You are on page 1of 87

‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.

‬‬

‫إهداء‬
‫إﻟﻰ ﻣﻦ رﻛﻊ ﻟﻬﺎ اﻟﻌﻄﺎء أﻣﺎم ﻗﺪﻣﻴﻬﺎ و أﺳﻘﺘﻨﻲ ﻣﻦ دﻣﻬﺎ وروﺣﻬﺎ‬

‫وﻋﻤﺮﻫﺎ ﺣﺒﺎ ودﻓﻌﺎ ﻟﻐﺪ أﺟﻤﻞ إﻟﻰ اﻟﻐﺎﻟﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻻ أرى اﻷﻣﻞ إﻻ ﻣﻦ‬

‫ﻋﻴﻨﻬﺎ "أﻣﻲ اﻟﺤﺒﻴﺒﺔ"‪.‬‬

‫"إﻟﻰ أﺑﻲ" اﻟﺬي ﻟﻢ ﻳﺒﺨﻞ ﻋﻠﻲ ﻳﻮﻣﺎ ﺑﺸﻲء‪.‬‬

‫إﻟﻰ رﻣﺰ اﻟﺮﺟﻮﻟﺔ و اﻟﺘﻀﺤﻴﺔ‪ ،‬إﻟﻰ ﻣﻦ دﻓﻌﻨﻲ إﻟﻰ اﻟﻌﻠﻢ و ﺑﻪ أزداد‬

‫ﻓﺨﺮا و إﻓﺘﺨﺎرا "أﺧﻲ اﻟﻜﺒﻴﺮ"‪.‬‬

‫إﻟﻰ اﻟﻘﻠﻮب اﻟﻄﺎﻫﺮة اﻟﺮﻗﻴﺔ واﻟﻨﻔﻮس اﻟﺒﺮﻳﺌﺔ‪ ،‬إﻟﻰ رﻳﺎﺣﻴﻦ ﺣﻴﺎﺗﻲ‬

‫"إﺧﻮﺗﻲ"‪.‬‬

‫اﻗﻮل ﻟﻬﻢ " وﻫﺒﺘﻤﻮﻧﻲ اﻟﺤﻴﺎة واﻷﻣﻞ واﻟﻨﺸﺄة ﻋﻠﻰ ﺷﻐﻒ اﻹﻃﻼع‬

‫واﻟﻤﻌﺮﻓﺔ"‪.‬‬

‫وإﻟﻰ اﻟﻜﻞ أﻗﻮل"ﻛﻦ ﻋﺎﻟﻤﺎ ‪ ...‬ﻓﺈن ﻟﻢ ﺗﺴﺘﻄﻊ ﻓﻜﻦ ﻣﺘﻌﻠﻤﺎ‪ ،‬ﻓﺈن‬

‫ﻟﻢ ﺗﺴﺘﻄﻊ ﻓﺄﺣﺐ اﻟﻌﻠﻤﺎء‪ ،‬ﻓﺈن ﻟﻢ ﺗﺴﺘﻄﻊ ﻓﻼ ﺗﺒﻐﻀﻬﻢ"‪.‬‬

‫ﻋﻼء اﻟﺪﻳﻦ أﻣﺰﻳﺎن‬

‫‪1‬‬
‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫إهداء‬
‫أﻫﺪي ﻫﺬا اﻟﻌﻤﻞ اﻷﻛﺎدﻳﻤﻲ إﻟﻰ أﺳﺮﺗﻲ اﻟﺼﻐﻴﺮة؛‬

‫رﻣﺰ اﻟﻌﻄﺎء و اﻟﻜﻔﺎح‪ ،‬إﻟﻰ ﻣﻦ ﺣﺎرب و ﺳﺎﻫﻢ ﺑﺎﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ أﺟﻠﻲ‪،‬‬

‫أﺑﻲ أدام ﷲ ﻓﻲ ﻋﻤﺮه؛‬

‫إﻟﻰ ﻣﻦ أﻧﺠﺒﺘﻨﻲ و أﺣﺒﺒﺘﻬﺎ ﻗﺒﻞ أن أﺣﺐ ﻧﻔﺴﻲ؛‬

‫إﻟﻰ أﺧﻲ و أﺧﺘﻲ؛‬

‫إﻟﻰ اﻷﺻﺪﻗﺎء و اﻟﺼﺪﻳﻘﺎت؛‬

‫إﻟﻰ اﻟﻤﻌﺘﻘﻠﻴﻦ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﻴﻦ اﻟﻤﻐﺎرﺑﺔ ﻣﻨﻬﻢ ﻋﺎﻣﺔ ‪ ،‬و أﺑﻨﺎء ﻣﺪﻳﻨﺘﻲ‬

‫ﺧﺎﺻﺔ‪،‬‬

‫إﻟﻰ اﻟﻤﻨﺎﺿﻞ اﻟﺸﺮﻳﻒ ﻧﺎﺻﺮ اﻟﺰﻓﺰاﻓﻲ رﻣﺰ اﻟﻮﻓﺎء و اﻟﺼﻤﻮد؛‬

‫ﻛﺎﻣﻞ اﻟﺤﺮﻳﺔ و اﻟﺪﻋﻢ ﻟﻬﻢ‪.‬‬

‫إﻟﻰ ﻣﺪﻳﻨﺘﻲ اﻷﺑﻴﺔ " اﻟﺤﺴﻴﻤﺔ اﻟﺼﺎﻣﺪة "؛‬

‫إﻟﻰ ﻫﺬا اﻟﻮﻃﻦ اﻟﺠﺮﻳﺢ؛‬

‫إﻟﻰ ﻣﻦ أﺣﺐ "و‪ "...‬؛‬

‫إﻟﻴﻜﻢ ﺟﻤﻴﻌﺎ أﻫﺪي ﻫﺬا اﻟﺒﺤﺚ اﻟﻤﺘﻮاﺿﻊ‪.‬‬

‫ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻠﻘﺎﺿﻲ‬

‫‪2‬‬
‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫كلمة شكر و تقدير‬


‫أﺷﻜﺮ ﷲ اﻟﻌﻠﻲ اﻟﻘﺪﻳﺮ اﻟﺬي أﻧﻌﻢ ﻋﻠﻲ ﺑﻨﻌﻤﺔ اﻟﻌﻘﻞ واﻟﺪﻳﻦ‪ .‬اﻟﻘﺎﺋﻞ ﻓﻲ‬

‫ﻣﺤﻜﻢ اﻟﺘﻨﺰﻳﻞ "وَﻓَ ْﻮقَ ﻛُﻞ ذِي ﻋِﻠﻢ ﻋَﻠﻴﻢ" ﺳﻮرة ﻳﻮﺳﻒ آﻳﺔ ‪ ...76‬ﺻﺪق ﷲ‬

‫اﻟﻌﻈﻴﻢ ‪.‬‬

‫وﻗﺎل رﺳﻮل ﷲ )ﺻﻠﻲ ﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ( ‪:‬‬

‫"ﻣﻦ ﺻﻨﻊ إﻟﻴﻜﻢ ﻣﻌﺮوﻓﺎ ﻓﻜﺎﻓﺌﻮه‪ ،‬ﻓﺈن ﻟﻢ ﺗﺠﺪوا ﻣﺎ ﺗﻜﺎﻓﺌﻮﻧﻪ ﺑﻪ ﻓﺎدﻋﻮا ﻟﻪ‬

‫ﺣﺘﻰ ﺗﺮوا أﻧﻜﻢ ﻛﺎﻓﺄﺗﻤﻮه" ) رواه أﺑﻮ داوود (‪.‬‬

‫اﻟﺪﻛﺘﻮر‬ ‫ﻧﺘﻘﺪم ﺑﺨﺎﻟﺺ اﻟﺸﻜﺮ واﻻﻣﺘﻨﺎن و اﻟﺘﻘﺪﻳﺮ إﻟﻰ أﺳﺘﺎذﻧﺎ اﻟﻔﺎﺿﻞ‬

‫اﻟﺤﻨﻮدي‪ ،‬اﻟﺬي أﺣﺎﻃﻨﺎ ﺑﻜﻞ اﻟﺮﻋﺎﻳﺔ‪ ،‬و اﻟﻨﺼﺎﺋﺢ اﻟﻘﻴﻤﺔ‪ ،‬و اﻟﺘﻮﺟﻴﻬﺎت‬ ‫ﻋﻠﻲ‬
‫اﻟﻨﻴﺮة اﻟﺘﻲ أﻧﺎرت ﻃﺮﻳﻘﻨﺎ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﺒﺤﺚ و إﻧﺠﺎز ﻫﺬا اﻟﻌﻤﻞ اﻟﻤﺘﻮاﺿﻊ ‪.‬‬

‫وﻻ ﻧﻨﺴﻰ ﻛﺬﻟﻚ أن ﻧﺘﻘﺪم ﺑﺠﺰﻳﻞ اﻟﺸﻜﺮ ﻟﺼﺎﺣﺐ اﻟﺘﻤﻴﺰ و اﻷﻓﻜﺎر اﻟﻨﻴّﺮة‬

‫ﺗﺎﺳﻮﻟﻲ‪ ،‬إﻟﻴﻚ أزﻛﻰ اﻟﺘﺤﻴﺎت ‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﺤﺮوف‬ ‫اﻟﺒﺎﺣﺚ ﻓﻲ ﺳﻠﻚ اﻟﺪﻛﺘﻮراه وﻟﻴﺪ‬
‫ﺗﻌﺠﺰ ﺣﻘﺎ أن ﺗﻜﺘﺐ ﻣﺎ ﻳﺤﻤﻞ ﻗﻠﺒﻨﺎ ﻣﻦ ﺗﻘﺪﻳﺮ و اﺣﺘﺮام‪.‬‬

‫اﻟﻜﺮام‪ ،‬و إﻟﻰ ﻛﻞ ﻣﻦ ﺳﺎﻋﺪ ﻋﻠﻰ‬ ‫ﻟﺠﻤﻴﻊ اﻷﺳﺎﺗﺬة‬ ‫و اﻟﺸﻜﺮ ﻣﻮﺻﻮل‬

‫إﺧﺮاج ﻫﺬا اﻟﺒﺤﺚ إﻟﻰ ﺣﻴﺰ اﻟﻮﺟﻮد‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫تقديــــــــﻢ عام ‪:‬‬


‫تعتبر الدولة مفهوما جوهريا وأساسيا في الفكر اﻹنساني‪ ،‬ﻷنه يمثل أبرز الحلول‬
‫المبتكرة لمواجهة أهم المعضﻼت التي تعاني منها البشرية‪ ،‬وهي معضلة التوفيق بين الحرية‬
‫والسلطة التي شغلت أذهان كبار الفﻼسفة والمفكرين السياسيين منذ قرون‪.‬‬

‫وبما أن الدولة الموحدة المركزية هي أول أشكال الدول ظهورا في المجتمعات البشرية‬
‫القديمة‪ ،‬فإنه وبفعل تضافر عدة عوامل ومتغيرات وتحديات تنموية للدول الحديثة على جميع‬
‫اﻷصعدة و المستويات‪ ،‬فشلت الدولة المركزية في تحقيق أهدافها‪ ،‬وسياسيا لم تعد قادرة على‬
‫إرساء قواعد الديمقراطية التي تقتضي بتقريب المواطن وإشراكه في تسيير شؤونه بنفسه‪ .‬من‬
‫هنا ظهرت الدولة الموحدة الﻼممركزة التي تأخذ بنظام الﻼمركزية اﻹدارية الترابية أو‬
‫الﻼتمركز اﻹداري‪ ،‬أو هما معا‪ ،‬ثم برزت إلى جانبها الﻼمركزية السياسية أو ما يسمى بالدول‬
‫المركبة أو اﻻتحادية التي تأخذ به في الحكم والتدبير والتنظيم‪.‬‬

‫إن اﻻتجاه العالمي الحديث في إدارة الدولة الحديثة تتجه نحو الحد التدريجي من‬
‫المركزية‪ ،‬والتوسع في تطبيق الﻼمركزية اﻹدارية‪ ،‬يقتصر دور الحكومات في هذه الحالة‬
‫على الدور السيادي‪ ،‬أما الوحدات الترابية فهي تتولى مهمة تقديم الكثير من الخدمات اﻹدارية‬
‫واﻻقتصادية واﻻجتماعية والثقافية‪...‬الخ‪ ،‬في إطار المصلحة العامة‪.‬‬

‫ومن هنا فالﻼمركزية عند "الفرنسي دي لوبادير" اصطﻼحا هي وحدة محلية إدارية‬
‫نفسها وإدارية وقيامها بالتصرفات الخاصة بشؤونها ‪ ،‬في حين عرفها" اﻷستاذ فؤاد العطار"‬
‫بأنه توزيع الوظيفة اﻹدارية بين الحكومة المركزية وهيئات منتخبة أو محلية‪ ،‬تباشر‬
‫إختصاصاتها تحت إشراف الحكومة ورقابتها"‪.‬‬

‫ويعتبر المغرب من بين الدول التي سارت في سياستها التنظيمية اﻹدارية على نظام‬
‫الﻼممركز اﻹداري تمهيدا لﻼتجاه نحو الﻼمركزية الترابية منذ مدة ليست بالقصيرة‪ ،‬وقد كان‬
‫ذلك في إطار مراجعة نفسها وقصد تكييف ومﻼئمة جهازها اﻹداري مع وظائفها‬
‫اﻹستراتيجية‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫وقد سار المغرب على نظام الﻼمركزية منذ فجر اﻻستقﻼل وعمل على تطويره عبر‬
‫محطات تاريخية قانونية عرفت اصﻼحات متواصلة‪ ،‬مثلت كل جوانب تسيير وتنظيم المجالس‬
‫المنتخبة‪ ،‬وتحسين مستوى التأطير الترابي‪ ،‬باﻹضافة إلى تقوية الموارد المالية للجماعات‬
‫الترابية‪.‬‬

‫وأول قانون أقر بنظام الﻼمركزية كأسلوب من أساليب التنظيم اﻹداري هو ظهير ‪21‬‬
‫يوليو ‪ 1960‬الذي شكل اللبنة اﻷولى للجماعات الترابية بالمغرب‪ ،‬وفي ‪ 30‬ﺷﺘنﺒر‪،1976‬‬
‫صدر الظهير المتعلق بالنظام الجماعي الذي شكل منعطفا هاما في تاريخ الﻼمركزية اﻹدارية‪،‬‬
‫حيث تم إسناد اختصاصات واسعة للمجالس الجماعية ومهام جديدة لرؤسائها‪ ،‬ثم صدر ظهير‪2‬‬
‫أبريل ‪ 1997‬المنظم للجهات‪ ،‬ثم أعقبه قانون رقم ‪ 78.00‬المﺘمم والمعدل لقانون ‪17.08‬‬
‫المﺘعلق بالميثاق الجماعي‪ ،‬وكذا صدور ظهير ‪ 18‬فﺒراير ‪ 2009‬القاضي بﺘنفيذ قانون رقم‬
‫‪ 45.08‬المﺘعلق بالﺘنظيم المالي للجماعات الﺘرابية وهيئاتها‪.‬‬

‫ثم جاء دسﺘور ‪ 20111‬قائم على نظام ترابي ﻻ مركزي يقوم على الجهوية المﺘقدمة‬
‫حيث خصص الباب التاسع فيه للجماعات الﺘرابية‪ ،‬مرتكزا على مبادئ التدبير الحر وعلى‬
‫التعاون والتضامن‪ ،‬يؤمن بمشاركة السكان المحليين في تدبير شؤونهم والرفع من مساهمتهم‬
‫في تحقيق التنمية البشرية المندمجة والمستدامة‪.‬‬

‫وتنزيﻼ ﻷحكام دسﺘور ‪ ،2011‬عاملت الحكومة على إصدار القوانين الﺘنظيمية الثﻼث‬
‫‪3‬‬
‫المتعلقة بالجماعات الﺘرابية ‪ :‬الجهات رقم ‪ 2111.14‬و بالعماﻻت واﻷقاليم رقم ‪112.14‬‬
‫والجماعات ‪ 4113.14‬التي تسعى إلى تحقيق نقلة نوعية نحو منظومة متكاملة للحكامة‬

‫‪ -1‬ظهير شريف رقم ‪ 1.11.91‬صادر في ‪ 27‬شعبان ‪29)1432‬يوليوز‪ (2011‬بتنفيذ نص الدستور‪ ،‬منشور بالجريدة الرسمية‬
‫عدد ‪ 5964‬مكرر بتاريخ ‪ 28‬شعبان ‪ 30)1432‬يوليوز ‪.(2011‬‬

‫‪ - 2‬القانون التنظيمي رقم ‪ 111.14‬المتعلق بالجهات الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪ 1.15.83‬صادر في رمضان ‪7) 1436‬‬
‫يوليو ‪ ،(2015‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 6380‬الصادرة في ‪ 6‬شوال ‪ 23) 1436‬يوليو ‪ ،(2015‬ص ‪.6585‬‬

‫‪ - 3‬القانون التنظيمي المتعلق بالعماﻻت واﻷقاليم رقم ‪ 112.14‬الصادر بتنفيذه الظهيرالشريف رقم ‪ 1.15.84‬صادرفي ‪ 20‬من‬
‫رمضان ‪7 ) 1436‬يوليو ‪ ،(2015‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 6380‬بتاريخ ‪ 23‬يوليوز ‪ 2015‬ص ‪6625‬‬

‫‪ -4‬القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات ‪ 113.14‬الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪ 1.15.85‬صادرفي ‪ 20‬من رمضان‬
‫‪ 7) 1436‬يوليو ‪ ،(2015‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 6380‬بتاريخ ‪ 23‬يوليوز ‪ 2015‬ص ‪.6660‬‬

‫‪5‬‬
‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫الترابية‪ ،‬أساسها تعميق الديمقراطية المحلية وتحقيق التنمية المستدامة والرفع من فعاليتها‬
‫ونجاعة عملها‪ .‬وباعتبار الﻼمركزية هنا إدارية وليست سياسية فبالتالي يبقى الخضوع للرقابة‬
‫من قبل السلطات المركزية أو ممثلها المحليين أمرا منطقيا من الناحية النظرية لضمان احترام‬
‫القانون أوﻻ‪ ،‬ثم ضمان تحقيق التنمية المحلية المنسجمة مع البرامج والمخططات الوطنية ثانيا‪.‬‬

‫هذا باختصار عن المفاهيم اﻷساسية المتداولة في مجال التنظيم اﻹداري القائم على‬
‫الﻼمركزية اﻹدارية والتي تشكل اﻹطار العام للموضوع‪ ،‬أما بخصوص مفهوم الرقابة‬
‫باعتباره المفهوم المحوري والجوهري في البحث‪ ،‬فﻼ بد من تحديده مفهومه لغويا واصطﻼحا‬
‫وقانونيا‪.‬‬

‫فالرقابة في اللغة العربية تعني المحافظة واﻻنتظار والحراسة‪ ،‬أما بالنسبة للتعريف‬
‫العلمي للرقابة في الفقه المعاصر‪ ،‬فإنه بدوره يتعدد ويختلف‪ ،‬وتتقاسمه ثﻼث اتجاهات كبرى ‪:‬‬

‫فاﻻتجاه اﻷول يهتم بالجانب الوظيفي الذي يرتكز على اﻷهداف المراد بلوغها‪ ،‬والثاني‬
‫يتمحور حول الجانب اﻹجرائي الذي يتناول اﻹجراءات التي يتعين إتباعها في مجال الرقابة‪،‬‬
‫والثالث يهتم بالجهة التي تضطلع بالرقابة‪ ،‬وتتولى المراجعة والفحص والمتابعة‪.‬‬

‫وفي هذا اﻹطار‪ ،‬نجد أن مضمون الرقابة في المجال القانوني بدوره متشعب المفاهيم‬
‫والمصطلحات‪ ،‬فالرقابة يعني المراقبة والمراجعة والفحص والتدقيق والمتابعة والتأكد‬
‫واﻹشراف والتتبع والتفتيش‪ ،‬وكذا الحراسة والحفظ والحماية والصيانة والوقاية‪...‬الخ‪ ،‬ودون‬
‫الخوض في هذه المسألة‪ ،‬يمكن القول أن مفهوم الرقابة في المجال القانوني متعدد اﻷوجه‬
‫والمعاني والدﻻﻻت وﻻ يمكن فهمها عموما‪ ،‬إﻻ من خﻼل ربطها بالمجال المراد دراسته‪.‬‬

‫وكما سبق وأن اشرنا على أن الرقابة على الجماعات الترابية في المغرب متعددة الوجوه‬
‫واﻷشكال منها‪ .‬الرقابة اﻹدارية والسياسية التي تكون في مجموعها وتفاعلها ما يسمى بالرقابة‬
‫النظامية‪ ،‬وكذا الرقابة القضائية التي يتقاسمها القضاء اﻹداري والمالي والذي يعتبر موضوع‬
‫بحثنا هذا‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫فإذ كانت الرقابة اﻹدارية تمثل المقابل الموضوعي لﻼستقﻼل التي تتميز بها الﻼمركزية‬
‫اﻹدارية الترابية‪ ،‬فإن الرقابة القضائية على الجماعات الترابية تكتسي أهمية بالغة باعتبارها‬
‫أهم ضمانة لﻼحترام حقوق اﻹنسان وحماية مصالح اﻷفراد والجماعات في الوقت نفسه‪.‬‬
‫فالسلطة القضائية بصفة عامة هي مفتاح اﻻلتزام بسيادة القانون‪ ،‬ويترتب عن وجود الرقابة‬
‫القضائية على الوحدات المحلية المنتخبة‪ ،‬الثقة في اﻹقتصاد المحلي وتشجيع اﻹستثمارات‬
‫الخاصة الداخلية والخارجية‪ ،‬ومن ثم إمكانية تحقيق التنمية المحلية المستدامة والمنشودة‪.‬‬
‫فالقضاء يعتبر إحدى البنيات اﻷساسية لبناء مؤسسات الحق والقانون دولة كانت أو شخصا‬
‫أخر من أشخاص القانون العام‪ .‬وهو يفترض أن يضطلع بمهمة الرقابة والمساءلة القضائية‬
‫وفق خصائص ومساطر قانونية تفعيﻼ لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة شكﻼ ومضمونا‪.‬‬

‫وعلى هذا اﻷساس‪ ،‬فالرقابة القضائية على الجماعات الترابية بالمغرب‪ ،‬يتقاسمها كل من‬
‫القضاء المالي واﻹداري‪ ،‬حيث لكل منهما في هذا الصدد مجاله وإطاره الخاص‪ ،‬وكذا مميزاته‬
‫وخصائصه المتعلقة به والتي تميزه عن اﻵخر‪.‬‬

‫لقد حرص المغرب على اﻻرتقاء بالمجلس اﻷعلى للحسابات إلى مصاف مؤسسة‬
‫دستورية قضائية مالية مستقلة عن السلطة التشريعية والتنفيذية‪ ،‬تضطلع على ممارسة الرقابة‬
‫الفعالة و العقلنة في تدبير اﻷموال العمومية‪ .‬ومن هذا المنطلق‪ ،‬فإذ كان المجلس اﻷعلى‬
‫للحسابات ذي أهمية بالغة‪ ،‬باعتباره جهازا قضائيا يمارس مهمة الحفاظ على استقرار المال‬
‫العام وعلى سﻼمته وما يرتبط به من الناحية القانونية والتنظيمية واﻹدارية‪ ،‬فإن إحداث‬
‫المجالس الجهوية قد شكل إحدى أهم المستجدات الهامة‪ ،‬ﻹرساء ﻻمركزية الرقابة القضائية‬
‫على المالية المحلية‪.‬‬

‫إن المجالس الجهوية للحسابات تمارس رقابة ازدواجية‪ ،‬تستهدف في آن واحد ممارسة‬
‫المهام القضائية‪ ،‬وكذا الوظائف اﻹدارية‪ ،‬خاصة مراقبة التسيير‪.‬‬

‫وعليه فالمجالس الجهوية للحسابات أثارت نقاشا فقهيا حول طابعها القضائية‪ ،‬ومدى‬
‫إمكانية اعتبارها هيئة قضائية داخل التنظيم القضائي المغربي‪ ،‬ودون الخوض في تفاصيل هذا‬
‫النقاش‪ ،‬فإن اﻷرجح في هذا الصدد أقر على إنها محاكم مالية‪ .‬إذ تم ترجيح الطابع القضائي‬

‫‪7‬‬
‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫الذي يتجلى على مستوى تنظيمها الثنائي التركيبي‪ ،‬المكون من قضاء جالس وقضاء واقف‪،‬‬
‫ومن هيئات تداولية جلها قضائية‪ ،‬وعلى مستوى المساطر‪ ،‬وكذا على مستوى تشكيلها في‬
‫إطار هيئة خاصة‪ ،‬هي هيئة قضاة المحاكم المالية‪ ،‬المنفصلة عن هيئة رجال القضاء‪.‬‬

‫وهكذا بالنسبة للرقابة التي يمارسها القضاء المالي على الجماعات الترابية بالمغرب‪،‬‬
‫فهي عبارة عن مراقبة ﻻحقة تتم من طرف المحاكم المالية كأجهزة قضائية ومتخصصة في‬
‫المادة المالية والمحاسبية الخاصة باﻷجهزة العمومية ابتدائيا واستئنافيا‪ ،‬أما النقض في أحكامها‬
‫فتتم في محكمة النقض)المجلس اﻷعلى سابقا(‪ ،‬باعتبارها أعلى سلطة قضائية في البﻼد‪.‬‬

‫إن الرقابة التي يمارسها القضاء المالي على الجماعات المحلية واﻷجهزة والهيئات‬
‫التابعة لها بكيفية ﻻحقة‪ ،‬ﻻ تهدف إلى إلغاء قرارات إدارية تم إصدارها أو تنفيذها‪ .‬أو إلى‬
‫تقرير مسؤولية الجماعات الترابية عن إضرار تسببت فيها أعمالها وأنشطتها‪،‬والحكم‬
‫بالتعويض عنها‪ ،‬بل إلى تحديد مسؤوليات مختلف المتدخلين في تدبير المال العام المحلي عن‬
‫أخطائهم وأغﻼطهم‪ .‬أما بخصوص ما تم ذكره آنفا‪ ،‬فهو من صميم الرقابة التي يمارسها‬
‫القضاء اﻹداري على الجماعات الترابية‪ .‬وهذه الرقابة هي رقابة وازنة مقارنة بالمحاكم‬
‫المالية‪ ،‬إذ ﻻ خﻼف حول طبيعتها وامتيازاتها القضائية‪.‬‬

‫ولعل من هذا المنطلق فالقضاء اﻹداري يلعب دورا بارزا في تحقيق العدالة والمساواة‬
‫أمام اﻷعباء العامة‪ ،‬مختصة بالنظر في المنازعات القضائية التي تكون فيها اﻹدارة طرفا‬
‫فيها‪.‬‬

‫والقضاء اﻹداري باعتباره احد مكوني السلطة القضائية بالمغرب إلى جانب القضاء‬
‫العادي‪ ،‬فهو يمارس رقابة واردة بقوة المبادئ العامة للقانون‪ ،‬إذ وجد مبدأ المنازعة‪ ،‬التي ﻻ‬
‫تحتاج الى التنصيص عليها في القوانين المنظمة للجماعات الترابية‪ ،‬وهذا اﻷمر يمثل من‬
‫الناحية المبدئية حماية وحصانة لﻼفراد من الجماعات الترابية من كل شطط أو تعسف محتمل‪،‬‬
‫تكريسا للمشروعية وللحماية للحقوق والحريات التي من شأن الجماعات الترابية اﻹضرار بها‪.‬‬

‫إن رقابة القاضي اﻹداري على الجماعات الترابية‪ ،‬هي رقابة تختلف عن اﻷنماط‬
‫الرقابية اﻷخر في جوانب كثيرة‪ ،‬فهي ﻻ تتحرك من تلقاء نفسها‪ .‬وإنما ﻻ بد من وجود مبدأ‬

‫‪8‬‬
‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫المنازعة‪ ،‬حيث ترفع الدعوى من قبل المتضرر أمام المحكمة اﻹدارية المختصة‪ ،‬التي تمارس‬
‫رقابتها على عمل الجماعة الترابية المتنازعة من اجل التأكد من مدى مشروعية ومﻼءمة و‬
‫مدى إمكانية التعويض عنها‪ ،‬كما أن تلك الرقابة ومن خﻼل ما يتوفر عليه القاضي اﻹداري‬
‫من ضمانات‪ ،‬يفترض فيه أن يكون ذا إلمام شامل بالقوانين والمساطر المرتبطة بمجال‬
‫تخصصه‪.‬‬

‫ومن ه نا فالرقابة القضاء اﻹداري على الجماعات الترابية يمكن‪ ،‬يمكن تعريفها بكونها‬
‫"رقابة يمارسها القاضي اﻹداري على الجماعات الترابية‪ ،‬قصد حماية القواعد ومبادئ‬
‫المشروعية والمﻼءمة في تصرفاتها‪ ،‬وقصد منع كل شطط أو تعسف أو إضرار بالغير أو‬
‫الخروج عن مبادئ الجودة والحكامة المفترضة"‪.‬‬

‫دواعي اخﺘيار الموضوع‪:‬‬

‫إن اختيارنا لموضوع الرقابة القضائية على الجماعات الترابية راجع إلى عدة عوامل‬
‫نركز على أهمها‪ ،‬الرغبة في تطوير المعارف مجال الرقابة القضائية و اﻹحاطة بأخر‬
‫مستجدات القضاء اﻹداري و المحاكم المالية في ما يتعلق بمنظومة الحكامة المالية‪ ،‬أملين أن‬
‫نقدم واضحة من خﻼله تصورا ورؤية واضحة لﻺشكال الرقابة القضائية وموقعه في خضم‬
‫التساؤﻻت المطروحة حول تجويد التدبير الترابي‪ ،‬وفي غمرة البحث عن الحكامة الترابية و‬
‫التنمية المحلية المستدامة والمنشودة في آفاق الجهوية المتقدمة بالمغرب‪.‬‬

‫كم ا أن هذا الموضوع مرتبط بالحياة العملية لﻸفراد في عﻼقتهم باﻹدارة المكلفة بتحقيق‬
‫مطالبتهم نهيك على كون أ هذه الرقابة فد أثرت نقاشا فقهيا وفكريا وعلميا بين مختلف الباحثين‬
‫و الفاعلين في هذا الميدان‪ .‬تفعيل مسألة ربط المسؤولية بالمحاسبة على أساس بناء دولة الحق‬
‫و القانون‪ ,‬ضمان ممارسة الحقوق والحريات‪,‬ذلك أن الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‬
‫خاصة باعتبارها متخصصة بالنظر في النازعات القضائية التي تكون اﻹدارة طرفا فيها‪،‬‬
‫وإيجاد الحلول الممكنة فيما استعصى من نوازل بالشكل الذي يضمن المساواة و احترام مبدأ‬
‫المشروعية‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫أهمية الموضوع‪:‬‬

