Professional Documents
Culture Documents
رقم األطروحة7102/49:
الدكتور محمد شادي :أستاذ التعليم العالي بكلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية عين السبع........رئيسا.
الدكتور عبد النبي أضريف :أستاذ مؤهل بكلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية عين السبع...مؤط ار وعضوا.
الدكتور محمد حيمود :أستاذ مؤهل بكلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية بسال.........مقرر وعضوا.
الدكتور الشريف الغيوبي :أستاذ مؤهل بكلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية بسال.....مقر ار وعضوا.
الدكتورة نجاة العماري :أستاذة مؤهلة بكلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية بمراكش.....مقر ار وعضوا.
مقدمة عامة:
اختار المغرب منذ بداية االستقالل العمل بنظام الالمركزية ،كنظام لتوزيع
اإلختصاصات والموارد بين الدولة والجماعات الترابية .1وقد عرف هذا النظام مراحل
متوالية من اإلصالحات والتحدي ،إلى حدود صدور دستور ،1122الذي كرس
الجهوية المتقدمة في فصله األول ،مؤكدا أن" التنظيم الترابي للمملكة تنظيم المركزي،
يقوم على الجهوية المتقدمة" ،مسجال بذلك نقطة تحول في تاريخ الالمركزية بالمغرب.
ومن أهم الدول التي انخرطت في هذا االتجاه ،نجد فرنسا ،التي عرفت عدة
إصالحات لنظامها المحلي ولماليتها الترابية ،بداية من المراجعة الدستورية في 12
-المادة 531من الدستور ،الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم ،5.55..5الصادر في 82يوليوز ،8155بتنفيذ نص 1
1
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
مارس ،1112ومرو ار بإصدار القانون المنظم لالستقالل المالي للجماعات الترابية في
12يوليوز.21112
إن التدبير المالي للجماعات الترابية ،هو إفراز للتطور العام للنظام الالمركزي
بالمغرب .ذلك أن هذا التدبير مر بمحطات تاريخية ،ساهمت في وضع اللبنات األولى
لمالية الجماعات الترابية ،بدءا من الفترة التي سبقت نظام الحماية ،حيث تم االهتمام
بمؤسسة األمناء ،كجهاز مكلف بتدبير المال العام في العهد المخزني ،3والتي عرفت
نقاشا فقهيا حول مدى وجود جبايات محلية من عدمها ،إذ هناك من نفى إمكانية وجود
موارد جبائية خالل فترة ما قبل الحماية ،بحيث لم توجد ضريبة ذات صبغة محلية بل
كانت عبارة عن واجبات تدفع عند أبواب المدن ،تعرف بواجب الحافر ،إلى جانب
الرسوم التي تدفع بمناسبة تبادل السلع في األسواق المحلية برسوم المكوس .4بينما
هناك طرح آخر مغايرا ،أقر بوجود جبايات ،كان المستفيد األول منها المدينة أو القرية
في بعض منشآتها ،وكانت تسمى هذه الجبايات بالمستفادات أو المستفاد.5
2
-Loi organique N° 2004-758 du 29 juillet 2004 prise en application de l’article 72-2de la
constitution ralative à l’autonomie financiére des colectivités territoriale, publiée au J.O n°175
du 30 juillet 2004, page 13561 .
-نعيمة هراج التوزاني ،األمناء في المغرب في ظل حكم السلطان المولى الحسن ،52.5-5283مطبعة فضالة، 3
2
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
أما فترة الحماية ،فقد عرفت ظهور البوادر األولى لوضع نظام جبائي كفيل
بتسديد حاجيات الدولة ،وكانت إدارة الحماية تنوي تنظيم ماليتها وهياكلها اإلقتصادية،
إال أن عملية وضع نظام جبائي للمدن ،اعترضتها عدة صعوبات ،تجلت في وضعية
المغرب الخاصة على الصعيد الدولي ،لذا عدلت سلطات الحماية آنذاك عن فكرة
فرض ضريبة ذات مردودية وافرة لفائدة المدن ،وبالمقابل قامت بعدة محاوالت لتحسين
الوضعية ،فأنشأت بعض الضرائب ،كالضريبة على الملك العام ،لكن سرعان ما تبين
أن دخلها كان ضعيفا ،وغير كفيل بتوفير موارد كافية للمدن.6
وأمام ضعف الموارد المحلية ،وازدياد حاجيات المدن ،ظهرت بعض الميزانيات
البلدية منذ سنة 2222م ،واعتمدت في أغلب مواردها على إمدادات الدولة والقروض.
كما ظهرت عدة نصوص تشريعية ،تهدف إلى إعطاء نفس جديد للنظام المالي
والمحاسبي للبلديات ،كظهير فاتح أبريل 2222م ،الذي يتعلق بالمحاسبة البلدية،
وظهير 11يوليوز 2221م ،الذي حدد الرسوم والحقوق البلدية ،كالرسم المفروض
على الحفالت ،والرسوم المفروضة على توزيع المياه ،وظهير 12مارس 2221م،
الذي جاء برسوم بلدية أخرى كالرسم المفروض على الكالب ،والرسم المفروض على
الذبح...7
-6المهدي بنمير ،الجماعات المحلية والممارسة المالية بالمغرب ،مطبعة الوراقة الوطنية ،مراكش ،5..5 ،ص.58 .
7
- Mohammed Sbihi, la gestion des finances communales, société Babel pour l’imprimer,
Rabat, 1992, p.1.
3
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
إن الهدف من خلق هذه الضرائب والرسوم ،هو محاولة تقليص العجز الذي
كانت تعرفه ميزانيات البلديات ،غير أن هذه الجبايات لم تكن كافية لتغطية النفقات
المتزايدة للمدن .ومن تم ظلت ميزانيات البلديات تعتمد على إمدادات الدولة إلى حدود
سنة 2222م.8
ومع تطور األوضاع بالمدن ،التي أخذت تعرف نشاطات صناعية متنوعة ،بدأت
تطرح مشاكل الحركة المجالية ،خاصة أمام تزايد اليد العاملة النازحة من األرياف.9
ولمسايرة هذه األوضاع ،أصبح األمر يتطلب من الدولة البحث عن إيجاد موارد جديدة
لصالح البلديات لمواجهة نفقاتها المتزايدة ،وهو ما دفعها إلى التنازل عن الجزء
األصلي من الضريبة الحضرية لفائدة البلديات ،وذلك بمقتضى الظهير الشريف المؤرخ
في 11أبريل 2221م ،كما تنازلت عن القسط القار من ضريبة السكنى سنة
2221م .وفي سنة 2222م أضيف إلى موارد البلديات الجزء األصلي من الضريبة
المهنية.10
إن النظام الجبائي المحلي خالل فترة الحماية ،لم يعرف تطو ار في اتجاه المركزية
مالية ،تمكن البلديات من تدبير شؤونها ،حيث يظهر ذلك من خالل توزيع الرسوم
والضرائب بين الدولة والبلديات ،إذ كان نصيب البلديات ضعيفا جدا بالمقارنة مع ما
استحوذت عليه الدولة.
-عبد اللطيف امشمش ،نور الدين نصير ،تقرير حول تطور الجبايات المحلية بالمغرب ،نموذج المجموعة الحضرية 8
للدارالبيضاء ،بحث نهاية التدريب ،مركز التكوين اإلداري -الدراالبيضاء ،السنة الدراسية ،5..2-5..8ص.. .
-المهدي بنمير ،الجماعات المحلية والممارسة المالية بالمغرب ،مرجع سابق ،ص.51 . 9
-10عبد اللطيف أمشمش ،نور الدين نصير ،مرجع سابق ،ص.. .
4
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
ومع فترة االستقالل ،خضع التنظيم المالي للجماعات الترابية ،إلصالح قانوني
مهم في ظل ظهير 12يونيو ،112211الذي كان يأخذ بمبدأ ثنائية الميزانية،
المتمثلة في :الميزانية األصلية ،التي تهم مختلف عمليات التسيير ،والميزانية اإلضافية
التي تخصص لتغطية عملية التجهيز .غير أنه في ظل محدودية هذه التجربة ،فإن
القوانين الصادرة في 21شتنبر ،2211منها الظهير المتعلق بالتنظيم المالي
للجماعات المحلية وهيآتها ،والمرسوم الخاص بسن نظام لمحاسبة الجماعات المحلية
وهيآتها ،ستعمل على إدخال مجموعة من اإل صالحات على التدبير المالي للجماعات
الترابية ،وخاصة على مستوى الميزانية ،حيث انتقلت من ميزانيتين أصلية تخص
التسيير ،واضافية تخص التجهيز ،إلى ميزانية واحدة ،تضم التسيير في جزئها األول،
والتجهيز في جزئها الثاني.
وموازاة مع التغييرات التي لحقت ميزانية الجماعات الترابية ،أصدر المشرع على
مستوى التنظيم المالي الترابي ،مجموعة من النصوص التشريعية والتنظيمية .12والتي
ساعدت على تحسين وتطوير العمليات المالية ،التي تشرف على ممارستها الجماعات
الحضرية والقروية.
-11ظهير شريف رقم 5.1..351بتاريخ ذي الحجة 83(538.يونيو ،)5.91المتعلق بالتنظيم الجماعي ،الجريدة الرسمية
العدد ،8528بتاريخ 85يونيو .5.91
-12ظهير شريف رقم 5.89.125بتاريخ 31شتنير 5.89بمثابة قانون ،المتعلق بالتنظيم المالي للجماعات المحلية
وهيئاتها ،جريدة رسمية عدد 3331مكرر ،بتاريخ 5أكتوبر ،5.89ص.3135 .
-مرسوم رقم 8.89.181بتار يخ 31شتنبر 5.89يتعلق بتطبيق الظهير السالف ذكره الخاص بالتنظيم المالي ،جريدة
رسمية عدد ،3331بتاريخ 5أكتوبر ،5.89ص.313. .
-مرسوم رقم 8.89.189يتعلق بسن نظام لمحاسبة الجماعات المحلية وهيئاتها ،بتاريخ 31شتنبر ،5.89جريدة رسمية
عدد ،3331بتاريخ 5أكتوبر ،5.89ص.313. .
-مرسوم رقم 8.89.188بتاريخ 31شتنبر 5.89الخاص بمراقبة صحة االلتزام بالنفقات المتعلقة بالجماعات المحلية
وهيئاتها ،جريدة رسمية عدد ،3331بتاريخ 5أكتوبر ،5.89ص.3118.
5
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
لكن في المقابل ،لم تساهم هاته التعديالت إال بشكل محدود في تعزيز المنظومة
الضريبية الترابية ،بحيث ظلت هذه التعديالت جزئية ومعزولة .وبقي ظهير 12مارس
2211هو المرجع القانوني في تنظيم رسوم وجبايات الجماعات الترابية.
ثم جاء القانون اإلطار لسنة 2222المتعلق باإلصالح الضريبي ،إذ عمل على
ضمان تحويل مدخول الضريبة على األرباح المهنية كليا إلى الجماعة الترابية ،كما
نص على تخصيص 21في المائة على األقل من موارد الضريبة على القيمة
المضافة لهاته الجماعات.13
غير أن هذه التعديالت بالرغم من أهميتها ،لم تكن كافية من أجل مواكبة
الحاجات المتزايدة للجماعات الترابية في تدبير شؤونها اليومية .لذا ،ووعيا بضرورة
تمكين هذه الجماعات من نظام جبائي منتج ،يعتمد على تقنيات وأساليب حديثة ،في
إقرار وتحصيل الضرائب والرسوم ،ويتجاوز في الوقت ذاته سلبيات األنظمة الجبائية
السالفة ،عمد المشرع المغربي إلى صياغة قانون جديد للجبايات المحلية ،بتاريخ 12
نوفمبر ،142222للمساهمة في تطوير المردودية الضريبية للمجالس الجماعية ،ويعزز
بالتالي اإلستقالل المالي للجماعات الترابية.
-ظهير رقم ،5-23-32بتاريخ 85رجب /5515موافق ل 83أبريل ،5.25المتعلق باإلصالح الجبائي للدولة، 13
-الظهير الشريف رقم 5.2..528بتاريخ 85ربيع الثاني ،5551الموافق ل 85نوفمبر ،5.2.الصادر بتنفيذ القانون 14
رقم ،31.2.والمتعلق بنظام الضرائب المستحقة للجماعات المحلية وهيئاتها ،الجريدة الرسمية ،عدد ،5138بتاريخ 9دجنبر
،5.2.ص.5183 .
6
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
ومن أجل تجاوز مختلف اإلشكاالت التي خلفتها الممارسة المالية الترابية ،ألزيد
من ثالثة عقود ،وفي سياق التحوالت التي يشهدها تدبير الشأن العام الترابي ،خاصة
على مستوى تحديث الترسانة القانونية على المستوى الجبائي ،بدخول القانون رقم
21.11المتعلق بجبايات الجماعات المحلية حيز التطبيق في سنة ،15 1112وعلى
المستوى اإلداري خاصة ،بدخول القانون رقم 21.12حيز التنفيذ ،المعدل والمتمم
لقانون رقم 12.11المتعلق بالميثاق الجماعي في سنة ،161112جاء القانون رقم
20.12المتعلق بالتنظيم المالي للجماعات المحلية ومجموعاتها ،بغية تحديد طبيعة
اإلصالحات التي يتعين القيام بها لتحديث النظام المالي ،وجعله أكثر مالءمة
تفعيل لمتطلبات الحكامة الجيدة للجماعات الترابية .كما تم بموجب هذا القانون
المرسوم المتعلق بسن نظام للمحاسبة العمومية للجماعات المحلية ومجموعاتها بتاريخ
12يناير ،2010حيث أقر عدة مستجدات من قبيل المخطط المحاسبي ،والمحاسبة
التحليلية للميزانية.
-15ظهير شريف رقم 5.18.5.1يتعلق بجبايات الجماعات المحلية ومجموعاتها ،صادر في 5.من ذي القعدة
-ظهير شريف رقم 5.12.513الصادر في 88صفر 52 (5.31فبراير )811.بتنفيذ القانون رقم 58.12القاضي 16
بتغيير وتتميم القانون رقم 82/11المتعلق بالميثاق الجماعي ،الجريدة الرسمية عدد ،1855بتاريخ 83فبراير .811.
7
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
ومع بروز النقاش حول الجهوية المتقدمة والتعديل الدستوري لسنة ،1122
عملت الدولة على إعادة النظر في وحداتها الترابية ،ليس فقط على مستوى التوزيع
العمودي واألفقي لالختصاصات ،أو التقسيم الترابي لهذه الوحدات ،وما يرتبط به من
أدوار جديدة ستلعبها الجماعات الترابية مستقبال ،بل أيضا على مستوى المقاربات
المعتمدة في التدبير ،وذلك بتجاوز المقاربات التقليدية في تدبير ميزانيات الجماعات
الترابية ،وايجاد بدائل لتمويل وتنمية قدراتها المالية ،مع التفكير في النتائج واألهداف.
وفي هذا الصدد ،تم من خالل القوانين التنظيمية الجديدة للجماعات الترابية ،تبني
آليات الحكامة المالية لتجاوز اإلكراهات واالختالالت ،التي تعاني منها مالية
الجماعات الترابية.
من هذا المنطلق ،تبرز أهمية الموضوع وراهنيته ،من خالل مجموعة من النقط
نذكر منها ما يلي:
8
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
-المستجدات والتغييرات التي جاءت بها القوانين التنظيمية فيما يخص الجماعات
(القانون رقم ،19)222.22والعماالت واألقاليم ( القانون رقم ،20)221.22والجهات
(القانون رقم .21)222.22
-تزايد اإلختالالت على مستوى الجماعات الترابية ،مما انعكس سلبا على ماليتها،
وبالتالي على مالية الدولة ،نظ ار لروابط التأثير والتأثر بين الماليتين.
إن اختيار موضوع موضوع التدبير المالي للجماعات الترابية ،له مبرراته الذاتية
والموضوعية.
إن موضوع التدبير المالي للجماعات الترابية ،يستفز الباحث ،في مجال مركب،
مليء بالصعوبات على مستوى النصوص القانونية ،والممارسة العملية.
زد على ذلك ،أنه رغم وجود دراسات وبحوث في هذا الموضوع ،إال أنه تبقى
لكل باحث مقاربته للموضوع ،السيما وأن الساحة الوطنية والترابية ،تعيش اليوم على
- 19ظهير شريف رقم 5.51.21صادر في 8يوليوز ،8151بتنفيذ القانون رقم 553.55المتعلق بالجماعات ،الجريدة
الرسمية عدد 83( 9321يوليوز ،)8151ص.9991.
- 20ظهير شريف رقم 5.51.25صادر في 8يوليوز ،8151بتنفيذ القانون رقم 558.55المتعلق بالعماالت واألقاليم،
الجريدة الرسمية عدد 83( 9321يوليوز ،)8151ص.9911.
-21ظهير شريف رقم 5.51.23صادر في 8يوليوز ،8151بتنفيذ القانون رقم 555.55المتعلق بالجهات ،الجريدة
الرسمية عدد 83( 9321يوليوز ،)8151ص.9955 .
9
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
وقع إصالحات مهمة ،تجذب الباحث إلى مقاربة الموضوع على ضوء المستجدات
الراهنة.
كما دفعت عدة أسباب موضوعية ،الختيار موضوع التدبير المالي للجماعات
الترابية ،منها االنعكاس الذي تحدثه مالية الجماعات الترابية على مالية الدولة ،نظ ار
لروابط التأثير والتـأثر ،كما أن معالجة الموضوع تعد مساهمة في رصد االختالالت
القانونية والتنظيمية ،لتدبير مالية الجماعات الترابية ،والبحث عن حلول وبدائل
لتجاوزها.
إن موضوع التدبير المالي للجماعات الترابية ،يكتسي أهمية خاصة لكونه ،يأتي
في سياق مواكبة اإلصالحات الكبرى التي يعرفها المغرب ،خصوصا مع صدور
دستور ،1122والقوانين التنظيمية للجماعات الترابية ،والتي تهدف إلى اعتماد مبادئ
الحكامة الجيدة ،كرافعة أساسية لتخليق مجال تدبير الشأن العام على المستوى الوطني
والترابي.
كما يعد ،موضوع التدبير المالي للجماعات الترابية ،موضوعا شائكا ومتشعبا ،ال
يمكن دراسته فقط باالقتصار على الجانب القانوني أو المؤسساتي ،وانما يظل مفتوحا
على جوانب أخرى.
إن معالجة هذا الموضوع ،تقتضي تحديد المفاهيم الرئيسية له ،والتي بدونها
سيستعصي فهم مضمونه وحل إشكاالته ،وعلى رأسها مفهومي التدبير والحكامة.
ففيما يخص مفهوم التدبير ،نجد أن القرآن الكريم حث في آيات عديدة على
حسن استعمال األموال كقوله تعالى ﴿وال تجعل يدك مغلولة إلى عنقك وال تبسطها كل
البسط ﴾.22
10
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
فالتدبير هنا ،ضد اإلسراف ،ويعرف "عبد الحق عقلة" التدبير كنشاط أو فن أو
طريقة لقيادة منظمة وتسييرها وتخطيط تطورها ورقابتها ،23إنه فن وعلم يهدف إلى
قيادة المنظمة نحو أهداف محددة.
وقد أصبح مصطلح تدبير ،25مفهوما مفتاحا في الواليات المتحدة األمريكية مع
نهاية الستينيات .وعرف في بداية القرن ،كفن للتعامل ،أو بكل بساطة فن الممكن،26
وحاليا يطبق التدبير كفن أو طريقة لقيادة مؤسسة ما ،من حيث إدارتها والتخطيط
لتنميتها وم ارقبتها ،بغية تحقيق أهدافها ،سواء تعلق األمر بمؤسسة في القطاع الخاص
أو العام.27
-عبد الحق عقلة" ،دراسات في علم التدبير" ،الجزء األول ،دار القلم ،الرباط ،الطبعة األولى ،8118 -8119 ،ص95 . 23
وبعدها.
- Aman Abdelmajid, la formation intégrée, méthode de gestion des compétences,
24
-محمد بنطلحة الدكالي ،محاولة لتشخيص ومعالجة الجوانب المالية والجبائية في التنظيم المالي الجماعي ،منشورات 27
المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية ،سلسلة "مواضيع الساعة" ،العدد ،8113 ،55ص.588 .
-التدبير اإلستراتيجي :والذي يعتبر كمجموعة من المهام المرتبطة باإلدارة ،التي تهدف إلى تحديد مسارات التطور 28
11
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
وال يعبر التمييز بين المستويات الثالث للتدبير ،عن أهمية مستوى ما مقارنة مع
اآلخر ،إال أن ذلك يساهم في تحديد مجال المسؤولية والمعرفة الجيدة للمؤهالت
الالزمة بالنسبة لكل مستوى.
فحسب "شوفالييه" ،30هناك ثالث تيارات فكرية تجسد تطور مفهوم التدبير،
ويتعلق األمر بالتوجه القانوني ،الذي يهتم أساسا بالظاهرة اإلدارية انطالقا من دراسة
البنيات اإلدارية والنصوص المنظمة لإلدارة العمومية ،31أما التوجه التدبيري ،32فيسعى
إلى عقلنة عوامل اإلنتاج ،بهدف رفع المردودية للوحدة ككل ،واإلنتاجية بالنسبة لكل
فرد ،ثم التوجه السوسيولوجي ،الذي يعتمد أساسا على مفاهيم ومناهج علم االجتماع
في معالجته للظاهرة اإلدارية.
واذا كان التدبير يهدف بشكل عام ،إلى التوظيف الفعال لإلمكانات والموارد
ألجل تحقيق األهداف المخططة للمنظمة ،فإن مضمونه يختلف بين التوجهين
التدبير اإلداري :يهتم بتدبير موارد المنظمة ،بغية تحقيق أفضل النتائج الممكنة ،ويقوم التدبير اإلداري ،من جهة ،على
تنظيم بنيات المنظمة ،ومن جهة أخرى على ضمان تخصيص وتطوير مواردها.
التدبير العملياتي :يرتبط بالمسارات الفعلية للعمل والالزمة لتحقيق المهام ،ويهدف إلى وضع االختيارات اإلستراتيجية
للمنظمة واستغالل مؤهالتها بشكل أمثل والحرص على جعل مسارات تحولها أكثر فعالية .ويشمل كل عمليات التسيير
االعتيادية التي تتكرر كل يوم ،والتي تفرض مستوى من الكفاءة في تنفيذها.
29
- Aman Abdelmajid, la formation intégrée, méthode de gestion des compétences,
expérimentation dans les administrations publiques marocaines, thèse de doctorat, Univesité
Lyon, 2001, p. 113.
30
Chevalier Gilles : « Eléments de management public : le management public par la qualité »,
Afnor éditions, France, 2009.
- 31عبد الحق عقلة ،القانون اإلداري ،الجزء األول ،المبادئ األساسية لدراسة القانون والعلم اإلداريين ،طبعة،8118 ،
ص.98.
-نوال الهناوي ،التدبير العمومي الجديد ،أطروحة لنيل الدكتوراة في القانون العام ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية 32
12
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
-احتضنت منظومة التدبير مجموعة من المدارس العلمية بتصورات وأفكار متباينة لروادها ،فأساسه التداخلية العلمية لعدة 33
مدارس ومناهج علمية ،ويعتبر بعض الفقه أن كلمة التدبير هي كلمة التينية قديمة ،بعد إهمال توظيفها من قبل الفرنسيين،
سيتم اعتمادها بطريقة رسمية من قبل األكاديمية الفرنسية سنة ،5.83للمزيد من التفاصيل حول الموضوع ،انظر:
- Bartoli Annie : « Management dans les organisations publiques », Dunod, Paris, 3éme édition,
2009, p. 24 et 25.
-ونجد أيضا أن الدول العربية تختلف في استخدامها لمفهومي اإلدارة والتدبير ،حسب تأثرها بالتوجهين السالفي الذكر،
وبحسب اجتهادها وفقا لما تمتلكه من موروث شعبي وتأصيل لغوي ،فبعض الدول تستخدم اإلدارة ،وأخرى تستخدم التدبير
وأيضا التسيير بخلط واضح في مفاهيمها ،بل إن توظيف مفهومي التدبير والتسيير مقصوران على الدول العربية المتبعة
للمنهج الفرنكوفوني ،بينما الدول العربية األخرى تستخدم مفهوم اإلدارة فقط .وعموما فإن المتتبع للموروث العربي ،يجد أن
مفهوم التدبير هو في األصل مصطلح عربي ،وليس غربيا كما يتصوره البعض من الكتاب ومنظري اإلدارة ،ويأتي بعده مفهوم
اإلدارة من حيث العمومية والشمول ،الذي يستخدم عربيا في إدارة األعمال اليومية المتمثلة في اإلشراف والرقابة على تنفيذ
الق اررات وتحقيق األهداف اليومية لإلدارة ،للمزيد من التفاصيل ،انظر:
-عبد المالك أحمد العصري" ،التأصيل النظري لمفهومي اإلدارة والتدبير" ،المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية ،عدد
مزدوج ،519 - 511يوليوز-أكتوبر ،8158ص.528 .
-عبد المالك أحمد العصري" ،التأصيل النظري لمفهومي اإلدارة والتدبير" ،مرجع سابق ،ص.5.9 .
- 34سعيد جفري" ،الحكامة وأخواتها (مقاربة في المفهوم ورهان الطموح المغربي)" ،الشركة المغربية لتوزيع الكتاب ،الدار
البيضاء ،8151 ،ص.52 .
-عبد المالك أحمد العصري ،مرجع سابق ،ص.5.5 . 35
13
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
والتدبير المطلوب هنا ،يتوقف على درجة استيعاب أهمية مقومات التدبير
الحديث ،الذي ينطلق من فكرة محورية مفادها ،أن مناهج التدبير المعتمدة بالقطاع
الخاص ،يمكن نقلها وتطبيقها بالقطاع العام ،هذا األخير الذي أضحى غير فعال
وأكثر بيروقراطية وصالبة ،مكلف وغير مجدد ومطبوع بتسلسلية جد مركزية .38كما أن
األمر ال يتوقف على التنصيص على بعض المقومات الحديثة للتدبير ،بل إن الواقع
يفرض ضرورة التكريس الفعلي والعملي لهذه المقومات واآلليات ،أي االنتقال من
موقف الشعار والخطاب إلى مرحلة العمل الممنهج ،الذي يعكس ثقافة التدبير الحديث،
لدى كل متدخل في العمل التنموي.39
وبناء على ما تقدم ،فإن اعتماد آليات التدبير الحديثة ،داخل الوحدات الترابية،
يعني بالضرورة التفاعل الجدلي لستة عناصر وهي :اإلدارة والتخطيط والتنظيم والمراقبة
واإلنجاز والمسار التدبيري.
-بهيجة هسكر" ،الجماعة المقاولة بالمغرب (األسس ،المقومات والرهانات)" ،طوب بريس ،الرباط ،الطبعة األولى، 36
،8151ص.8.
- Chevalier Gilles: « Eléments de management public : le management public par la qualité »,
37
شهادة الدكتوراه في القانون العام ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،السنة الجامعية ،8151-8155 :ص3 .
وبعدها.
14
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
أما فيما يخص مفهوم الحكامة ،فقد شاع استخدام هذا المصطلح في أدبيات
اإلدارة العامة والسياسات العامة والحكومات المقارنة ،منذ العقد األخير من القرن
الماضي ،وجاء في سياق عالمي ،يتسم بهيمنة صيغ التعامل الدولي بمفاهيم
الخوصصة والعولمة ،التي تسير في اتجاه تنميط حياة الدول والمجموعات واألفراد،
خاصة بعد فشل سياسات اإلصالح بالدول النامية.40
وعلى هذا األساس ،فقد كانت الحكامة الجيدة نتاجا للعديد من الظروف
واإلكراهات ذات الطبيعة الدولية والوطنية ،التي فرضت على الدول النامية تبني
الحكامة الجيدة كآلية لتحقيق التنمية بها.
وكغيره من المفاهيم ،التي يتم ترجمتها من اللغة اإلنجليزية أو الفرنسية إلى اللغة
العربية ،تعترض الحكامة الجيدة la bonne gouvernanceعدة إشكاالت ،فيما
يخص تحديد واضح وجامع ،وأبرزها عدم وجود ترجمة واحدة متفق عليها ،41باإلضافة
إلى تعدد التعاريف التي تختلف باختالف المؤسسات الدولية .حيث لوحظ وجود عدة
-رشيد السعيد ،كريم لحرش "،الحكامة الجيدة بالمغرب ومتطلبات التنمية البشرية" ،مكتبة الرشاد ،الدا رالبيضاء ،الطبعة 40
- 41محمد زين الدين ،الحكامة :مقاربة إبستمولوجية في المفهوم والسياق ،مجلة مسالك في الفكر واالقتصاد ،عدد، 2008،2
ص.8 .
15
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
ترجمات لهذا المفهوم من قبيل الحكم ،والحكم الصالح ،والحكم الراشد ،وادارة الحكم،
واإلدارة المجتمعية والحكمانية والحوكمة والحكامة والحكامة الجيدة.42...
ويطرح مفهوم الحكامة ،45في تعريفه إشكالية تعدد العناصر واألبعاد المكونة
لمختلف التعاريف التي أعطيت له ،سواء من لدن المنظمات الدولية أو من خالل
بعض األدبيات الفقهية ،وذلك بالنظر إلى نوعية المقاربة المعتمدة في تعريفه.
-42عبد الرحمان الماضي"،حكامة المجتمع المدني -العمل الجمعوي نموذجا" ،مجلة مسالك في الفـكر والسياسة واإلقتصاد،
عـدد ،9119 ،01-9ص.10 .
-43عبد العزيز أشرقي " ،الحكامة الجيدة ،الدولية –الوطنية ،الجماعية ومتطلبات اإلدارة المواطنة" ،مكتبة دار السالم للطباعة
والنشر والتوزيع ،الرباط ،الطبعة األولى ، 9119 ،ص.00 .
-عبد الكريم زهير الكايد ،الحكمانية -قضايا وتطبيقات ،المنظمة العربية للتنمية اإلدارية ،عمان ،8113 ،ص.. . 44
- 45كما توجد ترجمات أخرى لهذا المصطلح ،وذلك بالرجوع إلى الترجمات المختلفة ،والتي من بينها كتاب الماوردي"األحكام
السلطانية والواليات الدينية" ،الذي يشير إلى ربط حكم السلطة بالسلطات والسلطانية ،والى المعجم العربي األساسي للناطقين
باللغة العربية ومتعلميها الصادرعن المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ،الذي ورد فيه لفظ الحكمة ،وتعني معرفة أفضل
األشياء بأفضل العلوم أو معرفة الحق لذاته ،ومعرفة الخير ألجل العمل به ،مثلما تعني العلم والتفقه كما رود في سورة لقمان،
وأيضا ورد في لسان العرب ألبي الفضل جمال الدين المصري بأن الحكمة تعني العدل ،أما قاموس المورد الكبير لمنير
البعلبكي فترجمها إلى كلمة الحاكمة.
46للمزيد من التفصيل راجع:
- Thomas.Wiss, "Gouvernance, good governance and global governance : conceptal a
conceptual Challenger, Third world quarter", vol. 21, N° 05, 2000. p .797.
- Bernard Cassen, le piége de la gouvernance, le monde diplomatique, 2001, p.28.
16
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
المقاربة ،أن الحكامة قائمة على الديمقراطية الليبرالية ،وبالتالي فال بد من إقامة نظام
ديموقراطي من أجل اإلستفادة من المساعدات التنموية .فحسب هذا اإلتجاه ،تعتبر
الحكامة وسيلة لتحقيق الفعالية والتسيير النزيه للشؤون العامة إلقامة الدولة الحقوقية،
التي تحترم فيها حقوق اإلنسان والمبادئ الديمقراطية ،وهو ما صرح به الرئيس الفرنسي
جاك شيراك في قمة فرنسا -إفريقيا المنعقدة بواجادوجو البوركينابية سنة ،0991على
أن المبادئ األساسية للحكامة 48هي قبل كل شيء التسيير الجيد والرشيد للشؤون العامة
الذي يحترم من خاللها حقوق المواطنين ،ويأخذ بعين اإلعتبار العدالة اإلجتماعية،
ويضمن بصورة جيدة الوظائف الرئيسية للدولة ،كما يعطي لجميع األفراد حظهم في
تسيير البالد.
- Jacques Carré, Sophie Body, gouvernance locale, pauvreté et exclusion dans les villes anglo-
sasconnes, Presses de L’Université de Paris- Sorbonne, Paris, 1997.
-47إيمنصوران سهيلة" ،الفساد اإلقتصادي واشكالية الحكم الراشد وعالقتهما بالنمو اإلقتصادي" ،مذكرة مقدمة لنيل شهادة
الماجستير في العلوم اإلقتصادية ،قسم التحليل اإلقتصادي ،كلية العلوم اإلقتصادية والتسيير ،جامعة الجزائر ،السنة
الجامعية ،9111 - 9112:ص ،91 .ص.011.
48
-Fares Wafaa, du gouvernement à la gouvernance, étude d’un concept ambigu, Revue
Massalik, N° 8, 2008, p.4.
49
- The Word Bank , Governance and Depelopment , the Word Bank Publication, Washington ,
DC. 1992, p.1.
17
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
فتعريف البنك الدولي ،يؤكد على أن جودة ونوعية إدارة الدولة والمجتمع هي
محدد مركزي للتنمية المستدامة ،وهي أيضا مكون رئيسي لكل السياسات اإلقتصادية
الناجحة.50
أما المقاربة الفقهية ،فترى أنه من الصعب ضبط مصطلح الحكامة وتعريفه،
الرتباطه بمجاالت متنوعة ولتعدد صيغ تداوله .وعموما ،فقد حاول العديد من الباحثين
تعريفها ،مثل محمد سيد أحمد ،الذي عرفها على أنها " تعبير عن أن شيئا ما يتقرر
كنظام حكم دون تخطيط مسبق ودون رسم أو تحديد لنظام معين ،فهي نظام ينبع
من الضرورة ،وليس نظاما يتقرر وفق تصور سابق".51
في حين يرى ماركو( )Marcouأن الحكامة هي"األشكال الجديدة والفعالة بين
القطاعات الحكومية ،والتي من خاللها يكون األعوان الخواص ،وكذا المنظمات
العمومية والجماعات أو التجمعات الخاصة بالموظفين أو أشكال أخرى من األعوان،
يأخذون بعين االعتبار المساهمة في تشكيل السياسة".52
بينما يذهب François Xavierفي تعريفه للحكامة على أنها "تتعلق بشكل
جديد من التسيير الفعال ،بحيث أن األعوان من كل طبيعة كانت وكذلك المؤسسات
العمومية ،تشارك بعضها البعض ،وتجعل مواردها وبصفة مشتركة وكل خبراتها
وقدراتها وكذلك مشاريعها تخلق تحالفا جديدا للفعل القائم على تقاسم
المسؤوليات".53
-خليل حسين ،السياسات العامة في الدول النامية ،دار المنهل اللبناني ،بيروت ،8118 ،ص.5. . 50
-ملتقى الحكم الراشد في اإلدارة العمومية ،المدرسة الوطنية لإلدارة ،و ازرة الداخلية والجماعات المحلية ،الجزائر،8119 ، 52
ص.53 .
-وفاء معاوي ،الحكم المحلي الرشيد كآلية للتنمية المحلية في الجزائر ،مذكرة لنيل شهادة الماجستير في العلوم السياسية، 53
وحدة البحث :سياسات عامة وحكومات مقارنة ،جامعة الحاج لخضر -كلية الحقوق -باتنة ،الجزائر ،السنة الجامعية:
،8151-811.ص.82 .
18
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
وعليه ،يمكن تعريف الحكامة على أنها "مقاربة عصرية في صنع القرار والتدبير
الجيد للشأن العام ،تعتد بتطوير المفاهيم التقليدية المستعملة في مجال التدبير ،وهي
تعبر عن ممارسة السلطة السياسية وادارتها لشؤون المجتمع بمستوياته الترابية ،الوطنية
والعالمية ،والموارد المختلفة عن طريق منهجية للعمل المتعدد األطراف (سلطات
عمومية ،قطاع خاص ومجتمع مدني) ،وعن طريق آليات للفعل تعتمد معايير حكماتية
من قبيل المشاركة والمشروعية والشفافية والمسؤولية ،وذلك لهدف عام هو تحقيق شرط
التنمية ،بأبعادها السياسية واإلقتصادية واإلجتماعية والثقافية والبيئية ،وهي بذلك عبارة
عن آلية ،تتطلب تعدد األطراف المتدخلة ،والتنوع في األسس والمرجعيات المعتمدة،
التي تقوم من جانب على وضع مبادئ للحكامة الجيدة ،54تجد أصولها وعناصرها
المرجعية في عمل وتوجهات المنظمات والهيئات الدولية ،ومن جانب آخر ،تقوم على
تحديد الشروط التي ستجعل منها مقومات مرجعية وعامة في أكثر من مستوى.55
لكل ما سبق ،تطرح إشكالية مدى تبني المغرب آلليات الحكامة المالية ،لتجاوز
االختالالت التي يشهدها التدبير المالي للجماعات الترابية.
-المهدي بنمير " ،الحكامة المحلية بالمغرب وسؤال التنمية البشرية" ،مطبعة وليلي ،الطبعة األولى ،مراكش،8151 ، 54
ص.53 .
-55سعيد الجفري ،الحكامة وأخواتها (مقاربة في المفهوم ورهان الطموح المغربي) ،مطبعة النجاح الجديدة ،الطبعة األولى،
،9101ص.19.
19
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
-ما هو واقع التدبير المالي الترابي؟ وماهي اإلكراهات والحدود التي يعرفها؟
-ما هي مختلف تأثيرات محدودية التدبير المالي الترابي على واقع الجماعات
الترابية؟ وكيف تنعكس على مالية الدولة؟
-وكيف ساهم الدستور والقوانين التنظيمية للجماعات الترابية في تقوية تدبيرها؟
-وما هي مختلف أسس الحكامة المالية الترابية؟
-ثم كيف يمكن تجويد تدبير مالية الجماعات الترابية؟
هذا اإلشكال الرئيسي ،فرض معالجته على ضوء فرضيتين أساسيتين هما:
الفرضية األولى :إن اعتماد آليات الحكامة المالية هي السبيل الوحيد لتجويد
التدبير المالي الترابي.
الفرضية الثانية :إذا كانت الحكامة تقوم على عدة أسس ،كالمساواة والمشاركة
والنجاعة وسيادة القانون والمسؤولية والمحاسبة ،فإن تقوية وتجويد التدبير المالي
الترابي يستلزم آليات أخرى غير الحكامة المالية ،مرتبطة أساسا بالمحيط القانوني
والبشري والتدبيري.
ومن أجل فهم ،وظيفة كل نسق داخل منظومة التدبير ،تم توظيف المنهج
النسقي ،وهو منهج يعتمد على تتب ع العناصر الثابتة في التدبير المالي للجماعات
الترابية ،وكذا العناصر المتغيرة منذ تبني خيار الالمركزية اإلدارية والمالية بالمغرب.
إضافة إلى المنهج الوظيفي ،الذي يقوم على معرفة وظائف وأدوار مختلف
الفاعلين على الصعيد الترابي ،ومدى تأثيرهم في صناعة القرار المالي الترابي .حيث
20
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
اليمكن الوقوف عند األسباب الجزئية في تعثر مسار إصالح مالية الجماعات الترابية،
بل يستدعي هذا األمر تفسير الظواهر في إطارها الشامل ،على اعتبار وجود عالقة
جدلية بين أسباب إخفاق السياسات العمومية الترابية ،وأزمة المالية الترابية.
ولمعرفة مستوى تطور مالية الجماعات الترابية ،وأدائها وحصيلتها وبحث سبل
دعمها ،تمت اإلستعانة بالمنهج المقارن ،من خالل المقارنة مع بعض التجارب
المتقدمة في مجال الالمركزية اإلدارية والمالية ،خصوصا التجربة الفرنسية.
21
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
القسم األول
واقع التدبير المالي للجماعات الترابية
22
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
لهذه األسباب ،فإن نجاح أي جماعة ترابية رهين بصياغة واعداد وتنفيذ
اإلستراتيجيات المالية ،التي تعتمد عليها المجالس المنتخبة ،في بلورة تصوراتها
المستقبلية للتنمية الترابية ،من خالل التدبير الجيد لميزانياتها( إيرادا وانفاقا) ،وهو ما
يجعل التدبير المالي للجماعات الترابية ضرورة أساسية لكل جماعة على حدة
(الجماعات ،والعماالت واألقاليم والجهات) من أجل تحقيق أهدافها المسطرة سلفا،
استنادا إلى تخطيط مسبق ،وتنظيم محكم وانجاز دقيق ومراقبة هادفة.
إن التدبير المالي للجماعات الترابية وعقلنة الموارد ،عرف ضعفا واختالالت
ناتجة عن محدودية موارد الجماعات الترابية ،نظ ار لالرتباط الوثيق بالدولة ،واشكالية
الباقي استخالصه ،وثقل الوصاية ،وضعف الرقابة ،كما أن تدبير نفقات الجماعات
الترابية،
تعترضه عدة صعوبات سيتم توضيحها من خالل هذا القسم .لهذا تم تخصيص
الفصل األول لمعالجة ضعف تمويل الجماعات الترابية ،وعجز الوحدات الترابية عن
تدبير مواردها ،على أن يتم التطرق في الفصل الثاني إلشكالية تدبير اإلنفاق الترابي.
23
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
إن درجة قوة الحكم في الدول ،تقاس بالنسبة التي تشكلها المالية الترابية إلى
المالية العامة في مجموعها ،فالجماعات الترابية القوية ،هي تلك التي تبلغ ماليتها ثلث
المالية العامة على األقل ،وذلك ألن الموارد المالية المحدودة ،تكبل يد الهيئات الترابية
وتجعلها عاجزة عن التصرف بحرية ،وتكون مضطرة للجوء إلى السلطة المركزية،
للحصول على إعانات مالية ،كما تعجز هذه الهيئات الترابية عن تحقيق التنمية ،بسبب
عدم كفاية اإلمكانيات المالية المتاحة لتمويل ميزانياتها ،بينما بالمقابل يسهل تحقيق
ذلك في الجماعات الترابية الغنية ،بسبب توفرها على اإلمكانيات المالية الكافية.56
فإذا كان تنازل الدولة عن مجموعة من الموارد المالية ،مقابل تخويل الجماعات
الترابية اختصاصات ومهام تتعلق بتدبير شؤونها ،فإن اإلستقالل المالي للهيئات
الالمركزية ،يرتبط باألساس القانوني لهذه الموارد ،وبمدى مساهمتها في تمويل
ميزانيات الجماعات الترابية.
-عبد القادر الطالبي ،مساعدات الدولة للجماعات المحلية بالمغرب ،أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام ،وحدة 56
البحث والتكوين :إدارة عامة ،كلية العلوم القانونية واإلقتصادية واإلجتماعية-وجدة ،السنة الجامعية ،8118-8115 :ص.
.888
24
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
تستند الجماعات الترابية ،في تدبير شؤونها على مقومات وعناصر بشرية
وقانونية ومالية ،تشكل اإلطار العام لتدخل هذه الهيئات في الميادين االقتصادية
واالجتماعية ،فالجانب المالي يشكل حجر الزاوية ،في كل تنظيم ترابي ،فمهما تعددت
االختصاصات التي تعطى لجماعة ترابية معينة ،ومهما كانت صالحيتها في مجاالت
تدخلها ،فهي تحتاج للوسائل المالية الالزمة لبلورة إرادتها وق اررتها ،في شكل مشاريع
وبرامج وخدمات.
-ظهير شريف رقم 5.51.23صادر في 8يوليوز ،8151بتنفيذ القانون رقم 555.55المتعلق بالجهات ،الجريدة 57
-ظهير شريف رقم 5.51.25صادر في 8يوليوز ،8151بتنفيذ القانون رقم 558.55المتعلق بالعماالت واألقاليم،
الجريدة الرسمية عدد 83( 9321يوليوز ،)8151ص.9911.
-ظهير شريف رقم 5.51.21صادر في 8يوليوز ،8151بتنفيذ القانون رقم 553.55المتعلق بالجماعات ،الجريدة
الرسمية عدد 83( 9321يوليوز ،)8151ص.9991.
25
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
وتحصل الجماعات الترابية على مواردها المالية ،من مصادر متعددة ،منها ماهو
خارجي ،كالقروض ،والهبات واإلعانات ،ومنها ماهو ذاتي ،كالرسوم والضرائب
الترابية ،وموارد الممتلكات ،إلى جانب الموارد المرتبطة بالتدخالت االقتصادية
للجماعات الترابية إن وجدت ،عن طريق المساهمة في شركات التنمية المحلية ،من
أجل تمويل التنمية الترابية.
ويعد التمويل الذاتي ،إطا ار يمكن من إبراز مدى كفاءة المنتخبين ،في نهج أحسن
الطرق للزيادة في المداخيل ،وتحسين الوضعية المالية للجماعة ،والبحث عن مصادر
جديدة للتمويل ،من أجل تغطية احتياجات الساكنة الترابية ،ومواجهة متطلبات سير
المرافق الجماعية ،لذا يطرح السؤال حول مساهمة نظام التمويل الترابي في تغطية
متطلبات الجماعات الترابية؟
المطلب األول :تعداد موارد الجماعات الترابية
تشمل موارد الجماعات الترابية ،طبقا ألحكام المادة 040من دستور ،9100
على موارد مالية ذاتية ،وموارد مالية مرصودة من قبل الدولة ،بحيث يتم رصد موارد
تكون مالزمة لالختصاصات المنقولة للجماعات الترابية.
وكل اختصاص تنقله الدولة إلى الجهات والجماعات التربية األخرى ،يكون مقترنا
بتحويل الموارد المطابقة له.
وقد نصت القوانين التنظيمية للجماعات الترابية ،على موارد الجماعات الترابية،
والمكونة من حصيلة الضرائب أو حصص ضرائب الدولة المخصصة للجهة ،بمقتضى
قوانين المالية ،والسيما فيما يتعلق بالضريبة على الشركات والضريبة على الدخل،
والرسم على عقود التأمين طبقا ألحكام المادة 011من القانون التنظيمي للجهات،59
باإلضافة إلى الضرائب والرسوم ،المأذون بها للجماعات الترابية في تحصيلها ،طبقا
للقوانين الجاري بها العمل ،واألتاوى واألجور عن الخدمات المقدمة ،والموارد الناتجة
عن تحويل جزء من ضرائب ورسوم الدولة ،المخصصة لفائدة الجماعات الترابية،
واإلمدادات الممنوحة من طرف الدولة أو أشخاص معنوية يجري عليها القانون العام،
26
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
باإلضافة إلى حصيلة االقتراضات المرخص بها ،ودخول األمالك والمساهمات ،وأموال
المساعدات ،والهبات والوصايا ومداخيل وموارد أخرى مقررة في القوانين واألنظمة.60
وتعد الضرائب والرسوم المستحقة لفائدة الجماعات الترابية ،من الموارد الرئيسية
لتغذية ميزانيات الجماعات الترابية ،وأداة أساسية لتمويل التنمية االقتصادية
واالجتماعية ،عبر تأثيرها على المجالين االقتصادي واالجتماعي ،وعلى التوجهات
السياسية للساكنة الترابية ،حيث عرف موضوع الجبايات المحلية خالل السنوات
األخيرة ،اهتماما كبي ار نظ ار للدور الذي تلعبه للرفع من ميزانية الجماعات الترابية .واذا
المتعلق بنظام الضرائب المستحقة للجماعات المحلية 61
كان القانون رقم 11.19
إطار قانونيا مهما ساعد على تنمية مداخيل
ا وهيئاتها ،شكل خالل التسعينات
الجماعات الترابية ،فإن التطور الحاصل على مستوى الالمركزية ،تطلب إعادة النظر
فيه وادخال تعديالت جوهرية عليه ،تسمح بالتوفر على إطار قانوني يواكب التحوالت
والمتغيرات االقتصادية واالجتماعية.
المتعلق بالجبايات المحلية ،سنة ،9110 62
لذا تم إصدار القانون رقم 40.11
لتجاوز اإلكراهات والصعوبات التي عرفتها المنظومة السابقة ،63ولتقوية مالية
الجماعات الترابية ،وتفعيل دورها في التنمية االقتصادية واالجتماعية ،حيث تم إدخال
تعديالت جوهرية تمكن من تحقيق نظام يساير التوجهات العامة لالمركزية ،وذلك من
خالل محاولة تبني بعض مواصفات األنظمة الجبائية الحديثة.64
-وتجدر اإلشارة ان القوانين التنظيمية للجماعات الترابية تنص على نفس المواد ،باستثناء المقتضبات الخاصة بالجهات. 60
المستحقة للجماعات المحلية وهيآتها ،الجريدة الرسمية عدد 5183بتاريخ 9دجنبر ،5.2. ،ص.5183 .
-ظهير الشريف رقم 5.18.5.1الصادر في 31نونبر 8118بتنفيذ القانون رقم 58/19المتعلق بالجبايات المحلية، 62
سعيد جفري" ،الجبايات المحلية على ضوء اإلصالح الجبائي الجديد"بمناسبة اليوم الدراسي الذي نظمته كلية الحقوق 64
27
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
تتمثل الموارد الذاتية ،في حصيلة الضرائب والرسوم المأذون بها للجهات أو
العماالت واألقاليم أوالجماعات في تحصيلها ،وحصيلة األتاوى المحدثة طبقا للتشريع
الجاري به العمل ،وحصيلة األجور عن الخدمات المقدمة ،وحصيلة الغرامات،
ومدخول األمالك والمساهمات ،وحصيلة االستغالالت واألتاوى وحصص األرباح،
وكذلك الموارد وحصيلة المساهمات المتأتية من المؤسسات والمقاوالت التابعة للجماعة،
وحصيلة بيع المنقوالت والعقارات ،ثم أموال المساعدات والهبات والوصايا.
تعتبر الموارد ذات الطبيعة الجبائية من أهم ركائز المالية الترابية ،والتي تتمثل
في مجموع الرسوم التي تستفيد منها الجماعات الترابية ،من مجالها الترابي أو اإلقليمي
أو الجهوي.
ومن خالل المادة الثانية القانون رقم 21.11المتعلق بالجبايات المحلية ،تستفيد
الجماعات الحضرية والقروية من 22رسم ،محددة في الرسم المهني ،ورسم السكن،
ورسم الخدمات الجماعية ،والرسم على األراضي الحضرية غير المبنية ،والرسم على
عمليات البناء ،والرسم على عمليات تجزئة األراضي ،والرسم على محال بيع
المشروبات ،والرسم على اإلقامة بالمؤسسات السياحية ،والرسم على المياه المعدنية
ومياه المائدة ،والرسم على النقل العمومي للمسافرين والرسم على استخراج مواد المقالع.
28
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
فبمقتضى القانون المذكور أعاله ،وضع المشرع المغربي األسس التي يتم على
ضوئها تحديد مختلف مكونات الموارد المالية للجماعات الحضرية والقروية ،فوضع
تميي از بين الجهات المدبرة للرسوم الجماعية ،فميز بين تلك التي يتم تدبيرها بواسطة
المصالح التابعة للمديرية العامة للضرائب ،وبين الرسوم التي يتم تدبيرها من طرف
المصالح الجبائية التابعة للجماعات الترابية ،وهو تحديد فصلته المادة ،211من
القانون رقم 21.11المتعلق بالجبايات المحلية ،من خالل التصنيف التالي:
لقد اعتبر المشرع الجبائي ،المصالح الجبائية التابعة للمديرية العامة للضرائب،
نظر لدورها البارز في تمويل
هي المسؤول الرئيسي عن تدبير أهم الرسوم الجماعية ،ا
الميزانية الجماعية ،65وهو ما يمكن أن نستشفه من خالل فحوى الفقرة األولى من
المادة 211من القانون رقم ،21.11التي حددت طبيعة هذه الرسوم فيما يلي :الرسم
المهني ،رسم السكن ،رسم الخدمات الجماعية.
