You are on page 1of 4

1

‫ورقة حول تقرير الخمسينية‪:‬‬

‫لقد جاء تقرير الخمسينية كاستجابة لخطاب الملك محمد السادس‪ ،‬في خطابه‬
‫بمناسبة ذكرى اإلستقالل ‪ 20‬غشت‪ ، 2003‬بهدف وضع الحجر األساس لمشروع جماعي‬
‫وتشاركي للدراسة والتأمل والنقاش‪ ،‬يهم إنجاز تقويم استرجاعي لمسار التنمية البشرية‬
‫بالمغرب‪ ،‬منذ االستقالل‪ ،‬واستشراف آفاقها‪ ،‬على مدى العشرين سنة القادمة ‪.‬ولقد تمت بلورة‬
‫هذا المشروع في صيغة تقرير يحمل عنوان ‪ 50‬سنة من التنمية البشرية باملغرب وآفاق‬
‫سنة ‪. 2025‬‬
‫وتقرير الخمسينية هو عبارة عن مجموعة دراسات وتقارير أشرف عليها مجموعة من‬
‫الخبراء والسياسيين واألكاديميين من أجل تشخيص السلبيات التي تشوب مسألة صناعة‬
‫القرار السياسي بالمغرب وكذا مصداقية العالقة بين السلطات العمومية والمواطنين ‪،‬كما أن‬
‫تقرير الخمسينية سيعالج موضوعات متنوعة‪ ،‬كالديمقراطية والمجتمع واألسرة والنساء‬
‫والشباب والنمو االقتصادي والتنمية البشرية والتعليم والصحة والفقر والبيئة و الحكامة‬
‫والجالية المغربية بالخارج‪.‬‬
‫كان صدور هذا التقرير في سنة ‪ 5002‬وقد تزامن وظهور تقرير لجنة اإلنصاف‬
‫والمصالحة‪ ،‬الذي اعتبره كثير من المفكرين أهم تقرير صدر في المغرب الحديث‪ ،‬والذي‬
‫حاول مسح أخطاء الماضي التي تمثلث في انتهاكات حقوق االنسان خصوصا فيما يعرف‬
‫بسنوات الجمر و الرصاص ‪ ،‬وأحداث ‪ 61‬ماي ‪ 2002‬وما شابها من خروقات وانتهاكات‬
‫جسيمة لحقوق اإلنسان‪ ،‬واالعتماد على المقاربة األمنية لطمس كل المعالم التي يمكن أن‬
‫تساعد على كشف حقيقة األحداث ‪،‬و يعد إحداث لجنة اإلنصاف والمصالحة أهم حدث‬
‫حاولت من خالله السلطات طي الماضي األسود النتهاكات حقوق اإلنسان في المغرب‪،‬‬
‫عبر الصفح الجميل بين الضحايا وجالديهم الذين تحملت الدولة المسؤولية نيابة عنهم‪ ،‬فتم‬
‫تعويض المتضررين من سنوات الرصاص و جبر ضررهم وطي الملف نهائيا‪ ، .‬كذلك‬
‫قضية الصحراء والعالقة بإسبانيا‪ .‬حيث أن المقاربة األمنية وسياسة شراء الوالءات ال يمكن‬
‫أن تصنع الوطنية‪ ،‬وجاء التقرير أيضا لتجاوز اختالالت السياسيات العمومية وفق‬
‫استراتيجية ربط المسؤولية بالمحاسبة‪ ،‬كل هذا من أجل بناء الحاضر والمستقبل ‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫إن أهم ما جاء به التقرير يكمن في بلورة مشروع ديمقراطي حداثي يقوم على اعتماد‬
‫مفهوم جديد للسلطة‪ ،‬مبني على فكرة التشارك في صناعة واتخاذ القرار‪ ،‬عبر الالمركزية‬
‫وسياسة القرب واطالق المشاريع التنموية في مختلف المجاالت‪ ،‬وهو ما سيتجلى في‬
‫التعددية الحزبية و إحداث عدة مؤسسات عمومية تخدم دولة الحق والقانون‪ ،‬كمؤسسة ديوان‬
‫المظالم والمجلس االستشاري لحقوق اإلنسان والهيئة العليا لالتصال السمعي البصري‬
‫والمجلس األعلى للحسابات‪ ،‬والمعهد الملكي للثقافة األمازيغية ‪،‬ومؤسسة محمد السادس‬
‫للتضامن و المندوبية السامية للتخطيط و غيرها‪ .‬ففي ميدان التربية والتعليم‪ ،‬أشار التقرير‬
‫إلى أن المغرب وضع أربعة أهداف‪ :‬التعميم‪ ،‬التعريب‪ ،‬التوحيد‪ ،‬والمغربة ‪ ،‬وفي الميدان‬
‫الصحي أكد التقرير على ضرورة بلورة مشروع يهدف إلى إرساء نظام جديد للحماية‬
‫االجتماعية يحمي حقوق الفئات المهمشة والفقيرة والتي ال تستطيع أداء تكاليف العالج‬
‫الباهظة الثمن‪ .‬اقتصاديا سينبه التقرير إلى إشكال عدم استقرار الوضعية الماكرواقتصادية‬
‫للبالد وتدخل الدولة المستمر لتوجيه االقتصاد‪ ،‬كما أن القطاع الفالحي‪ ،‬الذي تعتمد عليه‬
‫الدولة بشكل رئيسي في اقتصادها‪ ،‬عانى ومازال يعاني من قصور كبير بسبب تقادم الوسائل‬
‫التكنولوجية المستعملة وصغر حجم المزارع والضيعات واالعتماد على أساليب زراعية عتيقة‪.‬‬
‫—‪-‬وفي القطاع الخاص‪ ،‬ما زال المغرب يعرف تمرك از للمشاريع االستثمارية الكبرى في‬
‫مدن الرباط والدار البيضاء‪ .‬ويعاني القطاع من صعوبة الحصول على القروض ومن ارتفاع‬
‫نسبة الفائدة ومن التعقيدات المتعلقة بالنظام العقاري وبطء المساطر اإلدارية والقضائية‬
‫وانتشار ثقافة اقتصاد الريع‪ ،‬خاصة في ظل اعتماد متواصل على البترول المستورد كمصدر‬
‫للطاقة‪ ،‬والذي يكلف خزينة الدولة أمواال باهظة‪ ،‬ويستدعي بالتالي تطوير الطاقات المتجددة‪،‬‬
‫مع نشر ثقافة االقتصاد في استعمال الطاقة بين صفوف الساكنة‪.‬‬
‫سيركز تقرير الخمسينية على مفهوم" اإلمكان البشري"‪ ،‬الذي يعد‪ ،‬في الوقت ذاته‪،‬‬
‫محرك التنمية البشرية وغايتها ‪.‬وذلك من خالل تطوير اإلمكان البشري للمغرب كشعب ‪:‬‬
‫الديموغرافيا والساكنة‪ ،‬المجتمع والتراث الجماعي‪ ،‬المكون الطبيعي والثقافي ثم تحرير‬
‫اإلمكان البشري للبالد كدولة ‪ :‬المسار المؤسساتي‪ ،‬البناء الديمقراطي والحكامة ‪،‬باالضافة‬
‫الى تثمين اإلمكان البشري‪ ،‬باعتباره حياة وتجليات ‪ :‬الصحة‪ ،‬التربية‪ ،‬ولوج الخدمات‬
‫األساسية‪،‬الحماية االجتماعية ومحاربة الفقر ؛وكذلك تعبئة اإلمكان البشري‪ ،‬من حيث هو‬

