You are on page 1of 102

‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫السداسي األول‬

‫د‪ /‬سمير العيداني‬


‫أس تاذ التارخي القدمي جبامعة محمد بوضياف ـ املس يةل ـ‬

‫‪2018/2017‬‬

‫‪1‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫فهرس الموضوعات ‪:‬‬

‫المحور األول ‪ :‬مدخل عام لتاريخ العامل القدمي‬

‫‪ 1‬ـ علم التاريخ ‪ (:‬مفاهيم عامة)‬


‫د ـ املناهج املتبعة يف الدراسة ‪:‬‬ ‫جـ ـ العلوم املساعدة ‪:‬‬ ‫أ ـ التعريف ‪ :‬ب ـ األمهية ‪:‬‬
‫‪ 2‬ـ العصور التاريخية و االطار الزماني لحضارات العالم القديم ‪:‬‬
‫‪ 3‬ـ جغرافيا حضارات العالم القديم ‪:‬‬
‫جـ ـ مشال افريقيا ‪:‬‬ ‫ب ـ جنوب أوربا‬ ‫أ ـ شرق األدىن القدمي‬
‫‪ 4‬ـ الحضارة و قيامها ‪:‬‬
‫‪ 5‬ـ المصادر المادية و األدبية لدراسة تاريخ الحضارات القديمة ‪:‬‬

‫المحور الثاني ‪ :‬التاريخ و احلضارة يف بالد ما بني النهرين‬

‫أوال ‪ :‬الجانب التاريخي ‪:‬‬


‫‪ 1‬ـ أ ـ أصل التسمية ‪ :‬ب ـ جغرافية بالد الرافدين جـ ـ مصادر الدراسة ‪:‬‬
‫‪ 2‬ـ أ ـ العهد السومري (فجر السالالت) ب ـ الدولة األكادية ‪ :‬جـ ـ عهد اإلحياء السومري‪:‬‬
‫جـ ـ الدولة الكلدانية ‪:‬‬ ‫ب ـ األشوريون ‪:‬‬ ‫‪ 3‬ـ أ ـ العهد البابلي (السالالت ‪)3-2-1‬‬
‫ثانيا ‪ :‬جوانب من الحضارة العراقية القديمة ‪:‬‬
‫‪ 3‬ـ اجملتمع الرافديين ‪ 4 :‬ـ اجلانب الثقايف ‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ التنظيم السياسي ‪ 2 :‬ـ االقتصاد‬

‫المحور الثالث ‪ :‬التاريخ و الحضارة الفرعونية‬

‫أوال ـ مدخل عام ‪:‬‬


‫‪ 1‬ـ جغرافية مصر القدمية ‪ 2 :‬ـ مصادر دراسة التاريخ الفرعوين ‪:‬‬
‫ثانيا ـ الجانب التاريخي ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ عصر الدولة القدمية ‪ 2 :‬ـ الدولة الوسطى ‪ 3 :‬ـ الدولة احلديثة و العهد املتأخر ‪:‬‬
‫ثالثا ‪ :‬الحضارة الفرعونية ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ التنظيم السياسي ‪ 2 :‬ـ االقتصاد الفرعوين ‪ 3 :‬ـ اجملتمع ‪ 4 :‬ـ اجلانب الثقايف ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫المحور األول ‪ :‬مدخل عام لتاريخ العالم القديم‬


‫‪ 1‬ــ علم التاريخ ‪ (:‬مفاهيم عامة)‬
‫‪1‬‬
‫أ ـ التعريف ‪ * :‬ـ لغة ‪ :‬التاريخ في اللغة بمعنى الوقت أو اإلعالم به ‪،‬و قد يأتي بمعنى الغاية‬
‫‪ ،‬و أصل لفظ التاريخ العربي مشتق من لفظ ‪ arch‬الذي ينطق في اليونانية "أرخ "‪ ،‬و معناه‬
‫القديم أو القدم ـ بكسر القاف ـ و لذلك سمي علم اآلثار القديمة باألركيولوجيا ‪، archiology‬‬
‫أما عن لفظ ‪ History‬اإلنجليزي و ما يقابله ‪ storia‬اإليطالي و ‪ Histoire‬الفرنسي‪ ،‬فهو‬
‫مشتق من لفظ "ستوريا " اليوناني و معناه الحكاية ‪ ،‬و منه جاء لفظ "‪ "story‬اإلنجليزي ‪ ،‬و‬
‫دخل اللغة العربية قبل اإلسالم بمعنى الحكاية أو القصة‪ ،‬حيث دلّ التعبير القرآني "أساطير‬
‫‪2‬‬
‫األولين" على ذلك المعنى‪.‬‬

‫*ـ اصطالحا ‪ :‬هو علم يدرس االنسان في تفاعالته عبر الزمن مع محيطه و بني جنسه ‪ ،‬كما‬
‫يرصد مستوى انتاجه المادي و المعنوي ‪ 3،‬هذا و يستعمل لفظ "تاريخ" في االصطالح على‬
‫نحوين اثنين‪ ،‬فتارة يستعمل ويراد بها جملة الحوادث التاريخية‪ ،‬وتارة أخرى تستعمل ويراد‬
‫بها طريقة التعامل مع هذه المادة أو كيفية التأريخ لتلك األحداث ‪ .‬وهذه االزدواجية في‬
‫‪4‬‬
‫االستعمال أدت إلى خلط في فهم معنى اللفظ‪.‬‬
‫* ـ الحوادث التاريخية ‪ Historial events :‬هي مادة التاريخ و موضوعه و هي كل ما‬
‫يطرأ من تغير في حياة البشر يكون مفاجئا كزلزال يهدم المدن أو عنيفا كقيام حرب أو بطيئا‬
‫غير محسوس كانحطاط دولة أو تغير اجتماعي ‪ ،‬أو حدث دون أن يتفطن له أحد كميالد‬
‫شخصية صانعة للتاريخ ‪ ،‬و تشترك الحوادث التي تدخل ضمن موضوع علم التاريخ ّ‬
‫أن حياة‬
‫‪5‬‬
‫االنسان قبل ها و بعدها تختلف‪.‬‬
‫ب ـ أهمية دراسة علم التاريخ ‪ :‬يمكن اختصارها كاآلتي ‪:‬‬

‫*ـ معرفة أحوال األمم الماضية ‪.‬‬


‫* ـ ينفع في العضة والعبرة بأحوال السابقين و تجنب تكرار األخطاء ‪ ،‬حتى ّ‬
‫ان ابن خلدون‬
‫‪6‬‬
‫سمى مصنفه التاريخي بـ "كتاب العبر" ‪.‬‬

‫‪ ‬ـ محمد علي التهناوي ‪ ،‬كشاف اصطالحات الفنون و العلوم ‪ ،‬تر‪ :‬عبد هللا الخالدي ‪ ،‬ج‪ ، ‬مكتبة لبنان ناشرون ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬ط‪ ، 991 ، ‬ص‪ .513‬‬
‫‪ ‬ـ قاسم يزبك ‪ ،‬التاريخ و منهج البحث التاريخي ‪ ،‬دار الفكر اللبناني ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬ط‪، 991 ، ‬ص‪ ، 7‬وأنظر ذلك في ‪ :‬حسين مؤنس ‪ ،‬التاريخ و‬
‫المؤرخون ‪ ،‬دراسة في علم التاريخ ‪ ،‬دار المعارف ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬د‪:‬ط ‪ ، 991 ،‬ص ‪ .7‬‬
‫‪ 5‬ـ علي شريعتي‪ ،‬اإلنسان والتاريخ‪ ،‬تر‪ :‬خليل علي‪ ،‬دار األمير‪ ،‬بيروت ‪ ،‬ط‪ ، 117 ، ‬ص‪ . 1‬‬
‫‪ 1‬ـ ق اسم عبده قاسم‪ ،‬الرؤية الحضارية للتاريخ عند العرب و المسلمين ‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪ ،‬د ‪ :‬ت‪ ،‬ص ‪ 7‬ـ بتصرف ـ ‪ ،‬وأنظر ذلك‬
‫في ‪ :‬فرانز روزنثال ‪ ،‬علم التأريخ عند المسلمين‪ ،‬تر‪ :‬صالح أحمد العلي ‪ ،‬مؤسسة الرسالة ‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪ ، 995 ، ‬ص‪ .9‬‬
‫‪ 3‬ـ حسين مؤنس ‪ ،‬التاريخ و المؤرخون ‪ ،‬دراسة في علم التاريخ ‪ ،‬ص‪.‬ـ بتصرف ـ ‪‬‬
‫‪ 1‬ـ حسين مؤنس ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪ 3‬‬

‫‪3‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫‪1‬‬
‫*ـ االعتزاز بماضي األمم ونضال األجيال في سبيل ترسيخ القيم الماضي و المصير المشترك‬
‫(التوعية باالنتماء المشترك لألعراق البشرية المختلفة المكونة لمجتمع ما)‬
‫*ـ يمنح التاريخ للقارئ نماذج بشرية سياسية و علمية و فكرية يمكن االقتداء بها ‪ ،‬في ظل‬
‫‪2‬‬
‫غياب القدوة المجتمعية المعاصرة للقارئ ‪.‬‬
‫جـ ـ العلوم المساعدة ‪ :‬يحتاج الباحث في علم التاريخ الى االعتماد على العلوم المساعدة‬
‫اآلتي لفهم حركة التاريخ و تعليل وقائعه و منها ‪:‬‬
‫‪_1‬علم اللغات (القديمة) و قراءة الخطوط ‪ :Paliographie‬و هي اللغات األصلية الخاصة‬
‫بموضوع بحثه ألن الترجمات ال تفى بالغرض ‪ ،‬وحسب المتخصصين فال يعقل لباحث في‬
‫التاريخ الفرعوني ان يجهل اللغة و الكتابة الهيروغليفية أو الديموطيقية ‪ ،‬و يقترب منها‬
‫ضرورة اتقان علم الفيولوجيا (‪ Philology‬وهو علم فقه اللغة فالبد لفهم النصوص التاريخية‬
‫معرفه لغة هذا العصر ومصطلحاته التاريخية التي شاعت فيه‪.‬‬
‫أن الوثائق هي األصول التي تحتوى على معلومات‬ ‫‪_ 2‬علم الوثائق )الوثائق الرسمية( ‪:‬حيث ّ‬
‫تاريخية‪ .‬ومن الضروى ان يتعلم الباحث في التاريخ االسلوب والمصطلحات الخاصة بوثائق‬
‫العصر الذى يريد دراسته‪ ،‬و يقصد بها المعاهدات و الكتابات الرسمية كاألوامر و المراسالت‬
‫‪3‬‬
‫السياسية‪.‬‬
‫‪_3‬علم النميات والمسكوكات ‪ :‬وهى النقود فهي تحمل صور االلهة والملوك واالمراء‬
‫واسمائهم وذكرى حوادثهم التاريخية وسنوات ضربها‪ ،‬ولها األهمية البالغة في قطعية التزمين‬
‫لألحداث و فترات الملوك ‪.‬‬
‫‪ _ 4‬علم الجغرافيا‪ :‬إن االرتباط بين الجغرافيا والتاريخ ارتباط وثيق فاألرض هي المسرح‬
‫الذى حدثت عليه الوقائع التاريخية وهى ذات اثر كبير في توجيه مصائر النوع اإلنساني‬
‫وللظواهر الجغرافية المختلفة أثر كبير في االنسان وبالتالي في التاريخ (البقاع تؤثر في‬
‫الطباع)‪.‬‬
‫‪_5‬علم االقتصاد‪ :‬حتى أن بعض المؤرخين يميلون الى تفسي الحوادث التاريخية وفق التعليل‬
‫االقتصادي و مثاله حدوث فترة االضطراب بعد الدولة القديمة في مصر الفرعونية ‪ ،‬كما ّ‬
‫أن‬
‫االقتصاد و مشكالته سبب لتفسير الكثير من الهجرات البشرية قديما ‪ ،‬وهنا يظهر ّ‬
‫أن العوامل‬
‫االقتصادية ذات اثر ظاهر في سير التاريخ فالثروة الطبيعية في بلد ما تحدد نوع االنتاج‬
‫‪4‬‬
‫الزراعي والصناعي ونوع التبادل التجاري‪.‬‬

‫‪ ‬ـ فريد بن سليمان ‪ ،‬مدخل الى دراسة التاريخ ‪ ،‬مركز النشر الجامعي ‪ ،‬تونس ‪،‬د‪:‬ط ‪ ، 111 ،‬ص‪ .5‬‬
‫‪ ‬ـ عبد العليم عبد الرحمن خضر ‪ ،‬المسلمون و كتابة التاريخ ‪ .‬دراسة في التأصيل اإلسالمي للتاريخ ‪ ،‬المعهد العالمي للفكر اإلسالمي ‪ ،‬فرجينيا ـ‬
‫و م أ ‪ ،‬ط‪، 995 ، ‬ص ص ‪ 13- 1‬ـ بتصرف ـ ‪‬‬
‫‪ 5‬ـ قاسم يزبك ‪ ،‬التاريخ و منهج البحث التاريخي ‪ ،‬ص ص ‪ 35-3‬ـ بتصرف ـ ‪‬‬
‫‪ 1‬ـ قاسم يزبك ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ص ‪ 31-33‬ـ بتصرف ـ ‪ .‬‬

‫‪4‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫‪_6‬علم االثار ‪ :‬و هو العلم الذي يدرس المخلفات الكثيرة التنوع ‪ ، ..‬غير ّ‬
‫أن أكثرها أهمية هي‬
‫‪1‬‬
‫المخلفات المكتوبة كونها ذات داللة تاريخية أكبر و أقرب الى المعلومة القطعية ‪.‬‬
‫وكذلك على الباحث في التاريخ أن يكون لديه معرفه بعلم النفس والقانون واالحصاء ‪..‬‬
‫د ـ المناهج المتبعة في الدراسة ‪ : Méthodologie historique :‬منهج البحث التاريخي‬
‫هو مجموعة الطرق و التقنيات التي يتبعها الباحث و المؤرخ للوصول إلى الحقيقة التاريخية‪،‬‬
‫و إعادة بناء الماضي بكل وقائعه و زواياه ‪ ،‬وكما كان عليه زمانه و مكانه‪ ،‬ويجمع تفاعالت‬
‫الحياة فيه ‪ ،‬وهذه الطرق قابلة دوما للتطور و التكامل مع تطور جموع المعرفة اإلنسانية و‬
‫تكاملها و منهج اكتسابها‪.2‬‬
‫ويقصد بالمنهج التاريخي كذلك محاولة الوصول إلى المبادئ والقوانين العامة عن طريق‬
‫البحث في األحداث الماضية‪ ،‬وتحليل الحقائق المتعلقة بالمشكالت اإلنسانية والقوى االجتماعية‬
‫التي شكلت اإلنسان‪ ،‬ويحاول الباحث تحديد الظروف التي أحاطت بالظاهرة منذ نشأتها لمعرفة‬
‫‪3‬‬
‫طبيعتها وما تخضع لها من قوانين‪.‬‬
‫و على اعتبار التاريخ من العلوم اإلنسانية فيمكن في دراسته االستعانة بمناهج إنسانية منها‬
‫المنهج الوصفي و المنهج المقارن‪ ،‬تختلف في درجة االستعانة بها حسب النسق العام للموضوع‬
‫المراد دراسته ‪.‬‬
‫‪ 2‬ــ العصور التاريخية و االطار الزماني لحضارات العالم القديم ‪:‬‬

‫أ ـ العصور التاريخية‪ Historical Ages:‬يقسم المتخصصون المرحلة التاريخية حسب التحوالت‬


‫السياسية الكبرى (التغير في السيطرة بين القوى الكبرى) وحسب تغير األنشطة الرئيسية‬
‫الممارسة و بسبب الطول الزمني النسبي للمرحلة التاريخية الى أربعة عصور كاآلتي‪:‬‬
‫*ـ التاريخ القديم‪ Ancient History :‬يعتبر حدث اختراع الكتابة هو بداية العصور التاريخيّة‬
‫‪4‬‬
‫القديمة ‪ ،‬و تنتهي بسقوط روما عام ‪ 476‬للميالد ‪.‬‬
‫*ـ التاريخ الوسيط‪ History of the Middle Ages:‬و يمتد عادة من حدث سقوط العاصمة الرومانية‬
‫حتى ‪ 1453‬م الذي يمثل سقوط القسطنطينية البيزنطية بيد الفاتحين العثمانيين ‪ ،‬شهد تراجعا‬
‫‪5‬‬
‫غربيا عاما (عصور الظالم األوربية) ‪ ،‬و تناميا للقوة اإلسالمية ‪.‬‬

‫‪ ‬ـ عبد الرحمن عبد هللا الشيخ ‪ ،‬المدخل الى علم التاريخ ‪ ،‬دار المريخ ‪ ،‬الرياض ‪ ،‬د‪:‬ط ‪ ،‬د‪ :‬ت ‪ ،‬ص‪ 7‬ـ بتصرف ـ ‪‬‬
‫‪ ‬ـ عبد العليم عبد الرحمن خضر ‪ ،‬المسلمون و كتابة التاريخ ‪ .‬دراسة في التأصيل اإلسالمي للتاريخ ‪ ،‬ص ص ‪ 7-1‬ـ بتصرف ـ ‪‬‬
‫‪ 5‬ـ عبد العليم عبد الرحمن خضر ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪ .7‬‬
‫‪ 1‬ـ فريد بن سليمان ‪ ،‬مدخل الى دراسة التاريخ ‪،‬ص‪ . ‬‬
‫‪ 3‬ـ عبد الرحمن عبد هللا الشيخ ‪ ،‬المدخل الى علم التاريخ ‪ ،‬ص ـ ص‪ 5، 1‬ـ بتصرف ـ ‪ .‬‬

‫‪5‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫*ـ التاريخ الحديث‪ The modern history:‬يمتد من سقوط القسطنطينية حتى نجاح الثورة الفرنسية‬
‫‪ 1789‬م ‪ ،‬حدثت فيها النهضة األوربية في إيطاليا لتليها حركة الكشوفات الجغرافيّة ثم الثورة‬
‫الصناعيّة‪ ،‬التي أدت إلى تق ّدم اقتصادي أوربي ‪ ،‬رافقه فيما بعد تق ّدم سياسي تمثل بالثورات‬
‫وقيام الحركات القوميّة ‪ ،‬واعتماد الديموقراطية كشريعة أساسيّة للحكم ‪.‬‬
‫*ـ التاريخ المعاصر‪ : Contemporary history:‬يلي نجاح الثورة الفرنسية و هو متواصل‪ ،‬عرف‬
‫تناميا للغرب في مختلف المجاالت و تأخرا عربيا و إسالميا واضحا ‪ ،‬كما عرف سلسلة أحداث‬
‫كبرى مثل ‪ :‬الحركة االستعمارية و النزاعات الدولية الكبرى و ظهور الهيمنة األمريكية و‬
‫‪1‬‬
‫االنفجار التكنلوجي‪ ،‬وتنامي القوى اآلسيوية ثم الثورة الرقمية الحالية ‪.‬‬
‫ب ـ حضارات العالم القديم (االطار الزماني ) ‪ :‬يدخل في حضارات العالم القديم مختلف‬
‫الشعوب و الكيانات السياسية التي وصلتها الكتابة‪ ،‬إما اختراعا ذاتيا أو انتقلت اليها عبر التأثر‬
‫الحضاري ‪ ،‬و بالتالي تشمل المناطق التي استعملت الخطوط الكتابية القديمة ‪ ،‬و ينتهي تاريخها‬
‫أن هناك من يضم‬ ‫اصطالحيا بسقوط الدولة الرومانية على يد الوندال عام ‪ 476‬م ‪(،‬غير ّ‬
‫التاريخ و الحضارة البيزنطية خالل القرنين السادس و السابع الى حضارات العالم القديم)‪.‬‬
‫‪ 3‬ــ العالم القديم ( جغرافيا ) ‪ :‬مصطلح تاريخي جغرافي يشمل المناطق الجغرافية التي شهدت‬
‫قيام و ازدهار الحضارات القديمة و تتكون جغرافيا من غربي آسيا و جنوب أوربا و شمال‬
‫افريقيا و هي كاآلتي ‪:‬‬
‫أ ـ الشرق األدنى القديم ‪ :‬و هي المنطقة الجغرافية ذات التركيز الحضاري الكبير في العصر‬
‫القديم ‪ ،‬تمتد من غرب ايران شرقا الى غرب نهر النيل في مصر القديمة ‪ ،‬و تمتد من جبال‬
‫ارمينية و األناضول وطوروس في الشمال و الشمال الغربي و صوال الى اليمن السعيد و‬
‫منطقة القرن االفريقي ‪ ،‬و تضم األقاليم الجغرافية اآلتية ‪ :‬فارس ‪.‬بالد ما بين النهرين ‪ .‬مصر‬
‫القديمة ‪ .‬سوريا القديمة ‪ .‬فينيقيا ‪.‬شبه الجزيرة العربية ‪ .‬الحبشة ‪ .‬اليمن ‪ .‬األناضول ‪ ،.‬قامت‬
‫بها حضارات عديدة منها ‪ :‬بالد الرافدين (السومرية و االكادية ‪.‬البابلية و االشورية) ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫الفرعونية‪ .‬الفينيقية ‪ .‬الحثية ‪ .‬اليمنية (السبئية و المعينية ‪ ،)..‬وحضارة أكسوم بالحبشة‪..‬‬
‫ب ـ جنوب أوربا ‪ :‬و تشمل مختلف الحضارات التي ظهرت و ازدهرت خاصة في المناطق‬
‫الجنوبية الغربية من أوربا ‪ ،‬و تمتد حدودها من سواحل غرب آسيا الصغرى و جزر بحر‬
‫ايجة شرقا حتى غرب شبه الجزيرة اإليطالية و من مرتفعات الوسط األوربي شماال حتى‬
‫الجزر المتوسطية في الجنوب (رودس‪ .‬كريت ‪.‬صقلية ‪.‬كورسيكا ‪ ،)...‬شهدت قيام حضارات‬
‫متفوقة كاإلغريقية و الرومانية ثم البيزنطية ‪.‬‬

‫‪ ‬ـ عبد الرحمن عبد هللا الشيخ ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ص ‪ .7-3‬‬
‫‪ ‬ـ أحمد أمين سليم ‪ ،‬دراسات في تاريخ الشرق األدنى القديم ‪ ،‬تاريخ العراق ‪ ،‬ايران ـ آسيا الصغرى ‪ ،‬دار المعرفة الجامعية ‪ ،‬اإلسكندرية ‪ ،‬د‪:‬ط‪،‬‬
‫‪، 111‬ص‪ .9‬ـ بتصرف ـ ‪‬‬

‫‪6‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫جـ ـ شمال افريقيا ‪ :‬يقصد بها المناطق الواقعة من إقليم المدن الثالث(طرابلس) في ليبيا حتى‬
‫المحيط األطلسي ‪ ،‬ضمت حضارتين أساسيتين هما القرطاجية و األمازيغية ‪ (.‬أنظر الشكل ‪)1‬‬

‫الشكل ‪ : 1‬مواطن حضارات العالم القديم ‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫ضر‬‫والح َ‬
‫َ‬ ‫ضر‪..‬‬
‫الح َ‬
‫‪ 4‬ـ الحضارة و قيامها ‪ :‬في اللغة ‪ :‬ورد في لسان العرب‪" :‬اإلقامة في َ‬
‫ضرة ‪ :‬خالف البادية‪ ،‬وهي المدن والقرى والريف" ‪ ،1‬وحين تذكر الحضارة‬ ‫ض َرة والحا ِ‬
‫والح ْ‬
‫َ‬
‫في اللغة فإنه يقصد بها ما هو عكس البداوة‪ ،‬إال أن هذا المعنى اللغوي للعبارة ليس هو المقصود‬
‫حين الكالم عن الحضارة في النصوص الفكرية والتاريخية والسياسية المعاصرة‪ ،‬إذ أصبح‬
‫لكلمة الحضارة مدلول اصطالحي جديد مختلف عن المدلول اللغوي األصلي‪ ،‬و اشتقاقيا‪:‬‬
‫فهي مشتقة من األصل الالتيني ‪ civtas‬بمعنى "المدينة" أو من كلمة ‪ civis‬بمعنى "مساكن‬
‫‪2‬‬
‫المدينة "‪.‬‬
‫أما في االصطالح ‪ :‬فيعود االصطالح إلى الدراسات األوربيّة‪ ،‬وذلـك حـيـن درج‬
‫الغربيون على استـخـدام كـلـمــة "‪ "Civilization‬وترجمتها إلى العربية بصيغة الحضارة‬
‫أو المدنية ‪ -‬للتعبير بها عن التطور المادي والصناعي والعمراني الذي أخذ يتسارع خالل‬
‫العصور الحديثة التي تلت القرن الخامس عشر الميالدي والتي سميت بعهد النهضة ‪ 3،‬إال أن‬
‫تلك العبارة تحولت مع مرور الوقت عن ذلك المدلول لتأخذ مدلوال آخر جديدا‪ ،‬فقد أصبحت‬
‫تطلق على ما يملكه شعب ما أو مجتمع ما أو أمة من األمم من تراث وخصائص وإبداعات‬
‫يتميز بها عن غيره من المجتمعات‪)4 .‬هذا و قد أكثر المؤرخون و الفالسفة و المفكرون و‬
‫علماء االجتماع في محاوالت تعريف الحضارة ‪ ،‬كال حسب حاجته أو ميله الفكري) غير أننا‬
‫بمكن التميز بين ثالثة اتجاهات كالتالي ‪:‬‬
‫*ـ التفسير المادي‪ :‬ر ّكز هذا االتجاه على الجانب المادي من االنسان‪ ،‬حيث يربطون قمة‬
‫الحضارة في توفر أسباب الراحة و الرفاهية لإلنسان ‪ ،‬و هي مظاهر ال اعتبار فيها للقيم و‬
‫‪5‬‬
‫العقائد أو الرقي في الفكر البشري ‪.‬‬
‫*ـ التفسير العقلي (العلمي)‪ :‬حيث الحضارة مرادفة للعقل ‪ ،‬أو الحضارة هي المظاهر اإلنسانية‬
‫المبنية عن طريق العقل أو هي المكتشفات العملية التي جعلت حياة االنسان بمعنى أفضل ‪،‬‬
‫ومن روادها "أوزوالد سبنغلر"‪ 1880( Oswald Spengler‬ـ ‪، )1936‬صاحب كتاب "أفول‬
‫الغرب" ‪ ،‬و الذي اشتهر كذلك بتشبيه الحضارات اإلنسانية بالمراحل العمرية لحياة االنسان و‬
‫المشهور بهرم الدول ‪(6 .‬وله ما يشابهه عند ابن خلدون)‪.‬‬

‫‪ ‬ـ محمد بن منظور ‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬مادة حضر ‪ ،‬دار المعارف ‪ ،‬القاهرة ‪،‬تح ‪ :‬عبد هللا علي الكبير و آخرون ‪ ،‬ص ‪ .719‬‬
‫‪ ‬ـ عبد الرحمن حسين العزاوي ‪ ،‬تاريخ الحضارة العربية اإلسالمية ‪ ،‬دار الخليج ‪ ،‬عمان ‪ ،‬د‪:‬ط ‪ ، 11 ،‬ص‪ .1‬‬
‫‪ 5‬ـ عبد الرحمن حسين العزاوي ‪ ،‬تاريخ الحضارة العربية اإلسالمية ‪ ،‬ص‪ 3‬‬
‫‪ 1‬ـ عبد الحميد حسين حمودة ‪ ،‬الحضارة العربية اإلسالمية و تأثيرها العالمي ‪ ،‬الدار الثقافية للنشر ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬ط‪ ، 1 ، ‬ص‪ .1‬‬
‫‪ 3‬ـ أحمد محمد صبحي ‪ ،‬في فلسفة الحضارة ‪ ،‬مؤسسة شباب الجامعة ‪ ،‬اإلسكندرية ‪ ،‬د‪:‬ط‪ ،‬د‪ :‬ت ‪ ،‬ص‪-‬ص ‪ ، 1‬ـ بتصرف ـ ‪‬‬
‫‪ 1‬ـ علي حسين الجابري ‪ ،‬فلسفة التاريخ و الحضارة في الفكر العربي ـ دراسة عقالنية نقدية ـ دار الكتاب الثقافي ‪ ،‬إربد ‪ ،‬د‪:‬ط ‪ ،‬د‪ :‬ت‪ ،‬ص‪، 9‬‬
‫و أنظر ذلك في ‪ :‬محمد حافظ غيث ‪ ،‬قاموس علم االجتماع ‪ ،‬دار المعرفة الجامعية ‪ ،‬اإلسكندرية ‪ ،‬د‪:‬ط ‪ ،‬د‪:‬ت ‪،‬ص ص‪ .3-3‬‬

‫‪8‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫*ـ االتجاه التوفيقي ‪ :‬من روادها " ألبرت شيفستر " صاحب كتاب " فلسفة الحضارة" حيث‬
‫يقول‪ " :‬هي التقدم الروحي والمادي لألفراد والجماهير على السواء" ‪1‬وتعريف الحضارة هذا‬
‫ربط التقدم المادي الذي يمكن أن يحدثه اإلنسان بضرورة تقدم روحي مواز له‪ ،‬كي يتم التوافق‬
‫بين مظهر اإلنسان والتقدم‪ ،‬وجوهر اإلنسان والتقدم‪ ،‬فالتقدم المادي هو األثر واالنعكاس الذي‬
‫يتجلى على مرآة الواقع الشكلي للتقدم الروحي الذي يشكل الجوهر لدى اإلنسان‪ ،‬وأي اعتبار‬
‫‪2‬‬
‫آخر ال يستطيع الصمود أمام الحقيقة‪.‬‬
‫توينبي" ‪Arnold‬‬ ‫هذا و ناقش كثيرون مشكالت الحضارة و طرق نشوئها ويعد "أرنولد‬
‫‪ 1975-1889( 3 Toynbee‬فيلسوف انجليزي) صاحب كتاب " تاريخ البشرية" و"دراسة‬
‫للتاريخ"‪ ، study of history‬من مؤسسي أهم نظريات "فلسفة التاريخ"‪ ،‬و منها نظرية "التحدي‬
‫‪4‬‬
‫و االستجابة"‪ Challenge and Response Theory‬في تعليل نشوء الحضارات البشرية‬
‫مؤكدا‪" :‬أنّ الظروف الصعبة تتحدى االنسان فتستثير هممه و قوى االبداع لديه ‪ ،‬و تدفعه‬
‫الى التحضر ‪ ،‬و قد يكون مصدر التحدي عادة البيئة الطبيعية أو الظروف البشرية ‪ ،‬بينما‬
‫‪5‬‬
‫يحول الرفاه (سهولة معيشة االنسان في وسط ما ) دون قيام الحضارة " ‪.‬‬
‫واشتهر "توينبي" في رفضه نظرية البيئة الجغرافية كمؤثر وحيد لتكون الحضارة و أعطى‬
‫األولوية للعوامل الفكرية و الروحية حيث علل بالمخالفة أن سقوط الحضارات عائد الى‪" :‬‬
‫وجود أقلية مسيطرة فقدت قدرتها على االبداع و أخذت تحكم بالقهر"‪ ،‬و رفض نظرية‬
‫"هيجل"‪ )1831-1770( Hegel‬القائلة بتفوق األجناس (األلماني)‪ ،‬كما خالف "كارل‬
‫‪6‬‬
‫ماركس" ‪ )1883-1818( Karl Marx‬في نظرته المادية للتاريخ ‪.‬‬
‫وساند المفكر "جورج باستيد" ‪ George Bastide‬كلّ ذلك قائال في تعريفه للحضارة ‪":‬أنّ‬
‫الحضارة هي التدخل اإلنساني اإليجابي لمواجهة ضرورات الطبيعة تجاوباً مع إرادة التحرر‬
‫‪7‬‬
‫في االنسان ‪ ،‬و تحقيقا من اليسر و إرضا ًء لحاجياته و رغباته ‪ ..‬و النقاص العناء البشري"‬

‫‪ ‬ـ ألبرت شيفستر ‪ ،‬فلسفة الحضارة ‪ ،‬تر ‪ :‬عبد الرحمن بدوي ‪ ،‬منشورات وزارة الثقافة ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬د‪:‬ط ‪ ، 915 ،‬ص‪ .51‬‬
‫‪ ‬ـ جورج حداد ‪ ،‬المدخل الى تاريخ الحضارة ‪ ،‬مطبعة جامعة دمشق ‪ ،‬دمشق ‪،939 ،‬ص‪ .‬ـ بتصرف ـ ‪‬‬
‫‪ 5‬ـ أرنولد توينبي ‪ 999( :‬ـ ‪ )973‬مؤرخ وفيلسوف بريطاني ‪ ،‬وضع نظرية التحدي و االستجابة في كتابه الشهير "دراسة للتاريخ‬
‫الذي يقع في ‪ ‬مجلدا ‪ ،‬و خالصتها أن الحضارة ال تنشأ اال في بيئة تكون صالحة لتحدي شعب ما ‪ ،‬أو يكون ذلك الشعب على أتم‬
‫االستعداد لالستجابة الى ذلك التحدي ‪ ،‬و أن الحضارات تنهار عندما تتالشى عبقرية "األقلية المبدعة" (أنظر ‪ :‬منير البعلبكي ‪ ،‬معجم‬
‫أعالم المورد ‪،‬دار العلم للماليين ‪،‬بيروت ‪،‬ط‪ ،99 ، ‬ص‪ ).17‬‬
‫‪ 1‬ـ يحي سعيد قاعود ‪ ،‬أطروحات فوكوياما و هانتنغتون و النظام العالمي الجديد ‪ :‬دراسة تحليلية مقارنة ‪ ،‬مركز البيان للبحوث و‬
‫الدراسات ‪،‬ط‪ ، 13، ‬ص‪ .37‬‬
‫‪ 3‬ـياسر طالب الخزاعلة ‪ .‬وفاء سالم الخزاعلة ‪ ،‬محاضرات في تاريخ الحضارة العربية ‪ ،‬دار الخليج ‪ ،‬عمّان ‪ ،‬د‪:‬ط ‪ ، 17 ،‬ص‪ .39‬‬
‫‪ 1‬ـ علي حسين الجابري ‪ ،‬فلسفة التاريخ و الحضارة في الفكر العربي ـ دراسة عقالنية نقدية ـ‪ ،‬ص‪ . 1‬‬
‫‪ 7‬ـ جميل موسى النجار ‪ ،‬فلسفة التاريخ ـ مباحث نظرية ـ ‪ ،‬مكتبة مدبولي ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬ط‪ ، 1 ، ‬ص‪ .39‬‬

‫‪9‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫‪ 5‬ـ المصادر المادية و األدبية لدراسة تاريخ الحضارات القديمة ‪:‬‬


‫تفرض المنهجية التاريخية العامة و خاصية التاريخ القديم على الباحثين العودة في الحصول‬
‫على المعارف الخاصة بتاريخ الحضارات القديمة العودة الى المصادر بنوعيها المادية منها و‬
‫األدبية كاآلتي‪:‬‬
‫أ ـ المصادر المادية (األثرية)‪ Archaeological sources‬قطع من مواد حجرية أو معدنية أو‬
‫عظمية ذات الداللة ‪ ،‬أو تكون أحجارا أو معادن مهيأة لتكون أشكاال أو أسلحة أو أدوات ‪، ..‬‬
‫تتنوع المصادر المادية و تختلف في تصنيفها حسب الحجم و النوعية أو طبيعة المادة أو الغاية‬
‫أن التصنيف المعمول به هو على أساس مخلفات مادية ثابتة و أخرى‬ ‫من صنعها ‪ 1،‬غير ّ‬
‫منقولة ‪ ،‬و هنا يضم النوع األول المباني و العمائر و المقابر و المعابد و القصور و‬
‫التحصينات‪ ،‬والتي تزيد قيمتها التاريخية من خالل النقوش و الكتابات ان وجدت فيها ‪ ،‬أما‬
‫المخلفات المنقولة فهي شديدة التنوع كونها تضم األدوات و الصناعات و القطع الفنية ‪ ...‬و‬
‫‪2‬‬
‫كذلك تزداد أهميتها حسب تواجد الكتابات عليها ‪.‬‬
‫و في العهد التاريخي يهتم المؤرخ أو الباحث في التاريخ بكل ما هو مكتوب أو مصنوع‬
‫أو مبني ‪ ،‬فالنصوص المكتوبة (التسجيالت) تعتبر وثائق مهما كانت المادة المكتوب عليها‬
‫كآنية فخارية أو قطعة حجرية أو طرز على نسيج أو قطعة سالح معدني ‪ ،‬أو على محتويات‬
‫القبور و شواهدها أو على المصنوعات المختلفة ‪ ،‬أو على المباني المختلفة كالجبانات و القبور‬
‫و المعابد و الدور و المالعب و الحمامات أو المخلفات التي نقلت الى المتاحف ‪ ،‬وتزداد قيمة‬
‫‪3‬‬
‫التسجيالت الكتابية و خصوصا تلك التي ارتبطت بالبرديات أو بالمسكوكات النقدية ‪.‬‬
‫ب ـ المصادر األدبية (الكتابية ) ‪ Literary Sources:‬هي األصول المباشرة التي كتبت حول‬
‫الموضوع الذي سنعالجه في العصر الذي وقع فيه أو بعده ‪ ،‬و نشمل عادة تلك المؤلفات التي‬
‫عاش أصحابها عادة في العصر القديم و يقصد بهم المؤرخون الكالسيكيون (اليونان و‬
‫الرومان) ‪.‬‬
‫تزداد قيمة المعلومات الواردة في المصدر الكتابي كلما كان المؤلف معاصرا للحدث المراد‬
‫معالجته ‪ ،‬و تنقص قيمة المعلومة كلما ابتعد المؤلف عن الواقعة التاريخية ‪ ،‬و تزداد قيمة‬
‫المعلومة اذا كان ذلك المؤرخ الكالسيكي فاعال في الفترة التاريخية ـ قيد الدراسة ـ و مثاله‬
‫كتابات المؤرخ "سالوست "‪ Salust‬عن الثائر النوميدي "يوغرطة" و حروبه ضد الرومان ‪،‬‬

‫‪ ‬ـ لطفي عبد الوهاب يحي ‪ ،‬اليونان مقدمة في التاريخ الحضاري ‪ ،‬دار المعرفة الجامعية ‪ ،‬اإلسكندرية ‪ ،‬د‪:‬ط‪ ، 119 ،‬ص‪ ، 19‬بتصرف ـ ‪‬‬
‫‪ ‬ـ طه باقر ‪ ،‬مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة‪،‬ج‪ ،‬تاريخ وادي الفرات ‪ ،‬مطبوعات وزارة الثقافة و االعالم ‪ ،‬بغداد‪ ، 991 ، ،‬ص ص‪-‬‬
‫‪ 5‬ـ بتصرف ـ ‪ .‬‬
‫‪ 5‬ـ لطفي عبد الوهاب يحي ‪ ،‬اليونان مقدمة في التاريخ الحضاري ‪ ،‬ص‪ 3‬ـ بتصرف ـ ‪ .‬‬

‫‪11‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫أو كتابات بوليبيوس"‪ Polype‬حول الحرب البونيقية الثالثة و كيفية سقوط قرطاج و المعروف‬
‫بـ "التواريخ" ‪ ،‬لكون المؤلفين من رجاالت الدولة و الفاعلين في الموضوع ‪.‬‬
‫و المصادر األدبية منها المباشرة‪ :‬و هي التي يكون مؤلفوها مؤرخين أي يملكون الحس‬
‫التاريخي وهو أن تدوينهم لمؤلفاتهم يرتبط بإرادة تعريف األجيال الالحقة بما حدث و معلومات‬
‫أصحابها أعلى قيمة تاريخية من المصادر األدبية غير المباشرة ‪ :‬و تشمل من كان مؤلفوها‬
‫من غير المؤرخين و تشمل من كتب بغير النية للتأريخ ككتابات السياسيين و الفالسفة و األدباء‬
‫‪1‬‬
‫حتى و ان احتوت على المعلومات التاريخية ‪.‬‬
‫كما تصنف المصادر األدبية الى عامة تناول أصحابها تاريخ مختلف الشعوب و األحداث و‬
‫ممكن حتى أضافوا لذلك تطور العلوم و النبات ‪ ...‬و مثاله كتاب "بلين الكبير " المعنون بالتاريخ‬
‫الطبيعي ‪ ،‬أو كتاب "ديودور الصقلي"‪ Diodore de Sicile‬المعنون بـ"المكتبة التاريخية"‬
‫‪ ،The Historical Library‬و عكسه المصادر األدبية الخاصة و هي التي ركز فيها أصحابها على‬
‫شعب واحد أو دولة واحدة على حادثة تاريخية معينة أو على حرب بعينها و مثالها كتاب‬
‫ثيوسيديس "‪ Theosides‬حرب البلوبونيز" ‪ The Peloponnesian War‬أو كتاب "يوليوس قيصر"‬
‫‪2‬‬
‫‪ Julius Caesar‬المعنون بـ "حرب افريقية"‪. African war‬‬

‫المحور الثاني ‪ :‬التاريخ و الحضارة في بالد ما بين النهرين‬


‫أوال ‪ :‬مفاهيم عامة ‪ :‬يتناول ذلك مختلف األحداث السياسية و العسكرية التي عرفتها‬
‫المنطقة منذ فجر السالالت السومرية حوالى ‪ 2800‬ق ‪.‬م مرورا بالدولة األكادية و السالالت‬
‫البابلية ثم األشوريين حتى زوال دولة الكلدان في بابل على يد الفرس الميديين ‪ 539‬ق‪.‬م‪ .‬لكن‬
‫ال يمكن معالجة ذلك دون التقديم للموضوع كاآلتي‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ أصل التسمية ‪ Mesopotamia:‬بمعنى أرض ما بين النهرين (بالد الرافدين) و هي تسمية‬
‫أطلقها المؤرخ الروماني "بوليبيوس" (‪ 126-208‬ق‪.‬م) و الجغرافي استرابون (‪ 63‬ق‪ .‬م‪-‬‬
‫‪ 19‬م) ‪،‬و يقصد بها أرض الحضارات التي قامت بين نهري دجلة و الفرات ‪ ،‬لكن هذا اللفظ‬
‫ال يع بر عن اإلطار الجغرافي األشمل لحدود الدول التي سيطرت على المنطقة كالبابليين و‬
‫اآلشوريين ‪ 3،‬و لقصور اللفظ أضاف بعضهم "‪ Parapotamia‬و تضم التسمية المناطق الممتدة‬
‫من جبال كردستان في الشمال الى المستنقعات الجنوبية عند الخليج العربي ‪ ،‬و من منحدرات‬
‫جبال ايران شرقا الى الصحاري الغربية في سوريا ‪(4.‬أنظر الشكل ‪)2‬‬

‫‪ ‬ـ لطفي عبد الوهاب يحي ‪ ،‬المرجع السابق ‪،‬ص‪ ،‬ص ‪ 71- 11‬ـ بتصرف ـ ‪‬‬
‫‪ ‬ـ لطفي عبد الوهاب يحي ‪ ،‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪ . 17‬‬
‫‪ 5‬ـ أحمد أمين سليم ‪ ،‬دراسات في تاريخ الشرق األدنى القديم ‪ ،‬تاريخ العراق ـ ايران ـ آسيا الصغرى ‪ ،‬ص‪ .‬‬
‫‪ 1‬ـ عبد العزيز صالح ‪ ،‬الشرق األدنى القديم ـ مصر و العراق ‪ ،‬مكتبة األنجلو مصرية ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬د‪:‬ط ‪ ، 1 ،‬ص‪ .317‬‬

‫‪11‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫‪ 2‬ـ جغرافية بالد الرافدين ‪ :‬من المظاهر الجغرافية البارزة في بالد ما بين النهرين القديمة‪،‬‬
‫و التي ال يمكن تجنبها هما نهرا دجلة و الفرات ‪ ،‬كونها يشكالن أساس الحضارة و عمود‬
‫اقتصادها كاآلتي ‪:‬‬
‫*‪ -‬نهر دجلة ‪:‬عرف النهر في النصوص المسمارية السومرية باسم أدكانا (‪ )Idigna‬و األكدية‬
‫باسم إدجالتوم أو إديجالت (‪ )Idiglat ou Idiglatum‬و اتخذ تسميته العربية من التسمية األكدية‬
‫‪1‬‬
‫"إديجالت"‪.‬‬
‫و ينبع نهر دجلة من المرتفعات الجنوبية الشرقية لتركيا‪ ،‬و من المرتفعات القريبة من بحيرة‬
‫فان (‪ ،)Van‬أين شكلت الروافد نهر "يونان صو"‪ ،‬و ينبع أيضا من المرتفعات القريبة من‬
‫بحيرة "كولجاك" أين شكلت الروافد نهر" بولطمان صو"‪،‬و بالتقاء هذين النهرين يتكون‬
‫‪2‬‬
‫المجرى الرئيسي الذي ينحدر جنوبا بشرق و يمر بالقرب من بلدة "فيشخابور" (العراق)‪.‬‬

‫‪ ‬ـ السعدي حسن محمد محي الدين ‪ ،‬في تاريخ الشرق األدنى القديم‪ ،‬ج‪ ‬العراق‪ -‬إيران‪ -‬آسيا الصغرى‪ ،‬دار المعرفة الجامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪،‬‬
‫‪.999‬ص ‪ .‬‬
‫‪ ‬ـ إيمان أحمد السيد محمد ‪ ،‬دجلة و الفرات في فكر العراقيين القدماء ـ دراسة تحليلية ـ رسالة ماجيستير في التاريخ القديم ‪ ،‬اشراف ‪ :‬محمد الشحات‬
‫شاهين ‪ ،‬جامعة حلوان ‪ ، 1 ،‬ص ص‪ . 19- 17‬‬

‫‪12‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫ويمر النهر بعد ذلك بالموصل و "نينوى" ثم يلتقي به الرافد المسمى "الزاب الكبير" (زابو‬
‫إيليو في المصادر المسمارية) في جنوب نمرود على بعد خمسة كيلومترات ‪ .‬و عند وصوله‬
‫إلى مدينة "آشور" يتصل به نهر" الزاب الصغير" (زابو شبالو في المصادر المسمارية)‪ ،‬و‬
‫بعد مسيرة ثالثين كيلومترا إلى الجنوب يقطع نهر دجلة "جبال حمرين"‪ ،‬ثم يستقر في طريقه‪،‬‬
‫فيمر بتكريت ثم بسامراء و في منتصف الطريق بين بلد و بغداد يلتقي به الرافد العظيم (راندو‬
‫‪1‬‬
‫في المصادر المسمارية)‪.‬‬
‫و يجاور دجلة نهر الفرات في مدينة بغداد الحالية و يصل البعد بينهما إلى حوالي ثالثين‬
‫كيلومترا‪ ،‬و لكنه ينحرف في ما بعد ما بين بغداد و الكوت باتجاه جنوبي شرقي‪ ،‬و يلتقي بنهر‬
‫دجلة رافد آخر يسمى نهر "ديالي" أودياله (ترناة أودر في المصادر المسمارية) و ذلك في‬
‫شمال مدينة "المدائن" ‪ ،‬و يستمر النهر طريقه جنوبا مرورا بالسهل الرسوبي و يلتقي ألول‬
‫مرة نهر دجلة بنهر الفرات في قرية قورنة (‪ )Qurnah‬على بعد مائة كيلومتر جنوب "البصرة"‪،‬‬
‫و بذلك يشكالن معا "شط العرب" و بهذه المسيرة الطويلة قد بلغ نهر دجلة طول ‪1950‬‬
‫‪2‬‬
‫كيلومتر ‪.‬‬
‫*ـ نهر الفرات‪ :‬عرف هذا النهر في النصوص المسمارية السومرية باسم بورانن (‪)Buranun‬‬
‫أو بورنوتا (‪ ،)Buranuna‬و األكادية باسم بوراتي (‪ )Purati‬أو بوراتوم (‪ ، )Puratum‬أما فيما‬
‫يخص نهر الفرات‪ ،‬فهو أطول من دجلة حيث قدر طوله ‪ 2780‬كيلومتر‪.‬و مساحة حوضه‬
‫أكبر من مساحة حوض دجلة حيث تقدر مساحة األول ‪ 444‬ألف كيلومتر مربع‪ ،‬بينما تقدر‬
‫‪3‬‬
‫مساحة الثاني ‪ 340‬ألف كيلومتر مربع ‪.‬‬
‫ينبع نهر الفرات من السالسل الجبلية الشرقية لبالد األناضول (تركيا) و يغذيه في‬
‫البداية رافدين‪" ،‬فرات صو" الذي يجري في سهل "ارضوم"‪ ،‬و "مراد صو" الذي يجري في‬
‫هضبة أرمينيا‪ ،‬و يلتقي الرافدان في "كيبان معدني"‪ ،‬ممهدان لبداية المسيرة الطويلة لنهر‬
‫الفرات ‪ ،‬و يقطع النهر الحدود التركية السورية عند مدينة كركميش (طرابلس حاليا)‪ ،‬مواصال‬
‫طريقه جنوبا ملتقيا برافده "ساجور" ثم يسير متعرجا في سهول سوريا ملتقيا برافديه‬
‫المعروفان باسمي "البالخ" و "الخابور"‪ ،‬و يلتقي البالخ بنهر الفرات جنوب مدينة "الرقه"‪،‬‬
‫و إلى الجنوب يلتقي برافده الخابور و يمر الفرات قبل دخوله األراضي العراقية بدورا يوروبس‬
‫ثم مدينة "البوكمال" القريبة من مدينة "ماري"‪ ،‬و يتصل به من ضفته الغربية وادي حوران‬
‫‪4‬‬
‫قادما من بادية الشام قبل وصوله إلى مدينة "هيت" (‪( )Hit‬إيتو في النصوص المسمارية)‪.‬‬

‫‪ ‬ـ كوردن هستد ‪ ،‬أسس جغرافية العراق الطبيعية ‪ ،‬تر ‪ :‬جاسم محمد خلف ‪ ،‬مؤسسة األعظمي ‪ ،‬بغداد ‪ ، 919،‬ص ‪ .7‬‬
‫‪ ‬ـ إيمان أحمد السيد محمد ‪ ،‬دجلة و الفرات في فكر العراقيين القدماء ـ دراسة تحليلية ـ ص ص ‪ .3-1‬ـ بتصرف ـ ‪‬‬
‫‪ 5‬ـ محمد عبد اللطيف محمد علي ‪ ،‬تاريخ العراق القديم حتى نهاية االلف الثالث ق‪ .‬م ‪ ،‬مكتبة اإلسكندرية ‪ ،‬اإلسكندرية ‪ ، 977 ،‬ص‪ .5‬‬
‫‪ 1‬ـ تقي الدباغ وآخرون ‪ ،‬حضارة العراق ‪.‬العصور القديمة ‪،‬ج‪ ، ‬دار الحرية للطباعة ‪ ،‬بغداد ‪، 993 ،‬ص ‪ .59‬‬

‫‪13‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫يتجاوز نهر الفرات مع نهر دجلة أكثر فأكثر جنوب الطريق الممتد بين هيت وسامراء‪،‬‬
‫ويشكالن معا سهل طمي (غريني) واسع و مسطح الذي نسميه السهل الرسوبي ‪ ،‬و في هذه‬
‫المنطقة نالحظ أن االنحدار ضعيف أو بسيط‪ ،‬أين رسم النهرين عدة تعرجات في عدة مناطق‪،‬‬
‫و يجدر بنا اإلشارة إلى أن سكان بالد النهرين نجحوا في السيطرة على المجاري الرئيسية‬
‫ألنها ر البالد بواسطة بناء الحواجز أو السدود و قنوات صرف المياه‪ ،‬بما أن المجريين‬
‫الرئيسيين لنهر الفرات سارا في نفس المجرى منذ حوالي ثالثة آالف عام‪ ،‬تعبر بجوار كل من‬
‫سيبار (‪ ،)Sippar‬بابل‪ ،‬نفر (‪ )Nippur‬شوروباك (‪ ،)Shuruppak‬الوركاء‪ ،‬الرسا و أور‪ ،‬أو على‬
‫‪1‬‬
‫بعد ‪ 25‬كيلومتر أو ‪80‬كيلومتر عن مجريه الرئيسيين ‪.‬‬
‫أن الفرات يتميز بكونه األكثر أهمية و مالئمة عن دجلة‪ ،‬و يرجع‬‫واجماال يمكن القول ّ‬
‫ذلك بسبب طوله و كثرة تعرجاته و كذلك لتميز روافده باالتساع و العمق‪ ،‬أما دجلة فيتميز‬
‫بكثرة روافده (الزاب األسفل و األعلى و نهر ديالى) مما أدى الى كثرة الفيضان و كثرة النقل‬
‫للرواسب ‪ 2،‬و كذلك اتخذ النهران مجريين منفصالن بين األلف العاشر و الخامس قبل الميالد‪،‬‬
‫و دخال الى الخليج بمصبين مختلفين أدى الى ظهور المستنقعات الفيضية أهمها السهل األدنى‬
‫(بالد سومر) و التي استقر بها السومريون منذ األلف الخامس ق‪.‬م و األكاديون منذ األلف‬
‫الثالث قبل الميالد‪.‬‬
‫‪3‬ـ المناطق الجغرافية ‪ :‬يتشكل العراق القديم من السهل الرسوبي الجنوبي اين استوطنت‬
‫المدن السومرية على شواطئ الفرات و منها أريدو و أور على الضفة اليمنى للنهر ‪ ،‬و الرسا‬
‫و لجش و أوما و الوركاء (أوروك) و نيبور(نفر) في شمال اإلقليم السومري وأقصاها مدينة‬
‫كيش شماال ( عرفت المنطقة بعد ‪ 1670‬ق‪ .‬م ببالد البحر)‪ ،‬و بعدها تمتد بالد أكاد (السهل‬
‫األعلى) أو بالد بابل الحقا و ضمت مدنا كالعاصمة بابل و بورسيبا و سيبار ‪ ،‬و في الشمال‬
‫منها تقع بالد آشور (منطقة الجزيرة ) و غالبيتها مناطق مرتفعة ‪ ،‬ظهرت بها مدن الحقا‬
‫‪3‬‬
‫كنينوى و خورسباد ‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ مصادر دراسة بالد ما بين النهرين ‪ :‬تقسم كاآلتي‪:‬‬
‫أ ـ المصادر المادية ‪ :‬وأهم ما يكوّن الوثائق المادية في المنطقة هي النصوص الكتابية‪ ،‬و‬
‫ظهرت معالمها عبر "الوركاء" (أوروك) ‪ ،‬و هي نقوش أثرية حفرها كتاب عاشوا أحداث‬
‫تاريخ شعوبهم ‪ ،‬اذ دوّ ن هؤالء بخط يدهم ما أمرهم به ملوكهم أو كهنتهم و جاء ذلك بأسلوب‬
‫مختصر مفيد ‪ ،‬حيث كانت أولى كتابات بالد الرافدين بالمسمارية و التي انبثقت عن التصويرية‬

‫‪ ‬ـ خطاب العاني ‪ .‬نوري البرزاني ‪ ،‬جغرافية العراق ‪ ،‬دار الحرية للنشر و التوزيع ‪ ،‬بغداد ‪ ، 979 ، ،‬ص ص‪ 9- 9‬ـ بتصرف ـ ‪‬‬
‫‪ ‬ـ أحمد أمين سليم ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪ .5‬‬
‫‪ 5‬ـ سمير العيداني ‪ ،‬العالقات الحضارية بين مصر و شعوب بالد الرافدين ـالعالقات الدينية أنموذجا ـ (‪ 391‬ق‪.‬م ـ ‪.55‬ق‪.‬م )‪ ،‬رسالة دكتوراه‬
‫(غير منشورة ) ـ إلشراف ‪ :‬ذراع الطاهر ‪ ،‬جامعة الجزائر ـ ‪ ‬ـ ‪ ، 17-11 ،‬ص ص ‪ 1-‬ـ بتصرف ـ ‪‬‬

‫‪14‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫البدائية و هي عبارة عن رموز في شكل مسمار "إسفين" نقشها الكتاب القدامى على لوح من‬
‫الطين المشوي و تراوح معظمها ما بين ‪ 1‬و ‪ 25‬سم ‪ ،‬كما نقشت هذه الكتابة أيضا على النصب‬
‫‪1‬‬
‫التذكارية و على المعدن و األختام االسطوانية و الفخار‪.‬‬
‫و تم ّكن الكتّاب خالل الربع األول من األلف الثالث ق‪.‬م ‪ ،‬في بالد ما بين النهرين أوال من‬
‫تدوين بعض أسماء ال َعلم ‪ ،‬ثم طوروا كتاباتهم مع مرور الزمن و أغنوا ثروتهم اللفظية‬
‫بالمفردات الجديدة ‪ ،‬حتى أصبحت نسبيا قادرة على س ّد أغلب حاجاتهم عند تعبيرهم لحوليات‬
‫ملكية متسلسلة و قوانين و تشريعات عامة و اتفاقيات دولية ذات نصوص دقيقة ‪ ،‬و كذلك‬
‫سجلوا بها وصفا لمعارك الحروب وكثيرا من األحداث السياسية و النصوص الدينية و المالحم‬
‫‪2‬‬
‫و األساطير‪ ،‬التي باجتماعها تش ّكل لنا مصدرا خصبا للدراسة ‪.‬‬
‫و تعتبر المدن األثرية و أنقاضها المندثرة على التالل بما تض ّمه من أدوات مختلفة حجرية‬
‫و معدنية أو فخارية أو رسوم ملونة مصدرا أساسيا ألي دراسة تاريخية علمية ‪ ،‬يضاف إليها‬
‫المشاهد البارزة المحفورة على الحجر أو الجص أو النصب التذكارية المنحوتة من الحجر و‬
‫‪3‬‬
‫المصهورة من المعدن أو المطروقة منه ‪.‬‬
‫وتش ّكل اآلثار المادية من منحوتات و فخاريات و نقوش مباني ‪ ،‬المادة األساسية لدراسة‬
‫مراحل عصور ما قبل الكتابة و التدوين نظرا لعدم توصل االنسان فيها الى معرفة الكتابة ‪،‬‬
‫أما مع بداية عصور األسرات فقد أصبحت الوثائق و المدونات من األدلة الهامة التي يعتمد‬
‫عليها الدارسون ‪ ،‬و دونت النصوص في بالد الرافدين بالخط المسماري و باللغات السومرية‬
‫و األكادية و بلهجاتها المختلفة حيث تزودنا المصادر المكتوبة بمعلومات تتصل بالجوانب‬
‫‪4‬‬
‫السياسية و االقتصادية و االجتماعية و اإلدارية و الدينية و القانونية‪.‬‬
‫و من أهم المصادر في هذا المجال ما يعرف بــــــ "قوائم الملوك" و كذلك ما سجله‬
‫المؤرخ الوطني البابلي " برجوشا" (برعوشا)‪ ،‬و الذي سماه اليونان "بيروسوس"‪ ،‬حيث تعتبر‬
‫قوائم الملوك من المصادر الرئيسية التي يعتمد عليها المؤرخ في دراسته للتطور التاريخي و‬
‫الحضاري لبالد النهرين إذ حفظت لنا اآلثار العراقية العديد من القوائم الملكية سواء المتصلة‬
‫بمدن سومر و حكامها أو بابل و آشور ‪5‬و أهمها ‪:‬‬

‫‪ ‬ـ سمير العيداني ‪" ،‬المصادر المادية و األدبية لدراسة تاريخ بالد ما بين النهرين " ‪ ،‬مجلة الحكمة للدراسات التاريخية ‪ ،‬مؤسسة كنوز الحكمة ‪،‬‬
‫الجزائر ‪ ،‬العدد ‪ ، 11 ، 9‬ص‪ .1‬‬
‫‪ ‬ـ توفيق سليمان ‪ ،‬دراسات في حضارات غرب آسيا القديمة من أقدم العصور الى عام ‪91‬ق‪.‬م ‪ ،‬ط ‪ ،‬دار دمشق ‪ ،‬دمشق ‪ ، 939 ، ،‬ص‪ 1‬‬
‫‪ 5‬ـ تقي الدباغ و آخرون ‪ ،‬حضارة العراق ‪"،‬الكتابة"‪،‬ج‪، 1‬ص ص‪-‬ـ بتصرف ـ ‪‬‬
‫‪ 1‬ـ سمير العيداني ‪" ،‬المصادر المادية و األدبية لدراسة تاريخ بالد ما بين النهرين " ‪ ،‬ص‪ .1‬‬
‫‪ 3‬ـ احمد أمين سليم ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪ .1‬‬

