Professional Documents
Culture Documents
السنة الجامعية
2020 - 2019
1
مقدمة
تعد الحكامة من أهم املصطلحات التي تم تداولها في الحقل التنموي حيث
استعملت ألول مرة من طرف البنك الدولي سنة ،1989الذي اعتبر أن الحكامة أسلوب
ممارسة السلطة في تدبير املوارد االقتصادية واالجتماعية للبالد من أجل التنمية .ويأتي تبنيها
على املستوى الترابي " -الحكامة الترابية " -بهدف مراجعة تعقيد تسيير املدن الكبرى ،ثم
مافتئ هذا املفهوم ينتقل من النظام الليبرالي إلى شكل آخر من الحوار بين املؤسسات
واملجتمع املدني ،ومنذ سنة 1995تبنى هذا املفهوم علماء االجتماع والسياسة كما تبناه
بقوة مختلف املتدخلين امليدانيين خالل مؤتمر إسطنبول للمدن سنة .1996
ويأتي دور الحكامة الترابية كمقترب جديد ملكافحة الفقر والتهميش ،وااللتزام
املشترك ،وكذلك املشاركة التشاورية للمواطنين في نهج سياسة القرب ،وتطوير التعاون
الالمركزي.1
ولعل مبدأ التدبير الحر للشأن املحلي ،كمبدإ دستوري ،2يعتبر أحد أهم مظاهر
الالمركزية الدارية في بعدها الحكامتي ،بحيث يتوخى منه جعل الوحدات الترابية مؤهلة
لوضع التصورات املرتبطة باملشاريع املحلية القادرة على تلبية الحاجيات ذات األولوية
للسكان ،وكذا القدرة على تنفيذ هذه البرامج وتتبعها وتقييمها.3
ويعد إصدار دستور 2011محطة حاسمة في إبراز أهمية الجماعات الترابية ،من
خالل املراهنة على املقاربة الترابية في التنمية ،بعدما أبانت املقاربة املركزية عن فشلها وعدم
قدرتها على مواجهة التحديات والرهانات الجديدة التي يعرفها املغرب قصد تحقيق التنمية
الشمولية املستدامة.
1
-حكيمة ماهر ،الحكامة الترابية ورهان التنمية المحلية ،مقال منشور بالموقع االلكتروني لمجلة القانون العام ،تم االطالع عليه بتاريخ 20نونبر
2019على الساعة .23:15
-2الفصـل 136من الدستور :يرتكز التنظيم الجهوي والترابي على مبادئ التدبير الحر ،وعلى التعاون والتضامن؛ ويؤمن مشاركة
السكان المعنيين في تدبير شؤونهم ،والرفع من مساهمتهم في التنمية البشرية المندمجة والمستدامة.
2
وفي هذا الطار وتطبيقا للمقتضيات الدستورية تمت املصادقة على القوانين
والتي شكلت إطارا قانونيا وتنظيميا لعمل الجماعات الترابية .والتي 4
التنظيمية الثالثة
نصت على ضرورة احترام قواعد الحكامة من أجل تطبيق حسن ملبدإ التدبير الحر.
ويحيل مفهوم التدبير الحر » « Libre administrationعلى صالحية مجالس
الجماعات الترابية املنتخبة وحريتها في تحديد وبلورة اختياراتها وبرامجها في إطار االحترام
التام للمقتضيات القانونية والتنظيمية وبشكل يراعي حدود ما هو متوفر من موارد مالية
من جهة ،كما يحيل إلى استقاللية هذه املجالس في ممارسة اختصاصاتها خارج إطار
الوصاية ،بحيث أصبح بإمكان رؤساء املجالس تنفيذ مداوالتها ومقرراتها من جهة أخرى.
وبالعودة إلى القانون املقارن نجد أن الدستور الفرنس ي لسنة 1958نص على مبدإ
التدبير الحر في الفقرة الثانية من املادة 72حين أشار إلى أن " الجماعات تدار من قبل
مجالس منتخبة بحرية وفقا للشروط المنصوص عليها في القانون " ،5والتي تم
تعديلها بالقانون الدستوري رقم 2003-276بتاريخ 28مارس 2003املتعلق بالتنظيم
الالمركزي للجمهورية كمايلي " :في ظل الشروط التي ينص عليها القانون ،هذه
الجماعات تدار بحرية من طرف مجالس منتخبة ولها سلطة تنظيمية من أجل
ممارسة اختصاصاتها " .6وهو نفس االتجاه الذي تم تكريسه في الفقرة األولى 7من املادة
بمبدإ التدبير األولى من الباب األول من املدونة العامة للجماعات املحلية الفرنسية واملعنون
الحر.
4
-القوانين التنظيمية عدد:
ظهير شريف رقم 1.15.83صادر في 20من رمضان 7 ( 1436يوليو ) 2015بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 111.14المتعلق
بالجهات ،الصادر في الجريدة الرسمية عدد ،6380بتاريخ .2015 /07/ 23
ظهير شريف رقم 1.15.84صادر في 20من رمضان 7 ( 1436يوليو ) 2015بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 112.14المتعلق
بالعماالت واألقاليم الصادر في الجريدة الرسمية عدد ،6380بتاريخ .2015 /07/ 23
ظهير شريف رقم 1.15.85صادر في 20من رمضان 7 ( 1436يوليو ) 2015بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 113.14المتعلق
بالجماعات الصادر في الجريدة الرسمية عدد ،6380بتاريخ .2015 /07/ 23
6 - Loi constitutionnelle n°2003-276 du 28 mars 2003 - art. 6 Dans les conditions prévues par la loi, ces
collectivités s'administrent librement par des conseils élus et disposent d'un pouvoir réglementaire pour
l'exercice de leurs compétences.
7 - Article L1111-1 : « Les communes, les départements et les régions s'administrent librement par
des conseils élus » Créé par Loi 96-142 1996-02-21 jorf 24 février 1996
3
وتبرز أهمية موضوع التدبير الحر في عالقته بقواعد الحكامة الترابية ،في محاولة
إلقاء الضوء على واقع التدبير الحر وأثره على تحقيق التنمية املحلية املنشودة ،وذلك من
خالل رصد تجليات التدبير الحر في عالقتها بما كرسه الدستور والقانون من ضمانات التنزيل
السليم ،هذا األخير الذي تواجهه عدة معيقات.
