Professional Documents
Culture Documents
إن التنمية هي فعل يستوجب التدخل والتوجه من قبل الدولة بما تملكه من إمكانيات،
خاصة الموارد المالية ،والبشرية ،ثم تحمل المسؤولية عن مدى نجاح تدخلها أو فشله ،بمعنى
أن التنمية ال تأتي بصفة تلقائية ومحصلة لظروف معينة ،بل تأتي عن طريق عمل منظم
يكون فيه اإلنسان العنصر األساسي والفاعل الرئيسي عن وضع مجموعة من التدابير
الالزمة إلحداث التنمية .وهي تهدف إلى تحقيق مجموعة من األهداف من بينها زيادة الناتج
الداخلي ،ورفع مستوى المعيشة ،وخفض نسبة اإلقراض الخارجي والداخلي مع تراجع نسب
العجز في الميزانية ،ثم تقليص التفاوتات اإلجتماعية والمجالية من خالل توزيع الثروات.
ومن األسباب أيضا نجد الرواتب الخيالية لهؤالء أو القائمين على المؤسسات،
والوكاالت العمومية التنموية وإن كان على حساب الميزانية العامة ،إذ ال يعقل ان يتقاضى
مدير مؤسسة أو وكالة عمومية راتب شهري ضخم دون تقديم أي نتيجة أو فعالية تساهم في
الرقي بالنموذج التنموي المنشود.
وهنا نسوق تجربة المملكة المتحدة في التدبير العمومي ،خاصة في الجانب المتعلق
بالمدبر أو المسؤول عن مؤسسة ما ،فأجر المدير يحدد حسب مردوده والنتائج المحققة،
إضافة كذلك إلى أن العالوات المخصصة له قد تصل إلى 25%من أجره السنوي في حالة
النجاح في أداء المهام وتحقيق األهداف ،وال يتم األمر بالطريقة المغربية حيث يكافئ المدير
عن سنوات الضياع التي قضاها أو التي سيقضيها في كرسي اإلدارة ،والمدير في المملكة
المتحدة تكون لديه الصالحية الكاملة في تعيين المستخدمين من أي قطاع سواء كان من
القطاع العام أو الخاص ،وهو الذي يحدد أجورهم ،ونظام ترقيتهم بناءا على الكفاءة
واإلستحقاق.
باإل ضافة إلى الميزانيات السوداء خاصة ميزانية المرافق المسيرة بصورة مستقلة
ومنها مثل هذه اللجان والوكاالت التنموية العامة ،ثم الحسابات الخصوصية ،وميزانيات
أخرى ال تدخل في مفكرة المراقبة والمناقشة ،كلها عوامل الفشل أدت إلى عجز عمومي في
جميع المجاالت.
واألهم من كل هذه األسباب هو غياب قضاء فعال إلى حد ما ،لماذا؟ ألن هناك
مجموعة من الملفات الموجودة بيد القضاء والتي ال زالت تتآكل في رفوف المحاكم دون
أدنى إع تبار للقانون ،ولمشاعر المواطنين،بالرغم من أن الدستور الذي اعلن عنه الملك في
سنة 2011قد وضع قواعد تضبط عمل المؤسسات السياسية واإلدارية والضبطية.
ومن الحلول أيضا تفعيل القانون المتعلق بالتصريح اإلجباري للممتلكات حيث يمكن
للمدبرين أو القائمين على هذه اللجنة ،وكل مكوناتها بالتصريح باألمالك وكل ممتلكاتهم
المادية والمنقولة مع نشره في المكان أو الفضاء القانوني المخصص لذلك ،ومن عوامل
النجاح أيضا هو محاسبة كل مسؤول عن هذه النتائج واإلختالالت السيئة ،وتقديمهم إلى
العدالة ومحاكمتهم حتى يكونوا عبرة لكل مسؤول فاسد ،مع إلزامهم بإرجاع كل األموال
المنهوبة.
في نظري هذه اللجنة إ ذا تمت صياغتها وتدبيرها بالطريقة التقليدية المعتادة لدى المدبر
المغربي فإنها ستفشل حتما ،أل ن التجارب السابقة خاصة في مجال التنمية (وكاالت التنمية)
أثبتت عجزها عن مواكبة مطالب ،وحاجيات المواطنين ألن من يقوم بتدبير هذه اللجان أو
الوكاالت ،أو البرامج التنموية هو نفسه المشرف على جميع تنفيذ المشاريع ،وبالتالي فإن هذه
الجهة التي أعطاها الملك الثقة الكاملة قد استنفذت جميع الحلول وأصبحت عاجزة عن
اإلبداع واإلبتكار.
الحل ليس هو إختيار أشخاص لهم تجارب إدارية وسياسية فقط ،أو قد يكونون أطر في
إدارات أخرى ،أو لهم شهادات من الخارج ،بل يجب البحث عن أطر وخبرات شابة لها
الحماسة والوطنية واإلستعداد بما يكفي لخدمة هذا الوطن ،وخدمة المواطن .فكم من خبرات
تم تعيينها في مؤسسات وإدارات ووكاالت عمومية على اشكال مختلفة ،ولجان تنموية سابقة
بدعوى مواكبة النموذج التنموي لمطالب المواطن ،واكتشاف مكامن الخلل ،وتقديم الحلول،
ولكن بدون جدوى ،ألن ما يحرك هذه األطر والخبرات هي الرغبة الذاتية أو تنمية الحساب
البنكي ،او خدمة أجندة معينة هو تابع لها.
