Professional Documents
Culture Documents
تاريخ الفكر الإقتصادي
تاريخ الفكر الإقتصادي
ينتظر من الطالب بعد تناول هذا الفصل أن يصل إلى يتبين وفهم ما يلي:
1
www.etudpdf.com
أوال :الفكراالقتصادي في الحضارة اليونانية
سادت الحضارة اليونانية خالل الفترة التاريخية املمتدة من القرن الثامن حتى القرن الثالث قبل
امليالد ،حيث شهدت بالد اإلغريق أثناء ذلك تطورا وازدهارا كبيرين شمال مختلف امليادين ،االقتصادية
والتجارية والسياسية وخصوصا الفكرية.
مر املجتمع اليوناني خالل ترقيه الحضاري بتحوالت عميقة ،على الصعيدين االقتصادي وقد ّ
واالجتماعي ،أدت إلى ظهور فئة التجار كشريحة ّ
متميزة تسعى إلى ترسيخ مكانتها والحفاظ على مصالحها في
وجه كبار مالك األراض ي الذين كانوا ينفردون بالسلطة خالل املراحل األولى من تطور املجتمع .وكان من
نتائج هذا الصراع أن انتقل النظام السياس ي للدولة من امللكية إلى األوليغارشية ثم إلى الديمقراطية.
وفي ظل املناخ االجتماعي املشحون بالصراع الشديد على السلطة ،كان أفراد النخبة من املفكرين
يتناولون مختلف القضايا العامة بالنقاش الجاد املستند إلى املنطق وإلى التفكير الفلسفي الذي ساد في
ذلك املجتمع حتى صار ميزة من ميزاته الرئيسية .وقد برع في هذا املناخ الفكري الفريد فالسفة عديدون
استمرت مساهماتهم الفكرية حتى أيامنا هذه ،من أشهر هم ُيذكر على الخصوص :سقراط ،كسينيفون،
أفالطون وأرسطو .وسنقتصر في تناولنا ملوضوع الفكر االقتصادي في الحضارة اليونانية على أهم ما جاء
به كل من كسينيفون ،أفالطون وأرسطو ،وذلك لشمولية أفكار هم وأهمية مساهمتهم في الفلسفة
اليونانية بشكل عام.
-2كسينوفون.
ينتمي كسينوفون ،الذي عاش من 344-534ق م بالتقريب ،إلى طبقة مالك األراض ي .كان محاربا
شديدا وذا براعة خاصة في وضع اإلسترتيجيات الحربية ،قبل أن ينسحب من تلك امليادين ليهتم باستغالل
ضيعة خاصة به .كان أيضا مؤرخا وفيلسوفا ،إذ أنه تتلمذ على يد سقراط وفالسفة آخرين .ترك
كسينوفون عدة مؤلفات ضمنها تجاربه وأفكاره املختلفة ،من أهمها" :االقتصادي" » « L’Economique
» .« Les revenus و"املداخيل"
ففي كتابه "االقتصادي" ،الذي ُ
اشت َّق عنوانه من كلمتي oikosالتي تعني املنزل ،بما يشمله من
نشاط يمتد إلى املزرعة العائلية ،و nomosالتي تعني اإلدارة أو التسيير ،سعى كسينوفون إلى تحليل
األعمال والنشاطات واألهداف وكذلك املسؤوليات التي يقوم بها املشرف على املنزل .وأشار إلى أنه يجب
على هذا األخير أن يقوم بتنظيم ومراقبة عمل العبيد والعمال ،وأن عليه أن يتصرف كمقاول ومسير
2
www.etudpdf.com
للمنزل وأن يهتم باملحافظة على ممتلكاته ،أي ممتكالت املنزل ،وينميها .وتعد كتابات هذا الفيلسوف من
أبرز املؤلفات التي عرفتها البشرية قديما في املجال اإلداري.
ومن أبرز األفكار التي أشار إليها كسينيفون في هذا املجال نذكر على الخصوص :استهداف اإلدارة
زيادة حجم الفائض االقتصادي وتحسين جودة املنتج ،األثر اإليجابي لتقسيم العمل ،أهمية العنصر
البشري ،واألثر اإليجابي للمصلحة الخاصة للفرد ،وكذلك الدور القيادي والرؤية الواضحة التي يتوفر
عليها القائم بأعمال املنزل أو الوحدة اإلنتاجية العائلية .هناك أيضا فكرة أخرى على قدر من األهمية
سبق بها كسينيفون كثيرا من املفكرين والتي تتمثل في أن املنفعة التي يحصل عليها الفرد من استهالك
منتج ما ال تزداد بالضرورة تبعا لزيادة كمية ذلك املنتج ،ومعنى ذلك أنها تتجه نحو التناقص.
-3أفالطون
عاش أفالطون من سنة 524ق م إلى سنة 353ق م،أي في املراحل األخيرة للحضارة اليونانية .كان
تلميذا لسقراط وتتلمذ على يديه فيما بعد أرسطو .ترك مؤلفات عديدة من أهمها "الجمهورية"
و"السياس ي".
كان أفالطون ،على غرار فالسفة عصره ،يتناول موضوع النشاط االقتصادي في املجتمع اإلنساني
في إطار دراساته املتعلقة بالفلسفة واألخالق ،ولم يكن يتناوله كميدان مستقل قائم بذاته ،كما صار عليه
األمر بعد النهضة األوربية التي أدت إلى ظهور ما يعرف بعلم االقتصاد.
ومن أهم األفكار االقتصادية التي جاء به أفالطون ،نورد هنا على الخصوص ما يلي:
-يرى أفالطون أن الحياة االجتماعية يجب أن تكون مؤسسة على "مبدأ العدالة االجتماعية" .وهو
يتحدث في هذا الشأن ّ
عما يجب أن يكون في ظل املدينة الفاضلة التي كان يحلم بها ،وليس عن
ش يء واقعي موجود بمجتمعه الذي كان يعيش فيه .ومن مقتضيات هذا املبدأ أن ال ُتحرز
ُ ُ
ووضعيات األشخاص االجتماعية بالتوارث وإنما بإثبات الجدارة عن طريق املسابقات املناصب
واالمتحانات؛ن وبذلك تتوفر لكل شخص إمكانية ممارسة املهنة التي تتوافق مع قدراته
ومؤهالته؛
قسم أفالطون املجتمع إلى ثالث طبقات هي :طبقة الحكام وطبقة الجنود وطبقة املنتجين ،وفقا ملا ّ -
كان عليه الوضع في املجتمع اليوناني في ذلك الوقت .ويالحظ أن أفالطون لم ّ
يميز العبيد في مدينته
3
www.etudpdf.com
الفاضلة كطبقة من ضمن الطبقات وذلك بسبب فقدان هؤالء ملكانتهم االجتماعية املستقلة
بفقدهم لحريتهم الشخصية؛
-دعا أفالطون إلى تقسيم العمل على مستوى املجتمع وإلى جعل الكفاءة واألهلية معيارا لذلك،
مبينا أن تقسيم العمل تترتب عنه آثار إيجابية على مستوى اإلنتاج من حيث الكمية ومن حيث
الجودة .ويكون أفالطون قد توصل إلى هذه الفكرة من خالل مالحظته للواقع االجتماعي الذي كان
يعيش فيه ،ولكنه أدرك أيضا أهميتها الكبيرة في رقي الحياة املجتمعية ّ
فشدد عليها ّ
ونبه إلى ضرورة
االستفادة منها ،قبل أن يأتي مفكرون آخرون من بعده ويؤكدون عليها كابن خلدون وآدم سميث
وغيرهما؛
-لم يقبل أفالطون بامللكية الخاصة لكل طبقات املجتمع ،حيث جعلها مقصورة على طبقة
املنتجين فقط .أما الحكام والجنود فيرى أنه يجب عليهم أن يتفرغوا لضمان السير الحسن
ٌ
ملكية خاصة وال ٌ
أسر شخصية ،وأن يمارسوا عوضا عن ذلك للشؤون العامة وأن ال تكون لهم
حياة شيوعية؛
ّ
-اعتبر أفالطون أن النقود تكتس ي أهمية كبيرة في االقتصاد القائم على التبادل ،لكنه ركز في بيانه
لطبيعتها على خاصيتها كوسيط للتبادل وليس كمخزن للقيمة ،حيث دعا إلى ضرورة نبذ امليل
االكتنازي لدى األفراد وترك سلوك البذخ والتبذير وضرورة التحلي بالسلوك القويم وباألخالق
الفاضلة .وهو ال يرى بالتالي أي مبرر الستخدام املعادن الثمينة كنقود ،بل يقترح بدال من ذلك
استخدام نوع من النقود ذي قيمة صورية مستقلة عن قيمتها الذاتية واالحتفاظ بالنقود ذات
القيمة الذاتية للمعامالت الخارجية فقط؛
-وقف أفالطون موقفا صريحا من الربا فدعا إلى منعه واعتبر الفائدة كسبا غير طبيعي ،وذلك
باستناده إلى االعتبارات األخالقية التي كان يركز عليها من جهة وباالستناد إلى كون مبرر وجود
النقود وخاصيتها األساسية تنحصر في اعتبارها وسيطا للتبادل من جهة أخرى .فاستخدام النقود
لإلقراض بفائدة يشكل إخراجا لها عن طبيعتها األصلية حيث يعبر أفالطون عن ذلك بأن "النقود
ال تلد النقود"؛
-نادى أفالطون بضرورة تدخل الدولة في الحياة العامة تدخال واسعا حيث أن ذلك البد منه
لتحقيق املصلحة العامة وتحقيق النظام وتجسيد العدالة االجتماعية؛
-اهتم أفالطون أيضا بقضية السكان واقترح على الدولة أن تعمل من أجل اإلبقاء على قدر محدد
من السكان يتوافق مع اإلمكانيات التي تتوفر عليها البالد .وللحد من التزايد السكاني الكبير لم
4
www.etudpdf.com
يتردد أفالطون في اقتراح نفي أعداد من السكان الزائدين عن الحد املطلوب إلى أماكن أخرى
للعيش ،بل ولم يتردد في اقتراح حتى الحد من الزواج وإجهاض النساء الحوامل وما شابه ذلك من
التدابير التي تمكن من الحد من النمو السكاني.
-4أرسطو .
عاش أرسطو بين سنتي 345و 323ق م .كان تلميذا ألفالطون وتأثر به كثيرا خصوصا فيما تعلق
بضرورة مراعاة الجانب األخالقي في حياة األفراد والحفاظ على سالمة الحياة االجتماعية .كما تناول هو
اآلخر القضايا االقتصادية في إطار دراساته العامة ملواضيع السياسة واألخالق والفلسفة.
لكن أرسطو خالف أستاذه من جهة أخرى في العديد من املسائل والتي من أهمها نظرته املثالية لتنظيم
املجتمع ودعوته إلى عدم السماح للحكام والجنود بالحصول على ملكيات خاصة وعدم بناء أسر وتكون
عالقات عائليةّ .
وتميز أرسطو إضافة إلى ذلك بمحاولته مراعاة الظروف املوضوعية التي تحكم الواقع
االجتماعي املعاش وإعطاء التفسيرات املمكنة للظواهر التي تسوده عبر مراحل التطور التي يمر بها.
ومن أهم األفكار التي جاء بها أرسطو في إطار تناوله للنشاطات االقتصادية ملجتمعه نورد هنا ما يلي:
ّ
-أكد أرسطو كثيرا على ضرورة احترام امللكية الخاصة ،ألن ذلك يتوافق حسب رأيه مع الطبيعة
البشرية ،وهو يسمح للنفس اإلنسانية باالرتقاء بما يوفره لها من استقاللية وحرية ،عالوة على ما
يوفره أيضا من تسهيالت مادية .كما يرى باإلضافة إلى ذلك أن امللكية الخاصة بإمكانها أن تعود
باملنفعة على املجتمع ككل إذا خضعت للضوابط األخالقية واألحكام القانونية التي يجب االلتزام
بها ،فامللكية الخاصة تكون لها في إطار هذه الشروط وظيفة اجتماعية ال يسع املجتمع اإلنساني
أن يتخلي عنها .ويكون أرسطو بهذه النظرة للملكية الخاصة قد وفر املبررات الرئيسية للمدافعين
عن هذه امللكية خالل العصور الالحقة خصوصا في عصر النهضة األوربية .أما امللكية املشاعية
فهو يرى أنها تجافي الطبيعة اإلنسانية في حب التملك ،فضال عن أنها تؤدي إلى االحتكاك والنزاع
بين األفراد ،وقد تتسبب في الندرة وانتشار البؤس ألن "الش يء الذي يعود للجميع ال يعود ألحد".
-يرى أرسطو أن تقدم املجتمع اإلنساني ّأدى إلى ظهور تقسيم العمل وإلى التبادل ثم إلى ظهور
النقود كأداة للتبادل .وقد ّبين في معرض حديثه عن النقود أنها تلعب ،باإلضافة إلى كونها وسيطا
للتبادل ،دور مخزون للقيمة وكذلك مقياسا لقيم السلع املتبادلة .غير أن وظيفتها الرئيسية تبقى
5
www.etudpdf.com
عنده بالتأكيد تلك املتعلقة بالوساطة في التبادل .أما عن الطبيعة الذاتية للنقود ،فإن أرسطو
خالف أستاذه أفالطون واعتبر أن النقود يجب أن تكون حاملة لقيمة ذاتية حقيقية تقابل ما
ترمز له من قيمة تبادلية؛
-تناول أرسطو موضوع القيمة ّ
وميز في هذا اإلطار بين القيمة التبادلية والقيمة اإلستعمالية،
وأشار إلى وجود عالقة بينهما تتمثل في كون الثانية شرطا لألولى .غير أنه لم يستطع إبراز األسباب
التي تؤدي باألشخاص إلى التبادل وغلبت عليه االعتبارات األخالقية بحيث راح يؤكد على ضرورة
مراعاة العدالة في التبادل ،أي االلتزام بما أسماه "املبادلة املتكافئة" .وحتى في أمر هذه املبادلة
ُ
املتكافئة لم يكن أرسطو واضحان ألنه لم يبين معايير محددة لتحقيق التكافؤ املشار إليه ،وف ّسر
مراده من ذلك بضرورة االتفاق بين الطرفين وتحقق الرضا من قبلهما؛
-وقف أرسطو ضد االحتكار ودعا إلى أن تكون األسعار عادلة ،كنتيجة لفكرة املبادلة املتكافئة،
لكنه لم يستطع أن يبين الحالة التي تستقر عندها األسعار تحت الضغط املتبادل بين قوتي
ُ
العرض والطلب والتي تسمى بحالة التوازن .وقد ف ّسر مقصود أرسطو باألسعار العادلة تلك
الحالة التي يختفي فيها االحتكار وتسود فيها املنافسة وبالتالي تكون السوق في حالة توازن واألسعار
ناتجة عن املنافسة؛
-وافق أرسطو أستاذه أفالطون بشأن الربا والفائدة مؤكدا موقفه الرافض لهما ،حيث يعتبر أن
النقود ال تلد النقود ،وذلك ألنها وسيلة استحدثت باألساس من أجل تسهيل التبادل ،فإذا
استخدمت في اإلقراض للحصول منها مباشرة على زيادة في الثروة تكون بالتالي قد استخدمت
استخداما يخالف طبيعتها؛
أقر أرسطو ّ
الرق الذي كان يمارس في مجتمعه واعتبر االستعباد ظاهرة طبيعية والعبيد طبقة دنيا ّ -
جعلتها الطبيعة في خدمة األسياد اليونانيين ،لكن استعباد اليونانيين لم يكن يراه طبيعيا.
