Professional Documents
Culture Documents
18/03/2024
كتب مؤيد عفانة :تعاني الهيئات املحلية الفلسطينية عمومًا من أزمات مالية وإدارية ،ترجع إىل أسباٍب عّدة ،منها ما هو موضوعي ،ومنها
ما هو ذاتي ،ولكن يوجد عنرص حاكم رئيس يف التعّثر املايل واإلداري للهيئات املحلية ،وهو ضعف "َاْلَح ْوَكَم ة" فيها بشكل عام ،خاصة مع
دورية االنتخابات املحلية ،والتي تفرز مجالس محلية ،اعتمدت يف السنوات األخرية عىل "توليفات" عشائرية حزبية ،وليس بالرضورة املهنية
التي تقتضيها أعمال الهيئات املحلية ،وعىل رأسها االلتزام بالحوكمة ،ومبادئها.
وحتى ال أقع يف فخ التعميم ،فإنه توجد هيئات محلية ُتدار بشكل مهني ،وتلتزم بمبادئ َاْلَح ْوَكَم ة ،ولكن يوجد كّم منها ما زال يتعامل مع
الهيئات املحلية بسياقات "املخرتة" ،أو إدارة الهيئات املحلية بشكل ارتجايل ،أو ضمن اإلدارة الظرفية ،وليس ضمن خطة اسرتاتيجية بعيدة
األمد ،ورؤية ذكية ،تعمل عىل استثمار املوارد املتاحة بطريقة كفؤة ،وخلق تنمية مستدامة ،وتوفري التمويل والدعم ألعمالها ومشاريعها
التطويرية ،بعيدًا عن االتكاء عىل جيوب املواطنني ،كبديل عن فشل قدراتها عىل تجنيد األموال ،أو خلق مشاريع ُمدرة للدخل.
و"اْلَح ْوَكَم ة" مجموعة القواعد واألسس والسياسات التي تضبط عمل املؤسسة ،وتحقق الرقابة الفاعلة عليها ،وتنّظم العالقة بينها وبني
أصحاب املصالح املختلفة ،وهي نظـام يتـم بموجبـه إخضـاع نشـاط املؤسسـة إىل مجموعـة مـن القوانيـن والنظـم والقـرارات ،التـي
تهـدف إىل تحقيــق الجــودة والتميّــز فــي األداء ،عــن طريــق اختيــار األساليب املناســبة ،والفعالــة ،والكفؤة ،لتحقيــق
خطــط وأهــداف املؤسســة ،وضبــط العالقات بيــن األطراف األساسية التــي تؤثــر فــي األداء ،وتشمل "الَح ْوَكَم ة" مجموعة من
املبادئ أهمها :االلتزام بالترشيعات ،النزاهة ،الشفافية ،املساءلة ،الكفاءة والفاعلية ،املشاركة ،العدالة ،مكافحة الفساد ،ومنع تضارب
املصالح.
وقد بدأ "مصطلح " َاْلَح ْوَكَم ة" ،بمفهومه الحديث ،بالظهور يف القرن التاسع عرش مع سطوع نجم الرشكات الصناعية الكربى ،ومع نمو
حجم هذه الرشكات وتعقيدها ،أصبح من الرضوري إنشاء أنظمة وعمليات لضمان إدارتها بما يخدم مصالح املساهمني ،ثم بدأ هذا املفهوم
يف التطور وبخاّص ة مع سبعينات القرن العرشين ،ثم تبلور إىل املفاهيم واملعايري الحالية األكثر وضوحًا وتحديدًا مع تسعينات القرن
العرشين ،وكان من رضورات ظهوره واعتماده حاالت التعّثر املايل ،وسوء اإلدارة يف العديد من املؤسسات حول العالم ،إضافة إىل دوره يف
الوقاية من الفساد ،األمر الذي دفع منظمات دولية للبدء يف اعتماد ُنظم "َاْلَح ْوَكَم ة" والعمل عىل تعميمها عامليًا ،حيث تم تطوير مبادئ
"َاْلَح ْوَكَم ة" ،وتبنيها من قبل الدول واملنظمات الدولية ،وكذلك عىل صعيد الدولة من قبل املؤسسات الحكومية والخاّص ة واألهلية والهيئات
املحلية.