‫إن الرقابة القضائية على الجماعات الترابية بآليته القانون والمادة و العملية و بمجاﻻت‬
‫تدخﻼته وكذا بمراحله يعد أحد أهم أوجه التأثير في النشاط اﻹداري الرئيسي واﻷساسية لجودة‬
‫وحكامة الجماعات الترابية‪.‬‬

‫وعلى صعيد أخر تستمد أهمية هذه الدراسة بداية من ناحية المبدئية من المكانة المميزة‬
‫التي تحظى بها الرقابة على الجماعات الترابية و خصوصا القضائية في المشهد الديمقراطي‬
‫من خﻼل ما تلعبه هذه الممارسة الرقابية في المحافظة على المصالح العامة و الخاصة‬
‫للمواطنين بالجماعات الترابية‪ ,‬كما أن هذه الرقابة تسعى من خﻼل الدور الذي تلعبه إلى‬
‫نهوض باﻹدارة الترابية تخطيطا و تدبيرا فذلك للمحافظة على الموارد المالية ورفع جودة‬
‫الوظائف اﻹدارية و الخدمات المقدمة بل تعد هذه الرقابة حجز الزاوية في تحقيق الحكامة‬
‫الترابية و سير نحو تحقيق التنمية المستدامة‪.‬‬

‫نهيك على كون هذه الرقابة القضائية تعد مرتكزا ودعامة أساسية الﻼمركزية المتطورة‬
‫القائمة على أساس الجهوية المتقدمة‪.‬‬

‫كما أن أهمية الموضوع الذي نحن قيد معالجته يشكل موضوع الساعة إذ يحضى باهتمام‬
‫كبير على مستوى اﻷبحاث اﻷكاديمية و خطابات الهيئات السياسية و المدنية أو على مستوى‬
‫وسائل اﻹعﻼم و مختلف مكونات الرأي العام والوطني و المحلي كإشكالية للمظومة الحكامة‬
‫المحلية وما يزيد من حدة هذه إشكالية هو صدور دستور ‪ 2011‬الذي حول تكريسها بشكل‬
‫جدي و فعلي في أرض الواقع ارتباطا بمبدأ الدستوري القائم على مسألة ربط المسؤولية‬
‫بالمحاسبة‪.‬‬

‫إﺷكاﻻت‪:‬‬

‫إن الرقابة القضائية على الجماعات الترابية تطرح العديد من اﻹشكاﻻت اﻷساسية التي‬
‫ينبغي الوقوف إليها ولعل أبرزها‪:‬‬

‫‪10‬‬
‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫تشخيص وضعية الرقابة القضائية على الجماعات الترابية من خﻼل الوقوف على‬
‫تجليات هذه الرقابة و على اﻹختﻼﻻت التي قد تعترضها و اﻹكراهات التي تحول دون‬
‫تطويرها‪.‬‬

‫على أن يتم الوقوف على آفاقها المستقبلية وبعبارة يمكن طرح اﻹشكال التالي‪:‬‬

‫ما هي تمظهرات الرقابة القضائية على الجماعات الﺘرابية؟ و إلى أي حد‬ ‫‪‬‬
‫كرست القوانين الﺘنظيمية رقابة قضائية فعالة تواكب الﺘطورات الﺘي تعرفها الﻼمركزية‬
‫اﻹدارية الﺘرابية؟‬

‫ولمناقشة هذه اﻹشكالية والتعمق فيها تطرح العديد من التساؤﻻت الفرعية ‪:‬‬

‫ما هي تمظهرات الرقابة القضائية على الجماعات الترابية واﻹكراهات التي‬ ‫‪‬‬
‫تعترض عملها؟‬

‫و ما هي آليات الكفيلة بتجويدها؟‬

‫وهذه اﻹشكالية الجهوية تتفرع إلى عدة إشكاليات فرعية من خﻼل اﻹجابة عنها يمكن‬
‫الوصول أو اﻹحاطة باﻹشكالية المحورية‪.‬‬

‫ما هي مظاهر الرقابة القضائية على الجماعات الترابية؟‬ ‫‪‬‬


‫ما هي وضعية هذه الرقابة بين القانون والممارسة العملية؟‬ ‫‪‬‬
‫ما هي العوائق التي تتعرض كل من رقابة المحاكم المالية و القضاء اﻹداري –‬ ‫‪‬‬
‫وما هي إنعكاستها على اﻻستقﻼل المالي و اﻹداري؟‬
‫كيف يمكن تجويد هذه الرقابة و جعلها إطار فعاﻻ لممارستها على الجماعات‬ ‫‪‬‬
‫الترابية لتحقيق بالحكامة الترابية؟‬

‫الفرضيات المطروحة‪:‬‬

‫ولمناقشة هذه اﻹشكاليات سننطلق من الفرضيات التالية‪:‬‬

‫‪11‬‬
‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫الفرضية اﻷولى‪ :‬إن ممارسة هذه الرقابة بتجليتها طرحت مجموعة من اﻹكراهات التي‬
‫تحول دون فعاليتها و نجاعتها‪.‬‬

‫الفرضية الثانية‪ :‬أن تجديد الرقابة القضائية على الجماعات الترابية و تجويد منظومة‬
‫الحكامة الترابية وتقويته مبدأ مسؤولية وربطها بالمحاسبة تقتضي أساسا بتفعيل اﻵليات‬
‫والمبادئ الدستورية و التنظيمية المرتبطة بالرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫المناهج المعﺘمدة‪:‬‬

‫إن اﻹجابة على اﻹشكالية الرئيسية و مختلف التساؤﻻت الفرعية و لتأكيد الفرضية التي‬
‫انطﻼقنا منها فقد اعتمدنا على‪:‬‬

‫المنهج الﺒنيوي الوظيفي‪ :‬من خﻼله يمكن تحديد بنيات اﻷجهزة المختصة بالرقابة‬
‫القضائية ورصد تمظهراتها‪.‬‬

‫المقﺘرب القانوني ‪ :‬لكونه المدخل الصحيح لفهم الواقع ومتطالبته‪ ،‬و ذلك باستعراض‬
‫مختلف النصوص القانونية المؤطرة للرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫خطة الﺒحث‪:‬‬

‫لتشخيص ومعالجة الجوانب المتعلقة بالرقابة القضائية على الجماعات الترابية بالمغرب‬
‫سنحاول التطرق إلى مظاهر أو تجليات هذه الرقابة في الجزء اﻷول وهو ما سيسعفنا بﻼمحالة‬
‫في الجزء الثاني من تعرف على واقع الرقابة واﻹكراهات التي تحد من فعاليتها وكذا آفاق‬
‫وآليات تحدثها‪ ،‬وبناء على هذا ستكون خطة البحث كما يلي ‪:‬‬

‫الفصل اﻷول ‪ :‬مظاهر وتجليات الرقابة القضائية على‬


‫الجماعات الﺘرابية‪.‬‬

‫الفصل الثاني ‪ :‬رهانات و آفاق الرقابة القضائية على‬


‫الجماعات الﺘرابية‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫الفصل اﻷول ‪ :‬مظاهر وتجليات الرقابة القضائية على‬


‫الجماعات الﺘرابية‪.‬‬

‫لقد كشفت الممارسات بجميع الدول المقارن كيف كانت درجة الﻼمركزية‬
‫المعتمدة فيها‪،‬وكيف كانت صورة الرقابة النظامية المفروضة على الوحدات الترابية‪ ،‬سواء‬
‫في الشق اﻹداري أو السياسي أنه غير كافي وغير مجدية لضمان سﻼمة ومصداقية تصرفات‬
‫الجماعات الترابية في معاملتها‪ .‬وعﻼقتها المختلفة بالمرتفقين والمتعاملين معه ‪ ،5‬أو بمعنى‬
‫أوضح ﻻ يمكن للرقابة النظامية تحقيق اﻷمن القانوني للمواطنين في مواجهة الجماعات‬
‫الترابية ‪ ،6‬بل ﻻ بد من وجود الرقابة القضائية‪ ،‬فتدخل القضاء في هذا الصدد يفضل على باقي‬
‫اﻷنواع اﻷخرى من الممارسات الرقابية‪ ،‬نظرا ﻻستقﻼل المؤسسة القضائية عن الجماعات‬
‫الترابية‪ ،‬ونظرا لتوفر بعض الضمانات الجدية والفعلية فيها أكثر من غيرها‪.‬‬

‫إن الرقابة النظامية حسب التجربة‪ ،‬أكدت على عدم قدرتها في ضبط كل التصرفات‬
‫الﻼقانونية للهيئات المحلية المنتخبة‪ .‬وبالتالي كان ﻻبد من إخضاعها لرقابة أكثر فعالية‬
‫ونجاعة ومصداقية وحيادية‪ ،‬وهي الرقابة القضائية‪ .‬وبالتالي فوجودها على أعمال الهيئات‬
‫المحلية والمختلفة‪ ،‬منها المادية والقانونية أمرا ﻻ بد منه‪ ،‬تجسيدا لسيادة الحق والقانون ‪ ،7‬من‬
‫هنا فوجود الرقابة القضائية على الجماعات الترابية من الناحية المبكل من المحاكم المالية‬
‫)المبحث اﻷول(‪ ،‬وكذا رقابة القضاء اﻹداري على الجماعات الترابية )المبحث الثاني(‪،‬‬

‫‪5‬‬
‫‪Sénat de France ‘’ Le contrôle de la légalité des actesdes collectivités territoriales en‬‬
‫‪droit comparé ‘’ . Etude de légrlation comparée n° 221- janvier 2012 , publications‬‬
‫‪REMALD , n° 104 , mai – juin , 2012 , pp247-267 .‬‬

‫‪ 6‬علي الحنودي ‪ ,‬اﻷمن القومي ‪:‬مفهومه وأبعاده‪ ,‬منشورات المجلة المغربية لﻺدارة المغربية و التنمية‪ .‬العدد ‪ 96‬طبعة ‪2011‬‬
‫‪,‬ص‪.130:‬‬
‫‪ 7‬إبراهيم زعيم‪ ,‬القضاء وسيادة القانون ‪ :‬منشورات المجلة المغربية لﻺدارة المغربية و التنمية‪ ,‬العدد ‪ - , 50‬ماي –يونيو‪2003 ,‬‬
‫–ص‪52‬‬

‫‪14‬‬
‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫ستساعد بﻼ شك في تحسين نوعية العمل التنموي على المستوى الترابي‪ ،‬والتي ستزيد من‬
‫فعاليتها ونجاعتها‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫المﺒحث اﻷول ‪ :‬تجليات رقابة المحاكم المالية‪.‬‬


‫تشكل المحاكم المالية جسما رقابيا اسمي على اﻷموال العمومية بالمغرب‪ ،‬إذ يدبر ويحكم‬
‫موقعها من خارج إطار التسيير الداخلي للقطاع العام‪ ،‬وخارج التبعية المباشرة للحكومة‬
‫ولﻸشخاص العامة)باستثناء الملك(‪ ،‬وتشكل المحاكم المالية من الناحية المبدئية الجهاز اﻷكثر‬
‫تأهيﻼ للتعاطي بصورة حيادية ومتأنية مع المشاكل واﻻختﻼﻻت المالية للهيئات المعنية‪.‬‬

‫وتشكل هذه المحاكم المالية على الجماعات الترابية المتمثلة في المجالس الجهوية‬
‫للحسابات باعتبارها محاكم إبتدائية‪ ،‬والمجلس اﻷعلى للحسابات تمثل محكمة استئنافية مالية‬
‫بالنسبة للجماعات الترابية‪ ،‬ضرورة ملحة لتعزيز السياسات وتقويم البرامج و المخططات‬
‫المحلية‪ ،‬وهي ركيزة أساسية للحفاظ على المال العام المحلي من التبذير ز سوء اﻻستعمال من‬
‫خﻼلها يمكن بناء منظومة ديمقراطية وتكريس الحكامة الترابية في تجلياتها الخدماتية التنموية‬
‫الشاملة و المستدامة للساكنة المحلية‪.‬‬

‫إن رقابة المحاكم المالية للجماعات الترابية‪ ،‬على غرار الرقابة الممارسة على المالية‬
‫العامة للدولة‪ ،‬مستوحة في بعض جوانبها من التجربة الفرنسية ‪ .8‬تنقسم من حيث طبيعتها إلى‬
‫صنفين‪ ،‬منها رقابة المحاكم المالية ذات صبغة قضائية )المطلب اﻷول(‪ ،‬ورقابة المحاكم‬
‫المالية ذات صبغة إدارية )المطلب الثاني(‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫‪Mohammed HARAKAT : ‘’ lauctit dans le secteur public au Maroc cas de la cour des‬‬
‫‪compter’’ , Tome 2 , Edition Bahel, Rabat , 1994 , p14‬‬

‫‪16‬‬
‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫المطلب اﻷول ‪ :‬رقابة المحاكم المالية ذات الصﺒغة القضائية‪.‬‬


‫إن تشكيل وإحداث المجالس الجهوية للحسابات‪ ،‬تجسيدا لﻼمركزية على مستوى الرقابة‬
‫القضائية العليا للمالية الداخلية ‪ ,‬وإحدى أهم العوامل لحماية المال العام المحلي‪ ،‬والمساهمة في‬
‫تحسين أدوات تدبيره ‪ ،‬حيث تم تجاوز العديد من السلبيات و اﻹكراهات التي عرفتها التجربة‬
‫السابقة ‪ ،9‬ولعل أبراز الدواعي التي دافعت إالى إحداث المجالس الجهوية للحسابات هي‬
‫توفير الحماية الﻼزمة للمسؤول المالي المحلي‪ ،‬و التي أضحت تمارس في حدود دائرة‬
‫اختصاصاتها‪ ،‬مراقبة حسابات الجماعات الترابية وهيئاتها وفق الفصل ‪ 147‬من الدسﺘور‬
‫‪ ،2011‬وهو ما حدده القانون ‪ 62.99‬المتعلق بمدونة المحاكم المالية في الكتاب الثاني منه‪،‬‬
‫ليبين هذه اﻻختصاصات ‪ ،10‬حيث تمارس الرقابة القضائية على المحاسبين العموميين ‪ ،‬من‬
‫خﻼل التدقيق و البت حساباتهم )الفرع اﻷول(‪ ،‬وكذا توقيع التأديبات المتعلقة بالميزانية‬
‫والشؤون المالية )الفرع الثاني (‪.‬‬

‫الفرع اﻻول ‪ :‬الﺘدقيق والﺒت في حسابات المحاسﺒين العموميين‪.‬‬


‫يشكل التدقيق والبت في الحسابات أهم اختصاص عام تمارسه المجالس الجهوية‬
‫للحسابات ‪ ،‬فهي تبت في الحسابات الخاضعة موضوعيا ﻻختصاصاتها شأنها في ذلك شأن‬
‫المجلس اﻷعلى للحسابات‪ .‬بيد أن اﻷولى تأشر هذا اﻻختصاص في نطاق جغرافي محدود‬
‫طبقا ً للفصل ‪ 147‬من الدسﺘور المغربي ‪. 2011‬‬

‫وهكذا فيمارس المجلس الجهوية للحسابات في حدود دائرة اختصاصاتها‪ ،‬رقابة على‬
‫المحاسبين العموميين بالجماعات الترابية وهيئاتها ‪ ،‬والمؤسسات والمقاوﻻت التي تمتلك‬
‫رأسمالها كليا ً‪ ،‬أو تابعة للجماعات الترابية التي تتوفر على محاسب عمومي وفقا لمقتضيات‬
‫المادة ‪ 126‬من مدونة المحاكم المالية‪ ،‬التي تنص على أنه " يقوم المجلس الجهوي في حدود‬

‫‪ 9 9‬حميدوش مدني ‪":‬المجلس اﻷعلى للحسابات والمجالس الجهوية للحسابات ‪ ,‬التشكيل ‪ ,‬واﻻختصاصات أطروحة لنيل الدكتورة‬
‫‪ ,‬جامعة ﷴ الخامس‪ ,‬كلية العلوم القانونية واﻻقتصادية واﻻجتماعية بالرباط ‪ ,‬أكدال ‪ ,‬السنة الجامعية ‪ ,2002- 2001‬ص ‪127‬‬
‫‪10‬‬
‫المادة ‪ 118‬من ظهير ﺷريف رقم ‪ 1.02.124‬صادر في فاتح ربيع اﻵخر ‪ 13) 1423‬يونيو ‪ (2002‬بﺘنفيذ القانون رقم ‪ 62.99‬المﺘعلق بمدونة‬
‫المحاكم المالية‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫دائرة اختصاصه بالتدقيق والبت في حسابات الجماعات المحلية وهيئاتها وكذا حسابات‬
‫المؤسسات العمومية والمقاوﻻت التي تمتلك رأسمالها كليا جماعات محلية وهيئاتها‬
‫والمؤسسات العمومية لتي تخضع لوصايا الجماعة المحلية " ‪.‬‬

‫ومن أجل تمكين المجالس الجهوية من مباشرة هذا اﻻختصاص على أكمل وجه وبفعاليته‬
‫الزمن المشرع المغربي على جميع محاسبي الجماعات الترابية وهيأتها بتقديم حسابات التسيير‬
‫السنوي داخل أجل المحدود ووفق شكليات منظمة‪ ،‬بموجب مقتضيات قانونية وتنظيميه‪ ،‬كما‬
‫يلزم محاسبو باقي الهيئات الخاضعة لرقابة المجانس الجهوية للحسابات بتقديم بيانات محاسبية‬
‫سنوية تنظم عمليات المداخل واتفاقات و مختلف عمليات الصندوق‪. 11‬‬

‫فمن حيث مضمون الحسابات المقدمة من قبل المحاسبين العموميين فهي تشمل على‬
‫وثائق عامة محددة بنص تنظيمي‪ ،‬ووثائق ومستندات مثبته لعمليات المداخل و النفقات‬
‫المسطرة في الحسابات المادة ‪ ،127‬و تنص المدونة على قائمة المستندات المثبتة تحدد بقرار‬
‫من الوزير المكلف بالمالية طبقا للمادة ‪.12 27‬‬

‫وفي هذا السياق يضع المحاسب عند اختتام عمليات السنة المنصرمة حسب تسييره‪،‬‬
‫ويتضمن بشكل تفصيلي للميزان النهائي‪ ،‬تنفذ ميزانية الجماعة أو الهيئة‪ ،‬كما تشمل على‬
‫أعمدة منفصلة على المداخل و أداءات الميزانية المحلية‪ ،‬والحسابات الخصوصية وعلى‬
‫حسابات الخزينة ‪.13‬‬

‫‪ 11‬يجبر محاسبو الجماعات الترابية على تقديم الحسابات كاملة ومشفوعة بالوثائق المثبتة ‪ ,‬في حين يقتصر اﻷمر بالنسبة لمحاسبي‬
‫باقي الهيئات على تقديم البيانات محاسبة فقط ‪ ,‬مما خلق نوعا من الغموض حول واعي هذا التمييز‪:‬‬
‫تقرير لجنة العدل و التشريع وحقوق اﻹنسان ‪ .‬بمجلس المستشارين حول مشروع قانون رقم ‪ 62.99‬مرجع سابق ‪ ,‬ص ‪26‬‬
‫‪12‬‬
‫‪Arrêté du ministre des finances du 19-5-1993 portant ‘’nomenclature des pièces‬‬
‫‪justificatives des recettes et dépenses des collectivités locales et de leurs groupements‬‬
‫‪‘’ . In : Note n° 1459 /DCGAC du 19-5-1993‬‬
‫‪ 13‬انظر الفصل ‪ 14‬من المرسوم ‪ 2.76.576‬بتاريخ ‪ 30‬شتنبر ‪ 1976‬بسن نظام محاسبة الجماعات المحلية وهيئاتها ‪ ,‬جريدة‬
‫رسمية عدد ‪ 3335‬مكرر ‪ ,‬المعدل بموجب ظهير الشريف رقم ‪ 1.09.02‬المتعلق بالتنظيم المالي للجماعات المحلية ومجموعاتها‬
‫إصدار في ‪ 8‬فبراير ‪ , 2009‬الجريدة الرسمية عدد ‪. 5711‬‬

‫‪18‬‬
‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫كما تشمل الرقابة القضائية على التصريح بالتسيير بحكم الواقع‪ ،‬التي تعتبر من بين‬
‫المسؤوليات المترتبة على مراقبة وثائق التسيير والتي من شأنها اﻹناطة بالمسؤولية على‬
‫عائق‪ 14‬اﻷعوان أو على المنتخبين الجماعيين ‪.‬‬

‫وطبق المادة ‪ 130‬هناك طريقتين لتحريك مسطرة التدبير بحكم الواقع فاﻷولى تتمثل في‬
‫صﻼحية وكيل الملك الذي يحيل في حدوث اختصاصاته‪ ،‬وذلك تلقائيا أو بطلب من وزير‬
‫الداخلية أو الوالي أو العامل في حدود اﻻختصاصات المخولة له‪ ،‬أو وزير المالية أو الخازن‬
‫الجهوي أو اﻹقليمي أو الممثل القانوني للجهاز العمومي المعني أو المحاسب العمومي ‪.‬‬

‫أي من حيث مسطرة التحقيق و البت فهي نفسها المتبعة أمام المجلس أﻷعلى للحسابات‬
‫في إطار ممارسته لنفس اﻻختصاص ووفق المقتضيات القانونية المنصوص عليها في المواد‬
‫‪ 27‬إلى ‪ 40‬من مدونة المحاكم المالية‪ ،‬وذلك من حيث ترتيب المسؤولية على كل من اﻵمر‬
‫بالصرف و المراقب و المحاسب عن العمليات التي أنجزوها أو أشاروا عليها خﻼل فترة‬
‫ممارسة مهامهم‪ ،‬وكذا كيفية اﻹدﻻء بالحساب أو الوضعية الحسابية وترتيب العقوبات في حالة‬
‫عدم احترام اﻵجال القانونية المقررة لتقديم الحسابات أو الوثائق المثبت والتي تتخذ شكل‬
‫غرامة مالية تصل مبلغها اﻷقصى إلى ألف درهم )‪1000‬درهم(‪ ،‬باﻹضافة إلى الغرامة‬
‫التهديدية )‪500‬درهم(‪ ،‬عن كل شهر من التأخير ‪.15‬‬

‫كما أن المادة ‪ 41‬من قانون رقم ‪ 62.99‬المتعلق بمدونة المحاكم المالية نصت على‬
‫إمكانية تطبيق هاتين العقوبتين في حالة رفض تقديم التبريرات والتوضيحات التي يحتاجها‬
‫المستشار المقرر بالمجلس الجهوي للحسابات‪ ،‬كما تشير إلى أن مسؤولية المحاسب العمومي‬
‫أمام المحاكم المالية في الحسابات‪ ،‬قد تثار أيضا إذ ما ثبت قيامه بعمليات قبض الموارد ودفع‬
‫النفقات وحيازة أو استعمال أﻷموال أو القيام أو المشاركة في تلك العمليات بصفته مسيرا بحكم‬
‫الواقع تجاوز دائرة اختصاصه‪ ،‬فيأمر المجلس بتقديم الحسابات وتطبق على اﻹجراءات‬

‫‪ 14‬الخشبي عبد العزيز ‪ " :‬بعض مظاهر تقنية التحقيق والرقابة الممارسة على مالية الجماعات المحلية " ‪ ,‬المجلة المغربية لﻺدارة‬
‫المغربية و التنمية عدد ‪ , 50‬طبعة ‪, 2003‬ص ‪. 30:‬‬
‫‪ 15‬المادة ‪ 29‬من القانون رقم ‪ 62.99‬المتعلق بمدونة المحاكم المالية ‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫المسطرية الواردة في المواد من ‪ 29‬إلى ‪ 40‬المتعلقة بإجراءات التدقيق والبث في حسابات‬


‫المحاسبين العموميين ‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬الﺘأديب المﺘعلق بالميزانية والشؤون المالية‪.‬‬


‫أفردت مدونة المحاكم المالية اﻻختصاص المرتبط بالتأديب في مجال الميزانية‬
‫والشؤون المالية فصﻼ مستقﻼ من كتابها اﻷول‪ ،‬ويكتسي هذا المجال أهمية خاصة على اعتبار‬
‫أن هذه المحاكم تمارس اختصاصا قضائيا حقيقيا و تمارس بالتالي المجالس الجهوية للحسابات‬
‫نفسها هذه اﻻختصاصات القضائية‪ ،‬سواء تعلق اﻷمر بالجانب المسطري أو باﻻختصاص‬
‫الموضوعي وكذا أثار ممارسة هذا اﻻختصاص ‪.‬‬

‫بحيث تخضع لرقابة المجالس الجهوية للحسابات في إطار التأديب المتعلق بالميزانية‬
‫الشؤون المالية‪ ،‬وداخل مجال اﻻختصاص الترابي لكل هيأة‪ ،‬الجماعات الترابية وهيأتها‬
‫ومختلف المؤسسات العمومية الخاضعة لوصيتها‪ ،‬و المقاوﻻت ذات اﻻمتياز و شركات‬
‫اﻻقتصاد المختلط المحلية ‪ ،‬وكذا الوﻻة والعمال باعتبارهم أمرين بالصرف بالنسبة لمجالس‬
‫العماﻻت واﻷقاليم ومجالس الجهات‪. 16‬‬

‫ومن جهة ثانية يعتبر كل من اﻵمرين بالصرف ومراقبي اﻻلتزام بنفقات الجماعات‬
‫الترابية وهيأتها والمحاسبين الجماعيين خاضعين لمجال تدخل المجالس الجهوية للحسابات‬
‫بخصوص أية مخالفات ترتكب من قبلهم وتندرج ضمن المقتضيات المتعلقة بالتأديب‪. 17‬‬

‫وﻻ يقتصر اﻷمر هنا على المتدخلين اﻷساسيين في التدبير المالي المحلي‪ ،‬وإنما تطال‬
‫الرقابة أيضا وبخصوص جميع اﻷصناف كل من موظف أو عون يعمل تحت إمرة أحد‬
‫الخاضعين الرئيسيين ولحسابه عند ارتكابه المخلفات المعتبرة ضمن مجال التأديب‪ ،18‬وهذا ما‬
‫يثير إشكاﻻت بخصوص التكييف القانوني المرتبط بتحديد المسؤوليات ودرجة التدخل‬

‫‪ 16‬المادتين ‪ 118‬و ‪ 136‬من مدونة المحاكم المالية‪.‬‬


‫‪ 17‬المادة ‪ 136‬و التي تحيل على مقتضيات المواد ‪ 54‬و ‪ 55‬و ‪.56‬‬
‫‪18‬‬
‫‪Brahim (M), « La cour des comptes » , op .Cit, p.100‬‬

‫‪20‬‬
‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫المقترضة في المحاسبة‪ ،‬بل أن اﻷمر يتطلب بصفة خاصة تحديدا دقيقا لنوعية هذه الفئات‬
‫الخاضعة لهذا المجال‪ ،‬وهذا ما ذهب إليه التشريع الفرنسي‪. 19‬‬

‫وقد نصت المادة ‪ 54‬على إجمالية اﻷعمال التي تعتبر مخالفة مرتبطة بمجال التأديب‬
‫وهي كالتالي‪:‬‬

‫مخالفة قواعد اﻻلتزام بالنفقات العمومية وتصفيتها واﻷمر بصرفها ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫عدم احترام النصوص التنظيمية المتعلقة بالصفات العمومية ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫مخالفة النصوص التشريعية والتنظيمية الخاصة بالتدبير شؤون الموظفين‬ ‫‪‬‬
‫واﻷعوان ‪.‬‬
‫مخالفة القواعد المتعلقة بإثبات الديون العمومية وتصفيتها واﻷمر بصرفها ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫مخالفة قواعد تحصيل الديون العمومية الذي قد يعهد به إليهم وفق النصوص‬ ‫‪‬‬
‫التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل ‪.‬‬
‫إخفاء المستندات أو اﻹدﻻء إلى المحاكم بأوراق مزورة نقدية أو عينية‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫مخالفة قواعد تدبير ممتلكات اﻷجهزة الخاضعة لرقابة المجلس ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫التقييد غير القانوني لنفقة بهدف التمكن من تجاوز اﻻعتمادات ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫إلحاق الضرر بجهاز عمومي يتحملون داخله مسؤوليات‪ ،‬وذلك يسبب اﻹخﻼل‬ ‫‪‬‬
‫الخطير في المراقبة التي هم ملزمون بممارستها أو من خﻼل اﻹغفال أو التقصير المتكرر في‬
‫القيام بمهامهم اﻹشرافية ‪.‬‬

‫كما أنه من جهة أخرى نجد بأن المادة ‪ 55‬تنص على أنه » يخضع للعقوبات كل مراقب‬
‫لﻼلتزام بالنفقات‪ ،‬أو المراقب المالي‪ ،‬أو يعمل لحسابها‪ ،‬إذا لم يقوموا بالمرقبات التي هم‬
‫ملزمون بالقيام بها طبقا لنصوص التشريعية والتنظيمية « ‪.‬‬

‫إلى جانب هذا نجد في المادة ‪ 56‬من مدونة المحاكم تنص على أنه يخضع لعقوبات‬
‫المجلس الجهوي للحسابات كل محاسب عمومي وكذا كل موظف أو عون يوجد تحت إمرته‬

‫‪19‬‬
‫‪Les juridictions financières, op, Cit,p.214‬‬

‫‪21‬‬
‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫أي عمل لحسابه إذا لم يمارسوا أثناء مزاولة مهامهم المرقبات التي هم ملزمون بالقيام بها طبقا‬
‫لنصوص المطبقة عليهم والتي تهم وتتعلق ب ‪:‬‬

‫بصفة اﻵمر بالصرف‪.‬‬ ‫‪‬‬


‫توفر اﻻعتمادات‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫صحة تقييد النفقات في أبواب الميزانية المتعلقة به‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫تقديم الوثائق المثبتة التي يتعين عليهم قبل أداء النفقات‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫من هنا نستنتج بأن كل من اﻵمر بالصرف وكذا المحاسب العمومي الذي يعمل في‬
‫المناصب السالفة الذكر يخضع للتأديب في حالة إذ ما أخل بالتزامه أو تجاوزها باستثناء الحالة‬
‫التي وردت في المادة ‪ 137‬من المدونة‪ ،‬وهي الحالة التي فيها المخالفة اﻷمر كتابي صادر‬
‫عن رئيسه التسلسلي أو عن آخر مؤهل ﻹصدار هذا اﻷمر قبل ارتكاب المخالفة ‪.‬‬

‫وهنا تنتقل المسؤولية أمام المجلس الجهوي إلى صاحب اﻷمر وهو الرئيس التسلسلي‬
‫للموظف أو العون‪.20‬‬

