Professional Documents
Culture Documents
عرض حول:
عادل كتيب
تحت إشراف الدكتور:
سكينة حيون
محمد اليوبي
انيسة قبوع
إنصاف البزونة
حسناء أفنتاوس
نور الدين متوكل
سمية املليلي السنة اجلامعية2022/ 2023 :
حمزة املرابط
املصطفى الرقراقي
الحنكوري رضوان
1
مقدمة:
إن الحكامة من المواضيع التي لم يتم إيجاد مفهوم شامل لها ،لكن عرفها البعض بأنه ا ذل ك
الحكم الذي تقوم به قيادات سياسية منتخبة وأطر إدارية ،لتحسين حياة المواطنين وتحقي ق راحتهم،
وذلك برضى منهم بكونها تعتبر من المؤسسات التي تعبر عن حاجات المواطنين من خالل تحقيقها
للمصلحة العامة ،وذل ك من خالل اس تعمالها لك ل من الوس ائل البش رية أو المالي ة أو التقني ة وك ذا
المؤسساتية للدولة ،من اجل ض مان دول ة ديمقراطي ة تحق ق حق وق االف راد والتص دي لش طط في
استعمال السلطة.
وقد ارتبط مفهوم الحكامة في بدء االمر بالحقل السياسي اب ان الق رن الث الث عش ر ،لينتق ل
بعد ذلك وبش كل أوس ع للحق ول االخ رى م ع بداي ة الق رن التاس ع عش ر ،حيث اس تعمل مص طلح
الحكامة ألول مرة من ط رف البن ك ال دولي س نة 1989وذل ك في اط ار التأكي د على أن األزم ة
االفريقي ة هي أزم ة حكام ة بالدرج ة األولى .وفي المغ رب ظه رت الحكام ة كمفه وم في بداي ة
التسعينات نتيجة لمجموعة من الظ روف الوطني ة منه ا والدولي ة أل زمت المغ رب باألخ ذ بمفه وم
الحكامة.
وتحقق الحكامة أهمية بالغة في ك ل ال دول حيث تعت بر كوس يلة يق اس به ا تق دم ال دول من
تأخرها ،وذلك للدور المهم التي تلعبه من خالل سعيها إلصالح القطاعات العمومية لضمان حق وق
المواط نين ورف اهيتهم مم ا جع ل المغ رب يعطي اهتمام ا كب يرا له ذا الموض وع حيث خص ص
الدستور المغربي لسنة 2011لموضوع الحكامة الجيدة ،بابا كامال و هو الباب الثاني عشر ال ذي
يتكون من 17فص ال من الفص ل 154الى الفص ل ، 171حيث من خالله ا تظه ر األهمي ة ال تي
كرسها المشرع الدستوري لهذا الموضوع باعتباره موضوع يفتح الباب نحو الديمقراطي ة الحقيقي ة
التي تنبني عليها التشريعات الغربية المتقدمة في سياساتها المحلية و الوطنية التي تقوم على مب ادئ
عامة لتفعيل أسس الديمقراطية الحقيقية ،وهذا ما سار علي ه المش رع المغ ربي وذل ك بنص ه على
مجموعة من المقتضيات الهامة وتقنينه لمجموعة من المؤسسات و الهيئات في فصول الدستور.
2
وال يجب إغفال أهميتها بحيث صارت الحكامة الجيدة تعتبر خيارا واجب التنفيذ ،لما يترتب
عليها من تكامل في األدوار بين القطاع الخاص ،إضافة لمؤسسات المجتمع المدني ،وكذلك اإلدارة
الحكومية؛ ألن تحسين عالقة اإلدارة الحكومية م ع المواط نين تك ون ع بر إع ادة الثق ة بين اإلدارة
والمواطن ،وبالرفع من مس توى الج ودة واالنتاجي ة واألداء الع ام ،وتحس ين ج ودة الخ دمات ال تي
تقدمها للمستفيدين ،وتبسيط إجراءات الوصول إليها ،وتحسين جودة ال ترحيب وتس هيل اإلج راءات
البيروقراطي ة ودعم اإلدارة االلكتروني ة ،وذل ك يص عب تحقيق ه بغ ير العم ل على ترس يخ مفه وم
الحكامة الجيدة باعتبارها رافعة للتطوير ولتنمية اإلدارة العمومية ،وذل ك لجع ل اإلدارة حيادي ة في
خدمة الجميع ،ولوضع ح د للش طط وأس اليب التعس ف في اس تعمال ص الحيات الس لطة ،وانته اج
أنظمة جديدة قائمة على أسس دولة الحقوق وااللتزام بالقانون.
إن دستور 2011للمملكة المغربية شكل قيمة نوعية في اتجاه توطيد دول ة الح ق والق انون
وتفعيل الحكامة الجيدة والديمقراطية التشاركية وق د احتلت ه ذه المف اهيم ح يزا مهم ا في الدس تور
حيث أك د المش رع من ذ الفص ل األول من ه أن نظ ام الحكم ب المغرب ملكي ة دس تورية ديمقراطي ة
واجتماعية ويقوم على أساس فصل السلط وتوازنها وتعاونها والديمقراطي ة المواطن ة والتش اركية،
وعلى مبادئ الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة (الفصل 1من الدستور).
إذا كانت الفصول ،من الفصل 11إلى غاية الفصل ،15ق د ت وقفت عن د المجتم ع الم دني
ومكوناته وكذا الديمقراطية التشاركية ،باعتبارها من اآلليات األساسية للحكام ة ف إن الب اب العاش ر
قد تحدث عن المجلس األعلى للحسابات ال ذي يم ارس مهم ة ت دعيم وحماي ة مب ادئ وقيم الحكام ة
الجيدة والشفافية والمحاسبة ،بالنسبة للدولة واألجهزة العمومية كما أن الب اب الح ادي عش ر تح دث
عن المجلس االقتص ادي واالجتم اعي والبي ئي ال ذي ي دلي برأي ه في التوجه ات العام ة لالقتص اد
الوطني والتنمية المستدامة .كما أن الباب الثاني عش ر ق د تن اول موض وع الحكام ة بش كل مباش ر
ينطلق من تحديدها وتحديد بعض مكوناتها وصوال إلى بعض الهيئات المنوط بها تنزيل مقتضياتها.
يتضح من خالل ما سبق أن الحكامة ليس ت ه دفا في ح د ذاته ا أو غاي ة ،وإنم ا هي وس يلة
لتحقيق غاية سامية وهي الرقي يالمجتمع وتقدم أفراده وتطور الدولة ،بمعنى أن تكون هن اك آلي ات
ووس ائل تخ دن الم واطن وتخ دم الدول ة من خالل الحكم الق ادر على وض ع األولوي ات السياس ية
3
واالجتماعية وتحديد تلك األولويات ع بر وس ائل علمي ة تلبي ة لحاج ة الغالبي ة العظمى للمواط نين،
وخصوصا الطبقات والفئات األكثر حاجة.
