Professional Documents
Culture Documents
-محجوبة الشين
السنة الجامعية
2018 / 02017
مقدمة :
تلعب الصفقات العمومية دو ار مهما في تحقيق التنمية اإلقتصادية واإلجتماعية باعتبارها األداة
اإلستراتيجية التي تمكن الدولة والسلطات العمومية المختلفة من تنزيل سياساتها العمومية وأداء وظائفها
في الميادين المختلفة.1
وقد عملت الدولة على التأطير القانوني للصفقات العمومية عبر مجموعة من المحطات التاريخية
بهدف إعداد منظومة قانونية قادرة على ضبط تعاقد اقتصادي يقوم على التوفيق بين المصلحة العامة
والمصلحة الخاصة في إطار الحفاظ على حقوق الفاعل اإلقتصادي وحماية المال العام.
وفي هذا اإلطار ،كان أول نص قانوني يؤطر الصفقات العمومية بالمغرب هو المتعلق بمراقبة نفقات
الدولة الصادر سنة ،1917مرو ار بظهير 6غشت 1958الذي من نتائجه إصدار مرسوم 19ماي
1965ثم بعده مرسوم 14أكتوبر 1976الذين اعتبروا مواكبة حقيقية بالنسبة لإلطار القانوني للصفقات
العمومية للتنظيم المالي واإلداري الجديد المتبع آنذاك غداة اإلستقالل وكذلك لتطور الطلبية العمومية من
حيث الحجم والنوع ،لكن التحوالت اإلقتصادية التي عرفها المغرب دفعت بالمشرع إلى إصدار مرسوم
جديد سنة ،1998وهو المرسوم الذي صمد طويال إلى حدود سنة 2007قبل أن يأتي مرسوم 2013
الذي ال يزال ساري المفعول إلى يومنا هذا.
لقد عمل مرسوم 2013على تنظيم مسطرة إبرام الصفقات العمومية العادية منها واإلستثنائية ،متوخيا
من وراء ذلك إرساء قواعد جديدة في تدبير الصفقات العمومية ترتكز باألساس على الحكامة الجيدة
وأهداف التنمية المستدامة دون إغفال المبادئ األخرى الناظمة لمساطر إبرام الصفقات العمومية.
وانسجاما مع هذه األهداف ،تضمن المرسوم مجموعة من المستجدات التي كانت غاية المشرع من
ورائها تجاوز اإلختالالت التي عرفها مرسوم 2007والتي كان أهمها كثرة لجوء أصحاب المشاريع إلبرام
صفقات تفاوضية بالنظر لبساطة إجراءاتها وسرعة إبرامها.
وتتجلى بساطة المسطرة التفاوضية في كونها طريقة يتم بواسطتها اختيار نائل للصفقة من طرف
لجنة تسمى ب "لجنة التفاوض" وذلك بعد استشارة متنافس أو أكثر والتفاوض بشأن شروط الصفقة.
انطالقا من هذا التعريف الذي أورده مرسوم 20مارس 2013يتبين أن المسطرة التفاوضية هي
طريقة استثنائية من طرق إبرام الصفقات العمومية ،وتتميز هذه الطريقة بمجموعة من الخصائص التي ال
نجد لها مثيال في المساطر األخرى لإلبرام ،كما يتم إبرام هذه الصفقات وفق شكل معين ،وال يتم اللجوء
إليها إال في حاالت حددها المشرع على سبيل الحصر.
- 1حفيظ مخلول ،حدود إصالح نظام الصفقات العمومية وفقا لمرسوم 20مارس ، 2013منشورات مجلة الحقوق ،دار نشر المعرفة ، 2017 ،
ص .5
1
وتأسيسا عليه ،فإننا سنحاول من خالل هذا العرض مناقشة المسطرة التفاوضية إلبرام الصفقة
العمومية وأبرز اإلشكاليات التي تثيرها هذه المسطرة بغية اإلحاطة بهذا الموضوع من كل جوانبه والخروج
بخالصات معينة تمكننا من تقييم مدى تحقيق هذه المسطرة للمبادئ المؤطرة إلبرام الصفقات العمومية.
2
المبحث األول :خصائص المسطرة التفاوضية وأشكالها
تتميز المسطرة التفاوضية بعدة خصائص (المطلب األول) ،وتتخذ عدة أشكال ( المطلب الثاني).
المطلب األول :خصائص المسطرة التفاوضية
الفقرة األولى :المميزات
المسطرة التفاوضية هي طريقة إبرام الصفقات تختار بموجبها لجنة تفاوض نائال للصفقة بعد استشارة
منافس أو أكثر والتفاوض وتتعلق هده المفاوضات على النصوص بالشك وأجل التنفيذ أو تاريخ االنتهاء
2
أو التسليم وشروط التنفيذ و تسليم العمل ال يجوز أن تتعلق هده بموضوع الصفقة ومحتواها.
بهده العبارات تعرف المادة 84من مرسوم 20مارس 2013الصفقة التفاوضية .فالصفقات التفاوضية
هي مساطر تستشير بموجبها السلطات العمومية المقاولون والممونون ومقدمي الخدمات الذين تختارهم
وتتفاوض بشأن شروط الصفقة مع أحد أو العديد منهم .
تعين لجنة التفاوض من طرف السلطة المختصة او االمر بالصرف المساعد.
و تتكون هذه اللجنة من رئيس و ممثلين عن صاحب المشروع و يمكن لصاحب المشروع ايظا استدعاء
أي شخص اخر خبي ار او تقنيا.