4
المطلب األول :التدبير الحر للشأن الترابي ،مبادئه وآليات تنزيله
يعتبر القرار بمبدأ التدبير الحر لصالح الجماعات الترابية ،من املستجدات الدستورية
الكبرى لسنة ،2011حيث أكد الفصل 136على أن التنظيم الجهوي والترابي يرتكز على
مبادئ التدبير الحر ،وعلى التعاون والتضامن ويؤمن مشاركة السكان املعنيين في تدبير
شؤونهم والرفع من مساهمتهم في التنمية البشرية املندمجة واملستدامة.
إن القراءة املتأنية لهذا الفصل،تجعل القارئ أوال وقبل كل ش يء ،يطرح تساؤال عريضا
مفاده هل األمر يتعلق بمبدأ التدبير الحر أم بمبادئ للتدبير الحر ؟
فبالرجوع إلى مقتضيات الدستور نجده يتحدث في الفصل 136أعاله ،عن مبادئ
التدبير الحر باللغتين العربية والفرنسية.8
إال أن املشرع الدستوري املغربي في الفصل 146باللغة العربية ،ينص على مبدأ التدبير
الحر وليس مبادئ ،9وذلك على خالف النص الفرنس ي الذي يتحدث عن التدبير الحر فقط
بدون أدنى إشارة لعبارة مبدأ ،حيث جاء الفصل على الشكل التالي:
هذا الخلط الذي وقع فيه املشرع املغربي ،نجده حتى على مستوى الكتابات الفقهية
التي تناولت موضوع التدبير الحر للجماعات الترابية ،فالبعض يستخدم مصطلح مبدأ
التدبير الحر هكذا بصيغة املفرد ،في حين يستخدم البعض اآلخر مصطلح مبادئ التدبير
الحر بصيغة الجمع.
8
l’article 136 dispose que : « (l’organisation régionale et territoriale repose sur les principes de libre
» )administration, de coopération...
9جاء في الفصل 146بأنه تحدد بقانون تنظيمي ،بصفة خاصة:
...قواعد الحكامة المتعلقة بحسن تطبيق مبدأ التبير الحر
5
في هذا الطار ،يرى اتجاه فقهي أن النص الدستوري يتحدث عن مبادئ للتدبير الحر
وليس عن مبدأ التدبير الحر في حد ذاته ،فالنص الدستوري قدم من خالل بنيته الداللية
على مصطلح مبادئ ،وهذه الداللة تؤكد على الجمع لفائدة املفرد ،أو بتعبير آخر ،أن
مصطلح مبادئ آتى نكرة ،وبذلك فهو اعتراف ضمني من قبل املشرع الدستوري على جهل
هذه املبادئ .فلما قام املشرع الدستوري بتقديم النكرة على املعرفة التي هي مفهوم التدبير
الحر ،فهو بذلك أثار إشكاليتين :األولى تتمثل في عدم تحديد املبادئ ،والثانية أنه لم يحدد
معنى التدبير الحر .ولعل فهم هذا اللبس مهمة تركها املشرع الدستوري للبرملان حتى يجعله
يفهم أن تعريف مصطلح التدبير الحر هو في حد ذاته تحديد ملبادئه.10
وعموما ،وعلى الرغم من اللبس والغموض الذي يلف هذا املقتض ى الدستوري ،فإن
التنصيص على هذا املبدأ في صلب الدستور يحمل في طياته إشارة واضحة على البعد
الدستوري للمبدأ ،وعلى كونه حرية من الحريات الدستورية الواجب احترامها من قبل
جميع السلطات السياسية والدارية والقضائية.11
وإذا كان إحجام املشرع الدستوري عن إعطاء تعريف شاف ملبدأ التدبير الحر ،أو على
األقل ،تحديد مبادئ هذا التدبير إن كان األمر فعال يتعلق بمبادئ وليس بمبدأ ،قد جعل من
مبدأ التدبير الحر عبارة فضفاضة وخالية من أي محتوى ،فإن مسؤولية تحديد مضمون
هذا املبدأ ومداه يتوقفان بشكل كبير على اختيارات املشرع ،إلى جانب املحكمة الدستورية
التي ال يقل دورها أهمية في تحديد مالمح هذا املبدأ.
وفي هذا الطار ،يتعين التذكير بأن املشرع في القوانين التنظيمية الثالث حاول
التعريف بهذا املبدأ ،بتنصيصه على أنه " يرتكز تدبير الجهة -مجلس العمالة واإلقليم-
الجماعة على مبدأ التدبير الحر الذي يخول بمقتضاه لكل جماعة ترابية في حدود
اختصاصاتها املنصوص عليهما في القسم الثاني من هذا القانون التنظيمي،سلطة
10عبد اللطيف الهاللي " ،آليات وأنماط التدبير الجهوي على ضوء القانون التنظيمي للجهات رقم ،" 111.14المجلة المغربية للقانون
اإلداري والعلوم اإلدارية ،عدد مزدوج ،2017 ،4-3ص.119-118.
11
أحمد بوسيدي " ،التدبير الحر للجماعات الترابية " ،المنبر القانوني عدد مزدوج ،2012 ،2-3ص.209 .
6
التداول بكيفية ديمقراطية وسلطة تنفيذ مداوالتها ومقرراتها ،طبقا ألحكام هذا القانون
التنظيمي والنصوص التشريعية والتنظيمية املتخذة لتطبيقه".
تأسيسا على ما سبق ،وفي ضوء املرجعية الدستورية والقوانين التنظيمية املتعلقة
بالجماعات الترابية ،يمكن رصد أهم املبادئ التي تؤطر التدبير الحر للشأن الترابي(الفقرة
األولى) ،إال أن أهمية هذه املبادئ ال يمكن أن نالحظها إال من خالل عملية تنزيلها على أرض
الواقع ،والتي تبقى رهينة بمدى األخذ بمجموعة من الوسائل التطبيقية لها(الفقرة الثانية).
يعتبر التدبير الحر حرية عامة وحقا أساسيا للجماعات الترابية ،الهدف من وراء إقراره
هو ضمان استقالليتها وحرية تصرفها وتدخلها من أجل إشباع الحاجات العامة املحلية ،في
إطار الشروط التي يحددها املشرع .وملا كان األمر كذلك ،فإنه ال بد من وجود مبادئ تؤطر
هذا الحق ،وفي نفس الوقت تشكل ضمانة لتنزيله .ويمكن حصر أهم هذه املبادئ فيما يلي:
أولهما القرار بالشخصية املعنوية للجماعات الترابية بكل ما يترتب عنها -
من نتائج ،والتي بمقتضاها تمارس هذه الهيئات مهامها بنوع من االستقاللية سواء
على املستوى الداري أو املالي ،وبذلك يكون منح الشخصية املعنوية لهذه الهيئات
من أهم مظاهر التدبير الحر للشأن الترابي.