ومن خالل ما سبق التطرق إليه يطرح هذا الموضوع إشكالية محورية تتمثل في:
ولإلجابة عن التساؤالت المطروحة ارتأينا االعتماد على المنهج الت اريخي وذل ك من خالل
تبيان السياق التاريخي للحكامة ،إضافة إلى المنهج االستداللي وذلك ع بر االعتم اد على معلوم ات
دقيقة مستمدة من الدستور ،موازاة مع المنهج التحليلي لتحلي ل بعض المعطي ات والمقتض يات ،وال
ننسى المنهج الوظيفي باعتبار الحكامة آلية لتدبير الشأن الترابي بالمملكة المغربية.
4
المبحث األول :المقاربة التاريخية والمفاهيمية للحكامة
لم يكن مفهوم الحكامة والحكامة الجيدة مت داوال دائم ا ب ل ه و نت اج ظرفي ة تاريخي ة معين ة
ساهمت في تشكيل ورسم معالمه ،قبل أن يش يع اس تعماله بت درج م ع ال زمن ،وعلى غ رار ب اقي
الدول واألمم كان للمغرب تاريخ طويل مع المفهوم و أركانه ،حيث عرفت الدول ة المغربي ة بعض
مظ اهر الحكام ة الجي دة من خالل تجلي ات الخالف ة فيه ا باعتباره ا دول ة إس المية ،حنت منحى
تطبيق الشريعة االسالمية و استحضار نموذج الخالفة الراشدة ،فإن المفه وم بمض مونه المعاص ر
لم يدخل المغرب إال أواخر القرن العشرين ،وبالذات في ثمانينيات القرن الماضي ،وعليه ف المفهوم
يحتاج إلى تأطير تاريخي نذكر فيه أهم المحطات والمناسبات التي جعلت منه جزء ذو اهميه بالغ ه
في إرشاد وتسطير سياسة الدولة سنحاول من خالل (الفقرة األولى) التط رق للحكام ة قب ل دس تور
2011وفي (الفقرة الثانية ) سنتطرق للحكامة بعد دستور .2011
5
الفقرة األولى :الحكامة قبل دستور 2011
قبل أن تتم دسترة "الحكامة الجيدة" فعال بالمغرب ،ك ان المفه وم ق د ش ق ل ه طرق ا واس عة
االنتش ار في مختل ف الخطاب ات السياس ية واالقتص ادية واالجتماعي ة ،بحيث أص بح مت داوال على
نطاق يصعب حصره؛ لذلك فإننا سنتوقف هنا فق ط عن د بعض المحط ات الك برى الدال ة على ه ذا
االنتشار ،من خالل أمثلة تحيل علي ه ،وتؤس س لمرحل ة الدس ترة الفعلي ة ال تي تعت بر تتويج ا له ذا
التدفق ،في المعنى ودالالته ومحوريته ،التي أص بح يكتس يها في الت داول الي ومي على المس تويين:
النظ ري والملم وس .ورغم أن ه من الص عب الج زم بتحدي د ت اريخ دقي ق لظه ور مفه وم الحكام ة
بالمغرب ،إال أنه يمكن القول بأنه ما إن حل "العهد الجديد" 1حتى ك ان المفه وم ق د ع رف طريق ه
إلى االستعمال والتداول ،انطالقا من المبادى التي حملتها بعض النصوص القانونية -سواء لتس يير
المؤسسات والهيئات العمومية أو التدبير المؤسسات والمقاوالت الخاصة – والتي كانت مقدمة لهذا
التداول ،قبيل ذلك بسنوات.
فق د حملت الق وانين ال تي ص درت في تس عينيات الق رن الماض ي ،بخص وص األنش طة
المقاوالتية" ،كثيرا من مالمح حكامة المقاوالت بالمغرب ،كما دعت الجمي ع إلى اح ترام معاييره ا
واالنخ راط في تط بيق مبادئه ا ،بم ا أن حكام ة جي دة للمقاول ة تع ني التأس يس لق درة كب يرة على
2
المنافسة ،وتهيى بالتالي فرصة لتطوير األداء االقتصادي ".
BM وقد وقع ذلك بتزامن مع تقارير عدد من المؤسسات الدولية (منها تقرير البنك الدولي
Banque mondialeح ول التنمي ة في المغ رب ،وتقري ر برن امج األمم المتح دة للتنمي ة Le
Programme des Nations unies pour le "développement" PNUDسنة )2000
التي الحظت بأن ما بذل من جهود خالل العشرية األخيرة ( أي تسعينيات الق رن الماض ي) لم يكن
كافي ا لتحقي ق التنمي ة المرج وة ،ومن ثم دعت الدول ة المغربي ة إلى مزي د من العم ل ،واالنخ راط
- " 1العهد الجديد" :مفهوم شاع تداوله مباشرة بعد وفاة الراح ل الحس ن الث اني ،واعتالء المل ك محم د الس ادس حكم المغ رب ،س نة
9991م؛ وقد تزامن ذلك مع بداية التداول الفعلي لمفهوم "الحكامة الجيدة" ،حيث تتبعنا – على سبيل المثال -أعداد مجلة ريمالد ،من ذ
سنة ، 1993فوجدنا أن أول مقال حمل عنوانه إشارة للحكامة الجيدة ،كان باللغة الفرنسية ،ضمن الع دد رقم 34لس نة 0002؛ انظ ر:
( BIROUK (Mohamed): Rationalisation des Structures et bonne gouvernance, REMALD, N934
Septembre –Octobreو).p. 1 1 – 30 2000
2
– BELKADI (Hicham): Le gouvernement d'entreprise au Maroc, op. cit., p. 23.
6
الجدي إلرساء وتفعيل إستراتيجية عميقة تهدف أساسا إلى إجراء إصالحات بنيوي ة -خاص ة على
مستوى البنية التحتية واألداء اإلداري -تكون موجه ة لت دعيم االقتص اد وتط وير آلي ات التض امن
3
االجتماعي .
