You are on page 1of 3

‫الرقابة على الجماعات الترابية‪ :‬ربط المسؤولية بالمحاسبة‬

‫خالد الشرقاوي السموني‬


‫الجريدة ‪24‬‬

‫يعتبر نظام اللامركزية خيارا لا رجعة فيه ‪ ،‬وورشا يحظى بالأولوية في السياسات‬
‫العمومية للحكومة المغربية ‪ ،‬باعتباره يساهم بشكل قوي في ترسيخ الممارسة‬
‫الديمقراطية ببلادنا ‪ ،‬وتكريس مفهوم الديموقراطية التشاركية‪ ،‬و تحديث التدبير‬
‫المحلي والرفع من نجاعته‪ ،‬كما يشكل دعامة لإرساء أسس الديموقراطية المحلية‪.‬‬

‫وأمام التطورات المهمة والتاريخية التي عرفها مسلسل اللامركزية ببلادنا‪ ،‬وتتويجا‬
‫للإصلاحات والتجارب التي راكمتها بلادنا قرابة نصف قرن من الممارسة‪ ،‬كانت إرادة‬
‫جلالة الملك وراء الدفع بهذا المسلسل نحو آفاق الجهوية المتقدمة‪ ،‬وتجلى ذلك‬
‫عبر صدور الدستور الجديد بتاريخ ‪ 29‬يوليوز ‪ ،2011‬وصدور القوانين التنظيمية‬
‫الجديدة المتعلقة بالجهات والجماعات والعمالات والأقاليم‪ ،‬التي ستساهم لا محالة‬
‫في تعزيز مفاهيم الحكامة والمسؤولية في تدبير الشأن العام المحلي‪ ،‬ودعم دور‬
‫وعمل المؤسسات التدبيرية المحلية‪.‬‬

‫حيث كان من الضروري الانتقال إلى مرحلة جديدة من الديمقراطية المحلية والتي‬
‫تتمثل أسسها في دعم استقلالية الجماعات الترابية إداريا وماليا وممارسة‬
‫اختصاصاتها في إطار مبدأ التدبير الحر و قواعد الحكامة الجيدة‪.‬‬

‫إن القوانين التنظيمية للجماعات الترابية الصادرة جاءت لـتأكيد وتنزيل مقتضيات‬
‫الدستور فيما يخص الجهوية المتقدمة‪ ،‬إذ حملت العديد من المستجدات‪ ،‬ومن بين‬
‫أهمها التخفيف من الوصاية الإدارية لصالح الرقابة القضائية من خلال المحاكم‬
‫الإدارية‪.‬‬

‫فرقابة القضاء الإداري أهم ضمانة لاحترام المشروعية من جهة‪ ،‬وضمان استقلالية‬
‫الجماعات الترابية من جهة أخرى‪ ،‬كما تضمن التوازن في العلاقة بين السلطة‬
‫المركزية والجماعات الترابية‪.‬‬

‫وقد عرفت الرقابة على الجماعات الترابية تطورا مهما‪ ،‬حيث انتقل المغرب من‬
‫الوصاية التقليدية التي كانت مفروضة على الجماعات الترابية إلى تدخل الرقابة‬
‫القضائية في الوصاية الإدارية‪ ،‬محتذيا في ذلك بعدد من قوانين الدول المتقدمة‬
‫في مجال التدبير الترابي‪ .‬وهو ما يعكس رغبة المشرع في تقوية دور القضاء في‬
‫تعزيز الجهوية المتقدمة والرقي بها‪ ،‬وضمان المشروعية‪ ،‬من خلال تحقيق التوازن‬
‫بين ممثلي السلطة المركزية والمجالس المنتخبة‪ ،‬من جهة‪ .‬و من جهة ثانية ‪،‬‬
‫مساءلة الإدارة الترابية عن أعمالها وأنشطتها سواء في محيطها الداخلي أو في‬
‫علاقتها بالمرتفقين‪.‬‬

‫بالإضافة إلى الدور الهام الذي يؤديه القضاء الإداري في مجال الرقابة على تدبير‬
‫الجماعات الترابية ‪ ،‬ينبغي الإشارة أيضا إلى دور الأجهزة الرقابية الأخرى التي تكتسي‬
‫أهمية بالغة‪ ،‬مثل المجالس الجهوية للحسابات والمفتشية العامة للمالية‬
‫والمفتشية العامة للإدارة الترابية‪.‬‬