ومن المستجدات التي جاء بها المرسوم 2013اللجنة التفاوضية التي تقوم بالتفاوض بحيث ان مرسوم
2007كان صاحب المشروع يشرف شخصيا على المسطرة التفاوضية.
و يتعين على كل مرشح لنيل صفقة تفاوضية ان يقدم في بداية المسطرة ملفا إداريا و ملفا إضافيا عند
3
االقتضاء يضم مجموع المستندات.
يتوجب ابرام صفقة تفاوضية باستثناء االعمال التي تقتضي ضرورات الدفاع الوطني او االمن العام
الحفاظ على سريتها .ويجب ان تكون هذه الصفاقات موضوع ترخيص مسبق من رئيس الحكومة بالنسبة
لكل حالة على حدة بناء على تقرير خاص من السلطة المختصة المعينة .باستثناء من السلطة المختصة
او من طرف االمر بالصرفالمساعد اعداد شهادة إدارية تبين االستثناء الذي يبرر ابرام الصفقة على
الشكل المذكور و توضح بوجه خاص األسباب التي أدت الى تطبيقه هذه الحالة.
يجوز للسلطة المختصة او االمر بالصرف المساعد دون تحمل اية مسؤولية عن هذا الفعل تجاخ
المتنافسين ان تنهي المسطرة في أي وقت بمقرر موقع من طرفها من طرفها .يحتفظ بهذا المقرر في
ملف الصفقة .
3
الفقرة الثانية :مكونات ملف الصفقة التفاوضية
بخصوص ملف الصفقة التفاوضية :
-يتكون ملف الصفقة من :
-نسخة اعالن االشهار.
-دفتر الشروط الخاصة.
-التصاميم و الوثائق التقنية عند االقتصاد.
-نموذج عقد االلتزام.
-نموذج جدول االثمان و التقدير المفصل.
-نموذج تحليل االثمان بالنسبة للصفقات بأثمان اجمالية االقتضاء.
-العناصر المكونة للعرض التقني عند االقتضاء.
-تتشكل لجنة للتفاوض لدراسة الملفات و تتكون من رئيس و ممثلين عن صاحب المشروع و كل شخص
تعتبر مساهمته مقيدة باألشغال اللجنة
-تقوم اللجنة بفحص الملفات و حصر الئحة المتنافسين الذين يجب ان يقل عدد المتنافسين الذين
استجابوا لدعوة غير كاف.
بعد ذللك يتم توجيه رسالة استشارة للمنافسين المقبولين مع تحديد االجل األقصى إليداع العروض و في
نفس الوقت تتم مراسلة المتنافسين المقصيين لتوضيح أسباب اقصائهم و هذا من مستجدات مرسوم
2013و تسفر المفاوضات اقتراح استناد الصفقة للمنافس الذي قدم العرض األكثر افضلية .
وفي األخير يتم اعداد تقرير تدون فيه المعارضات المتعلقة بالصفقة و يوقعه الرئيس و أعضاء لجنة
التفاوض.
4
من حيث المبلغ والمدة ويحدد ثمنا نهائيا أو مؤقتا وفي هذه الحالة االخيرة ،ال يجوز القيام بأي سلفة أو
دفعات مسبقة ويجيب أن تتم تسوية الرسائل أو االتفاقية الخاصة على شكل صفقة بثمن نهائي خالل
4
الثالثة أشهر الموالية.
وتجدر اإلشارة إلى أنه تم حذف البند (ب) من المادة 73من مرسوم 2007التي كانت تفتح المجال
لإلدارة في اللجوء المكثف للصفقات التفاوضية لكونها ال تضع معيا ار واضحا يمكن االعتماد عليه للجوء
الصفقة التفاوضية من عدمه.
المبحث الثاني :حاالت اللجوء إلى المسطرة التفاوضية واإلشكاليات التي تثيرها
نص مرسوم 20مارس 2013على مجموعة من الحاالت التي يمكن من خاللها لصاحب المشروع
اللجوء إلى المسطرة اإلستثنائية في إبرام الصفقة العمومية المتمثلة في المسطرة التفاوضية ( المطلب
األول ) ،وهي الحاالت التي تثير مجموعة من اإلشكاليات القانونية والعملية ( المطلب الثاني ).
4
5
الفقرة األولى :الحاالت التي تتطلب اإلشهار المسبق واجراء المنافسة
حصرت المادة 86األعمال التي يمكن أن تكون موضوع صفقات تفاوضية بعد إشهار مسبق واجراء
منافسة في نوعين :
-أوال :األعمال التي كانت موضوع مسطرة طلب عروض وتم إعالنها عديمة الجدوى ،5إما بسبب
عدم تقديم أي عرض أو إيداعه مرتين متتاليتين في مسطرتين لطلب العروض ،6أو بسبب عدم قبول
لجنة طلب العروض ألي متنافس على إثر فحص الملفين اإلداري والتقني والملف اإلضافي عند
اإلقتضاء ،أو بسبب عدم القبول الناتج عن فحص العرض التقني أو العينات أو النماذج المصغرة أو
الوثائق الوصفية أو البيانات الموجزة أو الوثائق التقنية األخرى ،أو على إثر فحص العرض المالي،
وكذلك في حالة ما إذا رفضت لجنة طلب العروض قبول أي عرض بالنظر لمقتضيات المرسوم المنظم
للصفقات العمومية والمقاييس المحددة في نظام اإلستشارة.7
وفي هذه الحالة ،يجب أال يط أر أي تغيير على الشروط األصلية للصفقة ،وأال تزيد المدة الفاصلة
بين تاريخ التصريح بعدم جدوى مسطرة طلب العروض وتاريخ نشر اإلعالن عن الصفقة التفاوضية عن
21يوما ،8وبالتالي فإن تجاوز صاحب المشروع للمدة المحددة في 21يوما بعد التاريخ الذي تم فيه
اإلعالن عن عدم جدوى مسطرة طلب العروض ال يتيح له إمكانية اللجوء إلى إبرام الصفقة التفاوضية،
بل يتعين عليه فتح مسطرة طلب عروض جديدة تحت طائلة اعتبار المسطرة معيبة.