بسطت اإلمبراطورية الرومانية سيطرتها في العالم ما يقارب عشرة قرون من الزمن ،امتدت من
القرن الخامس قبل امليالد إلى القرن الخامس بعد امليالد .واستطاعت هذه اإلمبراطورية أن تخضع لسلطتها
كافة شعوب البلدان املحيطة بالبحر األبيض املتوسط على اختالف أعراقها وثقافاتها وتباعد أقاليمها.
6
www.etudpdf.com
وقد كان لقوة الدولة املركزية الرومانية وشساعة أقاليمها أثر كبير في تركيز اهتمام حكامها على الجوانب
العملية للنشاط اإلداري بها ،ولم يكن هناك اهتمام كبير بالفلسفة لدى الرومان كما كان عليه الحال في
الحضارة اليونانية.
غير أن ّ
تميز الحضارة الرومانية كان فيما تركته من إرث قانوني ثمين ،والذي كان له أثر بالغ في
الفكر األوربي خالل عصر النهضة وما بعده ،خصوصا ما تعلق من ذلك باملجاالت التالية:
-فكرة القانون الطبيعي الذي كان معتمدا في اإلمبراطورية بالتوازي مع القانون املدني الذي كان
يخص الرومان ،حيث كان هذا القانون يستند إلى اعتبارات عامة تتالءم مع الظروف الطبيعية
لشعوب األقاليم املختلفة في حين كان القانون املدني مرتبطا بالتطور الخاص بالحياة االجتماعية
للرومان أنفسهم؛
-تأسيس إبرام العقود على حرية الطرفين املتعاقدين ورضاهما؛
-التأكيد على الحق في امللكية الخاصة املطلقة ،مهما اتسعت حدودها ،بمجرد كونها مكتسبة
بصورة قانونية.
وكان من نتائج تأثير اإلرث الروماني في الفكر األوربي أن أدى ذلك إلى ُّ
تأصل املذهب الفردي والحرية
ا لشخصية ورسوخ حق التملك الخاص في املجتمعات الغربية وانتشار فكرة القانوني الطبيعي الذي يحكم
الحياة االجتماعية كما تحكم القوانين الفيزيائية والبيولوجية الظواهر املرتبطة بميادين عملها.
7
www.etudpdf.com
الفصل الثاني
سيكون بإمكان الطالب بعد تناوله لهذا الفصل أن يتبن ويفهم ما يلي:
-ظهور فكر أوربي في املرحلة األخيرة من القرون الوسطى بعد فترة طويلة من الجمود تلت سقوط
الحضارة الرومانية؛
-ارتباط الفكر األوربي الجديد بالكنيسة التي كانت تتكفل بمهمة التعليم في إطار مهمتها الدينية
تجاه املجتمع؛
-ظهور فئة من املفكرين املنتمين للكنيسة سميت بـ ــ"املدرسيين"؛
ُ
-اهتمام املدرسيين ،وعلى رأسهم توماس األكويني ،باإلجابة على التساؤالت التي كانت تثار بشأن
التطور الذي بدأت تشهده الحياة االقتصادية مع انتشار النشاط التجاري والتوسع في اإلقراض؛
-محاوالت هؤالء املفكرين التوفيق بين التعاليم الدينية املسيحية ومقتضيات التوسع التجاري
باالعتماد على البراهين العقلية املستقاة أو املستلهمة من الفلسفة اليونانية.
8
www.etudpdf.com
ساد في أوربا خالل القرون الوسطى ،التي امتدت من القرن الخامس إلى القرن الخامس عشر
َّ َ
ضيقا كثيرا من حرية األشخاص االجتماعية والفكرية في القرون امليالديين ،نظام إقطاعي وتفكير كنس ي
األولى من هذه الحقبة ،ثم بدأت األمور في التغير مع توسع النشاط التجاري في القرون األخيرة بحيث ّأدى
ذلك مع الوقت إلى زوال النظام اإلقطاعي نفسه وتراجع الفكر الكنس ي ثم انزوائه.
استمر املجتمع اإلقطاعي األوربي في انغالقه مدة طويلة من الزمن امتدت من القرن الخامس
امليالدي إلى القرن الحادي عشر .بعد ذلك بدأت الحياة النشيطة تدب في ذلك املجتمع شيئا فشيئا بفضل
التواصل الذي بدأ بينه وبين العالم اإلسالمي عبر األندلس في الغرب ومن خالل الحروب الصليبية في
الشرق.
ومع هذا االنفتاح التدريجي بدأ النشاط التجاري األوربي في االنتشار والتوسع على املستوى الدولي
ُ
بعيدا عن سيطرة األسياد اإلقطاعيين ،حيث بدأت تظهر مع الوقت نقاط نشاط على أطراف اإلقطاعيات
تستقطب التجار والرحالة من أماكن وبلدان مختلفة .وكان هذا إيذانا بتحول اجتماعي عميق يطال
ٌ
مجتمع جديد يستند فيه املركز االجتماعي القوي املجتمع اإلقطاعي في أساسه ُلي ْب َنى على أنقاضه
لألشخاص على الثروة املالية املحققة من التجارة.
املعتمدة ،واستعانوا في ذلك بما لديهم من اطالع على الفلسفة اليونانية وخاصة أفكار أرسطو التي
أخذوها عن املسلمين في األندلس.
9
www.etudpdf.com
ثالثا :الفكراالقتصادي عند املدرسيين.
املدرسيون هم فئة من رجال الدين املسيحي الذين ظهروا في أوربا في املرحلة األخيرة من القرون
الوسطى وكان من أشهرهم القديس توماس األكويني وأستاذه ألبرتوس ماغنوس .وقد حاول هؤالء
املفكرون التوفيق بين األحكام الدينية واألفكار الفلسفية املستندة إلى االجتهادات العقلية التي انفتحت
تميزت دراستهم للقضايا االقتصادية عليها بعض الفئات من املجتمع األوربي اإلقطاعي آنذاك .وقد ّ
باهتمامهم الرئيس ي بالجانب األخالقي الذي يضمن العدل في املعامالت بين األفراد وليس بهدف التفسير
املوضوعي للنشاط االقتصادي نفسه ،ومن أهم املواضيع التي تناولوها بالدراسة نورد هنا بشكل خاص:
الثروة وامللكية الخاصة ،القيمة والسعر العادل ،الفائدة والنقود.
-2القيمة.
تناول ألبرتوس ماغنوس موضوع قيمة السلع املتبادلة في السوق واعتبر أن هذه األخيرة تتحدد
بأمرين ،أحدهما طبيعي واآلخر اقتصادي .وقد أشار إلى أن األمر الطبيعي يرتبط بالرغبات والنزوات
الشخصية لألفراد مما يسبب صعوبة كبيرة في تحديد تأثيره على القيمة ،ولذلك لم ُي ِّع ْر ُه اهتماما في
دراسته .أما العامل االقتصادي فيتمثل حسبه في التكاليف التي يتحملها منتج السلعة والتي تتكون أساسا
من العمل الالزم للنتا باإلضافة إلى املدخالت األخرى.
10
www.etudpdf.com
من جهته وافق توماس األكويني أستاذه ماغنوس بشأن نظريته املذكورة وحاول أن يدخل عليها شيئا
ّ
املحددة للقيمة بأنها ال تشتمل فقط على الرغبات والنزوات ولكن إضافيا بتوضيحه للعوامل الطبيعية
ِّ
َّ ُ
ت ِّّعبر أيضا عن الحاجات ،وهو ما مكنه من تسجيل خطوة إيجابية باتجاه تقرير دور الطلب في تحديد
القيمة .غير أنه لم يواصل تحليله في هذا االتجاه ليقف على تأثير عامل الطلب في هذا املجال ،حيث غلبت
عليه خلفيته الدينية وراح يبين أهمية األخالق في تهذيب تصرفات األشخاص وترتيب الحاجات ،كما
أضاف بشأن العوامل االقتصادية فكرة تتمثل في ضرورة التزام املن ِّت ِّج في حسابه لتكاليف اإلنتا بتقديره
لدخل يسمح له بالعيش وفقا لظروفه االجتماعية العادية وباالستمرار في نشاطه اإلنتاجي .وال شك أن هذا
التصور يستند أساسا إلى اعتبارات أخالقية كان األكوني يؤكد على ضرورة االلتزام بها من قبل املنتجين وال
يمثل تفسيرا لعوامل موضوعية تتحكم في تحديد تكاليف اإلنتا .
-3السعرالعادل.
وفي سياق دراستهم ملوضوع القيمة تناول املدرسيون أيضا موضوع األسعار وشددوا بهذا الشأن على
ضرورة التزام املتعاملين الذين يقومون بالبيع والشراء بما أسموه "السعر العادل" .لكن بيانهم لهذا السعر
لم يكن واضحا حيث جعلوه مرتبطا بعوامل مختلفة تتمثل في:
-تكاليف اإلنتا العادلة ،أي التكاليف التي ُيستند في تحديد مستوياتها إلى االعتبار األخالقي (وهي
تتحدد من قبل املنتجين)؛
-التزام املتعاملين بالقواعد األخالقية في تحديدهم ألثمان السلع املتداولة ً
بيعا أو شر ًاء؛
-السعر السائد الذي يحدده العرف بشكل عام.
لكن ومع ذلك فإن استناد السعر العادل إلى االعتبار األخالقي كان وجيها في ظل استقرار األسعار
وركود ظروف اإلنتا والتجارة وإمكانية جهل كثير من املشترين ملستويات سعر البيع العادية
لبعض املنتجات.
ثم أن توماس األكويني لم يجعل هذا السعر العادل ثابتا بل أباح تقلباته تبعا لظروف السوق ،أي
اعتبر أنه يتغير تبعا لظروف اإلنتا وما ينجم عن ذلك من تغير في العرض ،وذلك ملراعاة حقوق املنتجين
التي قد تتضرر في ظل تثبيت سعر البيع مع تغير ظروف السوق .
كما أضاف كتاب آخرون من املدرسيين أنه باإلمكان الخرو عن السعر السائد ،أي السعر الذي
ساد لوقت ما واعتبر سعرا عادال ،بغرض تغطية تكاليف نقل البضائع إلى األسواق أو حتى لالحتياط من
11
www.etudpdf.com
سوء تقدير التكاليف ،بحيث تطور األمر شيئا فشيئا باتجاه اإلقرار بأهمية مراعاة ظروف العرض
والطلب في تحديد أسعار السوق ،وهو ما فتح الباب مستقبال لفكرة سعر التوازن الذي يتحقق في السوق
بفعل تالقي قوتي العرض والطلب.
-4الفائدة.
التزم الفكر الكنس ي طويال بتحريم الربا تحريما قاطعا ولم يسمح باإلقراض بفائدة معتبرا ذلك ظلما
واستغالال لحاجات الفقراء .وملا شاع اإلقراض في النشاط التجاري حاول املدرسيون تبرير موقف الكنيسة
الرافض للفائدة بجملة من الردود املنطقية منها على سبيل املثال:
12
www.etudpdf.com
ومع تعدد االستثناءات التي تفتح الباب للتعامل بالفائدة ،تغلب أخيرا الرأي الذي يبيح تلك
املعامالت واكتفت الكنيسة بالدعوة في النهاية إلى ضرورة إبقاء الفائدة في حدود معتدلة.
-5النقود.
كان أهم من تناول موضوع النقود من املدرسيين "نيكول أوريزم" ،وقد تعرض هذا الكاتب في بداية
مقال له عن هذا املوضوع إلى ظروف ظهور النقود وإلى صفات السلع التي تتناسب بشكل أكبر مع دورها
ُ
القيام بذلك .وقد شدد أوريزم على أن مهمة سك كوسيط للتبادل ،ثم إلى مهمة سكها والجهة َّ
املخول لها
النقود تعود إلى الحاكم لكن ذلك يوجب على هذا األخير االلتزام بمراعاة الطبيعة الخاصة للنقود التي هي
عبارة عن أداة لتبادل ثروات األشخاص وتمثل جزءا مهما منها .وعليه فإن السلطة املكلفة بإصدار النقود
يجب أن تكون محايدة في القيام بمسؤوليتها وهي ال تملك الحق في تخفيض قيمتها بالتالعب في وزنها أو
الغش في مادتها .واعتبر أن الكسب الذي يتحقق من غش الحاكم في مادة النقود أسوأ من الربا وهو
ضريبة مستترة تضر كثيرا بالتجارة وتؤدي إلى تفش ي الفقر في الناس.
13
www.etudpdf.com
الفصل الثالث
الفكر االقتصادي عند املسلمين
بعد تناول الطالب لهذا الفصل ،يمكنه أن يقف على األفكار الرئيسية التالية ويفهمها:
14
www.etudpdf.com
تمهيد.
بزغ فجر الدين اإلسالمي في جزيرة العرب في مطلع القرن السادس امليالدي .وبعد هذا الحدث
بحوالي ثالثين سنة فقط استطاع املسلمون أن يسقطوا دولة فارس في الشرق ويحجموا دولة الروم في
الغرب ،وأن يقيموا على أنقاض هاتين اإلمبراطوريتين أمة جديدة انفردت بقيادة العالم حوالي عشرة قرون
من الزمن .وخالل هذه املرحلة قام املسلمون بتشييد حضارة راقية أعطت مكانة سامية للعلم ،فأحيت
ُ
بذلك التراث اإلنساني الفكري ،الذي أهمل طويال بعد انحطاط الحضارات السابقة ،وجادت على
اإلنسانية بإسهامات جليلة في مختلف امليادين ،كالطب والفلك والرياضيات والكيمياء والجغرافيا وغيرها.
لكن أهم ش يء ّميز املسلمين وحضارتهم عن كثير من الحضارات السابقة هو دينهم الجديد الذي
كان سببا في ظهورهم ،والذي بقي بعد ذلك نبراسا موجها ملسيرتهم .وملكانة الدين اإلسالمي عند أهله ،فقد
ّ
شكل دائما محور العلم الذي كانوا يسعون لكسبه وتحصيله ،وحتى الفلسفة اليونانية التي أخرجها
املسلمون من غياهب القرون السابقة واجهوها بمنطق الدين اإلسالمي نفسه.