‫‪15‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫‪ 1‬ـ قائمة الملوك السومرية ‪ : Sumerian Kings List :‬تنتمي هذه الوثيقة من الناحية الزمنية الى‬
‫بداية األلف الثاني ق‪.‬م ‪ ،‬لكنها تتضمن مادة تاريخية ترجع بتاريخ العراق القديم الى بداية‬
‫العصر التاريخي ‪ ،‬حيث تذكر هذه القائمة أسماء المدن األولى التي كانت قبل "حادثة‬
‫الطوفان"‪ ، The fleud‬و التي ترجع مباشرة الى العصور السابقة للعصر التاريخي ‪ 1،‬و تقدم‬
‫لنا القوائم الملكية أسماء الملوك مرتبين حسب األسر التي ينتمون إليها ‪ ،‬مدة حكمهم و مدة حكم‬
‫األسرة ‪ ،‬حيث حددت لنا عصرين أحدهما أسطوري قبل الطوفان و الثاني عصر بعد الطوفان‬
‫أن األسر متعاقبة ـ‬‫أين امتزج التاريخ بأساطير دينية ‪ ،‬و الناظر الى القوائم الملكية يرى ّ‬
‫ظاهرياـ ‪ ،‬غير أن كثيرا من الملوك هم متعاصرون في مناطق مختلفة‪( 2 .‬أنظر الشكل‪)3‬‬

‫الشكل ‪ : 3‬ثبت الملوك السومري موشور فيلد‪-‬بلوندل المحفوظ في المجموعة المسماريّة لمتحف أشموليان في أكسفورد و رسم كتاباته ‪.‬‬
‫(أنظر ‪Stephen Langdon, Historical inscriptions, containing principally the chronological prism, W-B 444, :‬‬
‫‪).Oxford University Press, 1923.p412‬‬
‫حيث بعد نزول الملوكية ألول مرّة من السماء في مدينة "أريدو" جنوب "أور"‪ ،‬ذكرت لنا‬
‫القوائم ثمانية ملوك حكموا قبل الطوفان لمدة ‪ 241200‬سنة ‪ ،‬وذلك في خمس مدن بداية من‬
‫"أريدو" الى " بادتابيرا" ثم" الركا" ثم " سييار" و أخيرا "شوروباك" وفق الجدول اآلتي ‪:3‬‬
‫مدة الحكم‬ ‫الحاكم‬ ‫المدينة‬
‫‪ 288822‬سنة‬ ‫‪1‬ـ الوليم‬ ‫أريدو‬
‫‪ 368222‬سنة‬ ‫‪2‬ــ اإللجار‬ ‫بادتيرا‬
‫‪ 438222‬سنة‬ ‫‪3‬ـإنمينلوـآنا‬ ‫بادتيرا‬
‫‪ 288822‬سنة‬ ‫‪4‬ـ إنمينجال ـ آنا‬
‫‪ 368222‬سنة‬ ‫‪ 5‬ـ اإله دموزي الراعي‬
‫‪ 288822‬سنة‬ ‫‪ 6‬ـالسيبازي ـ آنا‬ ‫الراك‬
‫‪ 218222‬سنة‬ ‫‪ 7‬ـأندميندور ـ آنا‬ ‫سبار‬
‫‪ 188622‬سنة‬ ‫‪ 8‬ـ أوبار ـ توتو‬ ‫شاروباك‬

‫‪ ‬ـ رشيد الناظوري ‪ ،‬المدخل في التحليل الموضوعي المقارن للتاريخ الحضاري و السياسي في جنوب غرب آسيا و شمال أفريقيا ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬دار‬
‫النهضة العربية ‪ ،‬القاهرة ‪ ، 999 ،‬ص‪ .1‬‬
‫‪ ‬ـ ل ‪ .‬ديالبورت ‪ ،‬بالد ما بين النهرين ‪.‬الحضارتان البابلية و األشورية ‪ ،‬تر ‪ :‬محرم كمال‪،‬ط‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب ‪ ،‬القاهرة ‪،997 ،‬‬
‫ص‪ . 1‬‬
‫‪Patrice Guinard. , Les listes des rois antédiluviens .le congrès d'Histoire de l'Astrologie - 3‬‬
‫‪dans l'Antiquité organisé par la revue Beroso (Barcelone), 2001.p136.‬‬
‫‪‬‬

‫‪16‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫و في المقابل ذكرت القوائم الملكية ملوك ما بعد الطوفان بأكثر واقعية ‪ ،‬و مثاله أ ّن األسرة‬
‫األولى في "أور "‪ ،‬أعطتها القائمة مدة حكم تصل الى ‪ 177‬عاما موزعة على أربعة ملوك ‪،‬‬
‫فهي تقدم صورة عن اتحاد ممالك المدن ‪ ،‬اذ احتوت على معلومات تتعلق باألنساب باإلضافة‬
‫‪1‬‬
‫الى بعض الوقائع التاريخية التي تشرح انتقال السلطة من مدينة الى أخرى‪.‬‬
‫‪ 2‬ــ قائمة ملوك لجش ‪ :‬ت ّم نشر قائمة الملوك الخاصة بملوك" لجش" عام ‪ 1967‬وهي من‬
‫الوثائق المهمة في مجال دراسة تاريخ العراق القديم ‪،‬و يالحظ في هذه القائمة أنها لم تتضمن‬
‫جميع حكام "لجش" المعروفين لنا ‪ ،‬غير أنّه من خالل هذه الوثيقة و وثائق أخرى يكاد يتفق‬
‫أن من أشهر الحكام‬ ‫أن "أورنانشي" هو مؤسس ساللة "لجش" و ّ‬ ‫علماء األشوريات على ّ‬
‫حفيده‪ ،‬ويفهم من وجود هذه القائمة ـ منفردة الترتيب ـ أنه كان لهذه المدينة كتبة رتبوا ُقائمتها‬
‫الخاصة بها ‪ ،‬رافضين تسجيالت كتبة "إسين" ‪،‬اللذين كتبوا قامة الملوك السومرية المعروفة‬
‫‪2‬‬
‫لدينا‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ نصوص الحوليات الملكية اآلشورية ‪ :‬و هنا كان الملوك اآلشوريون منذ األلف الثالث‬
‫ق‪.‬م يدوّ نون مخطوطات نذرية يعبرون فيها عن ورعهم و تقواهم اتجاه اآللهة ‪ ،‬وتضمنت هذه‬
‫المخطوطات ثالثة عناصر أساسية أوّ لها اسم الملك و ألقابه وطبيعة عالقته باآللهة‪ ،‬و ثانيها‬
‫ذكر األحداث التي حدثت في ذلك الوقت و ثالثها اإلشارة الى العمل المقدم لآللهة و عادة ما‬
‫كانت أعمال معمارية‪ .‬و تطورت هذه المخطوطات منذ حوالي ‪ 1300‬ق‪.‬م خاصة مع إسهاب‬
‫الملوك اآلشوريين في وصف أعمالهم العسكرية ثم امتدت لتصف أعمال الملك منذ بداية عهده‬
‫حتى تاريخ الكتابة ‪ ،‬لتسجل األحداث حسب السنوات أو حسب المناطق الجغرافية ‪ ،‬و هو الذي‬
‫‪3‬‬
‫عرف بالحوليات في عهد الملك "تاجاللت بالزر األول" (‪ 1077-1115‬ق‪.‬م)‪.‬‬
‫وسجلت هذه المخطوطات إما في لوحات طينية أو نقشت على التماثيل الحجرية لألسود و‬
‫الثيران التي تقف على األبواب أو أنها نقشت على النصب الملكية التي كانت تقام على التخوم‬
‫تخليدا لذكرى االنتصارات اآلشورية ‪ ،‬حيث أصبحت هذه النصب مقتصرة على وصف أعمال‬
‫الملك و تعديد مآثره ‪ ،‬غير أن هذه المخطوطات و الحوليات اآلشورية تميزت بالمبالغة و‬
‫اإلسهاب في تحديد سنوات حكم الملوك اآلشوريين ومثاله نص الملك "شلمنصر األول " في‬
‫‪4‬‬
‫ذكرى إعادة بنائه لمعبد اإلله "آشور" في مدينة "آشور"‪.‬‬
‫و باإلضافة الى هذه التسجيالت ذات األهمية التاريخية ‪ ،‬وصلنا من" آشور" أيضا العديد‬
‫من القوائم الملكية التي تض ّمنت سجالت للملوك و سنوات حكمهم و أعمالهم ‪ ،‬و تفاوتت هذه‬

‫‪ ‬ـ أحمد أمين سليم ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪ .13‬‬


‫‪ ‬ـ أحمد أمين سليم ‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪ .11‬‬
‫‪ 5‬ـ هاري ساكز ‪ ،‬جبروت آشور الذي كان ‪ ،‬تر‪ :‬آحو يوسف ‪،‬دار اإلنشاء ‪،‬دمشق ‪ ،‬د‪:‬ط ‪ ،933 ،‬ص‪ .73‬‬
‫‪ 1‬ـ سمير العيداني ‪" ،‬المصادر المادية و األدبية لدراسة تاريخ بالد ما بين النهرين "‪ ،‬ص‪ .1‬‬

‫‪17‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫القوائم فيما بينها حسب طبيعة المعلومات المقدمة و مدى اإلسهاب أو االختصار و كذلك دقة‬
‫‪1‬‬
‫المعلومات ‪ ،‬و من هذه "قوائم الليمو" ‪" ،‬قائمة الملوك اآلشورية"‪.‬‬
‫‪ 4‬ــ قائمة الملوك البابلية ‪ّ List of Kings Babylonians :‬‬
‫إن قائمة الملوك البابلية الرئيسية هي‬
‫القائمة" ‪ ، " A‬والتي ترجع الى نهاية العصر البابلي الحديث غير أنها تغطي الفترة من الساللة‬
‫البابلية األولى وحتى وفاة الملك "كانداالنو" (التابع للملك '"أشور بانيبال" حينها) في ‪626‬‬
‫ق‪.‬م ‪ ،‬و لقد ّدمرت هذه القائمة من أطرافها مما أدى الى فقدان األسرة األولى بأكملها فيما عدا‬
‫إجمالي حكمها ‪ ،‬باإلضافة الى فجوة كبيرة في األسرة الكاشية ‪ ،‬ويغيب االهتمام فيها بالملوك‬
‫المتأخرين ‪ ،‬هذا و كتبت أغلب القوائم على مسالت ‪ ،‬و تحمل في الغالب نقوشا بارزة تتخللها‬
‫في معظم األحيان نصوص مسمارية تخلّد للملوك أهم اإلنجازات العسكرية و العمرانية و‬
‫‪2‬‬
‫االجتماعية ‪ ،‬و من أشهرها اجتماعيا ما جاء في مسلة الملك حمورابي‪.‬‬
‫ويتضح من دراسة القائمة‪ A‬أنها وثيقة موثوق بها في دراسة هذه الفترة ‪ ،‬ولقد استطاع‬
‫المختصون تكملة الفجوات الموجودة بها من قائمتين أخريين للملوك ‪ ،‬بينما أعطتنا قائمة الملوك‬
‫"‪ " B‬عهود ملوك األسرة البابلية األولى ‪ ،‬ولقد نسخت هذه القائمة من مصدر قديم كان فيه‬
‫بعض المحو لألرقام ‪ ،‬وسجلت هذه القائمة أيضا أسرة القطر البحري (الساللة البابلية الثانية)‪،‬‬
‫ولكن بدون إعطاء أعداد لسنوات حكمها بينما تعطينا قائمة أسماء الملوك السبعة األوائل لألسرة‬
‫الرابعة الذين جاءوا بعد الكاشيين‪.‬‬
‫‪ 5‬ـــ كتابات الكاهن البابلي "بيروسوس"‪( Berossos‬برعوشا)‪ :‬كاهن كاتب و مؤرخ‬
‫و فلكي كلداني ولد في بابل حوالي ‪ 330‬ق‪.‬م ‪ ،‬هاجر مسقط رأسه ليقيم في جزيرة كوس (‬
‫إحدى المستوطنات اليونانية شمال جزيرة كريت) حيث افتتح مدرسة لتعليم الفلك ‪ ،‬كتب‬
‫"برعوشا" قرابة عام ‪ 280‬ق‪.‬م كتابا تاريخيا عن بابل استند فيه الى المراجع القديمة خاصة‬
‫مع وظيفته الكهنوتية ‪ ،‬يحتوي كتابه" بابليات" ‪ Babylioniaca‬على ثالث مجلدات ‪ ،‬احتوى‬
‫المجلد األول على وصف جغرافي لبابل و منطلق الحضارة فيها ‪ ،‬و يحتوي المجلدين الثاني‬
‫و الثالث على تاريخ بابل و آشور مع سلسلة ملوك ما قبل الطوفان ثم قصة الطوفان ‪ ،‬ثم عودة‬
‫‪3‬‬
‫الملكية فسلسلة ملوك ما بعد الطوفان ثم تاريخ خمس سالالت ملكية‪.‬‬
‫وتجدر اإلشارة الى أن معظم روايات "برعوشا" تأ ّكدت صحتها باكتشاف نصوص مسمارية‬
‫جاءت تؤيدها ‪ ،‬ولألسف لم يصلنا من كتابه إال ما نقله المؤرخين "يوسفيوس فالفيوس" و"‬
‫‪4‬‬
‫أوزابيوس القيصري" ‪.‬‬

‫‪ ‬ـ أحمد أمين سليم ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪ .17‬‬


‫‪ ‬ـ لقاء جليل ‪ " ،‬اللعنات في النصوص الملكية البابلية "‪ ،‬مجلة جامعة تكريت للعلوم‪ ،‬مج‪ ، 9 :‬العدد‪ ، 1 ، 15‬ص‪ .35‬‬
‫‪ 5‬ـ أحمد أمين سليم ‪ ،‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص‪ .3‬‬
‫‪ 1‬ـ عيد مرعي ‪ ،‬تاريخ بالد الرافدين ‪ ،‬منذ أقدم العصور حتى عام ‪ 359‬ق‪.‬م ‪ ،‬ط‪ ، ‬دار األبجدية ‪ ،‬دمشق ‪ ، 993 ،‬ص‪ .1‬‬

‫‪18‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫ب ‪ :‬المصادر الكتابية ( الكتابات الكالسيكية ) ‪ :‬ترك لنا بعض المؤرخين و الجغرافيين اليونان‬
‫لمحات عن جغرافية العراق القديم و أحواله الطبيعية و المعاشية ‪ ،‬فباإلضافة الى أهمية هذه‬
‫المعلومات من الناحية التاريخية فإنها بحاجة الى دراسة و تمحيص و مطابقة مع المواقع‬
‫الحديثة للمدن و العوارض الطبيعية الجغرافية الحالية ‪ ،‬و على الباحث أن يكون حذرا في تتبع‬
‫ما يذكره هؤالء الجغرافيون و أن ال يأخذ ما صدر منهم مأخذ الحقيقة دون معرفة بشخصية‬
‫الكاتب و ظروفه‪.‬‬
‫و تكمن أهمية هذه المصادر و بخاصة في الفترة التي عاصرها هؤالء المؤرخون ‪ ،‬حيث‬
‫قاموا بوصف أحداث شاهدوها بأنفسهم كما تضمنت كتاباتهم كثيرا من النصوص لمؤرخين‬
‫محليين فقدت أصولها و لم نعرف عنها إال ما ورد في هذه الكتابات ‪ ،‬إال أنّه يؤخذ عليها العديد‬
‫من المآخذ و منها روح التعصب التي عرفت عند الغربيين و حضارتهم‪ ،‬و إظهارها و كأنها‬
‫‪1‬‬
‫أرقى من غيرها ‪ ،‬و على هذا فقد اهتموا بإبراز نواحي الغرابة في الحضارات الشرقية‪.‬‬
‫و اجتمعت عدة عوامل أدت الى ابتعادهم عن قصد أو بدونه عن الحقيقة التاريخية ‪ ،‬منها‬
‫اهتمامهم باألساطير و الروايات المنقولة ‪ ،‬وكذا جهلهم بلغات البالد لذا اعتمدوا على الروايات‬
‫التي ذكرها لهم الكهنة و من يجيدون اللغة اليونانية ‪ ،‬وكان معظم هؤالء غير ملم بتاريخ بالده‬
‫فتركز اهتمامهم على ذكر القصص و األساطير قصد اثارة اهتمام سامعيهم ‪ ،‬ومن ناحية أخرى‬
‫فقد تأثرت هذه الكتابات الكالسيكية بطبيعة العالقات السياسية الموجودة بين اليونان و البالد‬
‫التي يزورونه ‪،2‬ومن أهم هؤالء المؤرخين و الجغرافيين نذكر‪:‬‬
‫* ـ هيكاتوس المليتي ‪ Hecataeus:‬مؤرخ و جغرافي يوناني من بلدة "مليتوس" بآسيا الصغرى‪،‬‬
‫زار مصر في القرن السادس ق قبل الميالد (حوالي ‪ 520‬ق م) ‪ ،‬جمع مشاهداته و قصص‬
‫عصره في مؤلف سماه "رحلة حول البحر" و زار معظم األقطار التي كانت خاضعة للفرس‪،‬‬
‫فزار "آسيا الصغرى" و "سوريا" و "العراق" و "فارس" و "مصر" ‪ ،‬و كان حريصا في‬
‫رحالته على جمع الحقائق الجغرافية الخاصة بهذه البالد ‪ ،‬وكذلك أيضا ضم كتابه" خريطة‬
‫العالم" بعض المعلومات التاريخية هذ ‪ ،‬ومن أهم ما تضمن كتابه تاريخيا حول موضوعنا ‪،‬أنّه‬
‫ق ّدم قائمة لتتابع حكام "آشور" على العرش ‪ ،‬و تعتبر هذه القائمة التي أوردها "هيكاتوس" من‬
‫‪3‬‬
‫أوّ ل األعمال في هذا المجال بالنسبة للمؤرخين اليونان و الرومان‪.‬‬
‫*ـ هيرودوت ‪ 425-484 (:‬ق‪.‬م) ‪ : Herodotus‬مؤرخ و رحالة يوناني لقب بأبي التاريخ ولد‬
‫عام ‪484‬ق ‪.‬م في " هاليكار ناسوس" ( التي تقع في الجنوب الغربي من آسيا الصغرى ) ‪،‬‬
‫و توفي عام ‪ 420‬ق ‪.‬م ‪،‬و يأتي حسب الكثير من الباحثين في طليعة المؤرخين اليونان حيث‬

‫‪ ‬ـ أحمد أمين سليم ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪ .3‬‬


‫‪ ‬ـ سمير العيداني ‪" ،‬المصادر المادية و األدبية لدراسة تاريخ بالد ما بين النهرين " ‪،‬ص‪ 1‬‬
‫‪ 5‬ـ سامي سعيد األحمد ‪ "،‬العراق في كتابات اليونان و الرومان "‪ ،‬مجلة سومر ‪ ،‬مديرية اآلثار القديمة العامة ‪ ،‬مج ‪ ، 971 ، 1‬ص‪ .5‬‬

‫‪19‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫ترك أوصافا لمشاهدات بالنسبة لكثير من مناطق و مدن العراق القديم ‪ ،‬فقد أنهى هيرودوت‬
‫جوالته حوالي ‪ 450‬ق‪.‬م ‪ ،‬وكان عليه أن يجمع خالل رحالته الوثائق التي استعان بها لتحرير‬
‫كتبه التي يمكننا أن نقابلها بالكتابات المسمارية التي كانت أساسا لعمله ‪ ،‬و رغم كثرة‬
‫‪1‬‬
‫التصحيحات بالنسبة لألخطاء التي وقع فيها لكن مجمل عمله ذو قيمة كبيرة ‪.‬‬
‫ومن خالل اهتمامه بالفرس ــ أعداء بلده اليونان ـــ تعرض في كتاباته الى وصف عادات‬
‫و تقاليد شعوب الشرق األدنى حيث وصف مدينة بابل على أنّها أهم و أحصن مدينة في بالد‬
‫ما بين النهرين ‪ ،‬كما وصف هندستها المعمارية ‪ ،‬كما ذكر غزو "سنحاريب " لمصر ‪ ،‬ويعتبر‬
‫هيرودوت حسب ما لدينا من األدلة في الوقت الحاضر أول من كتب عن العراق القديم بشيء‬
‫‪2‬‬
‫من اإلطالة و التفصيل ‪.‬‬
‫*ـ زينفون ‪ 429-354( xenophone‬ق‪.‬م) ‪ :‬من المؤرخين اليونان القالئل الذين حفظت لنا‬
‫أعمالهم ‪ ،‬و من أفضل أعماله الكتاب الذي عنوانه ‪" :‬الصعود"‪ " Anabasis‬و هو يعتبر‬
‫سيرة ذاتية ‪ ،‬إذ يصوّ ر مغامرات عشرة آالف جندي مرتزقة يونان تحت قيادته حوالي ‪401‬‬
‫ق‪ .‬م ‪ ،‬اذ كان هؤالء المرتزقة يحاربون في صفوف "كورش الصغير"‪"Cyrus the minor‬‬
‫و بعد هزيمتهم عاد المرتزقة اليونان الى بالدهم حيث واجهوا الكثير من المصاعب ‪ ،‬و يصف‬
‫"زينفون" رحلة الحملة و هي تسير الى جانب "الفرات" باتجاه الجنوب إذ يتحدث بشكل‬
‫مختصر عن الزراعة و كيفية استغالل المياه و سحبها في قنوات من نهر دجلة‪ ،‬فبعد عبور‬
‫"زينفون" الفرات قادما من "أرمينيا" ذكر "ثابساكوس ‪ ،"Thapsacus‬والتي هي مسكنه في‬
‫‪3‬‬
‫"الفرات األعلى" كما تحدث عن وصوله لنهر أراخيس ‪"Araxes‬والذي هو نهر "الخابور"‪.‬‬
‫*ـ سترابون ‪ 66 ( Strabo‬ق‪.‬م ـ‪ 24‬م) ولد سترابون في "أماسيا" في إقليم " بونتس" وذلك‬
‫حوالي ‪64‬أو ‪ 63‬ق‪.‬م ‪،‬و رث عن أسرته ثراء كبيرا مما مكنه من القيام برحالته الكثيرة ‪،‬‬
‫تتميز كتاباته بأنها نوع من الجغرافيا التاريخية ‪ ،‬و ينقسم مؤلفه الى سبعة عشر جزءا وزع‬
‫عليها أقاليم العالم و من بينها العراق القديم و تتميز كتاباته بالموضوعية و البعد عن العاطفة‬
‫‪ ،‬و لقد تحدث عن "بابل" في كتابه الخامس عشر و السادس عشر ‪،‬ترك كتابه في الجغرافيا و‬
‫الذي أكمله حوالي ‪ 23‬ميالدي‪ ،‬وصف في الكتاب ‪ 16‬جغرافية" بالد اشور" و "بابل "كما‬
‫‪4‬‬
‫أخبرنا أه اعتمد في كتاباته عن العراق القديم على كتابات "ايراثوسثيثيس" و "بوسيدون"‪.‬‬
‫*ـ ديودور الصقلي‪ 30-80 ( Diodorus Siculus :‬ق‪.‬م) مؤرخ يوناني ولد في "أجيرون" في‬
‫صقلية ‪ ،‬عاش منتصف القرن األول ق‪.‬م ‪ ،‬حوالي بين(‪ 90‬و ‪ 30‬ق‪.‬م)‪ ،‬أي قبل زوال دولة‬

‫‪ ‬ـ سليم طه التكريتي‪ " ،‬العراق في تاريخ هيرودوت"‪ ،‬مجلة المورد ‪ ،‬وزارة الثقافة واإلعالم ‪ ،‬بغداد ‪ ،‬مج‪ ،9‬العدد‪ ،979 ،5‬ص ص ‪، 9-7‬و‬
‫أنظر‪ :‬أحمد أين سليم ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪ .3‬‬
‫‪ ‬ـ مارغريت روتن ‪ ،‬تاريخ بابل ‪ ،‬تر ‪ :‬زينة عازار و ميشال أبي فاضل ‪ ،‬ط‪ ، ‬منشورات عويدات ‪ ،‬بيروت ‪ ، 991 ،‬ص‪ .1‬‬
‫‪ 5‬ـ سامي سعيد األحمد ‪ " ،‬العراق في كتابات اليونان و الرومان " ‪ ،‬ص‪ .5‬‬
‫‪ 1‬ـ سامي سعيد األحمد‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪ .5‬‬

‫‪21‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫البطالمة ‪ ،‬صنّف متابا في تاريخ العالم بعنوان " ‪ "Bibliotheke‬المكتبة التاريخية " في أربعين‬
‫كتابا لم يصل منها كاملة سوى األجزاء من ‪ 01‬الى ‪ 05‬و من الجزء ‪ 11‬الى ‪ ، 20‬تناول فيه‬
‫تاريخ العالم منذ العصور األسطورية و حتى عام ‪ 60‬ق‪ .‬م ‪ ،‬خصص "ديودور" األجزاء‬
‫الثالثة األولى لدراسة األقطار غير اليونانية و هي مصر و بالد النهرين و الهند و بالد العرب‬
‫‪1‬‬
‫و اثيوبيا و شمال افريقيا‪.‬‬
‫*ـ بلين الكبير (‪79‬م ‪ 23-‬م)‪ Plinius:‬كاتب و رحالة و جغرافي روماني ‪ ،‬عاش في الفترة ما‬
‫بين (‪23‬و ‪ 79‬ميالدية) كان "بلينيوس" مقربا من "االمبراطور فسبسيان"‪ ،‬قد عيّن قائدا‬
‫لبعض وحدات األسطول و تميز بكونه عالما موسوعيا ‪ ،‬تناول في مؤلفاته العلوم العسكرية و‬
‫التاريخ و التعليم و لم يبق لنا من مؤلفاته البالغ عددها ‪ 102‬مؤلفا سوى موسوعة "التاريخ‬
‫الطبيعي" ‪ Naturalis Historia‬التي تقع في ‪ 37‬كتابا ‪ ،‬و تبحث في مختلف الجوانب و تغطي‬
‫موضوعاته علوم الفلك و التشريح و الحيوان و النبات و الجغرافيا و الطب و المعادن و غيرها‪.‬‬
‫قضى نحبه إختناقا قرب " بومبييي" يوم ثار بركان " فيزوف " عام ‪ 79‬م ‪ ،‬يعرف بــ "بلين‬
‫‪3‬‬
‫األرشد " ‪ 2، The Older‬و لقد تعرض في دراسته ألجناس و سالالت بالد الرافدين‪.‬‬
‫جـ ـــ المصادر المعاصرة من غير بالد الرافدين ‪ :‬تعتبر المصادر المعاصرة في منطقة الشرق‬
‫األدنى القديم من المصادر الهامة لدراسة تاريخ العراق القديم ‪ ،‬حيث كان للدول التي ظهرت‬
‫في بالد النهرين عالقات سياسية و اجتماعية و اقتصادية و ثقافية مع بلدان الشرق القديم‬
‫المعاصرة لها ‪ ،‬و على ذلك فوجب على الباحث أن يعتمد على المصادر المعاصرة في‬
‫ايران(بالد فارس) ‪ ،‬لمعرفة طبيعة العالقات بين البلدين و كذلك نصوص تل العمارنة التي‬
‫تشير الى أوجه العالقات بين مصر و بالد الرافدين خالل األسرة الثامنة عشر الفرعونية ‪،‬كما‬
‫يعتمد الباحث على النصوص الفينيقية و الحثية و كذلك النصوص العربية و النصوص‬
‫العبرانية‪ ،‬كل هذه المصادر ذات أهمية بالغة قصد التعرف على طبيعة العالقات بين بالد‬
‫النهرين و األمم المجاورة ‪ ،‬و بعد المقارنة للنصوص يمكن الحصول على الكثير من الحقائق‬
‫التاريخية ‪( 4.‬أنظر الشكل‪) 4‬‬
‫د ــ المصادر الدينية المقدسة‪ :‬جاء فيها الكثير من القصص الديني التي يتصل بطريقة او‬
‫أخرى بتاريخ بالد الرافدين وحضارتها ‪ ،‬وبخاصة في التوراة والقرآن الكريم كما يأتي ‪:‬‬
‫* ـ التوراة‪ The Torah :‬تحدثت التوراة في العديد من أسفارها عن الكثير من األحداث التي‬
‫جرت في بالد الرافدين ‪ ،‬إال أنّه يالحظ أن كثيرا من المعلومات الواردة فيها منقولة من مصادر‬

‫‪ ‬ـ أحمد أمين سليم ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪ .31‬‬


‫‪ ‬ـ منير البعلبكي ‪ ،‬موسوعة أعالم المورد ‪ ،‬ص‪ .‬‬
‫‪ 5‬ـ سامي سعيد األحمد ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪ .1‬‬
‫‪ 1‬ـ أنطون مورتكات ‪ ،‬تاريخ الشرق األدنى القديم ‪ ،‬تر‪ :‬توفيق سليمان ‪ ،‬مطبعة اإلنشاء ‪ ،‬دمشق ‪ ،917 ،‬ص‪ .91‬‬

‫‪21‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫أقدم بقرون عديدة‪ ،‬و تتصف هذه األخبار باإليجاز أحيانا و البعد عن التحليل و ذكر األسباب‬
‫الحقيقية أحيانا أخرى ‪ ،‬لذا ال يمكن االعتماد عليها كمصدر تاريخي دون اخضاعها للنقد‬
‫التاريخي و العلمي و مقارنة األخبار الواردة فيها مع ما تنقله المصادر األساسية في بالد‬
‫الرافدين‪ .‬وعلى أي حال وجب علينا أن نتعامل مع التوراة كمصدر تاريخي و أن ننظر إليها‬
‫كغيرها من المصادر بدون كونها كتابا مقدسا‪ ،‬ألن من كتبوا التوراة المتداولة هم كمؤرخين ال‬
‫يختلفون عن نظرائهم من المعاصرين لهم في الشرق ( المصريين القدامى أو البابليين) ‪ ،‬و‬
‫مادامت التوراة كتاب تاريخ‪ ,‬فليس هناك ما يمنعنا كدارسين من أن نناقشها مناقشة حرة دون‬
‫‪1‬‬
‫تمييز‪.‬‬

‫الشكل ‪ :3:‬نماذج رقم طينية لمراسالت " تل العمارنة " ـ خاص بالمؤلف ـ المتحف القومي بالقاهرة‪.‬‬

‫*ـــ القرآن الكريم‪ :‬هو كالم هللا المنزل على سيدنا محمد ـصلى هللا عليه و سلم ـ المحفوظ في‬
‫الصدور و المنقول إلينا بالتواتر تكفل هللا تعالى بحفظه ‪ ،‬ويقدم لنا القرآن الكريم كقصص قرآني‬
‫معلومات هامة و صحيحة تماما عن عصور ما قبل اإلسالم و أخبار دولها ‪ ،‬أيدتها الكشوف‬
‫الحديثة كل التأكيد ‪ ،‬و بالنسبة لبالد النهرين فقد ورد في القرآن الكريم الكثير من المعلومات‬
‫عن هذه البالد و أحوال أهلها و معتقداتهم الفكرية و من ذلك ما اتصل بقصة نوح ـ عليه السالم‬
‫‪2‬‬
‫و الطوفان ـ و كذا دعوة إبراهيم الخليل ـ عليه السالم ـ و األحوال الفكرية في عهده‪.‬‬

‫ثانيا ـ الجانب التاريخي‪ :‬يعالج ذلك تاريخ الدول التي مرت بالمنطقة ‪،‬بداية بالتاريخ السومري‬
‫و األكادي ثم مرحلة التاريخ البابلي األشوري كاآلتي ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ التاريخ السومري ـ األكادي ‪ :‬يكاد أن يكون متزامنا يمكن معالجته عبرتقسيمه الى دورين‬
‫يفصل بينهما حدث قيام الدولة األكادية عام ‪ 2370‬ق‪.‬م ‪ ،‬ويشمل ‪:‬‬

‫‪ ‬ـ سمير العيداني ‪" ،‬المصادر المادية و األدبية لدراسة تاريخ بالد مابين النهرين " ‪ ،‬ص‪ .1‬‬
‫‪ ‬ـ محمد بيومي مهران ‪ ،‬دراسات تاريخية من القرآن الكريم ‪ ،‬ج‪ ، 11‬في العراق‪ ،‬دار المعرفة الجامعية ‪ ،‬اإلسكندرية ‪ ،999 ،‬ص‪ .9‬‬

‫‪22‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫أـ العهد السومري القديم (فجر السالالت السومرية ) (‪ 2800‬ق ‪ .‬م ـ ‪ 2370‬ق‪.‬م) ‪ :‬و يعرف‬
‫كذلك بمرحلة ما قبل السرجونية ‪ ، Pre-sergeon‬و هناك تطورت القرى الزراعية على طول‬
‫السهل الرسوبي الجنوبي و تحولت الى مدن مثل "أريدو" ‪" .‬أور"‪" .‬لجش" ‪ .‬الوركاء "‪.‬‬
‫"شوروباك"‪" .‬كيش" و "نيبور (نفر) و غيرها ‪ ،‬والتي كان لها دور كبير في تفاصيل التاريخ‬
‫‪1‬‬
‫السومري ‪.‬‬
‫و كان الوضع السياسي العام الذي ساد بالد سومر في عصر فجر السالالت هو ما يعرف‬
‫بنظام دويالت المدن‪ ،‬والمقصود بهذا النظام أن البالد كانت مجزئة الى عدة أجزاء‪ ،‬وكان‬
‫كل جزء منها يؤلف دويلة مستقلة عن غيرها سياسيا وإداريا واقتصاديا‪ ،‬ولها نظمها وتقاليدها‬
‫وعاداتها وقوانينها وساللتها الحاكمة المستقلة وكانت كل دويلة تتركز حول مدينة رئيسية هي‬
‫العاصمة يتبعها عدد من المدن الصغيرة والقرى وما تضمه من األراضي الزراعية ‪ ،‬وغالبا‬
‫ما تعتمد دويلة المدينة على مصدر ماء رئيسي تأخذ منه المياه (لذا قامت أغلبها على ضفاف‬
‫الفرات ) ‪،‬وكان الصراع والتنافس بين هذه السالالت ينشأ لالستيالء على أكبر جزء من‬
‫األراضي ومصادر المياه والسيطرة على الطرق التجارية المؤدية الى مصادر المواد الخام‬
‫السبب األول في االتجاه السياسي العام نحو توحيد البالد وضبطها تحت سلطة ادارة مركزية‬
‫‪2‬‬
‫واحدة‪.‬‬
‫و تعرف الدارسون من خالل الوثائق المسمارية(السابقة الذكر)على أسماء الملوك الذين‬
‫حكموا في دويالت المدن السومرية وتشير جداول الملوك السومرية بأن الملكية قد نزلت من‬
‫السماء أول األمر‪ ،‬وهي لذلك إلهيه مقدسة ومقرّ ها في السماء‪ ،‬ثم هبطت إلى األرض في‬
‫مدينة "اريدو" ثم انتقلت منها الى مدينة" بادتبيرا" بعد ان خربت األولى بالسالح ‪ ،‬ثم انتقلت‬
‫إلى المدينة الثالثة والرابعة والخامسة (أنظر الجدول السابق)‪ ،‬وعندما حلّ الطوفان ارتفعت‬
‫الملكية مرة ثانية إلى السماء ثم هبطت بعد الطوفان في مدينة" كيش" ‪(3 .‬المرحلة التاريخية)‬
‫حيث قامت ساللة كيش األولى و حكم فيها ثالثة و عشرين ملكا بالغت الجداول في تحديد‬
‫مدد حكمهم‪ ،‬وأن معظم أسماء ملوكهم كانت جزرية وست منهم كانت اسماؤهم سومرية‬
‫وعاصرت ساللة كيش في عهد آخر حكامها "أكا "ساللة الوركاء األولى وكان أشهر ملوكها‬
‫جلجامش بطل الملحمة المشهورة ‪ ،‬كما قامت في مدينة" أور" عرفت بساللة أور االولى‬
‫وكان مؤسس هذه الساللة معاصرا لجلجامش ملك الوركاء و "اكا" ملك كيش ومن خالل‬
‫‪4‬‬
‫االثار التي عثر عليها في مقبرة أور تبين مقدار ثراء هذه المدينة وعظمة أسرتها الحاكمة‪.‬‬

‫‪ ‬ـ عبد العزيز صالح ‪ ،‬الشرق األدنى القديم ‪ ،‬مصر و العراق ‪ ،‬ص‪ .393‬‬
‫‪ ‬ـ أحمد أمين سليم ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪ .11‬‬
‫‪ 5‬ـ محمد عبد اللطيف محمد علي ‪ ،‬تاريخ العراق القديم حتى نهاية االلف الثالث ق‪ .‬م ‪ ،‬ص‪ .91‬‬
‫‪ 1‬ـ عيد مرعي ‪ ،‬تاريخ بالد الرافدين ‪ ،‬منذ أقدم العصور حتى عام ‪ 359‬ق‪.‬م ‪ ،‬ص ص ‪ .51-55‬‬

‫‪23‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫وتذكر جداول الملوك السومرية انه تعاقب على حكم البالد احدى عشر ساللة من بعد‬
‫ساللة اور االولى وحتى قيام الدولة األكادية غير ان الدالئل االثرية وبعض النصوص‬
‫المكتشفة تشير الى ان بعض السالالت المذكورة كانت متعاصرة‪ ،‬وكان من بين تلك السالالت‬
‫سالالت أجنبية حكمت في بالد عيالم ‪ ،‬مما يرجح ان بالد سومر وقعت أحيانا تحت نفوذ‬
‫‪1‬‬
‫العيالميين‪.‬‬
‫ب ـ الدولة األكادية ‪ 2370 (:‬ق ‪.‬م ـ ‪ 2230‬ق‪ .‬م) عرفت منطقة "السهل األعلى "في وسط‬
‫بالد الرافدين هجرة بشرية ارتبط تاريخها بمدينة "أكاد" و عرفت بالهجرة السامية اآلكادية ‪،‬‬
‫استوطنت قبائلها شمال مدينة كيش ‪ ،‬و مع مرور األزمنة زاد االحتكاك بينها و المدن السومرية‬
‫و بخاصة مدينة كيش القريبة منهم ‪ ،‬وهنا تأثر األكاديون بتفاصيل الحضارة السومرية في‬
‫الكتابة و الفن ‪..‬‬
‫و إجماال يرتبط نشوء الدولة األكادية بشخصية "سرجون األكادي" ("شارّو ِكن" يعني‬
‫اسمه باألكادية الملك الصادق) ‪ ،‬الذي شغل قبل ذلك منصب ساقي البالط في مدينة كيش ‪،‬‬
‫وتمكن سرجون من حكم مدينة كيش في ظروف غامضة‪ ،‬وخاض معارك ضد الملك "لوجال‬
‫زاجيري" ‪ ،‬واستنفذ فترة حكمه في حروب دائمة إلخضاع مختلف الكيانات السياسية و‬
‫الشعوب المتمردة مثل المدن السومرية و العيالميين و مملكة ماري و قبائل الجبال الشمالية‬
‫ووصل حتى الخليج العربي و في الغرب وصل حتى شمال سوريا حكم سرجون ‪ 56‬عاما ‪،‬‬
‫‪2‬‬

‫و استطاع أن يؤسس ألول امبراطورية في العالم القديم‪ ،‬واشتهر بعده في الحكم "ريموش"‬
‫(‪ 2315‬ق‪.‬م ـ ‪ 2307‬ق‪.‬م) و انتصر على ملك "أور" المدعو "كاكو" ‪ ،‬تاله في الحكم‬
‫"منشتوسو"(‪ 2306‬ق‪.‬م – ‪ 2292‬ق‪.‬م) هو أخو "ريموش" و اشتهر بالمسلة السوداء و بناءه‬
‫‪3‬‬
‫لمعبد اإللهة "عشتار"‪.‬‬
‫تاله في الحكم "نرام ـ سين "( ‪ 2291‬ق ‪.‬م – ‪ 2255‬ق‪.‬م) الذي يعد حسب الدارسين أقوى‬
‫ملوك األكاديين على أساس ما وصلت إليه الدولة في عهده من توسعات عسكرية و فرض‬
‫لمركزية الحكم و االستقرار النسبي لألقاليم ‪،‬بحيث قضى على ثورة تزعمتها مدينة كيش و‬
‫أخضع مملكة ماري و مدينة ابال (شمال سوريا) ‪ ،‬و أخضع قبائل المرتفعات الجبلية التي خلد‬
‫انتصاراته عليها في مسلته المشهورة (مسلة النصر) و سماها "قبائل لولوبي" ‪ Lulubi‬و‬
‫التي تصوّ ره ممسكا بالقوس و الرمح و يرتدي خوذة مقرنة و يصعد جبال شاهقا بينما جنود‬
‫األعداء تحت قدميه ‪ ،‬و تظهر النجمة أعاله كرمز للتأليه ‪(4 .‬أنظر الشكل ‪)5‬‬

‫‪ ‬ـ أحمد أمين سليم ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪ .71‬‬


‫‪ ‬ـ عيد مرعي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪ .31‬‬
‫‪ 5‬ـ عبد العزيز صالح ‪ ،‬المرجع السابق ‪،‬ص ص ‪ .151-19‬‬
‫‪ 1‬ـ أحمد أمين سليم ‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪ .11‬‬

‫‪24‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫الشكل ‪ : 05‬مسلة النصر ـ نرام سين (أنظر أحمد أمين سليم ‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪).205‬‬

‫هذا و استنزفت قوى األكاديين مع توالي الثورات و بخاصة ضد القبائل الشمالية و المدن‬
‫السومرية الثائرة ‪ ،‬وزاد ذلك خالل حكم الملك األكادي "شار ـ كليشاري" (‪ )2230-2254‬و‬
‫الذي فقد السيطرة على عدة أقاليم أكادية ‪،‬تاله فترة من الفوضى حكم فيها ملوك ضعفاء مثل‬
‫"دودو" لـ ‪ 21‬عاما ثم ولده "شودورول " لـ ‪ 15‬عاما لينتهي حكم األكاديين عام ‪ 2230‬ق ‪.‬م‬
‫‪1‬‬
‫على يد القبائل الجوتية القادمة من الشمال الشرقي‪.‬‬
‫*ــ يذكر ّ‬
‫أن القبائل الجوتية حكمت بشكل مباشر مدينتي "أكاد "و "أشنونا" بشكل مباشر(حكم‬
‫منهم ‪ 21‬ملكا) بينما كانت باقي المدن السومرية تسير محليا في" لجش" و "الوركاء" و"‬
‫أور" ‪ ،‬و حكم منهم الكثير من الملوك بين ‪ 2230‬و ‪ 2120‬ق ‪.‬م ‪.‬و في هذه الفترة ظهرت‬
‫السلطة السياسية في عدة مدن سومرية منها عهد ساللة "لجش الثانية" بين ‪ 2230‬و ‪2113‬‬
‫ق‪.‬م ‪ ،‬واشتهر من ملوكها "جوديا"( المعروف بتمثاله الشهير) و كذلك أسرة الوركاء الخامسة‬
‫و التي عاصرت األسرة السابقة و وقفت معها ضد سيطرة الجوتيين بقيادة "أوتو كيجال" عهد‬
‫‪2‬‬
‫الملك الجوتي "تريجن" ‪.‬‬
‫جـ ـ عهد اإلحياء السومري‪ (:‬العهد السومري الحديث ) (‪ 2112‬ق‪ .‬م ‪ 2004-‬ق‪.‬م )ترتبط‬
‫بعهد ساللة أور الثالثة و هي آخر أسرة سومرية حكمت بالمنطقة ‪ ،‬دامت لـ‪ 108‬أعوام حكم‬
‫فيها خمسة ملوك ‪ ،‬أسسها الملك "أور ـ نمو" بعد تمرده على ملك الوركاء "أوتو كيجال" ـ‬
‫ـ أحمد أمين سليم ‪ ،‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص‪ .19‬‬ ‫‪‬‬

‫ـ أنطون مورتكات ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪ .1‬‬ ‫‪‬‬

‫‪25‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫السابق الذكرـ ‪ ،‬و أنهى حكمه و أخضع المدن السومرية و بالد أكاد و تلقب بـ"ملك سومر و‬
‫أكاد و ملك الجهات األربع" ‪ ،‬اهتم بالعمران والمعابد ‪ ،‬اشتهر عند المتخصصين بكونه صاحب‬
‫"زيقورة أور" المبنية في ثالث طوابق ‪ ،‬كما اشتهر بتشريعه للقوانين ‪ ، 1‬حكم بعده الملك‬
‫"شولجي" الذي فرض سيطرته على عيالم ‪ ،‬ثم الملك "أمارسين" (‪ )2039- 2047‬ثم الملك‬
‫"شوسين"(‪ ) 2030-2038‬ثم "إيبي ـ سين" و هو آخر ملوك األسرة هاجمه العيالميون و‬
‫قبائل الجبال الشرقية ‪ ،‬أين حوصرت أور و قاومت لـ‪ 10‬سنوات ثم سقطت في‪ 2004‬ق‪.‬م ‪،‬‬
‫‪2‬‬

‫بعدها انقسمت السلطة السياسية بين مملكة "ماري" و "إيسن" و "أشنونا" في حالة من الفوضى‬
‫‪3‬‬
‫عرفت عند الدراسين بـفجر السالالت الثاني ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ العهود ‪ :‬البابلي ـ األشوري و الكلداني ‪:‬‬

‫أ ـ التاريخ البابلي ‪ :‬يرتبط التاريخ البابلي باتخاذ مدينة "بابل "عاصمة سياسية لألحداث‬
‫المختلفة‪ ،‬و اشتق اسمها من كلمة سامية اكادية من مقطعين "باب –إيل" ‪ ،‬كانت من القرى‬
‫الزراعية التي اشارت الى تواجدها المصادر السومرية العائدة ألخبار الملوك األكاديين و أخبار‬
‫ملوك اسرة أور الثالثة ‪ ،‬أطلق اسمها الحقا على بالد أكاد و مناطق وسط و جنوب بالد ما بين‬
‫‪4‬‬
‫النهرين‪ ،‬سكنتها منذ بداية تاريخها القبائل السامية األمورية ‪ ،‬خاصة بعد انسحاب العيالمين ‪.‬‬
‫و يقسم الدارسون األحداث التي مر بها التاريخ البابلي الى عدة أسر(‪ 11‬أسرة ) مرت على‬
‫حكم المدينة أشهرها الساللة البابلية األولى المعروفة بساللة حمورابي ‪ ،‬و الثانية عرفت بساللة‬
‫بالد البحر ‪ ،‬و الثالثة هي األسرة الكاشية و أشهرها هي الحادية عشر الكلدانية كاآلتي ‪:‬‬
‫*ـ ساللة بابل األولى (العهد البابلي القديم ) ‪ 1894( :‬ق‪.‬م ـ ‪ 1531‬ق‪.‬م) ظهرت وقت‬
‫الصراع بين مدينتي "إيسن " و"الرسا" و مرحلة الفوضى التي أعقبت نهاية حكم السومريين‬
‫نتيجة غياب سلطة سياسية مركزية ‪ ،‬تعرف كذلك بأسرة الملك "حمورابي" أسسها "سمو ـ‬
‫أبوم " و الذي تغلب على أمراء المدن الجنوبية في كل من "كيش" و "سيبار" ‪ ،‬و أعلن نفسه‬
‫ملكا عليها ‪ ،‬حكم في هذه األسرة ‪ 11‬ملكا لثالثة قرون منهم ( سموال ـ إلومر ‪ ،‬رايوم ‪ ،‬إيل ـ‬
‫‪5‬‬
‫سين ‪ ،‬سين ـ ميبالط و هو والد حمورابي‪).‬‬
‫عهد الملك حمورابي ‪ 1792(:‬ق‪.‬م ـ ‪ 1750‬ق‪.‬م) م ّد سلطته على "آشور" و جزء من سوريا‪،‬‬
‫و أعلى دينيا عبادة االله القومي للبابليين "مردوخ" ‪ ،‬والحقا أخضع العيالميين و إقليم مملكة‬
‫ماري ‪ ،‬و شعب "السوبارتو" الجبلي و قبائل الجوتيين في حروب لـ ‪ 35‬عاما ‪ ،‬سجلت حولياته‬
‫‪ ‬ـ عبد العزيز صالح ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪. 113‬و أنظر ‪ :‬أنطون مورتكات ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪ .17‬‬
‫‪ ‬ـ أنطون مورتكات ‪ ،‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص‪ .1‬‬
‫‪ 5‬ـ أحمد أمين سليم ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪ .5‬‬
‫‪ 1‬ـ محمود أهمز ‪ ،‬في تاريخ الشرق األدنى القديم ‪ ،‬دار النهضة العربية ‪ ،‬القاهرة ‪ ، 11 ،‬ص‪ .95‬‬
‫‪ 3‬ـ محمد علي سعد هللا ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪ ، 11‬أنظر في ذلك ‪ :‬أحمد فخري ‪ ،‬دراسات في تاريخ الشرق القديم ‪،‬ط‪ ،‬مكتبة األنجلو‬
‫المصرية‪ ،‬القاهرة ‪ ، 915 ،‬ص‪ 51‬‬

‫‪26‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫الكثير من انتصاراته في "ايسن " و "الوركاء" و "الرسا" و أنشأ مملكة واسعة في القسم‬
‫األكبر من بالد الرافدين ‪ ،‬كما اشتهر حضاريا بمشاريعه العمومية اإلروائية و تشريعاته‬
‫القانونية الشهيرة‪(1 .‬عثرت على مسلتها البعثة الفرنسية عام ‪ 1902‬في سوسة عاصمة الدولة العيالمية و تم نقلها الى‬
‫متحف اللوفر )‬
‫خلف حمورابي خمسة ملوك منهم ابنه "سمسو ـ ايلونا" الذي حاول في البداية الحفاظ على‬
‫أقاليم دولة والده و انتهى حكم هذه األسرة عهد الملك "سمسو ـ ديتانا" في ‪ 1531‬ق‪.‬م على يد‬
‫الملك الحثي "مورشيلي األول" ‪ ،‬و بعد نهب المنطقة من طرف الحثيين (من األناضول)‬
‫‪2‬‬
‫تراجعوا و بقيت المنطقة خاضعة للقبائل الكاشية ‪.‬‬
‫*ـ مالحظة ‪ :‬في أواخر عهد الدولة البابلية القديمة هرب أمير بابلي معروف بـ"إيلو ـ مو ـ‬
‫إيلو" الى الجنوب و أسس األسرة البابلية الثانية و التي تعرف بـ"مملكة بالد البحر"(‪1740‬‬
‫ق ‪.‬م ـ ‪ 1500‬ق‪.‬م) ‪ ،‬حكم فيها ‪ 11‬ملكا سقطت على يد الملك الكاشي "أوالم ـ بورياش" في‬
‫عهد أخر ملوكها المدعو "أيا ـ جميل" و تم طرده الى بالد عيالم ‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫*ـ الساللة البابلية الثالثة ‪( :‬العهد الكاشي)( ‪ 1518‬ق‪.‬م ـ ‪ 1157‬ق‪.‬م) ينتمي الكاشيون الى‬
‫الجماعات الهندو ـ أوربية التي نزحت من وسط جبال "زجاروس"‪ ،‬أسسوا دولتهم بعد تراجع‬
‫الحثيين نحو آسيا الصغرى ‪ ،‬حكم منهم ‪ 36‬ملكا في فترة زمنية طويلة ‪ ،‬تلقب بعضهم بـ"ملك‬
‫بابل ملك بالد سومر وأكاد" ‪ ،‬أتسمت بغموض وقائعها عامة ‪ ،‬و بالجمود الحضاري ‪ 4،‬شكلت‬
‫فيها سلطة الكاشيين طبقة من األمراء العسكريين ‪ ،‬واشتهر منهم ملوك مثل ‪" :‬أجوم"‬
‫"بورنابورياش" "كادشمان" "كاشتلياش" و "كوريجالزو" ‪ ،‬اشتهروا بتأثرهم بالمظاهر‬
‫الحضارية للبابليين ‪ ،‬كما بنو عاصمة جديدة هي"دور كوريجالزو" ‪ .‬انتهت دولتهم على يد‬
‫‪5‬‬
‫العيالميين عهد آخر ملوكهم "إنليل نادين أخي" ‪.‬‬
‫بعدها مرّ على حكم بابل بعد تراجع العيالميين أسرة من "إيسن" حكمت لحوالي قرن‬
‫من الزمان عرفت بالساللة البابلية الرابعة بين (‪ 1124‬ق‪.‬م ـ ‪ 1103‬ق‪.‬م) أسسها "مردوخ‬
‫كابت أخيشو" و اشتهر من ملوكها "نبوخذ نصر األول" و الذي قضى على العيالميين ‪ ،‬لكن‬
‫خلفاءه وقعوا تحت هيمنة الدولة األشورية ‪ ،‬ثم تالشت سلطتهم مع تزايد تواجد المشيخات‬
‫‪6‬‬
‫األرامية‪.‬‬

‫‪ ‬ـ سبتينو موسكاتي ‪ ،‬الحضارات السامية القديمة ‪ ،‬تر‪ :‬السيد يعقوب بكر‪ ،‬دار الرقي ‪ ،‬بيروت ‪ ، 991،‬ص‪ . 19‬‬
‫‪ ‬ـ أنطون مورتكات ‪ ،‬تاريخ الشرق األدنى القديم ‪ ،‬ص‪ .15‬‬
‫‪ 5‬ـ ل ديالبورت ‪ ،‬بالد ما بين النهرين‪ .‬الحضارتان البابلية و األشورية ‪ ،‬ص‪ .31‬‬
‫‪ 1‬ـ أنطون مورتكات ‪ ،‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ص‪9-91‬ـ بتصرف ـ ‪ .‬‬
‫‪ 3‬ـ ل ديالبورت ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪ .31‬وأنظر‪ :‬توفيق سليمان ‪ ،‬المرجع السابق ‪،‬ص‪ .3‬‬
‫‪ 1‬ـ أحمد أمين سليم ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪ .3‬‬

‫‪27‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫ب ـ التاريخ األشوري ‪ :‬يرتبط تاريخ األشوريين بمدينة "آشور" الواقعة في المرتفعات‬


‫الشمالية من بالد ما بين النهرين ‪ ،‬و الغالب أن األشوريين من القبائل السامية التي استوطنت‬
‫قبائلها المناطق بين نهري الزاب األصغر و األكبر منذ األلف الثالث قبل الميالد ‪ 1،‬و قد‬
‫اشتهرت المدينة و ازدهرت بسبب أهميتها التجارية ‪ ،‬اتخذت كعاصمة للدولة األشورية في‬
‫أغلب مراحلها ‪ ،‬يضاف إليها مدن مثل "كالخ" (نمرود) و "نينوى" و "أربيال" و "حرّ ان" ‪،2‬‬
‫هذا و يقسم الدارسون التاريخ األشوري حسب أحداثه المعلمية الى ‪:‬‬

‫*ـ مرحلة التكوين ‪(:‬العهد االشوري القديم) (‪ 2100‬ق‪.‬م ـ ‪ 1530‬ق‪.‬م) و يشمل الفترة من‬
‫ظهور مدينة أشور حتى زوال الساللة البابلية األولى على يد الجوتيين‪،‬و تمتاز الفترة المبكرة‬
‫من تاريخهم بالغموض ‪،‬بحيث دخلوا في النفوذ السومري ـ عهد ساللة أور الثالثة ـ ثم تحت‬
‫السيطرة البابلية ‪ ،‬وظهر من األشوريين عدة ملوك مثل ‪":‬شمشي أدد األول" (‪1814‬ق ‪.‬م –‬
‫‪ 1782‬ق‪.‬م‪ ، ).‬الذي بلغت المملكة في زمنه من القوة ما م ّكنها من فرض سلطانها على القسم‬
‫الشمالي من بالد بابل‪ .‬غير أنه عاصر الملك البابلي حمورابي و انتكست طموحاته ‪ ،‬انتهى‬
‫‪3‬‬
‫هذا العهد على يد "مملكة ميتاني" حوالي ‪ 1530‬ق‪.‬م ‪.‬‬
‫*ـ العهد األشوري الوسيط ‪ 1500( :‬ق ‪.‬م‪ 911-‬ق‪.‬م)‪ :‬يشمل فترة ستة قرون بقت "آشور"‬
‫تحت النفوذ الميتاني زهاء القرن ونصف القرن‪ ،‬وحكمها ملوك ضعفاء في ظل وجود مملكتين‬
‫قويتين ومتصارعتين هما فراعنة مصر والحيثيين‪ ،‬إلى أن جاء الملك اآلشوري القوي "آشور‬
‫أوبلط األول"(‪1330-1365‬ق‪.‬م) الذي استغل هذا الصراع وتمكن من طرد الميتانيين من بالد‬
‫آشور‪ ،‬ثم هاجم دولة "ميتاني" وقضى عليها‪ ،‬وأقام عالقات مزدوجة مع الدولتين المتصارعتين‬
‫مصر الفرعونية والحيثيين‪ ،‬ثم قام بمصاهرة سياسية مع بابل‪ ،‬وبذلك يكون قد وضع أسس‬
‫‪4‬‬
‫الدولة اآلشورية القوية‪.‬‬
‫إال أن آشور ظلت مهددة من الخارج بسبب موقعها بين قوى قوية في حالة صراع مستمر‬
‫من أجل التوسع‪ ،‬األمر الذي جعل من آشور دولة عسكرية في حالة حرب مستمرة‪ ،‬وأكسبتهم‬
‫هذه الحروب الخبرات العسكرية واليقظة في وجه األخطار المحدقة بهم‪ ،‬واستمر خلفاء "آشور‬
‫أوبلط األول" في تعزيز أسس الدولة اآلشورية‪ ،‬وأشهر الملوك الذي خلفوه هو الملك‬
‫"شيلمنصر األول"(‪1245-1274‬ق‪.‬م)‪ ،‬الذي اشتهر بفتوحاته الخارجية‪ ،‬و وسع من بالد‬
‫آشور‪ ،‬وقاد الحالت العسكرية في الجهات الشمالية والشمالية الشرقية‪ ،‬وأسس عاصمة جديدة‬
‫آلشور تكون عاصمة عسكرية بالدرجة األولى سماها "كالخو"‪ ،‬جاء بعده ابنه " توكلتي ننورتا‬
‫األول"(‪1208-1244‬ق‪.‬م) وكان ملكا قويا أيضا تمكن من إخضاع بابل لسيطرة آشور لمدة ‪7‬‬
‫‪5‬‬
‫سنوات‪.‬‬

‫‪ ‬ـ محمود أهمز ‪ ،‬في تاريخ الشرق األدنى القديم ‪،‬ص‪ .13‬‬
‫‪ ‬ـ ويل و إيرل ديورانت ‪ ،‬قصة الحضارة ‪ ،‬مج‪ ، ‬ج‪ ، ‬الشرق األدنى‪ ،‬مطابع الدجوي ‪ ،‬القاهرة ‪،97 ،‬ص ص‪ .1‬‬
‫‪ 5‬ـ محمود أهمز ‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪ .11‬‬
‫‪ 1‬ـ أنطون مورتكات ‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪ .31‬‬
‫‪ 3‬ـ عبد العزيز صالح ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪ .731‬‬

‫‪28‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫ثم خلفه ملوك ضعفاء انكمشت الدولة اآلشورية خالل فترة حكمهم التي دامت نحو قرن‬
‫واحد إلى أن جاء ملك قوي آخر هو الملك "تجالت بالصر األول"(‪1077-1115‬ق‪.‬م)‪ ،‬الذي‬
‫تمكن من إيقاف توسع اآلراميين في الغرب على حساب آشور‪ ،‬ثم انتقل من موقف الدفاع إلى‬
‫الهجوم‪ ،‬حيث تمكن من التوسع في بالد سوريا ووصل إلى الساحل الفينيقي‪ ،‬وأخذ اإلتاوة من‬
‫المدن الفينيقية‪ ،‬كما وجهة حملة عسكرية إلى بابل وأوقف توسعاتها في الشمال‪ ،‬وبعد وفاته‬
‫‪1‬‬
‫مرت بالد آشور بمرحلة ضعف أخرى امتدت نحو ‪ 166‬عام‪.‬‬
‫*ـ العهد األشوري الحديث ‪ 911( :‬ق‪.‬م ـ ‪ 612‬ق‪.‬م) يعرف كذلك بالعهد اإلمبراطوري ‪ ،‬يقسم‬
‫الى دورين هما العهد األشوري الحديث األول(‪ 911‬ق‪.‬م ـ ‪ 745‬ق ‪.‬م) ثم العهد األشوري‬
‫الحديث الثاني (‪ 745‬ق‪.‬م ـ ‪ 612‬ق‪.‬م)‪ ،‬و غلب على هذا العهد الحكم المطلق و الطابع العسكري‬
‫للدولة ‪ ،‬و هذا عبرت عنه أعمال األشوريين الحربية في الحوليات الملكية و فنونهم النحتية و‬
‫أنماطهم العمرانية و مدنهم المحصنة ‪ ،‬ويعد هذا العصر قمة ازدهار الدولة اآلشورية‪.‬‬
‫‪- 1‬العهد األشوري الحديث األول ‪ :‬و يبدأ هذا العهد حين تمكن الملك "أدد نيراري الثاني"‬
‫في سنة ‪ 911‬ق‪.‬م من تكوين جيش قوي م ّكنه من تعزيز قوة الدولة اآلشورية والنهوض بها‬
‫من جديد لتكون العبا أساسيا في ميزان القوى في المنطقة‪ ،‬بحيث أصبحت إمبراطورية حقيقية‬
‫بلغت أوج عظمتها وقوتها العسكرية ‪ 2،‬إذ سيطرت اإلمبراطورية اآلشورية على الحياة‬
‫السياسية في الشرق األدنى نحو ثالث قرون متتالية‪ ،‬مستغلة ضعف القوى الرئيسة في المنطقة‪،‬‬
‫كزوال دولة الحيثيين في القرن ‪12‬ق‪.‬م‪ ،‬تحت ضغط القبائل الهندوـ أوربية التي هاجرت إلى‬
‫بالد اليونان وآسيا الصغرى‪ ،‬في حين كانت مصر القديمة كانت هي األخرى من الضعف‬
‫‪3‬‬
‫ولم تستطع منافسة القوة المتنامية لآلشوريين‪.‬‬
‫وخلف هذا الملك ملوك عظماء تمكنوا من مد النفوذ اآلشوري منهم "أشور ناصربال‬
‫الثاني" (‪ 858‬ق‪.‬م ـ ‪ 824‬ق‪.‬م) و "شلمنصر الثالث" (صاحب المسلة السوداء) "وشمش أدد‬
‫الخامس" ‪،‬حيث وسع هؤالء حدود الدولة إلى سوريا ‪،‬و قضوا على الدويالت اآلرامية التي‬
‫نشأت فيها كما ضموا آسيا الصغرى‪ ،‬وأخضعوا بالد بابل لسيطرتها المباشرة أو غير‬
‫المباشرة‪ ،‬ومع نهاية القرن التاسع قبل الميالد تمكن الملوك اآلشوريون من السيطرة على أغلب‬
‫الشرق األدنى‪ ،‬ساعدهم في ذلك انتشار استعمال معدن الحديد في الشرق األدنى القديم فدخل‬
‫الحديد في صناعاتهم الحربية‪ ،‬كما صنعوا آالت الحصار الضخمة كالدبابة والعربات‪ ،‬األمر‬
‫الذي جعل من جيش اآلشوريين أضخم جهاز حربي عرفه العالم القديم‪.4‬‬