‫أما عن المسطرة المتعلقة بمجال التأديب المتعلق بالميزانية فيتوﻻها وكيل الملك الذي‬
‫يعتبر المدخل اﻷساسي لهذه القضية حيث يقوم بإحالة القضية على المجلس من تلقاء نفسه أو‬
‫بناء على طلب من رئيس المجلس الجهوي بناء على تقرير أجهزة المراقبة والتفتيش اﻹداري‬
‫المقدمة من طرف وزير الداخلية أو وزير المالية ‪.21‬‬

‫أما من حيث طبيعة العقوبات واﻷحكام‪ ،‬فإنه يحكم » على اﻷشخاص الذين ارتكبوا‬
‫مخالفة أو أكثر« من المخالفات الواردة أعﻼه بغرامة يحدد مبلغا طبقا لدرجة المخالفة‬
‫وخطورته‪ ،‬على أﻻ يقل مبلغ كل مخالفة على حدة عن ‪ 1000‬درهم وﻻ يتجاوز اﻷجرة‬

‫‪ 20‬المادة ‪ 137‬من مدونة المحاكم المالية ‪.‬‬


‫‪ 21‬بروحو عبد اللطيف ‪ :‬مالية الجماعات الﺘرابية بين واقع الرقابة ومﺘطلﺒات الﺘنمية‪ ,‬منشورات المجلة المغربية لﻺدارة المحلية‬
‫والﺘنمية‪ ,‬سلسلة » مواضيع الساعة «‪ ,‬عدد ‪ ,2016 ,97‬ص ‪.236‬‬

‫‪22‬‬
‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫السنوية الصافية لم رتكبها وأﻻ يتجاوز مجموع الغرامات أربع مرات هذه اﻷجرة السنوية‬
‫)المادة ‪ ،(66‬أو ما يعادل اﻷجرة السنوية لموظف في أعلى رتبة من سلم اﻷجور رقم ‪. 2211‬‬

‫وإذ تبين للمجلس أن مخالفة المرتكبة قد سببت خسائر للهيأة الخاضعة لرقابته‪ ،‬أو إذ تم‬
‫اكتشاف أفعال تستوجب إجراء تأديبا جناحيا أو جنائيا فإن أو جنائيا فإن اﻷمر يحال إلى وزارة‬
‫العدل وفق مسطرة خاصة‪.23‬‬

‫‪ 22‬المادة ‪ 67‬من مدونة المحاكم المالية ‪.‬‬


‫‪ 23‬المادتين ‪ 66‬و ‪ 111‬من مدونة المحاكم المالية‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬رقابة المحاكم المالية ذات الصﺒغة اﻹدارية‪.‬‬


‫إلى جانب اﻻختصاص الرقابي ذات الصبغة القضائية‪ ،‬تمارس المجالس الجهوية‬
‫للحسابات رقابة ذات طابع إداري على الجماعات الترابية‪ ،‬فعلى الرغم من كونها هذه الرقابة‬
‫تعتبر هي اﻷخرى رقابة قضائية بالنظر إلى الجهاز الذي يشرف عليها‪.‬‬

‫إﻻ أنها في جوهرها تبقى رقابة إدارية نظرا لتعلقها بالتنفيذ اﻹداري للعمليات المالية‬
‫العمومية واﻻعتماد على مسطرة إدارية على اﻹجراءات القضائية‪ ،‬وتتمثل هذه اﻻختصاصات‬
‫في مراقبة اﻹجراءات المتعلقة بتنفيذ الميزانية )الفرع اﻷول( ‪ ،‬وكذا مراقبة التسيير و استخدام‬
‫اﻷموال العمومية )الفرع الثاني(‪.‬‬

‫الفرع اﻷول‪ :‬مراقﺒة اﻹجراءات المﺘعلقة بﺘنفيذ الميزانية‪.‬‬


‫يعتبر هذا اﻻختصاص من أهم مستجدات القانون الجديد المنظم للرقابة القضائية على‬
‫مالية الجماعات الترابية‪ ،‬وهي آلية تضاف إلى اﻵليات الرقابية اﻷخرى المخولة للمجالس‬
‫الجهوية للحسابات‪ ،‬في سياق توسيع مجاﻻت تدخلها ‪.‬‬

‫ويعد ممارسة هذا النوع من الرقابة في التجربة الفرنسية التي تتميز باﻷصالة والتجديد‬
‫كبديل للوصاية اﻹدارية التي كانت تمارسه السلطات المركزية على الجماعات والمؤسسات‬
‫العمومية المحلية وبعد إحداث الغرف الجهوية للحسابات أوحى اﻷمر بإلغاء أي دور لممثل‬
‫الدولة في إطار رقابة اﻷموال العمومية المحلية‪ ،‬ويعتبر اختصاص القرارات المتعلقة‬
‫بالميزانية اختصاصا إداريا‪. 24‬‬

‫وهو ما سار عليه المشرع المغربي من خﻼل إسناد بمقتضى القانون رقم ‪62.99‬‬
‫المتعلق بمدونة المحاكم المالية للمجالس الجهوية للحسابات اختصاص مراقبة القرارات‬
‫المتعلقة بميزانية الجماعات الترابية هيئاتها‪.‬‬

‫‪ 24‬حميدوش مدني ‪":‬المجلس اﻷعلى للحسابات والمجالس الجهوية للحسابات ‪ ,‬التشكيل ‪ ,‬واﻻختصاصات أطروحة لنيل الدكتورة ‪,‬‬
‫جامعة ﷴ الخامس‪ ,‬كلية العلوم القانونية واﻻقتصادية واﻻجتماعية بالرباط ‪ ,‬أكدال ‪ ,‬السنة الجامعية ‪ , 2002- 2001‬ص ‪. 99 :‬‬

‫‪24‬‬
‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫وتعد ميزانية الجماعات الترابية‪ ،‬بمثابة وثيقة مالية تشخيص النشاط المالي للجماعات‬
‫الترابية‪ ،‬التي تبتدئ من وثيقة مالية تشخص النشاط حيث تنفيذها و المصادقة على الحسابات‬
‫اﻹدارية الجماعية‪.‬‬

‫والحساب اﻹداري عبارة عن تقرير مفصل باﻷرقام تتعلق بشأن التصرف في الميزانية‬
‫السنة المالية تؤطر فصﻼ بفصل كل العمليات المالية المتعلقة بالمداخيل والنفقات المسجلة‬
‫بالميزانية‪ ،‬والتي تعتمد بها لﻶمرين بالصرف من الناحية القانونية باعتباره المسؤول اﻷول‬
‫عن التدبير المالي لميزانية الجماعة خﻼل كل سنة مالية‪. 25‬‬

‫وفي حالة عدم المصادقة على الحساب اﻹداري من طرف المجلس التداولي المختص‪،‬‬
‫نصت مدونة المحاكم المالية على أنه بصرف النظر من مقتضيات المتعلقة بطلب دراسة‬
‫جديدة‪ ،‬يقوم وزير الداخلية أو الوالي أو العامل بعرض هذه الوثيقة على المجلس الجهوي‬
‫للحسابات‪ ،‬ويكون ذلك إما بطريقة تلقائية أو بناء على طلب من اﻵمر بالصرف المعني‪ ،‬من‬
‫طرف الحساب اﻹداري المرفوض والمداوﻻت المتعلقة بهذا الرفض والمستندات المقدمة برأيه‬
‫حول شروط تنفيذ الميزانية أو الهيئة المعنية داخل أجل ‪ 60‬يوما‪ ،‬وذلك استنادا على هذا الرأي‬
‫بقرار من وزير الداخلية أو الوالي أو عامل العمالة أو اﻹقليم‪.26‬‬

‫وانطﻼقا من مقتضيات المادة ‪ 142‬من القانون رقم ‪ 62.99‬توضح على أن المجالس‬


‫الجهوية للحسابات لها اختصاصا عاما‪ ،‬في مجال مراقبة القرارات المتعلقة بالميزانية‪ ،‬إذ‬
‫تمتلك سلطات الوصاية صﻼحية إحالة كل قضية تخص اﻹجراءات المتعلقة بتنفيذ الميزانية‪،27‬‬
‫وﻻ يقتصر أي قضية أو وثيقة مالية من السلطات الوصاية فقط‪ ،‬بل تمتد إلى أي قضية أو‬
‫وثيقة مالية أو محاسبة تخص الممارسة المالية المحلية‪ ،‬والتي تحتاج فيه سلطات الوصاية‬
‫لﻼستشارة المجالس الجهوية‪ ،‬بيد أن هذا اﻻختصاص يقيد بناء على منطوق المادة ‪ 143‬من‬

‫‪ 25‬سيدي الشريف ‪":‬رقابة المجالس الجهوية للحسابات على مالية الجماعات الترابية " بحث لنيل دبلوم الماستر للقانون العام ‪,‬‬
‫جامعة عبد المالك السعدي ‪ ,‬كلية المتعددة التخصصات تطوان‪ ,‬سنة الجامعية ‪2015 -2016‬‬
‫‪ 26‬المادة ‪ 143‬من مدونة المحاكم المالية ‪.‬‬
‫‪ 27‬المادة ‪ 142‬من مدونة المحاكم المالية‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫مدونة المحاكم المالية‪ ،‬القاضي بالبت في النزاع المتعلق برفض المجلس التداولي للحساب‬
‫اﻹداري‪ ،‬والمصادقة عليها ليتم إحالته من قبل سلطات الوصاية على المجلس الجماعي ‪.‬‬

‫الفرع الثاني ‪ :‬مراقﺒة الﺘسيير و اسﺘخدام اﻷموال العمومية‪.‬‬


‫يعد هذا اﻻختصاص اﻹداري من أهم اﻻختصاصات المسندة إلى المحاكم المالية‬
‫عموما‪ ،‬بالنظر لكونه يتجاوز تطبيقات المشروعية القانونية على مستوى العمليات المردودية‬
‫في عﻼقتها باﻷهداف المعلنة‪. 28‬‬

‫وقد نصت المادة ‪ 147‬من مدونة المحاكم المالية على أن المجالس الجهوية للحسابات‬
‫تراقب تسيير اﻷجهزة المشار إليها في المادة ‪ ،148‬وذلك ﻷجل تقدير هذا التسيير من حيث‬
‫الكيف واﻹدﻻء عند اﻻقتضاء باقتراحات حول الوسائل الكفيلة بتحسين طرقه والزيادة في‬
‫فعاليته‪ ،‬وتشمل هذه المراقبة جميع أوجه التسيير بما في ذلك تقييم مدى تحقيق اﻷهداف‬
‫المحددة والنتائج المحققة وكذا تكاليف وشروط اقتناء واستخدام الوسائل المعتمدة ميما يحيل‬
‫على المعايير المرتبطة بالفعالية والنجاعة‪.‬‬

‫ونظرا لﻸهمية مراقبة التسيير باعتبارها مراقبة شاملة ومندمجة المختلف مظاهر‬
‫ومجاﻻت التدبير العمومي المحلي‪ ،‬فقد حولت مدونة المحاكم المالية للمجالس الجهوية‬
‫للحسابات مهمة ممارسة اختصاص رقابة التسيير بمختلف مظاهرها‪ ،‬وفضﻼ عن ذلك منحت‬
‫للمجالس الجهوية صﻼحية القيام بمهمة تقييم اﻷهداف المحددة لكل مشروع انطﻼقا مما تم‬
‫انجازه مقارنة مع الوسائل المستعملة كما نظمت ذلك المادة ‪ 148‬من مدونة المحاكم المالية‬
‫حيث وسع المشرع المغربي من نطاق تدخل المجالس الجهوية للحسابات في مجال مراقبة‬
‫التسيير‪ ،‬بحيث تمتد هذه المراقبة إلى مختلف اﻷجهزة العمومية الخاضعة لوصايتها وبالتالي‬
‫تتوخى هذه الرقابة تقييم مدى تحقيق اﻷهداف المقررة والوسائل المستعملة وتكاليف اﻷشياء‬
‫والخدمات المقدمة واﻵثمات المطبقة والنتائج المالية‪ ،‬بمعنى آخر ﻻ تكتفي مراقبة التسيير‬

‫‪ 28‬ناصر الدين القبلي‪ »:‬الرقابة البعدية على مالية الجماعات الترابية بين المحدودية ومتطلبات المﻼئمة « بحث لنبيل دبلوم‬
‫الماستر‪ ,‬جامعة عبد المالك السعدي ‪ ,‬كلية العلوم القانونية واﻻقتصادية واﻻجتماعية بتطوان‪ ,‬السنة الجامعية ‪,2017- 2016‬‬
‫ص‪. 17:‬‬

‫‪26‬‬
‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫بالتأكيد من مشروعية المشاريع المحلية والبرامج المنفذة فقط‪ ،‬بل تسع لتقييم أدائها وكذا‬
‫فعاليتها‪.29‬‬

‫أما بخصوص مراقبة المجالس الجهوية للحسابات على استخدام اﻷموال العمومية فهي‬
‫تعتبر من المستجدات الجديدة التي جاء بها القانون رقم ‪ ، 62.99‬ويندرج هذا اﻻختصاص في‬
‫مجال مراقبة استعمال المال العام المحلي المقدم من مختلف أصناف الجماعات الترابية‬
‫للجمعيات أو المقاوﻻت‪.‬‬

‫وذلك في شكل إعانات أو مساهمات‪ ،‬وهكذا تتولى المجالس الجهوية للحسابات‬


‫اختصاص مراقبة استخدام اﻷموال العمومية التي تتلقاها المقاوﻻت‪ ،30‬أو الجمعيات أو‬
‫اﻷجهزة اﻷخرى التي تستفيد من مساهمة في رأسمال أو مساعدة كيفما كان شكلها والتي‬
‫تقدمها جماعة ترابية أو هيئة أو جهاز آخر يخضع لمراقبة المجالس الجهوية للحسابات وتهدف‬
‫هذه المراقبة إلى التأكد من استخدام اﻷموال العمومية التي تم تلقيها من طرف الجهاز المعني‬
‫يطابق اﻷهداف المتوخاة من المساهمة أو المساعدة‪.31‬‬

‫وهكذا فمدونة المحاكم المالية جعلت اختصاص مراقبة المجالس الجهوية للحسابات في‬
‫استخدام اﻷموال العمومية اختصاصا عاما‪ ،‬إذ لم تحدد المدونة سقفا ماليا أو مساعدة التي‬
‫تتلقاها اﻷجهزة المعنية للجماعات الترابية والتي على أساسها تخضع لمراقبة هذه الوحدات‬
‫الرقابية‪ ،‬هذا باﻹضافة إلى عدم تحديد شكل المساعدات أو المساهمات بحيث تملك المجالس‬
‫الجهوية للحسابات صﻼحيات التأكد من مطابقة استعمال اﻷموال العمومية‪ ،‬وهو ما يتنافى مع‬
‫أحكام مقتضيات المادة ‪ 148‬من القانون رقم ‪ 62.99‬من مدونة المحاكم المالية ‪ ،‬بحيث‬
‫تشترط في تقديم الحساب من طرف الجمعيات لﻸجهزة المقدمة للمساعدات أن يتجاوز مبلغ‬
‫تلك المساعدة أو اﻹعﻼنات المقدمة عشرة ألف درهم ) ‪ 10000‬درهم(‪.‬‬

‫‪ 29‬سيدي الشريف ‪":‬رقابة المجالس الجهوبية على مالية الجماعات الترابية" ‪ ,‬مرجع سابق ‪ :‬ص‪. 57 :‬‬
‫‪ 30‬المادة ‪ 148‬من مدونة المحاكم المالية‪.‬‬
‫‪ 31‬المادة ‪ 154‬من مدونة المحاكم المالية ‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫المﺒحث الثاني ‪ :‬تجليات رقابة القضاء اﻹداري‪.‬‬


‫يعد القضاء اﻹداري من المرتكزات اﻷساسية والمهمة لدولة الحق والقانون ومن‬
‫متطلبات الحكامة الجيدة‪ ،‬فهي الوسيلة التي تضبط مشروعية التصرفات اﻹدارية لﻸشخاص‬
‫العامة‪ ،‬سواء على المستوى المحلي أو على المستوى المركزي‪ ،‬وهي إحدى السلطات التي‬
‫ترتكز عليها اﻷنظمة الديمقراطية الحديثة في تقويم عﻼقتها اﻹدارية المختلفة‪ ،‬ومن خﻼله‪،‬‬
‫يحفظ اﻻلتزام بالقانون اﻹداري وللعدالة اﻹدارية أساسها‪ ،‬وبهذا فرقابة القاضي اﻹداري على‬
‫الجماعات الترابية تختلف عن اﻷنماط الرقابية اﻷخرى في الكثير من الجوانب‪ ،‬فهي ﻻ تتحرك‬
‫من تلقاء نفسها‪ ،‬وإنما ﻻبد وأن يعرض عليه اﻷمر أو أن ترفع الدعوى من قبل صاحب‬
‫المصلحة أمام القضاء‪ ،‬ووجود الرقابة اﻹدارية على الجماعات الترابية‪ ،‬من الناحية المبدئية ‪،‬‬
‫تشكل ضمانة مهمة من ضمانات حقوق اﻷفراد وحرياتهم على المستوى المحلي‪ ،‬وهو مفتاح‬
‫اﻻلتزام بسيادة القانون‪ ،‬ويتوقف عليه أمر احترامه بمعناه الواسع الذي يتجاوز التقييد المجرد‬
‫بالنصوص إلى احترام مضمون القانون ‪ ،‬من حيث وجوب حمايته لصالح العام والخاص وبناء‬
‫على ذلك‪ ،‬فﻼ مبالغة إذ تم القول قطعا على أن الرقابة اﻹدارية هي أفضل نوع رقابي من‬
‫الناحية المبدئية في شقها‪ ،‬رقابة القضاء اﻹداري على اﻷعمال القانونية للجماعات الترابية‬
‫)المطلب اﻷول( أو رقابة القضاء اﻹداري على اﻷعمال المادية للجماعات الترابية )المطلب‬
‫الثاني( ‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫المطلب اﻷول ‪ :‬رقابة القضاء اﻹداري على اﻷعمال وقرارات الجماعات‬


‫الﺘرابية‪.‬‬
‫إن الجماعات الترابية وإن كانت تتمتع بحرية التصرف في مباشرة السلطات‬
‫واﻻختصاصات المخول لها‪ ،‬إﻻ أنها تمارسه في إطار القانون وﻻ يمكن أن تخرج عنه‪ ،‬إنما‬
‫يتوجب عليها أن تبقى داخل حدودها وضوابطها تحت مبدأ مشروعية القرارات في أعمالها‬
‫وتدخﻼتها حتى وإن تعددت اﻻختيارات أمامها‪ ،‬خصوصا وأن السلطة التقديرية التي تتمتع‬
‫بها اﻹدارة الترابية قد تجاوب الصواب أحيانا وقد تعطي لكفلة المصلحة العامة اﻷولوية في‬
‫مقابل المصلحة الخاصة‪.‬‬

‫وتأسيسا على ذلك‪ ،‬تنصرف رقابة القضاة اﻹداري على اﻷعمال القانونية للجماعات‬
‫الترابية إلى تلك اﻷعمال التي تمارسها وتقصد بها التأثير في المراكز القانونية‪ ،‬وهي تشمل‬
‫الرقابة المتعلقة بالقرارات الصادرة عن الجماعات الترابية بإرادتها المنفردة )الفرع اﻷول (‪،‬‬
‫وكذا الرقابة المتعلقة بالعقود اﻹدارية وصفقات الجماعات الترابية )الفرع الثاني(‪.‬‬

‫الفرع اﻷول ‪ :‬الرقابة المﺘعلقة بالقرارات الصادرة على الجماعات الﺘرابية‪.‬‬


‫يشكل القرار اﻹداري وسيلة من خﻼلها تباشر اﻹدارات العمومية مهامها و مختلف‬
‫أنشطتها‪ ،‬وبناء على ما لها من سلطات واختصاصات تصدر الجماعات الترابية قرارات‬
‫يفترض أن تكون صحيحة و مشروعة‪ ،‬بطريقة تحفظ الحقوق وتفرض التزامات بإرادتها‬
‫المنفردة والملزمة‪ ،‬بيد أنه في بعض اﻷحيان قد يترتب عن هذه القرارات إلغائها إما بسبب‬
‫تعارض مضمونها مع القواعد القانونية أو إلغائها مع التعويض عن اﻷضرار المترتبة عن أحد‬
‫أطراف المنازعة‪ ،‬فهنا في جميع اﻷحوال تكون قرارات معيبة وغير مشروعة طبقا للقانون‪،‬‬
‫لذا استوجب اﻷمر ممارسة الرقابة على هذه القرارات كالقرارات الصادرة عن مجالس‬

‫‪29‬‬
‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫الجماعات الترابية أثناء تسييرها الداخلي لشؤونها اﻹداري‪ ،‬وكذا القرارات المتعلقة بسير‬
‫مختلف القضايا التي تهم تدبير الشأن المحلي‪.32‬‬

‫إن قرارات تدبير مجالس وإدارات الجماعات الترابية تعتبر من اﻷعمال القانونية التي‬
‫بمقتضاه يتدخل بمقتضاه يتدخل المسؤول المحلي على أساس تنظيم اﻷعمال اﻹدارية الداخلية‬
‫مستهدفا المصلحة العامة‪ .‬وﻻ يتطلب حتى تكون حيز التنفيذ أن يتوفر فيها رضا اﻷطراف‬
‫المعنيين بها‪.33‬‬

‫تنص المادة ‪ 20‬من قانون المحدث للمحاكم اﻹدارية ‪".‬أن كل قرار إداري صدر من‬
‫جهة غير مختصة أو لعيب في شكله أو ﻻنحراف في السلطة أو ﻻنعدام التعليل أو لمخالفة‬
‫القانون‪ ،‬يشكل تجاوزا في استعمال السلطة‪ ،‬يحق للمتضرر الطعن فيه أمام الجهة القضائية‬
‫اﻹدارية المختصة‪ ،"34‬فمنذ إحداث المحاكم اﻹدارية شكلت المنازعات المشارة إليه والمتعلقة‬
‫بتدبير الموارد البشرية بالجماعات الترابية )خصوصا الجماعات الحضرية والقروية‪ ،‬دون‬
‫غيرها من الجماعات الترابية( من بين أكثر القضايا المعروضة أمام القضاء اﻹداري‪ ،‬ومن‬
‫خﻼل اختصاصها في ممارسة الرقابة على أعمال اﻹدارة وتعمل على التوفيق بين المصلحة‬
‫‪35‬‬
‫العامة والخاصة مع الحفاظ على حقوق كل منهما ‪.‬‬

‫كما أن لرئيس مجالس الجماعية في إطار المصلحة العامة‪ ،‬وضمان سير المرافق‬
‫العمومية المحلية‪ ،‬له سلطة تقديرية لﻼتخاذ مجموعة من القرارات المرتبطة بتدبير وتسيير‬
‫المجالس‪ ،‬وتدبير الموارد البشرية‪ ،‬ويعرف القضاء اﻹداري المغربي عدة قضايا متعلقة بهذا‬
‫المستوى‪ ،‬إذ يبقى للقاضي اﻹداري فيها مفتاح بعض النوازل لﻼلتزام بسيادة الحق والقانون‪.‬‬

‫‪ 32‬لطيفة اﻷندلوسي‪ " .‬الرقابة على القرارات اﻹدارية للجماعات الترابية بالمغرب" بحيث لنيل دبلوم الماستر‪ ,‬شعبة الحكامة‬
‫وسياسة الجماعات الترابية‪ ,‬جامعة عبد المالك السعدي‪ ,‬كلية العلوم القانونية واﻻقتصادية واﻻجتماعية ‪ .‬ص‪17 :‬‬
‫‪33 Andre de laubaderé. Jean-clud venezia. Yves gaudement : « traité de droit‬‬
‫‪administratif » 15 éme étition 1999 , P 545-546-547‬‬
‫‪ 34‬انظر المادة ‪ 20‬من ظهير شريف رقم ‪ 1.91.225‬صادر في ‪ 22‬من ربيع اﻷول ‪ 10) 1414‬سبتمبر ‪ (1993‬بتنفيذ القانون رقم‬
‫‪ 41.90‬المحدث بموجبه محاكم إدارية‪.‬‬
‫‪ 35‬عماد أبركان " نظام الرقابة على الجماعات الترابية ومتطلبات المﻼئمة " منشرورات مجلة العلوم القانونية ‪ ,‬الطابعة اﻷولى‬
‫‪ , 2016‬ص‪.198:‬‬

‫‪30‬‬
‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫وقد شكلت هذه الرقابة التي تم تكريسها في جميع القوانين التنظيمية اﻷخيرة رقابة‬
‫أساسية لحماية القانون وضمان تطبيقه من جهتين ‪:‬‬

‫اﻷولى‪ :‬تتمكن من حماية الحقوق والحريات الخاصة بالمتعاملين مع الجماعات الترابية‬


‫وتضمن العدالة استحقاق التعويض في حالة اﻹضرار بهم‪.‬‬

‫الثانية‪ :‬تتمثل في توفير الظروف المناسبة لها من حماية تلك الجماعات من الشطط‬
‫والغلو والصرامة وتعسف اﻷجهزة الوصائية بسلطتها‪.36‬‬

‫وقد تطرق القانون المنظم للجهة إلى نوع منها بخصوص القرارات التي تتخذ وتكون‬
‫مستوجبة اﻹحالة على المحكمة المختصة‪ ،37‬ولعل نفس الرقابة قد تم تكريسها في القوانين‬
‫التنظيمية الجديدة بالنسبة للجميع الجماعات الترابية‪ ،‬حيث أصبحت عديدة هي القرارات‬
‫والمقررات الخاضعة للرقابة الوصائية‪ ،‬تحت إشراف القضاء اﻹداري ‪ ،38‬وهذا اﻷخير‬
‫يمارس رقابة خاصة على القرارات المعروضة عليه والصادرة عن جميع الجماعات الترابية‬
‫خﻼل تدبير لشؤونها المحلية‪.‬‬

‫فالقرار اﻹداري يجب أن يحترم بعض الشكليات و اﻹجراءات‪ ،‬إلى جانب ذلك يجب أن‬
‫ينبني على سبب ﻻتخاذه‪ ،‬والسبب يتمثل في الوقائع المادية التي تبرر صدوره وعلى اﻹدارة‬
‫إثبات ذلك‪ ،‬وإﻻ اعتبر القرار تجاوزا للسلطة يترتب عنه اﻹلغاء‪ ،‬فتسبيب وتبين المبررات‬
‫والدواعي الصحيحة التي تقف وراء القرار‪ ،‬يعتبر من الضمانات اﻷساسية لحقوق المتنازعين‬
‫مع الجماعات الترابية‪ ،‬فالقضاء في بعض اﻷحيان قد يلجئ إلى اﻻستعانة "بالخبرة بغية التأكد‬
‫من صحة اﻷسباب المقدمة ﻻتخاذ القرار"‪ ،‬إضافة إلى ذلك فاﻻمتثال للقواعد القانونية من‬
‫مرتكزات مشروعية اتخاذ القرار اﻹداري‪.‬‬

‫‪ 36‬أنظر المادة ‪ 112‬من القانون التنظيمي الرقم ‪ 111.14‬المتعلق بالجهات والمادة ‪ 106‬من القانون التنظيمي الرقم ‪113.14‬‬
‫المتعلق بالجماعات‪.‬‬
‫‪37‬‬
‫‪Mhamed Antari : « la censure de l’astreinte a titre personnel par ma chambre‬‬
‫‪administrative serait – ce la fin d’un espoir ? » note sous C .S.A. , 11 Mars 1999 .‬‬
‫‪commune rurale de tou nfit c/Med. Attaoui , publications Remald , n°31 , Mars – avril,‬‬
‫‪2000 p.169‬‬
‫‪ 38‬عماد أبركان ‪ ,‬مرجع سابقا‪ ,‬ص‪148 :‬‬

‫‪31‬‬
‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫وطبقا للمقتضيات الفقرة الثانية من الفصل ‪ 145‬من الدسﺘور‪ ،‬يمارس الوﻻة والعمال‬
‫قرارات رؤساء المجالس ومقررات مجالس الجماعات‬ ‫المراقبة اﻹدارية على شرعية‬
‫الترابية‪ ،‬وكل نزاع في هذا الشأن تبت فيه المحاكم اﻹدارية‪ .‬وبمعنى آخر أن القرارات المتخذة‬
‫من قبل رؤساء المجالس والجماعات الترابية يجب أن ﻻ تخرج حيز اﻻختصاص‪ ،‬وخﻼف‬
‫‪39‬‬
‫فهي باطلة بمقتضى القانون‪ .‬وعليه فرقابة القضاء اﻹداري تشمل مشروعية المهام‬ ‫ذلك‬
‫الموكلة للجماعات الترابية‪ ،‬فمبدأ اﻻختصاص من أهم العناصر التي تكفل الحماية للمواطنين‬
‫من تعسف الجماعات الترابية واﻹدارة بصفة عامة‪ ،‬وهذا العنصر يتأكد من سﻼمته القاضي‬
‫اﻹداري‪.‬‬

‫وقد تتجاوز الرقابة القضائية على القرارات اﻹدارية للجماعات الترابية من قرارات‬
‫معيبة إلى قرارات سليمة من حيث إجراءتها الشكلية والجوهرية‪ ،‬في إلغائها لعدم مﻼئمتها‬
‫لحاﻻت معينة وعدم مراعاة المصلحة العامة وحالة اﻻستقرار‪.‬‬

‫ولهذا فالرقابة القضائية المفروضة على مختلف القرارات اﻹدارية للجماعات الترابية‬
‫هي رقابة وازنة من خﻼل قيمتها القانونية والعملية في التوفيق بين حماية حقوق وحريات‬
‫المواطنين أفرادا وجماعات وبين ما تقتضيه المصلحة العامة في تسير الشؤون المحلية‪.‬‬

‫الفرع الثاني ‪ :‬الرقابة على الصفقات والعقود اﻹدارية للجماعات الﺘرابية‪.‬‬


‫إن الصفقات والعقود اﻹدارية تشكل أداة لتنفيذ أنشطة و إلتزامات الجماعات الترابية‬
‫وتقديم خدماتها‪ ،‬وتسيير بعض مرافقها العمومية ومن المسلم به أن العقود اﻹدارية تتميز في‬
‫طبيعتها الخاصة عن العقود المدنية ذلك أنها تستهدف المصلحة العامة‪ ،‬وهذا اﻷمر يتطلب‬
‫الخضوع لمجموعة من القواعد القانونية ذات الخصوصية اﻻستثنائية‪ ،‬التي تتميز عن القواعد‬
‫والمبادئ القانونية التي تحكم العقود المدنية المنصوص عليها في القانون الخاص‪.40‬‬

‫‪ 39‬قرار عدد ‪ 522‬بتاريخ ‪ 2007/12/19‬الصادرة عن المحكمة اﻹدارية بمكناس »يمنع استخدام مقبرة طريقا عموميا « ‪ ,‬صيانة‬
‫حرمة مقابر المسلمين ‪.‬‬
‫‪ 40‬عماد أبركان " نظام الرقابة على الجماعات الترابية ومتطلبات المﻼئمة " منشورات مجلة العلوم القانونية‪ ,‬الطبعة اﻷولى ‪2016‬‬
‫‪ -‬ص‪.208:‬‬

