اعتبرت املحكمة أنه ال موجب‬

‫لوقف إجراءات اإلنذار العقاري كان حكمها مشموال بالنفاذ املعجل رغم كل تعرض أو‬

‫استئناف‪ ،‬الش يء الذي يفهم منه عقال و منطقا أن إجراءات التنفيذ قد توقف بمجرد‬

‫تقديم مقال الطعن‪ ،‬فاذا تبين لها أن الوقف غير مبرر أمرت بمواصلة إجراءات التنفيذ‬

‫بحكم مشمول بالنفاذ املعجل"‪.‬‬

‫‪ -928‬ينص الفصل ‪364‬من ق م م على ما يلي" يجب على طالب االستحقاق لوقف االجراءات أن يقدم دعواه‬
‫أمام المحكمة المختصة و يودع دون تأخير وثائقه‪.‬‬
‫ويستدعي المحجوز عليه والدائن الحاجز الى أقرب جلسة ممكنة االبداء اعتراضهما واذا اعتبرت المحكمة أنه‬
‫الموحب لوقف اجراءات الحجز العقاري كان حكمها مشموال بالتنفيذ المعجل رغم كل تعرض أو استئناف"‪،‬‬
‫‪ -929‬محمد جالل‪" :‬االنذار العقاري التعرض عليه"‪ ،‬مقال منشور بمجلة المحامي – العدد الرابع‪ -‬سنة‬
‫‪1.6.‬ص‪2‬‬
‫‪ -‬حبيبة التايس ‪" :‬اإلشكاالت العملية في موضوع اإلنذار العقاري" مقال منشور بالمجلة المغربية لقانون األعمال‬
‫والمقاوالت عدد ‪ 4‬في ماي ‪ 4114‬الصفحة ‪24‬‬
‫‪ -930‬يونس الزهري‪" :‬الحجز التنفيذي على العقار في القانون المغربي"‪ ،‬مطبعة الوراقة الوطنية‪ ،‬مراكش‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى ‪2007‬ص‪ 11‬م س ص‪4.‬‬

‫‪P 655‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫وهذا االتجاه عززه القضاء وذلك بالنظر إلى قرار صادر عن محكمة االستئناف‬

‫التجارية بفاس‪ 931‬حيث جاء فيه ما يلي ‪ ":‬إن املنازعة في اإلنذار العقاري أساس مسطرة‬

‫تحقيق الرهن و عرض النزاع بشأنه أمام قضاء املوضوع‪ ،‬يشكل وبحق صعوبة في التنفيذ‬

‫ويبرر بالتالي إيقاف التنفيذ إلى حين الفصل في النهائي في طلب إبطال اإلنذار"‪.‬‬

‫وفي نفس االتجاه نجد أمر استعجالي صادر عن رئيس املحكمة االبتدائية بالدار‬

‫البيضاء‪ 932‬الذي جاء فيه ما يلي‪... ":‬و حيث يفهم من هذا النص أن مجرد تقديم دعوى و‬

‫إيداع الوثائق دون تأخير يوقف إجراءات تنفيذ الحجز العقاري‪ ،‬و أن املحكمة ملزمة‪،‬‬

‫باستدعاء الطرفين إلى أقرب جلسة ممكنة و أنها اعتبرت أن هذه الدعوى غير مبنية على‬

‫أساس‪ ،‬فإنها تصرح بأنه ال موجب لوقف إجراءات الحجز العقاري‪ ،‬و في حالة ما إذا تم‬

‫قبول هذا الطلب فإن إجراءات الحجز تسقط"‪.‬‬

‫إن وقف اجراءات التنفيذ يكون مباشرة بعد قبول الدعوى اذا كانت الدعوى غير‬

‫مبنية على أساس قانوني اليؤتر على اجراءات التنفيذ ولكن متى كان العكس فإن إجراءات‬

‫الحجز تسقط وتعتبر كأن لم تكن‪.‬‬

‫‪ -931‬القرار االستئنافي رقم ‪ 14.‬في الملف عدد ‪1.33-14‬بتاريخ ‪ 41-11-4114‬أوردته "هاجر منيوي"‬
‫م س ص‪11‬‬
‫‪ -932‬أمر استعجالي رقم ‪3.4-2336‬في الملف عدد ‪61-31..‬مؤرخ في ‪1.61-11-13‬منشور بمجلة‬
‫المحاكم المغربية عدد ‪24‬يناير ص‪36‬‬

‫‪P 656‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫و حيث أنه تطبيقا للفصل ‪ 843‬من ق م م‪ ،933‬فإن قاض ي املستعجالت يختص كلما‬

‫توفر بنص من الصعوبات املتعلقة بتنفيذ حكم أو سند قابل للتنفيذ‪ ،‬حيث أنه في النازلة‬

‫فإن هناك اشكاال قانونيا في متابعة إجراءات تنفيذ الحجز العقاري‪ ،‬باعتبار أن هناك دعوى‬

‫من أجل بطالن التنبيه العقاري‪ ،‬و أن هناك طلبا و نسخة من هذا املقال قدمت لرئيس‬

‫مصلحة كتابة الضبط ومع ذلك فإن هذا األخير يطالب بصدور مقرر قضائي في شأن وقف‬

‫إجراءات التنفيذ‪.‬‬

‫إن الدعوى رامية إلى إبطال اإلنذار العقاري وتطبيقا األحكام الفصل ‪414‬من ق م م‪،‬‬

‫الذي يحيل على الفصل ‪419‬من ق م م فإن هذه الدعوى توقف إجراءات التنفيذ تلقائيا‪،‬‬

‫و أن محكمة املوضوع هي التي ستأمر بمواصلة إجراءات التنفيذ اذا اعتبرت أنه ال موجب‬

‫لوقف الحجز العقاري‪ ،‬لذا فإنه يتعين إصدار أمر إلى عون التنفيذ بأن يوقف هذه‬

‫اإلجراءات في انتظار حكم املحكمة في شأن بطالن التنبيه العقاري "‬

‫االتجاه الثاني‪ :‬يؤكد أصحاب هذا االتجاه أنه ال يترتب عن دعوى الطعن في مسطرة‬

‫اإلنذار العقاري أي آثر موقف اإلجراءات التنفيذ ‪.‬‬

‫‪ -933‬ينص الفصل ‪659‬من قانون المسطرة المدنية على ما يلي‪ ":‬يختص رئيس المحكمة االبتدائية وحده بالبت بصفته قاضيا‬
‫للمستعجالت كلما توفر عنصر االستعجال في الصعوبات المتعلقة بتنفيذ حكم أو سند قابل للتنفيذ أو األمر بالحراسة القضائية‬
‫أو أي إجراء آخر تحفظي سواء كان النزاع في الجوهر قد أحيل على المحكمة أم ال‪ ،‬باإلضافة إلى الحاالت المشار إليها في‬
‫الفصل السابق والتي يمكن لرئيس المحكمة االبتدائية أن يبت فيها بصفته قاضيا للمستعجالت‪.‬‬

‫إذا عاق الرئيس مانع قانوني أسندت مهام قاضي المستعجالت إلى أقدم القضاة‪.‬‬
‫إذا كان النزاع معروضا على محكمة االستيناف مارس هذه المهام رئيسها األول‪.‬‬
‫تعين أيام وساعات جلسات القضاء المستعجل من طرف الرئيس"‪.‬‬

‫‪P 657‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫ومبرر هذا الطرح مقتضيات الفصل ‪ 414‬من ق م م الذي علق أثر الوقف على تحقق‬

‫الشرط املتعلق بكون الوثائق املسحوبة مبنية على أساس صحيح يبرر هذا الوقف ويؤكد‬

‫نفس االتجاه بأن الوقف التلقائي اإلجراءات التنفيذ فيه إهدار لحقوق الدائن و أنه فرصة‬

‫لذوي النيات السيئة و أصحاب الدعاوى الكيدية الذين يهدفون الى عرقلة سير مسطرة‬

‫التنفيذ مما يجعل الرهن الرسمي و الشهادة الخاصة يفقدان قيمتهما القانونية‬
‫واالقتصادية‪934.‬‬

‫و في نفس االطار نجد األستاذ "أحمد عكاشة" الدي يؤكد على عدم ترتيب أثر وقف‬

‫إجراءات التنفيذ‪ ،‬في حالة رفع دعوى بطالن االجراءات مهما كانت القيمة القانونية للوثائق‬

‫املرفقة باملقال ؛و يجب االستمرار في التنفيذ مع منح الفرصة للمتضررين في تقديم طلباتهم‬

‫أمام القضاء بطلب مستقل بهدف الحصول على ايقاف التنفيذ الدي يتم بناء ا على مقرر‬

‫قضائي"‪.935‬‬

‫و في نفس االتجاه أيضا نجد األستاذ "أحمد النويض ي" الدي أكد على أن دعوى‬

‫بطالن اجراءات الحجز ال تؤدي إلى وقف هذه األخيرة‪ ،‬بشكل فوري بل على طالب البطالن‬

‫تقديم طلب موازي من أجل وقف إجراءات التنفيذ والغاية من وراء هذه اإلجراءات هي‬

‫‪ -934‬نبيل السفياني‪ " :‬االنذار العقاري على ضوء التشريع والقضاء" رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص‪،‬‬
‫كلية الحقوق‪ -‬طنجة‪ -‬الموسم الجامعي ‪411.-4111‬ص‪42‬‬
‫‪ -935‬أحمد عكاشة‪ " :‬استخالص الديون البنكية عن طريق القضاء"‪ ،‬عرض قدم بالندوة الثالثة للعمل القضائي‬
‫والبنكي –الرباط –يونيو ‪1..4‬نشرة بالمعهد الوطني للدراسات القضائية‪ ،‬ص ‪414‬‬

‫‪P 658‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫مواجهة أصحاب النيات السيئة ؛الذين يهدفون الى إقامة دعوى البطالن من أجل عرقلة‬
‫فقط‪936.‬‬ ‫إجراءات التنفيذ‬

‫ويجد هذا بدوره تطبيقا لدى محاكم اململكة وذلك من قبيل‪ .‬األمر االستعجالي‬

‫الصادر عن رئيس املحكمة االبتدائية بالدار البيضاء الدي جاء فيه ما يلي ‪":‬ال يمكن خلق‬

‫صعوبة في تنفيذ أمر عقاري بمجرد وضع مقال من أجل التعرض على اإلنذار العقاري دون‬

‫اتباث أسباب معقولة ووجيهة من شأنها أن تحدث صعوبة قانونية وواقعية في التنفيذ"‪.937‬‬

‫و نحن بدورنا نميل إلى هذا االتجاه األخير ونرجح املبررات التي ستند عليها هذا االتجاه‬

‫من جهة و من جهة أخرى لكون املشرع املغربي نظم مسطرة إيقاف التنفيذ في الفصل ‪842‬‬

‫من ق م م‪ ،938‬الذي يشترط تقديم طلبات إيقاف التنفيذ املعجل بمقال مستقل عن‬

‫الدعوى األصلية أمام محكمة موضوع‪.‬‬

‫‪ -936‬أحمد النويضي‪ " :‬القضاء المغربي واشكاالت التنفيذ الجبري لألحكام"‪ ،‬مطبعة وراقة الكتاب –فاس‪ -‬الطبعة‬
‫األولى‪1..2 ،‬ص‪11.‬أشارت اليه "هاجر منيوي‪ " :‬م س ص‪11‬‬
‫‪ -937‬أمر استعجالي عدد ‪41.-4.21‬في ملف عدد ‪ 62-4412‬منشور بمجلة المحاكم المغربية‬
‫عدد‪46‬يوليوز ‪1.62‬ص‪6.‬‬
‫‪ -938‬ينص الفصل ‪658‬من قانون المسطرة المدنية على ما يلي‪ ":‬يجب أن يؤمر بالتنفيذ المعجل رغم التعرض أو‬
‫االستيناف دون كفالة إذا كان هناك سند رسمي أو تعهد معترف به‪ ،‬أو حكم سابق غير مستأنف‪.‬‬

‫يجوز دائما األمر بالتنفيذ المعجل بكفالة أو غيرها حسب ظروف القضية التي يجب توضيحها‪.‬‬
‫غير أنه يمكن تقديم طلبات إيقاف التنفيذ المعجل بمقال مستقل عن الدعوى األصلية أمام المحكمة التي تنظر في‬
‫التعرض أو االستيناف‪.‬‬
‫تستدعي المحك مة بمجرد ما يحال عليها هذا المقال الذي يجب أن ال يضاف إلى األصل األطراف للمناقشة والحكم‬
‫في غرفة المشورة حيث يمكن لهم أن يقدموا مالحظاتهم شفويا أو كتابيا‪ .‬ويجب أن تبت المحكمة داخل ثالثين يوما‪.‬‬
‫يمكن رفض الطلب‪ ،‬أو إقرار إيقاف التنفيذ المعجل إلى أن يقع البت في الجوهر‪ ،‬أو األمر بإيقاف التنفيذ المعجل لمدة‬
‫معينة أو تعليق متابعة التنفيذ كليا أو جزئيا على تقديم كفالة من طالبه‪.‬‬

‫‪P 651‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫م‪939‬‬ ‫فضال على كون املحكمة ال تبت إال في حدود الطلبات عمال بالفصل ‪ 9‬من ق م‬

‫و بالتالي ال تملك حق البت في طلب ايقاف التنفيذ من عدمه بصفة تلقائية‪ ،‬فإن فعلت‬

‫تكون قد حكمت بما لم يطلب منها أو أكثر مما طلب منها و هو الش يء الدي ال يجوز قانونا‪.‬‬

‫يمكن أيضا الترخيص للطرف المحكوم عليه بإيداع المبلغ الكافي لضمان القدر المحكوم به في األصل بكتابة ضبط‬
‫تعينها المحكمة أو بين يدي شخص آخر عين لهذه الغاية باتفاق األطراف‪ .‬ويكون المبلغ المودع لصالح الطرف‬
‫المتابع وحده‪.‬‬
‫ترفع اليد عن اإليداع بمجرد صدور الحكم النهائي في الجوهر‪.‬‬
‫ال تطبق مقتضيات الفقرات الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة والسابعة من هذا الفصل إذا كان التنفيذ المعجل بقوة‬
‫القانون"‪.‬‬
‫‪ -939‬ينص الفصل ‪2‬من قانون المسطرة المدنية على ما يلي‪ ":‬يتعين على المحكمة أن تبت في حدود طلبات األطراف وال‬
‫يسوغ لها أن تغير تلقائيا موضوع أو سبب هذه الطلبات وتبت دائما طبقا للقوانين المطبقة على النازلة ولو لم يطلب األطراف‬
‫ذلك بصفة صريحة "‪.‬‬

‫‪P 661‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫خاتمة‪:‬‬

‫إن اإلنذار العقاري معطى مهم في املسطرة القضائية؛ بمعنى أن مسطرة التنفيذ على‬

‫العقار املرهون ينبني فقط على شهادة التقييد الخاصة باعتبارها سند تنفيذي مهم‪ ،‬يغني‬

‫صاحبه من متاعب طرق باب القضاء بهدف صدور مقرر قضائي قصد التنفيذ على العقار‬

‫املرهون‪.‬‬

‫عموما إن أهمية اإلنذار العقاري تتجلى في الخصوصيات التي ينفرد بها من خالل‬

‫خروجه عن القواعد العامة‪ ،‬فإذا كانت القاعدة في التنفيذ الجبير أن يقع أوال التنفيذ‬

‫على املنقوالت ثم بعد ذلك العقارات بالنسبة لإلنذار العقاري خالف ذلك حيث يتم التنفيذ‬

‫على العقار املرهون موضوع اإلنذار العقاري أوال‪ ،‬ثم بعد ذلك املنقوالت وفي حالة عدم‬

‫كفاية حصيلة التنفيذ ومن هنا تظهر لنا حقيقة أهمية هذا املوضوع‪.‬‬

‫‪P 661‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫الئحة املراجع‪:‬‬

‫املختار العطار "الرهن البحري في التشريع ملغربي "أطروحة لنيل الدكتوراه في‬

‫القانون الخاص‪ ،‬جامعة الحسن الثاني‪ ،‬كلية لعلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪،‬‬

‫الدار البيضاء‪ ،‬السنة الجامعية ‪.8313-8311‬‬

‫محمد بونبات‪ ،‬دراسة مقارنة للحقوق العينية وجدواها االقتصادية واالجتماعية‪،‬‬

‫املطبعة والوراقة الوطنية‪ ،‬مراكش الطبعة األولى ‪.7007‬‬

‫محمد بفقير "مدونة التجارة والعمل القضائي املغربي" منشورات دراسات قضائية‬

‫سلسلة القانون و العمل القضائي املغربيين‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة –الدار البيضاء‬