‫‪ ‬ـ محمود فارس عثمان الوردي ‪" ،‬الملك تجاللت بالسر األول (‪3‬ق‪.‬م ـ‪ 177‬ق‪.‬م ) ‪.‬دراسة في شخصيته و عصره "‪ ،‬مجلة آداب‬
‫الفراهيدي‪ ،‬جامعة تكريت ‪ ،‬العدد‪ ، 15 ، 3‬ص‪ .‬و أنظر ‪ :‬أحمد أمين سليم ‪ ،‬المرجع السابق ‪،‬ص‪ .59‬‬
‫‪ ‬ـ محمد بيومي مهران ‪ ،‬مصر و الشرق األدنى القديم ‪ ،‬ج‪ ، 1‬تاريخ العراق القديم ‪ ،‬دار المعرفة الجامعية ‪ ،‬اإلسكندرية ‪ ، 991 ،‬ص‪ .51‬‬
‫‪ 5‬ـ أنطون مورتكات ‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ .9‬‬
‫‪ 1‬ـ عبد العزيز صالح ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪ .773‬‬

‫‪29‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫و كغيرها من دول العالم القديم ضعفت الدولة عهد الملوك الثالثة األخيرين بين (‪782‬‬
‫ق‪.‬م ـ ‪ 745‬ق‪.‬م) و وقعت ثورة داخلية قادتها مدينة "نمرود" ضد آخر الملوك "أشور نيراري‬
‫‪1‬‬
‫الخامس" نصب على إثرها "تجالت بالصر الثالث"(‪727-744‬ق‪.‬م) حاكما للدولة‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ العهد األشوري الحديث الثاني‪ :‬قام "تجاللت بالصر الثالث" بإصالحات كبيرة في الجيش‬
‫عن طريقة استخدام نظام أشبه بنظام التجنيد اإلجباري‪ ،‬وأدخل أهل األقاليم التابعة له في الجيش‬
‫اآلشوري مما زاد في عدد الفرق العسكرية اآلشورية‪ ،‬وقاد هذا الملك الحمالت العسكرية‬
‫المتعاقبة ‪ ،‬تمكن من خاللها إخضاع بالد عيالم وسوريا وميديا‪ ،‬وأزال نصف مملكة إسرائيل‪،‬‬
‫وعين عليها ملكا تابعا له‪ ،‬وتوج نفسه ملكا على بابل في ‪729‬ق‪.‬م‪ ،‬وتوفي هذا الملك في عام‬
‫‪2‬‬
‫‪727‬ق‪.‬م‪.‬‬
‫خلفه الملك "شلمنصر الخامس"(‪722-726‬ق‪.‬م) وحكم هذا الملك فترة قصيرة امتدت لثالث‬
‫سنوات (اشتهر في كتابات التوراة ) ‪ 3،‬جاء بعده الملك اآلشوري "سرجون الثاني"(‪-721‬‬
‫‪705‬ق‪.‬م) مؤسسا للعائلة السرجونية ‪ ،‬و اشتهر "سرجون الثاني" بالحرب ضد مملكة‬
‫"أورارتو" وإزالته دولة إسرائيل في سنة ‪722‬ق‪.‬م‪ ،‬وأسس مدينة جديدة عرفت باسم "دور‬
‫‪4‬‬
‫شروكين"‪.‬‬
‫جاء بعده ابنه "سنحاريب"(‪705‬ق ‪.‬م ‪ 681-‬ق‪.‬م) الذي اتخذ من "نينوى " عاصمة‬
‫للدولة وعرف عهده بالرخاء االقتصادية ‪ ،‬تمكن خالل فترة حكمه من الحفاظ على المملكة‬
‫التي ورثها عن أبيه وأخضع كل بالد سوريا لسلطانه‪ ،‬و قضى على تحالف دول المدن األرامية‬
‫و تحالف مصر مع العبرانيين و المدن الفينيقية ‪ ،‬وخلفه الملك "أسرحدون"(‪ 681‬ق م ‪669-‬‬
‫ق‪.‬م) الذي بدأ عهده بالقضاء على ثورة إخوته عام ‪ 680‬ق‪.‬م ‪ ،‬وسّع اإلمبراطورية اآلشورية‬
‫حتى األناضول وعيالم وضمها إلى اإلمبراطورية اآلشورية‪ ،‬كما واجه تحالف مصر ومدينة‬
‫"صور" الفينيقية عهد الفرعون "تهراقا" في سوريا ‪ ،‬و زحف على مصر و احتلها عامي‬
‫‪5‬‬
‫‪673‬ق ‪ .‬م ثم عام ‪ 671‬ق‪.‬م ‪.‬‬
‫خلفه في حكم الدولة األشورية "آشور بانيبال"(‪627-668‬ق‪.‬م) و الذي خاض كذلك حروبا‬
‫في مصر عام‪ 667‬ق‪.‬م و سيطر عليها حتى ‪ 655‬ق‪.‬م ‪ ،‬بعدها عمل على القضاء على ثورة‬
‫أخيه "شمش ـ شم ـ أوكن " في بابل لمدة أربع سنوات و نجح في ذلك عام ‪ 648‬ق‪.‬م ‪ ،‬كما‬
‫قضى على تمرد العيالميين حوالي‪ 640‬ق‪.‬م ‪(،6‬و يشتهر "أشور بانيبال " عند المتخصصين‬

‫‪ ‬ـ محمد بيومي مهران ‪ ،‬مصر و الشرق األدنى القديم ‪ ،‬ج‪ ، 1‬تاريخ العراق القديم ‪ ،‬ص‪ ، .591‬وأنظر ‪:‬أنطون مورتكات ‪ ،‬المرجع السابق‪،‬‬
‫ص ‪ .97‬‬
‫‪ ‬ـ أحمد أمين سليم ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪ .51‬‬
‫‪ 5‬ـ إبراهيم رزقانة و آخرون ‪ ،‬حضارة مصر و الشرق القديم ‪ ،‬دار مصر للطباعة ‪ ،‬القاهرة ‪،‬د‪:‬ط ‪ ،‬د‪:‬ت ‪ ،‬ص‪ .57‬‬
‫‪ 1‬ـ جورج كونتيكو ‪ ،‬الحياة اليومية في بابل و آشور ‪ ،‬تر ‪ :‬سليم تكريتي وبرهان عبد التكريني ‪ ،‬مطبعة الحرية ‪،‬بغداد ‪ ، 991 ،‬ص‪ .15‬‬
‫‪ 3‬ـ أنطون مورتكات ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ص ‪ 517-511‬ـ بتصرف ـ ‪‬‬
‫‪ 1‬ـ محمود أهمز ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ص ‪ 95-9‬ـ بتصرف ـ ‪‬‬

‫‪31‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫بكونه ملكا متعلما و اشتهر باهتمامه بتركة العراق القديم الحضارية لذلك أمر بإعادة تدوينها و‬
‫من حسن الحظ تم الكشف عنها في مكتبته الشهيرة و التي ضمت آلف األلواح الطينية التي‬
‫تفصل في حياة و حضارة شعوب المنطقة) ‪.‬‬
‫و خلفه في الحكم ولده "أشور ـ إيتل ـإيالني" (‪ 626‬ق‪.‬م ‪ 621‬ق‪.‬م) ثم "زن ـ شار ـ‬
‫أشكون" حيث انفصلت بابل في ‪ 625‬ق‪.‬م على يد "نبوبالصر" الكلداني ‪،‬ثم سقطت الدولة‬
‫بسقوط "نينوى" في عام ‪ 612‬ق‪.‬م تحت ضغط الميديين والكلدان ‪،‬بينما تراجعت المقاومة‬
‫األشورية بقيادة األمير األشوري" آشور أوبلط الثاني" الى مدينة "حرّ ان" و انهزمت نهائيا‬
‫‪1‬‬
‫عام ‪ 609‬ق‪.‬م ‪.‬‬
‫جـ ـ الدولة الكلدانية ‪(:‬العهد البابلي الحديث )(‪ 626‬ق‪.‬م ـ ‪ 539‬ق‪.‬م) وجد الكلدانيون في‬
‫جن وب العراق القديم (بالد البحر) منذ النصف الثاني من األلف الثاني قبل الميالد (حوالي‬
‫القرن ‪ 14‬ق‪.‬م) ‪ ،‬و هم عدة جماعات كبيرة هاجرت مع القبائل األرامية استوطنت السهول‬
‫البابلية الجنوبية ‪ ،‬و ظهر تأثيرها الفعلي في مسرح األحداث منذ القرن العاشر قبل الميالد ‪،‬‬
‫هذا و ا لكلدانيون قريبون من البابليين من حيث األصل و اللغة لذا كانوا سريعي االنصهار‬
‫‪2‬‬
‫معهم ‪.‬‬
‫و يبدأ تاريخهم الرسمي مع الملك "نبوبالصر" عام ‪ 626‬ق‪.‬م حيث نفسه ملكا على بالد‬
‫بابل وسيطر على اجزاء كبيرة من بالد بابل منها مدينة بابل نفسها ‪ ،‬وفي عهد "زن‪ -‬شار‪-‬‬
‫اشكون" آخر ملوك الساللة االشورية قام الزعيم الكلداني بالتحالف مع االقوام الميدية في عهد‬
‫ملكها "كي‪ -‬اخسار" واتفقا على الهجوم على بالد اشور‪ ،‬أما الملك االشوري فقد طلب المساعدة‬
‫من حليفه ملك مصر وكانت مصالح مصر تشجع على تقديم المساعدة الى بالد اشور كي ال‬
‫‪3‬‬
‫تقع المنطقة التجارية المهمة في بالد سوريا تحت أيدي اقوام جديدة ال تربطها بها أية عالقة ‪.‬‬
‫وقد بدأ ت التحركات الكلدانية والميدية ضد الدولة االشورية بطرد الحاميات العسكرية‬
‫األشورية من بالد بابل اوال ومن ثم الهجوم على مدينة أشور نفسها وذلك عام ‪ 615‬ق‪ -‬م من‬
‫قبل الجيوش الكلدانية ولم يكن الهجوم االول ناجحا مما اضطر الجيش الكلداني الى االنسحاب‬
‫ثم معاودة الهجوم ثانية بعد االتفاق مع الميدين على الهجوم على بالد اشور في الوقت نفسه‬
‫وهكذا امكن فتح مدينة ارابخا ( كركوك حاليا ) و"تربيص" في ضواحي "نينوى" و"أشور"‬
‫عام ‪ 614‬ق‪ -‬م ( اختتم هذا الهجوم الناجح بمصاهرة سياسية بين ابن الزعيم الكلداني وابنة‬
‫‪4‬‬
‫الملك الميدي )‪.‬وفي عام ‪ 612‬ق‪ -‬م تم الهجوم الرئيس على العاصمة "نينوى" وتم االحتالل‪.‬‬

‫‪ ‬ـ ل ديالبورت ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪ .11‬وأنظر ‪ :‬محمد بيومي مهران ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪ .15‬‬
‫‪ ‬ـ سامي سعيد األحمد ‪ " ،‬الدولة الكلدانية زمن نابو بالصر و نبوخذ نصر"‪ ،‬مجلة المؤرخ العربي ‪ ،‬منشورات اتحاد المؤرخين العرب ‪ ،‬بغداد ‪،‬‬
‫العدد ‪ ، 9‬السنة ‪ ، 991 ، ‬ص‪ . 33‬وأنظر ‪ :‬عبد العزيز صالح ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪ .9‬‬
‫‪ 5‬ـ أنطون مورتكات ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪ .531‬‬
‫‪ 1‬ـ عامر سليمان‪ ،‬العالقات السياسية الخارجية ‪ ،‬حضارة العراق ‪،‬ج ‪، ‬ص ‪ .31‬‬

‫‪31‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫*ـ نبوخذ نصر الثاني‪ 605( :‬ق‪.‬م ـ ‪ 562‬ق‪.‬م) (أشار له العهد القديم باسم "نابوخذنصر" و‬
‫العرب بـ" بختنصر" يعتبر مؤسسا لإلمبراطورية الكلدانية و اشتهر بهزمه لمصر و مختلف‬
‫القوى المتحالفة معها في الشرق األدنى معها (المدن األرامية ـ المدن الفينيقية ـ مملكة يهوذا‬
‫و مصر) في معركة "كركميش" عام ‪ 605‬ق‪.‬م ‪ ،‬كما اشتهر بتدمير بيت المقدس عام ‪586‬‬
‫‪1‬‬
‫ق‪.‬م و بسبي اليهود و تهجيرهم الى بابل ‪.‬‬
‫خلف هذا الملك القوي عدة ملوك ضعفاء كان أولهم "إميل ـ مردوخ "(‪ 562‬ق‪.‬م ـ ‪560‬‬
‫ق‪.‬م) ‪ ،‬و الذي تدخل الكهنة في حكمه و نصبوا صهر "نبوخذ نصر الثاني "ملكا و هو المدعو‬
‫"نرجال ـ شار ـ أوصر" (‪ 559‬ق‪.‬م ـ ‪ 556‬ق‪.‬م) تاله ابنه "الباشي ـ مردوخ " و الذي اغتيل‬
‫بعد ‪ 6‬أشهر ‪ ،‬لتصير السلطة الى "نابوـ نائيد"(‪ 556‬ق‪ .‬م ـ ‪ 539‬ق‪.‬م) ‪ ،‬و هو أخر ملوك‬
‫الكلدان‪ ،‬تميز عهده باالضطرابات السياسية و توالي األزمات االقتصادية و الحقا ببداية‬
‫‪2‬‬
‫التوسعات الفارسية اإلخمينية في المنطقة عهد الملك قورش الذي انهى دولتهم في ‪ 539‬ق ‪.‬م‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬جوانب من الحضارة العراقية القديمة ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ التنظيم السياسي ‪ :‬من الصعوبة تحديد شكل التنظيم السياسي في المنطقة بسبب طول الفترة‬
‫الزمنية و تعاقب الدول و األسر على الحكم و‪ ،‬و بروز التباين في طريقة الحكم ‪ ،‬غير أني‬
‫سأحاول توضيح أهم المسائل المتعلقة بالنظام السياسي المتبع كاآلتي ‪:‬‬
‫*ـ ظهرت الحاجة الى النظام السياسي في المنطقة بسبب الطبيعة القاسية الناتجة من‬
‫اختراق األنهار المحملة بالمواد الغرينية للمنطقة وتكوين شبكة من السهول الفيضية التي‬
‫ساعدت في تكوين األنهار والمستنقعات ‪ ،‬وارتفاع درجات الحرارة والفيضانات المفاجئة‬
‫والمدمرة التي أجبرت السكان على العمل الجماعي للتخلص من تلك الفيضانات عن طريق‬
‫تنظيف األنهار والقنوات اإلروائية ‪ ،‬فضال عن وجود فترات من الجفاف ‪ ،‬وهذا بدوره أجبر‬
‫السكان على بناء السدود ورفع مستوى المياه في االنهار الى الحد المطلوب لتحقيق اإلرواء‬
‫السيحي ‪ ،‬اضافة الى ذلك وجود بعض الجماعات من غير المزارعين والذين كانوا يغيرون‬
‫على الحقول الزراعية ونهبها وحرقها ‪.‬‬
‫هذه األمور أجبرت سكان المنطقة على العيش ضمن الجماعة للتغلب على تلك‬
‫الصعوبات‪ ،‬لذا وضعوا كل ثقتهم برجل الدين باعتباره الواسطة بينهم وبين اآللهة فهو حسب‬
‫االعتقاد قادر على معرفة ما تراه اآللهة لإلنسان من خير او شر لذلك اختاروا الكاهن (نظام‬
‫‪3‬‬
‫ثيوقراطي ديني ‪ )Theocratic system‬و كان الكاهن قد جمع بين سلطتين الدينية والدنيوية‪.‬‬

‫‪ ‬ـ محمد بيومي مهران ‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 111‬و كذلك ‪ :‬عبدالعزيز صالح‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪ ،15‬وأنظر ‪:‬هنري س عبودي ‪،‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص‪ .1‬‬
‫‪ ‬أنطون مورتكات ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪ .51‬و أنظر ‪ :‬ل ديالبورت ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪ ، 11‬و أنظر ‪ :‬طه باقر ‪ ،‬مقدمة في تاريخ الحضارات‬
‫القديمة ‪،‬ج‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪ .‬و أنظر ‪ :‬عامر سليمان‪ ،‬العالقات السياسية الخارجية ‪ ،‬حضارة العراق‪ ،‬ج ‪ ،‬ص‪ .3‬‬
‫‪ 5‬ـ طه باقر ‪ ،‬مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة ‪،‬ج‪ ، 1‬ص‪ .577‬‬

‫‪32‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫و منذ فجر السالالت كانت منطقة السهل الرسوبي مقسمة الى مجموعة من دول المدن ‪،‬‬
‫وكانت كل دولة مدينة تسيطر على إقليم جغرافية يشمل مدينة ما رئيسية و ما يجاورها من‬
‫المدن و القرى و األراضي ‪ ،‬و تلقب الحاكم حينها بـ"أنسي"‪ ENSI‬أي وكيل اإلله الرئيس‬
‫للمدينة ‪ ،‬ودلت أسطورة الخليقة السومرية أن السلطة السياسية مستمدة من اآللهة و نزلت من‬
‫السماء ‪ ،1‬هذا و يرجح ّ‬
‫أن للمعابد التي نشأت بالمنطقة عالقة بنشوء السلطة و الحكام األوائل‬
‫بمنطقة السهل الرسوبي و يشمل ذلك حتى مرحلة عهد اإلحياء السومري ‪ ،‬وعند نهاية عصر‬
‫دويالت المدن السومرية تحول نظام الحكم الى شكله النهائي المتمثل بظهور الملك ‪LU.GAL‬‬
‫‪2‬‬
‫الذي استمر حتى العصور المتأخرة‪.‬‬
‫والثابت من خالل المصادر المسمارية كأسطورة الخليقة السومرية و ملحمة جلجامش‬
‫أن ُّبالد الرافدين قد عرفت نظام المجالس التشريعية أو االستشارية و صاغ لذلك الباحث‬
‫"ثوركيلد جاكوبسون" نظرية غاية في األهمية مفادها ان نظام الحكم في العراق القديم كان‬
‫نظاما ديمقراطيا بدائيا تحول بمرور الزمن الى نظام ملكي مستبد ‪ ،‬وقد سميت نظريته في‬
‫االوساط العلمية بـ الديمقراطية البدائية‪ ، Primitive democracy 3‬و أنه منذ األلف الثالث قبل‬
‫الميالد ـ كانت القرارات تتخذ من خالل مجلس عام يضم جميع المواطنين يقسم بداخله إلى‬
‫مجلس الشيوخ (المسنين) ومجلس عام يضم غالبية المواطنين القادرين على حمل السالح ‪ ،‬و‬
‫تقوم هذه المجالس في فترة األزمات باختيار الملك من غير رجال الدين أي من الزعامات‬
‫‪4‬‬
‫القادرة على ممارسة الحرب ‪.‬‬
‫*ـ نظر سكان يالد الرافدين في كل الحقب التاريخية الى السلطة السياسية و الملك بشيء‬
‫من القداسة و التبجيل ‪ ،‬و نظروا الى أن العالم في غياب الملكية تعمه الفوضى و تختل معيشتهم‪،‬‬
‫لذلك كان الملك حسبهم قد استمد سلطته من األلهة ‪،‬لذلك صاغ الكتبة و رجال الدين أساطير و‬
‫مفاهيم ـ بأمر من الملوك ـ في نظرية الحق اإللهي للحاكم ثم بالدماء الملكية المقدسة ‪ ،‬و كانت‬
‫وظائف الملك تشمل حماية البالد و الناس ‪ +‬قيادة الجيش وقت الحرب ‪ +‬تحقيق العدالة ‪+‬‬
‫القيام بالمشاريع اإلروائية ‪ +‬إقامة المعابد‪ ..‬ودلت الحوليات البابلية و األشورية على تلقب‬
‫بعضهم بـ"حامي العدالة" كسرجون الثاني األشوري ‪ ،‬ودلت المشاهد المنحوتة البابلية الكلدانية‬
‫‪5‬‬ ‫ّ‬
‫أن الملك "نبوبالصر" و ابنه "نبوخذ النصر" شاركا في بناء المعابد ‪.‬‬
‫*ـ زاد تركز السلطات بيد الملك مع توالي األزمنة و بخاصة في عهد اإلمبراطوريات البابلية‬
‫و األشورية ‪ ،‬غير أنّه ثبت منح بعض السلطات الدينية و المالية و االقتصادية لكهنة المعابد‬

‫‪ ‬ـ فاتن موفق فاضل شاكر ‪ " ،‬الملوك المؤلهون في العراق القديم " ‪ ،‬مجلة التربية و العلم ‪ ،‬مج‪ ،1‬العدد ‪ ،15 11 ،‬ص‪ 1‬‬
‫‪ ‬ـ سعد عبود سمار ‪ " ،‬مجالس المدن في العراق القديم ( ‪ 5111‬ـ ‪ 111‬ق‪.‬م) التأسيس و المهام "‪ ،‬مجلة كلية التربية ‪ ،‬جامعة واسط ‪ ،‬العدد‪،1‬‬
‫‪ ، 15‬ص‪.3‬و أنظر ‪ :‬سامي سعيد األحمد ‪" ،‬اإلدارة و نظام الحكم " ‪ ،‬حضارة العراق ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص ‪ .‬‬
‫‪ 5‬ـ سعد عبود سمار ‪ " ،‬مجالس المدن في العراق القديم ( ‪ 5111‬ـ ‪ 111‬ق‪.‬م) التأسيس و المهام‪ ، ".‬ص ‪ .31‬‬
‫‪ 1‬ـ فاتن موفق فاضل شاكر ‪ " ،‬الملوك المؤلهون في العراق القديم " ‪،‬ص‪ .9‬‬
‫‪ 3‬ـ عبد الرضا الطعان ‪ ،‬الفكر السياسي في العراق القديم ‪ ،‬دار الرشيد للنشر ‪ ،‬بغداد ‪،‬د‪:‬ط ‪ ،99 ،‬ص‪.591‬ـ بتصرف ـ ‪‬‬

‫‪33‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫الخاصة باآللهة الرئيسة أو لبعض حكام األقاليم ‪ ،‬حتى و ان كانت سلطة الملوك قوية و نشهد‬
‫ذلك خالل حكم الملك األشوري "سرجون الثاني" إال ّ‬
‫أن ذلك لم يشكل منافسة لسلطة الملك من‬
‫‪1‬‬
‫حيث األحقية بالضرائب و حق التعيين و تمثيله لإلله القومي للدولة ‪.‬‬
‫*ـ و بخصوص لقب الحكام قد دل تدرجه على االنتقال من نظام دول المدن الى نظام‬
‫الدولة القطر (التي تضمن دولة أكثر اتساعا ) ثم الى الدولة اإلمبراطورية ‪ ،‬و نشهد ذلك عبر‬
‫انتقال لقب الحاكم من "حاكم المدينة" مثل "ملك أور" الى "ملك البالد" (لوجال كالما) ثم لقب‬
‫"ملك سومر و أكاد" ‪ ،‬أضيف له الحقا لقب "ملك الجهات األربع " (لقب يتعلق باأللهة الرئيسة)‬
‫و انفرد األ شوريون خالل عهدهم االمبراطوري بلقب "ملك الكون"(شار ـ كشسي)‪ .‬و كمثال‬
‫تلقب الملك البابلي "حمورابي" بـ" الملك القوي ‪.‬ملك بابل ‪ .‬ملك كل بالد أمورو ‪.‬ملك سومر و أكاد‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫ملك الجهات األربع"‪.‬‬
‫*ـ و بخصوص والية العهد ‪ mar-sarri‬لم يداوم عليها ملوك المنطقة إذ لم تثبت النصوص‬
‫المسمارية المختلفة عمل أحد الملوك لتولية ولده الملك في العهود السابقة للدولة األشورية‬
‫الحديثة ‪ ،‬و نصادف ذلك عند محاولة الملوك األشوريون فرض الهدوء عقب وفاتهم عبر تولية‬
‫ابناءهم والية العهد و هذا األمر وقع عهد "شمشي أدد الخامس" و مع تولية "سنحاريب" البنه‬
‫األصغر "أسرحدون" في حياته و أخذ قسم الوالء من إخوته و كبار رجال الدولة في مراسيم‬
‫و احتفال معد لذلك الغرض ‪ ،‬ومما ينبغي ذكره أن األمراء كان يتم اعدادهم عسكريا و إداريا‬
‫من إجل التسيير األمثل لشؤون الدولة ‪ ،‬و أحيانا كان ولي العهد يتولى جزءا من السلطة في‬
‫المهام الدينية ـ اإلدارية و العسكرية الى جانب والده الملك و مثاله عالقة أسرحدون بوالده‬
‫سنحاريب أو عالقة "نبوخذ نصر الثاني" بوالده "نبوبالصر" إذ وقف الى جانبه في أغلب‬
‫‪3‬‬
‫أعماله ‪.‬‬
‫*ـ الموظفون ‪ :‬أثبتت الوثائق المسمارية وجود مناصب في الدولة من غير الملك طيلة مراحل‬
‫تاريخ المنطقة منها (باختصار) "الليمو" و هو موظف كبير بالدولة اكتسب أحيانا سلطة تشريع‬
‫القرارات و زادت مكانته في العهدين البابلي و األشوري ‪" ،‬الترتانو" و كان بمثابة رئيس‬
‫للوزراء سياسيا و قائدا للقوات األشورية ـ بعد الملك ـ ‪ ،‬كما يوجد جملة من موظفي البالط‬
‫‪4‬‬
‫منهم رئيس القصر "شلوخي ـ إكللي" و كاتب القصر "الطوبالشار ـ إكللي" ‪..‬‬

‫‪ ‬ـ خالد موسى ع بد ‪ " ،‬الطغيان في العراق القديم بين الديمقراطية البدائية و نظرية التفويض اآللهة " ‪ ،‬مركز دراسات األلوفة ‪ ،‬العدد ‪11 ، ‬‬
‫‪ ،‬ص‪ .7‬ـ بتصرف ـ ‪‬‬
‫‪ ‬ـ سامي سعيد األحمد ‪" ، ،‬اإلدارة و نظام الحكم " ‪ ،‬حضارة العراق ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص‪.7‬و أنظر ‪ :‬أحمد أمين سليم ‪ ،‬دراسات في تاريخ الشرق‬
‫األدنى القديم ‪ ،‬مصر و العراق و ايران ‪ ،‬ص‪ .59‬‬
‫‪ 5‬ـ أحمد حبيب سيد الفتالوي " مشكلة والية العهد في عهدي الملكين سنحاريب و أسرحدون "(‪ 119-711‬ق‪.‬م) "‪ ،‬مجلة مركز بابل للدراسات‬
‫اإلنسانية ‪ ،‬مج‪ ، 13‬العدد ‪ ،1‬ص‪ .55‬ـ بتصرف ـ ‪‬‬
‫‪ 1‬ـ عبد العزيز صالح ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪.711‬و أنظر ‪ :‬سامي سعيد األحمد ‪ ، ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪ .51‬‬

‫‪34‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫*ـ حكام األقاليم‪ :‬يقوم الملك بتعيينهم ‪ ،‬وكانت حدود األقاليم و تقسيماتها تختلف من عصر الى‬
‫عصر ‪ ،‬بدأ ظهورها منذ العهد األكادي ‪ ،‬و تتناقص مكانة حكام األقاليم مع تزايد قوة السلطة‬
‫المركزية و بخاصة خالل العهدين البابلي و األشوري ثم الكلداني‪ ،‬و يحدث العكس إذا أحس‬
‫حاكم اإلقليم بضعف اإلدارة المركزية ‪ ،‬و األصل أن منصب حاكم اإلقليم ليس متوارثا ‪ ،‬لكن‬
‫أن سياسية‬ ‫استطاعت بعض العائالت أن تتوارث تلك المناصب و تتركها في عائالتها ‪ ،‬كما ّ‬
‫اإلمبراطورية كانت تستلزم عائالت قوية لحكم هذه األقاليم ‪ ،‬و خوفا من تمرد األقاليم استحدث‬
‫األشوريون منصب المراقب (الخزانو)‪ ،‬و هو موظف آشوري يراقب عمل حاكم اإلقليم البعيد‬
‫‪1‬‬
‫أو القابل للثورة ‪.‬‬
‫و ت ّم التعرف الى التقسيم السياسي لدول المنطقة من خالل الحوليات المختلفة للملوك أو من‬
‫أن بعض األقاليم ذكرت بأسماء‬ ‫خالل المراسالت بين األقاليم و السلطة المركزية ‪ ،‬و يظهر ّ‬
‫المدينة الرئيسية و مثاله ‪":‬إقليم نفر" أو "إقليم إيسن" ‪ ،‬أو على أسماء القبائل القاطنة باإلقليم‬
‫مثل "إقليم بيت ياكين" (بالد البحر) نسبة للقبيلة المسماة بـ "بيت ياكين"‪ ،‬و كانت وظيفة حكام‬
‫اإلقليم بمثابة إسقاط لمهام الملوك داخل األقاليم ‪ ،‬كبناء و ترميم المعابد ‪ ،‬و مهام األمن و إدارة‬
‫و تنفيذ المشاريع العامة كاإلرواء ‪،‬و يتولون تجميع الضرائب المستحقة ‪ ،‬أما رؤساء القبائل‬
‫فكانوا يخضعون للملك اسميا يملكون شبه حرية في التسيير لشؤون القبيلة و اإلقليم ‪ ،‬مع‬
‫‪2‬‬
‫ضرورة ذكر أن منصب "قربوتو" كان الوسيط بين حكام األقاليم و الملك ‪.‬‬
‫و عمل األشوريون على الحفاظ على مركزية الحكم و في نفس الوقت السيطرة الكاملة على‬
‫األقاليم و عملوا في مجال إدارة الدولة على تقوية سلطة الملك من خالل التقليل من نفوذ النبالء‬
‫وأمراء اإلقطاع والحد من سلطاتهم‪ ،‬و مضاعفة عدد الوحدات اإلدارية ‪ ،‬كما تم عزل معظم‬
‫ملوك األقاليم الخاضعين لسلطانه ودمجت ممالكهم بآشور‪ ،‬وعين بدال عنهم حكام آشوريين‪،‬‬
‫وليسيطر أكثر على هذه األقاليم‪ ،‬قام بتنظيم المواصالت السيما السعاة أو الرسل ما بين آشور‬
‫وباقي األقاليم الخاضعة له‪ ،‬كما ت ّم انتهاج سياسة قاسية مع األقاليم التي تتكرر فيها الثورات‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫إذ قاموا بتهجير جماعي لسكان اإلقليم إلى إقليم آخر‪ ،‬وإسكان أقوام أخرى محلهم‪.‬‬
‫*ـ الجيش ‪ :‬وابتعدت جيوش دول المدن عن التنظيم في العصور المبكرة‪ ،‬لكنها خالل العهدين‬
‫البابلي واآلشوري‪ ،‬تطورت في نظام تعبئتها وأسلحتها‪ ،‬كما حدث فيها تغيير من حيث العدد‬
‫والدوام والتدريب‪ ،‬وذلك تماشيا مع توحيد البالد ونشوء اإلمبراطوريات ‪ ،‬و زاد تنظيمه خالل‬
‫العهد البابلي القديم و ظهرت معالمه كجيش منظم و نموذجي خالل العهد األشوري الحديث ‪،‬‬
‫و كان الجيش يتكون من فئة عسكرية عرفت بـ"األوليم " وهي طبقة من العسكرية فرضت‬

‫‪ ‬ـ طه باقر ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪ 597‬و أنظر ذلك في ‪ :‬ويل وايرل ديورانت ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪ .15‬‬
‫‪ ‬ـ سامي سعيد األحمد ‪"،‬اإلدارة ونظام الحكم" ‪،‬حضارة العراق‪ ،‬ج ‪، ‬ص‪ .3‬‬
‫‪ 5‬ـ علي ياسين أحمد ‪"،‬وظيفة الخزانو اآلشوري " ‪،‬مجلة الموصل للتربية ‪،‬جامعة الموصل ‪،‬ع‪، 111، 11‬ص‪ .13‬‬

‫‪35‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫الضرائب من اجل إدامتهم ‪،‬و طغت الحياة العسكرية على تفاصيل الحياة األشورية و نلمس‬
‫ذلك في العمارة و المشاهد المنحوتة و كذلك في تفاصيل الحوليات الملكية األشورية ‪ ،‬إذ‬
‫‪1‬‬
‫اختزلت حياة الملوك في حمالت عسكرية توسعية و تأديبية موسمية ‪.‬‬
‫و ال يتسع المجال للحديث عن العسكرية األشورية ‪ ،‬لكن من الواجب الحديث عن استعمال‬
‫األشوريين لمادة الحديد في صناعة الوسائل الحربية كالكباش ‪ ،‬و ابتكار العربات القتالية التي‬
‫تسير بالعجالت المشبكة دائرية المركز بدل العجالت الصلدة المربعة المركز التي استعملتها‬
‫الشعوب المعاصرة لهم ‪ ،‬كما تظهر نزعتهم العسكرية في مدى التحصين الذي بلغتهم مدنهم‬
‫العامة مثل "أشور" و ""نينوى "و "حران" ‪ ،‬كما عبرت المشاهد المنحوتة البارزة المختلفة‬
‫عن أساليب منظمة في الحصار و الحفر و الهجوم و دك األسوار و عبور البوابات‪(2 .‬أنظر‬
‫الشكلين ‪ 6‬و‪) 7‬‬
‫و بخصوص الضباط في الجيش األشوري أفادت النصوص اآلشورية في ذكر عدة أسماء‬
‫لضباط بعد " التورتانو " حيث يليه في المرتبة( الراب – شاقه) والتي تعني كبير السعادة‬
‫(حيث كانت أكبر المشاكل هي توفير المياه للجيش خاصة في موسم الصيف أثناء الحرب) يليه‬
‫( ناقر – إيكالي) أي بمعنى " شادي القصر " ومهمته الواضحة هو دعوة جنود الجنود والمواليد‬
‫للخدمة العسكرية حيث يوازي عمله مديرية التعبئة واإلحصاء في الجيوش الحديثة ‪،‬ثم رتبة‬
‫" اإليركو " ومسؤوليته اإلشراف على المالية ‪،‬على أن هؤالء القادة األربع باإلضافة للملك‬
‫‪3‬‬
‫يشكلون هيئة الحرب اآلشورية‪.‬‬
‫ودلّت الحوليات األشورية أن الجيش خالل تنقالته و معاركه قد ضم الى جانب العنصر‬
‫األشوري ا لغالب فئات أخرى فكان الخيالة من فارس‪ ،‬و بعض المشاة من األناضول و سوريا‬
‫و الجمالة من القبائل العربية ‪ ،‬كما اعتمدوا على قوات االحتياط ‪ ،‬و بالعودة الهيكل التنظيمي‬
‫للجيش اآلشوري فقد كان يتألف من فرقة "بقار" وتعدادها حوالي‪10‬آالف جندي‪ ،‬ثم من الوحدة‬
‫العسكرية "كودودو" وتعدادها ألف جندي‪ ،‬ثم السريّة التي تلفظ "كيصرو" وتعدادها مائة‬
‫‪4‬‬
‫جندي‪ ،‬ثم الفصيلة وتعدادها خمسون جنديا‪ ،‬أما الفرقة فتعدادها ‪ 10‬جنود‪.‬‬
‫و بخصوص السفن الحربية فقد ت ّم استعمالها في بالد الرافدين ‪ ،‬و تحتوي على عدة صفوف‬
‫من المجدفين ‪ ،‬تميزت مقدمتها بطرف حاد وطويل‪ ،‬وكان الجنود بتروسهم كالحصن فوق ظهر‬

‫‪ ‬ـ طه باقر‪ ،‬المرجع السابق ‪،‬ص ص ‪ 599-599‬ـ بتصرف ـ ‪ .‬‬


‫‪ ‬ـ سبتينو موسكاتي ‪ ،‬المرجع السابق ‪،‬ص‪ .15‬‬
‫‪ 5‬ـ فوزي رشيد ‪،‬الجيش والسالح ‪،‬حضارة العراق ‪،‬ج‪،‬ص‪.31‬و أنظر‪ :‬بهيجة خليل إسماعيل ‪" ،‬الجيش في العصر األشوري " ‪ ،‬موسوعة‬
‫الموصل الحضارية ‪،‬العدد‪ ،15‬مج‪ ، 99 ، 1‬ص‪ .7-11‬‬
‫‪ 1‬ـ سعد عبود سمار‪" ،‬الجند في المملكة اآلشورية الحديثة بين الضغط النفسي واالنتماء العرقي"‪ ،‬مجلة كلية التربية‪ ،‬جامعة واسط‪ ،‬العدد العاشر‪،‬‬
‫ص‪ .3‬‬

‫‪36‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫أن األشوريون دون شعوب بالد الرافدين األخرى قد تفننوا‬ ‫السفينة ‪ ،‬وهنا يذكر المختصون ّ‬
‫‪1‬‬
‫في استعمال السفن الحربية في القتال وليس في النقل و هنا استعانوا في ذلك بالفينقيين‪.‬‬

‫الشكل ‪ :06 :‬نماذج ألسلحة آشورية ‪.‬‬


‫(أنظر‪ Philip Henri Grosse ,Assyria .her manners .and costumes arts and arms .pp 348-387:‬المؤلف ـ بتصرف ـ )‬

‫الشكل ‪ : 7‬نحت بارز عثر عليه في قصر الملك "سنحاريب"بـ"نينوى" يمثل حصار القدس‪.‬‬

‫‪ ‬ـ فوزي رشيد ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪ .39‬‬

‫‪37‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫*ـ القوانين و التشريعات ‪ :‬تش ّكل شرائع الشرق القديم أول الشرائع المكتوبة في تاريخ البشرية‪،‬‬
‫وضعت لتنظيم العالقات بين األفراد عبى مبادئ العدل و المساواة كما تقود الشرائع إلى تثبيت‬
‫الحقوق والواجبات في مجال العالقات االجتماعية واالقتصادية والسياسية ‪ ،‬وفي مقدمة هذه‬
‫العالقات تلك التي تقوم على أساس تنظيم العالقات بين الناس وبين نخبة الحكم ‪ ،‬الذي يشكل‬
‫عقدا اجتماعيا بين الحاكمين والمحكومين ‪ 1،‬ويجسد المصدر والمرجع لكافة القوانين والمراسيم‬
‫واألنظمة التي تصدر عن السلطتين التشريعية والتنفيذية‪ .‬وفي بيئة حضارية ـ كما أشرنا ـ‬
‫غابت عنها مفهوم توزيع السلطات وسادت فيها الملوكية وفق العقيدة الدينية‪ -‬حق التفويض‬
‫اإلله ومصدر‬‫اإللهي للملك‪ -‬عندئذ يصبح الحاكم (الملك) هو الدولة والدستور‪ ،‬باعتباره ممثل ِ‬ ‫ِ‬
‫‪2‬‬
‫العدل‪ ،‬وهذا ما جسَّدته قوانين الحضارات القديمة‪ ،‬تتقدمها قوانين حضارة وادي الرافدين ‪.‬‬
‫و يسجّل أقدم جهد قانوني ومحاولة إصالحية في التاريخ البشري إلى "أوروكاجينا" و‬
‫الذي تكاد إصالحاته ترتقي لمستوى القانون‪ ،‬لوال خلوها من المقدمة والخاتمة وحصر‬
‫موضوعاتها في معالجة الوضع الضريبي وشؤونه ‪ ،‬ليليه ـ حسب المختصين ـ قانون "أور‪-‬‬
‫نمو" (‪ 2096 -2112‬ق‪.‬م) الذي يع ّد أقدم قانون مكتوب ‪ ،‬تم الكشف عن أجزائه في مدينتي‬
‫"نفر" و"أور"‪ ،‬كما أمكن قراءة أكثر من ‪ 22‬مادة منه ‪ ،3‬تاله في بالد الرافدين قانون أصدره‬
‫"لبت‪ -‬عشتار" (‪ 1924 -1934‬ق‪.‬م) خامس ملوك ساللة دولة مدينة "إيسن"‪ ،‬جاء بعده في‬
‫بالد الرافدين "قانون أشنونا" الذي ينسب الى مدينته "أشنونا" وبسبب التلف الذي أصاب اسم‬
‫‪4‬‬
‫الملك الذي أصدره‪ ،‬لم يكن باإلمكان معرفة تاريخ صدوره ‪.‬‬
‫هذا و يع ّد "قانون حمورابي" أحدث وأكمل قانون مكتشف في وادي الرافدين حتى اآلن‪،‬‬
‫ويمثل أقدم االنجازات القانونية في تاريخ الحضارة البشرية‪ ،‬وبصدوره عام ‪1770‬ق‪.‬م‪ ،‬صار‬
‫للدولة البابلية قانون موحد‪ ،‬و أصبح تطبيقه من اختصاص السلطة المدنية ‪،‬و كسابقاتها من‬
‫القوانين في العراق القديم ‪ 5،‬تضمنت المقدمة استعراضا ألعمال حمورابي وألقابه وبينت‬
‫طاعته وتقواه وعنايته بمدن ومعابد اآللهة ‪ ،‬واألسباب التي دعته إلصدار شريعته وهي انتداب‬
‫اإلله (مردوخ) له ليحكم مدينة بابل ‪ ،‬بينما ذكر في الخاتمة الغرض من تدوين الشريعة وهو‬ ‫ِ‬
‫‪6‬‬
‫"إعالة اليتيم واألرملة‪ ...‬والمظلوم‪".‬‬

‫‪ ‬ـ ـ رضا جواد الهاشمي ‪" ،‬القانون واألحوال الشخصية"‪ ،‬حضارة العراق‪ ،‬ج‪ ,1‬ص‪ .11‬‬
‫‪ ‬ـ عاصي حسين حمود العجيلي ‪ "،‬الملكية الزراعية في شريعة حمورابي "‪ ،‬مجلة جامعة تكريت للعلوم القانونية و السياسية ‪،‬العدد ‪ ، 15‬السنة‬
‫األولى ‪ ،‬ص‪ .71‬‬
‫‪ 5‬ـ جورج رو ‪،‬العراق القديم ‪،‬تر ‪ :‬حسين علوان حسين ‪،‬منشورات وزارة الثقافة و االعالم ‪،‬بغداد ‪ ،‬د‪:‬ط ‪ 991 ،‬ص‪ .9‬‬
‫‪ 1‬ـ طه باقر ‪،‬قانون لبت ـ عشتار ‪ ،‬قانون مملكة اشنونا ‪ ،‬وزارة الثقافة واإلعالم ‪ ،‬بغداد ‪ 997 ،‬م ‪ ،‬ص ‪ ،9‬رضا جواد الهاشمي ‪"، ،‬القانون‬
‫واألحوال الشخصية"‪ ،‬حضارة العراق‪ ،‬ج‪,1‬ص‪ .75‬‬
‫‪ 3‬ـ مجموعة من المؤلفين ‪ ،‬شريعة حمورابي و أصل التشريع في الشرق األدنى القديم ‪ ،‬تر ‪:‬أسامة سراس ‪ ،‬دار عالء الدين ‪ ،‬دمشق ‪ ،‬ط‪، 1‬‬
‫‪ ، 995‬ص‪ ‬‬
‫‪ 1‬ـ سامي سعيد األحمد ‪ ،‬العراق في التاريخ‪ ،‬ص‪،..91 -93‬و أنظر‪ :‬طه باقر ‪ ،‬مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة‪ ،‬ص‪،159‬و أنظر كذلك ‪:‬‬
‫رضا جواد الهاشمي ‪"، ،‬القانون واألحوال الشخصية"‪ ،‬حضارة العراق‪،‬ج‪ ،‬ص‪ .9‬‬

‫‪38‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫و رتبت المواد التشريعية في أربعة و أربعين حقال ‪،‬و‪ 282‬مادة باللغة البابلية‪ .‬يمكن‬
‫توزيعها على خمسة أبواب رئيسية‪ - :‬التقاضي وأصول المحاكمات في المواد من‪1‬الى ‪- .05‬‬
‫األموال والمعامالت المالية من المادة‪ 06‬الى ‪ -.126‬األشخاص وقوانين األحوال الشخصية‬
‫‪1‬‬
‫من ‪ 127‬الى ‪- .214‬األجور من‪215‬الى ‪ - .277‬العبيد من المادة‪278‬الى ‪.282‬‬
‫و يذكر أن القوانين اآلشورية قد اعتمدت على غيرها من القوانين السابقة ‪ ،‬و بخاصة‬
‫قانون حمورابي و ذلك من حيث مبادئها وأحكامها والعقوبات القاسية التي أخذت بها ‪ ،‬كما‬
‫يذكر أنّها شملت في موادها‪ :‬السرقات‪ ،‬التجديف‪ ،‬التحريض على الفتن‪ ،‬االعتداءات‪ ،‬القتل‪،‬‬
‫األحوال الشخصية‪ ،‬االغتصاب‪ ،‬الزنا والبغايا‪ ،‬الحجاب‪ ،‬المتهمون بالسحر االسود‪ ،‬الديون‪،‬‬
‫اعتداء الرجل على فئات مختلفة من النساء واجهاضهن‪ ،‬ضرب الزوج لزوجه وإجهاضها ‪،‬‬
‫‪2‬‬

‫وأخيرا جاءنا من العهد البابلي الحديث (الكلداني) رقيم طيني ضم خمس عشرة مادة قانونية‬
‫تعالج غالبيتها مسائل تختص بالحقول وإدارتها وشؤون اإلرواء والرقيق والنساء وقضايا‬
‫‪3‬‬
‫الزواج والطالق واإلرث‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ االقتصاد‪ :‬من الواجب الحديث بشكل مختصر عن الزراعة ثم الصناعة ثم التجارة كاآلتي‪:‬‬
‫أ ـ الزراعة‪ :‬ظهرت شهرة المنطقة زراعيا شهرة هذه البالد الزراعية على غيرها بما امتازت‬
‫به الحضارات التي قامت بها ‪ ،‬وظلت هذه الشهرة حتى األزمان المتأخرة ‪ ،‬إذ شبه الكثير من‬
‫مؤرخي اليونان و الرومان بالد ما بين النهرين بـ " درادو" أي بالد الذهب و الخير في الزراعة‬
‫و بالغ بعظهم في المحصول الزراعي الناتج حتى أن "هيرودوت" قد جعله مضاعفا عن غيرها‬
‫بمئة و مائتي مرة ‪ ،‬وهذا يذكرنا بتسمية المؤرخين العرب ألرض العراق بالسواد تأكيدا على‬
‫كثرة زرعها و خضرتها و الشيء األكيد أن هذه الشهرة لم تحصل إال بجهود اإلنسان و عمله‪،‬‬
‫‪4‬‬
‫ال سيما في طرق الري و السهر على تنظيم شؤون الزراعة‪.‬‬
‫و عرفت المنطقة تركيزا زراعيا كبيرا خاصة في السهل الرسوبي الجنوبي األسفل (بالد‬
‫سومر) و السهل األعلى (بالد أكاد) أي بالد بابل الحقا‪ ،‬أما المناطق الشمالية فهي رعوية تنمو‬
‫بها األشجار و النباتات طبيعيا باالعتماد على المطر (بالد آشور) ‪.‬‬
‫أن الماء و توفيره شرط أساسي في نجاح الزراعة لذا اعتمدت المنطقة على كل‬‫والمعروف ّ‬
‫أنواع السقي و بخاصة األنهار (الزراعة السيحية) خاصة و ّ‬
‫أن الزراعة المعتمدة على المطر‬
‫(الديمية ) كانت متذبذبة ال تناسب اال فصلي الشتاء و الربيع ‪ ،‬وشكل نهرا دجلة و الفرات و‬
‫روافدهما مصدر الخصب الزراعي ‪ ،‬و للتعامل مع هذين النهرين و النجاح الزراعة تدخل‬

‫‪ ‬ـ فوزي رشيد ‪ ،‬الشرائع العراقية القديمة ‪ ،‬دار الحرية للطباعة ‪ ،‬بغداد ‪ ،‬د‪:‬ط ‪ ،975 ،‬ص ص‪9-91‬ـ بتصرف ـ ‪‬‬
‫‪ ‬ـ مجموعة من المؤلفين ‪ ،‬شريعة حمورابي و أصل التشريع في الشرق األدنى القديم ‪،‬ص‪ .‬‬
‫‪ 5‬ـ رضا جواد الهاشمي ‪" ،‬القانون و األحوال الشخصية " ‪ ،‬حضارة العراق ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص‪ .9‬‬
‫‪ 1‬ـ سامي سعيد األحمد ‪ ،‬الزراعة والري ‪ ،‬حضارة العراق ‪ ،‬الجزء الثاني ‪ ،‬مطبعة الحريّة ‪ ،‬بغداد ‪ ،‬د‪:‬ط ‪ ، 993 ،‬ص‪ .31-35‬‬

‫‪39‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫اإلنسان العراقي القديم في معرفة موسم الفيضان و تكيف معه عبر بناء المصدات األرضية‬
‫كما أقاموا السدود و مدوا القنوات لعملية السقي ‪ ،1‬كما عرفوا موسم كل المزروعات و أتقنوا‬
‫مسح األراضي لتحديد الملكيات ‪ ،‬وسميت بعض األشهر لديهم حسب مراحل العملية الزراعية‬
‫‪2‬‬
‫كشهر "تذرية الحبوب" و شهر "حصاد الشعير"‪.‬‬
‫*ـ ملكية األراضي الزراعية ‪ :‬قسم المختصون األراضي الزراعية في بالد الرافدين‬
‫تقسيمات مختلفة باالعتماد على معايير مختلفة حيث اعتمادا على النوع قسمت الى ‪:‬‬
‫‪-‬األراضي الحقلية ‪ :‬وتسمي باألكادية "ايقولوم " ‪ EQULUM‬و هي التي تزرع عادة بأنواع من‬
‫الحبوب و المحاصيل الحقلية كالسمسم و الثوم و البصل و فيرها ‪.‬‬
‫ـالبساتين كيروم ‪ KIRUM‬و تشمل الحدائق و البساتين الخاصة بزراعة النخيل و أنواع مختلفة‬
‫من أشجار الفاكهة ‪.‬‬
‫كما قسمت األراضي على أساس مدى صالحيتها لالستثمار الزراعي الى ‪:‬‬
‫ــ أراضي صالحة للزراعة ‪ :‬وتكون من المساحات الواقعة بضفاف األنهار و القنوات أو‬
‫األراضي التي تتيسر فيها مصادر السقي خاصة بعد تنفيذ المشاريع اإلروائية عهد حمورابي‬
‫ــ األراضي المتروكة (البوار) ‪ :‬وهي األراضي التي كانت تزرع ثم تركت بسبب عوامل‬
‫‪3‬‬
‫طبيعية كالفيضانات الشتوية و تدميرها أو طغيان الملوحة‪.‬‬
‫*ـ أساليب الري ‪ :‬لقد كانت البيئة التي عاش فيها العراقيون القدماء تمتاز بخصبها الكبير‪،‬‬
‫لكن يقابل في ذلك الخصب الذي منحته الطبيعة شح في األمطار و في أكثر من نصف األراضي‬
‫القابلة للزراعة غير أن هذه األنهار عوضت عن ذلك ‪ ،‬لكنها تحتاج الى السيطرة و التنظيم ‪،‬‬
‫لذلك فإن كل الدول التي قامت في المنطقة اعتمدت على أساس الري فكانت أراضي ما بين‬
‫النهرين و خاصة منها الوسطى و الجنوبية شبكة من األنهار حيث تاله حدوث تغير جوهري‬
‫في أسلوب الزراعة فصارت الجداول الطويلة تشق من الفرات لتصل الى أراضي زراعية‬
‫بعيدة و أنشأوا السدود و المبازل و الخزانات في معظم المناطق الجنوبية ‪ ،‬ولما كان الصيف‬
‫طويال‪ ،‬فقد استعملوا أساليب الري االصطناعية من حفر جداول و قنوات إليصال الماء سيحا‬
‫‪4‬‬
‫الى األراضي الزراعية خاصة في موسم التحاريق (نهاية الصيف)‪.‬‬
‫لذا كان جل اهتمامات ملوك بابل و آشور تعلقت باإلرواء و شق القنوات ومثاله قيام‬
‫حمورابي أثناء فترة حكمه بشق مشاريع اروائية كفتح قناة أسماها " حمورابي ـ جيكال" تبدأ‬
‫من جنوب "كيش" حتى "أوما " و "الرسا" ثم تصل الى الخليج العربي ‪ ،‬كما انتشرت قنوات‬

‫‪ ‬ـ هورست كلينكل ‪ ،‬حمورابي البابلي و عصره ‪ ،‬تر‪ :‬محمد وحيد خياطة ‪ ،‬دار المنارة للدراسات ‪ ،‬دمشق ‪ ،‬ط‪ ، 991 ، 1‬ص‪ .7‬‬
‫‪ ‬ـ سامي سعيد األحمد ‪ ،‬الزراعة والري ‪ ،‬حضارة العراق ‪ ،‬ص‪ .33‬‬
‫‪ 5‬ـ عاصي حسين حمود العجيلي ‪ " ،‬الملكية الزراعية في شريعة حمورابي " ‪ ،‬مجلة جامعة تكريت للعلوم القانونية و السياسية ‪ ،‬العدد ‪ ، 15‬السنة‬
‫‪ ، 1‬ص‪ 79‬ـ بتصرف ـ ‪ ،‬وأنظر ‪ :‬جاسم شهد وهد ‪ "،‬الزراعة خالل العصر البابلي القديم (‪ 111‬ق‪.‬م ـ ‪ 393‬ق‪.‬م)" ‪ ،‬مجلة القادسية للعلوم‬
‫اإلنسانية ‪ ،‬مج ‪ ، ‬العدد ‪ ، 119 ، 15‬ص‪ .51‬‬
‫‪ 1‬ـ رضا جواد الهاشمي ‪ ،‬تاريخ الري في العراق القديم ‪ ،‬مجلة سومر ‪ .17 ،‬‬

‫‪41‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫ع ّدة بالقرب من المدن البابلية كقناتي " نفر " و "سن" و قناة "سورو" التي تتفرع من الجهة‬
‫الشرقية لنهر الفرات جنوب "بابل " وقناة "بوقودة" و " أخي ـ شولم "‪1 ،‬و اشتهر بأعمال‬
‫اإلرواء عند األشوريين "سنحاريب" كانت مدهشة ‪ ،‬فقد أخبرنا بمشروعه في إرواء "أربيال"‬
‫و كيف" أنّه حفر ثالثة أنهر في الجبال التي فوق "أربيل" و أضاف إليها مياه الينابيع ‪ ،‬و‬
‫بالتالي قام في مشروعه في توجيه مجاري فروع نهر " باستورا" و تشييد قناة لجلب الماء الى‬
‫‪2‬‬
‫"أريبل" ‪ ،‬كما أقام مشروعا ثانيا إليصال الماء بالطريقة السيحية الى "نينوى "‪.‬‬
‫*ـ العملية الزراعية ‪ :‬في بالد ما بين النهرين تكاد تتشابه العملية الزراعية حيث تكون األرض‬
‫الطميية جافة جدا بسبب حرارة الشمس خاصة عند التحاريق ‪ ،‬لذا يرتكز الجهد األول على‬
‫تنعيم التربة ‪ ،‬فيبدأ الفالح بحراثة األرض بالقدر الكافي من العمق و كسر قشرة سطح األرض‬
‫بواسطة المحراث الذي يجرّه بقر الحراثة ومن ورائه المشط المسنّن الذي يمهد التلعات و‬
‫يعيدها مستوية و هو الزمن الذي يمارس فيه الفالح زراعة األرض حيث تحفر‬
‫الخطوط(األثالم) بفاصل بعض السنتيمترات بين الواحد و اآلخر ‪،‬بعد وضع البذور **في‬
‫‪3‬‬
‫أسفل الثلم يغطى بالتربة‪.‬‬
‫و يبقى أن نمو المحصول يتوقف على كمية األمطار النازلة على األرض خالل الشتاء‬
‫و المتممة بمياه الري ‪،‬وإذا شعر المزارع في بدء نمو المحصول ـوخاصة الخضر و الكتان ـ‬
‫أن المزروع مكتظ و كثيف يلجأ إلى تفريد و إنقاص كثافته بقلع قسم منه ليمنح الباقي ـو هو‬
‫الكثير ـ قوة النمو ‪ ،‬و في آخر فصل الربيع يتم القطاف (شهري مارس و أفريل ) ‪ ،‬إذ يعتري‬
‫المزارعين الخوف على طول نهري دجلة و الفرات من فيضان النهر المبكر أو إذا زادت‬
‫‪4‬‬
‫مياهه و تعذر التحكم فيه و تحجيمه عبر السدود ‪،‬إذ وجب إنهاء الحصاد قبل تدفق المياه‪.‬‬
‫*ـ الوسائل الزراعية ‪ :‬اعتمد قدماء بالد ما بين النهرين آالت زراعية مشتركة معتادة و‬
‫معهودة في الزراعة التقليدية منها " الفأس" (كن) ‪ +‬المنجل ‪ +‬المحراث البشري ثم الحيواني‬
‫‪5‬‬
‫‪ +‬الدالية (آلة سقي) ‪+‬المسحاة (آداة حفر) ‪ +‬الناعور (الدوالب الحيواني) ‪ +‬المذراة ‪..‬‬
‫* ـ المزروعات ‪ :‬تشمل مواد كالشعير و القمح و الحنطة و الذرة (وجدت مخلفاتها في مدفن‬
‫آشوري)و األرز عرف متأخرا ‪ +‬السمسم (الستخراج الزيت) ‪ +‬التمر‪ +‬الكروم ‪+‬الزيتون ‪+‬‬
‫التين ‪ +‬عرفوا التفاح و استعملوا شجره في الصناعة الخشبية‪ +‬القطن (جلبه الملك سنحاريب‬
‫‪6‬‬
‫من الخليج ) ‪ +‬مختلف الخضار الطازجة و البقول و النباتات العطرية ‪..‬‬

‫‪ ‬ـ رضا جواد الهاشمي ‪" ،‬تاريخ الري في العراق القديم "‪ ،‬ص‪ .11‬‬
‫‪ ‬ـ فؤاد سفر ‪" ،‬أعمال اإلرواء التي قام بها سنحاريب ‪ ،‬مجلة سومر ‪ ،‬مج‪ ، 15‬العدد ‪ ،917 ، 1 ،‬ص‪ 79-79‬‬
‫‪ 5‬ـ سمير العيداني ‪ ،‬العالقات الحضارية بين مصر و شعوب بالد الرافدين ‪ ،‬رسالة دكتوراه ‪ ،‬ص ‪ .‬‬
‫‪ 1‬ـ سامي سعيد األحمد ‪ ،‬الزراعة و الري ‪ ،‬حضارة العراق ‪،‬ج‪ ، 1‬ص‪ .39‬‬
‫‪ 3‬ـ سامي سعيد األحمد ‪ ،‬الزراعة و الري ‪،‬حضارة العراق ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص ص ‪1-11‬ـ بتصرف ـ ‪‬‬
‫‪ 1‬ـ سامي سعيد األحمد ‪ ،‬الزراعة و الري ‪ ،‬حضارة العراق ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص ص‪11-15‬ـ بتصرف ـ ‪‬‬

