Professional Documents
Culture Documents
البربر الموالي في دولة الخلافة ودورهم في الحياة العامة حتّى منتصف القرن الثامن ميلادي
البربر الموالي في دولة الخلافة ودورهم في الحياة العامة حتّى منتصف القرن الثامن ميلادي
منصف مباركية
جامعة األمير عبد القادر للعلوم اإلسالمية قسنطينة (الجزائر)
Hippone_cityboy@hotmail.com
105
منصف مباركية
مقدمة
متعددة
لقد ش ّكل الفتح اإلسالمي لشمال افريقيا نقلة جديدة لشعوب المنطقة التّي أصبحت جزء من دولة ّ
القوميات واألجناس ،وقد سمح اعتناق االسالم ونظام الوالء للكثير من البربر ،بشكل جماعي أو فردي ،االرتباط
ّ
بعالقات قوية مع العرب ،ما ساعدهم على االندماج في المجتمع اإلسالمي والمساهمة في مختلف فعالياته خاصة
ينص على األخوة في الدين والمساواة بين جميع المسلمين ،وتدور إشكالية هذا الموضوع حول دور
أن اإلسالم ّّ
تتبع
فئة الموالي من البربر واسهاماتهم في الحياة العامة خالل صدر اإلسالم والعهد األموي؟ وذلك من خالل ّ
حضورهم ومساهمتهم في ثالث مجاالت مختلفة هي :الدور العسكري ،واإلدارة ،والحركية األدبية والعلمية ،بهدف
ابراز تفاعل هذا العنصر غير العربي في المجتمع الجديد الذي أصبح ينتمي إليه ،وأثره في األحداث التي عاشتها
األمة
متنوعة األصول ضمن ّالدولة اإلسالمية حتّى منتصف القرن الثامن ميالدي من بين مجموعة الموالي ّ
اإلسالمية خاصة الفرس منهم ،الذين يمكن من خالل األخبار التي ترويها المصادر مالحظة حضورهم القوي
تم فتح بالدهم
باعتبارهم الموالي األوائل الذين برزوا في خدمة العرب والدولة االسالمية منذ صدر اإلسالم بعد أن ّ
مبكرا ،كما ّأنهم كانوا أكثر عددا ويتركزون في قلب دولة الخالفة ومراكز القرار فيها أو بالقرب منها ما منحهم
أفضلية على غيرهم ،بمن فيهم البربر.
إن هذا الموضوع في الحقيقة ليس مستجدا أو مبتك ار تماما ،فقد حظي باهتمام خاص من طرف الباحثين
ّ
المهتم ين بالدراسات الحضارية واالجتماعية منذ منتصف القرن العشرين على األقل عندما أصدر األستاذ محمد
ّ
محدد
التطرق لعنصر ّ
ّ لكنهم مع ذلك تناولوه بشكل عام دون
الطيب النجار كتابه "الموالي في العصر األموي"ّ ،
المهمة
ّ نقدم في هذا البحث ،من خالل التركيز على دور البربر تحديدا ،رغم صعوبة
من الموالي كما نريد أن ّ
األولية التي ال تبدي اهتماما بتسجيل أحداث وأحوال المغرب اإلسالمي
شح المادة الخبرية في المصادر ّ
في ظ ّل ّ
وأهله ّإال بقدر يسير مقارنة مع تركيزها الطاغي على تدوين أحداث المركز والمشرق بالشخصيات الفاعلة فيها،
المهتمين بدراسة تاريخ هذا الفضاء الجغرافي وسكانه في الفترة اإلسالمية
ّ تحديا كبي ار بالنسبة للباحثين
ما يمثّل ّ
المب ّكرة .وقد اخترت تحديد المجال الزمني للموضوع حتّى منتصف القرن الثامن ميالدي أساسا لعاملينّ :أولهما
ألنه يمثل الفترة المب ّكرة الندماج البربر في الدولة اإلسالمية بعد إتمام فتح بالدهم مطلع هذا القرن (أواخر القرن
ّ
يروج له في بعض الدراسات عن البيئة والمواقف السلبية والعنصرية تجاه الموالي األول هجري) ،وثانيهما لما ّ
تم جمع األخبار ورصد
المرجوة ّ
ّ خالل العصر األموي .من أجل معالجة اإلشكالية المطروحة والوصول لألهداف
ثم
المتفرقة المتعلّقة بموضوعنا من مختلف المصادر سواء كانت كتب التاريخ العام أو الطبقات ،ومن ّ
ّ اإلشارات
العمل على تحليلها وتوظيفها بما يتوافق مع الغاية من الموضوع ،من أجل اخراج دراسة موضوعية متكاملة.
.1مفهوم الموالي وأحكامهم
صبة ،والمولى يحمل عدةالع َ
عمه ،وهم َ
الموالي في لغة العرب تحمل عدة معاني ،فهم ورثة الرجل ،وبنو ّ
المعتَق ينتسب إلى سيده ،والناصر ،والحليف ،والجار ،والشريك ،وابن
أوجه من المعنى أيضا فهو الحليف ،و ُ
106
البربر الموالي في دولة الخالفة ودورهم في الحياة العامة ح ّتى منتصف القرن الثامن ميالدي
المعتِق ،1فهو يحتمل بالتّالي معنيين
المنعم ،و ُ
األخت ،وابن العم ،والعبد ،ويأتي أيضا بمعنى السيد ،والمالك ،و ُ
ويهمنا في هذا الموضوع المعنى الثاني بالتحديد،
متعاكسين في نفس الوقت ،إذ يطلق على السيد والتابع معاّ ،
أما الوالء فيعني من خالل هذه المعاني عموما المصادقة ،والمناصرة ،والقرب ،والحب ،والتبعية .2وفي الشرع
ّ
ويسمى مولى
ّ المعتَق الذي كان عبدا فأعتقه سيده فينتسب إليه بالوالء
اإلسالمي تأتي كلمة المولى بمعنيينُ :
ويسمى مولى المواالة .3
العتاقة ،والحليف الذي ينتمي آلخر بالمخالطة أو بالخدمة أو بالمحالفة فينسب إليه ّ
إن نظام الوالء كان معروفا عند العرب قبل اإلسالم ويعتبر من األعراف القبلية التي كان معموال بها ويشمل
ّ
أنواعا متعددة مثل والء الحلف ،والجوار ،والرق ،والعتق ،4ولم يبطل اإلسالم نظام الوالء بل وثبت عن الرسول
لكن اإلسالم مع ذلك أحدث بعض التعديالت
× أحاديث يؤ ّكد فيها على لحمة العالقة بين المولى وموالهّ ،
تم إبطال والء الحلف
على هذا النظام مثل إبطال الوالء بين المسلمين وغيرهم من أتباع الديانات األخرى ،كما ّ
األمة العربية في ظل االسالم .5
تهدد وحدة ّوالجوار بين القبائل العربية استبعادا لقيام تكتّالت بينها يمكن أن ّ
وعليه اقتصر الوالء في ظ ّل اإلسالم على ثالث أنواع هي :والء الرق بين المالك وعبده ويبقى هذا الوالء
قائما مادام العبد ُملكا لسيده ،6فإذا أعتقه لسبب من األسباب يصبح الوالء في هذه الحالة والء العتاقة أو والء
7
يتم اعتاقه يترك االنتساب إلى أهله وينتسب إلى مواله أو
ّ الذي المولى و ، ألن سيده أنعم عليه فأعتقهالنعمة ّ
8
أم ا النوع الثالث من الوالء فهو والء المواالة أو والء الحلف ويكون بين العربي المسلم الذي يسلم على
قبيلته ّ ،
يديه الرجل فيواليه ،أو بين قبيلة عربية وبين جماعة من المسلمين األحرار من غير العرب ،9ويمكن اعتبار هذا
الوالء (الحلف) األخير طوعي يبادر إليه الموالي من أجل أن يحظوا بمكان في المنظومة المجتمعية التي تلعب
فيها القبيلة دو ار كبيرا ،كما ّأنهم يحصلون بهذا الحلف على الحماية الالزمة ،ويدعمون بدورهم مكانة حلفائهم من
العرب .10وخالل العهد األموي أصبح معنى كلمة الموالي أكثر شموال ،حيث أصبحوا يطلقون هذا اللفظ على
ك ّل مسلم غير عربي ،11بما في ذلك أولئك الذين كانوا أح ار ار أصال (لم يكونوا عبيدا وال عتقاء) ولم تربطهم
األخوة في الدين .12
ّ بالعرب المسلمين رابطة الحلف والمواالة ّإال ما يجمعهم من
وقد كان الموالي الذين يمثّلون جزء معتب ار من األمة اإلسالمية ينحدرون من أصول متنوعة ،وكان لهم
حضور مؤثّر في الكثير من مجاالت الحياة العامة للمجتمع والدولة اإلسالميين ،وفي هذا الموضوع سنتحدث
عن دور الموالي البربر حص ار مع محاولة تحديد نوع الوالء الخاص بكل حالة باالعتماد على االشارات المتوفّرة
في المصادر تصريحا أو تلميحا.
