Professional Documents
Culture Documents
السداسي األول
2018/2017
1
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
2
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
*ـ اصطالحا :هو علم يدرس االنسان في تفاعالته عبر الزمن مع محيطه و بني جنسه ،كما
يرصد مستوى انتاجه المادي و المعنوي 3،هذا و يستعمل لفظ "تاريخ" في االصطالح على
نحوين اثنين ،فتارة يستعمل ويراد بها جملة الحوادث التاريخية ،وتارة أخرى تستعمل ويراد
بها طريقة التعامل مع هذه المادة أو كيفية التأريخ لتلك األحداث .وهذه االزدواجية في
4
االستعمال أدت إلى خلط في فهم معنى اللفظ.
* ـ الحوادث التاريخية Historial events :هي مادة التاريخ و موضوعه و هي كل ما
يطرأ من تغير في حياة البشر يكون مفاجئا كزلزال يهدم المدن أو عنيفا كقيام حرب أو بطيئا
غير محسوس كانحطاط دولة أو تغير اجتماعي ،أو حدث دون أن يتفطن له أحد كميالد
شخصية صانعة للتاريخ ،و تشترك الحوادث التي تدخل ضمن موضوع علم التاريخ ّ
أن حياة
5
االنسان قبل ها و بعدها تختلف.
ب ـ أهمية دراسة علم التاريخ :يمكن اختصارها كاآلتي :
ـ محمد علي التهناوي ،كشاف اصطالحات الفنون و العلوم ،تر :عبد هللا الخالدي ،ج ، مكتبة لبنان ناشرون ،بيروت ،ط ، 991 ، ص .513
ـ قاسم يزبك ،التاريخ و منهج البحث التاريخي ،دار الفكر اللبناني ،بيروت ،ط، 991 ، ص ، 7وأنظر ذلك في :حسين مؤنس ،التاريخ و
المؤرخون ،دراسة في علم التاريخ ،دار المعارف ،القاهرة ،د:ط ، 991 ،ص .7
5ـ علي شريعتي ،اإلنسان والتاريخ ،تر :خليل علي ،دار األمير ،بيروت ،ط ، 117 ، ص . 1
1ـ ق اسم عبده قاسم ،الرؤية الحضارية للتاريخ عند العرب و المسلمين ،دار المعارف ،القاهرة ،ط ،د :ت ،ص 7ـ بتصرف ـ ،وأنظر ذلك
في :فرانز روزنثال ،علم التأريخ عند المسلمين ،تر :صالح أحمد العلي ،مؤسسة الرسالة ،بيروت ،ط ، 995 ، ص .9
3ـ حسين مؤنس ،التاريخ و المؤرخون ،دراسة في علم التاريخ ،ص.ـ بتصرف ـ
1ـ حسين مؤنس ،المرجع السابق ،ص 3
3
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
1
*ـ االعتزاز بماضي األمم ونضال األجيال في سبيل ترسيخ القيم الماضي و المصير المشترك
(التوعية باالنتماء المشترك لألعراق البشرية المختلفة المكونة لمجتمع ما)
*ـ يمنح التاريخ للقارئ نماذج بشرية سياسية و علمية و فكرية يمكن االقتداء بها ،في ظل
2
غياب القدوة المجتمعية المعاصرة للقارئ .
جـ ـ العلوم المساعدة :يحتاج الباحث في علم التاريخ الى االعتماد على العلوم المساعدة
اآلتي لفهم حركة التاريخ و تعليل وقائعه و منها :
_1علم اللغات (القديمة) و قراءة الخطوط :Paliographieو هي اللغات األصلية الخاصة
بموضوع بحثه ألن الترجمات ال تفى بالغرض ،وحسب المتخصصين فال يعقل لباحث في
التاريخ الفرعوني ان يجهل اللغة و الكتابة الهيروغليفية أو الديموطيقية ،و يقترب منها
ضرورة اتقان علم الفيولوجيا ( Philologyوهو علم فقه اللغة فالبد لفهم النصوص التاريخية
معرفه لغة هذا العصر ومصطلحاته التاريخية التي شاعت فيه.
أن الوثائق هي األصول التي تحتوى على معلومات _ 2علم الوثائق )الوثائق الرسمية( :حيث ّ
تاريخية .ومن الضروى ان يتعلم الباحث في التاريخ االسلوب والمصطلحات الخاصة بوثائق
العصر الذى يريد دراسته ،و يقصد بها المعاهدات و الكتابات الرسمية كاألوامر و المراسالت
3
السياسية.
_3علم النميات والمسكوكات :وهى النقود فهي تحمل صور االلهة والملوك واالمراء
واسمائهم وذكرى حوادثهم التاريخية وسنوات ضربها ،ولها األهمية البالغة في قطعية التزمين
لألحداث و فترات الملوك .