‫‪41‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫* ـ الثروة الحيوانية ‪ :‬و بالنسبة للثروة الحيوانية في العراق القديم فقد ألفت أساسا في الحياة‬
‫االقتصادية عدا أهميتها في الشؤون الزراعية و في المواصالت و تمثلت في البقر و العنز و‬
‫الفرس و الطيور الداجنة كالبط ـ باستثناء الدجاج ـ الذي يرجح أنّه دخل المنطقة من الهند في‬
‫‪1‬‬
‫األزمان المتأخرة في العهد البابلي األخير أو قبل ذلك بقليل ‪.‬‬
‫و ثبت تدجين الجاموس الضخم مع الثور األحدب منذ االلف الرابع ق‪.‬م ‪ ،‬أما الحصان‬
‫فورد ذكره في العصر البابلي القديم ‪،‬حيث عرف بـ "الحمار الجبلي " كدليل على وصوله‬
‫للمنطقة من الجبال الشمالية و ورد استعماله من طرف الكاشيين بعدها كحيوان نقل ‪ ،‬أما الجمل‬
‫فورد ذكره في عهد "تجاللت بالصر األول " تحت اسم حمار البحر كدليل على إدخاله من‬
‫‪2‬‬
‫منطقة البحر الكلدي (الخليج العربي)‪.‬‬
‫ب ـ الحرف و الصناعات ‪ :‬مارس سكان المنطقة نشاطات اقتصادية من غير الزراعة مثل‬
‫الصناعات والحرف التي تعتمد على الزراعة والثروة الحيوانية‪ ،‬أو على ما يتوفر من موارد‬
‫أولية موجودة في الداخل ‪ ،‬لذا كانت الصناعات االستخراجية هي األكثر أهمية و المتعلقة‬
‫باستخراج المعادن المختلفة لما لها من أهمية بالنسبة للدولة و الفرد حيث أشرفت عليها الدول‬
‫التي نشأت في العراق القديم ‪ ،‬تليها الصناعات المرتبطة بالمحاجر في المناطق الشمالية خاصة‬
‫عند األشوريين و ما يقابله من صناعة اللبن في الجنوب عند البابليين ـ لغياب المحاجر ـ ‪ ،‬ثم‬
‫تأتي الصناعات المختلفة الزراعية و غيرها‪.‬‬
‫و كانت الحرف اليدوية طيلة تاريخ بالد الرافدين واسعة االنتشار‪ ،‬ولم تكن مقصورة على‬
‫جماعات وأسر معينة‪ ،‬ثم ما لبثت أن أصبحت صناعات حرفية متخصصة‪ ،‬و احتفظت كل‬
‫جماعة بأسرار حرفتها‪ ،‬وغدا تعلّم الحرفة ال يتّم إال بالتدريب الطويل على أيدي الصناع المهرة‬
‫من الحرفيين‪ 3 .‬و سأكتفي بذكر الحرف األكثر استعماال و ممارسة من طرف البابليين و‬
‫األشوريين كاآلتي ‪:‬‬
‫* ــ عملية التعدين ‪:‬كان قدماء بالد الرافدين سبّاقين في تصنيع النحاس منذ األلف الرابع‬
‫قبل الميالد ‪ ،‬وفي مطلع األلف الثالث قبل الميالد توصلوا إلى صناعات معدنية غاية في الدقة‪،‬‬
‫ومنها "تنقية النحاس" وصهره مع المعادن األخرى‪ ،‬وكذلك صبّ الفضة والذهب ‪ ،‬وأخذوا‬
‫يمزجون بعض المعادن للحصول على سبائك جديدة أكثر قوة كالبرونز و اإللكتروم (خليط‬
‫الذهب والفضة ) ‪ ،‬كما استخدموا الحديد في صنع منتجات معدنية متعددة‪ ،‬و بعدهم تم ّكن‬
‫‪4‬‬
‫البابليون في األلف األول قبل الميالد من كربنة الحديد واستغالله في صنع األسلحة‪.‬‬

‫‪ ‬ـ سمير العيداني ‪ ،‬العالقات الحضارية بين مصر و شعوب بالد الرافدين ‪ ،‬ص‪ .7‬‬
‫‪ ‬ـ سامي سعيد األحمد ‪ ،‬الزراعة و الري ‪ ،‬حضارة العراق ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص‪ .9‬‬
‫‪ 5‬ـ تقي الدباغ ‪ " ،‬نشأة المدينة العراقية القديمة "‪ ،‬مجلة بين النهرين‪ ،‬العدد ‪ ، 77‬سنة ‪ ، 99‬ص ص‪ 1-3‬ـ بتصرف ـ ‪ .‬‬
‫‪ 1‬ـ وليد الجادر ‪ ،‬صناعة التعدين ‪ ،‬حضارة العراق ‪،‬ج ‪ ، 1‬ص ص‪ .1-11‬‬

‫‪42‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫أما عن الذهب فقد وجد ببالد الرافدين ‪ ،‬إذ كشفت التنقيبات األثرية في المنطقة على الكثير‬
‫من المصنوعات الذهبية مثل الحلي وأدوات الزينة واألوعية واآلالت الموسيقية والخناجر‬
‫والسيوف والفؤوس وغيرها ‪ ،‬و بينّت تلك المصنوعات الدرجة العالية التي وصلها العراقيون‬
‫القدماء في الحصول على الذهب النقي‪ ،‬إضافة إلى البراعة الفنية في تشكيله وصياغته ‪ ،1‬أما‬
‫أن اآلشوريين استعملوها منذ حوالي األلف الثانية قبل‬‫الفضة فتدلّ المؤشرات التاريخية على ّ‬
‫الميالد ‪،‬و استخدمت كما هو الحال بالنسبة للذهب وغيره من المعادن في تحديد األسعار وتقييم‬
‫السلع والبضائع كما ورد في الشرائع العراقية القديمة ‪،‬و استعملت الفضة كوحدة قياس متعارف‬
‫عليها منذ منتصف األلف الثالث قبل الميالد ‪ ،‬وظلت وحدة القياس بهذا المعدن بوزن محدد‬
‫‪2‬‬
‫وهو "الشيقل" الذي يسمى باللغة السومرية "كن" (‪.)GIN‬‬
‫* ــ الصناعة الفخارية ‪ :‬تعتبر صناعة الفخاريات من أولى الحرف الصناعية التي عرفها‬
‫إنسان وادي الرافدين في العصور القديمة ‪ ،‬وكانت هذه الحرفة منتشرة على نطاق واسع ‪ ،‬لكي‬
‫تلبي ا حتياجات السكان من المستلزمات المنزلية وغيرها‪ ،‬إذ استخدمت الفخاريات في طبخ‬
‫الطعام و تبريد الماء ونقله وحفظ السوائل كالزيوت والخمور وفي خزن الحبوب‪ ،‬وكذلك في‬
‫الطقوس الدينية أيضا ‪ ،‬كما صنعت مناجل الحصاد من الفخار المحروق ‪ ،‬وكانت هذه المنتجات‬
‫الفخارية تصنع من الطين النقي وبعضها من الغرين الذي تتركه فيضانات نهري دجلة والفرات‬
‫في أواسط وجنوب البالد ‪ ،‬هذا وتطورت الحرفة من استخدام األيدي فقط إلى استخدام القرص‬
‫المتحرك باليد لزيادة دقة العمل في األشكال المختلفة التي تصنيع الطين‪ ،‬ثم تم اختراع دوالب‬
‫الفخار المتحرك والدوّ ار بواسطة األرجل ليظهر بعدها في صناعته عمليات تكميلية كالتلوين‬
‫‪3‬‬
‫ثم التزجيج باأللوان المختلفة‪.‬‬
‫* ــ صناعة األختام االسطوانية ‪ :‬اشتهر إقليم بالد ما بين النهرين كذلك بصناعة األختام‬
‫االسطوانية ‪ ،‬و كانت هذه األختام والتماثيل ونقوش األواني الفخارية خير وسيلة لتوثيق‬
‫األحداث الدالة على تاريخ المنطقة ‪ ،‬وكانت األختام من النوع المنبسط المسطح ‪ ،‬ثم تطورت‬
‫خالل العصر التاريخي و تطورت في طريقة صناعتها و حتى في مادتها األولية ‪،‬و الختم‬
‫األسطواني (أنظر الشكل ‪ )08‬هو عبارة عن خرزة أسطوانية تصنع من األحجار المختلفة و‬
‫تختلف أقطارها أيضا ما بين سنتمتر واحد إلى بضعة مليمترات كما تتراوح أطوالها من ‪2.5‬‬
‫سم الى ‪ 7.5‬سم وهي مثقوبة طوليا مما يحتمل أنها كانت تعلق في الرقبة‪ ،‬وكانت من المقتنيات‬
‫الشخصية المالزمة لمعظم األفراد‪ ،‬كما يعد الختم من الناحية الفنية من أجمل ما أنتجه فن النقش‬
‫والنحت في جميع الحضارات‪ ،‬وكان يحفر وينقش بصور مختلفة المواضيع بهيئة معكوسة‬
‫بحيث اذا ختم على الطين الطري ترك طبعة هذه الصور بهيئة موجبة وكان ذلك بمثابة التوقيع‬
‫‪4‬‬
‫أو الختم لتوثيق العقود والمعامالت المختلفة‪.‬‬

‫‪ ‬ـ مارتن ليفي ‪" ،‬النحاس والبرونز في بالد مابين النهرين"‪ ،‬مجلة النفط والتنمية ‪،‬بغداد ‪ ،‬العدد ‪ ، 99 ، 17‬ص‪ .7‬‬
‫‪ ‬ـ وليد الجادر ‪ ،‬صناعة التعدين ‪ ،‬حضارة العراق ‪،‬ج ‪ ،1‬ص‪ .35‬‬
‫‪ 5‬ـ تقي الدبّاغ ‪ ،‬الفخار في عصور ما قبل التاريخ ‪ ،‬حضارة العراق ‪ ،‬ج‪ ، 15‬ص‪ .19‬‬
‫‪ 1‬ـ عادل ناجي ‪ ،‬األختام االسطوانية ‪ ،‬حضارة العراق ‪ ،‬ج‪ ، 11‬ص‪1‬و كذلك صبحي أنور رشيد ‪ ،‬تاريخ الفن في العراق القديم ‪ ،‬فن األختام‬
‫االسطوانية ‪ ،‬ص‪ .9-9‬‬

‫‪43‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫الشكل ‪ :08 :‬ختم اسطواني مع طابعه من المرمر المعرّ ق ‪.‬‬


‫‪) Philip steele‬‬ ‫‪, ANCIENT IRAQ ,ed : Dorling Kindersley. London ,2007 .P 70.‬‬ ‫(أنظر‪:‬‬

‫و مما يذكر في المجا ل الصناعي كذلك صناعات أخرى كاللبن و استخراج الحجارة في‬
‫البناء ‪ ،‬و عمليات الغزل و النسيج و صناعة الحلي و الزجاج و غيرها ـ و التي ال يتسع المقام‬
‫لعرض تفاصيلها ـ ‪.‬‬
‫جـ ـ النشاط التجاري ‪ :‬نشأت التجارة في بالد الرافدين و ازدهرت من أجل الحصول على‬
‫بعض المواد النادرة كالمعادن و األحجار و األخشاب ‪ ، ..‬و كذلك للحاجة الى تصريف الفائض‬
‫الزراعي و الحيواني ‪ ،‬لكن هذا النشاط كان شديد ارتباط باالستقرار السياسي بالمنطقة حيث‬
‫زاد دوره في اقتصاد شعوب المنطقة مع توجه البالد من نظام الدولة المدينة الى الدول المركزية‬
‫كالدولتين البابلية و االشورية ‪ ،‬و من مزايا التجارة الدولية هو اشراف و سيطرة الدولة على‬
‫وسائطها و امكانياتها و أرباحها ‪ ،‬لذا عملت الدول و حكام األقاليم على تنظيم العملية و تحقيق‬
‫‪1‬‬
‫األمن لتحقيق األرباح التجارية ‪.‬‬
‫و كانت أنسب وسائل النقل التجاري في بالد الرافدين للمواد الثقيلة الوزن كاألحجار و‬
‫األخشاب و الشعير و النحاس ـ بكميات كبيرة طلبا للربح التجاري ـ هي وسائط النقل المائية‪،‬‬
‫التي تتميز باستيعابها الكبير و انخفاض تكاليف انتقالها ‪ ،‬حيث وجدت هذه الوسائط في أنهار‬
‫المنطقة و فروعها و شبكة القنوات و بخاصة نهر الفرات و روافده ‪ ،‬و عبرها انتقلت عليها‬
‫‪2‬‬
‫المواد المختلفة ووصلت إلى جميع المدن‪.‬‬
‫كما يبرز الحمار في مقدمة حيوانات النقل إذ استعمله اآلشوريون خاصة على نطاق واسع‬
‫في أغراض الحمل و النقل قبل الحصان و الجمل بفترة طويلة ‪ ،‬و أن تجارة بالد الرافدين‬
‫الخارجية مع "بالد األناضول" في مطلع األلف الثانية قبل الميالد استفادت منه في نقل المعادن‬
‫و المنسوجات بين "آشور " و بين "كانيش " و غيرها ‪ .‬حيث تضمنت المعلومات ّ‬
‫أن القوافل‬
‫أن إحدى القوافل حملت ما وزنه ‪11‬‬ ‫األشورية تض ّم الواحدة ما يقارب مائتي حمار ‪ ،‬كما ورد ّ‬

‫‪ ‬ـ رضا جواد الهاشمي ‪ ،‬التجارة ‪ ،‬حضارة العراق ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص‪ .99‬‬
‫‪ ‬ـ ـ شيبان ثابت مصطفى الراوي ‪ " ،‬التجارة عبر الفرات في بالد الرافدين" ‪ ،‬مجلة ‪ ،‬جامعة األنبار للعلوم اإلنسانية ‪ ،‬العدد ‪، 1 ، 1‬‬
‫ص‪ 11‬‬

‫‪44‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫طنا من القصدير من "آشور" إلى "األناضول "‪ ،‬كما نقلت قوافل األحمرة التجارة من بالد‬
‫بابل إلى مدن "بالد الشام" ‪ ،‬ومن مدن "الفرات" إلى المدن السورية الداخلية ‪،‬و منها إلى المدن‬
‫‪1‬‬
‫الساحلية (فينيقيا)‪.‬‬
‫أما عن مواد التجارة الداخلية فهي متنوعة و تض ّم المعادن و األخشاب تليها المواد و‬
‫الصناعات المحلية و هي الزيوت و الشحوم و العطور و أنواع من األخشاب و المالبس و‬
‫المنسوجات و األصباغ و القصب و اآلجر و الحليب و مشتقاته و الحبوب و المنتوجات‬
‫الزراعية المعروفة و الحمير و الماشية و الخنازير و األسماك و العبيد‪ ،‬كما شاع بيع و شراء‬
‫الخيول و الجمال الحقا منذ األلف الثاني ق‪.‬م ‪ ،‬م ّما يبيّن أهمية التجارة من حيث الفئات‬
‫‪2‬‬
‫االجتماعية التي انهمكت فيها صناعة و تحضيرا أو نقال و بيعا و تصريفا‪.‬‬
‫و باالنتقال الى التجارة الخارجية (أنظر الشكل ‪)09‬لجأت الدولة إليها الفتقادها للمواد الخام‬
‫األساسية ‪ ،‬فكان عليها أن تستورد المعادن و بشكل خاص التوتياء و األخشاب المتينة و‬
‫األحجار و الزيوت النباتية و النبيذ و العاج‪ ،‬و تص ّدر بالمقابل منتوجاتها الزراعية الفائضة‬
‫كالحبوب بأنواعها و زيت السمسم و التمور و الصوف ـ يصدر الصوف على شكل أثواب و‬
‫مناديل ـ ‪.‬و استوردوا من الخليج العربي أو عبر مراكزه التجارية مواد أساسية كالنحاس و‬
‫األخشاب باإلضافة الى مواد كمالية كالعاج و الذهب و الالزورد و األحجار الكريمة و بعض‬
‫أنواع الحيوانات و الطيور و عيون السمك( اللؤلؤ)‪ ،‬و بعض المواد المصنعة كاألمشاط‬
‫العاجية ‪ ،‬على اعتبار الخليج العربي و مركزه معبرا لتجارة الهند و مناطق جنوب غرب آسيا‬
‫‪3‬‬
‫في طريقها الى بالد الرافدين و سوريا و البحر المتوسط‪.‬‬
‫و يمكن أن نصف حجم التجارة التي بلغتها بالد الرافدين على العهد البابلي المتأخرـ كمثال‬
‫ـ من خالل ما أورده المؤلف "ويل ديورانت "إذ يقول ‪"" :‬كانت القوافل التجارية الكثيرة‬
‫تحمل الى أسواق "بابل" و حوانيتها غالت نصف العالم القديم ‪ ،‬فتأتيها السلع من الهند‬
‫مارة بـ"بابل" و "هيرات" و من مصر مارة بفلسطين ‪ ،‬و من آسيا الصغرى عبر "صور"‬
‫و"صيدا" و "سرديس" الى "قرقميش" ‪ ،‬ثم تنحدر جنوبا مع نهر الفرات ‪ ،‬وكان لهذه‬
‫التجارة كلّها أثر عظيم في عظمة مدينة "بابل "و أضحت في أيام "نبوخذ نصر" سوقا‬
‫‪4‬‬
‫عظيمة تعج بالبضائع و التجار""‪.‬‬

‫‪ ‬ـ رضا جواد الهاشمي ‪ ،‬التجارة ‪ ،‬حضارة العراق ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص ص ‪ .1-9‬ـ بتصرف ـ ‪‬‬
‫‪ ‬ـ هيفي سعيد عيسى ‪" ،‬األسواق في العراق القديم (‪ 911‬ـ ‪ 359‬ق‪.‬م)" ‪ ،‬مجلة التربية و العلم ‪ ،‬مج‪ ، 9‬العدد ‪ ، 1 ، 11‬ص‪ .9‬‬
‫‪ 5‬ـ ل‪.‬ديالبورت ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪ 9‬‬
‫‪ 1‬ـ ويل وايرل ديورانت ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪ .91‬‬

‫‪45‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫الشكل ‪ : 09 :‬طرق التجارة الخارجية في بالد ما بين النهرين ـ المؤلف بتصرف ـ‬

‫‪ 3‬ـ المجتمع الرافديني ‪ :‬ويتم تناوله عبر الحديث عن ‪:‬‬


‫*ـ فئات المجتمع ‪ّ :‬‬
‫إن التكوين االجتماعي للعراق القديم هو نتاج تاريخ طويل من التمازج‬
‫السكاني ‪ ،‬حيث سكن المنطقة أجناس بشرية مختلفة و متعددة األعراق‪ ،‬و يمكن التمييز بين‬
‫عنصرين أساسيين من خالل مخلفاتهم المادية و الكتابية و هم السومريون و الساميون (‬
‫األكاديون –البابليون و األشوريون) ‪ ،‬يضاف إليهم عناصر بشرية فرعية كانت أقل تأثيرا في‬
‫‪1‬‬
‫األحداث التاريخية بالمنطقة كـ "الكاشيين" و" الجوتيين" و "السوبارتو"‪.‬‬
‫و بدت بالد الرافدين _طيلة تاريخها_ و كأنها عالم للمدن السومرية و السامية (األكادية و‬
‫ـ البابلية ـ االشورية ـ الكلدانية) ‪،‬و لكن في الخلف كان السكان الرحل يلعبون دورا أساسيا‬
‫باستمرار‪ ،‬حيث ال يذكرون إالّ عند تماسهم مع الحضر ‪ ،‬إذ تميزوا بوضع مستقل و حرية‬
‫متبادلة ‪ ،‬و لكن أساليب معيشتهم كانت تؤدي الى المنازعات ‪ ،‬و بفضل النصوص المكتوبة‬
‫‪2‬‬
‫تبيّن وجود قبائل العموريين و األراميين منذ ‪2300‬ق‪.‬م ‪.‬‬

‫‪ ‬ـ غيث حبيب خليل ‪" ،‬التكوين السكاني للمجتمع العراقي القديم حتى سقوط بابل ‪ 359‬ق‪ .‬م " ‪ ،‬مجلة آداب الفراهيدي ‪ ،‬جامعة تكريت ‪ ،‬العدد ‪1‬‬
‫‪ ،‬السنة األولى ‪ ، 119 ،‬ص‪ .51‬‬
‫‪ ‬ـ عبد الكريم عبد هللا ‪ " ،‬مالمح الوجود السامي في جنوب العراق " مجلة سومر ‪ ،‬العدد ‪ ، 971 ، 51‬ص‪.1‬‬
‫‪‬‬

‫‪46‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫*ـ طبقات المجتمع في بالد ما بين النهرين ‪ :‬تش ّكل مجتمع وادي الرافدين أساسا على طبقتين‬
‫رئيستين تندر أوجه المقارنة بينهما ( التشابه) هما ‪ :‬األحرار والعبيد ‪،‬و ض ّمت طبقة األحرار‬
‫فئات وشرائح عديدة من المجتمع منها الحاكمة والمتنفّذة‪ ،‬ومنها المحكومة التي ضمت عامة‬
‫الناس‪ ،‬وتقف على رأس الفئة الحاكمة األسرة المالكة التي اكتسبت وفق ملحمة الخليقة مركزا‬
‫اإللهي‪ ،‬وبذلك أصبح مصدر‬ ‫اإلله في أرضه يتمتع بالتفويض ِ‬ ‫خاصا باعتبار الملك نائب ِ‬
‫السلطات واالمتيازات‪ ،‬و تلي األسرة المالكة حاشية الملك من النبالء وكبار رجال الدولة من‬
‫مدنيين وعسكريين وكبار الكهنة‪ ،‬أي الفئة االرستقراطية‪ .‬وكانت لهذه الفئة جميع الحقوق‬
‫‪1‬‬
‫واالمتيازات وفق القوانين واألعراف والتقاليد السائدة‪.‬‬
‫وحسب الدارسين يمكن تقسيم المجتمع في أغلب الفترات التي مرت بالمنطقة كاآلتي ‪:‬‬
‫‪ -‬طبقة األحرار‪ :‬تطلق عليهم النصوص اصطالح "األولياء ‪ "awilu‬ومنهم المالّك في الريف‬
‫والمدن ‪ ،‬والتجار والفنانين والعمال وغيرهم من أصحاب المهن والحرف‪ ،‬وتثبت لهم‬
‫‪2‬‬
‫الشخصية القانونية منذ والدتهم حتى وفاتهم‪.‬‬
‫‪ -‬طبقة الــ "مشكينو"‪ :‬و تدل النصوص المختلفة على وجود هذه الطبقة بهذا االسم‪" ،‬مشكينو"‬
‫أو "مسكينو"‪ -‬مواطن الدرجة الثانية‪ -‬وتقابلها بالعربية كلمة (مسكين) وهم الفقراء ‪ ،‬ويقعون‬
‫في أسفل السلم االجتماعي ‪ ،‬و يتشكلون من األحرار الذين كانت تهددهم حياة العبودية بسبب‬
‫‪3‬‬
‫صعوباتهم المعيشية‪.‬‬
‫ـ الرقيق ‪:‬عرف العراقيون القدماء نظام الرق منذ عصور مبكرة من تاريخهم القديم ‪ ،‬وقد‬
‫وردت اإلشارة إلى العبيد و اإلماء في أقدم النصوص المسمارية المكتشفة والتي يرقى تاريخ‬
‫عدد منها إلى القسم األول من األلف الثالث قبل الميالد إال أن نسبة عدد العبيد واإلماء إلى عدد‬
‫سكان البالد لكان قليال ‪ ،‬و السيما في العصور المبكرة ثم ازداد العدد تدريجيا وبخاصة بعد أن‬
‫زادت الحروب والحمالت العسكرية وما جلبته من أسرى من البلدان المختلفة الذين أصبحوا‬
‫عبيدا ‪،‬و كانت نسبة اإلناث من العبي د إلى الذكور كبيرة تصل إلى ثلثي العدد الكلي ‪ ،‬نظرا‬
‫‪4‬‬
‫لفائدة اإلناث المزدوجة ‪ .‬وكان العبيد‪ ،‬ذكورا وإناثا ‪ ،‬يعدون ملكا خاصا للمالك يتصرف بهم‪.‬‬
‫*ـ ‪-‬األُسرة و دور المرأة في بالد ما بين النهرين‪ :‬تع ّد العائلة عند البابليين و األشوريين عائلة‬
‫أبوية ‪ ،‬أي أن ّللرجل فيها حقوقا تفوق حقوق المرأة ‪ ،‬و لكن هذا االمتياز لم يصل الى حد‬
‫استعباد المرأة أو إخفاء دورها االجتماعي أو االقتصادي ‪ ،‬فقد ضمن القانون العراقي القديم‬
‫للمرأة حقوقها االجتماعية و االقتصادية قبل الزواج و بعده بصورة واضحة ‪ ،‬إذ منع الرجل‬

‫‪ ‬ـ سمير العيداني ‪ ،‬العالقات الحضارية بين مصر و شعوب بالد الرافدين ‪ ،‬ص ‪ ،‬ص‪ 571-57‬ـ بتصرف ـ ‪‬‬
‫‪ ‬ـ يونس محمد فتاح ‪" ،‬نشأة و تطور المجتمع الريفي في العراق القديم "‪،‬مجلة دراسات في التاريخ و اآلثار‪ ، ،‬جمعية المؤرخين و األثريين في‬
‫العراق ‪ ،‬العدد ‪ ، 999 ، 11‬ص‪ 1‬هاري ساكز ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪ .7‬‬
‫‪ 5‬ـ ل ‪ .‬ديالبورت ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪ 7‬‬
‫‪ 1‬ـ طه باقر‪ ،‬مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ص‪ 357 -351‬‬

‫‪47‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫من حق تطليق المرأة التعسفي أو الكيفي (كيفما يشاء) ‪ ،‬و حصره في حاالت استثنائية مقابل‬
‫‪1‬‬
‫منح المرأة حق طلب الزواج‪.‬‬
‫أما عن الميراث في العراق القديم ‪ ،‬و بخاصة في العهدين البابلي و األشوري فقد كان‬
‫لألوالد الذكور األحرار فقط ‪ ،‬وكان األبناء األحرار يتقاسمون التركة بالتساوي مع منح األكبر‬
‫بعض االمتيازات‪ ،‬كأن يكون له حق اختيار الحصة األولى أو منحه حصة إضافية‪ ،‬كما يحق‬
‫لألب قبل وفاته ترك وصية تتضمن تخصيص حصة من تركته ِإلحدى زوجاته أو ابنه‬
‫المفضل‪ ،‬فينقص ذلك الجزء من التركة أوال ويقسم الباقي بالتساوي بين الورثة ‪ ،‬وبالنسبة‬
‫لألخوات غير المتزوجات كان األخوة يقتطعون حصة من التركة لتغطية المهر قبل اقتسام‬
‫التركة بينهم‪ ،‬لذلك فاألرجح أن حصة الفتاة من اإلرث هو مبلغ مهرها‪ ،‬مع مالحظة ّ‬
‫أن األبناء‬
‫‪2‬‬
‫بالتبني ال يحق لهم المشاركة في التركة إال إذا ترك األب وصية رسمية ‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ الجانب الثقافي ‪ :‬ويشمل المظاهر اآلتية ‪:‬‬
‫أ ـ األدب العراقي القديم‪ :‬خلّف العراقيون القدامى تركة ضخمة مدونة على األلواح الطينية‬
‫تميّزت بتنوع الموضوعات المسجّلة عليها ما بين األساطير و الحكم و األمثال و النصائح و‬
‫التراتيل و الصلوات و األدعية و بعض القصص و قصائد الغزل و المرثيات التي تسجل أحداثا‬
‫تاريخية تتصل بالكوارث التي حلت ببعض المدن العراقية ‪ ،‬و تمثل هذه المدونات األدبية نسبة‬
‫‪3‬‬
‫ضئيلة من الكتابات التي وصلتنا إذ تكون غالبية الكتابات من نصوص اقتصادية و إدارية‪.‬‬
‫وككلّ أشكال األدب عند شعوب الشرق األدنى فقد خاض األدب العراقي في مواضيع مختلفة‬
‫كأدب األساطير و الــذي يتض ّمن نشــــأة الخليقة و أصـــل الوجود و أساطير ما بعد المــــوت‬
‫و أدب القـــــصة و الحكـــــــــــــــمة و المالحم و البطوالت و أدب المفاخرة و أدب الحب و‬
‫الغزل و حتى أدب السخرية و الفكاهة و القصص المروية عن لسان الحيوان و المقاالت و‬
‫الرسائل‪.‬‬
‫هذا و حوت الوثائق المسمارية العديد من األساطير و القصص‪ ،‬خاصة في مكتبة الملك‬
‫األشوري " أشور بانيبال الشهيرة "‪ ،‬و منها "أسطورة الخليقة البابلية" سماها البابليون " إينوما‬
‫ـ إيليش " و ملحمة " جلجامش " و قصة الطوفان و قصة آدابا من النصوص األدبية التي‬
‫تتّصل بموضوع العدل اإللهي ‪ ،‬ما اصطلح الباحثون على تسميته باسم " قصة أيوب البابلي "‬
‫ألمجدن رب الحكمة "‪ ،‬و يسجّ ل ّ‬
‫أن األدب‬ ‫ّ‬ ‫أو " التقي المعذب " و مطلعها في األصل البابلي "‬
‫‪4‬‬
‫العراقي اشتمل على أدب السخرية و أشهر نماذجه ما عرف بـ " الفقير من نفر "‪.‬‬

‫‪ ‬ـ ـسبتينو موسكاتي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪ 97‬و أنظر‪ :‬رضا جواد الهاشمي ‪" ،‬القانون و األحوال الشخصية " ‪ ،‬حضارة العراق ‪ ،‬ج‪، 1‬‬
‫ص‪ .99-97‬‬
‫‪ ‬ـ ـ شاكر محمود إسماعيل ‪ " ،‬تطور عالقات الترابط االجتماعي في المجتمع العراقي القديم" مجلة ديالى ‪ ،‬العدد‪،119 ،51‬ص‪ .7‬‬
‫‪ 5‬ـ أحمد أمين سليم ‪ ،‬دراسات في تاريخ الشرق األدنى القديم ‪.‬مصر و العراق ‪ ،‬ص ‪ .113‬‬
‫‪ 1‬ـ للتفصيل في األدب العراقي القديم يراجع ‪ :‬طه باقر ‪ ،‬طه باقر ‪" ،‬مقدمة في أدب العراق القديم" ‪ ،‬مجلة المجمع العلمي العراقي ‪ ،‬العدد ‪، 11‬‬
‫‪ ، 973‬ص‪ .19‬و أنظر ‪ :‬سمير العيداني ‪ "،‬اإلبداع األدبي في مصر القديمة و بالد ما بين النهرين ـ دراسة مقارنة " ‪ ،‬مجلة حضارات الشرق‬
‫األدنى القديم ‪ ،‬العدد الثاني ‪ ،‬السنة الثانية ‪ ،‬أكتوبر‪ ، 11‬الجزء الثاني ‪ ،‬ص ‪،‬ص‪ .11-395‬‬

‫‪48‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫ب ـ ــ العلوم و المعارف ‪ :‬يمكن القول أن كالّ من البابليين و األشوريين قد برعوا في كثير‬


‫من المعارف العقلية التي فرضتها بيئتهم الجغرافية و نظمهم السياسية و الدينية و كذلك حاجتهم‬
‫االقتصادية اليومية و من أمثلتها العلوم اآلتية ‪:‬‬
‫*ـ ـ الرياضيات ‪ :‬ما حققته العلوم الرياضية ال يقل أهمية عن غيرها من جوانب الفكر و األدب‬
‫الذي برزت فيه الحضارة العراقية القديمة ‪ ،‬و دلّت النصوص على مقدرة سكان بالد الرافدين‬
‫ـ البابليون خاصة ـ في قياس األبعاد الظاهرة بين النجوم و غيرها من الحسابات الفلكية على‬
‫تق ّدمهم في معرفة الرياضيات ‪ ،‬حيث إضافة إلى معرفتهم بالنظام الستيني و النظام العشري ‪،‬‬
‫فقد قاموا بالعمليات الحسابية كالجمع ‪a-na‬و الطرح ‪l-al‬و الضرب ‪a-ra‬و القسمة و مضاعفة‬
‫‪1‬‬
‫األس و استخالص الجذور و حل المعادالت المركبة‪.‬‬
‫‪ 0.0165‬متر‬ ‫األصبع‬ ‫‪ 6.40‬غراما‬ ‫القمحة‬
‫‪ 0.165‬متر‬ ‫‪ 10‬أصابع‬ ‫يد البنّاء‬
‫‪ 146‬غراما‬ ‫الشاقل الصغري‬
‫‪ 0.2475‬متر‬ ‫‪ 15‬أصبعا‬ ‫اليد المفتوحة‬
‫‪ 0.330‬مترا‬ ‫‪ 20‬أصبع‬ ‫القدم‬ ‫‪ 2.865‬غراما‬ ‫املينيت‬
‫‪ 0.495‬متر‬ ‫‪ 30‬أصبع‬ ‫الذراع‬ ‫‪ 4.268‬غراما‬ ‫نصف الشاقل‬
‫‪ 2.97‬متر‬ ‫‪6‬أذرع‬ ‫القصبة‬ ‫‪ 5.021‬غراما‬ ‫املينيت املزدوجة‬
‫‪ 5.94‬متر‬ ‫‪ 12‬ذراعا‬ ‫الشاخص‬
‫‪8.410‬غراما‬ ‫الشاقل‬
‫‪ 29.70‬متر‬ ‫‪ 60‬ذراعا‬ ‫نصف الشريط‬
‫‪ 59.40‬متر‬ ‫‪ 120‬ذراعا‬ ‫شريط الماسح‬ ‫‪ 565‬غراما‬ ‫املينا‬
‫‪ 10692‬متر‬ ‫‪ 180‬شريطا‬ ‫الفرسخ‬ ‫‪36.565‬كيلوغراما‬ ‫الوزنة‬

‫جدول ‪ : 10‬وحدات قياس المسافات ‪/‬المتر‬ ‫جدول‪ : 10‬وحدات األوزان ‪ /‬الغرام‬


‫الشكل ‪ :01 :‬جدويل وحدات قياس األوزان و املسافات وما يقابلها بوحديت الغرام و املرت (أنظر ‪ :‬ل ديالبورت ‪ ،‬املرجع السابق ‪،‬ص‪ .‬ص ‪ 231. 229‬ـ املؤلف ـ بتصرف ـ)‬
‫و يرى العديد من المختصين أن المبادئ األساسية للهندسة قد عرفت باكرا في بالد الرافدين‪،‬‬
‫حيث كان لهم صيغة إليجاد مساحة المثلث و المنحرف و األشكال ذات الجوانب األربعة غير‬
‫المنتظمة‪ ،‬و كانوا يقومون برسم صورة مساعدة تقاس بسهولة ثم تضاف إليها مساحة ما يقع‬
‫خارجها لحساب الشكل ذي الزوايا و األضالع كثيرة العدد ‪ ،‬و كذلك عرفوا حساب حجم‬
‫‪2‬‬
‫المكعب و الموشور ‪ ،‬كما عملوا لحساب مساحة الدائرة وحجم الكرة قدروها ‪ π‬بـ ‪. )72(3‬‬
‫*ـ علم الفلك ‪ :‬أدت مالحظة األفالك إلى تطوّ ر عظيم في المعلومات الخاصة بالفلك ‪ ،‬و ال‬
‫سيما خالل العصر الكلداني‪ ،‬فهناك عدة جداول عن المعلومات الفلكية تبرهن عن معرفة‬
‫الظواهر السماوية الواسعة الشمول ‪ ،‬و كان للبابليين منذ أقدم العصور مراصد حقيقية مقامة‬

‫‪ ‬ـ فاروق ناصر الراوي ‪ ،‬العلوم و المعارف ‪ ،‬حضارة العراق ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص‪ .93‬وأنظر ‪ :‬عبد العزيز صالح ‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪ .393‬‬
‫‪ ‬ـ ل‪.‬ديالبورت ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ص‪ 9-9‬ـ بتصرف ـ ‪‬‬

‫‪49‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫على رؤوس أبراج المعابد ‪ ،‬كما كانوا يقيسون مدارات النجوم بالساعة المائية ‪ ،‬و يسجلون‬
‫حركات الشمس والقمر فصارت لهم في القرن السابع قبل الميالد القدرة على التنبؤ بما ينتابها‬
‫من خسوف أو كسوف ‪ ،‬و أطلقوا على مجموعات الكواكب أسماء أخذها عنهم اليونان الحقا ‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫و كان علم الفلك األساس الذي بني عليه التقويم المش ّكل من اثنى عشر شهرا قمريا ‪.‬‬
‫أن عملية رصد الكواكب والنجوم و البروج وتدوينها في نصوص فلكية قد اعتمدت‬ ‫و الشك ّ‬
‫على آالت و أدوات دقيقة ساعدت الفلكيين في أعمالهم الرصدية منها ‪ :‬العدسة و الساعة‬
‫المائية و اإلصطرالب ‪ ،‬و برع الكلدانيون في علم الفلك ‪ ،‬فربطوا أيام األسبوع بـ"عطارد"‬
‫و"الزهرة" و "المريخ" و"زحل" و "الشمس" و"القمر"‪ ،‬و ثبتوا أسماء البروج السماوية في‬
‫اثنى عشر برجا ‪ ،‬و صنع أحد كهنتهم الفلكيين و يسميه "سترابون" "نبور ـ بانوس" "نابو‪-‬‬
‫ريمانو" حوالي ‪ 500‬ق ‪.‬م جداول لحركات الشمس و القمر و بيّن مقادير حركتها في اليوم و‬
‫الشهر و السنة ‪ ،‬كما حسب الخسوف ‪ ،‬و بيّن أن طول السنة ‪ 365‬يوما و ‪ 6‬ساعات و ‪15‬‬
‫‪2‬‬
‫دقيقة و ‪ 41‬ثانية ( أطول من السنة العالمية بـ ‪ 26‬دقيقة و ‪ 55‬ثانية) ‪.‬‬
‫أن النصوص‬ ‫*ـ الطب و الصيدلة ‪ :‬رغم أن العلوم الطبية ارتبطت بالعرافة والسحر‪ ،‬إالّ ّ‬
‫المسمارية المكتشفة تؤكد لنا سمو هذا العلم عند العراقيين القدماء ‪ ،‬و خير دليل على ذلك ما‬
‫جاء في قانون "حمورابي" الذي ميّز بين الطبيب و الجراح و استنتج الباحثون من األلواح‬
‫الطينية ذات الطابع الطبي ‪،‬أنّهم كانوا على معرفة باألدوية النباتية و المعدنية و أنهم استخدموها‬
‫‪3‬‬
‫بأشكال مختلفة خارجيا كالكمادات و الدلك بالزيت و داخليا كالجرع أو الحقن الشرجي ‪.‬‬
‫و دلت النصوص الخاصة بالوصفات الطبية استعمالهم لمواد نباتية كالجذور و البذور و‬
‫اللحاء و األوراق و األغصان و الفواكه و من أكثرها شيوعا الثوم وعرق السوس و أنواع‬
‫أخرى جاءت في شكل قوائم معجمية كما استخدموا المواد الحيوانية كاأللبان و اللحوم‬
‫والفضالت و استخدموا الطيور بأنواعها كالبوم والنعام والصقر و الغراب‪ ،‬و استخدموا كذلك‬
‫مستخرجات األصداف و أكثرها شيوعا صدف السلحفاة ‪ ،‬هذا إضافة إلى أنواع األمالح و‬
‫األحجار و المعادن ( و لعل معرفتهم بالكيمياء هي التي م ّكنتهم من استخالص أدوية من المعادن‬
‫‪4‬‬
‫واألمالح) ‪.‬‬
‫أن الكيمياء تدخل ضمن‬‫*ـ الكيمياء ‪ :‬أورد المختصون ومنهم المؤلف "طه باقر" على ّ‬
‫المهارات التقنية ‪ ،‬و قد ظلت ضمن العمليات الصناعية و أساليبها ‪ ،‬و بخاصة عبر عملية إذابة‬
‫و صب و سبك بعض المعادن ‪ ،‬أو عبر مزجها لتكوين معادن مركبة أو مزيجة كالبرونز و‬
‫‪5‬‬
‫اإللكتروم و صناعة الزجاج و التزجيج وغيرها ‪.‬‬

‫‪ ‬ـ د‪ .‬ج وايزمان ‪ " ،‬بابل و أشور مركزان علميان قديمان " ‪ ،‬مجلة سومر ‪ ،‬ص‪ 11-99‬‬
‫‪ ‬ـ شيماء علي أحمد النعيمي ‪ ،‬الفلك في العراق القديم من الق رن السابع الى القرن الرابع قبل الميالد ‪ ،‬رسالة دكتوراه ‪ ،‬إشراف ‪ :‬علي ياسين‬
‫الجبوري ‪ ،‬جامعة الموصل ‪ ، 111 ،‬ص‪ .1-5‬و أنظر‪ :‬فاروق ناصر الراوي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪ .55‬‬
‫‪ 5‬ـ رينيه البات ‪" ،‬الطب الببلي و األشوري" ‪ ،‬تر‪ :‬وليد الجادر ‪ ،‬مجلة سومر ‪ ،‬مج‪ ، 919 ، 11‬ص‪ .9‬‬
‫‪ 1‬ـ نسرين أحمد عبد‪ .‬هيفاء أحمد عبد ‪ " ،‬معالجة بعض أمراض العيون و األسنان في الطب األشوري " ‪ ،‬مجلة دراسات موصلية ‪ ،‬العدد ‪، 51‬‬
‫‪ ، 1‬ص ‪ .‬‬
‫‪ 3‬ـ فرج بصمه جي ‪" ،‬الكيمياء و تكنلوجياتها في العراق القديم ‪ ،‬مجلة سومر ‪ ،‬مج ‪، 919 ، 1‬ص ‪ .11‬و أنظر‪ :‬فاروق ناصر الراوي ‪،‬‬
‫المرجع السابق ‪ ،‬ص‪ .511‬‬

‫‪51‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫كما نجح سكان بالد الرافدين في العديد من الصناعات المرتبطة بالعمليات الكيميائية و‬
‫منها المطهرات و صناعة الصابون عبر استخراجه من الزيوت النباتية و إضافة الكبريت و‬
‫المواد الصمغية‪ ،‬وفي ذلك يرى "ليفي بروفنسال" أنهم صنعوا الصابون البارد ‪ ،‬أو شبه المغلى‬
‫بمواد تتضمن الغليسيرين و الماء باعتماد الحالتين المتخثرة والسائلة ‪ ،‬كما استعمل في ذلك‬
‫‪1‬‬
‫زيت "الخروع" ‪ ،‬ثم يتم الفصل بين الغليسرين و الصابون عبر تنقية "الترسيب الملحي"‪.‬‬
‫جـ ـ الفن الرافديني ‪ :‬يمكن تناول الفن العراقي القديم بوصفه نشاطا يرتبط بالدولة و المعابد‪،‬‬
‫إذ تنتشر نماذجه في القصور و المعابد الضخمة المكرسة لآللهة القومية و آلهة المدن الرئيسة‪،‬‬
‫و أهم فنون المنطقة هي عملية النحت بأنواعه و من أمثلة النحت البارز في هذه الفترة هي‬
‫تلك المواضيع المنفّذة على ما يعرف بأحجار الحدود المعروفة باسم "كودرو" و هي أحجار‬
‫وظيفتها تحديد ملكية األشخاص أو مساحات األرض و كانت تودع في المعابد ‪ ،‬حيث شاع‬
‫‪2‬‬
‫استعمالها في العهد الكاشي ‪ ،‬و فنّيا خصّص الجزء األعلى منها لنحت صور اآللهة و رموزها‪.‬‬
‫أما عن النحت األ شوري المجسم فقد تجسد فيه حب ملوكهم للظهور بهيئة األقوياء جعل‬
‫تماثيلهم القليلة تطغى عليها هذه الصفة التي نالت من المرونة تلك التماثيل وحركتها ‪ ،‬كما‬
‫دفعتهم إلى جعل تماثيلهم مدونات إلنجازاتهم خاصة الحربية منها ‪ ،‬ومن تماثيل األشوريين‬
‫تمثال الملك "شلمنصر الثالث" (‪824-858‬ق‪.‬م ) ويبلغ ارتفاعه مترين ‪ ،‬منحوت من حجر‬
‫البازلت وقد عثر عليه في "نمرود" يظهر الملك وهو حافي القدمين ‪،‬كما تميزت الرسومات‬
‫والمنحوتات البارزة األشورية بإظهار القوة العضلية فيها ‪ ،‬فتبدوا العضالت مفصلة فيها بشكل‬
‫واضح لدى األشكال اإلنسانية والحيوانية على حد سواء ‪ ،‬كما جرت العادة على تصوير األسود‬
‫والوحوش المجنحة برؤوس بشرية ذات لحى ووضعت هذه المنحوتات الضخمة في مداخل‬
‫القصور الملكية ‪ ،‬من اجل إثارة الرهبة في نفوس األعداء‪( 3.‬أنظر الشكلين ‪ 11‬و‪)12‬‬
‫هذا و يشير عدد من الدارسين للفن األشوري و منهم "سبتينو موسكاتي" و "أنطوان‬
‫مورتكات" الى ّ‬
‫أن مواضيعه يغلب عليها الطابعين الدنيوي و الحربي إذ يقول األول ‪ " :‬و‬
‫الموضوعات الدنيوية (غير الدينية ) كموضوعات الرسوم البارزة ‪ ،‬متوافرة في الفن األشوري بل غالبة‬
‫‪4‬‬
‫عنه و هي تكسبه طابعا عسكريا بحتا يتماشى تماما و عقلية الشعب األشوري"‪.‬‬

‫د ـ العمارة ‪ :‬امتازت حركة التطور المعماري في العراق القديم بتفاعل كامل و حيوي‬
‫بين المادة األولية التي تصنع منها المواد اإلنشائية و بين طبيعة البيئة و المناخ اللذين يحيطان‬
‫بالمنشآت المعمارية حيث عرف إنسان العراق القديم وسائل تحقيق أهدافه العمرانية بالتجربة‬
‫و اكتساب الخبرة المتراكمة ‪ ،‬و في هذا كانت مادة الطين في شمال بالد النهرين و جنوبه المادة‬

‫‪ ‬ـ فاروق ناصر الراوي ‪ ،‬المرجع السابق ‪،‬ص ص‪ 531-535‬ـ بتصرف ـ ‪ .‬‬
‫‪ ‬ـ نعمت إسماعيل عالم ‪ :‬فنون الشرق األوسط القديم ‪،‬دار المعارف‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬ط‪، ،1‬د‪ :‬ت ‪،‬ص‪ .19‬‬
‫‪ 5‬ـ طارق عبد الوهاب مظلوم ‪ ،‬النحت من عصر فجر السالالت حتى العصر البابلي الحديث ‪ ،‬حضارة العراق ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص ‪ . 13‬‬
‫‪ 1‬ـ سبتينو موسوكاتي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪11‬ـ بتصرف ـ ‪ .‬‬

‫‪51‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫الرئيسية األوفر و األكثر اقتصادا و األسهل في عملية التطويع و التشكيل بأيدي البنائين كما‬
‫في أنامل النحاتين و الفخاريين ‪ ،‬حيث تم استعمال اللبن المحدب في عمليات اإلنشاء و معه‬
‫الطين كو سيلة ربط و اإلسفلت كمادة عازلة في الحمامات و أحواض المياه و كذلك الزفت و‬
‫‪1‬‬
‫الجص بدرجات أقل ‪.‬‬

‫الشكل ‪ :00:‬املسلة السوداء لـ"شلمنصر الثالث"‬ ‫الشكل‪ :00:‬املخلوقات األشورية املركبة (احلارسة)‬

‫و في الشمال استخدم األشوريون إضافة إلى اللبن و الطين األحجار في البناء خاصة في‬
‫القشرة الخارجية ألسوار المدن مثل سور "نينوى" و القصور و المصاطب مثل "القلعة الملكية‬
‫" في "خرسباد" و في أكساء قواعد األبراج الدفاعية مثل "أشور" أو أعمال الجسور والقناطر‬
‫و أقواس األبواب ‪ ،‬كما في حصن "شلمنصر" في "نمرود" أو قناطر مياه "سنحاريب" شمال‬
‫‪2‬‬
‫"الموصل" أو في تبليط طرق االرتقاء كما في معبد "نبو" في "خرسباد" ‪.‬‬
‫و إن من أهم المجاميع البنائية في الفترة قيد الدراسة هي المعابد‪ ،‬حيث يالحظ تع ّدد أنواعها‬
‫و أه ّمها المعابد لآللهة الرئيسية المنفردة و هي عادة معابد أرضية في مناطق مركزية أو هناك‬
‫المعابد المرتفعة فوق المصاطب ‪ ،‬المشيّدة من اللبن بطبقة أو طبقتين و هناك المعابد المالصقة‬
‫للزيقورات ‪ ،‬و هي معابد أرضية أو منخفضة تكون في الصحن المحيط بالزيقورة و لها‬
‫واجبات تكميلية ‪ ،‬ثم لدينا المعابد المرتفعة "الزيقورات" (أنظر الشكل‪ )13‬و تكون فوق‬
‫ارتفاعات اصطناعية يشكل المعبد الطبقة األعلى و ال تقل طبقاتها عن ثالث طبقات دون‬
‫‪3‬‬
‫احتساب المعبد ‪.‬‬
‫و اشتهر من المباني الملكية في العصر األشوري قصر الملك "آشور ناصربال الثاني"‬
‫(حوالي ‪ 879‬ق‪.‬م) على نهر دجلة بـ"نمرود"‪ ،‬و الذي استخدم في عهود "سرجون الثاني" و‬
‫سنحاريب" ‪ ،‬كما اشتهر من هذه الفترة حصن الملك "شلمنصر الثالث"(أنظر الشكل ‪ )14‬ابن‬

‫‪ ‬ـ أنطوان مورتكات ‪ ،‬الفن العراقي القديم ‪ ،‬تر ‪ :‬توفيق سليمان ‪ ،‬مطبعة اإلنشاء ‪ ،‬دمشق ‪ ،‬د‪:‬ط‪917 ،‬م ‪،‬ص ‪ .7‬‬
‫‪ ‬ـ مؤيد سعيد‪ ،‬العمارة في عصر فجر السالالت إلى نهاية العصر البابلي الحديث ‪ ،‬حضارة العراق ‪ ،‬ج‪ .1 ، 5‬‬
‫‪ 5‬ـ محمد بيومي مهران ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪ . 511‬‬

‫‪52‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫"آشور ناصربال الثاني" و المشيّد في الزاوية الجنوبية الشرقية من "نمرود" مقابل الحي‬
‫الملكي ‪ ،‬و كان هذا الحصن واسعا و يشمل عدة ساحات و قاعات و مداخل ينتقل منها عبر‬
‫‪1‬‬
‫بعضها حتى قاعة العرش‪.‬‬

‫الشكل ‪ :14:‬خمطط حصن "شلمنصر الثالث"‬ ‫الشكل ‪ : 11:‬زيقورة نابونائيد الكلداين كما صممها السري ليونارد وويل‪.‬‬

‫و يع ّد العصر الكلداني ـ حسب كثير من المختصين ـ عهد الفخامة بالنسبة للمظهر العمراني‬
‫ببالد الرافدين ‪،‬خاصة عهد "نابوبالسر" و ابنه "نبوخذ نصر الثاني" ‪ ،‬إذ قاما بإعادة تخطيط‬
‫مدينة "بابل" مع التركيز على القصور الملكية ‪ ،‬و ذلك عبر إقامة شارع رئيسي للربط بين‬
‫القصور و وسط المدينة و هو "شارع الموكب" ‪ ،‬كما ركزوا في عمارتهم على "برج بابل"‬
‫الشهير و معبد اإلله "مردوخ"‪ ،‬و من أه ّم ما ت ّم الكشف عنه في مدينة بابل "القصر الجنوبي"‬
‫الذي بناه "نبوخذ نصر الثاني" على مساحة ‪ 52‬ألف م‪ 2‬فوق مصطبة عالية ‪ ،‬و ترتفع جدرانه‬
‫من حوالي ‪ 12‬إلى ‪ 15‬مترا ‪ ،‬و لهذا القصر خمس ساحات متتالية أكبرها الساحة الثالثة‬
‫الوسطى ‪ ،‬و يبلغ ضلعها ‪ 60‬مترا و تلتصق في ضلعها الجنوبي بقاعة العرش الكبرى ‪ ،‬و هي‬
‫‪2‬‬
‫بمساحة (‪35×55‬م) و لها ثالثة أبواب‪.‬‬
‫د ـ الجانب الديني ‪ :‬تتميز ديانة بالد الرافدين بالديمومة لكثير من أفكارها الدينية و التشابه في‬
‫االعتقاد في قضايا الخلق و مصير الروح بين األقوام المتعاقبة على حكم المنطقة ‪ ،‬و بسبب‬
‫ضيق المجال‪ ،‬سأختصر الموضوع عبر تقسيمه كاآلتي ‪:‬‬
‫*ـ المعتقدات الدينية ‪ :‬و تشمل األفكار الدينية التي اشتركت في تقديسها الشعوب المشكلة‬
‫لحضارة المنطقة ‪ ،‬و من المظاهر المميّزة للفكر الديني في ما بين النهرين صفة االستمرار‬

‫‪ ‬ـ سبتينو موسكاتي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪ ..19‬‬


‫‪ ‬ـ ل‪.‬ديالبورت ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪ 73‬و كذا أنظر ‪ :‬مؤيد سعيد ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪ . 77‬‬

‫‪53‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫التاريخي ‪ ،‬فإنه عندما بلغ طور النضج في العصور التاريخية في األلف الثالث قبل الميالد ‪،‬‬
‫لم يطرأ عليه تغيير حتى زوال البابليين السياسي فالمعبودات التي قدسها سكان العراق في‬
‫العصور التاريخية المتأخرة ( البابلي األشوري و الكلداني ) هي‪-‬بوجه التقريب‪ -‬المعبودات‬
‫نفسها التي قدسوها في األدوار القديمة ‪ ،‬أما التغييرات التي نجدها فرض في عالقة اآللهة‬
‫بعضها ببعض ‪ ،‬و كذلك مكانة اآللهة و أهميتها تتغير تبعا للتغييرات السياسية ‪ ،‬فعندما تبلغ‬
‫مدينة قوة سياسية و تبسط سلطانها على المدن األخرى و يعظم عند ذلك شأن إلهها ‪ ،‬فيعمل‬
‫الكهنة على تحديد عالقة هذا اإلله بغيره من اآللهة ‪ ،‬و كثير ما يعمد الكهنة إلى تحوير المعتقدات‬
‫‪1‬‬
‫الدينية لتتفق مع التغيير الحاصل في مكانة اآللهة ‪.‬‬
‫و اعتقد اإلنسان العراقي القديم بالقوى الخيرة و الشريرة‪ ،‬التي نسب إليها التحكم في عالمه‬
‫الدنيوي و األخروي ‪ ،‬و حاول أن يح ّدد مفهوما و ما يلزم الكتساب رضاها ‪ ،‬حيث نسب لهذه‬
‫القوى صفات وعواطف بشرية و أصبغ عليها نفس طريقة حياته‪-‬إالّ أنّه رفعها عن الجنس‬
‫البشري بأن منحها الخلود‪ -‬و نسب الصفات الشريرة إلى عالم األرواح الخبيثة و التي جعلها‬
‫قوى أسمى من شرورها عبر وسائل كالسحر ‪.‬‬
‫و اعتمادا على األساطير البابلية فالمعتقد السائد أن عنصر الماء أزليا و إلهيا (اإلله أبسو)‪،‬‬
‫و تولد من الماء عنصر آخر هو عنصر السماء (آنو) و األرض متحدين و كانت األرض‬
‫والسماء إلهين كذلك و تولد من السماء و األرض المتحدين عنصر غازي هو الهواء الممتد‬
‫الذي فصل بتمدده السماء عن األرض ‪ ،‬و هنا تم تجسيم الهواء إلها هو "إنليل" و تولد من‬
‫الهواء القمر و من القمر ولدت الشمس و جسموا كالّ من القمر والشمس وع ّدوهما إلهين‪ ،‬و‬
‫بعد انفصال األرض عن السماء نشأت أنواع الحياة األخرى من نبات و حيوان ثم اإلنسان ‪،‬كما‬
‫اعتقدوا أن أصل الحياة األخرى و األشياء نشأ من اتحاد الهواء و التراب و الماء بمساعدة‬
‫‪2‬‬
‫الشمس‪.‬‬
‫لم يشك البابليون في حتمية الموت و فرضيته على البشر و جميع األحياء ‪ ،‬و لكن يبدو ّ‬
‫أن‬
‫فكرة البعث بعد الموت و الجنة و النار لم يعرفوها ‪ ،‬حتى أن فكرتهم في التعبد و تقديم القرابين‬
‫لم تكن للحصول على الحياة الخالدة بل طمعا في النعم المادية الملموسة في الحياة الدنيا ‪ ،‬و‬
‫عقيدتهم في ذلك أن اإلنسان ما دام يعمل صالحا فقد استحق رضي اآللهة و عاش ممتعا‬
‫بالسعادة‪ ،‬أما إذا أذنب‪ -‬بقصد أو بدون قصد‪ -‬فإن اإلله حاميه يتخلى عنه فتتلقفه مخلوقات الشر‬
‫و يتردى في عالم الرذيلة ‪ ،‬أما أفكارهم حول حالة الموتى في العالم السفلي ‪ ،‬فإنه بوجه عام‬
‫فهو عالم مخيف يكاد يتساوى فيه الموتى و ال قيامة فيه و ال رجعة ‪ ،‬أي أنهم لم يعتقدوا بعالم‬
‫‪3‬‬
‫آخر للثواب و العقاب أي ال جنة عندهم و ال نار كما في األديان األخرى ‪.‬‬

‫‪ ‬ـ أحمد أمين سليم ‪،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 591‬و براجع في ذلك ‪ :‬طه باقر ‪ ،‬مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة ‪ ،‬ج‪ ، ‬ص‪ 1‬‬
‫‪ ‬ـ خزعل الماحدى ‪ ،‬إنجيل بابل ‪ ،‬األهلية للنشر ‪ ،‬عمان ‪ ،‬ط‪ ، 999 ، ‬ص ‪ .5‬‬
‫‪ 5‬ـ فراس السواح‪ ،‬األسطورة و المعنى ‪ ،‬دراسات في الميثولوجيا و الديانات الشرقية ‪ ،‬دار عالء الدين ‪ ،‬دمشق ‪ ،‬ط‪ ، 11 ، ‬ص ‪ .95‬‬

‫‪54‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫*ـ اآللهة (المعبودات )‪ :‬و كانت الحياة الدينية في بالد الرافدين تقوم على تع ّدد اآللهة ‪،‬و كان‬
‫يقدر عددها بأرقام كبيرة ‪ ،‬و في العهد البابلي بلغ عددها ‪ 65‬إلها ‪ ،‬و كان لكل مدينة بالمنطقة‬
‫إله تخضع لحمايته ‪ ،‬كما كان ألنواع النشاط البشري آلهة توحي للناس ما يجب أن يفعلوه ‪ ،‬و‬
‫تدبر له مختلف شؤونه ‪ ،‬و تقوم بحمايتهم ‪ ،‬كما كان لكل ظاهرة طبيعية إله خاص مثل "آنو"‬
‫إله السماء و اإلله "إنليل" إله الهواء و اإلله "سن" إله القمر و اإلله "أدد" إله العواطف ‪ ،‬بينما‬
‫كان اإلله "أيا" هو اإلله المحلي لمدينة "أريدو" السومرية في أقصى الجنوب ‪ ،‬و كان يقتسم‬
‫مع "آنو" و "إنليل" حكم العالم ‪،‬كما يسيطر على الحياة المحيطة بالعالم و هو المسؤول عن‬
‫‪1‬‬
‫طرد األرواح الشريرة ‪.‬‬
‫أن الديانة البابلية ـ اآلشورية تتميز بتعدد اآللهة ‪ّ ،‬إال أنهم في الوقت نفسه‬
‫و بالرغم من ّ‬
‫كانوا يفردون بعض اآللهة و يفضلونها على األخرى ‪ ،‬أي أنهم كانوا يعتقدون بمبدأ"التفريد "‬
‫أن مردوخ (انظر الشكل ‪ )15‬كان يوصف بأنه تجلي اآللهة‬ ‫‪ Henotheism‬ال التوحيد و مثاله ّ‬
‫في مظاهرها حيث ورد في النصوص الدينية ‪ ":‬نرجال هو مردوخ المعارك ‪ ..‬و زبابا هو مردوخ‬
‫المذابح ‪ ..‬و إنليل هو مردوخ الشورى ‪..‬و الحكم و شمش هو مردوخ الحق و العدل " و نفس األمر‬
‫‪2‬‬
‫يقال على اإلله "أشور" عند األشوريين ‪ ،‬ثم اإللهين "مردوخ" و "نابو" عند الكلدانيين ‪.‬‬