‫العدد الثالث ‪.7070/7083‬‬

‫محمد سالم ‪" :‬تحقيق الرهن الرسمي في القانون املغربي"‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬مطبعة‬

‫النجاح الجديدة‪ ،‬البيضاء‪.7007‬‬

‫يونس الزهري ‪" :‬الحجز التنفيذي على العقار في القانون املغربي"‪ ،‬مطبعة الوراقة‬

‫الوطنية‪ ،‬مراكش‪ ،‬الطبعة األولى ‪.2007‬‬

‫حبيبة التايس‪" :‬اإلشكاالت العلمية في موضوع اإلنذار العقاري"‪ ،‬املجلة املغربية‬

‫لقانون األعمال واملقاوالت‪ ،‬العدد‪ ،7‬السنة‪.7009‬‬

‫"قضايا التحفيظ العقاري في التشريع املغربي"‪ ،‬الطبعة‬ ‫محمد خيري ‪:‬‬

‫الخامسة‪ ،7003‬مطبعة املعارف الجديدة الرباط‪.‬‬

‫‪P 662‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫مصطفى املرض ي‪" :‬اإلنذار العقاري بين التشريع العقاري والعمل القضائي"‪ ،‬مطبعة‬

‫األمنية‪ ،‬الربا ط ‪.7087‬‬

‫‪P 663‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪21.02‬‬
‫‪The position of creditors within the framework of the bailout procedure‬‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫تلعب املقاولة دورا أساسيا في إرساء البناء االقتصادي‪ ،‬لذلك نجد أن املشرع املغربي‬
‫عمل على إدخال عدة إصالحات‪ ،‬همت على الخصوص املجاالت التي لها ارتباط بميدان‬
‫املال و األعمال‪ ،‬والتي كان أبرزها إحداث مسطرة اإلنقاذ بموجب القانون رقم‪29.82:‬‬
‫الناسخ واملعدل للكتاب الخامس من مدونة التجارة‪940،‬وذلك محاكاة من املشرع ملا يتم‬
‫العمل به في التشريعات املقارنة‪ ،‬خاصة التشريع الفرنس ي‪ ،‬الذي قام بإحداث هذه املسطرة‬
‫ضمن قانون اإلجراءات الجماعية بمقتض ى القانون رقم‪ 142-02:‬الصادر بتاريخ ‪ 77‬يوليوز‬
‫‪.7002‬‬
‫وبذلك يكون املشرع سار على نفس نهج التشريعات الحديثة‪ ،‬من خالل رهانه على‬

‫تطوير وتدعيم مساطر الوقاية بإجراءات إنقاذية وقائية ذات طابع قضائي بامتياز‪ ،‬لكون‬

‫التجربة العملية أبانت على أن أغلب املقاوالت ال تلجأ إلى القضاء إال إذا توقفت عن األداء‪،‬‬

‫‪ 940‬ـ يتعلق األمر بالقانون رقم‪ 21.22 :‬الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪ 1.11.06‬صادر في‪ 0‬شعبان ‪1400‬‬
‫(‪10‬ابريل‪ )0311‬المنشور بالجريدة الرسمية عدد ‪ 6667‬الصادر في ‪ 00‬أبريل ‪ 0311‬ص‪ .0042:‬وأهم ما تضمن‬
‫هذا القانون تطوير آليات الرصد المبكر للصعوبات من خالل إضافة مسطرة جديدة "مسطرة اإلنقاذ" التي من أبرز‬
‫شروطها عدم التوقف عن الدفع؛ ووجود صعوبات ال يمكن تجاوزها‪.‬‬

‫‪P 664‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫مما يتعذر معه إسعافها األمر الذي دفع املشرع إلى التفكير في إحداث مسطرة اإلنقاذ لكونها‬

‫تتضمن تدابير فعالة أبرزها الرصد املبكر لصعوبات قبل أن تؤدي إلى التوقف عن الدفع‪.‬‬

‫ويترتب عن قبول افتتاح مسطرة اإلنقاذ التأثير على املراكز القانونية ملختلف األطراف‬

‫املتعاملة مع املقاولة‪ ،‬سواء تعلق األمر باألجراء أو الدائنين‪ ،‬مع تمييز القضاء في ترتيب هذه‬

‫اآلثار بين الدائنين الذين نشأت ديونهم قبل فتح املسطرة‪ ،‬والدائنين الذين نشأت ديونهم‬

‫بعد حكم املحكمة محاولة منه لتشجيع الدائنين الالحقين على املساهمة في إنقاذ‬

‫املقاولة املتعثرة من خالل تمويلها‪.‬‬

‫ومن خالل ما تقدم نطرح اإلشكالية آالتية‪:‬‬

‫إلى أي حد استطاع املشرع املغربي بموجب قانون ‪ 29.82‬توفير الحماية الالزمة لدائني‬

‫املقاولة الخاضعة ملسطرة اإلنقاذ ؟‬

‫وإلجابة عن هذه اإلشكالية ارتأينا إتباع الخطة اآلتية‪ :‬املبحث األول‪ :‬املركز القانوني‬

‫لدائنين السابقين الفتتاح مسطرة اإلنقاذ‪ .‬املبحث الثاني‪ :‬املركز القانوني لدائنين الالحقين‬

‫لفتح مسطرة اإلنقاذ‪.‬‬

‫‪P 665‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫املبحث األول‪ :‬املركز القانوني لدائنين السابقين الفتتاح مسطرة اإلنقاذ‬

‫يترتب عن حكم املحكمة القاض ي بفتح مسطرة اإلنقاذ‪ ،‬منع جميع الدائنين‬

‫الناشئة ديونهم قبل افتتاح هذه مسطرة‪ ،‬من إقامة الدعاوى الفردية ضد املقاولة املتعثرة‪،‬‬

‫في مقابل ذلك ألزم هذه الفئة من الدائنين بمجرد صدور حكم املحكمة ‪،‬بالخضوع اإللزامي‬

‫للمسطرة التصريح بالديون للحصول على الحماية القضائية‪ ،‬ملا لذلك من أهمية في خلق‬

‫نوع من التوازن بينهم و بين املقاولة الخاضعة لحماية القضائية في إطار مسطرة اإلنقاذ‪.‬‬

‫املطلب األول‪ :‬الخضوع ملسطرة التصريح بالديون لحصول على الحماية القانونية‬

‫ألزم املشرع الدائنين السابقين‪ 941‬لحكم املحكمة القاض ي بفتح مسطرة اإلنقاذ‪،‬‬

‫بإلزامية التصريح بديونهم داخل األجل القانوني‪ ،‬حماية لهم من أي ضياع محتمل‬

‫لحقوقهم بفعل اإلخالل بهذا اإلجراء‪.‬‬

‫وتعد مسطرة التصريح بالديون اآللية الوحيدة من حيث املبدأ املمنوحة للدائنين‬

‫السابقين لفتح مسطرة اإلنقاذ‪ ،‬لتأمين مراكزهم القانونية‪ ،‬وذلك من خالل التصريح عن‬

‫ديونهم وعن طبيعته‪ ،‬خالل اآلجال القانونية املخولة لهم تحت طائلة سقوط الدين‪.‬‬

‫‪P 666‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫وعموما فإن مسطرة التصريح يجب أن تتضمن مبلغ الدين املستحق على ذمة‬

‫املقاولة املتعثرة بتاريخ فتح مسطرة اإلنقاذ‪ ،‬مع اإلشارة إلى طبيعة االمتياز أو الضمان الذي‬
‫به‪942.‬‬ ‫قد يكون الدين مقرونا‬

‫و كما ينبغي أن يشمل التصريح بالديون أيضا على البيانات اآلتية‪:‬‬

‫‪ -8‬كل العناصر التي من شانها أن تثبت وجود الدين ومبلغه إذا لم يكن ناجما عن سند؛‬

‫وإن تعذر ذلك تقييمها للدين إذا لم يحدد مبلغه بعد؛‬

‫‪ -7‬كيفية احتساب الفوائد في حالة استئناف سريانها‪.‬‬

‫نزاع‪943.‬‬ ‫‪ -9‬اإلشارة إلى املحكمة التي رفعت إليها الدعوى‪ ،‬وإن كان الدين موضوع‬

‫وتجدر اإلشارة كذلك إلى أن هذا التصريح ينبغي أن يكون مرفقا بجدول وثائق‬

‫اإلثبات‪ ،‬و التي يمكن تقديمها على شكل نسخ‪ ،‬مع تخويل السنديك اإلمكانية في أن يطلب‬
‫تكميلية‪944.‬‬ ‫في أي وقت تقديم أصولها أو وثائق‬

‫وفي هذا اإلطار تقدمت شركة (‪ )....‬بواسطة بصفتها دائنا مصرح بدينه في مواجهة‬

‫شركة(‪ )...‬الخاضعة ملسطرة اإلنقاذ بتاريخ ‪ 7081/80/8‬في امللف رقم ‪ ...‬بتصريح إلى‬

‫‪P 667‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫السنديك بمبلغ املحدد في (‪ )...‬بصفة عادية بتاريخ ‪ 7083/08/01‬واملرفق بنسخة من‬


‫املديونية‪945.‬‬ ‫كمبيالة إلثبات مبلغ‬

‫و لكي يتم تحقيق الغاية من التصريح بالديون الناشئة قبل فتح مسطرة اإلنقاذ‪ ،‬يجب‬

‫أن تتم مساعدة السنديك قصد تشخيص الوضعية املالية الحقيقية ملقاولة‪ ،‬وذلك من‬

‫خالل مقارنة خصوم املقاولة بأصولها املتوفرة‪ ،‬من أجل اقتراح البرنامج املالئم الذي من‬

‫شأنه أن يساهم في إعادة هيكلة املقاولة‪ ،‬مما كان معه لزاما على املشرع أن يقوم بتحديد‬

‫آجال محددة تتناسب ومدة إعداد هذا البرنامج‪.‬‬

‫ولقد حدد املشرع املغربي بموجب املادة ‪ 270‬من م‪.‬ت آجال متعددة‪ ،‬تختلف بحسب‬

‫صفة الدائن إذ ألزمت الدائنين املدرجين بالقائمة املدلى بها من طرف املدين وكذا الدائنين‬

‫املعروفين لدى السنديك والدائنين الحاملين لضمانات أو عقد االئتمان اإليجاري ثم‬

‫‪.‬إشهارهما‪ ،‬بتصريح داخل أجل شهرين ابتداء من تاريخ اإلشعار من طرف السنديك ‪.‬‬

‫ويمدد هذا األجل في حالة كان الدائنون يقطنون خارج تراب اململكة املغربية‪ ،‬ليصبح‬

‫أجل التصريح داخل أجل ‪ 4‬أشهر‪.‬‬

‫أما إذا تعلق األمر بالدائنين املتعاقدين مع املقاولة‪ ،‬فإن أجل التصريح بالديون ينتهي‬

‫باكتمال خمسة عشر يوما بعد تاريخ الحصول على التخلي عن مواصلة العقد الرابط بين‬

‫املقاولة واملتعاقد‪،‬شريطة أن يكون تاريخ التخلي قد جاء الحق لتاريخ الشهرين أو األربعة‬

‫‪P 668‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫أشهر املحددة في املادة أعاله‪ ،‬لكون التصريح ال يعتد به في هذه الحالة إذا كان التخلي قد‬
‫األجل‪946.‬‬ ‫تم قبل هذا‬

‫ويكون لزاما على جميع الدائنين السابقين القيام بالتصريح إلى السنديك‪ ،‬داخل‬

‫اآلجال القانونية املحددة وفق املادة ‪270‬من م‪.‬ت‪ ،‬وأن أي دائن يتقاعس على التصريح‬

‫بدينه داخل األجل املحدد‪ ،‬فإن ذلك يترتب عليه تلقائيا سقوط هذا الدين‪ 947،‬بمعنى اخر‬

‫أن أي إخالل من طرف الدائنين الخاضعين لتصريح بالديون بهذا اإلجراء يكون جزاءه‬
‫الديون‪948.‬‬ ‫سقوط‬

‫وعليه لكي تستفيد هذه الفئة من الدائنين الخاضعة ملسطرة التصريح من الحماية‬

‫القانونية ومن ثم الحفاظ على حقوقهم من الضياع يجب عليهم القيام بالتصريح داخل‬

‫اآلجال القانونية‪ ،‬وفي هذا االطار جاء في مقرر للقاض ي املنتدب باملحكمة التجارية بالدار‬

‫‪947‬ـد‬

‫‪P 661‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫البيضاء "‪....‬وبناء على تقرير السنديك املدلى به من قبل‪ ،‬والذي جاء فيه أن الدين املصرح‬

‫به قد ثم داخل األجل القانوني ‪..‬مما يتعين قبوله‪"...949‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬الحماية القانونية و القضائية للدائنين السابقين خالل مسطرة تحقيق‬

‫الديون‬

‫يسهر جهاز القاض ي املنتدب ‪ ،‬بعد تلقيه الئحة الديون املنجزة من طرف السنديك‪،‬‬

‫على اتخاذ القرار املتمثل في قبول الدين أو رفضه أو معاينة دعوى جارية‪ ،‬مما يفهم من‬

‫ورائه أن مسطرة تحقيق الديون تمر من مرحلتين‪ :‬مرحلة التحقيق القبلي والتي تعد من‬

‫اختصاص جهاز السنديك تم مرحلة التحقيق والتي يختص بها القاض ي املنتدب و يمتلك‬

‫خاللها كل الصالحية في تحديد وضعية الدائنين السابقين‪ ،‬من خالل املقررات التي تصدر‬

‫عنه والتي يقرر بموجبها إما قبول الدين أو رفضه أو القيام بمعاينة وجود دعوى جارية أو‬

‫إصدار مقرر يقض ي بكون املنازعة ال تدخل ضمن االختصاصات املخولة له بموجب‬

‫مقتضيات الكتاب الخامس من م‪.‬ت‪.‬‬

‫وعموما فإن املشرع حدد مهام السنديك خالل مسطرة التحقيق القبلي لديون‬

‫ملسطرة تحقيق الديون في إعداد قائمة بالديون املصرح بها‪ ،‬بمساعدة كل املراقبين‬

‫بحضور رئيس املقاولة‪ ،‬وفي حالة وقوع أي نزاع بين األطراف ‪ ،‬فإن السنديك يقوم بإخبار‬

‫الدائن برسالة مضمونة الوصول مع اإلشعار بالتوصل‪ ،‬لكي يدلي هذا األخير بمقترحاته‪،‬‬

‫‪P 671‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫لكي يتم االعتداد بشروحاته من طرف‬ ‫يوما‪950‬‬ ‫شريطة عدم تجاوز الدائن ألجل ثالثين‬
‫‪951‬‬ ‫السنديك‪.‬‬

‫و كما ينبغي عليه القيام باإلشارة إلى مقترحاته املتعلقة بقبول الدين من عدمه أو‬

‫اإلحالة على املحكمة في حالة وجود نزاع‪ ،‬وهو ما أكدت عليه املادة ‪ 272‬من م‪.‬ت التي نصت‬

‫على ما يلي" يعد السنديك داخل أجل‪ .....‬ابتداء من صدور حكم فتح املسطرة بعد مطالبة‬

‫رئيس املقاولة بإبداء مالحظاته على التوالي مع استالم التصريحات بالديون‪،‬قائمة بالديون‬

‫املصرح بها مع اقتراحاته بالقبول أو الرفض أو اإلحالة على املحكمة‪.‬ويسلم السنديك‬

‫القائمة إلى القاض ي املنتدب‪".‬‬

‫تبعا لذلك يمكن القول أن هذه املرحلة تعد مرحلة حاسممة في تحديد املركز‬

‫القانوني لدائنين السابقين لفتح مسطرة اإلنقاذ من طرف القاض ي املنتدب‪ ،‬وفي هذا‬

‫الصدد قام سنديكا شركة (‪ )....‬املفتوحة في حقها مسطرة اإلنقاذ بإدالء بتقريره إلى‬

‫القاض ي املنتدب‪ ،‬والذي تضمن الدين املصرح به داخل األجل القانوني‪ ،‬مع إشارته إلى أنه‬
‫الدين‪952.‬‬ ‫سبق أن عرض الدين على رئيس املقاولة‪ ،‬وأن هذا األخير صرح بعدم منازعته في‬

‫كما أن القاض ي املنتدب في اطار الصالحيات املخولة له إبان مرحلة التحقيق‬

‫القضائي والتي تعد املرحلة النهائية لتحديد وضعية الديون املصرح بها من طرف الدائنين‬

‫‪P 671‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫السابقين لفتح مسطرة اإلنقاذ بطبيعة الحال بعد التأكد من احترامها التام لكل اإلجراءات‬

‫املسطرية املنظمة ملسطرة التصريح والتي في مقدمتها التصريح خالل اآلجال املحددة قانونا‪.‬‬