‫‪3‬‬
‫قوة عمل وانتاج للثروات ‪ :‬االقتصاد والشغل ؛ هذا فضال عن اإلمكان المادي والطبيعي‪،‬‬
‫بوصفه إطا ار وموردا للتنمية البشرية ‪ :‬تدبير الموروث الطبيعي والمادي‪ ،‬المجاالت الترابية‬
‫والبنيات التحتية‪.‬‬
‫‪-‬إن تقرير الخمسينية بهذا يعد عمال مهما حاول تسطير اإلنجازات واإلخفاقات على‬
‫مدى خمسين سنة من استقالل المغرب ‪ ،‬إال أن هذا ال يعفي من القول أنه كان ناقصا في‬
‫بعض جوانبه‪ ،‬ذلك أنه لم يركز على مبدأ المحاسبة السياسية واالقتصادية واإلجتماعية‪ ،‬ولم‬
‫يتطرق إلى مدى تجاوب المجتمع مع اإلدارة اإلصالحية التي عملت الدولة على تدشينها ‪،‬‬
‫و لم يشر كذلك إلى عجز ومحدودية وصورية مجموعة من المؤسسات التابعة للدولة ‪ ،‬كما‬
‫لم يتحدث التقرير عن عودة االنتهاكات الخطيرة لحقوق اإلنسان بالمغرب‪ ،‬كاإلختطافات‬
‫والمحاكمات غير العادلة كما أشارت إلى ذلك تقارير محلية ودولية‪.‬‬
‫لكن رغما عن كل هذا فإن تقري ار من قبيل تقرير الخمسينية هو ما ينبغي أن يكون‬
‫استراتيجية للتقييم و التغيير ‪ ،‬استراتيجية تشاركية ال تخرج عن مبدأ المصير المشترك‬
‫للمغرب الممكن ‪ ،‬المتصالح مع نفسه وماضيه ‪ ،‬كل هذا في أفق تحقيق تنمية بشرية أفضل‬
‫ولن يكون ذلك إال عبر نسائه و رجاله و شبابه و قدمائه‪.‬‬

‫‪4‬‬

You might also like