Professional Documents
Culture Documents
السياسية واالدارية
مركزالبحوث والدراسات
اعداد
علي يونس
اشراف
حزيران ٢۰٢٢
المقدمة
مما ال شك فيه ان ﻤفردة الﺴﻴادة قد استقطبت في التاريخ المعاصر جزءا واﺴعاﹰ ﻤن
ﻤﺴاﺤات الﺒﺤث والﻨقاش بين مختلف الفقهاء و المفكرين و القانونيين كل بحسب الحيز
الزمنى الذي عاشوه و عاصروه و الثوابت و المتغيرات التي كانت تضفي على التعريفات
و التفسيرات حدود هذه الكلمة و حيز تفاعلها مع الواقع و تمايزها من مفكر الى اخر .
وشأنها شان الكثير من الظواهر المرتبطة بعلم االجتماع الذي يقضي بان يتحور مفهوم
الظاهرة ويتطور بمقدار المخاطر و التحديات و انبثاق الوقائع الجديدة التي ينتجها التطور
االنساني نفسه ،فكانت ممالك العالم القديم تعرف يقينا ان الحرب (داخلية ام خارجية) هي
العدو الطبيعي االول لفكرة الملك الذي كان مطابقا" ) (CONFONDUEلما نعرفه االن
بمفهوم السيادة فلم يغادر المفهوم حدود ما تنتجه الحرب من تحديات وبالتالي انحصر نتاج
المفكرين و الفالسفة حول مفهوم السلطة و قدرتها في المكان و مدى ارتباطها بالحاكم
او كيفية الحكم .
بقي مفهوم السيادة دون تشريح او فصل لغوي متباين عن السلطة الى حين انبثاق موجات
واسعة من التغيرات تمثلت عناوينها بكتابات الفكر السياسي امثال بودان ""1576
هوبز" "1690و اوستن " "1850ادى الى سطوع هذا المفهوم و اعتباره ساميا وشامال
،تالها تقييد لمفهوم الدولة السيادية والذي بدأ عمليا بعد الحرب العالمية الثانية (االمم
المتحدة) ثم الحرب الباردة ،و اختتمت بلجم اكبر لهذا المفهوم مع العولمة و ادارة نواحي
الحياة المتخصصة و تطور مفهوم السلطة نحو المسؤولية و حماية حقوق االنسان،
وعليه اصبح مفهوم السيادة يواجه في الواقع الدولي الراهن تحديات كبيرة تفرزها البيئة
الدولية بشكل مباشر اوغير المباشر وبمظاهرها المختلفة االقتصادية واالجتماعية والثقافية
والسياسية.
و تجاه تلك المتغيرات و التحديات الى اي حد يمكن القول ان مفهوم السيادة الدولية الذي
تشكل عبر القرون االخيرة آيل الى االضمحالل في وجه مفهوم منافس مفترض و هو
التدويل؟
لالجابة على هذا السؤال سيتم معالجة الموضوع في هذا البحث على فصلين كل منها ينقسم
الى مبحثين.
يعالج الفصل االول مفهوم السيادة في فقرته االولى من المنظور التاريخي و النظريات و
االنتقادات ثم ينتقل في فقرته الثانية لتبيان التطور لهذا المفهوم خصوصا في مرحلة ما بعد
الحرب العالمية الثانية.
يعالج الفصل الثاني مفهوم التدويل في فقرته االولى كمنافس مفترض لمفهوم السيادة و
االراء الفقهية التي حاولت تعريفه تم في فقرته الثانية يدرس االليات و الكيانات التي تحقق
التدويل و كيف تنتقص من سيادة الدول .
و يختتم البحث بخاتمة تلخص االستنتاجات لما عرض في الفصلين السابقي الذكر.