7
ثانيهما مسألة انتخاب املجالس املحلية ،فمن الناحية العضوية ،ال -
يستقيم الحديث عن التدبير الحر إذا كانت األجهزة الالمركزية تعينها السلطة
املركزية .وهكذا فال يمكن تصور جماعة ترابية بدون مجلس منتخب ،وفي هذا
السياق نستحضر مقولة بليغة لألستاذ موريس هوريو يقول فيها انه " متى تم
تعيين السلطة املحلية من طرف السلطة املركزية فهناك مركزية حتى ولو تم
االعتراف لهذه السلطة املحلية باالستقاللية واالختصاصات الذاتية ،وفي املقابل
متى تم اختيار سلطة محلية أو سلطة خاصة عن طريق االنتخاب الشعبي فان
فتكوين بوصاية قوية". هناك المركزية حتى ولو كانت هناك استقاللية مقيدة
املجالس باالنتخاب املباشر أو غير املباشر يشكل حسب الدستور الحد األدنى
املطلوب لتحقيق التدبير الحر من الناحية العضوية.12
غير أن ما ينبغي الشارة إليه في هذا املقام ،هو أن مبدأ االنتخاب غير املباشر ال
يتعارض مع ال مركزية حقيقية ،فاملهم أن يكون املجلس منتخبا سواء بطريقة مباشرة أو غير
مباشرة .وأن ال يكون املنتخب خاضعا ألوامر السلطات املركزية وإلى سلطتها الرئاسية.13
نافلة القول ،ان وجود املجالس املنتخبة هو أساس الحديث عن التدبير الحر للشأن
الالمركزي .فكما يقول األستاذ بونار "إن السلطة املحلية يجب أن تنبثق من انتخابات
ُ
محلية حتى تستطيع الشعور بكونها تمارس نشاطها بحرية".
يعتبر مبدأ التفريع من أهم مبادئ التدبير الحر للجماعات الترابية ،والذي بموجبه
تمارس الجهات والجماعات الترابية األخرى اختصاصات فعلية .وفي هذا الطار ،نص الفصل
140من الدستور ،على أنه للجماعات الترابية وبناء على مبدأ التفريع ،اختصاصات ذاتية
واختصاصات مشتركة مع الدولة واختصاصات منقولة إليها من هذه األخيرة.
12
محمد اليعكوبي
13
نفس المرجع ،ص.18 .
8
ويقض ي هذا املبدأ أن تكون الوحدة الدارية القاعدية أو األدنى ،هي صاحبة
االختصاص األصيل ،وال يمكن للوحدة الدارية األعلى التدخل إال في حالة عجز األولى .ومن
ثمة ،فإنه ال يمكن لإلقليم مثال القيام باملهام املسندة للجماعة ،إال في الحالة التي تعجز فيها
هذه األخيرة ،ونفس األمر بالنسبة للجهة التي ال يمكنها التدخل في الشأن القليمي إال في
حالة عجز العمالة أو القليم املعني ،إلى أن تصل هذه الحلقة إلى الدولة التي تعمل على
تصريف هذه االختصاصات من القمة إلى القاعدة.14
وكنتيجة حتمية لهذا املبدأ ،فإنه ال يمكن الحديث عن التدبير الحر للشأن الترابي إذا
كانت املجالس تكتفي بممارسة اختصاصات استشارية .بل ال بد من وجود اختصاصات
ذاتية ومتميزة عن اختصاصات الدولة ،على أن تتوفر على قدر كاف من الحرية ملمارستها من
أجل رعاية الشؤون املحلية.15
وارتباطا بما سبق ،فإن من ضمانات التدبير الحر أن تكون اختصاصات كل من الدولة
ّ
والجماعات الترابية واضحة وموزعة توزيعا دقيقا ،بما يمكن من استبعاد فرضية التداخل
بين االختصاصات .وإن كان هذا األمر من الناحية املنطقية يبقى أمرا صعبا بالنظر إلى
صعوبة التمييز بين الشؤون التابعة بطبيعتها للدولة وبين الشؤون التي تدخل في صميم
اختصاصات الجماعات الترابية ،طاملا أن مفهوم الشأن املحلي ذاته يبقى مفهوما غامضا
ومبها يصعب تحديده بدقة.
يعد مبدأ املساواة أمام القانون ،من أهم املبادئ التي كرسها دستور ،2011حيث نص
الفصل السادس منه على أن "القانون هو أسمى تعبير عن إرادة األمة ،والجميع أشخاص
ذاتيين أو اعتباريين ،بما فيهم السلطات العمومية متساوون أمامه ،وملزمون باالمتثال
له"...
9
فمبدأ املساواة أمام القانون إذن ،ال يطبق على املواطنين واملواطنات فقط ،بل يشمل
حتى األشخاص االعتباريين بما فيهم السلطات العمومية ،لذلك فالجماعات الترابية وهي
بمناسبة القيام بالتدبير الحر لشؤونها ،ملزمة باحترام هذا املبدأ وباقي املبادئ الدستورية
األخرى املتفرعة عنه ،16لعل أهم هذه املبادئ ،مبدأ وحدة الدولة .ذلك أن الجماعات
ا لترابية في إطار الدولة املوحدة ما هي إال وحدات ثانوية ،فرغم تمتعها بالشخصية املعنوية
ومن ثمة ،االستقالل املالي ،إال أنها تدين بوجودها للدولة ،إذ تبقى خاضعة لسيادتها ورقابتها
بهدف احترام القوانين والحفاظ على املصالح الوطنية.17
فالتدبير الحر للجماعات الترابية إذن ،ال يمكنه أن يمس بمبدأ وحدة الدولة ،ومخطئ
من يرى أن االعتراف بالتدبير الحر لهذه الهيئات يفض ي إلى استقالليتها املطلقة تجاه الدولة.