ويسري احتساب األجل المقرر في 21يوما ابتداء من اليوم الموالي لليوم الذي تم فيه التصريح بعدم
جدوى مسطرة طلب العروض على الساعة الصفر وينتهي بانتهاء اليوم األخير من المدة المقررة ،واذا
صادف آخر يوم من األجل يوم عيد أو يوم عطلة يتم تمديد األجل حتى نهاية أول يوم عمل موال.9
ونشير هنا إلى أن المادة 86من مرسوم 20مارس 2013حاولت أن تتجاوز القصور الذي كان
يعتري مقتضيات المادة 72من مرسوم 5فبراير 2007التي كانت تخول لصاحب المشروع اللجوء إلى
المسطرة التفاوضية بعد إشهار مسبق واجراء منافسة في حال تقديم عروض اعتبرتها لجنة طلب العروض
- 5المادة 42من مرسوم 20مارس . 2013مرسوم رقم 2.12.349صادر في 8من جمادى األولى 1434الموافق ل 20مارس 2013يتعلق
بالصفقات العمومية ،ج.ر عدد ، 6140صادرة بتاريخ 23من جمادى األولى 1434الموافق ل 4أبريل ، 2013ص .3023
- 6نصت الفقرة األخيرة من المادة 42من مرسوم 20مارس 2013على أنه « ال يبرر إعالن عدم جدوى طلب العروض للسبب الوارد في أ)
أعاله ،اللجو ء إلى المسطرة التفاوضية ،إال في حالة إعادة طرح نفس طلب العروض للمرة الثانية وتم إعالنه عديم الجدوى كذلك » ،ونشير إلى أن
هذا المقتضى يعتبر من المستجدات التي تضمنها مرسوم 20مارس 2013في سبيل الحد من كثرة اللجوء الغير المبرر للمسطرة التفاوضية التي
يضيق فيها هامش المنافسة وتتسع فيها السلطة التقديرية لصاحب المشروع.
- 7المادة 42من مرسوم 20مارس . 2013مرسوم رقم 2.12.349صادر في 8من جمادى األولى 1434الموافق ل 20مارس 2013يتعلق
بالصفقات العمومية ،ج.ر عدد ، 6140صادرة بتاريخ 23من جمادى األولى 1434الموافق ل 4أبريل ، 2013ص .3023
- 8المادة 86من مرسوم 20مارس . 2013مرسوم رقم 2.12.349صادر في 8من جمادى األولى 1434الموافق ل 20مارس 2013يتعلق
بالصفقات العمومية ،ج.ر عدد ، 6140صادرة بتاريخ 23من جمادى األولى 1434الموافق ل 4أبريل ، 2013ص .3023
- 9المادة 8من المرسوم رقم 2.14.394المتعلق بالمصادقة على دفتر الشروط اإلدارية العامة المطبقة على صفقات األشغال ،صادر في 6شعبان
1437الموافق ل 13ماي ، 2016ج.ر عدد ، 6470صادرة بتاريخ 26شعبان 1437الموافق ل 2يونيو ، 2016ص .4111
6
غير مقبولة باعتبار المقاييس الواردة في نظام اإلستشارة ،10وبالتالي فقد كانت هذه المادة مقتصرة على
حالة واحدة من بين أربع حاالت تجعل مسطرة طلب العروض عديمة الجدوى كما ورد التنصيص عليها
بمقتضى المادة 42من مرسوم 5فبراير .112007
كما تجب اإلشارة كذلك ،إلى أن الحاالت التي تعتبر بمقتضاها مسطرة طلب العروض عديمة
الجدوى وتقتضي بالتالي اللجوء إلى المسطرة التفاوضية لم تعد محصورة في أربع حاالت كما كان ينص
على ذلك مرسوم 2فبراير 2007بمقتضى مادته ،1242بل أصبحت هذه الحاالت محددة في خمسة،
حيث تمت إضافة الحالة التي ال يتم فيها قبول أي متنافس على إثر فحص عرضه المالي وذلك بموجب
البند د) من المادة 42من مرسوم 20مارس ،2013وهو إجراء حاول من خالله المشرع سد الفراغ الذي
كان يعتري المادة 42من مرسوم 2فبراير 2007والذي كان يجعل اإلدارة صاحبة المشروع في حيرة من
أمرها بخصوص مدى جواز اللجوء إلى المسطرة التفاوضية من عدمه عندما يتم اإلعالن عن عدم جدوى
مسطرة طلب العروض على إثر فحص العروض المالية للمتنافسين.
كما يالحظ من خالل المقارنة بين مقتضيات المادة 86من مرسوم 2013والمادة 72من مرسوم
2007أ ن المشرع لم يعد يتيح لصاحب المشروع إمكانية اللجوء إلى إبرام الصفقة التفاوضية بالنسبة
لألعمال التي كانت موضوع مسطرة المباراة وتم إعالنها عديمة الجدوى ،مما يجعلنا نتسائل عن المسطرة
التي يتعين على اإلدارة صاحبة المشروع اتباعها عند اإلعالن عن عدم جدوى مسطرة المباراة ؟.