القسم االول :السيادة
اما لدى التكلم عن السيادة في االطار المرتبط بالدولة او السلطان في االقليم فهي سلطة
الدولة العليا على رعاياها ،واستقاللها عن أية سلطة أجنبية ،وينتج عن هذا أن يكون للدولة
كامل الحرية في تنظيم سلطاتها التشريعية واإلدارية والقضائية وأيضا لها كل الحرية في
بينها1. تبادل العالقات مع غيرها في العمل على أساس من المسـاواة الكاملـة
اما المؤرخ البريطاني هاري هنسلي فقد اشار اوال لدى تكلمه عن مفهوم الدولة في كتابه
" السيادة" انه "نتاج الفكر" و بالتالي يلحقه مفهوم السيادة بالتبعية فبقدر ما يتطور
مفهوم الدولة (من المجتمعات البدائية ،الى المجتمعات التي ترضى او تجبر للعيش ضمن
نظام سياسي) يلحقه مفهوم السيادة و عليه تصبح السيادة هي القمة او الحتمية االخيرة
لتطور مفهوم السلطة السياسية في االقليم. 2
بن عامر تونسي ،قانون المجتمع الدولي المعاصر ،دار المطبوعات الجامعیة ،الجزائر، 2000 ،ص .90 1
2 Harry Hinsley , SOVEREIGNITY,Cambridge University press, 1966, page 1 to 6
على الرغم من الفكرة القائلة بان السيادة بمفهومها الحديث هي وليدة معاهدة وستفاليا
" "1648اال اننا حين نغفل ضرورة ورود المفردة بحد ذاتها يمكن ارجاع هذه االصول الى
العهد اليوناني القديم الذي شهد تطور كبير في تنظيم االطر السياسية و تدبير شؤون الدولة
على االقل بمفهوم الدولة -المدينة التي كانت تتنعم بمقدار كبير من االكتفاء ليس على
المستوى االجتماعي للكلمة بل حتى لتمايزها عن الدول -المدن االخرى في النظام السياسي
و القانوني ومنه اليمكن انكار(وان بالمعنى اللغوي) الخاصة الجوهرية االولى للسيادة اي
اليونانية3. التفرد و التمايز التي كانت تتمتع بها المدن
اما الﺴﻴادة ﺒﻤعﻨاها اللغوي المقونن ﻴعود إلى فقهـاﺀ العـﺼور الوﺴطى ،وﻴذﻜر ﻤﻨهم على
،"Beaumanoir4ولﻜن هﻨاك ﺸﺒه إﺠﻤاع ﺒﻴن علﻤاﺀ الفقه ﺴﺒﻴل الﻤﺜال "ﺒوﻤاﻨوار
الدﺴﺘوري الﺤدﻴث على أن ﻨظرﻴة الﺴﻴادة ﺘعود أﺼولها إلى الفقﻴه ﺠان ﺒودان ،وهو أول
ﻤن أوﻀح ﻤعﻨى ﻜلﻤة الﺴﻴادة في ﻜﺘاﺒه عن الﺠﻤهورﻴة عﻨدﻤا قال" :إن الدولـة إﻨﻤا هي
ﺤق الﺤﻜم على اﻷﺴر فﻴها ،وﺤق إدارة ﺸؤوﻨها الﻤﺸﺘرﻜة ﺒﻴﻨها وذلك على أﺴاس الﺴلطان"
وانها " السلطة العليا التي يخضع لها المواطنون و الرعايا و ال يحد منها القانون" .و
بالتالي جاءت معاهدة وستفاليا كترجمة عملية لهذه المفهوم الصاعد كحجر اساس في حفظ
السالم في اوروبا بعد حرب امتدت لثالثين عاما ( )1648-1614وشكل اول اشارة قانونية
5. لهذا المفهوم
نلي بالذكر المفكر هوغو غروثيوس الذي عالج المفهوم ايضا" من ناحية الشؤون الخارجية
3 Dimitri Georges Lavroff, Histoire des idées politiques, Éditions Dalloz, Paris, 1998, p.8.
4فیلیب دي ریمي ،سیر دي بومانوار ،عاش من عام 1247حتى عام 1296مسؤول إداري فرنسي .مؤلف كتاب Coutumes de
Beauvaisisعام ، 1283وطبع عام 1690
5محمد علوان ،القانون الدولس العام ،دار وائل للنشر الطبعة الثانیة ، 2007،الصفحة 53
للدولة التي تشكل تجسيدا للسيادة لمن يراها من الخارج اي الدول االخرى ،فال يمكن التكلم
عن السيادة اذا كنت موجودا لوحدك و بالتالي تكون السيادة هي الشخصية التي من خاللها
يحصل التفاعل والعالقات الصحيحة بين الدول ،اما عن تمركزها فيعتبر انها تتركز بالسلطة
السياسية العليا .