_ 4علم الجغرافيا :إن االرتباط بين الجغرافيا والتاريخ ارتباط وثيق فاألرض هي المسرح
الذى حدثت عليه الوقائع التاريخية وهى ذات اثر كبير في توجيه مصائر النوع اإلنساني
وللظواهر الجغرافية المختلفة أثر كبير في االنسان وبالتالي في التاريخ (البقاع تؤثر في
الطباع).
_5علم االقتصاد :حتى أن بعض المؤرخين يميلون الى تفسي الحوادث التاريخية وفق التعليل
االقتصادي و مثاله حدوث فترة االضطراب بعد الدولة القديمة في مصر الفرعونية ،كما ّ
أن
االقتصاد و مشكالته سبب لتفسير الكثير من الهجرات البشرية قديما ،وهنا يظهر ّ
أن العوامل
االقتصادية ذات اثر ظاهر في سير التاريخ فالثروة الطبيعية في بلد ما تحدد نوع االنتاج
4
الزراعي والصناعي ونوع التبادل التجاري.
ـ فريد بن سليمان ،مدخل الى دراسة التاريخ ،مركز النشر الجامعي ،تونس ،د:ط ، 111 ،ص .5
ـ عبد العليم عبد الرحمن خضر ،المسلمون و كتابة التاريخ .دراسة في التأصيل اإلسالمي للتاريخ ،المعهد العالمي للفكر اإلسالمي ،فرجينيا ـ
و م أ ،ط، 995 ، ص ص 13- 1ـ بتصرف ـ
5ـ قاسم يزبك ،التاريخ و منهج البحث التاريخي ،ص ص 35-3ـ بتصرف ـ
1ـ قاسم يزبك ،المرجع السابق ،ص ص 31-33ـ بتصرف ـ .
4
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
_6علم االثار :و هو العلم الذي يدرس المخلفات الكثيرة التنوع ، ..غير ّ
أن أكثرها أهمية هي
1
المخلفات المكتوبة كونها ذات داللة تاريخية أكبر و أقرب الى المعلومة القطعية .
وكذلك على الباحث في التاريخ أن يكون لديه معرفه بعلم النفس والقانون واالحصاء ..
د ـ المناهج المتبعة في الدراسة : Méthodologie historique :منهج البحث التاريخي
هو مجموعة الطرق و التقنيات التي يتبعها الباحث و المؤرخ للوصول إلى الحقيقة التاريخية،
و إعادة بناء الماضي بكل وقائعه و زواياه ،وكما كان عليه زمانه و مكانه ،ويجمع تفاعالت
الحياة فيه ،وهذه الطرق قابلة دوما للتطور و التكامل مع تطور جموع المعرفة اإلنسانية و
تكاملها و منهج اكتسابها.2
ويقصد بالمنهج التاريخي كذلك محاولة الوصول إلى المبادئ والقوانين العامة عن طريق
البحث في األحداث الماضية ،وتحليل الحقائق المتعلقة بالمشكالت اإلنسانية والقوى االجتماعية
التي شكلت اإلنسان ،ويحاول الباحث تحديد الظروف التي أحاطت بالظاهرة منذ نشأتها لمعرفة
3
طبيعتها وما تخضع لها من قوانين.
و على اعتبار التاريخ من العلوم اإلنسانية فيمكن في دراسته االستعانة بمناهج إنسانية منها
المنهج الوصفي و المنهج المقارن ،تختلف في درجة االستعانة بها حسب النسق العام للموضوع
المراد دراسته .
2ــ العصور التاريخية و االطار الزماني لحضارات العالم القديم :
ـ عبد الرحمن عبد هللا الشيخ ،المدخل الى علم التاريخ ،دار المريخ ،الرياض ،د:ط ،د :ت ،ص 7ـ بتصرف ـ
ـ عبد العليم عبد الرحمن خضر ،المسلمون و كتابة التاريخ .دراسة في التأصيل اإلسالمي للتاريخ ،ص ص 7-1ـ بتصرف ـ
5ـ عبد العليم عبد الرحمن خضر ،المرجع السابق ،ص .7
1ـ فريد بن سليمان ،مدخل الى دراسة التاريخ ،ص .
3ـ عبد الرحمن عبد هللا الشيخ ،المدخل الى علم التاريخ ،ص ـ ص 5، 1ـ بتصرف ـ .
5
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
*ـ التاريخ الحديث The modern history:يمتد من سقوط القسطنطينية حتى نجاح الثورة الفرنسية
1789م ،حدثت فيها النهضة األوربية في إيطاليا لتليها حركة الكشوفات الجغرافيّة ثم الثورة
الصناعيّة ،التي أدت إلى تق ّدم اقتصادي أوربي ،رافقه فيما بعد تق ّدم سياسي تمثل بالثورات
وقيام الحركات القوميّة ،واعتماد الديموقراطية كشريعة أساسيّة للحكم .