إن اإلجابة عن هذا التساؤل تدفعنا للقول بأن اإلدارة صاحبة المشروع ال يكون أمامها إال طرح نفس
المباراة للمرة الثانية وفي حالة نفاذ المسطرة بعدم الجدوى فآنذاك يتعين عليها اللجوء إلى اإلعالن عن
مباراة جديدة بنظام مباراة جديد تحاول من خالله اإلدارة التخفيف من شروط وكيفيات إسناد الصفقة لكون
هذه الشروط هي التي تجعل المسطرة عديمة الجدوى.
-ثانيا :األعمال التي يعهد صاحب المشروع بتنفيذها إلى الغير حسب الشروط الواردة في الصفقة
األصلية على إثر تقصير من صاحب الصفقة.
بخصوص هذا البند ،يالحظ أن المادة 79من دفتر الشروط اإلدارية العامة الصادر بتاريخ 13ماي
2016تجاوزت التناقض الذي كان يثار بين المادة 86من مرسوم 20مارس 2( 2013من أوال)
والمادة 70من دفتر الشروط اإلدارية العامة لسنة 2000التي كانت تنص على أنه في حالة فسخ
- 10المادة 71من مرسوم 5فبراير . 2007مرسوم رقم 2.06.388صادر في 16من محرم 1428الموافق ل 5فبراير 2007بتحديد شروط
وأشكال إبرام صفقات الدولة وكذا بعض القواعد المتعلقة بتدبيرها ومراقبتها ،ج.ر عدد ، 5518صادرة بتاريخ 19أبريل .2007
- 11تنص المادة 42من مرسوم 5فبراير 2007على أنه « )1يمكن للجنة أن تعلن عن عدم جدوى طلب العروض :
أ -إذا لم يتم تقديم أي عرض أو إيداعه؛
ب -في حالة عدم قبول أي متنافس على إثر فحص الملفين اإلداري والتقني؛
ج -إذا لم يتم قبول أي متنافس على إثر فحص العرض التقني أو العينات؛
د -إذا لم يحظ في رأيها أي من العروض بالقب ول بالنظر إلى المقاييس المحددة في نظام اإلستشارة ».
- 12كانت المادة 42من مرسوم 2فبراير 2007تنص على أنه «
7
الصفقة مع المقاول المقصر فبإمكان صاحب المشروع اللجوء إلى إبرام صفقة جديدة مع مقاول آخر أو
مع تجمع مقاولين وفقا لمسطرة طلب العروض من أجل إتمام األشغال التي بدأها صاحب الصفقة.
إن هذا الالتوافق الذي كان بين أحكام المادة 86من مرسوم 20مارس 2013والمادة 70من
مرسوم 4ماي ( 2000المرسوم المتعلق بالمصادقة على دفتر الشروط اإلدارية العامة ) جعل
الممارسين يتساؤلون عن نوع مسطرة طلب العروض التي يتعين سلوكها في حال ما إذا تم اتخاذ قرار
الفسخ بسبب تقصير صاحب الصفقة ،هل يتعلق األمر بمسطرة طلب العروض المفتوح أم المحدود أم
باإلنتقاء المسبق ،ال سيما إذا تعلق األمر بصفقة أبرمت وفق شكل معين طريقة معينة من أشكال طرق
طلب العروض نظ ار لتوافر شروط هذا الشكل هذه الطريقة ولم يصدر قرار الفسخ إال عند اقتراب انتهاء
األشغال ،وبالتالي فإن الشروط التي تم اإلستناد عليها من أجل اللجوء إلى هذا الشكل هذه الطريقة انتفت
في هذه الحالة ،مما يجعل اإلدارة صاحبة المشروع تتساؤل عن اإلجراء الذي يتعين سلوكه في مثل هذه
الحاالت.
8
و يجب أن تقتصر الصفقات المطابقة لهذه األعمال حصريا على الحاجات الضرورية لمواجهة حالة
اإلستعجال ؛
-خامسا :األعمال المستعجلة التي تهم الدفاع عن حوزة التراب الوطني أو أمن السكان أو سالمة
ال سير الطرقي أو المالحة الجوية أو البحرية ،والتي يجب الشروع في تنفيذها قبل تحديد جميع
شروط الصفقة طبقا للشروط المقررة في البند "ب" من المادة 87بعده؛
-سادسا :األعمال المتعلقة بتنظيم الحفالت أو الزيارات الرسمية التي تكتسي صبغة استعجالية
وغير متوقعة ،وغير متالئمة مع اآلجال الالزمة لإلشهار واجراء المنافسة المسبقين.
-سابعا :األعمال اإلضافية التي يعهد بها إلى مقاول أو مورد أو خدماتي سبق أن أسندت إليه
صفقة ،إذا كان من المفيد ،بالنظر ألجل التنفيذ أو حسن سير هذا التنفيذ ،عدم إدخال مقاول أو
مورد أو خدماتي جديد وعندما يتبين أن هذه األعمال ،غير المتوقعة وقت إبرام الصفقة الرئيسية،
تعتبر تكملة لها وال تتجاوز نسبة عشرة في المائة ( )10%من مبلغها.
أما فيما يتعلق باألشغال ،فيتعين أيضا أن يعتمد في تنفيذها على معدات منصبة أو تم استعمالها من
طرف المقاول في عين المكان ،وتبرم هذه الصفقات على شكل عقود ملحقة بالصفقات األصلية المرتبطة
بها.