‫الشكل ‪ : 16‬رموز اإلله "آشور" التي تتكرر في المخلفات األثرية‬ ‫الشكل ‪ :15 :‬اإلله "مردوخ "ـ القرن التاسع ق‪.‬م‬
‫(أنظر ‪)Philip Henri Grosse ,Assyria .her manners .and costumes..P 92 . :‬‬ ‫ـ حفائر بابل ‪.‬متحف برلين ـ‬
‫( أنظر‪ :‬ل ‪.‬ديالبورت ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪)143‬‬

‫و جرى ترتيب و تصنيف اآللهة في العراق القديم حسب مبدأ فلسفي اتخذ العالقات‬
‫الموجودة في العائلة البشرية قدوة له ‪ ،‬إذ صنفوهم في فئتين ثالوثيتين هما الجيل األول (اآللهة‬

‫‪ ‬ـ أنطون مورتكات ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪ ، 161‬و كذلك ‪ :‬فوزي رشيد ‪ ،‬الديانة ‪ ،‬حضارة العراق ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص ‪ . 174‬طه باقر ‪ ،‬مقدمة في‬
‫تاريخ الحضارات القديمة ‪ ،‬ج‪ ، 1‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.227‬‬
‫‪ ‬ـ حامي محروس إسماعيل ‪ ،‬الشرق العربي القد يم و حضارته (بالد ما بين النهرين و الشام و الجزيرة العربية القديمة) ‪ ،‬مؤسسة شباب الجامعة‬
‫‪ ،‬اإلسكندرية ‪ ،‬د‪:‬ط ‪ ، 997 ،‬ص ‪. 17‬و أنظر ‪ :‬عبد الحميد زايد ‪ ،‬الشرق الخالد ‪ ،‬مقدمة في تاريخ و حضارة الشرق األدنى القديم من أقدم‬
‫العصور حتى ‪ 55‬ق‪.‬م ‪ ،‬دار النهضة العربية ‪ ،‬القاهرة ‪ ، 911 ،‬ص ‪ . 59‬‬

‫‪55‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫الكونية) حيث السماء "آنو" و األرض "إنليل" و الماء "أيا" ‪ ،‬يقابلهم آلهة الجيل الثاني( آلهة‬
‫‪1‬‬
‫فلكية) القمر"زن" أو "سين" والشمس "شمش"و الزهراء "عشتار"و اإلله "حدد"(العاصفة)‪.‬‬
‫*ـ الكهنة ‪ :‬لم يكن هناك فرق واضح بين الموظفين المدنيين و الدينيين في العراق القديم حتى‬
‫نهاية التاريخ البابلي المتأخر ‪ ،‬إذ كان األمير هو الكاهن األكبر إلله مدينته ‪ ،‬بينما كان الملك‬
‫هو الكاهن األكبر لإلله الوطني ‪ ،‬و انعكس التطور السياسي و االجتماعي التي شهدته الدولتين‬
‫–البابلية و األشورية‪ -‬منذ األلف الثاني قبل الميالد في تطوّ ر شؤون المعابد و النظام الكهنوتي‪،‬‬
‫حيث ظهرت طبقات من الكهنة لك ّل منها درجتها و عملها الخاص ‪ ،‬حيث كان من هذه الطبقات‬
‫ما يختص بأمور التنظيف و التطهير الديني و بعضها بإدارة شؤون المعابد و أمالكها و‬
‫‪2‬‬
‫وارداتها ‪ ،‬و منها ما يتصل بأعمال السحر و العرافة‪.‬‬
‫و كانت المعابد الكبيرة تضم عددا من الكهنة و على رأسهم "الكاهن األعلى" وفق ترتيب‬
‫صارم يفرض على كل فئة وظائف محددة ‪،‬و عموما كان الكهنة ينقسمون إلى ثالث مراتب‬
‫منهم السحرة ‪ ،‬و هم الذين يستعطفون اآللهة و يعبدون األرواح النجسة ‪ ،‬و المنجّمون‬
‫(العرافون) الذين يتنبئون بالمستقبل ثم المغنون الذين يباشرون وظائف كالترتيل و العزف و‬
‫‪3‬‬
‫األغاني االحتفالية و الجنازية ‪.‬‬
‫و يقسم المؤلف سامي سعيد األحمد الكهنة في بالد الرافدين إلى أربعة أقسام أساسية و هي‪:‬‬
‫أ‪-‬أصحاب المراتب الرفيعة "السانكا" ‪ :‬و منهم "اإلينو" و هو رئيس المعبد و الكاهن األعلى‬
‫و يختار بطرق خاصة و معه الكاهنة العليا "إينتوم" و تسكن الكاكوم و تحت تصرفها الكاهنات‬
‫و هي العنصر األنثوي في الزواج المقدس يضاف لها "الماخو" المسؤول عن المالية و‬
‫"الشادو" المشرف على أراضي المعبد و "الكاكور" المشرف على مخازن الحبوب ‪.‬‬
‫ب‪-‬كهنة القداس ‪ :‬و يتخصصون باالحتفاالت مثل "األوريكالكو" و هم المسؤولين عن بوابات‬
‫المعبد ‪.‬‬
‫ج‪-‬الكهنة المختصون ‪ :‬بالوظائف المختلفة و منهم المطهرون و المدهنون و األشيبو‬
‫المختصون بالتعاويذ و "الكالو" المنشدون ‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫د‪-‬المختصون باألسرار اإللهية ‪ :‬و منهم العرافون "البارو" و مفسروا األحالم ‪.‬‬
‫*ـ المعابد ‪ :‬كانت المعابد أماكن اآللهة على األرض في الديانات و المعتقدات السامية القديمة‬
‫–عموما‪ -‬قبل أن تكون أماكن للصالة و أداء الطقوس و الشعائر الدينية ‪ ،‬و كان الحكام و‬
‫الملوك يتقربون لهذه اآللهة ببناء معابد لها ‪ ،‬حيث كانت أكبر اآللهة تحضي بأكبر عدد من‬
‫‪5‬‬
‫المعابد و بأوسعها بناء و بأفخمها عمارة ‪.‬‬

‫‪ ‬ـ ألكسندر هايدل ‪ ،‬سفر التكوين البابلي قصة الخليقة "حينما في األعالي "‪ ،‬تر‪ :‬سعيد الغانمي ‪ ،‬منشو رات الجمل‪ ،‬بغداد ‪ ،‬ط‪،117 ، ‬‬
‫ص‪ 9‬و أنظر ‪ :‬ل‪.‬ديالبورت ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪ ، 1‬و أنظر ‪ :‬أنطون مورتوكات ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪ .57‬‬
‫‪ ‬ـ أنطون مورتكات ‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ . 51‬‬
‫‪ 5‬ـ ل‪-‬ديالبورت ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪ . 31‬‬
‫‪ 1‬ـ سامي سعيد األحمد ‪ ،‬المعتقدات الدينية في العراق القديم ‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ص ‪ 3-3‬ـ بتصرف ـ ‪‬‬
‫‪ 3‬ـ فوزي رشيد‪ ،‬الديانة‪ .‬حضارة العراق ‪ ،‬ج‪ ، ‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪ . 3‬‬

‫‪56‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫و كانت المعابد ذات شكل و حجم مختلفين ‪ ،‬فبعضها كانت مجرد مصليات صغيرة ‪ ،‬تتكون‬
‫من صف من الدور (الغرف) ‪ ،‬و تشتمل على فناء مكشوف يضم محرابا و قاعدة للتمثال‬
‫ا لمقدس ‪ ،‬كما كانت هناك معابد تضم عدة أقبية و غرف ‪ ،‬ثم أقيمت المعابد الضخمة ذات‬
‫التركيبات المعقدة و تخصّ اآللهة األعظم ‪ ،‬و كانت تضم غرفا إليواء الكهنة و العاملين في‬
‫المعبد ‪ ،‬و هنا كانت كل المعابد الرئيسية تشترك في خصائص معينة ‪ ،‬حيث اشتمل كل منها‬
‫على فناء كبير تحيط به غرف صغيرة تستخدم لإلقامة أو كمكتبات (مدارس للكهنة)‪ ،‬و ورشات‬
‫‪1‬‬
‫و مخازن و اصطبالت ‪.‬‬
‫و يع ّد معبد "اإليزاجيال" في بابل أوسع المعابد و أشهرها ‪ ،‬و هو معبد اإلله "مردوخ"‪ ،‬معنى‬
‫لفظه ( ‪ES-Agila‬ــ "المعبد الذي تناطح ثروته السحاب ) و بداخله كانت الحجرة التي يقف فيها‬
‫تمثال "مردوخ" الضخم و أريكته التي تزن ‪ 50‬وزنة من الذهب ‪ ،‬و بداخله قاعة ذات أعمدة‬
‫غطيت جدرانها باأللواح الخشبية ‪ ،‬كما توجد بالمعبد ‪ 55‬حجرة صغيرة للعبادة منخفضة‬
‫االرتفاع مخصصة لبقية آلهة المجتمع ‪ ،‬و لقد اهتم الملوك المتعاقبون (البابليون و األشوريون)‬
‫‪2‬‬
‫في تجديده و ترميمه‪.‬‬
‫*ـ الطقوس الدينية ‪ :‬كانت الشعائر التي تقام تقربا لآللهة متنوعة فمنها الصلوات و تقديم‬
‫القرابين و االحتفال باألعياد الدينية و منها ما يتخذ لمعرفة طالع اإلنسان و الوقوف على‬
‫المستقبل (و هو ما يطلق عليه العرافة و الكهانة )‪ ،‬و منها ما يتخذ لطرد الشياطين من جسم‬
‫اإلنسان و شفاء المرضى (و الذي يدخل نوعه تحت السحر )‪ ،‬وتتنوع أشكال العبادة في العراق‬
‫القديم ‪ ،‬بحيث منها ما يقوم به الفرد بنفسه بدون وساطة كهنة المعبد كالدعاء و صالة التوبة ‪،‬‬
‫و منها ما يقام بها تحت إشراف الكهنة كذبح القرابين و ما يتبع ذلك من أعمال و صالة و حرق‬
‫‪3‬‬
‫بخور و سكب للسوائل المقدسة‪.‬‬
‫و يتم التوجه بالصلوات إلى إله بعينه‪ ،‬عبر تالوة التراتيل التي تمجد صفاته اإللهية و‬
‫منجزاته و تنتهي الطقوس بتسبيحة نمطية للشكر ‪ ،‬كما يمكن أن يتّجه الناس في العبادة إلى‬
‫اآللهة الشفيعة "الما ‪ "LAMA‬التي تأخذ بيد المتعبد إلى حضرة اإلله ‪ ،‬و يمكن كذلك االبتهال‬
‫إلى األرواح الحارسة "شدو" " ‪ "Shedu‬و الماسو" " ‪ ، "Lamasu‬هذا و إن اآلداب البابلية لتكثر‬
‫فيها الترانيم التي تفيض بالتذلل ‪ ،‬و أكثرها وجدت في صورة "أناشيد التوبة" و منها قول أحد‬
‫المتعبدين ‪":‬أنا خاد مك ‪ ..‬أتضرع إليك و قلبي مفعم بالحسرات ‪ ..،‬إنك لتقبل الدعاء الحار‬
‫‪4‬‬
‫الصادر ممن أثقلته الذنوب ‪ ،‬فانظر إل ّي بعطف و تقبل دعائي ‪." ..‬‬

‫‪ ‬ـ طه باقر ‪ ،‬مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة ‪،‬ج‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ . 79‬‬
‫‪ ‬ـ مارغريت روتن ‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ص ‪ 9-9‬ـ بتصرف ـ ‪‬‬
‫‪ 5‬ـ سامي سعيد األحمد ‪ ،‬المعتقدات الدينية في العراق القديم ‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪. 31‬و كذلك يراجع ‪ :‬سبتينو موسكاتي‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‬
‫‪ . 91‬‬
‫‪ 1‬ـ شيبان ثابت الراوي ‪" ،‬الطقوس الدينية في بالد الرافدين حتى نهاية العصر البابلي الحديث" ‪ ،‬رسالة دكتوراه (غير منشورة ) جامعة بغداد ‪،‬‬
‫‪ ، 11‬ص ‪ .15‬‬

‫‪57‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫أما عن عمليات الدفن فمن خالل قبور العصر البابلي الحديث بمدينة كيش" وضع الميت‬
‫بتابوت طيني أو في األرض و لم تكن التوابيت على طول الجثث لذا كانوا يثنون األطراف‬
‫(الرجلين) ‪ ،‬كما نعرف عن دفن الموتى أنه كان في ساحات المعابد كما أوضحت طبقات معبد‬
‫"نفر" ‪ ،‬و تظهر الطقوس الجنازية من خالل كالم للملك الكلداني "نابونائيد" الذي أمر "بمسح‬
‫جثة والده بالزيت و دفنه بمالبسه الثمينة المنسوجة من الكتان األبيض ‪ ...‬و ذبح الخرفان السمان و‬
‫‪1‬‬
‫تقديمها إليه"‪.‬‬
‫و من أهم الطقوس االحتفالية عيد رأس السنة البابلية األشورية و المعروفة بـ "عيد‬
‫األكيتو" ‪ ،‬و قد كانت هذه تقام في كل سنة في المدن المختلفة مثل ‪ :‬أور و الوركاء و أدلب و‬
‫آشور و أربيال و بادتبيرا و بورسيبا و دور شروكين (خورسباد) ‪ ،‬أريدو ‪ ،‬حرّ ان ‪ ،‬كلخو‬
‫(نمرود) ‪ ،‬كيش ‪ ،‬لجش ‪ ،‬ماري ‪ ،‬نيبور ‪ ،‬نينوى ‪ ،‬سبار ‪ ،‬أوما ‪ ، .‬و كان العيد السنوي يستمر‬
‫في بابل حوالي ‪ 12‬يوما ‪ ،‬أين يسير موكب اإلله في أحد شوارع بابل مارا بـ"باب عشتار" ثم‬
‫عبر شارع الموكب في الربيع من كل سنة ‪ ،‬وهذا العيد كان رمزا للصراع بين قوى الطبيعة‬
‫‪2‬‬
‫حتى تنتصر القوى الخالقة فتزدهر األرض بالنبات في بداية الربيع‪.‬‬

‫المحور الثالث ‪ :‬التاريخ و الحضارة الفرعونية‬


‫أوال ـ مدخل عام ‪ :‬لمعالجة الموضوع فضلت أن أمهّد له كاآلتي‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ جغرافية مصر القديمة ‪ :‬تقع مصر القديمة في الركن الشمالي الشرقي من أفريقيا بنت‬
‫احدى الحضارات المتفوقة في العالم القديم ‪ ،‬و قسمت الطبيعة في مصر الى منطقتين مختلفين‪:‬‬
‫جزء ضيق من األراضي الخصبة المجاورة للنهر و الممتدة من "أسوان" حتى منطقة القاهرة‬
‫الحديثة ( وهي المنطقة التي يطلق عليها " مصر العليا" أو "الصعيد" ) ‪ ،‬و المثلث الواسع‬
‫الذي تكوّ ن خالل آالف السنين ‪ ،‬من ترسبات طمي النهر الذي يتدفق شماال حتى البحر المتوسط‬
‫‪3‬‬
‫( يطلق عليها مصر السفلى أو الدلتا)‪.‬‬
‫وتظهر أهمية الموقع الجغرافي لمصر كملتقى للقارات الثالث القديمة ( آسيا ‪ ،‬أوربا و‬
‫أفريقيا ) من حيث أثره في تكوين شخصيتها الجغرافية و توجيه دورها التاريخي و الحضاري‬
‫عبر العصور‪ ،‬كما كان لوقوع مصر بين بحرين مهمين هما البحر المتوسط في الشمال و‬
‫البحر األحمر و خليجيه العقبة و السويس في الشرق ‪ ،‬أثره في زيادة أهمية الموقع كمعبر‬
‫للطرق التجارية منذ القدم مع شعوب الشرق األدنى في نهاية طريق الشاي و الحرير ‪ ،‬كما تعد‬
‫شبه جزيرة سيناء بوابة مصر القديمة من الشرق ‪ ،‬و التي استقبلت الهجرات السكانية من‬
‫المناطق المجاورة ‪(4 .‬أنظر الشكل ‪)17‬‬

‫‪ ‬ـ مارغريت روتن ‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ . 95‬‬


‫‪ ‬ـ حكمت بشير األسود ‪،‬أكيتو‪ ..‬عيد رأس السنة البابلية األشورية ‪،‬المديرية العامة للمكتبات ‪ ،‬أربيل ‪ ،‬ط‪، 1 ،‬ص ص‪. 91 -39‬بتصرف ـ ‪‬‬
‫‪ 5‬ـ اللجنة العلمية الدولية لتحرير تاريخ أفريقيا العام ‪ ،‬تاريخ أفريقيا العام ‪،‬مج‪ "‬حضارات أفريقيا القديمة ‪ ،‬مطابع كانالي ‪ ،‬تورينو ـ إيطاليا ـ ‪،‬‬
‫‪ ،993‬ص‪ .7‬‬
‫‪ 1‬ـ محمد فريد فتحي ‪ ،‬في جغرافية مصر ‪ ،‬دار المعرفة الجامعية ‪ ،‬اإلسكندرية‪،‬ط‪ ، 111 ، ‬ص‪ .‬‬

‫‪58‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫*ـ نهر النيل‪ :‬نشأ نهر النيل في أواخر عصر الميوسين في الزمن الجيولوجي الثاني ‪ ،‬و بدأ‬
‫في شق مجراه فوق األراضي حين اتصل بالمنابع الحبشية و منابع هضبة البحيرات في أوائل‬
‫عصر الباليستوسين ‪ ،‬ولم يعرف بشكله الحالي إال منذ ‪10‬آالف سنة ‪ 1،‬و يمتد من الجنوب الى‬
‫الشمال بطول ‪6670‬كم ممتدا من مناطق غزيرة األمطار في منابعه العليا بالحبشة الى أن‬
‫يصل الى المناطق الصحراوية في شمال السودان ثم مصر التي يقطعها في ‪1530‬كم انطالقا‬
‫‪2‬‬
‫من جنوب مدينة أسوان (الشالل األول )‪.‬‬

‫‪ ‬ـ عبد الفتاح محمد وهيبة ‪ ،‬مصر و العالم القديم ‪.‬الجغرافية التاريخية ‪ ،‬منشأة المعارف ‪ ،‬اإلسكندرية ‪،‬د‪:‬ط ‪ ،‬د‪:‬ت ‪ ،‬ص‪ .51‬‬
‫‪ ‬ـ نخبة من العلماء ‪ ،‬تاريخ الحضارة المصرية " العصر الفرعوني " ‪ ،‬مج‪ ، 1‬مكتبة النهضة المصرية ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬د ‪:‬ت ‪،‬ص ص‪ .7-1‬‬

‫‪59‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫و النيل بنظامه الخاص في الفيضان قد فرض على المجتمع المصري الزراعي الوحدة و‬
‫النظام‪ ،‬و كان الشريان الرئيسي للمواصالت ‪ ،‬كما ساعد على ربط أنحاء البالد و أنشأ بين‬
‫المصريين نوعا من التعاون الجماعي ‪ ،‬و كان النواة لقيام الحكومة المركزية منذ فجر التاريخ‬
‫ويرجع للنيل الفضل في خلق مدنية زراعية راقية في مصر ‪ ،‬كما ساعد هذا مع الموقع‬
‫الجغرافي في نقل مظاهر هذه المدنية الى حوض المتوسط ‪ 1،‬وهنا نذ ّكر بقول هيرودوت‬
‫‪2‬‬
‫الشهير المنقول عن هيكاتوس المليتي " مصر هبة النيل"‪.‬‬
‫ويتميز وادي النيل بفيضانه الذي يحدث عموما كل سنة بين شهري جويلية و أكتوبر وهي‬
‫الفيضانات التي حملت الشعب المصري قديما على الوحدة و النظام ‪ ،‬يمكن حصر أهميته في‬
‫ري األراضي و المالحة النهرية مما يسهل االتصال و االحتكاك بين أفراد المجتمع المصري‬
‫مما ولّد فكرة التعاون و التبادل ‪ ،‬وخوفا من فيضان النيل و غرق البيوت و المحاصيل الذي‬
‫كان يهدد السكان بشكل دائم ‪ ،‬استلزم ذلك تجنيد كفاءات الشعب المصري مجبرا إياهم على‬
‫التعاون في إقامة الجسور و تنظيم مجرى النيل ‪ ،‬كما تطلب هذا التعاون مساهمة السلطة في‬
‫جميع األقاليم ومن ثمة وجدت حكومات إقليمية ثم حكومتا الشمال و الجنوب ثم الحكومة‬
‫‪3‬‬
‫المركزية للوجهين البحري و القبلي ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ مصادر دراسة التاريخ الفرعوني ‪ :‬يعتمد أي دارس للتاريخ الفرعوني على جملة من‬
‫المصادر األساسية ‪ ،‬أه ّمها المصادر المادية (األثرية) وكتابات تاريخية معاصرة تعلقت‬
‫بمخلفات دول منطقة الشرق األدنى القديم‪ ،‬وكذا كتابات كالسيكية لمؤرخين يونان و رومان‪،‬‬
‫ثم ما جاء في نصوص الكتب المقدسة عن مصر و أحوالها ‪ ،‬والتي يمكن معالجتها كاآلتي‪:‬‬
‫أوال ـــ المصادر األثرية ( المادية) ‪:‬و تشمل اآلثار المصرية القديمة مواد ثابتة كالمعابد‬
‫واألهرامات و المقابر و بقايا المدن و المنازل و المسالت و التماثيل و اللوحات ‪ ،‬و أخرى‬
‫تش ّكل مواد منقولة تتضمن كافة أو جه الحضارة من أدوات منزلية و أسلحة و أدوات زينة و‬
‫قراطيس البردي وغيرها‪ ،‬إضافة الى آثار فكرية تض ّم كتابات في الفكر الديني و األدبي و‬
‫السياسي ‪ ،‬و كلّها تش ّكل المصدر األساسي و األول الذي يعتمد عليه الباحث في دراسته‬
‫للحضارة الفرعونية في مظاهرها المتعددة ‪ 4،‬وتكمن أهمية المصدر األثري في معاصرته‬
‫لموضوع الدراسة التاريخية ‪ ،‬إذ ساعد على وفرة اآلثار المصرية و تنوعها عامالن هامان ‪،‬‬
‫تمثل األول في العقيدة الدينية التي اعتقد بها المصريون القدامى و هي عقيدة البعث و الخلود ‪،‬‬
‫و الثاني هي الظروف البيئية ـ الطابع الرملي الصحراوي و المناخ الحار الجاف ـ التي ساعدت‬
‫‪5‬‬
‫على حفظ اآلثار المصرية منذ أقدم العصور الى الفترة الحالية‪.‬‬

‫‪ ‬ـ محمد فريد فتحي ‪ ،‬في جغرافية مصر ‪ ،‬ص‪ .1‬‬


‫‪ ‬ـ هيرودوت ‪ ،‬هيرودوت يتحدث عن مصر ‪ ،‬تر‪ :‬محمد صقر خفاجة ‪ ،‬تقديم‪ :‬أحمد بدوي ‪ ،‬دار القلم ‪ ،‬القاهرة ‪ ، 911،‬ص ‪ .99‬‬
‫‪ 5‬ـ جيمس هنري برستد ‪،‬تاريخ مصر منذ أقدم العصور الى الفتح الفارسي ‪ ،‬تر‪ :‬حسن كمال ‪ ،‬ط‪ ، ‬مكتبة مدبولي ‪ ،‬القاهرة ‪ ، 991،‬ص‪ ‬و‬
‫أنظر‪ :‬شارن شافية ‪ ،‬شارن شافية ‪ ،‬مصر الفرعونية ‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية ‪،‬الجزائر ‪ ،، 119 ،‬ص‪ 9‬‬
‫‪ 1‬ـ رمضا‪‬عبده‪‬علي‪،‬تاريخ‪‬مصر‪‬القديم‪،‬ج‪ ،‬دار‪‬نهضة‪‬الشرق‪،‬القاهرة‪ ،‬د‪:‬ط ‪ ، 11 ،‬ص‪ .19‬‬
‫‪ 3‬ـ سمير العيداني ‪" ،‬المصادر المادية و األدبية لدراسة التاريخ الفرعوني"‪ ،‬المجلة التاريخية الجزائرية ‪ ،‬مخبر الدراسات و البحث في الثورة‬
‫الجزائرية ‪،‬المسيلة ‪ ،‬العدد ‪ ، 17 ، 5‬ص‪ .‬‬

‫‪61‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫‪ 1‬ـ القوائم الملكية ‪:‬‬


‫و يجب تناول هذا النوع من المصادر المصرية القديمة المكتوبة بشيء من الحذر‪ ،‬ألنها‬
‫ذات طبيعة خاصة ففي كثير من األحيان جرى وضعها تحقيقا لهدف خاص كتعديد أعمال‬
‫فرعون ما ‪ ،‬أو تخليدا لذكرى الفراعنة الذين استحقوا عرفان أجيال المستقبل‪ ،‬هذا و لعل أهم‬
‫ما ّعثر عليه كنماذج لقوائم الملوك القوائم اآلتية ‪:‬‬
‫أ ــ حجر بالرمو‪ :‬سمي بهذا االسم ّ‬
‫ألن الجزء األكبر من النص محفوظ بمتحف مدينة‬
‫"بالرمو" في جزيرة صقلية (أنظر الشكل ‪ ، )18‬وهو لوح من حجر الديوريت منقوش على‬
‫جانبيه و فيه نجد أسماء كل الفراعنة الذين حكموا مصر منذ البداية حتى األسرة الخامسة‬
‫‪1‬‬
‫(حوالي ‪ 2450‬ق‪.‬م ) ‪.‬‬

‫الشكل ‪: 18 :‬حجر بالرمو ( أنظر ‪ :‬اللجنة العلمية الدولية لتحرير تاريخ أفريقيا العام ‪ ،‬تاريخ الحضارات العام ‪ ،‬مج‪ ، 20‬ص‪)51‬‬

‫ب ــ قائمة الكرنك ‪ :‬و هذه نقشها كاتب من عهد "تحتومس الثالث"‪ ،‬خالل النصف األول‬
‫من القرن ‪ 15‬ق‪.‬م ‪ ،‬على جانب من معبده بأقصى مجموعة الكرنك في معبد األعياد‪ ،‬وصوّر‬
‫فرعونه فيها يتجه بدعواته و قربانه الى واحد وستين اسما من أسماء أسالفه ‪ ،‬و استطاع أن‬
‫عز عليه أن يسجل‬‫يسجل أسماء القريبين من عهده في الدولتين الوسطى و الحديثة ‪ ،‬و لكن ّ‬
‫أسماء البعيدين عن عهده في الدولة القديمة تسجيال صحيحا ‪ ،‬و تع ّمد من ناحيته أن يغفل أسماء‬
‫‪2‬‬
‫الملوك الضعاف عهد االنتقال األول و أسماء ملوك "الهكسوس"‪.‬‬
‫جـ ـــ قائمة أبيدوس ‪ :‬سجّ لها كاتب من عهد "سيتي األول" داخل معبده في أواخر القرن‬
‫‪ 14‬ق‪.‬م ‪ ،‬و صوّ ر فيها فرعونه وولي العهد يتوجهان بالدعاء أسماء أسالفهما ‪ ،‬و بدأ أولئك‬
‫األسالف باسم " منى " و أحصا المتخصصون منهم ستة وسبعون اسما ق ّدم لبعضها باسم‬
‫"نيسو" أي ملك ‪ ،‬و قدم للبعض اآلخر باسم "سا ـ رع" أي ابن الشمس ‪ ،‬و أغفل بدوره حكام‬
‫األسرتين التاسعة و العاشرة و حكام عصر االنتقال الثاني‪(3 .‬أنظر الشكل‪)19‬‬

‫‪ ‬ـ كورتيل ( ليونارد )‪ ،‬الموسوعة األثرية العالمية ‪ ،‬تر ‪ :‬محمد عبد القادر محمد و زكي إسكندر ‪ ،‬ط‪ ، ‬الهيئة المصرية العامة للكتاب ‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫‪.997‬ص‪ .11‬‬
‫‪ ‬ـ أحمد فخري ‪ ،‬مصر الفرعونية‪ ،‬موجز تاريخ مصر منذ أقدم العصور حتى ‪ 55‬ق ‪ .‬م‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬د‪:‬ط ‪،1،‬‬
‫ص ص‪.3-31‬ـ بتصرف ـ ‪‬‬
‫‪5‬ـ سمير العيداني ‪" ،‬المصادر المادية و األدبية لدراسة التاريخ الفرعوني"‪ ،‬ص ‪ .1‬و انظر ‪ :‬محمد علي سعد هللا ‪ ،‬في تاريخ مصر القديمة ‪ ،‬مركز‬
‫اإلسكندرية للكتاب ‪ ،‬اإلسكندرية ‪ ،‬د‪:‬ط ‪ ، 11 ،‬ص‪ .3‬‬

‫‪61‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫الشكل ‪ : 11 :‬جانب من جدول أبيدوس‬


‫د ــــ قائمة سقارة ‪ :‬وتسمى "لوحة سقارة" ‪ ،‬عثر عليها المنقب األثري "ماريت" عام‬
‫سجلت في النصف األول من القرن ‪ 13‬ق‪.‬م ‪ ،‬ت ّم ايجادها في مقبرة أحد كبار كهنة‬ ‫‪1861‬م ‪ّ ،‬‬
‫مدينة "منف" المثقفين المشرف على األعياد في عهد "رمسيس الثاني" وكان يدعى " تنري"‪،‬‬
‫كتبت هذه القائمة على الجانبين و كان عليها أسماء ثمانية و خمسين ملكا ‪ ،‬بدأت بالملك " مرـ‬
‫بي ـ با" سادس ملوك األسرة األولى و تنتهي بعهد الملك "رمسيس الثاني"‪ ،‬ولألسف تعرضت‬
‫‪1‬‬
‫اللوحة لتحطم بعض جوانبها لذا لم يبق من األسماء غير خمسين اسما ‪.‬‬
‫هــ ـــ بردية تورين‪ :‬وهي محفوظة في متحف هذه المدينة بإيطاليا (أنظر الشكل ‪ ،)01‬و‬
‫أهمية ‪ ،‬و تشتمل على ذكر الملوك بكامل ألقابهم وعدد السنوات و‬ ‫ً‬ ‫ال تقل عن حجر "بالرمو"‬
‫الشهور و األيام التي حكموها مرتبة ترتيبا متسلسلً ‪ ،‬و تزودنا بقائمة كاملة لكل الفراعنة منذ‬
‫أقدم العصور حتى حوالي ‪1211‬ق ‪ .‬م‪ .‬ومما يميزها أنها تصنف الفراعنة حسب المدن التي‬
‫‪2‬‬
‫حكموا فيها كفراعنة" منف" في ‪ 955‬عاما ‪ ،‬و فراعنة "إيثت ـ تاوي" في ‪ 213‬عاما‪.‬‬

‫الشكل ‪ : 22 :‬قطع من بردية تورين‪.‬‬


‫‪ 2‬ـــ تاريخ مانيتون ‪" :‬مانيتون" مؤرخ مصري قديم من مدينة "سمنود" ( في محافظة‬
‫الغربية) ‪ ،‬كان كاهنا في معبد " سبينيتوس" ‪ ،‬وذلك في عهد بطليموس األول الى عهد‬
‫"بطليموس الثالث" ‪ ،‬و في فترة "بطليموس الثاني" (فيالدلفوس‪ 246-285‬ق‪.‬م)‪ ،‬كلف بكتابة‬
‫‪ ‬ـ محمد شفيق غربال و آخرون ‪ ،‬تاريخ الحضارة المصرية " العصر الفرعوني " ‪ ،‬ص ص‪ 91-95‬ـ بتصرف ـ ‪‬‬
‫‪ ‬ـ سمير العيداني ‪" ،‬المصادر المادية و األدبية لدراسة التاريخ الفرعوني"‪ ،‬ص ‪ .7‬‬

‫‪62‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫تاريخ مصر القديمة ‪ ،‬وقد أخذ مانيتون هذه المهمة على عاتقه (حوالي ‪280-305‬ق‪.‬م )‪ ،‬و‬
‫ذكر صراحة أنّه استقى تاريخه و اعتمد في كتاباته على الوثائق التي خلفتها الحضارة‬
‫المصرية‪ ،‬و التي كانت تضمها السجالت المحفوظة بمعابد "منف" و وثائق اإلدارات‬
‫الحكومية‪ ،‬ولسوء الحظ فقدت النسخة األصلية من كتاب "مانيتون" أثناء "حريق مكتبة‬
‫اإلسكندرية" ‪ ،‬ولم يصل منه غير مقتطفات نقلها بعض المؤرخين و منهم المؤرخ اليهودي‬
‫‪1‬‬
‫"يوسفيوس فالفيوس"‪.‬‬
‫ويتفق كثير من الباحثين في علم المصريات على ّ‬
‫أن تاريخ مانيتون بمثابة السند األول‬
‫لتقسيم األسرات ‪ ،‬إذ وضع هذا األخير قائمة عرفت باسمه تتألف من قوائم بأسماء الملوك منذ‬
‫بدء التاريخ حتى نهاية األسرات‪ ،‬مرتبة حسب األسرات مع تقدير مدة حكم كل ملك ‪ ،‬إذ بدأ‬
‫تاريخه بالملك "مينا ـ نارمر "مؤسس األسرة األولى ‪ ،‬كما قسم ملوك مصر بعده الى ثالثين‬
‫أسرة حكمت مدة ‪3555‬سنة ‪ ،‬نهاية بعهد "نختبو الثاني" عام ‪ 343‬ق‪.‬م ‪ ،‬و قد أضيفت بعد‬
‫‪2‬‬
‫ذلك األسرة ‪ 31‬التي تعرف باألسرة الفارسية الثانية‪.‬‬
‫‪ 3‬ــ لوحة األنساب ‪ :‬في العصر المتأخر من التاريخ المصري ‪ ،‬ظهرت نصوص كتبها‬
‫بعض األفراد المهمين ـ غير الملوك ـ تروي تاريخ حياتهم ‪ ،‬و هذه تفيد في معرفة تتابع بعض‬
‫الملوك في العصور المختلفة و هي نصوص كثيرة و لها كلها شيء من األهمية ‪ ،‬و من أهمها‬
‫جميعا ذلك النص الذي خلفه الكاهن" عنخف ـ إن ـ سخمت" الذي كان كاهنا لكل من االله‬
‫"بتاح" و زوجته اإللهة "سخمت" في عهد األسرة الثانية والعشرين حوالي ‪ 750‬ق‪.‬م و تحتوي‬
‫لوحة األنساب لهذا الكاهن على قائمة طويلة بأسماء كبار كهنة "منف" (ذكر فيها ‪ 60‬كاهنا)‬
‫‪3‬‬
‫الذين كانوا ينتمون الى أسرة واحدة‪.‬‬
‫ثانيا ــــ مصادر الحضارات المعاصرة ‪ :‬و يقصد بها ما ورد في كتابات الحضارات المعاصرة‬
‫للحضارة المصرية القديمة ‪ ،‬كالحضارات البابلية و اآلشورية و الفينيقية و الحثية و اليونانية‬
‫و غيرها ‪،‬حيث اتصلت شعوب الشرق األدنى و الحوض الشرقي للبحر المتوسط بمصر‬
‫القديمة‪ ،‬و اتسعت اتصاالتها من خالل عصور الدولة الحديثة اتساعا كبيرا ‪ ،‬و بدأ حكامها‬
‫يكتبون الى الفراعنة رسائل الود و االحترام المبالغ فيه خالل عهود السالم و هي رسائل تعرف‬
‫نسختها المحفوظة برسائل "تل العمارنة"‪ ،‬تتكون من عدة رسائل كتبها أمراء الواليات‬
‫المصرية في آسيا و ملوك الشرق األدنى الى فراعنة األسرة الثامنة عشر المتأخرين بالخط‬
‫‪4‬‬
‫المسماري و اللغة األكادية على لوحات من الطين المجفف‪.‬‬

‫‪ ‬ـ رمضان عبده علي ‪ ،‬المرجع السابق ‪،‬ص‪. 3‬و كذلك أنظر ‪ :‬شارن شافية ‪ ،‬مصر الفرعونية ‪ ،‬ص‪ .3‬‬
‫‪ ‬ـ السعيد شاللقة ‪" ،‬مصادر الكتابة الهيروغليفية" ‪ ،‬مجلة الحكمة للدراسات التاريخية ‪ ،‬مؤسسة كنوز الحكمة ‪ ،‬العدد ‪ ، 15 ، 1‬ص‪ .35‬‬
‫‪ 5‬ـ أحمد فخري ‪ ،‬مصر الفرعونية ‪ ،‬ص‪ .3‬‬
‫‪ 1‬ـ سمير العيداني ‪" ،‬المصادر المادية و األدبية لدراسة التاريخ الفرعوني"‪ ،‬ص ص ‪ -1‬ـ بتصرف ـ ‪‬‬

‫‪63‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫ثالثا ــــ كتابات المؤرخين الكالسيكيين ‪ :‬و قد كتب هؤالء عن "مصر "كتبا كاملة أو فصوال‬
‫من كتب ‪ ،‬غير أنه وجب الحذر الشديد لكثير من المعلومات الواردة فيها‪ .‬خاصة و المالحظات‬
‫التي اتفق حولها الباحثون بالنسبة للمصادر الكالسيكية ‪ ،‬و منه ما تعلق أوال بأن كثيرا منهم قد‬
‫أساءوا فهم ما رأوه أو ذهب بهم خيالهم في تفسير أو تعليل ما سمعوه ‪ ،‬و الثاني أن أصحاب‬
‫هذه الكتابات قد زاروا مصر في أيام ضعفها و في عصور تأخرها و بالتالي أطلقوا الوضع‬
‫الخاص على العام ‪ ،‬و الثالث أن أغلب إقامة هؤالء الكتاب في مدن "الدلتا" و بالتالي لم يتبينوا‬
‫أوجه الحياة المصرية الحقيقية في "الصعيد"‪ ،‬و الرابع أنهم اعتمدوا في كثير من كتاباتهم على‬
‫المصادر الشفوية من صغار الكهنة و المترجمين ‪ ،‬و الخامس أن كثيرا منهم قد كتب ما كتبه‬
‫من و جهة النظر اليونانية خاصة في أوقات اختلفت فيها مصالح بالدهم مع مصر ‪ ،‬هذا‬
‫باإلضافة الى روح التعصب للحضارة اليونانية‪1 .‬و من أشهر هؤالء المؤرخين و الرحالة الذين‬
‫زاروا مصر و كتبوا عنها نشير باختصار الى ‪:‬‬
‫أ ــ هيكاته المليتي ( هيكاتوس )‪ :‬مؤرخ و جغرافي يوناني من بلدة "مليتوس" بآسيا الصغرى‪،‬‬
‫زار مصر في القرن السادس قبل الميالد(حوالي ‪ 520‬ق‪ .‬م) جمع مشاهداته و قصص عصره‬
‫في مؤلف سماه "رحلة حول البحر" ‪ ،‬و قيل أنّه ض ّمنه خريطة لرحلته و ثبت عليه البالد التي‬
‫زارها لكن ضاعت مؤلفاته كلّها ‪ ،‬و لم تبق من أخبارها إال ما رواه المؤرخون عنها ‪ ،‬و يفهم‬
‫أنّه تح ّدث عن فيضانات النيل و مشكالته و عن تكوين "الدلتا" و عن حيوانات أرض مصر‬
‫‪2‬‬
‫كما قدم وصفا دقيقا للحياة الزراعية فيها‪.‬‬
‫ب ـــ المؤرخ هيرودوت ‪( :‬سبق التعريف به) زار العديد من بالد الشرق القديم و قد جاء‬
‫الى مصر في حوالي ‪ 448‬ق‪.‬م أي في نهاية الغزو الفارسي لها ‪ ،‬وحسب عدد من الباحثين فقد‬
‫زار مصر انطالقا من الدلتا ثم انتقل الى الصعيد و حتى "الجندل األول"( عند مدينة "أسوان"‬
‫الحالية) كما زار إقليم "الفيوم" ‪ ،‬خصّص الجزء الثاني من كتابه "التاريخ" لمصر ‪ ،‬و الذي‬
‫يعد من أفضل الكتابات اليونانية عن تاريخ مصر و حضارتها ‪ ،‬رغم ما جاء في بعض فقراته‬
‫التي تستدعي الحذر ‪ ،‬فقد تحدث عن جغرافية مصر و أهم مدنها و األحداث التي تعرضت لها‬
‫‪3‬‬
‫و أهم أعمال ملوكها و بعض العمائر و المعابد و األعياد الدينية‪.‬‬
‫جـ ــ هيكاتوس األبديري ‪ Hecataeus of Abdera :‬مؤرخ يوناني ينسب لمستوطنة" أبديرا"‬
‫في بالد اليونان ‪ ،‬زار مصر في أوائل الحكم البطلمي حوالي ‪ 300‬ق‪ .‬م ‪ ،‬كان معاصرا و‬
‫صديقا لبطليموس األول ‪ ،‬عرف مصر بصفة جيدة ‪ ،‬كتب عنها كتابا مفقودا عرف بعنوان"‬
‫دراسات مصرية " ‪ ، Aegyptiaca‬تحدث فيه عن العقائد و األساطير المصرية ‪ ،‬إال أنّه‬
‫‪4‬‬
‫يالحظ أن كتاباته اتسمت بروح التعصب لبالد اليونان موطنه األصلي‪.‬‬

‫‪ ‬ـ أحمد أمين سليم ‪ ،‬دراسات في ت ش أ ق ‪ ،‬مصر العراق ايران ‪ ،‬ص‪ . 1‬‬
‫‪ ‬ـ رمضان عبد علي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪ .11‬‬
‫‪ 5‬ـ عبد العزيز صالح ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪ .1‬و أنظر ‪ :‬السعيد شاللقة ‪" ،‬مصادر الكتابة الهيروغليفية" ‪ ،‬ص‪ .39‬‬
‫‪ 1‬ـ رمضان عبده علي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪ .35‬‬

‫‪64‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫د ــ ديودور الصقلي‪( :‬سبق التعريف به) استعرض "ديودور" في الكتاب األول تاريخ مصر"‬
‫األساطير و الملوك و العادات" ‪ ،‬كما تناول فيه بعض مظاهر الحضارة المصرية من النواحي‬
‫االجتماعية و السياسية و الفكر الديني و األساطير‪ ،‬ويالحظ من كتاباته أنّه كان أكثر انصافا‬
‫لمصر و المصريين من "هيرودوت" ‪ ،‬و أكثر فطنة في تفسير عقائدهم و أساطيرهم ‪ ،‬فكتب‬
‫عن آرائهم في نشأة الوجود و تعاقب المعبودات و عمران الكون و مسببات الفيضان و أهم‬
‫الحيوانات و النباتات و كتب عن تقاليد الملوك و كذا طقوس ما بعد الموت ومن أشهر مقوالته‬
‫‪1‬‬
‫" مصر حمتها الطبيعة من جميع جهاتها "‪.‬‬
‫وــــ سترابون ‪( :‬سبق التعريف به) تم ّكن من زيارة مصر بين عامي ‪ 25‬و ‪ 24‬ق‪.‬م ‪،‬أي بعد‬
‫استيالء الرومان عليها ‪ ،‬عاش أكثر من خمس سنوات في "اإلسكندرية" ‪ ،‬تعلم من مكتبتها‬
‫الشيء الكثير و أثناء وجوده بمصر تتبع مجرى النيل حتى اثيوبيا‪ ،‬كتب "سترابون" كتابا‬
‫ضخما في التاريخ و الرحلة سماه " الجغرافية" في سبعة عشر جزءا ‪ ،‬خصص منه الجزء‬
‫‪ 16‬عن المدن المصرية و عواصمها و عاداتها ‪ ،‬و أفاض الحديث عن نيلها و منابعه و حيواناته‬
‫و مزروعاته و تتبع وصف البيئة المصرية ‪ ،‬وزار أمهات المدن و شاهد آثارها و حضر بعض‬
‫‪2‬‬
‫احتفاالتها‪ ،‬و لكنه وصفها وصف سائح أكثر من وصف مؤرخ‪.‬‬
‫ز ــ بلين الكبير ‪( :‬سبق التعريف به) وصف "بلين" هندسة بناء األهرامات و وصف مسالت‬
‫"معبد الكرنك" كما ذكر كيفية إقامة "رمسيس" لمسلته ‪ ،‬كما أنّه ساق الوصف نفسه الذي‬
‫وصف به ديودور الصقلي و سترابون معبد "أمنمحات الثالث" في "هوارة " ‪.‬‬
‫حـ ــ بلوتارك الخيروني ‪ Plutarcus :‬نستمد معلوماتنا عن "بلوتارك" من اإلشارات‬
‫المتفرقة التي وردت عنه في مؤلفاته ‪ ،‬إذ ولد في بلدة "خيرونيا" بإقليم "بويونا" في بالد‬
‫اليونان‪ ،‬وعاش بين أعوام ‪50‬و ‪ 125‬ميالدي ‪ ،‬درس الفلسفة األخالقية و العلوم الطبيعية في"‬
‫آثينا " ثم رحل الى "روما" أين تعلم الالتينية ‪ ،‬ومنها زار بالدا كثيرة من بينها اإلسكندرية‬
‫التي حلّ فيها حوالي ‪ 120‬م ‪ ،‬من أشهر كتبه "التراجم" ‪،‬كتب أسطورة "إيزس و‬
‫أوزيريس" ‪ De Isiede et Osiride‬ويروي بلوتارك قصة "أوزيريس" الملك الصالح الذي قتله‬
‫‪3‬‬
‫غيلة أخوه "تيفون"(ست) ثم انتقم له ابنه "حورس" الذي أنشأته أمه "إيزيس" خفية ‪.‬‬
‫ط ـ يوسفيوس فالفيوس ‪ :‬كاتب و مؤرخ يهودي ولد في القدس ‪ ،‬عاش بين ‪37‬و ‪ 95‬م ‪،‬‬
‫في منطقة "الجليل" بفلسطين مع بداية ثورة اليهود الكبرى ضد الحكم الروماني ‪ ،‬أسرته قوات‬
‫"تيتوس " عام ‪ 67‬م ‪ ،‬لكنه نجح في االفراج عن نفسه عندما زعم أن " فسياسيانوس" سيصبح‬
‫امبراطورا وظل بجوار "تيتوس" حتى سقطت القدس عام ‪70‬م ‪ ،‬ومنها ذهب الى روما و‬

‫‪ ‬ـ رمضان عبده علي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪ .31‬‬


‫‪ ‬ـ عبد العزيز صالح ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪ .15‬‬
‫‪ 5‬ـ محمد علي سعد هللا ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪ ، 1‬وأنظر ‪ :‬سمير العيداني ‪" ،‬المصادر المادية و األدبية لدراسة التاريخ الفرعوني"‪ ،‬ص‪ .1‬‬

‫‪65‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫عاش بها و ألف كتبا منها " تاريخ الحرب اليهودية " بين عامي ‪75‬و ‪79‬م و كتاب عن" آثار‬
‫اليهود" في عشرين جزءا و قد نقل هذا الكاتب مقتطفات من كتابات "مانيتون" ‪ ،‬كما ربط في‬
‫‪1‬‬
‫كتاباته بين الهكسوس و أصلهم العبري في كتابه " الرد على أبيون " للرفع من شأن اليهود ‪.‬‬
‫رابعا ــ الكتابات المقدسة ‪:‬و تشمل الروايات التاريخية التي تعلقت بالكتب المقدسة ‪ ،‬مثل ما‬
‫جاء في بعض كتابات العهد القديم ‪ ،‬كالمعلومات الواردة في سفر "الملوك األوّ ل" و "الثاني"‬
‫و أسفار "أرميا" و "دنيال" (حزقيال) و خاصة في سفر الخروج ‪ ،‬و تشير كلها الى أحداث‬
‫وقعت في مصر ‪2‬أو تشير الى طبيعة العالقات التي كانت بين مصر و فلسطين في عهد‬
‫االسرات الثانية و العشرون و الخامسة و العشرون و السادسة و العشرون ‪ ،‬فهناك إشارات‬
‫لحملة "شيشنق األول" و غزوه "فلسطين" في " سفر الملوك األول" ‪ ،‬و كذلك خروج "بني‬
‫‪3‬‬
‫إسرائيل" من مصر في" سفر الخروج" ‪.‬‬
‫يضاف إليها ما ورد في القرآن الكريم عن طريق القصص القرآني من معلومات هامة حول‬
‫الحضارة المصرية ‪ ،‬كتأثير انخفاض الفيضان على الحياة االقتصادية ‪ ،‬وذلك في سياق قصة‬
‫سيدنا يوسف ــ عليه السالم ــ التي و قعت أغلب أحداثها بأرض مصر ‪ ،‬كما أشار القرآن‬
‫الكريم الى بعض أوجه الحضارة المصرية و ذلك خالل الحديث عن سيدنا موسى ـ عليه السالم‬
‫‪4‬‬
‫ـ منذ نشأته و تبليغه الرسالة و حواره مع "فرعون" و حتى الخروج من أرض مصر‪.‬‬
‫ثانيا ـ الجانب التاريخي ‪:‬‬
‫تقديـــــــم‪ :‬ظهرت أولى أشكال السكن لجماعات بشرية حول وادي النيل منذ حوالي ‪10‬‬
‫آالف سنة قبل الميالد في شكل جماعات جامعة للطعام وصائدة تستخدم أدوات حجرية‪،‬‬
‫واستمرت في النزوح إلى ضفاف نهر النيل مع ازدياد الجفاف (‪ 8000‬ق‪.‬م)‪ ،‬حينها تحولت‬
‫المراعي إلى صحارى و تحولت المستنقعات المجاورة للنهر إلى أراضي صالحة للسكن‪،‬‬
‫لتظهر آثار استقرار وزراعة مبكرة للحبوب في الصحراء الشرقية منذ أواخر األلف السابع‬
‫قبل الميالد‪.‬‬
‫وظهرت الكثير من دويالت المدن حوالي نهاية األلف الرابع قبل الميالد على جانبي نهر‬
‫النيل‪ ،‬إذ كانت نحو ‪ 42‬دولة مدينة‪ ،‬ولكل مدينة أو إقليم ديانتها الخاصة ونظامها السياسي‬
‫الخاص‪ ،‬وبدأ صراع بين ممالك المدن هذه في محاولة للتوسع إحداهن على حساب األخرى‪،‬‬
‫وتقلصت على مر القرون إلى مملكتين منفصلتين‪ :‬مملكة جنوبية في مصر العليا (الوجه القبلي)‬

‫‪‬ـ رمضان عبد علي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪ .1‬‬


‫‪ ‬ـ محمد علي سعدهللا ‪ ،‬المرجع السابق ‪،‬ص‪ .7‬‬
‫‪ 5‬ـ للتفصيل في كتابات العهد القديم حول مصر الفرعونية ‪.‬أنظر ‪ :‬التـــوراة‪ ،‬الكــتاب المقــدس‪ ،‬جمعيـــة الكتـــاب المقــدس‪ .911 ،‬و أنظر ‪:‬‬
‫التــوراة ‪،‬الترجمة العربية‪ ،‬تر‪ :‬سهيل زكار‪ ،‬دار قتيــــبة ‪،‬دمشــق‪ ،‬ط‪ . 117 ،‬‬
‫‪ 1‬ـ سمير العيد اني ‪" ،‬المصادر المادية و األدبية لدراسة التاريخ الفرعوني"‪ ،‬ص‪ .7‬‬

‫‪66‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫(أرض الصعيد)‪ ،‬وعاصمتها (نخن)‪ ،‬وتمتد من جنوب "أسوان" إلى قرب "منفيس" ‪ ،‬ومملكة‬
‫شمالية تشمل باقي مصر في مصر السفلى (الوجه البحري) (الدلتا) في الشمال‪ ،‬وعاصمتها‬
‫‪1‬‬
‫"بوتو" في الدلتا‪.‬‬
‫و يشمل التاريخ المصري القديم (عهد األسرات الفرعونية ) اصطالحيا الفترة من توحيد‬
‫القطرين ـ مصر العليا و السفلى ـ على يد الملك "مينا ـ نارمر" حوالي ‪ 3150‬ق‪.‬م حتى غزو‬
‫"اإلسكندر األكبر" للمنطقة عام ‪ 332‬ق‪.‬م ‪ ،‬و يقسمه المتخصصون في "علم المصريات"‬
‫حسب األحداث الرئيسة و الخصائص الحضارية المميزة ‪ ،‬الى ثالث عهود كبرى تفصلها‬
‫فترات انتقالية و تتناول فترات حكم لـ ‪ 30‬أسرة إضافة لألسرة الفارسية الـ ‪ 31‬كاآلتي ‪:‬‬
‫أوال ـ عصر الدولة القديمة ‪ :‬و يشمل األسر من ‪ 1‬الى ‪ 6‬و يقسم بدوره الى مرحلتين هما ‪:‬‬
‫أ ـ العصر العتيق ( العصر الثِّيني) (‪ 3150‬ق‪.‬م ـ ‪ 2686‬ق‪.‬م) يضم األسرتين اللتين يبدأ بهما‬
‫التاريخ المد َّون لمصر و هما ‪ 1‬و ‪ ، 2‬بدأت هذه الفترة مع توحيد الملك "مينا – نارمر" لمصر‬
‫السفلى و العليا ‪ ،‬و سمي بالعهد الثيني حيث كانت "ثني" التي تقع بالقرب من مدينة‬
‫"أبيدوس" هي أول العواصم المصرية في ذلك العهد ‪ ،‬ثم انتقل الحكم الى مدينة "تانيس " في‬
‫‪2‬‬
‫عهد األسرة الثانية ‪.‬‬
‫هذا ولم تبق الوحدة السياسية التي أنجزتها األسرة األولى موطدة بشكل دائم‪ ،‬إذ استم َّر‬
‫النزاع بين الشمال والجنوب في عهد األسرة الثانية (‪ 2670-2820‬ق‪.‬م)‪ ،‬التي أسسها الملك‬
‫أن‬ ‫"حوتب سخموي"‪ ،‬ثم جاء بعده "خع سخموي" ويعني اسمه (االثنان القويـان) ‪ ،‬و الراجح ّ‬
‫الوحدة السياسية بين الشمال والجنوب لم تكن دائمة‪ ،‬مع ضرورة اإلشارة إلى أن عهد "خع‬
‫سخموي" امتاز بالتقدم والسالم ألنه نجح في القضاء على عوامل الفتنة التي كادت أن تؤدي‬
‫‪3‬‬
‫إلى هالك البالد ودمارها‪ ،‬حينما غزا الشمال‪ ،‬واتخذ من "منفيس" مركزا لحكمه ‪.‬‬
‫و لربما في وسط حكم هذه األسرة وقعت ثورة دينية قادها اتباع عبادة اإلله"حورس" وأدت‬
‫إلى اضطراب األحوال في مصر وهو الحال الذي لم يدم طويال‪ ،‬إذ سرعان ما عاد االستقرار‬
‫إليها وتقدمت في شتى نواحي الحياة‪ ،‬السيما مع تولي الملك (زوسر) الحكم فيها مؤسسا أسرة‬
‫جديدة عرفت باألسرة الثالثة وليبدأ عصر جديد تمثل بعصر الدولة القديمة‪.‬‬
‫*ـ من أهم آثار هذا العصر بناء المصاطب؛ إذ بنى كل ملك من ملوك األسرة األولى مصطبتين‬
‫واحدة في الشمال واألخرى في الجنوب لتكون إحداهما (ربما الشمالية) مقبرة للملك‪ ،‬كما يذكر‬
‫‪4‬‬
‫للملك "مينا" بناء عاصمة للدولة عند رأس الدلتا هي مدينة "منف"‪.‬‬

‫‪ ‬ـ إبراهيم رزاقنة و آخرون ‪ ،‬حضارة مصر و الشرق القديم ‪ ،‬مكتبة مصر ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬د‪:‬ط ‪ ،‬د‪:‬ت ‪ ،‬ص‪ .39‬‬
‫‪ ‬ـ سليم حسن ‪ ،‬مصر القديمة ‪ ،‬ج‪ ، ‬الهيئة المصرية العامة للكتاب ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬د‪:‬ط ‪ ، 99 ،‬ص ص‪ -‬ـ بتصرف ـ ‪‬‬
‫‪ 5‬ـ عبد العزيز صالح ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪ .‬ـ بتصرف ـ ‪‬‬
‫‪ 1‬ـ إبراهيم رزاقنة و آخرون ‪ ،‬حضارة مصر و الشرق القديم ‪ ،‬ص‪ .73‬‬

‫‪67‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫ب ـ المملكة القديمة ‪(: Old Kingdom‬عصر بناة األهرام ) دامت مدة المملكة القديمة نحو‬
‫خمس قرون (‪2670‬ق ‪.‬م ـ ‪ 2150‬ق‪.‬م)‪ ،‬وبدأت الدولة القديمة باألسرة الثالثة ‪ ،‬وتنتهي بنهاية‬
‫الساللة السادسة وسمي بعصر بناة األهرام لتميزه ببناء األهرامات الكبيرة منذ عهد الملك‬
‫"زوسر" أشهر ملوك األسرة الثالثة (‪2600-2670‬ق‪.‬م)‪ ،‬إذ دفن ملوك هذه األسر‪ ،‬باستثناءات‬
‫قليلة‪ ،‬في قبور شيد فوقها بناية شاقة هرمية الشكل عرفت باسم األهرامات ‪ ،‬وفضال عن بناء‬
‫األهرامات في هذا العصر‪ ،‬تطورت الحضارة المصرية تطورا سريعا‪ ،‬فزادت قوتها عن‬
‫‪1‬‬
‫طريق الحكومة المركزية واإلدارة الفاعلة والتقنية المتقدمة والكتابة الهيروغليفية المتطورة ‪.‬‬
‫يعد "زوسر" ويعني اسمه (المقدس) أول ملوك األسرة الثالثة‪ ،‬واتسم عهده بالوحدة‬
‫السياسية في مصر القديمة‪ ، ،‬وقد قام بتطوير المصطبة إلى الهرم المدرج الذي تطور في عهد‬
‫األسرة الرابعة إلى الهرم الصحيح ‪ ،‬واتخذ "زوسر" من أبيدوس عاصمة لحكمه ـ دام ‪ 19‬سنة‬
‫ـ ثم نقل عاصمته إلى منفيس‪ ،‬وشهد عهده تقدما في جميع المظاهر الدينية‪ ،‬وشهد عهده إرسال‬
‫حملة لتأديب بعض بدو شبه جزيرة سيناء ممن كانوا يتعرضون للحمالت المصرية المرسلة‬
‫‪2‬‬
‫إلحضار النحاس‪.‬‬
‫و تبدأ الساللة الرابعة (‪2450-2600‬ق‪.‬م) بحكم الملك "سنفرو" ‪ ،‬وحكم ‪ 24‬عاما‪،‬‬
‫أرسل خاللها حملة على بالد النوبة‪ ،‬وأقام الحصون على الحدود الشرقية‪ ،‬لوقف تسرب البدو‬
‫إلى الدلتا‪ ،‬وقام بحملة على ليبيا‪ ،‬وبنى المعابد والقالع والمنازل التي كانت تستلزم القيام‬
‫برحالت إلحضار خشب األرز من سوريا‪ ،‬وشهد عهده ارتباط حكام األقاليم المصرية وبنى‬
‫سنفرو هرمين في (سقارة) و(ميدوم) يرجح أنه دفن في أحدهما‪. 3‬‬
‫خوفو‪ :‬يعد خوفو من أشهر ملوك مصر‪ ،‬وشهرته هذه جاءت من قيامه ببناء الهرم األكبر في‬
‫الجيزة‪ ،‬وخوفو ثاني ملوك األسرة الرابعة‪ ،‬وقد تولى الحكم بعد وفاة والده سنفرو‪ ،‬ومع أن‬
‫هيرودوت يذكر أن خوفو حكم ‪ 63‬سنة‪ ،‬إال أنه وطبقا لبردية (تورين) حكم نحو ‪ 23‬سنة ‪ ،‬له‬
‫تمثال وحيد طوله خمسة سنتيمترات عثر عليه في أبيدوس من العاج‪.‬‬
‫وخلفه في الحكم ابنه "خفرع" الذي يعد أول من أطلق على نفسه "ابن اإلله رع"‪ ،‬واستمر‬
‫في إرسال الحمالت الحربية إلى سيناء وهذا ما لم يتم في عهد خلفائه‪ ،‬وبنى ثاني الهرمين‬
‫الكبيرين في الجيزة كما ينسب إليه معبد "أبو الهول" ‪ ،‬ويعطي هيرودوت مدة حكم هذا الملك‬
‫بنحو ‪ 56‬سنة‪ ،‬خلفه "منكورع" الذي حكم زهاء ‪ 20‬سنة‪ ،‬وقد بنى هذا الملك الهرم الثالث في‬
‫الجيزة‪ ،‬و في نهاية هذه األسرة الرابعة بدأت عبادة اإلله (رع) إله الشمس على حساب عبادة‬
‫‪4‬‬
‫الملك‪.‬‬
‫و بسبب التطاحن في نهاية األسرة الرابعة بين األمراء ‪ ،‬و ضد كهنة اإلله "رع" ‪ ،‬ظهر‬
‫األمير "أوسر كاف " الذي أسس أسرة جديدة عرفت باألسرة الخامسة (‪2345-2450‬ق‪.‬م)‪،‬‬
‫ويرجح أنه كان الكاهن األعلى لإلله (رع)‪ ،‬ودام حكمه نحو ثماني سنوات‪ ،‬أما آخر ملوك‬