‫فالرقابة التي تمارسها المجالس الجهوية للحسابات رقابة لاحقة ‪ ،‬وهي قضائية‬
‫وإدارية ‪ ،‬تتجلى في الفحص والتحقق من العمليات المالية للجماعات الترابية‪ .‬كما‬
‫تتولى وزارة الداخلية مهامها الرقابية على المالية المحلية عامة وعلى تنفيذ‬
‫ميزانيتها خصوصا‪ ،‬من خلال جهاز المفتشية العامة للإدارة الترابية التي تناط بها‬
‫مهمة المراقبة والتحقق من التسيير الإداري والتقني والمحاسبي للمصالح التابعة‬
‫لوزارة الداخلية والجماعات المحلية وهيآتها ‪ .‬أما وزارة المالية فتمارس سلطتها‬
‫الرقابية على مالية الجماعات الترابية من خلال جهاز المفتشية العامة للمالية‬

‫فجميع هذه الأجهزة الرقابية ‪ ،‬تهدف إلى التأكد من احترام قواعد التدبير المالي‬
‫والمحاسباتي ‪ ،‬واحترام السياسات وتتبع المساطر والالتزام بالمعايير‪ ،‬من أجل منع‬
‫حدوث الأخطاء ومعالجة الانحرافات في التدبير بشتى أنواعه ‪ ،‬ضمانا لحسن سير‬
‫العمل في إطار القانون ومنع لكل تلاعب أو هدر للمال العام‪,‬‬

‫وحتى تتمكن بلادنا من تطوير هذه المنظومة الرقابية ‪ ،‬لا بد من استحضار‬


‫الدراسات المق ارنة والتركيز على التجارب المتميزة في مجال الرقابة على تدبير‬
‫الجماعات الترابية ‪ ،‬و التوفر على نخب مؤهلة ومكونة تتوفر على مخططات‬
‫للتنمية‪ ،‬ومسلحة بالأساليب التدبيرية الحديثة و المتقدمة ‪ ،‬ووجود موارد مالية‬
‫كافية لتطبيق هذه المخططات التنموية‪ ،‬حتى تصبح الجماعات الترابية في‬
‫المستقبل‪ ،‬مؤسسات فاعلة ووازنة ‪ ،‬تستطيع أن تساهم بدور فاعل في تنمية‬
‫الاقتصاد المحلي ومواجهة الاختلالات الجغرافية والفوارق الاقتصادية والاجتماعية‪،‬‬

‫فضلا عن ذلك‪ ،‬فإن أعمال الرقابة على تدبير الجماعات الترابية‪ ،‬عندما تكون فعالة‬
‫و ذات مصداقية ‪ ،‬يمكن لها أن تترجم المبدأ الدستوري المتعلق بربط المسؤولية‬
‫بالمحاسبة ‪ .‬وهنا أود أن أشير إلى ما جاء في نص الخطاب الذي وجهه جلالة الملك‬
‫بمدينة تطوان يوم ‪ 29‬يوليوز ‪ ، 2017‬بمناسبة الذكرى الثامنة عشرة لعيد العرش ‪،‬‬
‫حيث جاء فيه ‪:‬‬

‫» وهنا أشدد على ضرورة التطبيق الصارم لمقتضيات الفقرة الثانية‪ ،‬من الفصل‬
‫الأول من الدستور التي تنص على ربط المسؤولية بالمحاسبة‪،‬‬

‫لقد حان الوقت للتفعيل الكامل لهذا المبدأ‪ .‬فكما يطبق القانون على جميع‬
‫المغاربة‪ ،‬يجب أن يطبق أولا على كل المسؤولين بدون استثناء أو تمييز‪ ،‬وبكافة‬
‫مناطق المملكة‪،‬‬

‫إننا في مرحلة جديدة لا فرق فيها بين المسؤول والمواطن في حقوق وواجبات‬
‫المواطنة‪ ،‬ولا مجال فيها للتهرب من المسؤولية أو الإفلات من العقاب «‬

You might also like