‫‪32‬‬
‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫فالجماعات الترابية أثناء إبرامها للعقود اﻹدارية فهي تتمتع بامتيازات وحقوق تجعل‬
‫العقد متﻼئما مع متطلباتها وظروفها‪ .‬عﻼوة على ذلك فالمشرع قد منح لها الصﻼحية بفرض‬
‫بعض القيود والشروط على الطرف أو اﻷطراف المتعاقدة معها ‪ ،‬مع احترام حقوقها‪ ،‬خاصة‬
‫ما يتعلق بالجانب المادي‪ .‬بيد أن القواعد القانونية والتنظيمية المتعلقة بذلك وحدها غير كافية‬
‫بتوفير الحماية لحقوق المتعاقدين مع اﻹدارات الجماعية‪ ،‬بل ﻻبد من وجود متدخل فاصل‬
‫بينهما في حالة نشوب نزاع على مستوى تنفيذ شروط العقد اﻹداري‪ ،‬ويتمثل هذا المتدخل في‬
‫القاضي اﻹداري في إطار السلطة القضائية المخولة له في مثل هذه النوازل لحماية حقوق‬
‫المتعاقدين مع الجماعات الترابية من أي شطط في استعمال السلطة أو التعسف واﻹضرار‬
‫بمصالحهم‪.‬‬

‫إن رقابة القاضي اﻹداري فيما يتعلق بالصفقات والعقود اﻹدارية للجماعات الترابية ﻻ‬
‫تقصر فقط على النزاعات والمشاكل المتأتية عن اﻹخﻼل بإحدى الحقوق أو الواجبات‬
‫المنصوص عليها في العقد فقط بل تتجاوز ذلك لتشمل البت في قضايا التعويض عن اﻷضرار‬
‫الناتجة عنها _ كالﺘأخير عن أداء المسﺘحقات المالية داخل اﻷجل المحدد _ عﻼوة على ذلك‬
‫يمكن للقاضي اﻹداري بناء على ماله من سلطة‪ ،‬في تقرير وتحديد حجم الضرر ومبلغ‬
‫التعويض لفائدة الطرف المتضرر في العقد‪.‬‬

‫إلى جانب فقد خولت الرقابة القضائية على العقود والصفقات المبرمة من قبل الجماعات‬
‫الترابية للطرف المتعاقد معها من وضع تعديل على مستوى العقد‪ .‬أو في حالة الصعوبات‬
‫المادية الطارئة أو إخﻼل اﻹداري بمقتضيات العقد ‪ ، ...‬الحق في المطالبة بالتعويض عن‬
‫اﻷضرار التي قد ترتبت على الطرف المتعاقد مع الجماعات الترابية التي تدرج في اختصاص‬
‫القضاء الشامل كمبدأ عام‪ ،‬يتدخل القاضي اﻹداري‪ .‬بناء ما يعرف "بقضاء اﻹلغاء" في مجال‬
‫العقود اﻹدارية تدريجيا ﻹلغاء القرارات المنفصلة أو القابلة لﻼنفصال بغية توفير الحماية‬

‫‪33‬‬
‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫للمتعاقد أو المحتمل التعاقد معه من بعض القرارات التعسفية للجماعات الترابية ذات‬
‫المضامين المختلفة‪.41‬‬

‫بيد أن دور الرقابة القضائية ﻻزالت متأخرة ﻹلزام اﻹدارة أو الجماعات الترابية باحترام‬
‫التزاماتها التعاقدية‪ ،‬وذلك راجع إلى غياب اﻵليات و الوسائل الكفيلة بتنفيذ اﻷحكام القضائية‬
‫ضد الجماعات الترابية‪.‬‬

‫وبما أن المتعاقدين مع الجماعات الترابية على أساس تقديم الخدمات أو القيام ببعض‬
‫اﻷنشطة قد يخلون بما على عاتقهم من التزام أو قد يترتب عن هذه اﻷعمال مجموعة من‬
‫اﻵثار و اﻻنعكاسات على المنتفعين أو على اﻷغيار وتضر بمصالحهم أو تنقص من حقوقهم‬
‫أو غير ذلك‪ ،‬فالرقابة القضائية في إطار القضايا المطعون فيها أمام المحاكم اﻹدارية حول‬
‫التعسفات واﻷضرار المترتبة عنها تأخذ بعين اﻻعتبار اﻵثار الناجمة عن تلك العقود اﻹدارية‬
‫المبرمة وهذه اﻵثار ناتجة عن تدبير الشؤون الترابية والمرافق العامة المحلية‪ ،‬والتي تمس‬
‫بحقوق الغير‪ ،‬ويكون الغرض منها التعاون والتشارك أو النيابة في اﻷعمال‪ ،‬وذلك لتخفيف من‬
‫عبئ المسؤولية الملقاة على كاهل الجماعات‪ .‬من غير التخلي عن اﻻختصاصات المخولة لها‪.‬‬
‫والصﻼحيات المتنوعة و الواسعة في مدلولها‪ ،42‬على سبيل المثال »القضية التي عرضت‬
‫على القضاء اﻹداري فيما يخص شركة مستودع السيارات‪ ،‬وتداخل اختصاصاتها مع مجال‬
‫ممارسة الشرطة اﻹدارية ‪ ،‬حيث ذهبت المحكمة اﻹدارية بالرباط على أن آثار العقود اﻹدارية‬
‫تمتد لتشمل كذلك اﻻغيار اﻷجانب عن العقد‪ ،‬وأن من حق المدعي الطعن في العقد‪ .‬ذلك‬
‫لممارسة صﻼحيات الشرطة اﻹدارية الغير القابلة للتفويض بطبيعتها بناء على الشروط‬
‫التنظيمية لعقد امتياز مرفق عمومي‪ ،‬والتي قضت فيه بعدم شرعيته‪ ،‬وقضت لصالح الطاعن‬
‫بأحقية في نيل التعويض‪ ،‬لقاء الضرر الذي أصابه‪ ،‬فأصبح من حق الغير الخارج عن الرابطة‬
‫التعاقدية‪ ،‬أن يكون مدعيا أو طاعنا في اﻵثار المترتبة عن عقود الجماعات الترابية‪.43‬‬

‫‪ 41‬عماد أبركان ‪,‬مرجع سابق ‪ ,‬ص‪213:‬‬


‫‪ 42‬مجلة مسالك العدد‪ , 38-37 :‬ص‪.155:‬‬
‫‪ 43‬ﷴ اﻷعراج‪ » ,‬حق المرتفق في المطالبة بإلغاء عقد إمتياز« دجنبر ‪,2006‬طبعة ‪ 20‬ص‪. 173:‬‬

‫‪34‬‬
‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫وعليه فالرقابة القضائية الممارسة على اﻵثار المترتبة عن عقود الجماعات الترابية ذات‬
‫أهمية كبرى وذلك راجع إلى عدة اعتبارات‪ ،‬ومن خﻼلها يتم حماية المنتفعين من تعسف‬
‫المتعاقد مع الجماعة من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى فإن المتعاقد مع اﻹدارة حرصه على جانب‬
‫الربح الخاص به أكثر من جانب تقديم الخدمات بشكل منتظم ومطرود ومعقول‪ ،‬حتى وإن كان‬
‫على ذلك على حساب المرتفقين غير مباشرين‪ .‬ﻻسيما إذا كانت الجماعة المتعاقدة معهم‪ .‬غير‬
‫قادرة على تفعيل الرقابة الﻼزمة بتنفيذ العقود من طرف الخواص‪ ،‬وهو ما يجعل مصالح‬
‫المواطنين معرضة لتﻼعبات من قبل الشركات والمقوﻻت الخاصة المتعاقدة‪.‬‬

‫وإلى جانب الجماعات الترابية‪ ،‬يبقى في هذا الصدد للمواطن الواعي المدافع عن حقوقه‬
‫ومصالحه أمام القضاء اﻹداري ‪ ،‬هو صمام اﻷمان للشرعية والمشروعية القانونية ‪ ،‬والضامن‬
‫لجودة الرقابة القضائية الممارسة على اﻵثار المترتبة عن العقود اﻹدارية عموما‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬رقابة القضاء اﻹداري على اﻷعمال المادية للجماعات‬


‫الﺘرابية‪.‬‬
‫تمارس الجماعات الترابية إلى جانب اﻷعمال القانونية المتمثلة في القرارات اﻹدارية‬
‫والعقود الكثير من اﻷعمال والتصرفات وهو ما يسمى باﻷعمال المادية‪.‬‬

‫وهي تلك اﻷعمال التي تباشرها الجماعات الترابية من غير أن تقصد منها إحداث آثار‬
‫قانوني معين‪ .‬من حيث إنشاء مراكز قانونية جديدة أو تعديل في المراكز واﻷوضاع القانونية‬
‫القائمة من قبل‪ ،‬وإنما هي أعمال فقط تستهدف من خﻼله تنفيذ القواعد القانونية أو القرارات أو‬
‫العقود فقط… ويتعلق اﻷمر كذلك تلك اﻷخطاء التي تصدر من اﻹدارات وكذا اﻹهمال من‬
‫دون توفر نية إحداثه‪ ،‬وكذلك باﻷعمال الصادرة منها في ضوء اﻷعمال القانونية وتبلغ من‬
‫خﻼله جسامة عدم مشروعيتها‪ ،‬درجة تحولها إلى أعمال مادية‪.‬‬

‫وعليه فاﻷعمال المادية للجماعات الترابية تتعلق بكل اﻷعمال التي تخلق أضرارا تمس‬
‫بصفة مباشرة حقوق اﻷشخاص‪ ،‬ويمكن التميز بين صنفين من الرقابة عليها "الرقابة على‬
‫اﻻعتداء المادي للجماعات الترابية )الفرع اﻷول(‪ ،‬والرقابة المتعلقة بالمسؤولية اﻹدارية‬
‫للجماعات الترابية )الفرع الثاني(‪.‬‬

‫الفرع اﻷول‪ :‬رقابة القضاء اﻻداري على اﻻعﺘداء المادي للجماعات الﺘرابية‪.‬‬
‫تمارس الجماعات الترابية أنشطتها عبر مجموعة من المؤسسات اﻹدارية وتعمل على‬
‫مباشرة مختلف اختصاصاتها‪ ،‬وتشكل بهياكلها اﻹدارية إلى جانب الفاعلين والشركاء‬
‫والمتدخلين في تدبير الشأن المحلي المحرك الرئيسي للتحقيق التنمية اﻻقتصادية واﻻجتماعية‬
‫والثقافية ‪ ...‬إلخ‪.‬‬

‫غير أنه في بعض اﻷحيان قد تخرج هذه اﻷنشطة المختلفة عن مبدأ المشروعية كما هو‬
‫اﻷمر في حالة اﻻعتداء المادي على حقوق الغير‪ ،‬وأول اعتداء مادي سقطت فيه الجماعات‬
‫الترابية‪ ،‬هو اﻻعتداء على »حق الملكية « الخاصة منها العقارية‪ .‬وهو ما استوجب اﻷمر‬

‫‪36‬‬
‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫تدخل الرقابة القضائية في هذا المجال سواء على مستوى اﻹجراءات أو القرارات المتخذة أو‬
‫المساطر المتبعة في ذلك‪.‬‬

‫وبرجوعنا إلى الفصل الثالث من القانون المﺘعلق بنزع الملكية ﻷجل المنفعة العامة‬
‫وﻻحﺘﻼل المؤقت »يخول حق نزع الملكية إلى الدولة والجماعات المحلية‪ ،‬وإلى اﻷشخاص‬
‫المعنويين اﻵخرين الجارية عليهم أحكام القانون العام أو الخاص أو اﻷشخاص الطبيعيين الذين‬
‫تفوض إليهم السلطة العامة حقوقها للقيام بأشغال أو عمليات معلن عنها ذات منفعة عامة‪ .‬وبناء‬
‫على ذلك فقد خول المشرع المغربي للجماعات الترابية حق نزع الملكية من أجل المصلحة‬
‫العامة‪ ،‬والتي يعلن بواسطة مقرر يصدر على شكل مرسوم من طرف رئيس الحكومة‪ ،‬وقد‬
‫حدد القانون الكيفية و المساطر المتبع في نزع الملكية ﻷجل المنفعة العامة‪.‬‬

‫لكن في بعض اﻷحيان قد ﻻ تسلك الجماعات الترابية المسطرة القانونية في نزع الملكية‬
‫أو قد ﻻ تلتزم بجميع المواد المتعلقة بها‪ ،‬وهو ما يعتبر اعتداءا ماديا على حق الغير وعلى‬
‫ملكيته الخاصة‪.‬‬

‫وبالتالي قد عملت رقابة القضاء اﻹداري على التصدي لهذه اﻹشكاﻻت باعتبارها حامية‬
‫للمشروعية القانونية والملكية الخاصة بأفراد من أي مساس أو اعتداء‪.‬‬

‫وقد عمل القضاء اﻹداري بشقيه قضاء الموضوع وقضاء اﻻستعجال مراقبة مدى سﻼمة‬
‫اﻹجراءات والمساطر المتعلقة بممارسة حق نزع الملكية‪ .‬فرغم أن القانون قد منح لها هذه‬
‫الصﻼحية في ظل القواعد والمساطر المنظم لها‪ ،‬إﻻ أنها ﻻ تمارسه بعيدا أو خارجا عن رقابة‬
‫القضاء اﻹداري‪ ،‬بل أن رقابة القضاء اﻹداري هو صمام اﻷمان وهي واسعة تشمل كل ما من‬
‫شأنه أن يسبب أضرارا على حقوق الغير‪ .‬وقد عمل القضاء اﻹداري في جميع القضايا‬
‫المعروضة عليه حول نزع الملكية من معالجته بمختلف جوانبه‪ ،‬وبصفة خاصة من الناحية‬
‫الواقعية والقانونية‪ ،‬بغية الوقوف على عيب من عيوب المشروعية‪ ،‬التي من شأنها أن تشوب‬
‫في واقعة نزع الملكية‪.44‬‬

‫‪ 44‬عماد أبركان‪,‬مرجع سابق‪-‬الصفحة ‪.223‬‬

‫‪37‬‬
‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫إلى جانب ذلك‪ ،‬يبقى القضاء اﻹداري صاحب اﻻختصاص البت في اﻷضرار الناجمة‬
‫عن فعل نزع الملكية ويستوجب تقدير التعويض المناسب وجبر الضرر الحاصل لصاحب‬
‫الملكية‪ ،‬أو يستوجب المنع أو اﻹيقاف أو الحد من الضرر‪ ،‬اﻷمر الذي ﻻ يتيحه القضاء‬
‫الموضوع لطول وتعقد المسطرة‪.‬‬

‫كما أن اﻻعتداء المادي للجماعات الترابية على حقوق الغير يترتب عليه جبر الضرر‬
‫الناشئ عنه‪ ،‬ﻻسيما إذا تعلق اﻷمر بالحقوق القابلة لتعويض‪ ،‬المتمركزة في أغلب اﻷحيان‬
‫على حقوق الملكية العقارية لﻸشخاص وحتى يكون مقدار التعويض على قدر الحرمان الذي‬
‫يصيب المتضرر إلى اللجوء لمنازعة الجماعات الترابية‪ ،‬واعتماد على القضاء كوسيلة‬
‫للحصول على التعويض المستحق طبقا لما تراه الرقابة القضائية مناسبا‪.‬‬

‫و باعتبار أن حق الملكية حق مقدس في الدساتير الوطنية والصكوك الدولية كحق من‬


‫حقوق اﻹنسان‪ .‬ﻻ يجوز المساس بها إﻻ من أجل المنفعة العامة‪ ،‬فإن الجماعات الترابية ملزمة‬
‫بتعويض عن اﻷضرار المترتبة عن نزع الملكية أو على اﻷقل التخفيف من مقدار هذا‬
‫الضرر‪ ،‬إذ تلجئ الجماعات الترابية إلى تحجيم مقدار التعويض الحيولة دون إثقال عبئ‬
‫اﻹدارة بنفقات‪ ،‬بيد أن القضاء اﻹداري يلعب دور أساسي في تكريس قاعدة "ﻻ ضرر وﻻ‬
‫ضرار وإعطاء كل ذي حق حقه"‪.45‬‬

‫إن جل الدعوى المرفوعة إلى القضاء اﻹداري بخصوص جبر الضرر الناشئ عن‬
‫اﻻعتداء المادي للجماعات الترابية‪ ،‬انصبت مجمل اﻷحكام والقرارات القضائية على موضوع‬
‫النزع الملكية العقارية‪ ،‬من خﻼل رقابتها على التعويض عن الضرر لذوي الحقوق وملزمة في‬
‫ذات الحال على خلق التوازن الحقيقي بين مصالح إدارات الجماعات الترابية وبين مصالح‬
‫الخواص‪ ،‬حماية للمال العام المحلي من الضياع واﻹهدار‪.‬‬

‫وبناء على واقع اﻻجتهادات القضائية المغربية على وجه الخصوص موضوع جبر‬
‫الضرر الناشئ عن اﻻعتداء المادي للجماعات الترابية ﻻزالت تقتصر على حق نزع ملكية‬

‫‪ 45‬لطيفة اﻷندلوسي‪ ,‬مرجع سابق‪ .‬ص‪.28:‬‬

‫‪38‬‬
‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫فقط‪ ،‬وذلك راجع إلى قلة الوعي لدى اﻷفراد بحقوقهم وحرياتهم المكفولة بموجب القانون‬
‫والقضاء اﻹداري‪ ،‬وذلك كون المواطن ﻻزال يتوجس من منازعة اﻹدارة بأنواعها وعلى‬
‫واجه الخصوص الجماعات الترابية‪ ،‬لخوفهم من مقاضاة سلطة اﻹدارة لما لها من هيبة‪،‬‬
‫إضافة إلى جهله بمساطر تقديم الدعوى وتعقدها‪ ،‬اﻷمر الذي يدفعه إلى التخلي عن المطالبة‬
‫بحقوقه وعدم مقاضاة اﻹدارة الجماعاتية‪.‬‬

‫الفرع الثاني ‪ :‬الرقابة القضاء اﻻداري على المسؤولية اﻹدارية للجماعات الﺘرابية‪.‬‬

‫إن المسؤولية اﻹدارية للجماعات الترابية تكتسي مصداقيتها بناء على مبررات أبرزها ‪،‬‬
‫اعتبارات تتعلق بمبدأ مساواة المواطنين في تحمل اﻷعباء العامة والتكاليف العمومية ‪ ،‬وأخرى‬
‫تتمثل في مبدأ التضامن والضمان اﻻجتماعي ‪ ،‬والتأمين اﻹجباري إذ يتعين في هذا اﻷمر نيل‬
‫المتضرر لتعويض يناسب حجم الضرر الذي لحقه والمغرب يعتبر من بين أوائل الدول الذي‬
‫استفاد من التجربة الفرنسية ﻷخذه بمبدأ المسؤولية اﻹدارية‪ ،‬ووضع له أساس قانوني بناء على‬
‫الفصلين ‪ 79‬و ‪ 80‬من قانون اﻻلﺘزامات والعقود المصاغ في سنة ‪ 1913‬لﻺثارة مسؤولية‬
‫الدولة والجماعات الترابية‪ .‬كما أنه تم اﻹقرار بالمسؤولية خارج القواعد العامة المنصوص‬
‫عليها في قانون اﻻلتزامات والعقود‪ .‬حتى يتم توسيع نطاق المسؤولية اﻹدارية طبقا لنصوص‬
‫القانون العام‪.46‬‬

‫وعليه فالرقابة على المسؤولية اﻹدارية للجماعات الترابية عن اﻷضرار التي تحدثها‬
‫للغير بفعل أخطائها وتصرفاتها ذات أهمية بالغة‪ ،‬فهي ملزمة بالتعويض لجبر الضرر‬
‫الحاصل لﻸشخاص المحليين‪ ،‬والتي تدخل ضمن اختصاص القاضي اﻹداري في إطار الرقابة‬
‫على أعمال الجماعات الترابية‪.‬‬

‫‪ 46‬ﷴ اﻷعراج‪" .‬مسؤولية الدولة والجماعات الترابية في تطبيقات القضاء اﻹداري المغربي"‪ .‬الطبعة الثانية ‪ ,2015‬ص‪.30-26:‬‬

‫‪39‬‬
‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫فالمسؤولية اﻹدارية هي أداة تقنية تلزم اﻷشخاص العمومية على تحمل المسؤولية عن‬
‫أعمالهم وتصرفاتهم الني تحدث ضررا على الغير وينبغي تعويضه‪ ،‬طبقا لقواعد قانونية‬
‫متميزة عن تلك المطبقة في المسؤولية المدنية‪.47‬‬

‫وإن كان القاضي في بعض اﻷحيان يسترشد بالقانون القانون الخاص في بعض النوازل‪،‬‬
‫ومن المتعارف فقها وقضاءا على أن المسؤولية الموضوعية هي أول مسؤولية استندت عليه‬
‫المحاكم اﻹدارية المغربية بالبت فيها ونظرا أنه في بعض اﻷحيان قد يحدث خطأ ويولد ضررا‬
‫على اﻷفراد سواء أتم ارتكابه من قبل اﻷشخاص العمومية )السلطات اﻹدارية( ‪ ،‬أو الموظفين‬
‫فيها يترتب عليهم المسؤولية‪ .‬فالخطأ الصادر من الموظف يسمى بالخطأ الشخصي ‪ ،‬أما إذ‬
‫صدر الخطأ من الجماعات الترابية مثﻼ يسمى بالخطأ المرفقي أو المصلحي ‪ ،‬أو قد يصدر‬
‫معا ويسمى بالخطأ الشخصي والمرفقي‪.‬‬

‫إن المسؤولية اﻹدارية للجماعات الترابية يفترض فيها توفر ثﻼثة أركان متعارف عليها‬
‫بصفة عامة وهي ‪ :‬الخطأ والضرر والعﻼقة السﺒﺒية بين الخطأ والضرر‪ ،‬فمتى توفرت هذه‬
‫اﻷركان قامت المسؤولية اﻹدارية على الجماعات الترابية بتعويض المتضرر بحجم الضرر‬
‫الذي لحقه‪ ،‬سواء أكان الضرر ماديا أو معنويا ‪ ،‬تتحمل الجماعات الترابية مسؤولية التعويض‪،‬‬
‫وفي هذا الصدد‪ ،‬فقد أصدرت المحكمة اﻹدارية بالرباط حكما في قضيته‪" ،‬زبيدة الشرقاوي"‬
‫ضد المجلس البلدي لسوق أربعاء الغرب‪ ،‬جاء فيه أن "ارتباط خطأ الجماعة المحلية المدعى‬
‫عليها المتجلي في كسر قنوات الصرف الصحي وعدم صيانته‪ ،‬بالضرر الذي أصاب المدعية‬
‫‪ ،‬والمتمثل في جعل أرضها مغمورة بالمياه وحرمانها من اﻻنتفاع منها‪ .‬يعطي الحق للمدعية‬
‫في الحصول على التعويض‪.48‬‬

‫ويضاف إلى نفس المحكمة قضية أخرى متعلقة بالمسؤولية المشتركة لجماعة ترابية‬
‫على أساس الخطأ ‪ ،‬لكونها لم تؤدي الخدمة منها‪ ،‬أنه » وحيث لئن كانت مسؤولية الجماعة في‬
‫إحداث الحفرة قائمة لعدم قيامها بإحاطتها بسياج‪ ،‬أو وضع عﻼمات تنبيه أمامها ‪ ،‬لتﻼفي وقوع‬

‫‪ 47‬عماد أبركان‪ ,‬مرجع سابق‪ ,‬ص‪.232‬‬


‫‪ 48‬المحكمة اﻹدارية بالرباط‪ .‬حكم عدد ‪ 116‬صادر بتاريخ ‪ ,2004 /02/09‬قضية زبيدة الشرقاوي ضد المجلس البلدي لسوق‬
‫أربعاء الغرب‪ ,‬منشورات المجلة المغربية لﻺدارة المحلية والتنمية‪ ,‬العدد‪ ,59‬نونبر‪-‬دجنبر‪ ,2004-‬ص‪ 228:‬و ‪.227‬‬

‫‪40‬‬
‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫الحارة بها ‪ ،‬خصوصا وأنها توجد بمكان عمومي‪ ،‬فإن المدعي يبقى بدوره يتحمل جزء من‬
‫المسؤولية‪ ،‬لعدم أخذه الحيطة والحذر«‪. 49‬‬

‫ومن خﻼل القضية السالفة نجد أن هناك مسؤوليتين مشتركتين في إحداث الضرر منها‬
‫مسؤولية المتضرر أو ما يسمى )خطأ المضرور( الذي لم يؤخذه بدوره الحيطة والحذر ‪،‬‬
‫ومسؤولية الجماعات الترابية التي هي مسؤولية عن عدم وضع إشارة لتنبيه المارة‪ ،‬وقضت‬
‫المحكمة بتقسيم المسؤولية بين كل من الجماعة والمﺘضرر نفسه‪ .‬بيد أنه في بعض ما لم نقل‬
‫في أغلب اﻷحيان ﻻ يلتفت القاضي اﻹداري إطﻼقا إلى خطأ الضحية‪ ،‬ومن ثم يحمل للجماعة‬
‫كامل المسؤولية‪ .‬وهكذا‪ ،‬فقد جاء في قضية » ﷴ بن أمبارك « ضد مجلس البلدي لمدينة‬
‫القصر الكبير "أن تقصير الجماعة المحلية في مراقبة التجهيزات والمرافق التابعة لها يشكل‬
‫خطأ مرفقيا‪ ،‬يستوجب إقرار مسؤولياتها الكاملة‪ ،‬استنادا على مقتضيات الفصل ‪ 79‬من قانون‬
‫اﻻلﺘزامات والعقود‪ ... 50.‬وعلى المحكمة أن تستعين بالخبرة لتحديد مدى اﻷضرار التي لحقت‬
‫بالضحية‪.51‬‬

‫ولقد تطور مفهوم المسؤولية اﻹدارية للجماعات الترابية على غرار باقي اﻷشخاص‬
‫العامة اﻷخرى‪ ،‬وانتقال من مسؤولية الخطيئة إلى مسؤولية عن غير الخطيئة أو على أساس‬
‫المخاطر‪ ،‬وذلك من أجل توفير حماية أكبر لضحايا اﻷضرار المختلفة المترتبة عن اﻷنشطة‬
‫اﻹدارية للجماعات الترابية‪ ،‬ولعل أساس هذا النوع من المسؤولية القائمة بدون خطأ‪ ،‬هو مبدأ‬
‫"الﺘضامن اﻻجﺘماعي"‪ ،‬الذي يلزم الجماعات الترابية بتحمل المسؤولية عن مخاطر النشاط‬
‫الممارس في إدارتها‪ ،‬إذ وأنه مادام النشاط يعتبر في صالح الجماعة الترابية‪ ،‬فﻼ يعقل أن‬
‫يتحمله الشخص الذي وقع عليه الضرر‪ ،‬من غير أن يستحق تعويضا على أساس جبر ذلك‬
‫الضرر‪ ،‬وهذا قد يمس بمبدأ المساواة أمام اﻷعباء العامة بمظاهرها المختلفة‪ ،‬حيث يستوجب‬

‫‪ 49‬المحكمة اﻹدارية بوجدة ‪ ,‬حكم عدد ‪ 60‬صادر بتاريخ ‪ 2006 /03/21‬قضية الكمواشي يحيى بن يونس ضد الجماعة الحضرية‬
‫لمدينة وجدة حكم غير منشور‪.‬‬
‫‪ 50‬ينص الفصل ‪ 79‬من قانون اﻻلتزامات والعقود على ما يلي "الدولة و البلديات مسؤولية عن اﻷضرار الناتجة مباشرة عن تسيير‬
‫إدارتها وعن اﻷخطاء المصلحية لمستخدميها‪.‬‬
‫‪ 51‬المحكمة اﻹدارية بالرباط‪ ,‬حكم عدد ‪ 1199‬بتاريخ ‪ , 2006/10/02‬قضية ﷴ بن مبارك ضد المجلس البلدي‪ ,‬منشورات المجلة‬
‫المغربية لﻼدارة المحلية والتنمية‪ ,‬عدد مزدوج ‪ , 72-73‬يناير –أبريل ‪ ,2007‬ص‪.24,22,43:‬‬

‫‪41‬‬
‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫ذلك استحقاق الشخص الذي تعرض لضرر تعويضا مناسبا‪ ،‬وذلك تحت منطلق‬
‫مبدأ » المساواة أمام اﻷعﺒاء العامة‪. «52‬‬

‫وعلى مستوى الواقع والناحية العملية لهذه الممارسة نجد على أن اﻷحكام والقرارات‬
‫القضائية الصادرة بهذه الخصوص هي نادرة وغير منتشرة عكس تلك الصادرة بخصوص‬
‫المسؤولية القائمة على الخطأ‪ ،‬وذلك راجع إلى قلة المنازعات في هذا المجال من جهة‪ ،‬وأن‬
‫القاضي اﻹداري من جهة أخرى ﻻ يحبذ اﻷخذ كثيرا على مستوى الجماعات الترابية بالمفهوم‬
‫الدقيق لنظرية المسؤولية اﻹدارية القائمة بدون خطأ‪.‬‬

‫وهذه النظرية من ابتكار القضاء اﻹداري نظرا للصعوبة التي تعترض في بعض اﻷحيان‬
‫مسألة إثبات خطأ اﻹدارة‪ ،‬ﻻسيما إذا كان ذلك الخطأ تقنيا‪ ،‬بحيث يجعل المبرر مستعصيا على‬
‫إثباته رغم كونه موجودا ﻻ حسبان فيه‪.‬‬

‫وعليه فعند اﻹقرار بمسؤولية الجماعات الترابية سواءا بوجود الخطأ أو عدمه‪ ،‬يستوجب‬
‫أوﻻ البحث عن كيفية التعويض وثانيا عن المسطرة الﻼزمة لذلك‪ ،‬وبما أن المسؤولية هي‬
‫وسيلة لجبر الضرر الواقع فبالتالي ليست نظاما جزائيا أو انتقاميا أو غرامة‪ ،‬وإنما هي مسألة‬
‫مرتبطة بالتعويض عن الضرر الحاصل مباشرة عن نشاط اﻹداري‪ ،53‬اﻷمر الذي يتشرط مع‬
‫الضرر‪ ،‬وجود عﻼقة سببية بين الفعل المتمثل في الخطأ وبين الضرر‪.‬‬