كما أن المفوضية السامية للتخطيط سلطت الضوء ،في أح د تقاريره ا ،على العالق ة القوي ة
القائم ة بين النم و االقتص ادي والتنمي ة البش رية LIndice de Développement Humain
ونصت بالحرف على أن العراقيل الكبرى ال تي تواج ه التنمي ة الحقيقي ة تتلخص أساس ا في التع ثر
الحاص ل في تط بيق ميكنزم ات الحكام ة ،وض عف مس توى الرأس مال البش ري في مج ال التعليم
والصحة"4 ،على وجه الخصوص .وقبلها كان برن امج األمم المتح دة للتنمي ة ق د ق ام بإع داد
تقرير تحت عن وان" :الحكام ة وتس ريع التنمي ة البش رية" خلص في ه إلى أن س بب تع ثر النم و
المغربي ال يرجع إلى تغيير السياسات أو البرامج والنصوص ،بقدر ما يرج ع إلى الق درة على
التقدم في توجهين حاسمين:
األول يرتبط بعالقة المجتمع مع الدولة ،المدعوة إلى تسهيل مبادرات الخواص والمجتمع
المدني ،والثاني يعود إلى ضرورة الرفع من الشعور بالمسؤولية لدى جميع الفاعلين المتدخلين في
مختلف أنواع القرارات ومستوياتها ،في الدولة والمجتمع ،لتقوية الوظائف االستراتيجية للتخطي ط،
5
والتنسيق ،والضبط ،والمتابعة ،وتقويم السياسات العمومية.
وبناء على ه ذه التوص يات وفي أف ق إق رار وتك ريس الممارس ات الجي دة »ق امت "اللجن ة
الوطني ة لحكام ة المق اوالت" ،في م ارس 2008،بإع داد الميث اق المغ ربي للممارس ات الجي دة
للحكامة ،وكذا الملحقات الخاصة بالمقاوالت المتوسطة والصغيرة ،من جهة ،والمؤسسات البنكي ة،
6
من جهة أخرى ،على التوالي في دجنبر 2008وأبريل . 2010
3
LAGHRISSI Awatif : Gouvernance au Maroc Approche d’action publique, Imprimerie EL
Watanya,
Marrakech, 2010. P 86
4
– Rapport du Haut Commissariat au Plan: Croissance économique et développement humain
eléments pour une planification stratégique 2007-2015, p. 5.
5
Programme des Nations Unies pour le développement – Rapport de développement humain 2003,
)gouvernance et accélération du développement humain, p. 40. (http//wWw.pnud.org
6اللجنة الوطنية لحكامة المقاوالت :الميثاق المغربى للممارسات الجي دة لحكام ة المنش آت والمؤسس ات العام ة ،منش ورات مديري ة
المنشآت العامة والخوصصة – وزارة االقتصاد والمالية ،المملكة المغربية ،الرباط 2012، ،ص.25 .
7
وفيم ا بين الت اريخين ،أي في يوني و 2009،تم إح داث "المعه د المغ ربي للم دراء" ال ذي
اعتبر رافعة قوية لتدعيم التحسيس بالمسؤولية ،ونشر الممارسات الجيدة لحكامة المق اوالت
و"تتمثل المهمة األساسية لهذا المعهد في توفير إمكانيات واسعة للتكوين في مي دان الحكام ة
لصالح المدراء بهدف تنمية الكفاءات الالزمة لممارسة مهامهم ومساهمتهم المهنية النش يطة
7
في المجالس اإلدارية وتحسين حكامة الهيئات المعنية".
يعتبر المغرب ،فيما نعلم ،أول بلد قام بتض مين دس توره مب دأ الحكام ة الجي دة ،8واعتبره ا
ركيزة من ركائز نظامه الدستوري .وقد ج اءت ه ذه الدس ترة في س ياق ت اريخي اجتم اعي حاف ل
بالمتغيرات الوطني ة واإلقليمي ة ،جعلت المش رع الدس توري يقتن ع بض رورة اعتباره ا م دخال من
مداخل اإلصالح الدستوري األساس.
حظي مفهوم الحكامة في دستور 2011بمكانه عظمى حيث تم اضافة باب كام ل خص ص
لهذا المبدأ يضم مؤسساته وهيئات ه ناهي ك عن ذك ره م رتين في الب اب األول المخص ص لألحك ام
العامة ( في الفص ل األول ،9وفي الفص ل )1018أيض ا تم التط رق لمفه وم الحكام ة في الفق رة
الثاني ة من الفص ل (11147ض من الب اب العاش ر المنظم للمجلس األعلى للحس ابات) كم ا وردت
الحكامة مقترنة بالمجال األمني ، 12وهي التي اشارت اليها الفقرة االولى من الفص ل 54المح دث
7اللجنة الوطنية لحكامة المقاوالت :الميثاق المغربي للممارسات الجيدة ،ص .6
8وقد قامت تونس بعد ذلك في دستورها الذي أعقب ثورة الياسمين ،لسنة 26 ( 2011جانفي( ،بإدراج الحكم الرشيد منذ التوطئ ة،
حيث جاء" :وتأسيسا لنظ ام جمه وري ديمق راطي تش اركي ...بواس طة االنتخاب ات الح رة ...والحكم الرش يد"...؛ ثم خص ص القس م
الخامس من الباب السادس لما سماه :هيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد.
“ 9يقوم النظام الدستوري للمملكة على أساس فصل السلط; وتوازنه ا وتعاونه ا; والديمقراطي ة المواطن ة والتش اركية; وعلى مب ادئ
الحكامة الجيدة”
“ 10تعمل السلطات العمومية على ضمان أوسع مشاركة ممكنة للمغاربة المقيمين في الخ ارج; في المؤسس ات االستش ارية; وهيئ ات
الحكامة الجيدة; التي يحدثها الدستور أو القانون”
“ 11يمارس المجلس االعلى للحسابات مهمة تدعيم وحماية مبادئ وقيم الحكامة الجيدة والشفافية والمحاسبة; بالنسبة للدولة واألجه زة
العمومية”
“ 12يحدث مجلس أعلى لألمن; بصفته هيئة للتشاور بشأن استراتيجيات األمن ال داخلي والخ ارجي للبالد; وت دبير ح االت األزم ات;
والسهر ايضا على مأسسة ضوابط الحكامة األمنية الجيدة
8
للمجلس األعلى ،كما وردت في آخ ر فق رة من الفص ل ،146ال ذي ح دد ش روط واختصاص ات
الجهات والجماعات الترابية األخرى.13
وهكذا يكون مفهوم الحكامة الجيدة ورد في المتن الدستوري في ست مناسبات وازنة.
فبالرجوع الى الباب الثاني عشر المخصص بالكام ل لمب ادئ وهيئ ات ومؤسس ات الحكام ة
الجيدة ،نجد انه توزع على أربع محاور كبرى.