‫‪ ‬ـ إبراهيم رزاقنة و آخرون ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪ .9‬‬


‫‪ ‬ـ عبد العزيز صالح ‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪ .59‬‬
‫‪ 5‬ـ ألن جارندر‪ ،‬مصر الفراعنة ‪ ،‬ص‪ .97‬و أنظر ‪ :‬أحمد أمين سليم ‪ ،‬دراسات في تاريخ الشرق أ ق ـ مصر العراق ايران ‪ ،‬ص‪ .39‬‬
‫‪ 1‬ـ عبد العزيز صالح ‪ ،‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ص ‪ 39-33‬ـ بتصرف ـ ‪‬‬

‫‪68‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫األسرة الخامسة فهو "أوناس" الذي يعد أحسن ملوك هذه األسرة ‪ ،‬وامتد حكمه نحو ثالثين‬
‫أن سلطان حكام األقاليم أخذ بالتزايد بعد وفاته وشرعوا بتوريث مناصبهم ألوالدهم‬ ‫عاما‪ ،‬إالَّ َّ‬
‫‪1‬‬
‫وأخذوا يحملون أَلقابا كـ(القائد العظيم) وخضع أَوالدهم اسميا فقط للسلطة المركزية‪.‬‬
‫توفى الملك "أوناس" دون أن يترك له وريثا‪ ،‬فتأسست أسرة جديدة عرفت باألسرة‬
‫السادسة (‪2150-2345‬ق‪.‬م) على يد " تتي سحتب تاوى"‪ ،‬وقد توجه وملوك أسرته من بعده‬
‫إلى عبادة اإلله "بتاح" ‪ ،‬ويعد الفرعون"بيبي األول" أشهر ملوك هذه األسرة‪ ،‬إذ ارتقت في‬
‫عهده الفنون وعادت مصر إلى صالتها مع جيرانها ‪ ،‬وشهد عهده إرساله لحمالت برية وبحرية‬
‫السيّما بعد تعرض الحدود الشرقية لالنتهاكات ‪ ،‬و اشتهر من هذه األسرة "بيبي الثاني" آخر‬
‫ملوك األسرة السادسة وكان من أعظم ملوك المملكة القديمة‪ ،‬و بوفاة "بيبي الثاني" حوالي‬
‫‪ 2150‬ق‪.‬م تنتهي مدة حكم األسرة السادسة لينتهي معها عهد الدولة القديمة‪.2‬‬
‫أما أسباب سقوط المملكة القديمة فيمكن اختصارها كاألتي‪:‬‬
‫*ـ سيطرة وسطوة كهنة اإلله (رع) على حساب سلطات الملك‪.‬‬
‫*ـ ضعف اقتصاد المملكة بسبب تبديد أموال الدولة وجهود العمال والفنيين في بناء األهرامات‬
‫فاستنزفت موارد وخزينة الدولة في مشاريع غير منتجة‪.‬‬
‫* انخفاض مناسيب مياه نه ر النيل لسنوات متتالية‪ ،‬األمر الذي أدى إلى انعدام فيضانات نهر‬
‫النيل المعهودة‪ ،‬فأهملت الزراعة وحدثت المجاعات‪.‬‬
‫*ـ تزايد نفوذ حكام األقاليم الذين أصبح كل منهم أميرا حاكما في مقاطعته فزادت أعباء‬
‫الحكومة ومشاكلها‪ ،‬وتعطلت مشروعاتها العامة‪.‬‬
‫لذلك اندلعت ثورة في البالد ضد العرش والحكام والكهنة و عمت الفوضى ‪ ،‬فانتشرت‬
‫العصابات في البالد وأضرب الناس عن دفع الضرائب وتوقفت التجارة ونهب الناس مخازن‬
‫الحكومة وتم االعتداء على مقابر الملوك ونهبها ‪ ،‬وجرت عمليات انتقام من األغنياء ونهب‬
‫قصورهم أو إحراقها‪ ،‬ثم انهارت الحكومة المركزية بما سمح لعصابات البدو بمهاجمة المناطق‬
‫الحدودية للبالد ونهبها‪.‬‬
‫وعن وصف مصر الفرعونية بعد سقوط األسرة السادسة‪ ،‬يقول الحكيم "إيبور"‪" :‬انظر لقد‬
‫تغيرت البالد وتبدلت أحوالها وساءت‪ ..‬وليس أدل على ذلك من أننا نرى النيل يوافينا بفيضه‪ ..‬والناس‬
‫على الرغم من ذلك نيام ال ينهضون لخير‪ ،‬وال يعملون في زرع ‪ ، ..‬ال ألنهم يكرهون الزرع ‪ ،..‬ولكن‬
‫ألنهم ال يعرفون ماذا يطالعهم به الغد من شرور وأهوال ‪ ،" ..‬لتدخل مصر فيما يعرف بالفترة‬
‫‪3‬‬
‫المظلمة األولى أو العصر االنتقالي األول (‪2040-2150‬ق‪.‬م)‪.‬‬
‫*ـ عصر االنتقال األول ‪ :‬يشمل عهد األسرات بين (‪ )10-7‬وقد ذكر مانيتون أن ملوك األسرة‬
‫السابعة "كانوا سبعين ملكا حكموا فى منف سبعين يوما" وبالطبع يبدو ذلك ضربا من الخيال‬
‫ولكنه يعبر فى نفس الوقت عن مدى الفوضى التى عمت البالد بحيث انتشرت الفوضى‬

‫‪ ‬ـ أسامة حسن ‪ ،‬مصر الفرعونية ‪ ،‬دار األمل ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬ط‪ ، ،99‬ص‪ 5‬‬
‫‪ ‬ـ أسامة حسن ‪ ،‬مصر الفرعونية ‪ ،‬ص‪ .1‬‬
‫‪ 55‬ـ ألن جارندر ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪ .5‬‬

‫‪69‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫واالضطرابات و انقسمت السلطة سياسيا بين حكام األقاليم ‪ 1،‬و تعرضت مصر لهجمات قبائل‬
‫البدو اآلسيويين وسيطروا على بعض أجزائها ‪ ،‬أما األسرة الثامنة فيرى معظم المؤرخين أنها‬
‫قامت كذلك فى "منف" ومؤسسها هو الملك "نفر كارع" وفى عهد هذه األسرة ازدادت أحوال‬
‫‪2‬‬
‫البالد سوء ‪.‬‬
‫ظهرت مكانة مدينة "أهناسيا" (بمحافظة بنى سويف)‪ ،‬و كانت عاصمة األسرتين التاسعة‬
‫والعاشرة‪ ،‬و األسرة التاسعة مؤسسها هو الملك "خيتى األول" و دامت هذه األسرة حوالى‬
‫ثالثين عاما فقط ‪ ،‬أما مؤسس األسرة العاشرة فيحمل نفس االسم "نفر كارع" و امتد حكمها‬
‫ألكثر من مائة عام ومن ملوكها أيضا الملك "خيتى الثالث" وبسطت نفوذها على أقاليم مصر‬
‫الوسطى وعلى الدلتا‪ .‬غير أن أسرة "أهناسيا" لم تنجح في إعادة الوحدة إلى البالد‪ ،‬وإذ نافستهم‬
‫أسرة قوية ظهرت فى "طيبة" (االقصر حاليا)‪ ،‬واستطاع أمراؤها القضاء على األسرة العاشرة‬
‫فى "أهناسيا"‪ ،‬وإقامة أسرة جديدة هي األسرة الحادية عشرة‪ ،‬التي بها يبدأ عصر الدولة‬
‫والوسطي‪.3‬‬
‫ثانيا ـ الدولة الوسطى ‪ 2040 ( The middle state :‬ق‪.‬م ـ ‪ 1786‬ق‪.‬م )يشمل عهد االسرتين‬
‫‪ 11‬و ‪ 12‬و اشتهر بالرخاء االقتصادي ‪ ،‬يعد الملك "منتوحتب الثاني" مؤسس األسرة الحادية‬
‫عشر(‪ 1040‬ق‪.‬م ـ ‪ 1991‬ق‪.‬م) أعظم ملوك هذه األسرة؛ إذ أعاد وحدة مصر وحمى حدودها‬
‫‪4‬‬
‫الشرقية من األسيويين بعد أن قضى على حكم "أهناسيا" ‪.‬‬
‫و خلّف "منتوحتب الثاني" عدة ملوك اتخذوا االسم نفسه الذي يرتبط باإلله "منتو"‪ ،‬ولكن‬
‫أيام هذه األسرة انتهت عام ‪1991‬ق‪.‬م ‪ ،‬وجاءت بعدها األسرة الثانية عشرة‪ ،‬وكان مؤسسها‬
‫الملك "أمنمحات األول" (كان وزيرا آلخر ملوك االسرة الحادية عشر) ‪ ،‬وتسمى العديد من‬
‫ملوك هذه االسرة باسمي أمنمحات (أمون في المقدمة) و"سنوسرت" ‪ ،‬ومما يذكر لهم حماية‬
‫‪5‬‬
‫حدود مصر الشرقية‪ ،‬وازدهار التجارة المصرية مع الساحل الفينيقي‪.‬‬
‫‪ -‬أمنمحات األول ‪ :‬أنشأ "أمنمحات" عاصمة جديدة لمصر تسمى "إيثت تاوى" بمعنى القابضة‬
‫على األرضين وتقع إلى الجنوب من منف بحوالى ثمانية عشرة كيلو ‪ ،‬كما عمل على إعادة‬
‫تنظيم الجهاز اإلدارى للبالد وأعاد العمل بنظام التجنيد العسكر‪ ،‬وفى العام العشرين من حكمه‬
‫أشرك معه إبنه "سنوسرت األول" فى إدارة شئون البالد ودشن بذلك تقليدا إتبعه ملوك األسرة‬
‫الثانية عشرة بعده‪ .‬واشتهر من هذه األسرة الفرعون 'أمنمحات الثالث" الذي اشتهر بقوته في‬
‫‪6‬‬
‫وجه اآلسيويين و توسع ببالد النوبة ‪ ،‬كما اشتهر بمشاريعه االقتصادية الكبرى ‪.‬‬

‫‪ ‬ـ أحمد أمين سليم ‪ ،‬دراسات في تاريخ الشرق أ ق ـ مصر العراق ايران ‪ ،‬ص ‪ .95‬‬
‫‪ ‬ـ أسامة حسن ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪ .1‬‬
‫‪ 5‬ـ ألن جارندر ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪ 59-57‬ـ بتصرف ـ ‪ .‬‬
‫‪ 1‬ـ أسامة حسن ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ص‪ 9-7‬ــ بتصرف ـ ‪‬‬
‫‪ 3‬ـ أحمد أمين سليم ‪ ،‬دراسات في تاريخ الشرق أ ق ـ مصر العراق ايران ‪ ،‬ص‪ ،‬ص‪ 7-1‬‬
‫‪ 1‬ـ عبد العزيز صالح ‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ .57‬‬

‫‪71‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫*ـ عهد االنتقال الثاني ‪ 1786(:‬ق‪.‬م ـ ‪ 1580‬ق‪.‬م) نهاية الدولة الوسطى شبيهة إلى حد كبير‬
‫بنهاية الدولة القديمة‪ ،‬فبعد وفاة الملك "إمنمحات الثالث" ضعفت مكانة فرعون عهد خلفاءه ‪،‬‬
‫وبدأ الصراع بين حكام األقاليم وحلت الفوضى‪ ،‬وعادت البالد إلى التفكك‪ ،‬وسقطت البالد في‬
‫يد األجانب و دخلتها قبائل من البدو أتوا من غرب آسيا يعرفون باسم "الهكسوس" احتلوا‬
‫شمالها ووسطها‪ ،‬وظلوا بها قرنين من الزمان‪ ،‬يقول المؤرخ المصرى "مانيتون" عن أسباب‬
‫سقوط مصر في أيدى الهكسوس" إن الرعاة قد استولوا على مصر بسهولة‪ ،‬واجتاحوها في غير‬
‫‪1‬‬
‫حرب‪ ،‬ألن المصريين كانوا يومئذ فى ثورة واضطراب "‪.‬‬
‫‪ -‬الهكسوس‪ :‬فى اللغة المصرية القديمة معناها "حكام البالد األجنبية"‪ ،‬وهم قبائل بدوية‬
‫آسيوية‪ ،‬جاءت من فلسطين‪ ،‬وأسماهم المصريون الرعاة‪ ،‬تسللت تلك القبائل إلى شرق الدلتا‪،‬‬
‫واستقرت فى مدينة "أواريس" ("صان الحجر" واتخذتها عاصمة‪ ،‬وواصلت زحفها جنوبا‬
‫حتى احتلت مدينة "منف"‪ ،‬ومصر الوسطى‪ ،‬وفى الوقت نفسه سيطر النوبيون على الجزء‬
‫الجنوبى من البالد‪ ،‬ولم يبق مستقال سوى جزء يحكمه أمراء طيبة‪.‬‬
‫ويشمل هذا العصر األسرتين المصريتين الثالثة عشرة والرابعة عشرة (حوالى ‪-1785‬‬
‫‪1633‬ق‪.‬م) وأسرتي "الهكسوس" الخامسة عشرة والسادسة عشرة( حوالى ‪-1730‬‬
‫‪1580‬ق‪.‬م) ‪ ،‬ومن الواضح أنه منذ نهاية عهد األسرة الثالثة عشرة لم يجرؤ أحد من األمراء‬
‫المستقلين على إدعاء الملك وتحدى الهكسوس وذلك حتى تجرأ أمراء الصعيد مؤسسي األسرة‬
‫‪2‬‬
‫السابعة عشرة على اتخاذ ألقاب الفراعنة ‪.‬‬
‫ثالثا ـ عهد الدولة الحديثة‪ 1580( :‬ق‪.‬م ‪1080-‬ق‪.‬م) وقد نشأ هذا العهد كنتيجة لفترة عدم‬
‫االستقرار التي شهدتها مصر بعد غزو الهكسوس لها فى عصر األسرة الثالثة عشرو ما تاله‬
‫وكانت حينها مصر مقسمة إلى ثالثة ممالك رئيسية هي‪:‬‬
‫‪ -‬مملكة "الهكسوس" التى كانت تسيطر على مدن "الدلتا" و أقاليم "مصر الوسطى"‪.‬‬
‫‪ -‬مملكة "طيبة" التى ظهرت وشكلت األسرة السابعة عشرة وكانت تسيطر على إقليم الصعيد‪.‬‬
‫‪ -‬مملكة "النوبة" التى كان يحكمها أمير نوبى يسيطر على الجنوب من "الفنتين" حتى‬
‫‪3‬‬
‫"كرما"‪.‬‬
‫و تروي النصوص األثرية المختلفة مجريات األحداث مع الهكسوس وكيف سقطت‬
‫"أواريس"(عاصمة الهكسوس) بعد حصارها وكيفية تراجع الهكسوس إلى مدينة "شاروهين"‬
‫فى جنوب "غزة" وحصارها من الجيش المصرى لمدة ثالث سنوات حتى أسقطها ‪ ،‬وكيف‬

‫‪ ‬ـ أسامة حسن ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪ .7‬‬


‫‪ ‬ـ جيم س هنري بريستد‪ ،‬تاريخ مصر من أقدم العصور الى الغزو الفارسي ‪ ،‬تر ‪ :‬حسن كمال ‪ ،‬مكتبة مدبولي ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬ط‪، 991 ، ‬‬
‫ص‪13‬ـ بتصرف ـ ‪‬‬
‫‪ 5‬ـ أسامة حسن ‪ ،‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص‪ .9‬‬

‫‪71‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫هربت فلول الهكسوس إلى منطقة "فلسطين" و"سوريا" ‪ ،1‬لتنتهي األحداث بتحرر مصر من‬
‫الهكسوس نتيجة لجهود ملوك األسرة السابعة عشرة (طيبة) مثل "كامس" و أخيه "أحمس‬
‫األول" محرر مصر من الهكسوس ومؤسس األسرة الثامنة عشرة (‪ 1580‬ق‪.‬م ‪1295-‬ق‪.‬م)‬
‫التي تعتبر عند الكثير من المؤرخين أشهر األسرات الفرعونية في تاريخ مصر الحديثة‪.‬‬
‫و لعدم إمكانية التفصيل في هذا العهد ‪ ،‬يمكن القول ّ‬
‫أن هذا العهد تسمى فيه كثير من‬
‫الفراعنة باسم "أمنحوتب " و "تحتومس" خالل األسرة ‪ 18‬الفرعونية ‪ ،‬و" الرعامسة" الـ‪19‬‬
‫(‪ 1295‬ق‪.‬م ـ ‪ 1188‬ق‪.‬م) و العشرين (‪ 1188‬ق‪.‬م ـ ‪ 1069‬ق‪.‬م) تسمى أغلب ملوكها‬
‫بـ"رمسيس"‪ ،‬و في هذا العهد الفراعنة ما للقوة العسكرية من أهمية ‪،‬و تحول االهتمام الى‬
‫الجانب العسكري من جهة و الى التوسعات الخارجية فيما عرف بالعهد اإلمبراطوري و خروج‬
‫‪2‬‬
‫مصر من إطارها الجغرافي المعهود ‪.‬‬
‫و لعلّ هذا العهد حسب الدارسين أزهى عصور الدولة الفرعونية لما عرفه من ظهور‬
‫فراعنة أقوياء ‪ ،‬وبلوغ مصر قمة تفوقها العسكري و خرجت من حدودها لتخضع عدة مناطق‬
‫كفينيقيا و فلسطين و وبعض دول المدن األرامية و العبرانيين و النوبة و قبائل التحنو في غرب‬
‫النيل ‪ ،‬إضافة الى الرخاء االقتصادي و اكتمال العناصر الفنية و العمرانية ‪..‬‬
‫ومن فراعنة االسرة ‪ 18‬المشهورين نذكر "أحمس األول" قاهر الهكسوس ‪ ،‬و "تحتومس‬
‫الثاني" و "أمنحوت الثاني" و "أمنحوتب الثالث"(اشتهرا بتوسعاتهم العسكرية في سوريا ) و‬
‫الملكة "حتشبسوت" (اشتهرت بمعبد الدير البحري و ارسالها بعثات تجارية الى بالد "بونت")‬
‫و "أخناتون"(اشتهر بحركته الدينية) ‪ 3،‬ومن األسرة الـ‪ 19‬نجد "سيتي األول" رأس األسرة و‬
‫"رمسيس الثاني" (فرض نفسه تاريخيا من خالل منشآته العظيمة وحمالته الظافرة وحكمه‬
‫الطويل الذى بلغ سبعة وستين عاما ‪ ،‬ولقد أنشأ رمسيس عاصمة جديدة لمصر هي "بر ـ‬
‫رعمسيس" كما هزم الحثيين في معركة "قادش" ) ‪ ،‬واشتهر كذلك "مرنبتاح" (لعله فرعون‬
‫موسى ـ عليه السالم ـ)‪ ،‬و من األسرة الـ‪ 20‬نجد "رمسيس الثالث" قاهر شعوب البحر ‪.‬‬
‫*ـ عهد االنتقال الثالث ‪ :‬يعرف عند المختصين كذلك بـالعصر المتأخر و يمكن التأريخ له بوفاة‬
‫"رمسسيس الثالث" ‪ ،‬دخلت مصر في طور من الضعف والتفكك انتهى بخسارة ممتلكاتها في‬
‫"سوريا" و"فلسطين" و بسيطرة "الليبيين" بعد ذلك على "الدلتا" ‪ ،‬فبعد وفاته حكم ثمانية من‬
‫الفراعنة الضعفاء بداية بــ "رمسيس الرابع" حتى "رمسيس الحادى عشر"‪ ،‬الذى انقسم حكم‬
‫مصر بعد وفاته بين كهنة "آمون" فى "طيبة" فى الجنوب وبين القادة العسكريين فى "الدلتا"‬
‫‪4‬‬
‫الى الشمال‪.‬‬

‫‪ ‬ـ نيقوال جريمال ‪ ،‬تاريخ مصر القديمة ‪ ،‬تر‪ :‬ماهر جويجاتي ‪ ،‬دار الفكر ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬ط‪ ، 1‬ص‪ ، 39‬أنظر ‪ :‬أحمد فخري‪ ،‬مصر الفرعونية ـ‬
‫‪،‬ص‪ .11‬‬
‫‪ ‬ـ شتيندورف ‪.‬ك ‪.‬سيل ‪.‬ك ‪ ،‬عندما حكمت مصر الشرق ‪ ،‬تر‪ :‬محمد العزب موسى ‪ ،‬مكتبة مدبولي ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬ط‪ ، 991 ،1‬ص‪ .31‬‬
‫‪ 5‬ـ سمير العيداني ‪ ،‬العالقات الحضارية بين مصر و شعوب بالد الرافدين ‪ ،‬ص‪ 51-7‬‬
‫‪ 1‬ـ أسامة حسن ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ص ‪ .31-19‬‬

‫‪72‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫ومن عالقة النسب والمصاهرة بين بيت "حر ـ يحور "كاهن "طيبة" و"نسى ـ بابند"‬
‫الحاكم العسكري للدلتا ولدت األسرة الحادية والعشرين (‪ 1087‬ق‪.‬م ـ ‪ 945‬ق‪.‬م) الذى يشوب‬
‫ترتيب ملوكها كثير من االضطراب وال يوجد اتفاق بين الباحثين بشأن ترتيب الحكام فيها‪،‬نظرا‬
‫الستمرار تقاسم السلطة في الواقع بين الجنوب في "طيبة" والشمال في "تانيس" ولكن تشتهر‬
‫فيها أسماء "سمندس" و"بسوسنس األول" و"أوسركون" و"سى ـ آمون" و "بسوسنس الثانى"‪،‬‬
‫و تميز ملوكها بالضعف عموما ‪ ،‬حتى ظهور "شيشنق األول" الليبى وتكوين األسرات من‬
‫الثانية والعشرين حتى الرابعة والعشرين‪(1 .‬أنظر الشكل ‪)21‬‬

‫(أنظر ‪ :‬نيقوال جرميال ‪ ،‬تاريخ مصر القدمي ‪ ،‬ص‪ 424‬ـ بتصرف املؤلف ـ )‬
‫و يعتبر "تاف ـ نخت" مؤسس األسرة الرابعة والعشرين من أقوى الفراعنة الليبيين في‬
‫مصر‪ ،‬ألنه فرض نفوذه على أمراء غرب "الدلتا" ثم حارب أمراء "مصر الوسطى" حتى‬
‫أخضعهم وتمكن في نهاية األمر من إخضاع أمراء شرق "الدلتا" أيضا ‪ ،‬وأصبح حاكما معترفا‬
‫‪2‬‬
‫به على كل الوجه البحري ومصر الوسطى وبدأ في الزحف على الصعيد(مصر العليا)‪.‬‬
‫ظهر للملك " تاف ـ نخت" منافس قوى قادم من الجنوب مؤسسا األسرة الخامسة والعشرين‬
‫الكوشية (جنوب بالد النوبة)(‪750‬ق‪.‬م ـ ‪ 658‬ق‪.‬م) هو الملك "كاشتا"و والد "بعنخى" ‪ ،‬و في‬
‫‪ 747‬ق‪.‬م أسرع "بعنخى" بإرسال جيوشه إلى مصر و سيطر كذلك على الدلتا و نصبه الكهنة‬
‫فرعونا لمصر‪ ،‬تاله في الحكم "شاباكو" و الذي عاصر ظهور القوة األشورية في الشرق‬
‫األدنى عهد الملك "سرجون الثاني"‪ ،‬ثم جاء بعده "شبتكو" ثم "طهراقا" الذي عاصر فترة‬
‫حكمي "سنحاريب" و "أسرحدون" و توسعهما في مصر ـ و عرفت بمرحلة االحتالل‬
‫‪3‬‬
‫األشوري‪.‬‬

‫‪ ‬ـ نيقوال جريمال ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪ .113‬‬


‫‪ ‬أحمد فخري ‪ ،‬مصر الفرعونية ‪ ،‬ص‪ .59‬‬
‫‪ 5‬ـ ا للجنة العلمية الدولية لتحرير التاريخ العام ألفريقيا ــ اليونيسكو ــ ‪ ،‬تاريخ افريقيا العام ‪ ،‬مج‪ ، ‬ص‪ .11‬ـ بتصرف ـ ‪‬‬

‫‪73‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫*ـ مرحلة االحتالل األشوري لمصر‪ :‬سعت آشور إلى السيطرة على بالد الشام‪ ،‬وتم لها‬
‫هذا األمر بعد جهود بذلها سنحاريب وأسرحدون‪ ،‬وأدركت مصر أن االحتالل سيكون‬
‫مصيرها‪ ،‬ولذلك أخذ ملكها "طهرقا" يعمل على تشجيع الفلسطينيين ومدن الساحل السوري‬
‫عامة على الثورة ضد آشور‪ ،‬ومن المحتمل أن مصر كانت وراء ثورة صور التي جاء‬
‫أسرحدون بنفسه وحاصرها‪ .‬ثم تركها محاصرة‪ ،‬واتجه إلى مصر حيث استولى على عاصمتها‬
‫منف‪ ،‬وبذلك اعترف كل حكام األقاليم المصرية بسلطان آشور عليهم‪ ،‬ودفعوا الجزية إلى‬
‫ملكها‪ ،‬وبعد سنوات قليلة ثار الملك طهرقا على اآلشوريين‪ ،‬فما كان من الملك اآلشوري "آشور‬
‫بانيبال" إال أن أرسل جيشا قضى على الثورة‪ ،‬واتجه جنوبا إلى "طيبة" واحتلها‪ ،‬وحاول‬
‫‪1‬‬
‫المصريون الثورة للمرة الثانية‪ ،‬إال أن اآلشوريين غلبوهم على أمرهم ووصلوا إلى "طيبة"‪.‬‬
‫استطاع الملك المصري "أبسماتيك األول" أن ينهي السيطرة األشورية (مستغال توسعات‬
‫الميديين ضد األشوريين ) و سيطر على مصر حوالي ‪ 654‬ق‪.‬م مؤسسا لألسرة السادسة و‬
‫العشرين الفرعونية(‪ 664‬ق‪.‬م ـ ‪ 525‬ق‪.‬م) ‪ ،‬اشتهر من حكام األسرة "نخاو الثاني" حوالي‬
‫‪2‬‬
‫‪ 610‬ق‪.‬م‪ .‬لتتوالى األحداث خاصة مع استقدام المرتزقة اليونان للبالد ‪.‬‬
‫وباستيالء "قمبيز" على مصر تأسست "األسرة السابعة والعشرين" الفارسية‪ ،‬وقد حكم‬
‫فيها خمسة ملوك هم "قمبيز" الذى غزاها عام ‪ 525‬ق‪.‬م ثم "دارا األول" الذى زارها عام‬
‫‪ 517‬ق‪ .‬ثم الملك "أسركسيس" ثم "أرتاكسركسيس" وأخيرا "دارا الثانى" الذى توفى عام‬
‫‪ 404‬ق‪.‬م ‪ ،‬ليستقل بها بعد ذلك الفرعون المصرى "آمون ـ حر الثانى" الذى كان قد أعلن‬
‫الثورة فى أواخر عهد "دارا الثانى" حوالى سنة ‪ 410‬ق‪.‬م ‪ ،‬و تمكن من االستقالل سنة ‪404‬‬
‫ق‪.‬م مؤسسا األسرة الثامنة والعشرين المصرية وظل يحكم لمدة ستة سنوات حتى عام ‪399‬‬
‫‪3‬‬
‫ق‪.‬م ‪.‬‬
‫وبعد وفاة "آمون ــ حر الثانى" خلفه أحد أمراء الدلتا األقوياء ويدعى "نفريتس" مؤسسا‬
‫بذلك األسرة التاسعة والعشرين المصرية واتخذ من مدينة "منديس" عاصمة له‪ ،‬وقد ضمت‬
‫هذه األسرة أربعة ملوك حكموا حوالى عشرين سنة (‪ 398‬ق ‪.‬م‪ 378-‬ق‪.‬م) ‪ ،‬و من ملوك‬
‫هذه األسرة األقوياء "باخوريس" الذى حكم لمدة ثالثة عشر عاما تمكن خاللها من صد الحملة‬
‫القوية التى أرسلها الفرس على مصر ‪،‬وفى عهده عاد بعض النفوذ المصري إلى "فلسطين"‬
‫وجنوب "فينيقيا " ‪،‬و ظهر بعد ذلك "نختنبو األول" الذى تمكن من تأسيس األسرة الثالثين‬
‫‪4‬‬
‫المصرية (‪ 343-380‬ق‪.‬م) ونقل العاصمة من "منديس "إلى "سمنود"‪.‬‬

‫‪ ‬ـ نيقوال جريمال ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪ .159‬‬


‫‪ ‬ـ أسامة حسن ‪ ،‬المرجع السابق ‪،‬ص‪ .3‬‬
‫‪ 5‬ـ أسامة حسن ‪ ،‬المرجع نفسه ‪،‬ص‪ .39‬أنظر في ذلك ‪ :‬نيقوال جريمال ‪ ،‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪ .173‬‬
‫‪ 1‬ـ أحمد فخري ‪ ،‬مصر الفرعونية ‪،‬ص ص ‪ 519-517‬ـ بتصرف ـ ‪‬‬

‫‪74‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫و اشتهر في هذه األسرة "نختنبو الثاني" الذي صد الحملة التي أرسلها الفرس إلى مصر‬
‫بين(‪ 350-351‬ق‪.‬م)‪ ،‬ولكنه لم يصمد فى الحملة الثانية التى قادها الملك "أرتاكسركسيس‬
‫الثالث" بنفسه فتراجع إلى مصر العليا ‪ ،‬تمكن من الصمود لحوالى سنة ونصف ثم هرب إلى‬
‫الجنوب لتتحول مصر إلى إقليم فارسي مرة أخرى‪ ،‬في الفترة التي يعتبرها بعض المؤرخين‬
‫‪1‬‬
‫األسرة الحادية والثالثين الفرعونية (‪ 343‬ق‪.‬م ـ ‪ 332‬ق م) ‪.‬‬
‫و لم يدم الحكم الفارسي فترة طويلة إذ تاله زحف "اإلسكندر المقدوني" في حمالته الشهيرة‬
‫على آسيا وهزم الملك "دارا الثالث" في موقعة "أفسوس" عام ‪ 333‬ق‪.‬م‪ ،‬ومن هناك اتجه إلى‬
‫سوريا فمصر التي سلمها له الوالي الفارسي "مازاكيس "بدون قتال في عام ‪ 332‬ق‪.‬م فدخلها‬
‫منتصرا و توّ ج فرعونا في معبد اإلله "بتاح " بـ"منف" ‪ 2،‬لتدخل مصر في حقبة تاريخية جديدة‬
‫عرفت بـحكم البطالمة في مصر‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬الحضارة الفرعونية ‪:‬يمكن معالجة الحضارة المصرية القديمة عبر اإلشارة الى ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ التنظيم السياسي ‪ :‬ويشمل شكل نظام الحكم عند الفراعنة و الوظائف اإلدارية في الدولة‬
‫من غير الفرعون ‪ ،‬إضافة الى التقسم اإلداري كيفية حكم األقاليم كاآلتي ‪:‬‬
‫الفرعون ‪ :‬كان لصعوبة توحيد األقاليم المصرية أثر في نشوء فكرة أن مصر يحكمها إله أو‬
‫ابن إله تظهر فيه القوى التي تحكم القطرين ‪ ،‬أي هو "حورس الصقر" حاكم القطرين ‪ ،‬أو هو‬
‫على األقل ابن اإلله "رع" (إله الشمس) أعظم اآللهة و سيدها ‪ ،‬و بذلك تمكن الملك (الفرعون)‬
‫من أن يتباعد من أن يكون بشرا ‪ ،‬وتميّز الفرعون شأنه شأن الملوك في الممالك الشرقية‬
‫‪3‬‬
‫األخرى‪ ،‬من حيث أنّه "ابن اإلله" بل و أحيانا اإلله ذاته ‪.‬‬
‫و كان لفرعون وظائف متعددة في مصر القديمة فإلى جانب وظائفه الدينية كتقديم القرابين‬
‫و تنظيم االحتفاالت و األعمال الحربية للحفاظ على كيان الدولة و ضبط حدودها و التوسع ـ‬
‫إن أمكن ـ خارجيا ‪ ،‬فكان يعمل على تأمين اإلدارة الرشيدة لشعبه عبر تحقيق العدالة و الوقوف‬
‫على حا جيات السكان ‪،‬كما كان عليه أن يقرأ و يفصل فيما ال حصر له من الرسائل و التقارير‬
‫التي يجلبها لبالطه كبار الموظفين ‪ ،‬و كانت األعباء الدينية من مهام الملك و أكثرها قدسية‬
‫فهو الكاهن األعظم ‪،‬و هو الذي يسهر على المعابد في إدارتها و تأمين حاجتها ‪ ،‬وكانت مشيئته‬
‫‪4‬‬
‫هي القانون الذي يسري بين الرعية‪.‬‬

‫‪‬ـ أسامة حسن ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪ .1‬‬


‫‪ ‬ـ نيقوال جريمال ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪ .199‬‬
‫‪ 5‬ـ جيمس بيكي ‪ ،‬مصر القديمة ‪ ،‬تر‪ :‬نجيب محفوظ ‪ ،‬مطبعة المحلة ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬د‪:‬ط ‪،‬د‪:‬ت ‪ ، ،‬ص‪ .1‬‬
‫‪ 1‬ـ ج شتيندروف ‪ .‬ك سيل ‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪ .17‬‬

‫‪75‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫و يذكر أنّه منذ عصر الدولة الوسطى (بعد فوضى حكام األقاليم) زاد مبدأ تركيز اإلدارة‬
‫أن القضاء على نفوذ حكام األقاليم هو أضمن السبل‬ ‫بيد الملك ‪ ،‬و هنا أدرك الحاكم المصري ّ‬
‫لثبات العرش و للحفاظ على السلطة ‪ ،‬كما عرف الفراعنة فكرة االشراك في الحكم فكان ولي‬
‫العهد يشارك الملك في الحكم للتدرب عليه من جهة و لتثبيت والية العهد كحاكم مستقبلي ‪.‬‬
‫و كانت وراثة العرش الفرعوني تصير البن الملك من زوجته األصلية الفرعونية و ليس‬
‫من حريمه من األجنبيات (خاصة مع تزايد الزواج باآلسيويات عصر األسر الثامنة عشر و‬
‫التاسعة عشر ) وكانت االبنة الكبرى من الملكة األم تعتبر وريثة ملكية للعرش ‪ ،‬لذا كان الملك‬
‫‪1‬‬
‫الجديد يتزوج من أخته لإلبقاء على الروح الملكية في البيت المالك‪.‬‬
‫أما بخصوص البالط الفرعوني فيتطلب تنوعا كبيرا للموظفين بمن فيهم رجال البالط‬
‫(بمعنى المحيطون بالفرعون)‪ ،‬وكان أكثر المقربين هم أولئك‬ ‫"شنيت" ‪snyt‬‬
‫أي بمعنى السمراء أو األصدقاء ‪ ،‬وكذلك لقب "ايريخ‬ ‫الذين يسمون "سمرو"‬
‫الذي ترجم بـ "المعروف من الملك" و المـستخدم ألقارب‬ ‫ـ نزو" ‪"ir.h.nzw‬‬
‫‪2‬‬
‫فرعون‪.‬‬
‫و كان كذلك من موظفي البالط الملكي و الذين لهم حق االتصال المباشر بالملك "عيون‬
‫الملك و آذانه " و كانوا يختصون بالمخابرات السريّة و منهم " المبعوث الخاص الذي يطوف‬
‫البالد" و هو يوافي الملك باألخبار ثم " المعلم الذي يصل بعلمه الملك الى حد الكمال" ثم "‬
‫الكاتب الخاص لحورس الثور القوي " ثم " كبير أمناء القصر الملكي" ثم " األمناء" ثم "‬
‫رئيس الحرس الملكي" ثم " األتباع" و هم مرافقو الملك في الصيد و كذلك " رئيس ح َملَة أختام‬
‫‪3‬‬
‫الملك" و " الرسول الخاص" و " كاتب المائدة الملكية"‪.‬‬
‫) و كان على رأس‬ ‫و يلي فرعون مصر منصب الوزير (حامل لقب "تاتي"‬
‫اإلدارة المركزية و يشرف على المحفوظات الملكية حيث تحفظ المراسيم و العقود و الوصايا‬
‫و المستندات الهامة ‪ ،‬و يعاونه رؤساء اإلرساليات الذين ينقلون إليه تقارير اإلدارات اإلقليمية‪،‬‬
‫كما كان هو رئيس القضاة األعلى و يشرف على إدارتين هامتين هما الخزينة و األعمال‬
‫الزراعية ‪ ،‬باإلضافة الى توجيهه لبعثات استثمار المناجم أو البعثات الخارجية عموما باإلضافة‬
‫‪4‬‬
‫الى فرق الجيش و األسطول ‪ ،‬كما كان يمثل إداريا حاكم العاصمة‪.‬‬

‫‪ ‬ـ ناصر األنصاري‪ ،‬المجمل في تاريخ مصر ‪ ،‬النظم السياسية و اإلدارية ‪ ،‬دار الشروق ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬ط‪ ،997، 1‬ص ص‪ 1-9‬ـ بتصرف ـ ‪‬‬
‫‪ ‬ـ ألن جارندر ‪ ،‬المرجع السابق ‪،‬ص‪ 1‬‬
‫‪ 5‬ـ سمير العيداني ‪ ،‬العالقات الحضارية بين مصر وشعوب بالد الرافدين ‪ ،‬ص‪ .97‬‬
‫‪ 1‬ـ ـ محمد جمال مختار ‪ ،‬لمح ة في تاريخ مصر السياسي و الحضاري ‪ ،‬في تاريخ الحضارة المصرية ‪ ،‬مج‪ ، 1‬دار المعرفة‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬د‪:‬ط‪،‬‬
‫د‪:‬ت ‪ ،‬ص‪ .95‬وأنظر ‪ :‬ألن جارندر ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ص‪ .1-5‬‬

‫‪76‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫و في عهد الدولة الحديثة حين تكونت اإلمبراطورية واسعة األرجاء ‪ ،‬و زادت أعمال الحكومة‬
‫زيادة كبيرة ‪ ،‬اضطر الفراعنة أن يعينوا وزيرين ‪ ،‬أحدهما للوجه القبلي و مقره "طيبة" و يمتد‬
‫نفوذه من الشالل األول الى "أسيوط" و الثاني للوجه البحري و مقره "هليوبوليس" (عين‬
‫شمس) و يشرف على المناطق من "أسيوط" الى البحر المتوسط‪ ،‬حيث يساعده في آداء المهام‬
‫‪1‬‬
‫رؤساء اإلدارات و عدد كبير من الوكالء و الكتبة‪.‬‬
‫و في الجانب اإلداري بعد منصب الوزير كانت أهم اإلدارات المركزية هما اإلدارة المالية‬
‫و إدارة األشغال التي ظهرت بوضوح في عهد الدولة الوسطى و كان يشرف عليهما رئيس‬
‫بيت المال ‪ 2،‬أما بالنسبة للتقسيم اإلداري و تسهيال لبسط نفوذ الحكومة على جهات القطر ‪،‬‬
‫قسمت مصر إلى أقسام صغيرة بلغ عددها من الوجه القبلي حوالي عشرون قسما تقريبا ‪ ،‬و‬
‫في الوجه البحري ‪ 22‬قسما ‪ ،‬و كان حكام األقاليم يعينون بأمر ملكي و يلقبون بنواب الملك و‬
‫تعهد إليهم مهام اإلدارة و القضاء ‪ ،‬و لقّبوا أحيانا بالقضاة و كان من الواجب عليهم القيام‬
‫باختصاصات الحكومة في العاصمة محليا كالمالية و القضاء و اإلدارة و تقييم مساحة األراضي‬
‫‪3‬‬
‫و إقامة الجسور و حفر الترع و مخازن التموين‪.‬‬
‫و أما عن الجانب العسكري ‪ ،‬فلم يكن لمصر جيش محترف مستعد و دائم خالل التاريخ‬
‫المبكر ‪ ،‬بل كان لكل إقليم حرسه الخاص الذي يجند أفراده من الرجال األشداء و يقوم بتسليحه‬
‫أن المعبد كان يرسل كتائب صغيرة من القوات ‪ ،‬وحتى إدارة‬ ‫األمير المحلي ‪ ،‬باإلضافة الى ّ‬
‫المالية كانت تحتفظ بحصة من الجنود لحماية موظفيها الذين يرسلون الى المحاجر و المناجم‬
‫‪ ،‬كما كانت هناك قوة بوليسية مجندة بالكامل من قبائل نوبية معينة ‪ ،‬و في حال تعرض الدولة‬
‫المصرية لتهديد الحرب ‪ ،‬كانت كل الفصائل المختلفة يجري تسليحها بأسلحة من الحكومة‬
‫‪4‬‬
‫الملكية و تنظم تحت قيادة قائد عام يجري اختياره لمواجهة الظرف الطارئ‪.‬‬
‫و خالل عصر الدولة الحديثة و بعد األزمات و عهود الفوضى التي عانتها مصر كالثورات‬
‫االجتماعية و تمردات حكام األقاليم المصرية و النوبية ‪ ،‬و بعيد غزو الهكسوس تغير النظام‬
‫العسكري للدولة فقد اختفت القوات الغير النظامية في األقاليم و ح ّل محلها جيش دائم و كبير ‪،‬‬
‫حصل على نظام و تدريب واسعين من الحروب التي خاضها ضد جيوش غرب آسيا و أيقظت‬
‫"حرب التحرير" ضد الهكسوس المصريين المسالمين ‪ ،‬وهنا كانت نواة الجيش تتكون من‬
‫المواطنين المصريين ‪ ،‬ثم تزايدت أعداد أفراد الجيش تباعا بمرور الزمن و استخدمت قوات‬
‫‪5‬‬
‫مرتزقة من الدول المجاورة‪.‬‬

‫‪ ‬ـ ناصر األنصاري ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪ .9‬‬


‫‪ ‬ـ ناصر األنصاري ‪ ،‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص‪ .51‬‬
‫‪ 5‬ـ سليم حسن ‪ ،‬مصر القديمة ‪ ،‬ج‪ ، ‬ص ص ‪ .7-1‬‬
‫‪ 1‬ـ جيمس بيكي ‪ ،‬مصر القديمة ‪ ،‬ص‪ 5‬‬
‫‪ 3‬ـ ج شتيندروف ‪.‬ك سيل ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪ .5‬‬

‫‪77‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫وكانت الخناجر و السيوف و الحراب و بلط القتال هي عماد األسلحة التي استخدمها الجنود‬
‫المصريون ‪ ،‬و كانت الخناجر قصيرة ذات مقابض من العظم أو العاج ‪ ،‬وكان السيف أشبه‬
‫‪1‬‬
‫بالخنجر الطويل يستخدم في الطعن و المبارزة في القتال المتالحم‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ االقتصاد الفرعوني ‪ :‬يدرس عادة من خالل األنشطة الممارسة كاآلتي ‪:‬‬
‫أ ـ الزراعة ‪ :‬تعتبر الزراعة أبرز النشاطات البشرية الممارسة و أقدمها ‪ ،‬قصد تلبية الحاجيات‬
‫الغذائية لإلنسان من خالل تعويض التناقص في خيرات الطبيعة النباتية و الحيوانية ‪ ،‬و يتضح‬
‫لنا أن المصري القديم بحكم البيئة الزراعية قد عرف كيف ينشئ لنفسه زراعة ذو قوية ‪ ،‬و لم‬
‫ي فلح في الوصول الى ذلك بتأثير الموارد الطبيعية التي هيأها له وادي النيل فحسب ‪ ،‬بل كان‬
‫الفضل في ذلك أيضا الى جهوده التي ال تعرف الملل‪ ،‬و مساعيه في تحسين آالت زراعته و‬
‫طرق استثمار أرضه مما جعل مناطق ضفاف النيل تزدهر بها زراعة الحقول ‪ ،‬مما ساهم في‬
‫‪2‬‬
‫تقدم الحضارة المصرية في مجاالت أخرى تأثرت بالزراعة‪.‬‬
‫هذا و أولى حكام مصر خاصة في عصر الدولة الوسطى و الحديثة الزراعة عناية بالغة‬
‫شملت طرق الزراعة و أدوات اإلنتاج الزراعي و فن إدارة المزارع و الرقابة في العمليات‬
‫الزراعية المختلفة حراثة و بذرا و ريّا و حصادا ‪ ،‬كما ساعدت الدولة من خالل توجيهات‬
‫ملكية مركزية و ممارسة للموظفين و حكام األقاليم في حفظ و تجميع اإلنتاج الزراعي ‪ ،‬إذ‬
‫كانت الدولة في خالل عهد العديد من األسرات توزع األراضي الزراعية على الفالحين‬
‫بالتساوي و تراقب عمليات االستغالل ‪ ،‬كما كانت تستعيد األراضي من األسر التي يثبت‬
‫‪3‬‬
‫إهمالها للزراعة‪.‬‬
‫و فيما تعلق بأساليب الزراعة فإنها ال تختلف كثيرا عن باقي مناطق العالم القديم ‪،‬رغم مالهم‬
‫من السبق في كثير من التحسينات الزراعية ـ و خاصة في فصل البذر الذي ينطلق خالل الشتاء‬
‫بين شهري أكتوبر و فيفري‪ ،‬وكان الفالح بعد مرحلة البذر يستعين بالجماعة في ري محاصيله‬
‫الزراعية خاصة من "بحيرة موريس" في منطقة الفيوم ‪ ،‬اذ كانت تفتح عندما يحتاج الزرّ اع‬
‫توزع في المساقي الصغيرة ‪ ،‬حيث تعاون‬ ‫للمياه بواسطة الشادوف أو األواني التي كانت ّ‬
‫المزارعون بدعم من حكام األقاليم و رعاية من الدولة على إقامة مشاريع ري كبرى في بناء‬
‫‪4‬‬
‫القنوات الجديدة و السدود‪.‬‬
‫و بخصوص أساليب الري فقد توقفت الزراعة المصرية في بداية األمر على فيضان النيل‬
‫وكان اإلنتاج وافرا و الموسم الزراعي ناجحا إذا ما فاض النيل في وقته و روى األراضي‬

‫ت ج جيمز ‪ ،‬أسرار الفراعنة ‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬د‪:‬ط ‪ ،999 ،‬ص ص‪ .9-9‬‬ ‫‪‬ـ‬
‫عبد الفتاح محمد وهيبة ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪ .593‬‬ ‫‪‬ـ‬
‫سير و م فلندرز بيتري ‪ ،‬الحياة االجتماعية في مصر ‪ ،‬ص‪ 59‬و كذا ‪ :‬سليم حسن ‪ ،‬مصر القديمة ‪ ،‬مج ‪ ، 1‬ص‪ 99‬‬ ‫‪5‬ـ‬
‫محمد شفيق غربال و آخرون ‪ ،‬تاريخ الحضارة المصرية ‪ ،‬العصر الفرعوني ‪ ،‬ص‪ .19‬‬ ‫‪1‬ـ‬

‫‪78‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫الزراعية ‪ ،‬أما إذا تأخر فيحدث الجفاف و لمواجهة الكارثة و توفير الماء طيلة أيام السنة أنشئت‬
‫السدود و قنوات نقل المياه و الخزانات التي تسمح بري األراضي الزراعية في كل وقت ‪،1‬‬
‫أما إذا انخفض منسوب الماء فيلجأ الفالح المصري الى رفع الماء بالشادوف أو الساقية‪ ،‬ومن‬
‫العمليات اإلروائية الضخمة ما نسب للفرعون "أمنمحات الثالث " في منطقة "الفيوم" حيث‬
‫‪2‬‬
‫شق بحيرة اصطناعية عرفت ببحيرة "موريس" عند االغريق ‪.‬‬
‫و أثبتت الدراسات وجود العديد من المحاصيل المصرية كالشعير ‪ ،‬السمسم ‪ ،‬العدس ‪،‬‬
‫الحلبة ‪ ،‬الكتان ‪ ،‬القمح ‪ ،‬الذرة ‪ ،‬الذرة البيضاء ‪ ،‬البرسيم ‪ ،‬القطن‪ ،‬القصب ‪ ،‬الترمس و الفول‪،‬‬
‫ومن الفواكه المعروفة البلح بأنواعه و العنب بأنواعه و البرقوق ‪ ،‬البطيخ ‪ ،‬و جوز الهند و‬
‫النبق ‪ ،‬التين ‪ ،‬الرماّن‪ ،‬الكمثري ‪ ،‬والتفاح و الكرز و الليمون ‪.‬ومن الخضروات الخس و‬
‫الباذنجان ‪ ،‬القرع ‪ ،‬السلق ‪ ،‬الخيار ‪ ،‬الكرنب ‪ ،‬القثاء ‪ ،‬الكراث ‪ ،‬الفجل ‪ ،‬اللفت ‪ ،‬الحمص و‬
‫‪3‬‬
‫الفول‪.‬‬
‫كما عمل المصري القديم على استئناس الحيوان بحيث استأنس الكلب في الصيد و‬
‫الحراسة كما عرف فائدة من الثور و الحمار في النقل و الحرث ‪ ،‬وكان البدو يقدرون قيمة‬
‫صوف األغنام ‪ ،‬بينما كان أغلب المصريين يفضلون الماعز على الخراف و يضاف الى‬
‫استئناس الخنزير لوظائف مختلفة ‪ ،‬وما عداه فكان المصريون يصطادون الغزال و األيائل و‬
‫الماعز البري و الوعل و الضبع المتوحش‪ .‬ولم يعرف الجمل اال عند أهل المناطق الشرقية‬
‫للدلتا ‪ ،‬أما الحصان فلم يعرف كثيرا إال بعد "الهكسوس "‪ ،‬حيث بدأ انتشاره في عصر‬
‫‪4‬‬
‫"الرعامسة"‪.‬‬
‫ب ـ النشاط الصناعي ‪ :‬يمكن تتبع اإلسهام الحرفي لقدماء المصريين ‪ ،‬من خالل التطور‬
‫الواضح في الصناعات المرتبطة بمجال استخراج الحجارة المتنوّ عة و كذلك في ميدان التعدين‬
‫و الصناعات الخشبية و الزجاج و العاج و العظام ‪ ،‬حيث أنهم استكشفوا و استغلوا مختلف‬
‫موارد البالد الطبيعية و بالتدريج أدخلوا التحسينات على األساليب الفنية الالزمة لصنع األدوات‬
‫المختلفة و التي صممت بمهارة كبيرة‪.‬‬
‫*ـ استخراج الحجارة ‪ :‬وبدأ استعمال الحجارة في البناء منذ منتصف عهد األسرة األولى عندما‬
‫استخدم حجر الجرانيت في تبليط األرضيات ‪،‬و لكن سرعان ما استبدل الحجر باللبن في بناء‬
‫المعابد الملتحمة باألهرامات منذ األسرة الثالثة و استمر استخدامه في بناء المعابد في‬
‫"أبيدوس"‪ ،‬و استعملت المناشير المرصّعة باألحجار الصلبة في تسوية الحجارة و كذلك أنابيب‬

‫‪ ‬ـ محمد شفيق غربال و آخرون ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪ .31‬‬


‫‪ ‬ـ سير و م فلندرز بيتري ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪ .15‬‬
‫‪ 5‬ـ يوسف نيازي ‪ ،‬رساالت من الحضارة المصرية في العصر الفرعوني ‪ ،‬ج‪ ،1‬المطبعة العمومية ‪ ،‬طنطا ‪ ،‬د‪:‬ط ‪ ، 91 ،‬ص‪ : .1‬وليم‬
‫نظير ‪ ،‬الثروة النباتية عند قدماء المصريين ‪ ،‬الهيئة المرية العمة للتأليف و النشر ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬د‪:‬ط ‪ ، 971 ،‬ص‪ .17‬‬
‫‪ 1‬ـ محمد شفيق غربال و آخرون ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪ .37‬‬

‫‪79‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫النحاس في قطع الجرانيت ‪،‬كما استعملت المثاقب النحاسية في عمل التجاويف العميقة و أزيلت‬
‫‪1‬‬
‫النتوءات بالمطارق الحجرية الصلبة‪.‬‬
‫*ـ التعدين ‪ :‬ظلت صناعة التعدين قرونا كثيرة محتكرة للدولة‪ ،‬وكانت مناجم النحاس تنتج‬
‫مقادير قليلة منه ‪ ،‬أما الحديد فكان يستورد من بالد الحثيين ‪ ،‬أما مناجم الذهب فكانت منتشرة‬
‫على طول الضفة الشرقية للنيل و في بالد النوبة ‪ ،‬كما كان يؤتى به ـ الذهب ـ من خزائن جميع‬
‫الواليات الخاضعة لسلطان مصر في عصر الدولة الحديثة ‪ ،‬عرفت مصر خالل العهد‬
‫الفرعوني كيف تصنع البرونز بمزج النحاس بالقصدير‪.‬‬
‫وكان للذهب أهمية كبيرة في تاريخ مصر االقتصادي و السياسي بحيث برزت أهميته في‬
‫دعم العالقات الخارجية أكبر من قيمته في دعم الرخاء الداخلي ‪ ،‬حيث كان دائما أكثر وفرة‬
‫من الفضة لتوفر مناطق تعدينه بالمناطق الشرقية و النوبة ‪ ،‬أما الفضة فقد كانت حتى عصر‬
‫الدولة الوسطى أكثر ندرة من الذهب فكانت مناجمها قليلة و تقنية استخراجها متأخرة ألنها‬
‫أكثر تعقيدا من الذهب ‪ ،‬لذلك كانت الفضة مساوية لقيمة الذهب حتى عصر الدولة الحديثة‪.‬‬
‫*ـ الصناعة الفخارية‪ :‬منذ عهد األسرة األولى استخدمت عجلة الفخار لصناعة الجرار الكبيرة‪،‬‬
‫لكن استخدام اليد كان ضروريا و في عهد األسرة الثالثة كانت األواني الفخارية تصنع بواسطة‬
‫لفّها داخل حفرة في األرض بينما تشكلّها يد الصانع‪ ،‬و في عهد األسرة الثانية عشر كان‬
‫الفخاري يدير عجلة الفخار بيده اليسرى و يشكل اآلنية بيده اليمنى ‪ ،‬ثم ينزعها و يصقل قاعدتها‬
‫‪ ،‬و في عهد األسرة الثامنة عشر كانت الجرار الكبيرة تصنع بحيث تكون في وضع معكوس‬
‫أو مقلوب على عجلة ّ‬
‫الفخار‪.‬‬
‫ــ يقصد بالصناعة الفخارية ما صنع من الطين ث ّم يشكل و هو رطب ‪ ،‬ثم يقسّى عبر حرقه ‪،‬‬
‫ثم تشمل عملية صناعة االناء الفخاري على أربع خطوات أساسية هي عجن الطين و تشكيل‬
‫اإلناء ثم تجفيف اإلناء و أخيرا عملية حرقه‪.‬‬
‫*ـ صناعة الحلي ‪ :‬برع المصريون منذ عهد األسرات في استعمال الذهب و األحجار الكريمة‬
‫و التي استعملت في صناعة الحلي الكثيرة التي تزينوا به رجاال و نساء و أقدمها تلك األساور‬
‫التي عثر عليها في مقبرة أحد ملوك األسرة األولى و ما تالها من مكتشفات أشهرها تعود‬
‫إلحدى أميرات األسرة الثانية عشر و التي تميّزت بتطعيمها باألحجار الكريمة ‪ ،‬لتتطوّر‬
‫صناعة الحلي خالل عهد األسرة الثامنة عشر من خالل الصدريات و األساور و القالئد و‬
‫الخواتيم المطعمة باألحجار الكريمة التي عثر عليها في مقبرة "توت عنخ أمون" و المحفوظة‬
‫‪2‬‬
‫في خزائن المتحف المصري‪.‬‬

‫‪ ‬ـ مجموعة من المؤلفين ‪ ،‬تاريخ أفريقيا العام ‪ ،‬مج‪ ، 1‬ص ص‪.37-31‬و أنظر ‪ :‬السير و م فلندرز بيتري ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪ .7‬‬
‫‪ ‬ـ ألفريد لوكاس ‪ ،‬المواد و الصناعات عند قدماء المصريين ‪ ،‬تر‪ :‬زكي إسكندر ‪ ،‬مكتبة مدبولي ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬ط‪ ،99 ، 1‬ص‪ .99‬‬

‫‪81‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫*ـ صناعة الزجاج ‪ :‬من الصناعات التي القت رواجا كبيرا ‪ ،‬حيث صنع من الرمل السيليكي‬
‫أو رمل الكوارتز و التي تحوي عنصر كربونات الكالسيوم و يضاف الى الرمل المطروق أو‬
‫رماد بعض النباتات ثم مواد األلوان و يوضع هذا الخليط في بوتقة غير كبيرة الحجم حتى‬
‫تنصهر هذه المواد بفعل الحرارة ‪ ،‬وتندمج معا و تكوّ ن جسما متجانسا ذا لون واحد ‪ ،‬بعدها‬
‫يبدأ الصانع في تحويل القطع الزجاجية الى قضبان رفيعة و ذلك بفعل التسخين ‪ ،‬ليصبح لديه‬
‫الما ّدة الخام التي يستعملها في عمل المواد الزجاجية ‪ ،‬ومن نماذج الزجاجيات الزهريات ذات‬
‫األشكال كثيرة التنوّع من الكأس الجميل ذي الساق الى الزهريات المصبوبة في شكل أسماك‬
‫متعددة األلوان من النوع غير الشفاف ‪ ،‬بعدها انتشرت الزهريات الزجاجية متعددة األلوان و‬
‫‪1‬‬
‫التي بدأت تظهر منذ ‪700‬ق‪.‬م في الشكل المعروف بـ "ألبستر"(المرمر المعرّ ق)‪.‬‬
‫جـ ـ التجارة ‪ :‬و قد عني المصريون بالتجارة و رواجها ‪ ،‬لتصريف منتجات مصر و استيراد‬
‫ما كا نت البالد تفتقر إليه من مواد كاألخشاب و المعادن و الخيول و القطران ‪ ،‬بحيث يكون‬
‫المي زان التجاري في صالحها و يضمن الثراء العريض الذي كان من دعائم قوتهم ‪ ،‬لذا يرجح‬
‫أن استيراد هذه المواد التي كانت مصر تفتقر لها ـ أو الجانب األكبر منها ـ كان وقفا على‬ ‫ّ‬
‫الملك‪ ،‬و أنّه كان ال يدفع إال مكوسا جمركية طفيفة ‪ ،‬و أما القسم اآلخر فكان يشمل السلع التي‬
‫تنتج مصر مثيالتها و لذلك كان الملك يفرض عليها مكوسا مرتفعة ‪ ،‬و كان التجار هم الذين‬
‫‪2‬‬
‫يجلبون هذه السلع و هي في أغلبا سلع كمالية كالنبيذ االغريقي و األسماك المجففة‪.‬‬
‫و كان النقل التجاري البرّي يتم عبر ظهور الحمير على الرغم من ظهور الحصان حوالي‬
‫أن الحصان استعمل في جرّ العربات الحربية ‪ ،‬أما الجمل فلم يستعمل‬ ‫األلف الثانية ق‪.‬م ذلك ّ‬
‫إال في العصر المتأخر و عرف في فترات أقدم في الصحاري الشرقية ‪ ،‬ونظرا لصعوبة النقل‬
‫البري و ارتفاع تكاليفه و عدم جدواه من حيث قلة الحمولة ‪ ،‬فقد كان النقل المائي أفضل عند‬
‫التجار المصريين‪ ،‬حيث كانت التجارة تتم عبر النيل ـ لسهولة المالحة فيه نزوال وصعودا ـ‬
‫فمن الجنوب الى الشمال يدفع تيار الماء القوارب و من الشمال الى الجنوب تدفعها الرياح‬
‫‪3‬‬
‫الشمالية التي تهبّ بانتظام أغلب األيام‪.‬‬
‫و لم تتم العملية التجارية على المقايضة فحسب ‪ ،‬بل استعملت منذ األلف الثاني ق‪.‬م حلقات‬
‫من الذهب تسمى "شات "‪ "SHATS‬تزن كل واحدة حوالي ‪7.5‬غرام ‪ ،‬و منذ عصر الدولة‬
‫الحديثة ظهرت في مصر مسكوكات تعرف باسم "دبن" "‪ " DEBEN‬تصل قيمتها الى ‪12‬‬
‫‪4‬‬
‫شات‪ ،‬أي حوالي ‪ 90‬غرام ‪.‬‬