‫وعلى العموم فإن القاض ي املنتدب يقرر بناء على اقتراح السنديك‪ 953‬إما‬

‫‪ -‬قبول الدين‪ :‬حيث إن جهاز القاض ي املنتدب في هذه الحالة يعمل على قبول كل‬

‫الديون املصرح بها داخل اجل القانوني‪ ،‬والتي سبق ملدين أن أدلى أو قام بتصريح بعدم‬

‫منازعته فيها‪ ،‬إذ أصدر القاض ي املنتدب باملحكمة التجارية بالدار البيضاء أمرا بقبول دين‬

‫شركة(‪ )......‬في مواجهة شركة (‪ )...‬الخاضعة ملسطرة اإلنقاذ في حدود (‪ )...‬و ذلك بعد‬

‫التأكد من توافر الشروط املتطلبة قانونا بمسطرة التصريح‪ ،‬خاصة اآلجل القانوني‬

‫لتصريح والسند املثبت لدين‪ ،‬إذ جاء في أمره ما يلي‪.." :‬وحيث إن مبلغ املديونية الثابت في‬

‫ذمة املصفى لها‪ ....‬بمقتض ى األمر باألداء‪ ....‬وحيث أن املدين لم ينازع في الدين‪ ...‬مما يتعين‬
‫‪954.‬‬ ‫معه قبول الدين املصرح به‬

‫‪ -‬رفض دين‪ :‬حيث إن جهاز القاض ي املنتدب يجد نفسه مضطرا إلى إقرار رفض الدين‬

‫في الحالة إذا ما ثم االخالل بالشروط املتعلقة بمسطرة التصريح‪ ،‬ونذكر على سبيل املثال‬

‫ما جاء في مقرر القاض ي املنتدب باملحكمة التجارية بالدار بيضاء ما يلي‪ ":‬ومن املقرر قانونا‬

‫‪P 672‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫أن عدم التصريح بالدين بصفة نظامية‪ ،‬وعدم رفع سقوط األجل يعد من أسباب االنقضاء‬
‫الدين‪955.‬‬ ‫مما يتعين معه التصريح برفض‬

‫ـ معاينة دعوى جارية‪ :‬حيث أن عدم وجود أي وثائق تثبت املديونية تجعل القاض ي‬

‫املنتدب يلجأ إلى هذا اإلجراء‪ ،‬وهو ما ذهب إليه القاض ي املنتدب باملحكمة التجارية‬

‫بالداربيضاء بإصدار أمره بمعاينة الدعوى الجارية بخصوص دين مصرح به‪ ،‬بعد التماس‬

‫السنديك التصريح باملنازعة في املديونية حسب رأي رئيس املقاولة‪ ،‬ومن تم التصريح في‬

‫املسطرة من طرف القاض ي املنتدب علنيا وابتدائيا وحضوريا‪ :‬بمعاينة وجود دعوى جارية‬

‫بخصوص الدين املصرح به من طرف (‪ ).....‬في مواجهة شركة (‪).....‬وأمر كاتب الضبط‬
‫اإلشعار بالتوصل‪956.‬‬ ‫بإشعار األطراف بهذا املقرر برسائل مضمونة مع‬

‫ـ الدفع بعدم االختصاص‪ :‬حيث كلما تبين للقاض ي املنتدب أن املنازعة تتجاوز‬

‫االختصاص النوعي ملحكمته‪ ،‬للتدخل في اختصاص محكمة أخرى‪ ،‬يقوم بإصدار مقرر‬

‫يقض ي بعدم االختصاص‪ .‬خصوصا عندما يتعلق األمر بالديون العمومية التي هي من‬

‫اختصاص املحاكم اإلدارية وليس القاض ي املنتدب‪ ،‬وهو ما ذهب إليه القاض ي املنتدب‬

‫باملحكمة التجارية بالداربيضاء بإصدار أمره بعدم االختصاص لكون النزاع يتعلق بوعاء‬

‫فرض الديون العمومية لكونه من اختصاص املحاكم اإلدارية في إطار املنازعات الضريبية‪،‬‬

‫‪P 673‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫إذ جاء في مقرر ما يلي" نصرح في املسطرة علنيا و ابتدائيا وحضوريا بعدم االختصاص‬
‫امللف‪957".‬‬ ‫للبت في‬

‫املبحث الثاني‪ :‬وضعية الدائنين الناشئة ديونهم بعد افتتاح مسطرة اإلنقاذ‬

‫يختلف املركز القانوني لدائنين الالحقين عن غيرهم‪ ،‬إذ ال يواجهون بالقيود التي‬

‫تفرضها مرحلة املالحظة‪ ،‬وذلك سعيا من املشرع لتحفيز هذه الفئة من الدائنين على تمويل‬

‫املقاولة املدينة اإلنقاذ‪ ،‬من أجل املساهمة في إسعافها‪.‬‬

‫املطلب األول‪ :‬الشروط القانونية املتطلبة الستفادة من حق األولوية‬

‫يالحظ من خالل مقتضيات املادة ‪ 958272‬من م‪.‬ت أن الدائنين الناشئة ديونهم بعد‬

‫فتح مسطرة اإلنقاذ‪ ،‬ال تتم مواجهتهم بالقيود التي تفرضها مرحلة إعداد برنامج‬

‫اإلنقاذ‪ ،‬وذلك راجع إلى كون هذه الفئة من الدائنين‪ ،‬يتم استفاء ديونها باألولوية على جميع‬

‫الديون ملا لها من طابع امتيازي‪.‬‬

‫ولكي يستفيد الدائنون الالحقون لفتح مسطرة اإلنقاذ‪ ،‬من حق االمتياز املخول لهم‬

‫قانونا يجب أن تتوفر في ديونهم مجموعة من الشروط نوردها وفق الشكل االتي تباعا‪.‬‬

‫‪957‬‬

‫ـ‬

‫‪958‬ـد‬

‫‪P 674‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫الفقرة األولى‪ :‬نشأة الديون بعد فتح مسطرة اإلنقاذ‬

‫يكون لزاما على الدائنين الالحقين لفتح مسطرة اإلنقاذ إثبات أن الديون املطالب بها‬

‫قد نشأت بعد فتح مسطرة اإلنقاذ‪ ،‬من أجل االستفادة من حق االمتياز املخول لهم قانونا‪،‬‬

‫وكذا لكي ال تتم مواجهتهم بالقيود التي تفرضها مرحلة إعداد الحل من هذه‬

‫املسطرة‪ 959،‬ويتم ذلك من خالل مقارنة تاريخ صدور الحكم بافتتاح مسطرة اإلنقاذ بتاريخ‬

‫نشأة الدين‪ 960،‬للتأكيد أنه فعال قد نشأ بعد افتتاح مسطرة اإلنقاذ‪.‬‬

‫تبعا لذلك فإن العقود الجارية الوجود املبرمة قبل فتح مسطرة اإلنقاذ‪ ،‬والتي سبق‬

‫للسنديك أن طالب بمواصلة تنفيذها بعد افتتاح هذه املسطرة‪ ،‬تبقى بدورها مستفيدة‬

‫أيضا من حق األولوية املكرس بموجب املادة ‪ 272‬من م‪.‬ت‪ ،‬ألن الديون الناتجة عنها قد‬

‫نشأت فعال بعد فتح مسطرة اإلنقاذ‪.‬‬

‫سواء أكانت عقدية أو‬ ‫املسؤولية املدنية‪961‬‬ ‫أما إذا تعلق األمر بالديون الناتجة عن‬

‫تقصيرية‪ ،‬فإن املعيار املحدد لنشوء الدين يتمثل في تاريخ ارتكاب الفعل الضار في حالة‬

‫كانت املسؤولية تقصيرية‪ ،‬أما إذا كانت املسؤولية عقدية فإن املعيار املحدد هو تاريخ‬
‫القضائي بالتعويض‪962.‬‬ ‫اإلخالل بااللتزام العقدي وليس تاريخ صدور حكم‬

‫‪P 675‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬نشأة الديون بصفة قانونية‬

‫وال يكفي إثبات أن الديون املطالب بها قد نشأت بعد فتح مسطرة اإلنقاذ‪ ،‬من طرف‬

‫الدائنين الالحقين بل يجب أن تكون هذه الديون نشأت بصورة قانونية؛ أي أنها قد نشأت‬

‫في إطار القواعد املؤطرة لتدبير شؤون املقاولة املدينة إبان فترة إعداد الحل‪.‬‬

‫تبعا لذلك‪ ،‬فإن ديون الدائنين الالحقين الناتجة بعد فتح مسطرة اإلنقاذ ال تستفيد‬

‫من حق االمتياز إال إذا ما تمت وفق ما تقتضيه القيود القضائية املحددة لصالحيات رئيس‬

‫املقاولة أو املمثل القانوني لشركة‪ ،‬خاصة حيث التسيير‪ ،‬و بضبط في الحاالت التي ينبغي‬

‫الحصول على ترخيص مسبق من طرف القاض ي املنتدب‪ ،‬كما وهو عليه األمر عند قيام‬

‫رئيس املقاولة بتقديم رهن رسمي أو رهن حيازي أو أي إجراء من اإلجراءات الصلح أو‬
‫ي‪963.‬‬ ‫التراض‬

‫والجدير بالذكر أنه في حالة استمرارية املقاولة في استغالل نشاطها بعد انتهاء مرحلة‬

‫إعداد الحل دون أن يقوم القضاء بحصر برنامج إنقاذ املقاولة املدينة‪ ،‬فإن الديون الناتجة‬

‫أثناء هذه املدة‪ ،‬ال يمكن بأي حال من األحوال أن نعتبرها ديون قد نشأت بصورة‬
‫االستمرار غير قانوني‪964.‬‬ ‫قانونية‪ ،‬مادامت ناتجة عن‬

‫‪P 676‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫وبالتالي تكون معه هذه الديون غير مشمولة بحق األولوية املكرس بموجب املادة ‪272‬‬

‫من م‪.‬ت‪ ،‬لكون ال أساس قانوني لها‪.‬‬

‫الفقرة الثالثة‪ :‬نشأة الدين من أجل استمرارية النشاط االقتصادي للمقاولة‬

‫يعد هذا الشرط ضروريا الستفادة من حق األولوية‪ ،‬حيث لم نكن نجد أي إشارة له‬

‫في إطار النظام القانوني القديم‪ 965،‬بخالف ما عليه األمر في ظل القانون رقم ‪ 29.82‬الذي‬

‫حصر مجال نطاق حق األسبقية في الديون املتعلقة بحاجيات سير مسطرة اإلنقاذ أو‬
‫املتعثرة‪967.‬‬ ‫بنشاط املقاولة‪ 966،‬خالل فترة إعداد البرنامج الكفيل بإنقاذ املقاولة‬

‫وترجع الغاية من تكريس هذا الشرط من طرف املشرع محاولة منه لتوفير أكبر قدر‬

‫من الدعم املالي ملقاولة خالل مرحلة املالحظة من أجل ضمان استمرارية النشاط‪.‬‬

‫تبعا لذلك‪ ،‬تكون كل ديون الدائنين الالحقين لفتح مسطرة اإلنقاذ غير املتعلقة‬

‫بحاجيات سير مسطرة اإلنقاذ أو بضمان استمرارية استغالل النشاط االقتصادي أثناء‬

‫فترة إعداد الحل النشاط‪ ،‬غير مشمولة بامتياز حق األسبقية املنصوص عليه في املادة ‪272‬‬

‫من م‪.‬ت‪ ،‬و نفس األمر يسري في الحاالت املتعلقة بالحاجيات الشخصية والعائلية لرئيس‬

‫املقاولة‪.‬‬

‫‪965‬ـ يتعلق‬

‫‪P 677‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫املطلب الثاني‪ :‬حدود أثار امتياز االمتياز‬

‫يستشف من خالل مقتضيات املادة ‪ 272‬من م‪.‬ت‪ ،‬أن امتياز حق األولوية املخول‬

‫لدائنين الالحقين يترتب عنه آثارين‪ :‬أولهما أداء الديون فى تورايخ املستحقة‪ ،‬أما االخر‬

‫فيتمثل في استخالص هذه الديون باألفضلية على كافة الديون بغض النظر عن طبيعتها‪.‬‬

‫وعلى الرغم من ذلك فإن حق االمتياز يبقى مقيدا بمجموعة من االستثناءات تجعل‬

‫آثاره مقيدة في بعض األحيان‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬محتوى امتياز حق األولوية‬

‫منح املشرع املغربي لكل الدائنين الناتجة ديونهم بعد فتح مسطرة اإلنقاذ‪ ،‬حق‬

‫األسبقية في استفاء ديونهم في التاريخ املحدد لها‪ ،‬على باقي الدائنين بغض النظر عن‬

‫الضمانات أو االمتيازات املقرونة بها ديونهم في حالة تعذر أدائها‪ 968،‬ملا لذلك من تشجيع‬

‫لدائنين الالحقين من أجل التعامل مع املقاولة‪ ،‬في هذه املرحلة الحرجة املتواجدة عليها‪،‬‬

‫مما يفرض عليها إلزامية الوفاء في تاريخ املحدد‪ ،‬اللهم إذا قبل الدائن عن طواعية تمديد‬

‫أجل االستحقاق‪.‬‬

‫تبعا ملا سبق‪ ،‬فإن الدائنين الالحقين املستفيدين من حق األولوية‪ ،‬يحق لهم املطالبة‬

‫بديونهم فور حلول اآلجال‪ ،‬دون أي خضوع لقيود امللزمة لدائنين السابقين لفتح مسطرة‬

‫‪P 678‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫اإلنقاذ كوقف املتابعات الفردية في مواجهة املقاولة الخاضعة لحماية القضائية‪ ،‬واالكتفاء‬

‫على إلزامية الخضوع ملسطرة التصريح بالديون‪.‬‬

‫وفي هذا الصدد جاء في قرار ملحكمة االستئناف التجارية بالدار بيضاء مايلي"‪..‬إن من‬

‫أهم االثار التي تترتب على حق األسبقية ‪ ...‬أن الديون املشمولة بهذا الحق تؤدى في تاريخ‬

‫استحقاقها مهما كانت املرحلة التي قطعتها املسطرة‪ ...‬وبالتالي فهي ال تخضع ملسطرة‬

‫التصريح بالديون‪...‬كما أن الديون الناشئة في إطارها ال تكون بدورها خاضعة لقاعدة‬


‫الفوائد‪969.‬‬ ‫وقف املتابعات الفردية قاعدة وقف السريان‬

‫بناء على ذلك فإن الدائنين الالحقين‪ ،‬يبقى كامل الحق في ممارسة كل إجراءات‬

‫القانونية الرامية للتنفيذ على املدين‪ ،‬سواء كان ذلك من خالل الحجز التحفظي أو‬

‫التنفيذي على أموال املقاولة‪ ،‬وكذا الحق في استخالص كل الفوائد الناتجة عن‬
‫تأخير محتمل‪970.‬‬ ‫هذه الديون‪ ،‬ابتداء من تاريخ استحقاقها دون أي‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬االستثناءات الواردة على حق األولوية‬

‫إن حق األولوية املخول لدائنين الالحقين لفتح مسطرة اإلنقاذ‪ ،‬ترد عليه مجموعة‬

‫من االستثناءات منها ما مرتبط بالديون الناتجة في إطار مسطرة املصالحة‪ ،‬ومنها اآلخر ما‬

‫‪P 671‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫تستلزمه مواصلة املقاولة لنشاطها االقتصادي‪ ،‬مما يتطلب تسديده من قبيل فك الرهون‬

‫أو استرجاع ش يء محبوس قانونيا‪.‬‬

‫أ ـ حق األولوية املحدد في مسطرة املصالحة‬

‫أن‬ ‫املصالحة‪971،‬‬ ‫يستشف من خالل مقتضيات املادة ‪ 221‬من م‪.‬ت املؤطرة ملسطرة‬

‫الدائنين الناشئة ديونهم في إطار هذه املسطرة‪ ،‬يخول لهم امتياز حق األولوية في استخالص‬

‫ديونهم قبل جميع الديون األخرى بما فيها املنصوص عليها في املادة ‪ 272‬من م‪.‬ت‪.‬‬

‫بناء على ذلك يمكن القول على أن االمتياز املمنوح لدائنين الذين وافقوا على‬

‫االلتزامات الناشئة عن االتفاق املبرم مع رئيس املقاولة‪ ،‬في إطار مسطرة املصالحة يبقى ذو‬

‫أولوية على حق األسبقية املخول لدائنين ضد املقاولة الخاضعة ملسطرة اإلنقاذ‪.‬‬

‫وفي مقابل ذلك فإن الديون الناتجة بعد فتح مسطرة اإلنقاذ‪ ،‬تمنح لها األولوية في‬

‫االستيفاء إذا ما تمت املواجهة بينها وبين نفس االمتياز في إطار باقي إجراءات املعالجة من‬