لذلك فإن علماء اإلسالم لم ْيف ِصلوا دراساتهم املتناولة لقضايا املجتمع اإلسالمي عن الدين ،وكانوا
دائما يجعلون من الشريعة اإلسالمية اإلطار العام الذي ال يجوز الخروج عنه في بحوثهم .فعلى غرار كافة
الشؤون االجتماعية فإن النشاط االقتصادي كان ُيتناول عندهم هو اآلخر من منظور الدين نفسه،
ُ
خصوصا وأن أحكاما شرعية قاطعة تتعلق بهذا امليدان كانت قد أقرت بآيات قرآنية محكمة وأحاديث
نبوية شريفة صحيحة.
وبحكم الطبيعة االجتماعية واإلنسانية للنشاط االقتصادي ،فإن دراسة املسلمين لهذا املجال لم
تكن منفصلة عن دراستهم لبقية القضايا االجتماعية األخرى ،وخاصة منها موضوع الحكم وما يتعلق به
من صراعات سياسية ومهام اجتماعية وغيرها.
مع ذلك فإن مفكرين مسلمين كتبوا ،منذ القرون األولى من تاريخ األمة ،في مواضيع اقتصادية
محددة وحاولوا أن يبينوا طبيعتها املوضوعية وأسبابها وكيفيات التصرف مع املشكالت املرتبطة بها .ومن
بين تلك املواضيع يذكر على سبيل املثال مواضيع الكسب ،الخراج ،النقود ،الفقر وغيرها .أما ابن خلدون
فكتب من منظور أوسع وحاول أن يؤسس لعلم جديد يختص بدراسة موضوعية للمجتمع اإلنساني في
أسس قيامه وتنظيمه وكذلك سيره وتطوره .وقد استطاع أن يأتي في إطار هذه الدراسة بأفكار اقتصادية
هامة سبق بها كثيرا من املفكرين االقتصاديين الغربيين الذي جاؤوا من بعده بقرون.
أما في عصرنا الحالي ،وبعدما استقل علم االقتصاد بنفسه عن بقية العلوم االجتماعية واإلنسانية
األخرى ،على يد املفكرين الغربيين منذ آدم سميث ،فإن املفكرين االقتصاديين املسلمين املتمسكين
15
www.etudpdf.com
باملرجعية الدينية بدأوا منذ منتصف القرن العشرين في الكتابة في هذا املجال وكان من ثمرات جهودهم
أن أنشأوا علما جديدا هو علم االقتصاد اإلسالمي.
وفي تناولنا ملوضوع الفكر االقتصادي عند املسلمين نتعرض في هذا الفصل باختصار إلى عنصريين
رئيسيين هما مصادر الفكر االقتصادي اإلسالمي واملبادئ األساسية للنظام االقتصادي اإلسالمي.
16
www.etudpdf.com
-النهي عن التطفيف في امليزان أو الكيل،
ون» إملطففني ،إْلايت ()0( ،)1 ُوُه ُ ُْي ِ ُ
ِس َ « َويْ ٌل لِلْ ُم َط ِفي ِف َنيِ َّ ،إَّل َين إ َذإ إ ْك َتالُوإ عَ ََل إلنَّ ِاس ي َْس تَ ْوفُ َ
ونَ ،وإ َذإ ََكلُ ُ ْ
وُه َأ ْو َو َزن ُ ْ
ِ ِ
و()3؛
النهي عن الغرر والغبن والتدليس في املعامالت، -
« وال تأألكوإ أأموإلك بينك ابلباطل ،»...إلبقرة إْلية (،)111
« َم ْن غَ َّش نَا فَلَي َْس ِمنَّا» ،حديث رشيف؛
النهي عن االحتكار؛ -
ون» ،حديث رشيف؛ «إلْ َجا ِل ُب َم ْر ُز ٌوق َ ،وإلْ ُم ْح َتكِ ُر َملْ ُع ٌ
الربا؛ تحريم ّ -
هللا َو َذ ُروإ َما بَ ِق َي ِم َن ي ِإلر َاب إ ْن ُك ْنُتُ ْ مُؤْ ِمنِ َني» إلبقرة ،إْلية ()071؛ « َاي َأُّيُّ َا َّ ِإَّل َين أ َمنُوإ إتَّ ُقوإ َ
ِ
تحريم االكتناز؛ -
ِش ُُه بِ َع َذ ٍإب َأ ِل ٍي» إلتوبة ،إْلية ()33 ون إ ََّّله ََب َوإلْ ِفضَّ َة َو َال يُن ِف ُقوَنَ َا ِِف َسبِي ِل َّ ِ
إَّلل فَبَ ِ ي ْ «َ ،....و َّ ِإَّل َين يَ ْك ِ ُِن َ
النهي عن التبذير ؛ -
ِ
إلش ْي َط ُان ِل َ ِرب يه َك ُفورإً» ،إالرسإء ،إْليتان ( )06و()07؛ إلش َيا ِطنيِ َو ََك َن َّ ْ
«َ ....و َال تُ َب يِذ ْر تَ ْب ِذ َيرإ ،إ َّن إل ُم َب يِذ ِر َين ََكنُوإ إخ َْو َإن َّ
ِ ِ
فرض الزكاة باعتبارها عبادة فردية يسأل عنها كل مسلم في الدنيا وفي اآلخرة؛ -
«خ ُْذ ِم ْن َأ ْم َوإ ِلهِ ْم َصدَ قَ ًة ت َُطهي ُِر ُ ُْه َوتُ َز ِكي ِيم ِبِ َا َو َص ِيل عَلَيْ ِ ْم ۖ إ َّن َص ََلت ََك َسكَ ٌن لَّهُ ْم ۗ َو َّ ُ
إَّلل َ ٌِعي ٌع عَ ِل ٌي» إلتوبة ،إْلية ()103؛
ِ
ضمان الحقوق من خالل القضاء وفرض التوثيق بكتابة الديون، -
« َاي َأُّيُّ َا َّ ِإَّل َين أ َمنُوإ إ َذإ تَدَ إيَنُْتُ ْ بِدَ ْي ِن إ َىل َأ َج ٍل ُم َس ًمى فَا ْك ُت ُبو ُه » .... ،إلبقرة ،إْلية ()010؛
ِ ِ
باإلضافة إلى آيات وأحاديث أخرى كثيرة.
17
www.etudpdf.com
يلتزم املفكر االقتصادي املسلم في دراسته للظواهر واملشكالت االقتصادية التي تحدث في املجتمع
بجملة من املبادئ تم إقرارها بأحكام قاطعة على مستوى املصادر األساسية للفكر اإلسالمي ،وهي تتمثل
على الخصوص في:
www.etudpdf.com
املطلب الثاني :مبدأ الحرية االقتصادية.
في ظل صيانة اإلسالم للملكية الخاصة وحثه على التجارة والتنافس في الخير بشكل عام ،استقر في
الشريعة اإلسالمية بشكل راسخ مبدأ حرية ممارسة النشاط االقتصادي والتجاري ،وهو مبدأ ينجر عنه
بالضرورة انفتاح املجال أمام األفراد للمنافسة وقيام السوق كنظام حيادي تتالقى على مستواه قوى
العرض والطلب وتحدد فيه أسعار السلع والخدمات املختلفة.
ولذلك فإن االقتصاد اإلسالمي يقوم منذ بدايته األولى على السوق وهو يحارب االحتكار ويفتح
املجال للمنافسة النزيهة الخالية من الغش والتطفيف والتدليس وغيرها من التصرفات املحرمة
واملذمومة .ومما ُيذكر بشأن املنافسة والدخول إلى السوق بحرية أن النبي صلى هللا عليه وسلم لم يفرض
َ
أي خراج على التجار ملا فتح سوقا خاصة باملسلمين في املدينة ،وقال ملا وقف على املوضع الذي اختاره
لذلك السوق » هذإ سوقك ،فَل ينقصن وال يرضبن عليه خرإج» .كما أنه لم يقبل التدخل في السوق لفرض سعر
ُ
محدد لبعض السلع بسبب الغالء ملا ط ِل َب منه ذلك ،وقال في رده» :إ َّن َ
هللا ه َُو إمل ُ َس ِيع ُر إلقَاب ُِض إل َب ِاسطُ إ َّلرإ ِز ُقَ ،وإ ِ يِن
ِ ِ
َ َْل ْر ُجو َأ ْن َألْ َقى َ
هللا َولَي َْس َأ َح ٌد ِمنْ ُ ْك يَ ْطلُ ُب ِِن ِب َم ْظلَ َم ٍة ِِف َد ٍم َو َال َمالٍ ».
ُويعتبر السوق القائم على حرية املنافسة ومنع االحتكار وااللتزام بالضوابط الشرعية واألخالقية في
املعامالت من أهم األسباب التي تؤدي إلى الرفع من كفاءة املتعاملين ،منتجين وتجارا ،ومن انتشار الثقة
بينهم ،وفي املحصلة إلى زيادة الرخاء داخليا وتحسن مستوى التنافسية املحلية مقارنة بالخارج.
www.etudpdf.com
املطلب الرابع :تحريم الربا و إقرارالتمويل باملشاركة.
َ
حرم اإلسالم الربا وحث على الضرب في األرض وط ْر ِق أبواب الخير .وقد أوردنا اآلية الدالة على ذلك
قطعي بنص صريح ،وهو يشمل القرض االستهالكي والقرض اإلنتاجي معا ،بناء ٌ ٌ
تحريم أعاله .فتحريمه إذن
على فتاوى جمهور علماء األمة.
ّ
باملقابل ،أقر هؤالء العلماء التمويل التشاركي (أو الالربوي) ،الذي شكل في االقتصاد اإلسالمي بديال
أكثر فعالية وانضباطا من نظام التمويل الربوي الرأسمالي .وذلك ألن النظان األخير يفرض أجرة على
استخدام رأس املال النقدي تتمثل في الفائدة وال يخضع لضوابط أخالقية كافية من شأنها أن تضمن
املحافظة على حقوق املتعاملين املاليين بشكل دائم .هذا باإلضافة إلى كون النظام أي التشاركي يفتح
املجال واسعا أمام الكفاءات والطاقات املالية واإلنتاجية والتجارية املختلفة لتنطلق وتنمو وتحقق
أهدافها التي تريد.
في الخالصة نقول أن النظام االقتصادي اإلسالمي يستند إلى أصول عقائدية وأخالقية دينية
واضحة ويقوم على جملة من املبادئ التي من شأنها أن تضمن له الفعالية والكفاءة في السير والعدالة في
توزيع الدخل والثروة باإلضافة إلى االستغالل الجيد للموارد.
20
www.etudpdf.com
الفصل الرابع
يمكن للطالب بعد دراسته لهذا الفصل أن يصل إلى فهم ما يلي:
-انتقال املجتمعات األوربية الغربية في نهاية القرون الوسطى وبداية العصر الحديث إلى مرحلة
جديدة عرفت بالرأسمالية التجارية التي راج فيها النشاط التجاري كثيرا وصارت الطبقة
البورجوازية هي األكثر تأثيرا في الشؤون العامة؛
-انزواء الفكر الديني بعد انتصار الفكر العقالني الذي ُينعت باملوضوعي؛
-ظهور كتابات لعديد من املؤلفين تدعم هذا التحول وتدعوا الدولة إلى قيادته خدمة ملصلحتها
وملصلحة التجار التي تصب في النهاية في مصلحة املجتمع؛
-اهتمام الفكر امليركانتيلي باكتساب األمة للثروة عبر مراكمة املعادن النفيسة ،بإعطائه األولوية
للتجارة الخارجية وتوجيه النشاط االقتصادي للتوسع في التصدير من أجل تحقيق تلك الغاية؛
ُ
-تضرر بعض القطاعات االقتصادية من السياسات امليركانتيلية التي طبقت في بعض البلدان
وخاصة فرنسا ،وما أدى إليه من ظهور لفكر جديد مناهض للفكر امليركانتيلي عرف بالفكر
الفيزيوقراطي؛
-انتقاد الفيزيوقراط للمفهوم امليركانتيلي للثروة وللسياسات الحكومية التي تتدخل كثيرا في الشأن
االقتصادي ،ودعوتهم للحرية االقتصادية واحترام النظام الطبيعي؛
-مغاالة الفيزيوقراط في تفضيلهم للنشاط الزراعي ولإلنتاج الطبيعي ،التي كانت سببا في انحسار
فكرهم االقتصادي رغم إسهاماتهم الثمينة في هذا املجال ،والتي كان من أبرزها دعوتهم لتحرير
النشاط االقتصادي من تدخل الدولة.
21
www.etudpdf.com
ظهر في أوربا الغربية خالل الفترة املمتدة من القرن الخامس عشر إلى غاية النصف األول من القرن
الثامن عشر فكر اقتصادي جديد أطلق عليه "الفكر امليركانتيلي" أو الفكر التجاري .وقد تزامن ظهور هذا
الفكر مع تفكك املجتمع اإلقطاعي وازدياد نفوذ التجار وقوتهم في املجتمعات الغربية باإلضافة رسوخ
كيان السلطة املركزية وظهور الدولة القومية .وبفضل مكانة التجار النافذة في املجتمع الجديد صار
َ
بإمكانهم أن ُيؤ ِّثروا في السياسة االقتصادية للدولة ويجعلوها في خدمة مصالحهم خصوصا بعد ما وجد
امللوك مصلحتهم في التحالف معهم ضد أسياد املقاطعات داخل ممالكهم .وسنتعرض في تناولنا للفكر
االقتصادي عند امليركانتيليين في هذا املبحث إلى السمات العامة للفكر امليركانتيلي وإلى أهم األفكار التي
كان ينادي بها هؤالء قبل أن ننتهي إلى إعطاء تقييم عام للفكر امليركانتيلي من خالل إبراز أهم النقاط
اإليجابية التي سجلت له والنقاط السلبية التي سجلت عليه.
السمات التي ّ
تميزبها. املطلب األول :ظهورالفكرامليركانتيلي و أبرز ّ
في ظل التغيرات التي أشرنا إليها في املطلب السابق ،بدأت تظهر في املجتمع األوربي ،وبعد صراع طويل
مع الكنيسة التي كانت تتمسك باملرجعية الدينية في مختلف القضايا الفكرية ،فئات من العلماء واملفكرين
والفالسفة يعتمدون في تناولهم ملختلف القضايا على العقل بالدرجة األولى ،وال يقفون أبدا عند الحدود
التي تضعها النصوص واألحكام الدينية .من بين هؤالء املفكرين ظهر كتاب عديدون ركزوا اهتمامهم على
إبراز أهمية التوسع في النشاط التجاري الخارجي وفائدته في زيادة ثروة الدولة وقوتها ،متخذين من ذلك
هدفا أوليا ألفكارهم .وقد أطلق آدم سميث فيما بعد على هؤالء الكتاب اسم"امليركانتيليين" أي املناصرين
ألولوية النشاط التجاري على بقية النشاطات االقتصادية األخرى.