المحور األول :المعنون بمبادئ عامة وش مل س بعة فص ول (من الفص ل 154إلى الفص ل
.)160
المحور الث66اني :بعنوان المؤسس ات وهيئ ات حماي ة الحق وق والحري ات والحكام ة الجي دة
والتنمية البشرية والمستدامة والديمقراطية التشاركية وهيئات حماية حقوق اإلنسان والنه وض به ا،
حيث غطى اربعه فصول ( من الفصل 161إلى الفصل .)164
المحور الثالث :بعنوان هيئات الحكامة الجيدة والتقنين; حيث لن تتجاوز فصوله ثالث ا ( من
الفصل 165إلى الفصل .)167
والمحور األخير بعنوان هيئ ات النه وض بالتنمي ة المس تدامة والديمقراطي ة التش اركية; و
شمل الفصول األربعة األخيرة( من 168الى الفصل .)171
يصعب إيجاد تعريف شامل لمفهوم الحكامة .فقد أثار تعريفها عدة نقاشات كما يالحظ غياب
مرادف عربي موحد لمص طلح ،La gouvernanceإذ تقابل ه ع دة مص طلحات عربي ة منه ا:
الحكماني ة ،الحكام ة الرش يدة ،الحكوم ة ،الحكم الرش يد ،الحكم الص الح ،الحكم الجي د ،اإلدارة
المجتمعية والتلجيم ،وتبقى الحكامة هي أكثر هاته األلفاظ ذيوعا.
“ 13قواعد الحكامة المتعلقة بحسن تطبيق مب دأ الت دبير الح ر وك ذا مراقب ة ت دبير الص ناديق وال برامج وتق ييم األعم ال وإج راءات
المحاسبة”
9
وعموما ،فإن الحكامة مفهوم استعمل في األصل من طرف اإلخصائيين في مجتمع الق رون
الوسطى اإلنجليزي الذي يتميز بالتع اون بين مختل ف مص ادر الس لطة (الكنيس ة ،النبالء ،التج ار،
الفالحون…) ،وقد أعيد استخدامه من طرف البنك العالمي أثناء عقد الثمانين ات وبداي ة التس عينات
لتحديد الطريقة التي تمارس بها السلطة في تسيير الموارد االقتصادية في بلد معين.
والحكامة ال تعني بالمعنى الض يق الس لطة السياس ية ،فهي ليس ت فن التس يير على مس توى س لطة
14
معينة ،إنما هي فن تمظهر مستويات مختلفة فهي تسيير إقليم معين حسب منظمة اليونسكو.
إن أغلب الكتاب 15الذين كتبوا عن الحكامة يتفقون على أنها آلية تتعلق بعملية ص نع الق رار
في المجتمع ومؤسساته المختلفة ،وتتضمن مجموعة من التف اعالت ض من هياك ل وعملي ات تح دد
كيفية ممارسة السلطة واتخاذ القرار وتعبير المواطنين عن رأيهم.
ومن خالل ذلك حاولنا اإلحاط ة بمختل ف ج وانب ه ذا المفه وم ،حيث سنخص ص )الفق66رة
األولى( من ه ذا المطلب للح ديث عن تعري ف الحكام ة الجي دة ،في حين سنخص ص )الفق666رة
الثانية( للحديث عن تعريف الحكامة في المنظمات الدولية.
تعرف الحكامة بأنها ذلك الحكم الذي تقوم به قيادات سياسية منتخبة ،وأطر إداري ة لتحس ين
نوعية حياة المواطنين وتحقيق رفاهيتهم ،وذل ك برض اهم وع بر مش اركتهم ودعمهم ،وهي ته دف
إلى زيادة مستوى دخل الف رد وتقلي ل ح دة الفق ر ،والعناي ة بحق وق المواط نين ،مم ا يجعلن ا نعت بر
الحكامة نسقا في المؤسسات المجتمعي ة المع برة عن حاج ات الن اس تعب يرا س ليما ،تربطه ا ش بكة
متينة من عالقات الضبط والمساءلة ،تهدف تحقيق المص لحة العام ة بواس طة االس تعمال األقص ى
للوسائل البشرية ،والمالية والتقنية وكذا المؤسساتية للدولة ،بغية إقامة دولة ديمقراطية نافعة تضمن
حق وق المواط نين ،وت وفر آلي ات مناس بة لتق ويم السياس ات ،وتص حيحها والتص دي اإلس اءة في
16
استخدام السلطة والنفوذ واهدار المال العام .
إن تعريف الحكامة يختل ف بين الهيئ ات والمنظم ات الدولي ة .فك ل واح دة تعرفه ا انطالق ا من
منظورها الخالص ،19وفيما يلي تعريف بعض هاته التعريفات.
17محمد بوطب ،الحكامة :المبادئ واألسس ،مجلة المنارة للدراسات القانونية واإلدارية ،عدد 15سنة ،2016ص120 ،
18صالح سالم ،زروقة وعبد العزيز ،شادي ،تجدد القيادة والتنمية في الوطن العربي ،مركز دراسات وبحوث الدول النامية ،القاهرة،
،2001ص 21
19زهير عبد الكريم الكايد ،الحكمانية ،قضايا وتطبيقات ،منشورات المنظمة العربية للتنمية اإلدارية ،بحوث ودراسات الع دد ،372
طبعة 2003ص.7 :
11
البنك الدولي :يرى أن الحكام ة هي الحال ة ال تي من خالله ا تتم إدارة الم وارد االقتص ادية
واالجتماعية للمجتمع بهدف التنمية؛ ويعتبر البنك الدولي المنظمة الدولية األولى ال تي تبنت
مصطلح "الحكام ة" ،وال ذي ب رز في حق ل العالق ات الدولي ة في أواخ ر عق د الثمانيني ات،
وليتطور منذ ذلك بشكل تصاعدي ومؤثر على مس توى مختل ف مج االت الت دبير العم ومي
والخاص والمدني .وبالنسبة لهذا البنك ،فالحكامة هي مرادفة للتدبير السليم والق ويم للتنمي ة،
وتقوم على التدبير الجيد للقطاع الع ام خصوص ا ،وعلى اإلط ار الق انوني (دول ة الق انون)،
20
وكذا ركائز اإلخبار والشفافية وفي األخير المسؤولية.
برنامج األمم المتحدة للتنمي66ة :PNUDيع66رف الحكام ة بأنه ا ممارس ة الس لطة األساس ية
واالقتصادية واإلدارية في إطار تدبير ش ؤون بل د م ا على جمي ع المس تويات ،وهي مقول ة
موضوعية تضم اآلليات والسيرورات والعالقات والمؤسسات المعقدة ال تي بواس طتها يق وم
المواطن ون والجمع ات بمفاض لة مص الحهم ،وممارس ة حق وقهم وتحم ل التزام اتهم ،كم ا
21
يتوجهون إليها بغاية تصفية خالفاتهم.