.2دور الموالي البربر في الجانب العسكري
عمليا من أولى الشعوب غير العربية الذين فتحت بالدهم وسمحت لهم الخالفة بتشكيل جيش كان البربر ّ
خاص بهم في مناطق استقرارهم ،كما ّأنها أتاحت لهم قبل ذلك فرص االنخراط في الجيوش اإلسالمية ومشاركتها
العمليات العسكرية في منطقة المغرب ضد الروم وغيرهم ،حيث منحوا منذ الفتح ،خالفا للشعوب األخرى التي
خضعت للمسلمين ،منزلة مساوية للعرب بمجرد اعتناقهم اإلسالم وانخراطهم في الجيوش العربية ،13وقد بدأوا
107
منصف مباركية
مشاركة العرب حمالتهم في افريقية والمغرب منذ وقت مب ّكر حين انضموا إلى جيش عقبة بن نافع المكلّف بفتح
14
أن هؤالء العناصر ضمن الجيش العربي كانوا أساسا من بربر
المنطقة منتصف القرن األول هجري ،ويبدو ّ
15
قوات
أن ّ
برقة أين كان عقبة مقيما عندما وّاله معاوية بن أبي سفيان فتح افريقية ،وتفيدنا المصادر الحقا ّ
تضم ألفي عنصر من
المسلمين بإفريقية تحت قيادة زهير بن قيس التّي واجهت كسيلة أواخر سنة 69ه كانت ّ
16
أن جيش المسلمين بقيادة حسان بن النعمان
البربر من بين ستة آالف فارس ما يمثل ثلث قوام الجيش ،كما ّ
يضم فرقة من المقاتلين البربر تحدد المصادر انتمائهم إلى عناصر بعد ذلك الذي قاتل به الكاهنة وهزمها كان ّ
البتر ،17حتّى ّأنها حفظت لنا بشكل استثنائي اسم أحد القادة من بينهم ،يدعى هالل بن ثَْروان اللُّواتي ،الذي
ُ
18
أن هذا القائد البربري
جعله حسان بن النعمان على مقدمة الجيش بجانب قائدين عربيين آخرين ،وعلى األرجح ّ
التوغل في افريقية والمغرب،
ّ انضم إليه مع العناصر البربرية من برقة أو سار لاللتقاء به في طرابلس قبل
ّ قد
ومن خالل نسبه نعلم ّأن ه من قبيلة لواتة وكان على األرجح مولى مواالة إذ ال ينتسب إلى أي شخصية أو قبيلة
عربية ،وما يمكن أن يدعم هذا الطرح أن قبيلة لواتة كانت تستوطن برقة حين بلغت فتوحات المسلمين المنطقة،
وفشا فيهم اإلسالم منذ والية عمرو بن العاص األولى على مصر في خالفة عمر بن الخطاب .19
أهم خطوة اتخذها العرب إلدماج البربر في هيكل المنظومة العسكرية في المنطقة وزيادة حجم
أن ّغير ّ
مشاركتهم ودورهم في الجيوش االسالمية جاءت على يد حسان بن النعمان بعد أن قضى على مقاومة الكاهنة،
يتكون من اثنا عشر ألف فارس من مختلف القبائل كان قد اشترطهمحين قام بتشكيل جيش كامل من البربر ّ
ثم أسند قيادة هذا الجيش إلى ابني الكاهنة فجعل كل واحد منهما على
عليهم مقابل الصلح فأسلموا على يديهّ ،
ستة آالف فارس ،فاشتركوا مع العرب في فتح المغرب وقتال الروم ومن كفر من البربر ،20وانضمام هؤالء البربر
إلى المسلمين على شكل رهائن واسالمهم على يد حسان بن النعمان يجعل منهم حسب التقاليد العربية موالي
تم وضع هذا الجيش الحقا بأمر موسى بن نصير تحت قيادة طارق بن زياد في طنجة ،21وهو للمسلمين ،وقد ّ
الذي سيقوم بالجهد الرئيسي في عمليات فتح األندلس الحقا ،بل كان عمليا هو من قام بأمر فتحها ،ليبصم على
دور حاسم وخالد قام به البربر في نشر اإلسالم ومد السيادة اإلسالمية إلى مناطق جديدة أسوة بما قام به العرب
أن األستاذ عبدمن قبل خالل الفتوحات الكبرى ،وكانت هذه التجربة في الحقيقة غير مسبوقة واستثنائية حتّى ّ
المرة األولى في تاريخ الفتوح العربية
أن« :هذه هي ّ العزيز سالم لم يفُته تدوين هذه المالحظة عندما أشار إلى ّ
التي يتولّى فيها جيش بأكمله من المغلوبين فتح قطر من األقطار الكبرى كاألندلس» .22
لم تكن هناك شخصية بربرية استطاعت أن تتبوأ مكانة مرموقة في الهيكل العسكري واإلداري لدولة الخالفة
المميزة
ّ وتترك أث ار بالغا في التاريخ اإلسالمي كما فعل طارق بن زياد ،بما حقّقه من إنجازات وأمجاد ،ورغم سيرته
أن المصادر تهمل تماما تقديم ترجمة وافية عن حياته ،والمعلومات الّتي تأتي بها في هذا الشأن شحيحة
ّإال ّ
23
القوية
حد ذاته له دالالته ّ
ويعتريها الكثير من التضارب خاصة فيما يتعلق باسمه وأصله وانتماءه ،وهذا في ّ
تهتم بتدوين أعمال وسير أشخاص مغمورين وأقل شهرة
أن المصادر ّ
حول ترجيح احتمال أصوله غير العربية ،إذ ّ
108
البربر الموالي في دولة الخالفة ودورهم في الحياة العامة ح ّتى منتصف القرن الثامن ميالدي
وتوفيقا من طارق بن زياد ،فقط ألنهم من العرب وأل ّن قبائلهم قد حفظت بعض أخبارهم ومنجزاتهم لالعتزاز بها
أن
ودعم مكانتها بين غيرها من القبائل العربية األخرى ،ورغم اجماع معظم المصادر حول أصوله البربريةّ ،إال ّ
قدم سلسلة نسبه الكامل وانتماءه البربري كان ابن عذاري المراكشي نقال عن صالح بن أبي صالح الوحيد الذي ّ
حيث قضى بانتسابه إلى قبيلة نفزة ،24وهو ما يؤ ّكد عليه أيضا مؤلف كتاب تاريخ األندلس ،25في حين ذكر
26
أن طارق بن زياد كان في الحقيقة من مسلمي البربر ّإال ّأننا ال نستطيع
االدريسي أنه من قبيلة زناتة ،ورغم ّ
صحة سلسلة النسب التّي أوردها ابن عذاري ،إذ ال نجد ما يدعمها في المصادر المب ّكرة ،كما
لألسف التأ ّكد من ّ
أن
ّأنه يعطي اسما عربيا حتّى لجده (عبد اهلل) ،ورّبما على هذا األساس تذهب بعض الدراسات الحديثة إلى ّ
طارق بن زياد ينحدر من جد (اسمه عبد اهلل) كان قد أسلم على يد عقبة بن نافع ،27لكن ابن عذاري يرجع
28
يتم سبي شخص ينحدر من أب وجد مسلمين وربما كانا ّ كيف يندر ال
و ، أن زيادا كان من سبي البربر
ويقول ّ
دخال في خدمة العرب كذلك ما مهّد لطارق فرص االتصال واالنضمام إلى قادة الفتح (موسى بن نصير) الحقا،
أن والء طارق لموسى يتضارب مع حتمية والء جده لعقبة باعتباره أسلم على يديه.