‫‪ ‬ـ اللجنة الدولية لتحرير تاريخ افريقيا العام ‪ ،‬تاريخ أفريقيا العام ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص‪.31‬و ألكثر تفصيل في الصناعة الزجاجية يراجع ‪ :‬ألفريد لوكاس‪،‬‬
‫المواد و الصناعات في مصر القديمة ‪،‬ص‪ ،‬ص ‪ .59-51‬‬
‫‪ ‬ـ عبد الفتاح محمد وهيبة ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪ 519‬‬
‫‪ 5‬ـ السير و م فلندرز بتري ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪ .75‬‬
‫‪ 1‬ـ ويل وايرل ديورانت ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪ .91‬‬

‫‪81‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫أن مصر تحصلت على وارداتها من مناطق محددة منها العاج و البخور و الصمغ‬ ‫و يذكر ّ‬
‫و جلود الفهود و األسود و الذهب و ريش النعام الذي كان يرد إليها من بالد النوبة و أخشاب‬
‫األرز من "فينيقيا" و النبيذ و الزيت من جزيرة "كريت" و بالد اليونان ‪ ،‬كما ت ّم استيراد‬
‫النحاس من آسيا الصغرى ‪ ،‬أما التوابل و البخور و المواد الثمينة فمن شبه الجزيرة العربية و‬
‫الهند و بالد الرافدين و زيت الزيتون من شمال أفريقيا ‪ ،‬و النباتات العطرية و أخشاب األبنوس‬
‫و الجوز من "بالد بونت"(الصومال الحالية)‪ ،‬وحتى عصر الدولة الحديثة دلت النصوص‬
‫أن مصر بقيت تستورد الذهب و الفضة و األحجار الكريمة و الخيل و الماشية و‬ ‫المختلفة ّ‬
‫‪1‬‬
‫األسلحة و اآلالت الموسيقية و الزيت و النبيذ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ المجتمع ‪ :‬وجب لدراسة المجتمع الفرعوني أن أشير الى القضايا اآلتية ‪:‬‬

‫المالك و الكهنة في درجة‬ ‫أ ـ طبقات المجتمع المصري‪ :‬كان كبار الموظفين و النبالء و كبار ّ‬
‫واحدة ‪ ،‬يكونون جميعا الطبقة التي تلي الفرعون مباشرة و الذي كان ينيبهم عنه في تأدية المهام‬
‫الخاصة به ‪ ،‬و هكذا كان المجتمع يتكون في أوّ ل أمره من طبقتين مع فرق واضح ‪ ،‬طبقة عليا‬
‫حاكمة على رأسها فرعون و أسرته و حاشيته و من حولهم كبار موظفي الدولة و أمراء األقاليم‬
‫و كبار الكهنة ‪ ،‬ث ّم طبقة دنيا عاملة كادحة تتكون من عمال الزراعة و الصناعة و أصحاب‬
‫‪2‬‬
‫الحرف‪.‬‬
‫و في عهد الدولة الحديثة ظهرت هناك تغييرات في تركيبة المجتمع المصري بسبب‬
‫طغيان الروح العسكرية ‪ ،‬و ذلك بظهور طبقة جديدة مهيمنة بدأت تتشكل منذ األسرة الثامنة‬
‫عشر و ظلت تتطوّر ‪ ،‬هذه الطبقة التي نشأت أساسا على أيدي الضباط العسكريين بعد التحرير‬
‫من تواجد الهكسوس في األسرة ‪ ، 18‬كما استطاعت تأسيس األسرتين ‪ 19‬و ‪ 21‬فيما بعد ‪،‬‬
‫أن هذه الطبقة بدأ يتزايد نفوذها في جميع أركان الدولة بعد النجاح في صـــراعها‬‫حيث يتضح ّ‬
‫‪3‬‬
‫مع فئة رجال الدين و الكتبة التقليديين‪.‬‬
‫أن المواطنين المصريين‬ ‫وكان الرقيق يمثلون أدنى طبقة في المجتمع ‪ ،‬ـ مع اإلشارة الى ّ‬
‫الذين كانوا يعملون كخدم طواعية أو بإرادتهم الحرّ ة ال يعتبرون من الرقيق ‪ ،‬حيث لم يكن من‬
‫الممكن بيعهم أو توريثهم ‪ ،‬وإن كانوا يمثلون فئة من الطبقة الدنيا ‪ ،‬و منذ بداية الدولة الحديثة‬
‫أصبح أسرى الحروب مصدرا أساسيا لطبقة الرقيق ‪ ،‬و كان مالك الرقيق ممن ينتمون الى‬
‫الضباط العسكريين أكثر من الرقيق المملوكين للدوائر المدنية ‪ ،‬هذا الى جانب ّ‬
‫أن القسم األكبر‬
‫‪4‬‬
‫من طبقة الرقيق كانوا يعتبرون من أمالك الدولة و أمالك المعابد‪.‬‬

‫‪ ‬ـ صدقي ربيع ‪ ،‬المراكب في مصر القديمة ‪ ،‬الهيئة العامة المصرية للكتاب ‪ ،‬القاهرة د‪:‬ط ‪، 99 ،‬ص‪.1‬و أنظر ذلك في‪ :‬ألفريد لوكاس ‪،‬‬
‫المرجع السابق ‪ ،‬ص‪ .735‬‬
‫‪ ‬ـ محمد بيومي مهران ‪،‬مصر و الشرق األدنى القديم ‪ ،‬ج‪ ،1‬الحياة االجتماعية و السياسية و العسكرية و الدينية ‪ ،‬ص‪ .11‬‬
‫‪ 5‬ـ أحمد قدري ‪ ،‬المؤسسة العسكرية المصرية في عصر اإلمبراطورية (‪ 371‬ـ‪ 197‬ق‪.‬م) ‪ ،‬تر‪ :‬مختار السويفي ‪ ،‬محمد العزب موسى ‪ ،‬مطبعة‬
‫هيئة اآلثار المصرية ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬د‪:‬ط ‪ ،993 ،‬ص‪ 11-13‬و أنظر ‪ :‬دومينيك فالبيل ‪ ،‬الناس و الحياة في مصر القديمة ‪ ،‬تر‪ :‬ماهر جويجاتي ‪ ،‬دار‬
‫الفكر للدراسات ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬ط‪ ، 11 ،1‬ص‪ .1‬‬
‫‪ 1‬ـ أحمد قدري ‪ ،‬المؤسسة العسكرية المصرية في عهد اإلمبراطورية ‪ .19 ،‬‬

‫‪82‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫ب ـ فئات المجتمع ‪ :‬و قد توزعت الجاليات األجنبية في المدن المصرية على حسب الموقع‬
‫الجغرافي ‪ ،‬و يدلّ على ذلك تزايد األعراق اآلسيوية في مدن شرق الدلتا ‪ ،‬و الجاليات ذات‬
‫األصل الليبي في مدن "الدلتا" و الواحات الغربية ‪ ،‬بحيث نجد "شيشنق" الذي كوّ ن األسرة‬
‫الثانية و العشرين مستقرا بقبيلته في "أهناسيا" بالفيوم ‪ ،‬وكذلك األمر بالنسبة للمناطق الجنوبية‬
‫حيث وجدت الجاليات النوبية و الحبشية ‪ ،‬مع مالحظة أنّه في حالة األزمات و الضعف اللذان‬
‫‪1‬‬
‫فإن هذه الجاليات و القبائل تزيد في نشاطها عبر غارات البدو‪.‬‬‫يعتريان الدولة المصرية ‪ّ ،‬‬

‫جـ ـ األسرة و المرأة و األحوال الشخصية ‪ :‬تشمل عائلة المصري بمعناها الواسع اآلباء و‬
‫األجداد و األبناء واألنساب والتي اصطلح على أفرادها "أهل الدار" ‪ ،‬و كان الحكماء يطالبون‬
‫األبناء بتشييد منازلهم و تأسيس أسر جديدة عبر الزواج ‪ ،‬حيث تكون األسرة تتكون من‬
‫الزوجات و أبنائهم ‪ ،‬والتي أضيف لها المكفولون من اإلخوة و األخوات اليتامى الذين لم يبلغوا‬
‫سن الزواج ‪ ،‬كما كانت رعاية الوالدين واجب أخالقي مفروض على األبناء يشجعهم في ذلك‬
‫‪2‬‬
‫الميراث المرتقب‪.‬‬
‫و تعددت حاالت الطالق خاصة بين الفقراء ( لسوء الوضع المادي و مشكالته)‪ ،‬و كانت‬
‫القاعدة تقتضي الزواج ثانية في حالة التر ّمل أو الطالق ‪ ،‬و اعتبرت العزوبية سلوكا غير‬
‫اجتماعي و عرفت سلوكات الزنا و االغتصاب بأنّها من األمور المرفوضة و التي يعاقب‬
‫عليها‪ ،‬إذ فرض القتل عقابا للزانية المتزوجة و من زنى بها ‪،‬و يظهر ّ‬
‫أن العالقات الزوجية‬
‫‪3‬‬
‫اتسمت بالمودة و االهتمام في فن المناظر المرسومة (عند النبالء ) ‪.‬‬
‫أما عن تعدد الزوجات‪ ،‬فمن الثابت أن كثيرا من ملوك مصر و أمرائها كان لهم أكثر من‬
‫زوجة عهد الدولة الحديثة فهناك شواهد كثيرة على اتخاذ كثير ملوكها الكثير من الزوجات و‬
‫بخاصة "أمنحوتب الثالث" الذي كان له أكثر من زوجة ‪ ،‬و كذلك تزوج "رمسيس الثاني"‬
‫الكثير من الزوجات وكان له العديد من األوالد (مئة و إحدى عشر ولدا و تسعة و خمسون‬
‫أنثى ) ‪ ،‬وكان لــ "رمسيس الثالث" ثالث زوجات شرعيات ‪ ،‬وقد أشار لذلك "ديودور الصقلي"‬
‫‪4‬‬
‫قائال‪ ":‬و يتخذ الكاهن في مصر زوجا واحدا أما سائر الرجال فيتخذون من األزواج ما يشتهون"‪.‬‬
‫و عن المرأة و مكانتها االجتماعية عند المصريين القدماء‪ ،‬فقد كانت أرقى في مركزها‬
‫عن كثير من األمم ‪ ،‬و في ذلك يقول "ماكس ميلر" ‪ ":‬ليس ث ّمة شعب قديم أو حديث قد رفع منزلة‬
‫المرأة مثلما رفعها سكان وادي النيل " ‪ ،‬فالنقوش و الرسومات المختلفة تصور النساء يأكلن و‬

‫‪ ‬ـ محمد مدحت جابر ‪ ،‬بعض جوانب جغرافيا العمران في مصر القديمة‪ ،‬مكتبة نهضة الشرق ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬د‪:‬ط ‪ ،993 ،‬ص ‪.1‬و أنظر ‪ :‬عبد‬
‫العزيز صالح ‪ ،‬الشرق األدنى القديم ‪.‬مصر و العراق ‪ ،‬ص‪.11‬و أنظر‪ :‬محمد شفيق غربال و آخرون ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪ .5‬‬
‫‪ ‬ـ دومينيك فالبيل ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪ . 5‬و أنظر‪ :‬عبد العزيز صالح ‪ ،‬األسرة المصرية في عصورها القديمة ‪ ،‬الهيئة المصرية العامة‬
‫للكتاب ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬د‪:‬ط ‪ ،999 ،‬ص‪ 31‬‬
‫‪ 5‬ـ دومينيك فالبيل ‪ ،‬المرجع نفسه ‪،‬ص‪ 51‬‬
‫‪ 1‬ـ ويل و إيرل ديورانت ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ص‪ 91-93‬ـ بتصرف ـ ‪‬‬

‫‪83‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫يشربن بين الناس ‪ ،‬و يقضين ما يحتجنه من المهام في الشوارع من غير رقيب غليهن ‪ ،‬كما‬
‫‪1‬‬
‫يمارسن األعمال التجارية و الصناعية بكامل حريتهن‪.‬‬
‫أن تركة األب‬‫أ ّما عن نظام الميراث فالقواعد المتشابهة طيلة أغلب الفترات التاريخية ‪ّ ،‬‬
‫المتوفى تنتقل الى أبنائه الشرعيين ث ّم الى أبنائهم نزوال ‪ ،‬كما كانت تصير الى األبناء أو‬
‫أن جميع األبناء متساوون في تركة‬ ‫األخوات عند عدم وجود األبناء المباشرين ‪ ،‬و الراجح ّ‬
‫أن األسرة المصرية منحت في بعض عهودها االبن األكبر حق‬ ‫الهالك صغارا أو كبارا ‪ ،‬رغم ّ‬
‫اإلشراف على ميراثها دون التصرف فيه لحسابه الخاص ‪ ،‬كما منعته من جعل الميراث ألبنائه‬
‫دون غيرهم ‪ ،‬كما اشترطت عليه العمل بالميراث فيما يفيد أفرادها ‪ ،‬في حين ّ‬
‫أن ميراث المرأة‬
‫على األغلب كانت تحوزه من تركة والدها المنقولة ‪ ،‬حتى ال تخضع عقارات األسرة لتدخل‬
‫الزوج حين وراثته ‪ ،‬و كان لها أن ترث الجواهر الثمينة فإنها تنتقل من األم الى البنت عن‬
‫‪2‬‬
‫طريق اإلرث‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ الجانب الثقافي ‪ :‬تتم دراسته من خالل مواضع تخص األدب و العلوم و العمارة و الفن و‬
‫تفاصيل المجال الديني كاآلتي‪:‬‬
‫أ ـ األدب المصري القديم ‪ :‬يمكن تقسيمه من حيث مواضيعه إلى أربعة أبواب هي ‪:‬أدب‬
‫األساطير الدينية و القصص و األناشيد ( األغاني) و أدب الحكم و النصائح ‪ ،‬مع تسجيل أن‬
‫هذه األبواب تتداخل فبما بينها خالل مختلف حقب التاريخ المصري القديم ‪ ،‬والتي تعطينا في‬
‫مجموعها صورة صادقة عن المصريين القدماء ‪ ،‬ألن أدب أي شعب هو المرآة التي تعكس لنا‬
‫عقليته و أمانيه و توضح لنا ما وصل إليه ذلك المجتمع من إنتاج فكري‪.‬‬
‫* اآلداب الدينية ‪ :‬و و جدت مكتوبة على نصوص األهرام و نصوص التوابيت و كتاب‬
‫الموتى ‪ ،‬و تتعلق أغلبها بما عرف باألدب الديني أو أدب األساطير الدينية و من موضوعاتها‬
‫الشهيرة أسطورة "نجاة البشر" أو "هالك اإلنسانية" و التي نقشت على أحد نواويس "الملك‬
‫توت غنج آمون" الخشبية ‪ ،‬و كذا أسطورة حياة "إزيس" و "إله الشمس رع" باإلضافة لقصة‬
‫‪3‬‬
‫صراع "حورس" و "سيت"‪.‬‬
‫*ـ أدب الحكمة‪ :‬و اشتهر المصريون بأدب الحكمة ‪wisdom literature‬و الذي يهتم‬
‫بالمواضيع العملية ‪،‬و يطلق عليها في المصرية القديمة "التعاليم" مما يوحي أنها مؤلفات‬
‫تعليمية ‪ ،‬وكانت الفكرة السائدة لدى الكثيرين أن الغرض المرجو من الحكم و النصائح و‬

‫‪ ‬ـ ويل وايرل ديورانت ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪ .91‬‬


‫‪ ‬ـ محمد بيومي مهران ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪ .31‬‬
‫‪ 5‬ـ للتفصيل في موضوع االدب المصري القديم ‪،‬يراجع ‪ :‬سليم حسن ‪ ،‬مصر القديمة ج‪ ، 9‬و يراجع‪ :‬أحمد فخري‪" ،‬االدب المصري القديم " ‪،‬‬
‫تاريخ الحضارة المصرية القديمة ‪ ،‬و يراجع ‪ :‬سمير العيداني ‪" ،‬االبداع االدبي اإلبداع األدبي في مصر القديمة و بالد ما بين النهرين ـ دراسة‬
‫مقارنة " ‪ ،‬مجلة حضارات الشرق األدنى القديم ‪ .‬‬

‫‪84‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫التعاليم أن يكون المرء موظفا كفئا و يؤدي عمله الوظيفي على أكمل وجه ‪،‬مع مالحظة ّ‬
‫أن‬
‫الهدف منها هو تخليد الذكر و الرفعة من شأن الشخص التي توجه له الحكمة‪ ،‬و من أقدم األمثلة‬
‫على هذا النوع "تعاليم بتاح ـ حوتب" أحد وزراء األسرة الخامسة حوالي ‪ 2380‬ق‪.‬م ‪ ،‬ومن‬
‫أمثلة أدب الحكمة كذلك ما عرف بتعاليم الملك "أمنمحات األول" من فراعنة األسرة ‪.12‬‬
‫*ـ أدب األناشيد واألغاني ‪ :‬أما عن أدب األناشيد فهو معروف كذلك بأدب التأمالت‪ ،‬و الذي‬
‫مهدت له فترة االضطرابات السياسية و عدم االستقرار االقتصادي التي أعقبت عهد الدولة‬
‫القديمة حيث وردت عدة نصوص في أدب التأمالت (المتشائمة) منها "تحذيرات أيبور" نهاية‬
‫عهد الدولة القديمة ‪.‬‬
‫و منذ عصر الدولة الحديثة أصبح الكثير من الفراعنة هم أنفسهم مواضيع ألناشيد النصر‬
‫التي كانت تنقش على ما يقيمونه من أنصاب في معابدهم ‪ ،‬ومنها نشيد النصر الخاص بـ‬
‫"تحمتس الثالث" محفور على نصب بمتحف القاهرة (أصله من معبد الكرنك)‪ ،‬و يضم‬
‫نصوصا بعضها نثري و كثيرها مقاطع شعرية قسمت إلى عشر مقاطع ‪ ،‬يبدأ كل منها بعبارة‬
‫"لقد أتيت" ‪،‬و الكالم الشعري ورد على لسان اإلله "آمون" نفسه يقول‪ ":‬لقد أتيت ‪...‬لكي أمنحك‬
‫الحق في أن تطأ زعماء فينيقيا‪ ....‬و سوف أنثرهم تحت قدميك‪...‬في أي جزء من بالدهم‪ ..‬و سوف أجعلهم‬
‫يرون جاللتك باعتبارك رب األشعة‪ ..‬عندما تشرق في وجوههم على صورتي ‪ ..‬لقد أتيت ‪...‬لكن أمنحك‬
‫الحق في أن تطأ سكان آسيا ‪..‬و تطيح برؤوس اآلسيويين‪ ...‬و سوف أجعلهم يرون جاللتك في دروعك‪..‬‬
‫‪1‬‬
‫عندما تحمل أسلحتك الحربية في العربة‪."..‬‬

‫يضاف لتلك النصوص األدبية الشعرية التراتيل و التي تعلقت بالنيل واآللهة و اشتهر منها‬
‫" ترنيمة النيل " المعروف بـ اإلله "جعبي " تعود لألسرة التاسعة عشر ( حوالي‪ 1250‬ق م )‬
‫و م ّما جاء فيها " مرحبا بالنيل‪ ،‬الذي يخرج من األرض ‪ ،‬و يأتي لهيب الحياة ألهل مصر ‪ ،‬خفي في‬
‫الحركة مظلم في النهار ‪،‬مقدس من أتباعه الذين يرون حقولهم ‪،‬خلفه رع إلعطاء الحياة لكل العطشى‬
‫‪،‬الذي يجعل الصحراء تشرب من سهول هابطة من السماء ‪،‬المحبوب من إله األرض ‪ ،‬الرقيب على إله‬
‫الحبوب ‪،‬الذي يجعل مصانع "بتاح" تزدهر ‪ ،‬إله األسماك الذي يجعل طيور الماء تسبح عكس التيار‪2".‬‬

‫*ـ األدب القصصي ‪ :‬ظهر األدب القصصي في مصر الفرعونية منذ عهد الدولة القديمة و‬
‫يستدل من بعض الفقرات التي وردت في متون األهرام على وجود أساطير و قصص عن‬
‫اآللهة ترجع إلى عصر ما قبل الكتابة ‪ ،‬و كان الفرعون " سنفرو " مؤسس األسرة الرابعة من‬
‫أهم الشخصيات التي دارت القصص حولها ‪ ،‬و التي من أشهرها ما عرف بقصة "سنفرو و‬
‫الحكماء "‪ ،‬و قصة " المالح الغريق " والتي وصلت إلينا كاملة غير منقوصة ‪ ،‬و من القصص‬
‫التي وصلتنا قصة "سنوهي " سنوحي ) و التي كتبت في أوائل األسرة الثانية عشر‪ ،‬و ذاع‬

‫‪ ‬ـ عبد الغزيز صالح ‪ ،‬الشرق األدنى القديم ‪ ،‬مصر و العراق ‪ ،‬ص‪ . 497‬‬
‫‪ ‬ـ أحمد أمين سليم ‪ ،‬سوزان عباس عبد اللطيف ‪ ،‬دراسات في تاريخ و حضارة الشرق القديم (‪.)1‬في حضارة مصر القديمة ‪ ،‬ص‪ . 555‬‬

‫‪85‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫كذلك من األدب القصصي "قصة األخوين" وهي تنتمي لقصص عهد الدولة الحديثة (عهد‬
‫األسرة التاسعة عشر) ‪ ،‬و " قصة إله البحر " و كذلك " قصص خوفو و السحرة " و قصة‬
‫‪1‬‬
‫"األمير المسحور " و " االستيالء على مدينة باقا " و غيرها الكثير‪.‬‬
‫ب ـ التعليم و العلوم ‪ :‬كان التعليم ميزة محتكرة لصالح الصبيان المزعم تعيينهم في المناصب‬
‫االدارية كالكتبة أو المناصب الدينية كالكهنة ‪ ،‬و الهدف الرئيسي من عملية التعليم هو توفير‬
‫الموظفين األكفاء ألعمال الدولة ( المدنية و الدينية ) باإلضافة إلى تحسين األوضاع االجتماعية‬
‫لألفراد المتعلمين‪ ،‬هذا و يرجح أنّه يبدأ التعليم في سن مبكرة وينتهي في عمر ‪ 16‬عاما ‪ ،‬يجتهد‬
‫فيها التلميذ بمدارس خاصة داخل القصر الملكي أو التابعة للمعابد ‪ ،‬يشرف عليها الكهنة إن‬
‫تعلق األمر بأبناء األغنياء و النبالء ‪ ،‬أما أبناء العامة فكان يتكفل بالموهوبين منهم كاتب القرية‬
‫و مساعدوه ‪ ،‬حيث عمل األشخاص القادرون على تحمل نفقات التعليم في تأمين التعليم ألبنائهم‬
‫‪2‬‬
‫ألنّه مفتاح الوظائف اإلدارية‪.‬‬
‫و كان الكتبة المتخرجون ـ من أبناء الكهنة و رجال البالط و كبار القواد ـ يلتحقون بعد‬
‫حصولهم على شهادة (كاتب المجبرة) بالمعبد الكبير لتلقي العلوم األخرى و التخصص في‬
‫مجاالت محددة على أيدي كبار الكهنة لتلقي علوم كالهندسة المعمارية و الفلك و الطب و‬
‫الصيدلة و حكمة المصريين و آدابهم‪ ،‬و كان هؤالء يعينون بعد دراستهم في الوظائف العليا‬
‫كوزراء أو قواد أو كهنة ‪ ،‬بحكم أن الوظائف الكبرى في كثير من فترات التاريخ المصري‬
‫‪3‬‬
‫القديم كانت متوارثة‪.‬‬
‫أن المصريين تعرفوا على مختلف‬ ‫و بالنسبة للعلوم يرى المؤلف "محمد بيومي مهران" ّ‬
‫علومهم لغايات تتعلق بواقعهم المعيشي و طبيعتهم الجغرافية وبناء على مميزات الحياة اليومية‬
‫المصرية وهكذا مارسوا ثم درسوا الفلك ليحددوا موعد الفيضان بغية الوصول الى مواقيت‬
‫الزراعة و الحصاد ‪ ..‬و اهتموا بالحساب لضبط حاجياتهم الضرورية في البيع و التجارة و‬
‫‪4‬‬
‫اإلحصاء و تحصيل الضرائب و درسوا الهندسة لفائدتها في العمارة و إقامة المشروعات‪.‬‬
‫*ـ الرياضيات ‪ :‬يشار أن العمليات الحسابية قد عرفها المصريون باكرا كالجمع و الطرح‪ ،‬و‬
‫من المفترض أنهم عرفوا األعداد قبل ذلك كالعشرات و المئات و ألوف األلوف ‪ ،‬أما العمليات‬
‫كالضرب فكان عبر عملية جمع الجمع و ذلك عبر مضاعفة العدد المضروب في جدول صغير‬
‫مرات تعادل العدد المضروب فيه ‪ ،‬ثم تجمع حواصل ضرب المضاعفات التي تعادل في‬
‫مجموعها العدد المضروب فيه ‪ ،‬في حين كانت عملية القسمة تجرى عكس عملية الضرب أي‬

‫‪ ‬ـ سليم حس ‪ ،‬مصر القديمة ‪ ،‬ج‪ ، 9‬االدب المصري القديم ‪ ،‬الكتاب ‪ .‬‬
‫‪ ‬ـ عبد الحليم نور الدين ‪ ،‬التربية و التعليم في مصر القديمة ‪ ،‬إصدارات مكتبة اإلسكندرية ‪ ، 111 ،‬ص ص‪.3-‬ـ بتصرف ـ ‪‬‬
‫‪ 5‬ـ أحمد بدوي ‪ .‬جمال الدين مختار ‪ ،‬تاريخ التربية و التعليم في مصر ‪ ،‬تاريخ الحضارة المصرية القديمة ‪ ،‬ج‪ . 1‬العصر الفرعوني ‪ ،‬ص‪-99‬‬
‫‪ 99‬ـ بتصرف ـ ‪‬‬
‫‪ 1‬ـ محمد بيومي مهران ‪ ،‬مصر و الشرق األدنى القديم (‪ . )1‬الحضارة المصرية القديمة ‪ ،‬ج‪ .1‬اآلداب و العلوم ‪ ،‬ص‪ .557‬‬

‫‪86‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫أنها كانت تعتمد على مضاعفة المقسوم عليه حتى يتعادل مع القاسم ‪ ،‬و يرجح المختصون ّ‬
‫أن‬
‫‪1‬‬
‫المصريين قد عرفوا نظام الكسور البسيطة وتجنبوا استخدام الكسور المركبة‪.‬‬
‫*ـ الفلك ‪ :‬الراجح أن التبصر في السماء (الفلك) قد أثار اهتمام كبار الكهنة ‪ ،‬و خاصة اهتمام‬
‫كهنة "هيليوبوليس" المكرسين لعبادة "الشمس" "رع" ‪ ،‬و ميّز المصريون القدامى في السماء‬
‫–غير الشمس و القمر‪ -‬كواكب كثيرة منها ما نسميه "عطارد" و "الزهرة"( نجمة الصباح)‬
‫ثم "المريخ" (حور األحمر) و "المشتري" (النجم الثاقب) و أخيرا "زحل" (حور الثور) ‪ ،‬و‬
‫قد جعلوها ضمن بروج خاصة و كذلك أمكن التعرف على "الدب األكبر" (فخذ ثور) و‬
‫"البجعة" (الرجل ذي الذراعين المفتوحتين) و "الجوزاء" (في صورة رجل العدو) و‬
‫"الحوت" و "الثريا" و "العقرب" و "الحمل" ‪ ،‬و كان النجم األقرب (الشعرى اليمانية) ذا‬
‫دور كبير في حساب الزمن لدى القوم ‪ ،‬فقد كان شروقه الشمسي محدد للسنة الحقيقية (مدتها‬
‫‪2‬‬
‫‪ 365‬يوما و ربع اليوم)‪.‬‬
‫*ـ العلوم الطبية ‪ :‬كان للطب في مصر الفرعونية شأن عظيم ‪ ،‬كما كان األطباء يتمتعون‬
‫بمكانة مرموقة في المجتمع ‪ ،‬و في ذلك وصف المؤرخون اليونان مدى تفوقهم في ذلك إذ يقول‬
‫"هيرودوت "إنّ المدارس الطبية في مصر كانت في منتهى الشهرة والسمعة الطبية الكبيرة ‪ ،‬كما أن‬
‫رجال الطب الذين تخصصوا في مختلف فروعه فكان لهم صيت ذائع ‪ ،‬و أنّ الملوك و األمراء و العظماء‬
‫‪3‬‬
‫‪ ،‬في البالد األخرى كانوا يستدعونهم لعالجهم "‪.‬‬
‫و يمكن إجمال ما برع فيه المصريون في الطب و العقاقير ‪ ،‬من خالل معرفتهم باألمراض‬
‫المختلفة و تشخيصها و القيام بعالجها ‪ ،‬ثم ابتكارهم ألدوات الجراحة و طرق استعمالها ‪ ،‬كما‬
‫عرفوا عمليات طبية عارضة كالبتر و الجبر و الخلع و الختان و غيرها ‪ ،‬ثم إنهم قد تميزوا‬
‫بالطب الداخلي حيث وصفوا العديد من األمراض وصفا دقيقا يعتمد أساسا على الخبرة و الدقة‬
‫أن من طرق العالج‬ ‫و الفهم الجيّد لوظائف أجهزة الجسم و مدى اإللمام بالتشريح ‪ ،‬كما أيقنوا ّ‬
‫‪4‬‬
‫العقاقير و المراهم و التدليك بالزيوت‪ .‬واشهر عملياتهم التحنيط ‪.‬‬
‫و كان تقدم الطب يدفع إلى ضرورة التطوّ ر في مجال الصيدلة التي اعتمدت على‬
‫العقاقير ‪ ،‬و التي كذلك استعملت النباتات و مشتقات الحيوانات و المعادن كمواد أولية في ذلك‪،‬‬
‫و قد أحصت البرديات الطبية ‪-‬السابقة الذكر‪ -‬أكثر من‪ 90‬نوعا نباتيا من الخضروات و فواكه‬
‫استخرجت منها عالجات ألمراض ‪ ،‬يضاف إليها أكثر من ‪ 25‬نوعا من المعادن و المواد‬

‫‪ ‬ـ عبد العزيز صالح ‪ ،‬الرياضيات في مصر القديمة ‪ ،‬تاريخ الحضارة المصرية القديمة ‪ ،‬ج‪ ، 1‬العصر الفرعوني ‪ ،‬ص‪ .391‬‬
‫‪ ‬ـ محمد بيومي مهران ‪ ،‬اآلداب و العلوم ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪ .571‬‬
‫‪ 5‬ـ هيرودوت ‪ ،‬هيرودوت يتحدث عن مصر‪ ،91 ،‬ص‪ .91‬‬
‫‪ 1‬ـ ليلى بومريش ‪ ،‬التحنيط في مصر القديمة ‪ ،‬مجلة الدراسات التاريخية ‪ ،‬قسم التاريخ بجامعة الجزائر ـ ‪ 1‬ـ العددان ‪15-1 ، 1-3‬‬
‫‪ ،‬ص ص ‪ 5-‬ـ بتصرف ـ و أنظر في ذلك ‪ :‬جمال ندا صالح السلماني ‪ ،‬التحنيط في مصر القديمة (لماذا و كيف) ‪ ،‬مجلة كلية اآلداب ‪،‬جامعة‬
‫بابل ‪ ،‬العدد ‪ ، 111 ، 11‬ص‪ .511‬‬

‫‪87‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫العضوية كالجبس و االسفلت و القار و المغرّة الصفراء و النطرون و أكسيد الحديد ‪ ...‬و مواد‬
‫‪1‬‬
‫حيوانية مستخرجة خاصة من األسماك و الديدان و النحل و القواقع‪.‬‬
‫جـ ـ الفن ‪ :‬تأثر الفن المصري بـالعقيدة الدينية حيث كان العتقاد قدماء المصريين بأن الحياة‬
‫تعود إلى الجسم بعد الموت أثر كبير على خصائص الفن المصري ‪ ،‬حيث حرص على تحنيط‬
‫جثث موتاه في مدافن منيعة زيّن جدرانها بكتابات و نقوش تمثل مناظر مختلفة للميت ‪ ،‬كما‬
‫كان تأثير البيئة المصرية واضحا على الفن المصري القديم حيث تأثر الفنان بها ‪ ،‬و من ذلك‬
‫أن الشمس التي شرق عليه بأشعتها طوال أيام السنة ‪ ،‬دعته أن يجعل جدران معابده خالية من‬
‫‪2‬‬
‫النوافذ‪.‬‬
‫*ـ النحت ‪ :‬هو الفن ذو األبعاد الثالثة ( الطول و العرض و السمك ) و بنظرة على ما خلفته‬
‫الدولة الحديثة من تماثيل نجد أن بعضها يعبر عن المثالية بقوة و وضوح و البعض اآلخر يعبر‬
‫عن الواقعية ‪ ،‬بلغ فن النحت من األهمية ما بلغه في العمارة ‪ ،‬و جرت تقاليده‪-‬أي النحت‪ -‬بنفس‬
‫ما جرت ع ليه تقاليد فن الرسم حيث شاركتها دالالت الخلود و حب البساطة و الوضوح كما‬
‫شاركتها في وسائل التنفيذ ‪ ،‬و أصحاب المقابر (النبالء) باستقامة الهيئة و وحدة االتجاه فنحتوا‬
‫جذوع تماثيلهم العليا منتصبة دائما حين الوقوف و حين الجلوس ‪ ،‬و وجهوا أبصارهم غلى‬
‫‪3‬‬
‫األمام في اتجاه مستقيم و كأنهم يتطلعون إلى مستقبل طويل و بعيد‪.‬‬
‫و من أحسن تماثيل هذا العصر تمثال البقرة "حتحور" الذي وجد بالدير البحري عام ‪،1906‬‬
‫في داخل مقصورة من الحجر الرملي ذات سقف مقبب الشكل ‪ ،‬و التي تعد أحسن قطعة فنية‬
‫نحتية حيوانية و التي يرجع تاريخها إلى األسرة الثامنة عشر ‪ ،‬كما يعد تمثال "تحمتس الثالث"‬
‫المصنوع من حجر الشيست و هو واقف يطأ األقواس التسع التي تمثل شعوب البدو ‪ ،‬احدى‬
‫تحف الفن المصري في هذه الفترة (أنظر الشكل ‪ .)22‬و احتفظت األسرة التاسعة عشر بالتقاليد‬
‫الخاصة بالرقة و الرشاقة و التي كانت متبعة في نهاية األسرة الثامنة عشر ‪ ،‬و من أجمل‬
‫التماثيل التي تتجلى فيها الدقة المتناهية تمثال "رمسيس الثاني"‪(4 .‬أنظر الشكل ‪)23‬‬
‫و من النماذج األساسية لهذه الفترة ما عرف بالفن اآلتوني خاصة منها تماثيل "أخناتون "‬
‫(أنظر الشكل ‪ ، )24‬و تميزت المنحوتات في الدولة الحديثة بطابع الضخامة خاصة في مواقع‬
‫المعابد ‪ ،‬و كان الغرض منها أن تتناسق مع العمارة الضخمة التي ترتبط بها ليتناسب حجمها‬
‫مع حجم المعابد المشيدة في هذه الفترة ‪ ،‬و من ذلك تمثاال "طيبة" اللذان يمثالن الفرعون‬

‫‪ ‬ـ محمد عبد الحميد بسيوني ‪ ،‬الفراعنة أساطين الطب ‪ ،‬دار المعارف ‪ ،‬القاهرة ‪ ،977 ،‬د‪:‬ط ‪ ،‬ص ‪ ، 579‬و أنظر ذلك في ‪ :‬عبد الحليم نور‬
‫الدين ‪ " ،‬الطب و الصيدلة في مصر القديمة " ‪ ،‬منشورات مكتبة اإلسكندرية ‪ ،‬ص ص‪-‬ـ بتصرف ـ ‪‬‬
‫‪ ‬ـ صبا علي حسن ‪" ،‬جمالية توظيف عنصري الشمس و النيل في الفن المصري"‪ ،‬مجلة كلية التربية األساسية ‪ ،‬جامعة بابل ‪ ،‬العدد ‪13 ، 1‬‬
‫‪ ،‬ص‪ .17‬‬
‫‪ 5‬ـ زهير صاحب ‪ ،‬الفنون الفرعونية ‪ ،‬دار مجدي األدبي للنشر ‪ ،‬عمان ‪،‬ط‪، 113، ‬ص ‪ 39‬و أنظر في ذلك ‪ :‬محرم كمال ‪ ،‬تاريخ الفن‬
‫المصري القديم ‪،‬ص ‪ . 7‬‬
‫‪ 1‬ـ سمير العيداني ‪ ،‬العالقات الحضارية بين مصر و شعوب بالد الرافدين ‪ ،‬ص‪ .1‬‬

‫‪88‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫"امنحوتب الثالث" و يبلغ ارتفاعهما حوالي العشرين مترا ‪ ،‬و مثال هذه التماثيل الضخمة ما‬
‫أقيم في عهد "رمسيس الثاني" للتماثيل األربعة المنحوتة في الصخر ضمن واجهة معبده بـ"أبي‬
‫سنبل"‪( 1.‬أنظر الشكل ‪) 25‬‬

‫الشكل ‪ : 23‬تمثال من الجرانيت "رمسيس الثاني" بمتحف تورين‬ ‫الشكل ‪ :22‬تمثال تحتومس الثالث‬

‫الشكل ‪ : 25‬منحوتات عائلة "رمسيس الثاني بمدخل‬ ‫الشكل ‪ " : 24‬أخناتون " ـ خاص بالمؤلف ـ‬
‫معبد أبو سمبل الكبير‬ ‫المتحف القومي بالقاهرة‬

‫في مجال الفنون الصغرى صنع المصري القديم عددا كبيرا من التمائم و الجعارين و األختام‬
‫أن هذه األشياء‬‫و أدوات الزينة و الحلي التي ال تقل جماال بسبب حجمها الصغير ‪ ،‬و الشك ّ‬
‫الصغيرة كانت ظاهرة منتشرة في جميع المنطقة كما يفترض أنها تراوحت في تطورها حسب‬
‫األقسام العامة للفن المصري القديم ‪ ،‬و كذلك لم يكن القصد من صناعة هذه التحف الفنية هو‬
‫تحقيق مبدأ الفن للفن بل إنها كانت فوق ذلك تعبيرا عن اعتقاد مصري بأن الحياة في هذه الدنيا‬
‫‪2‬‬
‫ستتكرر بعد الموت ‪.‬‬

‫‪ ‬ـ محرم كمال ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪ .51‬‬


‫‪ ‬ـ عبد الحليم نور الدين ‪ " ،‬الفن المصري القديم " ‪ ،‬أعمال الموسم الثقافي األثري األول بمكتبة اإلسكندرية ‪ ،‬ص ‪ .4‬‬

‫‪89‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫د ـ العمارة ‪ :‬كانت المقابر الفرعونية في شكل مصاطب مدرجة او في شكل األهرامات أو تلك‬
‫المحفورة في الصخر أهم األشكال العمرانية في العمارة المصرية ‪ ،‬و هنا اكتفى ملوك أسر‬
‫الدولة الحديثة بحفر سراديب متعاقبة و غرفة التابوت ‪ ،‬و شيدوا المعبد الجنائزي (ما يقابل‬
‫المزار) على مقربة من النهر ‪ ،‬فروح الميت قادرة على مغادرة القبر و المجيء إلى المزار و‬
‫لذلك بنو سلسلة من المعابد على الشاطئ الغربي للنيل ذات صبغة جنزية كـ"الرمسيوم" الذي‬
‫بناه "رمسيس الثاني" و "الدير البحري" الذي بنته "حتشبسوت" و "معبد رمسيس الثالث" في‬
‫"هابو" و معبد "سيتي األول" بـ"القرنة" ‪ ،‬و كلها خاصة بعبادة الملك المتوفى و تقديم القرابين‬
‫‪1‬‬
‫أن هذه المعابد تشكل جزءا من المقبرة الخاصة لذلك الفرعون‪.‬‬‫له ‪ ،‬مع ذكر ّ‬

‫و بخصوص المعابد المصرية القديمة فقد خضعت ـ عموما ـ لنفس القواعد الفنية في العمارة‬
‫الحجرية و تميزت بالتقليل من االنحناءات و التعقيد كما امتازت باستقامة االتجاهات في‬
‫محورها الرئيسي و وجود أسلوب المقابلة بين أجزائها المشكلة في األساس من بوابة ضخمة‬
‫ذات صرحين بينهما المدخل الرئيسي للمعبد ‪ ،‬الذي يوصل إلى فناء فسيح مكشوف ‪ ،‬ثم إلى‬
‫بهو أعمدة كبير يتميز بصفوف متعددة من األعمدة الضخمة الصفان األوسطان يرتفعان عن‬
‫باقي الصفوف ‪ ،‬ثم تؤدي األعمدة إلى بهو أعمدة أصغر و منه إلى "قدس األقداس" الذي يتكون‬
‫من حجرة واحدة إذا كان المعبد قد خصص لعبادة معبود واحد ‪ ،‬أو من ثالث حجرات إذا كان‬
‫المعبد قد خصص لثالوث مقدس ‪.‬‬
‫و من النماذج العمرانية خالل عهد األسرة التاسعة عشر معبد "أبو سمبل" الذي أنشأه‬
‫"رمسيس الثاني" و هو منحوت في كتلة صخرية و في واجهته أربع تماثيل ضخمة تمثل‬
‫فرعون جالسا على كرسي و بالقرب منه معبد "أبي سمبل الصغير" و تماثيله واقفة ألن الجبل‬
‫هناك عمودي االنحدار و ترتفع واجهة المعبد الكبير ‪ 33‬مترا و تمتد أفقيا ‪ 38‬مترا ‪ ،‬و قد‬
‫زينتها أربع تماثيل ضخمة يبلغ ارتفاعها حوالي ‪ 20‬مترا تمثل "رمسيس الثاني" جالسا و‬
‫بجانبه بعض زوجاته و أبنائه و بناته ‪ ،‬و لقد أقيم المعبدان بمواجهة الشمس التي تضيء‬
‫واجهتيهما المنحوتتين من الصخر األحمر ‪ ،‬ثم تنفذ إلى "قدس األقداس" الذي في نهاية المعبد‬
‫‪2‬‬
‫الكبير و على امتداد ‪ 63‬مترا من مدخله‪.‬‬
‫هـ ـ الديانة المصرية القديمة‪ :‬تدرس عبر الحديث على‪: 3‬‬
‫*ـ المعتقدات و األفكار الدينية ‪ :‬تتأثر الديانة بالبيئة الطبيعية التي تنشأ فيها ‪ ،‬و تتكيف مع‬
‫نمط معتنقيها ‪ ،‬هذا و ينطبق على ديانة المصريين القدماء ‪ ،‬الذين تمعّنوا في الكون ‪ ،‬و سكونه‬

‫‪ ‬ـ كمال الدين سامح ‪ ،‬لمحات في تاريخ العمارة المصرية منذ أقدم العصور حتى العصر الحديث ‪ ،‬دار النهضة ‪ ،‬الشرق ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬ط‪111، ‬‬
‫‪،‬ص ص ‪ 3‬ـ ‪.1‬ـ بتصرف ـ ‪‬‬
‫‪ ‬ـ عفيف بهنسي ‪ ،‬تاريخ الفن و العمارة ‪ ،‬دار الرائد اللبناني للطباعة ‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪ ، 99، ‬ص ‪ .7‬‬
‫‪ 5‬ـ للتفصيل في الديانة المصرية القديمة يراجع ‪ :‬خزعل الماجدي ‪ ،‬الدين المصري ‪ ،‬و كذلك ‪ :‬ياروسالف تشرني ‪ ،‬الديانة المصرية القديمة ‪ .‬‬

‫‪91‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫و حركته و في الحياة و الموت ‪ ،‬تلك الظواهر التي عجزوا عن تفسيرها تفسيرا عقليا واقعيا‬
‫بل فسروها تفسيرا خرافيا أسطوريا و الذي يعد حسب المتخصصين منشأ عملية التديّن ‪ ،‬و‬
‫طبيعة مصر القديمة فيها من الظواهر ما أفاد المصريين بالخير و في مقابل وجدت الظواهر‬
‫‪1‬‬
‫التي تهدد حياة اإلنسان و تض ّر بمصالحه ‪ ،‬و من هنا كان عليه إرضاء هذه اآللهة بالعبادة‪.‬‬
‫فإن ما نقله "هيرودوت " عن تديّن المصريين ـ يغلب عنه الصواب ـ خاصة إذا‬ ‫و فعال ّ‬
‫قيست عملية التديّن عند شعب ما بحجم المخلفات المادية ‪ ،‬و هنا تظهر المكانة التي منحها‬
‫المصريون حكاما و شعبا للمعتقدات و اآللهة لذا فحسب "هيرودوت" ‪ ":‬فالمصريون أكثر تقوى‬
‫من سائر البشر ‪ ،‬يهتمون ك ّل االهتمام بالشعائر المقدسة ‪ ..‬فقد سبقوا شعوب العالم في إقامة األعياد‬
‫‪2‬‬
‫العامة و المواكب العظيمة "‪.‬‬
‫ويص ّنف المتخصصون الدين المصري القديم على أنهّ من األديان الطبيعية ‪ ،‬بمعنى ّ‬
‫أن‬
‫أوّ ل المعبودات عندهم كانت تختص بالمظاهر الطبيعية ‪ ،‬و هنا نظر المصري عبر مراحل‬
‫حياته إلى العالم المحيط به‪ ،‬و أخذ يتساءل عن أسرار الكون و أسباب الوجود و عن مصير‬
‫اإلنسان ‪ ،‬فكثرت عنده التساؤالت التي صعب عليه حلّها بفكره البدائي و أخذ يشعر بتلك القوى‬
‫التي تسيطر على الكون –غير أته لم يستطع أن يميزها – بمدى ما توصل إليه من خبرة و‬
‫حواس ‪ ،‬فأخذ يك ون في مخيلته صورا لها و يعطي أسماء لها ‪ ،‬و في ذلك ساق أفكاره الدينية‬
‫على مشاعر غريزية كالرغبة في المنفعة أو الشعور بالرهبة و الخوف‪.‬‬
‫و بخصوص أفكار الخلق و التكوين كان للمصريين عدة نظريات تتناول نشأة الكون يتصارع‬
‫بعضها مع البعض اآلخر ‪ ،‬و كان كل مركز ديني بارز روايته الخاصة عن الخلق ‪ ،‬يتميز بإله‬
‫خالق أعظم أنجبت آلهة مرافقة له ‪ ،‬و كانت نظريات الخلق في هذه المراكز تعالج الشكل الذي‬
‫صاغته لمفاهيم اإلله األصلية أشهرها أسطورة "هليوبوليس" (أنظر الشكل ‪)26‬التي اعتبرت‬
‫أن الخالق األول هو "أتوم" الذي اتحد مع "رع" إله الشمس ‪ ،3‬و اشتهر من أساطير الخلق‬ ‫ّ‬
‫كذلك معتقدات "هرموبوليس" (األشمونيين) ‪ ،‬و حسبهم برز التل من بين األمواج ‪ ،‬و تسلّم‬
‫أولى نفحاته من الرب الخالق ( و هو "تحوت" في هذه القصة) ‪ ،‬و هناك "أسطورة منف" و‬
‫ملخصها أن اإلله "بتاح" الذي ضم مبادئ الخلق في شخصه ‪ ،‬صنع العالم المنظم بفعل قلبه‬
‫‪4‬‬
‫هو نفسه ‪ ،‬الذي استوعب فكرة الشيء الذي يخلقه ‪ ،‬و أقام بدايات الخليقة بكلمته‪.‬‬

‫‪ ‬ـ سمير العيداني ‪ ،‬العالقات الحضارية بين مصر و شعوب بالد الرافدين ‪ ،‬رسالة دكتوراه ‪،‬ص ‪ .59‬‬
‫‪ ‬ـ هيرودوت ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ، 57 ،‬ص‪ .1‬‬
‫‪ 5‬ـ أ‪.‬س ‪.‬ميغوليفسكي ‪ ،‬أسرار الديانات و اآللهة ‪ ،‬تر ‪ :‬حسان ميخائيل إسحاق ‪ ،‬دار عالء الدين ‪ ،‬دمشق ‪ ،‬ط‪ ، 119 ، 1‬ص‪ .‬‬
‫‪ 1‬ـ جيمس هنري بريستيد ‪ ،‬فجر الضمير ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪ . 17‬وكذلك ينظر ‪ :‬فرانسوا ديماس ‪ ،‬آلهة مصر ‪ ،‬الهيئة المصرية العامة‬
‫للكتاب ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬تر ‪ :‬زكي سوس‪ ،‬د‪:‬ط ‪ .19 ، 999 ،‬‬

‫‪91‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫الشكل ‪ : 26‬نص أسطورة "هليوبوليس" (أنظر ‪ :‬جيمس هنري برستيد ‪ ،‬تاريخ مصر منذ أقدم العصور الى الفتح الفارسي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪)36‬‬

‫و كان للمصريين جملة من األفكار المتكاملة بخصوص مصير اإلنسان في الحياة بعد‬
‫الموت‪ ،‬حيث اعتقدوا بأن الموت ليس فعال نهاية كل شيء بل ّ‬
‫إن اإلنسان يواصل الحياة تماما‬
‫كما لو كان على األرض –شريطة‪ -‬أن تكفل له الشروط الضرورية للوجود –بعد الموت‪ ، -‬و‬
‫من أجل اتقاء الجوع و العطش في الحياة األخرى كان على المصري القديم أن يزود مقبرته‬
‫بجرار كبيرة مآل بالطعام و الشراب ‪ ،‬و إذا كان غنيا فعليه أن يوقف األراضي التي يضمن‬
‫دخلها تزويده في كل األوقات بضروريات الحياة في العالم اآلخر ‪ ،...‬و رغم كل هذا فإن‬
‫العملية غير كافية لذا وجدت منذ العهود القديمة على جدران المقابر‪-‬النبالء و الملوك‪ -‬أو على‬
‫األقل على التوابيت رسوم لكل أنواع األشياء التي يمكن أن تتحول بالسحر إلى منتجات حقيقية‬
‫‪1‬‬
‫تخدم االحتياجات المادية للمتوفى‪.‬‬
‫أن الحياة قبل الموت قصيرة األمد و ّ‬
‫أن الحياة بعد الموت‬ ‫و كذلك اعتبر قدماء المصريين ّ‬
‫خالدة ‪ ،‬و لقد جاءت في الفصل ‪ 150‬من "كتاب الموتى" حول كيفية محاكمة الروح في‬
‫المحكمة اإللهية ‪ ،‬إذ كان الميت قبل دخوله مملكة "أوزيريس" يخضع لعملية وزن القلب بحيث‬
‫يجلس "أوزيريس" على عرشه و يرأس هيئة المحكمة ‪ ،‬و عندئذ يوضع قلب الميت من جهة‬
‫مقابل ريشة العدالة "ماعت" في كفي الميزان ‪ ،‬و كان على الميت أن يعترف بارتكابه خطاياه‬
‫أمام القضاة اإلثنين واألربعين و كان يجب أال يزيد وزن القلب عن وزن الريشة ‪ ،‬حتى تزكية‬
‫‪2‬‬
‫المحكمة اإللهية و تبرئه من أعماله ‪ ،‬لكي يستطيع الخروج إلى النهار ‪.‬‬

‫‪ ‬ـ ‪ :‬إيمان شمخي جابر المرعي ‪" ،‬عقائد عالم ما بعد الموت في مصر القديمة خالل عهد الدولة الحديثة (‪ 193-391‬ق‪،‬م)" ‪ ،‬مجلة دراسات‬
‫تاريخية ‪ ،‬جامعة البصرة ‪ ،‬العدد ‪ 1 ، 5‬ص ‪ 97‬و كذلك ‪ :‬ج ‪.‬شتيندروف‪ .‬ك‪.‬سيال ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪ . 19‬‬
‫‪ ‬ـ برت إم هرو ‪ ،‬كتاب الموتى الفرعوني (عن بردية آنى بالمتحف البريطاني) ‪ ،‬تر‪ :‬فيليب عطية ‪ ،‬مكتبة مدبولي ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬ط‪ ، 111 ، ‬ص‬
‫‪. ‬و ينظر ‪ :‬جهاد حجاج ‪ ،‬برديات حورس ‪ ،‬هبة النيل العربية للنشر ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬د‪:‬ط ‪ ، 117 ،‬ص ‪ . 5‬‬

‫‪92‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫*ـ اآللــــهة ‪ :‬في مصر القديمة كانت أشكال اآللهة متعددة ‪ ،‬إذ يمكن أن تكون في هيئة بشرية‬
‫مثل اإللهين "آمون" و"بتاح" أو على هيئة حيوانية مثل اإلله "أنوبيس" (المصور على هيئة‬
‫ابن آوى ) و اإلله "سوبك" الذي نجده في هيئة التمساح ‪ ،‬و يمكن الجمع بين اإلنسان و الحيوان‬
‫في شكل واحد مثل اإلله "حورس" الذي غالبا نراه بصورة إنسان له رأس صقر ‪ ،‬و أيضا‬
‫‪1‬‬
‫اإلله "سخمنت" على هيئة امرأة برأس لبؤة‪.‬‬
‫و كان هناك قوى نشأت في الطبيعة و هي اآللهة الكونية مثل السماء و األرض و الشمس‬
‫و القمر و النجوم و النيل ‪ ،‬فالسماء كانت "الرب األكبر" و تصوروها في شكل صقر ينشر‬
‫جناحيه الحاميين على األرض (مصر) و عيناه المقدستان هي الشمس و القمر –عندما تفتحان‬
‫يأتي النهار و عندما يغلقهما يأتي الليل‪ ، -‬و النجوم متصلة بجسمه و الريح هي أنفاس فمه و‬
‫الماء عرقه ‪ ،‬و وفق العديد من األساطير المصرية فقد كانت السماء ربة تعرف بـ"نوت" كانت‬
‫ملتصقة بين ذراعي اإلله "جب" " ‪"GEB‬حتى جاء إلى الفضاء "شو" " ‪ "SHU‬ففصل‬
‫بينهما (أنظر الشكل ‪ ،)27‬و باالتحاد بين "جب" و "نوت" ظهر ابنهما "رع" إله الشمس أكثر‬
‫اآللهة شعبية* ‪ ،‬و الذي صور في شكل قرص الشمس يبسط أجنحته‪ ،‬و اشتهر من اآللهة‬
‫‪2‬‬
‫"تحوت "القمر و "سوبدت" نجم الشعرى اليمانية ‪.‬‬

‫الشكل ‪ :27‬إلهة السموات "نوت" مثبتة في جسمها النجوم يحملها معبود الهواء "شو" و أسفلها معبود األرض "جب"‪.‬‬

‫و يأتي في مقدمة اآللهة التي حكمت مصر كآلهة رسمية ما ارتبط بالملكية عبر األساطير‬
‫الدينية اإللهية و حكم األرباب ‪ ،‬والتي انتقل الحكم منهم إلى البشر خالل العصور التاريخية‬
‫بعد ذلك فنجد مثال "رع" و "بتاح" و "شو" ثم يليهم كل من "أوزيريس" و "ست" و "حورس"‬
‫وفي النهاية نجد كال من "جحوتي" و "ماعت" ثم المعبود "حورس" في مظهره المتأخر ‪ ،‬و‬
‫منهم انتقل الحكم إلى البشر ‪ ،‬وكذلك برز عدد من المعبودات بشكل خاص كأرباب رعاة للدولة‬
‫و الملكية فتباينت و تبدلت مكانتهم عبر العصور وفقا لألوضاع السياسية و الدينية للبالد ‪ ،‬و‬
‫من هؤالء "حتحور" و "حورس" و "ست" و "رع" و "إيزيس" و "منتو" و "آمون‪-‬رع" ‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫و نظرا لطبيعة الحكم اإللهي فقد حظي بعضهم بعالقة وطيدة بالملكية و شرعية الحكم‪.‬‬

‫‪ ‬ـ سعيد مراد ‪ ،‬مدخل إلى تاريخ األديان ‪ ،‬عين للدراسات و النشر ‪ ،‬دمشق ‪ ،‬د‪:‬ط ‪، 111 ،‬ص ‪ 75‬‬
‫‪ ‬ـ ج شتيندروف ‪ .‬ك سيال ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪ . 11‬وينظر ‪ :‬عبد الحليم نور الدين ‪" ،‬البعث و الخلود في مصر القديمة " ‪ ،‬منشورات مكتبة‬
‫االسكندرية ‪ ،‬ص‪ .‬‬
‫‪ 5‬ـ عبد الحليم نور الدين ‪ ،‬الديانة المصرية القديمة ‪ ،‬ج‪ ، ‬المعبودات ‪،‬إصدار جامعة القاهرة ‪ ،‬القاهرة ‪ ،11 ، ،‬ص‪ .‬و أنظر ‪ :‬محمد عبد‬
‫القادر محمد ‪ ،‬الديانة المصرية القديمة ‪ ،‬دار المعارف ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬د‪:‬ط ‪ ،‬د‪:‬ت ‪ ،‬ص‪ .3‬‬

‫‪93‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫الشكل ‪ : 28‬شجرة أنساب اآللهة المصرية (أنظر ‪ :‬خزعل الماجدي ‪ ،‬الدين المصري ‪ ،‬ص‪46‬ـ بتصرف المؤلف ـ)‬

‫و تغير اسم اإلله األكبر للدولة المصرية عدة مرات قليلة ‪ ،‬و ترتب هذا التغيير في معظم‬
‫مراته عن تغيّر العواصم الكبرى و أربابها و تغير األسرات الحاكمة و انحياز بعضها للمعبود‬
‫األكبر في مسقط رأسها ‪ ،‬و االتجاه الشخصي و الفكر ي للملك أحيانا ‪ ،‬ثم الزدياد مكانة كهنة‬
‫معبود معين على من سواهم ‪ ،‬و هكذا بينما انعقدت الهيمنة لإلله "حورس" في بداية األسرات‪،‬‬
‫انعقدت األولوية لإلله "رع" منذ أواسط الدولة القديمة ‪ ،‬ثم انتقلت الرئاسة اإللهية إلى "آمون"‬
‫في الدولة الوسطى و"آمون‪-‬رع" في بداية الدولة الحديثة ‪ ،‬ثم إلى "آتون" عهد "أخناتون" و‬
‫‪1‬‬
‫عادت الغلبة لـ" آمون‪-‬رع" حتى نهاية الدولة ‪.‬‬
‫*ـ الكهنة ‪ :‬وصف المؤرخ "هيرودوت" الكهنة المصريين بالقول ‪" :‬و هم أكثر الناس اهتماما‬
‫بعبادة اآللهة وال يتحللون قط من أن يلبسوا ثيابا من نسيج الكتان‪-‬نظيفة حديثة الغسل على الدوام ‪ ،‬و‬
‫يختتنون حرصا ً منهم على النظافة ‪ ،‬ألنهم يعتقدون أن النظافة أفضل من الجمال ‪ ،‬و يحلقون شعر أجسامهم‬
‫بأجمعه مرة كل يومين ‪ ،‬حتى ال يصيبهم القمل أو غيره من األقذار ‪ ،‬و هم يغتسلون بالماء البارد مرتين‬
‫بالنهار و مرتين بالليل" و هم يتمتعون بامتيازات ليست بالقليلة ‪ ..‬فهم ال يستهلكون و ال ينفقون شيئا‬
‫من ثروتهم الخاصة بل يُصنع لهم خبز مقدس و يصيب كل واحد منهم كمية كبيرة من لحم البقر و اإلوز‬
‫‪2‬‬
‫و تقدم لهم خمر مصنوعة من العنب ‪ ،‬غير أن تناول السمك ليس مباحا لهم " ‪.‬‬

‫‪ ‬ـ طه باقر ‪ ،‬مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة ‪ ،‬ج‪ ، ‬حضارة وادي النيل ‪ ، ..‬ص‪ .11‬‬
‫‪ ‬ـ هيرودوت ‪،‬هيرودوت يتحدث عن مصر ‪ ،‬الفقرة ‪ ، 57‬ص ص‪ . 3-1‬‬

‫‪94‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫و تنوع الكهنة فمنهم الذين يقومون بخدمة اآللهة أو الملوك يس ّمون كهنة "حم‪-‬نتر" و معناها‬
‫خادم اآللهة ‪ ،‬أما الكهنة المكلّفون باإلشراف على الطقوس و القرابين الخاصة داخل المعبد ‪،‬‬
‫فكانوا يس ّمون بكهنة "حم‪-‬كا" أي خدمة "الكا" ‪ ،‬و كانت الخدمة الدينية الخاصة بكل من الملوك‬
‫و األشخاص العاديين تستلزم خدمات نوع ثالث من الكهنة يسمون بكهنة "وعب" أو المطهّرين‪،‬‬
‫و هؤالء كثيرا ما يقومون بخدمة الملك أثناء حياته ‪ ،‬هذا و يصنف المؤلف "سليم حسن" الكهنة‬
‫المصريين القدماء من حيث وظائفهم بـ ‪":‬خرحب" و هم الكهنة المرتلون و "حنك‪-‬نسيوت" و‬
‫هم يقدمون القرابين ‪ ،‬و كبير الكهنة "حنكو نيسوت" و الكهنة المطهرون و هم "وعب" ‪ ،‬و‬
‫يقومون بالشعائر الدينية و ينتخبون من الموظفين ‪(1.‬أنظر الشكل ‪)29‬‬