*ـ التاريخ المعاصر : Contemporary history:يلي نجاح الثورة الفرنسية و هو متواصل ،عرف
تناميا للغرب في مختلف المجاالت و تأخرا عربيا و إسالميا واضحا ،كما عرف سلسلة أحداث
كبرى مثل :الحركة االستعمارية و النزاعات الدولية الكبرى و ظهور الهيمنة األمريكية و
1
االنفجار التكنلوجي ،وتنامي القوى اآلسيوية ثم الثورة الرقمية الحالية .
ب ـ حضارات العالم القديم (االطار الزماني ) :يدخل في حضارات العالم القديم مختلف
الشعوب و الكيانات السياسية التي وصلتها الكتابة ،إما اختراعا ذاتيا أو انتقلت اليها عبر التأثر
الحضاري ،و بالتالي تشمل المناطق التي استعملت الخطوط الكتابية القديمة ،و ينتهي تاريخها
أن هناك من يضم اصطالحيا بسقوط الدولة الرومانية على يد الوندال عام 476م (،غير ّ
التاريخ و الحضارة البيزنطية خالل القرنين السادس و السابع الى حضارات العالم القديم).
3ــ العالم القديم ( جغرافيا ) :مصطلح تاريخي جغرافي يشمل المناطق الجغرافية التي شهدت
قيام و ازدهار الحضارات القديمة و تتكون جغرافيا من غربي آسيا و جنوب أوربا و شمال
افريقيا و هي كاآلتي :
أ ـ الشرق األدنى القديم :و هي المنطقة الجغرافية ذات التركيز الحضاري الكبير في العصر
القديم ،تمتد من غرب ايران شرقا الى غرب نهر النيل في مصر القديمة ،و تمتد من جبال
ارمينية و األناضول وطوروس في الشمال و الشمال الغربي و صوال الى اليمن السعيد و
منطقة القرن االفريقي ،و تضم األقاليم الجغرافية اآلتية :فارس .بالد ما بين النهرين .مصر
القديمة .سوريا القديمة .فينيقيا .شبه الجزيرة العربية .الحبشة .اليمن .األناضول ،.قامت
بها حضارات عديدة منها :بالد الرافدين (السومرية و االكادية .البابلية و االشورية) .
2
الفرعونية .الفينيقية .الحثية .اليمنية (السبئية و المعينية ،)..وحضارة أكسوم بالحبشة..
ب ـ جنوب أوربا :و تشمل مختلف الحضارات التي ظهرت و ازدهرت خاصة في المناطق
الجنوبية الغربية من أوربا ،و تمتد حدودها من سواحل غرب آسيا الصغرى و جزر بحر
ايجة شرقا حتى غرب شبه الجزيرة اإليطالية و من مرتفعات الوسط األوربي شماال حتى
الجزر المتوسطية في الجنوب (رودس .كريت .صقلية .كورسيكا ،)...شهدت قيام حضارات
متفوقة كاإلغريقية و الرومانية ثم البيزنطية .
ـ عبد الرحمن عبد هللا الشيخ ،المرجع السابق ،ص ص .7-3
ـ أحمد أمين سليم ،دراسات في تاريخ الشرق األدنى القديم ،تاريخ العراق ،ايران ـ آسيا الصغرى ،دار المعرفة الجامعية ،اإلسكندرية ،د:ط،
، 111ص .9ـ بتصرف ـ
6
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
جـ ـ شمال افريقيا :يقصد بها المناطق الواقعة من إقليم المدن الثالث(طرابلس) في ليبيا حتى
المحيط األطلسي ،ضمت حضارتين أساسيتين هما القرطاجية و األمازيغية (.أنظر الشكل )1
7
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
ضروالح َ
َ ضر..
الح َ
4ـ الحضارة و قيامها :في اللغة :ورد في لسان العرب" :اإلقامة في َ
ضرة :خالف البادية ،وهي المدن والقرى والريف" ،1وحين تذكر الحضارة ض َرة والحا ِ
والح ْ
َ
في اللغة فإنه يقصد بها ما هو عكس البداوة ،إال أن هذا المعنى اللغوي للعبارة ليس هو المقصود
حين الكالم عن الحضارة في النصوص الفكرية والتاريخية والسياسية المعاصرة ،إذ أصبح
لكلمة الحضارة مدلول اصطالحي جديد مختلف عن المدلول اللغوي األصلي ،و اشتقاقيا:
فهي مشتقة من األصل الالتيني civtasبمعنى "المدينة" أو من كلمة civisبمعنى "مساكن
2
المدينة ".