كما ّ
وما نعرفه عن أخباره المب ّكرة ّأنه كان مع موسى بن نصير حين قدم واليا على افريقية والمغرب وشارك
معه في قتال البربر وفتح مدنهم حتّى بلغا طنجة وكان على مقدمة جيشه ،29ويفهم من رواية صاحب كتاب
فانضم إليه ،30ثم خلّفه موسى واليا على طنجة
ّ أخبار مجموعة ّأنه كان حينها في افريقية عندما قدم ابن نصير
حين انصرف إلى القيروان ،وجعل معه عددا قليال من العرب واثنا عشر ألف فارس من البربر الذين كان حسان
ضمهم من قبل وأسلموا على يديه ،31وقد أتاحت هذه الوضعية لطارق أن يلعب دو ار مهما في
بن النعمان قد ّ
ومهمة ومسؤوال عن جيش كامل ضخم ومتجانس ّ التاريخ اإلسالمي بعدها ،فقد كان مشرفا على منطقة واسعة
أن العرب قد منحوا
نسجل ّ
حد ذاتها فريدة من نوعها حيث ال ّ مع حرية مطلقة في اتخاذ القرار ،وهذه الحالة في ّ
أحدا من شخصيات شعوب البلدان المفتوحة هذه االمتيازات في القيادة والوالية من قبل .وقد بدأ بعدها اسم طارق
ودية مع حاكم سبتة ُيليان ما كان سببا
يتردد بشكل منتظم أكثر في المصادر ،حيث استطاع أن يربط اتصاالت ّ ّ
في تسهيل عبوره إلى األندلس وفتحها سنة 92ه مع جيشه من البربر 32قبل أن يلحق به موسى بن نصير من
متما لِما بدأه طارق وجيش البربر ،ولسنا هنا في معرضّ
33
القيروان مع قادة العرب وجيوشهم في رجب 93ه
تم
سرد تفاصيل الفتح وأحداثه فهي معلومة ومشهورة ،بقدر ما نريد ابراز دور البربر في هذا الحدث العظيم الذي ّ
التخطيط له وتنفيذه على يد هؤالء المسلمين غير العرب ،34وال تخفي األخبار المتعلّقة بفتح األندلس ما اتّصف
وتشبع بروح الجهاد واستعداد كبير للتضحية في سعيهم لنشر اإلسالم في أوربا،
ّ به البربر من شجاعة وبطولة
حيث استطاعوا تحطيم جيش القوط الذي يفوقهم أضعافا في معركة وادي لكة ،35كما تظهر أيضا ذكاء وحنكة
تصرفه بعد المعركة ،من خالل استثماره في نتيجتها العسكرية والمعنوية لتوجيه ضربة
ّ قائدهم طارق وسرعة
توجهوا إلى مدينة إستجة
قوات العدو ،حيث سارع إلى استهداف فلول جيش القوط الذين ّ قاضية لمن بقي من ّ
36
ثم قام بتفريق السرايا لالستيالء على المدن الرئيسية في جنوب األندلس ،فأرسل مغيث
لالحتماء بها فهزمهم ّ ،
109
منصف مباركية
37
بقوات أخرى إلى
مولى عبد الملك بن مروان في سبعمائة فارس ففتح قرطبة وكانت من أعظم مدنهم ،وبعث ّ
توجه هو بالجيش الرئيسي إلى طيلطلة عاصمة القوط فأخضعها ،39 38
مالقة وغرناطة فافتتحوهما ،في حين ّ
يؤمن مكاسبه ويمهّد الظروف للفتح الكامل لشبه الجزيرة اإليبيرية ،من خالل إعدامه فرصة
وهكذا استطاع أن ّ
قوات القوط في العاصمة واعادة تنظيم صفوفهم.
تجمع بقايا ّ
وقد تولّى ،باعتباره قائد الجيش امارة األندلس ،بعد فتحها ،سنة كاملة حتّى قدوم موسى بن نصير ،40قبل
يتوجها معا إلى دمشق بعد استدعائهما من طرف الوليد بن عبد الملك ،41الذي كافأ هذا القائد البربري نظير
أن ّ
42
عزز مركزه عند األسرة المروانية في دمشق وارتفعت أسهمه
أن طارق قد ّ إنجازه الكبير في األندلس ،ويبدو ّ
هناك حيث تشير المصادر إلى اعجاب الوليد بفطنته 43كما ّأنه كان على وشك أن يحظى بسيرة مميزة عندما
هم سليمان بن عبد الملك ،الذي تولّى الخالفة بعد الوليد ،بتعيينه واليا على األندلس قبل أن يعدل عن ق ارره بتأثير
ّ
ظم أمر نفوذ طارق بين البربر وطاعتهم له عند سليمان حين
دبرها مغيث مولى عبد الملك ،الذي ع ّمن مكيدة ّ
استشاره في األمر ،44ما أثار الشكوك والهواجس في نفس الخليفة .وقد انقطعت بعد ذلك أخبار طارق بن زياد
تماما في المصادر فال نعلم كيف وأين أمضى بقية حياته .ومن البربر الذين اشتهروا أيضا في فتوح األندلس،
طريف بن مالك المكنى أبو زرعة ،الذي قاد حملة تضم بضع مئات من الجنود الختبار البالد واستطالع أحوالها،
قبل الحملة الرئيسية بقيادة طارق بن زياد ،حيث عبر المضيق بمساعدة حاكم سبتة ُيليان واستهدف منطقة تعرف
جيدة حيث استطاع أن يعود بعدد وافر من الغنائم والسبى .45
بالجزيرة الخضراء في سنة 91ه أين حقّق نتائج ّ
التحمس لفتح األندلس فقد أ ّكدت نجاحات طريف هشاشة الوضع العسكري
ّ حيوي في
ّ وقد كان لهذه الحملة دور
حصلها .46
وشجعت المسلمين بعد النتائج التّي حققها وسعة الغنائم التّي ّ
والسياسي للقوط ّ
وفي المشرق اشتهر أيضا بعض البربر بأدوار عسكرية هناك في خدمة الخالفة بفضل مهاراتهم وكفاءتهم
الوضاح الذي كان مولى لبني أمية حسبما تذكر نجدت خماش 47وان كانت المصادر ال
ّ القيادية والقتالية ،منهم
أن حضوره الدائم في األحداث التي شارك فيها أمراء البيت المرواني من
تصرح بشيء في هذا الخصوص ّإال ّ ّ
قواد بني أمية 48من جهة أخرى يمكن أن يؤ ّكد ما ذهبت إليه
أن ابنه عمرو كان من ّ جهة ،واشارة المصادر إلى ّ
نجدت خماش ،وفيما يتعلّق بانتمائه العرقي الذي تغفل المصادر اإلشارة إليه تماما أيضا ،يمكننا األخذ بما ذهب
الوضاح إلى أصول بربرية ،49
ّ إليه ياقوت الحموي باالستناد إلى إشارة وردت في بيت شعر لجرير ينسب فيها
بالوضحاية ،شاركت في الكثير من األحداث العسكرية
ّ الوضاح هذا قائدا لفرقة عسكرية تُنسب إليه ،تعرف
ّ وكان
الوضاح
ّ فعال أيضا في قتال الروم ضمن حمالت الصوائف الموسمية ،وقد تلقّى في المشرق ،كما كان لها دور ّ
وخصه بالمدح في بيت
ّ أن جري ار الشاعر أثنى عليه
اشادة كبيرة في الشام نظير جهوده في خدمة الخالفة حتّى ّ
شعر ضمن قصيدته (ضاربو هام الملوك) التّي نظمها في أواخر عهد يزيد بن عبد الملك رغم ما كان يعرف
50
الوضاح كان مستق ار ببالد الشام إذ بفضل خدماته ووالءه
ّ أن
عنه من عنصرية تجاه الموالي ،وعلى األرجح ّ
بالوضاحية أيضا .51
ّ تحصل على اقطاع هناك ،حيث تنسب إليه المصادر الجغرافية قرية تعرف
ّ لألسرة األموية
110
البربر الموالي في دولة الخالفة ودورهم في الحياة العامة ح ّتى منتصف القرن الثامن ميالدي
يتردد في األخبار منذ أواخر القرن األول هجري حين
الوضاح والفرقة التّي كان يشرف عليها ّ
ّ وقد بدأ اسم
نجح في فتح حصن في بالد الروم تذكره المصادر باسم حصن ابن عوف الذي يبدو أنه كان يقع في نواحي
52
ثم لعب دو ار حاسما في اخماد ثورة يزيد بن المهلب في العراق سنة 102ه
مدينة برجمة غرب آسيا الصغرىّ ،
،53وآخر ذكر له في األخبار كان سنة 107ه عندما شارك في حملة الصائفة بقيادة معاوية بن هشام ،54ويبدو
الوضاحية آلت
ّ أن قيادة قوات
ّأنه توفي بعد هذا التاريخ بوقت قصير إذ ينقطع اسمه من التداول بعدها كما نجد ّ
تؤدي دورها ضمن حمالت الصوائف حيث كانت تشكل إلى ابنه عمرو ،وتحت اشراف هذا األخير استمرت ّ