‫صعوبات املقاولة في حالة ما ثم تحويل مسطرة اإلنقاذ‪.‬‬

‫‪P 681‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫ب‪ -‬فك الرهون‬

‫لكي تستمر املقاولة في استغاللها نشاطها االقتصادي‪ ،‬فهي تكون دائما في حاجة إلى‬

‫االئتمان‪ ،‬األمر الذي يجعلها تلجأ إلى تقديم ممتلكاتها كضمان من أجل الحصول على‬

‫التمويل الكافي لتغطية حاجياتها‪.‬‬

‫و قد يحصل أن تبقى هذه الرهون دون وفاء إلى أن يتم افتتاح مسطره اإلنقاذ في‬

‫مواجهة املقاولة املدينة‪ ،‬والتي تعد الزمة لها لتأمين مواصلة املقاولة استغالل نشاطها‬

‫خالل فترة إعداد الحل‪ ،‬األمر الذي يقتض ي على وجه السرعة دفع الديون الالزمة لفك‬
‫الرهون‪972.‬‬ ‫هذه‬

‫وعليه يمكن القول على أن فك الرهون يعتبر من أبرز االستثناءات املقيدة لحق‬

‫األولوية املمنوح لدائنين الالحقين‪ ،‬في الحالة التي يكون الزما وضروريا لتأمين استمرارية‬

‫نشاط االقتصادي للمقاولة املدينة وتوافرت الشروط القانونية املتطلبة لتفعيله‪.‬‬

‫‪972‬ـ‬

‫‪P 681‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫خاتمة‪:‬‬

‫بناء على ما سبق‪ ،‬يتضح لنا وضعية الدائنين في إطار مسطرة اإلنقاذ‪ ،‬تختلف بحسب‬

‫تاريخ نشوء الدين‪ ،‬والذي من خالله يتحدد املركز القانوني لدائن‪ ،‬ففي حالة التي يكون‬

‫الدين ناتج قبل صدور الحكم القضائي بفتح مسطرة اإلنقاذ‪ ،‬يكون لزاما على صاحب‬

‫الدين الخضوع ملجموعة من اإلجراءات القانونية لحفاظ على مركزه القانوني‪ ،‬والتي في‬

‫مقدمتها مسطرة التصريح بالديون‪..‬‬

‫أما إذا تعلق األمر بدين ناش ئ بعد فتح مسطرة اإلنقاذ‪ ،‬فإن املشرع املغربي سعيا منه‬

‫لتشجيعهم هذه الفئة من الدائنين على مد يد املساعدة ملقاولة في هذه املرحلة الحرجة‬

‫التي تمر منها‪ ،‬ال تتم مواجهتهم بالقيود التي التي تسري على الدائنين السابقين‪ ،‬من أجل‬

‫ضمان تمويل ملقاولة املتعثرة‪ ،‬قصد تقوية حضوظ إسعافها‪.‬‬

‫تبعا لذلك‪ ،‬يكون املشرع حاول خلق نوع من التوازن بموجب القانون رقم‪29.82 :‬‬

‫بين مصلحة املقاولة ومصلحة الدائنين‪ ،‬وذلك من خالل تكريس مجموعة من الضمانات‬

‫القانونية الهادفة إلى توفير الحماية الالزمة لدائني املقاولة‪.‬‬

‫‪P 682‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫الئحة املراجع‪:‬‬

‫‪ -‬امحمد لفروجي‪ ،‬صعوبات املقاولة واملساطر الكفيلة بمعالجتها مطبعة النجاح‬

‫الجديدة الدار البيضاء الطبعة األولى ‪.7000‬‬

‫‪ -‬عبد الرحيم شميعة‪ ،‬شرح أحكام نظام مساطر معالجة صعوبات املقاولة في ضوء‬

‫القانون رقم ‪ 29 -82‬مطبعة األمنية الرباط الطبعة األولى ‪.7081‬‬

‫‪ -‬سعيد الروبيو‪ ،‬مساطر معالجة صعوبات املقاولة بدون مطبعة‪ ،‬طبعة ‪.7082-7081‬‬

‫‪ -‬عبدالرزاق الخروبي‪ ،‬تدخل القاض ي املنتدب في إجراءات املعالجة من صعوبات‬

‫املقاولة على ضوء القانون واملمارسة القضائية رسالة لنيل دبلوم املاستر في القانون‬

‫الخاص‪ ،‬تخصص قانون األعمال جامعة عبد املالك السعدي كلية العلوم القانونية‬

‫واالقتصادية واالجتماعية مارتيل تطوان السنة الجامعية‪-7082،‬ـ‪.7081‬‬

‫‪-Philippe Pétel : Porocèdure Collectives 9è édition Dalloz Paris 2017‬‬

‫‪-pierre -Michel le Corre avec Emmanuelle le Corre broly : droit des‬‬

‫‪entreprises en difficulté 8e édition Dalloz Paris 2018.‬‬

‫‪-Sara Farhi LesProcédures collectives après la loi pacte du 22 mai 2019‬‬

‫‪Gaualino éditeur lextenso éditions 2019 .‬‬

‫‪P 683‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪Arbitration as a means of settling maritime disputes‬‬


‫مقدمة‪:‬‬
‫إذا كان قضاء التحكيم بطبيعته‪ ،‬هو قضاء خاص يستبعد الخضوع لقضاء الدولة‬

‫خاصة وأن النزاعات الالحقة على صدور حكم التحكيم تلتهم كل محاسن التحكيم‪ ،‬بل إن‬

‫البعض ذهب إلى القول بأن نظام التحكيم يفقد سبب وجوده وقيمته‪ ،‬إذا أعقب إجراءات‬

‫التحكيم إجراءات الحقة أمام قضاء الدولة‪ ،‬ذلك أن عدالة التحكيم هي عدالة صادرة عن‬

‫قضاء ال يندمج في أي نظام قضائي دائم‪.‬‬

‫ولذلك فإن هناك صراعا ال ينتهي بين مبدأين يتنازعان التحكيم كوسيلة للفصل في‬

‫املنازعات يسمو أحدهما على اآلخر أو يدنو منه بحسب إرادة األطراف وبحسب النظر إليهما‬

‫من جانب اللوائح التحكيمية والقوانين التحكيمية الوطنية‪ .‬وهما مبدأ نهائية األحكام‬

‫ووضع حد لتدخل القضاء الوطني في التحكيم ومبدأ تحقيق العدالة بالفصل العادل في‬

‫النزاع حتى وإن تعقدت األمور بتدخل القضاء الوطني في نتيجة التحكيم بإطالة الوقت‬

‫وبزيادة التكاليف‪ ،‬وقد غلبت كل القوانين الوطنية وبعض لوائح التحكيم البحري مبدأ‬

‫‪P 684‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫تحقيق العدالة على مبدأ عدم التدخل في نتيجة التحكيم بتقرير طعون تحكيمية وقضائية‬

‫على أحكام التحكيم البحري الدولي‪.973‬‬

‫ومن أجل الوقوف على هذه الطعون التحكيمية منها والقضائية‪ ،‬فقد ارتأينا تقسيم‬

‫هذا املطلب إلى فقرتين نتناول في األولى الطعن التحكيمي في حكم التحكيم البحري‪ ،‬بينما‬

‫نتناول في الفقرة الثانية الطعن القضائي في حكم التحكيم البحري‪.‬‬

‫املبحث األول‪ :‬الطعن التحكيمية في حكم التحكيم التجاري‬

‫إن الطعن على أحكام التحكيم الصادرة عن هيئات التحكيم التابعة ملراكز التحكيم‬

‫البحري املؤسس ي املشهورة عامليا‪ ،974‬يقض ي باستئناف هذه األحكام أمام نفس هذه املراكز‬

‫في طعن تحكيمي داخلي أو في تحكيم الدرجة الثانية املنصوص عليه في لوائح تحكيم هذه‬

‫املراكز‪ ،975‬والصادرة عن هيئات التحكيم التابعة لها‪ ،‬والتي نظرت النزاع وفصلت فيه ألول‬

‫مرة فاستحقت أن تسمى بهيئات تحكيم الدرجة األولى‪.‬‬

‫هذه الهيئات التي سبق اختيارها في الغالب باإلرادة الحرة لألطراف على ضوء‬

‫اعتبارات طبيعة النزاع والتخصص والحياد‪ ،‬وغيرها من االعتبارات التي وجب توافرها في‬

‫‪ -973‬د‪ .‬حفيظة السيد الحداد‪ ":‬الموجز في النظرية العامة في التحكيم التجاري الدولي "منشورات الحلبي الحقوقية‪،‬‬
‫الطبعة األولى سنة ‪ ،7115‬ص ‪.575‬‬
‫‪ -974‬من هذه المراكز نذكر غرفة اللويدز بلندن وغرفة التحكيم البحري بباريس‪ ،‬والمنظمة الدولية للتحكيم الدولي‬
‫بباريس‪.‬‬
‫‪ -975‬د‪ .‬عاطف محمد الفقي‪ ":‬التحكيم في المنازعات البحرية‪ ،‬دراسة مقارنة التحكيم البحري في لندن ونيويورك‬
‫وباريس مع شرح أحكام قانون التحكيم المصري في المواد المدنية والتجارية لسنة ‪ ،"0225‬دار النهضة العربية‪،‬‬
‫طبعة ‪ 7115‬ص ‪.877‬‬

‫‪P 685‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫املحكمين البحريين الذين تتشكل منهم هيئات تحكيم الدرجة األولى‪ ،‬والذين نظروا في النزاع‬

‫في فترة زمنية معينة‪ ،‬بحيث يرسل مشروع الحكم التحكيمي إلى اللجنة الدائمة أو إلى‬

‫اللجنة العامة أو إلى مجلس الغرفة للمراجعة والتصديق وإبداء املالحظات الشكلية‬

‫واملوضوعية وبعد ذلك يتم إرجاعه إلى هيئة التحكيم لقبول أو رفض هذه املقترحات‪.‬‬

‫وتماشيا مع هذا فإن هذا األسلوب الذي وضعته لوائح التحكيم البحري املؤسس ي‪،‬‬

‫والذي يعتمد على الرقابة الالحقة على الحكم التحكيمي من الدرجة األولى‪ ،‬فيه تطاول من‬

‫طرف هذه املؤسسات التحكيمية على األحكام التي تصدرها هيئات التحكيم‪ ،‬وإطالة الوقت‬

‫التحكيم ومضاعفة لنفقاته وتأخير لنهائية حكم التحكيم البحري من الدرجة األولى‪ ،‬وجعل‬

‫هذه النهائية تابعة لرغبة األطراف في الطعن عليه أو االلتزام به وعدم رفع مثل هذا الطعن‪،‬‬

‫مما فتح النقاش إلثارة الشكوك حول حكم التحكيم الصادر عن هيئة تحكيم الدرجة‬

‫إلى أن حكم التحكيم الصادر عن الدرجة األولى ليس إال‬ ‫البعض‪976‬‬ ‫األولى‪ ،‬حيث ذهب‬

‫مشروعا لحكم معرضا للقبول من األطراف ومن تم االلتزام به‪ ،‬أو للرفض وعدم القبول‪.‬‬

‫ومن تم الطعن التحكيمي عليه تمهيدا ألن يكون حكم التحكيم الصادر في تحكيم الدرجة‬

‫الثانية هو الحكم التحكيمي الوحيد الصادر في النزاع‪.‬‬

‫‪976‬‬
‫‪-La réforme du droit de l’arbitrage, décret du 14 mai 1980. Colloque organisé,‬‬
‫‪Paris le 25 septembre 1980 Débats, M. dédains. Rev, Arb 1980, P : 636.‬‬

‫‪P 686‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫في حين ذهب البعض اآلخر‪ 977‬إلى أن حكم التحكيم الصادر عن هيئة تحكيم الدرجة‬

‫األولى ليس إال توفيقا بين األطراف‪ ،‬وليس تحكيما حيث أن معيار التفرقة بين التحكيم‬

‫والتوفيق يكمن في القوة امللزمة لحكم التحكيم حيث أنه غير ملزم إال إذا قبله األطراف‬

‫وبالتالي فهو يعد توفيقا ال تحكيما أعقبه تحكيم حقيقي أمام هيئة تحكيم الدرجة الثانية‬

‫التي فصلت في النزاع فصال قضائيا منتجا لحكم تحكيم وحيد معمول به‪.‬‬

‫أن حكم التحكيم الصادر عن هيئة تحكيم الدرجة‬ ‫البعض‪978‬‬ ‫وبخالف ذلك‪ ،‬يرى‬

‫األولى ال يعد مشروعا لحكم تحكيمي وال توفيقا‪ ،‬بل يعد حكما تحكيما حقيقيا ونهائيا‬

‫ملزما لألطراف إال أنه قابل للطعن التحكيمي الداخلي خالل ميعاد معين‪.979‬‬

‫ولإلشارة فإن الطعون التحكيمية لهذه املراكز تختلف تبعا للشروط املحددة بأنظمتها‬

‫الداخلية‪ .‬فبخصوص غرفة التحكيم بباريس فقد نظمت من خالل املادة ‪ 82‬الطعن‬

‫‪977‬‬
‫‪- Loquin : l’examen du projet de sentence par l’institution et la sentence au‬‬
‫‪deuxième degré, Rev, arb. 1990, P : 460-664.‬‬
‫‪978‬‬
‫‪- kassis (A) : Réflexions sur le règlement d’arbitrage de la chambre de commerce‬‬
‫‪internationale, éd, l’harmattan, Paris, 2008, P : 143-145.‬‬
‫‪ -979‬بالرغم من أهمية وقانونية الطعن الداخلي على حكم التحكيم البحري‪ ،‬فإنه يكلف الكثير من الوقت والتكاليف‬
‫وال يأتي بجديد على صعيد العملية التحكيمية‪ ،‬لذلك فإنه ناد ار ما يلجأ إليه لدى مراكز التحكيم البحري سواء منها‬
‫الحر أو المؤسسي‪ ،‬ولعل اإلحصائيات التي تنشرها تباعا هذه المراكز في نشراتها ومجالتها خير دليل على ذلك‪.‬‬
‫=‬
‫= فمثال بالنسبة لغرفة التحكيم البحري ثم الطعن باإلستئناف أمامها ضد ‪ 037‬حكما فقط من أصل ‪ 880‬خالل‬
‫الفترة ما بين ‪ 77‬يونيو ‪ 0288‬إلى ‪ 05‬يونيو ‪.0225‬‬
‫منقول عن العنوان اإللكتروني لغرفة التحكيم البحري بباريس‪:‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪Contact arbitrage maritine.org.‬‬

‫‪P 687‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫التحكيمي على األحكام التحكيمية الصادرة عن هيئات التحكيم التابعة لها‪ ،‬وحددت سقفا‬

‫ماديا ملمارسة هذا الطعن‪ ،‬كما حددت طريقة تشكيل هيئة التحكيم من ثالثة محكمين‬

‫تقوم اللجنة العامة للغرفة بتعيينهم جميعا‪ ،‬ويقدم طلب الطعن بواسطة خطاب مسجل‬

‫لدى سكرتارية الغرفة يودع معه مبلغ يعادل ضعف املبلغ املحدد في تحكيم الدرجة األولى‬

‫على ذمة املصروفات والتكاليف التحكيمية‪ ،‬بحيث يقدم الطلب خالل الثالثين يوما من‬

‫اإلعالن عن الحكم‪ ،‬وتنظر هيئة التحكيم من الدرجة الثانية في القضية من خالل إعادة‬

‫النظر في الوثائق واملستندات فقط‪ ،‬وتصدر حكما نهائيا في الطعن وذلك خالل ثالثة أشهر‬

‫من تاريخ استالمها ملذكرة دفاع املدعى عليه‪ ،‬ويعتبر هذا الحكم هو الوحيد الصادر في‬

‫الدعوى‪.‬‬

‫أما بخص ــوص غرف ـ ــة اللويدز بلنــدن فقـد نظـ ـمت مسطرة الطعن التحكيمي في املادتين‬

‫‪ 87‬و‪ 89‬من نموذج الئحتها حسب االتفاقية الدولية للمساعدة واإلنقاذ ‪ ،8330‬حيث‬

‫تتشكل هيئة التحكيم االستئنافي التابعة للغرفة من محكم واحد أو أكثر حسب ما تقدره‬

‫الغرفة التي تقوم بالتعيين دون تدخل من أطراف التحكيم ويقدم الطلب في شكل عريضة‬

‫استئناف إلى مجلس الغرفة وذلك خالل ‪ 84‬يوما من تاريخ نشر الحكم‪ ،‬وتنظر هيئة‬

‫التحكيم االستئنافي في الدعوى بنفس الصالحيات املوكول لها بوصفها هيئة تحكيم‬

‫استئنافية‪ ،‬ولها أن تقرر ما إذا كانت ستنظر الطعن من خالل الوثائق واملستندات فقط‬