أما في االصطالح :فيعود االصطالح إلى الدراسات األوربيّة ،وذلـك حـيـن درج
الغربيون على استـخـدام كـلـمــة " "Civilizationوترجمتها إلى العربية بصيغة الحضارة
أو المدنية -للتعبير بها عن التطور المادي والصناعي والعمراني الذي أخذ يتسارع خالل
العصور الحديثة التي تلت القرن الخامس عشر الميالدي والتي سميت بعهد النهضة 3،إال أن
تلك العبارة تحولت مع مرور الوقت عن ذلك المدلول لتأخذ مدلوال آخر جديدا ،فقد أصبحت
تطلق على ما يملكه شعب ما أو مجتمع ما أو أمة من األمم من تراث وخصائص وإبداعات
يتميز بها عن غيره من المجتمعات)4 .هذا و قد أكثر المؤرخون و الفالسفة و المفكرون و
علماء االجتماع في محاوالت تعريف الحضارة ،كال حسب حاجته أو ميله الفكري) غير أننا
بمكن التميز بين ثالثة اتجاهات كالتالي :
*ـ التفسير المادي :ر ّكز هذا االتجاه على الجانب المادي من االنسان ،حيث يربطون قمة
الحضارة في توفر أسباب الراحة و الرفاهية لإلنسان ،و هي مظاهر ال اعتبار فيها للقيم و
5
العقائد أو الرقي في الفكر البشري .
*ـ التفسير العقلي (العلمي) :حيث الحضارة مرادفة للعقل ،أو الحضارة هي المظاهر اإلنسانية
المبنية عن طريق العقل أو هي المكتشفات العملية التي جعلت حياة االنسان بمعنى أفضل ،
ومن روادها "أوزوالد سبنغلر" 1880( Oswald Spenglerـ ، )1936صاحب كتاب "أفول
الغرب" ،و الذي اشتهر كذلك بتشبيه الحضارات اإلنسانية بالمراحل العمرية لحياة االنسان و
المشهور بهرم الدول (6 .وله ما يشابهه عند ابن خلدون).
ـ محمد بن منظور ،لسان العرب ،مادة حضر ،دار المعارف ،القاهرة ،تح :عبد هللا علي الكبير و آخرون ،ص .719
ـ عبد الرحمن حسين العزاوي ،تاريخ الحضارة العربية اإلسالمية ،دار الخليج ،عمان ،د:ط ، 11 ،ص .1
5ـ عبد الرحمن حسين العزاوي ،تاريخ الحضارة العربية اإلسالمية ،ص 3
1ـ عبد الحميد حسين حمودة ،الحضارة العربية اإلسالمية و تأثيرها العالمي ،الدار الثقافية للنشر ،القاهرة ،ط ، 1 ، ص .1
3ـ أحمد محمد صبحي ،في فلسفة الحضارة ،مؤسسة شباب الجامعة ،اإلسكندرية ،د:ط ،د :ت ،ص-ص ، 1ـ بتصرف ـ
1ـ علي حسين الجابري ،فلسفة التاريخ و الحضارة في الفكر العربي ـ دراسة عقالنية نقدية ـ دار الكتاب الثقافي ،إربد ،د:ط ،د :ت ،ص، 9
و أنظر ذلك في :محمد حافظ غيث ،قاموس علم االجتماع ،دار المعرفة الجامعية ،اإلسكندرية ،د:ط ،د:ت ،ص ص .3-3
8
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
*ـ االتجاه التوفيقي :من روادها " ألبرت شيفستر " صاحب كتاب " فلسفة الحضارة" حيث
يقول " :هي التقدم الروحي والمادي لألفراد والجماهير على السواء" 1وتعريف الحضارة هذا
ربط التقدم المادي الذي يمكن أن يحدثه اإلنسان بضرورة تقدم روحي مواز له ،كي يتم التوافق
بين مظهر اإلنسان والتقدم ،وجوهر اإلنسان والتقدم ،فالتقدم المادي هو األثر واالنعكاس الذي
يتجلى على مرآة الواقع الشكلي للتقدم الروحي الذي يشكل الجوهر لدى اإلنسان ،وأي اعتبار
2
آخر ال يستطيع الصمود أمام الحقيقة.
توينبي" Arnold هذا و ناقش كثيرون مشكالت الحضارة و طرق نشوئها ويعد "أرنولد
1975-1889( 3 Toynbeeفيلسوف انجليزي) صاحب كتاب " تاريخ البشرية" و"دراسة
للتاريخ" ، study of historyمن مؤسسي أهم نظريات "فلسفة التاريخ" ،و منها نظرية "التحدي
4
و االستجابة" Challenge and Response Theoryفي تعليل نشوء الحضارات البشرية
مؤكدا" :أنّ الظروف الصعبة تتحدى االنسان فتستثير هممه و قوى االبداع لديه ،و تدفعه
الى التحضر ،و قد يكون مصدر التحدي عادة البيئة الطبيعية أو الظروف البشرية ،بينما
5
يحول الرفاه (سهولة معيشة االنسان في وسط ما ) دون قيام الحضارة " .