الوضاح بالروم مواجهات كثيرة مشهودة حقّق فيها
ّ الطليعة التّي تتقدم الجيش الرئيسي للحملة ،وجمعت عمرو بن
انتصارات وفتوحات جليلة 55من ذلك المشاركة في حصار مدينة نيقية Nicaeaحاضرة إقليم بيثينيا مع معاوية
ضمت خمسة عشر ألف مقاتل ،56كما نجده الحقا بجانب
قوات الطليعة التّي ّ
ابن هشام أين أسندت إليه قيادة ّ
يعد أحد أعوانه الرئيسيين وبرز بشكل خاص من
ضد المعارضين في الشام أين كان ّ
مروان بن محمد في حروبه ّ
الوضاحية التي بلغ عدد أفرادها
ّ التمرد في حمص ودمشق على رأس قوات
خالل دوره في القضاء على حركات ّ
حينها ثالثة آالف فارس .57
الوضاح وقادها ابنه عمرو من بعده
ّ تم تأسيسها من طرف أن هذه الفرقة المنتخبة التي ّ
ويبدو من المنطقي ّ
تضمهاّ ،إال ّأننا نفترض بقليل
ّ كنا نجهل تماما تركيبة العناصر التّي
تتكون أساسا من الموالي ،وحتّى إن ّ
كانت ّ
مسجلين في الديوان
أن أفراد هذه الفرقة كانوا ّمهما فيها ،وعلى األرجح ّ
أن البربر كانوا يشكلون قسما ّمن التحفظ ّ
ويتقاضون عطاء ثابتا مقابل خدماتهم كحال الكثير من الموالي في الشام والعراق خالل تلك الفترة .58
تم استمالة رؤساء
لقد خدم نظام الوالء العرب ومشاريعهم في المنطقة ،إذ بفضل تطبيقه على نطاق واسع ّ
البربر وتكريس السيادة العربية في المغرب ،59بالمقابل فقد سمح للكثير من البربر االندماج في المنظومة
قدمه البربر من خدمات وتضحيات في سبيل نشرالعسكرية واالجتماعية للدولة اإلسالمية ،ولكن رغم ك ّل ما ّ
أن بعض
تعرض للتهميش واإلقصاء كحال طارق بن زياد ،كما ّ
أن العديد منهم ّ
االسالم وخدمة الدولة األموية ّإال ّ
وعمال الخالفة األموية في المغرب االسالمي لم يكونوا يعترفون لهم بحقّهم في المساواة وال يعاملونهم بإنصاف
وّالة ّ
فيميزون بينهم وبين العرب ويحرمونهم نصيبهم من الغنائم ،60كما كانوا يعاملونهم بازدراء
في الكثير من الحاالت ّ
يعدون من موالي موسى بن نصير،
كما فعل يزيد بن أبي مسلم حين قام بإرجاع حرسه من البربر ،الذين كانوا ّ
61
يخمس مسلمي البربر هناك
إلى الرق ووشمهم في أيديهم ،وأراد عامل طنجة عمر بن عبد اهلل المرادي أن ّ
62
لتمردهم
مدعيا أنهم فيء للمسلمين ،وقد كانت هذه التجاوزات والعنصرية التي ُيعامل بها البربر عامال محرضا ّ
ضد تسلّط العرب.
.3مشاركة البربر في الشؤون اإلدارية
مؤهالتهم وارتباطهم بأمراء البيت األموي أو بالشخصيات العربية البارزة من
استطاع عدد من البربر بفضل ّ
ونسجل في هذا المجال أخبا ار متفرقة
ّ خالل رابطة الوالء ،أن يتبوؤوا مراكز مختلفة في الجهاز اإلداري للدولة،
111
منصف مباركية
ومقتضبة جدا في المصادر عن تولّي بعض الشخصيات من أصول بربرية لمسؤولية مناصب حساسة مثل
الحيوية ّإال أّن صمت
ّ أهمية التفاصيل المتعلّقة بدور البربر في هذه المناصب
الحجابة والكتابة والحرس ،ورغم ّ
المصادر عن ذكر أخبارهم يحرمنا من رسم صورة متكاملة عن اإلرث الذي خلّفوه خالل فترة خدمتهم في الجهاز
اإلداري للخالفة.
.1.3الحجابة
نضم عملية دخول
المهمة في النظام اإلداري للدولة باعتبارها الجهاز الذي ُي ّ
ّ المسؤوليات
ّ تعتبر الحجابة من
الوافدين على الخليفة أو الوالي من رجال الدولة أو العامة ،فهي كما يذكر القلقشندي" :حفظ باب الخليفة
واالستئذان للداخلين عليه" ،63والمسؤول عن هذا المنصب (الحاجب) هو الذي يتولّى اإلذن للناس في الدخول
الحجاب وتبعه في ذلك من جاء بعده من الخلفاء،ّ على السلطان ،وكان معاوية بن أبي سفيان ّأول من اتّخذ
ومنعوا الناس من الدخول عليهم ّإال بإذن ،64وكانت دوافع معاوية للقيام بهذا االجراء أمنية أساسا حيث كان
تم استحداث
تعرض لها على يد الخوارج سنة 40ه ،وكذا تنظيمية حيث ّ يخشى من محاوالت االغتيال كالتّي ّ
هذا المنصب لتنظيم توافد الناس على الخلفاء أو الوالة تفاديا الزدحامهم على أبوابهم وشغلهم عن النظر في
شؤون الحكم والدولة .65
محدد يراعي فيه مكانتهم االجتماعية وأهمية
وكان الحاجب يتولّى ادخال الناس على الخليفة وفق ترتيب ّ
وظائفهم ومركزهم في الدولة ،66لهذا كان يشترط فيه أن يكون عارفا بأنساب الناس ومراتبهم حتّى يستطيع
67
ولشدة حساسية هذا المنصب كان بنو مروان وعمالهم على األقاليم
ادخالهم لمقابلة الخليفة وفق هذه الشروط ّ .
يتواصون بضرورة حسن اختيار وانتقاء المكلف بهذه الوظيفة حيث كانوا يرون ّأنه يعكس صورة الخليفة أو األمير
عند الرعية فهو بمثابة وجهه ولسانه ،68وكان من جملة ما أوصى به عبد الملك بن مروان أخيه عبد العزيز
وجهه إلى مصر أن يحسن اختيار حاجبه وكاتبه وجليسه ،69ومن خالل وصايا الخلفاء واألمراء يمكن أن
حين ّ
نتبين الشروط الضرورية التّي كانت يجب أن تتوفّر في الحاجب ،فهو يجب أن يكون من خاصة وأفضل أهل ّ
الخليفة (أو األمير) ومواليه ،70عاقال ،71أمينا وصادقا ال يكتم عن سيده من حضر ببابه .72
وطيلة العهد األموي هيمن على هذا المنصب الموالي بشكل شبه كلي تقريبا منذ عهد معاوية بن أبي
سفيان ،وقد تولّت بعض الشخصيات البربرية هذه المسؤولية ألكثر من خليفة ،و ّأول من حفظت لنا المصادر
أسمائهم في هذا المنصب ،مزاحم مولى عمر بن عبد العزيز ،73الذي كانت تتوفّر فيه صفات تتوافق مع منهج
التقيد بتعاليم اإلسالم ،وما نعرفه عنه ّأنه كان من سبي فتوحات بالد المغرب وانتهى به
عمر القائم على الورع و ّ
األمر مولى لعمر بن عبد العزيز ،حيث استقر بمكة ،74ومن خالل إشارات المصادر نعرف ّأنه كان من خاصة
قوي عليه ،75وربما كان حاجبه أيضا في تلك
المقربين من عمر عندما تولّى االمارة على المدينة وكان له تأثير ّ
الفترة قبل االنتقال معه إلى دمشق الحقا ،وكان يدخل عليه عندما تولّى الخالفة في أي وقت .76
112
البربر الموالي في دولة الخالفة ودورهم في الحياة العامة ح ّتى منتصف القرن الثامن ميالدي
77
مسؤوال عن ادخال وكان لهشام بن عبد الملك مولى من البربر يدعى غالب بن مسعود ،جعله آذنا له
الناس لمقابلته من أجل قضاء حوائجهم ،ويبدو ّأنه كان مالزما لهشام حتّى أواخر عهده ،وهو من تولّى تكفينه
78
ومم ن اشتغل بالحجابة من البربر أيضا شخص يدعى داود بن عمرو بن سعيد كان مع خالد بعد موته ّ .
القسري في العراق ،79وحتّى في ظل غياب أي تفاصيل في المصادر يمكن التأكيد ّأنه على األرجح كان من
مواليه ،استنادا إلى التقاليد التّي تقضي بإسناد الخلفاء والوّالة هذه المسؤولية إلى من كانوا يثقون فيهم من مواليهم
نخمن طبيعة رابطة الوالء التي كانت تجمعهما.