يليه جان جاك روسو في كتابه "العقد االجتماعي" " "1762فيعتبر السيادة انها كلية
المواطنبن تتصرف ككيان واحد قد اناطوا السلطة للتكلم باسم السيادة عبر العقد االجتماعي
تجزئتها6 . مشيرا انه ال يمكن حد السيادة و حصرها بشخص او تقسيمها و
و يبرز ايضا المفكر البريطاني جون اوستين الذي يعتبر من اوائل منظري المدرسة
الكالسيكية للسيادة فيشير ان الدولة هي النظام القانوني الذي يضم سلطة عليا تتصرف
كالمصدر االوحد و النهائي للقوة .و قد تعرض الوصف االخير لالنتقاد على انه يمهد لظهور
المطلق7. الدكتاتوريات و الحكم
و بالتالي يمكن استخالص الخصائص المعيارية النظرية للسيادة الكالسيكية فانها :
مطلقة :فال توجد اي سلطة اوهيئة في الدولة تسمو عليها . -
-ثابتة :فال تتغير بتغير السلطة السياسية او بفراغ الدولة من السلطة لفترة ما.
-شاملة :اي انها تسري على كامل مناحي و اشخاص و عناصر الدولة باستثناء ما حدد
في االتفاقيات والمعاهدات .
-غير قابلة للتنازل :انها ليست ملكية للسلطة او لسلطان ليتصرف بها.
6حسن عبد هللا العاید ،انعكاسات العولمة على السیادة الوطنیة ،دار كنوز المعرفة ،عمان ، 2008 ،ص 53
7المصدر نفسه ،ص54
-غير قابلة للتجزئة :اي انها كلية واحدة فال سيادة اخرى في الدولة الواحدة.
اما لدى التكلم عن مظاهرها فتبرز ثنائية ،السيادة بمظهرها الداخلي اي حق الدولة بالحكم
على جميع مواطنيها و مظهرها الخارجي اي بتمثيل الدولة لرعاياها بين سائر الدول .اال
انه باعتبار السيادة ال تستمد أصال أال من نفسها ,وال تقر بسيادة تعلو عليها وهو تحديد
مطابق كان داخليا" او خارجيا" مما يفسر وحدانية السيادة كونها غير خاضعة للمقاييس
المادية ) مثل القيم ( وفي هذا اإلطار يقول مالبرغ :أن السيادة الخارجية هي التعبير للسيادة
الداخلية في الدولة ،كما أن السيادة الخارجية غير ممكنة بدون السيادة الداخلية.8
اما اذا لحقنا تطور المفهوم النظري عبر الموجه التغييرية الثانية المشار اليها في المقدمة
فال شك أن فكرة السيادة في ظل الدولة القومية قد اكتسبت مركزا ممتازا ،وغدت شعارا
للكرامة الوطنية و الدولة االمة ،وأفضل تجسيد لمعاني السلطة العليا والحرية واالستقالل.
إال أن مفهوم السيادة أخضع بعد التطورات الدراماتيكية التي شهدها العالم إثر الحرب العالمية
الثانية.
8 Carré de Malberg, Contribution à la théorie générale de l’etat. Tome I, page 70.
9عبد الفتاح عبد الرزاق محمود ،النظریة العامة للتدخل في القانون الدولي ،الطبعة االولى 2009الصفحة 130,131, 129
فمن جهة كانت الماركسية عبر البعض من منظريها امثال المفكر البريطاني هارولد السكي
الذي اعتبر ان الحقيقة الوحيدة التي تضمن السالم تكمن في " :إعادة بناء العالقات بين
طبقات المجتمع الحديث و هذا يكون عبر التخلي عن السيادة في الشكل الرأسمالي
و لكن سرعان ما اصطدمت الماركسية النظرية السالم"10 الكالسيكي الذي يضرب جذور
بعدم قابليتها للصمود امام الواقع المغاير فاالتحاد السوفييتي بقي منضويا تحت مفهوم الدولة
و اضطر للرضوخ لحقيقة انقسام المجتمع الدولي و سلك كالبقية تحت اسس القانون الدولي
و منه مفهوم السيادة .