من أهم السمات التي تميز بها الفكر امليركانتيلي نورد هنا ما يلي:
-تخلي هذا الفكر عن املرجعية الدينية وتحرره منها بشكل كلي ،حيث لم يعد مفكرو هذا التيار
ملتزمين في تفكيرهم باألحكام الدينية التي كانت سائدة في السابق ،كما لم يعد تفكيرهم يدور حول
اهتمامات عقائدية أو أخالقية ،وإنما يهتم أساسا باملصالح الدنيوية للمجتمع خاصة منها ما كان
يتعلق باملجالين التجاري .وقد اعتبر البعض أن الفكر التجاري كان يعتمد على نفس املنطق الذي
كان يعتمد عليه ميكيافيلي في املجال السياس ي.
-تركيز الفكر امليركانتيلي اهتمامه على هدف أساس ي هو تحقيق قوة الدولة ووحدتها وزيادة ثروتها
من خالل زيادة ثروة تجارها؛
-اهتمامه الشديد بالثروة في صورتها املتمثلة في املعادن النفيسة وتركيزها بالتالي على مراكمتها؛
22
www.etudpdf.com
-اهتمامه الكبير بالجوانب العملية للسياسة االقتصادية للدولة بغرض تحقيق األهداف املشار
إليها وجعل الدراسات التي يقوم بها للظواهر االقتصادية وسيلة لذلك .فاملالح " أن مجموع
أفكار التجاريين كان وليد الحاجة العملية ،بمعنى أنهم قدموا مجموعة من التوصيات العملية
املالئمة للظروف القائمة في ذلك الحين ،ولم تكن هذه التوصيات في األغلب من األحوال نتيجة
بحث تحليلي نظري إال في حاالت قليلة" ،الش يء الذي يفتقدون لصفة الريادة فيما يتعلق بنشأة
علم االقتصاد،
-لم يشكل هذا التيار مدرسة فكرية قائمة بذاتها حيث لم يكن له أستاذ قائد وكتاب مرجع
باإلضافة إلى وجود تالميذ تا بعين ،وذلك ألسباب متنوعة منها على الخصوص امتداده على فترة
طويلة من الزمن تجاوزت ثالثة قرون.
في إطار اهتمامهم الدائم بقضايا الثروة وقوة الدولة ،كان املفكرون امليركانتيليون يركزون على جملة من
األفكار والقضايا أولوها أهمية خاصة ألثرها في تحقيق هدفهم املراد .من تلك األفكار نورد هنا ما يلي:
يعتقد امليركانتيليون أن الثروة هي قوام الدولة القوية ،ولذلك يجب على هذه األخيرة أن تسعى
باستمرار لتشجيع اإلكثار من جمعها ومراكمتها .وبالنظر إلى أهمية الذهب والفضة خالل بداية مرحلة
التوسع التجاري األوربي ،فإن امليركانتيليين ،وخاصة األوائل منهم ،كانوا يعتقدون أن الثروة تتمثل في
املعادن النفيسة .ويفسر ذلك باعتبار أن امتالك الذهب والفضة كان ولقرون طويلة عالمة ومظهرا
المتالك الثروة عند األفراد ،وكذلك على مستوى الدول .فكتاب القرنين السادس عشر والسابع عشر كانوا
في عمومهم يعتبرون مراكمة الثروة النقدية املتمثلة في الذهب والفضة هدفا في حد ذاته .على أن األمر
يظل مشوبا دائما ببعض الغموض في ظل قلة ضبط املصطلحات املستخدمة من طرف كتاب تلك
الحقبة.
23
www.etudpdf.com
بالنظر إلى االهتمامات الكبرى للميركانتيليين ،فإن التجارة الخارجية تأتي في مقدمة األنشطة
االقتصادية التي كانوا ينادون بتشجيعها ،وذلك لكونها مرتبطة مباشرة بإمكانيات تدفق املعادن النفيسة
إلى البالد بشكل مستمر .فحرص الكتاب امليركانتيليين على ضرورة مراكمة الذهب والفضة على مستوى
البلد جعلهم يؤكدون على أولوية التجارة الخارجية ،التي كانت تمثل الوسيلة األنسب للحصول على تلك
املعادن .ثم تأتي الصناعة في الدرجة الثانية من األهمية وذلك بما تستطيع توفيره من منتجات قابلة
للتصدير والتصريف في أسواق مختلف البلدان األخرى .أما الزراعة فتأتي في املرتبة األخيرة لقلة مساهمتها
في الصادرات وتدني قيمة منتجاتها على العموم.
24
www.etudpdf.com
-املرحلة األولى :حظر خروج الذهب حظرا مطلقا وضمان تحقيق ذلك من خالل املراقبة املباشرة
على عمليات االستيراد والتصدير؛
-املرحلة الثانية :التخلي عن الرقابة املباشرة على عمليات التصدير واالستيراد املنفردة واالكتفاء
بالرقابة غير املباشرة على مجموع العمليات مع كل دولة للتأكد من تحقيق فائض تجاري معها؛
َ
-املرحلة الثالثة :تبني املفهوم الحديث للميزان التجاري حيث لم تعد هناك حاجة لتحقيق فائض
تجاري مع كل دولة على انفراد بل يكفي أن تكون قيمة الصادرات اإلجمالية أكبر من الواردات
اإلجمالي.
ومن أجل تحقيق ميزان تجاري رابح اقترح التجاريون جملة من التدابير االقتصادية تتلخص أهمها في:
-تشجيع الصادرات من املنتجات ذات القيمة املضافة املرتفعة كما يقال في عصرنا لزيادة عوائد
التصدير؛
-منع تصدير املواد األولية أو املنتجات نصف املصنعة قدر اإلمكان من أجل تصنيعها محليا؛
-الرفع من القدرة التنافسية للمنتجات املحلية على املستوى الدولي بتخفيض تكاليف اإلنتاج بما
فيها أجور العمال وبتحسين مستويات الجودة؛
-اللجوء إلى الحماية الشديدة للمنتجات املحلية بفرض الرسوم الجمركية على الواردات أو تحديد
كميات بعضها أو منع بعضها اآلخر ،وما إلى ذلك من اإلجراءات.
خامسا :النقود.
لم يمنع تركيز الكتاب امليركانتيليين على املعادن النفيسة ،باعتبارها الش يء املجسد للثروة ،بعضا
منهم من ربط ظاهرة ارتفاع األسعار في أوربا خالل القرن السادس عشر بزيادة كمية النقود املتداولة .وقد
كان الفضل في ذلك للمفكر الفرنس ي "جان بودان" ( )1851-1851الذي أرجع سبب تلك الظاهرة بشكل
أساس ي إلى وفرة الذهب والفضة ،فقدم بذلك صورة أولية للنظرية الكمية للنقود .ثم جاء "جون لوك"
بعد ذلك وبين في سنوات " 1151أن األسعار تتغير وفقا لعالقة دقيقة مع كمية النقود املتداولة" .وبناء
على ذلك صار باإلمكان استشفاف عدم جدوى امليزان التجاري الرابح لفترة طويلة ،ألن ارتفاع أسعار
املنتجات املحلية ،بسبب تدفق املعادن النفيسة إلى الداخل ،يؤدي في النهاية إلى تراجع الصادرات وزيادة
الواردات ومن ثمة إلى خروج تلك املعادن من أجل تسديد العجز الحاصل في امليزان التجاري.
25
www.etudpdf.com
الفرع الخامس :السكان.
دعا امليركانتيليون إلى اتخاذ مختلف التدابير من أجل زيادة عدد السكان ،بتشجيع الزواج املبكر وجلب
العمال املهرة من الخارج مثال ،من أجل تعزيز اإلمكانيات اإلنتاجية للبالد من خالل زيادة عدد أفراد
الفئات املنتجة وكذلك من أجل زيادة القدرات العسكرية التي تمثل القوة الضاربة للدولة.
املطلب الثالث :األشكال الرئيسية للميركانتيلية التي اعتمدت في بعض البلدان األوربية.
ميز املؤرخون عدة أشكال من امليركانتيلية التي طبقت في البلدان األوربية يتمثل أهمها في الثالثة
التالية:
أوال :امليركانتيلية املعدنية (اسبانيا)
تولي امليركانتيلية املعدنية اهتماما شديدا بمراكمة املعادن النفيسة باعتبارها ثروة في حد ذاتها ،وقد
مثل هذا االتجاه اململكة االسبانية في تلك الفترة والتي حرصت بشدة على تحقيق دخول كميات كبيرة من
الذهب إلى البالد مستفيدة من مناجم الذهب الغنية املكتشفة في مستعمراتها في أمريكا الجنوبية ،كما
قامت باملقابل بمنع خروجه بمختلف الوسائل بما فيها اللجوء إلى العقوبات القاسية.
غير أن تلك السياسة كانت لها عواقب وخيمة على اقتصاد البالد بسبب ما أدت إليه من ارتفاع كبير في
أسعار املنتجات املحلية وتراجع كبير في قدرتها على املنافسة الخارجية ،وتسرب كبير للذهب في النهاية إلى
البلدان األوربية األخرى.
26
www.etudpdf.com
األسواق الخارجية الكبيرة وسيطرتها على النقل البحري استطاعت انجلترا أن تحقق نموا صناعيا غير
مسبوق خصوصا بعد الثورة الصناعية التي كانت هي مهدها األول.
27
www.etudpdf.com
املبحث الثاني :الفكراالقتصادي الفيزيوقراطي
ظهرت املدرسة الفيزيوقراطية بفرنسا في النصف الثاني من القرن الثامن عشر بقيادة الدكتور
فرانسوا كيناي ،طبيب امللك لويس الخامس عشر .وقد كان ذلك كرد فعل ملا سببته األفكار امليركانتيلية
من آثار سلبية على النشاط الزراعي بهذا البلد نتيجة إعطاء الحكومة األولوية للتجارة والصناعة .لكن
ظهور املدرسة الجديدة جاء أيضا في سياق التطور الفكري والفلسفي الكبير الذي شهدته البلدان األوربية
خالل القرن الثامن عشر الذي أطلقوا عليه "عهد األنوار".
28
www.etudpdf.com
يكون على الدولة أن تتفرغ لفرض احترام القانون وحف األمن والدفاع عن الحدود وتوفير الخدمات
العمومية التي ال يستطيع توفيره غيرها.
29
www.etudpdf.com
-نقدهم ملفهوم الثروة الذي كان يتبناه امليركانتيليون وإعطاؤهم األهمية األساسية في هذا الشأن
لإلنتاج؛
-دعوتهم لتأسيس النظام االقتصادي على الحرية واحترام حقوق األشخاص خاصة ما يتعلق منها
بامللكية وإلى حصر تدخل الدولة في مجاالت معينة فقط؛
-دعوتهم لتحرير النشاطات االقتصادية من االحتكارات التي سببتها االمتيازات املتنوعة املمنوحة
لبعض الشركات ورجال األعمال باستنادهم إلى فكرة القانون الطبيعي؛
-ابتداعهم للجدول االقتصادي الذي فتح املجال الحقا الستخدام النماذج في التعبير عن كثير من
الجوانب املتعلقة بالظواهر االقتصادية.
االقتصادية للواقع ،ألن تلك الظواهر تتأثر في الحقيقة بالتطورات االجتماعية املختلفة.
30
www.etudpdf.com
الفصل الخامس
سيكون بإمكان الطالب بعد دراسته لهذا الفصل أن يتبين ويفهم ما يلي:
-شهود البلدان الور ية الغر ية ،منذ نهاية القرن الثامن عشر ،ثورة صناعية لم يسبق لها مثيل،
كانت لها آثار كبيرة جدا على إنتاجية العمل بكافة قطاعات النشاط؛
-اكتمال االقتصاديات الوطنية الور ية الغر ية ،وخاصة ،االقتصاد البريطاني ،وما نجم عنه من
اعتياد على الضبط السوقي ملختلف النشاطات االقتصادية؛
-صدور كتاب "ثروة المم" لألسكتلندي آدم سميث ،الذي تميز بتناوله للنشاط االقتصادي
بمنظور أشمل مما كان عليه المر عند امليركانتيليين و الفيزيوقراطُ ،م ِّركزا اهتمامه على الثروة
وسبل الزيادة في إنتاجها و يان السس واآلليات التي يقوم عليها النظام االقتصادي اجدديد؛
-التحاق مفكرين آخرين بآدم سميث ،بقبولهم لعموم ما جاء به ،و تقديمهم ملساهمات فكرية
مهمة إضافية كان لها أثر كبير في تشكيل نظرية شاملة عن النشاط االقتصادي وآليات سيره؛
-ظهور مدرسة اقتصادية سميت فيما بعد بالكالسيكية تقوم على جملة من املبادئ التي من أهمها
احترام امللكية اجخاصة ،حرية املنافسة ،االعتماد على آلية العرض والطلب ،عدم تدخل الدولة في
النشاط االقتصادي وتركيز اهتمامها على القيام بمهمة الدفاع وضمان المن واجحفاظ على
اجحقوق عبر جهاز قضائي كفؤ وعادل ،باإلضافة إلى تقديم اجخدمات العمومية التي ال تتالءم
بطبيعتها مع آلية السوق؛
-تقديم مفكري املدرسة الكالسيكية لنظريات عديدة خصت مجاالت مختلفة حاول من خاللها
أصحابها أن يقدموا تفسيرات وافية لها ويدعموا جملة املبادئ التي توافقوا عليها.
31
www.etudpdf.com
لسمات والفكارالعامة للمدرسة الكالسيكية.
املبحث الو :ا ِّ
استطاعت املدرسة الكالسيكية أن تقدم تصورا كليا للنظام االقتصادي وتفسيرا آلليات سيره،
معتمدة على منهج موضوعي جعل منها مبدأ نشأة علم االقتصاد نفسه .فمن أبرز ما ميز هذه املدرسة عدم
استنادها إلى االعتبارات الخالقية أو السياسية في تناولها للقضايا املتعلقة بالنشاط االقتصادي ،إذ
استهدفت بشكل أساس ي دراسة الظواهر االقتصادية على ما هي عليه في الواقع ،من أجل تقديم تفسيرات
"علمية" ملسبباتها وتطوراتها "الطبيعية" ،أي تفسيرات منطقية موضوعية وحيادية للعوامل املكونة
للظواهر املدروسة في تفاعالتها البينية الذاتية بعيدا عن أي مؤثر خارجي .وتكمن الفائدة من ذلك،
بطبيعة اجحال ،في إتاحة فهم صحيح للنشاط االقتصادي ومن ثم فتح املدال للتعامل معه بأنسب
الوسائل والطرق ،للوصول إلى تحقيق أعلى النتائج في جوانبه املختلفة.