لكننا مع ذلك ال نستطيع أن نعرف أو حتّى أن ّ
المقربينّ ،
ّ
.2.3الحراسة
يضم أشخاصا أو مجموعات صغيرة من ّ يتولّى هذا الجهاز مسؤولية الحراسة اليومية للخليفة أو الوالي،
المقاتلين ،وقد ظهر منذ عهد الرسول × لكن المصادر مع ذلك تعتبر معاوية بن أبي سفيان أول من اتّخذ
الحرس ،وهذا االجراء من معاوية ربما جاء نتيجة محاولة االغتيال الفاشلة التي تعرض لها على يد الخوارج سنة
40ه ،80وقد أصبح هذا الجهاز يحظى بأهمية كبيرة في العهد األموي نظ ار لكثرة المعارضين والمترّبصين
يضم ّإال عددا محدودا من الجند
قوته ،حيث لم يكن ّ
أهمية هذا الجهاز في ّ
بالخليفة واألمراء في األقاليم ،وال تكمن ّ
يضم حوالي ثالثمائة
مسلحين تسليحا خفيفا ،فحسب ما هو متوفّر من معطيات كان هذا الجهاز في دمشق مثال ّ
أهميته في حساسية دوره الذي يتمثّل
حرسي فقط مع أسلحة بسيطة تقتصر على السيوف والحراب ،واّنما تكمن ّ
في تأمين السالمة الشخصية للخليفة في القصر والبالط وفي بعض تنقالته الميدانية .81
ومن البربر الذين تقلّدوا هذا المنصب في العهد المرواني شخص يدعى سالم أبو الزعيزعة الذي كان في
82
ثم صار بعد وفاة هذا األخير مالزما البنه عبد الملك بن مروان
األصل مولى لمروان بن الحكم وكاتبا له ّ ،
تحول إلى القيام بأدوار أمنية إذ يبدو دائم الحضور بجانب الخليفة في مجالسه ،وقد عهد إليه عبد الملك قتل
أين ّ
ضده واستيالءه على دمشق سنة 70ه ،84وكان أبو
التمرد الذي قام به ّ
83
عمرو بن سعيد بن العاص بعدما ّ
مهمة ،منها اإلشراف على
عدة مناصب ّالزعيزعة مح ّل ثقة عبد الملك حيث أسند إليه طيلة سنوات خالفته ّ
الحرس لسنوات عديدة .85وبعد وفاة الخليفة أصبح أبو الزعيزعة من موالي ابنه الوليد بن عبد الملك ،86وال نعلم
له أي دور خالل هذه الفترة لكنه ظ ّل مقربا من بني مروان وعلى اتصال بهم ،وبقي حيا حتى أواخر القرن األول
هجري وأدرك خالفة سليمان بن عبد الملك .87
ونجد أخبا ار عن انخراط بعض البربر في هذا الجهاز بحكم ارتباطهم بالوالء ألمراء من البيت المرواني مثل
مروان بن محمد الذي كان له مولى بربري في حرسه يدعى سليمان بن مسروح ،ومن خالل ما تذكره المصادر
نعرف أنه كان مالزما له في الحروب ،ولعب دو ار كبي ار في قتال الخوارج معه في الجزيرة أواخر العهد األموي،
واتّصف بشجاعة كبيرة في المعارك وله يرجع الفضل المباشر في القضاء على أحد قادة الخوارج يعرف باسم
الخيبري .88
113
منصف مباركية
أم ا على مستوى األقاليم فيبدو أن هذا الجهاز كان يتكون حصريا من العناصر البربرية في القيروان ،حيث
ّ
ويعدون في موالي موسى بن نصيرتذكر المصادر أن حرس يزيد بن أبي مسلم والي المغرب كانوا من البربر ّ
89
اختصوا في حراسة حتّى الوالة الذين
ّ البتْر واألهم من هذا ّأنهم
،ويذكر ابن عبد الحكم ّأنهم تحديدا من عناصر ُ
90
أن تركيبة أفراد الحرس الخاصة بوالي افريقية في القيروان كانت دائما تقتصر
سبقوا يزيد في المنصب ،ما يؤ ّكد ّ
أن يزيد عندما قدم
على العناصر المحلّية من البربر ،ويبدو ّأنهم كانوا من موالي العتق حيث يشير اليعقوبي ّ
91
السيئة التي القوها على يديه إلى
ردهم إلى الرق ووسم أيديهم ،وقد دفعهم الشعور باإلهانة والمعاملة ّ
افريقية ّ
92
تبين بوضوح مدى أهمية وحساسية هذا الجهاز بالنسبة
التآمر عليه فقاموا بقتله سنة 102ه .وهذه الحادثة ّ
لرجال الدولة ،ما يتطلّب العناية الفائقة في اختيار أفراده والمشرف عليه إذ يجب أن يكون قويا وخاصة صاحب
ألنه يستطيع االطّالع على المحادثات
ألنه مؤتمن على حياة الخليفة أو الوالي ،ولكن أيضا ّ
ثقة وأمانة ليس فقط ّ
الخاصة والسرّية للخليفة (أو الوالي) بحكم مالزمته الدائمة له .93
.3.3الكتابة
أما اصطالحا سمي الخط كتابة لجمع الحروف بعضها إلى بعضّ ، ثم ّالكتابة لغة معناها الجمع ،ومن ّ
فهي حسب تعريف القلقشندي« :صناعة روحانية تظهر بآلة جثمانية دالة على المراد بتوسط نظمها ،فأما الروحانية
ضم بعضها إلى بعض صورة باطنة قائمة في صور من ِّوي ّفيها فهي األلفاظ التي يتخيلها الكاتب في أوهامه ُ
وتقيد به تلك الصورة وتصير بعد أن كانت صورة معقولة باطنة
طه القلم ّ
نفسه ،وأما الجثمانية فهي الخط الذي يخ ّ
صورة محسوسة ظاهرة» ،94وكتابة اإلنشاء تحديدا المراد بها «تأليف الكالم وترتيب المعاني :من المكاتبات
والواليات والمسامحات واالطالقات ومناشير االقطاعات والهدن واألمانات واأليمان وما في معنى ذلك ككتابة
الحكم ونحوها» .95
وتعدد مصالحها إلى استحداث تخصصات للكتّاب فكان هناك
توسع إدارة الدولة في العهد األموي ّ
وقد ّأدى ّ
كاتب الرسائل ،وكاتب الخراج ،وكاتب الجند ،وكاتب الشرطة ،96وكاتب للقضاء والمظالم ،97وكان كاتب
همية المنصب
ألن منصبه يسمح له باالطّالع على أسرار الدولة ،وأل ّ
الرسائل أرفع منزلة من بين كل هؤالء الكتّاب ّ
وحساسيته لم يكن الخلفاء يولّونه ّإال ألقربائهم وخاصتهم ،98وكان الكاتب يتولّى اإلشراف على مراسالت الخليفة
عماله ،99
فيطّلع على الرسائل الواردة عليه من واليات وأقاليم الدولة ،ويشرف على الرسائل التي يبعثها إلى ّ
وبالتّالي كان يعتبر هو المشرف الفعلي على عملية اتصال الخليفة بالجهاز اإلداري للدولة.
ملما بقواعدهما ،وأن يكون من أرباب
ومن يتولّى هذا المنصب يجب أن يكون متح ّكما في اللغة والكتابة ّ
الكالم وأصحاب اللسان والبيان على قدر من البراعة والمهارة في تصريف األلفاظ وصياغة المعاني ،100ذلك
فيتدبر هو صياغة محتواه وانتقاء األلفاظ الدالة على
أن الخليفة أو األمير قد يملي على الكاتب األمر في العموم ّ
ّ
101
معناه بأسلوب بليغ واضح .كما يجب أن يتّصف الكاتب بالثقة واألمانة واإلخالص ،وأن يكون كتوما للسر،
114
البربر الموالي في دولة الخالفة ودورهم في الحياة العامة ح ّتى منتصف القرن الثامن ميالدي
أن الحجاج عندما أراد أن ُيلحق محمد بن يزيد األنصاري بعبد الملك بن مروان يتّخذه كاتبا ذكر هذه الميزة
حتّى ّ
من جملة خصاله .102
عدها المؤيد« :أشرف مناصب
وقد اكتسبت هذه المهنة في العصور الالحقة مكانة راقية وفضال كبي ار حتّى ّ
الدنيا بعد الخالفة ،إليها ينتهي الفضل ،وعندها تقف الرغبة» ،103وحظي الكتّاب بمنزلة عظيمة فكان الزبير بن
104
كنا ذكرنا هذين المثالين في فضل الكتابة فللداللة
بكار يقول« :الكتّاب ملوك وسائر الناس سوقة» ،وان ّ
أهمية هذا المنصب وشرفه وإلبراز مكانة من يتوّاله في المنظومة اإلدارية للدولة.