و من جهة اخرى كان انشاء منظمة االمم المتحدة 1945التي على الرغم من تأكيد ميثاقها
على سيادة الدول و ومبدأ عدم التدخل ،اال انه و بمنظار التدويل ادى الميثاق الى تقليص
ملحوظ في دور السيادة الوطنية على حساب المسؤلية الجماعية في نطاق العالقات الدولية
المتبادلة انطالقا من مقدمة الميثاق "نحن شعوب االمم المتحدة " ،11و المادة االولى التي
تشير الى دور و اهداف االمم التحدة فينص ميثاقها في هذه المادة:12
.1حفظ السلم واﻷمن الدولي ،وتحقيقا لهذه الغاية تتخذ الهيئة التدابير المشتركة الفعالة
لمنع اﻷسباب التي تهدد السلم وإلزالتها ،وتقمع أعمال العدوان وغيرها من وجوه
اإلخالل بالسلم ،وتتذرع بالوسائل السلمية ،وفقا لمبادئ العدل والقانون الدولي ،لحل
المنازعات الدولية التي قد تؤدي إلى اإلخالل بالسلم أو لتسويتها.
.2إنماء العالقات الودية بين اﻷمم على أساس احترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية في
الحقوق بين الشعوب وبأن يكون لكل منها تقرير مصيرها ،وكذلك اتخاذ التدابير
اﻷخرى المالئمة لتعزيز السلم العام.
10 Peter Lamb, Harold Laski (1893–1950): political theorist of a world in crisis, British International Studies
333
Association1999, page
11تنص میثاق االمم التحدة في دیباجتها :نحن شعوب االمم المتحدة و قد الینا على انفسنا ان ننقذاالجیال المقبلة من ویالت الحرب.
12میثاق االمم المتحدة ،الفصل االول ،المادة االولى ،مأخوذ من االلموقع الرسمي لالمم المتحدة ،على الرابط:
https://www.un.org/ar/about-us/un-charter/full-text
.3تحقيق التعاون الدولي على حل المسائل الدولية ذات الصبغة االقتصادية واالجتماعية
والثقافية واإلنسانية وعلى تعزيز احترام حقوق اإلنسان والحريات اﻷساسية للناس
جميعا والتشجيع على ذلك إطالقا بال تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين وال تفريق
بين الرجال والنساء.
.4جعل هذه الهيئة مرجعا لتنسيق أعمال اﻷمم وتوجيهها نحو إدراك هذه الغايات
المشتركة.
وبذلك أصبحت ممارسة حقوق الدولة في سيادتها مشروطة تحت طائلة المساءلة الدولية
في ما يعتبر تهديدا لالخر كمفهوم مماثل للقول الشائع "تقف حريتك حين تبدأ حرية
االخرين".
القسم الثاني :التدويل
يعد التدويل ظاهرة مقيدة للسيادة و تنتقص منها بمفهومها التقليدي اال ان بساطة المصطلح
يخفي الكثير االشكاليات القانونية التي ظهرت بشكل جديد بعيد انتهاء الحربين العالمية مع
ارادة المنتصرين فيها لحمل لواء االنسانية سعيا" الى لجم العالم من االنزالق مرة اخرى
الى حروب مدمرة.