ال خالف في األهمية التي يكتسيها االعتراف للجماعات الترابية بحقها في التدبير الحر
لشؤونها ،إال أن هذه األهمية ال يمكن أن تبرز بشكل حقيقي إال إذا منحت لهذه الهيئات
الوسائل الضرورية لتنزيله على أرض الواقع.18
وفي ضوء املرجعية الدستورية والقوانين التنظيمية للجماعات الترابية ،يمكن القول
بأن هذه الوسائل تتجسد في وسائل قانونية واملتمثلة أساسا في منح السلطة التنظيمية
لهذه الهيئات (أوال) من جهة ،ووسائل مالية (ثانيا) من جهة أخرى.
تشكل السلطة التنظيمية إحدى أهم الوسائل القانونية املوضوعة رهن إشارة
الجماعات الترابية من أجل تفعيل حقها في التدبير الحر لشؤونها ،ويقصد بالسلطة
التنظيمية كآلية ممنوحة للجماعات الترابية ،سلطة إصدار القرارات العامة املجردة لتدبير
10
شؤونها .وال شك في كون إسناد السلطة التنظيمية للجماعات الترابية يعبر عن تطور مهم،
ويدشن للمرور ملرحلة ثالثة في تطور االختصاص في املجال التنظيمي ،كما يعبر في الوقت
ذاته عن ظهور مراكز جديدة للقرار داخل الدولة.19
وقد تم التنصيص عليها ألول مرة في دستور 2011في فصله 140الذي نص على أنه "
للجماعات الترابية وبناء على مبدأ التفريع ،اختصاصات ذاتية واختصاصات مشتركة مع
الدولة واختصاصات منقولة إليها من هذه األخيرة.
تتوفر الجهات والجماعات الترابية األخرى ،في مجاالت اختصاصاتها ،وداخل دائرتها
الترابية على سلطة تنظيمية ملمارسة صالحياتها".
ما يالحظ على هذا الفصل ،هو أن املشرع لم ّ
يفصل وهو يمنح السلطة التنظيمية
للجماعات الترابية ولم يحدد الجهة املختصة فعليا بممارسة هذه السلطة ،وبالتالي طرح
التساؤل هل هذه السلطة ممنوحة للمجالس التداولية لهذه الجماعات أم لرؤسائها
فقط؟
لكن ،وبالعودة للقوانين التنظيمية الثالث املتعلقة بالجماعات الترابية ،سنالحظ أن
املشرع لم ينص في أي موضع على السلطة التنظيمية في اختصاصات الجهات ومجالس
العماالت واألقاليم ثم الجماعات ،وال في اختصاصات مجالسها ،في حين نص عليها وهو
بصدد الحديث عن اختصاصات رؤسائها ،حيث نص على أنه "يمارس رئيس مجلس الجهة
(والجماعات الترابية األخرى) ،بعد مداوالت املجلس ،السلطة التنظيمية بموجب قرارات
تنشر بالجريدة الرسمية للجماعات الترابية"...
وفي هذا الطار أثارت ،بعض االتجاهات الفقهية 20مسألة مدى دستورية منح السلطة
التنظيمية لألجهزة التنفيذية للجماعات الترابية ،معتبرة أن إسناد هذه السلطة لرؤساء
11
الجماعات الترابية مناقض لروح الفصل 140من الدستور ،ألن هذا األخير عندما تحدث
عن الجماعات الترابية فهو في الحقيقة يتحدث عن أجهزتها التقريرية وليس التنفيذية.21
ارتباطا بما سبق ،ظهر اتجاهان فقهيان ،خاصة في فرنسا ،يرى األول أن السلطة
املمنوحة للجماعات الترابية هي سلطة أصلية ومستقلة عن السلطة املمنوحة لرئيس
الحكومة رابطا توجهه هذا بالتدبير الحر املعترف به دستوريا لهذه الهيئات.
أما االتجاه الثاني ،يرى أن هذه السلطة ليست إال سلطة ثانوية وفرعية ،وبيان ذلك في
نظر هذا االتجاه ،هو أنه ال يمكن بأي وجه من الوجوه في إطار الدولة املوحدة التي مصدر
القواعد القانونية ،الحديث عن سلطة تنظيمية أصلية محلية خاصة .وبالتالي ،وحسب هذا
االتجاه دائما ،فإن السلطة التنظيمية املمنوحة للجماعات الترابية ما هي إال سلطة لتطبيق
القوانين ال غير.22
عموما ،ودون الغوص كثيرا في هذه السجاالت الفقهية التي ال نهاية لها ،ينبغي التأكيد
على أن هذه السلطة املمنوحة للجماعات الترابية ،ما هي إال سلطة ثانوية وتابعة ال تمارس
إال في إطار االختصاصات املخولة قانونا لهذه الهيئات ،وبيان ذلك بالضافة إلى مبدأ وحدة
الدولة الذي يعتبر من الثوابت الوطنية التي تقوم عليها األمة املغربية ،والذي يقوم على فكرة
أن السيادة تكون للدولة في مجموع ترابها الوطني ،23ما أفرزت عنه املمارسة داخل هذه
الهيئات.
21برر األستاذ المكي السراجي توجهه هذا مستندا على مبررين رئيسيين .أما األول ،فيتعلق األمر بالكتابات الفقهية المغربية التي
تناولت موضوع السلطة التنظيمية الممنوحة للجماعات الترابية قبل صدور القوانين التنظيمية للجماعات الترابية ،من زاوية
االختصاصات المسندة للجماعات الترابية وبالضبط لمجالسها باعتبارها أجهزة تقريرية وتداولية .أما الثاني ،فاستند فيه إلى الدستور
الفرنسي والفقه الفرنسي اللذان يربطان السلطة التنظيمية بالمجالس التداولية.
22للتوسع أكثر ،أنظر:
أحمد بوسيدي ،الوسائل القانونية للتدبير الحر للجماعات الترابية ،مرجع سابق ،ص 137 .وما بعدها.
23نفس المرجع ،ص.141 .