من الحلول ايضا ،ومن خالل التجارب السابقة هو عدم إختيار شخصيات منتمية سياسيا
أو ليست لها عالقة مع منظمات او كتل سياسية كيفما كان شكلها وتوجهها ألنها ال تعمل
بلهف على تطوير الوطن وخدمة المواطن من خالل التجارب السابقة ،بل هدفها هو خدمة
المفكرة السياسية لذاك الحزب الذي ينتمي اليه ،او جماعة أخرى ،وبالتالي خدمة توجهاته
الذاتية وتوجه أعضائه.
ويجب كذلك منع المحاصصة الحزبية في تكوين هذه اللجنة بالرغم من وجود كفاءات
وأطر ذات خبرات تدبيرية حزبية بسبب إنتماء وإيديولوجية هذه الخبرات أو غيرها ،وقد يتم
التخلي عن أهداف وخطط اللجنة في حالة مواجهة سياسية خاصة مع الحكومة أو حزب
معين في شكل انتقام كما حدث مرار وتكرارا (البلوكاج).
كذلك من الحلول هو إعطاء الحرية الذاتية والكاملة للمدبر منذ لحظة تعيينه على رأس
اللجنة للقيام بمهامه دون تعليمات أو توصيات من جهة ادارية أو سياسية حتى يعمل انطالقا
من تجاربه ،ويستغلها في اختيار األشخاص المناسبين للعمل في تطوير آليات عمل اللجنة
وخدمة المصلحة العامة ،ثم العمل على تحديد اآلليات التدبيرية المناسبة للقيام بالمهمة بالشكل
الصحيح ،ثم تمكينه من الموارد الالزمة خاصة المالية.
وتندرج كذلك في إطار الحلول إختيار المدبر أو اعضاء اللجنة المعنية بالتنمية عن
طريق المباراة والتنافس الشريف ،وهو السبيل الوحيد للتقدم او إلختيار المدبر او الموارد
البشرية الالزمة لخدمة المصلحة العامة ،ويتم ذلك عبر وضع الملفات الشخصية لدى لجنة
خاصة ومحايدة وسرية يتم تعيينها من طرف الملك ،وتكون مهمتها تفحص ملفات
المترشحين والبحث عن الخبرات المناسبة لهذا الغرض ،ثم االنجازات السابقة وفحص
البرامج او خطة عمل كل مترشح او مدبر والتي على اساسها تقدم ملفات الترشيح ،ويتم
كذلك فحص فريق العمل في حالة ما اذا تقدم به احد المترشحين .واخيرا مقابالت شخصية
وتقييمية تؤطر من طرف شخصيات تدبيرية معروفة بالكفاءة والحياد والنزاهة ،وعليها
اجماع وطني ،ويستحسن ان تكون هناك مواجهة او مناظرة بين المترشحين.
ويجب أن يتم ربط صرف الرواتب ،والمكافئات والتعويضات المخصصة للموظفين او
المتعاقدين او المدبرين بما يقدمونه أي حسب النتيجة واإلستحقاق والعمل ،فحسب التجربة
البريطانية فان ربط صرف المستحقات وخاصة الراتب يتم ربطه بما يقدمه هؤالء وليس
بحسب إنتمائهم الشخصي والحزبي وحتى تكوينهم أي الشهادات الخارجية.
وأخيرا من خالل التجارب السابقة يجب مراعاة الخصائص الجغرافية لكل جهة من
خالل اختيار الشخص المناسب لتلك المهمة ،وذلك بواسطة تعيين اشخاص ينتمون لنفس
المجال الترابي ،ثم مراعاة الشهادات والتكوينات التي تناسب تلك المهمة ،مع مراعاة الكفاءة
المهنية الميدانية حسب المنطقة وتناسبها مع ذلك المجال الجغرافي (القابلية للمجال
الجغرافي).
وأتمنى ان يقوم الملك شخصيا باإلشراف على عملية اإلختيار ،وأن ال تكون عملية
اإلختيار عن طريق السيرة الذاتية التي تكذب أحيانا باستثناء بعض األطر التي تتوفر على
سجل مشرف في المجال التنموي أي حقق أرقاما ومشاريع واقعية لها وقع على الساكنة
وباعتراف منها ( هناك مجموعة من األطر في اإلدارة الترابية خاصة الوالة والعمال التي
أظهرت كفاءتها في تدبير الشأن العام الوطني).
ويستحب كذلك أن ال يتم اإلعتماد على الطريقة التقليدية التي تكون األحزاب طرفا فيها
من خالل تقديمها ألشخاص يكونون أحيانا غير قادرين على مواكبة المهمة ،أو تقديم
إضافات نحن في حاجة إليها ،او حتى من القطاعات الوزارية األخرى او أشخاص معينين
دون مراعاة إنجازاتهم ومسيرتهم السابقة.