‫أم من خالل عقد جلسات استماع شفوية‪ ،‬ولها أن تحقق الدعوى االستئنافية وتفحص‬

‫موضوع النزاع وتفصل في األدلة‪ ،‬فضال عن صالحياتها بوصفها هيئة تحكيم استئنافية‬

‫‪P 688‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫بشأن إقرار أو إلغاء القرارات الصادرة عن هيئة تحكيم الدرجة األولى‪ ،‬وتصدر حكما نهائيا‬

‫ملزما لألطراف‪.980‬‬

‫وفي نفس إطار مسطرة الطعن التحكيمي‪ ،‬قررت املنظمة الدولية للتحكيم البحري في‬

‫املادة ‪ 87/7‬من الئحتها في الجزء املتعلق فقط بتقدير املحكم أو هيئة التحكيم ألتعابها‬

‫نظاما للطعن الجزئي في حكم التحكيم الصادر عن هيئات التحكيم التابعة لها يقض ي‬

‫بجواز تقديم أطراف التحكيم أو أحدهم طلبا إلى اللجنة الدائمة للمنظمة باستئناف حكم‬

‫التحكيم البحري الصادر في خصومة الدرجة األولى في الجزء املتعلق فقط بتقدير هيئة‬

‫التحكيم ألتعابها‪ ،‬مراعية في هذا التقدير تعقيدات الدعوى والوقت الذي استغرقته‪،‬‬

‫ويقدم طلب استئناف قرار املحكم حول أجره إلى اللجنة الدائمة للمنظمة خالل ‪ 90‬يوما‬

‫التالية إلعالن حكم التحكيم وتصدر اللجنة الدائمة للمنظمة خالل ‪ 90‬يوما التالية إلعالن‬

‫حكم التحكيم وتصدر اللجنة الدائمة الحكم النهائي بتحديد هذه األتعاب‪.‬‬

‫وبخالف ما دأبت علي ــه مختلف مراكز التحكيم البحرية العاملية‪ ،‬سواء منها الحر أو‬

‫املؤسس ي فيما يتعلق بمسطرة الطعن التحكيمي‪ ،‬لم نجد لدى غرفة التحكيم البحري‬

‫بالدار البيضاء‪ ،‬ومن خالل البحث في دليها ما يفيد على وجود أحكام من الدرجة األولى‬

‫وأخرى من الدرجة الثانية‪ ،‬إال ما أشارت إليه الفقرة الثالثة من الفصل الثالثون‪.981‬‬

‫‪ -980‬د‪ .‬المحجوب فتح اهلل‪":‬التحطيم في منازعات العقود البحرية"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.582-582‬‬
‫‪981‬‬
‫‪- Article 30/3 "le conseil d’arbitrage pourra. Avant le prononcé de la sentence,‬‬
‫‪attirer l’attention des arbitres sur le font et la forme, répondre à leurs questions .après‬‬

‫‪P 681‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫من دليل الغرفة جاء صريحا عندما نص على أن األحكام‬ ‫‪98297‬‬ ‫غير أن الفصل‬

‫التحكيمية الصادرة عن غرفة التحكيم البحري‪ ،‬تعتبر أحكاما نهائية وغير قابلة للطعن‪.‬‬

‫إال أنه وحتى يتم تجاوز االختالف في مساطر الطعون التحكيمية لدى مراكز التحكيم‬

‫البحري وكذلك حتى يؤدي اتفاق التحكيم الدور الفعال املنوط به‪ ،‬فإننا نؤيد ما ذهب‬

‫إليه بعض الفقه‪983‬مند مؤتمر باريس للتحكيم التجاري الدولي سنة ‪ 8378‬من ضرورة إنشاء‬

‫محكمة دولية عليا للتحكيم التجاري الدولي تعمل على تطبيق القانون الدولي للتحكيم‪،984‬‬

‫من خالل اختصاصها بنظر الطعون في األحكام الصادرة من مراكز ومؤسسات التحكيم‬

‫التجاري الدولي املختلفة‪ ،‬بحيث تكون األحكام الصادرة عنها أحكاما نهائيا غير قابلة للطعن‬

‫‪ces examen, la sentence, modifiée ou nom par les arbitres, sera signée par eux datée‬‬
‫‪du jour de cette signature et soumise pour visa au conseil d’arbitrage".‬‬
‫‪982‬‬
‫‪- Article 32 :" les sentences arbitrales sont définitives et sans recours".‬‬
‫‪ -983‬يرى األستاذ ‪ schemitthoff‬أن وجود محكمة دولية عليا للتحكيم التجاري تقوم بوظيفة محكمة اإلستئناف‬
‫لجميع محاكم التحكيم التجارية الدولية هو الحل األكثر قبوال‪.‬‬
‫‪« La solution la plus satisfaisante serait de mettre en place une cour internationale‬‬
‫‪suprême de l’arbitrage commercial faisant fonction de cour d’appel pour tous les‬‬
‫‪tribunaux de commerce international ».‬‬
‫نقال عن‪:‬‬
‫‪- kassis (A) : Théorie générale des usages du commerce. LGDI.1984, P : 511.‬‬
‫‪ -984‬القانون الدولي للتحكيم هو القانون الذي يكفل تطبيق قواعد قانونية دولية موحدة‪ ،‬تسري على كافة مراحل‬
‫التحكيم التجاري الدولي ويشكل قانون التجارة مصد ار رئيسيا للقانون الدولي للتحكيم باعتباره وثيق الصلة بالتحكيم‬
‫التجاري ويتضمن العديد من األحكام التي تكفل حل المنازعات الناشئة عن المعامالت التجارية الدولية‪.‬‬
‫‪ -‬أورده‪ :‬د‪ .‬حفيظة السيد حداد‪" :‬العقود المبرمة بين الدولة واألشخاص األجنبية"‪ ،‬دار النهضة العربية ‪،0228‬‬
‫ص‪.230‬‬

‫‪P 611‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫عليها وواجبة التنفيذ فورا‪ ،985‬األمر الذي يؤذي إلى تقلص الكثير من املشاكل القانونية‬

‫التي تعترض فاعلية اتفاق التحكيم ومن تم عدم الطعن في األحكام الصادرة عنه إال في‬

‫أضيق نطاق‪.986‬‬

‫ومما ال شك فيه أن املجال البحري مجال دولي بطبيعته‪ ،‬حيث يتم نقل البضائع‬

‫وغالبا ما يكون كل من مينائي الشحن والتفريغ في بلدين مختلفين‪ ،‬ومن ثم تنتقل البضائع‬

‫عبر حدود الدولة إلى دولة أخرى‪.‬‬

‫كما أن أطراف عقد النقل أو عقد املشارطة من مجهزين وشاحنين ومستأجرين‬

‫ومرسل إليهم ينتمون إلى دول مختلفة‪ ،‬ومن ثم فإن العالقات البحرية في الغالب األعم‬

‫يتدخل فيها عنصر أو أكثر من عناصر الدولية وبالتالي فإن الضرورة تحتم إنشاء محكمة‬

‫عليا للتحكيم التجاري الدولي عامة ولم ال محكمة عليا للتحكيم تختص في املنازعات‬

‫‪ -985‬يالحظ أن الدول اإلفريقية األعضاء في معاهدة ‪ OHADA‬وعددها ‪ 08‬دولة ناطقة بالفرنسية قد أنشأت محكمة‬
‫دولية فيما بينها تختص بمنح أحكام التحكيم القوة الملزمة ليصبح تنفيذها واجبا في كافة البلدان اإلفريقية األطراف‬
‫(المواد ‪)78-70‬‬ ‫في هذه المعاهدة‬
‫‪ -‬أورده‪ :‬د‪ .‬أحمد صالح علي مخلوف‪" :‬اتف ــاق التحكيم كأسلوب لتسوية منازعات عقود التجارة الدولية"مــرجع سابق‪،‬‬
‫هامش رقم ‪ 7‬ص‪.75 ،‬‬
‫‪ -986‬من المفيد عند بداية إنشاء المحكمة الدولية العليا للتحكيم التجاري الدولي أن تقتصر على أحكام التحكيم‬
‫الصادرة عن مراكز ومؤسسات التحكيم الدولية المختلفة‪ ،‬ذلك أن هذه األحكام هي التي يتوافر لها التنظيم الكافي‬
‫بحيث يمكن للمحكمة العليا عند الطعن عليها أن تطلب ملف الدعوى بسهولة‪ ،‬وأن تتحقق من كافة اإلجراءات التي‬
‫تم اتخاذها وفقا لقواعد وأحكام هذه المراكز وبذلك تتركز جميع أحكام التحكيم المؤسسي لدى المحكمة الدولية العليا‬
‫للتحكيم التجاري الدولي‪.‬‬
‫هذا وال صعوبة أمام المحكمة الدولية العليا للتحكيم التجاري الدولي للتحقق من توافر هذا الشرط‪ ،‬إذ يمكن تسجيل‬
‫كافة مراكز التحكيم الدولية أيا كان موقعها الجغرافي في قائمة لدى المحكمة‪ ،‬وهو ما يساعد في نفس الوقت على‬
‫إرساء دعائم النظام الجديد لهذه المحكمة‪.‬‬

‫‪P 611‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫البحرية تعمل على تطبيق قانون دولي للتحكيم البحري وذلك نظرا لكثرت وتنوع املنازعات‬

‫البحرية التي تعرض على التحكيم‪ ،‬ونظرا لكون مختلف املبادالت التجارية الدولية تتم عبر‬

‫البحر‪.‬‬

‫املبحث الثاني‪ :‬الطعن القضائي في حكم التحكيم البحري‬

‫إن اختيار التحكيم كوسيلة لفض النزاعات بصفة عامة واملنازعات البحرية بصفة‬

‫خاصة‪ ،‬ال يعني بأي حال من األحوال سلب القضاء إمكانية الرقابة الالحقة للمقرر‬

‫التحكيمي الذي سيصدر لحل النزاع‪.‬‬

‫ويعتبر الطعن بالبطالن من بين صور هذه الرقابة املخولة للمتقاض ي من أجل الدفاع‬

‫عن حقوقه أمام القضاء‪ ،‬إذ بموجبه يمكنه املطالبة بمراجعة األحكام الصادرة عن محاكم‬

‫دنيا أمام محاكم أعلى درجة‪ ،‬أو بمراجعة املحاكم لألحكام التي سبق أن أصدرتها ضدهم‪.987‬‬

‫وتعد مسألة مدى قابلية أحكام التحكيم للطعن واحدة من أدق اإلشكاليات التي‬

‫لذا فقد كانت هذه املسألة ومازالت محل جدل كبير‪ ،‬باعتبارها من‬ ‫الحل‪988‬‬ ‫تقتض ي‬

‫‪ -987‬د‪ .‬عبد الكريم الطالب‪" :‬الشرح العملي لقانون المسطرة المدنية"‪ ،‬المطبعة الوراقة الوطنية‪ ،‬طبعة ‪ ،8‬أكتوبر‬
‫‪ 7107‬ص‪.782‬‬
‫‪ -‬يكاد يجمع الفقه على أن البطالن ما هو إال جزاء نتيجة مخالفة العمل القانوني أو اإلجرائي لقاعدة جوهرية‪،‬‬
‫ويترتب على توافر عيب البطالن عدم إنتاج اآلثار القانونية واعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل العمل أو اإلجراء‬
‫الباطل‪.‬‬
‫‪ -‬أورده‪ :‬د‪ .‬عبد الباسط جميعي‪" :‬مبادئ المرافعات"‪ ،‬دار الفكر العربي‪ ،0225 ،‬ص ‪.520‬‬
‫‪ -‬د‪ .‬حسن المصري‪":‬التحكيم التجاري الدولي في ظل القانون الكويتي والقانون المقارن" بدون ناشر‪ ،‬طبعة ‪،0228‬‬
‫ص ‪.585‬‬
‫القصاص‪" :‬حكم التحكيم"‪ ،‬دار النهضة العربية ‪ 7111‬ص ‪.8‬‬
‫َّ‬ ‫‪ -988‬د‪ .‬عيد محمد‬

‫‪P 612‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫املسائل التي تبين مدى القوة التي تتمتع بها أحكام التحكيم‪ ،‬وكذلك مدى السلطات التي‬

‫يمنحها القانون للقضاء الوطني للرقابة على أحكام التحكيم‪ ،‬والتي تؤثر بشكل كبير ومباشر‬

‫كما تعتبر هذه املسألة من املسائل‬ ‫على فاعلية هذا النظام ومدى إقبال املتقاضين عليه‪989‬‬

‫املعقدة‪ ،‬نظرا الختالف االعتبارات التي يقوم عليها نظام التحكيم ومنها سرعة الفصل في‬

‫النزاع والسرية‪ ،‬واالعتبارات املختلفة التي يقوم عليها نظام الطعن بصفة عامة‪.990‬‬

‫فالطعن في حكم التحكيم ش يء ضروري ‪ -‬حماية للخصوم – حتى ال يتحصن حكم‬

‫التحكيم رغم العوار الذي قد يلحق به من جراء أخطاء املحكمين‪ ،‬وعدم تأسيس حكمهما‬

‫على حقيقة واقعية حتى يتمكن الخصوم من تصحيح ذلك‪ .‬وفي مقابل ذلك وبالنظر إلى‬

‫غاية التحكيم املتمثلة في البعد عن اإلجراءات املعقدة أمام قضاء الدولة وحماية أسرار‬

‫املتقاضين‪ ،‬والسرعة في اإلجراءات تستلزم أن نضعها في االعتبار عند الحديث عن نظام‬

‫الطعن األفضل لحكم التحكيم الذي يراعي مميزات التحكيم وفي نفس الوقت حماية‬

‫املتقاضين من أخطاء املحكمين‪.991‬‬

‫وبالرجوع إلى مقتضيات قانون املسطرة املدنية املغربي في هذا الشأن‪ ،‬يتضح بأن‬

‫أحكام املحكمين ال تخضع ألي وجه من أوجه الطعن‪ ،‬أي ال تقبل الطعن بالتعرض أو‬

‫‪ -989‬د‪ .‬علي بركات‪" :‬الطعن من أحكام التحكيم" دار النهضة العربية‪ ،7115،‬ص ‪.3-5‬‬
‫‪ -990‬د‪ .‬عيد محمد القصاص‪" :‬حكم التحكيم" مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.771‬‬
‫‪ -991‬د‪ .‬معتز عفيفي‪":‬نظام الطعن على حكم التحكيم‪ ،‬دراسة معمقة في ضوء آراء الفقه وأحكام القضاء وتشريعات‬
‫ولوائح هيئات التحكيم المقارنة"‪ ،‬دار الجامعة الجديدة للنشر‪ ،‬طبعة ‪ ،7107‬ص ‪.38‬‬

‫‪P 613‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫االستئناف أو النقض تطبيقا ملقتضيات الفصل ‪ 983‬من ق‪ .‬م‪ .‬م الذي جاء فيه بأنه "ال‬

‫يقبل حكم املحكمين الطعن في أية حالة"‪.992‬‬

‫ويختلف موقف القانون املغربي الحالي فيما يتعلق بمسألة الطعن‪ ،‬عن املوقف الذي‬

‫كان يؤخذ به تطبقا ملقتضيات قانون املسطرة أو اإلجراءات القديم‪ ،‬حيث كان هذا األخير‬

‫يجيز الطعن باالستئناف كما كان يجيز الطعن بإعادة النظر في أحكام املحكمين‪ ،‬تطبيقا‬

‫ملقتضيات املادتين ‪ 748‬و‪ ،993747‬هذا مع إمكانية األطراف في بعض الحاالت طلب إبطال‬

‫حكم املحكمين عن طريق التعرض على األمر بالتنفيذ أمام املحكمة التي أصدر رئيسها هذا‬

‫األمر‪.994‬‬

‫واتساقا مع ذلك‪ ،‬يتضح أن حكم املحكمين وفقا ملقتضيات قانون املسطرة املدنية‬

‫القديم يمكن أن يكون محل استئناف‪ ،‬أي أنه يقطع جميع مراحل التقاض ي العادية وبما‬

‫أن الحكم يقبل االستئناف فإنه كذلك يقبل الطعن بالنقض‪ ،‬ومن هنا كان املشرع املغربي‬

‫ينزل األحكام التحكيمية في مصاف األحكام القضائية العادية‪ ،‬وبالتالي فاملواطن يتمتع بحق‬