‫فﻼ يمكن منح أي تعويض إذ لم يثبت أي عﻼقة سببية بين النشاط المرفق والضرر‬
‫الحاصل‪ ،‬سواء كانت المسؤولية ناجمة أساسا عن الخطأ أو على المخاطر فإن العﻼقة السببية‬
‫ضرورية لجبر الضرر‪ ،‬وعادة ﻻ يثير اكتشاف هذه العﻼقة أي صعوبة‪ ،‬إﻻ في حالة تعدد‬
‫اﻷفعال المساهمة في ضرر بحيث ينبغي توزيع المسؤولية على العوامل المساهمة في إحداثه‬
‫بقدر نصيبه‪ ،‬كما يتعين على المتضرر إثبات الضرر الحاصل له بكافة الوسائل المشروعة‪،‬‬
‫وباستطاعته اﻻستعانة بتقارير الخبراء في هذا المجال‪ ،‬ويتشرط في ضرر أن يكون ناتجا‬

‫‪ 52‬مشيل روسي‪ »,‬المنازعات اﻹدارية بالمغرب «‪ ,‬ترجمة ﷴ هيري‪ ,‬الجيﻼلي أمزيد‪ ,‬مطبعة المعارف الجديدة بالرباط‪ ,‬طبعة‬
‫‪ ,1995‬ص‪.195:‬‬
‫‪53‬حميد ابوﻻس‪ "،‬محاضرات في مادة المنازعات اﻹدارية"‪ ،‬جامعة عبد المالك السعدي‪ ،‬الكلية المتعددة التخصصات بتطوان‪،‬‬
‫الموسم الجامعي ‪2014‬ـ‪ ،2015‬ص‪.114:‬‬

‫‪42‬‬
‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫مباشرة عن فعل اﻹدارة‪ ،‬أقد يكون ماديا يصيب المتضرر في أمواله أو وظيفته أو في جسمه‬
‫يولد له عجزا دائما أو مؤقت‪ .‬وللقاضي اﻹداري الصﻼحية في اﻻستعانة بالخبراء لتقدير حجم‬
‫الضرر المستحق عنه التعويض‪ ،‬كما أنه قد يكون الضرر معنويا يصيب الفرد في شرفه أو‬
‫سمعته أو كرامته‪ ،‬ويتم تقديره بشكل جزافي وهو مقرر لجبر اﻵﻻم النفسي ويقدم على شكل‬
‫تعويضات إجمالية أو على شكل إيراد حصري وتقدير التعويض موكول إلى السلطة التقديرية‬
‫التي تتمتع بها المحكمة الذي يسترشد بتقرير الخبرة وبعناصر ومعطيات النازلة‪.‬‬

‫أما فيما يخص بالمسطرة المتبعة في هذا المجال ‪ ،‬فإن دعوى التعويض إذا كانت سترفع‬
‫ضد جماعة ترابية يتعين على المتضرر إخﺒار أوﻻ الوزير الداخلية وذلك بمذكرة يعرض فيها‬
‫موضوع وأسباب احتجاجه وﻻ يمكنه رفع الدعوى إﻻ بعد مرور ﺷهرين من تاريخ وضع‬
‫مذكرته‪ ،‬كما أن طلب التعويض عن اﻷضرار الﻼحقة للمدعي يجب أن يكون مطابقا لما ورد‬
‫في الفصل ‪ 32‬من القانون المسطرة المدنية ‪ ،‬وأن يكون الطلب ﻻ يشوبه إبهام ومقدم إلى‬
‫الجهة المختصة‪.‬‬

‫خﻼصة مما سبق القول ‪ ،‬يكمن استخﻼص أن تدخل القاضي اﻹداري عن طريق الرقابة‬
‫حول المسؤولية اﻹدارية للجماعات الترابية عن الخطأ‪ ،‬هي من الناحية المبدئية تشكل ضامن‬
‫من الضمانات اﻷساسية لحماية حقوق اﻷفراد المحليين‪ ،‬بيد أنه من الناحية الواقعية وعلى‬
‫مستوى القانوني ﻻزال اﻷمر بدون تطلعات ودون المستوى المطلوب‪ .54‬ذلك أن إجراءات‬
‫ومساطر التقاضي في مخاصمة الجماعات الترابية أمام القضاء اﻹداري حول اﻷعمال‬
‫الصادرة منها وتولد أضرارا على الغير‪ ،‬يشوبها تعقيدا وصعوبة في إجراءاتها‪ .‬اﻷمر الذي ﻻ‬
‫يخدم مصلحة المتضرر بالسهولة والسرعة المتطلبة‪.‬‬

‫وهو ما يؤطره الواقع على أن أغلب المواطنين الذي يغلب عليهم الفقر و التهميش وقلة‬
‫الوعي يشكل عارضا أمامهم لمنازعة الجماعات الترابية خصوصا القاطنين بالمناطق القروية‬
‫وذلك عندما يطرح مشكل التنقل ومصاريف التقاضي أمام المحاكم اﻹدارية‪.‬‬

‫‪ 54‬عماد أبركان "نظام الرقابة على الجماعات الترابية ومتطلبات المﻼئمة"‪ ,‬الطبعة اﻷولى ‪– 2016‬ص‪232:‬‬

‫‪43‬‬
‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫خاتمة الفصل اﻷول‪.‬‬


‫خﻼصة القول‪ ،‬فإن الرقابة التي تمارسها السلطة القضائية على الجماعات الترابية في‬
‫جانبها المالي واﻹداري‪ ،‬تجسيدا للدولة الحق والقانون‪ .‬ذلك أن من خﻼل رقابة المحاكم المالية‬
‫الممارسة على الجماعات الترابية بشقيها القضائية واﻹدارية تشكل إحدى متطلبات الحكامة‬
‫الجيدة في تسيير وتدبير المالية المحلية‪ ،‬والممارسة من قبل المجالس الجهوية للحسابات والتي‬
‫تؤطر وب شكل مبدئي مدى استقﻼلية السلطات العمومية وكذا تجسد مدى استقﻼلية الجماعات‬
‫الترابية في شقها المالي واﻹداري ‪.‬‬

‫كما أن الرقابة القضائية تشمل إلى جانب رقابة المحاكم المالية رقابة القضاء اﻹداري‬
‫على اﻷعمال القانونية والمادية للجماعات الترابية‪ ،‬والتي تمثل ضمانة أساسية لحماية حقوق‬
‫وحريات المتعاملين معها من المرتفقين والهيئات واﻹدارات المختلفة‪ ،‬ورغم كل هذه المزايا‬
‫التي تميز بها إﻻ أن الرقابة القضائية شأنها شأن الرقابة النظامية‪ ،‬تعاني من إختﻼﻻت التي‬
‫تجعلها دون المستوى المطلوب‪ ،‬ويحول دون أداء وظيفتها اﻷساسية كدعامة الﻼمركزية ومن‬
‫دعامات التنمية المحلية‪ ،‬وهو ما سنتطرق إليه في الفصل الثاني‪ ،‬من خﻼل الحديث عن‬
‫اﻹكراهات التي تعاني منها كل من رقابة المحاكم المالية و مثبطات رقابة القضاء اﻹداري‬
‫على الجماعات الترابية‪ ،‬والسبل التي من شأنها تجويد الرقابة القضائية على الجماعات‬
‫الترابية‪ ،‬ﻷنها مسألة جد ضرورية‪ ،‬ذلك أن الجهوية المتقدمة والﻼمركزية المتطورة ﻻ يمكن‬
‫تكريسها كمقاربة جديدة وجدية لتدبير الشأن العام المحلي في النموذج المغربي إﻻ بتجاوز هذه‬
‫اﻹكراهات التي تعترض الرقابة القضائية‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫الفصل الثاني ‪ :‬رهانات وآفاق الرقابة القضائية على الجماعات‬


‫الﺘرابية‪.‬‬
‫إن محاولة رصد وضعية تمظهرات نظام الرقابة القضائية على الجماعات الترابية من‬
‫خﻼل الوقوف على تجلياتها المتمثلة في المحاكم المالية و اﻹدارية‪ ،‬بناء على ما تيسر من‬
‫المعلومات و المستندات المتوفرة تقضي على ان مسألة الرقابة القضائية على الجماعات‬
‫الترابية شأنها شأن الرقابة النظامية جد معقدة وتنطوي عليها الكثير من اﻻختﻼﻻت والنواقص‬
‫والسلبيات والتي تشكل في ذاتها اشكاﻻ مفاده ان نظام الرقابة القضائية لم ترقى بعد إلى‬
‫مستوى التطلعات و الطموحات المنتظرة‪ ،‬ويفتقد إلى الحكامة المطلوبة ويتسم بالمحدودية في‬
‫آلياته ‪.‬‬

‫ومن هنا فان مسألة تشخيص اﻻختﻼﻻت التي تعترض نظام الرقابة القضائية على‬
‫الجماعات الترابية أو الخطوات التي يجب القيام بها من أجل حرصها والعمل على إيجاد‬
‫الحلول لها وبالتالي خلق مناخ مﻼئم يساعد على تحسين جودة المنظومة الرقابة‪ ،‬و يمنح لكل‬
‫المعنيين الفرصة لﻺسهام إلى جانب اﻷجهزة التابعة للدولة في مراقبة الجماعات الترابية‪ ،‬وﻻ‬
‫غرور أن هناك مجموعة من اﻹختﻼﻻت التي تحد من أداء الرقابة على الجماعات الترابية‬
‫)المبحث اﻷول(‪ .‬كما تبقى حتمية تطوير الرقابة الممارسة على الجماعات الترابية بالغرب‬
‫أمر ﻻ غنى عنه‪ ،‬ولعلها كثيرة ومتنوعة هي الدراسات والتقارير و البحوث التي استشرفت‬
‫لمستقبل لﻼمركزية اﻹدارية في آفاق تطبيق الجهوية المتقدمة‪ ،‬والتي أكدت على مدى أهمية‬
‫تطوير وتحديث نظام الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪ ،‬قصد تحويل منظومة الحكامة‬
‫الترابية وتقوية وربط المسؤولية بالمحاسبة )المبحث الثاني(‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫المﺒحث اﻻول ‪ :‬اك رهات الرقابة القضائية على الجماعات الﺘرابية‪.‬‬


‫ان الرقابة القضائية على الجماعات الترابية بالمغرب ممثلة في الرقابة اﻻدارية ورقابة‬
‫المحاكم المالية شأنها شأن الرقابة النظامية تنطوي عليها بعض النواقص أو ما يعرف‬
‫باﻻختﻼﻻت يجعلها دون المستوى‪ ،‬ويحول دون أداء وظيفتها اﻷساسية كرافعة ودعامة‬
‫مركزية من دعامات التنمية المحلية‪ ،‬فإن الرقابة القضائية بدورها وباعتبارها البديل الذي‬
‫يراهن عليه من طرف السياسيين واﻷكاديميين ومختلف الفاعلين‪ ،‬للتوفيق والمﻼئمة بين‬
‫متطلبات الرقابة و مستلزمات الديمقراطية والحكامة الترابية‪ ،‬تعاني هي اﻻخرى عدة مشاكل‬
‫ومعضﻼت وتعترضها بعض النواقص التي تحول دون فعاليتها ونجاعتها‪.‬‬

‫رغم أن المغرب يتوفر على منظومة قضائية حديثة من حيث مكونتها وهيكلتها‪،‬‬
‫وصحيح أن وجود الرقابة القضائية على الجماعات الترابية من الناحية المبدئية‪ ،‬تمثل ضمانة‬
‫مهمة من الضمانات اﻷساسية لحماية حقوق اﻷفراد وحرياتهم على المستوى المحلي‪ ،‬بل هي‬
‫أفضل نوع رقابي في هذا الصدد من الناحية المبدئية‪ .55‬لكن في المقابل فهذه الرقابة تعترضها‬
‫الكثير من العوائق واﻻكراهات والصعوبات‪ ،‬حيث تتعدد معوقات رقابة المحاكم المالية على‬
‫الجماعات الترابية من جهة)المطلب اﻷول(‪ ،‬ومن جهة أخرى‪ ،‬هناك مثبطات نظام رقابة‬
‫القضاء اﻹداري)المطلب الثاني(‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫‪Mohammed el yaagoubi:”les tribunaux administratifs et le développement local aux‬‬
‫‪maroc”,op,cit,p11.‬‬

‫‪47‬‬
‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫المطلب اﻷول ‪ :‬معوقات نظام رقابة المحاكم المالية على الجماعات الﺘرابية‪.‬‬
‫لقد اسند دستور ‪ 2011‬للمحاكم المالية مهمة السهر على حماية قيم الحكامة الجيدة‬
‫واﻹدﻻء بحسابات الدولة والمؤسسات والمقاوﻻت والجماعات الترابية ‪ .56‬كما ان اﻷهداف‬
‫المنتظرة تتعلق أساسا بالرفع من مستوى اﻷداء في التدبير العمومي وتحسين الحكامة العمومية‬
‫من خﻼل جعل متخذي القرار الذين يتولون تصور وتنفيذ البرامج العمومية‪ ،‬مسؤولين أمام‬
‫المواطنين‪ ،‬وبالتالي تهدف المحاكم المالية الى التعريف ببنية ووظائف وأجهزة اﻹدارة‬
‫والمدبرين المتدخلين في تدبير اﻷموال العمومية‪.57‬‬

‫كما يهدف المجلس اﻷعلى للحسابات إلى المساهمة بخبراته في تقييم البرامج‬
‫والمؤشرات المالية‪ ،‬فإن يصبح اﻹدﻻء بالحسابات فعاﻻ‪ .58‬غير ان تحقيق هذه اﻻهداف‬
‫المحاسبية في مجال حماية المال العام المحلي ليس بمسألة سهلة‪ ،‬بل تشوبها مجموعة من‬
‫المعوقات‪ ،‬ولعلها كثيرة ومتعددة هي تلك اﻻكراهات منها اﻻكراهات الذاتية المعترضة لعمل‬
‫المحاكم المالية )الفرع اﻷول(‪ ،‬وكذا ما يسمى بالعوائق الموضوعية لنظام رقابة المحاكم‬
‫المالية)الفرع الثاني(‪.‬‬

‫الفرع اﻻول ‪ :‬اﻻكراهات الذاتية المعﺘرضة لعمل المحاكم المالية‪.‬‬


‫عند الحديث عن اﻻكراهات الذاتية المعترضة لعمل المحاكم المالية‪ ،‬فان هذا المقصود به‬
‫هي تلك العوائق والصعوبات واﻻكراهات التي تعترض الوظيفة الرقابية للمحاكم المالية ككل‬
‫بما فيها المجالس الجهوية للحاسابات كمحاكم ابتدائية‪ ،‬والمجلس اﻻعلى للحسابات كمحكمة‬
‫استئناف مالية بالنسبة للجماعات الترابية‪ ،‬وتكون تلك العراقيل والمعوقات نابعة ومنبثقة اساسا‬
‫من المحاكم المالية نفسها‪ .‬وذلك من خﻼل خصائصها وسيماتها ومميزاتها المسطرية‬
‫والقانونية والتنظيمية وباعتبارها هيآة عليا للرقابة على المال العام المحلي تناط بها مهام‬
‫مراقبة تنفيذ ميزانيات الجماعات الترابية بمراحلها المختلفة وأجهزتها المعتمدة ومن حيث‬

‫‪ 56‬التقرير السنوي للمجلس اﻻعلى للحسابات لسنة‪،2011‬الجزء الثاني‪ ،‬ص‪.661:‬‬


‫‪ 57‬التفرير السنوي للمجلس اﻻعلى للحسابات لسنة ‪،2011‬الجزء الثاني ‪،‬ص‪.661:‬‬
‫‪ 58‬التقرير السنوي للمجلس اﻻعلى للحسابات لسنة ‪،2011‬الجزء الثاني‪ ،‬ص‪662:‬‬

‫‪48‬‬
‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫كونها تمثل من الناحية المبدئية وبالنظر للمقتضيات الواردة في القانون المنظم لها "قضاء‬
‫مالي مخﺘص" تناط به اختصاصات رقابية قضائية وإدارية حسب مجاﻻت تدخله‪ ،‬وحسب‬
‫اﻻمكانات البشرية والمالية والضمانات الممنوحة له‪ ،‬قصد حماية المال العام المحلي‪ ،‬وضبط‬
‫آليات التدبير المالي على المستوى الترابي‪.59‬‬

‫ان نظام رقابة المحاكم المالية على الجماعات الترابية الذي يوجد بالمغرب حاليا‪ ،‬يعيش‬
‫العديد من الصعوبات واﻻكراهات والعوائق الذاتية التي تحول دون فعاليته وتطوره‪ ،‬ويتسم‬
‫باختﻼﻻت متعددة‪ ،‬ميما أدى الى محدوديته وعدم قدرته على مواكبة مستجدات قضايا التنمية‬
‫المحلية ومستجدات التدبير العمومي والحكامة الترابية عموما‪ ،‬فالمحاكم المالية ورغم كل‬
‫الجهود المبذولة لتحديثها واﻻرتقاء بوظيفتها‪ ،‬فهي كما تزال غير قابلة على ممارسة الرقابة‬
‫المالية الفعالة المفترضة على جميع اﻻوراش ومشاريع التنمية الترابية كما أنها ما زالت غير‬
‫قادرة على المراقبة الميدانية الناجعة للشؤون المالية المحلية‪ ،‬وعلى حماية المواطنين من‬
‫أخطار وأخطاء الجماعات الترابية‪ ،‬ومن ثم اﻻستجابة لتطلعاتهم في إطار ﻻمركزية الرقابة‬
‫العليا على اﻷموال العمومية المحلية التي تمثلها المجالس الجهوية للحسابات كمحاكم مالية‬
‫ابتدائية ﻻمركزية‪.60‬‬

‫ولعل السند القانوني المؤطر لمنظومة المحاكم المالية بالمغرب كما تم التأكيد سابقا‪ ،‬هو‬
‫الذي يأتي في مقدمة الصعوبات والعراقيل ويعتبر من أبرز عوائق وإكراهات قدرتها‬
‫ونجاعتها الرقابية‪ ،‬على المستوى الدستوري او على مستوى القانون اﻷساسي‪ ،‬الذي كان قد‬
‫جاء بمثابة مدونة المحاكم المالية‪ ،61‬بل وحتى بالنسبة للدسﺘور المغربي لسنة ‪ 2011‬هو‬
‫الذي كان منتظرا أن يأتي برؤية جديدة في مجال الرقابة المالية العليا‪ ،‬تفعيﻼ للمسألة المالية‪،‬‬
‫وتقوية مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة‪ ،‬جاء بمقتضيات عامة ومختصرة اقل ما يقال عنها انها‬
‫دون المستوى المطلوب في مسألة النهوض بالمحاكم المالية لتعزيز قدراها الرقابية‪ ،‬حيث‬

‫‪ 59‬عماد أبركان‪،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.246:‬‬


‫‪ 60‬مدني حميدوش "نحوى ارساء ﻻمركزية الرقابة العليا على اﻻموال العمومية من خﻼل المحاكم الجهوية"‪ ،‬منشورات المجلة‬
‫المغربية لﻺدارة المحلية والتنمية‪،‬عدد مزدوج ‪،52-51‬يوليوز‪-‬اكتوبر‪،2003‬ص‪.127:‬‬
‫‪ 61‬انظر القانون رقم ‪ 61.99‬المتعلق بمدونة المحاكم المالية ‪،‬مرجع سابق ‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫بقيت توجهاتها ﻻ في عمومها غامضة ومحدودة جدا‪ ،‬ولم تحسم حتى في الطابع القضائي‬
‫الفعلي لملك المجالس العليا للرقابة‪.62‬‬

‫إلى جانب الصعوبات والعراقيل التنظيمية والمسطرية لمنظومة المحاكم المالية بالمغرب‬
‫نجد تحديات ذاتية أخرى التي من شأنها أن تؤثر سلبا على اﻷداء العام لتلك الوحدات الرقابية‪،‬‬
‫حيث أن الموارد البشرية التي تتوفر عليها المحاكم المالية خصوصا المجالس الجهوية‬
‫للحسابات ﻻ تزال ضعيفة سواء من الناحية العددية أو من الناحية المؤهﻼت والكفاءات‪ ،‬وهو‬
‫أمر يؤثر سلبا على عمل تلك المحاكم وعلى مردوديتها‪ ،‬ويعتبر ذلك نتيجة منطقية ومتوقعة‬
‫لﻺمكانات الضعيفة الممنوحة للمحاكم المالية‪ ،‬وكذا ﻻعتبار طرق التعيين وشروط التوظيف‬
‫التي يتم نهجها لﻺسناد المناصب لتلك المحاكم‪.63‬‬

‫الفرع الثاني ‪ :‬العوائق الموضوعية الﺘي تعﺘرض رقابة المحاكم المالية‪.‬‬


‫إلى جانب اﻻكراهات الذاتية الكثيرة والمتنوعة المعترضة لعمل المحاكم المالية‪ ،‬توجد‬
‫عوامل ومعطيات أخرى تشكل في مجموعها تفاعﻼ فيما بينها‪ ،‬وهو ما يسمى بالعوائق‬
‫الموضوعية لنظام الرقابة القضائية ولعلها حدة وإشكاﻻ مما يؤثر سلبا على نجاعتها وفعاليتها‬
‫الرقابية‪ ،‬والتي هي عبارة عن اكراهات ومشاكل وصعوبات ناتجة عن المحيط وبيئة اﻻشتغال‬
‫وعن العﻼقات المختلفة التي تربط المحاكم المالية بالجماعات الترابية وبالعديد من اﻷشخاص‬
‫العامة واﻷجهزة والمؤسسات الوطنية والمحلية التي هي معنية بتلك الرقابة بشكل أو بآخر‪.64‬‬

‫واذ كانت سلطات الوصاية هي ثاني جهة معنية بالرقابة التي تمارسها المجالس الجهوية‬
‫للحسابات على الجماعات الترابية باعتبارها الجهة المشرفة على أعمال المراقبة بعد اﻷجهزة‬
‫المنتخبة لهذه اﻷخيرة‪ ،‬فان أولى العوائق الموضوعية التي تعترض رقابة المحاكم المالية على‬
‫الوحدات الترابية في التجربة المغربية‪ ،‬هي تلك التي تشكلها بعض تصرفات سلطات الوصاية‬
‫في حد ذاتها‪ ،‬ولنأخذ على سبيل المثال هنا مراقبة اﻻجراءات المتعلقة بتنفيذ ميزانيات‬

‫‪ 62‬انظر الفصول من ‪ 147‬الى ‪ 150‬المنظمة في الباب ‪ 10‬من دستور ‪.2011‬‬


‫‪ 63‬ناصر الدين القبلي‪،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.86:‬‬
‫‪ 64‬ناصر الدين القبلي‪،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.86:‬‬

‫‪50‬‬
‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫الجماعات الترابية‪ ،‬والتي تتم بمناسبة بذل المساعدة لتلك السلطات على المستوى المحلي‪،65‬‬
‫فتلك الرقابة التي تعود صﻼحية تحريك مسطرتها الى سلطة الوصاية بشكل أحادي ﻻ شك أنها‬
‫تخضع لتقديرات هذه اﻷخيرة وﻻعتباراتها المختلفة والتي تكون أحيانا بعيدة كل البعد عن‬
‫المصلحة العامة‪.66‬‬

‫أما بالنسبة للرأي الذي يصدره المجالس الجهوية للحسابات وكونه غير ملزم لسلطة‬
‫الوصاية‪ ،‬حيث يمكن لها مخالفته إذ رأت ذلك‪ ،‬فهي أيضا مسألة ﻻشك أنها عائق‪ ،‬تعترض‬
‫الرقابة الممارسة على الجماعات الترابية‪ ،‬تخل بها من حيث الفعالية والنابعة‪ ،‬بل حتى مسألة‬
‫إلزام سلطات الوصاية بتعليل قرارتها المخالفة ﻷراء المجالس الجهوية للحسابات قد ﻻ تفي‬
‫بالغرض في هذا المجال حيث قد يكون التعليل بالمصلحة العامة او بالحفاظ على النظام العام‬
‫في شقه اﻷمني وهو ما يصعب نفي ذلك وتقديم الدليل المخالف‪ ،‬وهكذا قد تتم عرقلة المهان‬
‫الرقابية للمجالس الجهوية للحسابات من طرف سلطات الوصاية ﻻعتبارات معينة او ﻷخرى‪،‬‬
‫بل قد ﻻ يوجد ما يمنع تلك ﻻعتبارات من أن تكون بعيدة عن المصلحة العامة‪.67‬‬

‫وعلى صعيد آخر اذا كان ﻻ يختلف احد أو يجادل في ما يكتسيه تقارير المجلس اﻻعلى‬
‫للحسابات من أهمية بالغة لدى الباحثين والدارسين ومختلف المهتمين بشأن العام المحلي‪،‬‬
‫وذلك بما تتضمنه تلك التقارير من معلومات ومعطيات تكشف حجم اﻻختﻼﻻت التي تعرفها‬
‫بعض الجماعات الترابية المنشودة‪ .‬فان سؤال النجاعة والفاعلية في إنشاء تلك الرقابة على‬
‫تدبير المال العام المحلي يظل دائما مطروحا لديهم فما هي التقارير التي تصدر واحدة تلوا‬
‫اﻻخرى؟‪ ،‬التي تشير الى الفساد المالي المتفشي باﻷرقام والمؤسسات واﻷفراد بل وحتى‬
‫اﻷسماء‪ ،‬ولكنها تظل دون جدوى او فعالية في التدبير المالي وتزداد سنة بعد اخرى‪ ،‬بل‬
‫أضحى الفساد اﻹداري المالي السمة الغالبة في العديد من الجماعات الترابية‪ ،‬اﻷمر الذي‬
‫يطرح سؤال حول الهدف والنجاعة او بمعنى اخر ما الجدوى من تلك التقارير الصادرة كل‬

‫‪ 65‬ﷴ براو"الوسيط في شرح مدونة المحاكم المالية'"‪،‬الكتب الثﻼث‪،‬منشورات مراكز الدراسات واﻻبحاث حول الرقابة والمحاسبة‬
‫ومكافحة الفساد ‪،‬مطبعة دار السﻼم للطباعة والنشر الرباط‪،‬الطبعة اﻻولى ‪،2012‬ص‪.387:‬‬
‫‪ 66‬عماد أبركان‪،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.252:‬‬
‫‪ 67‬عماد أبركان‪،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.252:‬‬

‫‪51‬‬
‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫سنة مالية ان كانت ﻻ ترمي الى المساءلة والمحاسبة وتطبيق القانون على المتورطين في‬
‫قضايا الفساد المالي ونهب المال العام؟‪.68‬‬

‫ولعل كل هذا يعتبر من اﻷسباب الرئيسية لعدم تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة في‬
‫العديد من القضايا والملفات‪ ،‬التي من الواجب أو من المفترض ان تعرض على القضاء ليقول‬
‫فيها كلمة الفصل‪ ،‬فمن الغير المنطقي أن يتم رصد مجموعة من اﻻختﻼﻻت واﻻنحرافات في‬
‫بعض الجماعات الترابية‪ ،‬دون أن يتم تحريك مسطرة المتابعة القضائية كل هذا ﻻشك به من‬
‫فعالية ومردودية نظام الرقابة القضائية وتعكس سلبا على تطوير نظام الﻼمركزية وتحقيق‬
‫التنمية المنشودة‪.‬‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬نواقص رقابة القضاء اﻻداري على الجماعات الﺘرابية‪.‬‬


‫لقد تمكن القضاء اﻻداري في اطار الرقابة التي يمارسها على الجماعات الترابية‬
‫بالمغرب من مواكبة مجموعة من اﻻحكام واﻻجتهادات المتعددة في مواضيعها وتوجهاتها‪،‬‬
‫وذلك إثر بته في بعض المنازعات والقضايا التي عرضت عليه حيث كانت مناسبة له ﻹبداء‬
‫الرأي حول العديد من المشاكل واﻹشكاﻻت التي طرحتها بعض تدخﻼت الجماعات‬
‫المحلية‪.69‬كما كانت مناسبة امامه للعمل على ضمان سيادة القانون ومبادئه‪ ،‬والبحث عن‬
‫العدالة في اطار الموازنة بين المصلحة العامة والخاصة‪ ،‬ورغم ان رقابة القضاء اﻹداري‬
‫على الجماعات الترابية تعتبر ضمانة مهمة من ضمانات حقوق اﻻفراد وحرياتهم على‬
‫المستوى المحلي‪ ،‬ومن المرتكزات اﻷساسية للديمقراطية المحلية وتحقيق الحكامة الترابية‬
‫عموما‪.70‬الى ان هذه الرقابة ما زالت تعترضها بعض المثبطات والحواجز التي تحول دون‬
‫نجاعتها‪ ،‬وهي بالخصوص تتمثل في اشكالية تعقد مساطر وإجراءات مقضاة الجماعات‬
‫الترابية )الفرع اﻻول(‪ ،‬ثم مسألة امتناع الجماعات الترابية عن تنفيذ اﻻحكام القضائية )الفرع‬
‫الثاني( الصادرة في حقها‪.‬‬

‫‪ 68‬ناصر القبلي‪،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.88:‬‬


‫‪69‬‬
‫‪Mohammed el fakihi”lerôle du judge administratifdans le Redéploiment du systéme‬‬
‫‪local décentralisé”,op,cit,pg:41.‬‬
‫‪70‬‬
‫‪Mohammed el yaagoubi ” lestribunaux administratifs et le développemntlocal au‬‬
‫‪maroc,op,cit,pg;9.‬‬

‫‪52‬‬
‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫الفرع اﻻول ‪:‬اﺷكالية تعقد مساطر واجراءات مقاضاة الجماعات الﺘرابية‪.‬‬


‫إذ كانت مهمة القضاء اﻹداري هي الرقابة على أعمال السلطة اﻹدارية على وجه العموم‬
‫والجماعات الترابية على وجه الخصوص‪ ،‬فإن تلك الرقابة ﻻ يمكن أن تتحرك وتعمل تلقائيا‬
‫من قبل جهات وأجهزة هذا القضاء في الدولة‪ ،‬وإنما بناء على الطلبات أو الدعوى التي‬
‫يحركها ذوي الشأن أو المصلحة‪ ،‬وذلك في ظل الشروط و اﻻجرءات القانونية المقررة لذلك‪،‬‬
‫وكغيرها من المنازعات اﻹدارية وبصرف النظر عن الرقابة الممارسة من قبل القضاء‬
‫اﻹداري على الجماعات الترابية بمشاركة سلطة الوصاية في الرقابة اﻹدارية‪ ،‬ﻻ يمكن للقضاء‬
‫اﻹداري أن ينظر في النزاع الناشئ بين جماعة ترابية وبين اﻷشخاص المتضررة تلقائيا ما لم‬
‫يقدم اليه طلب بذلك‪ ،‬ويتمثل في الدعوى اﻹدارية التي تقام على الجماعة المعنية بمناسبة‬
‫ممارسة نشاطها اﻹداري‪ ،‬من قبل الغير سواء أكان طبيعيا أو معنويا عاما أو خاصا‪.71‬‬