12
ثانيا :الموارد المالية الممنوحة الجماعات الترابية
إن النهوض بالتنمية الجهوية والترابية عموما ،يقتض ي توفر الجماعات الترابية على
موارد مالية كافية للنهوض بمهامها ،خاصة املوارد الذاتية التي تشكل املرتكز األساس ي للتدبير
الحر ،وهو ما حاول الدستور ومعه القوانين التنظيمية للجماعات الترابية تكريسه ،حيث
مكن هاته الهيئات الترابية من مصادر تمويل متعددة تتشكل من موارد ذاتية وأخرى
مرصودة من قبل الدولة.24
انسجاما مع ما سبق ،فإن املوارد الذاتية للجماعات الترابية وإن كانت تشكل عامال
أساسيا في قياس مدى استقالل الجماعات الترابية ،فإنها وفي ظل الظرفية الحالية تبقى غير
كافية ،مما حدا بالدولة إلى تعزيز املوارد املحولة لفائدة الجماعات الترابية.25
يعتبر توفير املوارد البشرية املؤهلة للجماعات الترابية ،اآللية الكفيلة والقادرة على تنزيل
وتفعيل سياسة التدبير الحر للشأن املحلي ،إذ أن هذا األخير يقتض ي أكثر من أي وقت مض ى
االنتقال من مفهوم التسيير إلى مفهوم التدبير ،ومن مفهوم الرئيس إلى مفهوم القائد ،وهو
األمر الذي ال ولن يتأت إال بتوفير منتخبين مؤهلين ،وكذا إدارة محلية متفتحة قابلة للتأقلم
مع معطيات وأساليب التدبير العمومي الجديد.26
13
المطلب الثاني :ضمانات التنزيل السليم لمبدأ التدبير الحر
تضمنت القوانين التنظيمية املتعلقة بالجماعات الترابية مجموعة من القواعد املتعلقة
بحسن تطبيق مبدأ التدبير الحر من خالل احترام العديد من القواعد املجسدة في املساواة
بين املواطنين في الولوج إلى املرافق العمومية التابعة للجماعات الترابية ،وكذا االستمرارية في
أداء الخدمات وضمان جودتها وتكريس قيم الديمقراطية والشفافية واملحاسبة واملسؤولية
وترسيخ سيادة القانون والتشارك والفعالية والنزاهة ،27وذلك لترسيخ قيم الحكامة في تدبير
الشأن العام الترابي ،ومن أجل ذلك تم إقرار مجموعة من الضمانات سنتطرق لها تباعا على
الشكل التالي:
تعتبر الرقابة من املقومات األساسية للحكامة الترابية ووسيلة لضبط العمل والحرص
على أدائه ،تبعا للضوابط والقواعد القانونية العامة ،وانسجام قرارات وأعمال الجماعات
الترابية مع مبدأ الشرعية.
فاملناداة بضرورة السير في اتجاه تحرير الجماعات الترابية من الوصاية الدارية واملالية
ال يعني قطعا ،أن الجماعات الترابية وأجهزتها تكون فوق أي مراقبة أو محاسبة ،بل يفرض
واقع الحال ،عدم إغفال الرقابة كأسلوب أمثل ملعالجة االختالالت والتي يجب أن تحكمها
مجموعة من الجراءات ،تشمل مايمكن أن يسمى "شبكة املراقبة" التي تشمل الرقابة
السياسية ،القضائية ،املالية والدارية.
فالقوانين التنظيمية عززت مبدأ التدبير الحر بالنسبة للجماعات الترابية عبر حصر
املراقبة الدارية املنصوص عليها دستوريا في مجال املشروعية وتقرير دور القضاء في كل
املنازعات املحتملة.
27المادة 269من القانون التنظيمي 113.14المتعلق بالجماعات وما يقابلها في القوانين التنظيمية للجماعات الترابية األخرى.
14
طبقا للفقرة الثانية من الفصل 145من الدستور ،فإن الوالة والعمال -1
يمارسون املراقبة الدارية على مشروعية قرارات رؤساء املجالس ومقرراتهم ويمكنهم
التعرض على املقرارات التي ال تدخل في صالحياتها أو املخالفة للقانون.
اختصاص القضاء وحده بحل املجالس وبالتصريح ببطالن املداوالت -2
وإيقاف املقرارات والقرارات املتخدة خرقا ألحكام النصوص التشريعية والتنظيمية
الجاري بها العمل.
تخضع للتأشيرة القبلية املقرارات ذات الوقع املالي وبالدرجة األولى على -3
املزانية الجماعية.28
ومن كل ذلك نستنتج أن حرية التدبير غير واردة ،إال في ظل احترام ما هو وارد في
القانون روحا وفلسفة.
من املستجدات الرائدة التي جاءت بها القوانين التنظيمية الجديدة ،تفعيل دور
القضاء الداري حتى يتبوأ املكانة املتميزة التي خولها له دستور ،2011لفض النزاعات بين
الجماعات الترابية واملؤسسات العامة والخاصة ،وحماية الحقوق والحريات الفردية
والجماعية لعموم املواطنين ،وعليه أضحى للقضاء سلطة عزل أعضاء املجالس والتصريح
ببطالن مداوالت املجالس ،ووقف تنفيذ املقرارات الصادرة عن املجالس الجماعية والجهوية
التي قد تشوبها عيوب قانونية متصلة باملشروعية أو املالءمة ،ويتم البت في النزاعات
املتعلقة بارقابة الدارية من طرف املحكمة الدارية املختصة وهي مقاربة من شأنها تطوير
مبدأ التدبير الحر من خالل إجبار املنتخبين للقيام بواجباتهم بعيدا على كل اختالل،
والحرص على التسيير الجيد.
28محمد يحيا ،مبدأ التدبير الحر للجماعات الترابية بين التفسيرين الضيق والواسع في القانونين الدستوري واإلداري المغربيين ،المجلة
المغربية لإلدارة المحلية والتنمية ،عدد ،133الصفحة .31
15
الفقرة الثالثة :التخطيط االستراتيجي
إن التطور الذي عرفته الجماعات الترابية ببالدنا والرهانات املختلفة التي تعلق عليها في
إنعاش القتصاد املحلي يفرض عليها ضرورة اللجوء غلى آلية التخطيط الستراتيجي في تدبير
الشأن العام املحلي.
فاألخذ بالتخطيط العقالني من كافة الجماعات الترابية من شأنه أن يحقق التكامل في
البرامج التنموية وتدخالت مختلف الفاعلين االقتصاديين واالجتماعيين ،وبالتالي تكريس
حكامة التدبير املحلي ،والرقي بالجماعات الترابية لتلعب دورا طالئعيا في تحقيق التنمية
االقتصادية واالجتماعية.