‫االستئناف وبحق الطعن بالنقض‪ ،‬باإلضافة إلى إعادة النظر‪.‬‬

‫‪ -992‬د‪.‬أحمد شكري السباعي‪":‬التحكيم التجاري في النظام القانوني المغربي" دفاتر المجلس األعلى العدد ‪،7117/7‬‬
‫ص‪.783‬‬
‫‪ -993‬قانون المسطرة المدنية القديم الصادر بموجب ظهير ‪ 07‬غشت ‪.0205‬‬
‫‪ -994‬الفصل ‪ 355‬من ق‪.‬م‪.‬م القديم تنص على أنه"وفي كل هذه األحوال‪ ،‬يجوز للخصوم أن يطعنوا بالتعرض على‬
‫األمر بالتنفيذ أمام المحكمة التي أصدر رئيسها هذا األمر‪ ،‬وأن يطلبوا ابطال حكم المحكمين"‪.‬‬

‫‪P 614‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫وكان قانون املسطرة املدنية القديم وفق مقتضيات الفقرة األخير من الفصل ‪249‬‬

‫يجيز أيضا طلب إبطال حكم املحكمين عن طريق التعرض على األمر بالتنفيذ أمام املحكمة‬

‫التي أصدر رئيسها هذا األمر‪ ،‬هذا ما تبنـاه املشرع املغربي من خالل قانون ‪ 01-02‬الذي أقر‬

‫باختصاص القضاء املغربي في دعاوي البطالن ضد أحكام تحكيمية صادرة في املغرب‬

‫تطبيقا ملقتضيات الفصل ‪ 972-28‬من ق‪ .‬م‪ .‬م الحالي الذي ينص على أنه "يكون الحكم‬

‫التحكيمي الصادر باململكة في مادة التحكيم قابال للطعن بالبطالن في الحاالت املنصوص‬

‫عليها في الفصل ‪ .995"972-43‬وهو نفس املوقف الذي تبناه املرسوم الفرنس ي رقم ‪7088/41‬‬

‫بتاريخ ‪ 89‬يناير ‪ .9967088‬على خالف بعض التشريعات األخرى التي تبنت االتجاه املوسع‬

‫كالقانون املصري الذي يخضع الحكم التحكيمي الدولي للطعن بالبطالن في مصر بغض‬

‫‪ -995‬في هذا اإلطار يرى د‪ .‬محمد الكشبور بأن "من المفيد اإلشارة هنا‪ ،‬أن هذا القانون قد وضع قواعد خاصة‬
‫بالطعن بالبطالن في نطاق التحكيم الداخلي مخالفة لتلك التي وضعها بشأن الطعن بالبطالن في نطاق التحكيم‬
‫الدولي‪ ،‬مع العلم أن هذا األخير يتميز بمرونة أكبر استدعتها متطلبات التجارة الدولية‪ ،‬ومصالح المستثمرين‪.‬‬
‫باإلضافة إلى مسايرة االتجاهات الحديثة السائدة في هذا المجال على مستوى القانون المقارن"‪.‬‬
‫بمناسبة تقديم كتاب‪ :‬د‪ .‬عبد اللطيف أبو العلف‪":‬الطعن بالبطالن في الحكم التحكيمي"‪ ،‬سلسلة الد ارسات القانونية‬
‫المعاصرة العدد ‪.71‬‬
‫‪ -‬ويرى د‪ .‬عبداهلل درميش بنفس المناسبة أنه" دون المغاالة في القول‪ ،‬فإن أهم ما استحدثه المشرع المغربي في‬
‫مؤسسة التحكيم بمقتضى قانون ‪ 18-13‬هو الطعن بالبطالن في الحكم التحكيمي‪ ،‬وبذلك يكون المشرع المغربي‬
‫قد أحدث انقالبا بالمفهوم اإليجابي للمحكمة في قواعد التحكيم‪ ،‬حينما ساير االتفاقيات الدولية وأغلب التشريعات‬
‫الوطنية التي أقرت هذا النوع من الطعن وهو طعن كان منصوصا عليه في قانون المسطرة المدنية لسنة ‪0205‬‬
‫وألغي بمقتضى قانون المسطرة المدنية لسنة ‪ 0225‬إلى أن عاد إليه المشرع في قانون ‪ 18-13‬والعود أحمد كمال‬
‫يقال"‪.‬‬
‫‪ -‬أورده‪ :‬د‪ .‬المحجوب فتح اهلل‪ :‬مرجع سابق هامش ‪ ،821‬ص ‪.518‬‬
‫‪ -996‬تنص المادة ‪ 0308‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬ف ما يلي‪:‬‬
‫‪"La sentence arbitrale rendue en France en matière d’arbitrage international ne peut‬‬
‫‪faire l’objet que d’un recours en annulation".‬‬

‫‪P 615‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫النظر عن مكان صدروه‪ .997‬وكذلك بالنسبة للقانون التونس ي الذي أعطى االختصاص‬

‫للنظر في الطعون املرفوعة ضد األحكام التحكيمية الصادرة داخل البالد أو خارجها إذا‬

‫اختار األطراف أو الهيئة التحكيمية تطبيق أحكام تحكيم املجلة التونسية‪.998‬‬

‫هكذا يتضح‪ ،‬أنه يمكن للقضاء بسط رقابته على أهم ما ينتج عن التحكيم وهو‬

‫الحكم التحكيمي فرغم أن اتفاق التحكيم يكف يد القاض ي عن نظر النزاع إال أن الرقابة‬

‫الالحقة لهذا االتفاق تؤكد احتفاظ القضاء بجزء من سلطاته يمارسها في شكل رقابة‬

‫الحقة على أهم ما ينتج على التحكيم وهو الحكم التحكيم الفاصل في النزاع‪.‬‬

‫هذا فقد اختلفت اآلراء بشأن الرقابة على أحكام املحكمين بحيث يرى البعض‪،999‬‬

‫بأن الطعن في حكم التحكيم ش يء ضروري لحماية الخصوم فهو ضمان احتياطي ما لم‬

‫يتركه الخصوم‪ .‬واستبعاده ينطوي على مخاطرة بحقوق األطراف‪ ،‬وبصفة خاصة عندما‬

‫‪ -997‬تنص المادة ‪ 2‬من قانون التحكيم المصري رقم ‪ 0225/72‬على أنه ‪" :‬يكون االختصاص بنظر مسائل‬
‫التحكيم التي يحيلها هذا ا لقانون إلى القضاء المصري للمحكمة المختصة أصال بنظر النزاع‪ ،‬أما إذا كان التحكيم‬
‫أو في الخارج فيكون اإلختصاص لمحكمة استئناف القاهرة ما لم يتفق‬ ‫تجاريا دوليا سواء جرى في مصر‬
‫الطرفان على إختصاص محكمة استئناف أخرى في مصر‪.‬‬
‫وتظل المحكمة التي ينعقد لها اإلختصاص وفقا للفقرة السابقة دون غيرها صاحبة اإلختصاص حتى انتهاء جميع‬
‫إجراءات التحكيم"‪.‬‬
‫‪ -998‬المادة ‪ 52‬من مجلة التحكيم التونسية تنص على أنه"تنطبق أحكام هذا الباب على التحكيم مع مراعاة االتفاقيات‬
‫التي ألتزمت الدولة التونسية بتنفيذها‪.‬‬
‫باستثناء أحكام الفصول ‪ 87 ،80 ،81 ،35 ،35‬من هذه المجلة ال تنطبق أحكام هذا الباب إال إذا كان مكان‬
‫التحكيم واقعا في التراب التونسي أو إذا وقع اختيار هذه األحكام سواء من قبل األطراف أو من قبل هيئة التحكيم"‪.‬‬
‫‪ -999‬د‪ .‬هدى محمد مجدي‪ ":‬دور المحكم في خصومة التحكيم وحدود سلطاته" دار النهضة العربية‪ ،‬طبعة ‪،0222‬‬
‫ص‪.573‬‬
‫‪- Pierre Mayer :" la sentence contraire à l’ordre public ou fond " Rev .Arb .1994. N° :‬‬
‫‪4‬‬

‫‪P 616‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫يقعون ضحية تدليس من طرف املحكم أو إهمال القائمين على مؤسسات التحكيم ويكون‬

‫الطعن على حكم التحكيم هاما على أساس ما قد يشوب الحكم من عيوب تستوجب‬

‫بطالنه‪.1000‬‬

‫فحكم التحكيم عمل بشري صادر عن إنسان ال يخوا من السهو والخطأ‪ ،‬لذا كان من‬

‫الضروري إخضاع أحكام التحكيم للطعن فيها بقصد مراجعتها حفاظا على حقوق‬

‫املتقاضين الذين يضارون من سهو املحكمين وأخطائهم‪ ،1001‬بحيث أن تنوع الطعون‬

‫واملستوى القضائي الذي يرفع إليه االستئناف يشكل بالنسبة للخصوم ضمانة ال يمكن‬

‫تجاهلهما لتخليص الحكم من العيوب املوجهة إليه‪.1002‬‬

‫كما أن تشعب الرقابة القضائية على أحكام التحكيم من خالل ما تفرضه طرق‬

‫الطعن من رقابة ليس فقط على ما تم الفصل فيه‪ ،‬أي على الرقابة الخارجية على الحكم‬

‫وإنما تمتد إلى رقابة صحة ومالءمة الحكم وكيفية اتخاذ قراره‪ ،‬فاستبعادها أكثر ضررا‬

‫للتحكيم كنظام كامل وكاف لحسم املنازعات‪.‬‬

‫فالطعن إذن في حكم التحكيم إجراء قضائي ويمثل ضمانة للعدالة‪ ،‬وال يجوز أن‬

‫تكون سرعة التقاض ي على حساب العدالة‪ ،‬خصوصا أنه قد تكون هناك دعاوي تحكيمية‬

‫‪ -1000‬د‪ .‬أبو الوفاء‪" :‬التحكيم في القانون الدولي" مقال منشور في المجلة المصرية للقانون الدولي‪ ،‬عدد ‪ ،31‬ص‬
‫‪.25‬‬
‫‪ -‬د‪.‬علي بركات‪" :‬الطعن في أحكام التحكيم" دار النهضة العربية‪ ،‬طبعة ‪ ،7115‬ص ‪.2‬‬ ‫‪1001‬‬

‫‪1002‬‬
‫‪- Robert (J) : "l’arbitrage droit interne, Droit international prive" 1996, 6éme édition,‬‬
‫‪Dalloz, P : 196.‬‬

‫‪P 617‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫كبيرة القيمة‪ ،‬وقصر التقاض ي بالنسبة لها على درجة واحدة فيها مخاطرة ال يمكن تداركها‬

‫بعد صدور الحكم‪ ،‬إذا وضعنا في االعتبار أن املحكم قد يخطئ وقد يصيب‪ ،1003‬فمنع‬

‫الطعن في حكم التحكيم معناه قفل الطريق إلى تصحيح خطأ املحكوم في تطبيق القانون‬

‫ومن ثم يصبح التزام املحكم بتطبيق القانون املوضوعي التزاما نظريا خاصة في غياب‬

‫الوسيلة الفعالة التي تجبر املحكم على تنفيذ ذلك االلتزام‪.‬‬

‫وبخالف ذلك يرى البعض األخر‪ ،‬إلى أن تنوع واختالف طرق الطعن في مسائل‬

‫التحكيم تؤدي إلى استنزاف جميع مزايا التحكيم‪ ،1004‬فالرجوع أمام قاض ي الدولة يلغي‬

‫مميزات التحكيم ومنها حرية اختيار القضاة وسرعة اإلجراءات وكتمان أسرار الخصوم‪،‬‬

‫ذلك أن استئناف حكم التحكيم يتعارض مع جوهر التحكيم بحجب املنازعة عن القضاء‬

‫الرسمي لفائدة املحاكمة الخاصة أي قضاء التحكيم‪ ،1005‬فعادة ما تكون الثقة في تقدير‬

‫املحكم وفي حسن عدالته‪ ،‬هي مبعث االتفاق على التحكيم‪ .‬لهذا يكون من املغاالة التمسك‬

‫بالشكليات بل نقول من املغاالة في تحقيق ضمانات الخصوم أن يكون حكم التحكيم قابال‬

‫للطعن‪ ،1006‬لذلك يجب التضييق من حرية ُمباشرة طرق الطعن على حكم التحكيم لتجنب‬

‫طول أمد النزاع وتعدد املنازعات مما يعرض الخصوم للخطر في بقائهم في دواليب النزاع‪،‬‬

‫‪ -1003‬د‪ .‬عزمي عبد الفتاح‪ " :‬قانون التحكيم الكويتي"‪ ،‬مطبوعات جامعة الكويت‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،0221‬ص‬
‫‪.533‬‬
‫‪1004‬‬
‫‪- Perrot (R) :"l’arbitrage et les voies de recours, Rev, Arb.1980.1, P : 23.‬‬
‫‪1005‬‬
‫‪- Loquin (E) : note sous cour d’appel de Versailles, C12 e, ch.16 octobre 1997,‬‬
‫‪Rev .Arb N° : 3. 1998, P : 572.‬‬
‫‪ -1006‬د‪ .‬أحمد أبو الوفاء‪":‬الجديد في عقد التحكيم واجراءاته" مجلة الحقوق للبحوث القانونية واالقتصادية‬
‫باإلسكندرية‪ ،‬سنة ‪ ،0221‬العدد األول‪ ،‬ص ‪.5‬‬

‫‪P 618‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫حيث أن املرحلة التي تلي أجل التحكيم سوف تطول بسبب تعقد طرق الطعن على الحكم‬

‫الصادر عن هيئة التحكيم أو عدم توافقها مع نظام التحكيم نفسه‪ ،1007‬فالرقابة املتشددة‬

‫تفسد غاية التحكيم‪ ،‬حيث أن هذا األخير نوع من القضاء الخاص يجب تجنب إعاقته من‬

‫خالل الرقابة املشددة‪ ،‬فإذا تم السماح بشكل موسع ملحاكم االستئناف أن تستبدل‬

‫تقديرات املحكمين بتقديرها الخاص‪ ،‬فإن الطعون ستكون ضارة أكثر منها نافعة‪ ،‬ألن‬

‫الكلمة األخيرة ستكون لقاض ي الدولة‪ ،‬وأن التحكيم يصبح مرحلة أولى وبالتالي تذهب غاية‬

‫التحكيم وهي البعد عن قضاء الدولة‪ .1008‬فكثرة الطعون تؤذي إلى الرغبة في عرقلة الحكم‬

‫أكثر من الرغبة في تقويم األخطاء فاملنازعات الالحقة على صدور حكم املحكمين تحد من‬
‫التحكيم‪.‬‬ ‫فعالية‬

‫من خالل كل ما تقدم يبرز موضوع املنازعات البحرية سواء أمام القضاء الوطني أو‬

‫أمام هيئات التحكيم‪ ،‬وما يتطلب من إملام بكل القوانين كانت وطنية أو دولية في ميدان‬

‫القانون التجاري البحري‪ ،‬مما يظهر معه أهمية تخصص القضاة في املجال البحري على‬

‫اعتبار أن التطبيق السليم ألحكام القانون البحري ال يتأتى إال بمعرفة كل القواعد الخاصة‬

‫التي تحكم العمليات التجارية البحرية والتي تأخذ بطبيعتها طابعا دوليا‪ ،‬وذلك حتى يكون‬

‫‪1007‬‬
‫‪- Loussouan (Y) : les voies de recours dans le décret du 14 mai 1980, Relatif à‬‬
‫‪l’arbitrage Rev, Arb, 1980, P : 672.‬‬
‫‪1008‬‬
‫‪- Pierre Mayer : "la sentence contraire à l’ordre public ou fond" Rev, Arb, 1994,‬‬
‫‪N° :4 P : 615-617.‬‬

‫‪P 611‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫القاض ي مساهما في تطبيق السياسة الوطنية الجديدة نحو االقتصاد وتشجيع االستثمار‬

‫األجنبي في املغرب‪.‬‬

‫خاتمة‪:‬‬

‫إن نجاح أسلوب التحكيم في حل املنازعات الدولية‪ ،‬ال يعني خلوه من بعض املثالب‬

‫فما زالت بعض جوانبه وما تثيره من مشكالت قانونية ستثير العديد من أقالم الفقهاء‬

‫وتتناولها أحكام القضاء لتدارسها ووضع الحلول املالئمة لها‪ ،‬وهو األمر الذي تؤكد عليه‬

‫جميع التشريعات الوطنية الخاصة بمسطرة التحكيم‪ ،‬وكذلك القوانين النموذجية‬

‫الصادرة عن املنظمات الدولية املعنية واالتفاقيات الدولية ذات الصلة باملوضوع‪.1009‬‬