‫وان كانت رقابة القضاء اﻹداري على الجماعات الترابية بالمغرب تتميز بخصائص‬
‫ومميزات متعددة‪ ،‬فإن اﻻحكام القضائية الصادرة بخصوص الجماعات الترابية ﻻ تزال‬
‫ضعيفة من الناحية الكمية والعددية مقارنة مع عدد الدعوى المرفوعة ضدها‪ ،‬وﻻ غرو ان‬
‫السبب في ذلك ﻻ يرجع الى سﻼمة السبب اﻷساسي في ذلك هو مسألة تعقد مساطر واجراءات‬
‫مقاضاة الجماعات الترابية بالمغرب في ظل ضعف الوعي وجهل العديد من المواطنين بحقهم‬
‫في الطعن والمنازعة أو نتيجة كون المواطن البسيط ما زال يتوجس خيفة من السلطة اﻹدارية‬
‫بصفة عامة‪ ،‬مما يدفعه إلى عدم مقاضاتها‪ ،‬أو أن يكون في الغالب نتيجة التردد والتسويف إلى‬
‫حين تفويت اﻵجل المحدد لرفع الدعوى‪.‬‬

‫إن إشكالية تعقد مساطر وإجراءات مقاضاة الجماعات الترابية بالمغرب وما لها من‬
‫انعكاسات وتدعيات سلبية على نظام رقابة القضاء اﻹداري ﻻ ريبة فيها‪ ،‬هي ظاهرة أو‬
‫إشكالية سلبية مرتبطة أساسا بالنصوص القانونية‪ ،‬وبعوامل أخرى أبرزها مستوى الوعي‬
‫القانوني لدى معظم المواطنين من الساكنة المحلية‪ ،‬فالصعوبة والتعقد في مساطر وإجراءات‬
‫التقاضي وضعف اﻹلمام بها من قبل المواطنين‪ ،‬جعلت القضايا والمنازعات التي يبت في‬

‫‪ 71‬عماد أبركان‪،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.261:‬‬

‫‪53‬‬
‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫صلبها القاضي اﻹداري قليلة جدا مقارنة مع عدد القضايا والمرافعات المعروضة عليه‪ .‬حيث‬
‫ترفض العديد من القضايا إثر البت في الشكل قبل الموضوع‪ ،‬وذلك نظرا لﻺهمال او اﻹخﻼل‬
‫بقاعدة مسطرية أو إجراء شكلي يشترط توفره لقبول الدعوى‪ ،‬والبت في طلب المنازعة‪.72‬‬

‫ولعل مساطر وإجراءات مقاضاة الجماعات الترابية شأنها شأن باقي المنازعات اﻹدارية‬
‫هي كثيرة ومتنوعة‪ ،‬حيث منها ما يجد سندها في قانون المحاكم اﻹدارية‪ ،‬ومنها في قانون‬
‫المسطرة المدنية ومنها ما يجد مصدرها في بعض النصوص القانونية الخاصة والعامة أو غير‬
‫ذلك‪ ،‬ومنها ما يعتبر من النظام العام ﻻ يحتاج إلى التنصيص عليه في قانون معين‪ ،‬كما هو‬
‫اﻷمر بالنسبة لقواعد اﻻختصاص أو الصفة التي يثيرها القاضي اﻹداري تلقائيا دون الحاجة‬
‫للدفع بها من قبل المدعى عليه‪ ،‬فالمشرع المغربي عند تنظيمه لمسطرة المتابعة أمام المحاكم‬
‫اﻹدارية قد أحال على قانون المسطرة المدنية بالخصوص‪.73‬‬

‫إضافة إلى ذلك‪ ،‬فإن مقاضاة الجماعات الترابية فيما يخص رفع دعوى التعويض أو‬
‫الشطط في استعمال السلطة ﻻ تصح إﻻ بتطبيق مقتضى اﻷخبار واﻹشعار الذي تم اشتراطه‬
‫لرفع بعض الدعوى على الجماعة الترابية المعنية وتوجيه مذكرة لها من قبل المدعي تتضمن‬
‫موضوع وأسباب شكايته إلى سلطات الوصاية حسب كل جماعة على حده‪ ،‬والتي تسلم‬
‫للمدعي فور توصلها بالموضوع وصﻼ بذلك‪ ،‬كما يشترط في ذلك آجال يجب احترامه‬
‫ويترتب عن تقديم هذه المذكرة وقف كل تقادم أو سقوط حق‪ ،‬إذا رفعت بعده دعوى في اجل‬
‫ثﻼثة أشهر وهذا ما نصت عليه المادة ‪ 23‬من القانون المحدث بموجبه المحاكم اﻹدارية‪،‬‬
‫"‪...‬إذا كان نظام من اﻷنظمة ينص على إجراء خاص في شأن بعض الطعون اﻹدارية‪ ،‬فإن‬
‫طلب اﻹلغاء القضائي ﻻ يكون مقبوﻻ إﻻ إذا رفع إلى المحكمة بعد استنفاذ هذا اﻹجراء‪.74"...‬‬

‫وإن كانت القوانين التنظيمية الجديدة للجماعات الترابية قد جاءت بمقتضياتها بالعديد من‬
‫اﻹصﻼحات فيما يخص اﻷنماط الترابية اﻷخرى‪ ،‬خاصة ما يتعلق بالوصاية والرقابة اﻹدارية‬

‫‪ 72‬لطيفة اﻷندلوسي‪،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.53:‬‬


‫‪ 73‬المادة‪ 7‬من القانون المحدث بموجبه محاكم اﻹدارية"تطبق امام المحاكم اﻹدارية القواعد المقررة في قانون المسطرة المدنية ما‬
‫لم ينص القانون على خﻼف ذلك"‪.‬‬
‫‪ 74‬انظر المادة ‪ 23‬من القانون رقم ‪ 90-41‬المحدث بموجبه المحاكم اﻹدارية بالمغرب‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫كما تسمى في النصوص التنظيمية الحديدة‪ ،‬فإن ما يتعلق بهذا الشرط الشكلي لمقاضاة‬
‫الجماعات الترابية لم يعرف أي تغيير‪.75‬‬

‫ولعل ما يمكن تسجيله أيضا على أن المشرع عمد إحداث مساعد قضائي للجماعات‬
‫الترابية بمقتضى القانون المتعلق بالتنظيم المالي للجماعات المحلية ومجموعاتها‪ ،‬كجهة إدارية‬
‫يجب إدخالها تحت طائلة عدم القبول كلما أقيمت دعوى قضائية بغرض التصريح باستحقاق‬
‫ديون على جماعة محلية معنية‪ ،76‬وذلك بهدف التدخل لمعالجة إشكالية تزايد منازعات‬
‫الجماعات الترابية التي ستنزف ماليتها‪ ،‬وتؤثر سليا على وضعيتها‪ ،77‬فإن ذلك المقتضى قد‬
‫تكرس أكثر من خﻼل القوانين التنظيمية الثﻼث‪.78‬‬

‫وكخﻼصة ميما سبق؛ يمكن القول أن القوانين التنظيمية الجديدة للجماعات الترابية لم‬
‫تساهم في تخفيف مساطر التقاضي وإجراءاته أمام القضاء اﻹداري فيما يتعلق بمقاضاة‬
‫الجماعات الترابية بل جاءت بمقتضيات تكرس عكس ذلك‪ ،‬من خﻼل إدخال المساعد القضائي‬
‫تحت طائلة عدم القبول في جميع الدعوى التي تستهدف مطالبة الجماعات بأداء دين أو‬
‫تعويض‪ ،‬ميما سيزيد تعقيدا في حل العديد من القضايا المرفوعة دون أن تجد طريقا‬
‫لﻺنصاف‪.‬‬

‫الفرع الثاني ‪ :‬معيقات على مسﺘوى تنفيذ اﻻحكام القضائية‪.‬‬


‫لقد شكل إحداث المحاكم اﻹدارية حدثا بارزا وطفرة ايجابية في تاريخ القضاء المغربي‪،‬‬
‫وقد استطاعت هذه المحاكم إبراز الدور اﻹيجابي المنتظرة منها‪ ،‬وذلك عن طريق ترسيخها‬
‫لعدد من المبادئ‪ ،‬وابتكارها لعدة قواعد قائمة على العدل واﻹنصاف‪ ،‬ميما جعل أحكامها مثيرا‬
‫لعديد من النقاشات والدراسات الجامعية والتعاليق في المجاﻻت و المنابر العلمية‪ .‬وقد تعاظم‬
‫دورها أكثر بالنسبة للجماعات الترابية‪ ،‬ﻻعتبارات التخصص والقرب وتعدد القضايا‬
‫المعروضة عليها‪ ،‬وغيرها من العوامل والمعطيات اﻷخرى‪ .‬ولعل من أبرز اﻹشكاﻻت‬

‫‪ 75‬عماد أبركان‪،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.264:‬‬


‫‪ 76‬المادة ‪ 38‬من القانون رقم ‪ 08-45‬المتعلق بالتنظيم المالي للجماعات المحلية ومجموعاتها‪.‬‬
‫‪ 77‬عماد أبركان‪،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.265:‬‬
‫‪ 78‬المادة ‪ 242‬من ق ت المتعلق بالجهات‪،‬والمادة ‪ 212‬من ق ت المتعلق بالعماﻻت واﻷقاليم‪،‬المادة ‪ 268‬من ق ت المتعلق‬
‫بالجماعات‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫المطروحة بخصوص اﻷحكام الصادرة عن المحاكم اﻹدارية او باﻷحرى عن القضاء اﻹداري‬


‫عموما هي إشكالية امتناع الجماعات الترابية عن تنفيذ اﻷحكام القضائية الصادرة ضدها‪.79‬‬

‫أن اشكالية عدم تنفيذ اﻷشخاص العامة لﻸحكام القضائية الصادرة في حقها‪ ،‬مستفلحة‬
‫بشكل كبي‪ ،‬وأكثر انتشارا وتفاقما بالنسبة للجماعات الترابية‪ ،‬ولعلها كثيرة ومتعددة هي‬
‫الدوافع واﻷسباب لذلك‪ .‬فمن اﻷسباب ما يرتبط بالمقتضيات القانونية المؤطرة لمسألة تنفيذ‬
‫اﻷحكام القضائية‪ ،‬أو ما يتعلق بتضخم وتعقد المساطر وإجراءات المتبعة في ذلك‪ .‬وما‬
‫يستلزمه ذلك المبدأ من عدم القيام بكل ما من شأنه إيقاف أو عرقلة السير العادي للجماعات‬
‫الترابية‪.‬‬

‫ومنها كذلك والتي هي اﻷهم في هذا الصدد‪ ،‬تلك اﻹشكاﻻت المرتبطة بالجانب المالي‪،‬‬
‫حيث اﻹمكانات المتواضعة لمعظم الجماعات الترابية‪ ،‬بل وهناك ما يرتبط ببعض اﻷمور‬
‫اﻷخرى ‪ ،‬كأن تتذرع الجماعة الترابية أحيانا او اﻹدارة عموما بكون تنفيذ الحكم سيولد‬
‫اضطرابا في النظام العام بمفهومه الواسع‪ ،‬بحيث ﻻ يبقى أمام المحكوم له سوى اللجوء إلى‬
‫طلب التعويض إذ أمكن دون إمكانية إرغام الجماعة الترابية أو إكراهها على التنفيذ‪.80‬‬

‫الى جانب ذلك‪ ،‬هناك عامل أخر ﻻ يقل عنها في عرقلة مسألة التنفيذ‪ ،‬ويتعلق اﻷمر‬
‫باعتقاد بعض المخاطبين بالتنفيذ أن ذلك يستهدفهم كأشخاص من جهة‪ ،81‬ومن جهة أخرى‬
‫بإحجام بعض المسؤولين عن تنفيذ اﻷحكام القضائية ضدهم نتيجة تعارضها مع أهوائهم أو‬
‫مصالحهم الشخصية أو لغيرها من اﻹعتبارات‪.‬‬

‫فالمشرع المغربي في القانون رقم ‪ 41.90‬ومن خﻼل المادة ‪ 49‬منه اكتفى بالقول على‬
‫أنه"يتم التنفيذ بواسطة كتابة ضبط المحكمة اﻹدارية التي أصدرت الحكم ‪ .‬ويمكن للمجلس أن‬
‫يعهد بتنفيذ قرارته الى محكمة إدارية"‪،‬كما ان المادة ‪ 7‬منه نصت على أن "تطبق أمام‬
‫المحاكم اﻹدارية القواعد المقررة في قانون المسطرة المدنية ما لم ينص قانون على خﻼف‬

‫‪ 79‬عماد أبركان‪،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.266:‬‬


‫‪ 80‬عماد أبركان‪،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.268:‬‬
‫‪81‬‬
‫‪Mohammed El Yaagoubi,”L’inexécution des décisions de justice administrative,‬‬
‫‪UneattientIntolérable Aux droits de l’homme, publications Remald,N28,juillet-‬‬
‫‪septembre,1999,P67.‬‬

‫‪56‬‬
‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫ذلك‪ ،‬وإذ كانت اﻷحكام القضائية الصادرة ضد اﻷفراد الحائزة لقوة الشيء المقضي به تتضمن‬
‫في مواجهتهم إمكانية التنفيذ الجبري المنصوص عليها في الباب الثالث من قانون المسطرة‬
‫المدنية‪ ،‬فإن القواعد الجبرية المحال عليها بموجب الفصل‪ 7‬من قانون ‪ 41-90‬ﻻ نجد لها‬
‫تطبيقا في مواجهة أشخاص القانون العام ﻹعتبارات خاصة تحذر التنفيذ الجبري ضد اﻹدارة‬
‫في مواجهة القاضي وامتياز التنفيذ المباشر واختﻼف الصيغة التنفيذية لﻸحكام العادية القابلة‬
‫للتنفيذ الجبري وحسن سير المرفق العام بانتظام وعدم تعطيل وظيفة النفع العمومي‪ ،‬ومن ثم‬
‫تنفيذ اﻷحكام اﻹدارية مرتبطة بأخﻼقيات اﻹدارة وامتثالها الطوعي للتنفيذ‪.‬‬

‫ومن صور امتناع الجماعات الترابية عن تنفيذ اﻷحكام اﻹدارية نجد على أن الجماعات‬
‫الترابية تلجأ أحيانا إلى التراخي في تنفيذ اﻷحكام بهدف إدخال اليأس في نفسية المنفذ له‬
‫كأسلوب للضغط عليه من اجل التنازل عن التعويضات أو على اﻷقل جزء منها‪ .‬يكون‬
‫التراخي له ما يبرره ناتجا عن ظروف طارئة أو من شأن ذلك المساس بأوضاع إدارية‪.‬‬

‫أ‪ /‬الﺘنفيذ الناقص‪ :‬لقد اعتبر القضاء المغربي أن عدم استجابة اﻹدارية لتنفيذ قرار‬
‫قضائي نهائي حائز لقوة الشيء المقضي به بصورة كلي شططا في استعمال السلطة معرضا‬
‫لﻺلغاء‪.‬‬

‫ب‪ /‬الرفض الصريح للﺘنفيذ ‪ :‬هذه الصورة اﻷكثر تطرفا في رفض التنفيذ قليلة الحدوث‬
‫لكون الجماعة غالبا ما تتجنبه ﻻعتبارات سياسية أو غيرها وتظهر بمظهر المتسلط الرافض‬
‫للديمقراطية والمساواة واحترام القانون‪.‬‬

‫ومن اﻷسباب التي تتذرع الجماعة الممتنعة عن تنفيذ اﻷحكام اﻹدارية الصادرة في‬
‫مواجهتها‪ ،‬هو عدم توفير الميزانية الجماعاتية على اﻹعتمادات المالية الكافية للتنفيذ‪.‬‬

‫كل ما سبق ذكره يتنوع بين صعوبات قانونية في تنفيذ اﻷحكام اﻹدارية على الجماعات‬
‫الترابية‪ ،‬ما هي إﻻ صعوبات واقعية تتمثل في الغالب في كون عدم التنفيذ ناتج عن موقف‬
‫سلبي من قبل اﻹدارة‪ ،‬بحيث تقوم هذه اﻷخيرة بالمناورة تفاديا لﻶثار الشيء المقضي به‬
‫ضدها‪ ،‬وذلك من خﻼل خلق صعوبات قانونية ومادية لتخلص من تنفيذ اﻷحكام الصادرة‬
‫ضدها‪ ،‬ويعتبر التنفيذ الناقص مظهرا من مظاهر هذه المناورة‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫ومن العوامل الموضوعية التي تحول دون تنفيذ أحكام القضاء اﻹداري في مواجهة‬
‫اﻹدارة الجماعاتية نشير إلى تعنت المسؤولين في بعض اﻷحيان عن تنفيذ اﻷحكام الصادرة‬
‫ضدهم بسبب مصالحهم الشخصية وﻻعتبارات أخرى‪ ،‬كما أن اﻻعتقاد الخاطئ لدى بعضهم‬
‫على أن التنفيذ يستهدفهم ميما يجعل عملية التنفيذ أشبه بحرب معلنة تضيع خﻼلها مصالح‬
‫اﻹدارة وحقوق اﻷفراد‪.82‬‬

‫إضافة لما سبق‪ ،‬فإن الجانب المالي للجماعات الترابية وعدم توفرها على موارد كافية‬
‫وبإمكاناتها المادية المتواضعة يكون من الصعب على الجماعات تنفيذ الحكم المتعلق‬
‫بالتعويض لما قد يخلق لها من اضطراب في النظام العام‪.‬وإن كان التعويض سيؤدى من مالية‬
‫الجماعة‪ ،‬فإن المساطر واﻹجراءات تأخذ وقتا طويﻼ بحيث يجب احترام قواعد المحاسبة‬
‫العمومية وذلك بأن يمر التنفيذ عبر محطات عدة ويشرك عدة أجهزة كاﻵمر بالصرف‬
‫والمحاسب العمومي وسلطات الوصاية ‪...‬وهي مراحل ومساطر معقدة وطويلة‪ ،‬ميما يجعل‬
‫تنفيذ الحكم القضائي بدوره ليس باﻷمر الهين‪.‬‬

‫خﻼصة مما سبق ذكره‪ ،‬فإن ظاهرة عدم تنفيذ اﻷحكام القضائية الصادرة في مواجهة‬
‫الجماعات الترابية تظهر بجﻼء اختﻼل العﻼقة الجدلية بين القانون المفروض ممارسته‬
‫وتحقيق أهدافه على أرض الواقع بصفة عامة‪ ،‬وعلى المستوى المحلي بصفة خاصة‪.‬مع العلم‬
‫ان السلطة التنفيذية حاولت جاهدة احتواء هذه اﻹشكاﻻت من خﻼل إصدار منشورات‬
‫ودوريات‪ ،‬تحث فيها اﻹدارة على تنفيذ اﻷحكام الصادرة ضدها‪ ،‬لكن المحاولة باتت بالفشل‬
‫ولم تحقق النتائج المنتظرة بسبب غياب الطابع اﻹلزامي لها‪.‬‬

‫‪ 82‬لطيفة اﻷندلوسي‪،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.57:‬‬

‫‪58‬‬
‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫المﺒحث الثاني ‪ :‬السﺒل الكفيلة بﺘجويد الرقابة القضائية على‬


‫الجماعات الﺘرابية‪.‬‬

‫يشكل نظام الﻼمركزية اﻹدارية اختيارا ثابتا ﻹيجاد جماعات ترابية قائمة الذات‪ ،‬وقد‬
‫كان هذا اﻻختيار من حيث أبعاده وفلسفته إلى إرساء قواعد الديمقراطية المحلية‪ ،‬من خﻼل‬
‫تقسيم جيد ومحكوم ﻻختصاصات والوظائف بينها وبين الدولة وفق معايير عقﻼنية وواقعية‪،‬‬
‫وكذا إشراك المواطنين في تحقيق التنمية الترابية في إطار الجهوية المتقدمة والﻼمركزية‬
‫المتطورة كورش للحكامة الترابية بالمغرب‪ .‬وقد تم التأكيد و اﻹقرار من اجل ذلك‪ ،‬بأن تجويد‬
‫النظام الرقابي الممارس على‪ .‬الجماعات الترابية ﻻزمة لقيام الﻼمركزية الترابية المتقدمة‪ .‬من‬
‫هنا كان ﻻبد من إعادة النظر في بعض المكونات البنياوية للرقابة القضائية ومﻼئمتها‬
‫للحاجيات والمتطلبات المستجدة‪ ،‬وذلك من خﻼ تقوية قدرات المحاكم المالية في الرقابة على‬
‫الجماعات الترابية) المطلب اﻷول(‪ ،‬إلى جانب تقوية اختﻼﻻت رقابة القضاء اﻹداري على‬
‫الجماعات الترابية )المطلب الثاني(‪.‬‬

‫المطلب اﻻول ‪ :‬تقوية قدرات المحاكم المالية في الرقابة على الﺘرابية‪.‬‬


‫ﻻ يرتبط حسن اشتغال المحاكم المالية بتواجدها من الناحية المبدئية أو باﻻختصاصات‬
‫المحددة لها فقط‪ ،‬وإنما بمدى توفرها على الضمانات القانونية وعلى الموارد البشرية‪ ،‬من‬
‫حيث الكم والكيف‪ ،‬وعلى الوسائل المالية و المادية‪ .‬من أجل مواكبة مشروع الجهوية المتقدمة‬
‫والﻼمركزية المتطورة‪ ،‬ولتساهم بشكل ناجع في ترسيخ المساءلة والحكامة الترابية‪ ،83‬فإن‬
‫تدعيم اﻹمكانات والوسائل والضمانات الممنوحة للمحاكم المالية)الفرع اﻷول(‪،‬من بين‬
‫المداخيل اﻷساسية لتقوية الرقابة على الجماعات الترابية‪ ،‬وعﻼوة عن ذلك‪ ،‬ﻻبد وأن تتعامل‬
‫المجالس الجهوية للحسابات مع تقارير وتوصيات المجلس اﻷعلى للحسابات)الفرع‬
‫الثاني(‪،‬على أرض الواقع‪.‬‬

‫‪ 83‬عماد أبركان‪،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.342:‬‬

‫‪59‬‬
‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫الفرع اﻷول ‪ :‬تدعيم اﻹمكانات والوسائل والضمانات الممنوحة للمحاكم‬


‫المالية‪.‬‬
‫إن فعالية الرقابة على المال العام تقتضي وجود هيئة قضائية تتوﻻها‪ ،‬فالتصدي الفعال‬
‫لعمليات صرف المال العام ﻻ يمكن أن تؤمنها اﻷجهزة اﻹدارية وحدها بسبب محدودية مجال‬
‫تدخلها وضعف مواردها البشرية والمادية‪ ،‬كما ﻻ يمكن لﻸجهزة المنتخبة أن تقوم بهذا الدور‬
‫دون مساعدة نظرا لطغيان اﻹعتبار السياسي على تدخلها وضعف مؤهﻼتها التقنية‪ ،‬ولهذا ﻻ‬
‫بد من وجود هيئة رقابية عليا متخصصة في المجال المالي مستقلة عن كلتا السلطتين‬
‫التشريعية و التنفيذية‪.84‬‬

‫فالرقابة القضائية على مالية الجماعات الترابية تعتبر من أهم أصناف الرقابة وأكثرها‬
‫قبوﻻ حيث تشكل المجالس الجهوية للحسابات أجهزة قضائية ﻻمركزية تمارس رقابتها على‬
‫المالية المحلية‪ ،‬هدفها حماية وصيانة المال العام المحلي وإرساء قواعد الشفافية في التدبير‬
‫المالي المحلي‪.85‬‬

‫بيد أنه من أجل الحفاظ على السير العادي والطبيعي ﻷنشطتها وأعمالها ومن أجل‬
‫ممارسة مهامها الرقابية فﻼ بد من توفرها على إطار نسقي متميز يستند على مبدأ الجماعية‬
‫عوض الفردنية في اتخاذ القرار‪.86‬‬

‫وبهذا‪ ،‬فإن تدعيم اﻹمكانات والوسائل والضمانات الممنوحة للمحاكم المالية قصد تأدية‬
‫وظائفها الرقابية بفعالية ونجاعة بات من الضروريات المستعجلة التي ﻻ تحتمل التأخير‬
‫والتأجيل فقد حان الوقت بعد سنوات من الممارسة ونضج التجربة‪ ،‬لنهوض والرقي بمستوى‬
‫المحاكم المحاكم المالية في الرقابة ﻻسيما بالنسبة للجماعات الترابية‪ ،‬حيث أن المغرب مقبل‬
‫على ورش الجهوية المتقدمة‪ ،‬وﻻ شك هنا أن حماية المال العام المحلي تعتبر رهانا أساسيا في‬

‫‪ 84‬ﷴ حنين"تدبير المالية العمومية‪،‬الرهانات واﻹكراهات"‪،‬دار القلم للطباعة والنشر والتوزيع‪،‬الطبعة‬


‫اﻷولى‪،‬الرباط‪،2005،‬ص‪.328:‬‬
‫‪ 85‬ناصر الدين القبلي‪،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.103:‬‬
‫‪ 86‬هيشام الحسة"المجالس الجهوية للحسابات وإشكالية إرساء شفافية تدبير اﻷموال العمومية المحلية دراسة نظرية تطبيقية‬
‫مقارنة‪،‬رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام المعمق‪،‬كلية الحقوق طنجة‪،‬السنة الجامعية ‪،2007-2008‬ص‪.19:‬‬

‫‪60‬‬
‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫الوقت الراهن وفي سياق الحديث عن تنزيل اﻹصﻼحات السياسية والدستورية بالطريقة‬
‫المنشودة‪ ،87‬فما لم يتم تعزيز الرقابة القضائية على المالية العمومية المحلية بالنصوص‪ ،‬ﻻ‬
‫يمكن الحديث عن إعتماد مبادئ الحكامة المالية المنصوص عليها دستوريا‪ .88‬وما لم يتم‬
‫التنصيص في القانون اﻷساسي بمثابة مدونة المحاكم المالية الجديدة المنتظر إصدارها على‬
‫الشروط والضمانات الكفيلة بالممارسات الرقابية الحقيقية‪ ،‬فلن نكون أمام ترسيخ وتجويد رقابة‬
‫القضاء المالي على التدبير العمومي الترابي كشرط ﻻزم للجهوية المتقدمة والﻼمركزية‬
‫المتطورة‪.‬‬

‫ولعل أولى هذه الشروط هو اﻻهتمام بالعنصر البشري والمادي للمجالس الجهوية‬
‫للحسابات هذه اﻷخيرة ﻻ يمكنها النهوض بالمهام الرقابية المسندة إليها ما لم تتوفر على‬
‫الوسائل البشرية واﻹمكانات المادية الﻼزمة‪ ،‬وهذه الضمانات تعتبر أساسية‪.89‬‬

‫فاختيار الكفاءات وتكوينها وإعادة التكوين يجب أن ينظر إليه من خﻼل شموليته‪ ،‬ويجب‬
‫أن ﻻ يقتصر على التكوين العام الذي يتلقاه القاضي قبل ولوجه للمحاكم المالية الجهوية‪ ،‬وإنما‬
‫يجب أن يمتد إلى التكوين المستمر‪ ،‬لما لهذا اﻷخير من مزايا وفوائد عدة تتجلى في كونه يربط‬
‫العمل الرقابي بالمحيط اﻻقتصادي واﻻجتماعي‪ ،90‬وان أوجه الرقابة الجيدة ﻻ تكتمل إﻻ بدعم‬
‫القدرات المادية و البشرية للجهاز المشرف عليها حتى يستطيع مواجهة كل الصﻼحيات‬
‫المسندة إليه فﻼ ينبغي أن ننسى أن فعالية المؤسسات وكفاءتها في تدبير شؤونها تقاس أوﻻ‬
‫بعدد أعضائها وبمدى أهليتهم وقدرتهم على تحمل المسؤولية‪ ،‬وبدرجة اﻻستقﻼل المالي‬
‫واﻹداري الذي تنعم به الهيئة التي ينتمون إليها‪.‬‬

‫كما أن فعالية رقابة القاضي المالي رهينة بوضوح وبساطة بالتحقيق واﻹفتحاص التي‬
‫تخول له سلطة الوصول إلى المعلومات واﻹطﻼع على الوثائق دون قيد أو شرط في إطار‬
‫يحمي ويضمن حقوق اﻷطراف الخاضعة لرقابته‪ .91‬كما أنه أصبح من الضروري تزويد‬

‫‪ 87‬عماد أبركان‪،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.338:‬‬


‫‪ 88‬انظر الفصول من ‪154‬الى ‪ 160‬من الدستور ‪.2011‬‬
‫‪ 89‬ناصر الدين القبلي‪،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.104:‬‬
‫‪ 90‬هيشام الحسكة‪ ،‬مرجع سابق‪.258،‬‬
‫‪ 91‬معمر المصطفى"قراءة في مضمون مدونة المحاكم المالية "م م إ ت‪،‬عدد مزدوج ‪ 51-52‬يوليو‪-‬اكتوبر‪،2003‬ص‪.142:‬‬

‫‪61‬‬
‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫المحاكم المالية بإمكانيات التدبير الحديثة والتي تستوجب اللجوء واﻻستعانة بتقنيات‬
‫المعلوميات كأسلوب حديث لموجهة متطلبات اﻹفتحاص والرقابة‪ ،92‬حتى تستجيب لتوصيات‬
‫المنظمات الدولية و اﻹقليمية المتخصصة في الرقابة المالية والمحاسبية التي دعت الى‬
‫‪93‬‬
‫ضرورة إعتماد أسلوب المعلوميات وحسن التحكم في التقنية المعلوماتية‬

‫إن فعالية دور القاضي المالي ونجاحه في أداء مهامه الرقابية كذلك يرتبط إلى حد بعيد‬
‫بمدى قدرته على اﻻندماج مع محيطه السياسي واﻻجتماعي وبطبيعة الدور الذي يؤديه هذا‬
‫المحيط في مراقبة المال العمومي‪.94‬‬

‫خﻼصة مم ا سبق‪ ،‬يجب توفير الشروط الكافية والعمل على إدماج المجالس الجهوية‬
‫للحسابات بمحيط سليم وذلك بإرساء أشكال التعاون والمساعدة قصد قياس مردودية الجماعات‬
‫الترابية لتضع ميزان التقييم حتى تتمكن هذه المجالس من مباشرة مهامها الرقابية في أحسن‬
‫الظروف‪.‬‬