على ّ
تقلّد الموالي من البربر بدورهم هذا المنصب لفترة معتبرة ،أشهرهم سالم أبو الزعيزعة الذي خدم ثالث خلفاء
على التوالي ،وكان كما سبق اإلشارة إليه مولى مروان بن الحكم وكاتبه ،105وعلى األرجح ّأنه بدأ يكتب له خالل
واليته على المدينة في خالفة معاوية بن أبي سفيان ،ورّبما أيضا الحقا عندما تقلّد الخالفة بدوره ،ويذكر الطبري
أن أبو الزعيزعة كتب لمعاوية بن يزيد أيضا ،وعبد الملك بن مروان كذلك ،106ونعلم على األقل من مصادر ّ
أخرى ّأنه كان مقربا من عبد الملك وتولّى حقا لسنوات عديدة كتابة الرسائل في خالفته ،107ورغم السنوات
حساسة شهدت الكثير من األحداث الطويلة التّي أشرف فيها على ديوان الرسائل ألكثر من خليفة في فترة ّ
أي رسالة منسوبة إليه يمكن
والحركية السياسية ،لم تحفظ لنا المصادر لألسف ّأيا من أعماله األدبية إذ لم تصلنا ّ
أما على مستوى األقاليم فال نعلم بوجود ّإال كاتب واحد
نتعرف على أسلوبه وبالغته في الكتابةّ .
من خاللها أن ّ
آخر فقط من أصول بربرية يدعى داود بن عمرو بن سعيد تولّى ديوان الرسائل لخالد بن عبد اهلل القسري في
108
أي أثر لرسائله هو أيضا.
العراق ،وكما أبو الزعيزعة لم تحفظ لنا المصادر ّ
الحساسة كالحجابة والحراسة والكتابة ،كانت تقريبا
ّ أن الكثير من الوظائف السياسية
وما يمكن مالحظته ّ
مقصورة على الموالي في العصر األموي ،وهذا راجع أساسا إلى عدم ارتباطهم بأي من العصبيات العربية والتّي
يميز سلوك الموالي اتجاه
أن األمانة والوالء المطلق الذي كان ّ
يمكن أن تؤثّر سلبا على أدائهم ووالئهم ،كما ّ
أن
شجعت الخلفاء والوّالة على االستعانة بهم في هذه الوظائف دون العرب ،حتّى ّ
أسيادهم كان من العوامل التّي ّ
زياد بن أبيه كتب إلى معاوية ينصحه باتّخاذ الموالي لِما فيهم من خصال ّ
جيدة عديدة ذكر منها ّأنهم :أنصر
وأغفر وأشكر .109
.4اسهامات البربر في الحياة العلمية واألدبية
كان للبربر اسهامات جليلة في الجانب العلمي واألدبي خالل العهد األموي حيث برز من بينهم الشعراء
ممن كان لهم تقدير كبير في المجتمع اإلسالمي .من أهم الشخصيات البربرية الذين كان لهم
والفقهاء والزّهاد ّ
دور مؤثر في اآلداب العربية خالل القرن األول هجري ،عكرمة أبو عبد اهلل مولى ابن عباس ،الذي نملك عن
أي أحد آخر من البربر في المجتمع العربي ،وتذكر المصادر ّأنه توفّي بالمدينة على
حياته تفاصيال أكثر من ّ
األرجح سنة 105ه وقد بلغ الثمانين من عمره ،110واذا ما أخذنا بعين االعتبار حقيقة صعوبة تقدير عمره
وتم سبيه في خالفة عثمان بن عفان
الحقيقي عند وفاته ،نفترض ّأنه ولد في الغالب خالل العقد الثاني هجري ّ
115
منصف مباركية
وهو لم يزل صبيا ربما دون العاشرة ،وقد كانت الفتوح االسالمية في هذه الفترة بلغت ما بين برقة وافريقية من
إما أن يكون من بالد البربر ما يجعلنا نعتقد ّأنه ينتمي إلى السكان الذين كانوا يستوطنون هذه المنطقة ،فهو إذا ّ
قبيلة لواتة التّي صالحت عمرو بن العاص على إمكانية دفع قسم من أبنائهم للمسلمين مقابل الجزية المترتّبة
عليهم ،111أو أن يكون من سبي حمالت المسلمين التّي استهدفت المنطقة حتّى تخوم افريقية في الفترة بين فتح
112
حيث دأب عمرو بن العاص وعبد اهلل برقة سنة 20ه وحملة عبد اهلل بن سرح الكبرى أواخر العقد الثالث
بن سعد من بعده على ارسال فرق محدودة العدد سريعة الحركة (جرائد خيل) لإلغارة من أجل الغنائم .113
استقر به الحال في البصرة ّأول أمره مملوكا ألحد العرب هناك يدعى حصين بن أبي الحر
ّ وبعد استرقاقه
العنبري ،الذي وهبه بدوره لعبد اهلل بن عباس حين قدم إلى البصرة واليا عليها من طرف علي بن أبي طالب ،114
115
ثم أخذه ابن
ّ ه،
ر مع من ة
ر العاش تجاوز قد حينها كان ما ب
ر
ّ و ، سنة 36ه ،وهو الذي أطلق عليه اسم عكرمة
عباس معه بعدها إلى المدينة أين بدأ يعلّمه القرآن والسنة والفقه ،كما أخذ العلم هناك أيضا عن مجموعة من
الصحابة مثل أبو هريرة ،وعبد اهلل بن عمرو بن العاص ،والحسين بن علي ،وعائشة ،116حتّى تم ّكن من العلوم
الشرعية فكان ُيفتي الناس في حياة سيده ابن عباس بتشجيع منه ،117ولم يكن في مواليه من هو أغزر منه علما
،118وبعد وفاة ابن عباس أصبح عكرمة ملكا لعلي بن عبد اهلل بن عباس فباعه إلى خالد بن يزيد بن معاوية
بأربعة آالف دينار ثم تراجع عن ذلك وأعتقه ،119والمبلغ الذي دفعه حفيد معاوية من أجل عكرمة يعكس قيمته
العلمية والتقدير الكبير الذي كان يحظى به ،وكانت له رحالت كثيرة زار فيها مناطق عديدة بين المشرق والمغرب،
120
مثل مصر وافريقية والمدائن ومرو وجرجان وسمرقند واليمن ،اتّصل فيها باألمراء والوّالة طلبا للصلة والجوائز
وصنفه محمد بن سعد ضمن الطبقة الثانية من أهل المدينة من التابعين وأثنى عليه وعلى سعة علمه وفقهه ،121
ّ
يعده أعلم منه ،122واشتهر عكرمة بسعة عمله ومعارفه في التاريخ والقرآن حتّى
وكان فقيه العراق سعيد بن جبير ّ
يعد أعلم الناس بالمغازي والسيرة والتفسير .123
كان ّ
ومن البربر الذين اشتهروا في مجال األدب ،سابق بن عبد اهلل البربري الشاعر الزاهد ،124ورغم ّأننا ال
وخلفيته التّي جاء منها بما في ذلك انتماءه القبلي وموطنه ببالد المغرب ،كما تبقى طريقة
ّ نعلم شيئا عن نشأته
وتاريخ انتقاله إلى بالد الخالفة مجهولة تماماّ ،إال ّأننا مع ذلك نعرف بعض تفاصيل حياته وأخباره في المشرق،
فقد كان مولى للوليد بن عبد الملك ،125وفي بعض الروايات مولى عمر بن عبد العزيز ،126وال نستطيع أن
نتبين هنا لألسف بالتحديد الوضعية الدقيقة لرابطة الوالء التّي جمعته بسيده ،لكن ارتباطه بالبيت األموي واحتالله
ّ
مرك از محترما في المنظومة اإلدارية باعتباره قاضيا رّبما يمثل إشارة على ّأنه كان مولى عتق ،ومن خالل قائمة