مؤسس66ات القط66اع التط66وعي :تعت بر الحكام ة هي مجموع ة من العملي ات والهياك ل ال تي
يستخدمها المؤسسات لتوجه وتدير عملياتها العامة وأنشطة برامجها؛
اتفاقي66ة الش66راكة ك66وتن :الموقع ة بين االتح اد األوربي و 77دول ة من جن وب الص حراء
اإلفريقي ة ،ودول الك اريبي ،والمحي ط اله ادي :تع رف في الم ادة 9منه ا الحكام ة (الحكم
الصالح) بأنها اإلدارة الش فافة والقابل ة للمحاس بة للم وارد البش رية والطبيعي ة واالقتص ادية
والمالية ،لغرض التنمية المنصفة والمستمرة ،وذلك ضمن نط اق بيئ ة سياس ية ومؤسس اتية
تحترم حقوق اإلنسان والمبادئ الديمقراطية وحكم القانون؛
صندوق النقد الدولي :ينظر إلى الحكام ة من الناحي ة االقتص ادية وتحدي دا ش فافية وفعالي ة
إدارة الموارد العامة ،واستقرار البيئة التنظيمية لنشاطات القطاع الخاص؛
20
Abdulhakim Jannat Idrisi: «Dimensions questionnaires politique, doctrinal et Jordie de la bonne
governance end du government à la governance:" les lemons Marcaine», publications de la REMAD
Série management strategies N°5. 2004, P23.
21التقرير العالمي حول التنمية البشرية الصادر عن برنامج األمم المتحدة للتنمية .1997
12
منظمة المهن والتع66اون في أورب66ا :ترى أن الحكام ة تق وم على بن اء وتعزي ز المؤسس ات
الديمقراطية وتشجيعها ،إضافة إلى التسامح في المجتمع ككل؛
منظمة التعاون االقتصادي والتنمية :ترى أن الحكامة وسيلة لش رعية الحكوم ة والعناص ر
22
السياسية فيها واحترام حقوق اإلنسان وحكم القانون.
خصص الدستور المغربي لسنة 2011لموضوع الحكامة الجيدة ،بابا ك امال و ه و الب اب
الثاني عشر الذي يتكون من 17فصال من الفصل 154الى الفصل ، 171حيث من خالله تظه ر
األهمي ة ال تي كرس ها المش رع الدس توري له ذا الموض وع باعتب اره موض وع يفتح الب اب نح و
الديمقراطية الحقيقية التي تنبني عليها التشريعات الغربية المتقدمة في سياساتها المحلي ة و الوطني ة
التي تق وم على مب ادئ عام ة لتفعي ل أس س الديمقراطي ة الحقيقي ة ،وه ذا م ا س ار علي ه المش رع
22زهير عبد الكريم الكايد ،الحكمانية ،قضايا وتطبيقات ،منشورات المنظمة العربية للتنمية اإلدارية ،بحوث ودراس ات الع دد ،372
طبعة 2003ص.3 :
13
المغربي وذل ك بنص ه على مجموع ة من المقتض يات الهام ة وتقنين ه لمجموع ة من المؤسس ات و
الهيئات في فصول الدستور حيث جعله ا المش رع مس تقلة تتمت ع باالس تقالل الم الي واإلداري ،في
مؤسسات تختلف وتتكام ل مهامه ا وآلي ات عمله ا ،وتتك ون من هيئ ات قض ائية وهيئ ات للمراقب ة
والتدقيق والوساطة والتنسيق والتتبع والتقييم.
وهن ا يجب أن نق ر أن ه ذه المؤسس ات تعت بر مكس با للمملك ة كآلي ة لتك ريس دول ة الح ق
والق انون وهيئ ات لتوطي د الديمقراطي ة التش اركية وأن دس تتها لم ت أتي من ف راغ وأن هي ج واب
إداري تتم فيه عملية تحديث هياكل الدولة التقليدية المتسمة ببطء المس اطر وق دمها وع دم تجاوبه ا
مع عهد السرعة.
كما أن إحداث هذه الهيئات يعد جوابا سياسيا تتجه فيه الدولة نحو أنماط ومنهجية جديدة في
ضبط الحياة االقتصادية واالجتماعية تستند من خاللها الدولة لهيئات الحكامة مرك ز الوس اطة فيم ا
بين المؤسسات والمرتفقين بعدالة وشفافية ،23فقد ج اء الب اب الث اني عش ر من الدس تور ليح دد في
بدايته كيفية تنظيم المرافق العمومية في إطار المساواة واإلنصاف واالستمرارية في أداء الخدمات،
بحيث سنخصص (المطلب األول) من هذا المبحث ل.لتفصيل في هذه المبادئ ثم قام بتحديد هيئ ات
الحكام ة الجي دة في الفص ول 161إلى 170من الدس تور ،وال ذي س نتطرق إليهم في (المطلب
الثاني).
من أجل أن تقوم الحكامة ال من اص من تكام ل عم ل الدول ة ومؤسس اتها والقط اع الخ اص
ومؤسسات المجتمع المدني ،اذ ال يمكن أن نتحدث عن الحكامة دون تكريس المش اركة والمحاس بة
والشفافية ،وال وجود للحكامة اال في ظل الديمقراطية أو السيادة الشعبية .والحكامة تستوجب وجود
نظام متكامل من المحاسبة والمساءلة السياسية واالدارية للمسؤولين في وظائفهم العامة ولمؤسسات
المجتمع المدني والقطاع الخاص.
23محمد البوشكي،هيئات الحكامة الجيدة في دستور ،2011مقال منشور بجريدة أخبار اليوم عدد 1548
14
ونظرا لما احتلت ه ه ذه المب ادئ من أهمي ة داخ ل الوس ط الق انوني ال دولي عام ة وال داخلي
خاصة فقد أفرد المشرع لها 6فصول في بداية الباب الثاني عشر إذ س نحاول االقتص ار فق ط على
المبادئ التنظيمية والسلوكية في (الفقرة األولى) ثم المبادئ المحاسبية في (الفقرة الثانية).
فيما يخص المب66ادئ التنظيمي66ة ،والتي تهتم بتنظيم المراف ق العمومي ة ،ينص الفص ل 154
على أنها تنظم على أساس المساواة بين المواطن ات والمواط نين في الول وج إليه ا ،واإلنص اف في
تغطية التراب الوطني ،واالستمرارية في أداء الخدمات.
كما يؤكد الفصل 159أن الهيئات المكلفة بالحكامة الجيدة تك ون مس تقلة ،وتس تفيد من دعم
أجهزة الدولة ،ويمكن للقانون أن ُيحدث عند الضرورة هيئات أخرى للضبط والحكامة.