واشتهر "توينبي" في رفضه نظرية البيئة الجغرافية كمؤثر وحيد لتكون الحضارة و أعطى
األولوية للعوامل الفكرية و الروحية حيث علل بالمخالفة أن سقوط الحضارات عائد الى" :
وجود أقلية مسيطرة فقدت قدرتها على االبداع و أخذت تحكم بالقهر" ،و رفض نظرية
"هيجل" )1831-1770( Hegelالقائلة بتفوق األجناس (األلماني) ،كما خالف "كارل
6
ماركس" )1883-1818( Karl Marxفي نظرته المادية للتاريخ .
وساند المفكر "جورج باستيد" George Bastideكلّ ذلك قائال في تعريفه للحضارة ":أنّ
الحضارة هي التدخل اإلنساني اإليجابي لمواجهة ضرورات الطبيعة تجاوباً مع إرادة التحرر
7
في االنسان ،و تحقيقا من اليسر و إرضا ًء لحاجياته و رغباته ..و النقاص العناء البشري"
ـ ألبرت شيفستر ،فلسفة الحضارة ،تر :عبد الرحمن بدوي ،منشورات وزارة الثقافة ،القاهرة ،د:ط ، 915 ،ص .51
ـ جورج حداد ،المدخل الى تاريخ الحضارة ،مطبعة جامعة دمشق ،دمشق ،939 ،ص .ـ بتصرف ـ
5ـ أرنولد توينبي 999( :ـ )973مؤرخ وفيلسوف بريطاني ،وضع نظرية التحدي و االستجابة في كتابه الشهير "دراسة للتاريخ
الذي يقع في مجلدا ،و خالصتها أن الحضارة ال تنشأ اال في بيئة تكون صالحة لتحدي شعب ما ،أو يكون ذلك الشعب على أتم
االستعداد لالستجابة الى ذلك التحدي ،و أن الحضارات تنهار عندما تتالشى عبقرية "األقلية المبدعة" (أنظر :منير البعلبكي ،معجم
أعالم المورد ،دار العلم للماليين ،بيروت ،ط ،99 ، ص ).17
1ـ يحي سعيد قاعود ،أطروحات فوكوياما و هانتنغتون و النظام العالمي الجديد :دراسة تحليلية مقارنة ،مركز البيان للبحوث و
الدراسات ،ط ، 13، ص .37
3ـياسر طالب الخزاعلة .وفاء سالم الخزاعلة ،محاضرات في تاريخ الحضارة العربية ،دار الخليج ،عمّان ،د:ط ، 17 ،ص .39
1ـ علي حسين الجابري ،فلسفة التاريخ و الحضارة في الفكر العربي ـ دراسة عقالنية نقدية ـ ،ص . 1
7ـ جميل موسى النجار ،فلسفة التاريخ ـ مباحث نظرية ـ ،مكتبة مدبولي ،القاهرة ،ط ، 1 ، ص .39
9
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
ـ لطفي عبد الوهاب يحي ،اليونان مقدمة في التاريخ الحضاري ،دار المعرفة الجامعية ،اإلسكندرية ،د:ط ، 119 ،ص ، 19بتصرف ـ
ـ طه باقر ،مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة،ج ،تاريخ وادي الفرات ،مطبوعات وزارة الثقافة و االعالم ،بغداد ، 991 ، ،ص ص-
5ـ بتصرف ـ .
5ـ لطفي عبد الوهاب يحي ،اليونان مقدمة في التاريخ الحضاري ،ص 3ـ بتصرف ـ .
11
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
أو كتابات بوليبيوس" Polypeحول الحرب البونيقية الثالثة و كيفية سقوط قرطاج و المعروف
بـ "التواريخ" ،لكون المؤلفين من رجاالت الدولة و الفاعلين في الموضوع .
و المصادر األدبية منها المباشرة :و هي التي يكون مؤلفوها مؤرخين أي يملكون الحس
التاريخي وهو أن تدوينهم لمؤلفاتهم يرتبط بإرادة تعريف األجيال الالحقة بما حدث و معلومات
أصحابها أعلى قيمة تاريخية من المصادر األدبية غير المباشرة :و تشمل من كان مؤلفوها
من غير المؤرخين و تشمل من كتب بغير النية للتأريخ ككتابات السياسيين و الفالسفة و األدباء
1
حتى و ان احتوت على المعلومات التاريخية .