الرواة الذين نقل عنهم 127يمكن أن نالحظ تنوع مصادره وأيضا مجاالت معارفه ،كما نستنتج ّأنه تن ّقل بين أهم
المحدثين ،حيث يروي عن شيوخ من المدينة،
الحواضر اإلسالمية في طلب العلم وحضور مجالس الفقهاء و ّ
128
لكنه اشتهر
مدة طويلة ّ ،ومكة ،والبصرة ،والكوفة ،باإلضافة إلى الشام ،التّي تذكر األخبار ّأنه أقام بها ّ
باستق ارره في الرقة فكان ينسب إليها (يعرف بسابق الرقّي) ،واشتغل هناك بالقضاء واإلمامة ،129ما يعكس منزلته
116
البربر الموالي في دولة الخالفة ودورهم في الحياة العامة ح ّتى منتصف القرن الثامن ميالدي
يرددون
االجتماعية والعلمية حيث لم يكن يتولّى اإلمامة والقضاء في العهد األموي غالبا ّإال العرب ،الذين كانوا ّ
130
أن عمر بن عبد العزيز الذي فعرف بذلك حتّى ّّأنه :ال يصلح القضاء ّإال لعربي ،وقد كان سابق فقيها زاهدا ُ
اشتهر بورعه وتواضعه كتب إليه يطلب منه أن يعظه ،وقد وفد عليه في خالفته فأنشده شع ار في الزهد ،131ومع
ضد
وتسجل المصادر مشاركته في حملة الصائفة ّّ دوره في المجال األدبي والديني كان مقبال على الجهاد أيضا،
الروم أواخر القرن األول هجري في خالفة سليمان بن عبد الملك ،132وكان يجيد نظم الشعر وله أبيات وقصائد
في الوعظ والحكمة والزهد حسنة .133
سجلت العديد من أسماء العناصر البربرية من الموالي دون أن أن المصادر ّ في األخير نريد اإلشارة إلى ّ
أن ذلك ال يعني أبدا ّأنهم كانوا على هامش األحداث أو خاملين،
تحدد لألسف أي دور لهم في الحياة العامة ،رغم ّ
ّ
أن الكثير منهم كان مرتبطا بالبيت األموي ،لكن رّبما هذا راجع إلى بقاء معظمهم في بالد المغرب وعدم إذ ّ
انتقالهم إلى المشرق باعتبارهم موالي حلف في الغالب وبالتّالي ليسوا ملزمين بالبقاء مع أسيادهم من العرب ،ما
جعلهم بمعزل عن االتصال بمراكز اتّخاذ القرار واالستفادة من رابطة الوالء لتقلّد المناصب والواليات ،وما يمكن
أن الكثير منهم كان له دور فاعل الحقا في الدولة األموية باألندلس ،من هؤالء ميمون بن أن يدعم هذا الطرح ّ
أي دور في
سعيد الذي كان مولى الوليد بن عبد الملك ،ورغم ارتباطه بأحد الخلفاء األمويين ّإال ّأننا ال نعلم له ّ
حيا إلى ما بعد سقوط الدولة أي مسؤوليةّ ،إال ّأننا نعرف ّأنه بقي ّالحياة العامة أو جهاز الدولة ولم تُذكر له ّ
األموية ،حيث رافق بعدها عبد الرحمن بن معاوية الداخل إلى األندلس أين تقلّد فيها منصب والي طليطلة .134
135
فإن والءه
وهناك أيضا أبان بن عبيد مولى معاوية بن أبي سفيان ،أهدي إليه من سبي البربر ،وعليه ّ
أي دور فيتسجل له المصادر ّ
في األصل والء رق وال نعلم إن كان معاوية قد أعتقه الحقا أم ال ،وفي حين لم ّ
استمر في خدمة األمويين حيث نجد أحد أحفاده (هشام بن عبد القادر)
ّ أن من جاء من نسلهالشؤون العامة ّإال ّ
ضد هشام بن عبد الرحمن الداخل .136
تمرد للبربر في األندلس ّ
يقود جيشا إلخماد ّ
ومنهم كذلك وانسوس بن يربوع المكناسي مولى سليمان بن عبد الملك ،137وهو من قالئل الموالي البربر
أن والءه كان والء حلف ،وما يدعم
يرجح ّ
الذين تذكرهم المصادر بنسبهم األصلي حيث ينتمي لقبيلة مكناسة ،ما ّ
138
أي دور خالل
أن وانسوس كان ذا مكانة مقتدرة عند قومه ومعدود من رؤسائهم ،وال نعلم له ّ
هذا االستنتاج ّ
مدة من الزمن قبل عبوره لألندلس ،139كما
العهد األموي ّإال قيامه بإيواء عبد الرحمن بن معاوية مستت ار عنده ّ
أن عقبه كان لهم دور بارز في تاريخ األندلس الحقا .140ّ
ونجد أيضا شخص يدعى سالس ينتمي إلى بربر مصمودة ،كان مولى يزيد بن عامر الليثي الكناني بعد
141
شمال بن منغايا من قبيلة مصمودة
أن اسمه وسالس أو وسالسن بن ّ أن أسلم على يديه ،وذكر ابن خلكان ّ
وينتسب إلى بني ليث بالوالء ،142في حين يذكر صاحب كتاب مفاخر البربر الذي عاش في المغرب وألّف كتابه
أن شمالل هو الذي أسلم
أن اسمه وسالس بن شمالل المصمودي األصادي ،و ّ مطلع خالل القرن الثامن هجري ّ
ممن شهد فتح األندلس مع طارق بن زياد .143
على يدي يزيد بن عامر الليثي فهو ينتمي إليه بالحلف ،وكان ّ
117
منصف مباركية
تخص أحد األشخاص من مغراوة يدعى خزر بن خفص بن ّ ونعلم أيضا بعض األخبار عن حالة أخرى
144
بأنه رّبما كان من زعماء
صوالت أسلم على يد عثمان بن عفان ،واتصاله بالخليفة واسالمه على يديه يوحي ّ
البربر وعليه فإن العالقة التي جمعته بعثمان هي والء الحلف ،وال نعلم شيئا عن دور يكون قد اضطلع به هذا
أن مكانتهم كانت معتبرة بين قومهم حيث يذكر
الشخص ،لكن يبدو ّأنه وأبناءه كانوا فعال في خدمة الخالفة و ّ
يقدمون بني خزر على قبائل البربر .145
أن بني أمية كانوا ّ
صاحب كتاب مفاخر البربر ّ
خاتمة
استطاع البربر بعد اسالمهم االندماج واثبات حضورهم في المجتمع اإلسالمي ،فبفضل مؤهالتهم وكذا من
خالل نظام الوالء تم ّكن العديد منهم ،خاصة أولئك الذين كانوا موالي ألفراد من البيت األموي أو أشراف العرب،
سجلت المصادر تبوأ شخصيات بربرية كثيرة من الموالي من البروز ولعب دور مشهود في الحياة العامة ،حيث ّ
مراكز محترمة ضمن المنظومة العسكرية واإلدارية للدولة اإلسالمية ،بل وحتّى المساهمة في إثراء الحركية والحياة
أن الكثير من التفاصيل تعوزنا حول وضعية الوالء التّي كان عليها معظم هؤالء
الفكرية والعلمية فيها ،ورغم ّ
أن المعلومات تبقى شحيحة عن دور الكثير منهم حيث لم تحفظ البربر وال يمكن معرفتها ّإال استنتاجا ،كما ّ
أن طبيعة المراكز والوظائف التي تقلّدوها مثل قيادة الجيوش ،واإلشراف على مناصب
المصادر منجزاتهمّ ،إال ّ
التميز الذي أبداه
حساسة في الجهاز اإلداري للدولة تتصل مباشرة بأمن الخلفاء والوّالة وأسرار مجالسهم ،أو ّ
ّ
البعض منهم في المجالين الديني واألدبي ،توحي بفعالية اسهاماتهم في مختلف مجاالت الحياة العامة ضمن
الدولة والمجتمع اإلسالميين حتّى سقوط الدولة األموية.