‫الشكل ‪ : 22‬كاهنان مصريان من عهد الدولة احلديثة‬


‫(أنظر‪ :‬بثينة إبراهيم مرسي ‪ ،‬تطور الديانة املصرية من خالل لوحات النذور و اهلبات ‪ ،‬اهليئة املصرية العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة ‪،‬‬
‫د‪:‬ط‪ ،2616 ،‬ص‪).150‬‬

‫*ـ المعابد ‪ :‬كان المعبد من مستلزمات الديانة و عبادة اآللهة ‪ ،‬فلم يكن باستطاعة قدماء‬
‫المصريين أن يتصوروا إلها من غير "بيت" خاص يعيش فيه و تقام فيه شعائره و األعياد‬
‫الخاصة به و تلحق به مخازنه إلدارة أمالكه ‪ ،‬حيث عادة ما كان موضع المعبد مكانا مقدسا ‪،‬‬
‫و كان المعبد بعد إنشائه يزيّن بالزخارف المالئمة لقدسية اإلله المعبود فيه ‪ ،‬و إذا استثنينا‬
‫نقوش الجدران الخارجية ‪ ،‬فإن مواضيع النقوش دينية صرفة ‪ ،2‬و كانت الجدران و األعمدة‬
‫تغطى كلها بصور اآللهة بألوان زاهية ‪،‬و كانت المعابد الكبرى –في الواقع‪ -‬غير مخصصة‬
‫للجماهير ‪ ،‬بل من أجل كهنة العبادة ‪ ،‬ليؤدوا فيها الشعائر و الصلوات بصفة منتظمة ‪ ،‬أما‬
‫الجماهير فكانت تلك المعابد تفتح لهم أبوابها في المواسم الدينية فحسب ‪ ،‬حيث كان الجمهور‬
‫‪3‬‬
‫يشارك فيها من أجل االحتفاالت و ما يصاحبها من استعراضات ال من أجل العبادة‪.‬‬

‫‪ ‬ـ محمد شفيق غربال و آخرون‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪ . 3‬وأنظر‪ :‬خزعل الماجدي‪ ،‬الدين المصري‪ ،‬دار الشروق‪،‬عمّان‪،‬ط‪ ،999 ،‬ص‪.15‬‬
‫‪ ‬ـ خزعل الماجدي ‪ ،‬الدين المصري‪ ،‬المرجع السابق ‪،‬ص‪ .11‬‬
‫‪ 5‬ـ ياروسالف تشرني ‪ ،‬الديانة المصرية القديمة ‪ 31 ،‬‬

‫‪95‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫*ـ الطقوس الدينية ‪ :‬تتضمن الخدمة اليومية في المعابد إقامة الشعائر مرتين يوميا ‪ ،‬و‬
‫هي تتناسق مع الوجبتين اليوميتين للملك التي يتناولها –عادة‪ -‬في حياته الدنيا ‪ ،‬و هنا تزين‬
‫تماثيل اآللهة و تقرأ التراتيل و يرش المكان بالماء –كما أسلفنا‪ ،-‬كما تشتمل الخدمة اليومية‬
‫على احضار القرابين و إعدادها ‪ ،‬و التي تتكون من بعض الطيور و عددها أحد عشر و أطيب‬
‫‪1‬‬
‫العجول و عدد كبير من أرغفة الخبز و الجعة ‪.‬‬
‫و كان من أكثر الطقوس تميّزا تلك التي تقام في أعياد فرعون أو "أعياد اآللهة"‪ ،‬ففي عيد‬
‫الملك "اليوبيلي" المس ّمى "سد" ‪ ،‬يعاد االحتفال الطقسي الذي ت ّم فيه توحيد الوجهين في مصر‬
‫على يد الملك "مينا" ‪ ،‬و يصل االحتفال ذروته برقصة يؤديها الملك و هو يرتدي تنورة قصيرة‬
‫يعلّق بها من الخلف ذيل حيوان ‪ ،‬كما كان "ظهور اإلله" أو "الموكب" من المظاهر الملفتة‬
‫في االحتفال بأعياد اآللهة ‪ ،‬إذ يحمل فيه الكهنة تماثيل اآللهة إلى أماكن أخرى مق ّدسة كي تزور‬
‫آلهة أخرى‪ ،‬أو تقوم بآداء دور في قصص أسطوري يرتبط بتلك األماكن ‪ ،‬حيث اشتهرت‬
‫‪2‬‬
‫زيارات اإللهة "حتحور" إلهة "دندرة" إلى اإلله "حورس" إله "أدفو"‪.‬‬
‫كما اشتهر من األعياد التي ينتقل فيها اآللهة عبر مواكب دينية ضخمة ‪ ،‬أعياد اإلله "آمون"‬
‫إله مدينة "طيبة" فقد كان يقوم برحلة رفقة زوجته اإللهة "مونتو" و ابنها "خنسو" من معبد‬
‫"الكرنك" إلى "األقصر" ثم العودة عبر رحلة نيلية يشارك فيها حشد غفير من الناس في ضفتي‬
‫النهر ‪ ،‬و اشتهر كذلك عيد آخر ل "آمون" تميّز بأسلوب "المواكب اإللهية" و هو المعروف‬
‫بعيد "الوادى" إذ يقضي بعبور نهر النيل لزيارة معابد الموتى من الفراعنة في الضفة الغربية‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫و تنتهي الرحلة عند وادي "الدير البحري" حيث معبد الملكة "حتشبسوت"‪.‬‬
‫و عرف قدماء المصريين طقوسا جنائزية ‪ ،‬و كان يتحتّم على ابن المتوفي (سواء كان ملكا‬
‫أو نبيال) أن يع ّد كل شيء يستلزمه دفن أبيه ‪ ،‬و أن يقوم باالشتراك في أداء بعض الطقوس ‪،‬‬
‫و عندما يصبح الجثمان متهيئا للدفن يصحبه أقارب الميت ‪ ،4‬و عند وصولهم إلى المقبرة‬
‫كن يعددن مناقب المتوفي في‬ ‫تقابلهم زوجة المتوفي أو زوجاته فضال عن النائحات ‪ ،‬اللواتي ّ‬
‫ترانيم محفوظة و طقوس تصل إلى شق الجيوب و لطم الخدود وإهالة الطين على الرؤوس‬
‫حزنا على الفقيد (أنظر الشكل ‪ ، )30‬وكان البخور يطلق على طول الطريق في موكب الدفن‬
‫لطرد األرواح الشريرة التي تحوم حول الجنازة و القبر ‪ ،‬و عند المقبرة يقف المشيعون و ترتل‬
‫‪5‬‬
‫الترانيم و يلقّن الكاهن المتوفي بعض الصيغ أو يقوم بعمل "طقس فتح الفم‪.‬‬

‫‪ ‬ـ دومينيك فالبيل ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪ . 51‬‬


‫‪ ‬ـ ـ جفري برنادر ‪،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪ ، 15‬و أنظر‪ :‬ياروسالف تشرني ‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪ 7‬‬
‫‪ 5‬ـ عبد الحليم نور الدين ‪" ،‬البعث و الخلود في الفكر المصري القديم"‪ ،‬منشورات مكتبة االسكندرية ‪ ،‬ص ‪ . 59‬‬
‫‪ 1‬ـ محمد شفيق غربال و آخرون ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪ . 53‬‬
‫‪ 3‬ـ خزعل الماجدي ‪ ،‬الدين المصري ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪ .1‬‬

‫‪96‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫الشكل ‪ :30‬موكب جنائزي (أنظر ‪ :‬ياروسالف تشرين ‪ ،‬املرجع السابق ‪،‬ص ‪)151‬‬

‫و يدخل ضمن الطقوس الدينية تقديم القرابين و األضاحي ‪ ،‬و في هذا وصف المؤرخ‬
‫"هيرودوت" تقديم القرابين قائال ‪ " :‬أما طريقتهم في تقديم الضحية ‪ ،‬فيذهبون بالحيوان الموسوم‬
‫إلى المذبح حيث يضحون ثم يوقدون نارا و بعد ذلك يسكبون خمرا على المذبح فوق الضحية ‪ ،‬ثم ينحرونها‬
‫مبتهلين إلى اإلله ‪ ،‬و بعد ذبحها يقطعون رأسها و يسلخون جسمها ثم يمطرون على الرأس وافر اللعنات‪،‬‬
‫أما إخراج أحشاء الذبيحة و حرقها فيختلف عندهم باختالف المعابد ‪ ،‬حيث يملؤون جوف الثور خبزا طيبا‬
‫‪1‬‬
‫مرا ‪ ،‬و يسكبون عليه زيتا وفيرا ثم يحرقونه"‪.‬‬
‫و عسال و زبيبا ً و تينا و بخورا و ّ‬

‫و المعلومات التي لدينا عن مقدار األضاحي و التقديمات كثيرة و غزيرة ‪ ،‬فعلى الجدار‬
‫الخارجي لمعبد "هابو" ال تزال أجزاء من قائمة ببيان األعطيات التي أغدقها "رمسيس الثاني"‬
‫و خلفاؤه من بعده على هذا المعبد ‪ ،‬إذ نجد "في كل يوم من أيام السنة و على الدوام ‪ ،‬كان‬
‫يستلم المعبد ‪ 3220‬رغيف من الخبز ‪ ،‬و ‪ 24‬قطعة من الكعك و ‪ 144‬قدرا من الجعة و ‪32‬‬
‫إوزة ‪ ..‬و بضعة قدور من النبيذ" ‪ ،‬و الراجح أن هذه األطعمة و األشربة كانت توضع في‬
‫‪2‬‬
‫مخازن و تستخدم إلعالة خدمة المعبد بالتدريج‪.‬‬

‫‪ ‬ـ هيرودوت‪ ،‬المرجع السابق ‪ ، 11 ،‬ص ‪ . 5‬‬


‫‪ ‬ـ محمد الخطيب ‪ ،‬مصر أيام الفراعنة ‪ ،‬دار عالء الدين ‪ ،‬دمشق ‪،‬ط‪، 11، ‬ص‪ .39‬‬

‫‪97‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫قائمة بيبلوغرافية ‪:‬‬


‫أوالً ـ المصادر ‪:‬‬
‫أ ـ بالعربية ‪:‬‬
‫‪ 1‬ــ التــوراة ‪ ،‬الترجمة العربية‪ ،‬تر‪ :‬سهيل زكار‪ ،‬دار قتيــــبة ‪،‬دمشــق‪ ،‬ط‪. 2007 ،1‬‬
‫‪ 2‬ـ ابن منظور (محمد) ‪ ،‬لسان العرب ‪ ،‬دار المعارف ‪ ،‬القاهرة ‪،‬تح ‪ :‬عبد هللا علي الكبير و آخرون ‪ ،‬د‪:‬ط ‪،‬د‪:‬ت‪.‬‬
‫‪ 3‬ــ بدچ (والس)‪ .‬إم هرو (برت) ‪ ،‬كتاب الموتى الفرعوني (عن بردية آنى بالمتحف البريطاني) ‪ ،‬تر عن الهيروغليفية ‪ :‬فيليب عطية‪،‬ط‪،1‬‬
‫مكتبة مدبولي ‪ ،‬القاهرة ‪. 2011،‬‬
‫‪4‬ــ ديودور الصقلي ‪ ،‬ديودور الصقلي في مصر ـ القرن األوّل قبل الميالد ـ ‪ ،‬تر‪ :‬وهيب كامل ‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬القاهرة ‪.1947 ،‬‬
‫‪5‬ــ هيرودوت ‪" ،‬العراق في تاريخ هيرودوت" ‪ ،‬تر‪ :‬سليم طه التكريتي ‪ ،‬مجلة المورد ‪،‬وزارة الثقافة و اإلعالم ‪ ،‬بغداد ‪ ،‬مج ‪ ،8‬العدد‪.3‬‬
‫‪ 6‬ــ هيرودوت ‪ ،‬هيرودوت يتحدث عن مصر ‪ ،‬تر‪ :‬محمد صقر خفاجة ‪ ،‬تقديم‪ :‬أحمد بدوي ‪ ،‬دار القلم ‪ ،‬القاهرة ‪.1966،‬‬
‫ب ـ باألجنبية ‪:‬‬
‫ثانياً ـ المراجع ‪:‬‬
‫أ ـ الكتب بالعربية ‪:‬‬
‫‪ 1‬ــ إبراهيم محمد (حياة)‪ ،‬نبوخذ نصر الثاني (‪604‬ق‪.‬م ـ ‪562‬ق‪.‬م) ‪ ،‬دار الحرية للطباعة ‪ ،‬بغداد ‪.1983 ،‬‬
‫‪ 2‬ــ إبراهيم علي (عيسى) ‪ ،‬جغرافية مصر ‪ ،‬ط ‪ ، 1‬دار المعرفة الجامعية ‪ ،‬القاهرة ‪.1998 ،‬‬
‫‪ 3‬ــ األحمد سعيد (سامي)‪ ،‬المعتقدات الدينية في العراق القديم ‪ ،‬المركز األكاديمي لألبحاث ‪ ،‬بيروت ‪.2013 ،‬‬
‫‪ 4‬ــ األسود بشير (حكمت) ‪،‬أكيتو‪ ..‬عيد رأس السنة البابلية األشورية ‪ ،‬ط‪،1‬المديرية العامة للمكتبات ‪ ،‬أربيل‪.2011 ،‬‬
‫‪ 5‬ــ األمين (محمود) ‪ ،‬شريعة حمورابي ‪ ،‬ط‪ ، 1‬دار الوراق ‪ ،‬لندن ‪. 2007 ،‬‬
‫‪ 6‬ــ األ نصاري (ناصر)‪ ،‬المجمل في تاريخ مصر ‪ ،‬النظم السياسية و اإلدارية ‪ ،‬ط‪ ، 2‬دار الشروق ‪ ،‬القاهرة ‪. 1997،‬‬
‫‪7‬ـ الجابري حسين (علي) ‪ ،‬فلسفة التاريخ و الحضارة في الفكر العربي ـ دراسة عقالنية نقدية ـ دار الكتاب الثقافي ‪ ،‬إربد ‪ ،‬د‪:‬ط ‪ ،‬د‪ :‬ت‪.‬‬
‫‪ 8‬ــ الجادر (وليد) ‪ ،‬الحرف و الصناعات اليدوية في العصر األشوري المتأخر ‪ ،‬مطبعة األديب البغدادية ‪ ،‬بغداد ‪.1972،‬‬
‫‪ 9‬ــ الخطيب (محمد) ‪ ،‬مصر أيام الفراعنة ‪ ،‬ط‪ ، 1‬دار عالء الدين ‪ ،‬دمشق ‪. 2001،‬‬
‫‪ 10‬ـ الخزاعلة (ياسر طالب) ‪ .‬الخزاعلة (وفاء سالم) ‪ ،‬محاضرات في تاريخ الحضارة العربية ‪ ،‬دار الخليج ‪ ،‬ع ّمان ‪ ،‬د‪:‬ط ‪.2017 ،‬‬
‫‪ 11‬ــ الدباغ (تقي) و آخرون ‪" ،‬العراق في عصور ما قبل التاريخ" ‪ ،‬العراق في التاريخ ‪ ،‬دار الحرية للطباعة‪ ،‬بغداد ‪.1983 ،‬‬
‫‪ 12‬ــ السعدي حسن محمد (محي الدين) ‪ ،‬في تاريخ الشرق األدنى القديم‪ ،‬ج‪ 2‬العراق‪ -‬إيران‪ -‬آسيا الصغرى‪ ،‬دار المعرفة الجامعية‪،‬‬
‫اإلسكندرية‪.1998 ،‬‬
‫‪ 13‬ــ السواح (فراس)‪ ،‬األسطورة و المعنى ‪ ،‬دراسات في الميثولوجيا و الديانات الشرقية ‪ ،‬دار عالء الدين ‪ ،‬دمشق ‪ ،‬ط‪.2001 ، 2‬‬
‫‪ 14‬ــ العاني (خطاب )‪ .‬البرزاني (نوري )‪ ،‬جغرافية العراق ‪ ،‬دار الحرية للنشر و التوزيع ‪ ،‬بغداد ‪. 1979 ، ،‬‬
‫‪15‬ـ ال عزاوي عبد الرحمن (حسين) ‪ ،‬تاريخ الحضارة العربية اإلسالمية ‪ ،‬دار الخليج ‪ ،‬عمان ‪ ،‬د‪:‬ط ‪. 2014 ،‬‬
‫‪ 16‬ــ الماجدي (خزعل) ‪ ،‬الدين المصري ‪،‬ط‪،1‬دار الشروق ‪ ،‬ع ّمان ‪. 1999 ،‬‬
‫‪ 17‬ــ الناظوري (رشيد) ‪ ،‬دراسات في بعض معالم تاريخ وحضارة منطقة الشرق األدنى القديم ‪،‬المكتب المصري الحديث ‪ ،‬القاهرة ‪،‬‬
‫‪.1958‬‬
‫‪18‬ـ النجار جميل (موسى) ‪ ،‬فلسفة التاريخ ـ مباحث نظرية ـ ‪ ،‬مكتبة مدبولي ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬ط‪.2011 ، 1‬‬
‫‪ 19‬ــ النشار (مصطفى)‪ ،‬الخطاب السياسي في مصر القديمة ‪،‬ط‪، 1‬دار أنباء‪ ،‬القاهرة ‪.1998،‬‬
‫‪ 20‬ــ أهمز (محمود) ‪ ،‬في تاريخ الشرق األدنى القديم ‪ ،‬دار النهضة العربية ‪ ،‬القاهرة ‪.2010 ،‬‬
‫‪ 21‬ــ باقر(طه) ‪ ،‬مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة ‪ ،‬ج‪ ،1‬مطبوعات وزارة الثقافة و االعالم ‪ ،‬بغداد‪.1986،‬‬
‫‪ 22‬ــ ‪ ، // //‬مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة ‪ ،‬ج‪ ، 2‬حضارة وادي النيل و بعض الحضارات القديمة ‪ .‬فارس ـ اإلغريق ـ الرومان‪،‬‬
‫ط‪ ، 1‬دار الورّاق للنشر ‪ ،‬بغداد ‪.2011 ،‬‬
‫‪ 23‬ــ ‪ ،// //‬مقدمة في أدب العراق القديم ‪ ،‬دار الحرية ‪ ،‬بغداد ‪.1976 ،‬‬
‫‪ 24‬ــ ‪ ، // //‬قانون لبت ـ عشتار ‪ ،‬قانون مملكة أشنونا ‪ ،‬وزارة الثقافة واإلعالم ‪ ،‬بغداد ‪.1987 ،‬‬
‫‪ 25‬ــ باهور (لبيب) ‪ ،‬لمحات من الدراسات المصرية القديمة ‪ ،‬مطبعة المقتطف ‪ ،‬القاهرة ‪.1947 ،‬‬
‫‪ 26‬ــ بسيوني عبد الحميد (محمد)‪ ،‬الفراعنة أساطين الطب ‪ ،‬دار المعارف ‪ ،‬القاهرة ‪.1977 ،‬‬
‫‪ 27‬ــ بكر إبراهيم (محمد) ‪ ،‬صفحات مشرقة من تاريخ مصر القديم ‪ ،‬مطبعة هيئة اآلثار المصرية ‪ ،‬القاهرة ‪. 1992 ،‬‬
‫‪28‬ـ بن سليمان (فريد) ‪ ،‬مدخل الى دراسة التاريخ ‪ ،‬مركز النشر الجامعي ‪ ،‬تونس ‪،‬د‪:‬ط ‪.2000 ،‬‬
‫‪ 29‬ــ جابر محمد (مدحت) ‪ ،‬بعض جوانب جغرافيا العمران في مصر القديمة ‪ ،‬مكتبة نهضة الشرق ‪ ،‬القاهرة ‪. 1985 ،‬‬
‫‪30‬ـ حداد (جورج) ‪ ،‬المدخل الى تاريخ الحضارة ‪ ،‬مطبعة جامعة دمشق ‪ ،‬دمشق ‪. 1958 ،‬‬
‫‪ 31‬ــ حربي (سعيد)‪ ،‬األساليب و االتجاهات في الفن المصري القديم (‪ 3800‬ق‪.‬م ـ ‪ 332‬ق‪.‬م) ‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب ‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫‪. 2014‬‬

‫‪98‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫‪ 32‬ــ حسن (أسامة )‪ ،‬مصر الفرعونية ‪ ،‬ط‪ ، 1‬دار األمل ‪ ،‬القاهرة ‪.1998،‬‬
‫‪ 33‬ــ حسن (سليم )‪ ،‬مصر القديمة ‪،‬ج‪11‬و‪ ،18‬الهيئة المصرية العامة للكتاب ‪ ،‬القاهرة ‪. 1994 ،‬‬
‫‪34‬ـ خضر عبد العليم (عبد الرحمن) ‪ ،‬المسلمون و كتابة التاريخ ‪ .‬دراسة في التأصيل اإلسالمي للتاريخ ‪ ،‬المعهد العالمي للفكر اإلسالمي‬
‫‪ ،‬فرجينيا ـ و م أ ‪ ،‬ط‪.1993 ، 1‬‬
‫‪ 35‬ــ خليفة حسن (محمد)‪ ،‬تاريخ األديان ‪.‬دراسة وصفية مقارنة ‪ ،‬دار الثقافة العربية ‪ ،‬بيروت‪.2002 ،‬‬
‫‪ 36‬ــ رزقانة (إبراهيم) و آخرون ‪ ،‬حضارة مصر و الشرق القديم ‪ ،‬دار مصر للطباعة ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬د‪:‬ت‪.‬‬
‫‪ 37‬ــ رشيد (فوزي) ‪ ،‬الشرائع العراقية القديمة ‪ ،‬دار الحرية للطباعة ‪ ،‬بغداد ‪.1973 ،‬‬
‫‪ 38‬ــ سامح (كمال الدين) ‪ ،‬لمحات في تاريخ العمارة المصرية منذ أقدم العصور حتى العصر الحديث ‪ ،‬ط‪ ،1‬دار نهضة الشرق ‪،‬‬
‫القاهرة ‪.2004،‬‬
‫‪ 39‬ــ سعد هللا (محمد علي )‪ ،‬في تاريخ مصر القديمة ‪ ،‬مركز اإلسكندرية للكتاب ‪ ،‬اإلسكندرية ‪.2001 ،‬‬
‫‪ 40‬ــ سعيد (مراد) ‪،‬المدخل في تاريخ األديان ‪ ،‬عين للدراسات و البحوث ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬د‪ :‬ت‪.‬‬
‫‪ 41‬ــ سليم (أحمد أمين )‪ ،‬دراسات في تاريخ و حضارة الشرق األدنى القديم ‪،‬ج‪"، 5‬تاريخ العراق –إيران – آسيا الصغرى" ‪،‬دار‬
‫المعرفة الجامعية ‪ ،‬اإلسكندرية ‪. 2000،‬‬
‫‪ 42‬ــ سليم (أحمد أمين)‪ .‬عباس عبد اللطيف (سوزان )‪ ،‬في حضارة مصر القديمة ‪ ،‬دار المعرفة الجامعية ‪ ،‬اإلسكندرية ‪.2007 ،‬‬
‫‪ 43‬ــ سليمان ( توفيق ) ‪ ،‬دراسات في حضارات غرب آسيا القديمة ‪ ،‬منذ أقدم العصور حتى ‪ 1190‬ق‪.‬م ـ الشرق األدنى القديم‪ ،‬بالد ما‬
‫بين النهرين و الشام ــ ‪،‬دار دمشق ‪ ،‬دمشق ‪،‬ط‪.1985، 1‬‬
‫‪ 44‬ــ شارن ( شافية) ‪ ،‬مصر الفرعونية ‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية ‪،‬الجزائر ‪.2009 ،‬‬
‫‪45‬ـ شريعتي (علي) ‪ ،‬اإلنسان والتاريخ‪ ،‬تر‪ :‬خليل علي‪ ،‬دار األمير‪ ،‬بيروت ‪ ،‬ط‪. 2007 ، 2‬‬
‫‪ 46‬ــ شكري(محمد أنور )‪ ،‬الفن المصري القديم‪ ،‬الدار المصرية للتأليف والترجمة والنشر‪ ،‬القاهرة‪.1986،‬‬
‫‪ 47‬ــ صاحب (زهير)‪ ،‬الفنون الفرعونية ‪،‬ط‪ ، 1‬دار مجدي األدبي للنشر ‪ ،‬ع ّمان ‪.2005،‬‬
‫‪ 48‬ــ صالح (عبد العزيز )‪ ،‬حضارة مصر القديمة وآثارها ‪ ،‬ج‪ ، 1‬في االتجاهات الحضارية العامة حتى أواخر األلف الثالث ق‪.‬م ‪،‬ط‪،3‬‬
‫مكتبة األنجلو مصرية ‪ ،‬القاهرة ‪.1993 ،‬‬
‫‪49‬ــ صالح (عبد العزيز)‪،‬الشرق األدنى القديم ‪ ،‬ج‪ ،1‬مصر و العراق ‪ ،‬مكتبة األنجلو مصرية‪ ،‬القاهرة ‪.2012،‬‬
‫‪ 50‬ــ صالح (عبد العزيز)‪ ،‬األسرة المصرية في عصورها القديمة ‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب ‪ ،‬القاهرة ‪.1998 ،‬‬
‫‪ 51‬ــ صالح (عبد العزيز)‪ ،‬التربية و التعليم في مصر القديمة ‪ ،‬الدار القومية للطباعة و النشر ‪ ،‬القاهرة ‪.1966 ،‬‬
‫‪ 52‬ـ صدقي( ربيع )‪ ،‬المراكب في مصر القديمة ‪ ،‬الهيئة العامة المصرية للكتاب ‪ ،‬القاهرة ‪.1992 ،‬‬
‫‪ 53‬ــ عبد القادر محمد (محمد) ‪ ،‬الديانة المصرية القديمة‪ ،‬دار المعارف ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬د‪:‬ت‪.‬‬
‫‪ 54‬ــ عبد اللطيف محمد علي (محمد) ‪ ،‬تاريخ العراق القديم حتى نهاية األلف الثالث ق‪ .‬م ‪ ،‬مكتبة اإلسكندرية‪ ،‬اإلسكندرية ‪.1977 ،‬‬
‫‪ 55‬ــ عبده علي (رمضان) ‪ ،‬تاريخ مصر القديم ‪ ،‬مج‪، 1‬دار نهضة الشرق ‪ ،‬القاهرة ‪.2001،‬‬
‫‪ 56‬ــ عريان لبيب (حنا)‪ ،‬الشخصية المصرية في مصر القديمة ‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب ‪ ،‬القاهرة ‪.2003 ،‬‬
‫‪57‬ــ غربال (محمد شفيق ) و آخرون ‪ ،‬تاريخ الحضارة المصرية القديمة " العصر الفرعوني "‪ ،‬مج‪ ،1‬مكتبة النهضة المصرية ‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬د‪:‬ت ‪.‬‬
‫‪ 58‬ــ فخري (أحمد) ‪ ،‬مصر الفرعونية ـ موجز تاريخ مصر منذ أقدم العصور إلى ‪ 332‬ق‪.‬م ‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب ‪ ،‬القاهرة‬
‫‪.2012،‬‬
‫‪ 59‬ــ ‪ ، // //‬دراسات في تاريخ الشرق القديم ‪،‬ط‪ ،2‬مكتبة األنجلو المصرية‪ ،‬القاهرة ‪.1963 ،‬‬
‫‪ 60‬ــ فرزات (محمد حرب)‪ .‬مرعي (عيد) ‪ ،‬دول و حضارات في الشرق العربي القديم ‪ ،‬ط‪ ،2‬دار طالس ‪ ،‬دمشق‪.1994 ،‬‬
‫‪ 61‬ــ فريد فتحي (محمد) ‪ ،‬في جغرافية مصر ‪ ،‬ط ‪ ، 2‬دار المعرفة الجامعية ‪ ،‬اإلسكندرية‪. 2000 ،‬‬
‫‪62‬ـ قاسم عبده (قاسم) ‪ ،‬الرؤية الحضارية للتاريخ عند العرب و المسلمين ‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪ ،2‬د ‪ :‬ت‬
‫‪ 63‬ــ قدري(أحمد) ‪ ،‬المؤسسة العسكرية المصرية في عصر اإلمبراطورية (‪ 1576‬ـ‪ 1087‬ق‪.‬م) ‪ ،‬تر‪ :‬مختار السويفي ‪ ،‬محمد العزب‬
‫موسى ‪ ،‬مطبعة هيئة اآلثار المصرية ‪ ،‬القاهرة ‪.1985 ،‬‬
‫‪ 64‬ــ اللجنة العلمية الدولية لتحرير تاريخ أفريقيا العام ‪ ،‬تاريخ أفريقيا العام ‪،‬مج‪ ، 2‬حضارات أفريقيا القديمة ‪ ،‬مطابع كانالي ‪ ،‬تورينو ـ‬
‫إيطالياـ ‪.1985 ،‬‬
‫‪ 65‬ــ مجموعة من المؤلفين ‪ ،‬شريعة حمورابي و أصل التشريع في الشرق األدنى القديم ‪ ،‬ط‪ ، 2‬دار عالء الدين ‪ ،‬دمشق ‪. 1993،‬‬
‫‪ 66‬ـ مؤنس (حسين) ‪ ،‬التاريخ و المؤرخون ‪ ،‬دراسة في علم التاريخ ‪ ،‬دار المعارف ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬د‪:‬ط ‪.1984 ،‬‬
‫‪ 67‬ــ مهران بيومي (محمد)‪ ،‬دراسات في تاريخ الشرق األدنى القديم ‪ ، ،‬أخناتون و دعوته و عصره ‪ ،‬دار المعرفة الجامعية ‪ ،‬اإلسكندرية‬
‫‪.1979 ،‬‬
‫‪ 68‬ــ ‪ ، // // //‬الحضارة المصرية القديمة ج‪ .4‬اآلداب و العلوم ‪ ،‬دار المعرفة الجامعية ‪ ،‬اإلسكندرية‪.1989 ،‬‬
‫‪ 69‬ــ ‪ ، // // //‬مصر و الشرق األدنى القديم ‪ ،‬ج‪ ، 10‬تاريخ العراق القديم ‪ ،‬دار المعرفة الجامعية‪ ،‬اإلسكندرية ‪.1990 ،‬‬
‫‪ 70‬ــ ميخائيل إبراهيم (نجيب )‪ ،‬مصر و الشرق األدنى القديم ‪ ،‬ج‪ ،1‬مكتبة مدبولي ‪ ،‬القاهرة ‪.1957 ،‬‬
‫‪ 71‬ــ نخبة من الباحثين العراقيين ‪ ،‬حضارة العراق ‪.‬العصور القديمة ‪،‬ج‪ ، 1‬دار الحرية للطباعة ‪ ،‬بغداد ‪.1985 ،‬‬
‫‪ 72‬ــ نظير (وليم)‪ ،‬الثروة النباتية عند قدماء المصريين ‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للتأليف و النشر ‪ ،‬القاهرة ‪.1970 ،‬‬
‫‪ 73‬ــ نور الدين (عبد الحليم)‪ ،‬الديانة المصرية القديمة ‪ ،‬ج‪ ، 1‬المعبودات ‪،‬إصدار جامعة القاهرة ‪ ،‬القاهرة ‪.2014 ،‬‬
‫‪ 74‬ــ نيازي (يوسف)‪ ،‬رساالت من الحضارة المصرية في العصر الفرعوني ‪ ،‬ج‪ ،1‬المطبعة العمومية ‪ ،‬طنطا‪.1924 ،‬‬
‫‪ 75‬ــ وهيبة عبد الفتاح (محمد) ‪ ،‬مصر و العالم القديم ‪.‬الجغرافية التاريخية ‪ ،‬منشأة المعارف ‪ ،‬اإلسكندرية ‪ ،‬د‪:‬ت‪.‬‬

‫‪99‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫‪ 76‬ـ يحي عبد الوهاب (لطفي) ‪ ،‬اليونان مقدمة في التاريخ الحضاري ‪ ،‬دار المعرفة الجامعية ‪ ،‬اإلسكندرية ‪ ،‬د‪:‬ط‪. 2008 ،‬‬
‫‪ 77‬ـ يزبك (قاسم) ‪ ،‬التاريخ و منهج البحث التاريخي ‪ ،‬دار الفكر اللبناني ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬ط‪.1990 ، 1‬‬
‫ب ـ الكتب المترجمة للعربية ‪:‬‬
‫‪ 1‬ــ إرمان (أدولف)‪ ،‬ديانة مصر القديمة‪ .‬نشأتها و تطورها و نهايتها في أربعة آالف سنة‪ ،‬تر‪ :‬عبد المنعم أبو بكر ‪ ،‬طبع مطبعة مصطفى‬
‫البابي و أوالده ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬د‪ :‬ت‪.‬‬
‫‪ 2‬ــ أيمار (أندريه)‪ .‬أبواييه (جانين )‪ ،‬تاريخ الحضارات العام ‪ ،‬مج ‪ ، 1‬الشرق و اليونان القديمة ‪ ،‬تر ‪ :‬فريد‪ .‬م‪ .‬داغر ‪ ،‬ط ‪ ،2‬دار‬
‫عويدات ‪ ،‬بيروت ‪.1986 ،‬‬
‫‪ 3‬ــ برستد (جيمس هنري)‪ ،‬تاريخ مصر منذ أقدم العصور الى الفتح الفارسي ‪ ،‬تر‪ :‬حسن كمال ‪ ،‬ط‪ ، 2‬مكتبة مدبولي ‪ ،‬القاهرة ‪.1996،‬‬
‫‪ 4‬ــ بيكي (جيمس)‪ ،‬مصر القديمة ‪ ،‬تر‪ :‬نجيب محفوظ ‪ ،‬مطبعة المحلة ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬د‪:‬ت‪.‬‬
‫‪ 5‬ــ بينز(جون) و آخرون ‪ ،‬الديانة في مصر القديمة ‪ ،‬ط‪ ، 1‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة ‪.2012،‬‬
‫‪ 6‬ــ تشرني (ياروسالف)‪ ،‬الديانة المصرية القديمة‪ ،‬تر‪ :‬أحمد قدري ‪ ،‬ط‪ ، 1‬دار الشروق ‪ ،‬القاهرة ‪.1966 ،‬‬
‫‪ 7‬ــ جارندر (السير آلن )‪ ،‬مصر الفراعنة‪ ،‬تر‪ :‬نجيب ميخائيل إبراهيم ‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب ‪ ،‬القاهرة ‪. 1973،‬‬
‫‪ 8‬ــ جريمال (نيقوال) ‪ ،‬تاريخ مصر القديمة ‪ ،‬تر‪ :‬ماهر جويجاتي ‪ ،‬ط‪ ، 2‬دار الفكر ‪ ،‬القاهرة‪ ،‬د‪:‬ت ‪.‬‬
‫‪ 9‬ــ جيمز ج (ت)‪ ،‬الحياة أيام الفراعنة ‪ ،‬مشاهد من الحياة في مصر القديمة ‪ ،‬تر‪ :‬أحمد زهير أمين ‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪،‬‬
‫القاهرة ‪.1997،‬‬
‫‪ 10‬ــ جيمز ج (ت) ‪ ،‬كنوز الفراعنة ‪ ،‬تر‪ :‬أحمد زهير أمين ‪،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب ‪ ،‬القاهرة ‪.1999،‬‬
‫‪ 11‬ــ ديالبورت ( ل)‪ ،‬بالد ما بين النهرين‪ .‬الحضارتان البابلية و األشورية ‪ ،‬تر‪ :‬محرّم كمال ‪ ،‬ط‪ ،2‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪،‬‬
‫القاهرة ‪.1997 ،‬‬
‫‪ 12‬ــ ديماس (فرانسوا)‪ ،‬آلهة مصر ‪،‬تر ‪ :‬زكي سوس‪ ، ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب ‪ ،‬القاهرة ‪.1998 ،‬‬
‫‪ 13‬ــ ديورانت (ويل) ‪ ،‬قصة الحضارة ‪ ،‬مج‪ ، 1‬ج‪ . 2‬الشرق األدنى‪ ،‬مطابع الدجوي ‪ ،‬القاهرة ‪.1971 ،‬‬
‫‪ 14‬ــ رو (جورج) ‪ ،‬العراق القديم ‪ ،‬تر‪ :‬حسين علوان‪ ،‬ط‪ ، 2‬وزارة الثقافة و االعالم ‪ ،‬بغداد ‪. 1986 ،‬‬
‫‪15‬ـ روزنثال (فرانز) ‪ ،‬علم التأريخ عند المسلمين‪ ،‬تر‪ :‬صالح أحمد العلي ‪ ،‬مؤسسة الرسالة ‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪.1983 ، 2‬‬
‫‪ 16‬ــ ساكز (هنري) ‪ ،‬جبروت آشور الذي كان ‪ ،‬تر‪ :‬آحو يوسف ‪،‬دار اإلنشاء ‪ ،‬دمشق ‪.1955 ،‬‬
‫‪ 17‬ــ سونيرون (سيرج) ‪ ،‬كه ّان مصر القديمة ‪ ،‬تر‪ :‬زينب الكردي ‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب ‪ ،‬القاهرة ‪.1975 ،‬‬
‫‪ 18‬ــ شتيندورف (ج)‪ .‬سيل (ك) ‪ ،‬عندما حكمت مصر الشرق ‪ ،‬تر‪ :‬محمد العزب موسى ‪ ،‬ط‪ ،1‬مكتبة مدبولي‪ ،‬القاهرة ‪. 1990 ،‬‬
‫‪19‬ـ شيفستر (ألبرت) ‪ ،‬فلسفة الحضارة ‪ ،‬تر ‪ :‬عبد الرحمن بدوي ‪ ،‬منشورات وزارة الثقافة ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬د‪:‬ط ‪.1963 ،‬‬
‫‪ 20‬ــ شورتر(آلن) ‪ ،‬الحياة اليومية في مصر القديمة ‪،‬تر‪ :‬نجيب ميخائيل إبراهيم ‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب ‪ ،‬القاهرة ‪.1997،‬‬
‫‪ 21‬ــ فالبيل (دومينيك )‪ ،‬الناس و الحياة في مصر القديمة ‪ ،‬تر‪ :‬ماهر جويجاتي ‪ ،‬ط‪ ،2‬دار الفكر للدراسات ‪ ،‬القاهرة ‪.2001 ،‬‬
‫‪ 22‬ــ فلندرز سير و م (بتري) ‪ ،‬الحياة االجتماعية في مصر‪ ،‬تر‪ :‬حسن محمد جوهر‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب ‪ ،‬القاهرة ‪.1975،‬‬
‫‪ 33‬ــ كلينكل (هورست)‪ ،‬حمورابي البابلي و عصره ‪ ،‬تر‪ :‬محمد وحيد خياطة ‪ ،‬ط‪ ، 1‬دار المنارة للدراسات ‪ ،‬دمشق ‪.1990،‬‬
‫‪ 24‬ــ كونتيكو(جورج)‪ ،‬الحياة اليومية في بابل و آشور ‪ ،‬تر ‪ :‬سليم التكريتي و برهان عبد التكريني ‪ ،‬مطبعة الحرية ‪،‬بغداد ‪.1986 ،‬‬
‫‪ 25‬ــ لوكاس (ألفريد)‪ ،‬المواد والصناعات عند قدماء المصريين‪ ،‬تر‪ :‬زكي إسكندر‪ ،‬ط‪ ،1‬مكتبة مدبولي‪ ،‬القاهرة‪.1991 ،‬‬
‫‪ 26‬ــ ليفي (مارتن )‪ ،‬الكيمياء و التكنولوجيا الكيميائية في وادي الرافدين‪ ،‬تر ‪ :‬محمود فياض المياحي ‪ ،‬منشورات وزارة االعالم ‪،‬‬
‫بغداد ‪. 1980 ،‬‬
‫‪ 27‬ــ مورتكات (أنطون) ‪ ،‬تاريخ الشرق األدنى القديم ‪ ،‬تر‪ :‬توفيق سليمان ‪ ،‬مطبعة اإلنشاء ‪ ،‬دمشق ‪.1967 ،‬‬
‫‪ 28‬ــ مورتكات (أنطون) ‪ ،‬الفن العراقي القديم ‪ ،‬تر ‪ :‬توفيق سليمان ‪ ،‬مطبعة اإلنشاء ‪ ،‬دمشق ‪.1967 ،‬‬
‫‪ 29‬ــ مونتيه (بيير)‪ ،‬الحياة اليومية في مصر ‪ ،‬تر‪ :‬عزيز مرقص منصور ‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب ‪ ،‬القاهرة ‪.1997 ،‬‬
‫‪ 30‬ــ موسكاتي (سبتينو) ‪ ،‬الحضارات السامية القديمة ‪ ،‬تر‪ :‬السيد يعقوب بكر‪ ،‬دار الرقي ‪ ،‬بيروت ‪.1986،‬‬
‫‪ 31‬ــ هستد (كوردن )‪ ،‬أسس جغرافية العراق الطبيعية ‪ ،‬تر ‪ :‬جاسم محمد خلف ‪ ،‬مؤسسة األعظمي ‪ ،‬بغداد ‪.1948،‬‬
‫جـ ـ الكتب باألجنبية ‪:‬‬
‫‪1- Patrice Guinard. , Les listes des rois antédiluviens .le congrès d'Histoire de l'Astrologie dans l'Antiquité organisé‬‬
‫‪par la revue Beroso (Barcelone), 2001.‬‬

‫ثالثا ـ المجالت و الدراسات األكاديمية‪:‬‬


‫أ ـ المجالت ‪:‬‬
‫ـ المجالت بالعربية ‪:‬‬
‫‪ 1‬ــ األحمد(سامي سعيد) ‪ " ،‬الدولة الكلدانية زمن نابو بالصر و نبوخذ نصر"‪ ،‬مجلة المؤرخ العربي ‪ ،‬منشورات اتحاد المؤرخين‬
‫العرب ‪ ،‬بغداد ‪ ،‬العدد ‪ ، 29‬السنة ‪.1986 ، 12‬‬
‫‪2‬ـ األحمد (سامي سعيد) ‪ "،‬العراق في كتابات اليونان و الرومان "‪ ،‬مجلة سومر ‪ ،‬مديرية اآلثار القديمة العامة ‪ ،‬مج ‪.1970 ، 16‬‬

‫‪111‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫‪ 3‬ــ األعرجي سعدون األمير(عبد الهادي)‪ .‬حسين سيد (نور) ‪" ،‬العبادة السياسية في العراق القديم "‪ ،‬مجلة واسط للعلوم السياسية‪ ،‬العدد‬
‫‪.2011 . 26‬‬
‫‪ 4‬ـــ األعظمي طه(محم د) ‪" ،‬جوانب من األسس القانونية والفكرية في قانون حمورابي"‪ ،‬مجلة المورد ‪ ،‬مج ‪ ،16‬العدد ‪.1987 ،3‬‬
‫‪ 5‬ــ الخفاجي فاضل كريم (مصطفى)‪ "،‬تاريخ القانون في المجتمعات القديمة (قانون حمورابي أنموذجا )‪ ،‬مجلة مركز بابل للدراسات‬
‫اإلنسانية ‪،‬العدد‪ ، 2‬مج‪. 3‬‬
‫‪ 6‬ــ الدباغ (تقي )‪" ،‬آلهة فوق األرض ـ دراسة مقارنة بين المعتقدات الدينية القديمة في الشرق األدنى و اليونان"‪ ،‬مجلة سومر‪ ،‬العدد‬
‫‪.1967 ، 23‬‬
‫‪ 7‬ــ الدباغ (تقي)‪ " ،‬نشأة المدينة العراقية القديمة "‪ ،‬مجلة بين النهرين‪ ،‬العدد ‪.1992 ، 77‬‬
‫‪ 8‬ــ الراوي ثابت مصطفى (شيبان)‪ " ،‬التجارة عبر الفرات في بالد الرافدين" ‪ ،‬مجلة جامعة األنبار للعلوم اإلنسانية ‪ ،‬العدد ‪.2012 ، 2‬‬
‫‪ 9‬ــ السلماني ندا صالح (جمال) ‪" ،‬التحنيط في مصر القديمة (لماذا ؟و كيف ؟) ‪ ،‬مجلة كلية اآلداب جامعة بابل ‪ ،‬العدد ‪.2006 ، 104‬‬
‫‪ 10‬ــ العجيلي حسين حمود (عاصي)‪ " ،‬الملكية الزراعية في شريعة حمورابي " ‪ ،‬مجلة جامعة تكريت للعلوم القانونية و السياسية ‪،‬‬
‫العدد ‪ ، 3‬السنة األولى‪. 2012،‬‬
‫‪ 11‬ـ العيداني (سمير) ‪" ،‬المصادر المادية و األدبية لدراسة تاريخ بالد ما بين النهرين " ‪ ،‬مجلة الحكمة للدراسات التاريخية ‪ ،‬مؤسسة‬
‫كنوز الحكمة ‪ ،‬الجزائر ‪ ،‬العدد ‪.2016 ، 8‬‬
‫‪ 12‬ـ ‪" ، // // //‬المصادر المادية و األدبية لدراسة التاريخ الفرعوني"‪ ،‬المجلة التاريخية الجزائرية ‪ ،‬مخبر الدراسات و البحث‬
‫في الثورة الجزائرية ‪،‬المسيلة ‪ ،‬العدد ‪.2017 ، 3‬‬
‫‪ 13‬ـ العيداني (سمير) ‪ "، ،‬اإلبداع األدبي في مصر القديمة و بالد ما بين النهرين ـ دراسة مقارنة " ‪ ،‬مجلة حضارات الشرق األدنى‬
‫القديم ‪ ،‬العدد الثاني ‪ ،‬السنة الثانية ‪ ،‬أكتوبر‪ ، 2016‬الجزء الثاني ‪.‬‬
‫‪ 14‬ــ الغزالي كسار غدير سلطان (علي) ‪ "،‬القوانين و اإلصالحات التشريعية السابقة لقانون و تشريع حمورابي و تأثيراتها على حضارة‬
‫و ادي الرافدين"‪ ،‬مجلة جامعة كربالء العلمية ‪ ،‬العدد ‪ ، 2‬مج‪.2007 ، 5‬‬
‫‪ 15‬ــ الغزالي كسار غدير سلطان (علي) ‪" ،‬الجذور التاريخية لظاهرة الرقيق عند الشعوب القديمة و عرب الجزيرة قبل اإلسالم (دراسة‬
‫مقارنة) ‪،‬مجلة دراسات تاريخية ‪ ،‬جامعة كربالء ‪ ،‬العدد ‪.2013 ، 5‬‬
‫‪ 16‬ــ الفتالوي سنيد (أحمد حبيب ) ‪ " ،‬مشكلة والية العهد في عهدي الملكين سنحاريب و أسرحدون "(‪ 669-704‬ق‪.‬م) "‪ ،‬مجلة مركز‬
‫بابل للدراسات اإلنسانية ‪ ،‬مج‪ ، 5‬العدد ‪.1‬‬
‫‪ 17‬ــ المرعي شمخي جابر (إيمان)‪" ،‬عقائد عالم ما بعد الموت في مصر القديمة خالل عهد الدولة الحديثة (‪ 1085-1580‬ق‪،‬م)"‪ ،‬مجلة‬
‫دراسات تاريخية ‪ ،‬جامعة البصرة ‪ ،‬العدد ‪.2012 ، 13‬‬
‫‪ 18‬ــ الوائلي(فيصل) ‪ " ،‬من أدب العراق القديم " ‪ ،‬مجلة سومر ‪ ،‬العدد ‪1‬ـمج‪.1963 ، 19‬‬
‫‪ 19‬ــ الوردي فارس عثمان (محمود) ‪" ،‬الملك تجاللت بالسر األول (‪1115‬ق‪.‬م ـ‪ 1077‬ق‪.‬م ) ‪.‬دراسة في شخصيته و عصره "‪ ،‬مجلة‬
‫آداب الفراهيدي ‪ ،‬جامعة تكريت ‪ ،‬العدد‪.2013 ، 15‬‬
‫‪ 20‬ــ الهاشمي جواد(رضا)‪" ،‬المالحة النهرية في بالد الرافدين" ‪ ،‬مجلة المؤرخ العربي ‪ ،‬األمانة العامة التحاد المؤرخين العرب ‪،‬‬
‫بغداد ‪ ،‬العدد ‪.1980 ، 12‬‬
‫‪ 21‬ــ الهاشمي جواد (رضا) ‪ ،‬تاريخ الري في العراق القديم ‪ ،‬مجلة سومر‬
‫‪ 22‬ـ ـ النعيمي علي (شيماء)‪ " ،‬من النشاطات االقتصادية لمعابد بالد آشور في العهد األشوري الحديث (‪ 911‬ق‪.‬م ـ ‪ 612‬ق‪.‬م)"‪ ،‬مجلة‬
‫دراسات موصلية ‪ ،‬العدد‪.2010 ، 30‬‬
‫‪ 23‬ــ باقر(طه) ‪ ،‬معابد العراق القديم ‪ ،‬مجلة سومر‪ ،‬مج ‪.1947 ، 3‬‬
‫‪ 24‬ــ ‪" ، // //‬جلجامش و الطوفان " ‪ ،‬مجلة سومر ‪ ،‬مج ‪ ، 5‬العدد ‪.1950 ، 2‬‬
‫‪ 25‬ــ ‪" ، // //‬مقدمة في أدب العراق القديم" ‪ ،‬مجلة المجمع العلمي العراقي ‪ ،‬بغداد ‪ ،‬العدد ‪.1975 ، 6‬‬
‫‪ 26‬ــ ‪" ، // //‬شرائع العراق القديم" ‪ ،‬مجلة سومر ‪،‬مج ‪.1947 ، 3‬‬
‫‪ 27‬ــ بصمه جي (فرج)‪" ،‬الكيمياء و تكنلوجياتها في العراق القديم ‪ ،‬مجلة سومر ‪ ،‬مج ‪.1969 ، 25‬‬
‫‪ 28‬ــ بومريش (ليلى)‪ ،‬التحنيط في مصر القديمة ‪ ،‬مجلة الدراسات التاريخية ‪ ،‬قسم التاريخ بجامعة الجزائر ـ ‪ 2‬ـ العددان ‪، 16-15‬‬
‫‪.2013-2012‬‬
‫‪ 29‬ــ جاسم وهد (شهد )‪ "،‬الزراعة خالل العصر البابلي القديم (‪ 2004‬ق‪.‬م ـ ‪ 1595‬ق‪.‬م)" ‪ ،‬مجلة القادسية للعلوم اإلنسانية‪ ،‬مج ‪، 11‬‬
‫العدد ‪.2008 ، 3‬‬
‫‪ 30‬ــ حبيب خليل (غيث)‪" ، "،‬التكوين السكاني للمجتمع العراقي القديم حتى سقوط بابل ‪ 539‬ق‪ .‬م " ‪ ،‬مجلة آداب الفراهيدي‪ ،‬جامعة‬
‫تكريت ‪ ،‬العدد ‪ ، 1‬السنة األولى ‪.2009 ،‬‬
‫‪ 31‬ــ خطاب (خالد علي )‪ ،‬األوضاع السياسية و االقتص ادية أواخر المملكة األشورية ‪.‬إبان حكم الملك" أشور ـ ايتل ـ إيالني " (‪626‬ق‪.‬مـ‬
‫‪ 621‬ق‪.‬م )" ‪ ،‬مجلة التربية و العلم ‪ ،‬جامعة الموصل‪ ،‬مج ‪ ، 16‬العدد‪.2009 ، 3‬‬
‫‪ 32‬ــ خليل إسماعيل (بهيجة)‪" ،‬الجيش في العصر األشوري " ‪ ،‬موسوعة الموصل الحضارية ‪،‬العدد‪ ،3‬مج‪.1991 ، 1‬‬
‫‪ 33‬ــ ذيار صديق رمضان‪" ،‬دور المعبود آشور في الحمالت العسكرية اآلشورية" مجلة التربية و العلم ‪ ،‬المجلد ‪ ، 18‬العدد ‪.2011 ، 4‬‬
‫‪ 34‬ــ سفر(فؤاد) ‪" ،‬البيئة الطبيعية القديمة في العراق "‪ ،‬مجلة سومر ‪ ،‬مج ‪ ، 30‬مديرية اآلثار العراقية ‪،‬بغداد‪.1974 ،‬‬
‫‪ 35‬ــ ‪" ، // //‬أعمال اإلرواء التي قام بها سنحاريب" ‪ ،‬مجلة سومر ‪ ،‬مج ‪ ، 3‬العدد ‪.1947 ، 1‬‬
‫‪ 36‬ــ سمار عبود (سعد)‪ " ،‬مجالس المدن في العراق القديم ( ‪ 3000‬ـ ‪ 1000‬ق‪.‬م) التأسيس و المهام" ‪ ،‬مجلة كلية التربية ‪ ،‬جامعة‬
‫واسط ‪ ،‬العدد‪.2013 ،14‬‬
‫‪ 37‬ــ سولبيركر ( أدموند )‪" ،‬بدايات بابل" ‪ ،‬مجلة سومر ‪ ،‬العدد ‪ ، 17‬مديرية اآلثار العراقية ‪ ،‬بغداد‪.1975 .‬‬

‫‪111‬‬
‫السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني‬ ‫محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة‬

‫‪ 38‬ــ عبد جبيل(جبار) ‪" ،‬التجارة الخارجية للعراق في العصر البابلي ( ‪ 2000‬ـ ‪ )1600‬و( ‪ 625‬ـ ‪ )359‬ق‪.‬م‪ ،‬دراسة في الجغرافيا‬
‫التاريخية " ‪ ،‬مجلة التربية ‪ ،‬جامعة بابل‪.‬‬
‫‪ 39‬ــ علي حسن(صبا) ‪" ،‬جمالية توظيف عنصري الشمس و النيل في الفن المصري"‪ ،‬مجلة كلية التربية األساسية ‪ ،‬جامعة بابل ‪ ،‬العدد‬
‫‪.2015 ، 20‬‬
‫‪ 40‬ــ فاضل موفق شاكر( فاتن) ‪ " ،‬الملوك المؤلهون في العراق القديم " ‪ ،‬مجلة التربية و العلم ‪ ،‬مج‪ ،20‬العدد ‪.2013 ،4‬‬
‫‪ 41‬ــ فتاح محمد (يونس) ‪" ،‬نشأة و تطور المجتمع ا لريفي في العراق القديم "‪،‬مجلة دراسات في التاريخ و اآلثار‪ ،،‬جمعية المؤرخين و‬
‫األثريين في العراق ‪ ،‬العدد ‪1989 ، 6‬‬
‫‪ 42‬ــ البات (رينيه)‪" ،‬الطب البابلي و األشوري" ‪ ،‬تر‪ :‬وليد الجادر ‪ ،‬مجلة سومر ‪ ،‬مج‪.1968 ، 24‬‬
‫‪ 43‬ــ الزم عبد الحمزة (علي )‪" ،‬التقويم البابلي " ‪ ،‬مجلة كلية التربية األساسية ‪ ،‬جامعة بابل ‪ ،‬العدد ‪.2009، 1‬‬
‫‪ 44‬ــ نور الدين(عبد الحليم) ‪ " ،‬الزراعة و الري في مصر القديمة " ‪ ،‬إصدارات مكتبة اإلسكندرية "‪ ،‬اإلسكندرية‪.2012 ،‬‬
‫‪ " ،‬الفن المصري القديم " ‪ ،‬أعمال الموسم الثقافي األثري األول بمكتبة اإلسكندرية ‪ ،‬اإلسكندرية‪.‬‬ ‫‪45‬ــ ‪// //‬‬
‫‪" ، //‬البعث و الخلود في الفكر المصري القديم " ‪ ،‬مطبوعات الموسم الثقافي األثري السابع ‪ ،‬مكتبة اإلسكندرية‪.‬‬ ‫‪46‬ــ ‪//‬‬
‫‪47‬ــ ‪" ، // //‬الطب و الصيدلة " ‪ ،‬إصدارات مكتبة اإلسكندرية ‪ ،‬االسكندرية‪.2006 ،‬‬
‫‪48‬ــ ‪ ، // //‬التربية و التعليم في مصر القديمة ‪ ،‬إصدارات مكتبة اإلسكندرية ‪ ،‬اإلسكندرية ‪.2006 ،‬‬

‫ب ـ الدراسات األكاديمية (الجامعية)‪:‬‬


‫‪ 1‬ـ العيداني (سمير ) ‪ ،‬العالقات الحضارية بين مصر و شعوب بالد الرافدين ‪ .‬العالقات الدينية أنموذجا ـ (‪ 1580‬ق‪.‬م ـ ‪ 332‬ق‪.‬م ) ‪،‬‬
‫رسالة دكتوراه (غير منشورة) ‪ ،‬جامعة الجزائر ‪ ، 2‬إشراف الطاهر ذراع ‪.2017-2016 ،‬‬
‫‪ 2‬ــ شيبان ثابت الراوي ‪ ،‬الطقوس الدينية في بالد الرافدين حتى نهاية العصر البابلي الحديث ‪ ،‬رسالة دكتوراه (غير منشورة ) جامعة‬
‫بغداد ‪.2001 ،‬‬
‫‪ 3‬ـ أحمد السيد محمد (إيمان) ‪ ،‬دجلة و ال فرات في فكر العراقيين القدماء ـ دراسة تحليلية ـ رسالة ماجيستير في التاريخ القديم ‪ ،‬اشراف‪:‬‬
‫محمد الشحات شاهين ‪ ،‬جامعة حلوان ‪.2012 ،‬‬
‫رابعا ـ الموسوعات و القواميس‪:‬‬
‫أ ـ بالعربية ‪:‬‬
‫‪ 1‬ــ أديب (سمير) ‪ ،‬موسوعة حضارة مصر القديمة‪ ،‬ط‪ ،1‬العربي للنشر و التوزيع ‪ ،‬القاهرة ‪.2000،‬‬
‫‪ 2‬ــ البعلبكي (منير)‪ ،‬معجم أعالم المورد ‪ ،‬دار العلم للماليين ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬ط‪.1992 ، 1‬‬
‫‪ 3‬ــ التهانوي بن علي(محمد)‪ ،‬كشاف اصطالحات الفنون و العلوم ‪ ،‬ترجمه من الفارسية ‪ :‬عبد هللا الخالدي ‪ ،‬ج‪1‬ـ(من األلف الى الشين)‪،‬‬
‫ط‪ ، 1‬مكتبة لبنان ناشرون ‪ ،‬بيروت ‪.1996،‬‬
‫‪ 4‬ــ بوزنر (جورج ) و آخرون‪ ،‬معجم الحضارة المصرية القديمة ‪ ،‬تر‪ :‬أمين سالمة ‪،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب ‪ ،‬القاهرة ‪. 2003،‬‬
‫‪ 5‬ــ عبودي (هنري س )‪ ،‬معجم الحضارات السامية ‪،‬ط‪ ،2‬جروس برس‪ ،‬طرابلس الشرق‪. 1991 ،‬‬
‫‪ 6‬ــ عدد من المؤلفين ‪ ،‬الموسوعة العربية العالمية ‪،‬مج ‪،11‬ط ‪،1‬مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر ‪،‬الرياض‪. 2002 ،‬‬
‫‪ 7‬ـ غيث (محمد حافظ) ‪ ،‬قاموس علم االجتماع ‪ ،‬دار المعرفة الجامعية ‪ ،‬اإلسكندرية ‪ ،‬د‪:‬ط ‪ ،‬د‪:‬ت‪.‬‬
‫‪ 8‬ــ كورتيل(ليونارد )‪ ،‬الموسوعة األثرية العالمية ‪ ،‬تر ‪ :‬محمد عبد القادر محمد و زكي إسكندر ‪ ،‬ط‪ ، 2‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪،‬‬
‫القاهرة ‪.1997 ،‬‬
‫‪ 9‬ــ مانفرد (لوركر)‪ ،‬معجم المعبودات و الرموز في مصر القديمة ‪ ،‬تر‪ :‬صالح الدين رمضان ‪ ،‬ط‪،1‬مكتبة مدبولي ‪ ،‬القاهرة ‪.2000،‬‬
‫ب ـ باألجنبية ‪:‬‬
‫‪1 - COMBELL THOMPSON , A DICTIONARY OF ASSYRIAN BOTANY, ed BRITICH‬‬
‫‪ACDADEMY, LONDON . 1949.‬‬
‫‪2- Graves , R . Larousse Encyclopedia of Mythology , London , 1960.‬‬
‫‪3 - Georges Posener , Dictionnaire de la civilisation égyptienne . ED . Fernand Hazan , Paris ,‬‬
‫‪1959.‬‬
‫‪4 - ROAF M., Atlas de la Mésopotamie et du Proche-Orient ancient, Éditions du Fanal,‬‬
‫‪Amsterdam. 1991.‬‬

‫‪112‬‬

You might also like