كما تصنف المصادر األدبية الى عامة تناول أصحابها تاريخ مختلف الشعوب و األحداث و
ممكن حتى أضافوا لذلك تطور العلوم و النبات ...و مثاله كتاب "بلين الكبير " المعنون بالتاريخ
الطبيعي ،أو كتاب "ديودور الصقلي" Diodore de Sicileالمعنون بـ"المكتبة التاريخية"
،The Historical Libraryو عكسه المصادر األدبية الخاصة و هي التي ركز فيها أصحابها على
شعب واحد أو دولة واحدة على حادثة تاريخية معينة أو على حرب بعينها و مثالها كتاب
ثيوسيديس " Theosidesحرب البلوبونيز" The Peloponnesian Warأو كتاب "يوليوس قيصر"
2
Julius Caesarالمعنون بـ "حرب افريقية". African war
ـ لطفي عبد الوهاب يحي ،المرجع السابق ،ص ،ص 71- 11ـ بتصرف ـ
ـ لطفي عبد الوهاب يحي ،المرجع نفسه ،ص . 17
5ـ أحمد أمين سليم ،دراسات في تاريخ الشرق األدنى القديم ،تاريخ العراق ـ ايران ـ آسيا الصغرى ،ص .
1ـ عبد العزيز صالح ،الشرق األدنى القديم ـ مصر و العراق ،مكتبة األنجلو مصرية ،القاهرة ،د:ط ، 1 ،ص .317
11
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
2ـ جغرافية بالد الرافدين :من المظاهر الجغرافية البارزة في بالد ما بين النهرين القديمة،
و التي ال يمكن تجنبها هما نهرا دجلة و الفرات ،كونها يشكالن أساس الحضارة و عمود
اقتصادها كاآلتي :
* -نهر دجلة :عرف النهر في النصوص المسمارية السومرية باسم أدكانا ( )Idignaو األكدية
باسم إدجالتوم أو إديجالت ( )Idiglat ou Idiglatumو اتخذ تسميته العربية من التسمية األكدية
1
"إديجالت".
و ينبع نهر دجلة من المرتفعات الجنوبية الشرقية لتركيا ،و من المرتفعات القريبة من بحيرة
فان ( ،)Vanأين شكلت الروافد نهر "يونان صو" ،و ينبع أيضا من المرتفعات القريبة من
بحيرة "كولجاك" أين شكلت الروافد نهر" بولطمان صو"،و بالتقاء هذين النهرين يتكون
2
المجرى الرئيسي الذي ينحدر جنوبا بشرق و يمر بالقرب من بلدة "فيشخابور" (العراق).
ـ السعدي حسن محمد محي الدين ،في تاريخ الشرق األدنى القديم ،ج العراق -إيران -آسيا الصغرى ،دار المعرفة الجامعية ،اإلسكندرية،
.999ص .
ـ إيمان أحمد السيد محمد ،دجلة و الفرات في فكر العراقيين القدماء ـ دراسة تحليلية ـ رسالة ماجيستير في التاريخ القديم ،اشراف :محمد الشحات
شاهين ،جامعة حلوان ، 1 ،ص ص . 19- 17
12
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
ويمر النهر بعد ذلك بالموصل و "نينوى" ثم يلتقي به الرافد المسمى "الزاب الكبير" (زابو
إيليو في المصادر المسمارية) في جنوب نمرود على بعد خمسة كيلومترات .و عند وصوله
إلى مدينة "آشور" يتصل به نهر" الزاب الصغير" (زابو شبالو في المصادر المسمارية) ،و
بعد مسيرة ثالثين كيلومترا إلى الجنوب يقطع نهر دجلة "جبال حمرين" ،ثم يستقر في طريقه،
فيمر بتكريت ثم بسامراء و في منتصف الطريق بين بلد و بغداد يلتقي به الرافد العظيم (راندو
1
في المصادر المسمارية).
و يجاور دجلة نهر الفرات في مدينة بغداد الحالية و يصل البعد بينهما إلى حوالي ثالثين
كيلومترا ،و لكنه ينحرف في ما بعد ما بين بغداد و الكوت باتجاه جنوبي شرقي ،و يلتقي بنهر
دجلة رافد آخر يسمى نهر "ديالي" أودياله (ترناة أودر في المصادر المسمارية) و ذلك في
شمال مدينة "المدائن" ،و يستمر النهر طريقه جنوبا مرورا بالسهل الرسوبي و يلتقي ألول
مرة نهر دجلة بنهر الفرات في قرية قورنة ( )Qurnahعلى بعد مائة كيلومتر جنوب "البصرة"،
و بذلك يشكالن معا "شط العرب" و بهذه المسيرة الطويلة قد بلغ نهر دجلة طول 1950
2
كيلومتر .
*ـ نهر الفرات :عرف هذا النهر في النصوص المسمارية السومرية باسم بورانن ()Buranun
أو بورنوتا ( ،)Buranunaو األكادية باسم بوراتي ( )Puratiأو بوراتوم ( ، )Puratumأما فيما
يخص نهر الفرات ،فهو أطول من دجلة حيث قدر طوله 2780كيلومتر.و مساحة حوضه
أكبر من مساحة حوض دجلة حيث تقدر مساحة األول 444ألف كيلومتر مربع ،بينما تقدر
3
مساحة الثاني 340ألف كيلومتر مربع .