إن المالحظ من خالل مقارنة مرسومي 2007و 2013بخصوص األعمال التي يمكن اللجوء فيها
إلى إبرام صفقات تفاوضية بدون إشهار مسبق واجراء منافسة ،أن المشرع أضاف في مرسوم 2013نوعا
جديدا من األعمال التي يمكن أن تكون موضوعا لهذه المسطرة ،ويتعلق األمر بالبند السادس الذي يهم
األعمال المتعلقة بتنظيم الحفالت أو الزيارات الرسمية التي تكتسي صبغة استعجالية وغير متوقعة ،وغير
متالئمة مع اآلجال الالزمة لإلشهار واجراء المنافسة المسبقين.
كما يالحظ كذلك ،أن مرسوم 2013لم يعد يشترط ضرورة ترخيص رئيس الحكومة من أجل إبرام
صفقة تفاوضية بالنسبة لألعمال المستعجلة التي تهم الدفاع عن حوزة التراب الوطني أو أمن السكان أو
سالمة السير الطرقي أو المالحة الجوية أو البحرية والتي يجب الشروع في تنفيذها قبل أن يتسنى تحديد
جميع شروط الصفقة ،مع حذف عبارة األحداث السياسية اإلستثنائية (مقارنة االفقرة 6من البند ثانيا من
مرسوم 2007مع الفقرة 5من البند ثانيا من المادة 86من مرسوم .)2013
نشير كذلك إلى أن مرسوم 2013حاول تجويد الصياغة القانونية من خالل إضافة بعض الحاالت
المماثلة لألعمال التي يتم فيها اللجوء إلى الصفقة التفاوضية ،وكمثال على ذلك ما تضمنته الفقرة 4من
البند ثانيا من المادة 86من أعمال تكتسي صبغة استعجالية قصوى كالوباء والجائحة والوباء الحيواني
واألمراض النباتية المدمرة والحدث المهدد لصحة المستهلك أو الحدث المهدد للثروة الحيوانية أو الطبيعية
(المقارنة بين الفقرة 4من البند ثانيا من المادة 86من مرسوم 2013والفقرة 5من البند ثانيا من مرسوم
9
،)2007ونفس الشيء بالنسبة للفقرة 2من البند ثانيا من المادة 86من مرسوم 2013التي عوضت
عبارة السلطة الحكومية المعنية (الفقرة 2من البند ثانيا من المادة 72من مرسوم )2007بعبارة السلطة
المختصة المعنية ،وذلك انسجاما مع مرسوم 2013الذي ال يسري على إدارات الدولة فقط بل يسري
كذلك على الجماعات الترابية بمستوياتها الثالث والمؤسسات العمومية الواردة في الالئحة المحددة بقرار
الوزير المكلف بالمالية المنصوص عليها في المادة 19من القانون رقم 69.00المتعلق بالمراقبة المالية
للدولة على المنشآت العامة وهيئات أخرى.
المطلب الثاني :اإلشكاالت التي تثيرها حاالت اللجوء إلى الصفقة التفاوضية
تثير المقتضيات القانونية المتعلقة بالمسطرة التفاوضية مجموعة من اإلشكاليات القانونية والعملية
التي ال يسع المجال لمناقشتها جميعها ،لذلك سنكتفي بالتطرق ألهمها ،وهي السلطة التقديرية الواسعة
التي يتمتع بها صاحب المشروع للجوء إلى هذه المسطرة ( الفقرة األولى ) بالنظر لما تتضمنه النصوص
القانونية من عبارات تأولها لصالحها ،يضاف إلى ذلك إشكالية األعمال اإلضافية التي تضاف إلى
الصفقة األصلية من دون أن يحرر في شأنها ملحق كما يقتضي ذلك مرسوم الصفقات العمومية ( الفقرة
الثانية ).
10
صاحبة المشروع ،مما يضرب في العمق المبادئ المؤطرة للصفقات العمومية (تحرير وصياغة دفتر
الشروط اإلدارية الخاصة وفق مقاس أحد المتنافسين).
يضاف إلى ذلك ،أن مرسوم 2013وسع من الحاالت التي يمكن من خاللها لإلدارة أن تلجأ إلى
إبرام الصفقة التفاوضية ،حيث أضافت الفقرة 6من البند ثانيا من المادة 86األعمال المتعلقة بتنظيم
الحفالت أو الزيارات الرسمية التي تكتسي صبغة استعجالية وغير متوقعة ،وغير متالئمة مع اآلجال
الالزمة لإلشهار واجراء المنافسة المسبقين.
إن هذه الحالة تثير الكثير من المالحظات ،لعل أولها تعارضها مع الخطاب الرسمي للحكومة الذي
يفيد بكون مرسوم 2013قيد من حاالت اللجوء إلى المساطر اإلستثنائية إلبرام الصفقات العمومية -
التي تتسم بمحدودية المنافسة والشفافية – للحد من اللجوء المكثف والمتكرر لها وضمان اإللت ازم بمبادئ
الشفافية وحرية الولوج والمنافسة والمساواة بين المترشحين التي تعتبر قطب الرحى بالنسبة لمساطر اإلبرام،
باإلضافة إلى ذلك فإنه وبالنظر إلى الممارسة العملية ببالدنا يمكن القول أن جميع الحفالت والزيارات
الرسمية تكتسي الصبغة اإلستعجالية ،الشيء الذي يمكن صاحب المشروع من تفويت الصفقة بشكل
تفاوضي ،ولعل هذا ما يفسر احتكار بعض الشركات أو المقاوالت للصفقات التي تدخل في هذا اإلطار.