وتنبني عملية التخطيط الستراتيجي على ثمان مراحل :وضع وصياغة األهداف بدقة
ووضوح ،ثم دراسة البيئة الخارجية ،وكذا التغيرات املمكنة ،من أجل تحديد المكانات
الداخلية وبدائل العمل ،والتي من ضمنها يمكن اختيار األفضل ،وعلى ضوء هذا االختيار
يمكن وضع خطط تفصيلية وبرامج تنفيذية يتلوها بعد ذلك تقييم ورقابة العمل برمته ،أي
املخطط الستراتيجي.29
الفقرة الرابعة :توسيع حاالت التنافي ،وإلزامية التصريح بالممتلكات بالنسبة لرؤساء
المجالس وباقي أعضاء مكاتبها
وفق مقتضيات القوانين التنظيمية الجديدة ،تتنافى مهام رؤساء مجالس الجماعات مع
مهام رؤساء مجالس جماعات ترابية أخرى أو مهام رئاسة غرف مهنية ،وتتنافى أيضا مهمة
رئاسة مجلس الجهة مع صفة عضو في مجلس النواب أو في مجلس املستشارين أو في
29محمد بوكطب ،التدبير الحكماتي لإلدارة الترابية بالمغرب ،مجلة مسالك في الفكر والسياسة واالقتصاد ،العدد ،2017 ،48/47
الصفحة .74
16
الحكومة ،وفي حالة الجمع بينهما تجب الستقالة من إحداهما .وفي نفس السياق وبناء على
أحكام هذه القوانين الجديدة ،يجب على رؤساء مجالس الجماعات الترابية وباقي أعضاء
مكاتبها التصريح بممتلكاتهم طبقا لألنظمة القانونية الجاري بهتا العمل خالل أجل أقصاه
شهرين ،تسري من تاريخ انتخابهم ،وبالتالي فكل ذلك يهدف إلى تحميل مسؤولية تدبير
الشأن املحلي للمنتخبين للتفرغ ملهامهم حصريا ،والتأسيس لثقافة جديدة ستساهم في
تدعيم مبدأ التدبير الحر.30
الفقرة الخامسة :المق اربة التشاركية كآلية من آليات تفعيل مبدأ التدبير الحر.
لقد أظهرت الطرق التقليدية في التدبير الداري املحلي على عجزها للتصدي للمشاكل
التي تعترض تحقيق التنمية الدارية بصفة خاصة ،واملساهمة في تحقيق التنمية
االقتصادية بصفة عامة.والسبب في ذلك يرجع إلى نمطية أساليب التدبير القديمة ،التي
تتأسس على مقاربة قانونية وهي مقاربة أصبحت متجاوزة في ظل التحديات الخارجية
والداخلية ،األمر الذي يقتض ي نهج مقاربات جديدة أكثر فعالية من قبيل املقاربة
31
التشاركية.
ويعتبر التدبير التشاركي ضرورة ملحة والية من آليات الحكم الرشيد باعتباره من
املبادئ العامة التي ينبغي احترامها لتكريس قواعد الحكامة املتعلقة بحسن تطبيق مبدأ
التدبير الحر. 32
17
ولعل من أبرز املظاهر والتجليات التي تكرس هذا النوع من التدبير التشاركي ما نجده
ضمن مقتضيات القوانين التنظيمية الثالثة املتعلقة بالجماعات الترابية التي نصت على
مجموعة من اآلليات كالهيئات االستشارية املوضوعاتية التي تم التنصيص على إحداثها على
مستوى كل وحدة من وحدات الجماعات الترابية ،وتهتم هذه الهيئات بقضايا محلية
33
واجتماعية باألساس كما تقوم على إشراك فعاليات املجتمع املدني.
وعليه فاملالحظة امللموسة في هذا الصدد ،أن املجتمع املدني أصبح عنصرا فعاال في
هذه املقاربة التشاركية خاصة أن التصور الجديد للسياسات الحكومية التنموية أصبح
يستدعي حضور املجتمع املدني عموما ،والنسيج الجمعوي خصوصا،كي يساهما باقتراحاتهما
34
ومشاركتهما في العملية التنموية التي تتجسد في البرامج واملبادرات الوطنية واملحلية.
ثم هناك آليات للحوار والتشاور على مستوى الجماعات الترابية الثالثة وهي آلية
تشاركية تعمل على تيسير مساهمات املواطنين واملوطنات والجمعيات في إعداد برامج
التنمية سواء على مستوى الجهة أو العمالة واألقاليم أو الجماعات.
كما تحدد القوانين التنظيمية السالفة الذكر ،آلية جديدة كوجه من وجوه تكريس
املقاربة التشركية والتي تتجلى في تقديم العرائض والتي تم تحديد طريقة وشروط تقديمها
ضمن مقتضيات هذه القوانين التنظيمية.ونشير على أن هذا الجراء يعتبر من أبرز
املستجدات في إطار التدبير املحلي الجديد الذي يهدف إلى مشاركة العموم في اتخاذ القرارات
التي تهمهم ،إذ أنه ألول مرة في املغرب يتم التنصيص على هذا الحق في القوانين التنظيمية
الثالثة ،و لعل هذه التقنية من شأنها تمكين السكان املحلين من تقديم وجهات نظرهم
35
ومقترحاتهم وتوجهاتهم لإلدارة املجالس املحلية للمساهمة في التدبير املحلي بشكل إيجابي.
تأسيسا على ما سبق ،فإن ترسيخ ثقافة التدبير التشاركي بمفاهيمه وقواعده والياته
أصبح مطلبا ملحا في إطار تفعيل مبدأ التدبير الحر،غير أن مالي النصوص القانونية من
33أنضر المواد 117من القانون التنظيمي رقم 111.14المتعلق بالجهات ،المادة 111من القانون التنظيمي رقم 112.14المتعلق
بالعماالت واالقاليم ،والمادة 120من القانون التنظيمي رقم 113.14المتعلق بالجماعات.
34محمد بوكطب ،مرجع سابق ،ص 74
35محمد بوكطب،مرجع سابق ،ص 75
18
أهمية في إدراج هذا النوع الجديد من التدبير إال أن األمر غير كافي إذا لم توجد إرادة فعلية
حقيقية من لدن الفاعل العمومي لتنزيل تلك املقتضيات على أرض الواقع.