ينبع نهر الفرات من السالسل الجبلية الشرقية لبالد األناضول (تركيا) و يغذيه في
البداية رافدين" ،فرات صو" الذي يجري في سهل "ارضوم" ،و "مراد صو" الذي يجري في
هضبة أرمينيا ،و يلتقي الرافدان في "كيبان معدني" ،ممهدان لبداية المسيرة الطويلة لنهر
الفرات ،و يقطع النهر الحدود التركية السورية عند مدينة كركميش (طرابلس حاليا) ،مواصال
طريقه جنوبا ملتقيا برافده "ساجور" ثم يسير متعرجا في سهول سوريا ملتقيا برافديه
المعروفان باسمي "البالخ" و "الخابور" ،و يلتقي البالخ بنهر الفرات جنوب مدينة "الرقه"،
و إلى الجنوب يلتقي برافده الخابور و يمر الفرات قبل دخوله األراضي العراقية بدورا يوروبس
ثم مدينة "البوكمال" القريبة من مدينة "ماري" ،و يتصل به من ضفته الغربية وادي حوران
4
قادما من بادية الشام قبل وصوله إلى مدينة "هيت" (( )Hitإيتو في النصوص المسمارية).
ـ كوردن هستد ،أسس جغرافية العراق الطبيعية ،تر :جاسم محمد خلف ،مؤسسة األعظمي ،بغداد ، 919،ص .7
ـ إيمان أحمد السيد محمد ،دجلة و الفرات في فكر العراقيين القدماء ـ دراسة تحليلية ـ ص ص .3-1ـ بتصرف ـ
5ـ محمد عبد اللطيف محمد علي ،تاريخ العراق القديم حتى نهاية االلف الثالث ق .م ،مكتبة اإلسكندرية ،اإلسكندرية ، 977 ،ص .5
1ـ تقي الدباغ وآخرون ،حضارة العراق .العصور القديمة ،ج ، دار الحرية للطباعة ،بغداد ، 993 ،ص .59
13
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
يتجاوز نهر الفرات مع نهر دجلة أكثر فأكثر جنوب الطريق الممتد بين هيت وسامراء،
ويشكالن معا سهل طمي (غريني) واسع و مسطح الذي نسميه السهل الرسوبي ،و في هذه
المنطقة نالحظ أن االنحدار ضعيف أو بسيط ،أين رسم النهرين عدة تعرجات في عدة مناطق،
و يجدر بنا اإلشارة إلى أن سكان بالد النهرين نجحوا في السيطرة على المجاري الرئيسية
ألنها ر البالد بواسطة بناء الحواجز أو السدود و قنوات صرف المياه ،بما أن المجريين
الرئيسيين لنهر الفرات سارا في نفس المجرى منذ حوالي ثالثة آالف عام ،تعبر بجوار كل من
سيبار ( ،)Sipparبابل ،نفر ( )Nippurشوروباك ( ،)Shuruppakالوركاء ،الرسا و أور ،أو على
1
بعد 25كيلومتر أو 80كيلومتر عن مجريه الرئيسيين .
أن الفرات يتميز بكونه األكثر أهمية و مالئمة عن دجلة ،و يرجعواجماال يمكن القول ّ
ذلك بسبب طوله و كثرة تعرجاته و كذلك لتميز روافده باالتساع و العمق ،أما دجلة فيتميز
بكثرة روافده (الزاب األسفل و األعلى و نهر ديالى) مما أدى الى كثرة الفيضان و كثرة النقل
للرواسب 2،و كذلك اتخذ النهران مجريين منفصالن بين األلف العاشر و الخامس قبل الميالد،
و دخال الى الخليج بمصبين مختلفين أدى الى ظهور المستنقعات الفيضية أهمها السهل األدنى
(بالد سومر) و التي استقر بها السومريون منذ األلف الخامس ق.م و األكاديون منذ األلف
الثالث قبل الميالد.
3ـ المناطق الجغرافية :يتشكل العراق القديم من السهل الرسوبي الجنوبي اين استوطنت
المدن السومرية على شواطئ الفرات و منها أريدو و أور على الضفة اليمنى للنهر ،و الرسا
و لجش و أوما و الوركاء (أوروك) و نيبور(نفر) في شمال اإلقليم السومري وأقصاها مدينة
كيش شماال ( عرفت المنطقة بعد 1670ق .م ببالد البحر) ،و بعدها تمتد بالد أكاد (السهل
األعلى) أو بالد بابل الحقا و ضمت مدنا كالعاصمة بابل و بورسيبا و سيبار ،و في الشمال
منها تقع بالد آشور (منطقة الجزيرة ) و غالبيتها مناطق مرتفعة ،ظهرت بها مدن الحقا
3
كنينوى و خورسباد .