وقد استندت املدرسة الكالسيكية في هذا اإلطار إلى فكرة "النظام الطبيعي" ،باعتباره املحدد
الساس ي للتفاعالت اجحادثة بين مختلف عناصر النشاط االقتصادي ،و كونه نظاما تحكمه قواعد دائمة
تتعلق بالطبيعة الذاتية لتلك العناصر .وهي فكرة تعود في الصل إلى عهود سابقة وكانت بمثابة حدز
الزاوية في الفكر االقتصادي الفيزيوقراطي.
ومن أبرز القضايا أو املسائل التي اعتبرت من مكونات النظام الطبيعي عند االقتصاديين الكالسيك
وجود الدولة وكذلك إقرار امللكية اجخاصة .أي أن التطور الذي شهده املدتمع اإلنساني ،ونتج عنه ظهور
للدولة وإقرار اجتماعي بحق الفراد في اختصاصهم بحيازة أشياء أو أصول دون غيرهم ،اعتبر في حد ذاته
طبيعيا ،أي متوافقا مع الطبيعة البشرية في كال جانبيها النفس ي واالجتماعي ،على الرغم من الصراع
االجتماعي الذي يحدث عادة خالل هذه التحوالت.
فوجود الدولة ضرورة ال بد منها في البناء االجتماعي الذي تبلغ فيه اجحياة البشرية مستوى معينا من
التطور ،وقد اعتبر بعض االقتصاديين الكالسيك أن تأسيسها كان من أجل حماية ممتلكات الفئة املالكة
ضد تجاوزات الفئة غير املالكة .وما يجب التأكيد عليه في هذا املدال هو أن دور الدولة يقتض ي املحافظة
على مختلف اجحقوق التي يقرها املدتمع ملختلف فئاته وأفراده ،ومن بين تلك اجحقوق حماية امللكية
اجخاصة.
وامللكية اجخاصة ،سواء لصول تستخدم لغراض شخصية ،أو لصول تستخدم كرأسمال إنتاجي
ُ
ُيعتمد في تثميره على العمل املأجور لشخاص ال ملكية لهم ،تبرر بما ُبذل في سبيل اجحصول عليها من عمل
32
www.etudpdf.com
سابق ،بصفة مباشرة أو غير مباشرة ،كما تبرر أيضا بما تسمح به من تحفيز على بذل املزيد من اجدهد من
طرف أصحابها وما ينتج عن ذلك من تطور اجتماعي وتحضر إنساني.
ُ
في نفس السياق َيعتبر كتاب املدرسة الكالسيكية أن املصلحة الشخصية هي املحرك الساس ي
لألفراد في مختلف معامالتهم مع غيرهم؛ بل يعتبرونَ ،ب ْع َد "بيرنار مانفيل" ) ،(Bernard Mandevilleأن
النانية واجدشع واجحرص على جمع الثروة ،التي اعتبرت سلوكات غير حميدة في النظام الخالقي الديني
املسيحي ،من شأنها أن تساهم في بناء اقتصاد متين ومزدهر .فهم يعتقدون أن "الفرد في سعيه لتحقيق
مصلحته الذاتية ،فإنه يحقق في الوقت نفسه املصلحة العامة دون قصد منه أو دون أن يكون ذلك من
تدبيره" ،وهو ما أشار إليه "آدم سميث" من خالل عبارته املشهورة ب ـ ــ"اليد اجخفية".
و التوازي مع التحقق الذاتي للمصلحة العامة في ظل هذه الشروط ،يتحقق أيضا ،وفقا للفكر
الكالسيكي ،التوازن االقتصادي الكلي واالستغالل الكامل للموارد .وذلك بفضل آلية العرض والطلب التي
تؤدي من خالل عملها اجحر إلى استقرار السعار في مستويات توازنية تتقابل فيها إمكانيات العرض مع
قدرات الطلب في مختلف السواق .فباإلضافة إلى العالقة العكسية بين العرض والطلب على مستوى
سوق كل سلعة على حدة ،هناك أيضا حركات تعديل ذاتية يقوم بها رجال العمال من أجل توزيع
مشاريعهم على مختلف مجاالت االستثمار في بحث متواصل عن معدالت الر ح املدزية ،مما يسمح
بانتشار النشاطات االقتصادية في مختلف املداالت التي توفر لهم مثل تلك املعدالت.
أما عن االستغالل الكامل للموارد ،بما فيها من رأسمال وعمل ،فإن ذلك يكون مضمونا في ظل حرية
املنافسة في مختلف السواق .فالكالسيك يعتبرون أن السعار مرنة ،أي قابلة بسهولة لالنخفاض
واالرتفاع تبعا لتغير مستويات العرض والطلب ،ويعتقدون أن ذلك يؤدي بالضرورة إلى سهولة عودة
استقرار السوق في مستويات توازنية تمكن من استيعاب الكميات املعروضة سواء من املنتجات أو من
رؤوس الموال أو حتى من اليد العاملة.
وكلبنة متممة لهذا النظام الذي يسير بشكل آلي تتوج الفكر الكالسيكي أيضا بما عرف بـ ـ "قانون
ساي لألسواق" ،الذي مفاده أن العرض الكلي للسلع واجخدمات يخلق طلبا كليا مكافئا له ،بحيث ال يكون
هناك مجال لظهور أي فائض إنتاجي كلي ال يمكن تصريفه .وذلك لن العملية اإلنتاجية ،حسب "ساي"،
تنتج سلعا من جهة ،ويترتب عنها دخول بقيمة تلك السلع ،توزع على عوامل اإلنتاج املساهمة في إنتاجها،
من جهة أخرى .فهناك دائما بالتالي قوة شرائية كافية لتصريف كل السلع املنتجة.
ويتوافق هذا التصور أيضا مع ما يعتقده الكالسيك بشأن النقود ،إذ أنهم يعتبرونها حيادية وال تأثير
لها في النشاط االقتصادي عدا ما تقوم به كوسيط للتبادل .فزيادة كمية النقود عندهم "ال ينجم عنها أي
33
www.etudpdf.com
تأثير في اجدانب اجحقيقي أو العيني لالقتصاد ،بل سيقتصر تأثيرها في ارتفاع املستوى العام لألسعار
و النسبة ذاتها" ،انسداما مع اعتقادهم بثبات سرعة تداول النقود في الجل القصير ومع اعتقادهم كذلك
بالتشغيل الكامل للموارد .ومفاد ذلك أن السياسة النقدية عندهم "سياسة محايدة وال تؤثر بأي صورة
من الصور في مستوى التشغيل أو اإلنتاج أو حتى الجور اجحقيقية وأسعار الفائدة ،ويقتصر دورها في
خلق النقود الالزمة إلجراء املعامالت".
وفي ظل حيادية النقود ،يرى الكالسيك أيضا أن تحرير املعامالت التجارية مع اجخارج تكون له آثار
إيجابية من حيث زيادة الثروة بالبلد املعني وكذلك بالبلدان املتعاملة معه ،لن تلك املعامالت تفتح املدال
لتصريف املنتجات التي تفيض عن حاجة البلد محل االعتبار وحصوله على ما هو في حاجة إليه من
منتجات البلدان الخرى ،سواء لنه ال يستطيع إنتاجها باملرة أو على القل ال يمكنه القيام بذلك بنفس
الكفاءة التي يتميز بها اآلخرون عليه.
يأتي في مقدمة رواد الفكر االقتصادي الكالسيكي "آدم سميث" بما كان له من دوري تأسيس ي لهذا
التيار أو املدرسة ،ثم يأتي بعده كل من "دافيد ريكاردو" و"رو يرت مالتس" ،باإلضافة إلى كتاب آخرين.
34
www.etudpdf.com
كبير في تبرير موقفه املطالب بترك قوى السوق تعدل بشكل ذاتي تدخالت املتعاملين .ومفاد هذه النظرية
أن السلوك اإلنساني يخضع جدملة من البواعث النفسية من أبرزها حب الذات ،التعلق باجحرية ،والرغبة
ُ َ
أفضل َحكم على تقرير مصلحته اجخاصة في امللكية ،وامليل إلى املبادلة؛ ليستخلص من ذلك أن الفرد هو
بنفسه ،وليقرر بالتالي وجوب تركه حرا في سلوكه ،أي من دون أي تدخل من أي جهة خارجية في اختياراته
االقتصادية بما فيها الدولة.
وانعكاس ذلك على املصلحة العامة يكون حسب سميث إيجابيا ،لن الشخاص املدفوعين بالرغبة
في بلوغ مصاجحهم اجخاصة ال يصلون إلى تحقيق ذلك إال من خالل تقديمهم منتجات أو خدمات يستفيد
منها اآلخرون ،وهو ما يعتبر تحقيقا ملصلحة عامة .وقد اعتبر سميث أن الفراد يتصرفون بهذا املنطق
وكأنهم مساقون بـ ـ ـ ــ"يد خفية" تدفعهم دفعا لتقديم ما ينتظره ويستحسنه اآلخرون .و ناء على ذلك فإن
"اقتصاد السوق ال يعدو أن يكون تنظيما اجتماعيا لضبط سلوك الفراد في ميدان اإلنتاج وإشباع
اجحاجات ،حيث تتكفل املصاجح اجخاصة والدوافع الشخصية بتحقيق الصاجح العام".
ثانيا :الثروة.
انتقد آدم سميث امليركانتيليين بخصوص حصرهم الثروة في املعادن النفيسة ،واعتبر أن الثروة
ْ
عاملين هما عدد العاملين املنتجين ومستوى تكمن في اإلنتاج أو القدرة على اإلنتاج ،وتتوقف كميتها على
إنتاجية هؤالء العاملين ،أي مدى استخدام اآلالت وتقسيم العمل .كما انتقد الفيزيوقراط الذين اعتبروا
أن الزراعة هي النشاط االقتصادي الوحيد املنتج و اقي النشاطات عقيمة ،وأكد على املكانة اجحيوية
للصناعة في إنتاج الثروة ،مشيرا إلى أن "المم الكثر ثراء هي المم التي تتفوق على نظيراتها من المم
الخرى في الصناعة ال في الزراعة".
35
www.etudpdf.com
تقسيم العمل شديدا ،وكان هناك بالتالي زيادة في مستوى اإلنتاجية وفي حدم الثروة .وهو ر ط مهم بين
توسيع آفاق البيع وزيادة حدم اإلنتاج.
36
www.etudpdf.com
لش يء ما ،في الواقع ،يتحدد بالتكاليف النقدية لإلنتاج ،املكونة من الجور ،والريع ،والر اح ،التي تمثل على
الترتيب "السعار الطبيعية" للعمل ،ولألرض ،ولرأس املال" .لكن سميث لم يقدم مع ذلك أي تفسير عن
طبيعة الريع أو الر ح ،الش يء الذي أدى إلى اعتبار نظريته في القيمة بدون معنى ،وأنها ال تعدو أن تكون
سوى تفسير لألسعار بالسعار.
www.etudpdf.com
دافيد ريكاردو ( )3271-3227نشأ في عائلة يهودية هولندية من أصول برتغالية ،عمل سمسارا في
سوق لندن لألوراق املالية ،مثلما كان يفعل أبوه من قبل .نال شهرة واسعة بعد نشره لكتاب حمل عنوان
"مبادئ االقتصاد السياس ي والضرائب" ،الذي صدر سنة .3232
وقد تميز ريكاردو في تناوله ملوضوع علم االقتصاد بتركيزه على توزيع الدخل املتحقق من العملية
اإلنتاجية ،وليس على زيادة الثروة كما كان يفعل "آدم سميث" قبله ،وذلك الختالف الظروف التي كان
يعيش في ظلها كل من الكاتبين .وعلى الرغم من املواقف املتميزة لـ ـ ــ"ريكاردو" ،فإن ها الخير يعتبر من أكبر
مفكري املدرسة الكالسيكية ،إذ أنه كان متوافقا مع "سميث" بشأن أغلب الفكار االقتصادية الساسية
التي كان ينادي بها ،كما كانت له مساهمات بارزة في الفكر االقتصادي ،وخاصة فيما يتعلق بنظريات
القيمة والريع والتجارة اجخارجية.
38
www.etudpdf.com
فائض الر ح ،الذي يحصل عليه أصحاب رأس املال نتيجة لندرة العنصر الذي يمتلكونه ،وهو يشبه الذي
يحصل عليه أصحاب الراض ي نتيجة تملكهم عنصرا إنتاجيا نادرا بطبيعته.
39
www.etudpdf.com
رابعا :نظرية التجارة الخارجية.
يتفق "ريكاردو" مع "سميث" في أن تحرير التجارة اجخارجية بين البلدان ،برفع اجحواجز املعيقة
للتبادل بينها ،يعود على تلك البلدان بمزيد من الكفاءة في استخدام املوارد ،بفعل زيادة التخصص،
و مزيد من الرفاهية للدميع .لكنه خالف "سميث" في كون اختالف التكاليف املطلقة لإلنتاج بين البلدان
هو السبب في قيام تجارة مر حة بينها ،وأشار إلى أنه حتى في حالة وجود بلدين يكون أحدهما متوفرا على
تكاليف إنتاجية مطلقة جدميع منتجاته أقل من التكاليف املطلقة لإلنتاج في البلد اآلخر فإن إمكانيات
التبادل املر ح تبقى قائمة بينهما ،وذلك بسب اختالف تكاليف اإلنتاج النسبية بينهما وليس تكاليف اإلنتاج
املطلقة.
وقد لقيت نظرية "ريكاردو" في تفسير قيام التجارة اجخارجية بين الدول على أساس اختالف
التكاليف النسبية قبوال واسعا بين االقتصاديين حيث أنها كانت على درجة كبيرة من املنطقية ،على الرغم
من خلو بعض افتراضاتها من الواقعية في بعض اجدوانب.
ويتلخص مضمون هذه النظرية في أنه:
ْ
متجانسين في كال البلدين ،وفي ظل حرية املنافسة ْ
منتجين -بافتراض وجود ْ
بلدين ،ووجود
والتبادل ،وعدم وجود مصاريف نقل ،وعدم وجود أي حواجز جمركية ،وفي ظل حيادية النقود
واتخاذ العمل كمقياس للقيمة...،
-فإنه إذا كانت نسبة تكلفة إنتاج السلعة "أ" إلى تكلفة إنتاج السلعة "ب" في البلد الول تختلف عن
نسبة تكلفة إنتاج السلعة "أ" إلى تكلفة إنتاج السلعة "ب" في البلد الثاني ،فإن مصلحة البلدين في
التبادل والتخصص تظل قائمة.
ْ
منتجين ،هما النبيذ والقماش ،في ويمكن بيان ذلك من خالل مثال أورده ريكاردو نفسه عن وجود
بلدين هما انكلترا والبرتغال ،وفي ظل االفتراضات املشار إليها أعاله ،والتكاليف املعبر عنها بساعات العمل
في كل بلد كما هو مبين في اجددول التالي.