ان التدويل كمصطلح له (اجراآت قانونية كمنافس مفترض للسيادة) غير معرف او مشار
اليه في المواثيق الدولية او المعاهدات اال انه يوجد اراء فقهية عديدة قامت بتعريف التدويل
نورد منها على سبيل المثال ال الحصر رأي البروفيسور في القانون الفرنسي جيرار كورنو
حيث عرف التدويل قانونا" بانه ":نظام يطبقه فريق من الدول او المنظمات على حيز
معين اي مدينة ،اقليم ،ممر بحري ،مدى من البحر او االعماق او مجال جوي ويحدد مجاله
قانونا و ال يتضمن محتوى خاص معد مسبقا " و تكون تبعات هذا النظام محددة اما باستخدام
هذا المجال او الحيز او استثماره ويذهب الى حدود ممارسة سيادة عليه بدال من الدولة
االقليمية"13.
ورأي اخر للدكتور هيلين تورارد في كتابها " تدويل الدساتير الوطنية" فتعرفه بانه اخضاع
اي بمعنى الدولي14 عالقة او حالة كانت سابقا محكومة بالقانون الداخلي لموجبات القانون
اخر اخراج واقع قانوني معين من سيادة القانون الوطني او المحلي عليها و اخضاعها
لقواعد القانون الدولي.
13 Gerard Cornu, Vocabulaire Juridiques, Association Henri Capitan edition 2018, page 1216
14 Helene Tourard, internationalization des constitution nationales, LGDJ edition 2000 page30
المالحظة االولية لهذين الرأيين و القفز بين اعتباره نظام او اجراء يبدو لنا ان التدويل
ليس الية معينه تنفذها جهة معينة متفق عليها انما مجرد طرق متعددة محددة بالزمان و
المكان او الحيز الجغرافي و تهدف بمجملها لتحقيق التدويل وهو معالجة االمر القانوني
بصفة دولية.
من خالل ما سبق و لدى التمعن في نواحي التدويل في المجاالت التي كانت حصرية قانونية
او تنظيمية للدولة من مفهوم السيادة عندها يمكن تعداد هذه المجاالت فيما يلي :
أ -التدويل في المجاالت التخصصية :15اي تدويل الوظيفي للقوانين عبر المعاهدات و االطر
التنظيمية الدولية او االعراف الدولية التي بموجبها تتفرغ الدولة بجزء من سلطانها
لالطار الدولي التنظيمي المختص نضرب على سبيل المثال االتفاقات و المعاهدات الخاصة
بالمالحة البحرية و الجوية و تقسيم و استعمال الموجات الالسلكية وغيرها ،فتستفيد
مجموعة الدول الموقعة من هذه االطر التنظيمية التي تكتسب مكانتها العالمية بقدر
انتشارها فيجعل الدول غير الموقعة تعاني من تهميش او تراجع تصنيفها في هذا المجال
و الذي غالبا ما ينعكس سلبا على هذه الدول.
و قد وصل التدويل الوظيفي لدرجة متقدمة في وقتنا الحاضر و خصوصا بما يعرف اصطالحا
بالعولمة او االعتماد المشترك بين الدول interdependenceفي مختلف مجاالت
القانون و الصحة و حقوق االنسان و االتصاالت و ظهور مبادء حرية التجارة و وصول
15Elisabeth ZOLLER, Constitutionnalism in the global era, Southey Memorial Lecture, Melbourne
University Law Review 1996, p.1143-1151.
المعلومات و بذلك تشتت الركن الذي وصفه بودان بعدم تجزئه السيادة من خالل ارادة الدولة
بالتفرغ عن حقها التنظيمي المتخصص و ايكاله لالطر التنظيمية الدولية .
و هنا يمكن التفرقة بين الكيانات التي تؤدي ادوار مختلفة من التدويل الوظيفي :
-1الطريقة التقليدية :و هي قيام دولة بالتوقيع على معاهدة لخلق مفهوم ال يضر شكال
بسيادة الدولة انما لخلق اعتبارات معينة لضمان احترام حقوق االنسان و الطفل
والمرأة وكل ما يختص باحترام الذات االنسانية .
-2المنظمات المتخصصة :اي قيام منظمة ذات حضور و وجود ال يمكن انكاره بتحديد
اطر معينة و تقوم الدول بعد ذلك باصدار القوانين و القرارات لتتوافق مع تعليمات
المنظمة الدولية نضرب على سبيل المثال ال الحصر ما حدث خالل و بعد جائحة
كورونا و التقييدات المفروضة ان في مجال الطب او حرية التحرك لتتوافق مع منظمة
الصحة الدولية .و مثال اخر عن البنك الدولي او صندوق النقد الدولي و التقييدات
التي تفرضها على برامج اقتصادية من اجل قبول اقراضها و اعطائها منحا" معينة.