- 65سعيد جفري ،جبايات الجماعات المحلية بالمغرب على ضوء القانون رقم ،58.19مطبعة طوب بريس ،الطبعة األولى،
الرباط ،811. ،ص.28 .
29
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
يرتبط تحديد المصالح الجبائية التابعة للجماعات الترابية المكلفة بتدبير باقي
الرسوم المحلية ،غير الرسوم الثالثة المذكورة أعاله في نص المادة 1من القانون رقم
21.11المتعلق بالجبايات المحلية ،وباقي الرسوم المسطرة بموجب القانون رقم
22.11بسن أحكام انتقالية فيما يتعلق ببعض الرسوم والحقوق والمساهمات واألتاوى
المستحقة لفائدة الجماعات المحلية ،والذي نص بمقتضى مادة فريدة على مايلي :تظل
سارية المفعول بصفة انتقالية أحكام األبواب 2و 0و 2و 2و 21و 22و 21و22
و 22و 20و 21و 22و 22من الكتاب الثاني من القانون رقم ،21.22المحدد
بموجبه نظام للضرائب المستحقة للجماعات المحلية وهيئاتها ،الصادر بتنفيذه الظهير
الشريف رقم ،22.2.221بتاريخ 12من ربيع اآلخر 12( 2221نوفمبر
.66)9191
ويمكن أن نوزع هذه الرسوم ،التي تساهم في تمويل الميزانية الجماعية من خالل
ما يلي:
-ظهير شريف رقم ،5.18.81.صادر في 88ديسمبر ،8118بتنفيذ القانون رقم ،3..18بسن أحكام انتقالية فيما 66
يتعلق بالرسوم والحقوق والمساهمات واألتاوى المستحقة لفائدة الجماعات المحلية ،جريدة رسمية عدد ،11.5بتاريخ 35
ديسمبر ،8118ص.5922 .
30
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
-الرسم المهني ؛
-رسم السكن ؛
غير أنه فيما يتعلق بالجماعات القروية واستثناء من أحكام الفقرة السابقة،
اليفرض رسم السكن ،ورسم الخدمات الجماعية ،والرسم على عمليات تجزئة األراضي
إال بالمراكز المحددة والمناطق المحيطة بالجماعات الحضرية وكذلك بالمحطات
الصيفية والشتوية ومحطات االستشفاء بالمياه المعدنية والتي تحدد بنص تنظيمي
الدوائر التي تفرض داخلها الرسوم المذكورة .وال يفرض الرسم على األراضي الحضرية
غير المبنية إال بالمراكز المحددة المتوفرة على وثيقة للتعمير.
31
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
عرف قطاع العقار في المغرب في السنوات األخيرة قفزة نوعية على اعتبار أن
عددا كبي ار من االستثمارات قد اتجهت إلى هذا القطاع ،فكان ال بد للمشرع أن يساير
هذا التطور ،وأن يمنح في تشريعه الجبائي الجديد للجماعات الترابية هامشا من أجل
االستفادة من هذا القطاع ،كغيره من التشريعات المقارنة ،كالتشريع الكندي الذي يخول
للجماعات الترابية تضريب العقار بمناسبة التقسيمات التي تخضع لها األ ارضي المعدة
للبناء.67
فالرسوم العقارية ،تشكل إحدى أهم الموارد الجبائية للجماعات الحضرية ،والمراكز
المحددة ،باعتبار أن العقار يعتبر مادة ضريبية حضرية ،غير أن مقتضياته القانونية
شابها بعض الغموض مما أدى إلى انعكاسات سلبية على مردوديتها.68
ويتعلق األمر بالرسم على األراضي الحضرية غير المبنية ،والرسم على عمليات
البناء ،والرسم المفروض على شغل األمالك الجماعية العامة مؤقتا بمنقوالت أو
عقارات ترتبط بممارسة أعمال تجارية وصناعية أو مهنية.
ينظم القانون رقم 21.11المتعلق بالجبايات المحلية ،بعض الرسوم بشكل كلي،
بمعنى ينظمها في مختلف مراحل العملية الجبائية بدءا بتحديد المادة الجبائية ،وتحديد
األساس المعتمد في فرض الرسوم ،ثم مرحلة التصفية من خالل تحديد األسعار،
- 67عبد الجليل هويدي ،المالية العامة للحكم المحلي ،دراسة مقارنة ،دار الفكر العربي ،القاهرة ،5.23ص.55.
-حميد أبوالس ،قراءة عملية للجباية المحلية على ضوء مشروع القانون الجديد ،المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية، 68
32
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
وأخي ار مرحلة التحصيل ،والمنازعات ،69ومن بين هذه الرسوم ،نجد على سبيل المثال،
والرسوم المقبوضة في األسواق وأماكن البيع العامة ،وأيضا الرسم على محال بيع
المشروبات ،الرسم على مؤسسات التعليم الخاصة ،والرسم على اإلقامة في المؤسسات
السياحية ،والرسم على رخص السياقة.70
-حسن بريح ،المصطفى الحطاب ،مسلسل اإلصالح الجبائي المحلي واشكالية اإلستقالل المالي للجماعات الترابية ( في 69
ضوء القانونين الجبائي رقم 31.2.ورقم ،)58.19سلسلة أريد أن أعرف ،55نشر ،SOMADIالطبعة األولى ،سنة
،8155ص.33 .
- 70للمزيد من التفصيل:
-راجع إبراهيم بنزيت ،الجباية المحلية من الجماعة إلى الجهة ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون العام ،كلية
العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،الدارالبيضاء ،السنة الجامعية.5..2-5..8 :
-عالل بوركبة ،الموارد الجبائية المستخلصة مباشرة من طرف الجماعات الحضرية والقروية بالمغرب ،رسالة لنيل دبلوم
الدراسات العليا المعمقة في القانون العام ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واإلجتماعية ،الدارالبيضاء ،السنة الجامعية:
.8115-8111
33
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
؛ 71
-الرسم المترتب على إتالف الطرق
؛ 72
-رسم تصديق اإلمضاء واالشهاد بالتطابق
-الرسم المفروض على الدبح في المجازر73؛
-الرسم اإلضافي المفروض على الدبح في المجازر لفائدة المشاريع الخيرية74؛
؛ 75
-الرسوم المقبوضة في األسواق وأماكن البيع العامة
؛ 76
-رسم المحجز
؛ 77
-الرسم المفروض على وقوف العربات المعدة للنقل العام للمسافرين
؛ 78
-رسوم الحالة المدنية
-مساهمة أرباب العقارات المجاورة للطرق العامة في نفقات تجهيزها
؛ 79
وتهيئتها
؛ 80
-الرسم المفروض على البيع في أسواق البيع بالجملة وأسواق السمك
-الرسم المفروض على شغل األمالك الجماعية العامة مؤقتا ألغراض
؛ 81
البناء
-الرسم المفروض على شغل األمالك الجماعية العامة مؤقتا ألغراض تجارية
أو صناعية أو مهنية82؛
-المواد 89و 88و 82و 8.و 21و 25من قانون .31.2. 79
34
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
-الرسم المفروض على شغل األمالك الجماعية العامة مؤقتا بمنقوالت وعقارات
ترتبط بممارسة أعمال تجارية أو صناعية أو مهنية.83
84
ثانيا :على مستوى العماالت واألقاليم
تستفيد العماالت واألقاليم ،بموجب أحكام المادة 2من قانون الجبايات المحلية رقم
،21-11من ثالث رسوم ،وهي كالتالي:
-الرسم على رخص السياقة ؛
-الرسم على السيارات الخاضعة للفحص التقني؛
-الرسم على بيع الحاصالت الغابوية ،وتستفيد منه العماالت واألقاليم
التي تتوفر على مساحات غابوية.
35
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
تحتل موارد األمالك المخصصة للجماعات الترابية ،أهمية قصوى داخل الميزانية
الترابية ،والسيما على صعيد القسم الخاص بالموارد ،فإذا كانت موارد الضرائب والرسوم
تشكل العمود الفقري لنظام التمويل الذاتي للجماعات الترابية ،فإن موارد األمالك تحتل
نفس الصدارة ،وذلك العتبارات عديدة أهمها ،أنها تعد موارد صرفة ناتجة عن أمالك
تعود إلى ملكية الجماعة الترابية ،التي تتمتع بحرية التصرف فيها ،عكس الضرائب
والرسوم ،وضرائب الدولة ،لهذا تظهر أهمية موارد األمالك الجماعية بالنسبة لتمويل
ميزانية الجماعات الترابية ،السيما إذا أحسنت تدبيرها وتسييرها بعقالنية.
نظ ار ألهميتها ضمن الموارد العامة للجماعات الترابية ،فقد أولى المشرع أهمية
كبيرة لتدبير شؤون األمالك الجماعية والمحافظة عليها ،ولهذا الغرض ،صدرت عدة
نصوص تشريعية وتنظيمية منذ عهد الحماية ،تعتبر اإلطار القانوني المنظم لهذه
األمالك.
وبما أن النظام االتشريعي األمالك الجماعات الترابية ،هو اإلطار المحدد لمساطر
تدبيرها واستغاللها وحمايتها ،فقد نصت المادة 112من القانون التنظيمي رقم
222.22المتعلق بالجماعات على أنه ":تتكون األمالك العقارية للجماعة من أمالك
تابعة لملكها العام ولملكها الخاص.
يمكن للدولة أن تفوت للجماعة أو تضع رهن إشارتها أمالكا عقارية لتمكينها من
ممارسة االختصاصات المخولة لها بموجب أحكام هذ القانون التنظيمي.
يحدد نظام األمالك العقارية للجماعة والقواعد المطبقة عليها بموجب قانون طبقا
ألحكام الفصل 12من الدستور".
36
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
وهو نفس ما أكدته المادة 811من القانون التنظيمي رقم 558.55المتعلق باألقاليم
والعماالت ،وأيضا المادة 888من القانون التنظيمي رقم 555.55المتعلق بالجهات،
كمادة فريدة ضمن باب خاص باالمالك العقرية للجهة.
وفي هذا اإلطار نصت المادة 92من القانون التنظيمي رقم 222.22المتعلق
بالجماعات على ما يلي" :يفصل المجلس الجماعي بمداوالته في القضايا التي تدخل
في اختصاصات الجماعة ،ويمارس الصالحيات الموكولة إليه ،بموجب أحكام هذا
القانون التنظيمي".
وطبقا للمادة 22من نفس القانون ،يقوم الرئيس ،تنفيذا لمقررات المجلس ،بما
يلي:
-يسهر على مسك وتحيين سجل محتويات أمالكها وتسوية وضعيتها القانونية،
ويقوم بجميع األفعال التحفظية المتعلقة بحقوق الجماعة؛
-دليل أمالك الجماعات المحلية ،المملكة المغربية ،و ازرة الداخلية ،المديرية العامة للجماعات المحلية ،الرباط ،الطبعة 86
37
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
-يباشر أعمال الكراء والبيع واإلقتناء والمبادلة وكل معاملة تهم الملك الخاص
الجماعي؛
-يتخذ اإلجراءات لتدبير الملك العمومي للجماعة ،ويمنح رخص االحتالل المؤقت
للملك العمومي الجماعي بإقامة بناء طبقا للنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها
العمل.
-ينجز أعمال الكراء والبيع واالقتناء والمبادلة وكل معاملة تهم الملك الخاص
للعمالة أو اإلقليم؛
بالنسبة للجهات:
تتوفر الجهات كذلك على أمالك عقارية ،على غرار باقي الوحدات الترابية
يتولى مجلسها البت بمداوالته في قضايا الجهة ،خاصة فيما يرجع األخرى ،كما
للمسائل المرتبطة بمجال األمالك ،ومن ضمنها اإلختصاصات الواردة في المادة 22
من القانون رقم 222.22المتعلق بتنظيم الجهات ،كما يلي:
38
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
-اقتناء العقارات الالزمة الضطالع الجهة بالمهام الموكولة إليها أومبادلتها أو
تخصيصها أو تغيير تخصيصها طبقا للقوانين واألنظمة الجاري بها العمل.
فالعديد من الدراسات واألبحاث في المجال المالي الترابي ،تؤكد أنه بات من
الالزم إعادة النظر في السياسة اإلقتراضية المعمول بها حاليا ،بشكل يتناسب
والتحديات التي تفرضها األوضاع اإلقتصادية واإلجتماعية ،وما يتطلبه ذلك من تعزيز
الموارد المالية للجماعات الترابية ،لمواجهة المتطلبات المحلية على جميع المستويات.
فالقروض التي تلجأ إليها الجماعات الترابية ،هي إحدى الموارد اإلستثنائية
لتمويل مشاريعها التنموية ،91وهي بذلك مصدر من مصادر التمويل ،يتميز عن باقي
- 88مونعيم لحريري ،التدبير المالي المحلي ورهان التنمية" ،رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام ،تخصص :تدبير
الشأن العام المحلي ،كلية العلوم القانونية واإلقتصادية واإلجتماعية -السويسي ،الرباط ،السنة الجامعية،8112-8118:
ص.13 .
-89فاطمة مزروع السعيدي ،اإلدارة المحلية الالمركزية بالمغرب ،مطبعة النجاح الجديدة ،الطبعة األولى ،8113 ،ص.
.888
90
-Driss Basri , « la décentralisation au Maroc : de la commune à la région », édition Natahan,
France, 1994, p.184.
-91سعيد بوفريوي " ،التنظيم المالي للجهة" ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا ،وحدة التكوين والبحث-المالية العامة ،كلية
العلوم القانونية واإلقتصادية واإلجتماعية الدارالبيضاء ،السنة الجامعية ،8115 -8118ص..8.
39
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
الموارد المالية للجماعات الترابية ،92سواء الذاتية أو المحولة من قبل الدولة ،بكونه
موردا مؤقتا يخصص لنفقة استثمارية معينة في إطار الميزانية ،وال يدرج في الجزء
المخصص للتسيير ،وال يسدد دينا سابقا ،عكس الموارد األخرى ،والتدابير المتعلقة به
ال تخص المنتخبين وحدهم ،بل الولوج الفعلي لهذا المورد ،يتطلب اتفاقا تعاقديا يبرم
مع مانح القرض ،والمتمثل في صندوق تجهيز الجماعات الترابية ،93الذي يبقى في
ظل غياب أجهزة ومؤسسات مالية تختص بميدان اإلقتراض الجماعي هو المؤسسة
الوحيدة التي تتولى تقديم القروض للجماعات الترابية وهيئاتها ،قصد دعم نشاطها في
مجال تمويل مشاريع التجهيز األساسية.94
92
- Structure et Fonctionnement de la Démocratie locale et régionale, Editions du conseil de
l’Europe, avril, 1998, p. 22.
-93يعتبر صندوق التجهيز الجماعي :مؤسسة عمومية تتمتع بالشخصية المعنوية واإلستقالل المالي ،وهي مخصصة
لتمويل اإلستثمار العمومي المحلية ،وقد أنشئ الصندوق سنة ،5.1.وتمت إعادة هيكلته بظهير 1غشت ،5..8ثم بظهير
آخر بتاريخ 9يوليوز 5..3المتعلق بممارسة نشاط مؤسسات القروض والرقابة عليها ،ثم ظهير 8غشت 5..9المنفذ
لقانون 55..9الخاص بإعادة هيكلة الصندوق.
-محمد فاضل الرزمة ،التمويل الجماعي بين محدودية الموارد ورهانات التنمية ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في 94
القانون العام المعمق ،وحدة :تدبير اإلدارة المحلية ،كلية العلوم القانونية واإلقتصادية واإلجتماعية سطات ،السنة الجامعية:
، 811.-8112ص.13 .
-الفصل 558من الدستور.8155 95
40
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
تغطي الموارد المحولة لفائدة الجماعات الترابية ،100في التجارب المقارنة نسبة
عالية في بنية تمويل ميزانيتها ،غير أن طبيعة هذا التحويل ،تختلف من دولة إلى
أخرى .فالنموذج األلماني على سبيل المثال ،يقتسم مع الواليات أغلب الموارد ذات
المردودية المرتفعة بموجب الدستور ،ونفس األمر بالنسبة للمجموعات المستقلة
بإسبانيا ،حيث نجد توزيعا دستوريا للموارد المالية بينها وبين اإلدارة المركزية ،بخالف
التجربة المغربية ،حيث التستفيد الجماعات الترابية ،سوى من نسبة معينة من حصيلة
الضرائب العامة.101
-المادة 5.من قانون مالية ،8159ظهير شريف ،5.51.511صادر في 8ربيع األول 5.( ،5538ديسمبر 98
41
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
وقد أحدثت الضريبة على القيمة المضافة ،بمقتضى اإلصالح الجبائي العام،
وذلك لتحل محل ضريبتين سابقتين ،وهما :الضريبة على رقم المعامالت والضريبة
األشخاص واألنشطة التي تفرض عليها 102
على اإلنتاج .وقد حدد القانون رقم 21.20
% هذه الضريبة ،في حين نصت المادة الخامسة والستون على تخصيص نسبة
30من هذه الضريبة على األقل لفائدة الجماعات الترابية.
وقصد توضيح كيفية توزيع ناتج الضريبة على القيمة المضافة ،صدر منشور
وزير الداخلية بتاريخ 11يناير 2221لوضع معايير عامة ،وذلك اعتمادا على
مقاييس تأخذ بعين اإلعتبار عدد السكان والمساحة والمجهود الجبائي.103
ويوضح الجدول اآلتي تطور حصة الجماعات الترابية من الضريبة على القيمة
المضافة بماليين الدرهم.
الدرهم104 جدول رقم :1تطور حصة الجماعات الترابية من حصة الضريبة على القيمة المضافة بماليين
- 102ظهير شريف رقم 21.328صادر في 81دجنبر ،5.21بتنفيذ قانون رقم ،31.21القاضي بفرض الضريبة على
القيمة المضافة .جريدة رسمية عدد 3252صادر بتاريخ فاتح يناير .5.29وقد تم إدماج هذا القانون في المدونة العامة
للضرائب بمقتضى قانون مالية .8118
- 103رسالة الجماعات المحلية العدد ،3يوليوز -غشت ،8115 ،ص.9.
- 104تركيب شخصي ،أنظر إحصاءات الخزينة العامة للمملكة ،لسنوات 8112و 811.و ،8155ص.9 .
42
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
فمن خالل هذا الجدول ،يالحظ عدم توازن في توزيع حصة الضريبة على القيمة
المضافة ،بين وحدات الجماعات الترابية ،كما يالحظ أيضا تطور تدريجي في نسبة
استفادة بعض الجماعات الت اربية من هذه الضريبة ،حيث استفادت الجماعات الحضرية
بنسبة % 22منها سنة ،1122والجماعات القروية بنسبة ،%21أما العماالت
واألقاليم فاستفادت من هذه الضريبة بنسبة ،%12وفي المقابل لم تستفد الجهات
عمليا ،كما يوضح الجدول أعاله من تحويالت هذه الضريبة على مستوى ميزانياتها،
رغم التنصيص القانوني لها ،وذلك على خالف باقي الوحدات الترابية األخرى التي
تستفيد منها ،وتبقى هذه النسبة مع ذلك غير كافية لقيام الجهات بكل األعباء الملقاة
عليها ،الشيء الذي يطرح استفهاما حول أسباب حرمان الجهات من نسبة هذه
الضريبة ،لذا يفترض مراجعة هذه النسبة ،في محاولة للرفع منها ،والسهر على تحويلها
عمليا للجهات ،كما يجب أيضا اعتماد معايير جديدة موضوعية ،في توزيع هذه
الضريبة على الجماعات الترابية ،بمختلف أصنافها ،كنوع من تحقيق العدالة التوزيعية،
وذلك أخذا بعين اإلعتبار الموقع الجغرافي والوضع المالي ،وكذا مستوى برامج
الجماعة ،ومدى تأهيلها لإلندماج اإلقتصادي ،وحل المشاكل اإلجتماعية.105
لكن يالحظ مقابل عدم استفادة الجهات من حصة الضريبة على القيمة المضافة،
أن المشرع خصص جزء من بعض الضرائب الوطنية لفائدة الجهات ،مثل الضريبة
على الشركات ( )%0والضريبة العامة على الدخل( ،)%0والرسم على عقود
التأمين(.)%11
-سعيد الميري ،التدبير اإلقتصادي للجماعات المحلية ،أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام ،وحدة :القانون العام 105
الداخلي ،تخصص تسيير السلطات العمومية ،كلية العلوم القانونية واإلقتصادية واإلجتماعية -السويسي ،الرباط ،السنة
الجامعية ، 8118-8119 :ص.185 .
43
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
وتفرض هذه الضريبة ،على الشركات سواء كان مقرها بالمغرب أو خارجه،
بالنسبة لجميع األرباح والدخول المتعلقة بالسلع التي تملكها ،والنشاط الذي تقوم به،
والعمليات الهادفة إلى الحصول على ربح التي تنجزها بالمغرب ولو بصورة عرضية.107
الضريبة على الشركات غير المتوفرة على مقر بالمغرب، كما تفرض هذه
المسماة " الشركات غير المقيمة" ، 108وذلك بالنسبة للمبالغ اإلجمالية الوارد بيانها في
المادة الخامسة عشرة أدناه ،التي تحصل عليها لقاء أشغال تنجزها أو خدمات تقدمها،
إما لحساب فروع خاصة بها ،واما لحساب أشخاص طبيعيين أو معنويين مستقلين ،إذا
كان للفروع واألشخاص اآلنفة الذكر موطن بالمغرب أو كانت تزاول فيه نشاطا ما.
-9الضريبة على الدخل :كانت تسمى من قبل بالضريبة العامة على الدخل،
وهي ضريبة تم إحداثها بمقتضى الفصل 1من قانون اإلطار لسنة ،2222وقد
نظمتها أحكام الظهير الشريف رقم 2.22.221بتنفيذ القانون رقم .17.89
وتفرض الضريبة على الدخل على مجموع دخل األشخاص الطبيعيين ،وتخضع
لهذه الضريبة أصناف الدخول واألرباح التالية:
-الدخول المهنية ؛
-قانون رقم 85.29المتعلق بالضريبة على الشركات ،الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم ،5.29.83.بتاريخ 35 106
ديسمبر ،5.29جريدة رسمية عدد ،3283بتاريخ 85يناير ،5.28ص ،98 .مع مراعاة مستجدات المادة 1من قانون
المالية رقم 19-53للسنة المالية 8118الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 5.19.838بتاريخ 35دجنبر ،8119الذي
قام بإدماجهذا القانون في المدونة العامة للضرائب.
- 107الضريبة على الشركات وفق قانون المالية لسنة ،8151سلسلة المعرفة القانونية للجميع ،العدد ،81الطبعة األولى،
دار اإلنماء الثقافي ،8151 ،ص.51 .
- 108كانت تعرف من قبل بالشركات األجنبية ،غير أنه وفق قانون مالية 8151أصبح يطلق عليها إسم الشركات غير
المقيمة.
44
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
وتفرض هذه الضريبة كل سنة على مجموع أنواع الدخل التي حصل عليها
الخاضع للضريبة خالل السنة السابقة.
وتتحدد حصة الجهة من هذه الضريبة بحسب قوانين المالية ،مما يجعلها ترتبط
بوضعية المالية العامة للدولة ،غير أنه بمقتضى قانون مالية ،1112تم تحديد نسبة
% 2من حصة هذه الضريبة لفائدة الجهات.
جدول رقم :2حصة الجهات من الضريبة على الشركات والضريبة على الدخل
109
بمليون درهم
النسبة السنة
491 9110
201 9111
111 9119
211 9100
فمن خالل الجدول ،يالحظ تطور نسبي على مستوى استفادة الجهات من كل
الضريبة على الشركات والضريبة على الدخل ،مع تراجع طفيف خالل سنة ،1122
نسبا ضعيفة مقارنة مع حصة الدولة من هذه غير أنها مع ذلك تبقى عموما
- 109أنظر ،التقارير السنوية الخاصة بالمالية المحلية ،الخزينة العامة للمملكة ،و ازرة المالية 9110 ،و 9111و9119
و.9100
45
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
الضرائب ،كما أن مجال تحديد هذه الحصص يبقى مرتبطا بقوانين المالية ،بمعنى أن
التحديد سيكون سنويا ،وصلته وثيقة بوضعية الميزانية العامة للدولة ،وبالتالي فالتقلبات
التي يمكن أن تؤثر على ميزانية الدولة ،ستؤثر بالضرورة على حصة الجهة من
الضرائب التي ستخصص حصة منها للجهات ،110إذ عليها اإلنتظار حتى تتم الموافقة
على القانون المالي لمعرفة الحصة التي ستستفيد منها من ضريبة ما ،األمر الذي
سيؤثر سلبا على البرامج اإلقتصادية خاصة المتوسطة والطويلة األمد.
سعى المشرع ،من خالل اإلصالحات التي أتى بها ،إلى تعزيز القدرات المالية
للجماعات الترابية ،والرفع من مواردها الجبائية ،لالضطالع باألدوار الموكولة لها،
والعمل على التنصيص على موارد إضافية بحجم االختصاصات المنوطة بها.
من العيوب التي يمكن أيضا مالحظتها ،على مستوى القانون رقم 21.11
المتعلق بالجبايات المحلية ،تلك المتعلقة بالجانب التشريعي ،خاصة فيما يتعلق
باستم اررية العمل بالقانون رقم ،21.22رغم دخول رقم 21.11المتعلق بالجبايات
المحلية ،حيز التنفيذ من جانب ،ومن جانب آخر مسألة تعدد النصوص القانونية
المنظمة للجبائية المحلية ،والذي يعد ضربا لمبدأ التجميع والتركيب الذي يهدف إليه
اإلصالح.
- 110علي أمجد ،الموارد المالية والبشرية :مقومات أساسية لالمركزية الجهوية ووسيلة لتطويرها ،المجلة المغربية لإلدارة
المحلية والتنمية ،عدد ،85ماي -يونيو ،8118ص.558 .
46
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
من المؤاخذات التي سجلت على النصوص المنظمة لجبايات الجماعات الترابية،
لدى كل من اإلدارة 111
والتي أدت في الوقت ذاته ،إلى نوع من الغموض واإللتباس
الجبائية والملزم ،هي استمرار تطبيق مقتضيات رقم 21.22فيما يتعلق ببعض
الرسوم ،رغم دخول القانون الجديد حيز التنفيذ ،بمقتضى الظهير الشريف رقم -220
2-11الصادر في 22من ذي القعدة 2212الموافق 21نونبر ،1111على
اعتبار أن هذه الرسوم ال تتسم بالطابع الجبائي ،وبالتالي فهي تعتبر أتاوات وليس
جبايات ،مع العلم أن هذه األتاوات ،كما وصفها المشرع الجبائي تعتبر في ظل
القانون رقم 21.22رسوما محلية .ولعل اإلشكالية هنا تكمن في التعريف الذي جاء
أثناء تقديم المذكرة العامة حول مشروع اإلصالح الجبائي أمام البرلمان للمناقشة ،حينما
ميز وزير المالية بين كل من الضريبة واإلتاوة ،إذ عرف الضريبة حسب القانون
الضريبي وقواعد المالية العامة ،بكونها تستخلص من طرف الدولة أو الجماعات
الترابية ،بدون ربطها بخدمة معينة ،أما اإلتاوة ،فهي تستخلص مقابل خدمة تنجزها
الدولة والجماعات الترابية لفائدة الملزم ،مضيفا أنها غالبا ما تهم عمليات محددة ،وال
تتصف بطابع اإلستمرار في استخالصها ،كما هو الشأن بالنسبة للضريبة.
فالمشرع هنا نجده أوال ال يفرق بين مفهوم الضريبة والرسم ،خالفا للبحث
األكاديم ي الذي يميز بينهما ،وهو بذلك يغيب مفهوم الضريبة على المستوى المحلي،
بينما يظل هذا المفهوم قائما على المستوى الوطني.
ثانيا :غموض معيار التمييز الذي اعتمده المشرع في إخراجه ل 22رسم من
القانون الجديد ،على اعتبار أن هذه الرسوم ال تحمل طابعا جبائيا ،وبالتالي فهي لن
تنظم بموجب قانون ،21.11بالرغم من كون هذا األخير في مادته 211القفرة
-حميجو إبراهيم ،قراءة أولية في مشروع اإلصالح الجبائي المحلي ،رسالة الجماعات المحلية ،دورية تصدرها و ازرة 111
الداخلية ،المديرية العامة للجماعات المحلية ،العدد ،53أبريل -يونيو ،8111ص.8 .
47
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
األولى ،نص على أنه تنسخ ابتداءا من تاريخ دخول هذا القانون حيز التطبيق
أحكام"...القانون رقم 21.22المتعلق بجبايات الجماعات المحلية وهيئاتها" ،ولم يشر
في مادته هذه إلى أي استثناء يذكر فيما يتعلق بالرسوم 22التي ستنظم بواسطة قانون
آخر ،ومن ثم نجد أن هذه المادة تتعارض والنص القانوني رقم 22.11الذي ينص
في مادته الفريدة ،على أنه تظل سارية المفعول بصفة انتقالية أحكام األبواب 2و 0و
2و 2و 21و 22و 21و 22و 22و 20و 21و 22و 22من الكتاب
الثاني من القانون رقم .21.22فاعتماد مقتضيات هذه المادة الفريدة سيربك اإلطار
المفاهيمي للجباية المحلية ،خاصة وأنه تعتبر جباية محلية كل األحكام المنصوص
عليها بموجب قانون ،21.11وكل ما يخرج عن إطار هذا النص تنتزع عنه صفة
الجباية المحلية ،وذلك طبقا للفقرة الرابعة من المادة 211التي تنص على أن" كل
مقتضى يتعلق بجبايات الجماعات المحلية يجب التنصيص عليه في هذا القانون" أي
القانون رقم .21.11
فالمشرع الجبائي ،أثناء مناقشة مضامين النص القانوني ،خالل تقديمه للبرلمان
من أجل المصادقة ،نجده قد اعتمد المعيار الجبائي ،للتمييز بين الرسوم التي لها طابع
جبائي محض ،وهي التي نص عليها قانون ،21.11والرسوم التي ليس لها طابع
جبائي محض ،وهي التي كان مقر ار صدورها بموجب مرسوم ،قبل أن يتراجع المشرع
ويصدرها بموجب القانون ،22.11مع العلم أن هذا المعيار يتم اعتماده فقط للتمييز
بين اإلختصاص في المادة الجبائية بين البرلمان والحكومة ،حيث نجد أن المستحقات
التي لها طابع جبائي محض يختص القانون حصريا بإحداثها وتوزيعها (الفصل 22
48
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
من الدستور) ،112أما المستحقات التي ليس لها طابع جبائي محض فللحكومة إمكانية
أن تصدر مراسيم لتدبيرها ،وذلك حسب اجتهاد القضاء الفرنسي.113
غير أن إقدام المشرع على إصدار تلك الرسوم بواسطة قانون رقم ،22.11الذي
أقر صراحة في مادته الفريدة باستم اررية العمل بالقانون ،21.22يجعلنا نتساءل مرة
أخرى عن طبيعة تلك الرسوم ،ونستحضر مرة أخرى المعيار الجبائي ،حيث لم يعط
المشرع إجابة واضحة وصريحة عن أسباب اعتماده لهذا المعيار ،الذي من خالله ميز
بين الرسوم ذات الطابع الجبائي ،وتلك ذات الطابع غير الجبائي ،والذي من خالله
أسقط الرسوم الثالثة عشرة األخرى من القانون رقم ،21.11ليعود بعد ذلك وينظمها
في إطار القانون رقم .22.11
ولماذا أيضا بادر بإصدار القانون رقم 22.11الذي قام حسب مادته الفريدة
بسن أحكام انتقالية فيما يتعلق بالرسوم 22المنظمة بموجب القانون رقم ،21.22رغم
تعارضها مع الفقرتين األولى والرابعة من المادة 211من القانون رقم 21.11؟
أشاد الجميع باإلصالح الجبائي الترابي ،فهو بمثابة مدونة عصرية ستحتوي على
مجموع المقتضيات المنظمة للجبايات المحلية ،التي رخص للجماعات الترابية اإلستفادة
-على الجميع أن يتحمل ،كل على قدر استطاعته ،التكاليف العمومية ،التي للقانون وحده إحداثها وتوزيعها ،وفق 112
49
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
منها ،وهو ما سيسهل إمكانية الرجوع إليها ،على عكس ما كان عليه األمر قبل
اإلصالح ،حيث كانت الجماعات الترابية مضطرة إلى الرجوع لجميع النصوص
القانونية المشتتة ،نجد أن القانون المتعلق بالجبايات المحلية ،بعد دخوله حيز التنفيذ،
سيكرس نفس الوضعية ،حيث سيحتفظ من جهة بسمة تعددية النصوص القانونية
المنظمة للجبائية المحلية ،ومعه من جهة أخرى ،تعدد بنيات الجبايات المحلية ،حيث
سننتقل من 21إلى 21رسم ،وهو في ذلك ضرب لمقاصد اإلصالح سواء من حيث
التجميع أو التبسيط.
ففي الوقت الذي أكد فيه اإلصالح على تجميع كافة الرسوم الخاصة بالجماعات
الترابية في نص قانوني واحد ،طبقا ألحكام الفقرة الرابعة من المادة 211من القانون
رقم ، 21.11نجده في المقابل يحتفظ بتعددية النصوص القانونية المنظمة للجبائية
المحلية ،حيث أصبحنا أمام ثالثة نصوص قانونية ،ويتعلق األمر بكل من القانون رقم
21.11المتعلق بجبايات الجماعات الترابية ،وأحكام األبواب 2و 0و 2و2
و21و22و21و22و20و 21و 22و 22من القانون رقم 21.22المحدد بموجبه
نظام للضرائب المستحقة للجماعات المحلية وهيئاتها ،والتي ستظل سارية المفعول
بصفة انتقالية بمقتضى المادة الفريدة من القانون رقم .22.11
أما فيما يتعلق بمبدأ التبسيط الذي اعتمده اإلصالح ،عبر تقليص عدد الرسوم
المحلية ،قصد تجاوز كثرة الضرائب والرسوم التي تطبع المنظومة الجبائية ،نجده قد
أبقى على 21رسم منظم في إطار القانون رقم ،21.11بينما أدرج حوالي 22رسم
تحت حجة كونها رسوما ليست لها صبغة جبائية ،وبالتالي حسب المشرع فهي عبارة
عن آتاواى تم إدراجها في القانون رقم ،22.11مع اإلشارة إلى كونها كانت ستنظم في
إطار مرسوم مصاحب للنص القانوني رقم ،21.11غير أن المشرع عدل في النهاية
عن ذلك ،بعد ردود األفعال التي أثيرت أثناء مناقشة مشروع القانون أمام البرلمان،
ليقرر بعد ذلك للخروج من هذا المأزق الذي سقط فيه إلى اإلسراع بإصدارها بواسطة
50
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
قانون جديد يقر باستم اررية العمل بالقانون رقم ،21.22وهنا نجد أن المشرع الجبائي،
قد أغفل من جهة مسألة ازدواجية النصوص القانونية ،حيث أصبحنا أمام قانونين،
األول ينظم الرسوم المحلية ،والثاني ينظم بعض الرسوم والحقوق والمساهمات واألتاوى
المستحقة لفائدة الجماعات الترابية ،وهو ما سيشكل خرقا لمبدأ التجميع الذي نص عليه
اإلصالح.
114
ثالثا :قصور التضريب لبعض القطاعات
إذ يالحظ غياب جبائية تدخلية في مجال العقار ،قصد محاربة ظاهرة المضاربة
العقارية ،وتجميد األراضي خصوصا بمراكز المدن التي تتحول فيها هذه األراضي إلى
عبء ،فالضريبة العقارية أداة تدخلية للحد من ظاهرة تجميد العقارات ،وبالتالي محاربة
المضاربة التي تهم العقار المبني وغير المبني.
إضافة لما سبق ،يسجل غياب جبائية بيئية تدخلية للحد من الصناعات الملوثة،
وذلك تماشيا مع االختصاصات البيئية المسندة للجماعات الترابية بمقتضى القانون
-114المحجوب الدربالي ،السياسة الجبائية للجماعات المحلية :قراءة تحليلية للقانون الجبائي المحلي الجديد ،مجلة العلوم
القانونية ،العدد األول ،8153 ،ص.2 .
51
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
التنظيمي رقم 222.22المتعلق بالجماعات ،كغياب جبائية بيئية تتجه نحو تضريب
بعض السيارات والشاحنات القديمة ،وكذلك محطات توزيع الوقود ومحطات التكرير
وبعض الصناعات ،كما هو الحال في األنظمة الجبائية المحلية المقارنة ،مادامت
الجباية تعتبر أداة للحد من بعض الظواهر.115
كما يالحظ أيضا إق ارر القانون 21-11إلعفاءات سخية وغير مبررة محاباة
لبعض الملزمين ،116إذ تم إعفاء المنعشين العقاريين في مادة السكن االجتماعي من
كل الرسوم المحلية ،كما تم إعفاء المساكن التي تملكها الدولة والجماعات الترابية على
الرغم من استغاللها من طرف أشخاص آخرين .إضافة إلى إعفاء قطاعات استثمارية
مهمة كجامعة األخوين مثال ،من الرسم المهني والرسم على األراضي الحضرية غير
المبنية ،والرسم على عمليات البناء ،وكذلك إعفاء مؤسسات التعليم الخصوصي.
وموازاة مع هذه اإلعفاءات ،يالحظ تخلي المشرع على رسوم كانت موضوع
القانون ،21.22بالرغم من أهمية مردودها بالنسبة لبعض الجماعات ،وبالتالي كان
باألحرى على المشرع أن يبقى تلك الرسوم المحذوفة في صيغة رسوم اختيارية ،ويترك
للجماعة الحرية في تطبيقه ،مدعما بذلك الديمقراطية المحلية.
وباإلضافة إلى ما سلف ،يمكن تسجيل غياب الجدول المنظم لرسم السكن ،على
غرار الجدول المتعلق بتصنيف المهن بالنسبة للرسم المهني ،عالوة على غياب
تصنيف للمقاهي بخصوص الرسم على محال بيع المشروبات.
وبالنسبة ألداء الرسوم المحلية ،فلم يتم التنصيص على إمكانية األداء االلكتروني
وذلك طبقا لما هو معمول به في ضرائب الدولة ،فالبرغم من اعتماد هذه التقنية في
-محمد شكيري ،تحديد الوعاء الضريبي ومراقبته في إطار الجبايات المحلية ،المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية، 115
52
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
عملية استخالص الرسوم التي تدبرها مديرية الضرائب لصالح الجماعات الترابية ،فإن
األمر يتطلب تعميمها لتشمل أيضا الرسوم التي تستخلصها المصالح الجبائية التابعة
للجماعات الترابية.
من المظاهر السلبية التي كرسها اإلصالح الجبائي المحلي ،التفاوت الجبائي بين
الجماعات الترابية .فإذا كان الهدف من وراء هذا اإلصالح الرفع من مردودية الموارد
الجبائية للجماعات الترابية ،فإن األمر يختلف بالنسبة للجماعات القروية ،كما رأينا
سابقا ،من خالل الالتوازن على مستوى توزيع الرسوم الترابية بينها وبين الجماعات
الحضرية ،حيث تعاني من العجز التمويلي الذاتي ،خاصة أمام اإلكراهات التنموية
التي تعرفها هذه الجماعات.
ولم تكن العماالت واألقاليم أحسن حاال من الجماعات القروية ،على ضوء
اإلصالح الجبائي المحلي ،حيث إن ماليتها ال تتعدى بعض الرسوم القليلة وذات
المردودية الضعيفة ،وهي نفس الرسوم التي كان معموال بها في ظل القانون السابق،
من أشار إلى أن تخويل العماالت واألقاليم استخالص تلك 117
وهناك من الباحثين
الرسوم ،لم يكن الهدف منه إعطاء هذه المجالس موارد مالية ذاتية تساعدها على القيام
-عبد الحق مرجاني ،الجبائية المحلية بالمغرب ،مجلة الماليىة المحلية واالقتصاد الجهوي ،العدد ،5..1 ،5ص.52. 117
53
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
بمهامها ،وتحقق استقاللها اإلداري والمالي ،وانما صعوبة تحصيل هذه الرسوم على
صعيد الجماعات الحضرية والقروية ،وهو الشيء الذي يطرح سؤاال حول كيف يمكن
لمجالس العماالت واألقاليم أن يكون لها دور في المجال التنموي يتناسب
واإلختصاصات المخولة لها بمقتضى القانون التنظيمي رقم ،221.22في ظل ضعف
مواردها الجبائية؟
وتعاني الجهات بدورها من نفس الضعف على مستوى جبايتها ،فمن أصل ستة
رسوم ،كانت تحظى بمستحقاتها خالل القانون السابق ،منحها المشرع بمقتضى القانون
رقم 21.11ثالثة رسوم فقط ،كما أن مردودية هذه الرسوم الممنوحة للجهات ،باستثناء
الرسم المفروض على الخدمات المقدمة بالموانئ تتميز بضعف أوعيتها ومردودها.
باإلضافة إلى ذلك ،فإن هناك من الرسوم بحكم طبيعة أوعيتها ،ال يمكن فرضها
بجميع جهات المملكة ،وبالتالي لن تستفيد منها ثالث جهات وهي كل من جهة فاس-
مكناس ،وجهة درعة -تافياللت ،وجهة بني مالل -خنيفرة ،وذلك بسبب عدم توفرها
على واجهات بحرية ،بل هناك من الجهات التي تتوفر على واجهات بحرية دون أن
تتوفر فيها موانئ ،أو تكون هذه الموانئ صغيرة وبسيطة ،ال ترقى إلى مستوى فرض
الرسوم .نفس الشيء ينطبق على الجهات التي ال تتوفر على مناجم كجهة طنجة –
تطوان ،وبالتالي سوف لن تستفيد من الرسوم المفروض عليها.118
-118سعيد الميري ،التدبير اإلقتصادي للجماعات المحلية بالمغرب ،أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق ،وحدة القانون العام
الداخلي ،تخصص تسيير السلطات العمومية ،كلية العلوم القانونية ،اإلقتصادية واإلجتماعية -الرباط ،السنة الجامعية:
،8118-8119ص.155 .
54
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
ويوضح الجدول اآلتي تطور حصة الجماعات الترابية من الضريبة على القيمة
المضافة بماليين الدرهم.
جدول رقم :9توزيع الحصة من منتوج الضريبة على القيمة المضافة بحسب أصناف الجماعات الترابية
119
2819-2883
ويالحظ هنا استفادة الجماعات الترابية من نسب مهمة من هذه الضريبة ،والتي
أخذت تتطور مع السنوات ،غير أن النسبة اإلجمالية لهذه الضريبة ،والمحددة في ٪21
تبقى مع ذلك غير كافية لقيام الجماعات الترابية ،بكل األعباء الملقاة على عاتقها ،خاصة
بعد اإلصالح األخير ،الذي أضاف اختصاصات جديدة ومهمة تحتاج إلى أموال باهضة
وكبيرة التستطيع معها النسبة الحالية للضريبة على القيمة المضافة المخصصة للجماعات
الترابية تمويلها.
لذلك ينبغي مراجعة هذه النسبة في محاولة للرفع منها ،كما يجب اعتماد معايير
على الجماعات الترابية 120
جديدة موضوعية في توزيع الضريبة على القيمة المضافة
-119تقرير المجلس األعلى للحسابات ،عن جبايات الجماعات الترابية ،سنة ،8151ص.88 .
-120المناظرة الوطنية السابعة للجماعات المحلية بالدارالبيضاء ،مرجع سابق ،ص.35. .
55
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
بأصنافها من جهة أخرى ،وذلك أخذا بعين اإلعتبار الموقع الجغرافي والوضع المالي ،وكذا
مستوى برامج الجماعة ،ومدى تأهيلها لإلندماج اإلقتصادي وحل المشاكل اإلجتماعية.121
وانطالقا مما سبق ،يتضح أن الجماعات الترابية ال زالت تعاني من خصاص مالي
كبير يحد من إمكانياتها في تحقيق أهدافها التنموية ،األمر الذي يجعلها تعتمد على
تحويالت الدولة من الضرائب الوطنية ،وخصوصا ناتج الضريبة على القيمة المضافة،122
إلى جانب باقي اإلمدادات األخرى ،إضافة إلى لجوئها إلى سياسة اإلقتراض ،وهو ما
يطرح السؤال حول مدى جدية اإلصالح في تحسين المردودية الجبائية للجماعات الترابية؟
وبالنظر لكيفية تدبير الممتلكات الجماعية بنوعيها ،يتضح أن الواقع يسفر عن
مجموعة من األسباب التي تعرقل نمو اإلمكانيات التمويلية لألمالك المحلية ،وعدم
مسايرتها للمتطلبات التنموية بحيث تتراوح نسبة العائدات من المممتلكات الجماعية ما بين
2.0و 12بالمائة ،ويرجع هذا باألساس ،إلى عدة أسباب ،يمكن أن نجملها في أسباب
وأخرى تقنية. 123
قانونية تنظيمية
-تعدد النصوص القانونية والتنظيمية التي تحكم وتنظم األمالك الجماعية في
مقابل وجود نصوص عامة وموحدة،
-121سعيد الميري ،التدبيراإلقتصادي للجماعات المحلية بالمغرب ،مرجع سابق ،ص.185 .
-المرجع نفسه ،ص.155 . 122
-قصور النظام القانوني التنظيمي ألمالك الجماعات الترابية واشكالية التمويل الغير جبائي للتنمية المحلية بالمغرب، 123
منشورات مجلة الحقوق المغربية للدراسات القانونية والقضائية ،السنة األولى ،8158ص..3.
-محمد بوجيدة وميلود بوخال ،أمالك الجماعات المحلية وهيئاتها ،المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية ،سلسلة 124
56
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
-عدم تحديد قيمة األمالك الجماعية بدقة :126ال يمكن لألمالك الجماعية أن
تحقق موارد مهمة ،دون أن تحدد قيمتها بناءا على معايير عملية دقيقة ،يكون الهدف
األول واألخير منها هو الموازنة بين حقوق الجماعة المالكة من جهة ،وحقوق
المتعاملين معها من الخواص من جهة ثانية.
-التدبير الغير معقلن للملك الخاص الجماعي :إن جميع العمليات المرتبطة
بها ،من تفويت أو شراء أو كراء طويل األمد أو مقايضة إلى غير ذلك ،تخضع
للمسطرة التالية:
-منية بنلمليح ،واقع تدبير الملك العموعي المحلي ورهانات الجكامة المحلية ،المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية، 125
57
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
-مصادقة المجلس.
غير أن تدبير الممتلكات الجماعية ،يغلب عليه الطابع التجريبي ،حيث يتجلى
ذلك في غياب أوعدم ضبط سجالت الممتلكات ،وعدم تصفية بعض األوضاع
القانونية ،والبطء الحاصل في المساطر المتعلقة بالمبادالت العقارية وعمليات البيع
والشراء الخاص بهذا النوع من العقار.127
أما عن الموارد التي تنتج عن هذه العمليات ،فإن جل الجماعات الترابية ال
تراعي في تحديدها القيمة الحقيقية للملك ،كما أن بعض المستفيدين ال يؤدون
للجماعات ما بذمتهم من حقوق ج ارء استغاللهم لألمالك الجماعية ،وذلك راجع
باألساس لعدم ضبط العالقة التعاقدية بين المستغلين والجماعة.
كما توجد عدة صعوبات مسطرية ،متمثلة في أن القوانين المعمول بها ،خاصة
الفصل الثاني من ظهير 12أكتوبر 2212المتعلق باألمالك البلدية ،والمغير بظهير
21ماي ،2221وكذا الفصل 2من ظهير 12يونيو 2202المتعلق بأمالك
الجماعات القروية ال توضح بصفة دقيقة األمالك العامة للجماعات .كما أن مردود
هذا النوع من األمالك ،يختلف حسب طريقة التدبير ،فضال عن المسطرة اإلدارية
المتبعة في ذلك ،والمتمثلة أساسا في مصادقة المجلس ،ثم مصادقة الو ازرة الوصية
على مقرر المجلس.
-لكميلي كمال" ،التمويل غير الجبائي ،الجماعة المقاولة رهان ،"85مرجع سابق ،ص.89. 127
58
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
المجال االجتماعي ،وذلك بتوفير العقارات الالزمة بأثمنة تفضيلية لبناء المؤسسات
التعليمية والصحية والثقافية وغيرها....
غير أن هذا الدور ال يلمس بصفة فعلية في الواقع المعاش للجماعات الترابية،
إما لعدم االهتمام بهذا الجانب ،أو لعدم توفر اإلمكانيات الالزمة لدى الجماعة.
وبهذا ،يمكن القول إن هذه األسباب كفيلة بإبراز الضعف المالحظ في الموارد
المالية الخاصة بالممتلكات الجماعية.
إن إصالح تدبير أمالك الجماعات الترابية بالمغرب ،ينبغي أن يشمل أساليب
تعزيز الممتلكات الجماعية واإلقليمية والجهوية ،وكذا قواعد حمايتها ،وذلك ضمن
التصور التالي:128
ولقد اتجهت " لجنة الشؤون العقارية" ،في إطار المناظرة األولى التي عقدت في
مراكش حول الجماعات الترابية ،حيث اقترحت تغيير التشريع الخاص بالعقارات
الجماعية واصالحه ،ومن هنا انطلقت نفس اللجنة في المناظرة األخيرة التي عقدت
بالدار البيضاء لتسطر ما يلي:
-128قصور النظام القانوني التنظيمي ألمالك الجماعات الترابية واشكالية التمويل الغير جبائي للتنمية المحلية بالمغرب،
منشورات مجلة الحقوق المغربية للدراسات القانونية والقضائية ،السنة األولى ،8158 ،ص. .3.
59
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
-أما على صعيد تسيير الممتلكات العقارية ،فقد أوصت اللجنة بتعميم نظام
موحد لهذه الممتلكات ،سواء كانت ملكا للجماعات الحضرية أو الجماعات القروية،
وذلك تماشيا مع متطلباتها وحاجياتها وكذا لجعل حد لتعدد وتنوع التشريعات الجاري
بها العمل.
-وفيما يتعلق بتوفر الجماعات على إمكانيات عقارية كافية ،أوصت اللجنة بأن
اقتناء األمالك العقارية ينبغي أن يتم بثمن رمزي.
من خالل إجراء قراءة بسيطة للقوانين المنظمة للرسوم المحلية ،يتضح عدم عدالة
هذه القوانين بالنسبة لبعض الجماعات الترابية ،التي ضيعت عليها مبالغ مهمة ،كانت
تستفيد منها من خالل الرسوم المحذوفة.
ومن هنا كان يفترض من المشرع الجبائي ،ترك حرية حذف هذه الرسوم أو
تركها للجماعات الترابية المعنية ،بدل حرمانها نهائيا من مداخيل هذه الرسوم.
أما فيما يتعلق بمجال اإلعفاءات ،فيمكن استحضار قائمة اإلعفاءات المتعلقة
على سبيل المثال ،حيث تصنف إلى إعفاءات دائمة ،من خالل 129
بالرسم المهني
التخفيضات الدائمة التي يستفيد منها الملزمون الذين لهم موطن ضريبي أو مقر
اجتماعي بطنجة والذين يزاولون نشاطا رئيسيا بدائرة نفوذ اإلقليم المذكور من تخفيض
نسبته ٪01من الرسم بالنسبة لهذا النشاط ،وأخرى مؤقتة كالوكالة الخاصة طنجة –
البحر األبيض المتوسط ،والمقاوالت المرخص لها بمزاولة نشاطها في المناطق الحرة
للتصدير ،حيث تستفيدان من اإلعفاء من الرسم المهني طيلة 20سنة األولى
إلستغاللها.
60
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
-إدراج المشرع لجميع اإلعفاءات المنصوص عليها سابقا بنصوص خاصة في
نص واحد.
-توضيح وتحديد اإلعفاء الكلي المؤقت لكل نشاط مهني تم إحداثه طيلة مدة 0
سنوات ابتداءا من سنة الشروع في مزاولة هذا النشاط .