الهوامش:
- 1ابن منظور جمال الدين :لسان العرب ،دار صادر ،بيروت ،م ،15ص .411-409-408
- 2محمد حقي :البربر في األندلس ،دراسة لتاريخ مجموعة إثنية من الفتح إلى سقوط الخالفة األموية (92ه711/م–422ه1031/م)،
شركة النشر والتوزيع المدارس ،الدار البيضاء ،ط ،2001 ،1ص .115
- 3محمد الطيب النجار :الموالي في العصر األموي ،دار النيل للطباعة ،ط ،1949 ،1ص .14
- 4أسماء عبد اهلل غني العزاوي :أثر الموالي في لحياة الفكرية خالل العصر األموي (41-132ه) ،صفحات للدراسات والنشر والتوزيع،
دمشق-دبي ،اإلصدار األول ،2017 ،ص .32
- 5المرجع نفسه ،ص .39-38-37
- 6المرجع نفسه ،ص .40
- 7محمد الطيب النجار :المرجع السابق ،ص 14؛ ابن منظور :المصدر السابق ،ص 408؛ أسماء العزاوي :المرجع السابق ،ص .41
- 8جرجي زيدان :تاريخ التمدن االسالمي ،دار مكتبة الحياة ،بيروت ،ط ،2ج ،2ص 329؛ حسين الحاج حسن :حضارة العرب في
صدر اإلسالم ،المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ،بيروت ،ط ،1992 ،1ص .281
- 9أسماء العزاوي :المرجع السابق ،ص 43-42؛ محمد الطيب النجار :المرجع السابق ،ص 14؛ ابن منظور :المصدر السابق ،ص
.408
- 10عبد العزيز الدوري :الجذور التاريخية للشعوبية ،در الطليعة للطباعة والنشر ،بيروت ،ط ،1981 ،3ص .16
118
البربر الموالي في دولة الخالفة ودورهم في الحياة العامة ح ّتى منتصف القرن الثامن ميالدي
119
منصف مباركية
121
منصف مباركية
- 66حسن إبراهيم حسن :المرجع السابق ،ج ،1ص 361؛ فاروق عمر فوزي :الخالفة األموية دراسة ألول أسرة حاكمة في اإلسالم
132-41ه750-661/م ،دار الشروق للنشر والتوزيع ،عمان – األردن ،ط ،2009 ،1ص .532
- 67فاروق عمر فوزي :المرجع نفسه ،ص .532
- 68البالذري ،أحمد بن يحيى :أنساب األشراف ،تحقيق :سهيل زكار ورياض زركلي ،دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ،ط ،1996 ،1
ج ،7ص 210؛ الطبري :المصدر السابق ،ج ،7ص 35؛ ابن عساكر :المصدر السابق ،ج ،21ص .246
- 69ابن عساكر :المصدر السابق ،ج ،36ص .354
- 70البالذري :المصدر السابق ،ج ،7ص 210؛ الطبري :المصدر السابق ،ج ،7ص .35
- 71ابن عساكر :المصدر السابق ،ج ،21ص .246
- 72البالذري :المصدر السابق ،ج ،6ص .258
- 73المسعودي علي بن الحسين :التنبيه واإلشراف ،مطبعة بريل ،ليدن ،1893 ،ص .320
- 74ابن عساكر :المصدر السابق ،ج ،57ص .374
- 75المصدر نفسه ،ص .376-375
- 76الزهري ،محمد بن سعد :كتاب الطبقات الكبير ،تحقيق علي محمد عمر ،الشركة الدولية للطباعة ،الجيزة ،ط ،2001 ،1ج ،7ص
.358
- 77ابن عبد ربه أحمد بن محمد :العقد الفريد ،تحقيق :مفيد محمد قميحة ،دار الكتب العلمية ،بيروت ،ط ،1983 ،1ج ،5ص 191
؛ ابن عساكر :المصدر السابق ،ج ،53ص .38
- 78ابن عساكر :المصدر نفسه ،ج ،47ص .286
قدم له حسن الزين ،دار الفكر
- 79الطبري :المصدر السابق ،ج ،7ص 148؛ الجهشياري ،محمد بن عبدوس :كتاب الوزراء والكتّابّ ،
الحديث ،بيروت ،1988 ،ص .45
- 80بثينة بن حسين :الدولة األموية ومقوماتها اإليديولوجية واالجتماعية ،كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية ،سوسة ،ط 1؛ ص 88-87؛
نجدت خماش :المرجع السابق ،ص .245
- 81بثينة بن حسين :المرجع نفسه ،ص .90-89
- 82الجهشياري :المصدر السابق ،ص 27؛ ابن عساكر :المصدر السابق ،ج ،20ص .88
- 83البالذري :المصدر السابق ،ج ،6ص .59
- 84خليفة :المصدر السابق ،ص 266؛ البالذري :فتوح البلدان ،ص .188
- 85خليفة :المصدر السابق ،ص 299؛ ابن عساكر :المصدر السابق ،ج ،20ص .88
- 86البالذري :أنساب األشراف ،ج ،4ص .104
- 87ابن عساكر :المصدر السابق ،ج ،20ص .90
- 88البالذري :أنساب األشراف ،ج ،9ص .268
- 89ابن عبد الحكم :المصدر السابق ،ص 357؛ اليعقوبي :المصدر السابق ،ج ،2ص .241
- 90ابن عبد الحكم :المصدر السابق ،ص .358
- 91اليعقوبي :المصدر السابق ،ج ،2ص .241
- 92ابن عبد الحكم :المصدر السابق ،ص 358؛ البالذري :فتوح البلدان ،ص .270
- 93بثينة بن حسين :المرجع السابق ،ص .89
- 94القلقشندي :المصدر السابق ،ج ،1ص .51
- 95المصدر نفسه ،ص .54
122
البربر الموالي في دولة الخالفة ودورهم في الحياة العامة ح ّتى منتصف القرن الثامن ميالدي
المزي :المصدر السابق ،م ،20ص 272؛ الذهبي :المصدر السابق ،ج ،5
- 123ابن عساكر :المصدر السابق ،ج 88-85 ،41؛ ّ
ص .17-16
- 124الصفدي :المصدر السابق ،ج ،15ص .44
- 125ابن عساكر :المصدر السابق ،ج ،20ص 7؛ ابن العديم كمال الدين :بغية الطلب في تاريخ حلب ،تحقيق :سهيل زكار ،دار
الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ،بيروت ،د .ط ،د .ت ،ج ،9ص .4063
- 126ابن العديم :المصدر السابق ،ج ،9ص .4063
- 127أشهرهم :ربيعة بن عبد الرحمن ،وداود بن أبي هند ،ومكحول ،وشعبة بن الحجاج ،وعبد اهلل بن سعيد بن أبي هند ،مطرف بن
طريف ،والعالء بن عبد الرحمن ،عمرو بن أبي عمرو ،واسماعيل بن أمية ،واسماعيل بن أبي خالد ،وعلي بن بذيمة ،وعاصم بن كليب،
وسعيد بن سمعان.
ابن عساكر :المصدر السابق ،ج ،20ص 3؛ ابن العديم :المصدر نفسه ،ج ،9ص .4063
- 128ابن العديم :المصدر السابق ،ج ،9ص .4068
- 129ابن عساكر :المصدر السابق ،ج ،20ص 8؛ ابن العديم :المصدر السابق ،ج ،9ص .4068
المبرد محمد بن يزيد :الكامل ،تحقيق محمد أحمد الدالي ،مؤسسة الرسالة ،بيروت ،ط ،1997 ،3ج ،2ص .622
ّ - 130
- 131ابن عساكر :المصدر السابق ،ج ،20ص 9-3؛ ابن العديم :المصدر السابق ،ج ،9ص .4074-4070
- 132ابن العديم :المصدر نفسه ،ج ،9ص .4063
- 133ابن عساكر :المصدر السابق ،ج ،20ص 12-10-9-8-7؛ ابن العديم :المصدر نفسه ،ج ،9ص -4074-4073-4071
.4076
- 134ابن األبار أبي عبد اهلل محمد بن عبد اهلل :التكملة لكتاب الصلة ،تحقيق :عبد السالم الهراس ،دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع،
بيروت ،1995 ،ج .255 ،1
المغرب في ُحلى المغرب ،تحقيق :شوقي ضيف ،دار المعارف ،القاهرة ،ط ،4ج ،1ص .97
- 135ابن سعيد المغربيُ :
- 136ابن خلدون :المصدر السابق ،ج ،4ص .160
- 137ابن األبار :المصدر السابق ،ج ،4ص .244
المقري :المصدر السابق ،م ،1ص .333
ّ - 138
- 139المصدر نفسه ،ص .333
- 140ابن سعيد المغربي :المصدر السابق ،ج ،1ص .362
- 141ابن األبار :المصدر السابق ،ج ،4ص .160
- 142ابن خلكان ،شمس الدين :وفيات األعيان وأنباء أبناء الزمان ،تحقيق احسان عباس ،دار صادر ،بيروت ،1978 ،م ،6ص
.143
- 143مؤلف مجهول :مفاخر البربر ،ص .153
- 144المصدر نفسه ،ص .138
شنوا الغارات على
أن المسلمين بعد انتصارهم على الروم في معركة سبيطلةّ ، يقدم ابن خلدون في هذا الصدد رواية مغايرة ،حيث يذكر ّ
ّ
البربر في المنطقة فأسروا أحد سادتهم يدعى وزمار بن صقالب "جد بني خزر" أمير مغراوة وسيد زناتة ،وأتوا به عثمان بن عفان فأطلقه
أقر له سيادته على قومه بعد أن أسلم على يديه .المبتدأ والخبر ،ج ،6ص .141
وّ
- 145مؤلف مجهول :مفاخر البربر ،ص .138
124