كما تتيح هذه الحالة إمكانية كبيرة لصاحب المشروع في تفويت الصفقة لمن يريد ،وذلك من خالل
سكوت هذا األخير عند إخطاره بزيارة أو حفل رسمي إلى أن يقترب الموعد المحدد وتصبح معه آجال
اإلشهار واجراء المنافسة غير مالئمتين.
إشكالية أخرى تثيرها النصوص المنظمة للصفقات التفاوضية تتعلق بإعفاء الصفقات التي تهم الدفاع
عن حوزة التراب الوطني أو أمن السكان أو سالمة السير الطرقي أو المالحة الجوية أو البحرية والتي
يجب الشروع في تنفيذها قبل تحديد جميع شروط الصفقة من وجوب ترخيص رئيس الحكومة ،وهو ما
يدفعنا للتساؤل عن السبب في عدم اشتراط المشرع لترخيص رئيس الحكومة ال سيما وأن نتائج مثل هكذا
أعمال وبالنظر ألهميتها ستتحملها بالدرجة األولى الحكومة في شخص رئيسها وال يتصور أن يتحملها
المدبر اإلداري الذي يفتقد للمعطيات الكافية التي تسمح له بتقدير الوضع واتخاذ القرار الذي يدخل في
المجال السياسي أكثر منه في المجال اإلداري.
11
بالتالي بالمقاولة إلى طرح النزاع على القضاء بقصد استصدار سند تنفيذي يضفي المشروعية على تلك
العالقة ويمكنها من الحصول على ما تعتبره مستحقاتها.13
وعند عرض النزاع على القضاء ،فإن اإلدارة تتمسك ببطالن العالقة التعاقدية موضوع الصفقة
الملحقة بالنظر لتخلف شرط الكتابة الذي يعتبر إجراء شكليا يتعين احترامه تحت طائلة البطالن ،وذلك
جعلت من عقد الصفقة عقدا شكليا تعتبر الكتابة فيه ركن انعقاد 14
لكون المادة 13من مرسوم 2013
يترتب على تخلفها بطالن العقد ،15فكيف تعامل القضاء اإلداري مع هذا اإلشكال ؟
إن أهم جزاء يترتب على تقرير بطالن العقد اإلداري هو إعدام آثاره ،ومؤدى ذلك أنه ال يمكن البت
في النزاع الناشئ عن ذلك العقد الباطل على أساس مبادئ المسؤولية العقدية ،وهو األمر الذي تترتب
عليه نتائج في غاية األهمية يمكن أن نجمل أهمها فيما يلي: 16
-ال يمكن مواجهة اإلدارة ببنود العقد الباطل وال يمكن إلزامها بتنفيذ ما يرتبه عليها من التزامات،
ومن ثم ال يجوز إلزامها بأداء ثمن األشغال أو التوريدات أو الخدمات المنجزة لفائدتها؛
-ال يمكن الحكم بقيام مسؤولية أي من الطرفين عن الضرر الذي قد يحصل للطرف اآلخر عند
امتناعه عن تنفيذ التزامه مادام العقد المنشئ لهذا اإللتزام باطل ،وبالتالي فال يجوز إلزام اإلدارة
بأداء أي تعويض عن الضرر الذي قد يحصل للمتعاقد معها نتيجة امتناعها عن األداء وال
الحكم ضدها بفوائد التأخير عن األداء المنصوص عليها في مرسوم الصفقات العمومية؛
إن هذه النتائج قد تؤدي إلى إنكار حق المتعامل مع اإلدارة في الحصول على مقابل ما أنجزه من
عمل ،الشيء الذي يتعارض وقواعد العدل واإلنصاف التي تقتضي أال يحرم منجز األعمال اإلضافية من
التعويض ،وهو ما جعل القضاء اإلداري الفرنسي يقر حق هذا األخير بالرجوع على اإلدارة للحصول على
التعويض لكن ليس على أساس المسؤولية العقدية وانما على أحد األساسين التاليين :
-المسؤولية التقصيرية ويشترط فيها تحقق جميع أركانها؛
- 13د.محمد آيت حسو ،اإلشكاليات القانونية التي تطرحها الصفقات المبرمة خارج الضوابط القانونية على ضوء اإلجتهاد القضائي اإلداري ،
أشغال ندوة علمية نظ مت بشراكة بين وزارة العدل والحريات وجمعية هيئات المحامين بالمغرب يومي 6و 7يناير 2017بالرباط ،إصدار مجلة
المحاكم اإلدارية ،العدد الخامس ،ص .133
- 14تنص المادة 13من مرسوم 20مارس 2013على أن " الصفقات عقود مكتوبة تتضمن دفاتر تحمالت تحدد شروط إبرامها وتنفيذها ."......
- 15بالرجوع إلى مرسوم 20مارس 2013يمكن أن نجزم بأن المشرع المغربي قد عمد على جعل الصفقة العموميىة عقدا شكليا تعتبر الكتابة فيه
ركن انعقاد يترتب عن تخلفها بطالن العقد وليس عقدا رضائيا يكفي لقيامه توافق إرادة المقاول مع إرادة اإلدارة ،ذلك أن المشرع وبعد أن عرف
الصفقة في المادة 4بكونها " عقد بعوض يبرم بين صاحب مشروع من جهة وشخص ذاتي أو اعتباري من جهة أخرى ،يدعى مقاوال أو موردا أو
خدماتيا ،وتهدف إلى تنفيذ أشغال أو تسليم توريدات أو القيام بخدمات " ،فإنه حرص على تحديد شكل هذه العقود وأفرد لذلك مادة مستقلة هي المادة
13التي نصت صراحة على أن " الصفقات عقود مكتوبة تتضمن دفاتر تحمالت تحدد شروط إبرامها وتنفيذها " ،ولم يكتفي المشرع بتحديد شكل
الصفقة وإنما حرص كذلك في نفس المادة أي المادة 13من المرسوم على تعداد البيانات التي يجب تضمينها في تلك العقود ،مما يفيد أنها عقود
شكلية.