ولعل هذه اإلعفاءات من شأنها تفويت مبالغ هامة على ميزانية الجماعات الترابية،
هذا إلى جانب صدمة بعض الجماعات الترابية عند علمها بحذف بعض الضرائب والرسوم
التي كانت تغذي ميزانياتها ،بدعوى ضعف مردوديتها أو صعوبة استخالصها ،خاصة وأن
بعض الجماعات الترابية تعرف عج از ماليا مستديما.
61
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
ومن هذا المنطلق ،يبقى السؤال مطروحا حول مدى مساهمة اإلصالح الجبائي
المحلي في دعم اإلستقالل المالي لهذه الجماعات ،من خالل حذف ضرائب ورسوم كانت
تساهم في تمويل ميزانياتها؟
وما حدود مساهمة الجبايات المحلية كمورد من موارد الجماعة في دعم هذا
اإلستقالل ،خصوصا إذا ما علمنا أن الجبايات المحلية ال تشكل سوى ،%21بشقيها
المحولة والذاتية ،من مجموع المداخيل اإلجمالية للجماعات الترابية ،130األمر الذي يساهم
في تكريس التبعية للمركز.
واذا كان األمر كذلك ،فال بد من اإلقرار بعجز الموارد الجبائية للجماعات الترابية
عن تغطية المهام الموكولة لها ،األمر الذي يدفعها إلى ترقب عطف الدولة عليها،
وبالتالي يصبح اإلستقالل المالي لهذه الجماعات مبدءا مفرغا من محتواه القانوني.
واذا كانت الجماعات الترابية تعاني من هذا الحذف للرسوم والضرائب ،فإن معاناتها
ال تقل أهمية عن معاناتها من توسيع دائرة اإلعفاءات ،وهو ما سينعكس سلبا على الوعاء
الجبائي.
فتوسيع الوعاء الجبائي ،يعتبر أحد أهم اآلليات لتحسين المردودية الجبائية ،وتترجم
هذه اآللية ،إما بتضريب القطاعات غير المضربة ،مما يفيد إحداث ضرائب جديدة تفرض
على ملزمين جدد ،واما بتقليص وحذف االمتيازات الجبائية المجانية الممنوحة لبعض
القطاعات والمؤسسات ،والتي تأتي في صيغة إعفاءات جبائية ،وباستقراء لمقتضيات
القانون رقم 21-11المتعلق بالجبابات المحلية ،يتضح أن هذه المقتضيات ،لم تعمل
على إقرار توسيع حقيقي للوعاء الجبائي المحلي ،131باستثناء المقتضيات المستحدثة
-مذكرة تقديم عامة لمشروع القانون رقم 58.19المتعلق بجبايات الجماعات المحلية ،مرجع سابق ،ص.82 . 130
-131جميلة دليمي ،الوعاء الجبائي المحلي بين حدود اإلصالح ورهانات الحكامة الجيدة ،اللقاء المغاربي التاسع لشبكة
القانونيين لمغاربيين ،المنظم بمراكش بتاريخ 59-51أبريل 8155حول " الجماعات المحلية بدول المغرب العربي" مطبعة
المعارف الجديدة ،الرباط ،8155ص 33.وبعدها.
62
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
والمتعلقة باعتماد وثائق التعمير في تحديد بعض الرسوم ،ويتعلق األمر برسم السكن،132
ورسم الخدمات الجماعية .133كما أن المشرع عمل على سن إعفاءات كثيرة لعدد من
القطاعات والمؤسسات ،حيث تشكل هذه اإلعفاءات تضحية بأموال عمومية كان من
المفروض أن تستخلص لفائدة خزائن الجماعات الترابية.
إن المستجدات التي حملها القانون رقم ،21.11والتي من شأنها أن تعمل على
تحسين مردودية موارد الجماعات الترابية ،لم تعمل على تضريب القطاعات غير
المضربة ،كما أنها لم تأتي بمقتضيات تفيد تقليص حجم االمتيازات الجبائية القائمة .مما
نسجل مفارقة بين الخطاب والممارسة ،الشيء الذي يؤشر على ضعف ترجمة الشفافية في
صناعة القرار الجبائي الترابي.
هذا فيما يخص ،معيقات تدبير موارد الجماعات الترابية ،فماذا عن األحهزة المكلفة
بالتحصيل؟ وعن واقع الرقابة على موارد الجماعات الترابية؟
تشتمل الديون المستحقة للجماعات المحلية ومجموعاتها الخاضعة ألحكام هذا الباب
على:134
63
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
كل الديون األخرى المحدثة لفائدتها بموجب القوانين واألنظمة المعمول -
بها أو الناتجة عن أحكام قضائية أو اتفاقات.
من خالل مضامين هذه المادة ،يتضح أن الباقي استخالصه يعبر عن مجموع
المبالغ المستحقة للجماعات الترابية وهيئاتها والتي لم يتم استيفاؤها في وقتها المحدد
لسبب من األسباب ،كديون عالقة في ذمة الملزم .وتمثل هذه اإلشكالية إحدى مظاهر
محدودية النظام المالي الترابي .فاستخالص الجبايات المحلية من قبل المصالح
الجبائية ،يتسم بطول المسطرة وتعقد اإلجراءات المرتبطة بذلك ،حيث تباشر شساعة
المداخيل كل التدابير القانونية من أجل متابعة الملزمين بالضريبة .غير أن المهمة ال
تتجاوز في أغلب األحيان إعداد أساليب إخبارية بضرورة التسديد ،مع القيام في آخر
المطاف بوضع أمر المداخيل من قبل اآلمر بالصرف ،وعنده تنتهي مهمة الجماعة
الترابية بهذا الخصوص.
زد على ذلك ،ضعف اآلليات الرقابية فيما يخص استخالص موارد الجماعات
الترابية .وهذا ما سنعمل على معالجته من خالل ما يلي:
64
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
إن معالجة إشكالية تحصيل الجبايات المحلية ،يقتضي التعرف على القوانين
المنظمة لها (الفرع األول) من جهة ،والتطرق إلكراهات التحصيل من جهة ثانية (الفرع
الثاني).
إن تحصيل جبايات الجماعات الترابية ،يتم وفق قوانين (الفقرة األولى) ،وبأساليب
تقنية سيتم التطرق لها من خالل (الفقرة الثانية) من هذا الفرع.
وتشكل هذه القوانين ،السند القانوني للتحصيل ،سواء من حيث األجهزة المكلفة،
أو الوسائل المعتمدة.
- 135مرسوم المحاسبة العمومية للجماعات المحلية ومجموعاتها رقم 8.1..555صادر في 58من محرم 5535الموافق 3
يناير .8151
-القانون رقم ،51-.8المتعلق بمدونة تحصيل الديون العمومية ،والصادر بمقتضى ظهير شريف رقم 5.11.581 136
65
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
يقصد بالتحصيل ،تلك العملية التنفيذية لتوريد الديون العمومية إلى صندوق
الجماعة أو الخزينة ،ويعبر عنه بعبارت أخرى كاالستيفاء ،واالستخالص ،واألداء
واالستحقاق .ويعني بصورة مبسطة عملية نقل االموال إلى صندوق االدارة الجبائية،
وحسب تعبير البعض فالتحصيل يعني طريقة إخراج األموال الضريبية من جيب الملزم
( المكلف) إلى صندوق اإلدارة المالية.137
ويتم تحصيل الجبايات المحلية ،اعتمادا على أساليب إعدادية قائمة على أوامر
المداخيل ،وأخرى فورية إلى جانب مسك سجالت المحاسبة.
66
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
ب -اإلقرار :يقوم على عدة معلومات وبيانات يصرح بها الملزم عند الطلب،
فاإلقرار عبارة عن اعتراف شخص بحق عليه آلخر ،ويكون اإلقرار شفويا أو مكتوبا،
صريحا أو ضمنيا.
-1األساليب الفورية في عملية التحصيل:
ترتكز المادة الجبائية ،على أساليب فورية في التحصيل ،تشكل سندات لإلدارة
الجبائية ،وأداة إلثبات اإلبراء بالنسبة للملزم ،ويمكن االحتجاج بها عند الضرورة،
وتتمثل أهم هذه الطرق في :
-المقتطعات :وهي من أهم أساليب التحصيل الفوري ،تكون مؤرخة وموقع عليها،
تقتطع من سجل يوميات ذي أرومات ،مرقمة ومؤشر عليها من طرف القابض البلدي،
وتضم بيانات عن الملزم ونوع الجباية ،ورقم تنزيلها بالميزانية ،وكذا المبلغ المستحق
باألرقام والحروف.
-التذاكر :وهي عبارة عن أوراق تضم بيانات عن إسم الجماعة ،ونوع الرسم
وقيمته المادية ،وتحمل أرقاما ،وهي محررة بحروف أبجدية ولها ألوان مختلقة ،حيث
تستعمل كوصول ألداء الرسوم التجارية ،وحقوق األسواق وغيرها.
-التصويرات :عبارة عن مطبوعات تكون موضوع استخالص الرسوم اإلدارية
كطلبات شواهد الميالد ،وتصحيح اإلمضاءات ،والمصادقة على الوثائق.
وضمانا للسير العادي والتوثيقي بالمصالح الجبائية ،فإنه يتم مسك محاسبة
وسجالت بحركة القيم واألموال ،يتم بموجبها تسجيل المبالغ المقبوضة المساوية
للسندات المسجلة في قوائم معدة لذلك ،من شأنها ضبط عمليات االستخالص ،وتسهيل
المراقبات ،وهذه السجالت عديدة نذكر منها:
-سجل حركات دفاتر المقتطعات :وينقسم إلى قسمين :األول خاص بالدخول،
وتدون فيه المقتطعات القادمة من القباضة ،والثاني تدون فيه المقتطعات الموجهة
للقباضة.
67
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
-سجل حركات التذاكر :وينقسم إلى شطرين :األول يتم فيه تسجيل التذاكر
المودعة بالقباضة حسب األصناف واألنواع التي يطلبها الوكيل من القباضة في بداية
السنة ،أما الثاني فتقيد فيه طلبات التزود من التذاكر لتغطية حاجيات الجماعة.
-سجل الحساب الجاري للقابض :وهو كناش هدفه تسهيل المحاسبة ما بين
الوكيل والقابض ،وهو شهري خاص بالتذاكر والمقتطعات ،نجد فيه تأشيرة ترقيم
القابض.
-سجل الصندوق :يمسكه شسيع المداخيل بشكل إلزامي ،مرقم ومؤشر عليه من
قبل القابض ،وتنقسم صفحاته إلى جزأين :جزء خاص بالمداخيل وآخر خاص بمختلف
وسائل التحصيل.
-السجل اليومي :يحمل ترقيم وتأشيرة القابض في أول صفحة ،وكل صفحة
تضم بيانات عن التذاكر والمقتطعات ،ورقم الفصل والمبالغ المقبوضة ،ومجموع
المداخيل في آخر يوم من الشهر.
أوكل المشرع المغربي ،مسؤولية تحصيل بعض الجبايات المنظمة بالقانون رقم
، 21.11والمدبرة من طرف المصالح الجبائية الجماعية ،ألجهزة جبائية غير تابعة
لهاته المصالح (أوال) ،في حين أسندت مهمة تحصيل باقي الجبايات المحلية ،لمصالح
جبائية محلية تابعة لآلمر بالصرف ،من أجل تنفيذ جميع مراحل العملية الجبائية
(ثانيا).
68
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
يتم تعيينهم بموجب مقرر للوزير المكلف بالمالية ،أو الشخص المفوض من لدنه
لهذا الغرض ،وهم الذين يتعين عليهم بمقتضى القوانين واألنظمة المعمول بها ،أو
بموجب مقرر للوزير المكلف بالمالية ،أن يدلوا سنويا للمجلس الجهوي للحسابات
المختص ،بحسابات الجماعات الترابية أو مجموعاتها ،بصفتهم المحاسبين المكلفين
بها .وتشمل الحسابات المذكورة على العمليات التي قاموا بتنفيذها شخصيا ،وكذا
العمليات التي قاموا بمركزة مستنداتها المثبتة ،أو التي منحوها تنزيال نهائيا .ويدخل في
هذا الصنف من المحاسبين الرئيسيين ،الخزنة الجهويون والخزنة اإلقليميون وخزنة
الجماعيون.139 العماالت ،والخزنة الجماعيون ،138المكلفون باألداء ،والقباض
-عمر العسري ،النظام الجديد للمحاسبة العمومية للجماعات المحلية بالمغرب ،اللقاء المغاربي التاسع لشبكة القانونيين 138
المغاربيين ،المنظم بمراكش بتاريخ 59-51أبريل 8155حول "الجماعات المحلية بدول المغرب العربي" ،مطبعة المعارف
الجديدة ،الرباط ،8155ص.93 .
- 139المادة 55من المرسوم المتعلق بسن نظام المحاسبة العمومية للجماعات المحلية ومجموعاتها.
69
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
ويرأس هذه المصلحة القابض الجماعي ،الذي هو موظف جماعي معين من
طرف وزير المالية تحت إمرة المدبر الخازن العام للمملكة ،وتقع عليه نفس المسؤوليات
الخاصة بالمحاسبين العموميين كما تطبق عليه قوانين متعددة من بينها نذكر:
ويراقب القابض الجماعي األوامر بالمداخيل واألوامر بالصرف ،بعد التأكد من
صحتها وصالحيتها ،إذ يضع صيغة قابلة فيما يخص المداخيل أو صيغة "صالح
لألداء" بالنسبة للمصاريف ،ويتوفر في هذا الصدد على 0أيام للقيام بهذه العملية،141
كما يؤشر على الحواالت للتأكد من صحة الدين ،إذ يرجع الحواالت إلى اآلمر
بالصرف داخل أجل أقصاه 1أيام بالنسبة لنفقات الموظفين و 20عشر يوما بالنسبة
للنفقات المختلفة ،لهذا يجب على القابض الجماعي ،أن يرجع الحواالت داخل األجل
المحدد ،سواء أكانت مؤشرة أو مرفوضة ،كما ينبغي إثبات أسباب الرفض إثباتا
- 140إبراهيم صبيري ،القباضة الجماعية ومسألة التدبير المالي الجماعي :رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في
القانون العام كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية الدار البيضاء السنة الجامعية ،5... - 5..2:ص.59 .
- 141عمر العسري ،النظام الجديد للمحاسبة العمومية للجماعات المحلية بالمغرب م .س ،ص.95.
70
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
مفصال ،وبهذه الوظيفة يراقب القابض الجماعي مشروعية ق اررات اآلمر بالصرف ،إذ
يعتبر القابض بمثابة المستشار أو المساعد التقني ألجل تدبير عقالني وفعلي
للميزانيات الجماعية ،إضافة إلى مراقبة اختصاصات صحة االلتزام بالنفقات ،كما أنه
مطالب بمسك محاسبة يومية وسنوية ،مع إنجازه لحساب التدبير في آخر السنة
المالية.
لكن رغم الجهود التي يبدلها القابض الجماعي بمعية موظفي وأعوان المتابعات،
ورغم قيامها بحمالت دورية سنويا بالتعاون مع الخزينة اإلقليمية والسلطات المحلية
المعنية للرفع من وثيرة ونسبة التحصيل الجبائي .فإن القباضة الجماعية تجد بعض
اإلكراهات ،متمثلة في تعقد المسطرة القانونية ،بحيث يوجد نظام قانوني متباين يحكم
مسطرة المتابعات واالستخالصات ،يؤثر سلبا على مردودية الموارد ،كما أن وجود بنية
ضريبية مشتتة ،يجعل من الملزم الواحد ينتقل باستمرار إلى القباضة الجماعية ،ألداء
الضرائب والرسوم .إضافة إلى ثقل التحمالت الملقاة على عاتق القابض الجماعي،
فرغم جهوده قصد استخالص جميع الضرائب والرسوم ،التي يتحمل مسؤولية
تحصيلها ،فإن المبالغ المستخلصة تبقى ضعيفة ،مما ينعكس على الباقي استخالصه
الذي يشهد ارتفاعا متزايدا.
كما يسجل غياب التنسيق بين السلطات المحلية المساعدة مما يؤدي إلى
ممارسات سلبية.
-1المحاسبون الثانويون:
هم الذين تكون العمليات التي قاموا بتنفيذها ممركزة من طرف محاسب رئيسي
يتولى القيام بالتنزيل النهائي لها بعد االطالع على مستنداتها المثبتة المدلى بها.
71
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
ب -نواب المحاسبين :نصت المادة 21من مرسوم محاسبة الجماعات المحلية
على أن يقوم المحاسبون العموميون للجماعات الترابية ومجموعاتها القيام بتسييرالمراكز
المحاسبية المعهودة إليهم .ويمكن أن يساعدهم في ذلك نائب أو عدة نواب يتوفرون
على الصفة التي تمكنهم من التصرف باسمهم وتحت مراقبتهم ومسؤوليتهم .ويتعين
على المحاسب العمومي أن يكون معتمدا هو ونوابه لدى الهيئات الماسكة لحسابات
خارجية لألموال المتوفرة التي يأمرون بها أو يراقبون حركاتها .وعلى كل مركز
محاسبي أن يتوفر على صندوق واحد ،وعند الحاجة ،على حساب بريدي جار حساب
لإليداع بالخزينة .وال يمكن في أي حال من األحوال ،أن يحمل حساب المركز
المحاسبي اإلسم الشخصي للمحاسب العمومي.
أما من حيث التنظيم الهيكلي لشساعة المداخيل ،فإنه يختلف من جماعة ألخرى
حسب االمكانيات المتاحة ،والكفاءة التنظيميـة لوكيل المداخيل ،وحجم نشـاط الوكالة
72
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
الذي يتوقف بدوره على حجم المداخيل المستخلصة ،والمستوى الكمي والكيفي للتأطير
البشري.
ويعين الشسيع على رأس شساعات المداخيل التي تحدث بمقرر لوزير الداخلية
أو الشخص المفوض من لدنه لهذا الغرض ،ويتخذ باقتراح من اآلمر بالصرف طبقا
للمادة 22من مرسوم محاسبة الجماعات المحلية .ويتم طبق نفس اإلجراءات اتخاذ
مقررات لتعيين شسيع المداخيل أو عدة شسيعين وكذا نوابهم ،وبتحديد اختصاصاتهم
ومجاالت تدخلهم مع اإلشارة إلى طبيعة المداخيل التي يتم الترخيص بتحصيلها من
طرف الشسيع أو الشسيعين ،وفقا لمقررات إحداث شساعات المداخيل.
عندما نتحدث عن مسألة تحصيل موارد الجماعات الترابية ،نتجه مباشرة نحو
اإلدارة الجبائية ،والتي تعتبر من األدوات الرئيسية لنجاح أي نظام جبائي ،ألنها تعمل
73
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
على تطبيق القانون المتعلق بالجبايات المحلية ،من خالل وسائلها المادية والبشرية،
كما تتعامل مع الملزمين بطريقة مباشرة ،142ولتحسين أداء اإلدارة الجبائية ،ال بد من
تعزيزها باألدوات القانونية والمادية وللوجيستيكية .فإلى أي حد استطاع القانون رقم
،21-11تمكين اإلدارة الجبائية بهذه اآلليات؟
لقد صاحب تطبيق القانون رقم 21-11إعادة هيكلة إدارة الجبايات المحلية،
حيث تم توزيع المهام بين مختلف المصالح التابعة لهذه اإلدارة ،واعتمدت هذه الهيكلة
على ثالث مصالح أساسية هي :مصلحة الوعاء ،ومصلحة المراقبة والمنازعات
ومصلحة التحصيل .وقامت و ازرة الداخلية بتنظيم دورات تكوينية لفائدة األطر واألعوان
العاملين بالمصالح الجبائية.
ورغم هذه التعديالت القانونية ،كان من األجدر على السلطات الحكومية القيام
بإقرار نظام تحفيزي للموارد البشرية المكونة لإلدارة الجبائية المحلية ،يالئم نظيره
المعتمد لفائدة أطر مديرية الضرائب والخزينة العامة ،ألن العنصر البشري داخل
اإلدارة الجبائية يقوم بدور مهم في تحسين المردودية المالية لجباية الجماعات الترابية.
غير أن القانون رقم 21-11لم يستجب لتطلعات اإلدارة الجبائية ،حيث إن هذه
األخيرة ،ما زالت تواجه إكراهات منها ما هو تنظيمي ،مرتبط بالمنتخب وبهيكلة اإلدارة
الجبائية ،ومنها ما هو مرتبط بوسائل العمل ،داخل اإلدارة الجبائية ،دون أن ننسى
تأثير الملزم ودوره الفعال في تحسين جودة العمل داخل اإلدارة الجبائية.143
فعملية التحصيل يقصد بها ،مجموع العمليات التي تهدف إلى نقل مبلغ الجباية
من ذمة الممول إلى صندوق الجماعة أو خزينة الدولة ،ويتم تحصيل الجباية المحلية
- 142عبد السالم أديب ،السياسة الضريبية واستراتيجية التنمية ،دراسة تحليلية للنظام الجبائي المغربي،5.19-8111 ،
إفريقيا الشرق ،الطبعة األولى ،5..2 ،ص.25 .
- 143جميلة دليمي ،الوعاء الجبائي المحلي بين حدود اإلصالح ورهانات الحكامة الجيدة ،م .س ،ص.31-35.
74
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
بناء على أساليب إعدادية قائمة على أوامر المداخيل وأخرى فورية ،إلى جانب مسك
سجالت للمحاسبة ،ويشرف على التحصيل المذكورة ،اآلمر بالصرف ،بمعية وكيل
داخل األجل القانوني للتحصيل أو خارجه عن طريق التحصيل 144
المداخيل
145
الجبري.
وتتطلب هذه المسطرة ،شهو ار معدودة قبل أن تصل هذه األوامر إلى القابض
146
الجماعي ،الذي يسهر على متابعة المتملصين ،وفق القوانين الجاري بها العمل.
- 144أحمد حضراني ،قانون الجبايات المحلية الجديد وضمانات مبدأ العدالة الجبائية ،المجلة المغربية لإلدارة المحلية
والتنمية ،السلسلة العادية ،العدد ،82-8.السنة ،8112ص.81 .
- 145محمد علي أدبيا ،إشكالية االستقالل المالي للجماعات المحلية بالمغرب ،نحو مقاربة أكثر واقعية ،المجلة المغربية
لإلدارة المحلية والتنمية ،سلسلة مواضيع الساعة ،العدد ،8.لسنة ،8115ص.853 .
-146جمال اللمطي الخمسي "،وضعية الموارد الذاتية بالجماعات المحلية-نموذج بلدية وادي لو ،"-رسالة لنيل دبلوم الدراسات
العليا المعمقة في المالية العامة ،كلية العلوم القانونية ،اإلقتصادية واإلجتماعية ،السويسي ،الرباط ،السنة الجامعية-8115 :
،8118ص.85 .
75
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
ويمثل طول مدة مسطرة التحصيل ،وطابعها المرحلي عائقا في حد ذاته أمام
الجماعات في استيفاء مستحقاتها الضريبية .والمالحظ أن تعقد إجراءات المتابعة من
قبل القباضة تجعل الجماعة غير مستفيدة من تلك الجبايات ،والتي تم تسطير تقديراتها
ضمن الميزانية السنوية ،بمعنى أن مبالغ مهمة تظل في عداد الباقي استخالصها ،إلى
حين انتهاء إجراءات التحصيل من قبل القابض.
والى جانب طول مسطرة التحصيل وتعقدها ،تتداخل أيضا أسباب عدة ،تساهم
بدورها في تنامي ظاهرة الباقي استخالصه ،وذلك من مثل ظاهرة التهرب الضريبي
وطبيعة الجهاز اإلداري المشرف على الجبائية المحلية ،والمتميز بوجود إدارة تعاني
من نقص كمي ونوعي ألعوان الجباية ،إلى جانب ضعف الوسائل المعتمدة (وسائل
النقل ،المكاتب ،)...،يؤدي إلى تأخير إصدار قوائم األداءات للوائح الملزمين.
ويعرف حجم الباقي استخالصه تطو ار سنة بعد أخرى ،وقد قدرت الحكومة أثناء
إعداد مشروع قانون الجبايات المحلية رقم 21.11حجم الباقي استخالصه بما يناهز
1مليار درهم ،147وهو مبلغ ليس بالهين على اإلطالق ،حيث يهم بالخصوص
الضرائب المحولة (الرسم المهني ،الرسم على السكن ،الرسم على الخدمات الجماعية)،
والسيما الرسم على الخدمات الجماعية باعتبارها لم تستفد من التقادم اإلبرائي الذي
جاء به قانون مالية سنة ،2222إلى جانب ضرائب ورسوم محلية أخرى ،األمر الذي
يدعو إلى تكثيف الجهود من طرف األشخاص القيمين على الجباية المحلية ،بالنظر
إلى اإلنعاكاسات المالية التي تخلفها ظاهرة الباقي استخالصه.148
ولعل اعتماد المشرع آلية العفو الضريبي سنة 1122الرامية إلى إلغاء الغرامات
والزيادات وتكاليف التحصيل الصادر بشأنها أمر بالتحصيل ،قبل فاتح يناير لسنة
-147جبايات الجماعات المحلية -القانون الجديد رقم 58.19ومناقشته أمام البرلمان ،المجلة المغربية لإلدارة المحلية
والتنمية ،مرجع سابق ،ص.551.
-148محمد فاضل الرزمة ،م.س ،ص... .
76
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
،1121ويتضمن المبلغ األصلي للضرائب والواجبات والرسوم ،إضافة إلى تلك الرسوم
التي تقرر حذفها أو إدماجها في المدونة وظلت غير مستخلصة إلى غاية نهاية دجنبر
من نفس السنة .ويشترط من أجل االستفادة من هذا العفو أن يسدد الخاضعون
للضريبة المعنيون بالقرار أصل هذه الضرائب والواجبات والرسوم قبل نهاية يونيو لسنة
.1122ولعل مثل هذا اإلجراء سيفوت على الجماعات الترابية مبالغ مهمة من شأنها
تغذية ميزانياتها.
وفي هذا الصدد ،نجد أنه مقابل احتكار القابض المحلي لتحصيل الجبايات
المحلية ،نجد هامشية دور شسيع المداخيل في عملية التحصيل ،فهذا الجهاز يعطي
االنطباع بوجود سلطة جبائية جماعية على األقل في جانب التحصيل ،لكن جوهر
األشياء هو غير ذلك ،إذ يعهد إليه بوظيفة تحصيل بعض الرسوم المحلية التي
يصطلح عليها بالرسوم الطلبية ،أي تلك الواجب دفعها نقدا كأداءات األسواق ،ورسوم
الذبح من أجل التخفيف من عبء التنقل التي قد يتحملها الملزمون باألداء ،وذلك في
إطار عضوي وهو الوكالة ،149وهذا ما لم يستطع المرسوم الجديد لمحاسبة الجماعات
المحلية ومجموعاتها ،تجاوزه.
كذلك ،فإن وجود شسيع المداخيل تحت السلطة الرئاسية لآلمر بالصرف ،وتحت
إشراف وفي عالقة مع القابض البلدي ،يجعله في منزلة تتأرجح بين المنزلتين ،منزلة
الخضوع لآلمر بالصرف والقابض من الناحية القانونية ،ومنزلة التجاوز من الناحية
العملية ،وأي اختالل في عالقة القابض باآلمر بالصرف ،تجعله في وضعية
حرجة ،150وهو األمر الذي مازال قائما في ظل المرسوم الجديد لمحاسبة الجماعات
-149رشيد بودي ،االستقالل المالي للجماعات المحلية على ضوء الفصل ما بين اآلمرين بالصرف والمحاسبين العموميين،
رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية الدارالبيضاء ،السنة
الجامعية ،8118-8113 :ص.881.
-مرضي حورية ،موارد الجماعات المحلية ودورها في التنمية " ،الجماعات المحلية بالجهة الشرقية كنموذج" ،أطروحة 150
لنيل الدكتوراة في القانون العام ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،فاس ،السنة الجامعية ،8115 -8113
ص.88.
77
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
المحلية وهيئاتها .مع أن هذا األخير نص على ضرورة الحضور اإلجباري لشسيع
المداخيل ،الجتماعات لجنة المالية والميزانية ،حيث كان حضوره في السابق غير
إجباري ،ورهين قرار اختياري لرئيس المجلس الجماعي.151
152
فالرسم على محال بيع المشروبات مثال ،يطرح إشكالية فحص اإلق اررات
المدلى بها من طرف أصحاب المقاهي ،فمعظم هؤالء الملزمين ال يتوفرون على
محاسبة منتظمة ،وتزداد الصعوبة عندما يتعلق األمر بفرض الرسم على المحلبات
مثال ،التي تستهلك فيها المشروبات في عين المكان ،إذ كيف يمكن للعون المكلف
بفحص هذه اإل ق اررات تمييز المداخيل الجبائية السنوية ،هذه المداخيل المتعلقة
بالمشروبات المستهلكة في عين المكان ،عن باقي المداخيل األخرى المتعلقة بالمواد
-خادم أحمد ،وكالة المداخيل ،رسالة لنيل دبلوم السلك العالي ،المدرسة الوطنية لإلدارة العمومية الرباط ،دجنبر ،5..8 151
ص.598 .
-جميلة دليمي ،الوعاء الجبائي المحلي بين حدود اإلصالح ورهانات الحكامة الجيدة ،م .س ،ص.39. 152
78
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
الغذائية ؟ فكيف يمكن للم ارقب أن يفحص هذه اإلق اررات؟ وما هي القرائن الممكن
االعتماد ع ليها العتبار محلبة ما أنها تستهلك المشروبات بعين المكان أم ال؟ كلها
صعوبات تطرح أمام العون المكلف بفحص اإلق اررات ،وتزيد من تعقيد العالقة بين
اإلدارة الجبائية والملزمين .وكذلك األمر ،بالنسبة للرسم المفروض على استخراج مواد
المقالع.153
محدودية اللجوء إلى مسطرة المنازعات القضائية :للملزم واإلدارة الحق في
التنازع عن طريق المحاكم ،إذا ما توفرت الشروط القانونية المنصوص عليها بموجب
المادة 014من القانون رقم .40-11واذا كانت المصالح التابعة لمديرية الضرائب
تمارس هذا الحق فيما يخص الرسم المهني ،ورسم السكن ورسم الخدمات الجماعية،
فإن المصالح الجبائية للجماعات الترابية ،يكاد ينعدم لجوءها للقضاء للمطالبة بحقوقها.
ويمكن إيعاز محدودية لجوء هذه المصاح للمسطرة القضائية لعدة أسباب ،أهمها،
تفادي اآلمر بالصرف المنتخب التنازع مع الملزم ،154خصوصا أن هذا األخير ،يشكل
ورقة رابحة في الجسم اإلنتخابي.
-أحمد قيلش ،المنظومة الجبائية المحلية بين إشكالية التنازع وحركية التقاضي ،أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون 153
الخاص ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،الدار البيضاء ،السنة الجامعية ،8111-8115 :ص.21 .
- 154أحمد حضراني ،قانون الجبايات المحلية الجديد وضمانات مبدأ العدالة الجبائية ،المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية،
يناير -أبريل ،8112ص.513 .
79
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
وهذا ،ما ستتم معالجته من خالل التطرق لمسألة العدالة الجبائية من جهة،
وغياب توعية جبائية من جهة أخرى.
إن عدم عدالة القانون الجبائي المحلي ،تجعل الكثير من الملزمين يشعرون
بعبء جبائي ثقيل ،خاصة إذا كانت األداة اإلنفاقية على المستوى المحلي ،ال تلعب
أي دور في إقامة هذه العدالة.
فمهمة القانون هي حماية الفرد والجماعة ،في إطار جامع بين الحقوق الفردية
والمصالح اإلجتماعية ،على سبيل التوفيق واإلنسجام ،إلى حد يحقق درجة من العدل
والتوازن.
وفي هذا اإلتجاه ،وجب إخضاع الملزمين لمبادئ القانون الضريبي ،وفق
المعايير الشرعية في العدل ،والمصلحة المعتبرة ،على نحو يجعل منها أسسا ،تقوم
عليها فلسفة مشروعية الضريبة.
فإذا كانت عدالة النظام الجبائي لها األثر األكبر على مدى قبول الملزم للضريبة،
حيث تريح هذا األخير نفسيا وعقليا ،وبالتالي يؤدي ما عليه راضيا مرتاحا ،فإن انتفاء
العدالة الضريبية ،من شأنها أن تنفر الملزمين من الضريبة ،حيث سيشعرون بأنها فوق
ما يطيقون.
ولتقييم أي نظام جبائي محلي ،يمكن طرح التساؤل التالي :من يدفع الرسوم؟ واذا
كانت الغاية من هذه الرسوم بالدرجة األولى تحقيق أهداف مالية ،حيث تحقق موارد
للجماعات الترابية ،تساعدها على القيام بأعبائها ،كما لها أيضا غايات اقتصادية
واجتماعية ،فإن مبدأ العدالة الجبائية يظل من المبادئ األساسية في أي نظام جبائي
سليم ،حيث يصبح لزاما في إطار تحقيق هذه العدالة توفر شرط أساسي ،وهو تحقيق
80
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
مبدأ المساواة الضريبية بين جميع القادرين على الدفع ،دون استثناء إال ما فرضه
التشريع الضريبي على المستوى الترابي.
غير أن الواقع ،من خالل النص الجبائي الجديد ،يثبت بوضوح مرة أخرى أوجه
الحيف اإلجتماعي في التعامل مع فرض الجباية ،حيث تستفيد طبقات معينة في
المجتمع من اإلعفاءات واإلمتيازات المختلفة التي تمنحها القوانين .155وهذا التمييز في
التعامل مع الفرض الجبائي ،من شأنه أن يعمق الالمساواة الضريبية ،خاصة عندما
يعجز المشرع عن إخضاع جميع أفراد المجتمع للقانون بالتساوي ،كمبدأ دستوري،
واجب التحقق ،وهو ما يؤدي غالبا إلى استياء ضريبي لدى الملزمين في األداء
الضريبي ،والذي يترجم من خالل التهاون عن أداء الضريبة أو التهرب منها.
عموما يتضح أنه من أجل عدالة جبائية ،يجب مراعاة ضمان حياد ومعاملة كل
الملزمين على قدم المساواة أمام تطبيق القانون ،وذلك وفق ما تقتضيه حكامة التدبير
-جواب وزير المالية أثناء مناقشة مشروع القانون رقم 58.19المتعلق بالجبايات المحلية أمام البرلمان حول الالئحة 155
الطويلة لإلعفاءات التي تضمنها اإلصالح الجبائي المحلي ،أقر بأنها كانت موجودة في عدة نصوص قانونية ،وأنه تم
تجميعها في إطار النص القانوني الجديد.
81
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
الترابي ،حيث يجب استحضار مبدأ المساواة والشفافية كأحد أهم ضمانات المواطنة
الجبائية ،بعيدا عن منطق المحاباة التي تنتهجها الدولة ،في تضريبها لبعض
القطاعات ،والذي يعتبر مسا بمطلب العدالة اإلجتماعية.
يعبر الوعي الجبائي ،عن موقف جزء أو كل الملزمين ،حيال الحدث الضريبي
المحلي ،فهو يعكس مدى تقبل الواجب الضريبي واإلعتراف بالسلطة الجبائية لإلدارة
الجبائية المحلية.
فالوعي الجبائي لدى الملزم ،يشكل ال محالة أحد األدوات الضرورية لتأدية
الواجب ،المتمثل في الضرائب الرسوم ،156فهو كسلوك وممارسة ،تتداخل فيه مجموعة
من العوامل ،كالجانب المعرفي ،حيث إن إجادة الكتابة أو القراءة تعني تسليح المواطن
بصفة عامة ،والملزم بصفة خاصة ،باألدوات المعرفية فيما يتعلق بحقوقه وواجباته
المنظمة بنص القانون ،ومن هنا يبرز دور اإلدارة الجبائية في نشر الوعي الجبائي.157
واذا كان تحقيق ذلك سهال من الناحية النظرية ،فإن تطبيقه على أرض الواقع
يصطدم بعدة صعوبات ،حيث يظل الوعي الجبائي ضعيفا لدى عامة الملزمين ،ويعزى
ذلك إلى عدة أسباب ،أهمها تغييب الملزم عن المسرح الجبائي ،في الوقت الذي يعتبر
فيه هذا األخير محور العملية الجبائية ،وهو ما يولد لديه نوعا من النفور والشعور بعدم
الثقة اتجاه اإلدارة الجبائية.
-أحمد حليبة" ،التهرب الضريبي وانعكاساته على التنمية المحلية بالمغرب" ،أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون 156
العام ،وحدة علم اإلدارة والقانون اإلداري ،كلية العلوم القانونية واإلقتصادية واإلجتماعية-أكدال-الرباط،8115-8111 ،
ص.523.
-عرض حول المواطنة الجبائية والتواصل الجبائي المحلي على ضوء قانون رقم ، 58.19مرجع سابق ،ص.1 . 157
82
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
وفي ظل غياب هذا الوعي ،سيكون الشرخ واسعا بين طرفي العالقة الجبائية ،أي
بين اإلدارة الجبائية والملزم .ويعتبر ذلك من بين العوامل المؤثرة وبشكل واضح على
مردودية مختلف الضرائب والرسوم ،حيث تتشكل أزمة التواصل ،التي تعتبر العنوان
البارز لعالقة الملزم باإلدارة الضريبية ،والتي قد تأخذ أشكاال واقعية ،كظاهرتي الرشوة
والتهرب الضريبي ،وما يترتب عن هاتين المعضلتين من آثار سلبية على مالية
الجماعات الترابية.
158
-Dernour Saida, Baraoui Taha, Evaluation de la reforme fiscale locale : situation actuelle et
perspective : Rapport de fin de stage : centre de formation administrative, Casa, 1995, p.60.
83
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
على صعيد كافة فروع اإلدارة الجبائية ،تعمل على تقديم المنشورات والنصائح للملزم
الجبائي ،دون أن نغفل أيضا تقصير وسائل اإلعالم ،وعدم إسهامها في ربط التواصل
بين اإلدارة الجبائية والملزمين ،إذ كان يفترض ،أن يواكب اإلصالح الجبائي الجبائي
المحلي حمالت دعائية قصد نشر المعلومات الجبائية ،والتعريف بالقانون رقم 40.11
عن طريق التلفاز والمذياع ،اللذان يعدان من الوسائل الهامة التي يجب استغاللها في
إيصال المعلومات واألخبار للمواطنين ،وآليات التواصل االلكتروني ،وأيضا عن طريق
الجرائد المحلية ،التي تتسم بضعف اهتمامها بالمجال الجبائي ،في الوقت الذي كان
يجب فيه أن تكون قناة ناجعة لنشر الوعي الجبائي بين أوساط الملزمين.159
فتوظيف هذه الوسائل اإلعالمية من قبل اإلدارة الجبائية ،من شأنه تمكين الملزم
بالضريبة من اإلطالع على المعلومات ،والتوضيحات اإلضافية التي تتطلبها
النصوص القانونية ،وهو ما سيساعد على تالفي الكثير من المشاكل والصعوبات التي
قد تثار من جراء عدم معرفة الملزمين مالهم وما عليهم.
وخالصة القول ،فجميع هذه العوائق التي تقدم ذكرها ،ال تساعد الجماعات
الترابية على وضع إستراتيجية تنموية حقيقية ،نتيجة ضعف مردودية جباياتها ،ويتجلى
ذلك من خالل المكانة التي تمثلها داخل مجموع الموارد المخصصة للجزء األول من
الميزانية ،حيث إنها ال تكفي لسد نفقات التسيير ،وهو ما يؤدي حتما إلى اختالل
التوازن بين النفقات والمداخيل ،الشيء الذي يؤثر بشكل سلبي على التدبير المالي
واإلداري للجماعات الترابية ،وبالتالي على النمو اإلقتصادي الترابي.
-محمد شكيري ،أهمية التواصل في تدبير الضريبة ،المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية ،عدد ،41مارس-أبريل، 159
،9119ص .99.
84
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
يعتبر العمل الرقابي بأصنافه وآلياته القانونية والمادية والعملية ،ومجاالت تدخله
المتعددة والمتنوعة ،وكذا بمراحله المختلفة ،أحد أهم أوجه التأثير في النشاط المالي
الترابي ،هذا التأثير الذي تختلف مجاالته ومضامينه ،بل وحتى درجة تأثيره على
االستقالل المالي للجماعات الترابية.
فالرقابة على تنفيذ موارد الجماعات الترابية ،تمس بشكل مباشر التدبير المالي
الترابي ،وبشكل غير مباشر باقي أوجه تسيير الشؤون الترابية ،وهو ما يؤكد أهميتها
كمجال للتدخل المركزي في سير ونشاط هذه الهيئات الالمركزية ،مقابل تمتع
الجماعات الترابية بدرجة مالئمة من االستقالل المالي ،الذي تتطلبه ممارسة المهام
واالختصاصات الموكولة للهيئات الالمركزية بمختلف أصنافها.
فخضوع الهيئات الالمركزية للوصاية أو الرقابة ،تعد بمثابة استثناء أمام قاعدة
االستقالل اإلداري والمالي ،والتمتع بالشخصية المعنوية .160غير أن اإلشكاالت
المرتبطة بهذا التقابل بين االستقاللية وحرية التصرف في المجال المالي ،والخضوع
للرقابة المركزية ،إنما تعبر عن واقع يتميز بتناقض واضح بين غاية تطبيق النظام
الالمركزي وحرية التدبير الترابي للتنمية ،وبين إكراهات وثقل اآلليات واألصناف
الرقابية ،ومدى تأثيرها على النشاط المالي الترابي.
-160عبد اللطيف بروحو ،مالية الجماعات المحلية بين واقع الرقابة ومتطلبات التنمية :منشورات المجلة المغربية لإلدارة
المحلية والتنمية" ،سلسلة مواضيع الساعة" ،العدد ،81لسنة ،8155ص.5. .
85
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
من أقدم اآلليات الرقابية وأشدها تأثي ار على النشاط المالي الترابي ،تتقاسمها كل
من و ازرة الداخلية ،باعتبارها السلطة الوصية قانونا على الشأن الترابي ،إلى جانب و ازرة
المالية.
وتعبر عن مجموع السلطات التي يمنحها المشرع للسلطة المركزية ،لتمكينها من
الرقابة على النشاط المالي للجماعات الترابية ،بهدف حماية الصالح العام ،حيث يخول
هذا االختصاص عادة إلى األجهزة اإلدارية والمالية التابعتين لو ازرة الداخلية وو ازرة
المالية.
وتنقسم إلى:
رقابة قبلية ،تجريها و ازرة الداخلية عبر الدوريات والتوجيهات العامة ،والتي تهدف
من خالله إلى وضع قواعد ذات إطار تنظيمي محدد للسياق العام الذي يحيط بهذه
الجماعات ،وللوضع االقتصادي واالجتماعي للبالد ككل ،لضمان نوع من االنسجام،
وضبط عملية التقدير ،عالوة على تأشيرة و ازرة المالية.
86
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
حيث تهدف إلى ضبط عملية البرمجة ،والتحكم في اتخاذ القرار المالي .فالتدخل
المسبق لسلطات الوصاية يطال مختلف جوانب النشاط المالي الترابي ،فهو يبدأ قبل
إعداد الميزانية المحلية ،ويسري على مختلف مراحل هذا اإلعداد ،ويراقب تطبيق
المقتضيات القانونية ومختلف التوجيهات التي تضعها والقواعد التي تقررها.
ورقابة مواكبة ،تمارسها أيضا و ازرتا الداخلية والمالية ،وتختلف آليات إجرائها
وممارستها ،وتتفرع مجاالت االختصاص والتدخل المرتبط بها ،حسب مراحل تنفيذ
العمليات المالية المرتبطة بالميزانية.
كما تمثل أكثر األشكال الرقابية إثارة للجدل وأشدها تأثي ار وتوجيها للفعل الترابي
ولبرمجة المشاريع الترابية .161وتشمل رقابة القابض الجماعي على اآلمر بالصرف،
ورقابة سلطة الوصاية على إجراءات تنفيذ الميزانيات الجماعية .فالبنسبة لرقابة القابض
الجماعي على اآلمر بالصرف ،فتتمثل في تتبع المشروعية المالية للنفقة الترابية
وللتصرفات المالية لآلمر بالصرف ،بحيث هناك من جهة ،المراقبة المالية في مرحلة
مراقبة صحة االستخالص ثم مرحلة رقابة صحة االلتزام بالنفقات وصرفها وتقتضي
هذه الرقابة التي يجب أن تفرض على تنفيذ الميزانيات الجماعية من هذا الجانب أن
87
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
يتم الفصل العضوي والوظيفي بين اآلمر بالصرف والمحاسب الجماعي ،وهو ما أكدت
عليه النصوص التنظيمية.162
ويتعين عليه بحكم القانون ،أن يحرص على مراقبة صحة المداخيل ،وسالمتها
وعلى احترامها للنظم والقواعد المحددة ،وهذا ما تؤكده أيضا الدوريات التوجيهية التي
تحث المحاسبين على احترام المقتضيات القانونية والتنظيمية ،قبل الشروع في تقييد
وتحمل أوامر المداخيل وتحصيلها ،وبالتالي يتعين عليهم التأكد من صحة وسالمة
عمليات المداخيل ،ويتعلق األمر أساسا بضرورة إجراء رقابة على مشروعية المداخيل
المقررة ،وعلى تنزيلها وتبويبها بالميزانية ثم التأكد من تعزيزها بالوثائق المثبتة.
وتتم هذه الرقابة التي يجريها المحاسب الجماعي على األمر بالتحصيل ،وفق
شكليات ومراحل معينة:
-162المادة 5من مرسوم رقم 8.1..555صادر في 58محرم 3( 5535يناير )8151بسن نظام المحاسبة العمومية
للجماعات المحلية ومجموعاتها ،الجريدة الرسمية 2( 1255فبراير ،)8151ص .511.
88
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
المعنية ،مقيدا في الميزانية ،ومتضمنا للبيانات والمعطيات التي تقرها القواعد التنظيمية
ذات الطابع الشكلي أو التقني .وبالتالي فإن المحاسب الجماعي ،يتعين عليه أن يتأكد
من هذه العناصر الضرورية ويحرص على احترامها وتطبيقها قبل الشروع في التنفيذ
المالي والمحاسبي لهذه المداخيل.
*الرقابة على شكل ومضمون سند التحصيل :تعتبر هذه العملية ذات طابع تقني
ومحاسبي ،فالمحاسب الجماعي يتأكد من مدى صحة قواعد تصفية المداخيل وطرق
احتساب مبالغها ،كما يقوم بمراقبة إصدار سندات المداخيل ،وفق الشكليات
المنصوص عليها تنظيميا ،وكذا إرفاقها بالوثائق المثبتة قبل تقييدها والشروع في
تحصيلها.
إن الرقابة المواكبة التي يجريها المحاسب الجماعي على عمليات المداخيل،
تهدف باألساس إلى احترام القوانين والقواعد والنماذج المنظمة لهذه الموارد .واذا كانت
الموارد ال تحظى بمثل االهمية التي تحتلها نفقات الجماعات الترابية ،فإن ذلك ال يعني
عدم إيالء أهمية إلصدار وتنفيذ عمليات المداخيل ،وهذه الرقابة تقوم باألساس على
التحقق من سالمة وصحة اإلجراءات المتعلقة بهذه العمليات ،لكن بالمقابل نجد أن
النفقات تخضع آلليات رقابية متعددة األوجه والمراحل تبدأ من رقابة سالمة العمليات
المالية قانونيا وتطال رقابة صحة األداء.
-2رقابة صحة االلتزام بالنفقات وصحة أداء النفقات:
تخضع نفقات الجماعات الترابية (باستثناء الجماعات القروية) لمراقبة االلتزام
بالنفقات ،وهذه الرقابة ذات طبيعة خاصة وتتدخل قبل قيام الجماعة الترابية بتنفيذ
إجراءات تنفيذ الميزانية في جانب النفقات ،وااللت ازم بالنفقة من قبل الجماعة الترابية.
وتخضع بالتالي العمليات المالية المتعلقة بتنفيذ نفقات الجماعات الترابية ،لرقابة
مواكبة لتنفيذ الميزانية وسابقة لتنفيذها الفعلي ،وتتعلق هذه الرقابة بما يلي:
-التأكد من توفر االعتمادات بالميزانية :فااللتزام بالنفقة يجب أن يتم لزوما في
حدود الترخيصات المفتوحة في ميزانية الجماعة الترابية ،ويجب أن يتم على
أساس المبلغ اإلجمالي للنفقة.
89
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
90
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
-مراقبة الطابع اإلبرائي للتسديد :يعتبر هذا الشرط أساسيا في مباشرة المحاسب
الجماعي إلجراء األداء الفعلي للنفقة موضوع األمر بالصرف ،لذا فأي أداء للنفقة ال
يجب أن يتم إال لفائدة الدائن الحقيقي أو من يمثله قانونا.
-مراقبة صفة اآلمر بالصرف :ويتعلق األمر بالجهاز التنفيذي للجماعة الترابية
المعنية والمؤهل قانونا لتنفيذ العمليات المتعلقة بالميزانية من األمر بتحصيل الموارد
وبصرف النفقات ،وتختلف صفة اآلمر بالصرف حسب نوع الجماعة الترابية.
-التأكد من توفر االعتمادات :ال يمكن أداء النفقة من الناحية المحاسبية من
طرف القابض الجماعي إال إذا توفرت االعتمادات الالزمة والكافية بالميزانية ،وال يتم
االستمرار بالصرف إال في حدود االعتمادات المفتوحة.
-التأكد من توفر األموال :خالفا لما هو معمول به بالنسبة لنفقات الدولة ،يجري
المحاسب أيضا رقابة على توفر األموال أو السيولة الالزمة.
إن األمر بأداء كل نفقة يجب أن يكون مرفوقا بالوثائق المثبتة لهذه النفقات،
وتحدد النصوص التنظيمية هذه الوثائق والمستندات المثبتة للنفقات بحسب طبيعتها
ومجالها.
واذا كانت هذه الرقابة لم تسلم بدورها من انتقادات بالنظر لطابعها المسطري
وصفتها التقنية ،وبالرغم من األهمية التي تحتلها رقابة المحاسب الجماعي على اآلمر
91
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
بالصرف ،فإن سلطات الوصاية ال ينحصر تدخلها في المصادقة على الميزانية الترابية
وانما يتعداها لمتابعة النشاط المالي الترابي وتتبع المشاريع الترابية.
ورقابة الحقة أو بعدية ،يغلب عليها الطابع التحليلي ،وهي رقابة إدارية ومالية
الحقة ،تقوم بها و ازرة الداخلية عبر كل من المفتشية العامة لإلدارة الترابية والمفتشية
في 163
العامة للمالية ،حيث ينص القانون المتعلق بالمفتشين العامين لإلدارة الترابية
مادته الثانية من الفصل األول على أنه " :تناط بالمفتشية العامة لإلدارة الترابية مهمة
المراقبة والتحقق من التسيير اإلداري والتقني والمحاسبي للمصالح التابعة لو ازرة الداخلية
والجماعات المحلية وهيآتها على أن تراعي في ذلك االختصاصات المخولة للمفتشيات
التابعة للو ازرات األخرى".