فـ "َاْلَح ْوَكَم ة" كفيلة بنجاح مؤسسات األعمال ،وتحقيق األداء االسرتاتيجي املطلوب ،حيث تشري الدراسات العاملية أّن منشآت األعمال عىل
اختالف أنواعها ،والتي تتبنى مبادئ َاْلَح ْوَكَم ة تمتاز بالقدرة عىل تحقيق األداء االسرتاتيجي واملايل األفضل بشكل ُمتسق ،كما تعزز الحوكمة
الثقة بني منشآت األعمال وأصحاب املصلحة من رشكاء وموردين وموظفني ومواطنني ،فهي تضمن الشفافية ،والنزاهة ،واملساءلة،
والرشاكة يف اتخاذ القرارات ،مما يؤدي إىل زيادة الثقة والتقدير للمؤسسة ،كما تساعد الحوكمة عىل تقليل املخاطر واألخطاء ،من خالل
توفر منظومة رقابة فاعلة ،تشمل آليات رقابة تضمن اتباع القوانني واالجراءات ،و"اْلَح ْوَكَم ة" ليست فقط االلتزام بالقوانني ،بل االلتزام
أيضا باملمارسات األخالقية يف األعمال ،بما يشمل العدالة االجتماعية لكافة الفئات املجتمعية ،واملسؤولية املجتمعية.
كما تضع "اْلَح ْوَكَم ة" للمنظمات أساًس ا متينًا للتخطيط االسرتاتيجي ،فهي تقوم بتحديد األهداف واألولويات والنتائج املرجّوة ،باإلضافة إىل
توفري اإلرشاف الكايف للتأكد من تنفيذ هذه االسرتاتيجيات وفق املخطط ،إن "اْلَح ْوَكَم ة" الجيدة للمؤسسات ،بما فيها الهيئات املحلية هي
الرافعة لوقاية الهيئات املحلية من التعثر املايل ،والفشل اإلداري ،وتطبيقها ال يكون بالشعارات ،وانما من خالل املمارسات اإلدارية ،والتي
تشمل توظيف أفكار املدارس اإلدارية الحديثة ،مثل تفعيل الرشاقة التنظيمية ،بما يشمل هيكل تنظيمي مرن ،يعتمد عىل الكفاءة
والفاعلية ،والقيادة التحويلية ،والقيادة التشاركية ،من أجل التخفيف من املركزية املفرطة ،واالستفادة من خربات املوارد البرشية كاّف ة،
وتعميق الشعور باالنتماء ،واعتماد "الهندرة" والتي تتضمن التخلص من الجوانب غري الرضورية وغري الفّع الة لسري العمل ،والتحرر من
البريوقراطية اُملعيقة ،وإلغاء أي جوانب أو عمليات ال تشّكل قيمة مضافة ،إضافة إىل اعتماد التحول الرقمي ،والذي يوفر الوقت والجهد،
وإدارة الجودة الشاملة ،وغريها.
وختامًا ،ال ُبّد للهيئات املحلية من اعتماد "اْلَح ْوَكَم ة" ،كمفهوم وممارسة ،من أجل وقايتها من التعثر املايل ،أو عىل األقل تدارك تعّثرها
القائم ،فالهيئات املحلية ليست مؤسسات خاّص ة ،وتعثرها سينعكس سلبًا عىل املواطنني ،وعىل الخدمات املقدمة لهم ،خاّص ة وأنها األكثر
تماسًا مع احتياجات املواطنني من الخدمات املختلفة ،وهي من الجهات التي تخضع لقانون مكافحة الفساد ،كما أن ذاكرة املواطن حّية،
واالنتخابات ال محالة قادمة ،وسيكون صندوق االنتخابات وسيلة للمحاسبة واملساءلةَ ،واَل َت ِح ِني َم َناٍص .