-3المنظمات الدولية الغير حكومية :كالصليب االحمر لدولي و منظمة العفو الدولية ،
المحكمة الجنائية الدولية ،او غرين بيس و غيرها و التي ال يمكن انكار دورها في
تحريك الرأي العام العالمي و فرض شخصية معينة تضغط على الدول لاللتزام و او
حتى الجبار الدول للتوقيع على معاهدات متعددة على سبيل المثال تحريم انتاج و بيع
و استعمال االلغام االرضية المضادة لالشخاص او لدفع الدول الدراج و مالئمة
القوانين المحلية مع اعتبارات القانون الدولي او المعاهدات الدولية مثال على ذالك
القانون الدولي االنساني و مندرجاته .الى حدود ان تقوم هذه الدول بادراج هذه
المفاهيم في دساتيرها و هذا ما يعرف اصطالحا بتدويل الدساتير المحلية.
التدويل لالقاليم التي ال يراد ان تقوم اي دولة ذات سيادة للمطالبة بها :مثال على ذلك القطب
الجنوبي 16و منطقة القاع او المعتبرة من التراث االنساني كالفضاء 17و االجرام تقوم هذه
الدول بممارسة االختصاصات المشار اليها في المعاهدة او في حال اقليم اخر بادارته بطريقة
مباشرة .و ال داعي لالسهاب في هذا المجال النه اطر تنظيمية تعمدها دول لتنظيم مجال
معين غير مطال بسيادة دولة معينة و يكون هدفه حياد هذا المجال و استعماله في المجال
السلمي .و مثال آخر تقديم مصطلح "التدويل" في وصف الحالة التي يتم فيها وضع نهر
أو قناة داخل أراضي دولة ما تحت حماية أو سيطرة أو إدارة دولة أخرى أو عدة دول (
دانزيج ؛ قناة كيل ؛ قناة بنما ؛ إقليم سار ؛ قناة السويس)
قبل ظهور المفهوم الوستفالي للسيادة كانت الدول التي تتعرض للحروب الداخلية او االنهيار
غالبا ما يتم السيطرة عليها من قبل دولة اخرى و بالتالي تصبح ضمن سيادة هذه الدولة
دون النظر الى وضعها قبل ذلك انطالقا " ان هذا المفهوم كان مرتبطا" عضويا بالسلطة .و
لكن الفصل بين السلطة و السيادة ابتداء مع المفهوم الوستفالي ثم ترسخ هذا المفهوم و
ان بقيود مع ميثاق االمم المتحدة و بروز مفهوم حقوق الشعوب بتقرير مصيرها و بانهاء
االستعمار و مقاومة االحتالل او معاناتها من حروب داخلية ادت الى انحالل السلطة فأصبحت
االمم المتحدة هي المرجع الصالح للوقوف فعليا على قدرة هذه الكيانات او الدول من ادارة
شؤونها عمليا و مساعدتها على بناء نفسها عبر وضعها تحت الوصاية االممية الى حين
قدرتها على ادارة شؤونها بنفسها.
16عاهدة أنتاركتیكا ،الموقعة في واشنطن في 1دیسمبر ، 1959دخلت حیز التنفیذ في 23یونیو ، 1961وصدق علیها اتحاد الجمهوریات
االشتراكیة السوفیاتیة و الوالیات المتحدة االمركیة
17انظر القانون الدویل للفضاء صكوك األمم املتحدة منشور على موقع االممالمتحدة تحت الرابط
https://www.unoosa.org/res/oosadoc/data/documents/2017/stspace/stspace61rev_2_0_html/V1703163-
ARABIC.pdf
18أحمد هماش ،عبد السالم دراسة في مفهوم التدویل واستخداماته في القانون الدولي .مجلة دراسات الشریعة والقانون ,عمادة البحث العلمي ,الجامعة
األردنیة ,2011الصفحة 600
و للمقاربة تم اللجوء تاريخيا الى هذا النوع من الوصايات االممية في القرن التاسع عشر و
حاليا) 19 النصف االول من القرن العشرين حيث ان التدويل جاء الخضاع اقليم معين (بولندا
لسلطة عدة دول استعمارية عبر معاهدة دولية و ذلك لالهمية االستراتيجية لهذا االقليم و
كان الهدف عدم انشاء دولة قومية مستقلة على هذا االقليم.