وفي هذا الصدد تنص القوانين التنظيمية الجديدة المتعلقة بالجماعات الترابية
على أن الجماعات الترابية تخضع لتدقيق سنوي ،تنجزه إما المفتشية العامة للمالية ،أو
المفتشية العامة لإلدارة الترابية ،أو بشكل مشترك بينهما .وذلك ،طبقا لما ورد في المادة
904من القانون رقم 001.04المتعلق بالجماعات ،والمادة 912من القانون رقم
009.04المتعلق بالعماالت واألقاليم ،وهو نفس ما تشير إليه كذلك المادة 941من
القانون رقم 000.04المتعلق بالجهات ،إلى أنه" :دون اإلخالل بالمقتضيات التشريعية
والتنظيمية الجاري بها العمل في ميدان المراقبة ،يمكن للمجلس أو رئيسه بعد إخبار
والي الجهة أو بمبادرة من هذا األخير إخضاع تدبير الجهة والهيئات التابعة لها أو
التي تساهم فيها لعمليات التدقيق ،بما في ذلك عمليات التدقيق المالي .تتولى مهمة
القيام بهذا التدقيق الهيئات المؤهلة قانونا لذلك ،وتوجه وجوبا تقري ار إلى والي الجهة
]…[ يجب على رئيس المجلس عرض تقارير التدقيق على المجلس بمناسبة انعقاد
الدورة الموالية لتاريخ التوصل بتقرير التدقيق ،في حالة وجود اختالالت ،وبعد تمكين
-المرسوم رقم ،8..5.511صادر في 9محرم 59(5551يونيو ،)5..5في شأن النظام األساسي الخاص بالمفتشين 163
العامين لإلدارة الترابية ،بو ازرة الداخلية ،الجريدة الرسمية عدد ،5895بتاريخ 81يوليوز ،5..5ص.5585 .
92
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
المعني باألمر من الحق في الجواب ،يحيل والي الجهة التقرير إلى المحكمة
المختصة".
والى جانب المفتشية العامة للمالية يمارس هذه الرقابة أيضا ،الخازن العام عبر
الفروع الجهوية التابعة للخزينة العامة للمملكة ،وذلك اتجاه محصلي المالية الجهويين
واإلقليميين ،وكذا اتجاه القباض البلديين.
علما أنه قبل إحداث المجالس الجهوية للحسابات ،كان الخازن العام يمارس رقابة
واسعة ،حيث كان يختص بتفويض قانوني بالتدقيق والبت في حسابات الجماعات
القروية ،فيما كانت باقي الحسابات تحال مباشرة على المجلس األعلى للحسابات.
كانت الرقابة السياسية ،على تنفيذ ميزانية الجماعات الترابية ،تتمثل في
االختصا ص الرقابي الذي يعود للمجالس التداولية بشأن الحساب اإلداري للموارد
والنفقات ،الذي يضعه اآلمر بالصرف عند اختتام السنة المالية ،والذي يبين باألرقام
كيفية تدبير الميزانية السنوية للجماعة .فالحساب اإلداري سابقا ،كان بمثابة الوثيقة
اإلدارية التي تبين النتيجة النهائية والعامة للميزانية ،164إذ يتم إعداده في آخر كل
سنة مالية ،لتوضيح كل تغيير ط أر على الميزانية أثناء تنفيذها ،سواء بالنسبة لتقديرات
المداخيل أو بالنسبة العتمادات المصاريف ،فقد كان يمثل المراة العاكسة لمدى نجاعة
التدبير المالي للميزانية الجماعية.
-164محمد السنوسي معنى ،مالية الجماعات المحلية بالمغرب ،دار النشر المغربية ،الدارالبيضاء ،5..3 ،ص.589 .
93
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
والعماالت واالقاليم ،أما بالنسبة للجهات فالتدقيق السنوي ،تقوم به بشكل إلزامي
ومشترك ،كل من المفتشية العامة للمالية والمفتشية العامة لإلدارة الترابية.
تعتبر المحاكم المالية هيئات للرقابة على المال العام ،تناط بها مهام مراقبة تنفيذ
الميزانية العامة ومي ازنيات الجماعات الترابية بمراحلها المختلفة وأجهزتها المتعددة،
وتمثل بالنظر للمقتضيات الواردة في القانون المنظم لها "محاكم مالية" ،تناط بها
ممارسة اختصاصات رقابية ،قضائية وادارية حسب مجال تدخلها.
وتسري رقابة القضاء المالي المركزي ،في مجال التسيير على مرافق الدولة
والمؤسسات العمومية وشركات االمتياز والشركات والمقاوالت التي تملك فيها الدولة أو
المؤسسات العمومية ،على انفراد أو مشاركة مع الجماعات الترابية غالبية األسهم في
الرأسمال أو سلطة راجحة في اتخاذ القرار.
أما رقابة القضاء المالي والجهوي فتهم تسيير الجماعات االترابية أو الهيئات
االمتيازلمحلية والمقاوالت والشركات التي تملك فيها الجماعات الترابية
ا وشركات
وهيئاتها ،165والمؤسسات العمومية الجهوية أو المحلية ،بشكل منفرد أو مشترك ،غالبية
األسهم في الرأسمال أو سلطة مرجحة في اتخاذ القرار.
ولكي تقوم هذه المنظومة الرقابية بدورها الفعال ،ونظ ار لمكانتها المهمة في
ممارسة الرقابة على أعمال الجماعات الترابية ،وخصوصا الجانب المالي منها ،تم
إدراجها في الدستور المغربي ،إذ شكلت منطلقا لالرتقاء بالمجلس األعلى للحسابات
إلى هيئة دستورية ،مع ما لهذا اإلرتقاء من تبعات على مستوى تدعيم اختصاصات
-165محمد حمزة ،بولحسن الحكامة من خالل القضاء المالي ،مجلة دراسات ووقائع دستورية ،العدد ،51سنة ،8151ص.
.552
94
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
أما بخصوص إحداث المجالس الجهوية للحسابات ،فقد تأثر المشرع المغربي
بالنموذج الفرنسي ،والمتمثل في إنشاء غرف جهوية للحسابات سنة 0919في 94
جهة ،167وهكذا خصت مدونة المحاكم المالية في كتابها الثاني ،المجالس الجهوية
للحسابات بمهمة مراقبة التصرفات الصادرة عن الجماعات الترابية ،لتتولى بذلك المهام
التي كانت من نصيب المجلس األعلى للحسابات.
فحسب مقتضيات المادة 091من مدونة المحاكم المالية ،يقوم المجلس الجهوي
للحسابات في حدود دائرة اختصاصه ،بالتدقيق والبت في حسابات الجماعات الترابية
وهيئاتها ،وكذا حسابات المؤسسات العمومية والمقاوالت التي تملك رأسمالها كليا
جماعات ترابية وهيئاتها ،ومؤسسات عمومية تخضع لوصاية الجماعات الترابية
وهيئاتها ،والتي تتوفر على محاسب عمومي.
وبالرجوع إلى المادة 021من القانون المتعلق بسن نظام عام لمحاسبة الجماعات
المحلية ومجموعاتها ،فإنه يتم تقديم الحساب في 10مارس على أبعد تقدير ،من السنة
الموالية للسنة التي تم إعداده بشأنها من طرف الخازن المكلف باألداء ،إلى رئيسه
- 166سميرة بوزردة " ،دور الجالس الجهوية للحسابات في مراقبة المالية المحلية" ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة،
كلية الحقوق الدار البيضاء ،5...-5..2 ،ص.93.
-محمد حركات ،دور المجالس الجهوية للحسابات في تفعيل التدبير الجيد للشأن العام المحلي ،إستراتيجية تنظيم 167
95
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
التسلسلي الذي يحيله إلى المجلس الجهوي للحسابات المختص ،في 10يوليوز من
نفس السنة على أبعد تقدير.
كما يلزم محاسبي األجهزة األخرى الخاضعة لرقابة المجلس الجهوي ،بأن يقدموا
سنويا إلى المجلس الجهوي بيانا محاسبيا عن عمليات المداخيل والنفقات ،وكذا
عمليات الصندوق التي يتولون تنفيذها ،وذلك وفق الكيفيات المقررة في النصوص
التنظيمية الجاري بها العمل.
-المادة 39و 38من القانون رقم 98...المتعلق بمدونة المحاكم المالية ،الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 168
-محمد براو" ،الوجيز في شرح قانون المحاكم المالية :مساهمة في التأصيل الفقهي للرقابة القضائية على المال العام"، 170
96
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
أما المرحلة األخيرة من مسطرة التدقيق ،فهي مرحلة البت في الحساب ،التي
تنعقد فيها جلسات المجلس الجهوي (وهي جلسات سرية) ،ويتم البت في الحساب على
مرحلتين :
مرحلة النقاش :ويتم خاللها االستماع على التوالي للمالحظات واالقتراحات التي
يتضمنها التقرير ،الذي أعده المستشار المقرر خالل مرحلة التحقيق ،واالستماع أيضا
آلراء المستشار المراجع حول كل اقتراح من اقتراحات المستشار المقرر .وبعد المناقشة
وانسحاب كل من ممثل النيابة العامة إن كان حاض ار وكاتب الضبط ،يتم اإلنتقال إلى
مرحلة التداول.
مرحلة التداول :يفضي تداول الهيئة إلى إحدى النتيجتين إما :
-أن الهيئة تؤجل اتخاذ قرارها ،وتأمر بإجراء تحقيق تكميلي (أي تعميق
البحث) ،إذا تبين لها من خالل نتائج المناقشة أن التحقيق لم يفي بالمطلوب.
-واال فإن الهيئة تتداول وتتخذ في شأن كل اقتراح وارد في التقرير إجراءا يتم
تسجيله من طرف رئيس الهيئة.
ويعتبر تقديم الحساب من الخصائص الفريدة التي يتميز بها القضاء المالي ،دونا
عن غيره من األجهزة األخرى ،ويشكل جزءا من النظام العام ،بحيث يتم تقديمه إلى
المحكمة المالية سنويا بشكل تلقائي .ويتمكن المستشار المقرر بالمحكمة المالية من
خالله من القيام بتدقيق وفحص شامل لجميع العمليات التي تتعلق بتنفيذ النفقات
والمداخيل ،ومن خالله تتمكن المجالس الجهوية من بسط رقابتها على كل الجوانب
المتعلقة بتسيير األجهزة المراقبة ،باإلضافة إلى اكتشاف المخالفات والتجاوزات التي
تؤدي إلى تحريك المتابعة التأديبية المالية.
97
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
ويعمل القضاء المالي ،بكل اإلمكانات القانونية المتاحة له على مواجهة هذا
اإلشكال ،وجعل قواعد المساءلة والمحاسبة قيما عادية ،ولو باستعمال وسائل زجرية
وردعية.
وهذا ما تشير إليه المادة 99من القانون 19.99المتعلق بمدونة المحاكم المالية،
والتي تؤكد أنه إذا لم يقدم الحساب أو البيانات المحاسبية أو المستندات المثبتة في
اآلجال المقررة ،جاز للرئيس األول ،بالتماس من الوكيل العام للملك ،أن يوجه إلى
المحاسب العمومي ،أوامر بتقديم هذه الوثائق .واما يحكم عليه في حالة عدم تقديمها
بغرامة قد تصل كحد أقصى إلى ألف ( )0111درهم ،وقد يحكم عليه كذلك بغرامة
تهديدية أقصاها خمسمائة ( )211درهم عن كل شهر من التأخير.
وكل إتالف تعسفي لمستندات مثبتة ولحسابات ،يعرض مرتكبه لتطبيق العقوبات
المنصوص عليها في القانون الجنائي ،حيث يخبر وكيل الملك بذلك الوكيل العام
للملك ،الذي يرفع األمر إلى وزير العدل ،قصد اتخاذ ما يراه مالئما ،بصرف النظر
عن العقوبات التأديبية التي يمكن أن يتعرض لها المعني باألمر .ويخبر المجلس من
طرف كل من وزير العدل والسلطة التي لها حق التأديب بالنسبة للمعني بالتدابير التي
تم اتخذاها.171
هذا ،ويتضمن حساب الجماعة الترابية أو المجموعة (الذي يعده الخازن المكلف
باألدا ء) في شكل تفصيل للميزان النهائي ،تنفيذ ميزانية الجماعة أو المجموعة ،كما
يشتمل على عمليات مداخيل ونفقات الميزانيات الملحقة والحسابات الخصوصية وعلى
حسابات الخزينة .ويبرز هذا الحساب الوضعية المالية للجماعة أو المجموعة في نهاية
السنة المقدم بشأنها.
98
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
* نسخ ة موجزة من محضر الجلسة التي أبدى من خاللها المجلس التداولي رأيه
في الحساب اإلداري؛
* قائمة أصول الجماعة المحلية أو المجموعة التي يتعين على اآلمر بالصرف
تقديمها للخازن المكلف باألداء؛
* ملحق بقائمة األصول المتضمن شرح أسباب الفرق بين سنة وأخرى فيما
يخص كل فصل من فصول المداخيل المبينة في قائمة األصول؛
-المادة 55.من المرسوم رقم 8.1..555صادر بتاريخ 58محرم 3 ( 5531يناير ) 8151بسن نظام للمحاسبة 172
العمومية للجماعات المحلية ومجموعاتها ،الجريدة الرسمية عدد ،1255بتاريخ 38صفر 2( 5535فبراير ،)8151ص.
.511
99
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
* قرار تعيين الخازن المكلف باألداء أو اإلحالة إلى حساب الجماعة المحلية أو
المجموعةالملحق به هذا القرار؛
وتوجه المستندات المثبتة للمداخيل كل ثالثة أشهر إلى المجلس الجهوي بالنسبة
لعمليات الجماعات الترابية ومجموعاتها .أما بالنسبة لألجهزة األخرى ،فيمكن التدقيق
في هذه المستندات في عين المكان.
يتوفر المغرب ،في ميدان الرقابة على مالية الجماعات الترابية ،على صرح رقابي
تختلف مؤسساته فيما بينها ،على عدة مستويات ،سواء تعلق األمر بالوقت الذي
تمارس فيه الرقابة ،أو من حيث طبيعتها واجراء تدخلها ،أو من حيث النطاق الذي
ترسمه لنفسها.
لكن على مستوى الممارسة ،تتميز هذه البنيات بهشاشة وضعف أدائه وفعاليته أو
شلله ،بفعل نفور المسيرين من الرقابة والمساءلة المالية وانعزال هذه األخيرة (الرقابة)،
أوال عن الرأي العام وسوء تنظيمها وتخطيطها ،وغياب التنسيق بين مختلف أجهزتها،
باإلضافة لعدم إشراكها في صيرورة التنمية االقتصادية واالجتماعية الشاملة ،باإلضافة
إلى عدم ترسخها في عادات وتقاليد المجتمع ومؤسساته اإلدارية والسياسية والدستورية.
وتختلف أسباب ضعف فعالية األداء الرقابي بين عوامل خاصة (الفقرة األولى)،
وأخرى عامة (الفقرة الثانية) ،زيادة على تأثير هذا الضعف على السير العادي
للجماعات الترابية ،وبالتالي على ماليتها(الفقرة الثالثة).
100
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
من بين أسباب ضعف فعالية الرقابة ،على مالية الجماعات الترابية نجد:
إن اإلزدواج في وظيفة القابض كمحاسب ومراقب مالي ،تجعله ال يرقى إلى
مستوى مؤسسة رقابية ،مؤه لة للحفاظ على المال العام الترابي ،وتوظيفه لخدمة التنمية
الترابية ،فرقابته تبقى محصورة على مراقبة المالءمة ،وليس على مراقبة المشروعية،
بمعنى أن الرقابة الشكلية للقابض ،تبدو كأنها الهدف خاصة على مستوى االلتزام
بالنفقات الترابية ،وهكذا يتم إغفال الدور األصلي لرقابة القابض ،والذي يتجلى في
كونه محاسبا عموميا ،ثم إن عملية تنفيذ الميزانية الترابية التي يقوم بها كل من اآلمر
بالصرف والقابض ،خاصة فيما يتعلق بالتنفيذ اإلداري الذي يقوم به األول والتنفيذ
المالي والمحاسباتي ،الذي يقوم به الثاني ،تعطي بعض االمتيازات لآلمر بالصرف
على حساب القابض.173
باإلضافة إلى هذا ،يمكن القول بأن مسألة مالءمة النفقة الترابية ،توجد في مركز
إشكالية الحفاظ على المال العام الترابي ،ذلك أنه يمكن للنفقة العمومية ،أن تحترم كل
المقتضيات القانونية والتنظيمية ،لكنها تبقى نفقة عشوائية تدخل في استنزاف األموال
العامة ،174هذا باإلضافة إلى أن رقابة االلتزام بالنفقة ،تتسم بمسطرتها المعقدة ،فإذا
كان من السهل التحقق من توفر عنصر االعتمادات وصحة التنزيل ،باالستناد إلى
السجالت والدفاتر المحاسبية التي يمسكها القابض الجماعي ،فإن األمر يبدو سهال
فيما يتعلق بمطابقة النفقة للقوانين واألنظمة الجاري بها العمل ،ألن من شأن ذلك ،أن
- 173المادة 04من مرسوم محاسبة الجماعات الترابية لسنة ...":9101يعهد إلى القباض الجماعيين تحصيل الواجبات
والرسوم واألتاوى ،التي تكون الجماعات المحلية ومجموعاتها مؤهلة القتطاعها عمال بالقوانين واألنظمة المعمول بها وكذا تنفيذ
ومراقبة نفقات الجماعات أو المجموعات المذكورة."...
- 174إدريس خدري ،اإلسالم واختصاص المال العام ،دار النشر المغربية ،الدارالبيضاء ،8118 ،ص.555-553.
101
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
يلزم القابض بالرجوع الدائم إلى المصادر القانونية والتنظيمية التي تأذن بالنفقة أو تحدد
قواعدها وشروطها ،وهي مهمة شاقة نظ ار لتنوع النفقات العمومية ،وبالتالي كثرة
النصوص المنظمة لها ،هذه الصعوبة ترجع أساسا إلى غياب مدونة جامعة وشاملة
لكافة النفقات العمومية الجماعية.
إن دور المجالس المنتخبة يبقى محدودا ومحصو ار في مجاالت هامشية ،ال يمكن
أن تؤثر بشكل واضح في تنفيذ الميزانية ،وال أن تمثل رقابة سياسية حقيقية على
التصرفات المالية للجهاز التنفيذي للجماعة الترابية ،وهذا الوضع راجع إلى االهتمام
بدور األغلبية الجماعية ،والذي ال يتطابق مع خصوصيات واقع الممارسة الجماعية،
الذي يعرف احتكار هذه الفئة للتدبير بإقصائها لألقلية الجماعية ،ومنعها من حق
المساهمة في توجيه الشأن الترابي ،وهذا راجع لعامل االعتبارات الحزبية التي تفقد
الرقابة السياسية جانبا من فعاليتها ،عالوة على إفراغ الرقابة السياسية من مضمونها
الحقيقي ،والذي يهدف إلى االتجاه نحو إرساء منظومة حقيقية لتأطير النشاط المالي
الترابي ،وتفعيل دور المنتخبين في مجال المراقبة السياسية التي تعطي مدلوال حقيقيا
للنظام الالمركز بنفسه.
يتضح من خالل ما سبق ،أن مراقبة وتتبع تنفيذ الميزانية الترابية من طرف
المجالس المنتخبة ،سواء منها الحضرية أو القروية ،يبقى في صميم اختصاص و ازرتي
الداخلية والمالية أو ممثليها المحليين ،175وبالتالي يبقى دور المجالس المنتخبة محدودا
بشكل كبير ،وال يمثل رقابة سياسية حقيقية على التصرفات المالية للجهاز التنفيذي
للجماعة الترابية.
-المهدي بنمير ،الجماعات المحلية والممارسة المالية بالمغرب ،المطبعة والوراقة الوطنية ،مراكش ،5..5 ،ص.591 . 175
102
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
تهدف الرقابة في ميدان المالية الجماعية ،وذلك بمختلف أشكالها ومراحلها ،إلى
ضمان احترام مبدأ الشرعية وتحسين مردودية التسيير المالي الترابي ،وهي بذلك تخدم
االستقالل المالي للجماعات الترابية ،حيث أنها تحث على االستعمال األمثل للموارد
وعدم تبديرها.
فعلى المستوى اإلداري والمالي ،تمارس كل من و ازرة الداخلية وو ازرة المالية عدة
رقابات بواسطة أجهزة مركزية ،وأخرى ترابية.
وتتولى القيام بهذه المهمة عدة أجهزة أولها المفتشية العامة للمالية.176
ثاني جهاز تاب ع لو ازرة الداخلية مختص في الرقابة على الجماعات الترابية ،وهو
المفتشية العامة لإلدارة الترابية ،التي خولها نظامها األساسي مهمة المراقبة والتحقق من
التسيير اإلداري والتقني والمحاسبي للمصالح الداخلية أو في إطار أعمال تفتيش
استثنائية.
كذلك تجري المفتشية العامة للمالية التابعة مباشرة للوزير المكلف بالمالية،
سلطات تفتيش واسعة ،تشمل م ارقبة مصالح الصندوق والمحاسبة ،وهي ذات طابع
مفاجئ.
ثاني جهاز تابع لو ازرة المالية هو الخزينة العامة للمملكة ،التي تتولى الرقابة على
تنفيذ الميزانية الجماعية ،انطالقا من السلطة التي يمارسها الخازن العام للمملكة على
محصلي المالية الجهويين واإلقليميين ،وكذلك على قباض الجماعات.
-الظهير الشريف رقم 89..1..5بشأن التفتيش العام للمالية ،المنشور بالجريدة الرسمية عدد ،8582بتاريخ 88أبريل 176
،5.91ص.5359 .
103
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
سنركز في هذا الجانب ،على محدودية السلطة الزجرية من جهة ،وغياب التنسيق
وتدخل االختصاص من جهة ثانية.
أما في مدونة المحاكم المالية ،فإن المشرع يستعمل فقط مصطلح مخالفة ،وفي
هذه الحالة ،فإن استعمال مصطلح "مخالفة" يحتمل معنيين:
-177الفقرة 8من المادة 2من القانون رقم 95-..المتعلق بتحديد مسؤولية اآلمرين بالصرف والمراقبين والمحاسبين
العموميين ،بتاريخ 53أبريل ،8118الجريدة الرسمية رقم 5...بتاريخ 8.أبريل .8118
104
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
المعنى األول :أن المشرع يقصد بمصطلح مخالفة ،178التأكيد على أنه حتى لو
تعلق األمر بمجرد مخالفة ،فإن ذلك يحرك ويجر إلى المسؤولية المالية ،وفي هذه
الحالة ال إشكال وينبغي فقط مراعاة المزيد من الوضوح في الصياغة ،حتى ال يثير
ذلك أي لبس أو غموض.
حتى لو افترضنا أنها مجرد مخالفات بسيطة ال ترقى إلى مستوى الجريمة
المجتمع. بمفهومها الجنائي ،فإن آثارها سلبية وعميقة على
فالمساس بالمال العام ال يتعلق فقط بجرائم الموظفين ،وانما يتجاوز ذلك إلى
المساس بحقوق المواطنين جمعاء.
عموما ،كان من باب أولى على المشرع المغربي على األقل استعمال لفظ
األفعال الماسة بحرمة المال العام ،179حيث أن من شأن ذلك أن يحدث رهبة وردعا
في نفسية كل من تسول له نفسه المساس بحرمة المال العام ،وأيضا للداللة بوضوح
على خطورة وشناعة الفعل المرتكب.
-178ال يفوت في هذا الصدد ،التنويه بالمشرع المغربي ،حيث بغض النظر عن اللفظ المستعمل ،فقد حدد بوضوح على سبيل
الحصر ،وبشكل دقيق االنتهاكات ،مما ال يترك أي مجال للتداخل في المسؤوليات أو أي غموض.
-حنان القادري ،دور المجالس الجهوية للحسابات في مراقبة مالية الجماعات الترابية – دراسة مقارنة ،-أطروحة لنيل 179
الدكتوراه في القانون العام ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،سال ،السنة الجامعية ،8159-8151ص.595 .
105
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
أما بخصوص تأثير سلطة الوصاية ،في ممارسة المجالس الجهوية للحسابات،
لبعض اختصاصاتها ،فإنها تلعب دو ار كبي ار في تحديد برنامج هذه المجالس ،فيما
يخص مختلف أوجه المراقبة ،خاصة بالنسبة لالختصاصات ذات الطابع اإلداري ،ذلك
أن التقارير التي تحررها المجالس الجهوية للحسابات يتم توجيهها لسلطة الوصاية و
بالتالي يتوقف األخذ بهذه التوصيات واالقتراحات على السلطة التقديرية لهذه السلطات،
وهنا يبرز عدم التكامل والتنسيق بشكل واضح بين هذين الجهازين.
سنعمل في هذا الشق ،على التطرق ألهم آثار الرقابة اإلدارية على تنفيذ الميزانية
الترابية ،ثم اآلثار الناجمة عن رقابة القضاء المالي.
فالبنسبة آلثار الرقابة اإلدارية فيمكن تحديديها في الـتأثير على مسلسل التنمية
الترابية ودور االعتبارات الحزبية في تحجيم األداء السياسي للمجلس الجماعي.
106
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
لقد أبانت الممارسة الترابية ،العديد من المشاكل والعوائق ،حالت دون تطور
العمل الجماعي ومسايرته للواقع الذي يطبعه التطور السريع ،وما يفرضه الدخول في
عصر العولمة.
وقد كان لضعف الرقابة المالية ،األثر البالغ في استفحال ظاهرة سوء التسيير
المالي ،بفسح المجال لبعض المسؤؤولين الترابيين ،المفتقدين للوعي بالمصلحة العامة،
للتالعب بأموال الجماعة ،واغفال تحصيل بعض المداخيل المستحقة لها ،إما بسبب
جهل التقنيات المالية ،واما ألسباب سياسية أو شخصية ،الشيء الذي أدى إلى ضعف
الموارد المالية الذاتية ،وحرم الجماعات من إحدى الوسائل التدخلية األساسية للنهوض
بالتنمية الذاتية الترابية.
لذلك تعتبر أزمة الموارد المالية أهم إشكالية ،تعترض سبيل التنمية ،بسبب
بتركم الباقي
اإلنفاق العشوائي غير التنموي ،وضعف التحصيل المؤدي إلى ما يسمى ا
استخالصه ،الذي أصبح له األثر الكبير في عملية التنمية ،وجعل الجماعات دائمة
الصلة والتبعية للو ازرة الوصية ،مما يمس بالمبدأ األساسي الذي تقوم عليه أي جماعة
ترابية ،واالستقالل المالي الذي يبقى بعيد المنال لمجمل الجماعات.
107
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
التي تخولها ألصحاب القرار الترابيين حيث تعود لهم سلطة التقويم ،من خالل تنفيذ
اإلجراءات التصحيحية المقترحة.
الواقع أن الرقابة السياسية المنوطة أساسا بالمجلس الجماعي ،تبقى غير مستوفية
لشروط الممارسة على المستويين القانوني والموضوعي ،فاالعتبارات الحزبية تشكل أهم
األسباب في تحجيم الدور السياسي للمجلس الجماعي ،خاصة من خالل اعتبارين
أساسيين:
فالبنسبة لالعتبار األول ،تبتدئ األهمية التي تحوز عليها األغلبية الجماعية على
المستوى الترابي ،في االهتمام القانوني الذي أواله القانون التنظيمي للجماعات الترابية
رقم 001.04المتعلق بالجماعات ،لدورها في آليات التسيير الجماعي .إال أن هذا
االعتراف المبدئي بدور األغلبية الجماعية ،على المستوى القانوني لم يتطابق مع
خصوصيات واقع الممارسة الجماعية نتيجة ،لتأثير عامل االنتماءات الحزبية ،وارتباط
ذلك بالمستوى السياسي العام الذي يحتاج إلى درجة كبيرة من الوعي الديمقراطي
واالعتراف بوجود المعارضة.180
وعلى العموم ،فإن الرقابة السياسية للمجلس الجماعي ،والتي تعتمد كأصل
قانوني على دور األغلبية ،تبقى محدودة جدا في إقرار التوجهات الجماعية.
-المصطفى دليل" ،المجالس الجماعية وعالقاتها العامة" ،منشورات المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية ،سلسلة 180
108
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
أما بالنسبة لإلعتبار الثاني ،فإنه رغم األهمية القانونية التي التي تحوزها
األغلبية ،في تسيير دواليب الشأن الترابي ،فإن األقلية يلزم أن تتوفر مع ذلك على
حقوق المسائلة والمساهمة البناءة في توجيه الشؤون العامة للجماعات الترابية.
فاألغلبية واألقلية داخل المجلس الجماعي ،هما في الحقيقة وجهان لعملة واحدة،
أي أن عملها يحقق التكامل المفروض أن يثري العمل الجماعي ،ويوفر له األرضية
الصلبة للتطور والترسيخ ،لذلك فإن حضور األغلبية بالمجلس الجماعي في غياب
أقلية قادرة على معارضتها ،ومسلحة باإلمكانيات الضرورية للقيام بهذه المهمة من
قدرات فكرية ،ومن حرية في العمل السياسي ،يفقدها في حقيقة األمر موجها مهما
ومنذ ار بعواقب سلبيات احتكار القرار الترابي.
تعتبر الرقابة ،أداة ووسيلة مهمة لترشيد وعقلنة تدبير الموارد وحمايتها ،من
التالعبات واالختالالت ،عن طريق التركيز على المحاسبة والمساءلة ،وكذا على تقييم
وتقدير أداء اإلدارات العمومية.
وألجل ذلك ،عمل المغرب على إحداث القضاء المالي الجهوي من أجل تدعيم
مراقبة القرب ،وتعزيز لمسلسل الالمركزية مع عدم التمركز ،فضال عن تجاوز سلبيات
ونواقص االتجاه التقليدي الكالسيكي للرقابة على األموال العمومية ،واعتماد تقنيات
وأسليب معاصرة.
-هشام الحسكة ،القضاء المالي الجهوي وحكامة الجماعات الترابية ،دراسة في اختصاص افتحاص مراقبة تسيير 181
الترابية.
109
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
-أما الثاني فيتمحور حول إضعاف سلطة المجلس الجهوي للحسابات ،في مجال
الرقابة ،على إجراءات تنفيذ الميزانية الجماعية.
فيما يخص النقطة األولى ،فالبرغم من أهمية الرقابة على إجراءات تنفيذ المي ازنية
الجماعية ،من الناحية النظرية ،إال أنه على المستوى الميداني ،يظهر أن حضور
المجلس الجهوي للحسابات فيما يخص هذه الرقابة يبقى متواضعا.
فالبرجوع إلى تقارير المجلس األعلى للحسابات لسنوات ،9110 ،9111 ،9112
وكذا تقرير ،9119يتبين أن المجلس الجهوي للحسابات لم يراقب من إجراءات تنفيذ
الميزانية ،سوى اإلجراء المتعلق بالحساب اإلداري المرفوض ،كما كنا معمول به سابقا.
في حين أن الغرف الجهوية للحسابات بفرنسا ،في مجال الرقابة على الق اررات
المتعلقة بالميزانية ،تتلقى طلبات متنوعة في هذا الصدد ،مما مكنها من إبداء آرائها
بشأن جميع الحاالت التي ينص عليها التشريع الفرنسي.
لكن في المغرب ،لماذا هناك انحسار في رقابة المجالس الجهوية للحسابات على
إجراءات تنفيذ الميزانية؟
ما يمكن القول هو أن سلطة الوصاية تؤشر على عدد هام من مداوالت المجالس
الترابية ،كما تملك أيضا سلطة إحالة هذه القضايا على المجلس الجهوي للحسابات،
لذلك فسلطة الوصاية ،تتكفل تلقائيا بمعالجة ما قد يعترض إجراءات تنفيذ الميزانية من
إشكاالت ،إال أنها بالنسبة للحساب اإلداري وخاصة الجماعات القروية والحضرية ،لم
تستطع السيطرة على هذه الظاهرة التي تعتبر أحد اإلشكاالت الرئيسية التي تعرفها
الممارسة المالية الترابية.
لذلك ،فإنه بعد أن كانت سلطة الوصاية تنفرد بتقرير مدى موضوعية أو عدم
موضوعية قرار رفض الحساب اإلداري ،بناء على معايير تخصها ،نص المشرع في
110
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
المادة 041من القانون رقم 19.99المتعلق بمدونة المحاكم المالية ،على إحالة
الحساب اإلداري غير المصادق عليه على المجلس الجهوي للحسابات.
ويبدو أن األمر يتعلق برغبة المشرع في إضفاء صبغة شرعية على مواقف
سلطات الوصاية ،من إشكالية رفض المصادقة على الحسابات اإلدارية ،وذلك من
خالل جعل هذه المواقف تستند إلى آراء أجهزة مستقلة متمثلة في المجالس الجهوية
للحسابات.
فمشكل رفض الحساب اإلداري ،يفوق مسألة مخالفة قواعد قانونية ،بحيث توجد
اعتبارات بسوء التدبير ،كما توجد أيضا اعتبارات أخرى قد تكون شخصية أو سياسية،
أو حتى مادية.
فكما يذهب إلى ذلك بعض الباحثين ،تشكل لحظة التصويت على الحساب
اإلداري ،كآلية لمراقبة حصيلة التدبير المالي لرئيس المجلس الجماعي ،من طرف
أعضاء هذا المجلس ،وسيلة البتزاز الرئيس ،والحصول على بعض االمتيازات بغض
النظر عن تسييره الجيد لشؤون جماعته أم ال. 183
فما يجب على القاضي المالي ،مراقبته هو المضمون المالي للق اررات المتعلقة
بتنفيذ الميزانية ،وليس فقط المطابقة القانونية ،وهذا يتطلب منه أن يركز في ممارسة
الرقابة على الجوانب المتعلقة بالنتائج ،وذلك في إطار تجاوز المفهوم التقليدي للرقابة،
وأيضا حتى يتسنى له أن يقوم بدوره التحكيمي في مد الجماعات الترابية وهيئاتها
باإلرشادات والتوجيهات التي من شأنها أن تعود بالنفع على التدبير الترابي.
-Mohamed Brahimi, « de l’efficacité des controles exercées sur les collectivités locales »,
183
111
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
وعلى ضوء تقلص مجال تدخل المجلس الجهوي للحسابات في الرقابة على
إجراءات تنفيذ ميزانيات الجماعات الترابية وهيئاتها ،تبرز حقيقة أخرى تتمثل في
إضعاف دور أو سلطة المجلس في هذا المجال.
وهذا ما سيتم التطرق له ،كنقطة ثانية في مجال رقابة القضاء المالي؟
ال مجال للشك في أن المجلس الجهوي للحسابات بحكم تواجده على المستوى
الترابي من خالل مختلف االختصاصات المسندة إليه ،قد أصبح شريكا أساسيا في
التنمية الترابية.
إال أنه -على المستوى العملي -ال زال غير قادر على بلورة هذا الدور إلى واقع
ملموس في مجال المساهمة في تحسين شروط تنفيذ ميزانيات الجماعات الترابية
وهيئاتها ،ومرد ذلك راجع إلى وجود عدة حدود وعوائق ،ويبقى العائق األساسي واألكثر
تأثي ار على مردودية المجلس الجهوي للحسابات ،في مجال رقابته على تنفيذ ميزانيات
الجماعات الترابية وهيئاتها ،يرجع باألساس إلى محورية وثقل تواجد سلطة الوصاية
على المستوى الترابي ،والذي تترجم من خالل ما يمكن تسميته " باالمتيازات" التي
منحها المشرع لسلطة الوصاية والتي أضعفت سلطة المجلس الجهوي للحسابات ،حيث
ال يمكن لهذا األخير أن يحرك ساكنا إال إذا أرادت سلطة الوصاية ذلك ،وفي الملفات
التي تقرر إحالتها عليه مع احتمال عدم تنفيذ آرائه بخصوص هذه القضايا.
المسألة األولى تتعلق بمحدودية مبدأ فصل السلط ،وامكانية التداخل بين السلطة
التشريعية والتنفيذية والقضائية.
أما المسألة الثانية فتتعلق بطبيعة العالقة المركزية -الترابية ،نظ ار للتواجد القوي
لبعض األجهزة المركزية على المستوى الترابي ،من ضمنها و ازرة الداخلية ،التي
112
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
باإلضافة إلى مهامها الكالسيكية والمرتبطة أساسا باألمن والحفاظ على النظام العام،
تضطلع بمهام أخرى مرتبطة بجمع المعلومات ،ومراقبة الجماعات الترابية والساكنة
بشكل عام.184
وعموما ،فالرقابة المفروضة على مالية وميزانية الجماعات الترابية ،بتعدد آلياتها
ووسائل تدخلها ،وتأثيرها على ممارستها الختصاصاتها ،بقدر ما تعتبر أساسية ،ومن
أهم مبادئ النظام الالمركزي ،تعتبر بمثابة محدد للنشاط المالي الترابي ،ومقلص
لالستقالل المالي للهيئات الالمركزية.
فالتقابل بين االستقالل المالي للجماعات الترابية والرقابة المفروضة عليها ،يجد
أساسه في قياس درجة الرقابة ،وتدخل السلطات المركزية في م ارقبة النشاط المالي
الترابي أو التأثير عليه أو حتى توجيهه ،فكلما ازدادت إكراهات الرقابة ،وثقل تدخلها
وتأثيرها في التدبير المالي للجماعات الترابية ،كلما تقلصت درجة استقاللها المالي
الفعلي والواقعي ،وبقيت رهينة التوجهات المركزية اإلدارية والمالية.
فثقل الرقابة ،واألهمية التي يكتسيها التدخل الرقابي للسلطات المركزية ،على
التدبير المالي الترابي ،يقابل االستقالل المالي للجماعات الترابية ويعد بمثابة المقابل
الموضوعي والواقعي لتخويل الجماعات الترابية حق ممارستها الختصاصاتها،
وممارستها لمهامها بالحرية الالزمة وبالقدرة المالئمة والمناسبة على اتخاذ القرار المالي
وتنفيذه.
وهذا التقابل يعتبر من أهم اإلشكاالت المتعلقة بمناقشة االستقالل المالي للهيئات
الالمركزية بالمغرب ،وال تقتصر هذه االشكاالت على التدخل الرقابي المباشر وحدود
ممارسة الجماعات الترابية الختصاصاتها التنموية ،إنما يطال بشكل أساسي مجال
113
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
التمويل الذي يعد من أهم العناصر المؤثرة في القدرات التدبيرية للجماعات الترابية،
مما يعتبر بدوره تمظهرات تدخل السلطات المركزية في التدبير المالي الترابي أو
توجيهه ،وهو ما يطرح بدوره إشكاالت عدة تتعلق من جهة بحدود االستقالل المالي
للجماعات الترابية ،ومن جهة بالضمانات القانونية والمالية لتعزيز هذا االستقالل،
وجعله واقعا قانونيا وفعليا.
114
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
يتضح مما سبق ،أن تدبير موارد الجماعات الترابية ،بالمغرب جاء نتيجة
لتطور البناء المؤسساتي على المستوى الترابي ،وللمتغيرات االقتصادية واالجتماعية
والسياسية ،هذا زيادة على ظهور مجموعة من الصعوبات واإلختالالت ،ساهمت
مجتمعة في التأثير على طبيعة تدبير الموارد المالية للجماعات الترابية ،الشيء الذي
فرض تجاوز القانون رقم 74-60المتعلق بالجبايات المحلية ،على ضوء التفكير في
إعادة ترتيب مكونات المنظومة الجبائية المحلية ،بين مختلف الوحدات الترابية،
وباستحضار مقترحات تقرير اللجنة االستشارية للجهوية.
إن تطوير وتجويد تدبير الموارد المالية للجماعات الترابية ،يستوجب إعداد
سياس ية عمومية في مجال المالية الترابية ،من خالل تبني سياسة إستراتيجية ،بأهداف
متوسطة األمد ،تجمع كل مكونات وعناصر الموارد الترابية سواء الموارد الجبائية وغير
الجبائية .وفق إرادة قوية الستخالص الموارد خاصة بكل جماعة وخلق أنشطة مدرة
بالدخل لفائدة الجماعات الترابية.
فأمام رهان الجهوية المتقدمة ،سيطالب صناع القرار ببالدنا ،بفتح أوراش متعددة
من اإلصالحات البنيوية ،من خالل تعديل الترسانة القانونية والتنظيمية للجماعات
الترابية ،وذلك بهدف توفير الشروط األساسية ،لنجاح رهان الجهوية المتقدمة ،واسناد
اختصاصات جديدة للجهات ،في مجال التنمية اإلقتصادية واإلجتماعية ،وتمويل هذه
اإلختصاصات الجديدة ،يحتاج إلى تنمية الموارد الذاتية للجهات ،ولن تتأتى تنمية هذه
الموارد إال بتقوية األداة الجبائية .وذلك بهدف الوصول إلى جهوية تمشي بسرعة
واحدة ،حسب ما جاء في الخطاب الملكي التاريخي ل 60مارس " 1622جهوية
قائمة على حكامة جيدة تكفل توزيعا منصفا وجديدا ،ليس فقط على مستوى
االختصاصات ،وانما أيضا لإلمكاناتبين المركز والجهات .ذلك أننا ،ال نريد جهوية
115
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
بسرعتين :جهات محظوظة ،تتوفرعلى الموارد الكافية لتقدمها ،وجهات محتاجة ،تفتقر
لشروط التنمية".
116
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
تتأطر مختلف األدوار التي تقوم بها المجالس التداولية ،في ميدان التنمية
الترابية في مجمل االختصاصات التي يمنحها القانون للجماعات الترابية من أجل
تدعيم مسلسل الالمركزية ،بتوفير الموارد الضرورية – ذات الكفاءة والمردودية العالية–
في مختلف المجاالت اإلدارية والبشرية والمالية ،التي تساهم بشكل كبير في ترجمة
المخططات والبرامج التنموية على أرض الواقع ،األمر الذي يسمح لهذه الوحدات،
برسم سياسة عمومية ترابية واضحة المعالم ،تستخدم في بلوغ األهداف التنموية
المحددة سلفا.
ويتطلب تنفيذ هذه السياسة ،إنفاق أموال باهظة تتناسب وحجم االختصاصات
المعهود بها إلى هذه المجالس الترابية المنتخبة ،وهو أمر جعل المشرع المغربي يعمل
من خالل القوانين التنظيمية للحماعات الترابية ،على إقرار النفقات التسييرية ،التي تهم
الميادين الحيوية المتعلقة بكينونة الجماعة وبقائها ،أوالنفقات التجهيزية التي تهدف إلى
تنمية الجماعة الترابية وتوفير الخدمات األساسية للساكنة الترابية.
117
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
غير أن مسألة تدبير اإلنفاق المالي الترابي ،ما زالت تطرح وبحدة على صعيد
الجماعات الترابية ،وهذا ما ستتم معالجته من خالل التطرق لمجاالت ومراحل اإلنفاق
المالي الترابي (المبحث األول) ،وكذا إكراهات اإلنفاق المالي الترابي (المبحث الثاني).
يعرف الفقه المالي النفقة الترابية بأنها "مبلغ من المال تقتطعه إحدى الجماعات
الترابية من أموالها قصد إشباع حاجة عامة ترابية" ،يالحظ من خالل هذا التعريف ،أن
اشتراط صدور النفقة الترابية ،عن جهاز عام ترابي ،يعد ركنا أساسيا لوجودها ،وأن
تكون هذه المبالغ داخلة في الذمة المالية للجماعات الترابية .كذلك تكمن الغاية من
النفقات الترابية ،في إشباع حاجات عامة ترابية وتحقيق النفع العام ،وليس تحقيق نفع
خاص أو مصلحة خاصة لفئة معينة ،وبالتالي ال تعتبر من قبيل النفقات الترابية ،تلك
النفقات التي تهدف إلى إشباع حاجة خاصة أي تحقيق نفع خاص .وتبرير هذا الشرط
في سببين أساسيين:
-0أن المبرر الوحيد للنفقات الترابية ،هو وجود حاجة عامة ترابية تتولى
الجماعة إشباعها يهدف إلى تحقيق المنفعة العامة الترابية.
-9إذا كان اإلنفاق يهدف إلى نفع خاص ،فإنه يخرج عن إطار النفقات الترابية،
ألنه يتعارض مع مبدأ المساواة والعدالة بين أفراد المجتمع الترابي في تحمل األعباء،
حيث إن جميع األفراد متساوون في تحمل األعباء العامة ،ومن ثم فهم متساوون كذلك
في االنتفاع بنفقات الجماعات الترابية.
وعنصر إشباع الحاجات العامة الترابية يعني أن تهدف إلى تحقيق نفع عام،
يعود على السكان المحليين ،بمعنى تغطية مجاالت متعددة ومتنوعة.
118
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
إن مجاالت اإلنفاق المالي الترابي ،هي شكل مصغر لمجاالت اإلنفاق185على
مستوى الدولة ،وهذا التشابه راجع باألساس إلى ت ارجع دور الدولة لفائدة الجماعات
الترابية ،في إطار مقاربة ترتكز على العالقة التكاملية بين المركز والمحيط ،وهكذا
أصبح ينظر للجماعات الترابية كشريك أساسي في العملية التنموية لبالدنا على جميع
األصعدة االجتماعية االقتصادية واإلدارية :
المقصود هنا النفقات االجتماعية التي تستهدف تحسين ظروف عيش الساكنة،
عبر تحسين مستوى واطار العيش ،والمساهمة في توفير السكن الالئق ،وتوسيع الولوج
للخدمات الصحية والرياضية والثقافية والترفيهية ،والمساهمة في التشغيل ومحاربة
البطالة واألمية والفقر ،...وعموما كل ما يندرج ضمن التنمية االجتماعية للجماعة
.186
-مكاوي نصير ،تدبير مالية الحماعات المحلية :دار ابي رقراق للطباعة والنشر ،الطبعة االولى ،الرباط ،8155 ،ص. 185
.88
186
- Larbi Jiadi, la gestion des finances public locales : déparages et disciplines, in reforme de la
fiscalité locale, CNC, N° 37, juin 9110, vol. 1, p. 65.
- 187ظهير شريف ،5.51.21صادر في 81رمضان 8(5539يوليوز ،)8151بتنفيذ القانون التنظيمي رقم553.55 ،
المتعلق بالجماعات.
119
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
المادة " :99يفصل مجلس الجماعة بمدوالته في القضايا التي تدخل في
اختصاصات الجماعة ويمارس الصالحيات الموكولة إليه بموجب أحكام هذا القانون
التنظيمي.
المادة" :01تضع الجماعة ،تحت إشراف رئيس مجلسها ،برنامج عمل الجماعة
وتعمل على تتبعه وتحيينه وتقييمه.
ويحدد هذا البرنامج األعمال التنموية المقرر إنجازها أو المساهمة فيها بتراب
الجماعة خالل مدة ست ( )1سنوات.
يتم إعداد برنامج عمل الجماعة في السنة االولى من مدة انتداب المجلس على
أبعد تقدير بانسجام مع توجهات برنامج التنمية الجهوية ووفق منهج تشاركي ،وبتنسيق
مع عامل العمالة أو االقليم ،أو من ينوب عنه ،بصفته مكلفا بتنسيق أنشطة المصالح
الالممركزة لإلدارة المركزية.
كذلك األمر بالنسبة للعماالت واألقاليم ،ينص المشرع في الفصل 01من القانون
رقم ،009.04المتعلق بالعماالت واألقاليم على ما يلي :تناط بالعمالة أو اإلقليم داخل
دا ئرتها الترابية مهام النهوض بالتنمية االجتماعية خاصة في الوسط القروي وكذا في
120
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
المجاالت الحضرية .كما تتمثل هذه المهام في تعزيز النجاعة والتعاضد والتعاون بين
الجماعات المتواجدة بترابها.
وفي هذا اإلطار يضع المجلس برنامج التنمية للعمال أو لإلقليم ،ويعمل على
تتبعه وتحيينه وتقييمه.188
أما الجهات فينص المشرع ،على اختصاصت الجهة في التنمية االقتصادية من
خالل المادة 19من القانون التنظيمي رقم ،000.04وذلك وفق برنامج التنمية
الجهوية ،الذي يضعه مجلس الجهة تحت إشراف رئيسه ،خالل السنة األولى من مدة
االنتداب ،والذي يحدد فيه ،األعمال التنموية المقرر برمجتها أو إنجازها بتراب الجهة،
لمدة ست سنوات.189
-188القانون التنظيمي رقم 558.55المتعلق بالجهات ،ظهير شريف رقم ،5.51.25الصادر في 81من رمضان 5539
( 8يوليوز ،)8151المادة .21
- 189القانون التنظيمي رقم 555.55المتعلق بالجهات ،ظهير شريف رقم ،5.51.23صادر في 81رمضان 8( 5539
يوليوز ،)8151المادة .23
121
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
جدول رقم :4يوضح توزيع المصاريف االقتصادية واالجتماعية حسب مختلف أصناف
190
الجماعات الترابية لسنة 2882
- 190المصدر ،مقتطف من الجماعات المحلية باألرقام ،منشورات و ازرة الداخلية ،المديرية العامة للجماعات المحلية ،طبعة
،8155ص..8 .
122
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
-هيمنة مجال الشؤون االجتماعية ،على مجال الشؤون االقتصادية ،سواء على
مستوى نفقات التسيير أو نفقات التجهيز.
وعلى سبيل المقارنة ،أفردت التجربة الفرنسية طبقا لقانون 9مارس ،0919
إمكانية تقديم مساعدات لتمويل التنمية االقتصادية ،وذلك على شكل نفقات مباشرة
أوغير مباشرة .191
إن ما تعرفه نفقات التسيير من تزايد مطرد على المستوى الترابي ،يؤثر سلبا على
الميزانيات الترابية ،حيث يمتص الموارد العادية ،ويجعلها في وضعية عجز مالي،
يوازن عن طريق إمدادات التسيير ،الشيء الذي ال يخدم تدعيم االستقالل المالي
للجماعات الترابية ،فوتيرة التزايد التي عرفتها نفقات التسيير ،تضاعفت أكثر مقارنة مع
نفقات االستثمار.192
191
Raymond Muzellec, finances locales , Dalloz, 4éme édition, France, 2002 , p.195 et 196.
-عبد المجيد أسعد :مالية الجماعات المحلية بالمغرب ،مطبعة النجاح الجديدة ،البيضاء ،الطبعة الثانية ،5..1 ،ص. 192
.1-5
123
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
ويتم تصنيفها إلى نفقات خاصة بالمجلس وبالموظفين ،وأخرى مرتبطة أساسا
بتسيير اإلدارة والمصالح المرتبطة بها.
أما بالنسبة للعماالت واألقاليم ،فتنص المادة 009من القانون التنظيمي رقم
009.04المتعلق بالعماالت واألقاليم ،على ما يلي:
-نفقات الموظفين واألعوان والمعدات المرتبطة بتسيير المرافق التابعة للعمالـة أو
اإلقليم؛
-المصــاريف المتعلقــة بإرجــاع الــدين واإلمــدادات الممنوحــة مــن لــدن العمال ــة أو
اإلقليم؛
-النفقــات المتعلقــة بتنفيــذ الق ـ اررات واألحكــام القضــائية الصــادرة ضــد العمال ــة أو
اإلقليم؛
124
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
-النفقات المتعلقة بااللتزامات المالية الناتجـة عـن اإلتفاقيـات والعقـود المبرمـة مـن
لدن العمالة أو اإلقليم؛
وكذلك األمر بالنسبة للجهات ،وهذا ما تنص عليه المادة 004من القانون
التنظيمي رقم 000.04المتعلق بالجهات.
وعموما ،فالبنسبة لنفقات المتعلقة بأجور الموظفين ،فتحتل المرتبة األولى على
مستوى نفقات التسيير ،حيث يتراوح المعدل في هذا الشأن من %22إلى %11في
بعض الجماعات علما أن العديد من الجماعات ال تغطي مواردها الذاتية ،ولو جزء
بسيط من نفقات التسيير.193
وتتمثل هذه النفقات باألساس ،في مرتبات وتعويضات وأقساط التأمين الخاصة
بحوادث الشغل والمعاشات ،ومساهمة الجماعة في منظمات االحتياط أو تقاعد
الموظفين العاملين بالجماعة ،والمساهمة في نفقات لباس أعوان الجماعة الذين
يتمتعون بهذا الحق قانونا.
إضافة إلى ذلك ،فتضخيم الوظيفة الجماعية باألطر العليا لم يثقل كاهل الجماعة
فحسب ،بل ساهم كذلك في خلق وظائف غير مجدية وغير منسجمة من حيث
التخصص ،مع طبيعة هذه الوظيفة المحلية ،مثل ما حصل مع حاملي شواهد
البيولوجيا ،والفيزياء والكيمياء...الخ.