‫ولعل من أهم املشكالت التي تواجه قرارات التحكيم‪ ،‬باإلضافة إلى الطعون هو عدم‬

‫تنفيذها من قبل الطرف املحكوم عليه‪.‬‬

‫فإذا كانت النتيجة الهامة للتحكيم تتمثل في الحكم الذي يتوصل إليه املحكوم‪ ،‬حيث‬

‫أن هذا األخير لن تكون له أية قيمة عملية إذا لم يتم تنفيذه‪ ،‬ألن تنفيذ حكم التحكيم‬

‫يمثل أساس ومحور نظام التحكيم نفسه وتتحدد به مدى فعاليته كأسلوب لفض وتسوية‬

‫املنازعات‪.1010‬‬

‫‪ -1009‬د‪ .‬رياض فخري‪" :‬اإلطار التشريعي الداخلي لتنفيذ أحكام التحكيم في المغرب" مقال منشور في المجلة‬
‫المغربية للوساطة والتحكيم العدد الخامس‪ .‬ص ‪.07‬‬
‫‪ -1010‬د‪ .‬صالح الدين جمال الدين‪ ،‬د‪ .‬محمود مصليحي‪" :‬الفعالية الدولية لقبول التحكيم في منازعات التجارة‬
‫الدولية" دار الفكر الجامعي‪ ،‬طبعة ‪ ،7115‬ص ‪.002‬‬

‫‪P 711‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫حيث أنه من املعلوم أن صدور أحكام التحكيم مجردة ال تحوز كقاعدة عامة القوة‬

‫التنفيذية‪ ،‬وإنما ال بد من صدور أمر خاص بها من القضاء الوطني في الدولة املراد تنفيذ‬

‫حكم التحكيم فيها يسمى بأمر التنفيذ‪ ،‬ومما ال شك فيه أن لتنفيذ حكم التحكيم قواعد‬

‫وأصول تختلف من دولة إلى أخرى‪ ،‬ولذلك فإنه يتحتم على املحكوم له بمقتض ى مقرر‬

‫تحكيمي اللجوء إلى آليات ومسطرة معينة لقهر ممانعة املحكوم ضده وفق النهج الذي‬

‫تسير عليه مختلف الدول في قوانينها الوطنية‪ ،‬وتختلف السبل في هذا الشأن إذ أن البعض‬

‫من القوانين تفرض نصوصا خاصة ملعالجة هذه املسألة بالنسبة للتحكيم التجاري الدولي‬

‫مع مراعاة االتفاقيات الثنائية أو الجماعية في حالة كون الدول املراد التنفيذ فيها منضمة‬

‫إلى تلك االتفاقيات بمعزل عن كل نصوص أخرى تهم تنفيذ مقررات التحكيم الداخلي‪.‬‬

‫‪P 711‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫الئحة املراجع‪:‬‬
‫د‪ .‬حفيظة السيد الحداد‪ ":‬املوجز في النظرية العامة في التحكيم التجاري الدولي‬

‫"منشورات الحلبي الحقوقية‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪.7004‬‬

‫د‪ .‬عاطف محمد الفقي‪ ":‬التحكيم في املنازعات البحرية‪ ،‬دراسة مقارنة التحكيم‬

‫البحري في لندن ونيويورك وباريس مع شرح أحكام قانون التحكيم املصري في املواد املدنية‬

‫والتجارية لسنة ‪ ،"8334‬دار النهضة العربية‪ ،‬طبعة ‪.7004‬‬

‫‪ .‬أحمد صالح علي مخلوف‪" :‬اتف ــاق التحكيم كأسلوب لتسوية منازعات عقود التجارة‬

‫الدولية"مــرجع سابق‪ ،‬هامش رقم ‪.7‬‬

‫د‪ .‬عبد الكريم الطالب‪" :‬الشرح العملي لقانون املسطرة املدنية"‪ ،‬املطبعة الوراقة‬

‫الوطنية‪ ،‬طبعة ‪ ،7‬أكتوبر ‪. 7087‬‬

‫د‪ .‬حسن املصري‪":‬التحكيم التجاري الدولي في ظل القانون الكويتي والقانون املقارن"‬

‫بدون ناشر‪ ،‬طبعة ‪.8337‬‬

‫‪ .‬معتز عفيفي‪":‬نظام الطعن على حكم التحكيم‪ ،‬دراسة معمقة في ضوء آراء الفقه‬

‫وأحكام القضاء وتشريعات ولوائح هيئات التحكيم املقارنة"‪ ،‬دار الجامعة الجديدة للنشر‪،‬‬

‫طبعة ‪.7087‬‬

‫د‪.‬أحمد شكري السباعي‪":‬التحكيم التجاري في النظام القانوني املغربي" دفاتر املجلس‬

‫األعلى العدد ‪.7007/7‬‬

‫‪P 712‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫‪ .‬عبدهللا درميش بنفس املناسبة أنه" دون املغاالة في القول‪ ،‬فإن أهم ما استحدثه‬

‫املشرع املغربي في مؤسسة التحكيم بمقتض ى قانون ‪. 01-02‬‬

‫‪P 713‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫مقاالت وأحباث‬
‫قانونية وقضائية‬
‫باللغة الفرنسية‬

‫‪P 714‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس‬40 ‫العدد‬

à é
é è

« L’observance des règles de la bonne


gouvernance : procédé préventif contre
les situations de conflits d’intérêts. »
« Compliance with the rules of good governanc: preventive method against sit
uations of conflict of interest. »
- Il y a une dizaine d'années, personne n'en parlait : le conflit d'intérêts était
considéré comme une notion purement philosophique. Aujourd'hui, il est tous les jours
sur la table1011.

Face à l’hétérogénéité des situations de conflits d’intérêts, et pour établir un lien


de confiance et protéger l’intérêt social, il convient d’adopter un arsenal de mesures
préventives. En revanche, ces dernières doivent se caractériser d’une intensité variable
et se combiner entre elles pour jouer le rôle de filtre. Si elles consistent parfois à interdire,
elles insistent souvent à garantir une meilleure information par souci de transparence à
travers la mise en place d’un procédé préventif contre ces situations.

En fait, lorsqu’une problématique de conflit d’intérêts est appréhendée avec


rigueur et via des fondements rationnels, elle devient un mécanisme de bonne
gouvernance et peut s’avérer être une clé de performance et de compétitivité.

1011
Entretien avec Dominique Schmidt avocat au barreau de Paris et professeur agrégé des facultés de droit : «
Aujourd'hui, le conflit d'intérêts est tous les jours sur la table », avec La Croix le 22/06/2010, https://www.la-
croix.com.

P 715 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس‬40 ‫العدد‬

- Some time ago, nobody talked about it: the conflict of interest was seen as a
purely philosophical concept. Today, it is on the table every day.

In view of the heterogeneity of conflict of interest situations, and in order to


establish a relationship of trust and protect the social interest, a range of preventive
measures should be adopte. On the other hand, these measures must be characterized
by a variable intensity and combine to act as a filter. Although they sometimes consist of
a ban, they often insist on guaranteeing better information for the sake of transparency
by putting in place a preventive method against these situations.

In fact, when a conflict of interest issue is addressed rigorously and on rational


grounds, it becomes a mechanism for good governance and can prove to be a key to
performance and competitiveness.

Introduction :

Au sein de l’entreprise, l’intérêt commun a pour antonyme le conflit


d’intérêts. Car L’intérêt commun impulse la vie sociale, alors que le conflit la dérègle et
rompt la relation entre associés et parfois détruit la société.

Il y a conflit d'intérêts lorsqu'une personne choisit d'exercer son pouvoir contre


l’intérêt commun, dans l’intention de servir ses propres intérêts personnels en dehors de
l'entreprise, ou bien s’octroyer dans la société un avantage au détriment des autres.

De ce fait, l’exigence d’un bon fonctionnement de la société nécessite un


traitement efficace de ces conflits dont l’exécution est réalisée sous la perspective de
trois procédés : la prévention, le contrôle et la sanction.

P 716 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس‬40 ‫العدد‬

Concernant l’encadrement préventif des conflits d’intérêts en droit des affaires, il


repose aujourd’hui sur des valeurs et des fondements généraux permettant d’arbitrer les
différentes situations de conflits d’intérêts.

Par ailleurs, la gestion des conflits d’intérêts dans l’entreprise est un impératif de
gouvernance qui vise à appréhender les oppositions entre l’intérêt personnel des acteurs
de l’entreprise et la mission qui leur a été confiée.

A cet effet, chaque société doit définir les règles qu’elle doit suivre pour mettre en
application une bonne gouvernance, dont les principes sont fondées sur des dispositifs
légales et réglementaires qui doivent être respectées que ce soit dans l’esprit que dans la
forme.

En revanche, la bonne gouvernance constitue un concept holistique qui s’applique


à plusieurs niveaux, et pour plusieurs objectifs, dans un environnement marqué par des
conflits d’intérêts, des situations d’incertitudes et d’asymétrie d’information.

C’est une notion qui est historiquement et intimement attachée à la vie publique,
mais qui s’est progressivement étendue à la vie des affaires.

Ne pas prendre en compte les conflits d’intérêts dans la gouvernance des


entreprise peut mettre gravement en cause la notoriété de la société et de ces dirigeants
et entraine la mise en jeu de leur responsabilité.

D’ailleurs de nombreux scandales éthiques et de situations de fraude auraient pu


être évités par le passé si les conflits d'intérêts ont été détectés et traités, grâce à des
mesures de prévention strictes et transparentes basées sur des principes de bonne
gouvernance.

La problématique qui se pose dans ce cadre se traduit à travers les questions


suivantes :

P 717 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس‬40 ‫العدد‬

 Comment assurer et garantir une prévention des conflits d’intérêts par le biais
du respect des principes de la bonne gouvernance ?

 Quels sont les procédés de gouvernance permettant la prévention de ce type


de conflits au sein de la société ?

Pour y répondre, nous allons traiter dans un premier axe les aspects de la mise en
œuvre des principes de la bonne gouvernance dans la gestion des conflits d’intérêts.

Le deuxième axe portera sur l’importance des dispositifs de gouvernance -à savoir


les codes de bonne pratique de gouvernance des entreprises, les codes de déontologie et
les règlements intérieurs- dans la prévention et la gestion des conflits d’intérêts au sein
de l’entreprise.

1. Les aspects de la mise en œuvre des principes de la bonne gouvernance dans


la gestion des conflits d’intérêts :

Le traitement des conflits d’intérêts dans l’entreprise constitue la finalité


cruciale de la gouvernance, visant à gérer les antagonismes entre l’intérêt personnel des
acteurs de l’entreprise et la mission qui leur a été confiée.

D’ailleurs, plusieurs bonnes pratiques de gouvernance existent notamment pour


une prévention ainsi qu’une détection commode et optimisée de ces conflits.

Attendu que le silence nourrissant la suspicion, La révélation constitue l’un des


piliers de la prévention des conflits, qui se traduit d’une part par, un devoir de vigilance
face aux situations de conflits décelées, tout en utilisant les moyens d’information mises
en place par l’entreprise, Et d’autre part, par le devoir de loyauté imposant à tout
mandataire social titulaire d’un pouvoir ou d’un mandat, de se déporter lorsqu’il se
trouve en situation de conflit d’intérêts, et d’agir avec impartialité et dans l’intérêt de la
société, à l’exclusion de tout intérêt personnel conflictuel.

P 718 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس‬40 ‫العدد‬

Face à un tel dilemme tout mandataire est tenu, pendant toute la durée de son
mandat, de « s’efforcer d’éviter tout conflit pouvant exister entre ses intérêts moraux et
matériels et ceux de la société1012 », le cas échéant, d’apprécier par lui-même, si sa
situation est susceptible de générer un conflit d’intérêts.

Suivant le même raisonnement, il est considérable que le non-respect du devoir de


loyauté constitue le pivot de la prohibition des conflits d’intérêts dans l’ensemble du
droit privé1013, puisque « la loyauté implique une unité de comportement que le conflit
d'intérêts remet en cause. Peu importe que soient visées la bonne foi, la neutralité,
l'impartialité ou l'objectivité du professionnel, c'est toujours la même exigence de
loyauté qui est requise et le même comportement qui est stigmatisé : l'attitude qui
consiste pour une personne à privilégier ses intérêts propres au détriment d'intérêts
supérieurs1014 ».

En revanche, ce devoir de loyauté impose principalement deux obligations, celle


d’information et de non concurrence.

Concernant l’obligation d’information qui est le résultat inévitable du devoir de


loyauté, la cour de cassation française1015 a jugé qu’ « avait manqué à son devoir de
loyauté envers les associées, le dirigeant d’une société ayant laissé les associés dans
l’ignorance de l’opération d’acquisition pour son propre compte d’un immeuble que les
associés envisageaient d’acquérir ensemble pou y exercer leur activité ».

1012
Article 5 de la charte de l’Institut Français des Administrateurs (IFA) : « L’administrateur s’efforce d’éviter tout
conflit pouvant exister entre ses intérêts moraux et matériels et ceux de la société. Il informe le conseil de tout conflit
d’intérêt dans lequel il pourrait être impliqué. Dans les cas où il ne peut éviter de se trouver en conflit d’intérêt, il
s’abstient de participer aux débats ainsi qu’à toute décision sur les matières concernées ».
1013
Définir les conflits d’intérêts, article publié par Joël Moret-Bailly Maître de conférences en droit privé* Université
de Lyon CE.R.CRI.D. – UMR CNRS 5137 Université Jean Monnet de Saint Etienne. Page 6.
1014
V. Magnier, Les conflits d'intérêts dans les Principles of corporate governance, préc., 139. Le droit anglo-
américain applique les règles dérivées de la fiducie aux banquiers, dirigeants d'entreprise, gestionnaires de patrimoine,
de fonds de pension, juristes, parents agissant pour le compte de leurs enfants etc., M. Rodwin, Medicine, money and
morals. Physicians conflicts of interest, préc. 179-211.
1015 Cass.com., 18 déc. 2012, n° 11-24.305 : D. 2013, p. 83, obs. A. Lienhard et p.288, note TH. Favario ; JCP E 2013,

note M. Roussille ; Rev. Sociétés 2013, p. 362, note TH.Massart ; RTD com. 2013, p.90, obs. P. Le Cannu et B.
Dondero.

P 711 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس‬40 ‫العدد‬

Quant à l’obligation de non concurrence, un arrêt dit KOPCIO1016 prévoit que « le


dirigeant d’une société avait, après avoir démissionné de celle-ci, créé une société
concurrente et embauché plusieurs salariés de l’ancienne société, la cour de cassation a
cassé l’arrêt d’appel ayant rejeté l’action en responsabilité menée par l’ancienne société,
au motif que la cour d’appel n’avait pas vérifié les conditions dans lesquelles les anciens
salariés avaient été réembauchés par l’ancien dirigeant, tenu à une obligation de loyauté
envers cette société ».

A noter même que ce principe implicite influençant les règles propres aux
conventions réglementées a été déclaré comme un devoir de loyauté.

Autrement dit, « dans les rapports entre le dirigeant d’une société et la société qu'il
dirige, particulièrement en ce qui concerne les conventions passées entre le premier et la
seconde, à savoir les conventions réglementées, qui obéissent à un régime particulier : le
dirigeant intéressé doit informer le conseil d'administration de la convention projetée,
celui-ci donnant son autorisation préalable à la conclusion de chaque convention1017. Au-
delà des conditions, tant de fond que procédurales entourant ces conventions, il est clair
que l'on n'attend pas du dirigeant de la société commerciale qu'il soit indépendant vis-à-
vis d'autres intérêts ; on attend de lui, plus positivement, qu'il soit loyal à la société qu'il
dirige1018 ».

1016 Cass. Com., 24 fév. 1998, n° 96-12. 638 : Bull. civ. 1998, IV, n° 86 ; RTD com. 1998, 612, obs. Champaud et
Danet ; JCP G 1998, II, 10003, note keita.
1017
Article 56 de la loi 17-95 sur les sociétés anonymes : « Toute convention intervenant entre une société anonyme
et l'un de ses administrateurs ou son directeur général ou son directeur général délégué ou ses directeurs généraux
délégués, selon le cas, ou l'un de ses actionnaires détenant, directement ou indirectement, plus de cinq pour cent du
capital ou des droits de vote doit être soumise à l'autorisation préalable du conseil d'administration. Il en est de même
des conventions auxquelles une des personnes visées au 1er alinéa ci-dessus est indirectement intéressée ou dans
lesquelles il traite avec la société par personne interposée. Sont également soumises à autorisation préalable du conseil
d'administration, les conventions intervenant entre une société anonyme et une entreprise, si l'un des administrateurs
ou directeur général ou directeur général délégué ou directeurs généraux délégués, selon le cas, de la société est
propriétaire, associé indéfiniment responsable, gérant, administrateur ou directeur général de l'entreprise ou membre
de son directoire ou de son conseil de surveillance. »
1018
Définir les conflits d’intérêts, Joël Moret-Bailly : Maître de conférences en droit privé, Université de Lyon
CE.R.CRI.D. – UMR CNRS 5137 Université Jean Monnet de Saint Etienne. Page 7.