من بعدها نأتي على ذكر مدينة القدس التي قدم اقتراح تدويلها من قبل االمم المتحدة بصورة
مؤقتة حتى الوصول الى حل نهائي بشأنها.
و اخيرا مثال حالتي كوسوفو و تيمور الشرقية و وضعها تحت االدارة الدولية فهاتين الدولتين
عانتا من حربين اهليتين مدمرتين قد ادت الى انحالل الدولة و اضمحالل مظاهر السلطة
الموحدة للبالد مما دفع االمم المتحدة للبدء بعملية فرض السالم في ثم المساعدة في تنظيم
االنتخابات و اعادة البناء و قد استندت االمم المتحدة الخضاع هذه االقاليم و ادارتها بشكل
دولي مؤقت الى سلطتها المستمدة من الفصل السابع للميثاق .20و بالتالي كانت االمم المتحدة
هي التي امنت االنتقال المؤقت من حالة انحالل السلطة و الحرب الى رعاية انتاج دساتير
جديدة للبلدين ،و هنا تكمن عدة اشكاليات عن العالقة بين النظام القانوني الدولي والنظم
القانونية المحلية اي بين ما يعرف بال ) ثنائية /أحادية اي ) monism/dualismففي
حين أن المسؤولية تقتصر في بعض الحاالت على المشاركة الدولية غير الرسمية إلى حد ما
التي تنعكس في التشريع الخارجي للقواعد والمبادئ التي تحكم تعيين الهيئات المسؤولة عن
إجراء العمليات (االنتاخابات) والتي تأمر بوضع هذه اﻷخيرة للدستور نفسه ،فإنها في حاالت
أخرى تشبه التجريد الحقيقي من الملكية ،وبالتالي يقود إلى الحديث عن نقل السلطة التأسيسية
إلى هيئة دولية .21وفي الحالة اﻷخيرة ،نشهد تقريبا قيام سلطة دولية بمنح دستور للدولة
19أحمد هماش ،عبد السالم دراسة في مفهوم التدویل واستخداماته في القانون الدولي .مجلة دراسات الشریعة والقانون ,عمادة البحث العلمي ,الجامعة
األردنیة ,2011الصفحة 600
20تنص المادة 42من الفصل السابع لمیثاق االمم المتحدة :إذا رأى مجلس األمن أن التدابیر المنصوص علیها في المادة 41ال تفي بالغرض أو
ثبت أنها لم تف به ،جاز له أن یتخذ بطریق القوات الجویة والبحریة والبریة من األعمال ما یلزم لحفظ السلم واألمن الدولي أو إلعادته إلى
نصابه .ویجوز أن تتناول هذه األعمال المظاهرات والحصر والعملیات األخرى بطریق القوات الجویة أو البحریة أو البریة التابعة ألعضاء
"األمم المتحدة
21TOURARD H. L’internationalisation des constitutions nationales, Bibliothèque constitutionnelle et de
science politique, Tome 96, Paris, LGDJ, 2000, p.1.
التي تمر بأزمة .غير أن االختالف في الطرائق يمكن تفسيره بعوامل مختلفة يمكن الجمع بينها
أحيانا :طبيعة أزمة الدولة ،ومدى طابعها الدولي ،وطبيعة اآلثار الدولية ،وأيضا ،وبالتأكيد،
هيكل المجتمع الدولي و ديناميته كما اشير سابقا والنظام القانوني الدولي في الوقت الذي
تظهر فيه أزمة الدولة أو عندما يتقرر جعلها مسألة دولية.