فضال على أن األطر العليا توجهت في الغالب إلى الميدان اإلداري ،مع العلم أن
طبيعة العمل الجماعي في حاجة ماسة إلى األطر التقنية ،كما أن هذا التوظيف كان
-193صالح الدين اكريالن ،الميثاق الجماعي :قراءة تحليلية ،مطبعة ، SAVOIR PRINTالطبعة األولى ،811. ،ص.
.93-98
125
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
له انعكاس سلبي على مستقبل طاقات الجماعات ،حيث أصبحت هذه األخيرة تحتاج
إلى التخصصات الحديثة ،كما هو الشأن بخصوص اإلعالميات ،التدبير الحضري
والمحاسبة ،وغيره من التخصصات.
وهكذا ،فقد عرض المشرع في القوانين التنظيمية للجماعات الترابية ،وبنوع من
التفصيل نفقات الجماعات الترابية اإلجبارية ،194والمتمثلة في:
-مساهمة الجماعة الترابية ،في هيئات االحتياط وصناديق تقاعد الموارد البشرية
والمساهمة في نفقات التعاضديات؛
-الديون المستحقة؛
126
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
فلماذا أعاد المشرع التأكيد على إجباريتها؟ أال تؤدي هذه اإلجبارية إلى الزيادة
من تقليص استقاللية الجماعات الترابية على المستوى المالي؟
نعتقد على أن اإلجابة على السؤالين المذكورين ،ترتبط ارتباطا وثيقا بمدى
ضرورة هذه النفقات لحياة الجماعة الترابية ،وبعبارة أخرى ،أن عالقة إجبارية النفقة
بتقليص حيز االستقالل المالي تكمن في طبيعة النفقة ،ومدى إمكانية تجاوزها أو
تأجيلها.
فالنفقات التسييرية المنصوص عليها سابقا ،تعتبر نفقات أولية ترتبط بالسير
العادي والطبيعي ألية جماعة ترابية وبمهامها ،وما تقوم به هذه األخيرة من خدمات
تلبية للحاجات العامة للسكان.
127
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
195
- Boubker Ayatallah , éléments de finances publique , Dar Nachr El Maarif, 2005 , p. 19-20.
-196المرسوم رقم ،9.19.440صادر في 00من محرم 1 ( 0410يناير ،)9102الجريدة الرسمية ،عدد 91 ،2100صفر
1 ( 0410فبراير ،)9101ص.411.
128
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
التطور الحاصل على مستوى المهام الموكولة بهذه الهيئات ومحاولة الرقي بها من
وحدات إدارية إلى مؤسسات فاعلة تتوخى المردودية وحسن األداء ،بحس يستحضر
فيه مبدأي المسؤولية والمحاسبة.
ويراد بالمحاسبة العمومية المطبقة على الجماعات الترابية ومجموعاتها ،مجموع
القواعد المنظمة لتنفيذ ومراقبة عملياتها المالية والمحاسبية ،وكذا مسك محاسبتها،
باإلضافة إلى تحديدها إللتزامات ومسؤوليات األعوان المكلفين بتطبيقها.
وتشمل العمليات المالية والمحاسبية للجماعات الترابية ومجموعاتها على العمليات
المتعلقة بالميزانية ،الخزينة والممتلكات.197
فعلى مستوى القسمين األول والثاني ،تبقى أهم المستجدات التي جاء مرسوم
المحاسبة العمومية للجماعات المحلية وهيئاتها ،مبدأ الفصل بين مهام اآلمرين
بالصرف والمحاسبين العموميين ،لفهم مهامهم ،ألن الغاية من هذا الفصل هو توضيح
العالقة بين مهمتين أساسيتين لتنفيذ الميزانية المحلية ،األولى ذات طبيعة إدارية ،يقوم
بها اآلمر بالصرف ،والثانية ذات طبيعة محاسبية ،يقوم بها المحاسب العمومي ،من
أجل ضمان رقابة مستمرة من طرف السلطات المختصة ،تفاديا إلستخدام األموال
العامة في غير الوجه المحدد لها قانونا ،أو جباية األموال من المواطنين بغير وجه
حق.
وعموما فمعالجة مراحل صرف النفقة الترابية ،تقتضي التطرق للمتدخلين في
تدبيرها ،وهنا سيتم التطرق إلى كل من اآلمر بالصرف والمحاسب العمومي.
الفرع األول :اآلمر بالصرف
لم يعرف المرسوم المتعلق بسن نظام المحاسبة العمومية للجماعات المحلية لسنة
0901اآلمر بالصرف ،بقدر ماقدم وظائف هذا األخير ،واستعرض أصناف اآلمرين
بالصرف حسب الجماعات الترابية.198
129
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
130
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
تعتبر ملتزما بها في بداية السنة ،201غير أنه بالمقابل توجد النفقات غير المستمرة،
التي يقع اإللتزام بوسائل مختلفة حسب نوع النفقة ومبلغها.
ويمكن أن يخص اإللتزام نفقة أصلية ويسمى التزام أصلي كما يمكن أن يخص
نفقة سبق اإللتزام بها ،ويسمى التزام تكميلي.
مرحلة التصفية :تهدف التصفية إلى التأكد من حقيقة الدين ،وحصر مبلغ
النفقة ،202ويباشر التصفية رئيس المصلحة المختص تحت مسؤوليته ،وبعد اإلطالع
على السندات التي تثبت الحقوق المكتسبة للدائنين ،203ويراد برئيس المصلحة
المختص ،الشخص المؤهل من طرف اآلمر بالصرف المعني ،لتسلم األشغال أو
الخدمات أو التوريدات ،وليشهد على تنفيذ الخدمة قبل اإلشهاد من طرف اآلمر
بالصرف ،وعند عدم وجود رئيس مصلحة مختص ،يتولى األمر بالصرف المختص
مباشرة وتحت مسؤوليته القيام بالتصفية ،واإلشهاد على تنفيذ الخدمة .وهنا يقوم اآلمر
بالصرف من التأكد من إنجاز الخدمة عبر التأكد من الوثائق المثبتة ،حيث ال يجوز
تصفية أي نفقة إال بعد إثبات حقوق الدائن ،ويكون اإلثبات إما بشهادة تثبت إنجاز
الخدمة أو بكشف تفصيلي يتضمن الكمية والمبلغ النقدي للتوريدات المسلمة أو
الخدمات المقدمة أو األشغال المنجزة.204
األمارة بالصرف :كان يطلق عليها سابقا وضع الحوالة ،وهو العمل اإلداري الذي
يحتوي طبقا لنتائج التصفية على األمر بأداء الدين ،وهي من اختصاص اآلمر
بالصرف ،205ويكون موجها للمحاسب العمومي الذي يؤدي إلى األمر باألداء ،وهو
عبارة عن وثيقة في شكل حوالة األداء ينبغي أن ترافقها الوثائق المثبتة.
131
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
ويقوم اآلمر بالصرف ،تحت مسؤوليته بتسليم حواالت األداء إلى المستفيدين
مقابل إبراء بعد التعرف على هويتهم ،واليمكن األمر بالصرف إال بعد إثبات حقوق
الدائن ،وبالمقابل يوجه اآلمر بالصرف إلى قابض الحواالت واألوراق المثبتة لها.
وهنا تجب اإلشارة ،أن هناك طرق استثنائية لتنفيذ النفقات الترابية ،حيث يتم
اإلستغناء عن المسطرة العادية ،وهو ما أكدته المادة الرابعة والخمسين في فقرتها الثالثة
من مرسوم المحاسبة العمومية للجماعات المحلية ومجموعاتها " غير أنه يمكن القيام
بأداء بعض النفقات دون أمر سابق بالصرف".
ويتم تحديد قائمة النفقات المذكورة بقرار لوزير الداخلية ،وينشر هذا القرار
بالجريدة الرسمية للجماعات المحلية أو المجموعة المعنية".
والنفقات المؤداة دون أمر سابق بالصرف هي مسطرة استثنائية.206
فهي استثناء لمبدأ الفصل بين اإلداريين والمحاسبين ،ففي هذه الحالة يقوم
القابض بالتصفية التي هي أصال من اختصاص اإلداري .وكانت سابقا استثناءا واردا
على مراقبة صحة اإللتزام بالنفقات الخاصة بالجماعات الترابية ،كما كانت واردة
بالفصل الثالث من مرسوم صحة اإللتزام بالنفقات الخاصة بالجماعات المحلية
وهيئاتها" ،غير أنه التتوقف على تأشيرة النفقات المؤداة دون سابق وضع حوالة ،وهي
مسطرة تخرج عن المألوف ،ومن أهم النفقات المؤداة دون سابق وضع حوالة ،هناك
النفقات المتعلقة باألكرية والتحمالت األخرى المتعلقة بالبنيات التي تشغلها الجماعات
الترابية ،صوائر التحويالت البريدية والبنكية ،ثم صوائر اإلشتراك في الجريدة الرسمية.
الفرع الثاني :المحاسب العمومي
يعرف المحاسب العمومي لجماعة ترابية أو مجموعة ،كل موظف أو عون مؤهل
لتنفيذ عمليات المداخيل أو النفقات لحساب هذه الهيئات ،أو التصرف في السندات،
إما بواسطة أموال وقيم يتولى حراستها ،واما بتحويل داخلي لحسابات واما بواسطة
محاسبين عموميين آخرين ،أو حسابات خارجية لألموال المتوفرة ،والتي يأمر بها أو
يراقب حركاتها.
132
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
- 207عمر العسري ،النظام الجديد للمحاسبة العمومية للجماعات المحلية بالمغرب ،م .س ،ص.93.
133
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
فوظيفة المحاسب ،فيما يخص النفقات الترابية ،تتجلى في أداء هذه األخيرة ،إما
بأمر صادر عن اآلمرين بالصرف المعتمدين ،واما بعد اإلطالع على السندات التي
يقدمها الدائنون ،واما من تلقاء أنفسهم ،وكذا اإلجراء الواجب اتخاذه بشأن التعرضات
وكل موانع األداء األخرى.208
ويقوم المحاسب الترابي بدور مزدوج على مستوى النفقات ،فهو مراقب لصحة
اإللتزام ومراقب لصحة النفقة:
مراقبة المالية في مرحلة اإللتزام :تمارس قبل أن يصبح التزام نهائيا ،حيث يقوم
الخازن الجماعي المكلف باألداء ،بالمراقبة المذكورة التي تنصب على توفر اإلعتمادات
والمناصب المالية ،واإلدراج المالي للنفقة ،صحة العمليات الحسابية لمبلغ اإللتزام،
وأخي ار مجموع النفقة التي تلتزم بها الجماعة الترابية أو المجموعة طيلة السنة التي
أدرجت خاللها.
134
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
وتجري هذه المراقبة قبل أي التزام ،وتتم باإلشهاد على مقترح اإللتزام أو بتعليق
اإلشهاد مع تضمين المالحظات التي يثيرها مقترح اإللتزام عند تعليق اإلشهاد.
وتندرج هذه الرقابة ضمن رقابة المشروعية المالية للنفقة ،وتجري في ظرف 1
أيام عمل كاملة بالنسبة للصفقات ،و 2أيام عمل كاملة بالنسبة للنفقات األخرين ،وهي
مدة التسمح للخازن المكلف باألداء إجراء مراقبة تامة نظ ار للكمية الهائلة لإللتزامات
التي ترد عليه ،وتخص أكثر من جماعة ترابية يجب مراقبتها.
مراقبة صحة النفقة :وكانت تسمى سابقا مراقبة صحة الدين ،وكانت تتمحور
حول التأشيرة األخيرة التي يضعها القابض قبل األداء ،فالحواالت ال تؤدى إال إذا كان
مؤش ار عليها من طرف القابض ،وتوضع هذه التأشيرة بعد أن يكون القابض قد راقب
صحة الدين.209
-أصبحت مراقبة صحة الدين يطلق عليها مراقبة صحة النفقة ،حيث يتعين على
الخزنة الجماعيين والقباض الجماعيين قبل الـتأشير من أجل األداء ،أن يراقبوا صحة
النفقة التي تشمل :
-صحة حسابات التصفية ،والطابع ابرائي للتسديد ،ويكلفون فضال عن ذلك بالتحقق
من صفة اآلمر بالصرف أو مفوضه ،توفر اإلعتمادات وتوفر األموال.
135
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
المؤهل .210وهذا يؤكد الرجوع إلى عنصر إنجاز الخدمة ،في حين لم يتم الرجوع على
عنصري التقادم وسقوط الحق.
وتكمن أهمية التأكد من إثبات العمل المنجز من طرف المحاسب في كونه من
جهة ،يرتبط باألداء ،وهذا األخير اليمكن أن يتم قبل تنفيذ الخدمة ،باإلضافة إلى أنه
يشكل ضمانة فعالة للنفقات الترابية لكونه يتعلق بقاعدة جوهرية في المحاسبة العمومية
المحلية ،تقتضي عدم أداء نفقة ،إال بعد التأكد من الوثائق المثبتة للعمل المنجز،
وتحديد القيمة الحقيقة للدين موضوع النفقة في إطار تصفيتها ،كما أن عنصري التقادم
وسقوط الحق ،يعتبران مبدأين أساسين يهدفان ضمان استقرار المعامالت ،وتفادي
تراكم الديون أو نقلها من سنة ألخرى كاعتمادات دون إمكانية توظيفها في مشاريع
تنموية.211
136
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
-محاسبة األموال :وهي محاسبة ثانوية تتضمن النفقات الممتدة على عدة
سنوات ،النفقات باسم برنامج ،والنفقات الدائمة ،واإلعتمادات الموقوفة لفائدة شساعة
النفقات ،وأخي ار اإلعتمادات المرحلة من السنة المنصرمة.216
كما أقر المرسوم المخطط المحاسبي للجماعات الترابية ،والذي يخضع لمبادئ
المدونة العامة للتنميط المحاسبي ،ويقسم إلى تسعة أقسام حددتها المادة 011من
المرسوم السالف ذكره ،وهنا سيتم الوقوف عند القسم التاسع ،الذي شمل المحاسبة
التحليلية للميزانية ،وتستهدف تقييم مختلف عناصر الحصيلة ،باإلضافة إلى تحليل
النتائج التي تساعد على معرفة وتحليل المخاطر ومكامن الضعف ،كما تساعد على
الوصول إلى األهداف المرسومة.217
137
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
إن التدخل االقتصادي للجماعات الترابية ،فرض عليها زيادة نفقاتها ،لما في ذلك
من فائدة إلنعاش االقتصاد الترابي.
ويعتبر التدبير المالي الجيد أحد ركائز التنمية الترابية ،التي أناط المشرع
للجماعات الترابية القيام بها ،لكن تعترضها العديد من العوائق القانونية والموضوعية
التي تحول دون ذلك.
تختلف الصعوبات التي تطرح على المستوى القانوني ،سواء فيما يتعلق
باالختصاصات في حد ذاتها ،أو فيما يخص تعدد مستويات الجماعات الترابية
والتقسيمات اإلدارية ،الشيء الذي يعيق التدبير الترابي ،ناهيك عن الضغوطات التي
تفرضها سلطات الوصاية على الوحدات الترابية ،واآلثار السلبية التي تترتب عليها رغم
محاولة التخفيف منها في التعديالت األخيرة المذكورة سابقا.
إذا كانت الوصاية آلية لصيقة بالنظام الالمركزي ،فهي تشكل في حقيقة األمر
المقياس الذي يكشف استقاللية المجالس الجماعية في تدبير الشأن الترابي،
فاالختصاصات المتنوعة والصالحيات الواسعة التي أتت بها القوانين التنظيمية
للجماعات الترابية ،في مختلف المجاالت ،حيث لم يتم إغفال أية نقطة تعد إيجابية
بالنسبة إلصالح الشأن الترابي ،لكن في المقابل فإن خضوع الجماعات لوصاية قوية
يفرغ هاته االختصاصات من محتواها.
138
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
فالجماعة الترابية ،ال يمكنها أن تتخذ ق اررات بشأن طلب القروض ،أو إحداث
ضرائب محلية واستخالصها دون مصادقة سلطة الوصاية ،وحتى بالنسبة للبحث على
مشاريعها لتمويلها ،وتمتد هذه الوصاية إلى اإلمدادات واإلعانات ،وهي أكبر وسيلة
لتقليص دور الجماعة ،بحيث تكرس هذه اإلعانات االتجاه المركزي في تدبير الشؤون
الترابية ،وبالتالي يمكن القول أن لهذه اإلعانات ،وجه سلبي يتجلى خصوصا في القيود
التي تصاحبها ،ومن بينها المراقبة المفرطة ،وهو ما يضر بالجماعة في غالب
األحيان ،إذ كثي ار ما تعطى متأخرة وبعد أن تحتاج الجماعة إليها ،وهو ما يتطلب وقتا
طويال بين منحها من قبل الو ازرة المختصة وبين اإلفصاح عن حاجيات الجماعة.
ويمكن القول ،على أن فترة تطبيق الميثاق الجماعي ،التي دامت زهاء ربع قرن
تميزت بضعف أعمال الوصاية على المنتخبين ،حيث لم تسجل سوى 91حالة منها،
عزل عشرون رئيسا وتم توقيف رئيس وأربعة مساعدين لمدة شهر.
فسياسة الالعقاب ،هي التي سادت مختلف الخروقات ،التي عرفتها الممارسة
الجماعية ،والتي ساهمت في تردي تسيير الشأن الترابي ،عوض أن تكون دعامة من
دعائم رفع مستوى مردوديته.
إن المراقبة التي تقوم بها سلطة الوصاية ،تفتصر حسب القوانين التنظيمية
المتعلقة بالجماعات الترابية ،على التأكد من:
139
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
وبالتالي ،فإن مراقبة سلطات الوصاية ال تمتد إلى رقابة المالئمة ،بقدر ما
تقتصر على رقابة الشرعية ،كما يمكن القول بأن تمسك المجلس برأيه في إطار قراءة
ثانية ورفض سلطة الوصاية المصادقة على الميزانية بعد القراءة الثانية ،فإن المشرع
رغبة منه في تكريس االستقالل المالي للجماعات الترابية ،عمل على إعطاء حل لهذا
اإلشكال ال ينتقص من استقالليتها ،بل يكرس هذا االستقالل في مواجهة الدولة ،وذلك
عن طريق إعطاء أمر في هذا الخالف للقضاء اإلداري بالنسبة للجهات ،أما
الجماعات الترابية االخرى فإن السلطة المركزية ال زال بيدها أمر الفصل في أي
خالف في هذا الشأن ،بحيث يتم حسم األمر بمرسوم معلل من قبل الوزير األول،
باقتراح من وزير الداخلية بالنسبة للعماالت واألقاليم ،وبنفس اآللية كذلك ،أي بمرسوم
معلل باقتراح وزير الداخلية بالنسبة للجماعات الحضرية والقروية.
ونظ ار لكون سلطة الوصاية لها تأثير مباشر على نجاعة اتخاذ القرار المالي
الترابي ،خاصة مراقبة المالئمة حيث تحد من حرية اآلمرين بالصرف وحق المبادرة في
اتخاذ الق ارر ،فبات من الضروري تخفيف سلطة الوصاية على الجماعات الترابية،
وتعزيز صالحياتها وتمكينها من المرونة الالزمة في تنفيذ مقرراتها في افضل
الظروف ،وكذا التقليص من قائمة المواد الخاضعة للرقابة القبلية على الئحة محددة
من المواد ذات الصبغة المالية ،ثم التقليص من قائمة مقررات الجماعات الترابية
الخاضعة لمصادقة سلطة الوصاية والتقليص من آجال المصادقة.
140
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
-الجزء األول تدرج فيه عمليات التسيير سواء فيما يخص المداخيل أو النفقات.
-الجزء الثاني يتعلق بعمليات التجهيز ويشمل جميع الموارد المرصدة للتجهيز
واالستعمال الذي خصصت ألجله."...
141
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
ويمكن أن نبين ذلك من خالل هذا المبيان الذي يوضح بشكل جلي هيمنة نفقة
التسيير مقابل تواضع نفقات التجهيز بالنسبة لجماعة سيدي موسى بلمحدوب التابعة
لمدينة المحمدية لسنة .9111
المبيان رقم : 1نفقات التسيير ،جماعة سيدي موسى بلمجدوب لسنة 2889
يالحظ من خالل هذا المبيان ،أن نفقات التجهيز على المستوى الترابي ،تبقى
بنفقات التسيير ،فكلما تمت عقلنة النفقات الترابية وترشيدها إال ضعيفة مقارنة
وتمكنت الجماعة من تحقيق فائض في نهاية السنة ،وهذا الفائض هو الذي يبرمج
ضمن استثمارات تؤدي إلى نفقات التجهيز ،أما في حالة تضخم نفقات التسيير فإن
ذلك يؤدي إلى ضعف الفائض أو انعدامه وبالتالي انعدام وضعف نفقات التجهيز ،كما
ان الجماعات الترابية ،ليست على نفس القدر من اإلمكانات ،فهناك جماعات كبيرة
وغنية تتمكن من تحقيق فائض يخصص للتجهيز وهناك جماعات فقيرة تعيش على
إعانات الدولة وبالتالي فهي ال تتوفر على إمكانيات تغطي بها نفقات تسييرها
142
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
فباالحرى نفقات التجهيز ،وهذا يستوجب بالضرورة التحكم في نفقات التسيير ألجل
الحصول على الفائض ،وبالتالي اإلرتقاء بنفقات التجهيز إلى مستوى يمكنها من تغطية
إمكانيات التجهيز ،وتمكين الجماعات الترابية ،من التدخل االقتصادي الفعال سواء
على المستوى المباشر أو غير المباشر.
إن نفقات التجهيز تنصرف إلى تلك النفقات الواردة بالجزء الثاني من الميزانية
المتعلق بالتجهيز.
وبشكل عام يظهر الواقع الفعلي أن الجماعات الترابية ،يمكن تصنيفها إلى
صنفين ،فيما يخص الفائض:
-النوع األول :جماعات تحقق فوائض مالية وبذلك توجد في وضعية مالية
عادية.
فالنوع األول يوجد في وضعية مالية مرضية تمكنه من تغطية نفقات التسيير
وتحقيق اإلدخار اإلجمالي من المداخيل ،كما يمكنها الوفاء بالتزاماتها اتجاه صندوق
التجهيز الجماعي و توفير موارد استثمارية إضافية لتحقيق مشاريعها التنموية.
أما بالنسبة للنوع الثاني من الجماعات المحلية فغالبا ما يحقق عج از ،مما يجعلها
تعاني من ضعف اإلدخار االجمالي وعدم القدرة على مواجهة االقساط السنوية
للقروض ،وهو ما يؤدي بها إلى االعتماد على إعانات الدولة واالستفادة من حصة
إضافية من منتوج الضريبة على القيمة المضافة المرصودة لفائدة الجماعات الترابية
إلعادة توازنها ،وقد أبرمت هذه الجماعات بروتوكول اتفاق مع الو ازرة الوصية ،وقد
أسفر هذا البروتوكول عن النتائج التالية:
143
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
-تمكين مجموعة من الجماعات ،من تحقيق ادخار إجمالي لكنه غير كاف
لمواجهة أقساط القروض،
-عدم تمكين مجموعة أخرى ،من تحقيق أي ادخار بسبب النسبة العالية لنفقات
الموظفين بميزانيتها.
إن تحقيق نسب جيدة من االدخار تمكن الجماعات الترابية من تعبئة اعتمادات
مهمة لفائدة التجهيز.
كما سبقت االشارة إلى أن تواضع نفقات االستثمار يرجع من جهة أخرى إلى
استهالك أغلب النفقات على مستوى نفقات التسيير ،وذلك لوجود النفقات االجبارية
المدرجة بالميزانيات الترابية ،وقد ورد التأكيد على إجبارية هذه النفقات ،بالقوانين
التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية ،تحت طائلة تدخل سلطة الوصاية.
-مكاوي نصير ،قراءة تحليلية لمظاهر اختالل تدبير النفقات المحلية ،مجلة المنارة ،العدد الثاني ،يونيو ،8158ص. 221
.583
144
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
إن التدبير الجيد للشأن الترابي ،يقتضي المزاولة الفعلية والممارسة اليومية لكل
المهام واالختصاصات .وتمكين كل جماعة ترابية على حدة من اإلشراف على مصالح
المواطنين ،وتدبير شؤون ومرافق الجماعة بالشكل المطلوب.
بالرغم من تعدد مجاالت اإلنفاق الترابي ،فإن هذه المجاالت تقتضي معرفة تأثيره
على مسألة التنمية الترابية وعلى مستوى التجهيزات الترابية.
فاإلشكال الذي يعاني منه تدبير الشأن الترابي ببالدنا ،هو أن هناك جماعات
تتوفر على إمكانيات مالية مهمة ،وجماعات قروية تفتقر إلى كل شيء.
وكما هو معلوم فالنفقات الترابية ترتبط ارتباطا وثيقا بحجم المداخيل الترابية هذه
األخيرة التي تعكس حجم االستقالل المالي الترابي خصوصا المداخيل الذاتية
للجماعات الترابية.
إن اإلصالحات التي عرفتها مالية الجماعات الترابية ،تبنت عدة مقتضيات
متعلقة بالتنمية الترابية ،لكنها بالمقابل أغفلت الجوانب المتعلقة بالمالية ،فضعف
االستقالل المالي للجماعات الترابية سينعكس على قدرة هذه األخيرة على اتخاذ التدابير
145
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
وأبرز مظهر إلغفال المالية هو عدم تحويل موارد مالية للجماعات الترابية ،رغم
تحويل عدة اختصاصات كانت في السابق اختصاص أصيل للدولة ،وهو ما افرز
ازدياد وتنامي حجم االختصاصات مقابل استقرار الموارد الترابية ،وهذا يزكي الوصاية
المالية الممارسة على الجماعات الترابية من خالل اللجوء المتزايد لإلمدادات
واالقتراض.
وهو ما يستدعي توفير موارد مالية قارة تخصص للتجهيز لسد العجز الذي
يعرفه مجال التجهيز الترابي ،فأغلب الجماعات القروية تعرف هشاشة التجهيزات
القروية نظ ار لضعف الموارد المخصصة للتجهيز.
واجماال يمكن القول أن القواعد المنظمة للنفقات الترابية ،لم تتبنى آليات ناجعة
تتعلق بالمردودية المتعلقة بالنفقات ،بل أكثر من ذلك فتعدد مجاالت اإلنفاق الترابي،
يقابله ضعف المداخيل.
إن تنامي النفقات الترابية واالستقرار النسبي للمداخيل ،زيادة على تزايد مظاهر
تبذير المال العام الترابي ،الناتج عن سوء تدبير النفقات الترابية ،يفرض العمل بنظام
رقابة فعال وقوي وقادر على تجاوز االختالالت.
- 222منير مغيث ونزهة العياشي ،المالية المحلية واشكالية التنمية المستدامة ،مجلة الخزينة ،سنة ،8119عدد ،9ص.58 .
146
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
وعموما يمكن القول أن هناك أشكال وصور متعددة للرقابة على النفقات الترابية
زيادة على المؤسسات المتدخلة في هذا الباب ،باإلضافة إلى تباين مستويات الرقابة
بين الرقابة القبلية ،والبعدية والالحقة.
ب النسبة للرقابة القبلية السابقة فهي كما سبق الذكر تكتسي طابعا وقائيا ،حيث
تستهدف تفادي األخطاء وتتخذ عدة أشكال:
-مراقبة مالية في مرحلة االلتزام :تجري هذه الرقابة قبل أي التزام وتتم بوضع
تأشيرة على مقترح االلتزام أو برفض التأشيرة معللة بأسباب.
غير أن هذه الرقابة ،تبقى سطحية وشكلية ال تعبر عن أي اهتمام لموضوع أو
جوهر النفقة وتقتصر فقط على الجوانب الشكلية للنفقة وعدم االهتمام بالتدبير الجيد
للنفقات الترابية.
أما المراقبة البعدية الالحقة ،فتجري بعد تنفيذ النفقات ،تتميز بسرعة إنجاز
المشاريع والبرامج وتالفي البطء والروتين والتعقيد الوارد على مستوى مساطر تنفيذ
النفقات الترابية.
147
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
وأخي ار الرقابة القضائية وتمارسها المجالس الجهوية للحسابات ،وقد سبق التطرق
لها في الجزء المخصص للرقابة من هذا البحث.
وعموما ،رغم تعدد أشكال ومستويات الرقابة على النفقات الترابية ،ورغم كثرة
المتدخلين في عمليات الرقابة ،على تدبير النفقات الترابية ،إال أن الواقع الفعلي لتدبير
النفقات ال زال يعرف عدة إكراهات ساهمت جلها في عدم التحكم فيها.
148
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
يتضح مما سبق ،أن إصالح تدبير النفقات الترابية بالمغرب ،جاء نتيجة لتطور
البناء المؤسساتي ،على المستوى الترابي ،وللمتغيرات اإلقتصادية واإلجتماعية
والسياسية ،هذا زيادة على ظهور مجموعة من الصعوبات واإلختالالت ،ساهمت
مجتمعة في التأثير على طبيعة تدبير النفقات الترابية ،مما فرض تجاوز التنظيم المالي
للجماعات الترابية لسنة ،1112نحو إصالح جديد ،يكفل لها القيام بوظائفها ،على
أكمل وجه ،ومواكبة المستجدات الحاصلة في مجال التدبير الترابي عموما ،وتدبير
النفقات الترابية بشكل خاص.
ال شك ،أن اإلصالحات التي همت مالية الجماعات الترابية ،كرست مجموعة
من القواعد والمستجدات ،كالشفافية المالية وشمولية اإلعتمادات والتدقيق ،إال أنها في
نفس الوقت ،عرفت نوعا من المحدودية ،كانت عائقا أمام التكامل بين مختلف القواعد
المنظمة والمؤطرة والمنظمة للنفقات الترابية ،خصوصا وأن الحديث عن إصالح تدبير
النفقات الترابية ،ال يرتبط فقط بالجانب القانوني ،بل يتجاوزه إلى القواعد المؤطرة
للمساطر واإلجراءات المالية ،الواردة بالنظام العام للمحاسبة المطبقة على الجماعات
الترابية ،والقواعد المنظمة للصفقات الترابية.
إن العمل على تجميع الوسائل واآلليات ،ضمن نص قانوني موحد ،وتكريس
قواعد الحكامة المالية الترابية ،ستمكن من تحقيق جودة اإلنفاق الترابي ،وتخفف من
كلفة النفقات الترابية ،كما تساعد على تقييم تدبير النفقات الترابية ،انطالقا من نتائج
هذا التدبير .باإلضافة إلى تفعيل تقنيات حديثة ،مثل تأهيل وتكوين وتحفيز الموارد
البشرية ،المشرفة على تدبير نفقات الجماعات الترابية ،وعقلنة اإلنفاق الترابي وربطه
باألهداف المتوسطة المدى ،لتحقيق المردودية وتحسين واقع الجماعات الترابية.
149
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
القسم الثاني:
آفاق تقوية وتجويد التدبير المالي
الترابي
150
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
فال يكاد يخلو أي خطاب ملكي ،من التأكيد على ضرورة ترسيخ الالمركزية في
اتجاه إفراز مجالس محلية واقليمية وجهوية ،تجمع بين ديمقراطية التكوين وعقالنية
التقطيع ونجاعة وشفافية وسالمة التدبير ،والتوفر على أوسع درجات الحكم الذاتي
واإلداري والمالي.
وعموما ،فالتطرق آلفاق تقويم تجويد التدبير المالي الترابي ،ستتم من خالل
معالجتنا للقوانين التنظيمية ومالءمتها لمبادئ الحكامة المالية (الفصل األول) ،وآلفاق
التدبير المالي الترابي على ضوء القواعد الحديثة (الفصل الثاني).
151
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
والغاية الكبرى ،من هاته اإلصالحات ،التي شملت النظام اإلداري والمالي لإلدارة
الالمركزية ،هو النهوض بدور الجماعات الترابية ،وجعلها شريكا رئيسيا في التنمية،
وهي الفكرة العامة الموجهة لكل هاته اإلصالحات ،والتي أعلنها الملك محمد السادس
في خطابه ،إلى المشاركين في الملتقى الوطني حول الجماعات المحلية بأكادير بتاريخ
09دجنبر 9111في الصيغة التالية" :وان طموحنا لكبير في جعل المدن والجماعات
المحلية ،تشكل إلى جانب الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني ،شريكا حقيقيا
في مسلسل التنمية الشاملة ببالدنا وقوة اقتراحية لتفعيل مختلف اإلستراتيجيات".
وهي شراكة تعتبر ضرورية وتفرضها تحديات األلفية الثالثة ،التي فرضت العمل
بمبادئ تدبير جديدة ،تساير السرعة في اإلنفتاح على المحيط الخارجي ،وفي تحرير
المبادالت وشدة المنافسة في اإلنفتاح ،وفي استقطاب اإلستثمارات الخارجية ،إذ إنه من
غير الممكن للجماعة في ظل هذا الواقع ،أن تكون شريكا أساسيا في التنمية ،من غير
أن تتوفر لديها اإلمكانيات المادية والبشرية ،واإلستقاللين اإلداري والمالي الالزمين
لمساعدتها على القيام بهذا األمر.
152
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
فغاية اإلصالح ،هي جعل اإلطار القانوني يواكب اإلطار المؤسساتي ،في إطار
مقاربة مالية ترتكز على منطق الفعالية والجودة ،وترفع من مردودية النفقة العمومية،
في اتجاه إقرار مرونة في المساطر واإلجراءات وتوسيع هامش الحرية ،وجعل مسؤولية
اآلمرين بالصرف المحليين أوسع في تدبير شؤون جماعاتهم الترابية ،وذلك عن طريق
عقلنة استعمال الزمن ،وتدقيق اآلجال المعتمدة في إعداد الميزانيات ،والمصادقة عليها
وتنفيذها ،وتبسيط المساطر ،والحد من كلفة الرقابة القبلية ،وتعويضها بمراقبة تتوخى
دعم اإلنجازات والفعالية والمردودية.
وعلى أساس ذلك ،خول الدستور المغربي الجماعات الترابية ،وبناء على مبدأ
التفريع ،اختصاصات ذاتية واختصاصات مشتركة مع الدولة واختصاصات منقولة إليها
من هذه األخيرة ،أي أن كل مستوى إداري يتقيد بدائرة االختصاص الممنوحة له وال
يتعداها.
153
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
وعموما ،تتضح لنا المستجدات أو المحاور الكبرى للقوانين التنظيمية ،والتي سيتم
لها معالجتها وفق ما يلي:
كشفت الممارسة المالية ،أن ميزانية الجماعات الترابية تحتل مكانة متميزة ،في
التدبير المالي الترابي ،نظ ار لطبيعة التدخالت التي أصبحت تحظى بها ،على مختلف
المستويات ،وكذا تأثيرها الكبير على الحياة العامة للجماعات الترابية.
إن وظيفة الميزانية هي إقامة توقع وتقدير قبلي ،بشأن تحمالت وموارد الجماعة
خالل السنة المالية ،وهي بمثابة إذن لآلمر بالصرف ،بأن يقوم خالل نفس السنة
باتخاذ اإلجراءات والتدابير الالزمة ،التي يقتضيها استخالص الموارد والوفاء بتحمالت
الجماعة ،وذلك داخل حدود اإلطار الزمني لهذا التوقيع ،وهو اثنا عشر شه ار ،تبتدئ
من فاتح يناير وتنتهي في 22ديسمبر.
وتقدم ميزانية الجماعة بشكل صادق مجموع مواردها وتكاليفها ،ويتم تقييم صدقية
هذه الموارد والتكاليف بناء على المعطيات المتوفرة أثناء إعدادها والتوقعات التي يمكن
أن تنتج عنه.
154
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
يتعين إعداد الميزانية على أساس برمجة تمتد على ثالث سنوات ،لمجموع موارد
وتكاليف الجماعة ،طبقا لبرنامج عمل الجماعة ،وتحين هذه البرمجة كل سنة
لمالءمتها مع تطور الموارد والتكاليف.
يتخذ بمرسوم باقتراح من السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية مسطرة وآجال إعداد
هذه البرمجة".
إن منح اختصاص إعداد وثيقة الميزانية ،للسلطة التنفيذية بالنسبة للجماعة يجد
مبرراته في ما يلي :
أوال :في كون اآلمر بالصرف ،هو المسؤول المباشر على تسيير المرافق
الجماعية ،وهو المقرب لمعرفة حجم احتياجاتها.
ثانيا :هو السلطة ،األكثر كفاءة وتأهيال للقيام بهذه المهمة ،بحكم إشرافه المباشر
على المصالح اإلدارية والمالية الترابية ،التي تتولى جمع المعطيات والمعلومات
الالزمة ،واإلعداد التقني ألحكام الميزانية.
ثالثا :إن اآلمر بالصرف هو المسؤول ،مسؤولية مالية وجنائية وتأديبية على
تنفيذ العمليات المالية.
وبعد عملية إعداد مشروع الميزانية ،يتم عرض هذه األخيرة ،مرفقة بالوثائق
الضرورية ،لدراستها على لجنة الميزانية والشؤون المالية والبرمجة ،داخل أجل عشرة
155
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
( )01أيام ،قبل افتتاح الدورة المتعلقة بالمصادقة على الميزانية من طرف المجلس
(المادة 012من القانون التنظيمي رقم 001.04المتعلق بالجماعات ،والمادة 044من
القانون التنظيمي المتعلق بالعماالت واألقاليم ،والمادة 091من القانون التنظيمي رقم
000.01المتعلق بالجهات) ،وتعتبر اإلحالة المسبقة على اللجنة المكلفة شيئا إيجابيا،
حيث إنها تمهد الطريق أمام المنتخبين ،وتقدم لهم الشروحات والتفسيرات الالزمة التي
تساعدهم على دراسة مشروع الميزانية ،وفهم توجهاته وأحكامه.
-مرسوم رقم 8.59.355صادر في 83من رمضان 8.( 5538يونيو )8159بتحديد قائمة الوثائق الواجب إرفاقها 225
بميزانية الجهة ،المعروضة على لجنة الميزانية والشؤون المالية والبرمجة ،جريدة رسمية عدد ،9528بتاريخ 55يوليوز
،8159ص.1598 .
-مرسوم رقم 8.59.351صادر في 83من رمضان 8.(5538يونيو )8159بتحديد قائمة الوثائق الواجب إرفاقها
بميزانية العمالة أواإلقليم ،المعروضة على لجنة الميزانية والشؤون المالية والبرمجة ،جريدة رسمية عدد ،9528بتاريخ 55
يوليوز ،8159ص.1598.
-مرسوم رقم 8.59.359صادر في 83من رمضان 8.(5538يونيو )8159بتحديد قائمة الوثائق الواجب إرفاقها
بميزانية الجماعة ،المعروضة على لجنة الميزانية والشؤون المالية والبرمجة ،جريدة رسمية عدد ،9528بتاريخ 55يووليوز
،8159ص.1593 .
156
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
-بيان خاص عن األقساط السنوية المتعلقة بتسديد القروض برسم السنة المالية
المعنية.
-بيان خاص عن النفقات الملتزم بها والمؤداة برسم ميزانيتي التسيير والتجهيز،
خالل السنتين المنصرمتين ،وكذا النفقات الملتزم بها والمؤداة إلى غاية شهر سبتمبر
من السنة الجارية.
-مذكرة تقديم حول نفقات التسيير ،تبرز تطور هذه النفقات وبنيتها وخصائصها
وتقديراتها ،برسم السنة المالية المعنية والسنة الموالية ،وكذا تطور عدد الموظفين.
ثالثا :البرمجة المتعددة السنوات :إن هدف هذا المقتضى ،هو أن ال تبقى
الميزانية ،مجرد أداة لتوقع وتقدير حجم المداخيل والنفقات ،الالزمة لتأمين سير المرافق
الترابية ،خالل سنة مالية واحدة ،وانما يجب أن تكون إلى جانب ذلك ،أداة للتدخل
157
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
يقتضي العمل بمبدأ سنوية الميزانية ،بوجوب إعداد الميزانية و التأشير عليها،
قبل بداية السنة التي تتعلق بالسنة المالية ،أي من فاتح يناير وتنتهي في 10
دجنبر ،226وبدون هذه الوثيقة ،فإن الجماعة ال تستطيع من حيث المبدأ الشروع في
تحصيل المداخيل وأداء النفقات.
واذا لم يتم التصويت والتأشير على الميزانية ،قبل بداية السنة المالية ،فإن ذلك
يؤدي إلى شل حركية اآلمرين ،بمنعهم من حيث المبدأ من إصدار األوامر بتحصيل
المداخيل وأداء النفقات ،طالما لم يؤذن بها وتقرر بموجب وثيقة الميزانية .ذلك أن وقوع
مثل هذه الحاالت ،كانت تساعد عليه أحكام القانون القديم ،الذي ترك آجال إعداد
الميزانية والتصويت والمصادقة عليها مفتوحة ،حيث لم يتم اإلشارة سوى إلى دورة
المجلس التي يجب أن تعرض فيها الميزانية للتصويت.
158
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
قانونية لهذا المشكل .وفي هذا اإلطار جاءت التعديالت التي تضمنتها القوانين
التنظيمية للجماعات الترابية ،حيث تعتبر استجابة لهذا المطلب ،إذ أصبحت مسطرة
إعداد الميزانيات والتصويت والتأشير عليها ،خاضعة آلجال دقيقة ،يؤدي عدم احترامها
إلى خرق مبدأ الشرعية.
ويمكن تصور سيناريوهين بالنسبة لكل مراحل مسطرة اعتماد الميزانية والتأشير
عليها:
بعد تحضير الميزانية ،من قبل اآلمر بالصرف ،بمساعدة المصلحة اإلدارية
التابعة لجماعته ،227فإنه يتوجب عرضها مرفوقة بالوثائق الضرورية على لجنة
الميزانية والشؤون المالية والبرمجة ،لدراستها قبل عشرة أيام ،على األقل قبل تاريخ
افتتاح الدورة المتعلقة باعتماد الميزانية ،من طرف المجلس ،أي قبل 91سبتمبر على
أبعد تقدير.
بعد ذلك يتم عرض الميزانية على الجمع العام لدراستها والتصويت عليها ،داخل
أجل أقصاه 02نونبر ،ليتم عرض الميزانية للمصادقة من طرف سلطة الوصاية ،في
تاريخ أقصاه 91نوفمبر ،التي إذا ثبت لها أنها مطابقة للقوانين الجاري بها العمل،
أوجب آنذاك أن تصادق عليها داخل أجل 42يوما ابتداءا من تاريخ توصلها بها.
ويجب التصويت على الميزانية ،مع مراعاة شروط منها :أن يقع التصويت على
المداخيل قبل التصويت على النفقات ،أن تحترم أحكام القانون التنظيمي المتعلق
بالجماعات والقوانين واألنظمة الجاري بها العمل ،وأن تكون في حالة توازن حقيقي،
على أساس صدقية تقديرات المداخيل والنفقات ،كما تتحقق سلطة الوصاية ،قبل
- 227مصطفى معمر ،إصالح التنظيم المالي للجماعات المحلية ومجموعاتها :المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية ،العدد
،512يناير – فبراير ،8153 ،ص.52 .
159
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
المصادقة على الميزانية ،من تسجيل كل النفقات اإلجبارية ،المشار إليها في المادة
010من القانون التنظيمي رقم 001.04المتعلق بالجماعات ،إذ نص القانون على
إجبارية بعض النفقات ،حيث يتعين على اآلمر بالصرف والمجلس ،تسجيلها ضمن
نفقات السنة المقبلة ،وعدم تسجيلها يسوغ لسلطة الوصاية رفض المصادقة على
الميزانية ،وارجاعها إلى الجماعة أو العمالة واإلقليم أو الجهة ،مع تعليل قرار رفضها،
وتوضيح األسباب التي استندت عليها في اتخاذه.
وترجع الميزانية إلى اآلمر بالصرف ،داخل آجال 02يوم ،تحتسب من تاريخ
توصله بها ،حيث يتم عرضها على المجلس ،من أجل إعادة قراءتها والتصويت عليها،
داخل أجل 02يوما في تاريخ أقصاه 91دجنبر ،ثم تعرض بعد ذلك على سلطة
الوصاية للمصادقة عليها ،في تاريخ ال يتعدى 02يناير ،لتصادق عليها داخل اآلجال
المحددة وهو 42يوما.
أما في الحالة ،التي ال يتم فيها مراعاة األسباب ،التي كانت دافعا لرفض
المصادقة على الميزانية ،من طرف سلطة الوصاية ،وكانت الميزانية غير مطابقة ،فإن
المادة ،092من القانون التنطيمي رقم 001.04المتعلق بالجماعات ،أمكن للسلطة
الحكومية المكلفة بالداخلية ،بعد طلب استفسارات من رئيس المجلس ،أن تقوم قبل فاتح
يناير ،بوضع ميزانية للتسيير ،على أساس آخر ميزانية مؤشر عليها ،مع األخذ بعين
اإلعتبار تطور تحمالت وموارد الجماعة الترابية أو المجموعة ،ويمكن في هذه الحالة
للجماعة الترابية ،أن تقوم بأداء األقساط السنوية لإلقتراضات.
160
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
الخطاطة رقم :1التصويت اإليحابي عل الميزانية على ضوء القانون التنظيمي رقم 119.14المتعلق بالجماعات
ميزانية معتمدة
يوما ( المادة)222
161
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
السيناريو الثاني :في حالة عدم التصويت على الميزانية من طرف المجلس في
األجل المحدد
إذا لم يتم اعتماد الميزانية بالتصويت من طرف المجلس في تاريخ أقصاه 02
نونبر ،فإن المادة ،090من القانون التنظيمي رقم 001.04المتعلق بالجماعات،
تقضي دعوة المجلس داخل أجل 02يوما ،تحتسب من تاريخ االجتماع الذي تم خالله
رفض الميزانية ،يتولى في هذه الحالة دراسة مقترحات التعديل ،التي من شأنها أن
تساعد على تجاوز األسباب التي أدت إلى رفضه خالل القراءة األولى .فإعادة الدراسة
والتصويت عليها ،يجب أن تتم في تاريخ أقصاه 11نونبر ،وسواء تم قبول الميزانية أو
التمسك برفضها بعد إجراء القراءة الجديدة ،فإنه يتعين على اآلمر بالصرف ،أن يوجه
الميزانية إلى سلطة الوصاية في تاريخ أقصاه 02ديسمبر ،مرفوقة بمحاضر مداوالت
المجلس.
162
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
ميزانية غير معتمدة ( توجيهها إلى سلطة الوصاية) ميزانية معتمدة ( عرضها على المصادقة ) في
في تاريخ أقصاه 21دجنبر تاريخ أقصاه 21دجنبر ( المادة )22
وضع ميزانية التسيير من لدن ميزانية غير مطابقة ( إرجاعها ميزانية مطابقة
سلطة الوصاية إلى اآلمر بالصرف )
163
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
164
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
ومن هذه المبادئ ،مبدأ التدبير الحر الذي أشار إليه الفصل 221من الدستور،
والذي يشترط لتحقق معناه ،على مستوى الجماعات الترابية ،توفر ثالث مقومات ،وهي
االستقالل المؤسساتي ،واالستقالل التنظيمي ثم االستقالل المالي.
فال يمكن ،تفعيل التدبير الحر للجماعات الترابية ،دون تمكينها من الموارد
الالزمة ،أي توفرها على حد أدنى من اإلستقالل المالي ،عن طريق توفرها على موارد
مالية لممارسة اختصاصاتها ،وعلى درجة من اإلستقالل في صرفها ،حتى ال تبقى
مرتبطة بمساعدات واعانات الدولة.
165
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
وبالرجوع إلى اجتهادت المجلس الدستوري الفرنسي ،نجده يقر بأن القواعد
القانونية المتعلقة بالمقابل المالي لنقل االختصاصات ،يجب أال تؤدي إلى تخفيض
موارد الجماعات الترابية ،حتى ال يشكل ذلك مساسا بمبدأ التدبير الحر.
وبصفة عامة ،يفترض االستقالل المالي ،للجماعات الترابية ،أن الدولة تقدم مقابال
ماليا لكل نقل أو إحداث أو توسيع إلختصاصاتها.
أما المبدأ الثاني ،فهو مبدأ التفريع المنصوص عليه في الفصل 221من
الدستور ،232فمن شأن العمل به ،تعزيز مطلب االستقالل المالي ،على اعتبار أنه
يعني في جوهره توزيع األعباء حسب قدرات األداء واإلنجاز ،ومنها القدرات التمويلية،
بين تلك التي في وسع الجماعة الترابية ،من خالل االختصاص الذاتي ،وتلك التي
تحتاج إلى التعاضد ،من خالل االختصاصات المشتركة مع الدولة ،ثم األعباء
المحولة إليها ،والتي تتطلب بالضرورة تحويل اإلمكانيات المالية الموازية.
ومن المرتكزات الداعمة لإلستقالل المالي ،ما تضمنه الفصل 222من الدستور،
الذي أكد على أن رؤساء مجالس الجهات ورؤساء مجالس الجماعات الترابية األخرى،
يتولون تنفيذ مداوالت هذه المجالس ومقرراتها ،وهو ما يعني وضع حد للبس الذي كان
يطبع التنظيم الالمركزي ،عندما كان اآلمر بالصرف هو الوالي والعامل على مستوى
الجهات والعماالت واألقاليم.
واذا كان دستور ،1122اكتفى باإلشارة إلى بعض المبادئ التي توفر من
الناحية المبدئية ،أرضية لإلستقالل المالي ،مع االستعانة بآليات مساعدة ،من قبيل
التضامن والتعاون والتعاضد ،للحد من التفاوتات في القدرات التمويلية ،فإن تحقيق ذلك
عمليا مرتبط بإصالحات أخرى ،من قبيل اإلصالحات التي يتطلبها تنزيل دستور
-للجماعات الترابية وبناء على مبدأ التفريع ،اختصاصت ذاتية واختصاصات مشتركة مع الدولة واختصاصات منقولة 232
إليها .تتوفر الجهات والجماعات الترابية األخرى ،في مجاالت اختصاصاتها ،داخل دائرتها الترابية على سلطة تنظيمية
لممارسة صالحيتها.
166
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
الفرع الثاني :االستقالل المالي الترابي على ضوء القوانين التنظيمية للجماعات
الترابية
فمن خالل مؤشرات المفهوم الواسع لالستقالل المالي ،233لم تقدم القوانين
التنظيمية للجماعات الترابية أي جديد ،بخصوص المؤشر المرتبط بحجم الموارد الذاتية
للجماعات الترابية .فقد نصت المادة 212من القانون التنظيمي للجماعات ،على نفس
مضمون الفصل 222من الدستور ،دون أي جديد في تحديد مكانة الموارد الذاتية،
مقارنة مع باقي أصناف مصادر التمويل األخرى ،وهو نفس المضمون الذي جاء من
خالل المادة 210من القانون التنظيمي للعماالت واألقاليم .واقتصرت محاولة تدقيق
حجم الموارد على الموارد المرصودة من الدولة ،بأن تكون قارة وكافية بموجب قوانين
المالية .كذلك األمر ،بالنسبة للقانون التنظيمي للجهات من خالل المادتين 221
و.221
-محمد حيمود ،اإلستقالل المالي للجماعات الترابية بين مضامين دستور 8155وانتظارات التنزيل التشريعي ،م.س ،ص.
.1
-محمد علي أدبيا ،إشكالية االستقالل المالي للجماعات المحلية بالمغرب ،أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق ،كلية العلوم
القانونية واالقتصادية واالجتماعية – الدار البيضاء ،السنة الجامعية ،8115-8111 :ص.88-89-81 .
167
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
بخالف الدستور الفرنسي ،الذي كان أكثر جرأة بشأن توفير المقومات الدستورية
لالستقالل المالي ،وعملت القوانين التنظيمية للجماعات الترابية على تكريس ذلك ،إذ
نجد بأن الدستور الفرنسي نص في المادة 11-1على:
-كون الموارد الذاتية تشكل حصة حاسمة ضمن مجموع موارد كل صنف من
الجماعات الترابية.