وفيما يتعلق بالمبادئ السلوكية ،والتي تهتم بتقنين ممارس ة المس ؤولية وأس س العالق ة م ع
الم رتفقين ،يؤك د الفص ل 154على أن المراف ق العمومي ة تخض ع لمع ايير الج ودة والش فافية،
تور. ا الدس تي أقره ة ال ادئ والقيم الديمقراطي ييرها للمب ع في تس وتخض
وينص الفصل 155على أن أع وان المراف ق العمومي ة يمارس ون وظ ائفهم وفق ا لمب ادئ اح ترام
القانون والحياد والشفافية والنزاهة والمصلحة العامة .وفي عالقتها بمرتفقيه ا ،يؤك د الفص ل 156
أن المرافق العمومية تتلقى مالحظات مرتفقيها ،واقتراحاتهم وتظلماتهم وتؤمن تتبعها.
وفيما يخص المب66ادئ المحاس66بية ،يؤك د الفص ل 154على أن المراف ق العمومي ة تخض ع
للمحاسبة والمسؤولية ،والفصل 156على أنها تقدم الحساب عن تدبيرها لألموال العمومي ة ،طبق ا
للقوانين الجاري بها العمل ،وتخضع في هذا الشأن للمراقبة والتقييم .كم ا ينص الفص ل 158على
أن ك ل ش خص يم ارس مس ؤولية عمومي ة ،منتخب ا ك ان أو معين ا ،يجب أن يق دم طبق ا للكيفي ات
المحددة في القانون تصريحا كتابيا بالممتلكات واألصول التي في حيازت ه ،بص فة مباش رة أو غ ير
15
ا. د انتهائه تها وعن ه وخالل ممارس لمه لمهام رد تس رة ،بمج مباش
ودائم ا في ط ار المحاس بية ,ينص الفص ل 160على أن المؤسس ات والهيئ ات المش ار إليه ا في
الفصل 161إلى الفصل 170من الدستور والتي تعمل في مجال «الحق وق والحري ات والحكام ة
الجيدة والتنمية البشرية والمستدامة والديمقراطية التشاركية» تقدم تقريرا عن أعماله ا م رة واح دة
24
في السنة على األقل ،والذي تكون موضوع مناقشة من قبل البرلمان.
في هذا اإلط ار يمكن الق ول على أن الحكام ة الجي دة كي يتم تطبيقه ا وتحقي ق من وراءه ا
التنمية المحلية البد لها من مؤسسات وهيئات تسهر على تطبيق هذه الحكامة وطني ا ومحلي ا ،وه ذا
ما س يقوم ب ه المش رع الدس توري المغ ربي بالتنص يص علي ه في الب اب الث اني عش ر من دس تور
2011المعنون بالحكامة الجيدة لذا سينص على مجموعة من المؤسسات الحكامة الجيدة أو هيئات
الحكامة الجيدة ع بر الفص ول من 161إلى 170منه ا م ا يخص حق وق اإلنس ان ومنه ا م ا يهتم
بالتنمية المستدامة والديمقراطية التشاركية .26
وفي ه ذا الص دد الب د من اإلش ارة لمس ألة في غاي ة األهمي ة وهي ان المش رع الدس توري
بتنصيصه على هذه المؤسسات في الباب الثاني عشر من الدستور فهو لم يأتيها على سبيل الحصر
بل سمح من خالل الفص ل 159من الدس تور للق انون إمكاني ة اح داث مؤسس ات وهيئ ات أخ رى
للضبط والحكامة الجيدة.
24أبو العراب عبد النبي ،مفهوم وآليات الحكامة الجيدة في الدستور الجديد ،-مغرس محرك بحث إخباري ،نشر في التجديد يوم - 23
، 2012 – 02منش ور على الراب ط الث الي /https://www.maghress.com/attajdid/72580 :تم االطالع علي ه بت اريخ
،24/04/2023على الساعة .20:25
25الفصل األول من دستور 2011
26الباب 12من دستور 2011
16
تبرز أهمية هيئات الحكام ة الجي دة من الناحي ة العلمي ة والعملي ة في ك ون انه ا تس هر على
رصد االختالالت التي تمس المرافق العامة والخاصة في المجاالت االقتصادية واالجتماعية وعلى
إرساء معالم تنموية ومستدامة ،داخل مرافق تتميز بالشفافية ومسؤولية مقرونة بالمحاسبة.
إذ سيتم الوقوف على هيئات حقوق اإلنس ان والنه وض به ا في (الفق66رة األولى) ثم هيئ ات
الحكام ة الجي دة والتق نين إض افة إلى هيئ ات النه وض بالتنمي ة البش رية المس تدامة والديمقراطي ة
التشاركية في (الفقرة الثانية).
إن دستور 2011يعتبر وثيق ة حقيقي ة بامتي از ب النظر للدس اتير المتعاقب ة على المملك ة إذ
أعطى لمس ألة حق وق اإلنس ان مكان ة على مس توى المض امين على اعتب ار أن حق وق اإلنس ان
والحريات العامة أساس لبناء التنمية البشرية ك ذلك له ا مس اهمة فعال ة في تحقي ق الحكام ة الجي دة
27
وعلى هذا األساس كان البد من وضع مؤسسات دستورية تعمل على المستوى الوطني والمحلي
على حماية ه ذه الحق وق والحري ات ومن بين ه ذه الهيئ ات الدس تورية ،المجلس الوط ني لحق وق
اإلنسان الذي كان يحمل اسم المجلس االستشاري لحقوق اإلنسان كما تم تعزيز موقعه وص الحياته
بالنسبة لدكتور 2011إذ أصبح مؤسسة وطنية تعددي ة ومس تقلة تت ولى النظ ر في جمي ع القض ايا
المتعلقة بالدفاع عن حقوق اإلنسان والحريات العامة وضمان ممارساتها الكاملة ،وك ذلك النه وض
بها وصيانة كرامة المواطنين أفرادا وجماعات على المستوى الوطني وكذا المحلي .28
هن اك أيض ا مؤسس ات تهتم به ذا المج ال وهي مؤسس ة الوس يط فهي مؤسس ة مس تقلة
ومتخصصة تكمن مهمتها األساسية في الدفاع عن الحقوق والحريات في إطار عالقتها القائم ة بين
اإلدارة العمومية والمرتفقين الذين يلجئون إليه ا من أج ل االس تفادة من الخ دمات العمومي ة .وه ذه
المؤسسة بعملها هذا كون قد أسلمت في ترسيخ سيادة القانون وإش اعة مجموع ة من مب ادئ الع دل
27كريم الحرش،الدستور الجديد للملكة المغربية شرح وتحليل مكتبة الرشاد سطات ،الطبعة األولى 2012ص.22
28الفصل 161من دستور فاتح يوليوز 2011الجريدة الرسمية عدد 5964محرر بتاريخ 28شعبان \1432الموافق ل 30
يوليوز 2011
17
واإلنصاف وقيم التخليق والشفافية في تدبير وتس يير اإلدارات والمؤسس ات العمومي ة والجماع ات
29
الترابية ،والهيئات التي تمارس صالحيات السلطات العمومية
وهذا ما يسمى بشكل واضح في ترسيخ الحكامة الجيدة والتنمية المحلية في إط ار الخ دمات
التي تقدمها اإلدارة للمواطن عن طريق احترام حقوق المرتفقين.