مثا عن تكاليف إنتاج سلعتي النبيذ والقماش بانكلترا والبرتغا كما قدمه ريكاردو.
تكلفة املنتج بساعات العمل
وحدة من القماش وحدة من النبيذ
311سا 371سا انكلترا
71سا 21سا البرتغال
40
www.etudpdf.com
تعطي املالحظة الولية لرقام اجددول أن التكاليف املطلقة لإلنتاج في البرتغال منخفضة بالنسبة
لكل من السلعتين عما هي عليه في انك لترا ،ويوحي ذلك ابتداء بأنه ال يمكن أن توجد مصلحة مشتركة في
التبادل في هذه اجحالة .غير أن املقارنة بين التكاليف النسبية لإلنتاج في البلدين تبين عكس ذلك وتكشف
عن وجود مصلحة في التبادل بالنسبة لكال البلدين.
ففي انكلترا تكون النسبة بين تكلفتي املنتجين تساوي:
120سا
= . 1,2 تكلفة وحدة من النبيذ =
100سا
تكلفة وحدة من القماش
ومن خالل املقارنة بين املساواتين ( ) 3و ( ،)1يتضح أن من مصلحة ُمن ِّتج النبيذ في البرتغال أن
يوجه إنتاجه أو مبيعاته إلى السوق اإلنكليزية لنه يحصل مقابل كل وحدة نبيذ يبادلها على 1,2وحدة من
القماش عوضا عن 0,88وحدة قماش التي يحصل عليها من السوق البرتغالية .و ذلك يجد املنتجون
البرتغاليون مصلحتهم في التخصص في إنتاج النبيذ ومبادلته بالقماش اإلنكليزي.
باملقابل و مقارنة املساواتين ( )7و( ،)4يتبين أنه من مصلحة ُمن ِّتج القماش اإلنكليزي أن يوجه
إنتاجه إلى السوق البرتغالية لنه يحصل مقابل كل وحدة قماش يبادلها على 1,12وحدة من النبيذ عوض
0,83التي كان يحصل عليها من السوق اإلنكليزية .و ذلك يتجه املنتجون اإلنكليز إلى التخصص في إنتاج
القماش.
41
www.etudpdf.com
فإذا استمرت عملية تحول املنتجين عن نشاطاتهم في كال البلدين إلى غاية تخصص البلد الول كليا
في إنتاج القماش والبلد الثاني كليا في إنتاج النبيذ ،فإن إنتاجهما اإلجمالي سيرتفع ،في ظل نفس اجحدم
الساعي للعمل ،إلى 2,2وحدة قماش و 2,125وحدة من النبيذ ،بعدما كان قبل التخصص ال يزيد عن
وحدتين من كال السلعتين.
42
www.etudpdf.com
أما عن موضوع القيمة فإن "مالتوس" لم يتفق مع "ريكاردو" في أن هذه الخيرة تستند إلى العمل
بشقيه املباشر وغير املباشر ،وأخذ عوضا عن ذلك برأي "سميث" الذي يرجع القيمة إلى التكاليف
اإلنتاجية ،معتبرا في نفس الوقت أن كال من رأس املال والعمل وكذلك الريع ضرورية بنفس الدرجة
للعملية اإلنتاجية .الش يء الذي يجعل فكرة "مالتوس" في هذا املدال تقترب كثيرا من نظرية القيمة-
املنفعة التي سادت فيما بعد.
وأما عن التوازن الذاتي بين العرض والطلب الكليين ،فإن "مالتوس" لم يتفق مع "جون باتيست
ساي" بشأن قانونه "الذي ينص على أن العرض يخلق الطلب املساوي له ،والذي تترتب عليه فكرة التوازن
التلقائي بين عرض الموال املدخرة واالستثمارات( ،حيث) أشار "مالتوس" إلى أن هناك احتماال جحدوث
إفراط في املدخرات ،ومن ثم قصور في الطلب الفعال واتجاه الدخل لالنخفاض" .وهو ما يتوافق مع ما كان
يشهده االقتصاد الرأسمالي من أزمات كساد دورية كانت أشدها أزمة سنه ،3777وقد ألهم موقف
"مالتوس" هذا "جون مينارد كينز" عند تأليفه لـ ــ"نظريته العامة" التي حاول من خاللها تقديم تفسيرات
وحلول لتلك الزمات.
43
www.etudpdf.com
غير أن التطور التاريخي للبلدان املتقدمة لم يؤيد "مالتوس" في تشاؤمه الذي أبداه في نظريته
السكانية ،حيث ُسدل ارتفاع كبير في مستوى املعيشة في تلك البلدان نتيجة للتقدم التكنولوجي الهائل
الذي حققته وما نجم عن ذلك من زيادة كبيرة في اإلنتاج الغذائي ،كما انخفضت نسبة الوفيات بفعل
التحسن الكبير الذي تحقق في الظروف املعيشية والصحية .ثم أن ذلك أدى من جهة أخرى ،وعلى عكس
ما كان يتوقعه "مالتوس" ،إلى تراجع نسبة النمو السكاني بسبب انخفاض معدالت الوالدة ،مما جعل
بعض تلك املدتمعات تعاني من ظاهرة جديدة وهي ظاهرة التناقص العددي للسكان.
إال أنه من املفيد أن نشير مع ذلك إلى أن نظرية "مالتس" في السكان تتوافق في بعض جوانبها مع
الظروف السائدة في بعض الدول النامية التي تشهد تزايدا كبيرا في السكان مقابل فشل مزمن في عملية
التنمية ،وهو حال عدد من البلدان اإلفريقية وحتى العر ية التي باتت تنعت بالفاشلة في كثير من الحيان.
44
www.etudpdf.com
-إغفال مفكريها في عمومهم لدور الطلب و التالي املنفعة في تحديد القيمة واستنادهم الكلي في ذلك
على العرض ،أي تكاليف اإلنتاج؛
-اعتبارهم أن النقود حيادية ،أي أنها مجرد وسيلة للتبادل ،وإهمالهم لدورها كمستودع للقيمة؛
-اهتمامهم بالجل الطويل وإهمالهم لألجل القصير الذي تحدث فيه اختالالت كثيرا ما تكون لها
آثار سلبية على املستويين االقتصادي واالجتماعي ،كما يحدث خالل الزمات الدورية التي تتكرر في
االقتصاد الرأسمالي؛
-عدم اتسام التحليل الكالسيكي بالواقعية عندما يفترض أن السعار والجور وسعر الفائدة تتمتع
باملرونة التامة ويبني على ذلك حالة التوازن الدائم لالقتصاد في ظل التشغيل الكامل للموارد.
45
www.etudpdf.com
الفصل السادس
النظرية املاركسية.
يكون بإمكان الطالب بعد دراسته لهذا الفصل أن يتبن ويفهم ما يلي:
-قسوة األوضاع االجتماعية التي كانت تتواجد بها طبقة العمال في البلدان الرأسمالية بعد الثورة
الصناعية ،خصوصا في معامل اإلنتاج التي كان مالكوها يهتمون كثيرا بزيادة اإلنتاج ومراكمة
األرباح وال يهتمون بظروف عمل مستخدميهم؛
-ظهور "االشتراكية العلمية" التي سعت إلى القيام بالنقد املوضوعي للنظام الرأسمالي من خالل
تحليل مبادئه وآليات سيره وبيان املآل الحتمي الذي ينتظره .فوفقا لتحليل هذه املدرسة فإن
النظام املذكور يقوم على تناقضات ستؤدي به ال محالة إلى االنهيار وسينشأ بعده نظام آخر تكون
السلطة فيه بيد الطبقة العاملة التي تسميها ب ــ"البروليتاريا".
46
www.etudpdf.com
يصف كارل كاركس "نظريته في االشتراكية بأنها نظرية علمية( ،ألنها) تقوم على تحليل علمي" ،أي
على دراسة موضوعية وتفسير منطقي ألسس وآليات سير النظام االقتصادي الرأسمالي .وكان من نتائج
ذلك "التحليل العلمي" أن "ماركس" ّبين التطور املستقبلي "الحتمي" للنظام املذكور باتجاه نظام جديد يتم
فيه إلغاء كافة التناقضات التي كانت سببا في الصراعات السابقة .فاالشتراكية املاركسية أو العلمية تأتي
إذن من خالل تجاوز املجتمع للتناقضات الجوهرية التي كانت تطبع النظام الرأسمالي ،وليست جملة
إصالحات تهدف إلى التخفيف من قسوة ظروف العمل واملعيشة التي كانت تعيشها الطبقة العاملة ،كما
كان ينادي بذلك بعض املفكرين الذين وصفهم ماركس باالشتراكيين الخياليين.
"كارل ماركس" (،)8111-8181هو فيلسوف أملاني ،من أصل يهودي .كان أبوه محاميا يتمتع
بوضعية اجتماعية مرموقة ،الش يء الذي ّ
مكنه من االلتحاق بأحسن املدارس واالتصال بأرقى العائالت،
منها عائلة "فون ويستفالن" التي تزوج من ابنتها "جيني" فيما بعد.
درس "ماركس" القانون والفلسفة ،وبعد تخرجه عمل في الصحافة ،ثم راح يتردد على األوساط
االشتراكية وعلى الفالسفة من فريق "الشباب الهيغيلي" .نشر في " 8181بيان الحزب الشيوعي" الذي كان
الهدف منه تأسيس "الشيوعية الدولية" .لجأ إلى لندن بعد ذلك على إثر مطاردته من الشرطة األملانية،
ض َّم َنه َ
نقد النظام الرأسمالي ،تحت عنوان "رأس املال" ،الذي وأقام هناك حتى آخر أيام حياته .ترك كتابا َ
َّ
اشتمل على إسهام كبير من طرف صديقه املقرب "فريدريك أنجلز" ،حيث قام هذا األخير بإتمام املؤلف
بعد وفاة صاحبه.
أما الخلفية الفلسفية للفكر املاركس ي فقد تميزت باستنادها إلى عاملين رئيسيين هما :الدياليكتيك
أو الجدلية ،والتفسير املادي أو االقتصادي للتاريخ .فبالنسبة لعامل الدياليكتيك ،فإن ماركس أخذه عن
الفيلسوف األملاني الشهير "هيغل" الذي تأثر به كثيرا ،ومفاده أن "عملية التقدم (أو التطور) ال تتم
بهدوء ،وإنما تتحقق نتيجة تصادم قوة معينة مع قوة أخرى معارضة لها ،وتنتهي عملية التصادم عندما
تنشأ قوة ثالثة تختلف خواصها عن القوتين السابقتين املتعارضتين" .أي أن "التطور يلغي أي عائق من
ً
أمامه ،إذ ال مبرر لوجوده ،فينتفي النظام القديم ليحل محله نظام جديد أكثر تطورا ورقيا".
وقد طبق "ماركس" التحليل الدياليكتيكي على النظم االجتماعية ،ليبرز من خالل ذلك أن "في كل
نظام اجتماعي تتولد قوى تعمل حتى تقض ي عليه في النهاية ،ويأتي محله نظام جديد ،)...( ،وبذلك ينتقل
التاريخ من نظام اجتماعي إلى آخر نتيجة لعوامل التطور )...(.ثم يقرر ماركس أن النظام الرأسمالي نفسه
47
www.etudpdf.com
يخضع للقانون نفسه ،إذ تتولد بداخله القوى التي تؤدي إلى فنائه وزواله عن طريق الصراع الطبقي
املوجود فيه".
من جهة أخرى ،وخالفا ألستاذه "هيغل" ،الذي يعتبر أن الفكر اإلنساني هو الذي يتسبب في التغير
أو التطور االجتماعي ،فإن "ماركس" يؤكد على "أن العوامل االقتصادية هي التي تبلور الفكر اإلنساني
وليس العكس ،وانتهى من ذلك إلى ما أسماه بالتفسير املادي أو االقتصادي للتاريخ" .أي أن التطورات التي
تحدث في أي مجتمع إنساني تعود باألساس إلى التغيرات املادية التي تحدث على مستوى اإلنتاج وتنعكس
في شكل نظام اجتماعي بمؤسساته السياسية واالجتماعية واالقتصادية املختلفة.
www.etudpdf.com
في تناوله ملفهوم القيمة أوضح "ماركس" منذ البداية أن القيمة التبادلية ترتبط بالبضائع التي لها
قيمة استعمالية ،إال أنه استبعد على الرغم من ذلك هذه األخيرة في تفسيره لألسعار .وفي تفسيره للقيمة
التبادلية اعتمد "ماركس" على نظرية القيمة -العمل التي جاء بها دافيد ريكارو من قبل ،والتي تفيد بأن
مصدر القيمة التبادلية للمنتج هو العمل ،مع التمييز بين العمل الحي الذي يقدمه العمال مباشرة في
ورشات اإلنتاج والعمل امليت ،أو غير املباشر ،الذي يتجسد في اآلالت واملدخالت اإلنتاجية األخرى التي هي
ملك للرأسمالي؛ مع اإلشارة إلى أن "قيمة البضاعة ال تقاس بالعمل الفردي ،ألن العمال ال يتمتعون بنفس
القدرات وال يتوفرون دائما على نفس الوسائل ،بل تقاس بوقت العمل املتوسط في املجتمع )...( .فالقيمة
التبادلية لبضاعة ما تعبر عن الكمية املتوسطة أو االجتماعية من العمل العام الضروري إلنتاجها".
ل كن "ماركس" تميز في شرحه للقيمة ببيانه ملفهوم جديد تمثل في "قوة العمل" ،التي تتمثل في
الطاقة العضلية والذهنية التي تنفق من طرف املنتج أو املنتجين.
49
www.etudpdf.com
زيادة حدة املنافسة في عرض العمل وإلى تدني مستويات األجر الحقيقية ثم إلى تزايد البطالة وتشكل ما
يسميه ماركس ب ـ " الجيش االحتياطي للعمل".