-أن يحدد قانون تنظيمي شروط تطبيق هذه القاعدة.
-ليس فقط كل اختصاص منقول يصاحبها المورد الالزم ،بل كل تنصيص على
اختصاص جديد أو توسيعه ،من شأنه الزيادة في نفقات الجماعات الترابية،
يرافق بالموارد الالزمة.
كما صدر في هذا السياق ،القانون التنظيمي ل 12يونيو ،1112المتعلق
باإلستقالل المالي للجماعات الترابية ،234تطبيقا لمقتضايات المادة .11-1
أما بخصوص الموارد الذاتية للجماعات الترابية ،فقد عرفت مبدئيا ،توسيعا
لمكوناتها سواء تعلق األمر بالجماعات ( ،)212والعماالت أواألقاليم (المادة،)211
والجهات (المادة ،)222والرفع التدريجي لنسب الضريبة على الشركات ،والضريبة
على الدخل ،والرسم على عقود التأمين بالنسبة للجهات ،فضال عن اعتمادات مالية
من الميزانية العامة للدولة في أفق بلوغ سقف 21ماليير درهم سنة 1112بالنسبة
للجهات ،باإلضافة إلى أن قانون المالية حدد موارد كل من صندوق التأهيل
اإلجتماعي وصندوق التضامن بين الجهات.
234
- Loi organique n° 2004-758 du 29 juillet 2004 prise en application de l’article 72-2 de la
constitution relative à l’autonomie financière des collectivités territoriale, JORF n°175 du 30
juillet 2004, p. 13561.
نقال عن محمد حيمود ،االستقالل المالي للجماعات الترابية بين مضامين دستور 8155وانتظارات التنزيل التشريعي ،م..س،
ص 92 .وبعدها.
168
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
غير أن وضوح الرؤية بشأن طبيعة وحجم الموارد المالية للجماعات الترابية،
تتوقف على مجموعة من اإلصالحات التي تخص مصادر التمويل ،واألمر يتعلق
بإصالح القانون الجبائي رقم 21.11المتعلق بالجبايات المحلية ،مع استحضار
مقترحات اللجنة االستشارية للجهوية في هذا الباب.
كذلك ،من مستجدات القوانين التنظيمية للجماعات الترابية ،بخصوص المنظومة
الرقابية في عالقتها بمطلب اإلستقالل المالي ،وضع مقومات الرقابة الذاتية (المراقبة
الداخلية واالفتحاص والتقييم) ،وامكانية تشكيل لجنة للتقصي حول مسألة تهم تدبير
شؤون الجماعة العامة أو العمالة واإلقليم أوالجهة ،ومنها بطبيعة الحال شؤون التدبير
المالي ،مع التنسيق بين اإلجهزة الرقابية ،عبر التنصيص على إمكانية العمل
المشترك ،بين المفتشية العامة للمالية والمفتشية العامة لإلدارة الترابية ،وتكريس مسألة
اإلحالة على المجالس الجهوية للحسابات ،سواء تعلق األمر بتقرير التدقيق السنوي ،أو
تقرير لجنة تقصي الحقائق ،بقرار من المجلس التداولي ،فضال عن إحالة تقارير
التدقيق والتدقيق المالي ،في حالة وجود اختالالت على المحكمة المختصة.
المطلب الثالث :حذف الحساب اإلداري وتعويضه بتقرير التدقيق
إذا كانت الميزانية الترابية بمثابة وثيقة التقدير والتوقع للمداخيل والترخيص
بالنفقات التي تعتزم تحقيقها خالل السنة المالية ،فإن الحساب اإلداري ،كان يعتبر
بمثابة أداة لقياس مدى تحقيق هذه العمليات المالية ،وتنفيذها ،وآلية حصر النسب
واألرقام المتعلقة بذلك.235
فهو يعتبر سابقا ،المرآة العاكسة لمدى نجاعة التدبير المالي للميزانية الجماعية.
ونظ ار ألهمية التعديل الذي ط أر على الحساب اإلداري ،ارتأينا التطرق له عبر
التعريف به وبمضامينه وتقنياته في (الفرع األول) ،ثم التعديالت التي لحقت به في
(الفرع الثاني).
-تقرير لجنة الداخلية والجهات والجماعات المحلية بمجلس المستشارين حول مشروع قانون رقم 82.11المتعلق بالميثاق 235
169
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
-السنوسي معنى"،مالية الجماعات المحلية بالمغرب" التنظيم المالي المحلي ،مرجع سابق ،ص.589 . 236
170
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
وعلى غرار التقسيم المعتمد بالنسبة للميزانية الترابية ،يتكون الحساب اإلداري
من جزأي التسيير والتجهيز ،ويتكون بالتالي كل جزء من شطري الموارد والنفقات.
وتختلف مساطر عرضه على المجالس الترابية عن الميزانية ،بحيث يتم عرضه
والتداول فيه بشكل إجمالي وفق إجراءات خاصة.
أما عن تقنيات الحساب اإلداري ،فتنص المقتضيات التشريعية والتنظيمية،
بوضوح على المسار العام ،المتعلق بإعداد وتقديم الحسابات اإلدارية ،والتصويت عليها
واعتمادها النهائي ،فالنصوص القانونية ،تفصل بشكل واضح هنا بين مجال تدخل
اآلمر بالصرف ،ومجال اختصاص المجالس المنتخبة ،التي يرتكز على دراسة
الحساب اإلداري والتصويت عليه.
فإعداد الحساب اإلداري ،يخضع لمجموعة من اإلجرءات والمساطر التي تختص
بها الهيئات التنفيذية للجماعات الترابية ،ويتعلق األمر باألساس بمرحلتين رئيسيتين،
تعرفهما هذه الوثيقة المالية والمحاسبية ،والتي تمر من مرحلة اإلعداد العملي والفعلي
للحساب اإلداري ،وتصل إلى مرحلة التصويت عليه ،دون أن يشكل بالضرورة نهاية
المسطرة.
فاآلمر بالصرف يحصر" عند نهاية كل سنة مالية الحساب اإلداري للتحمالت
والموارد" ،فبصفته الهيئة التنفيذية للجماعة الترابية ،يقوم بموجب المقتضيات القانونية،
بتحضير هذه الوثيقة المالية والمحاسبية ،باعتبار قاعدة المسؤولية المالية على
التصرفات المتعلقة بتنفيذ الميزانية.
وبعد اإلنتهاء من عملية حصر الحسابات ،تحال على اللجنة الدائمة لدى
المجلس والمكلفة بالمالية والميزانية ،قصد الدراسة التمهيدية قبل اإلحالة على المجلس
التداولي ،ويتوجب أن يتم خالل هذه المرحلة ،وضع كافة السجالت والبيانات
والمعطيات وملفات الصفقات ،رهن إشارة هذه اللجنة ،وهو ما يمثل في واقع األمر أهم
مرحلة في التدخل الرقابي للمنتخبين في تتبع وتنفيذ الميزانية ،ولو بشكل بعدي ،ويشكل
بالتالي أهم مجاالت الرقابة السياسية على الميزانية الترابية.
171
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
غير أن الواقع العملي ،عرف عدة مشاكل ،تتعلق باألساس بمدى احترام اآلمر
بالصرف ،للمقتضيات المتعلقة بإطالع األعضاء على الوثائق المثبتة لعمليات
المداخيل والنفقات ،بل إن النص القانوني نفسه ،يتضمن بعض الغموض يؤدي إلى
تعسف الهيئات التنفيذية للجماعات الترابية في هذه المسألة ،ويحرمون أعضاء
المجالس المنتخبة من حق االطالع ،بدعوى أن النص القانوني ،يتحدث على وجوب
اطالع مقرر الميزانية على الوثائق المالية والمحاسبية ،وليس كافة أعضاء اللجنة ،وهو
ما يشكل نوعا من التقليص من مجال الرقابة السياسية المخولة للمجالس المنتخبة على
اآلمر بالصرف ،بخصوص تنفيذه للميزانية الترابية.237
واذا كان اآلمر بالصرف ،ينفرد بتنفيذ الميزانية الترابية ،وبإعداد الحساب اإلداري،
فإن الدور األساسي الممنوح للمجالس الترابية المنتخبة ،يكمن في مرحلة الدراسة
والتصويت على هذه الوثيقة التي تمثل خالصة العمليات المالية والمحاسبية.
فاآلمر بالصرف عند تحضيره للحساب اإلداري ،يجب أن يعرضه على المجلس
التداولي للتصويت عليه .وعلى هذا األساس يبقى المجلس المنتخب ،هوالمختص
بتدارس محتويات ومضامين الحساب اإلداري ،واعتماد أو رفض اعتماد حصيلة تنفيذ
الميزانية.
وعلى العموم ،وبخصوص التقديم والدراسة ،يتم أوال تقديم عرض مفصل لمقرر
الميزانية ،يتلوه تقرير لرئيس أو مندوب لجنة المالية ،بعدها يتم فتح النقاش وفسح
المجال للمنتخبين لتدارس مختلف البيانات والمعطيات الواردة في الحساب اإلداري ،أو
المتعلقة بتنفيذ الميزانية الترابية ،أو حتى بالتدبير اإلداري والمالي ككل.
وعند دراسة الحساب اإلداري ،ال يحق لآلمر بالصرف ،وال ألحد أعضاء المكتب
ترؤس االجتماع ،بحيث يتم انتداب عضو خارج المكتب لرئاسة الجلسة المخصصة
لدراسته ،وتعتبر هذه الجلسة أهم مرحلة تتعلق بالرقابة السياسية التي يجريها المنتخبون
-237عبد اللطيف بروحو ،مالية الجماعات المحلية بين واقع الرقابة ومتطلبات التنمية ،م .س ،ص.55. .
172
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
على تصرفات وأعمال اآلمر بالصرف ،باعتباره المسؤول عن تنفيذ الميزانية الترابية،
وبعد المناقشة يتم اللجوء إلى التصويت ،وتعتبر هذه المرحلة بمثابة خالصة ممارسة
المجلس لرقابته السياسية على النشاط المالي الترابي ،وخالصة هذه المرحلة مبنية على
نتيجتين وهما:
التصويت اإليجابي :ويعني بأن المجلس يقر بسالمة وصحة تصرفات اآلمر،
ويعتبر بالتالي بأن التدبير المالي للجهاز التنفيذي كان قانونيا ،وتم وفق التوجهات
العامة للمجلس الترابي ،ويفترض أيضا أن يشكل إقرار بمطابقة التدبير للمخطط
التنموي للجماعة الترابية .وهذا العنصر تفتقده جل الجماعات إن لم نقل كلها ،لغياب
ثقافة التخطيط اإلستراتيجي.
التصويت السلبي :ويعتبر بمقابل ذلك عدم قبول المجلس التداولي لنتائج
وحصيلة التدبير المالي الترابي ،كما يعبر عن عدم الرضى المجلس المنتخب بطريقة
تدبير اآلمر بالصرف للمالية الترابية ومخالفة تنفيذه للميزانية وللتوجهات العامة للمجلس
أوعدم مطابقة تدبيره للقواعد القانونية والتنظيمية المتعلقة بالنشاط المالي الترابي،
والتصويت السلبي يعتبر في بعض األحيان من أكثر المواضيع إثارة لإلشكاالت
القانونية في عالقة المجلس برئيسه أو بالجهاز التنفيذي للجماعة الترابية.
غير أنه يالحظ في هذا الصدد ،أن مقررات مجالس الجهات باعتماد الحساب
اإلداري ال تخضع لمصادقة سلطات الوصاية ،خالفا لما جاري به العمل بالنسبة لباقي
يخضع مقرر المجلس للمراقبة فقط عند 238
الجماعات الترابية ،بل إن قانون الجهات
التصويت برفض الحساب اإلداري حيث ألزمت 40مجالس الجهات بتعليل رفضها
173
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
للحسابات اإلدارية تحت طائلة البطالن ،وهذا يعني بأن مقرر مجلس الجهة المتضمن
للتصويت اإليجابي على الحساب اإلداري الذي يعده والي الجهة يعتبر نهائيا ،وغير
خاضع لمصادقة السلطات الوصاية ،خالفا للجماعات الترابية األخرى.
غير أن األهمية التي تكتسيها هذه الوسيلة الرقابية ال تلغي وجود إشكاالت
قانونية وعملية ترتبط باألساس بالتصويت السلبي أو برفض المجلس التداولي للحساب
اإلداري المقدم من طرف اآلمر بالصرف ،وكذا برفض سلطات الوصاية المصادقة
على مقررات المجالس التداولية بهذا الخصوص .وهذا ما أدى اليوم إلى حذفه،
وتعويضه بتقرير التدقيق.
أمام الفرملة التي كان يقوم بها بعض المنتخبين ،وأمام الصراعات التي كانت تقع
أثناء المناقشة والتصويت على الحساب اإلداري ،تم حذف هذا األخير في القوانين
التنظيمية للجماعات الترابية ،وتعويضه بتقرير التدقيق ،الذي عرفه عرض وزير
الداخلية ،أثناء تقديمه لمشروع القانون التنظيمي للجماعات ،أمام لجنة الداخلية
والجماعات الترابية والسكنى وسياسة المدينة بمجلس النواب وفق ما يلي( :تخضع
العمليات المالية والمحاسباتية للجماعة لتدقيق سنوي تنجزه المفتشية العامة المالية ،أو
المفتشية العامة لإلدارة الترابية ،أو بشكل مشترك بينهما ،أو من قبل هيئة للتدقيق ،يتم
وتحدد صالحيتها بقرار مشترك للسلطة الحكومية المكلفة انتداب أحد أعضائها،
174
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
بالمالية ،وينجز لهذه الغاية تقرير تبلغ نسخ منه إلى رئيس مجلس الجماعة والى عامل
العمالة أو االقليم ،وكذا إلى المجلس الجهوي للحسابات المعني ،الذي يتخذ ما يراه
مناسبا في ضوء خالصات تقارير التدقيق ،ويتعين على الرئيس تبليغ نسخ من التقرير
إلى مجلس الجماعة الذي يمكنه التداول في شأنه دون اتخاذ مقرر).
وبالعودة إلى المقتضيات الجديدة التي أتى بها القانون التنظيمي رقم 22.327
المتعلق بالجماعات ،نجد أن المادة 16.في الباب الخامس الخاص بحصر الميزانية،
تنص على أنه " تثبت في بيان تنفيذ الميزانية في أجل اقصاه .2يناير من السنة
الموالية ،المبلغ النهائي للمداخيل المقبوضة والنفقات المأمور بصرفها والمتعلقة بنفس
السنة وتحصر فيه النتيجة العامة للميزانية" ،فرغم أن بيان تنفيذ الميزانية يشبه من
حيث مضمونه الحساب اإلداري ،باعتباره يعكس حقيقة تنفيذ المداخيل والنفقات ،إال أنه
لم يعد آلية في يد المعارضة ،لمحاسبة الرئيس ،باعتباره لن يخضع ال للمناقشة ،في
أي دورة من دورات المجلس وال للتصويت عليه.
غير أن التدقيق الفعلي لهذا المقتضى ،سيواجه إكراهات عملية ،خصوصا مع
العدد الهائل للجماعات الترابية بمختلف مستوياتها ،والتي ستخضع للتدقيق سنويا
فهناك 206.جماعة و 01إقليم و2.عمالة و 21جهة ،مقابل قلة الموارد البشرية في
الجهازين المكلفين بالتدقيق ،وكثرة المهام واألجهزة الخاضعة لمراقبتهم ،خصوصا
المفتشية العامة للمالية.
175
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
فهناك إكراهات تدبيرية ومالية ،جعلت هاجس الحكامة في جانبها المالي ،حاضر
بقوة مختلف اإلصالحات القانونية والمالية ،التي انخرط فيها المغرب انطالقا من سنة
،9119من أجل توفير شروط تجاوز ضعف أداء هذه الجماعات ،ومن تم فسح
المجال لكي تضطلع باألدوار الحيوية الموكولة إليها.
واذا كان التدبير المالي ،يعد أحد تمظهرات مصطلح الحكامة ،فإن مفهوم
الحكامة المالية ،239عرف بدوره اهتماما من جانب الفقه اإلداري ،الذي تنوعت
اتجاهاته بين التركيز على جوانب التشارك ،والتنسيق والتفاوض ،وبين من يعتبرها
صيرورة منطقية ،تعتمد على المقاربة التشاركية ،والتي تتميز بالشفافية ،والمسؤولية،
والفعالية ،والعدالة.
لكن على الرغم من اختالف التعاريف وتنوع المدلوالت الشكلية ،فإن بعض
العناصر األساسية للحكامة ،نجدها تتكرر بشكل أو بآخر في جل المحاوالت الفقهية،
لإللمام بمضامين المصطلح ،وعلى هذا األساس تحتوي الحكامة المالية ،كل هذه
العناصر وليس بعضها ،وبالتالي يمكن اعتبارها منهجا أو صيرور منطقية تهدف إلى
-أحمد مفيد ،الحكامة الجيدة على ضوء دستور ،8155المجلة المغربية للسياسات العمومية ،العدد ،55شتاء ،8151 239
ص.8.
176
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
تحقيق التنمية المستدامة ،باستعمال أمثل للموارد واإلمكانات المتاحة والمحتملة ،بهدف
ضمان أداء فعال وناجع وفق آليات التنسيق ،والتشارك ،والمسؤولية ،والشفافية،
وباعتماد مناهج التخطيط المالي أو االستراتيجي.
وعلى ضوء هذه المبادئ التي تنبني عليها مقومات الحكامة المالية الترابية،240
سنحاول أن نبرزها على ضوء القوانين التنظيمية .لكن قبل ذلك ،ال بد أوال أن نتطرق
ألسس الحكامة المالية ،على ضوء القوانين التنظيمية للجماعات الترابية.
سنحاول ،الوقوف على مبادئ الحكامة المالية الترابية ،وذلك على ضوء
المستجدات التي عرفها اإلصالح المالي الترابي ،ومرسوم محاسبة الجماعات المحلية
ومجموعاتها.
إن جل التعاريف لمفهوم الحكامة المالية ،لجأت لشرحها من خالل مبادئ هذه
األخيرة ،والتي تتجلى في التخطيط اإلستراتيجي ،والتدبير التشاركي ،والشفافية،
والمحاسبة والمساءلة.
- 240محمد حيمود ،الحكامة المالية المحلية على ضوء اإلصالحات القانونية والمالية ،م .س ،ص.5.
177
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
عواقب وخيمة خاصة على مستوى التوازنات .241كما أن المخططات الوطنية ،ومهما
كانت فعاليتها في الدقة من حيث اإلعداد والدراسة ،قد أصبحت التستطيع اإللمام
بجميع القضايا والشؤون الترابية ،نظ ار لتعدد العناصر الفاعلة في التنمية ،والصعوبات
التي يعرفها أثناء تطبيقه على المستويات الترابية .لهذا أصبحت الجماعة باعتبارها
الخلية األساسية للتنمية الترابية ،تتولى القيام بإعداد مخططات ،تكون في الغالب
مكملة للمخطط الوطني ومحترمة لتوجهاته العامة ،لذا يعد التخطيط الجماعي حلقة
أساسية في إنجاز المخططات الوطنية ،لما تلعبه الجماعة من دور في جميع مراحل
إعداد المخططات الوطنية ،فتوطيد دعائم الحكامة الجيدة ،يستدعي وضع مخططات
ترابية ،تنبني على رؤية استراتيجية متكاملة ،وتفتح آفاقا للتدخل الترابي في ميدان
التنمية الترابية الشاملة للجماعات الترابية ،سواء من خالل الجماعات الحضرية
والقروية أو العماالت واألقاليم أو الجهات.
فالتخطيط يمكن اعتباره منهجا ،وأداة فعلية للترشيد وعقلنة االختيارات التنموية،
واحدى القنوات الرئيسية والهامة ،التي من شأنها أن تؤهل الجماعات لتصبح قطبا
اقتصاديا وقاطرة للتنمية الشاملة ،242كما يعتبر أيضا أسلوبا في التفكير والتدبير وتنظيم
التصرفات والتوفيق بين الموارد والحاجيات.243
فهو يعد آلية تساعد على تعزيز القدرات الترابية ،في تدبير التنمية اإلقتصادية
واإلجتماعية ،وبذلك أضحى عنص ار رئيسيا لضمان عقلنة تدبير الشأن العام الترابي،
وتطوير القدرات التنموية للجماعات الترابية ،باإلضافة إلى كونه أداة مناسبة لتعزيز
-عزيز مفتاح" ،الالمركزية من التسيير اإلداري إلى تدبير التنمية" ،أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام ،كلية العلوم 241
178
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
مسار الديمقراطية الترابية ،التي تقوم على قيم التشارك والتعاون في تحقيق تنمية ذات
طبيعة شمولية.244
من هنا ،فالتخطيط الترابي ،يمكن تعريفه على أنه "مجموع الق اررات والتدابير التي
تتخذها الوحدات الترابية الالمركزية ،لبلوغ أهداف تنموية معينة ومحددة ،في مدة زمنية
تبعا للمدة اإلنتخابية ،والموضوعة في إطار القواعد القانونية والتنظيمية ،التي تحددها
السلطة المركزية" ،245وبالتالي فهو يعطي نظرة واضحة لسياسة التخطيط ،ولما يجب
أن يتخذه من حيث مراعاة الخصوصيات التنموية الترابية ،وانبثاقه من القاعدة الملمة
بمشاكل الساكنة الترابية وبتطلعاتهم.
وتأتي هذه األهمية للتخطيط الترابي ،لتشكل مرحلة تحول جذري للجماعات
الترابية ،التي أصبحت تضع مخططاتها التنموية ،طبقا لإلتجاهات واألهداف الواردة
في المخطط الوطني ،246والذي من خالله ستتمكن من وضع رؤية استراتيجية للتدبير،
عن طريق التحكم في المؤهالت ونقاط الضعف والرهانات ذات األولوية ،لتحسين
مستدام في مستوى عيش ساكنتها.
وقد تعزز ذلك من خالل المنظومة القانونية لالمركزية ،حيث تنص المادة 01
من القانون التنظيمي رقم ،001.04المتعلق بالجماعات على ما يلي ":تضع الجماعة،
تحت إشراف رئيس مجلسها ،برنامج عمل الجماعة ،وتعمل على تتبعه وتحيينه
وتقييمه.
يحدد هذا البرنامج األ عمال التنموية ،المقرر إنجازها أو المساهمة فيها بتراب
الجماعة ،خالل مدة ست سنوات.
- 244دليل المخطط الجماعي للتنمية ،و ازرة الداخلية ،مديرية الجماعات المحلية ،سلسلة دليل المنتخب ،الطبعة األولى،
.9119
- 245المهدي بنمير ،الحكامة المحلية وسؤال التنمية ،م .س ،ص.81.
- 246نفس المرجع ،ص.85 .
179
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
يتم إعدا برناج عمل الجماعة في السنة األولى من مدة انتداب المجلس على
أبعد تقدير ،بانسجام مع توجهات برنامج التنمية الجهوية ،ووفق منهج تشاركي،
وبتنسيق مع عامل العمالة أو اإلقليم ،أو من ينوب عنه ،بصفته مكلفا بتنسيق أنشطة
المصالح الالممركزة لإلدارة المركزية.
فالتنصيص على هذه المادة ،بموجب القانون السالف الذكر ،جاء ليكرس ضرورة
اعتماد مخطط جماعي للتنمية ،لمدة ست سنوات ،يتم إعداده وفق منهجية تشاركية،
تأخذ بعين اإلعتبار على الخصوص مقاربة النوع ،كما أصبح تحيينه ابتداءا من السنة
الثالثة من دخوله حيز التنفيذ ،ويتم العمل به إلى غاية السنة األولى من اإلنتداب
الموالي الذي يتم خالله إعداد مخطط جماعي للتنمية ،المتعلق بالمدة اإلنتدابية الموالية
الجديدة ،ومن شأن ذلك أن يدعم مبادئ الحكامة الجيدة ،من حيث تحديد المسؤولية
والشفافية والمحاسبة.247
أما العماالت واألقاليم ،فقد نصت المادة 11من القانون رقم 009.04المتعلق
بالعماالت واألقاليم ،على ما يلي" :يضع مجلس العمالة أو اإلقليم ،تحت إشراف رئيس
مجلسها خالل السنة األولى من انتداب المجلس ،برنامج التنمية للعمالة أو اإلقليم
وتعمل على تتبعه وتحيينه وتقييمه.
-رشيد البوني ،الحكامة المحلية الجيدة واشكالية التنمية بالمغرب" ،بحث لنيل شهادة الماستر ،تخصص :قانون 247
المنازعات ،جامعة المولى إسماعيل ،كلية العلوم القانونية واإلقتصادية واإلجتماعية -مكناس ،السنة الجامعية-9119 :
،9101م .س ،ص.552 .
180
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
يحدد برنامج تنمية العمالة أو اإلقليم ،لمدة ست سنوات األعمال التنموية المقرر
برمجتها أو إنجازها بتراب العمالة أو اإلقليم ،اعتبا ار لنوعيتها وتوطينها وكلفتها ،لتحقيق
تنمية مستدامة ووفق منهج تشاركي ،وبتنسيق مع عامل العمالة أو اإلقليم ،بصفته
مكلفا بتنسيق أنشطة المصالح الالممركزة لإلدارة المركزية".
يحدد برنامج التنمية الجهوية ،لمدة ست سنوات األعمال التنموية المقرر برمجتها
أو إنجازها بتراب الجهة ،اعتبا ار لنوعيتها وتوطينها وكلفتها ،لتحقيق تنمية مستدامة
ووفق منهج تشاركي وبتنسيق مع والي الجهة ،بصفته مكلفا بتنسيق أنشطة المصالح
الالممركزة لإلدارة المركزية.
- 248مليكة الصروخ ،القانون اإلداري" ،مطبعة النجاح الجديدة ،الدارالبيضاء ،الطبعة السادسة ،8119 ،ص.355.
181
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
وعلى هذا األساس ،يعتبر التخطيط الترابي ،بمثابة اآللية الفعالة لتدعيم التنمية
اإلقتصادية واإلجتماعية ،وترسيم األهداف الواضحة ،المبنية على المعطيات الواقعية،
وعلى متطلبات تعزيز القدرات التدبيرية ،وادارة المرافق والشؤون الترابية ،وفق منظور
شمولي يتناسب وأهداف المخطط الوطني.249
الموارد والنفقات التقديرية المتعلقة بالسنوات الثالث األولى التي تم فيها العمل -
بالمخطط؛
فآلية التخطيط من شأنها أن تساهم في ترشيد عمل الجماعات ضمن استراتيجية -
اقتصادية واجتماعية وثقافية.250
182
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
وتجسيدا لما سبق ،فقد تقرر إشراك كافة الفاعلين االقتصاديين واالجتماعيين
الوطنيين والترابيين من أجل إيجاد صيغة تكاملية لمحور التنمية .حيث جاء في منشور
و ازرة الداخلية بتاريخ 0فبراير 0999أن "المخطط االقتصادي المرتقب يهدف إلى
إرساء ثقافة جديدة للشراكة وتكوين سياسة تطوعية للمشاركة والتشاور بين مختلف
الفاعلين االقتصاديين واالجتماعيين والسلطات المركزية وغير الممركزة والالمركزية.
ولهذا السبب ،فإن هذا المخطط ينبغي أن يشكل أداة عمل لسياسة التنمية االقتصادية
واالجتماعية للحكومة والذي يترجم خياراتها ويحدد أسبقيتها واألهداف المتوخاة سواء
على المستوى الوطني والجهوي واإلقليمي أو الجماعي".
بيد أن تجربة التخطيط التي خاضتها الجماعات الترابية منذ 0999أبانت أن
النتائج لم تكن مرضية ،رغم المجهودات التي بذلتها لكي تنجز مخططاتها داخل
اآلجال المحددة.
وتنبني التوجهات الجديدة في التخطيط الترابي على ثالثة مفاهيم رئيسية ،وهي
مفهوم التشارك "المقاربة التشاركية" ،ومفهوم النوع "مقاربة النوع" ،وأخي ار مفهوم
اإلستراتيجية.
183
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
-المشاركة اإلقتراحية :ويقصد بها العمل على جمع وتنظيم كافة اإلقتراحات
بدون استثناء ،والتوزيع وفق تصنيفات معينة تتحكم فيها معايير مضبوطة.
- 252تعتمد هذه األخيرة لضمان نجاحها واستم اررية برامجها على حرية التعبير والديمقراطية في اتخاذ القرار ،وكسب الثقة في
النفس ،واإلحساس باإلنتماء ،وتأهيل الكفاءات الترابية ،وابراز القدرات الذاتية ،واستعمال الموارد المتوفرة والممكن تعبئتها
بطريقة عقالنية ،وتحديد الحاجيات األولوية للساكنة ،ثم أخي ار اإلدماج والتنسيق بين جميع المتدخلين.
- 253محمد حميد بخاري" ،دليل مكون اللجنة الجماعية للتخطيط اإلستراتيجي التشاركي" ،و ازرة الداخلية ،9112 ،ص.00 .
184
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
وعلى العموم ،تشكل المقاربة التشاركية ،آلية قانونية وتقنية تمكن الجماعات
الترابية ،من التحديد الدقيق لحاجيات الساكنة ،وبالتالي ضمان مالءمة مضمون
المخطط الجماعي للتنمية مع مجموع الرغبات والتفضيالت المحلية المعبر عنها.
وتسمح هذه المقاربة بإدماج انشغاالت وتجارب النساء والرجال والفتيان والفتيات
في بلورة وانجاز وتتبع وتقييم المخططات الجماعية للتنمية ،حتى يستفيدوا منها
بالتساوي .ويهدف التحليل المعتمد على النوع اإلجتماعي ،إلى التأكد من أن المشاريع
والبرامج التنموية ،تأخذ باإلعتبار كليا أدوار وحاجيات ومساهمات النساء والرجال
والفتيات والفتيان.255
أما اإلستراتيجية فيرجع أصلها إلى الكلمة اليونانية ستراتوس أقوس – Stratos
،Agosوالتي تعني فن الحرب وادارة المعارك ،حيث كان القادة الموهوبون يمارسونها
عن حدس وعبقرية ،ثم تطورت إلى علم له أسس وقواعد ،حيث أصبح يعني علم وفن
وضع الخطط العامة المدروسة بعناية والمصممة بشكل متفاعل ومتالحق األدوار
ومنسق الستخدام مختلف أشكال الثروة والقوة لتحقيق األهداف الكبرى.
- 254ورقة تقديمية لليوم الدراسي حول ارتقاء المسؤوليات اإلدارية والسياسية من منظور مقاربة النوع " أعمال األيام الدراسية
للجمعية المغربية للبحث اإلداري ،العدد ،5دار القلم ،أبريل ،8111ص..5 .
- 255دليل المخطط الجماعي للتنمية ،و ازرة الداخلية ،م.س ،ص.1 .
185
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
وفي هذا اإلطار ،أصبحت مقاربة التدبير اإلستراتيجي لوضع مخططات التنمية
نظر لطبيعة
ا المحلية أم ار ال محيد عنه ،حتى يتسم بمستوى عال من الدقة والتنظيم
التخطيط الترابي ،وما يمثله من أهداف حيوية ،تتجلى في وضع برامج تجهيز الجماعة
طبقا للمواصفات ومعايير الجودة ،في حدود وسائلها الخاصة ،والموضوعة رهن
إشارتها من جهة ،ومن جهة أخرى فالمجلس الجماعي يقترح كل األعمال الواجب
إنجازها بتعاون أو بشراكة مع الجماعات الترابية األخرى أو الهيئات العمومية أو
القطاع الخاص ،وذلك في إطار التوجه الحديث للحكامة الجيدة ،الذي يقوم على
أساس المشاركة والشراكة والتعاون ،ما بين الجماعات الترابية ،والدولة ،والمجتمع
المدني والقطاع الخاص.
ومن ثمة أقدمت و ازرة الداخلية على وضع خارطة طريق للنهوض بالجماعات
الترابية من خالل بلورة المخطط اإلستراتيجي "الجماعة في أفق ،257 "9102الذي
بلور رؤية تصورية حول مستقبل الجماعات الترابية بالمغرب ،يهدف من خاللها إلى
تعزيز ثقافة التخطيط ،عبر تقوية قدرات الجماعات حتى تخرج مخططاتها التنموية
للوجود وتبرمج مشاريعها على المدى المتوسط ،وتمكنها من استعمال أفضل للموارد.
كما يهدف أيضا ،إلى تفعيل دور اإلدارة الترابية من خالل هيكلة اإلدارة التي
يجب أن تتوفر على تنظيم محكم ونظام معلوماتي وآليات تدبير حديثة ،باإلضافة إلى
تأهيل الموارد البشرية ،وذلك من خالل برمجة عدة أوراش ،تهم آليات التوظيف لتمكين
- Alfred Chandler « strategy and structure, chapters in the history ok in Industrie, enterprise,
256
186
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
الجماعات من جلب أحسن الكفاءات ،باإلضافة إلى اعتماد آليات التحفيز والتكوين
وكذا التأطير اإلداري المستمر للموارد البشرية ،وذلك بإيالء عناية خاصة للطاقم
واألطر التي ستتولى المسؤولية في المناصب العليا في تدبير وادارة الجماعة.
فالدولة من خالل هذا المخطط ،ستنتقل تدريجيا من ممارسة الوصاية إلى منطق
المواكبة والمصاحبة للجماعات الترابية ،من أجل تمكينها من ممارسة كامل
اختصاصاتها ،كفاعل رئيسي في مجال العمل العمومي ،في إطار توفير كل شروط
النجاح الكفيلة بتحقيق تنمية محلية مستديمة.258
ومن المؤكد أن المخطط الجماعي يضطلع بدور أساسي ومميز ،في تحفيز
وانعاش تنمية االقتصاد الترابي ،والتشغيل .فالمجلس الجماعي يتخذ كل التدابير للرفع
من القدرات االقتصادية للجماعة ،خصوصا في مجاالت الفالحة والصناعة والسياحة
والتعليم والخدمات ،كما يشجع االستثمارات الخاصة ،ويبث شأن إحداث شركات التنمية
المحلية ذات الفائدة الجماعية أو ذات الفائدة المشتركة بين الجماعات والعماالت
واألقاليم والجهات أو المساهمة في رأسمالها ،وغيرها من التدخالت الكفيلة بالنهوض
باإلقتصاد الترابي.
وحتى يتم تحقيق جودة العمل الجماعي ،ال بد من بلورتها في إطار رؤية تعكس
الفكر اإلستراتيجي للمنتخب الترابي ،كمحدد أساسي للبرامج والمشاريع المسطرة في
المخطط الجماعي ،خصوصا أن ما ينقص الجماعات الترابية هو تحديد الرؤية ،حيث
إن الرئيس يجب أن تكون لديه القدرة الكافية على البحث عن موارد لجماعته ،أي
التوفر على ثقافة االستثمار والتدبير والخطط اإلستراتيجية.259
- 258سميرة جيادي" :الحكامة الجيدة والتنمية المحلية" ،مقال نشر بتاريخ 51أكتوبر 8151على الرابط اإللكتروني:
http://hadrani-gouvernancelocaledvp.blogspot.com
-داوي الناجي " ،نفقات الجماعات المحلية" ،حالة بلدية كلميم ما بين ،0991/0991رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا 259
المعمقة ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،عين الشق الدرالبيضاء ،السنة الجامعية ،9119-9110ص.21 .
187
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
إن صياغة أي تصور مشترك للمستقبل ،ال يمكن أن ينبثق إال من قبل الفاعلين
الترابيين ،ويستوجب وضع مسلسل ،يرتكزعلى التشاور والحوار ،ويمنح لكل فاعل
مكانته في الهياكل الموجودة.
إن المنهجية التشاركية تساعد على تحقيق العديد من المزايا منها ،إغناء التفكير
والتشخيص ،من خالل المعلومات المتنوعة والملموسة ،وتقديم تحاليل متنوعة
188
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
للوضعية .وكذا تطوير طرق التدخل القريبة أكثر من حاجيات ،وظروف عيش السكان
بصورة شاملة .باإلضافة إلى بلورة تصور مشترك للفاعلين حول الوضع الحالي.
وفي هذا اإلطار نصت القوانين التنظيمية ،على تقنية تقديم العرائض من قبل
المواطنين والمواطنات ،والجمعيات.260
إن الشفافية كمبدأ أساسي في الحكامة المالية الترابية ،تعني توفير المعلومات
الكاملة عن األنشطة ،التي تقوم بها الجماعات الترابية ،لفهمها بوضوح ،واستقرارها
وانسجامها مع المتغيرات ،على جميع المستويات االقتصادية ،واالجتماعية ،واإلدارية،
إضافة إلى تبسيط اإلجراءات ونشر المعلومات.
189
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
وعند اختتام التدبير المالي السنوي للجماعات الترابية ،والذي يتوج بإعداد تقرير
التدقيق من قبل اآلمر بالصرف ،بشأن كيفية تدبيره لعمليات المداخيل والنفقات ،والذي
يتم عرض الحساب بقصد الدراسة على اللجنة الدائمة المختصة ،عشرة أيام على
األقل ،قبل عرضه على المجلس التداولي ،بقصد التصويت عليه ،وذلك أثناء الدورة
العادية األولى الموالية.
أما جانب صفقات الجماعات الترابية ومجموعاتها ،فقد نصت القوانين التنظيمية
حرية الولوج إلى الطلبية العمومية، 261
للجماعات الترابية ،على وجوب احترام مبادئ
والمساواة في التعامل مع المتنافسين ،وكذا الشفافية في اختيارات صاحب المشروع،
باإلضافة إلى قواعد الحكامة الجيدة.
وتحدد الكيفيات التي يتم وفقها التدقيق المالي بقرار لوزير الداخلية.
ويجب على اآلمر بالصرف عرض تقارير التدقيق على المجلس التداولي بمناسبة
الدورة األولى العادية الموالية و توجيه نسخة إلى وزير الداخلية".
لكن في انتظار صدور قرار وزير الداخلية الذي يحدد الكيفيات التي يتم وفقها
التدقيق المالي ،فال زالت عمليات التدقيق تتميز بنوع من الغموض خصوصا في
عالقتة ،بالتدقيق الممارس على الصفقات الترابية ،باإلضافة إلى عالقة التدقيق
190
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
بمنظومة الرقابة الممارسة على الجماعات الترابية ،خصوصا على مستوى الرقابة
الالحقة.
ال تكتمل منظومة الحكامة الترابية ،في شقها المالي ،دون المرور عبر مرتكز
المحاسبة والمساءلة بشأن طرق التدبير ونتائجه .فالمساءلة تعد أحد أهم أدوات الرقابة
على الشأن الترابي ،فهي معيار ضابط ألداء الجماعات الت اربية ،وأداة تقييمية
لألشخاص العاملين بها ،عندما تتم محاسبتهم من قبل المخول لهم بذلك قانونيا.
وقد تمت إحاطة تدبير الوحدات الترابية الالمركزية ،بمجموعة من األجهزة الرقابية
بالنظر لحجم الموارد المالية ،التي تتولى هذه الوحدات تسييرها ،وكذا حجم االنتظارات
االقتصادية واالجتماعية المرتبطة بها .ونجد في هذا اإلطار ،الرقابة بابعادها السياسية
التي تمارسها المجالس التداولية على اآلمرين بالصرف ،أثناء التصويت على مشاريع
الميزانية الترابية ،ثم الرقابة اإلدارية ،التي يمارسها الخازن المكلف باألداء ،في مرحلة
االلتزام بالنفقة الترابية أو في مرحلة أدائها ،فضال عن مراقبة المحاسب المكلف
بالتحصيل لمشروعية عملية قبض المداخيل.262
-محمد حيمود ،الحكامة المالية المحلية بالمغرب على ضوء اإلصالحات القانونية والمالية ،اللقاء المغاربي االتاسع لشبكة 262
القانونيين لمغاربيين ،المنظم بمراكش بتاريخ 59-51أبريل 8155حول " الجماعات المحلية بدول المغرب العربي" ،مطبعة
المعارف الجديدة ،الرباط ،8155 ،ص.53.
191
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
المفتشية العامة للمالية ،والمفتشية العامة لإلدارة الترابية ،ويتم إجراء هذا التدقيق في
عين المكان ،وبناء على الوثائق المالية والمحاسباتية.263
192
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
-محمد حيمود ،الحكامة المالية المحلية بالمغرب على ضوء اإلصالحات القانونية والمالية ،م .س ،ص.51. 264
193
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
إن النظام اإلداري والمالي المطبق ،يؤثر بشكل مباشر في تنزيل قواعد الحكامة
وتطبيقها ،فتحقيق التنمية وفق مقاربة مندمجة ،ال يتم إال عبر آليات التدبير المالي،
المنسجمة مع حاجيات المواطنين ،وأكثر تطلعا لمتطلباتهم.
وعلى هذا األساس ،فتحقيق التنمية الترابية ،يتأسس على منطق التدبير الجيد،
واعتماد سياسة القرب ،في وضع واقرار وتنفيذ البرامج ،والمشاريع التنموية ،والمقاربات
الحديثة للتدبير التنموي ،تعتمد باألساس على " التدبير متعدد األقطاب للنشاط المالي،
وللمرافق والمصالح العمومية عوض التدبير أحادي القطب" ،ممثال في السلطة
المركزية ،وهذا التدبير المتعدد ،يقوم في واقع األمر على وجود وحدات ترابية ،يناط بها
التدخل لتدبير الشؤون الترابية ،بشكل منسجم ومتكامل مع التدخل المركزي ،الذي يطال
المجاالت الترابية بشكل شمولي ،أو التدخل الجهوي ،الذي يرمي إلى تحقيق تنمية،
ذات أبعاد متقاربة ومتكاملة ،بين مختلف الوحدات الترابية التابعة لها ،ووفق مخططات
تنموية منسجمة ومتكاملة ،وهذه المقاربة تعد أحد أهم أشكال تنزيل مبادئ الحكامة
على المستوى الترابي ،وأحد أكثر اآلليات التدبيرية ،تحقيقا لتنمية مندمجة على مستوى
الجماعات االترابية.
194
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
تعتبر التنمية الترابية ،في صلب األهداف الوظيفية والغايات األساسية لنظام
الالمركزية ،فتخويل الجماعات الترابية ،مجموعة من المهام واالختصاصات ،إنما
يهدف إلى تأهيل الوحدات الالمركزية ،لتصبح قادرة على تدبير شؤونها الترابية ،ذاتيا
وموضوعيا .وعلى هذا األساس ،يرتكز البعد التنموي للحكامة ،على تمكين الهيئات
الالمركزية من اآلليات الضرورية ،ومن القدرة على التخطيط وتدبير شؤونها ،وعلى
تركيز الجهود على القطاعات االقتصادية التنموية ،وعلى توجيه النشاط المالي نحو
إشباع حاجات السكان ،وتحقيق تنمية مندمجة.
فهي تعد إجرائيا وواقعيا بمثابة " التنزيل العملي للحكامة الترابية " ،والذي يقوم
على تعزيز دور المنتخبين ،وترسيخ ثقافة المشاركة ،والتفاعل مع الفاعلين الترابيين
والمجتمع المدني ،وعلى التخطيط المندمج للبرامج المالية التنموية ،وكذا على توضيح
مجاالت التدخل التنموي للجماعات الترابية ،ودورها في التخطيط التنموي عبر آليات
التشارك ،واالستعمال األمثل للموارد ،واإلمكانات والوسائل.
فالتنمية الترابية ،تعتبر رهان التدبير المالي الترابي ،وممارسة الهيئات الالمركزية
الختصاصاتها ،وبالتالي يعتبر التخطيط التنموي والبرمجة المالية ،المتوسطة والطويلة
األمد ،أحد أهم قواعد ومبادئ الحكامة المالية ،على المستوى الترابي ،فتخصيص
الموارد واستعمالها في القطاعات والب ارمج التنموية ،يشمل في واقع األمر ،مختلف
المجاالت والقطاعات المتعلقة بالتدبير المالي الترابي ،ويطال البعد الزمني المالئم
لتنفيذها.
وال يقتصر بالتالي على األساس السنوي للميزانية الترابية ،وهو ما يمثل جوهر
المعادلة بين الطابع الشمولي للتنمية ،ومجالها الترابي وبعدها اإلستراتيجي.
195
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
196
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
وبالرغم ،من المستجدات التي حملتها هاته القوانين ،سواء فيما يتعلق بكيفية
انتخاب مجالس الجماعات الترابية ،أو كيفية تدبير هذه األخيرة لشؤونها الترابية ،وكذا
التمييز بين االختصاصات الذاتية ،والمشتركة ،والمنقولة ،والمبادئ المعيارية التي على
أساسها نميز بين هاته االختصاصات ،سواء على مستوى النظام المالي ،ومصادر
مواردها المالية ،أو على مستوى ممارسة آليات الديمقراطية التشاركية ،أو على مستوى
قواعد الحكامة ،المتعلقة بالتدبير والتتبع والمحاسبة ،فإنها وجهت لها مجموعة من
اإلنتقادات ،تمثلت فيما يلي:
-تشتيت وتكرار في اإلنتاج القانوني :إن فكرة وضع هذه القوانين التنظيمية
تصور
ا الثالت للجماعات الترابية ،منفصلة ومستقلة ،عن بعضها البعض ،ال يعطي
متكامال وواضحا عن تدبير الشؤون الترابية ،وبالتالي ال يخدم فكرة وحدة التدبير،
والتعاون والتضامن ،بين الجماعات الترابية من جهة ،ومن جهة أخرى ،يالحظ أن هذه
القوانين ،تتميز بالتكرار ،في تصنيف أقسامها وتوزيع أبوابها ،وتقسيم فصولها.
-اختالل التوازن فيما يتعلق بتصنيف أقسام وأبواب القوانين التنظيمية ،خاصة
الشق المتعلق بالنظام المالي للجماعات الترابية.
وعموما ،يمكن القول إنه بالرغم من المستجدات اإليجابية ،التي أتت بها القوانين
التنظيمية ،بهدف عقلنة التدبير المالي الترابي ،إال أن مضامينها لم تخرج كثيرا ،عما
كان معموال به سابقا ،الشيء الذي يجعلنا نطرح سؤاال حول القيمة المضافة التي
جاءت بها القوانين التنظيمية للجماعات الترابية؟ خصوصا ،وأن بالدنا مقبلة على
مشروع الجهوية الموسعة لألقاليم الجنوبية ،وباقي أقاليم المملكة.
197
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
-مرسوم التقسيم الجهوي الجديد ،الذي صدر مؤخ ار ،وبموجبه تم تقسيم المملكة
إلى .09وأسندت مهمة تنفيذه لوزير الداخلية ،علما أن هذا المرسوم ،دخل حيز التنفيذ
مباشرة بعد انتخابات 4شتنبر.9102
فالجهة ،تشكل إطا ار مالئما لتبني استراتيجية كفيلة بتدبير مسار التنمية
االقتصادية واالجتماعية والثقافية ،وذلك من خالل تعبئتها للموارد والطاقات المحلية،
من أجل ترسيخ مبادئ الديمقراطية وتطوير البناء الجهوي.
واستم ار ار في دعم تكريس نمط الجهة ،نسجل تأكيد اإلرادة السياسية العليا لملك
البالد على تطوير النموذج المغربي ،حيث أشاد في خطاب 19مارس ،9100
بالمضامين الوجيهة لتقرير اللجنة االستشارية للجهوية ،والتي كلفها بالتفكير في
الشروط الواجب توفرها ،حتى يتسنى للجهات االضطالع بشكل فعال بدورها في مجال
صياغة وتنفيذ السياسات الترابية.
198
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
من هذا المنطلق ،ارتأينا أن نتناول في هذا القسم ،الجهوية المتقدمة ،كمدخل
رئيسي لتدبير ماية الجماعات الترابية ،حيث سيتم اإلطالع على تجارب الدول المتقدمة
في هذا الشأن من جهة ،ومن جهة ثانية ،وكنقطة أخيرة في هذا البحث ،سنتعرف على
بعض آليات التدبير الحديثة.
إن الحديث عن موضوع الجهوية الموسعة ،في عالقتها بتحسين األداء المالي
للجماعات الترابية ،يقتضي أوال تحديد معنى هذا المفهوم ،وتمييزه عن باقي المفاهيم
األخرى المشابهة له .فإذا كانت الجهة لغة ،تعني ناحية من النواحي ،أي جزء من
الكل ،إال أن الناحية قد تعني بصفة خاصة ،المحيط الذي يدور حول نقطة معينة،
فهي تعني الضاحية أو المجال أو المحيط بمركز معين.
فلجنة الشؤون الجهوية للمجلس األروبي ،عرفت الجهات بأنها وحدات تتموقع
تحت مستوى الدولة المركزية ،وتتمتع بتمثيلية سياسية مضمونة ،بوجود مجلس جهوي
منتخب.
وفي ذات التوجه ،يحيل مفهوم الجهة من الناحية الفقهية ،على المجال الذي
تعيش داخله المجموعة ،والتي يكون لها عليه شبكة من العالقات ،وتحمل إليه قيمها
السيكولوجية.
199
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
في حين يراها بعض الباحثين ،أنها تشكل مجموعة منسجمة ،تهدف إلى تكامل
اقتصادي إداري وتنموي ،من أجل النهوض بمؤهالتها ،وتسخير إمكانياتها البشرية
والطبيعية والمادية ،في إطار متكامل ومتوازن.265
أما الجهوية فلها مدلوالن :األول في مفهومها القديم ،ذات مدلول سياسي محض،
في حين نجده محدود ،في إطار المجال اإلداري واالقتصادي ،بالرغم من كون
الجماعة الترابية ،بشكل عام تساهم في تسييس المواطنين ،فغالبا ما تفهم الجهوية،
على أنها نتيجة لتوزيع إداري ألنشطة الدولة على المستوى الجهوي.
وتعتبر الجهة من بين العناصر الجديدة األساسية ،التي أتى بها دستور ،0999
فبعد تجربة الجهات االقتصادية في إطار ظهير 01يونيو ،0900تم االرتقاء بها إلى
مستوى جماعة محلية تتمتع بالشخصية المعنوية واالستقالل المالي واإلداري ،بمقتضى
دستور ،0999وتم تدعيم مركز الجهة أكثر في دستور .0991
وامتدادا لهذه التجارب التي راكمها المغرب في إطار الالمركزية اإلدارية ،جاء
ورش الجهوية المتقدمة ،استكماال للبناء الديمقراطي الحديث لمسلسل التنمية الجهوية.
وهكذا أصدرت اللجنة االستشارية للجهوية المتقدمة ،تقري ار تضمن عددا من التوصيات
والمقترحات المتعلقة بالشق المالي.
فإلى أي حد يمكن للتصور العام ،الذي جاء به التقرير في جانبه المالي ،أن
يساهم في تطوير الجهوية المعمول بها حاليا ،و أن يفتح آفاقا جديدة لتطوير التدبير
المالي الترابي ،مع العلم أن بعض الدول األروبية ،عرفت تمي از كبي ار في هذا الباب.
-265محمد زين الدين ،الجهة بالمغرب المعاصر من الجهوية اإلدارية إلى الجهوية السياسية ،المجلة الدولية ،العدد ،15
لسنة ،8112المطبعة والوراقة الوطنية ،مراكش ،ص.531 .
200
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
إن دور الجهة في تعزيز الالمركزية ،واتمام البناء المؤسساتي ،يظهر بشكل
واضح من خالل هياكلها ووظائفها ،وسبل العمل في التسيير اليومي للشؤون الجهوية،
خصوصا المهام المنوطة بالجهاز التداولي أي المجلس الجهوي.
وكلها اختصاصات تحتاج لموارد مالية ،قادرة على اإلستجابة للحاجيات الترابية
والتنموية.