د.محمد آيت حسو ،اإلشكاليات القانونية التي تطرحها الصفقات المبرمة خارج الضوابط القانونية على ضوء اإلجتهاد القضائي اإلداري ،مرجع
سابق ،ص .145
- 16د.محمد آيت حسو ،اإلشكاليات القانونية التي تطرحها الصفقات المبرمة خارج الضوابط القانونية على ضوء اإلجتهاد القضائي اإلداري ،
مرجع سابق ،ص .149
12
-اإلثراء بال سبب ،وقد اشترط لجواز الحكم بالتعويض على هذا األساس توفر شرطين هما لزوم
كون تلك األعمال التي أنجزها المراد الحكم له بالتعويض قد عادت بفائدة حقيقية على اإلدارة
وأن تكون اإلدارة قد قبلت تنفيذ تلك األعمال إن بصفة صريحة أو ضمنية.
أما بالنسبة للقضاء اإلداري المغربي فقد حاول هو اآلخر إضفاء حماية على المتعامل مع اإلدارة من
خالل البحث عن أساس قانوني يمكنه من البت في النزاعات الناشئة عن األعمال اإلضافية للصفقة
األصلية التي أنجزت خارج الضوابط القانونية المنصوص عليها في مرسوم الصفقات ،مستعينا في ذلك
ببعض النظريات المنصوص عليها في قانون اإللتزامات والعقود خصوصا نظرية اإلثراء بال سبب
(الفصل 75من ق.ل.ع) قبل أن يهجر هذه النظرية ويعتمد على نظرية المسؤولية اإلدارية.
ومن بين األحكام القضائية التي اعتمدت نظرية اإلثراء بال سبب في تعويض المتعامل مع اإلدارة
عن األعمال اإلضافية الغير المقررة بعقد ملحق مبرم طبقا للقانون ،نذكر حكم إدارية فاس الذي جاء فيه
" حيث إن عدم توفر عقد الصفقة على أحد شروط الصفقة الجوهرية يجعله باطال وغير منتج ألي أثر
قانوني ناتج عن العقد وينأى بالتالي بمثل هذا العقد عن مجال العقود اإلدارية والمنازعات القضائية ومن
ثم يجرده من الضمانات التي يخولها للمتقاضي المرسوم المتعلق بتحديد شروط وأشكال إبرام الصفقات.
وحيث إن كان األمر كذلك بالنسبة للعقود المبرمة بين المتعاقدين والتي اختل أحد شروط انعقادها فاألولى
واألحرى أن يكون من الحتمي استبعاد المرسوم المذكور عند انعدام عنصر التعاقد من أساسه كما هو
األمر في نازلة الحال ،لكن اعتبا ار لكون إنجاز األشغال ترتب عنها تحمل المدعي بنفقات أثبتتها الوثائق
المدلى بها وتقرير الخبرة وفي المقابل حققت جهة اإلدارة المنجزة لها هذه األشغال نفعا ثابتا ،واعتبا ار لكون
المدعي لم يكن ليقوم بإنجاز تلك األشغال إال بموافقة جهة اإلدارة وتحت إشراف موظفيها فإن مثل هذه
الوضعية تشكل إثراء لهذه اإلدارة على حساب المدعي بما أنفقه في إنجاز تلك األشغال ،وال يقضى في
إطار مبدأ اإلثراء على حساب الغير إال برد قيمة تكلفة األشغال والخدمات المنجزة مجردة عن أي ربح أو
أي تعويض ".17
إن ما يالحظ على التعويض الممنوح على أساس نظرية اإلثراء بال سبب هو أنه يعادل فقط مبلغ
ض إالاإلثراء الفعلي الذي حصل عليه المشتري دون الربح الذي ضاع منه ،وبالتالي فإن المفتقر ال ُي َع َّو ُ
عن تكلفة األعمال التي أنجزها ،كما أن األخذ بهذا المبدأ يشترط عدم صدور أي خطأ من المفتقر،
وطالما أن منجز األعمال اإلضافية قد أخطأ بدوره في قبول إنجاز تلك األعمال خارج المسطرة القانونية
فإن التساؤل الذي طرح هو هل يجوز اإلستناد على هذه النظرية للحكم بأحقية منجز األعمال اإلضافية
في التعويض.