الفقرة الثانية :هيئات الحكامة الجيدة والتقنين وهيئات النهوض بالتنمية البشرية والمستدامة
حدد دستور 2011هيئات الحكامة الجيدة والتقنين في الباب الثاني عش ر في ثالث هيئ ات،
الهيئة العليا لالتصال السمعي البص ري (الفص ل ،)165مجلس المنافس ة (الفص ل ،)166الهيئ ة
الوطنية لنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها (الفصل ،)167تحظى ه ذه الهيئ ات بأهمي ة بالغ ة
على خالف الهيئ ات والمج الس األخ رى ذات الص الحيات االستش ارية ،على اعتب ار ان نوعي ة
الوظائف والمهام المسندة لهذه الهيئات ترتكز حول صالحيات الضبط او التقنين او تتب ع التنفي ذ في
إطار عقلنه الميدان السمعي البصري وترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة وتقنينها ،ق ام الدس تور الجدي د
للمغرب بإحداث هيئات عليا لالتصال السمعي البص66ري لتق وم بمهم ة الس هر على اح ترام التعب ير
التعددي لتيارات الرأي والفكر والحق في المعلومة في الميدان السمعي البص ري ،وذل ك في إط ار
احترام القيم الحضارية األساسية وق وانين المملك ة 30باإلض افة إلى إح داث مجلس منافس ة لض بط
العالقات االقتصادية وهو كذلك هيئة مستقلة ،مكلفة بتنظيم منافسة حرة ومشروعة بضمان الشفافية
واإلنصاف في العالقات االقتصادية ،خاصة من خالل تحليل وضبط وضعية المنافسة في األس واق
ومراقب ة الممارس ات المنافي ة له ا والممارس ات التجاري ة الغ ير مش روعة وعملي ات الترك يز
االقتص ادي واالحتك ار 31.انطالق ا من ه ذا التعري ف الدس توري له ذه الهيئ ة يتض ح انه ا تتمت ع
بصالحيات مهمة في تحقي ق حكام ة جي دة على المس توى االقتص ادي وض بط العملي ات التجاري ة
وطنيا ومحليا تماشيا وأهداف المؤسسات الدستورية األخرى.
كما أن الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرش66وة ومحاربته66ا المحدث ة بم وجب الفص ل
36من دستور 2011تم منحها مهام المبادرة والتنسيق واإلش راف وض مان تتب ع تنفي ذ سياس ات
محاربة الفساد وتلقي ونشر المعلومات في هذا المجال والمساهمة في تخليق الحياة العامة وترس يخ
مبادئ الحكامة الجيدة وثقافة المرفق العام ،وقيم المواطنة المسؤولة .33
ومن أج ل إعط اء نفس جدي د لسياس ات مكافح ة الفس اد ب المغرب س واء على مس توى
المؤسسات الوطنية أو بالنسبة للهيئات المحلية ،كان الب د من الترك يز على رف ع االكراه ات وربح
الرهانات المطروحة إذ يك ون بانص هار مختل ف جه ود مكافح ة الفس اد في إط ار ال تزام مجتمعي
مبرمج ينهض باالنخراط الجماعي لمختلف الفعاليات ويدعم الش راكات ،دعم وإحك ام التنس يق بين
أنشطة مكافحة الفساد لدى مختلف الوزارات والهيئات المعني ة ،تحس يس ال رأي الع ام ونش ر ثقاف ة
النزاهة والشفافية والمساءلة ،كأعمدة أساسية للحكامة الجيدة .كما ينبغي كذلك استحض ار التأص يل
الدستوري كقواعد الحكامة الجيدة وتدعيم الديمقراطي ة المواطن ة والتش اركية كردي ف للديمقراطي ة
التمثيلية .34في هذا اإلطار فقد بادرت الهيأة بتقديم أرضية المراجعة إطاره ا الق انوني ليتم إص دار
قانون ينظم الهيأة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها وهو قانون رقم .12-113
وفيما يخص هيئات النهوض بالتنمية البشرية والديمقراطي66ة التش66اركية الب د من الوق وف
على ثالث مؤسس ات دس تورية مهم ة يمكن أن نش ير إليه ا كم ا ج اء في دس تور 2011بداي ة
بالمجلس األعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي باعتباره هيئة استشارية مهمته ا تكمن في إب داء
اآلراء حول كل السياسات العمومية والقضايا الوطنية ال تي تهم التربي ة والتك وين والبحث العلمي،
وكذلك إبداء الرأي حول أهداف المرافق العمومي ة المكلف ة به ذه المي ادين وس يرها ،باإلض افة إلى
32القانون رقم ،20-13المتعلق بمجلس المنافسة بتاريخ 30يوليوز ،2014الجريدة الرسمية عدد 6276
33الفصل 167من دستور .2011
34الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة ،الخصوصيات ،الحصيلة ،االكراهات ،اآلفاق ،فاتح دجنبر 2011ص .12
19
ذلك يس اهم المجلس في تق ييم السياس ات وال برامج العمومي ة في مج ال التربي ة والتك وين والبحث
العلمي35.وتماشيا مع هذه الغاية تم إصدار ق انون ينظم كيفي ة ممارس ة ه ذه الص الحيات ح تى يتم
تحقيق التنمية البشرية وإشراك الم واطن والمجتم ع الم دني في اتخ اذ الق رارات العمومي ة في ه ذا
المج ال ،ونالح ظ أن الم ادة األولى من الق انون رقم .36105-12تنص على أن ه تطبيق ا ألحك ام
الفصل 170من الدستور يحدد هذا الق انون ص الحيات المجلس األعلى للتربي ة والتك وين والبحث
العلمي المحدث بموجب الفصل 168من الدستور وهكذا نالحظ على أن ه ذا الق انون يح دد كيفي ة
ممارسة المجلس لصالحياته بشكل دقيق .