لقد حرص دستور ،9100من خالل الباب التاسع ،على دسترة العديد من
مقتضيات التنظيم الالمركزي ،خاصة الشق المرتبط بالتمويل .حيث نص في الفصل
،040على أن الجهات والجماعات الترابية األخرى ،تتوفر على موارد مالية ذاتية،
وموارد مالية مرصودة من قبل الدولة ،كما أن كل اختصاص تنقله الدولة إلى الجهات
والجماعات الترابية األخرى يكون مقترنا بتحويل الموارد المطابقة له.
ونظ ار لإلختالالت التي طبعت مسار الجهوية ببالدنا ،والمتمثلة أساسا في بروز
التفاوتات في المؤهالت والموارد ،كان ال بد من البحث عن مصادر تمويل جديدة.
وفي هذا اإلطار ،نص الفصل 049من دستور ،9100على أنه سيحدث لفترة
معينة ،لفائدة الجهات ،صندوق للتأهيل اإلجتماعي ،يهدف إلى سد العجز في مجاالت
-266اللجنة االستشارية للجهوية ،تفرير حول الجهوية المتقدمة ،الكتاب االول :التصور العام ،ص.9 .
201
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
التنمية البشرية ،والبنيات التحتية األساسية والتجهيزات ،كما سيتم أيضا إحداث صندوق
للتضامن بين الجهات ،يهدف إلى التوزيع المتكافئ للموارد.
وتعزي از لمنطق التضامن ،الذي يعد أحد مرتكزات مشروع الجهوية المتقدمة ،نص
الفصل 044على إمكانية تأسيس الجماعات الترابية ،لمجموعات فيما بينها ،من أجل
التعاضد ،في البرامج والوسائل ،وهي آلية ذات فائدة مهمة ،من أجل تمويل المشاريع
ذات األهداف المشتركة.
كما أشار الفصل 011من الدستور ،بأن يقوم رؤساء مجالس الجهات ،ورؤساء
مجالس الجماعات الترابية األخرى ،بتنفيذ مداوالت هذه المجالس ومقرراتها ،في حين
حصر الفصل ،042من الدستور في الفقرة الثانية والثالثة ،دور الوالة والعمال في
المراقبة اإلدارية ومساعدة رؤساء الجماعات الترابية ،خاصة رؤساء المجالس الجهوية،
على تنفيذ المخططات والبرامج التنموية.
وفي إطار دستور ،9100نجد التنصيص على مبدأ التدبير الحر للجماعات
الترابية ،والذي تمت اإلشارة إليه ،في مجموعة من فصول الدستور ،بعضها يؤسس
للمبدأ بشكل مباشر ،كما هو الحال بالنسبة للفصل ،011الذي ينص على ما يلي:
"يرتكز التنظيم الجهوي والترابي ،على مبادئ التدبير الحر وعلى التعاون
والتضامن ،"....حيث يجعل هذا الفصل ،مبدأ التدبير الحر أحد المرتكزات الجوهرية
التي يقوم عليها التنظيم الترابي.
202
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
كما أن الفصل ،041ينص على مبدأ التدبير الحر ،بشكل صريح ،في الفقرة
األخيرة منه ،حيث يحيل على قانون تنظيمي لتحديد مبادئ وقواعد وشروط تنظيم
وتدبير الجماعات الترابية ،بما في ذلك قواعد الحكامة المتعلقة بحسن تطبيق مبدأ
التدبير الحر.
زد على ذلك ،فإن فصوال أخرى من الدستور ،ال تشير إلى المبدأ مباشرة ،لكنها
تهم بعض تطبيقاته أواحدى مقوماته األساسية ،267وهكذا فإن الفصل 040يتضمن
مقتضيات ترتبط بإحدى تطبيقات مبدأ التدبير الحر ،ويتعلق األمر باالستقالل المالي
للجماعات الت اربية ،حيث ينص الفصل المذكور على أنه ":تتوفر الجهات والجماعات
الترابية األخرى على موارد مالية ذاتية ،وموارد مالية مرصودة من قبل الدولة ،كل
اختصاص تنقله الدولة إلى الجهات والجماعات الترابية األخرى يكون مقترنا بتخويل
الموارد المطابقة له".
267
- Mohammed Boujida, quelues éléments d’analyse du principe constitutionnel de libre
adminstration des collectivités territoiales marocaines , Actes des Xémes journées Maghrébines
de droit ( 17- 18 avril 2015), organiséés par le réseau des juristes maghrébins ( REJMA), p.167.
203
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
وكتطبيق آخر ،من تطبيقات مبدأ التدبير الحر ،ينص الفصل ،011على إسناد
صالحية تنفيذ مداوالت مجالس الجماعات الترابية إلى رؤساء هذه المجالس.
يبدو أن الدستور ،قد وضع أسسا دستورية لمبدأ التدبير الحر ،كما حدد بعض
تطبيقاته ومقوماته ،غير أن ذلك ال يعني ،تحديد مدى ونطاق هذا المبدأ إال في حدود
ضيقة.268
ويحيل هذا المبدأ ،إلى مبدأ اإلدارة الحرة المنصوص عليه في المادة 09من
دستور الجمهورية الخامسة بفرنسا " :الجماعات الترابية تدار بحرية من طرف مجالس
منتخبة في الشروط التي يحددها القانون".
وتتجلى أهمية مبدأ التدبير الحر ،في تدعيمه الستقاللية الجماعات الترابية،
ولسلطة اتخاذ ق ارراتها ،في كونه مرجعا أساسيا لتنظيم العالقة بين الدولة ،والجماعات
الترابية ،وفيما بين هذه األخيرة .وكذا توسيع وتدقيق اختصاصات الجماعات الترابية ،و
بخاصة توفرها على اختصاصات ذاتية وفعلية ،والتخفيف من الوصاية الممارسة عليها
من قبل الدولة.269
ونجد الفصل 049من دستور ،9100ينص على أنه " :يحدث لفترة معينة
ولفائدة الجهات صندوق التأهيل االجتماعي ،يهدف إلى سد العجز في مجاالت التنمية
البشرية ،والبنيات التحتية األساسية والتجهيزات".
-268عبد الخالق عالوي ،مبدأ التدبير الحر للجماعات الترابية واعداد التراب في ضوء دستور ،8155المجلة المغربية لإلدارة
المحلية والتنمية ،العدد ،551لسنة ،8155ص. 515 .
-269أحمد بوسيدي ،األسس الدستورية للجماعات الترابية ،أشغاال الندوة الدولية ،تحت عنوان الدستور المغربي، 8155
مستجدات وآفاق ،بتاريخ ،85-81أبريل ،8158ص.815 .
204
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
وألول مرة ينص الدستور المغربي ،على مبدأ التفريع في الفصل :041
"للجماعات الترابية ،وبناءا على مبدأ التفريع ،اختصاصات ذاتية واختصاصات مشتركة
مع الدولة واختصاصات منقولة إليها من هذه األخيرة".
ويعد هذا المبدأ ،من مبادئ القانون العام الدولي ،استعمل ألول مرة ،كمعيار
لتوزيع االختصاصات بين المجموعة األروبية ،والدول األعضاء في معاهدة ماستريخت
سنة .0999
وقد استعمل هذا المبدأ ،كذلك في العالقات الدولية ،فيما يخص دور األمم
المتحدة في تطبيق مبدأ حق التدخل ،أو واجب التدخل ،ليعني ضرورة توزيع
االختصاصات والسلطات بين الدول والمنظمات الدولية .270
وقد تم التنصيص عليه في المادة (1ب) ،من معاهدة ماستريخت ،والتي تنص
على المبادئ التالية:
-أحمد بوسيدي ،األسس الدستورية للجماعات الترابية ،مرجع سابق ،ص.819 . 270
205
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
وقد أثار اعتماد المبدأ في فرنسا ،نقاشا دستوريا بحجة ارتباطه بالدول الفيدرالية،
271
ويصعب تطبيقة في حالة فرنسا العتبارين:
-فرنسا دولة موحدة ،عرفت تاريخيا ،مركزية إدارية وسياسية ،لم تعط أهمية
لمبدأ التفريغ.
-من جهة أخرى ،عرفت نوعين من التنظيم اإلداري وتوزيع االختصاصات ،وما
نتج عن ذلك من تنافس بينهما.
كما أن الدستور الفرنسي ،ال ينص على المبدأ ،وانما يؤكد على مبدأ عدم تجزيئ
الجمهورية.
أما في المغرب ،وبعد اإلشارة إلى المبدأ ،ضمن وثائق المناظرة األولى للجماعات
الترابية سنة ،0991أكدت المبادرة الوطنية للتفاوض بشأن الحكم الذاتي لجهة
الصحراء المغربية على توزيع االختصاصات وفقا لمبدأ التفريع.
وجاء تأكيد المبدأ ،في تقرير اللجنة االستشارية حول الجهوية المتقدمة،272
وصوال إلى تضمينه في الدستور من خالل الفصل ،041والذي ورد فيه ما يلي:
"للجماعات الترابية ،وبناءا على مبدأ التفريع ،اختصاصات ذاتية ،واختصاصات
مشتركة مع الدولة ،واختصاصات منقولة إليها."...
-271إبراهيم أولتيت ،بعض إشكاليات الجهوية المتقدمة في دستور ،8155أشغال األيام المغاربية التاسعة للقانون المنظمة
من طرف شبكة الحقوقيين المغاربيين ( ،أيام 88-89أبريل ، )8118ص.55 .
- 272اللجنة االستشارية للجهوية ،الكتاب األول ،التصور العام ،ص.88 .
206
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
لالختصاصات الذاتية للجماعات الترابية ،ولم يعطي تعريفا وال تحديدا لها ،ولم يوضح
توزيع لإلختصاصات بين الدولة والجماعات الترابية ،وال بين هذه األخيرة فيما بينها.
وقد يفسر هذا القصور ،في كون الوظيفة األساسية للدستور في إطار الدولة
الموحدة ،ال تكمن في إعطاء التعريفات والمفاهيم ،بل يكتفي بوضع اإلطار العام لها،
على أن يتولى قانون تنظيمي أو تشريع عادي أو اجتهاد قضائي هذه المهمة.273
إضافة للمبادئ التي تم التطرق إليها ،نجد مبدأي التضامن والتعاون ،فقد أكد
دستور 9100في الفصل 049على أنه ":يحدث لفترة معينة ولفائدة الجهات صندوق
للتأهيل االجتماعي ،يهدف إلى سد العجز في مجاالت التنمية البشرية ،والبنيات
التحتية األساسية والتجهيزات".
يحدث أيضا صندوق للتضامن بين الجهات ،بهدف التوزيع المتكافئ للموارد،
قصد التقليص من التفاوتات بينها .وتحدد موارد وكيفيات تسيير الصندوقين بقانون
تنظيمي حسب الفصل 041من الدستور.
وقد جاء التنصيص الدستوري على هذين المبدأين في الفصل 011من دستور
،9100والذي أكد على أنه " يرتكز التنظيم الجهوي والترابي ،على مبادئ التدبير
الحر ،وعلى التعاون والتضامن ،ويؤمن مشاركة السكان المعنيين في تدبير شؤونهم،
والرفع من مساهمتهم في التنمية البشرية المندمجة والمستدامة".
-273يشير الفصل 559من الدستور المغربي لسنة ،8155على أنه "سيتم وضع قانون تنظيمي تحدد من خالله
االختصاصات الذاتية لفائدة الجهات والجماعات الترابية األخرى ،واالختصاصات المشتركة بينها وبين الدولة واالختصاصات
المنقولة إليها".
207
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
فالتأكيد الدستوري على هذين المبدأين ،يقتضي وضع اآلليات الكفيلة لتحقيقهما
على أرض الواقع ،وبالتالي دعم الدور التنموي للجماعات الترابية ،والحد من الفوارق
واإلختالالت المتباينة فيما بينها.274
وما ينبغي اإلشارة إليه ،هو أن مبدأي التضامن والتعاون ،يفرض احترام
االختصاصات المخولة لكل جماعة ترابية ،وعدم وصاية أية واحدة منها على األخرى،
وبالتالي فتنصيص الدستور على هذه الضوابط ،يتضمن ترسيخ فكرة استقاللية جماعة
ترابية عن أخرى.275
الفرع الثاني :آليات تنمية الموارد المالية للجهات في إطار الجهوية المتقدمة
يتميز تدبير الشأن العام الترابي ،بمستجدات غاية في األهمية ،على رأسها
القوانين المنظمة للجماعات الترابية .فعلى غرار التغييرات التي أدخلها المشرع ،على
مختلف النصوص القانونية تعززت هذه الترسانة ،بالقوانين التنظمية للجماعات الترابية.
واعتمادا على مبدأ التشاركية ،فقد انطلقت مشاورات ،حول الترسانة التشريعية
المنظمة لهذا الورش .في هذا اإلطار طرحت الو ازرة الوصية قانون رقم 000.04
-274الفصل 35من الدستور المغربي لسنة 8155ينص على ما يلي ":تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات
الترابية ،على تعبئة كل الوسائل المتاحة ،لتيسير استفادة المواطنين والمواطنات ،على قدم المساواة من الحق في:
-العالج والعناية الصحية؛
-الحماية االجتماعية والتغطية الصحية ،والتضامن التعاضدي أو المنظم من طرف الدولة؛
-الحصول على تعليم عصري ميسر الولوج و ذي جودة؛
-التنشئة على التشبت بالهوبة المغربية ،والتوابث الوطنية الراسخة؛
-السكن الالئق؛
-الشغل والدعم من طرف السلطات المحلية في البحث عن منصب شغل ،أو في التشغيل الذاتي؛
-ولوج الوظائف العمومية حسب االستحقاق؛
-الحصول على الماء والعيش الكريم في بيئة سليمة؛
-التنمية المستدامة".
-أحمد بوسيدي ،األسس الدستورية للجماعات الترابية ،مرجع سابق ،ص.812 . 275
208
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
يتكون هذا القانون من 921مادة ،تشمل طريقة انتخاب اعضاء مجلس الجهة
ورئيسها ،وحاالت التنافي ،والنظام األساسي للمنتخب ،وطريقة التدبير المالي واإلداري،
ومختلف اختصاصات كل من مجلس الجهة ورئيسها ،وعالقتهما بسلطة الوصاية،
وأهم مبادئ الحكامة ،...وبعد قراءة محتوى القانون ،البد من تسجيل مالحظة في غاية
األهمية ،وهي وجود إشكالية دستورية تتمثل في تخصيص قانون تنظيمي للجهة دون
الجماعات الترابية األخرى (العماالت واألقاليم والجماعات الحضرية والقروية) ،لكون
منطوق الفصل 041من الدستور ينص على قانون تنظيمي "واحد" يشمل كل
مستويات الجماعات الترابية بما فيها الجهات ،وليس "قوانين تنظيمية" لكل مستوى من
الجماعات الترابية ،وهو ما يمكن أن نستنتجه ،من مقدمة الفصل السالف الذكر ،الذي
ينص بصريح العبارة :تحدد " ] [...بقانون تنظيمي بصفة خاصة :شروط تدبير
الجهات والجماعات الترابية األخرى" .وقد خص المشرع الموارد المالية للجهة من خالل
القسم الخامس من القانون رقم 000.04تحت عنوان " النظام المالي للجهة ومصدر
مواردها المالية" .276
-ظهير شريف رقم 5.51.23صادر في 81من رمضان 8(5539يوليوز )8151بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 555.55 276
المتعلق بالجهات.
209
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
يهدف هذا الصندوق ،الذي تندرج فيه البرامج المعتمدة من قبل القطاعات
الو ازرية ،إلى اإلسراع بتجاوز مظاهر العجز الكبرى ،في الجوانب المرتبطة مباشرة
بالتنمية البشرية ،والتي تتقاطع مباشرة بشكل واسع مع مجاالت اختصاص الجهات .
تم تبويب قانون المالية ،والبرامج المتعددة السنوات لمختلف الو ازرات بحسب
الجهات ،إلبراز ما يرصد لكل جهة ،من االعتمادات العمومية جملة وتفصيال ،سواءا
في شكل حصص من العائدات الجبائية للجماعات الترابية ،أو في شكل منح أو في
شكل تحمالت تتكفل بها إدارة الدولة في مجالي االستثمار والمرافق العمومية .ويتم
تبويب ميزانيات ،المؤسسات العمومية الوطنية والجهوية ،على نفس الشاكلة ،وتحاط
المجالس الجهوية علما بها.
يستوجب مشروع الجهوية المتقدمة ،ترسيخ مبدأ التضامن بين الجهات ،للحد من
التفاوتات الناجمة عن تركيز الثروات ،وعن النمو غير المتكافئ ،لمجاالتها الترابية،
وعن الفوارق الجغرافية والديمغرافية بينها.
ولهذه الغاية ،يحتفظ بالنظام الحالي لنقل موارد الدولة ،للجماعات الجهوية
والترابية ،مع تعزيز نظام التوزيع العادل بينها.
ألجل ذلك ،يحدث صندوق للتضامن بين الجهات ،تضخ فيه ،01%من الموارد
الجديدة المرصودة من طرف الدولة ،وتوزع مداخيل هذا الصندوق ،بالنظر إلى
حاجيات الجهات المحدودة اإلمكانات.
210
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
حسب المادة 011من القانون التنظيمي للجهة ،فإنه يعهد إلى الوكالة الجهوية
لتنفيذ المشاريع ،مهام اإلشراف على إعداد وتنفيذ المشاريع ،التي يقررها مجلس الجهة،
واستغالل وتدبير المشاريع التي تكلفها بها الجهة.
ويمكن للوكالة ،بعد موافقة مجلس الجهة ،إحداث شركات فرعية في ملك
277
أشخاص معنوية خاضعة للقانون العام تحدد مهامها بمداولة مجلس الجهة.
وقد نص نفس القانون ،من المادة 041إلى المادة ،041عن اللجنة المكلفة
بمراقبة الوكالة ،وعن تنظيمها ودوراتها ،ولم يغفل القانون التنظيمي ،التنصيص عل
ميزانية الوكالة وعن مواردها ونفقاتها في المادة .040
-المادة 53.من القانون التنظيمي للجهة ":تدبر الوكالة لجنة اإلشراف والمراقبة يرأسها رئيس مجلس الجهة ـ وتضم 277
األعضاء التاليين:
ثالثة أعضاء من مكتب مجلس الجهة ،يعينهم الرئيس:
-رئيس لجنة الميزانية والشؤون المالية والبرمجة،
-رئيس لجنة التنمية االقتصادية واالجتماعية والثقافية والبيئية،
-رئيس لجنة إعداد التراب.
عند توقيف مجلس الجهة أو حله ،يستمر أعضاء لجنة اإلشراف والمراقبة في مزاولة مهاههم إلى حين انتحاب من يخلفونهم.
211
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
يمكن للجهة ،إحداث شركات تسمى شركات التنمية الجهوية أو المساهمة ،في
رأسمالها باشتراك ،مع شخص أو عدة أشخاص معنوية خاضعة للقانون العام أو
الخاص.
-ال يجوز إحداث ،أو حل شركة التنمية الجهوية ،أو المساهمة في رأسمالها ،أو
تغيير غرضها ،أو الزيادة في رأسمالها ،أو خفضه أو تفويته ،إال بناءا على مداولة
مجلس الجهة المعنية.
-ال يمكن أن تقل مساهمة الجهات ،في رأسمال شركة التنمية ،عن نسبة 14
بالمائة ،وفي جميع األحوال ،يجب أن يكون رأسمال الشركة في ملك أشخاص معنوية
خاضعة للقانون العام.
212
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
وعموما ،إلنجاح ذلك ،ال بد من آليات للمواكبة ،ويعد التعاقد من أفضل وسائل
تدبير العالقات بين الدولة والجهات ،فهو يمكن من مساءلة الفاعلين ،واستغالل
اإلمكانيات بشكل أمثل وتبسيط المساطر .وهكذا ،وفي إطار مبدأ التعاقد ،ستشكل
الجهات حلقة وصل مع الدولة ،من جهة ،وباقي الجماعات الترابية ،من جهة أخرى.
فجهوية متقدمة ،بالمعنى اإليجابي تكون آلية تدبيرية للترشيد ،وأداة لتسريع العمل
التنموي والتخطيط الجهوي ،الذي يجب أن يكون في إطار التوجهات الكبرى للمجتمع،
ويرتكز على اقتصاد الجهد ،لتالفي اإلغراق في الحلول والوصفات التعميمية وغير
الدقيقة .ومن منطلق أن التنمية عملية إ اردية وذاتية ،فإن تنمية الجهة ،تكون باالستناد
إلى مقوماتها وشروطها الخاصة ،وفي هذا الباب ،تحضر مسألة اإلدارة وتدبير الموارد
المادية والبشرية ،التي هي مسألة ترتبط بمناخ إجتماعي وسياسي واقتصادي ،وهذا ما
أكد عليه الخطاب الملكي في الشق المرتبط بجهوية بخصوصية مغربية .ألن مشروع
الجهوية المرجوة ال يمكن ،بأي حال من األحوال ،أن يخرج عن نطاق المشروع
المجتمعي ،وعن تحقيق سياسة مندمجة للتنمية الشاملة ،مما يستلزم التخلي عن
213
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
المنظور القطاعي ،بمعنى ينبغي التخلي عن سياسة البرامج القطاعية للجهة ،لفائدة
البرامج الجهوية للقطاعات ،وهو ما يتطلب تصو ار جديدا لمركزية القرار االقتصادي
مبنيا على أساس نقل االعتمادات الموازية كما سلف الذكر ،وتخويل الجهة صالحيات
جبائية و تمويلية.
وفي ذلك إحالة ،على أهمية تخويل الجهات اإلمكانيات البشرية والتقنية ،الكفيلة
بجعلها أداة فاعلة ،في الحكامة الجيدة للشان العام ،وكذلك تفعيل الوسائل
والميكانيزمات المالئمة ،لتقويم األعمال ،ومراقبة مدى فعالية برامجها ،في ارتباط
باألهداف المسطرة ،عن طريق تفعيل المجالس الجهوية للحسابات ،ونشر تقاريرها،
دون االستغناء عن سن مساطر للمراقبة الداخلية ،وتدقيق الحسابات .وتبقى النقطة
الرئيسية في هذا المجال ،هي استكمال العملية الديمقراطية ،على مستوى الجماعات
الترابية ،كما هو الشأن بالنسبة إلى المجلس الجماعي ،ومنح رئيس مجلس الجهة صفة
اآلمر بالصرف.
ينضاف إلى ذلك ،إقرار صالحيات للجهات ،تمكنها من مالءمة األهداف المعلنة
والمتوخاة من نظام الجهوية ،وتحديد االختصاصات ،وكذا تفادي التقاطعات بين
االختصاصات على مستويات انتشار إدارة الدولة.
214
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
لذلك فاللجنة االستشارية للجهوية ،ينبغي أن تنتبه ليس فقط إلى الخصوصية
المغربية ،بل إلى خصوصية كل منطقة بالمملكة.279
وتبقى الموارد المالية حجر الزاوية ،في أية عملية تنموية ،فمهما تعددت
اإلختصاصات ،التي تعطى للجهوية الموسعة ،ومهما كانت صالحياتها التقريرية على
مجاالت اختصاصاتها ،فإن عدم توفرها على الوسائل المالية الالزمة ،للنهوض بهذه
االختصاصات ،يفرغ االستقالل المالي ،من كل محتوى ،ويبعدها عن كل دور مستقل
في مجال التنمية.
لذلك فمنح موارد مالية مهمة للجهوية الموسعة ،شيء ضروري لتمكينها من
وسائل العمل ،والقدرة على القيام باالختصاصات الممنوحة لها ،في مجال التخطيط
والتنمية االقتصادية واالجتماعية والثقافية ،فانبثاق مجالس ديمقراطية ،لها من
الصالحيات والموارد ،ما يمكنها من النهوض بالتنمية الجهوية المندمجة ،أمر أساسي
وجوهري.
إن حجم وطبيعة مشاريع اإلنماء االقتصادي ،التي تقررها الجهة في إطار
مخططها التنموي يتوقف الى حد كبير على مدى قدرتها على ابتكار وسائل عقالنية
عادلة وديمقراطية ،للزيادة في الموارد المالية وتحسين مردوديتها ،دون المساس بالقدرة
الشرائية لعموم المواطنين ،وكذلك الزيادة في حجم الموارد المالية المحولة لها من طرف
الدول.
-عبد العزيز أشرقي ،الجهوية الموسعة نمط جديد للحكامة الترابية والتنمية المندمجة :الطبعة األولى ،مطبعة النجاح 279
215
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
ظهر توجه قوي لتبني خيار الجهوية الموسعة ،بعد الحرب العالمية الثانية من
طرف كثير من الدول ،غير أن تبني هذا الطرح أو ذاك ،يختلف من بلد آلخر،
انطالقا من خصوصيته ومعطياته ،السياسية ،واالقتصادية ،واالجتماعية ،والتاريخية،
والثقافية والديمقراطية ،فمنها من تبنت جهوية إدارية شكلية ،وأخرى سياسية موسعة
ومتقدمة ،وثالثة جهوية فدرالية أو قريبة من الفدرالية .وهكذا ،تعددت التطبيقات
السياسية والدستورية للجهوية ،خصوصا في القارة األوروبية ،والتي تتسابق دولها إلى
األخذ بنظام الجهوية الموسعة ،مع اختالف في مستويات ودرجات تطبيقها ،حسب
نظامها السياسي وظروفها االقتصادية واالجتماعية والسكانية وغيرها.
216
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
280
الفرع األول :تمويل الجهة في فرنسا
تأخرت فرنسا في تطبيق نظام الجهوية عن جيرانها من الدول األروبية ،فإذا كان
التنظيم اإلداري الذي انبثق عن الثورة الفرنسية منذ سنة ،0019لم يشر ولم يتبن
صراحة لنظام الجهوية ،بحيث كان منشغال بتثبيت األمن والنظام ،ثم بعد ذلك بالقضايا
االقتصادية واالجتماعية للمجتمع الفرنسي.
لهذا لم يتم تبني نظام الجهوية ،إال أواخر النصف األول من القرن العشرين،
بمقتضى مرسوم 04يونيو ،0911الذي حدد هدفا للجهوية ،يتمثل في تنمية األنشطة
الصناعية والتجارية واالقتصادية بصفة عامة ،وبتاريخ 09أبريل ،0940صدر قانون
أحدث بمقتضاه منصب والي الجهة ،وقد منحت له سلطات واختصاصات واسعة ،في
المجالين االقتصادي واإلداري ،باإلضافة إلى منحه سلطة اإلشراف على رؤساء
مختلف المصالح الو ازرية بالجهة ،إال أن هذا القانون ،ما لبت أن أدخل عليه تعديلين،
سنتي 0944و ،0941وعوض منصب والي الجهة ،بمفوض الجمهورية.
وفي سنة 0940ستبرز إلى الوجود خطة اقتصادية ،تطلبت وجود هيئة تقوم
بدور التنسيق ،بين مختلف الوحدات المحلية والسلطات المركزية ،التي تعتبر مسؤولة
عن هيئة التخطيط .وبقي الحال على ما عليه ،إلى أن صدر قانون بتاريخ 2يونيو
،0909الذي أصبح ساري المفعول ابتداءا من فاتح أكتوبر ،0901حيث شكل
اإلطار القانوني للجهة ،وبمقتضاه أصبحت الجهة مؤسسة قانونية تتمتع بالشخصية
المعنوية ،واإلستقالل المالي ،تتكلف بالتنمية االقتصادية واالجتماعية.281
280
- A.DELCAMP et J.M TULARD, France ; une décentralisation à la recherche d’un second
souffle ; in la décentralisation dans les états de l’Union Européenne ; la documentation
française, Paris 2002, p. 172-176.
نقال عن محمد حيمود ،تمويل الجهوية المتقدمة بالمغرب المرتكزات المالية والتدبيرية ،ص.538.
-خالد الغازي ،التنظيم الجهوي بفرنسا ،المجلة المغربية لألنظمة القانونية والسياسية ،مطبعة الرسالة ،الرباط ،عدد 281
217
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
هذا فيما يخص الجانب اإلداري لنشأة الجهة بفرنسا ،أما مصادر التمويل ،فتتمثل
في كل من الضرائب ونظام التحويالت ،باإلضافة إلى عملية االقتراض.283
فعلى المستوى الضريبي ،يشكل كل من رسم السكن ،والرسم المهني ،والرسم على
العقارات المبنية ،وكذا الرسم على العقارات غير المبينية ،المورد المالي األساسي
لمجموع الجماعات الترابية ،حيث يشكل حوالي %21على مستوى الجماعات،
و %11على مستوى الجهة واإلقليم.
لكن التمويل الضريبي ،في فرنسا عرف بعض التراجع ،حيث كانت تحتل المرتبة
األولى على الصعيد األوربي ،من حيث أهمية الضرائب ضمن الموارد المالية المحلية
بنسبة ،%02لتتراجع هذه المكانة بشكل تدريجي لتشكل سنة ،1111فقط % 21
بالنسبة للجهات على سبيل المثال.
ولم يقف الوضع عند هذا الحد ،بل هناك قرار بإلغاء الرسم المهني ،والذي تم
اعتماده من خالل قانون مالية ،1121وهذا ما أثار نقاشا حادا بالنظر ألهمية هذا
المورد المالي ،الذي يمثل نصف المداخيل العامة للجماعات الترابية ،وستكون الجهة
أكبر متضرر من هذا اإللغاء ،رغم تعويض ذلك ببعض الرسوم وباألخص تحويالت
الدولة ،السيما المساهمة المقررة على القيمة المضافة للمقاوالت.
282
-M. Braniard, la décentralisation dans un pays centralisé, Lyon, col. L’essentiel, 1984, p.77.
-283محمد حيمود ،تمويل الجهوية المتقدمة بالمغرب المرتكزات المالية والتدبيرية ،أشغال األيام المغاربية التاسعة للقانون،
المنظمة من طرف شبكة الحقوقيون (أيام 88-89أبريل ،)8153ص.532 .
218
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
يظهر جليا ،أن فرنسا اتجهت خالل السنوات األخيرة ،لحذف جانب من
الضرائب الترابية ،عوض االنخراط في إصالحها ،وتعويض الضرائب المحذوفة،
بمخصصات من الميزانية ،مما أدى إلى انتقال حصة تعويضات الضرائب المحذوفة
ضمن مساهمات الدولة لفائدة الجماعات الترابية ،بشكل جعل من الدولة المساهم
الترابي الفعلي األول .وهذا يعد مصدر آخر لتمويل الجهة بفرنسا.
فالتجربة الفرنسية تمتاز بالعمل على إصالح نظام تحويالت الدولة ،عبر تعويض
شبه كلي لإلعانات الخصوصية ،بمخصصات عامة ،تحظى بحرية على مستوى
االستعمال .وهو ما من شأنه ،تعزيز التدبير المستقل للوحدات الترابية الالمركزية،
ومنها الجهة ،خاصة في ظل دسترة مبدأ المالءمة بين الموارد المالية للجماعات
الترابية ،والتحمالت المحولة إليها من قبل الدولة.
واالقتراض مصدر آخر للتمويل الجهوي بفرنسا ،حيث لم تعد هناك وصاية بهذا
الشأن ،بعد خوصصة المؤسسة ،التي كانت متخصصة في منح القروض للجماعات
الترابية ،وبالتالي حرية اللجوء للخدمات البنكية .وهكذا أصبح اإلقتراض ،يساهم في
تمويل %11من استثمارات فرنسا.
إن نجاح التجربة الجهوية الفرنسية ،في تحقيق األهداف التي أحدثت من أجلها،
ولو بشكل جزئي ،وقدرتها على المحافظة على وحدة الدولة ،في ظل نظام إداري ال
مركزي فريد ،يعود باألساس إلى كونها نتيجة حتمية ،لتطور طبيعي لنظامها السياسي
واإلداري ،وقدرتها على احترام الخصوصيات الترابية ،ومرونتها في التعامل مع
219
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
التحوالت التي تعرفها أدوار الدولة ،أو تلك التي قد تعترض الجهات وباقي الجماعت
الترابية ،في تدبير شؤونها الترابية.284
تحكم البعد السياسي في بلورة نظام الجهوية الموسعة بإسبانيا ،285تحت اسم
المجموعات المستقلة ،بحيث وجدت إسبانيا نفسها ،بعد اعتماد الجهوية الموسعة،
بموجب دستور 2212أمام خيارين ،تمثل الخيار األول في الدعوة إلى تبني نظام
الفيدرالية ،بحيث تتمتع كل منطقة باستقاللها التام ،أما الخيار الثاني فيدعو إلى إحداث
ثالث أو أربع مناطق ،تتمتع بحكم ذاتي ،غير أن الخيارين تم رفضهما ،خصوصا من
طرف أحزاب اليمين ،خوفا من تفتيت الدولة اإلسبانية ،كما أن المنظمات المطالبة
باإلستقالل ،لم ترضى بالخيارين معا ،لذلك بادرت السلطات السياسية ،إلى خلق
مجموعات مستقلة في إطار الدولة الموحدة ،تتمتع كل مجموعة بسلطات تشريعية
وتنفيذية وقضائية ،وان كان بشكل متفاوت بين تلك المناطق .وهكذا تتمتع منطقة
الباسك وكاطالونيا وجزر البليار ،بصالحيات جد واسعة خالفا لباقي المناطق األخرى.
وقد قاد خيار المجموعات المستقلة ،المتمتعة باالستقالل الذاتي ،الملك خوان كارلوس
بمجرد اعتالئه العرش ،إلى التنصيص الدستوري عليه سنة ،2212من أجل تدارك
التفاوت الحاصل في التنمية ،بين المناطق الشمالية والجنوبية ،من جهة ،وتطويق
النزاعات العرقية والثقافية واإلثنية ،الداعية إلى اإلنفصال من جهة ثانية.
هذه اإلصالحات جعلت إسبانيا ،أكثر الدول أخذا بنظام الالمركزية المتقدمة في
أوروبا ،وتطبيق الجهوية الموسعة الموسعة ،حيث تم إحداث 00مجموعة مستقلة،
تتوفر كل منها على مجلس محلي منتخب انتخابا مباش ار ،يتولى تدبير شؤون
-هشام مليح ،تجربة الجهوية الموسعة في فرنسا ،الجهوية الموسعة بالمغرب (أي نموذج مغربي في ضوء التجارب 284
220
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
أما على مستوى الموارد المالية والجباية المحلية ،286فقد منح الدستور اإلسباني
(الفصول ،)021-020-029للمجموعات المستقلة ،استقالال كبيرا ،وحدد مواردها
الضريبية ونظام اإلمدادات المركزية ،بشكل دقيق ،وبالتالي نص الفصل 020على
الموارد المالية اآلتية:
الض ارئب الذاتية :وتتوفر فيها المجموعة المستقلة ،على حرية كبيرة في خلقها،
شريطة أن يكون منصوص عليها ،في النظام األساسي للمجموعة المستقلة ،وأن تحترم
المبادئ األساسية ،الهامة المنصوص عليها في قانون التنظيمي لسنة ،0911الذي
يحدد القواعد القانونية للنظام المالي للجماعات.
الضرائب اإلضافية :على خالف الضرائب الذاتية ،ال تتوفر المجموعات المستقلة
على حرية فرضها ،وانما يخضع ذلك ،لبعض القواعد والمبادئ الواجب احترامها ،وقد
تفرض على الضرائب المركزية والمحلية.
الضرائب المحولة :تقوم الدولة بتحويل بعض الضرائب والرسوم المركزية ،لفائدة
المجموعات المستقلة ،بهدف تسييرها وتحصيلها ،ويكون هذا التحويل ،بشكل تلقائي
-المصطفى بلقزبور ،تجربة الجهوبة الموسعة بإسبانبا( المجموعات المستقلة) ،سلسلة الالمركزية واإلدارة المحلية ،م.س، 286
ص 512.وبعدها.
221
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
بالنسبة للمجموعات ذات النظام الخاص ( نافار ،واقليم الباسك) ،في حين يتطلب
تحويلها ،بالنسبة للمجموعات األخرى ،ذات النظام العادي ،نصا صريحا بذلك.
أما بخصوص ،الموارد المالية االستثنائية ،تلعب دو ار بار از وأساسيا ،في تمويل
المجموعات المستقلة ،خاصة فيما يرتبط بنفقات االستثمار ،وتهدف هذه اإلمدادات
المركزية ،إلى الحفاظ على التضامن الوطني ،والى تصحيح اإلختالالت والفوارق
الجهوية ،وفي هذا اإلطار ،نجد صندوق التعويض بين اإلدارات الترابية.
-إمدادات أخرى :وتشمل إعانات الدولة ومداخيل أخرى مختلفة ،لتغطية بعض
النفقات الجهوية ،قصد تقديم الخدمات العمومية ،كما وكيفا في كافة المجموعات
المستقلة.
كانت الدولة األلمانية سباقة إلى إقرار نظام الجهوية ،بمقتضى دستور فايمار
لسنة ،0941وتلتها دول أروبية أخرى .فالنموذج األلماني للجهوية ،يسمى" الالندر"،
وقد أصبح يضرب به المثل في مجال الجهوية في كثير من الدول ،وتضم اليوم ألمانيا
اإلتحادية 01مقاطعة جهوية ،بعدما انضمت خمس مقاطعات إلى الدول اإلتحادية،
إثر انهيار جدار برلين ،0919والتي كانت تشكل ما كان يعرف سابقا بألمانيا الشرقية
222
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
الشيوعية ،وتفاديا للنزعة اإلنفصالية ،وتنازع االختصاصات ،أقر الدستور األلماني في
المادة 01منه ،على أن تعطى األولوية في التطبيق للقانون الفدرالي على قانون"
الالندر".
وفيما يخص جانب التمويل ،فتعرف ألمانيا إطا ار عاما لتوزيع المالية العمومية
بين مختلف المستويات الترابية ،الفيدرالية ،والجهة أي الالندر والجماعات الترابية.
فما يميز النظام الفيدرالي األلماني ،هو توفر كل من االتحاد كمستوى مركزي،
والالندر كمستوى المركزي ،على درجة معينة من اإلستقاللي المالي ،ارتباطا بتوزيع
287
التكاليف واإليرادت ،وسلطة التشريع الضريبي.
-جزء يسمى بنظام القسمة ،بأن تتوفر كل جماعة محلية مباشرة على مداخيل
جراء ضرائب محددة من قبل الدستور ( ضريبة عقارية ورسم مهني والرسم على
المهرجانات والمشروبات والضريبة على السكن الثانوي.)...
-عراش عبد الجبار ،النظام الفيدرالي األلماني ،بين الوحدة والتعددية ،أشغال الندوة الدولية األولى المنعقدة تحت الرعاية 287
الملكية السامية بسطات ،حول موضوع :أي حكم ذاتي ألقاليمنا الجنوبية؟ للفترة الممتدة ما بين 35ماي و 15يونيو ،8119
ص.531 .
223
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
-جزء آخر يسمى بنظام المداخيل المشتركة ،ذلك أن الضرائب الثالث ،األكثر
أهمية (الضريبة على الدخل ،الضريبة على الشركات ،الضريبة على رقم المعامالت)،
توزع على مختلف المستويات الترابية.
-أما بالنسبة لنظام التوزيع المالي الثانوي والتعويضي ،فيهدف إلى الحد من
اختالالت التوزيع المترتب عن النظام األولي ،وينجز هذا النظام التوزيعي الثانوي
بطريقة أفقية وعمودية.
أوال :التوزيع األفقي الذي يتم بين الجهات ،حيث تساعد تلك التي تتوفر على
موارد مالية مرتفعة الجهات الفقيرة.
ثانيا :التوزيع العمودي الذي يتم بين الفيدرالية والجهات من جهة ،وبين الجهات
والجماعات من جهة أخرى.
إن ما يجعل النظام الفيدرالي األلماني متميزا ،هو توفيره لكل من اإلتحاد
والالندر ،على درجة معينة من اإلستقالل السياسي واإلداري والمالي ،هذا األخير الذي
يعتبر ركيزة أساسية في إنجاح أي تجربة جهوية في العالم ،سواء طبقت في دول مركبة
أو بسيطة.
إن محاولة معالجة التجاربة المقارنة المتقدمة ،فيما يخص تجربة الالمركزية
بصفة عامة ،والجهوية الموسعة بشكل خاص ،هو الوقوف على الجوانب اإليجابية،
التي تبرز مدى استقاللية هاته الوحدات الترابية ،في إدارة شؤونها ،وهو ما يعني أنها
نماذج يمكن اإلستئناس واإلسترشاد ببعض جوانبها ،في مسلسل بحث المغرب عن
تعميق وتوسيع جهوية تستجيب لمتطلبات التنمية الترابية.
224
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
يتضح من خالل التطرق للنماذج المقارنة ،أن تمويل الجهوية ،يبسط مجموعة
من الخالصات األولية ،التي يمكن استحضارها أثناء إعداد تصور للجوانب المالية
للجهوية المتقدمة ،وتتمثل فيما يلي:288
-إن هناك تباين في نظام تمويل الجهة ،ليس فقط بين الدولة الفيدرالية ،بل
حتى داخل الدول الموحدة.
-إشتراك غالبية الدول ،في مسألة تعويض اإلعانات الخصوصية ،التي تتوفر
على شروط لإلستعمال بمخصصات عامة ،تمتلك الجهات حرية في استعمالها ،حماية
لمبدأ االستقاللية ليس فقط على مستوى التسيير ،بل على مستوى اتخاذ القرار.
فمن خالل استعراض نماذج الجهوية الموسعة في بعض الدول األروبية ،يمكن
استخالص المالحظات واالستنتاجات اآلتية:
-ال يمكن الجزم بنجاعة هاته التجربة أو تلك ،ألن هاته التجارب لم يتح لها
الوقت الكافي ،للتدليل على أنها نظام صالح للتطبيق على أي مجتمع ،مهما اختلفت
ثقافته ولغته وعاداته وتقاليده وأعرافه ومعتقداته وتاريخه ،األمر الذي يستدعي انتظار
- 288محمد حيمود ،تمويل الجهوية المتقدمة بالمغرب المرتكزات المالية والتدبيرية ،أشغال األيام المغاربية التاسعة للقانون،
المنظمة من طرف شبكة الحقوقيون (أيام 88-89أبريل ،)8153ص .515
225
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
وقت كافي للقول إنها تجارب حققت نجاحا كبي ار ،في مجال التنمية المندمجة ،أو
أخمدت بصفة نهائية النزاعات اإلنفصالية ،والمطالب اإلستقاللية.
-تظهر التجارب المشار إليها ،أنه ال يوجد نموذج مثالي لتمويل الجهوية،
صالح لكل زمان ومكان ولكل مجتمع ،بل يتوقف األمر على خصوصية وظروف كل
بلد وتركيبته االجتماعية ،وتطوره السياسي واالقتصادي واالجتماعي ،فمسألة تمويل
الجهوية في الوقت الراهن ،تبقى غير واضحة الداللة ،ومحط تساؤل وتأويل ،بين
مختلف الفاعلين السياسيين والحقوقيين والباحثين ،مما يؤدي إلى تسجيل تفاوت في
تطبيق الجهوية بين الدول اآلخذة بها ،بل وحتى داخل الدولة نفسها ،لذلك فإن التفاوت
في التعامل مع مسألة الجهوية ،حاضر بقوة نظ ار لعدة اعتبارات سبق التطرق لها.
-أهمية تفعيل دسترة مقومات الالمركزية ،أي اإلستقاللية واإلكتفاء الذاتي ،من
الناحية المالية ،ذلك أن دساتير العديد من الدول ،نصت على شروط توفير ذلك ،بل
قامت بدسترة حتى مبدأ التوازي بين الموارد المالية للجماعات الترابية ومنها الجهة،
وكذا التحمالت المحولة لفائدتها.
- 289محمد بكشوا ،الميزانية ورهانات الجهوية الموسعة ،المنبر القانوني ،العدد ،1أكتوبر ،8153ص .858 .
226
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
إن التطرق للتجارب المقارنة ،في عالقتها بتمويل الجهوية ببالدنا ،واإلطالع على
آلياتها المالية والتدبيرية ،يساعد على القول ،إنه من الضروري معالجة ضعف القدرات
التدبيرية لتمويل الجهوية المتقدمة ببالدنا.
فمن بين مظاهر اإلكراهات التدبيرية نجد ،ضعف استخدام اآلليات التي توفرها
النصوص القانونية والتقنيات المالية ،التي تشكل استثناء على المستوى المالي المقارن،
كالحسابات الخصوصية ،والترخيصات في البرامج ،والتي بقيت بعيدة عن الممارسة
المالية المحلية ،فهاته التقنيات لم تعرف التطبيق ،نتيجة جهل الجماعات بها
بإجراءاتها ،وقواعد تنظيمها.290
كذلك ضعف التعامل مع شركات االقتصاد المختلط ( شركات التنمية المحلية في
ظل اإلصالح األخير) ،291إذ باإلضافة لمستوى تكوين المدبرين الترابيين ،الذي يقف
عائقا أما استغالل مثل هذه اآلليات التدبيرية ،نجد عدم وضوح النصوص القانونية،
الشيء الذي يزيد من ضعف التعامل معها .لذا فإنه من الضروري تدعيم اإلطار
القانوني ،بإصدار قانون خاص ينظم شركات االقتصاد المختلط ،قصد توضيح نسبة
مساهمة الجماعات في رأسمالها ،ونظام المنتخبين الممثلين للجماعات الترابية بالمجلس
اإلداري لهذه الشركات.
أما فيما يخص آلية التعاون بين الجماعات الترابية ،فقد بينت الحصيلة محدودية
اللجوء لهذه اآللية القانونية ،أي نظام المجموعات ،رغم أهميته في تعبئة الطاقات
البشرية والمالية ،حول مشاريع ذات فائدة مشتركة بين الوحدات الترابية الالمركزية.
وذلك نظ ار لضعف اإلطار القانوني المنظم لمجموعات الجماعات ،وذلك بفعل عدم
دقة المقتضيات المنظمة ،وخاصة تلك المتعلقة بمبادرة إحداث هذه المجموعات،
-عبد المجيد أسعد ،مالية الجماعات المحلية بالمغرب ،مطبعة النجاح الجديدة ،الدارالبيضاء ،5..5 ،ص.52 . 290
227
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
وتغيير موضوعها وحلها ،وكذلك ممتلكاتها ومواردها المالية والبشرية .باإلضافة إلى أن
ضرورة التعاون بين الجماعات ،ال تبدو من األولويات.
إلى جانب العوامل السابقة ،تعمل اإلكراهات ذات الطابع السياسي ،على تكريس
حدة القيود التي تحول دون التفعيل األمثل للدور التدبيري للجماعات الترابية عموما،
والجهة بشكل خاص ،ويظهر ذلك من خالل عدم إيالء األحزاب السياسية ،األهمية
الالزمة لنوعية النخبة التي تمنحها التزكية ،للتنافس على تدبير الشأن العام الترابي.
كم ا أن ضعف استعمال التقنيات المالية ،المساعدة على برمجة تمويل المشاريع،
والتردد في البحث عن آليات تمويل موازية من قبيل شركات االتنمية المحلية
ومجموعات الجماعات ،ينعكس بشكل سلبي على المجهود التمويلي للجماعات الترابية
عموما ،وللجهات بشكل خاص ،فتكون النتيجة محدودية القدرات التدبيرية ،ومن ثم
محدودية طرق ومصادر التمويل المعتمدة.
-292محمد حيمود ،الحكامة المالية المحلية بالمغرب على ضوء اإلصالحات القانونية والمالية ،مرجع سابق الذكر ،ص.
.551
228
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
تؤكد أغلب الدوريات السنوية ،إلعداد ميزانية الجماعات الترابية ،على عدة قواعد
ألجل التدبير العقالني لماليتها ،واعتماد تقنيات حديثة كالتخطيط والبرمجة ،وحصر
نمو النفقات في حدود مماثلة لنمو المداخيل ،زيادة على ضرورة إخضاع النفقات
لمبادئ الحكامة في مجال التدبير المالي التي ترتكز على العقالنية ،والفعالية ،والدقة،
والمسؤولية.293
إن عقلنة تدبير مالية الجماعات الترابية ،وتفعيل آليات الرقابة ،ستنعكس على
مالية الدولة من جهة نظ ار الرتباط الماليتين ،294باإلضافة إلى التأثير المباشر ،على
نفقات التجهيز الترابي ،ورفع مستويات اإلستثمار ،زيادة على توفير البنيات التحتية
واألساسية للجماعات الترابية ،وهذا يخدم مقاربة الجماعة المقاولة ،التي تنطلق من من
الجماعة المستثمرة ،ألن االستثمار ،يدر أمواال ومبالغ إضافية على مداخيل
الجماعات ،مما ينعكس بالضرورة على النفقات الترابية بعد دورة الميزانية.
إن ترشيد نفقات ومداخيل الجماعات الترابية ،يقتضي وجود نصوص قانونية،
مالئمة لمشروع الجهوية الموسعة ،لتجاوز مختلف اإلختالالت على المستوى التدبيري،
وكذلك تفعيل آليات الرقابة الحديثة.
-دورية و ازرة الداخلية حول إعداد ميزانيات الجماعات المحلية برسم السنة المالية ،8119ص.5 . 293
-محمد حنين ،تدبير المالية العمومية :الرهانات واإلكراهات ،دار القلم للطباعة والنشر والتوزيع ،الطبعة األولى،8111 ، 294
ص.518 .
229
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
تعتبر مختلف النصوص المنظمة لمالية الجماعات الترابية ،القاعدة والركيزة التي
يستند عليها التدبير ،إال أن هذه النصوص والقواعد تتصف بالتشتت وعدم االنسجام،
نظ ار لتعدد النصوص القانونية من جهة ومن كثرة النصوص التنظيمية من جهة ثانية.
هذا الوضع يشكل مصدر شتات للممارسين في مجال التدبير المالي الترابي،
. 295
وصعوبة الفهم بالنسبة لألكاديميين
إن مختلف اإلصالحات ،التي مست الجانب المالي للجماعات الترابية ،عرفت
عدة نواقص واختالالت على رأسها ،عدم شمولها ،سواء من زاوية المحاسبة الترابية أو
من جهة الصفقات المحلية والرقابة المالية ،وثقل الوصاية وتعدد النصوص التنظيمية.
اختالالت تؤدي إلى تشتت النصوص القانونية ،مما يعيق التكامل واإلنسجام على
مستوى النصوص القانونية ،لذلك فإصدار مدونة الالمركزية والتعجيل بها ،يعد ضرورة
إلضفاء نوع من التناغم واإلنسجام في النصوص .إضافة إلى أنها تعد آلية للحد من
كثرة النصوص التنظيمية في مجال التدبير المالي للجماعات الترابية.
وبالرجوع إلى المدونة العامة للجماعات الترابية بفرنسا ،نجد أنها تنطوي على
مختلف األنشطة ،وتفصل مختلف مجاالت تدخل الجماعات الترابية ،باإلضافة إلى
أنها تحتوي على مختلف اآلليات لتحقيق تلك األنشطة ،منها اآلليات المالية ،فقد
كرست اإلستقالل المالي ،باإلضافة إلى المقتضيات والتدابير المالية والحسابية،
-295مكاوي نصير ،تدبير مالية الجماعات المحلية :مرجع سابق ،ص.538 .
230
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
يعد نظام "الميزانية التشاركية" ،في التجربة الب ارزيلية المعمول به في مدينة
"بورطو اليغري" ،297نموذجا فريدا من نوعه في العالم ،حيث يقوم على مبدأ المشاركة،
لكل المواطنين في صنع السياسة العامة ،التي يتحدد بموجبها النفقات العامة للمدينة.
ويقوم هذا النظام ،على أساس التمييز اإليجابي للمناطق ،األكثر فق ار وتهميشا من
سكان المدينة ،وذلك من خالل العمل على إعادة توزيع ،الموارد والخدمات العامة
لصالحهم.
فنظام الميزانية التشاركية ،298يستند في عمله على تقسيم المدينة ،إلى ستة عشرة
منطقة مختلفة ،يراعى فيها المعايير الجغرافية واإلجتماعية ،لألحياء الموجودة بهذه
المناطق ،ويتم سير عمل هذا النظام ،في عقد اجتماعات تحضيرية ،في كل المناطق
الستة عشر المحددة ،وذلك من خالل الشهور األولى من العام .وتهدف هذه
اإلجتماعات إلى تمكين المواطنين ،من التعبير عن آرائهم واهتماماتهم المتعلقة
296
- Art L 1611.1 à L1611-7 du CGDT.