50
www.etudpdf.com
-مبالغة املنهج املاركس ي في التأكيد على العامل االقتصادي ،وإهمالها للدوافع األخرى املؤثرة في
السلوك اإلنساني كعامل مستقل ومهم في التطور االجتماعي؛
-اعتماد ماركس في تحليله على نظرية القيمة -العمل ،وهي نظرية تهمل تأثير الطلب في تحديد
القيمة إهماال كليا ،على الرغم من اشتراطها توفر القيمة االستعمالية لوجود القيمة التبادلية .وال
شك أن هذا اإلهمال ال يتوافق مع املعطيات الواقعية لعمليات اإلنتاج والتبادل التي تجري في
إطار النشاط االقتصادي؛
-بعد النجاح الكبير الذي حققه االقتصاديون النيو-كالسيك بفضل نظرية املنفعة القائمة على
التحليل الحدي لم يعد لنظرية القيمة-العمل أي رصيد يعتد به حقيقة في علم االقتصاد .وبانهيار
نظرية القيمة -العمل تنهار معها في املحصلة نظرية فائض القيمة وفكرة اعتماد الربح الذي
يحصل عليه الرأسمالي على استغالله للعمال؛
ّ -
تنبأ ماركس ً
بناء على تحليله االقتصادي بأن الثورة االجتماعية على النظام الرأسمالي حتمية ال
مفر منها ،خصوصا في البلدان األكثر تطورا كإنكلترا وأملانيا .لكن تطور الواقع االجتماعي في تلك
البلدان جاء مخالفا ملا كان متوقعا ،ولم تقم فيها أي ثورة لتغيير النظام ،بل قامت الثورات في
البلدان األخرى التي أرادت االنتقال مباشرة إلى النظام االشتراكي قبل اكتمال تطورها االقتصادي
واالجتماعي الرأسمالي؛
-أدى إلغاء امللكية الخاصة وآلية السوق بالبلدان التي أخذت بالنظام االشتراكي إلى تدهور تام
للحياة االقتصادية بهذه األخيرة ،وكان من أبرز اآلثار التي ترتبت عن ذلك خفوت الحافز الفردي
في العمل واستحالة القيام بالحساب االقتصادي كما أكد على ذلك اقتصاديو املدرسة
النمساوية.
-أن بعض تلك البلدان االشتراكية التي استطاعت أن تعدل من مسارها وتحقق نتائج اقتصادية
إيجابية لم تنل ذلك إال بالعودة إلى مراعاة مبدإ الحافز الفردي ونظام اقتصاد السوق.
51
www.etudpdf.com
الفصل السابع
-صعوبة موقف املدرسة الكالسيكية أمام التحليل الذي قدمته النظرية املاركسية للنظام
الرأسمالي معتمدة على نظرية القيمة-العمل لريكاردو؛
-ظهور فكرة التحليل الحدي التي استطاع أصحابها أن يقدموا من خاللها حال للغز القيمة وأن
يؤكدوا على املكانة األولية للطلب على العرض في تحديد القيمة التبادلية؛
-استطاعة التحليل الحدي تقديم نظريات لتفسير سلوك املستهلك وسلوك املنتج وللتوزيع؛
-رفض التحليل الحدي التام لنظرية القيمة-العمل وتقديمه لبديل جاد في تفسير القيمة يعتمد
على التقدير الذاتي للمستهلك أو للمنتج الذي يقوم بالطلب؛
-درء خطر الفكر املاركس ي على النظام الرأسمالي وفتح آفاق التطور أمام هذا األخير باعتباره
أنسب نظام اجتماعي واقتصادي لإلنسان بما يوفره له من حقوق وخاصة الحق في الحرية.
52
www.etudpdf.com
تمهيد.
شهد الفكر االقتصادي الرأسمالي انتعاشا كبيرا بعد سنة 1781على إثر ظهور التحليل الحدي
أدوات تحليل مبتكرة استطاعت أن تخرج وجد ُ
ِ الذي استطاع أن يعطي صياغة جديدة لعلم االقتصاد وي ِ
الفكر االقتصادي الكالسيكي من املأزق الذي وصل إليه ،نتيجة التحدي الذي فرضه الفكر االشتراكي
وخصوصا املاركس ي .وفي تناولنا لهذا املوضوع سنتعرض بداية إلى ظروف ظهور التحليل الحدي ،ثم إلى
بتقييم
ٍ أهم إسهامات أصحاب هذا التحليل في الفكر االقتصادي وكذلك إلى أبرز رواده ،لننتهي في األخير
عام لهذا الفكر الجديد الذي عرف فيما بعد باملدرسة النيوكالسيكية .
ٍ
53
www.etudpdf.com
في دراستها ملوضوع القيمة استبعدت املدرسة الحدية ربط القيمة التبادلية للسلع املتبادلة في
السوق بالعمل أو بتكلفة اإلنتاج ،واعتبرت أن العامل املسبب لتلك القيمة في الحقيقة ليس سوى املنفعة
التي تمنحها السلعة ملستهلكها أو للذي يحوزها ،أما تحديد مستواها فيعود إلى املنفعة الحدية أو
اإلنتاجية الحدية.
واملنفعة الحدية املقصودة عندما يتعلق األمر باستهالك سلعة ما هي املنفعة التي يحصل عليها
املستهلك جراء استهالكه للوحدة األخيرة منها والتي يحقق عندها توازنه .وهي منفعة تتأثر بدرجة ندرة
السلعة من جهة وتتميز بتناقصها التدريجي تبعا لتزايد استهالك وحدات السلعة من قبل املستهلك من جهة
أخرى .ومعنى ذلك أن قيمة أي سلعة استهالكية ،في مفهوم املدرسة الحدية،ال تنتج عن ش يء موضوعي
يرتبط بالسلعة ذاتها ،وإنما تنتج عن التقدير الذاتي الصادر عن املستهلك نفسه بشأن تلك السلعة.
ومنفعة الوحدة األخيرة التي يجد عندها املستهلك توازنه هي التي تحدد قيمة جميع الوحدات األخرى
املستهلكة قبلها ،وذلك بسبب توفر العرض وإمكانية اإلحالل فيما بين الوحدات املعروضة من طرف
املستهلك.
54
www.etudpdf.com
املنفعة الحدية للسلعة𝐴 املنفعة الحدية للسلعة 𝐵 املنفعة الحدية للسلعة 𝐶 املنفعة الحدية للسلعة 𝑁
= = =⋯=
سعر السلعة𝐴 سعر السلعة 𝐵 سعر السلعة𝐶 سعر السلعة𝑁
ومعنى هذه املساواة املتعدية بين كافة املنافع الحدية للسلع املطلوبة منسوبة إلى أسعارها أن املنافع
التي تحققها كل وحدة نقدية متساوية في حالة كل سلعة من السلع .فإن اختلت هذه املساواة اختل توازن
إنفاق املستهلك على السلع املطلوبة ويصبح عليه أن يبحث من أجل استعادة توازنه مرة أخرى.
55
www.etudpdf.com
تتصارع على الدوام من أجل زيادة الحصة من الدخل العائدة لكل منها ،بل ينظر على أنها تتعامل مع
بعضها البعض وفقا لروح يطبعها التوافق االجتماعي.
56
www.etudpdf.com
"وليام ستاني جيفونز'' ( ،)1771-1781اقتصادي بريطاني ،كان أحد أبرز مؤسس ي املدرسة النيو-
تميز بانتقاده الشديد للفكر االقتصادي الكالسيكي بسبب ضعفه كالسيكية ورواد "الثورة الحدية"ّ .
البادي في مواجهة أفكار املدارس التاريخية واالشتراكية .بنى دراسته لالقتصاد على أساس تجريدي وقام في
سبيل ذلك باستخدام "التحليل الرياض ي ،وخاصة التفاضل والتكامل".
في موضوع القيمة ّ
توصل "جيفونز" إلى أن "قيمة السلعة تعتمد على املنفعة الحدية لتلك اللسعة،
(وأنه في حالة قيام املستهلك بطلب مجموعة من السلع ،فإن توازنه يتحقق عندما تكون) نسبة املنفعة
الحدية للسلعة Aإلى سعرها تساوي املنفعة الحدية للسلعة Bإلى سعرها (وهكذا)".
وقد رفض "جيفونز" أن يكون "العمل هو الخالق الوحيد واألساس للقيمة" ،لكنه اعترف مع ذلك
بأن "العمل يؤثر في العرض وأن عرض السلعة يؤثر في درجة املنفعة ،وهذه األخيرة تؤثر في قيمة السلعة".
57
www.etudpdf.com
املبحث الثالث :تقييم الفكراالقتصادي الحدي.
لقد أحدث التحليل الحدي ثورة حقيقية في الفكر االقتصادي بما كان له من إسهامات إيجابية
ّ
كبيرة في هذا املجال ،لكنه لم يسلم مع كل ذلك من عدة انتقادات ركز جلها على املبالغة في إخضاع
اإلنسان للرشادة االقتصادية وما ينجم عنها من تقديرات كمية.
فمن أهم اإلسهامات اإليجابية للتحليل الحدي يذكر على الخصوص:
َ
املجال واسعا وفتحه بالتالي ُ
إيجاده لحل منطقي للغز القيمة الذي واجهه آدم سميث من قبلُ ، -
للتأكيد على عامل املنفعة في تحديد القيمة التبادلية؛
-بيان هذا التحليل بأن القيمة التبادلية تتحدد باملنفعة أفقد النظرية التي تعتبر العمل هو املصدر
ّ
الوحيد للقيمة مصداقيتها ،ومكن من تخليص الفكر الكالسيكي من العجز الواضح في نظريتي
التكاليف اإلنتاجية والعمل في تفسير القيمة؛
-أدى ظهور التحليل الحدي إلى إحداث ثغرة كبيرة في التحليل املاركس ي ،إذ أن هذا األخير اتخذ من
نظرية القيمة– العمل أساسا له ،وبهذا النقد الجدي للنظرية املذكورة تكون األفكار املاركسية
املتولدة عنها ،من فائض للقيمة ورأسمال متغير وثابت ،واستغالل عمالي ،وما إلى ذلك ،تكون تلك
األفكار مجانبة للحقيقة في نسبة كبيرة منها؛
-فتحه املجال لالستخدام الواسع لألدوات الرياضية في دراسة الظواهر االقتصادية ،حيث دشن
هذا التحليل عهدا جديدا استخدمت فيه تلك األدوات بشكل كبير في دراسة سلوك الوحدات
االقتصادية على املستوى الجزئي في مختلف األسواق.
58
www.etudpdf.com
الكلية (لالستهالك أو لغيره) ليست سوى تجميع للمقادير الجزئية املتعددة ،وهو افتراض غير
صحيح بطبيعة الحال.
59
www.etudpdf.com
الفصل الثامن
امل ـ ـ ـ ـ ـ ــدرسة ال ـ ـك ـي ـ ـ ـ ـ ــنزي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة
يكون بمقدور الطالب بعد تناوله لهذا الفصل أن يتبين ويفهم ما يلي:
60
www.etudpdf.com
تعود بداية ظهور املدرسة الكينزية إلى ثالثينيات القرن املاض ي ،وكانت لها هي األخرى مساهمات جد
مهمة في الفكر االقتصادي من خالل ما قدمته من انتقاد للنظريات التي سبقتها وما جاءت به من حلول
ملواجهة التقلبات واألزمات التي يمر بها النظام الرأسمالي.
املبحث الثاني" :جون مينارد كينز" و أبرزاالنتقادات التي وجهها للنظرية الكالسيكية.
تنسب املدرسة الكينزية إلى االقتصادي االنجليزي "جون مينارد كينز" الذي كان أستاذا لالقتصاد
بجامعة كامبرج ،وذاع صيته بعد إصداره لكتابه املشهور املعنون ب ـ "النظرية العامة في التشغيل والفائدة
َّ ُ ّ
والنقود" سنة .9191وقد شكل املؤلف املذكور انعطافا بارزا في الفكر االقتصادي الرأسمالي بما جاء به
من نقد شامل للنظريتين الكالسيكية والنيو-كالسيكية اللتين بدتا عاجزتين عن تقديم تفسير واضح ألزمة
9191التي هزت اقتصاديات البلدان الغربية.
61
www.etudpdf.com
أوال -رفضه لفكرة التوازن االقتصادي عند مستوى التشغيل الكامل للموارد.
فقد كان كينز يرى أن "االقتصاد الرأسمالي مجبول على عدم التوازن واالضطراب ،لعدم قدرة
آليات السوق من ضبط التدفقات االقتصادية ،مفترضا أن االقتصاد ال يجد بالضرورة توازنه في العمالة
الكاملة ( ،)...بل يستطيع االقتصاد من الوصول إلى التوازن عند مستوى أقل من االستخدام الكامل ،أي
بوجود بطالة" .ويعتبر هذا التصور رفضا لقانون ساي الشهير لألسواق الذي يفيد بأن العرض يخلق
الطلب .ولم يعر كينز اهتماما كبيرا إلى كون القانون املذكور يتعلق أكثر باألجل الطويل ،فعلق متهكما "أننا
سنموت كلنا في األجل الطويل" .وقد عاد كينز في هذه املسالة إلى فرضية "مالتوس" بخصوص الطلب،
معتبرا أن األزمة تنجم عن انهيار "الطلب الفعلي" ،أو الطلب الكلي املوجه للمؤسسات ،مما يؤدي إلى ظهور
بطالة غير إرادية مرتبطة بعدم كفاية الطلب ،وليس بطالة إرادية تعود إلى مطالبات بأجور أكثر ارتفاعا.
62
www.etudpdf.com
ثالثا :نقده لفكرة حيادية النقود.
فالنقود بالنسبة للفكر الكالسيكي ليست سوى وسيط للتبادل ،أي أنها وسيلة تقنية للتخلص من
َُ
الصعوبات املرتبطة باملقايضة ،أو حجاب يغطي الحقيقة املتمثلة في كون املنتجات تتبادل مقابل
املنتجات ،وفقا لتعبير جون باتيست ساي .إال أن كينز عارض هذا التصور ،إذ اعتبر أن النقود لها تأثير
َ
نفس ي كبير في عال ٍم يطغى عليه عدم التأكد بشأن املستقبل ،أو التخوف من املجهول الذي تخبئه األيام.
وينشأ عن هذا التخوف حسبه سلوك لدى األشخاص يميل إلى تفضيل السيولة ،أي االحتفاظ بأصول
سهلة التحويل إلى نقود .ويستنتج بناء على ذلك أن النقود تطلب لذاتها على خالف ما كان يفترضه
االقتصاديون الكالسيك.
وبسبب تفضيل األفراد للسيولة يكون هناك طلب متذبذب على النقود تبعا لدرجة عدم التأكد إزاء
املستقبل ،ويؤدي ذلك في نفس الوقت إلى أن اإلنفاق لن يكون نتيجة للحصول على الدخل النقدي ،ولن
يكون بالتالي نتيجة لعملية اإلنتاج التي يتولد عنها ذلك الدخل ،كما كان يفكر جون باتيست ساي ،بل على
العكس من ذلك يكون على اإلنتاج أن يتكيف مع إنفاق الدخل .ومعنى ذلك أن العنصر الدافع للعملية
االقتصادية يتمثل في الطلب حسب كينز وليس اإلنتاج كما كان يعتقد الكالسيك.
تتلخص العناصر الرئيسية للنظرية العامة التي جاء بها جون مينارد كينز في ما يلي:
www.etudpdf.com
كل من الدخل ،االستهالك
الدخل ،و Cاالستهالك ،و Eاالدخار .أما dRو dCو ،dEفهي تمثل التغير في ٍ
واالدخار ،على الترتيب.