19
المطلب الثالث :معيق ات االعتماد السليم لمبدأ التدبير الحر
يتعرض مبدأ التدبير الحر ملجموعة من املعيقات القانونية والوظيفة والبنيوية .هذه
املعيقات التي من شأنها عرقلة االعتماد السليم على هذا املبدأ كأساس لتدبير الجماعات
الترابية وتقوية الالمركزية الترابية ،وبالتالي التنزيل الناجع للجهوية املتقدمة التي نص عليها
الدستور على اعتبار مكانة الجهة في التنظيم الالمركزي.
وتنقسم املعيقات األساسية لتفعيل مبدأ التدبير الحر إلى معيقات قانونية (الفقرة
األولى ) ومعيقات تتعلق باملوارد املالية وبمستوى املنتخبين ( الفقرة الثانية ).
20
وعليه فقد كا ن من األجدر على املشرع أن يخفف من الرقابة سابقة وأن يعزز الرقابة
البعدية ،فالهدف الحقيقي من الرقابة التي منحت للعمال ،سواء على املستوى الالمركزي أو
على مستوى الالتمركز هو التأكد من عمل الهيئة المحلية وفق النمط الذي تحدده
36
اإلختصاصات المخولة لها ،تماشيا مع توجهات الدولة الكبرى.
وعليه ،فكثيرة هي القرارات التي تحتاج لتأشيرة سلطة الرقابة ،منها:
امليزانية؛
إعتراض الوالي على امليزانية؛
املقتضيات املتعلقة بتنفيذ وتعديل امليزانية؛
تعيين املحاسب العمومي للجماعات الترابية من طرف السلطة
املركزية؛
املقرر القاض ي بتنظيم الدارة وتحديد إختصاصاتها؛
مقررات ذات وقع مالي؛
مقرر إتفاقيات التعاون الالمركزي والتوأمة مع جماعات أجنبية؛
إحداث املرافق العمومية املحلية وطرق تدبيرها؛
مقررات التدبير املفوض والتي يأشر عليها من طرف الوزارة املكلفة
37
بالداخلية؛
هذه املواضيع تشكل ركيزة للنشاط املالي والقتصادي للجماعة الترابية والتدبير بصف
عامة ،وقد ضلت حبيسة مراقبة ممثلي السلطات المركزية ،كما أنها تتطلب مساطير معقدة
38
فعلى الرغم من أن املشرع قد حدد مدة 20يوم للتأشير على امليزانية من ووقت كبير.
طرف السلطة الحكومية وونص على أنه في حالة عدم التأشير أو الرد قبل األجل يعتبر ذلك
بمثابة تأشير ،إلى أن الجماعات الترابية ال تجرؤ على تنفيذ ميزانية غير مؤشر عليها من
39
الناحية العملية .وهذا ما يبرز الهيبة والسلطة التي تتوفر عليها السلطة املركزية وممثليها.
36محمد يحيا ،مبدأ التدبير الحر للجماعات الترابية بين التفسيرين الضيق والواسع في القانون الدستوري واإلداري المغربيين ،المجلة
المغربية لإلدارة المحلية والتنمية ،العدد ،133مارس-أبريل ،2017ص .31-30
37المادة 118من القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات .14-113
38محمد يحيا ،المرجع السابق ،ص .43-41
39محاضرات في مادة القانون اإلداري المحلي لألستاذ عبد اللطيف العطروز ،ماستر القانون اإلداري وعلم اإلدارة ،الفوج الخامس،
السنة الجامعية ،2019-2018كلية العلوم القانونية واإلجتماعية واإلقتصادية مراكش ،جامعة القاضي عياض.
21
من خالل ما سبق ،على الرغم من الدور املحوري الذي منحه املشرع للقضاء الداري،
الذي أصبح الحكم الفيصل بين ممثل السلطة املركزية والجماعة الترابية ،إلى أن دور رجل
السلطة الزال حاضرا بقوة في التأشير واملراقبة البعدية على الجماعات الترابية.
40محمد اليعكوبي ،المفهوم الدستوري للتدبير الحر بالمغرب ،المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية ،العدد ،143نونبر-دجنبر
،2018ص .19-18
41محمد يحيا ،المرجع السابق ،ص 43
22
وكذا العمالت ،وفي بناء الطرق ،إلى غير ذلك من مظاهر التداخل .وهذا كله يعرقل تطبيق
42
قواعد الحكامة ،وخصوصا مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة وترتب المسؤوليات.
إضافة إلى ما سبق يمكن مالحظة تعثر مجموعة من النصوص املتعلقة بالجماعات
وخصوصا التي تتعلق بممارسة الجماعات الترابية لختصاصاتها .ومن أمثلة ذلك تأخر
صدور النصوص املنظمة لكيفية إنجاز برامج التنمية ،حيث كانت الجماعات مدعوة لوضع
برنامج للتنمية قبل مرور السنة ،الذي على أساسه يتم وضع امليزانية ،غير أنه لم تصدر
النصوص املتعلقة به إلى بعد سنوات .إضافتا إلى تعتر مجموعة من النصوص األخرى ،منها
ما تم إصداره مؤخرا ،كالهيكل التنظيمي لدارة الجماعات الترابية ،وهذا ما يؤكد مجددا
43
تبعية الجماعات الترابة للمركز.
23
ومن بين مظاهر ضعف الحكامة كذلك إلغاء الحساب الداري الذي كان يعتبر 45
املالية.
فرصة ملحاسبة الرئيس عن ما أنجزه من امليزانية ،وما قام به.
ومن جانب اخر فعلى الرغم من التنصيص على الستقالل املالي للجماعات الترابية
وتمتعها بموارد ذاتية فإن هذا املفهوم صعب التحديد ومعقد .كما تتجلى املعيقات املالية في
املعيقات القانونية من خالل محدودية قرار الجماعات الترابية فيما يتعلق باملوارد والنفقات.
ففي املجال الضريبي فلها هامش ضيق في تحديد األوعية الضريبية وإستخالصها ،وتبقى
خاضعتا في تحديدها لعمل البرملان من خالل القانون ،وهذا ما يأثر على تدبيرها املحلي.
بالضافة إلى املوارد الجبائية فالجماعات الترابية تعرف تقيدا في سلطتها في القرار املتعلق
باملوارد غير الجبائية.