,
نقال عن مكاوي نصير ،تدبير مالية الجماعات المحلية ،مرجع سابق ،ص532 .
-297محمد أمين الحمدوني ،تدبير المدن الكبرى في ضوء الميثاق الجماعي ،ص.515 .
-298هي تجربة تبنتها هيأة األمم المتحدة كنموذج رائد في إشراك السكان في تدبير شؤون مدنهم .فقد تميزت هذه التجربة
بخلق "مجالس األحياء" وهي عبارة عن مجلس شعبي موازي للمجلس المنتخب ،تنحصر مهمته في مراقبة وتتبع تنفيذ المشاريع
االجتماعية ،واالقتصادية وعملية صرف المال الجماعي ،أنظر محمد أمين الحمدوني ،م.س ،ص.515 .
231
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
بمنطقتهم ،بحيث يتمكن كل سكان المنطقة ،من التعبير عن المشاكل الموجودة بها،
من حيث نقص الخدمات العامة ،وعمل قائمة باألولويات ،للحلول التي يجب توفيرها
لحل المشاكل ،األكثر أهمية من وجهة نظرهم .وتتم هذه اإلجتماعات التحضيرية،
دون تدخل من البلديات أو السلطات المحلية للمدينة.
وفي أعقاب تلك اإلجتماعات التحضيرية ،والتي تنتهي بحلول شهر أبريل ،من
كل عام ،تبدأ المرحلة الثانية من نظام الميزانية التشاركية ،وهي الخطوة التي تتمثل في
الجولة األولى من اجتماع المجالس اإلقليمية ،ومثلها في ذلك مثل اإلجتماعات
التحضيرية ،حيث تكون بدورها مفتوحة أمام المواطنين جميعا ،غير أن حق التصويت،
في هذه اإلجتماعات تبقى فقط للمواطنين المسجلين في كل منطقة من المناطق الستة
عشرة .وعلى العكس من الخطوة األولى ،تتم هذه اإلجتماعات ،بحضور ممثلين من
البلدية أو الحكومة المحلية .وتهدف هذه المجالس اإلقليمية ،إلى مراجعة ميزانية السنة
الماضية من ج انب ،ومن جانب آخر إلى التخطيط ،لكيفية تنفيذ العمل ،وفقا للميزانية
التي تمت صياغتها ،واقرارها من خالل نظام "الميزانية التشاركية".
أما المرحلة الثالثة ،التي تستمر في الفترة ما بين أبريل ويونيو من كل سنة،
فتكون مرحلة شديدة األهمية بالنسبة لسكان المدينة .فخالل هذه الفترة ،يعود سكان كل
من المناطق الستة عشرة لإلجتماع مرة أخرى ،من أجل صياغة قائمة نهائية ألولويات
كل منطقة ،ومن ثم التصويت عليها من جانب سكان هذه المنطقة .وترجع أهمية هذه
الخطوة إلى أن ما يتخذه اجتماع المناطق من ق اررات ،سيتم استخدامه الحقا ،من جانب
سكان كل المناطق ،لوضع الترتيب النهائي لقائمة المشروعات ،أو األعمال التي سيتم
تمويلها من الميزانية العامة للعام القادم.
ويلي هذه المرحلة خطوة رابعة ،في الفترة بين يونيو ويوليوز من كل عام ،والتي
تجري فيها الجولة الثانية ،من" المجالس اإلقليمية" ،وتهدف هذه الجولة ،في واقع األمر
إلى انتخاب ممثلين أساسيين ،وممثلين آخرين بديلين ،عن كل منطقة من المناطق
232
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
الست عشرة للمدينة ،وذلك من أجل المجلس المحلي للميزانية ،كما يتم أيضا انتخاب
ممثلين من كل منطقة من أجل "منتدى األحياء للميزانية" .وخالل األشهر التالية ،تبدأ
الخطوة الخامسة من نظام "الميزانية التشاركية" ،وهي اجتماع المجلس المحلي للميزانية".
ويقوم المجلس بإعطاء قيم محددة لما يطلق عليه "المعايير العامة" ،وهذه المعايير هي
التي سيتم استخدامها الحقا في تحديد كيفية تخصيص الموارد العامة .أو بعبارة أخرى،
تقع على عاتق هذا المجلس مسؤولية تحليل واقرار الميزانية العامة ،قبل أن يرسلها عمدة
المدينة إلى السلطة التشريعية ،من خالل توزيع الموارد العامة على المناطق المختلفة،
باإلضافة إلى تصميم واقرار خطة االستثمار ،بناء على األولويات التي تمت صياغتها
خالل الخطوات السابقة ،كما يراقب أيضا تنفيذ هذه الخطة.
وبعد ذلك ،تنعقد اجتماعات" منتدى األحياء للميزانية" ،وخاللها يتم مناقشة قوائم
األولويات ،الموضوعة من األحياء والمناطق المختلفة ،وترتيبها في قائمة نهائية رسمية،
يتم اعتمادها رسميا أثناء إعداد الموازنة العامة للمدينة ،ويطلق عليها" معايير اإلحتياج".
كما يتم أيضا وضع مكون آخر من مكونات الموازنة العامة ،وهو" المعايير التقنية"،
وتتمثل هذه األخيرة في مجملها من بيانات كمية ،مثل تعداد السكان في كل المناطق.299
وتجدر اإلشارة إلى أن مشاركة المواطنين ،ال تنتهي بانتهاء تخصيص الموارد،
فخالل الستة أشهر المتبقية من العام ،قبل بدء الدورة من جديد ،يواصل المنتدى
والمجلس المحلي للميزانية اجتماعاتهما ،كما يعمالن أيضا مع المجالس اإلقليمية ،من
أجل إعالمها بسير عملية صياغة الموازنة ،وللدعم تتم مشاركة المواطنين وحشدهم ،من
أجل اإلستمرار فيها في العام القادم؛ وفي اإلطار ذاته يواصل سكان كل منطقة
اجتماعاتهم ،من أجل تحسين مشاركتهم في النظام للعام القادم.
-منير الحجاجي ،التنمية المحلية التشاركية -مقاربة لدور المشاركة في إحداث التنمية ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا 299
في القانون العام ،وحدة :تدبير اإلدارة المحلية ،كلية العلوم القانونية واإلقتصادية واإلجتماعية-سطات ،السنة الجامعية:
،8118-8119ص .82.
233
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
ومن بين المؤشرات التي تعكس النجاح الكبير الذي حققه هذا النظام ما يلي:
-قدرة المواطنين على محاسبة ممثليهم ،من خالل الميزانية التشاركية ،ضمانا
لصحة التقديرات التي تقوم عليها مختلف الخطط والبرامج؛
234
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
إن اعتماد المقاربة التشاركية ،في تدبير الشأن العام على المستوى الترابي،300
سيسهم في دعم المواطنة وتأكيد الديمقراطية الترابية ،من خالل إعادة تثقيف المجتمع،
بكل مكوناته وفئاته ،نحو التفكير الجماعي والرؤية المشتركة ،في تحديد احتياجاتهم
وأهدافهم والتزاماتهم ،على اعتبار أن نجاح تجربة الالمركزية تتوقف على إش ارك جميع
الفرقاء المحليين في الجهود اإلنمائية ،والعمل على تشجيع الحوار الهادف والتفاعل
والتكامل بين مختلف هذه األطراف ،في ظل وجود موارد مالية كافية ،وأطر بشرية كفأة
ومؤهلة ،وهو ما من شأنه تحقيق تنمية مستدامة بمختلف مستوياتها المحلية والوطنية
الشاملة.
301
الفرع الثالث :إنشاء مراكز محلية للتنمية
إذا كانت بعض النظم المقارنة ،قد اقتصرت على التأكيد على البعد الترابي أو
الجهوي للتنمية ،كأساس وظيفي لالمركزية ،فإن نظما أخرى ،أولت عناية خاصة لهذا
األساس.
-بالمغرب ،هناك مؤسسات الحي التي تمكن المواطنين من المشاركة الحقيقية في الق اررات ،التي تهمهم على المستوى 300
الترابي ،حيث تعكس صورة الديمقراطية التشاركية ،من خالل نقل رأي وآراء وأماني السكان إلى كل السلطات اإلدارية المعنية
أو المنتخبة .وهذه اآللية تقتضي من المنتخبين الترابيين ،األخذ بعين اإلعتبار أولويات واحتياجات الساكنة ،والعمل على
تنفيذها في شكل مشاريع تنموية.
عبد اللطيف بروحو ،مالية الجماعات المحلية بين واقع الرقابة ومتطلبات التنمية ،منشورات المجلة المغربية لإلدارة المحلية 301
235
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
إذا كان لكل نظام ،أسس ومبادئ يقوم عليها ،ولكل نسق غايات وأهداف كبرى
استراتيجية يتأسس عليها ،واذا كانت كبرى مبادئ الالمركزية الترابية ،تقوم على
اإلستقالل اإلداري والمالي ،وحرية المبادرة التنموية للهيئات المنتخبة ،فإن الغاية الكبرى
للرقابة المالية ،ترتبط بشكل وثيق بتلك المبادئ ،وتجعل الهدف األساسي منها ،يكمن
في ضبط النشاط التنموي الترابي وحماية المال العام الترابي ،ومن ثم ،فحماية النظام
الالمركزي نفسه ،وضبط آلياته وأسسه المنهجية ،هو ما يجعل من آلية الرقابة ،ضرورة
ال محيد عنها ،بالنسبة لتطويرفعالية المجاالت اإلقتصادية واإلجتماعية ،وحماية المال
العام الترابي ،من التبذير وسوء اإلستعمال ،وتكريس التدبير الجيد الذي يمثل في
النهاية الغاية المنشودة في تحقيق تنمية شاملة ومستدامة للجماعات الترابية.302
وقد أولى المشرع المغربي منذ فجر اإلستقالل ،أهمية خاصة لتقنية الرقابة على
المال العام ،حيث بادر إلى تغيير وتكييف مجموعة من القوانين ،التي تحكم المالية
العامة ،منها قانون المحاسبة العمومية سنة ،2202وبعدها سنة ،2211كما عمل
بالموازاة على إحداث مجموعة من أجهزة الرقابة ،أهمها اللجنة الوطنية للحسابات سنة
،2211والمفتشية العامة للمالية ،والمراقبة المالية على المؤسسات العمومية ،ومراقبة
اإللتزام بالنفقات سنة 2212ثم ،2211وألزم ممارسة الرقابة في كل المراحل ،التي
يمر منها المال العام ،والمحدد وفق ماتنص عليه المادة الثانية من النظام األساسي
-302عبد العزيز الخبشي " ،بعض مظاهر تقنية التدقيق والرقابة الممارسة على مالية الجماعات المحلية وهيئاتها على ضوء
المحاكم المالية" ،المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية ،عدد ،11ماي -يونيو ،8113ص.83 .
236
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
"لالنتوساي" ،303والتي تعرف الرقابة العليا على المال العام بكونها" جهاز أيا كانت
تسميته وطريقة إنشائه وتنظيمه الذي يعهد إليه بمقتضى الدستور أو القانون ممارسة
الرقابة على المالية العامة ،والذي يزود البرلمان أو الحكومة ،بالمعلومات المتعلقة
بكيفية إدارة واستعمال تلك األموال ،وكذا الكشف عن مخالفة المعايير المعمول بها ،أو
المساس بمبادئ مشروعية اإلدارة المالية وكفاءتها ،وذلك قصد اتخاذ اإلجراءات الكفيلة
للحد من اقتراف أعمال تدخل في ذلك السياق".
وتتعدد أنواع وأشكال الرقابة الممارسة على مالية الجماعات الترابية وهيئاتها،
وهي جميعها تهدف إلى ضمان احترام الشرعية ،وتحسين مردودية التسيير المالي
للجماعات الترابية ،فهي التقتصر ف قط على ضبط المخالفات وتطبيق العقوبات ،بل
أصبحت تسعى إلى حث المسؤولين ،على اتخاذ ق اررات مالئمة للظروف المالية،
والمخططات اإلقتصادية وتحفزهم على تحسين تسييرهم وتدبيرهم ،304إال أنه سيتم هنا
استعراض على سبيل المثال ،ال الحصر أشكال الرقابة الحديثة ،والتي يمكن حصرها
في كل من المراقبة الداخلية ،ومراقبة التسيير.
-هي األجهزة الرقابية في الدول المنتمية إلى منظمة األمم المتحدة أو إلى وكاالتها المتخصصة ،وهي الهيئة الدولية 303
-304فتيحة بلمانية ،حكامة اإلنفاق المحلي ورهان التنمية المحلية بالمغرب ،بحث لنيل دبلوم الماستر في القانون العام،
تخصص :تدبير الشأن العام المحلي ،جامعة محمد الخامس ،كلية العلوم القانونية واإلقتصادية واإلجتماعية السويسي -الرباط،
السنة الجامعية ،811.-8112 :ص.21 .
237
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
والوقوف على مظاهر القوة ،لتعزيزها وكذا مظاهر الضعف لتجاوزها .305فبالنسبة
للجماعات الترابية وهيئاتها ومؤسساتها العمومية ،يساعدها اعتماد أنظمة للمراقبة
الداخلية ،من التحكم في محيط ،أصبح أكثر تعقيدا ،ومن استغالل الموارد المالية ،التي
أصبحت أكثر ندرة الإلستقالل األمثل ،كما يمكن شرح وتبرير السياسات العمومية،
المعتمدة لمواطنين أصبحوا أكثر متابعة للشأن العام الترابي واهتماما له.306
ويمكن تعريف المراقبة الداخلية ،بأنها مجموع الوسائل الممكن اعتمادها من
طرف جهاز معين ،من أجل التحكم في األخطار المالزمة لتسييره .وتشمل هذه
الوسائل الجهاز والمساطر ،التي يعتمدها في مختلف مجاالت نشاطه .ويتم تقدير
المراقبة الداخلية من خالل تحديد نقاط القوة ونقاط الضعف في هذه المساطر بالقياس
إلى أهداف فعالية وأمان التسيير.307
-سعيد الميري ،التدبير اإلقتصادي للجماعات المحلية ،أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام ،وحدة :القانون العام 305
الداخلي ،تخصص تسيير السلطات العمومية ،كلية العلوم القانونية واإلقتصادية واإلجتماعية -السويسي ،الرباط ،السنة
الجامعية ،8118-8119 :ص.111 .
306
- Serg Barichard, « contrôle interne et contrôle externe dans les collectivités territoriales »,
Une expérience concrète de mise en place d’un contrôle interne, étude et colloques des
juridictions financières, les éditions du journal officiel, Paris, 1997, p. 55.
-307محمد مجيدي ،الجهة بالمغرب :البنية ووسائل العمل-دراسة مقارنة ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون العام،
كلية العلوم القانونية واإلقتصادية واإلجتماعية ،أكدال -الرباط ،السنة الجامعية ،5..2:ص.582 .
308
-Définition et objet de l’audit et du contrôle interne des collectivités locales, article publié le
10 -18-2009 : www.blog.saeeed.com.
238
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
ويجب التمييز بين المراقبة الداخلية ،ومراقبة التسيير ،ذلك أنه إذا كان
المفهومان معا يدالن على وظيفة أفقية ،تمارس على مستوى جهاز ما ،من أجل
التحكم في أنشطته ،فإن الفرق بينهما يكمن في أن المراقبة الداخلية ،تركز على
المساطر ،في حين يبقى الهدف األساسي لمراقبة التسيير هو المعلومات.
-الخطر المالي ،الذي قد يؤدي إلى اختالل مالي ،من شأنه شل نشاط
الجماعة.
وتواجه إرساء أنظمة للمراقبة الداخلية ،على مستوى الجماعات الترابية ،العديد
من الصعوبات ،منها ما هو ذو طبيعة سياسية واجتماعية ،ومنها ما هو ذو طبيعة
تقنية.
239
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
المجلس التداولي ،ليس من شأنه المساعدة على قيام مراقبة حقيقية ،من جانب الجهاز
التداولي على الجهاز التنفيذي.309
وقد حدد بعض الباحثين العوائق ،التي تحول دون قيام النظام التمثيلي التعددي
المعتمد في البالد ،بإفراز مراقبة داخلية ،من خالل الصراع بين األغلبية والمعارضة
والتناوب في تسيير المجالس المنتخبة في:310
-السيطرة الضعيفة لألحزاب عبر منتخبيها الترابيين ،وما ينتج عن ذلك من
تحالفات ال عالقة لها بالخط السياسي لألحزاب ،تحالفات تتأثر بالهجرات الحزبية،
وبانقسامات حتى داخل نفس األحزاب.
وتحول هذه العوامل دون خضوع مجالس الجماعات الترابية ،إلى منطق
األنظمة التمثيلية التي تسير طبقا للقوانين الحقيقية للديمقراطية ،والتي تضمن احترام
الشرعية وأسبقية المصلحة العامة ،فالتصويت على الحساب اإلداري سابقا ،كوسيلة
لمراقبة حصيلة التدبير المالي لرئيس المجلس الجماعي من طرف أعضاء هذا
المجلس ،يتحول إلى وسيلة إلبتزاز هذا الرئيس والحصول على بعض اإلمتيازات بغض
النظر عن كونه مسير جيد لشؤون جماعته أم ال.
309
- Yves Mény, la corruption de la république, Edition Fayard, 1992, p.144.
- Mohamed Brahimi, "De l’efficacité des contrôles exercés sur les collectivités locales",
310
240
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
كما أن مفهوم المراقبة غير واضح لدى العاملين بالوحدات الترابية ،إذ رغم أن
هؤالء يرغبون في التوفر على الوسائل الضرورية ،للمراقبة الذاتية ألنشطتهم ،فإنهم في
نفس الوقت يرفضون أن يكونوا واضحين ،في مواجهة رؤسائهم.
واذا كانت المراقبة الداخلية عبارة عن منهجية للعمل أكثر منها وظيفة ،فإن
العديد من الجماعات المحلية الفرنسية ،وعيا منها باألخطار المتعددة ،الناتجة عن
اتساع مجال تدخلها وتنوع القطاعات ،التي تدخل في مجال اختصاصها وأهمية المبالغ
التي تتصرف فيها ،وتعقد تنظيمها اإلداري ،قامت بخلق مصالح مختصة في المراقبة
الداخلية خاصة في الجوانب القانونية ،إذ تتوفر أغلبية الجهات والمحافظات والمدن
الكبرى ،على مصالح قانونية مستقلة ،وان كان دور أغلب هذه المصالح ،ينحصر في
معالجة وتتبع المنازعات القانونية ،والقليل منها فقط يتدخل في مرحلة إعداد
الق ار ارت.311
وحتى يمكن لمصلحة المراقبة الداخلية ،من القيام بدورها على أكمل وجه ،البد
.Serge Barichard 312
من مراعاة بعض اإلعتبارات التي حددها
311
- Sarra El Idrissi Nadir, L'audit interne dans les collectivités territoriales, cas de la commune
urbaine de Ribat el Kheir, Licence fondamentale en économie et gestion , Faculté de Science
Juridiques, Economiques et Sociales, Université Sidi Mohammed Ben Abdellah Maroc, 2011,
p. 8.
» - Serge Barichard, « Contrôle interne et contrôle externe dans les collectivités territoriales
312
une expérience concrète de mise en place d’un contrôle interne, op.cit, p. 65.
241
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
إنجاز مختلف أنشطة الجماعة ،كما يمكنها ذلك من التدخل أفقيا ،وهو ما يعتبر شرطا
أساسيا لنجاعتها؛
-اعتماد نهج استباقي ،فتدخل المراقبة يكون مقبوال ،وذو فاعلية أكبر ،كلما تم
في بداية إعداد القرار أو إنجاز المشروع ،فاقتصار المراقبة على مهام بسيطة دون
اهتمام مباشر بالتدبير والتسيير ،يكون من نتائجه تهميش هذه المراقبة أو إضعاف
تأثيرها على األقل؛
ومن خالل ما سبق ،يتضح مدى أهمية نظام المراقبة الداخلية ،فهي تضمن
اإلستعمال الجيد للموارد المالية الترابية ،إلى جانب تسهيل شفافية مراقبة سير المشاريع
والمرافق العمومية الترابية ،من قبل المواطنين والرأي العام الترابي ،314وألجل ذلك ،فإن
الجماعات الترابية البد أن تندرج ضمن مصالحها خلية للقيام بذلك ،حتى تعمل على
ضمان تدبير جيد للشأن العام الترابي في شموليته.315
242
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
لقد أصبح التدبير الترابي ،في الدول المتقدمة يقوم على اإلحترافية ،من قبيل
الوظائف الجديدة التي ظهرت مع الهيكل التنظيمي ،مثل التدقيق الداخلي ،ومراقبة
التسيير وغيرها من اآلليات التي تجعل من الجماعة الترابية مقاولة بامتياز.
ومن بين اإلجراءات المصاحبة التي تكفل تدبي ار ماليا سليما ،وضع محددات
لمراقبة داخلية من أجل تتبع وتقييم العمل الترابي ككل ،من حيث معرفة مظاهر القوة
لتعزيزها ،وكذا مظاهر الضعف لتجاوزها .316وفي هذا اإلطار ،فإن هناك العديد من
اآلليات الحديثة التي تسمح بالتحكم في عملية التدبير المالي الترابي .كمراقبة التسيير،
التي تعتبر آلية رقابية حديثة ،تتوخى تقييم وتقويم مناهج التسيير داخل المنظمات،
بواسطة اقتراح اإلجراءات التصحيحية على المسؤولين ،قصد تحقيق األهداف المعلنة،
وهو ما يجعل منها مراقبة مندمجة في التسيير وليست خارجة عنه.317
وتكتسي مراقبة التسيير أهمية بالغة في التدبير ،لكونها مبادرة داخلية ،أي أن
الجماعات الترابية ،لها سلطة القرار في اإلستعانة بها ،في تحديث وسائل عملها ،نظ ار
للمزايا الكثيرة التي تقدمها مراقبة التسيير ،للرفع من جودة أداء الجماعات الترابية .فقد
كانت ضمن اهتمامات أشغال المناظرة الوطنية السابعة للجماعات المحلية ،وهو ما
يعكس حرص المسؤولين على تدبير الشأن العام الترابي ،على توفير تقنيات نوعية،
تمكن من دعم جوانب الفعالية والمردودية ،عن طريق توقع أخطار التسيير أو تقويمها
في حالة وقوعها ،دون أن يحكمها في ذلك هاجس الزجر وانزال العقوبة.318
-317محمود حيمود " ،إشكالية تقييم التدبير المحلي -مقاربة نقذية على ضوء التوجهات الرقابية الحديثة ،" -أطروحة لنيل
الدكتوراه في الحقوق ،تخصص القانون العام ،كلية العلوم لقانونية واإلقتصادية واإلجتماعية –الدارالبيضاء ،السنة الجامعية:
،8118-8115ص.88. ،
-نفس المرجع ،ص.121. 318
243
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
فمراقبة التسيير هي تلك العملية ،التي تسمح بالتأكد من استعمال الموارد المالية
والبشرية ،للمؤسسة استعماال عقالنيا وفعاال ،وكذلك تدارك اإلنحرافات غير المسموح
بها ،من أجل تحقيق األهداف ،وذلك باستخدام مختلف التقنيات والوسائل الكمية
والكيفية ،وبالتالي فدورها هو إعطاء المسؤولين داخل المؤسسة ،الوسائل لقيادتها،
واتخاذ الق اررات ،وكذا ضمان مستقبلها .وفي هذا السياق ،فخطاب الجماعة المقاولة،
يتمفصل مع هذه اآللية ،التي تمكن من معرفة مظاهر القصور واإلنحرافات داخل
الجماعة الترابية ،وكذا تمكن من قياس الفوارق بين النتائج المحصل عليها وتلك
المنتظرة ،ومقارنة الوسائل باألهداف .واجماال يمكن القول ،إن مراقبة التسيير هي آلية
مهمة للرقي بالعمل الداخلي للجماعات الترابية إلى مستوى التدبير المقاوالتي ،وبالتالي
الحصول على نتائج جد مرضية تعكس بدورها تحسن وضعية الجماعة الترابية
والسكان معا.319
وتعتمد مراقبة التسيير على بعض األدوات الموازية لتحقيق أهدافها ،ومن بينها
على وجه الخصوص المحاسبة التحليلية ،320ولوحة القيادة " Le tableau de
،321"bordبالنسبة لألداة األولى (المحاسبة التحليلية) فهي تمكن من تجميع وتحليل
بيانات التكاليف وتوزيع المصروفات ،من أجل تحديد ثمن تكلفة المنتجات أو
الخدمات ،وتقديم معلومات دقيقة إلى إدارة المؤسسة.322
320
- Aline Ledoux, La comptabilité analytique des collectivités locale , Mémoire DESS
management du secteur public Université Lyon, France, 1999, p. 37.
321
- Kaplan R.S. et Norton D.P, Le Tableau de Bord Prospectif, Pilotage Stratégique : Les
quatre axes du succès, Editions d'Organisation, 1998, p. 105.
للمزيد من التفصيل راجع:
-Loïc Levoyer : Finances locales, Hachette éducation, 2012.
-322محمد بنهموش " ،التدخالت اإلقتصادية للجماعات المحلية "تقييم تجربة المجلس الجماعي للقنيطرة" ،بحث لنيل دبلوم
الدراسات العليا المعمقة في القانون العام ،وحدة البحث والتكوين :تدبير الشأن العام ، ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية
واالجتماعية ،السويسي -الرباط ،السنة الجامعية ،8112-8118 :ص.538 .
244
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
فدور الجماعات الترابية ،ال يستقيم إال بتبني أداة المحاسبة التحليلية ،ألن من
شأن تطبيقها واإلستعانة بها تسهيل مأمورية األدوار الجديدة ،التي تسعى إليها
الجماعات الترابية ببالدنا ،نظ ار لإليجابيات التي تقدمها ،ابتداء من معرفة تكاليف
ووظائف المؤسسة ،وتحديد سعر تكلفة المنتجات والخدمات ،ووصوال إلى اتخاذ
الق اررات الصائبة .فهذه اإلجراءات تمكن من تحقيق المصلحة العامة ،كما تعمل أيضا
على تخليق الحياة العامة الترابية وترشيد النفقات العمومية.323
وتتجلى أيضا أهمية المحاسبة التحليلية ،في مجال التدبير الترابي ،في التطور
الذي انتقل بالجماعة من اإلطار اإلداري إلى اإلطار االقتصادي ،الذي ساهم إلى حد
كبير في إنعاش التنمية الترابية ،من خالل خوض غمار المنافسة ،واإلضطالع بدور
الجماعة المقاولة.324
والى جانب المحاسبة التحليلية ،هناك تقنية مماثلة ال تقل أهمية عنها ،وهي
لوحة القيادة ) ،(Le tableau de bordالتي تسمح بمتابعة المنجزات وتزويد المسؤول
245
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
وبذلك ،فإن لوحة القيادة هي أداة إلنتقاء اإلجراءات التصحيحية ،عبر الكشف
عن الفوارق القابلة للقياس ،والتحكم في الكلفة ومتابعة النشاط المنجز ،وتكييف الوسائل
مع األهداف ،والبحث كذلك عن استعمال القدرات غير الموظفة ،والتنسيق بين
المصالح .أي أنها عبارة عن نظام للمعلومات ،يمكن بواسطته التعرف بشكل مستمر
وفي وقت وجيز على المعطيات الضرورية لتتبع السير الجيد أو السيء على المدى
القصير للمؤسسة.326
واجماال ،يمكن القول بأن اآلليات التدبيرية الحديثة ،لم تعد حك ار على القطاع
الخاص ،بل إن نجاحها كان دافعا ومحف از إلدخالها إلى القطاع العمومي ،وبفضل ذلك
لم يعد هناك حدود بين ما هو عام وخاص ،327بحيث تسعف في تجاوز بعض
اإلشكاليات التي يطرحها التسيير الداخلي.
وباإلضافة إلى مراقبة التسيير ،هناك آلية أخرى ال تقل أهمية عنها هي آلية
التدقيق الداخلي ،الذي تعتبر من الركائز األساسية للتدبير العمومي المحلي ،تتأكد
إيجابياتها من خالل تحكمها في الجوانب المالية والمحاسبية أو التنظيمية للجماعات
الترابية.
327
- Fabrice Robert, les finances locales, la documentation française, 2009, p. 166-168.
-سعيد الميري ،م.س ،ص.151 . 328
246
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
التحكم في المخاطر ،من خالل تقديم معلومات شفافة ومالئمة وفي الوقت
المناسب؛
تثمين الموارد.329
والى جانب هذه الفوائد ،فإن من مزايا التدقيق الداخلي كذلك ،تسهيل المهام على
أجهزة الرقابة الخارجية ،وخاصة المجالس الجهوية للحسابات في حالة الرقابة
والمفتشية العامة لإلدارة الترابية بو ازرة الداخلية 331
القضائية ،330والمفتشية العامة للمالية
في حالة المراقبة اإلدارية ،حيث كان من األفضل إيجاد مخاطب لهذه الوحدات داخل
الجماعات الترابية ،تقوم بتزويدها بالمعلومات المطلوبة في نطاق اختصاصاتها.332
247
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
وهذا ما تنص عليه القوانين التنظيمية للجماعات الترابية ،بإمكانية خضوع تدبير
الجماعات الترابية ومجموعاتها ،والمؤسسات العامة التابعة لها ،لعمليات التدقيق
المالي ،الذي يحق طلب إجراءه للمجلس التداولي ،أو يمكن أن يتم بمبادرة شخصية من
اآلمر بالصرف أو من وزير الداخلية تقوم به هيئات خارجية معتمدة .إن إقرار إمكانية
الخضوع لعمليات التدقيق المالي ،تعد وسيلة من شأنها السماح للجماعات
ولمجموعاتها ،بقياس فعالية سياساتها التنموية كما وكيفا ،والوقوف على مخاطر إدارة
المشاريع ،حيث ستستطيع من خالل النتائج التي ستسفر عنها عمليات التدقيق ،إيجاد
المواءمة الالزمة من إمكانياتها وأهدافها.
فقيام الجماعة بدورها كشريك في التنمية ،واصالح النظام الجبائي والمالي ،من
أجل دعم استقاللها ،واتساع دائرة اختصاصها وتقاطعها مع اختصاصات الدولة،
وتشعب هذه اإلختصاصات ،تقتضي دعم التدبير الترابي بإخضاعه لإلفتحاص
والتدقيق ،من أجل تقييم إنجازات هذه الجماعات ،ومساعدتها على التعرف على عوامل
ضعف المردودية وانخفاض الفعالية ،ومساعدتها على معالجة اإلختالالت التي
تعترضها في إدارتها شؤونها ،من أجل جعل التدبير الترابي أكثر فعالية وأعلى مردودية
وأقل كلفة.
واجماال ،فإن محددات تفعيل التدبير المالي بالجماعات الترابية ،يقتضي تبني
مؤشرات اإل قتصاد والفعالية والنجاعة ،التي تتفاعل وتتناغم لتجويد التدبير في
الجماعات الترابية ،على نهج القطاع الخاص ،كما تشكل األدوات التدبيرية الحديثة
(المراقبة الداخلية ،مراقبة التسيير ،التدقيق الداخلي) ضوابط داخلية تعزز بها هذه
الوحدات المراقبة الداخلية على ذاتها.
248
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
واجماال يمكن القول ،بأن اآلليات التدبيرية الحديثة لم تعد حك ار على القطاع
الخاص ،بل إن نجاحها كان دافعا ومحف از إلدخالها إلى القطاع العمومي ،وبفضل ذلك
لم تعد هناك حدودا بين ما هو عام وخاص ،بحيث تسعف في تجاوز بعض
اإلشكاليات التي يطرحها التسيير الداخلي.
فإذا كان مبدأ التقييم يفترض توفر مجموعة من العناصر األساسية للقيام بالعملية
التقييمية ،فإن تقرير اللجنة االستشارية للجهوية ،في مقاربته للتوجه التقييمي للتدبير
الترابي ،لم يغفل هذه المتطلبات ،حيث ركز على عناصر أساسية تخدم مبدأ التقييم،
ويتعلق األمر أساسا بتبني الجماعات التدبير بحسب األهداف ونشر ميزانيات
الجماعات الترابية واعداد تقارير دورية حول تدبيرها المالي باإلضافة إلى إقامة أنظمة
للوقاية وتدبير المخاطر.
إن تفعيل هذه اآلليات ،سيقوي التدبير المالي للجماعات الترابية ،خصوصا أنه
أصبح يشترط السرعة والمردودية في اآلن نفسه ،لكن اإلشكال أن كل هذه اآلليات
تبقى رهينة بوجود منتخب يستهدف الصالح العام للجماعات التربية بالدرجة األولى،
باإلضافة إلى موظف جماعي يسعى لتطوير األداء المالي للجماعات الترابية.
249
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
خاتمة عامة
إن عدم قدرة الجماعات الترابية على تمويل تكاليفها ،يؤدي بالضرورة إلى
إضعاف قدرتها التدبيرية ،واذا كان اإلعتماد على التمويل المركزي لموازنة التكاليف مع
الموارد ،فإن هذه التبعية عادة ما يصاحبها نوع من التدخل أو التوجيه ،المؤثر في
النشاط المالي للجماعات الترابية ،وبرمجة مضامين الميزانية.
وعلى هذا األساس يعتبر الحفاظ على استقاللية القرار المالي للجماعات الترابية،
أهم الرهانات التي تقوم عليها األسس المالية للتنمية الترابية ،فإستقاللية التدبير التنموي
تفيد حرية اتخاذ القرار وتنفيذه ،بشكل يجعل من تدخل السلطة المركزية يقتصر على
رقابة صحة وسالمة العمليات المالية ،وأال يتعداها لمراقبة مالءمة المشاريع إال بشكل
استثنائي.
إن استقاللية القرار المالي ،تعتبر من أهم الضمانات للتدبير التنموي ،الشيء
الذي يتطلب اعتماد منظومة متوازنة للتمويل ،تقوم على تطوير الجباية المحلية،
ومأسسة التمويل المركزي بشكل يضمن استقاللية القرار الترابي ،وحرية الجماعات
الترابية واستقالليتها على مستوى إعداد الميزانية ،وبرمجة المشاريع التنموية وتنفيذها،
كما يتطلب تحديد مجال تدخل السلطات المركزية ،في الرقابة النظامية وعدم ربط
اآللية الرقابية بالتمويل.
وفي الختام ،يمكن القول إن إرساء مقومات الحكامة الجيدة ،لحل أزمة مالية
الجماعات الترابية ،يتطلب استحضار مجموعة من الدعامات ،تنبني على تصور
إصالحي قائم على نظرة شمولية ،وليس على إصالحات تجزيئية ذات أهداف ضيقة.
وتتمثل هذه الدعامات في :
250
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
موظف جماعي محترف ،ذو تكوين عال قادر على تسيير الجماعة،
على أساس التدبير العمومي الحديث المبني على الفعالية والجودة والمسؤولية؛
قطاع خاص يمثل مقاولة مواطنة ،منفتحة على قضايا وهموم محيطها،
ومشاركة في تنميته من خالل تشجيع االستثمار الترابي ،والنهوض بميكانزماته ،بدل
اإلعتماد على اقتصاد الريع ومختلف االمتيازات التي ترتبط به؛
قطاع عام مسؤول يتمتع بالشفافية ،ومنفتح على بيئته الترابية ومتواصل
معها؛
مجتمع مدني محترف ومسؤول ،ذو قوة اقت ارحية وازنة ونوعية ،بحكم
قربه من المواطن ،واطالعه على انشغاالته وانتظاراته؛
سلطة ترابية ،ذات ممارسة وصائية مواكبة ،وذات رؤية جديدة على
مستوى تدبير الشأن العام الترابي ،تتجاوز المقاربة األمنية لتنخرط كشريك وكفاعل
أساسي في المقاربة التشاركية ؛
ومن أجل تفعيل هذه الدعامات ،على الدولة بلورة استراتيجية إصالحية ذات
منظور شمولي تروم اتخاذ اإلجراءات التالية :
251
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
ضرورة تفعيل اآلليات المرتبطة بجودة التدبير ،خاصة ما يرتبط منها
بتفعيل المراقبة البعدية ،من خالل تقوية أجهزتها وأدوارها ،وكذا تسهيل انفتاحها
وتواصلها مع الرأي العام الترابي.
وبناء عليه ،أصبح مفروضا على الجماعات الترابية اليوم ،القيام بإجراء
مجموعة من التحوالت األساسية ،التي تقتضيها ممارسة التزاماتها المؤسسية،
واإلضطالع بمسؤولياتها لضمان تدبير مجالها الترابي.
252
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
الئحة المراجع
الدارالبيضاء.8118 ،
.8115
-المهدي بنمير " ،الحكامة المحلية بالمغرب وسؤال التنمية البشرية" ،سلسلة
الالمركزية وسؤال الجماعات المحلية ،مطبعة وليلي ،الطبعة األولى ،مراكش.8151 ،
-جمال خلوق ،التدبير الترابي بالمغرب ،واقع الحال ومطلب التنمية ،الطبعة
بيروت.8118 ،
253
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
-عبد الحق عقلة" ،دراسات في علم التدبير" ،الجزء األول ،دار القلم ،الرباط،
-عبد الحق عقلة ،القانون اإلداري ،الجزء األول -المبادئ األساسية لدراسة
-عبد العزيز أشرقي ،الجهوية الموسعة نمط جديد للحكامة الترابية والتنمية
-عبد العزيز أشرقي " ،الحكامة الجيدة ،الدولية – الوطنية ،الجماعية ومتطلبات
اإلدارة المواطنة" ،مكتبة دار السالم للطباعة والنشر والتوزيع ،الرباط ،الطبعة األولى،
.1660
-عبد الفتاح بلخال ،علم المالية العامة والتشريع المالي المغربي ،مطبعة فضالة
254
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
الفقهي للرقابة القضائية على المال العام" ،مطبعة طوب بريس ،الطبعة األولى،
.8115
للشأن العام المحلي ،استراتيجية تنظيم الجماعات المحلية بالمغرب ،ط.8118 ،5.
-محمد حنين ،تدبير المالية العمومية :الرهانات واإلكراهات ،دار القلم للطباعة
-محمد زين الدين ،الجهة بالمغرب المعاصر من الجهوية اإلدارية إلى الجهوية
255
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
-8الكتب المتخصصة:
-أحمد أجعون ،مضمون ونطاق التدبير الحر للجماعت الترابية ،أشغال األيام
المغاربية العاشرة للقانون ،المنظمة من طرف شبكة الحقوقيين المغاربيين ،يومي -58
اإلستقالل المالي للجماعات الترابية ( ،في ضوء القانونين الجبائي رقم 31.2.
سنة .8155
-سعيد جفري ،جبايات الجماعات المحلية بالمغرب على ضوء القانون رقم
. للنظام الجبائي المغربي ،5.19-8111 ،إفريقيا الشرق ،الطبعة ،األولى5..2 ،
-عبد الجليل هويدي ،المالية العامة للحكم المحلي ،دراسة مقارنة ،دار الفكر
256
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
-عبد العزيز أشرقي ،الجهوية الموسعة نمط جديد للحكامة الترابية والتنمية
.8158
-عبد المجيد أسعد ،مالية الجماعات المحلية بالمغرب ،مطبعة النجاح الجديدة،
-عبد المجيد عبد المطلب ،التمويل المحلي والتنمية المحلية ،الدار الجامعية
اللقاء المغاربي التاسع ،لشبكة القانونيين لمغاربيين ،المنظم بمراكش ،بتاريخ 59-51
أبريل 8155حول " الجماعات المحلية بدول المغرب العربي" مطبعة المعارف الجديدة
،الرباط .8155
-مكاوي نصير ،تدبير مالية الجماعات المحلية ،دار أبي رقراق للطباعة
257
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
-نجيب جيري ،الرقابة المالية بالمغرب بين الحكامة المالية ومتطلبات التنمية –
-3األطروحات:
أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون العام ،وحدة علم اإلدارة والقانون اإلداري،
-أحمد قيلش ،المنظومة الجبائية المحلية بين إشكالية التنازع وحركية التقاضي،
-آمال بلشقر ،تدبير الجماعات الترابية للمشاريع التنموية بين إكراهات الواقع
ومتطلبات التنمية المندمجة ،أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون العام ،كلية
258
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
.8118-8119
الترابية – دراسة مقارنة ،-أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام ،كلية العلوم
في القانون العام ،وحدة :القانون العام الداخلي ،تخصص تسيير السلطات العمومية،
.8118-8119
-عبد القادر الطالبي " ،مساعدات الدولة للجماعات المحلية بالمغرب" ،أطروحة
لنيل الدكتوراه في القانون العام ،وحدة البحث والتكوين :إدارة عامة ،كلية العلوم
لنيل الدكتوراه الدولة في القانون العام ،كلية العلوم القانونية واإلقتصادية واإلجتماعية،
259
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
الحضرية والقروية بالمغرب ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون
المجلس الجماعي للقنيطرة" ،بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام،
وحدة البحث والتكوين :تدبير الشأن العام ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية
المحلية بالجهة الشرقية كنموذج" ،أطروحة لنيل الدكتو اره في القانون العام ،كلية العلوم
-محمد حيمود" ،إشكالية تقييم التدبير المحلي -مقاربة نقذية على ضوء
.8118-8115
التنمية ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون العام ،وحدة :تدبير اإلدارة
260
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
.8118-8119
.811.-8112
-5الرسائل:
لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام كلية العلوم القانونية واالقتصادية
-إبراهيم بنزيت ،الجباية المحلية من الجماعة إلى الجهة ،رسالة لنيل دبلوم
بالنمو اإلقتصادي" ،مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماجستير في العلوم اإلقتصادية ،قسم
الجامعية.1660- 1660:
261
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
بلدية وادي لو ،"-رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في المالية العامة ،كلية
.8118
-خادم أحمد ،وكالة المداخيل ،رسالة لنيل دبلوم السلك العالي ،المدرسة الوطنية
-رشيد البوني ،الحكامة المحلية الجيدة واشكالية التنمية بالمغرب" ،بحث لنيل
شهادة الماستر ،تخصص :قانون المنازعات ،جامعة المولى إسماعيل ،كلية العلوم
-رشيد بودي ،االستقالل المالي للجماعات المحلية على ضوء الفصل ما بين
اآلمرين بالصرف والمحاسبين العموميين ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في
الجامعية.8113-8118 :
-سعيد بلفالح ،حكامة اإلنفاق المحلي ورهان التنمية" بلدية خريبكة نموذجا"،
رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام ،كلية العلوم القانونية
262
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
-سعيد بوفريوي "،التنظيم المالي للجهة" ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا،
-سميرة جيادي" ،اإلصالح الجبائي المحلي على ضوء القانون رقم ،"58.19
رسالة لنبل دبلوم الماستر في الحكامة المحلية ،كلية العلوم القانونية واإلقتصادية
رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة ،كلية الحقوق الدار البيضاء-5..2 ،
.5...
-لكميلي كمال" ،التمويل غير الجبائي :الجماعة المقاولة رهان القرن ،"85
رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام ،كلية العلوم القانونية
-محمد فاضل الرزمة ،التمويل الجماعي بين محدودية الموارد ورهانات التنمية،
رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون العام المعمق ،وحدة :تدبير اإلدارة
.811.-8112
263
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
-محمد مجيدي ،الجهة بالمغرب :البنية ووسائل العمل -دراسة مقارنة ،رسالة
لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون العام ،كلية العلوم القانونية واإلقتصادية
-مونعيم لحريري ،التدبير المالي المحلي ورهان التنمية" ،رسالة لنيل دبلوم
الماستر في القانون العام ،تخصص :تدبير الشأن العام المحلي ،كلية العلوم القانونية
-وفاء معاوي ،الحكم المحلي الرشيد كآلية للتنمية المحلية في الجزائر" ،مذكرة
لنيل شهادة الماجستير في العلوم السياسية ،وحدة البحث :سياسات عامة وحكومات
مقارنة ،جامعة الحاج لخضر ،كلية الحقوق باتنة ،الجزائر ،السنة الجامعية-811.:
.8151
-عبد اللطيف امشمش ،نور الدين نصير ،تقرير حول تطور الجبايات المحلية
بالمغرب ،نموذج المجموعة الحضرية للدارالبيضاء ،بحث نهاية التدريب ،مركز التكوين
-1المجالت:
-أبو نزار ،إكراهات الرقابة المالية على الجماعات المحلية ،المجلة المغربية
264
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
الجبائية ،المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية ،السلسلة العادية العدد ،82-8.
السنة .8112
-جميلة دليمي ،الوعاء الجبائي المحلي بين حدود اإلصالح ورهانات الحكامة
الجيدة ،اللقاء المغاربي التاسع ،لشبكة القانونيين لمغاربيين ،المنظم بمراكش بتاريخ
265
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
الجماعات المحلية ،دورية تصدرها و ازرة الداخلية ،المديرية العامة للجماعات المحلية،
-حميد أبوالس ،قراءة عملية للجباية المحلية على ضوء مشروع القانون الجديد،
يونيو.8118
-عبد اللطيف بروحو ،مالية الجماعات المحلية بين واقع الرقابة ومتطلبات
التنمية :منشورات المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية" ،سلسلة مواضيع الساعة"،
266
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
الغير جبائي للتنمية المحلية بالمغرب ،منشورات مجلة الحقوق المغربية للدراسات
-عبد المجيد أسعد ،مالية الجهة بالمغرب ،المجلة المغربية لقانون واقتصاد
-عبد المجيد أسعد ،التمويل الجبائي للتنمية المحلية ،المجلة المغربية لإلدارة
في التنظيم المالي الجماعي ،منشورات المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية ،سلسلة
-محمد بوجيدة وميلود بوخال " ،أمالك الجماعات المحلية وهيئاتها" ،المجلة
المغربية لإلدارة المحلية والتنمية ،سلسلة "دالئل التسيير" ،العدد الخامس.5..2 ،
-محمد حيمود ،اإل ستقالل المالي للجماعات الترابية بين مضامين دستور
267
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
-محمد علي أدبيا ،إشكالية االستقالل المالي للجماعات المحلية بالمغرب ،نحو
مقاربة أكثر واقعية ،المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية ،سلسلة مواضيع الساعة،
-منية بنلمليح ،واقع تدبير الملك العمومي المحلي ورهانات الحكامة المحلية،
-منير مغيث ونزهة العياشي ،المالية المحلية واشكالية التنمية المستدامة ،مجلة
268
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
-هشام الحسكة ،القضاء المالي الجهوي وحكامة الجماعات الترابية ،دراسة في
يونيو .5.91
،)8151ص.9955 .
269
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
يوليوز ،)8151ص.9991.
دجنبر .8118
القانون رقم ،3..18بسن أحكام انتقالية فيما يتعلق بالرسوم والحقوق والمساهمات
270
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
واألتاوى المستحقة لفائدة الجماعات المحلية ،جريدة رسمية عدد ،11.5بتاريخ 35
ديسمبر .8118
8.أبريل .8118
ماي .8111
.5.2.
رقم ،31.21القاضي بفرض الضريبة على القيمة المضافة ،جريدة رسمية ،عدد
271
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
.5.25
المتعلق بالتنظيم المالي للجماعات المحلية وهيئاتها ،جريدة رسمية عدد 3331مكرر،
يونيو )8159بتحديد قائمة الوثائق الواجب إرفاقها بميزانية الجهة ،المعروضة على
لجنة الميزانية والشؤون المالية والبرمجة ،جريدة رسمية عدد ،9528بتاريخ 55يوليوز
،8159ص.1598 .
المعروضة على لجنة الميزانية والشؤون المالية والبرمجة ،جريدة رسمية عدد ،9528
يونيو )8159بتحديد قائمة الوثائق الواجب إرفاقها بميزانية الجماعة ،المعروضة على
272
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
لجنة الميزانية والشؤون المالية والبرمجة ،جريدة رسمية عدد ،9528بتاريخ 55يوليوز
،8159ص.1593 .
2 ،1255فبراير.8151
نوفمبر ،8119ص.3391.
في شأن النظام األساسي الخاص بالمفتشين العامين لإلدارة الترابية ،بو ازرة الداخلية،
السالف ذكره الخاص بالتنظيم المالي ،جريدة رسمية عدد ،3331بتاريخ 5أكتوبر
،5.89ص.313. .
273
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
،5.89ص.313. .
االلتزام بالنفقات المتعلقة بالجماعات المحلية وهيئاتها ،جريدة رسمية عدد ،3331
للجهوية.
.9102
أبريل .811.
274
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
التصور العام.
-دليل أمالك الجماعات المحلية ،المملكة المغربية ،و ازرة الداخلية ،المديرية
-دورية و ازرة الداخلية حول إعداد ميزانيات الجماعات المحلية برسم سنة
،9111ص.0.
-التقارير السنوية الخاصة بالمالية المحلية ،الخزينة العامة للمملكة ،و ازرة
275
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
1- Les ouvrages :
276
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
277
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
2- Thèses et mémoires :
Thèses :
Aman Abdelmajid, la formation intégrée, méthode de gestion des
compétences, expérimentation dans les administrations publiques
marocaines, thèse de doctorat, Univesité Lyon, 2001.
Mémoires :
*Aline Ledoux : La comptabilité analytique des collectivités locales,
Mémoire DESS Management du secteur public, Université Lyon, France,
1999.
*Mohammed Mouadi : Planification stratégique :un moyen efficace
pour harmoniser l’investissement public local" , Master spécialisé :
Management des services publics, Institut Supérieur de Commerce et d’
Administration des Entreprises, Année académique : 2003-2004.
3 - Les revues :
278
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
4- Les rapports :
5- les journaux :
المراجع باإلنجليزية:ثالثا
279
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
فهرس الجداول
الصفحات الجداول
280
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
الفهرس
مقدمة عامة 2 ..................................................................
القسم األول :واقع التدبير المالي للجماعات الترابية88 .........................
الفصل األول :ضعف تدبير الموارد المالية للجماعات الترابية 17 ................
المبحث األول :حدود واكراهات التدبير المالي للجماعات الترابية 10 .........
المطلب األول :تعداد موارد الجماعات الترابية 10 ..........................
الفرع األول :الموارد المالية الذاتية المتاحة للجماعات الترابية 18 ............
الفقرة األولى :الموارد المالية ذات الطبيعة الجبائية 18 ...................
الفقرة الثانية :الموارد المالية ذات الطبيعة غير الجبائية.0 ...............
الفرع الثاني :الموارد المالية المحولة من الدولة 72 .........................
المطلب الثاني :معيقات تدبير الموارد الترابية70 ...........................
الفقرة األولى :اإلكراهات القانونية70 ....................................
الفقرة الثانية :ضعف مردودية موارد الجماعات الترابية 06 ...............
المبحث الثاني :واقع التحصيل والرقابة على موارد الجماعات الترابية 0. .........
المطلب األول :ضعف المجهود التحصيلي للجماعات الترابية00 ..............
الفرع األول :التنظيم القانوني والتقني لتحصيل الجبايات المحلية 00 ...........
الفقرة األولى :التأطير القانوني لتحصيل الجبايات المحلية 00 ............
الفقرة الثانية :التنظيم التقني لتحصيل الجبايات المحلية00 ...............
الفقرة الثالثة :األجهزة المتدخلة في تحصيل الجبايات المحلية المدبرة
من طرف الجماعات الترابية 08 .......................................
الفرع الثاني :حدود واكراهات تحصيل موارد الجماعات الترابية 4. ..........
الفقرة األولى :إكراهات قانونية وتنظيمية 4. .............................
الفقرة الثانية :إكراهات اجتماعية ونفسية 40 .............................
المطلب الثاني :إكراهات الرقابة على موارد الجماعات الترابية 80 .............
281
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
282
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
283
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
284
التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
285