أما بالنسبة لالستثمار فإن كينز يرى أن رجال األعمال يربطون طلبهم االستثماري بمستوى الربح
املنتظر من املشاريع التي ينوون إقامتها ،لكن هذا الطلب االستثماري غالبا ما يكون أقل من املستوى
املطلوب في البلدان الرأسمالية املتقدمة وذلك بسبب التراكم الكبير املحقق في املراحل السابقة والذي
يؤدي إلى انخفاض الكفاءة الحدية لرأس املال قياسا بسعر الفائدة ،فيتراجع حجم االستثمار وينخفض
إلى ما دون مستوى االدخار املحقق ،مما يؤدي إلى انخفاض الطلب الكلي وبالتالي إلى ميل االقتصاد إلى
التوازن دون املستوى الضامن للتشغيل الكامل.
64
www.etudpdf.com
(بالبنوك) وبالتالي انخفاض مستوى االستثمار والذي يؤدي بدوره إلى انخفاض مستوى الطلب الكلي.
فمعدل الفائدة ال يمثل عند كينز عائدا مقابل االمتناع ولكن عائدا يقابل التخلي عن السيولة ،ولذلك ال
يمكن االعتماد كثيرا على زيادة معدل الفائدة لزيادة االدخار ،ألن امليل لالحتفاظ بالسيولة يجعل دائما
جزءا من الدخل موجها إلى االكتناز وال يتحول إلى ادخار.
من جهة أخرى فإن كينز يعتبر أن انخفاض سعر الفائدة ال يكفي لدفع رجال األعمال إلى االستثمار
كما كان يعتقد الكالسيك ،وذلك ألن ما يدفع هؤالء إلى االستثمار بالفعل هو في الحقيقة معدل الربح
وليس الفائدة املنخفضة ،فرجال األعمال يبقون مترددين ومتوجسين أمام سعر الفائدة املعطى في الوقت
الحالي وأمام معدل الربح املستقبلي الذي ال ُيعرف في الواقع إلى بعد مدة من الزمن.
في نفس السياق يؤكد كينز كثيرا على دور النقود في جانبه املتعلق بخاصيتها كمخزن للقيمة ،على
عكس االقتصاديين الكالسيك الذين أهملوا هذه الخاصية في النقود وركزوا على خاصيتها كوسيط
للتبادل .فخاصية النقود كمخزن للقيمة هي التي تدفع املتعاملين االقتصاديين إلى االحتفاظ بالنقود ،وهو
السلوك الذي يؤدي إلى انخفاض الطلب الكلي وقد ُ"يبقي أسعار الفائدة عند مستويات مرتفعة ...وملا كان
سعر الفائدة مع الكفاية الحدية لرأس املال ُيح ِّد َدان القرار االستثماري ،فإن اتجاهات التراجع في االندفاع
نحو االستثمار ،وبالتالي حدوث نقص في الطلب الكلي ،قد توافرت مبررات حدوثهما".
كغيرها من النظريات التي سبقتها كان للنظرية الكينزية مساهمات إيجابية في الفكر االقتصادي ،ولكنها
ُ ُ
انتقدت أيضا في بعض جوانبها خصوصا بعد ما طبقت بالبلدان الرأسمالية لفترة طويلة نسبيا.
65
www.etudpdf.com
املطلب األول :املساهمات اإليجابية ل ـ ــلنظرية.
-كشف بعض جوانب القصور في الفكر االقتصادي الكالسيكي وخاصة ما تعلق من ذلك بقانون
ساي لألسواق وبحالة التوازن الدائم والتشغيل الكامل للموارد؛
-تقديم كينز تفسيرا ألسباب الدورات االقتصادية واقتراحه لحلول لألزمات املتكررة ال تقتض ي
اللجوء إلى تخفيض األجور ملا لذلك من آثار سلبية على الطلب وعلى التشغيل؛
-اتخاذ األفكار الكينزية كأساس لصياغة السياسات املالية والنقدية املضادة للدورات االقتصادية
في مختلف الدول الرأسمالية بعد الحرب العاملية الثانية.
66
www.etudpdf.com
الفصل التاسع
امل ـ ـ ــدرس ـ ـ ـ ـ ـ ــة الن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــقدي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة
-تحقيق البلدان الغربية بتنفيذها ألفكار جون مينارد كينز لنمو اقتصادي كبير دام حوالي ثالثين سنة بعد
الحرب العاملية الثانية .لكن هذه املسيرة املجيدة ،كما يسمونها ،انتهت في األخير بتراجع معدالت النمو
وارتفاع معدالت البطالة بالتزامن مع وجود توترات تضخمية ،في ظاهرة جديدة سميت ب ـ "الركود
التضخمي"؛
-عجز السياسة الكينزية عن مواجهة األوضاع االقتصادية الجديدة؛
-ظهور أفكار اقتصادية جديدة كانت معارضة للنظرية الكينزية من قبل تمثلت في أفكار اقتصادي شهير
آخر هو ميلتون فريدمان الذي تولى قيادة مدرسة جديدة هي املدرسة النقدية؛
-رفض املدرسة النقدية ألفكار كينز وخاصة ما يتعلق منها بتفسيره ألزمات النظام وبالسياسات التي يقدمها
كحل لها؛
-إرجاع املدرسة النقدية سبب األزمات إلى أخطاء في السياسة النقدية ترتكبها الهيئة املكلفة بتسيير الكتلة
النقدية؛
-حل األزمة وفقا لتصور املدرسة النقدية يكمن في معالجة االختالل املحتمل للتوازن بين العرض الكلي
والطلب الكلي في زيادة الكتلة النقدية أو تقليصها وقفا للحاجة ،واالبتعاد عن السياسة املالية التي تقحم
املصالح الحكومية في التدخل في النشاط االقتصادي وهو أمر ال تحسن القيام به؛
67
www.etudpdf.com
املبحث األول :عجزالسياسة الكينزية في مواجهة ظاهرة الركود التضخمي.
لقد أعطى التطبيق املثمر للنظرية الكينزية باالقتصاديات الغربية ،بعد الحرب العاملية الثانية ،انطباعا
واسعا بأن النظام الرأسمالي لم يعد مهددا باألزمات التي كانت تهزه بشكل دوري فتخلخل توازنه االقتصادي
واالجتماعي .فالبلدان الغربية شهدت بالفعل خالل تلك الفترة نموا اقتصاديا جيدا ومتواصال استمر لثالثين سنة،
تحقق من جرائه تراكم لم يسبق له مثيل للثروة ،بحيث ارتقت مجتمعات تلك البلدان من مجتمعات إنتاجية
بالدرجة األولى إلى مجتمعات أصبح االستهالك فيها ظاهرة عامة ،في ظل التشغيل الكامل واالرتفاع الكبير ملستويات
املعيشة وتحسن األوضاع الصحية وارتفاع مستويات التعليم وزيادة وتنوع إمكانيات االختيار أمام األفراد في
مختلف املجاالت.
لكن التطورات التي بدأت تعيشها البلدان املذكورة منذ السنوات األولى لعشرية السبعينات أدت إلى تزايد
الشكوك بشأن استمرار صالحية السياسات االقتصادية املستندة إلى النظرية الكينزية .إذ حدث تراجع كبير في
معدالت النمو خالل هذه الفترة ودخلت اقتصاديات تلك البلدان في حالة من الركود أدت إلى ارتفاع معدالت
ّ
البطالة .وما زاد الطين بلة أن هذه األوضاع كانت مصحوبة أيضا بمعدالت تضخم مرتفعة ،وهي ظاهرة لم تكن
مألوفة من قبل وقد أطلق عليها اسم "الركود التضخمي" ) .( Stagflationولم يكن من السهل التعامل مع هذه
الظاهرة ،ألن التوسع في اإلنفاق الحكومي كما تشير به النظرية الكينزية لتجاوز الوضع الركودي وزيادة التشغيل
كان يتعارض مع معدالت التضخم املرتفعة التي كانت تقتض ي تخفيض الطلب بتقليص اإلنفاق.
قدم تفسيرات تختلف عن ففتحت هذه الظروف غير املألوفة املجال لظهور أفكار اقتصادية جديدة ُت ّ
ِّ
التفسير الكينزي ألسباب األزمات املتكررة للنظام الرأسمالي ،وتصيغ من خاللها حلوال بديلة معتقدة في قدرتها على
تصحيح وضع النظام املذكور وضمان استمرار سيره .ومن أبرز املفكرين الذين كانوا يشككون في النظرية الكينزية،
وأتيحت لهم الفرصة لتسمع آراؤهم بعد هذه التطورات الجديدة ،االقتصادي األمريكي الشهير ميلتون فريدمان
الذي صار يتزعم ما عرف باملدرسة النقدية .كما برز مفكرون آخرون قدموا طروحات جديدة تعدت إطار املدرسة
َ
النقدية إما بتعميقها للبحث في بعض املواضيع التي كانت تتناول من قبل أو ِّبط ْر ِّق َها ملواضيع جديدة كتلك التي
ترتبط باملجال املؤسس ي على سبيل املثال.
املبحث الثاني :األفكارالجديدة التي جاءت بها املدرسة النقدية بقيادة فريدمان.
كان انتقاد املدرسة النقدية ،التي ظهرت في جامعة شيكاغو األمريكية بزعامة ميلتون فيردمان ،للنظرية
الكينزية ُمركزا على االعتماد الكبير لهذه األخيرة على توسع الدولة في اإلنفاق من أجل إعادة التوازن الناتج عن
68
www.etudpdf.com
األزمات .وهي أن الحل يكمن في العودة إلى األسس األولى للمدرسة الكالسيكية التي تقلص من دور الدولة ،وتطرح
تفسيرا لسبب األزمات الدورية يتصل بتسيير عرض النقود.
أوال :دورالنقود.
يرى النقديون أن الزيادة في عرض النقود تؤدي إلى رفع مستوى الطلب الكلي ،ألنها تؤدي إلى زيادة إنفاق
املؤسسات اإلنتاجية وكذلك العائالت .وتسمح هذه الوسيلة حسبهم بإعادة التوازن لالقتصاد دونما حاجة إلى
التوسع في اإلنفاق الحكومي .ويكون سبب األزمات بهذا املنظار عائدا أساسا إلى االنخفاض الذي قد يحدث في
عرض النقود.
69
www.etudpdf.com
يرى النقديون أن التغير في عرض النقود يؤثر في مستوى الطلب الكلي ،ويؤثر بالتالي في حجم اإلنتاج وكذلك
في األسعار .لكن ذلك التأثير يختلف تبعا لألجل املأخوذ في االعتبار .ففي األجل الطويل يكون تأثير تغير عرض
النقود منحصرا في املستوى العام لألسعار فقط ،ويتوافق هذا املوقف تماما مع ما كانت تنادي به املدرسة
الكالسيكية .أما في األجل القصير ،فإن التأثير يكون تبعا لحالة االقتصاد من حيث مستوى التشغيل السائد
للموارد .فإذا كان االقتصاد في حالة أدنى من مستوى التشغيل الكامل للموارد ،فإن زيادة العرض النقدي تؤدي إلى
زيادة اإلنتاج والتشغيل .أما إذا كان االقتصاد في حالة التشغيل الكامل للموارد ،فإن زيادة العرض النقدي تؤدي
فقط إلى ارتفاع املستوى العام لألسعار.
من جهة أخرى فإن تخفيض العرض النقدي يؤدي إلى تقليص كمية النقود عند الجمهور ،ومن ثم إلى
انخفاض اإلنفاق على السلع والخدمات ،وبالتالي إلى تدني مستوى الدخل الوطني .ويستمر ذلك إلى غاية النقطة
ُ
التي تستعاد فيها النسبة األصلية بين هذا األخير وبين العرض النقدي.
وبناء على ذلك فإن البديل الذي قدمته املدرسة النقدية من أجل مواجهة االختالالت املتكررة للنظام
ّ
الرأسمالي ،عوضا عن الحل الكينزي ،يرك ُز باألساس على دعوة الحكومة من أجل االكتفاء بالتغيير في العرض
النقدي إلى غاية استرجاع التوازن االقتصادي من جديد.
70
www.etudpdf.com
من جهة أخرى ،عاد فريدمان إلى النظرية الكمية للنقود وأعطاها دفعا قويا ،من خالل الجهود التي قام بها
بدراساته لكل الفترات التاريخية التي سجلت بها تغيرات في الكتلة النقدية أدت فيما يبدو إلى تغير في األسعار.
فانتهى بناء على تلك الدراسات ليؤكد بأن الترابط املنتظم بين املتغيرين ال يماثله أي ترابط آخر ،وأن الحاالت
التاريخية التي سجلت بها تغيرات متزامنة بين كمية النقود واألسعار حدثت بالفعل في فترات تاريخية مختلفة وفي
كل البلدان.
ُ
ولذلك كان فريدمان ينادي بسياسة نقدية تحترم فيها بصرامة شديدة نسبة نمو مستقرة للكتلة النقدية
تتوافق مع النمو االقتصادي املصحوب بالتشغيل الكامل وباستقرار األسعار .فالسياسة النقدية بالنسبة إليه
تمثل الوسيلة األساسية ملكافحة التضخم ،لكنها تبقى دون أي تأثير في األمد الطويل على النشاط االقتصادي.
يرى فريدمان أن السمة األساسية القتصاد السوق تكمن في حرية االختيار وفي املسؤولية الفردية ،ويعارض
في نفس الوقت الذين ال يرون في الرأسمالية سوى طغيان حب املال وكذلك الذين يميلون إلى اتخاذ مواقف
محافظة فيجعلون بعض القيم الروح ية والوطنية تعلو على الحرية الفردية .فالرأسمالية والحرية الفردية
مترابطان ترابطا وثيقا.
71
www.etudpdf.com
-أنها اعتمد على معادلة فيشر ومارشال ،في حين أن هذه املعادلة يصعب تطبيقها على أرض الواقع وفي
املجال العلمي ،فهي مجرد نموذج تحليلي؛
-إذ أن هناك صعوبة كبيرة في تحديد معدل نمو الكتلة النقدية املناسب لضمان استقرار النمو
االقتصادي وفق ما يقترحه النقديون ،وصعوبة أيضا في التحديد الدقيق للعناصر املكونة لكمية النقود
نفسها؛
-أن تطبيق أفكار املدرسة النقدية خالل عشرية الثمانينات من قبل إدارة الرئيس األمريكي رونالد ريغن لم
تنتج عنه نتائج إيجابية باملستوى املأمول ،إذ أن "التخفيض الكبير في معدل نمو عرض النقد قد دفع
االقتصاد نحو الركود ،ورفع معدالت البطالة إلى أعلى مستوى لها خالل فترة ما بعد الحرب العاملية
الثانية( .لكن تلك السياسة ساعدت باملقابل على تخفيض معدل التضخم الذي انتقل) من 9139باملئة في
9110إلى 131باملئة.
72
www.etudpdf.com