الخاتمة :
ان المتغيرات التي ترافقت مع النظام الدولي في القرن االخير قد ادخلت تعديالت كثيرة على
مفهوم السيادة الوطنية و مجال تطبيقه في في الملعبين الداخلي والخارجي ،بناءا على
المتغيرات و التحديات التي طالت كل أنماط الدول وطرحت نفسها بأشكال مختلفة على تلك
اﻷنماط ،وكان لتلك التحديات مصادرها الداخلية والخارجية التي أثارت بدورها الحاجة إلى
حلول موضوعية مطاطة تطلبت تصلبا" اقل في اجالل بعض المفاهيم ومنها مفهوم السيادة
الوطنية .
لفقد اتخذت عملية التدويل منحى توسيع منظور السيادة الى المدى الخارجي المرتبط
باالعتراف المتبادل بين الدول السيادية ،إال أنها اتسعت بصورة معينة أدت إلى وضع شروط
لممارسة الدولة حقوقها في السيادة بمفهومها الكالسيكي ،وأهمها أال يتسبب من جراء تلك
الحقوق إحداث اضطراب في النظام العالمي .
هذه المشاهدة تفتح برأينا مجاال" للتفرقة من جهة بين التدويل كاجراء له مفاعيل قانونية (
وليس كنظام قانوني قائم بذاته) 22و بين التدخل كاجراء مادي مرتبط بدينامية المجتمع الدولي،
هذه الدينامية التي ال يمكن ابعادها عن السياسة و النظرية الواقعية للعالقات الدولية بالتحديد
التي تسلط الضوء على عدم التوازن بين النصوص التي تقوم على التساوي في السيادة بين
22عبد السالم هماش ،دراسة في مف هوم التدویل واستخدامه في القانون الدولي ،بحث مقدم الى جامعة الشرق االوسط عمان االردن 2010 ،
،الصفحة االولى
جميع الدول و بين الواقع الذي ال يخفي سيطرة الدول الكبرى على الكيانات التي تحقق الدويل
.
فهل ان السيادة آيلة لالضمحالل في وجه التدويل الذي اصبح يطال كافة مناحي الدولة؟
ان االجابة ليست حتمية فمن الناحية يتراجع دور ومكانة اغلب الدول وتنحسر هيبتها
ونفوذها في السياسة العالمية مما يرجح أوزان القوى االقتصادية والعلمية والتكنولوجية
على حساب القوى التقليدية و بالتالي تضطر هذه الدول برضاها او عنوة في للخوض في
ركب العولمة و الرضوخ للتدويل الوظيفي .كما و أصبح اإلنسان في حد ذاته يشكل محورا
أساسيا في القانون الدولي ،خاصة من ناحية حقوقه اﻷصلية و هذا ما جعل من مسؤولية
حماية هذه الحقوق تقع على عاتق جميع الدول باعتباره مجتمع دولي تضامني حيث ساهمت
التغييرات الدولية و باﻷخص بعد الحرب الباردة في بلورة أهم مظهر لحماية حقوق اإلنسان
أال و هو التدخل اإلنساني و عليه لم تعد الدول قادرة على التخفي وراء مبدأ عدم التدخل
بسبب اإلنتهاكات الخطيرة في حق شعوبها.
و من ناحية اخرى ان العالم قادم على اعادة توزيع وتغيير اﻷوزان النسبية للفاعلين في
النظام العالمي لذا لربما ستشهد الساحة العالمية ايضا اعادة صياغة لمفهوم التدويل من جهه
لجم للكيانات المحققة للتدويل في االطار الوظيفي ( بخاصة الجهات الدولية و المنظمات الغير
حكومية) .
اال ان السيادة تبقى من الحتميات االساسية للدول المستقلة و بزوالها تندثر الدول و لهذا
ستستمر الدول بتمسكها بهذا الحق و لكن لم يعد أمامها إال التشبث بها بحذر في ظل
حضور متربص لمجتمع دولي دائم التغير مما يجعل هذه السيادة كالحصن الذي سيدوم
لها مع تبدل الدينامية الدولية.