ثم نجد المجلس االستشاري لألسرة والطفولة المح دث بم وجب الفص ل 32من الدس تور،
وتتجلى مهمته في تأمين وتتب ع وض عية األس رة والطفول ة ح ول مخطط ات وطني ة المتعلق ة به ذه
الميادين ،وكذا العم ل على تنش يط النق اش العم ومي ح ول السياس ات العمومي ة في مج ال األس رة
وضمان تتب ع إنج از ال برامج الوطني ة المقدم ة من قب ل مختل ف القطاع ات والهياك ل والقطاع ات
والهيئات المختصة .ومن أجل تحدي وضعية هذا المجلس بشكل واضح وتحديد ما يشمله من مه ام
ثم إصدار القانون رقم 87-14المتعلق بالمجلس االستشاري لألسرة والطفولة 37ليحدد كيفية تأليفه
وتنظيم ه وقواع د س يره ،وك ذلك تحدي د ح االت التن افي ،ويتمت ع المجلس بالشخص ية االعتباري ة
واالس تقالل الم الي ويتك ون المجلس من ع دة أجه زة كالجمعي ة العام ة ومكتب المجلس ،ورئيس
المجلس ،باإلضافة إلى اللجان الدائمة بالمجلس.
ثم نجد المجلس االستشاري للشباب والعمل الجمعوي وتعتبر مرحل ة الش باب هي الفيص ل
العمري بسن الطفولة الهشة وبين الشيخوخة الهرمة ،وبالتالي فإن تأطير الش باب في ه ذه المرحل ة
واجب وضرورة ملحة .وهذا ما دفع الدستور المغربي يوسع من رافعة تعميم مش اركة الش باب في
التنمي ة االجتماعي ة وسياس ة البالد ،ومس اعدته على االن دماج في الحي اة الجمعوي ة وخل ق سياس ة
38
عمومية وشبابية.
وأخيرا يمكن اإلشارة إلى إحداث هيئة مهمة تساهم في تكريس مبدأ الديمقراطي ة التش اركية
بشكل فعال ومستمر.
خاتمة:
نخلص في األخير إلى أن المغرب بمختلف مكوناته و مستوياته أولى أهمية للحكامة ،نظ را
ألهميتها القصوى في تدبير الشأن العام ،و نظ را لتكلف ة غيابه ا المرتفع ة على المالي ة العمومي ة و
اإلقتصاد الوطني ،و تتجلى هذه األهمي ة في التوجيه ات الملكي ة ال تي ت دعوا إلى ض رورة إرس اء
أسس الحكامة الجي دة ،و تحس ين ج ودة الخ دمات كض رورة لتحقي ق التنمي ة المس تدامة ببالدن ا ،و
تحسين الظروف المعيشية للمواط نين ،ه ذا إلى ج انب المقتض يات الجدي دة المنص وص عليه ا في
دستور ،2011التي تعتير الحكامة رك يزة أساس ية إلحق اق الحق وق اإلقتص ادية و اإلجتماعي ة و
الثقافية للمواطنين ،و بناء دولة الحق و القانون ،و تحقيق التنمية اإلقتصادية و اإلجتماعي ة لبالدن ا،
حيث نص صراحة على تعزيز أليات الحكامة الجيدة ،و تخليق الحياة العام ة و محارب ة الفس اد ،و
ترس يخ مب ادئ الش فافية و المس ؤولية و المحاس بة و ع دم اإلفالت من العق اب ،و ذل ك من خالل
21
دس ترة مؤسس ات و هيئ ات حق وق اإلنس ان و الحكام ة الجي دة و التنمي ة البش رية و المس تدامة و
الديمقراطية التشاركية ،و هيئات حماية حقوق اإلنسان.
م ا يمكن قول ه ه و أن الحكام ة تعت بر بمثاب ة نم وذج مث الي يجب الطم وح لتحقيق ه ،رغم
صعوبة ذلك خاصة في الدول النامي ة ،ولكن رغم ك ل الص عاب فإن ه يجب العم ل على بل وغ ه ذا
النموذج لجعله واقع ،وبالتالي نضمن التطور والتنمية اإلنسانية مهما كلف ذلك.
قائمة المراجع:
الكتب
محمد بوطب ،الحكامة :المبادئ واألسس ،مجلة المنارة للدراسات القانونية واإلداري ة ،ع دد
15سنة 2016
صالح سالم ،زروقة وعبد العزيز ،شادي ،تجدد القيادة والتنمية في ال وطن الع ربي ،مرك ز
دراسات وبحوث الدول النامية ،القاهرة2001 ،
زهير عبد الكريم الكايد ،الحكمانية ،قضايا وتطبيق ات ،منش ورات المنظم ة العربي ة للتنمي ة
اإلدارية ،بحوث ودراسات العدد ،372طبعة 2003
كريم الحرش،الدستور الجديد للملكة المغربية شرح وتحليل مكتب ة الرش اد س طات ،الطبع ة
األولى .2012
22
المقاالت والمجالت
محمد البوشكي،هيئات الحكامة الجيدة في دستور ،2011مقال منشور بجري دة أخب ار الي وم
عدد 1548
اللجنة الوطنية لحكام ة المق اوالت :الميث اق المغ ربى للممارس ات الجي دة لحكام ة المنش آت
والمؤسسات العامة ،منش ورات مديري ة المنش آت العام ة والخوصص ة – وزارة االقتص اد
والمالية ،المملكة المغربية ،الرباط2012، ،
اللجنة الوطنية لحكامة المقاوالت :الميثاق المغربي للممارسات الجيدة
.2011 مولود السباعي ،هيئات الحكامة الجيدة في دستور
التقارير والهيئات
التقرير الخت امي لم ؤتمر االعالم والحكماني ة الرش يدة :الحكم الص الح والرش يد في البل دان
العربية ضمانة أساسية الحترام كرامة المواطنين ،المنعقد بالعاصمة األردنية عم ان م ا بين
16 – 14فبراير ،2005جريدة الزمان العدد 2005/02/16 ،2038
التقرير العالمي حول التنمية البشرية الصادر عن برنامج األمم المتحدة للتنمية .1997
الهيئة المركزية للوقاية من الرش وة ،الخصوص يات ،الحص يلة ،االكراه ات ،اآلف اق ،ف اتح
دجنبر 2011
الهيئ ة المركزي ة للوقاي ة من الرش وة ،الحكام ة الجي دة بين الوض ع ال راهن ومقتض يات
الدستور الجديد " 2011الديمقراطية التشاركية والمواطنة" يونيو 2011
23
Rapport du Haut Commissariat au Plan: Croissance économique et
développement humain – eléments pour une planification
stratégique 2007-2015.
القوانين والظهائر
الجري دة،2014 يولي وز30 المتعل ق بمجلس المنافس ة بت اريخ،20-13 الق انون رقم
6276 الرسمية عدد
مراجع بالفرنسية
24
الفهرس:
مقدمة2..................................................................................................................................................... :
المبحث األول :المقاربة التاريخية والمفاهيمية للحكامة 5...............................................................................................
المطلب األول :السياق التاريخي للحكامة 5..........................................................................................................................................................
26