P 711 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس‬40 ‫العدد‬

La transparence constitue également l’une des principes de bonne gouvernance


dont le respect est nécessaire pour prévenir contre les conflits d’intérêts, à travers
l’obligation de révélation. La finalité de ce dispositif d’information permet de détecter
l’existante hâtive du conflit, de manière à minimiser et diminuer son impact
dommageable sur la société et les actionnaires. Ceux-ci, étant avertis, pourront agir et
réagir en connaissance de cause pour accepter ou non l’avantage reçu par l’un d’entre
eux.

La communication de l’information est procédée d’une obligation fondée sur la


communauté d’intérêt des associées. Partageant tous le risque social, chacun des
associés veille à le limiter et celui qui détient une information utile à la prise d’une
meilleure décision la porte à la connaissance des membres de l’organe délibérant. Cette
divulgation sert l’intérêt de tous et de celui qui fait partager l’information.

La mise en œuvre de cette obligation d’information est importante lorsqu’une


personne entend bénéficier d’avantage particulier (un droit aux profits non partagé par
ses associés), car elle doit en informer en révélant le nom du bénéficiaire ainsi que la
nature et l’importance de l’avantage à consentir à travers un rapport établi par un ou
plusieurs commissaires aux apports et qui est porté à la connaissance des actionnaires.

Ce principe a été même adopté par les dispositions phares de l’article 57 de la loi
78-12 modifiant et complétant la loi 17-95 relative aux sociétés anonymes, qui a créé
dans un cadre préventif, une obligation d’information sur les conventions portant sur des
opérations courantes et conclues à des conditions normales lorsqu’en raison de leur objet
ou de leurs implications financières ne sont significatives pour aucune des parties.

Dans ce cadre, L’obligation d’information prend la forme d’une communication de


ces conventions par la partie “intéressée” au Président du conseil d’administration qui, à

P 711 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس‬40 ‫العدد‬

son tour, communique leur liste aux membres du conseil et aux commissaires aux
comptes dans les soixante jours suivant la clôture de l’exercice1019.

Véritable pilier de la bonne gouvernance, l’indépendance est considérée comme le


ressort essentiel de la gestion des conflits d’intérêts au sein de la société.

En effet, la limitation du cumul des mandats consiste un moyen primordial pour


sauvegarder l’indépendance des différentes parties prenantes de la société.

Clairement, la meilleure mesure de prévention réside dans l’édiction d’interdiction


et d’incompatibilité empêchant qu’une personne ayant des intérêts ou des fonctions
dans une société prenne par ailleurs des intérêts ou des fonctions susceptibles
d’engendrer un conflit d’intérêts. De telles prescriptions ne sont pas seulement utiles ;
elles sont nécessaires.

De ce fait, le législateur a posé un certain nombre d’incompatibilités 1020 -qui se


poursuivent même dans le temps1021- pour garantir l’indépendance des commissaires aux
comptes qui son objectivement en situation d’opposition d’intérêts car ils sont désignés
et rémunérés par l’entité dont ils sont chargés de certifier les comptes, ajoutant aussi que
la nature de leur mission exige une certaine indépendance, vis-à-vis les dirigeants et les
associés.

Si l'une des causes d'incompatibilité survient en cours du mandat, l'intéressé doit


cesser immédiatement d'exercer ses fonctions et en informer le conseil d'administration

1019
Article 57 de la loi 78-12 modifiant et complétant la loi 17-95 relative aux sociétés anonymes : « […] ces
conventions, sauf lorsqu'en raison de leur objet ou de leurs implications financières ne sont significatives pour aucune
des parties, sont communiquées par l'intéressé au président du conseil d'administration. La liste comprenant l'objet et
les conditions desdites conventions est communiquée par le président aux membres du conseil d'administration et au
ou aux commissaires aux comptes dans les soixante jours qui suivent la clôture de l'exercice. »
1020
Article 161 de la loi 17-95 prévoit une incompatibilité entre les fonctions des fondateurs, apporteurs en nature,
bénéficiaires d’avantages particuliers ainsi que les administrateurs, les membres du conseil de surveillance ou du
directoire de la société ou de l’une de ses filiales…
1021 Article 162 de la loi 17-95 ; Les commissaires aux comptes ne peuvent être désignés comme administrateurs,

directeurs généraux ou membres du directoire des sociétés qu’ils contrôlent qu’après un délai minimum de 5 ans à
compter de la fin de leurs fonctions. Ils ne peuvent, dans ce même délai, exercer lesdites fonctions dans une société
détenant 10 % ou plus du capital de la société dont ils contrôlent les comptes.

P 712 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس‬40 ‫العدد‬

ou le conseil de surveillance, au plus tard quinze jours après la survenance de cette


incompatibilité1022.

Par ailleurs, « la récusation du commissaire aux comptes par une décision


judiciaire est toujours possible, chaque fois qu’il fasse un acte portant atteinte à la
fiabilité ou l’impartialité de ses rapports. Il en est de même lorsqu’il omette de déclarer
un fait quelconque de nature à mettre en cause sa mission »1023.

Cette incompatibilité concerne aussi les membres du conseil de surveillance qui


ne peuvent faire partie du directoire, conformément à l’article 86 de la loi 17-95 sur les
sociétés anonymes.

Et si un membre du conseil de surveillance est nommé au directoire, son mandat


au conseil prend fin dès son entrée en fonction1024.

L’article ajoute qu’aucune personne physique, salariée ou mandataire social d’une


personne morale membre du conseil de surveillance de la société ne peut faire partie du
directoire.

L’importance des dispositifs de gouvernance des entreprises dans la


prévention et la gestion des conflits d’intérêts.

Bien entendu, Les conflits d’intérêts se présentent en effet sous une pluralité de
formes et de circonstances et se cachent sous des dehors souvent difficiles à déceler.

1022
Article 161 alinéa 2 DE LA LOI N° 17-95 RELATIVE AUX SOCIETES ANONYMES.
1023
ESSAKALI Said, article sur les principes du gouvernement d’entreprise et la prévention des conflits d’intérêts
dans la société anonyme, page 32, publié sur « la revue marocaine des études et consultations juridiques N°7/
2017 » page 18-32.
1024
Article 86 alinéa 2 DE LA LOI N° 17-95 RELATIVE AUX SOCIETES ANONYMES.

P 713 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس‬40 ‫العدد‬

Par conséquent, toute politique de l’entreprise en matière de conflits d’intérêts


devra d’abord se fonder sur des outils et des dispositifs permettant d’identifier ces
situations en fonction des caractéristiques propres à l’entreprise.

D’ailleurs la lutte contre les conflits d’intérêts n’est plus uniquement assurée par
les textes législatifs ou autrement dit le « droit dur », mais aussi par les codes de
gouvernances d’entreprise et de déontologie, les chartes et les règlements intérieurs qui
visent spécifiquement à prévenir et gérer les conflits d’intérêts au sein de l’entreprise.

Afin de réussir ainsi que concrétiser la diffusion et la consécration des principes de


la bonne gouvernance que la Commission Nationale de Gouvernance d’Entreprise a
élaborée et lancée, en mars 2008, « le Code Marocain des Bonnes Pratiques de
Gouvernance d’Entreprise, rassemblant des principes généraux de bonnes pratiques de
gouvernance. Cette Commission a, également, lancé les annexes spécifiques aux petites
et moyennes entreprises (PME) et aux établissements de crédit respectivement en
décembre 2008 et en avril 20101025 ».

Ce code constitue un recueil de lignes de conduite et de recommandations


complémentaires à la loi et aux règlements, qui s’adresse à toutes les entreprises
soucieuses d’accroître leur performance et leur valeur de manière durable grâce à
l’adoption des meilleures pratiques de Gouvernance d’Entreprise1026.

Ce procédé s’intéresse au système de gestion et de contrôle adopté par les


entreprises, en s’assurant de la capacité des organes de gestion à mettre en œuvre des
mesures de contrôle efficaces et fiables destinées au traitement des conflits d’intérêts
potentiels et les risques éventuels et empêcher tout abus de pouvoir de nature à faire
prévaloir des intérêts particuliers sur "l’intérêt social".

1025
https://gouvernance.weebly.com/preacuteambule.html
1026 Code Marocain de Bonnes Pratiques de Gouvernance d’Entreprise PME, page 9, A qui s’adresse ce code ?

P 714 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس‬40 ‫العدد‬

En fait, ce mode de gouvernance axé sur la distinction entre l’actionnariat (la


propriété) et le management (le pouvoir) est en mesure de contribuer effectivement à la
prévention des conflits d’intérêts, étant donné que la dissociation entre les fonctions du
président du conseil d’administration et celle de la direction générale présente plusieurs
avantages.

Ainsi, les pratiques du gouvernement d’entreprise se basent sur un ensemble de


règles et de principes, tels que la transparence, l’intégrité, et la répartition des pouvoirs…,
qui sont des mécanismes destinés à garantir un exercice sain du pouvoir, et un certain
équilibre entre les intérêts divergents.

Le règlement intérieur constitue bien aussi un dispositif indispensable pour


prévenir et gérer les situations de conflits d’intérêts au sein de l’entreprise.

Il énumère les règles de bonne conduite et les pratiques de bonne gouvernance


que les parties prenantes doivent observer et respecter quotidiennement, ce qui instaure
un climat de travail transparent et sécurisé, environné d’assurance et de responsabilité
bien comprise1027. Il fixe également les modalités de prévention et les mesures
nécessaires pour faire face aux situations pouvant entraîner des conflits d’intérêts réels
ou potentiels, mais aussi aux situations de perception de conflits d’intérêts

Ce règlement expose et illustre les principes directeurs de prévention contre les


situations susceptibles de favoriser un intérêt privé au détriment de l’intérêt commun,
afin de protéger l’entreprise des effets dommageables sur son fonctionnement et sa
réputation contre des situations effectives de conflits d’intérêts.

La finalité de ce dispositif consiste à déterminer principalement les mesures


organisationnelles et des procédures administratives permettant la détection et la

1027 FEDERAL FINANCE, Politique de prévention et de gestion des conflits d’intérêts 2020.

P 715 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس‬40 ‫العدد‬

gestion des conflits d'intérêts potentiels, de plus, à édicter les dispositions disciplinaire
et judiciaire prise à l’encontre des auteurs de l’acte préjudiciable.

En revanche, au cours des dernières décennies, la pression conjuguée des


législateurs et des opinions publiques a conduit à une prise de conscience progressive par
les entreprises des préoccupations éthiques résultant de leurs activités. Cette évolution
radicale de l’environnement des entreprises juxtaposée aux multiples démentions de la
mondialisation a donné naissance à la notion d’éthique des affaires, dans le cadre de
laquelle se situent les préoccupations des entreprises en matière de conflits d’intérêts.

Dans le sens d’une moralisation des pratiques de la vie des affaires et


pour répondre aux attentes de l’opinion publique ainsi qu’à celles du marché, les
entreprises se dotent progressivement d’une Charte d’éthique1028.

A la différence du règlement intérieur qui est limité aux engagements et


obligations de l'employeur et des salariés, le code d’éthique permet de formaliser un
certain nombre de principes d'actions et de normes qui vont au-delà des obligations
légales de l’employeur1029.

D’ailleurs, ce code s’applique à l’intérieur de l’entreprise ou du groupe, mais peut


aussi concerner les rapports de celle ou celui-ci avec l’extérieur.

Grosso modo, cette charte est une déclaration officielle des valeurs essentielles
ainsi que les pratiques et les normes commerciales publiquement reconnues que
l’entreprise entend respecter.

1028 https://www.ifa-asso.com/mediatheques/que-contient-le-code-dethique-exemples-et-
modeles/#:~:text=Dans%20le%20sens%20d'une,conduite%20et%20de%20chartes%20%C3%A9thiques.
1029 https://www.l-expert-comptable.com/a/531136-code-ou-charte-ethique-leur-role-au-sein-de-l-entreprise-et-leur-

portee-juridique.html

P 716 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس‬40 ‫العدد‬

Alors, dans un souci de prévention des conflits d’intérêts, ce code répertorie


l’ensemble des valeurs, des comportements et normes éthiques adoptés face à des
situations de conflits.

Conclusion :

En guise de conclusion, nous pouvons constater que le discernement de la partie


potentiellement en conflit, ainsi que celui de l’entreprise, devront alors s’opérer à travers
une panoplie de concepts de base tels que la loyauté, la transparence et l’intérêt social…

D’ailleurs, Il est de plus en plus attendu des acteurs de l’entreprise qu’ils respectent
des normes de comportement déontologiques similaires à celles retenues par certaines
professions réglementées, en ayant recours à d’autres principes essentiels tels que la
conscience, la probité, la prudence, et la diligence. Conjugués aux principes de loyauté,
de transparence et de respect de l’intérêt social, car de tels fondements peuvent
constituer des repères utiles pour guider les décisions au sein de l’entreprise.

En effet, l’adoption de tel arsenal constitue un moyen pour susciter la confiance


des marchés, et de favoriser l’établissement du flux d’investissements internationaux à
long terme d’une manière plus stable.

En revanche, ces règles ne suffisent pas à elles seule, car leur efficacité réside dans
leur application et mise en œuvre sérieuse et efficiente par les différentes parties
prenantes.

Bibliographie:

Textes de lois :

P 717 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس‬40 ‫العدد‬

Dahir n° 1-96-124 du (14 RABII II 1417) portant promulgation de la loi n° 17-95


relative aux sociétés anonymes, telle qu’elle a été modifiée et complétée par les textes
suivants : la loi n°19-20 ; la loi n° 20-19; la loi n° 78-12; la loi n° 20-05.

Dahir n° 1-97-49 (5 chaoual 1417) portant promulgation de la loi n° 5-96 sur la


société en nom collectif, la société en commandite simple, la société en commandite par
actions, la société à responsabilité limitée et la société en participation (B.O. 1er mai
1997), telle qu’elle a été modifiée et complétée par le Dahir n° 1-11-39 du (29 Joumada II
1432) (02 juin 2011) portant promulgation de la loi n°24-10.

Dahir n° 1-13-21 du 1 Joumada I 1434 (13 mars 2013) portant promulgation de la


loi n° 43-12 relative à l’Autorité Marocaine du Marché des Capitaux (AMMC).

Dahir n° 1-92-139 du 14 rejeb 1413 (8 janvier 1993) portant promulgation de la loi


n° 15-89 réglementant la profession d’expert comptable et instituant un ordre des
experts comptables.

Ouvrages et articles :

Les conflits d’intérêts dans la société anonyme, Dominique SCHMIDT. Edition :


JOLY, DELTA. 2ème éd., 2004.

Les conflits d’intérêts dans le monde des affaires, un Janus à combattre ? Sous la
direction de Véronique MAGNIER. Presses Universitaires de France – P.U.F/ centre de
droit privé et de sciences criminelles d’Amiens - CEPRISCA. Date de parution 03/2006.

Les conflits d’intérêts dans l’entreprise (identifier, prévenir et gérer les conflits
d’intérêts) Charles-Henri, BOERINGER. Jean-Yves, TROCHON. Luc, ATHLAN. Thomas,
BAUDESSON. Daniel, LEBEGUE., Editeur : LexisNexis. Collection : Droit et Pressionnels.
Parution 06/2016.

P 718 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫ م‬2022 ‫ من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس‬40 ‫العدد‬

Les principes du gouvernement d’entreprise et la prévention des conflits d’intérêts


dans la société anonyme. Said ESSAKALI. Revue marocaine des études et consultations
juridiques, N°07-2017, p (18→32).

Gouvernance : huit principes à respecter, Mr. Richard DROUIN, avocat-conseil,


McCarthy Tétrault. Entrevue dans le journal électronique ‘LES AFFAIRES’, publiée le
17/03/2014.

Définir les conflits d’intérêts, Joël Moret-Bailly : Maître de conférences en droit


privé, Université de Lyon CE.R.CRI.D. – UMR CNRS 5137 Université Jean Monnet de Saint
Etienne.

P 711 ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫مت حبمد اهلل وقوته‬

‫‪P 721‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬


‫العدد ‪ 40‬من جملة الباحث للدراسات واألحباث القانونية والقضائية – لشهر مــــارس ‪ 2022‬م‬

‫صدر سابقا من جملة الباحث األعداد التالية‬

‫رابط تحميل جميع األعداد أذناه‪:‬‬

‫‪https://www.allbahit.com/search/label‬‬
‫‪P 721‬‬ ‫مـجلة قانونية علمية حمكمة‬

You might also like