‫الفرع الثاني ‪ :‬الﺘعامل الجدي مع تقارير وتوصيات المجلس اﻷعلى‬


‫للحسابات‪.‬‬
‫إذا كان تدعيم الموارد واﻹمكانات والوسائل والضمانات الممنوحة للمحاكم المالية‪ ،‬من‬
‫اﻹصﻼحات الضرورية والمستعجلة التي ينبغي مباشرتها في افق تطبيق وتكريس الﻼمركزية‬
‫المتطورة و الجهوية المتقدمة‪ ،‬فإن التعامل الجدي مع تقارير وتوصيات المجلس اﻷعلى‬
‫للحسابات يعتبر أكثر أهمية واستعجاﻻ وإلحاحا في هذا الصدد‪ ،‬فمن البديهيات التي ﻻ تقبل‬
‫العكس‪ ،‬أنه ليس لرقابة المحاكم المالية أي قيمة‪ ،‬ما لم يكن لها آثار ونتائج واقعية وملموسة‪.‬‬

‫بل يجب أن تكون الرقابة رادعة وزاجرة لتخفيف من وطأة ومظاهر الفساد المالي التي‬
‫ترصدها وتقف عليها اﻹفتحاصات والتدقيقات والمحاسبات السنوية‪ ،‬من هنا فالرقابة التي‬

‫‪ 92‬سعيد جفري"الرقاية على المالية المحلية بالمغرب"‪،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.323:‬‬


‫‪ 93‬مدني حميدوش‪،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.359:‬‬
‫‪ 94‬معمر المصطفى‪،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.144:‬‬

‫‪62‬‬
‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫تمارسها المحاكم المالية ﻻ ولن تستطيع القضاء بشكل تام على الفساد اﻹداري و المالي‬
‫المستثري بشكل مهول في الجماعات الترابية ما لم تكن رادعة‪.95‬‬

‫من هنا يصح التساؤل بداية عن كيفية التعامل الجدي مع تقارير وتوصيات المجلس‬
‫اﻷعلى للحسابات في ظل بيئة ومحيط اجتماعي ومؤسساتي انتشر فيه الفساد اﻹداري‬
‫والسياسي بشكل أصبح فيه التمييز بين اﻷسباب و النتائج أمرا في غاية الصعوبة‪ .‬وﻻشك هنا‬
‫أن تعدد وتسلسل المتدخلين في تنفيذ القرار داخل النسق السياسي واﻹداري المغربي‪ ،‬يدفع‬
‫بمسألة ضرورة التعامل الجدي مع تقارير وتوصيات المجلس اﻷعلى للحسابات أمام إشكالية‬
‫صعبة‪ ،‬والتي هي نتاج لتضافر مجموعة من العوامل اﻻقتصادية و اﻻجتماعية والسياسية‬
‫تحركها وتشترطها‪ ،‬بحيث تمثل أحد عناصر النظام اﻻجتماعي و العﻼقات السياسية السائدة‬
‫والمسيطرة‪ ،‬بل وهي أحد مداخﻼته ومخرجاته‪ .‬ومن ثم فإن محاولة تفعيل تقارير وتوصيات‬
‫وتنفيذ اقتراحات المجلس اﻷنف الذكر‪ .‬بمعزل عن إصﻼح اﻷوضاع اﻻقتصادية و اﻻجتماعية‬
‫و السياسية التي تتحكم في منظومة الرقابة المالية عموما‪ ،‬هي محاولة يائسة محدودة الفعالية‬
‫والنتائج وقد تكون فاشلة منذ البداية‪ .‬حيث يمكن إجراء بعض اﻹصﻼحات و التغيرات من‬
‫خﻼلها هنا وهناك‪ ،‬غير أنها ستبقى في نهاية المطاف وبﻼ شك محكومة في حدودها بإمكانات‬
‫المنظومة التي تتحقق فيها‪ .‬ومن هنا فإن التعامل الجدي بتقارير وتوصيات المجلس اﻷعلى‬
‫للحسابات‪ ،‬تتوقف على تحديد الجهات المسؤولة بالمحاسبة‪ ،‬والوصول الى غاية تكريس‬
‫الفعالية و النجاعة في رقابة المحاكم المالية على الجماعات الترابية عموما‪.‬‬

‫لقد ظلت النخب السياسية المتعاقبة بالمغرب في ممارستها اليومية للسلطة‪ ،‬متشبثة‬
‫بالعديد من السلوكيات والمظاهر التي تصب في مرمى التقليد واﻻنغﻼق والمركزية المتشددة‬
‫المفرطة‪ ،‬سواء في عﻼقتها الداخلية)عﻼقة المركز بالمحيط(‪ ،‬او في عﻼقتها مع المرتفقين‪،‬‬
‫وقلما يجتاز مسؤول سياسي معين وﻻيته النيابية بجماعة ترابية معينة دون أن يكون له‬
‫ولحزبه أو لعضو في الحزب الذي ينتمي إليه‪ ،‬أو للحزب المتحالف معه‪ ،‬يد أو مسؤولية أو‬
‫مشاركة أو عﻼقة في قضية فساد معينة بطريقة أو بأخرى‪ ،‬وعليه كان ﻻ يزال هذا اﻷمر‬

‫‪95‬عماد أبركان‪،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.347:‬‬

‫‪63‬‬
‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫يجعل التدبير العمومي بالمغرب يحقق منجزات هزيلة‪ ،‬متسمة بضعف المردودية والعشوائية‬
‫وهو اﻷمر نفسه الذي جعل المسؤولين السياسيين دائما يتوجسون خيفة من التفعيل والتكريس‬
‫الحقيقي ﻷي رقابة كيفما كانت وباﻷحرى لرقابة المحاكم المالية‪ ،‬مخافة أن يأتي الدور عليهم‬
‫يوما ليكونوا هم المعنيون و المجردون في قفص اﻹتهام‪.96‬‬

‫ومن هنا فإن الحل وقبل التعامل مع تقارير وتوصيات المجلس اﻷعلى للحسابات‪ ،‬يكمن‬
‫في تكريس بعض المفاهيم التدبيرية الحديثة كالمسؤولية والشفافية واﻻستحقاق والتناسبية‬
‫وغيرها‪ ،‬ولو بشكل جزئي وتدريجي ولعل في مقدمة تلك المفاهيم ذات أهمية نجد المفهوم‬
‫الجديد للسلطة‪ ،‬الذي سبق وأن أعلنه الملك ﷴ السادس في الخطاب الملكي بمدينة الدار‬
‫البيضاء‪.97‬‬

‫حيث جاء في الخطاب هذا المفهوم لتجاوز جميع اﻷنماط السلوكية التي كانت سائدة في‬
‫السابق‪ ،‬وكذا يسعى إلى انفتاح السياسة واﻹدارة على محيطها‪ ،‬ونبذ المركزية المفرطة‪،‬‬
‫والعمل في إطار الشفافية لتدبير الشأن العام خاصة المحلي‪ ،‬والسعي إلى تقريب اﻹدارة من‬
‫المواطن‪ ،98‬من خﻼل دعم مفهوم الﻼتركيز والﻼمركزية‪ ،‬وتحقيق التنمية اﻻقتصادية‬
‫واﻻجتماعية والثقافية‪ ،‬وبالتالي تلبية حاجيات المواطنين في مختلف المجاﻻت‪.99‬‬

‫وإذ كان المفهوم الجديد للسلطة كما ورد في الخطب الملكية هو مفهوم يسعى نحو ترسيخ‬
‫دولة الحق والقانون‪ ،‬وتعزيز الديمقراطية وضمان نجاح اﻻنفتاح اﻻقتصادي‪ ،‬وتكريس سلطة‬
‫القضاء للنهوض بالشأن العام المحلي‪ ،‬وهو عبارة عن ثقافة جديدة للمرافق العامة‪ ،‬ينبغي أن‬
‫تسود جميع الهياكل والعقليات‪ ،‬وذلك بهدف تجاوز كل مظاهر المفهوم القديم للسلطة‪ ،100‬فإن‬
‫ذلك هو الشرط اﻷساسي الذي ينبغي توفره بداية‪ ،‬والذي من شأنه أن يمهد الطريق نحو‬

‫‪ 96‬عماد أبركان‪،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.249-248:‬‬


‫‪ 97‬انظر خطاب الملك ﷴ السادس حول المفهوم الجديد للسلطة‪،‬إنبعاث أمة‪،‬الجزء ‪،44‬القسم الثاني‪،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.725:‬‬
‫‪98‬‬
‫‪Mohammed el yaagoubi”la publicatique de proiximité dans les discours royaux‬‬
‫‪publication remald,N71,Novembre-Décembre,2006,P14-15.‬‬
‫‪ 99‬ﷴ زكرياء البريكي"مؤسسة العامل بين المركزية والوظيفة التنموية ‪،‬رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون‬
‫العام‪،‬كلية العلوم القانونية واﻹقتصادية واﻹجتماعية‪،‬جامعة عبدالمالك السعدي طنجة‪،‬السنة الجامعية ‪،2008-2007‬ص‪.124:‬‬
‫‪100‬‬
‫‪Mohammed El Yaagoubi ”Les Grandes Par ticuLarités Du Nouveau Concept De L‬‬
‫‪autorité,Op.Cit,P18.‬‬

‫‪64‬‬
‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫التعامل الجدي مع تقارير وتوصيات المجلس اﻷعلى للحسابات عموما وبالنسبة للجماعات‬
‫الترابية‪ ،‬على الخصوص‪.‬‬

‫وبناء على ما سبق ذكره‪ ،‬أصبحت مسألة التعامل الجدي مع تقارير وتوصيات المجلس‬
‫اﻷعلى للحسابات‪ ،‬من قبل السلطات والمؤسسات المسؤولية‪ ،‬مطلبا ملحا من مطالب القوى‬
‫الحية والمكونات الفاعلة في المجتمع‪ .101‬وهي تعتبر في سياق اﻹعداد واﻻستعداد للجهوية‬
‫المتقدمة و الﻼمركزية المتطورة من متطلبات الحكامة الترابية‪ ،‬ومن مستلزمات التنمية‬
‫المحلية المستدامة التي ﻻ بد منها لتكريس دولة الحق والقانون والحداثة‪ .102‬بل إن اﻷصوات‬
‫قد تعالت وصدحت مؤخرا بضرورة منح المحاكم المالية وسائل وآليات جديدة لفرض رقابتها‬
‫على الجماعات الترابية‪ ،‬وترسيخها أكثر حتى تصبح في المستوى المطلوب‪.‬‬

‫إن التعامل الجدي مع تقارير وتوصيات المجلس اﻷعلى للحسابات يستوجب إلى جانب‬
‫ما سبق بعض المسائل اﻹقتراحية الدقيقة والمحددة التي يجب على السياسي أن يسعى‬
‫لتكريسها‪ ،103‬وهي كالتالي‪:‬‬

‫أ‪ /‬الحرص على تنفيذ قرارات وتوصيات المحاكم المالية وتعميم بيانات ذلك للرأي العام‬
‫بجميع الوسائل‪ ،‬مع ضرورة إجراء جرد حسابي لما تم تنفيذه منها و ما لم ينفذ بعد وأسباب‬
‫ذلك التأخير‪.‬‬

‫ب‪ /‬ترتيب اﻵثار القانونية بحزم وصرامة على اﻵمرين بالصرف والمحاسبين‬
‫العموميين‪ ،‬ومختلف المتدخلين في تدبير المال العام‪ ،‬خاصة عندما يتعلق اﻷمر بتفعيل‬
‫مقتضيات مشاريع القوانين التنظيمية الجديدة للجماعات الترابية‪ ،‬بعد دخولها حيز التنفيذ‪.‬‬

‫ت‪ /‬يجب حرمان المدانين بعقوبات مالية أمام المحاكم المالية‪ ،‬والمحالين على القضاء‬
‫الجنائي العام طبقا لمقتضيات مدونة المحاكم المالية‪ ،‬ومنعهم من تولي تلك المناصب مجددا‬
‫كآلية من آليات تخليق الحياة العامة‪.‬‬

‫‪ 101‬عماد أبركان‪،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.351:‬‬


‫‪102‬‬
‫‪Najib Ba Mohammed ”RégionalistionEt Avenir De La Région au Maroc“,publicaton‬‬
‫‪Remald,N72-73,Janvier-Avrile,2007,P59.‬‬
‫‪ 103‬عماد أبركان‪،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.351:‬‬

‫‪65‬‬
‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫د‪ /‬ضرورة إقرار قاعدة منع الترشيح في اﻻنتخابات الجماعاتية على اﻷشخاص المدنين‬
‫من طرف المحاكم المالية في مجال التأديب المالي‪.‬‬

‫وﻷن اﻷمر يتعلق بالمال العام المحلي ومساهمة المحاكم المالية في حمايته‪ ،‬فإن ذلك‬
‫يستوجب إقرار جزاءات إلزامية وجبرية عن عدم التنفيذ بالجماعات الترابية‪ ،‬وتعميم ذلك‬
‫للرأي العام الوطني والمحلي‪ .‬ومهما كانت التداعيات والنتائج‪ ،‬فإن اﻹلزام واﻹجبار في هذا‬
‫الصدد أولى ويستمد شرعيته من واجب تفعيل دور هذه المؤسسة الدستورية أي المجلس‬
‫اﻷعلى للحسابات‪ ،‬وترسيخا لهيبتها وإستقﻼلها‪.‬‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬تقوية اخﺘﻼﻻت رقابة القضاء اﻹداري على الجماعات‬


‫الﺘرابية‪.‬‬
‫لقد حظيت المنازعات اﻹدارية للجماعات الترابية خﻼل السنين اﻷخيرة بأهمية كبيرة من‬
‫لدن المصالح المختصة)الوزارة الداخلية(‪ ،‬نظرا لما لها من تأثير على تدبير الشأن العام‬
‫المحلي‪.104‬‬

‫ويتجسد هذا اﻻهتمام في الدوريات والمنشورات التي ما فتئت هذه الوزارة تصدرها من‬
‫أجل تنوير وإرشاد الجماعات الترابية‪ ،‬وتحسيسها بأهمية تدبير هذا الميدان على الشكل‬
‫المطلوب‪ ،‬وبما أن المغرب قد دخل في غمار الجهوية المتقدمة والﻼمركزية المتطورة‪ ،‬فإن‬
‫هناك الكثير من اﻹشكاﻻت التي ينبغي حلها وطنيا ومحليا‪ ،‬ويتطلب إصﻼحا بنيويا عميقا‪،‬‬
‫خصوصا في المجال الرقابي‪ ،‬وتحديدا في مسألة تقويم اﻹختﻼﻻت التي تعاني منها رقابة‬
‫القضاء اﻹداري‪ ،‬من حيث تسهيل وتبسيط مساطر وإجراءات مقاضاة الجماعات الترابية‬
‫)الفرع اﻷول(‪ ،‬الى جانب تنفيذ اﻷحكام القضائية الصادرة في مواجهة الجماعات‬
‫الترابية)الفرع الثاني(‪.‬‬

‫‪ 104‬لطيفة اﻷندلوسي‪،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.58:‬‬

‫‪66‬‬
‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫الفرع اﻷول ‪ :‬تسهيل وتﺒسيط مساطر وإجراءات مقاضاة الجماعات الﺘرابية‪.‬‬


‫تعتبر مسألة تسهيل وتبسيط مساطر وإجراءات مقاضاة الجماعات الترابية‪ ،‬من‬
‫اﻹصﻼحات الضرورية الواجبة على المغرب مباشرتها بموازاة مع البدايات اﻷولى للجهوية‬
‫المتقدمة ولﻼمركزية المتطورة‪ ،‬إذ وأن التجربة والممارسة السابقة كشفت على أن الرقابة‬
‫الممارسة من قبل القضاء اﻹداري على الجماعات الترابية‪ ،‬رغم أهميتها ومكانتها ومﻼءمتها‬
‫للديمقراطية المحلية مقارنة مع اﻷنماط الرقابية اﻷخرى‪ .‬وكذا من خﻼل مساهمتها الوازنة‬
‫كيفا‪ ،‬من حيث اﻹجتهاد و التوجيه القضائي في حماية حقوق اﻷشخاص وصيانتها‪ .‬والمتوسطة‬
‫كما‪ ،‬من حيث عدد المنازعات والقضايا المقبولة شكﻼ والمحكومة موضوعا‪ ،‬فإنه كان‬
‫بإمكانها أن تساهم بقدر أكبر وأكثر فعالية ونجاعة لوﻻ تعدد وتعقد مساطر وإجراءات‬
‫التقاضي‪ ،‬وتضخمها من حيث عدد المقتضيات وتنوع المصادر‪.105‬‬

‫إن مسألة مخاصمة الجماعات الترابية ظلت دائما مسألة صعبة ومعقدة ومكلفة‪ ،‬بل هي‬
‫في غير متناول بعض اﻷشخاص المتضررين ولعل من هذا المنطلق‪ ،‬كان من الﻼزم العمل‬
‫بكل الوسائل المتاحة‪ ،‬على تسهيل وتبسيط مساطر وإجراءات مقاضاة الجماعات الترابية‪ ،‬مع‬
‫تقريبها ما أمكن وجعلها في متناول المتضرر‪ ،‬مهما كانت ثقافته وقدرته المادية‪.‬‬

‫وإذ كان المشرع هو المطالب والمعني اﻷول بهذا التبسيط‪ ،‬من خﻼل واجب إصدار‬
‫قوانين ومساطر جديدة أقل تعقيدا وتضخما من سابقتها‪ ،‬فإنه ليس المسؤول المعني الوحيد في‬
‫هذا الصدد‪ .‬بل ﻻبد من تضافر الجهود وتعاونها وتكاملها‪ ،‬فللدولة مسؤولية‪ ،‬وللمشرع‬
‫مسؤولية‪ ،‬وللقاضي اﻹداري مسؤولية‪ ،‬وللجماعات الترابية مسؤولية‪ ،‬وللمواطن والمتضرر‬
‫أيضا كيفما كان قدرا من المسؤولية‪ ،‬التي ينبغي اﻻعتراف بها‪.‬‬

‫ومن هنا ولما كانت المسؤولية مشتركة ومتقاسمة بين اﻷطراف مع تفاوت قدرها بالنسبة‬
‫لكل طرف فإنه يجب أيضا تقاسم مسؤولية العمل على تجاوزها قصد تفعيل وتجويد رقابة‬
‫القضاء اﻹداري على الوحدات المنتخبة‪ .‬وكذا العمل على تكريس ثقافة المقاضاة والمطالبة‬

‫‪ 105‬عماد أبركان‪،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.353-352:‬‬

‫‪67‬‬
‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫بالحقوق قضائيا لدى المواطن والمرتفق العادي‪ ،‬أو المتعامل مع الجماعات الترابية بصفة‬
‫عامة‪.‬‬

‫إن تسهيل وتبسيط مساطر وإجراءات مقاضاة الجماعات الترابية ليست مسألة تقنية‬
‫قانونية كما قد يعتقد ذلك البعض‪ ،‬بل هي منظومة متفاعلة ومتكاملة تستلزم مبادرات‬
‫ومجهودات متناسقة على مستويات عدة‪.‬‬

‫ولعل من اولى هذه المتطلبات واﻹصﻼحات التي ينبغي مباشرتها بداية‪ ،‬هي إعادة النظر‬
‫في المقتضيات القانونية المنظمة والمؤطرة لمساطر وإجراءات مقاضاة الجماعات الترابية‬
‫بالخصوص‪ .‬خاصة ما يتعلق منها بذلك المقتضى الذي تم تكريسه بجميع النصوص القانونية‬
‫المؤطرة لﻼمركزية الترابية بمستوياتها الثﻼث‪ ،‬والذي من خﻼله ﻻ يمكن رفع دعوى‬
‫التعويض أو الشطط في إستعمال السلطة‪-‬غير دعاوى الحيازة أو الدعوى المرفوعة لدى‬
‫القضاء المستعجل ضد جماعة ترابية معينة‪ ،‬إﻻ إذا كان المدعي قد أخبر من قبل الجماعة أو‬
‫المجلس‪ ،‬ووجه مذكرة بذلك تتضمن موضوع وأسباب شكايته إلى سلطة الوصاية‪ ،‬وأن يتسلم‬
‫وصﻼ بذلك‪.‬‬

‫وﻻ ريبة في هذا اﻹطار‪ ،‬أن هذا المقتضى المكرس قانونيا‪ ،‬ليس له أي داع وﻻ هدف‬
‫يرجى من وراءه‪ ،‬سوى أنه يشكل حاجزا أمام المتقاضين‪ ،‬ويزيد من تعقيد مساطر‬
‫واﻹجراءات القضائية إثر البت في المنازعات المتعلقة بالجماعات الترابية‪ .‬ومن هنا فقد كان‬
‫من المنتظر أن ﻻ يتم تضمين ذلك المقتضى في القوانين التنظيمية الجديدة‪ ،‬وﻻ في غيرها من‬
‫النصوص القانونية والتنظيمية اﻷخرى‪ .‬إﻻ أنه ولﻸسف تلك القوانين عوض أن تتجاهل ذلك‬
‫الشرط المسطري المعرقل بالمرة‪ .‬لعدم جدواه ولعرقلة حق التقاضي ثم لتنافيه مع مسألة‬
‫النهوض بالﻼمركزية الترابية بالمغرب‪ ،‬قامت بالتنصيص عليها مرة أخرى‪ .‬بل اﻷكثر من‬
‫ذلك فقد كرس أكثر من خﻼل الصيغ الجديدة والمفصلة التي جاءت بها القوانين التنظيمية‪.106‬‬
‫وهو اﻷمر الذي يتنافى جملة وتفصيﻼ مع التوجه الجديد نحو مزيد من رفع الحضر عن‬

‫‪ 106‬انظر المواد ‪239‬و‪240‬و‪ 241‬من القانون التنظيمي المتعلق بالجهات‪،‬و‪209‬و‪210‬و‪ 211‬من القانون التنظيمي المتعلق‬
‫بالعماﻻت واﻷقاليم‪،‬و‪282‬و‪283‬و‪ 284‬من القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫الجماعات الترابية‪ ،‬بإعتبارها أشخاصا معنوية عامة تتمتع باﻹستقﻼل اﻹداري والمالي وحرية‬
‫المبادرة‪ ،‬وليست من اﻷشخاص"السفيهة والمحجورة عليها قانونيا"‪.107‬‬

‫كما أنه أيضا‪ ،‬تلك المشاريع القانونية بخصوص المساطر واﻹجراءات المتعلقة بمقاضاة‬
‫الجماعات الترابية‪ ،‬هو أنها كرست أكثر حضور المساعد القضائي كجهة إدارية يجب إدخالها‬
‫تحت طائلة عظم القبول كلما أقيمت دعوى قضائية بغرض التصريح باستحقاق ديون على‬
‫جماعة ترابية معينة‪.108‬‬

‫وعلى هذا اﻷساس‪ ،‬يمكن القول ان القوانين التنظيمية تعتبر بمثابة انتكاسة لرقابة القضاء‬
‫اﻹداري على الجماعات الترابية بالمغرب‪ ،‬المبنية على مبدأ المنازعة‪ ،‬وإن كانت قد كرست‬
‫تدخله في إطار مشاركة رقابة الوصاية و هذا اﻷمر الذي يستدعي التدخل العاجل ﻹلغاء هذه‬
‫المقتضيات المسطرية‪ ،‬والتي ﻻ يمكن إعتبارها هنا إﻻ من باب التعقيد وتكريس رقابة سلطات‬
‫الوصاية‪ .‬بل ينبغي على الدولة في هذا اﻹطار‪ ،‬أن تعمل على إحداث وسن مقتضيات وقواعد‬
‫قانونية مرنة أو مكملة يجوز للقاضي اﻹداري التغاضي عنها في بعض القضايا المعينة‪،‬‬
‫خاصة بالنسبة لتلك القضايا التي تستدعي الكثير من اﻻستعجال‪ ،‬كي ﻻ تضيع الحقوق و تنتهك‬
‫الحريات‪.‬‬

‫إن معالجة إشكالية تعقد مساطر وإجراءات مقاضاة الجماعات الترابية بالمغرب إلى‬
‫جانب ما سبق‪ ،‬وفي حقيقة أمرها‪ ،‬تعتبر مسؤولية الجميع وﻻ تقع على عاتق المشرع‬
‫والقاضي اﻹداري فقط‪ .‬بل على الدولة وعلى المحامي وعلى المواطن أيضا مسؤولية‪ ،‬فالدولة‬
‫ينبغي أن تعمل مثﻼ على إحداث المزيد من المحاكم اﻹدارية تخفيفا للضغط الموجود وتقريبها‬
‫الى المتعاقد والمواطن مثل‪ ،‬تقع عليه مسؤولية الوعي بحقوقه وواجباته‪ ،‬والذود عنها بكل‬
‫وعي وجه د ومسؤولية أمام القضاء اﻹداري أو غيرها‪ .‬أما المحامي‪ ،‬فإنه يجب أن يكون ملما‬
‫بجميع المساطر واﻹجراءات وأن يكون حريصا على استكمالها واحترام جميع متطلباتها‪ .‬وإﻻ‬
‫ما الفائدة من تنصيب المحامي أصﻼ‪.‬‬

‫‪ 107‬عماد أبركان‪،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.354:‬‬


‫‪ 108‬انظر المواد ‪ 242‬من القانون التنظيمي المتعلق بالجهات‪،‬و ‪ 212‬من القانون التنظيمي المتعلق بالعماﻻت واﻷقاليم‪،‬و‪ 285‬من‬
‫القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫الفرع الثاني ‪ :‬تنفيذ اﻷحكام القضائية الصادرة في مواجهة الجماعات‬


‫الﺘرابية‪.‬‬
‫ﻻ يخفى على أحد أن تنفيذ اﻷحكام القضائية هو الهدف المتوخى من اللجوء الى القضاء‪،‬‬
‫إذ ﻻ ينفع الحكم بحق ﻻ نفاذ له‪ ،‬كما أن عدم التنفيذ أو التأخير فيه يلحق ضررا جسيما‬
‫بالمحكوم له‪ ،‬ويؤثر بالتالي على مصداقية اﻷحكام اﻹدارية‪ ،‬وعلى ثقة المواطنين في الجهاز‬
‫القضائي عموما‪ .‬ونظرا ﻷهمية موضوع تنفيذ اﻷحكام والقرارات القضائية باعتبارها أسمى‬
‫تعبير من كل اﻷطراف المعنية وعن تمجيد القضاء وتكريم السلطة القضائية‪ ،‬وفي الوقت ذاته‬
‫اعترافا بحقوق المواطنين واحتراما وتكريسا لحقوق اﻹنسان‪ ،‬ما فتئ الخطاب الرسمي يدعو‬
‫إلى ضرورة اﻻلتزام بقرارات القضاء اﻹداري ومراعاة اﻷحكام القضائية النهائية التي‬
‫اكتسبت قوة الشيء المقضي به‪ ،‬وذلك بالعمل على تنفيذها‪ ،‬سواء صدرت ضد الدولة أو ضد‬
‫أحد اﻷجهزة أو المؤسسات التي تتولى الوصاية عليها كالجماعات الترابية على سبيل‬
‫الخصوص‪.109‬‬
‫إن تنفيذ اﻷحكام القضائية الصادرة في مواجهة الجماعات الترابية هو سيف العدالة الذي‬
‫يقص به الحق‪ .‬فلوﻻ التنفيذ فﻼ داعي لوجود القضاء‪ ،‬فمنذ إحداث المحاكم اﻹدارية بالمغرب‪،‬‬
‫وهي تجتهد في إيجاد الوسائل والحلول الناجعة ﻹجبار اﻹدارة على تنفيذ اﻷحكام القضائية‬
‫الصادرة ضدها‪ ،‬وذلك في انتظار سن قواعد قانونية تنظم الموضوع‪ .‬ذلك أن قانون المسطرة‬
‫المدنية المغربي المطبق أمام القضاء اﻹداري‪ ،‬لم ينظم الصيغة التنفيذية لﻸحكام الصادرة في‬
‫مواجهة الجماعات الترابية‪ .‬ونفس الشيء بالنسبة للقانون المحدث بموجﺒه محاكم إدارية‪،‬‬
‫حيث لم يتعرض بدوره لهذا المجال‪ ،‬كما لم يسن في هذا الصدد أي قانون آخر خاص بتنفيذ‬
‫اﻷحكام اﻹدارية‪ .‬ومن هنا استمرت إشكالية عدم تنفيذ اﻷحكام الصادرة في مواجهة الجماعات‬
‫الترابية‪ ،‬نظرا لكثرتها وتراكمها‪ ،‬مما وضع اﻷمر في الميزان وجعله في صلب اﻹهتمام لدى‬
‫الفقه والقضاء اﻹداري بالخصوص‪ .‬وإذا كان هذا اﻷخير‪ ،‬قد حاول أن يؤسس بعض الحلول‬

‫‪ 109‬عماد أبركان‪،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.358-357:‬‬

‫‪70‬‬
‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫لهذه المعضلة من منطلق واجبه ومسؤوليته‪ ،‬فإن الفقه بدوره حاول إيجاد وابتكار بعض‬
‫الحلول اﻷخرى لنفس اﻹشكال والغرض‪.‬‬

‫إن حل إشكالية تنفيذ اﻷحكام القضائية الصادرة ضد الجماعات الترابية‪ ،‬يعتبر إصﻼحا‬
‫بنيويا عميقا‪ ،‬يطرح مشاكل جمة وهي من الصعوبة بمكان‪ .110‬فﻼ يمكن بتلك المقاربات‬
‫اﻹصﻼحية القاصرة والترميمات المألوفة لدينا‪ ،‬والتي كانت تقتضي دائما‪ ،‬بأنه كلما اختل‬
‫جانب من جوانب الحياة العمومية يتم اللجوء الى ترقيعات بسيطة ﻹكمال المسيرة ولو إلى حين‬
‫أن يتم معالجة إشكالية تنفيذ اﻷحكام القضائية‪ .‬بل ﻻ بد من إستراتيجية إصﻼحية شاملة‬
‫ومتكاملة أو ما يمكن أن نسميه ثورة إصﻼحية حقيقية‪ .‬بحيث ينبغي مراجعة وإعادة النظر في‬
‫كل ما من شأنه أن يحول دون تنفيذ اﻷحكام القضائية الصادرة في مواجهة الجماعات الترابية‪.‬‬
‫كما يجب العمل وفي نفس اﻹطار على تجاوز جميع اﻹكراهات والصعوبات التي تم تسجيلها‬
‫في السابق‪ ،‬ﻻسيما وأنها في معظمها ترتبط باﻹدارة السياسية وبالممارسة الفعلية‪ ،‬وبالعنصر‬
‫البشري أساسا‪ ،‬والذي ينبغي أن يتحمل مسؤوليته الكاملة في هذا اﻹطار‪.111‬‬

‫لقد تمكنت بعض التجارب المقارنة من سن قواعد قانونية ومساطر إجرائية مبسطة‪،‬‬
‫وإعمال لفرض احترام اﻹدارة لﻸحكام القضائية الصادرة في مواجهتها‪ ،‬وما على المغرب في‬
‫هذا الصدد إﻻ أن يستفيد منها ويحذو حذوها‪ .‬إلى جانب ابتكار حلول واستراتيجيات إصﻼحية‬
‫تتناسب والبيئة المغربية المعق دة والمستعصية دائما عن اﻹصﻼح والتحديث وتكريس الحكامة‪،‬‬
‫حيث النفاق السياسي ولغة الخشب واﻷنانية واﻹستغﻼل والوصولية السائدة لدى معظم‬
‫المسؤولين‪ ،‬سائدة ومنتشرة بكثرة‪.‬‬