- 17حكم المحكمة اإلدارية بفاس عدد 139في الملف عدد 00/20صادر بتاريخ 30أبريل .2002أورده د.محمد قصري ،بعض اإلشكاليات
المتعلقة بالمنازعة في مجال الصفقات العمومية ،مقال منشور بمجلة القصر ،عدد ، 22يناير ، 2009ص 43و .44
13
إن مشروعية هذا التساؤل ووجاهته دفعت بالقضاء اإلداري المغربي إلى هجر نظرية اإلثراء بال سبب
واعتماد نظرية المسؤولية اإلدارية كأساس للحكم بالتعويض لصالح منجز األعمال اإلضافية خارج
المسطرة القانونية ،وفي هذا اإلطار قضت المحكمة اإلدارية بالرباط بما يلي " إن القضاء في سبيل إيجاد
حل قانوني لتسوية الوضعية الحسابية ألشغال إضافية أنجزت دون احترام المساطر التنظيمية الواردة في
المجال التعاقدي دأب على محاكمة هذه األشغال في إطار مقتضيات الفصل 79من قانون اإللتزامات
والعقود ".18
وما تجذر اإلشارة إليه هنا ،أنه وان كان من الممكن اإلعتماد على مبادئ المسؤولية التقصيرية طبقا
لمقتضيات الفصل 79من قانون اإللتزامات والعقود فإنه يجب إعمالها بشكل سليم ،ذلك أن الخطأ الذي
يتم اإلعتماد عليه لترتيب المسؤولية هو المتجلي في اإلقدام على التعاقد خارج الضوابط القانونية ،وال شك
أن هذا الخطأ مشترك بين اإلدارة والمتعامل معها ألنهما قبال معا خرق النصوص المنظمة للصفقات
العمومية مما يستوجب تشطير المسؤولية وتحميل كل طرف نصيبه منها.19
وهذا ما أكدته إدارية الرباط في قضية شركة أنكوط ضد الوكيل القضائي للمملكة ،حيث اعتبرت أنه
" ولئن كانت كل األشغال التي تخرق النصوص القانونية المنظمة للصفقات العمومية ال تعتبر أشغال
بمفهوم قانون صفقات األشغال وبالتالي ال يمكن أن تنتج أي أثر قانوني وال يمكن أن تقدم مطالب بشأنها
في إطار المقتضيات القانونية الضابطة إلبرام وتنفيذ الصفقات العمومية .ولئن كان في إطار أشمل إمكان
األطراف الدفع ببطالن العقد المبرم بشكل مخالف للقانون والتمسك بكون العقد الباطل ال يمنح المتعاقد
أي حق في إطار المسؤولية الع قدية إال أن ذلك ال يعني أن هذا المتعاقد ال يمكنه الحصول على
التعويض المترتب عن أشغال يكون أنجزها بمناسبة الصفقة الباطلة وذلك على أساس آخر غير العقد.
وحيث إن مسؤولية اإلدارة في تدبير الصفقة المتنازع بشأنها وفقا لما ينص عليه التشريع المطبق ليست
مسؤولية كاملة بثبوت قيام خطأ المتعاقد نفسه بإهماله المتمثل في تغاضيه عن إبرام الملحق للعقد
وشروعه في إنجاز األشغال المتنازع بشأنها ،وهو ما يشكل خطأ كذلك يجب مراعاته عند تقدير التعويض.
وحيث إنه إعماال لمبدأ تشطير المسؤولية بين طرفي النزاع ،واستنادا إلى تقديرات الخبير وأخذا بعين
اإلعتبار دفوعات الوكيل القضائي وبالنظر إلى طبيعة األشغال المنجزة وعددها ،فإن المحكمة في إطار
سلطتها التقديرية تحدد التعويض الذي من شأنه جبر الضرر الناجم عن القيام بها ضمن الحدود المفصلة
أعاله في مبلغ 300.000,00درهم ".
- 18حكم المحكمة اإلدارية بالرباط عدد 818صادر بتاريخ 23أبريل .2007أورده د.محمد قصري ،بعض اإلشكاليات المتعلقة بالمنازعة في
مجال الصفقات العمومية ،مقال منشور بمجلة القصر ،عدد ، 22يناير ، 2009ص .45
- 19د.محمد آيت حسو ،اإلشكاليات القانونية التي تطرحها الصفقات المبرمة خارج الضوابط القانونية على ضوء اإلجتهاد القضائي اإلداري ،
مرجع سابق ،ص .150
14
خاتمة
إذا كان طابع التعقيد والبطئ اللذان يميزان المساطر العادية إلبرام الصفقات العمومية واللذان ال
يتالئمان مع بعض الحاالت المستعجلة وذات الطبيعة الخاصة هو ما جعل المشرع يقر إمكانية اللجوء
إلى المسطرة التفاوضية التي تتسم ببساطة إجراءاتها وسرعة إبرامها ،فإن المالحظ من خالل استقراء
النصوص المنظمة لهذه المسطرة في مرسوم 20مارس 2013أن ثمة مجموعة من النواقص التي تفتح
الباب أمام مختلف المتدخلين في هذه المسطرة للتالعب وتفويت الصفقة لمن أرادو.
إن هذا الوضع قد يعجل بعملية مراجعة مرسوم 2013وهو ما يعني تغييره ثالث مرات في أقل من
عشر سنوات ،مع اإلشارة إلى أن تغيير النص القانوني أو تعديله – على أهميته – فإنه يبقى قاص ار
لوحده عن إنجاح منظومة الصفقات العمومية ،وهو ما يتطلب تبني مقاربة إصالحية شمولية تهتم بالدرجة
األولى بالعنصر البشري الذي يسهر على تدبير الصفقات العمومية لكون النص القانوني مهما بلغت
جودة صياغته فإنه يظل جامدا ومن يبعث فيه الروح هو المدبر العمومي الذي يتعين عليه احترامه
واإلنضباط لمقتضياته.
إن المسطرة التفاوضية واعتبا ار لكونها طريقة استثنائية من طرق إبرام الصفقات العمومية ،فإن هامش
إخضاعها للمبادئ الناظمة للصفقات العمومية يضيق بشكل كبير ،ومن هنا ينبغي على الشخص المؤهل
للتفاوض أن يتخذ كل االحتياطات بهدف تفادي الوقوع في تهمة الزبونية والمحسوبية.
15