ومن بين املشاكل التي تعرفها مالية الجماعات الترابية ،خصوصا الفقيرة منها ،صعوبة
الحصول على القروض من صندوق التجهيز الجماعي نظرا لفرضه شروط قاسية قد ال
تقوى عليها الجماعات الصغرى ،هذا ما يأدي إلى تهميشها ،خصوصا الجماعات املتواجدة
بالوسط القروي التي لها مؤهالت محدودة ،إضافتا إلى عدم إستقرار القروض وخضوعها
ملنطق الرتفاع والنخفاض وذلك إرتباطا بمستوى مالية الدولة ووضعيتها.
من املشاكل التي تعرفها الجماعات الترابية أيضا عجزها على وضع خطط لصرف
مواردها بشكل ممنهج ،وهذا راجع باألساس لتعتر وضع امليزانيات ،والهوة بين مخططات
التنمية وما نجد بامليزانية ،مما يدل على ضعف التخطيط .وبالتالي تجد الجماعات الترابية
تتسابق لصرف إعتماداتها في آخر السنة بشكل عشوائي ،وهذا بعيد كل البعد عن مبادئ
46
الحكامة.
45سعيد الدحماني ،التدبير العمومي الترابي :من التدبير المقيد إلى التدبير الحر ،مجلة الشؤون القانونية والقضائية ،العدد ،2017 ،2
ص .231
46محمد صدوقي ،التدبير الحر واإلستقاللية المالية للجماعات الترابية :أية عالقة؟ ،المنبر القانوني ،العدد ،2016 ،11ص -116
.118
24
التنظيمية للجماعات الترابية هو إلغاء شرط املستوى التعليمي كشرط للترشح كعضو في
املجلس .هذا ما قد يفتح املجال أمام األميين والجهلة لتدبير شؤون جزء من األمة ،وحل
مشاكل جماعاتهم ،في الوقت الذي يطلب منهم تدبير مجالهم بطرق حديثة ،وتم فتح الباب
أمام أشخاص يصعب الحديث معهم حول الحكامة الجيدة والتدبير األمثل للوحدات
47
وعليه فالواقع يبين أن ضعف تكوين الترابية ،وتبني مبادئ التدبير الحر والتفريع.
املنتخبين يؤثر سلبا على تدبير الشأن العام هذا ما أثر سلبا على الشؤون الجماعية ،فبعض
الجماعات لم تستطع إستيعاب طرق التدبير خصوصا الجانب املالي فيها .وبالتالي يتعرقل
تحضيرها للميزانية في وقتها املناسب ،وال تطبيق قواعد املحاسبة العمومية الترابية يشكل
48
املناسب وفق مناهج التدبير الحديث.
" فمن بين الوسائل التي تجعل التدبير العمومي تدبيرا فعاال ورشيدا ،قدرة املنتخبين
املحليين على تدبير الشؤون املحلية بكل كفاءة وحنكة .فاملنتخب املحلي يجب أن يكون مكونا
فكريا ومعرفيا ومتعلما ...فكلما كان املنتخب صاحب كفاءة مهنية ومعرفية إال وإتسع هامش
النجاعة والفعالية والعكس صحيح " .49
25
الحئة املراجع
عبد اللطيف الهاللي " ،آليات وأنماط التدبير الجهوي على ضوء القانون التنظيمي
للجهات رقم ،" 111.14المجلة المغربية للقانون اإلداري والعلوم اإلدارية ،عدد
مزدوج .2017 ،4-3
أحمد بوسيدي " ،التدبير الحر للجماعات الترابية " ،المنبر القانوني عدد مزدوج -3
.2012 ،2
أحمد بوسيدي" ،الوسائل القانونية للتدبير الحر للجماعات الترابية" ،مجلة المنبر
القانوني ،العدد ،4السنة .2013
محمد يحيا ،مبدأ التدبير الحر للجماعات الترابية بين التفسيرين الضيق والواسع في
القانونين الدستوري واإلداري المغربيين ،المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية،
عدد .133
محمد بوكطب ،التدبير الحكماتي لإلدارة الترابية بالمغرب ،مجلة مسالك في الفكر
والسياسة واالقتصاد ،العدد .2017 ،48/47
محمد اليعكوبي ،المفهوم الدستوري للتدبير الحر بالمغرب ،المجلة المغربية لإلدارة
المحلية والتنمية ،العدد ،143نونبر-دجنبر .2018
سعيد الدحماني ،التدبير العمومي الترابي :من التدبير المقيد إلى التدبير الحر ،مجلة
الشؤون القانونية والقضائية ،العدد .2017 ،2
محمد صدوقي ،التدبير الحر واإلستقاللية المالية للجماعات الترابية :أية عالقة؟،
المنبر القانوني ،العدد .2016 ،11
حكيمة ماهر ،الحكامة الترابية ورهان التنمية المحلية ،مقال منشور بالموقع
االلكتروني لمجلة القانون العام ،تم االطالع عليه بتاريخ 20نونبر 2019على
الساعة .23:15
26
محاضرات في مادة القانون اإلداري المحلي لألستاذ عبد اللطيف العطروز ،ماستر
القانون اإلداري وعلم اإلدارة ،الفوج الخامس ،السنة الجامعية ،2019-2018كلية
العلوم القانونية واإلجتماعية واإلقتصادية مراكش ،جامعة القاضي عياض.
27
مقدمة 2 ...............................................................................
المطلب األول :التدبير الحر للشأن الترابي ،مبادئه وآليات تنزيله5 ..............
5 الفقرة األولى :مبادئ التدبير الحر..................................................
10 الفقرة الثانية :آليات تنزيل مبدإ التدبير الحر......................................
13 الفرة الثالثة :الموارد البشرية........................................................
14 المطلب الثاني :ضمانات التنزيل السليم لمبدأ التدبير الحر......................
14 الفقرة األولى :الرقابة على الجماعات الترابية....................................
الفقرة الثانية :تفعيل دور القضاء اإلداري15 ............................................
الفقرة الثالثة :التخطيط االستراتيجي16 ..................................................
الفقرة الرابعة :توسيع حاالت التنافي ،وإلزامية التصريح بالممتلكات16 ...........
الفقرة الخامسة :المقاربة التشاركية كآلية من آليات تفعيل مبدأ التدبير الحر17 ..
المطلب الثالث :معيقات االعتماد السليم لمبدأ التدبير الحر20 .........................
الفقرة األولى :المعيقات القانونية20 ......................................................
الفقرة الثانية :معيقات مالية وبشرية23 ...................................................
الئحة المراجع26 ......................................................................
فهرس28 ..............................................................................
28