‫إن الخﻼصة التي يمكن الخروج بها مما سبق هي أن ظاهرة امتناع الجماعات الترابية‬
‫عن التنفيذ‪ ،‬ﻻ ينبغي معالجتها من الزاوية الفقهية والقضائية‪ ،‬وضرورة حماية حقوق اﻷفراد‬
‫المحكوم لهم فحسب‪ ،‬بل ﻻ بد من دراسة معمقة لجذور المشكلة وأسبابها‪.‬‬

‫‪ 110‬انظر ما طرح من إشكال على المحكمة اﻹدارية بفاس‪،‬أمر إستعجالي عدد ‪،2002/210‬صادر بتاريخ ‪،2002-07-05‬قضية‬
‫جماعة سيدي حرازم ضد المجلس بلقاضي‪ ،‬منشورات م م إ ت‪،‬عدد مزدوج ‪ 52-51‬يوليوز‪-‬اكتوبر‪،2003،‬ص‪.206:‬‬
‫‪111‬‬
‫‪Michel Rousset ”Le Prononcé De L’astreinte à Titre Personnel”, Un Moyen Dissuasif‬‬
‫‪Propre à Obtenir Le Respect Des Décisions De Justice Rendues Contre‬‬
‫‪L’administration ,Publications Remald,N27,Avril-Juin,1999,P105.‬‬

‫‪71‬‬
‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫وعلى هذا اﻷساس‪ ،‬فإنه ﻻ يجب على القضاء المبالغة في اﻹندفاع وراء حماس الفقه‬
‫والمبالغة في إبتكار وسائل غير منصوص عليها قانونيا‪ ،‬ﻹجبار الجماعات الترابية على التنفيذ‬
‫دون مراعاة إمكاناتها‪ ،112‬كما يجب من جهة أخرى‪ ،‬التحري والتروي والتأني الدقيق من‬
‫طرف القاضي اﻹداري في مسألة إلزام الجماعات الترابية بتنفيذ اﻷحكام القضائية الصادرة‬
‫ضدها‪ ،‬من دراسة كل حالة على حدة بعيدا عن التعميم والنمطية وأحكام القيمية‪.‬‬

‫كما انه وبدون محاولة تبرير امتناع الجماعات الترابية عن التنفيذ‪ ،‬الذي يبقى تصرفا‬
‫غير مقبول‪ ،‬فإن اعتماد مقاربة جافة تعتمد على عنصر اﻹكراه‪ ،‬يمكن أن يؤدي إلى آثار‬
‫جانبية سلبية قد ﻻ تقل خطورتها عن سلبيات عدم التنفيذ نفسه‪ .‬ومن هنا ﻻ بد من مقاربة‬
‫شمولية بمساهمة مختلف الجهات المعنية‪ ،‬قصد معالجة اﻹشكال بنوع من الدقة والشمولية‬
‫والجودة والنجاعة المفترضة‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫عصام بنجلون "التنفيذ الجبري ضد اﻹدارة"‪،‬منشورات م م إ ت‪،‬العدد‪،59‬نونبر‪-‬دجنبر‪ 2004،‬ص‪،.80-79:‬‬

‫‪72‬‬
‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫خاتمة الفصل الثاني‪.‬‬


‫رغم كون أن الرقابة القضائية بما لها من مميزات وإنها تعتبر من أفضل أنواع الرقابة‬
‫إﻻ انها قد سجلت شأنها شأن الرقابة النظامية بعض النواقص و المعضﻼت وذلك راجع الى‬
‫عدة عوامل وأسباب ﻻ يمكن حصرها في عامل واحد‪.‬‬

‫فبخصوص رقابة المحاكم المالية على الجماعات الترابية ﻻ زالت جد ضعيفة من حيث‬
‫اﻵثار والنتائج المترتبة عنها إذ وبتتبع واقع عملها وما يصدر عنها من تقارير ﻻ زالت ﻻ‬
‫تتمتع فيه هذه اﻷخيرة باستقﻼلية تامة وإنما نسبية فقط عن باقي السلطات ‪،‬وتخضع‬
‫لﻼعتبارات سياسية تكبح عملها‪.‬‬

‫أما رقابة القضاء اﻹداري على الجماعات الترابية هي بذاتها تعاني من نواقص نجزم‬
‫منها غياب الجرأة المسجلة في اﻻجتهاد القضائي في المنازعات المتعلقة باﻹدارات الجماعاتية‬
‫وكذا التقاعس عن تطبيق اﻷحكام الصادرة في حق الجماعات الترابية ﻻسيما الصادرة من‬
‫محاكم اﻻستئناف و النقض‬

‫وباعتبار أن الرقابة القضائية تعتبر ضمانة من الضمانات اﻷساسية لحماية حقوق‬


‫وحريات اﻷفراد على المستوى المحلي ولتدعيم الﻼمركزية اﻹدارية وتحقيق الحكامة الترابية‬
‫تقضي بضرورة تجويدها من خﻼل تمتيعها بموارد بشرية كافية ذات كفاءة و مؤهﻼت‬
‫المفترضة وتمتيعهما بالوسائل الفعالة و اﻹمكانات المادية وتبسيط وتسهيل إجراءات مقاضاة‬
‫الجماعات الترابية ﻻسيما أمام القضاء اﻹداري على أن تتعامل المحاكم المالية تعامﻼ جدي‬
‫لتوصيات و لتقارير مجلس اﻷعلى للحسابات وتطبيق اﻷحكام القضائية ضد الجماعات‬
‫الترابية ‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫ﺧاتمة‪:‬‬
‫وفي النهاية‪ ،‬يمكن القول على أن الرقابة القضائية الممارسة على الجماعات الترابية‬
‫بتجليتها اﻹدارية والمالية أي التي يمارسها القضاء اﻹداري والمجالس الجهوية للحسابات‪،‬‬
‫تجسيدا لدولة الحق والقانون وركيزة أساسية تقوم عليها الدول الديمقراطية‪ ،...‬إذ من خﻼلها‬
‫تضمن سﻼمة ومصداقية تصرفات الجماعات الترابية في معاملتها‪ ،‬علما وأنه بفعل التطورات‬
‫التي لحقت على النظام الﻼمركزية والتحوﻻت العميقة التي طرأت عليها ﻻ سيما من الجانب‬
‫البنيوي منذ سنة ‪ 1960‬الى غاية دسﺘور ‪ ،2011‬أصبحت فيه الجماعات الترابية عامﻼ‬
‫رئيسيا وشريكا أساسيا في العمليات التنموية الجهوية و المحلية‪ .‬مما حذا بالمشرع الى التوسع‬
‫من اختصاصاتها لتمكين هذه اﻻخيرة بالمهام المنوطة بها‪ .‬لذا كان ﻻبد على المشرع ان يقر‬
‫بالضمانات الكافية لحماية حقوق وحريات اﻻفراد من النشاط و العمل اﻻداري المحلي‪.‬‬

‫من هنا تعتبر الرقابة القضائية احدى الضمانات اﻻساسية لحماية الحقوق و الحريات‬
‫ومبدأ المشروعية بشكلها المتمثل في رقابة القضاء اﻻداري على اﻻعمال القانونية و المادية‬
‫للجماعات الترابية‪ ،‬كما ان الرقابة التي تمارسها المجالس الجهوية للحسابات بوصفها الرقابة‬
‫قضائية اﻷكثر قبوﻻ على اﻻطﻼق‪ ،‬ذلك من خﻼل رقابتها تضمن وتحرص على تطبيق‬
‫القانون وعلى احترام القواعد والمبادئ المنظمة لنشاط المالي المحلي‪ ،‬وبالتالي يعد من أهم‬
‫الضمانات المعززة لﻼستقﻼل المالي واﻹداري للجماعات الترابية‪.‬‬

‫غير ان الرقابة الفضائية بشكل عام ﻻ تخلو من إشكاﻻت شأنها شأن الرقابة النظامية‬
‫تناط بها مجموعة من النواقص التي تحد من فعاليتها وتحول بها دون القيام بوظيفتها الرئيسية‬
‫كدعامة أساسية لتعزيز الحكامة وتحقيق التنمية المحلية‪.‬‬

‫فرقابة القضاء اﻹداري على الجماعات الترابية تعاني من اختﻼﻻت من حيث الجانب‬
‫القانوني والمتمثلة في تعقد مساطر وإجراءات التقاضي أمام المحاكم اﻹدارية‪ ،‬وكذا المعيقات‬
‫المنطوية على تنفيذ اﻷحكام القضائية الصادرة في مواجهة الجماعات الترابية وهو ما يمس‬

‫‪74‬‬
‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫بكيان دولة الحق والقانون الساهرة على اعطاء كل ذي حق حقه‪ .‬إضافة الى اﻹشكال المرتبط‬
‫باﻻجتهاد القضائي إذ يطرح إشكال للقضايا المطروحة من حيث حيثياتها وطلب الطعن في‬
‫قرارات الصادرة من الجماعات الترابية‪ ،‬وكذا اختﻼف الرؤى والتعليﻼت القاضي اﻻداري‪.‬‬

‫والمحاكم المالي ﻻ تخلو عن نظيرتها اﻹدارية‪ ،‬إذ تنطوي عليها نواقص واختﻼﻻت‪،‬‬
‫تجعل من مهامها الرقابية تفتقد للحكامة وتجعل متسمة بالمحدودية في آلياتها‪ ،‬وأمام تعدد‬
‫وتنوع اﻻكراهات المنطوية عليها كما سبق التطرق إليها‪ ،‬خصوصا ما يتعلق بالجانب البشري‬
‫وبالجانب القانوني ‪.‬‬

‫اﻷمر الذي يقتضي بتجويد الرقابة القضائية‪ ،‬ﻷنها تعتبر مسآلة جد ضرورية تقتضيها‬
‫الجهوية المتقدمة والﻼمركزية المتطورة باعتبارها مقاربة جديدة وجدية لتدبير الشأن العام‬
‫المحلي المغربي ولتحقق كل هذا ﻻبد من تجاوز هذه اﻻكراهات المعترضة للرقابة القضائية‪.‬‬

‫وهو ما يدفعنا الى اقتراح بعض التوصيات التي ينبغي اتخذها بعين اﻻعتبار من اجل‬
‫ضمان رقابة قضائية مﻼئمة‪ ،‬وتعزيز وتكريس دولة الحق والقانون وللحكامة المحلية اهمها ;‬

‫‪ (1‬رقابة القضاء اﻹداري على الجماعات الترابية ‪.‬‬

‫‪ -‬تعزيز استقﻼلية سلطة القضاء اﻹداري قانونا في ممارسة وظائفها الرقابية ‪ ،‬وذلك‬
‫بتدعيم مبدأ فصل السلط دون اﻹغفال عن الفصل العضوي بينها وبين السلطة التنفيذية و‬
‫التشريعية‪.‬‬

‫‪ -‬تعزيز المبدأ الدستوري المتمثل في حق الحصول على المعلومات‪ ،‬وذلك بتمكين‬


‫المواطنين من الحصول على المعلومات الكافية وجعلها في متناول المواطنين‪.‬‬

‫‪ -‬ضرورة تحيين قانون المسطرة اﻹدارية وذلك لتسهيل مهمة التقاضي أمام القضاء‬
‫اﻻداري‬

‫‪ -‬تقريب القضاء اﻹداري من المتقاضين‪ ،‬من خﻼل أعادة النظر في الخريطة القضائية‬
‫وإنشاء المحاكم اﻹدارية في جميع بقع المملكة ‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫‪ -‬تعزيز مبدأ المحاسبة من خﻼل إصدار قوانين تحدد غرامات يومية عن كل تأخير في‬
‫التنفيذ‪.‬‬

‫‪ (2‬أما فيما يتعلق برقابة المحاكم المالية على الجماعات الترابية‬

‫‪ -‬اعطاء للعنصر البشري ما يستحقه من أهمية وذلك من خﻼل تزويد المجالس الجهوية‬
‫بأطر ذات كفاءات علمية متمرسة للحقل العلمي ومنع اي تسرب للعناصر المشبوهة والمنحلة‬
‫الى هذه الوظيفة‪.‬‬

‫‪ -‬تزويد المجالس الجهوية بالوسائل واﻹمكانات المادية الﻼزمة من استعمال تقنيات‬


‫المعلوميات كأسلوب حديث لﻼفتحاص والرقابة‪ ،‬وإقامة الهياكل العلمية داخلها‪ ،‬تتولى تقديم‬
‫الدراسات و التحاليل بشأن القضايا والمسائل التي تعود ضمن اختصاصها‪.‬‬

‫‪ -‬التعامل الجدي بتقارير المجلس اﻷعلى للحسابات بتنزيل المبدأ الدستوري قاضي على‬
‫ربط المسؤولية وتفعيل المحاسبة عن أي فساد واختﻼل مالي او اداري ثبت في حق الجهة‬
‫المعنية‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫ﻻئــــــــــــــــحة المراجع باللغة العربية‬

‫الكتــب و المؤلفات ‪:‬‬

‫عماد أبركان " نظام الرقابة على الجماعات الترابية بالمغرب ومتطلبات‬ ‫‪‬‬
‫المﻼئمة " منشرورات مجلة العلوم القانونية ‪ ,‬الطابعة اﻷولى ‪2016‬‬
‫ﷴ اﻷعرج ‪ " :‬مسؤولية الدولة و الجماعات الترابية في تطبيقات القضاء‬ ‫‪‬‬
‫اﻹداري المغربي " ‪ ،‬الطبعة الثانية ‪.2015‬‬
‫براو ﷴ ‪ :‬الوسيط ﻓﻲ شرح مدونة المحاكم المالية‪ ،‬الكتب الثﻼثة‪ ،‬منسورات‬ ‫‪‬‬
‫مراكز الدراسات و اﻷبحاث حول الرقابة و المحاسبة و مكاﻓحة الفساد‪ ،‬مطبعة دار السﻼم‬
‫للطباعة و النشر و التوزيع‪ ،‬الرباط‪ ،‬الطبعة اﻷولى ‪.2012‬‬

‫حميد ابوﻻس‪ "،‬محاضرات ﻓﻲ مادة المنازعات اﻹدارية"‪ ،‬جامعة عبد المالك‬ ‫‪‬‬
‫السعدي‪ ،‬الكلية المتعددة التخصصات بتطوان‪ ،‬الموسم الجامعﻲ ‪2014‬ـ‪.2015‬‬

‫أحميدوش مدني ‪ " :‬المحاكم المالية في المغرب دراسة نظرية و تطبيقية مقارنة‬ ‫‪‬‬
‫" ‪ ،‬مطبعة فضالة المحمدية ‪ ،‬الطبعة اﻷولى ‪ ،‬سنة ‪.2003‬‬
‫مشيل روسي ‪ " :‬المنازعات اﻹدارية بالمغرب " ترجمة ﷴ هيري الجيﻼلي‬ ‫‪‬‬
‫أمزيد ‪ ،‬مطبعة المعاريف الجديدة بالرباط ‪ ،‬طبعة ‪.1995‬‬

‫‪77‬‬
‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫اﻷطاريح و الرسائل ‪:‬‬


‫اﻷطاريح‬

‫أحميدوش مدني ‪ " :‬المجلس اﻷعلى للحسابات و المجالس الجهوية للحسابات‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫التشكيل‪ ،‬و اﻻختصاصات " ‪ ،‬أطروحة لنيل الدكتوراه ‪ ،‬جامعة ﷴ الخامس كلية العلوم‬
‫القانونية و اﻻقتصادية و اﻻجتماعية الرباط‪ ،‬أكدال‪ ،‬السنة الجامعية ‪.2002/2001‬‬
‫عماد أبركان ‪ " :‬نظام الرقابة على الجماعات الترابية بالمغرب و متطلبات‬ ‫‪‬‬
‫المﻼئمة " ‪ ،‬أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام ‪ ،‬جامعة ﷴ اﻷول‪ ،‬كلية العلوم القانونية‬
‫و اﻻقتصادية و اﻻجتماعية‪ ،‬وجدة‪ ،‬السنة الجامعية ‪.2015/2014‬‬
‫سيدي الشريف ‪" :‬رقابة المجالس الجهوية للحسابات على مالية الجماعات‬ ‫‪‬‬
‫الترابية " ‪ ،‬بحث لنيل دبلوم الماستر في القانون العام‪ ،‬جامعة عبد المالك السعدي‪ ،‬الكلية‬
‫متعددة التخصصات تطوان‪ ،‬السنة الجامعية ‪.2016/2015‬‬

‫الرسائل‬
‫ناصر الدين القبلي ‪ " :‬الرقابة البعدية على مالية الجماعات الترابية بين‬ ‫‪‬‬
‫المحدودية ومتطلبات المﻼئمة " بحث لنيل دبلوم الماستر في القانون العام‪ ،‬تطوان‪ ،‬جامعة عبد‬
‫المالك السعدي‪ ،‬السنة الجامعية ‪.2017/2016‬‬
‫سيدي الشريف ‪" :‬رقابة المجالس الجهوية للحسابات على مالية الجماعات‬ ‫‪‬‬
‫الترابية " ‪ ،‬بحث لنيل دبلوم الماستر في القانون العام‪ ،‬جامعة عبد المالك السعدي‪ ،‬الكلية‬
‫متعددة التخصصات تطوان‪ ،‬السنة الجامعية ‪.2016/2015‬‬
‫لطيفة اﻷندلوسي ‪ " :‬الرقابة القضائية على القررات اﻻدارية للجماعات الترابية‬ ‫‪‬‬
‫بالمغرب" ‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الماستر قانون العام تطوان‪ ،‬جامعة عبد المالك السعدي‪ ،‬السنة‬
‫الجامعية ‪.2016/2015‬‬

‫‪78‬‬
‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫ﷴ زكياء البريكي ‪ " :‬مؤسسة العاهل بين المركزية و الوظيفة التنموية "‬ ‫‪‬‬
‫رسالة نيل دبلوم الدراست العليا المعمقة في القانون العام‪ ،‬كلية العلوم القانونية و اﻻقتصادية‬
‫واﻻجتماعية‪ ،‬جامعة عبد المالك السعدي‪ ،‬طنجة ‪.2008/2007‬‬

‫‪79‬‬
‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫المنشورات؛ مقاﻻت و مﺠـــﻼت ‪:‬‬


‫مالية الجماعات الترابية بين واقع الرقابة و متطلبات التنمية‪ ،‬منشورات المجلة‬ ‫‪‬‬
‫المغربية لﻺدارة المغربية و التنمية "سلسلة و مواضيع الساعة" ‪ ،‬العدد ‪.2016 ،97‬‬
‫الحنودي علﻲ ‪ :‬اﻷمن القومﻲ؛ مفهومه و أبعاده‪ ،‬منشورات المجلة المغربية‬ ‫‪‬‬
‫لﻺدارة المغربية و التنمية العدد ‪ 96‬طبعة ‪.2011‬‬
‫جيري نجيب ‪ " :‬إصﻼح التدبير المالي بالمغرب بين الحكامة المالية و متطلبات‬ ‫‪‬‬
‫التنمية "‪ ،‬منشورات المجلة المغربية لﻺدارة المغربية و التنمية العدد ‪ ، 104‬ماي ـ يونيو‬
‫‪.2012‬‬
‫ﷴ اﻷعرج ‪ :‬قراءة في القانون رقم ‪ 80.03‬أحدث بموجبه محاكم إستئناف‬ ‫‪‬‬
‫إدارية‪ ،‬منشورات المجلة المغربية لﻺدارة المغربية و التنمية‪ ،‬عدد مزدوج ‪ ، 63/62‬ماي ـ‬
‫غشت‪ ،‬طبعة ‪.2005‬‬
‫ابراهيم زعيم ‪ :‬القضاء و سيادة القانون؛ منشورات المجلة المغربية لﻺدارة‬ ‫‪‬‬
‫المغربية و التنمية ‪ ،‬العدد ‪ ،50‬ماي ـ يونيو ‪.2003 ،‬‬
‫الخشبي عبد العزيز ‪ " :‬بعض مطاهر تقنية التحقيق و الرقابة الممارسة على‬ ‫‪‬‬
‫مالية الجماعات الترابية " ‪ ،‬المجلة المغربية لﻺدارة المغربية و التنمية ‪ ،‬العدد ‪ ، 50‬طبعة‬
‫‪.2003‬‬
‫مدني أحميدوش ‪ " :‬نحو إرساء ﻻمركزية الرقابة العليا على اﻷموال العمومية‬ ‫‪‬‬
‫من خﻼل المحاكم الجهوية " ‪ ،‬منشورات المجلة المغربية لﻺدارة المغربية و التنمية‪ ،‬عدد‬
‫مزدوج ‪ ،51/52‬يوليوز ـ أكتوبر ‪.2003‬‬
‫معمر المصطفى ‪ :‬قراءة في مضمون مدونة المحاكم المالية ‪ ،‬منسورات المجلة‬ ‫‪‬‬
‫المغربية لﻺدارة المغربية و التنمية عدد مزدوج ‪ 52/51‬يوليو ـ أكتوبر ‪.2003‬‬

‫‪80‬‬
‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫النصوص القانونية ‪:‬‬

‫الظهير الشريف رقم ‪ 1.15.83‬صادر في ‪ 20‬رمضان ‪1436‬ه الموافق ل ‪7‬‬ ‫‪‬‬


‫يونيو ‪ 2015‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 111.14‬المتعلق بالجهات‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪80‬ـ‪63‬‬
‫بتاريخ ‪ 23‬يوليو ‪.2015‬‬
‫الظهير الشريف رقم ‪ 1.15.84‬صادر في ‪ 20‬رمضان ‪1436‬ه الموافق ل ‪7‬‬ ‫‪‬‬
‫يونيو ‪ 2015‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 112.14‬المتعلق بالعماﻻت و اﻷقاليم‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد‬
‫‪80‬ـ‪ 63‬بتاريخ ‪ 23‬يوليو ‪.2015‬‬
‫الظهير الشريف رقم ‪ 1.15.85‬صادر في ‪ 20‬رمضان ‪1436‬ه الموافق ل ‪7‬‬ ‫‪‬‬
‫يونيو ‪ 2015‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 113.14‬المتعلق بالجماعات‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪80‬ـ‪63‬‬
‫بتاريخ ‪ 23‬يوليو ‪.2015‬‬
‫دستور ‪ 2011‬الصادر بتنفيذ الظهير الشريف رقم ‪ 1.11.91‬الصادر في ‪27‬‬ ‫‪‬‬
‫من شعبان ‪1432‬ه‪ ،‬الموافق ل ‪ 29‬يوليو ‪ 2011‬الصادر بالجريدة الرسمية عدد ‪ 5964‬مكرر‪،‬‬
‫بتاريخ ‪ 28‬شعبان ‪1432‬ه الموافق ل ‪ 30‬يوليو ‪.2011‬‬
‫المرسوم ‪ 2.76.576‬بتاريخ ‪ 30‬شتنبر ‪ 1976‬المتعلق بسن نظام محاسبة‬ ‫‪‬‬
‫الجماعات المحلية و هيئاتها‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 3335‬مكرر‪ ،‬المعدل بموجب الظهير‬
‫الشريف رقم ‪ 1.09.02‬المتعلق بالتنظيم المالي للجماعات المحلية و مجموعاتها‪ ،‬الصادر في‬
‫‪ 8‬فبراير ‪ ،2009‬الجريدة الرسمية عدد ‪. 5711‬‬
‫القانون رقم ‪ 62.99‬المتعلق بمدونة المحاكم المالية للمملكة المغربية‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫الظهير الشريف رقم ‪ 1.02.124‬بتاريخ ‪ 1‬ربيع ‪1423‬ه الموافق ل ‪ 13‬يونيو‬ ‫‪‬‬
‫‪ 2002‬الصادر بتنفيذ القانون رقم ‪ 62.99‬المتعلق بمدونة المحاكم المالية‪ ،‬الجريدة الرسمية‬
‫عدد ‪ 5030‬بتاريخ ‪ 15‬غشت ‪.2002‬‬
‫الظهير الشريف رقم ‪ 1.09.02‬المتعلق بالتنظيم المالي للجماعات المحلية و‬ ‫‪‬‬
‫مجموعاتها الصادر في ‪ 18‬فبراير ‪ 2009‬الجريدة الرسمية عدد ‪. 57.11‬‬

‫‪81‬‬
‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫‪ 41.90‬المحدث للمحاكم اﻹدارية الصادر بتنفيذ الظهير الشريف رقم‬ ‫القانون‬


‫‪ 51.91.225‬الصادر في ‪ 22‬من ربيع اﻷول ‪ 1414‬الموافق ل ‪ 10‬سبتمبر ‪ 1993‬الصادر‬
‫بالجريدة الرسمية العدد ‪ 4227‬الصادر في ‪ 18‬جمادى اﻷول ‪ 1414‬الموافق ل ‪ 3‬نوفمبر‬
‫‪.1993‬‬

‫‪82‬‬
‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫تقارير‪:‬‬

‫تقرير لجنة العدل و التشريع و حقوق اﻹنسان بمجلس المستشارين حول‬ ‫‪‬‬
‫مشروع قانون رقم ‪.62.99‬‬
‫التقرير السنوي للمجلس اﻷعلى للحسابات سنة ‪.2011‬‬ ‫‪‬‬

‫‪83‬‬
.‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‬

: ‫مراجع باللغة الفرنسية‬

 Sénat de France ‘‘ le contrôle de la légalité des actes


des collectivités territoriales en droit comparé ’’ étude de
légrlation comparée n 221 – janvier , 2012 , publications
REMALD , n 104 , mai – juin , 2012 , pp 247-267 .
 NAJIBA MOHAMED : ‘‘ régionalisation et avenir de la
région au maroc publication ’’ REMALD n72,73 , janvier-avril ,
2007 .
 MOHAMMED ELYACOUBI : ’’ les tribunaux
administratifs et le développement local au maroc ’’ publication
REMALD n33, juillet-aout , 2000.
 Andre de laubaderé jean clud venezia Yves
gaudement :
‘‘ traité dédout administratif ’’ 15éme édition 1999 .
 Arrêté du ministre des finances du 19-05-1993 portaut

‘‘ nomenclature des piéces justificatives des recettes et


dépeuses des collectivités locales et de leurs groupements ’’
In : Note n 1459/ DCGAC du 19-05-1996.
 MOHAMED HARAKAT : ‘‘ laucit dans le secteur public
au maroc cas de la cour des compter ’’ tome 2, édition bohel,
rabat 1994.

84
.‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‬

 BRAHIM (M) : ‘‘ La cour des comptes ’’ les juridictions


financiéres , op.cit .

85
‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫الفهرس ‪:‬‬

‫تقديــــــــم عام ‪4 ............................................................................... :‬‬


‫الفصل اﻷول ‪ :‬مظاهر وتجليات الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪14 ............ .‬‬
‫المبحث اﻷول ‪ :‬تجليات رقابة المحاكم المالية‪16 ....................................‬‬
‫المطلب اﻷول ‪ :‬رقابة المحاكم المالية ذات الصبغة القضائية‪17 ................ .‬‬
‫المطلب الثانﻲ‪ :‬رقابة المحاكم المالية ذات الصبغة اﻹدارية‪24 ................ .‬‬
‫المبحث الثانﻲ ‪ :‬تجليات رقابة القضاء اﻹداري‪28 ................................. .‬‬
‫المطلب اﻷول ‪ :‬رقابة القضاء اﻹداري على اﻷعمال وقرارات الجماعات‬
‫الترابية‪29 ........................................................................... .‬‬
‫المطلب الثانﻲ ‪ :‬رقابة القضاء اﻹداري على اﻷعمال المادية للجماعات‬
‫الترابية‪36 ........................................................................... .‬‬
‫الفرع الثانﻲ ‪ :‬الرقابة القضاء اﻻداري على المسؤولية اﻹدارية للجماعات الترابية‪39 ....‬‬
‫خاتمة الفصل اﻷول‪45 ........................................................................ .‬‬
‫الفصل الثانﻲ ‪ :‬رهانات وآﻓاق الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪46 ............... .‬‬
‫المبحث اﻻول ‪ :‬اكرهات الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪47 ........... .‬‬
‫المطلب اﻷول ‪ :‬معوقات نظام رقابة المحاكم المالية على الجماعات الترابية‪.‬‬
‫‪48 ....................................................................................‬‬
‫الفرع اﻻول ‪ :‬اﻻكراهات الذاتية المعترضة لعمل المحاكم المالية ‪48 .......................‬‬
‫الفرع الثانﻲ ‪ :‬العوائق الموضوعية التﻲ تعترض رقابة المحاكم المالية‪50 ............... .‬‬
‫المطلب الثانﻲ ‪ :‬نواقص رقابة القضاء اﻻداري على الجماعات الترابية‪52 ... .‬‬
‫الفرع اﻻول ‪:‬اشكالية تعقد مساطر واجراءات مقاضاة الجماعات الترابية‪53 ............. .‬‬
‫الفرع الثانﻲ ‪ :‬معيقات على مستوى تنفيذ اﻻحكام القضائية‪55 ............................. .‬‬

‫‪86‬‬
‫الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬

‫المبحث الثانﻲ ‪ :‬السبل الكفيلة بتجويد الرقابة القضائية على الجماعات الترابية‪.‬‬
‫‪59 ......................................................................................‬‬
‫المطلب اﻻول ‪ :‬تقوية قدرات المحاكم المالية ﻓﻲ الرقابة على الترابية‪59 ................. .‬‬
‫الفرع اﻷول ‪ :‬تدعيم اﻹمكانات والوسائل والضمانات الممنوحة للمحاكم المالية‪60 ...... .‬‬
‫الفرع الثانﻲ ‪ :‬التعامل الجدي مع تقارير وتوصيات المجلس اﻷعلى للحسابات‪62 ....... .‬‬
‫المطلب الثانﻲ ‪ :‬تقوية اختﻼﻻت رقابة القضاء اﻹداري على الجماعات الترابية‪66 ...... .‬‬
‫الفرع اﻷول ‪ :‬تسهيل وتبسيط مساطر وإجراءات مقاضاة الجماعات الترابية‪67 ......... .‬‬
‫الفرع الثانﻲ ‪ :‬تنفيذ اﻷحكام القضائية الصادرة ﻓﻲ مواجهة الجماعات الترابية‪70 ........ .‬‬
‫خاتمة الفصل الثانﻲ‪73 ........................................................................ .‬‬
‫خاتمة‪74 ........................................................................................ :‬‬
‫ﻻئــــــــــــــــحة المراجع ‪77 ................................................................. :‬‬
‫الفهرس‪86 ...................................................................................... :‬‬

‫‪87‬‬

You might also like