4ـ مصادر دراسة بالد ما بين النهرين :تقسم كاآلتي:
أ ـ المصادر المادية :وأهم ما يكوّن الوثائق المادية في المنطقة هي النصوص الكتابية ،و
ظهرت معالمها عبر "الوركاء" (أوروك) ،و هي نقوش أثرية حفرها كتاب عاشوا أحداث
تاريخ شعوبهم ،اذ دوّ ن هؤالء بخط يدهم ما أمرهم به ملوكهم أو كهنتهم و جاء ذلك بأسلوب
مختصر مفيد ،حيث كانت أولى كتابات بالد الرافدين بالمسمارية و التي انبثقت عن التصويرية
ـ خطاب العاني .نوري البرزاني ،جغرافية العراق ،دار الحرية للنشر و التوزيع ،بغداد ، 979 ، ،ص ص 9- 9ـ بتصرف ـ
ـ أحمد أمين سليم ،المرجع السابق ،ص .5
5ـ سمير العيداني ،العالقات الحضارية بين مصر و شعوب بالد الرافدين ـالعالقات الدينية أنموذجا ـ ( 391ق.م ـ .55ق.م ) ،رسالة دكتوراه
(غير منشورة ) ـ إلشراف :ذراع الطاهر ،جامعة الجزائر ـ ـ ، 17-11 ،ص ص 1-ـ بتصرف ـ
14
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
البدائية و هي عبارة عن رموز في شكل مسمار "إسفين" نقشها الكتاب القدامى على لوح من
الطين المشوي و تراوح معظمها ما بين 1و 25سم ،كما نقشت هذه الكتابة أيضا على النصب
1
التذكارية و على المعدن و األختام االسطوانية و الفخار.
و تم ّكن الكتّاب خالل الربع األول من األلف الثالث ق.م ،في بالد ما بين النهرين أوال من
تدوين بعض أسماء ال َعلم ،ثم طوروا كتاباتهم مع مرور الزمن و أغنوا ثروتهم اللفظية
بالمفردات الجديدة ،حتى أصبحت نسبيا قادرة على س ّد أغلب حاجاتهم عند تعبيرهم لحوليات
ملكية متسلسلة و قوانين و تشريعات عامة و اتفاقيات دولية ذات نصوص دقيقة ،و كذلك
سجلوا بها وصفا لمعارك الحروب وكثيرا من األحداث السياسية و النصوص الدينية و المالحم
2
و األساطير ،التي باجتماعها تش ّكل لنا مصدرا خصبا للدراسة .
و تعتبر المدن األثرية و أنقاضها المندثرة على التالل بما تض ّمه من أدوات مختلفة حجرية
و معدنية أو فخارية أو رسوم ملونة مصدرا أساسيا ألي دراسة تاريخية علمية ،يضاف إليها
المشاهد البارزة المحفورة على الحجر أو الجص أو النصب التذكارية المنحوتة من الحجر و
3
المصهورة من المعدن أو المطروقة منه .
وتش ّكل اآلثار المادية من منحوتات و فخاريات و نقوش مباني ،المادة األساسية لدراسة
مراحل عصور ما قبل الكتابة و التدوين نظرا لعدم توصل االنسان فيها الى معرفة الكتابة ،
أما مع بداية عصور األسرات فقد أصبحت الوثائق و المدونات من األدلة الهامة التي يعتمد
عليها الدارسون ،و دونت النصوص في بالد الرافدين بالخط المسماري و باللغات السومرية
و األكادية و بلهجاتها المختلفة حيث تزودنا المصادر المكتوبة بمعلومات تتصل بالجوانب
4
السياسية و االقتصادية و االجتماعية و اإلدارية و الدينية و القانونية.
و من أهم المصادر في هذا المجال ما يعرف بــــــ "قوائم الملوك" و كذلك ما سجله
المؤرخ الوطني البابلي " برجوشا" (برعوشا) ،و الذي سماه اليونان "بيروسوس" ،حيث تعتبر
قوائم الملوك من المصادر الرئيسية التي يعتمد عليها المؤرخ في دراسته للتطور التاريخي و
الحضاري لبالد النهرين إذ حفظت لنا اآلثار العراقية العديد من القوائم الملكية سواء المتصلة
بمدن سومر و حكامها أو بابل و آشور 5و أهمها :
ـ سمير العيداني " ،المصادر المادية و األدبية لدراسة تاريخ بالد ما بين النهرين " ،مجلة الحكمة للدراسات التاريخية ،مؤسسة كنوز الحكمة ،
الجزائر ،العدد ، 11 ، 9ص .1
ـ توفيق سليمان ،دراسات في حضارات غرب آسيا القديمة من أقدم العصور الى عام 91ق.م ،ط ،دار دمشق ،دمشق ، 939 ، ،ص 1
5ـ تقي الدباغ و آخرون ،حضارة العراق "،الكتابة"،ج، 1ص ص-ـ بتصرف ـ
1ـ سمير العيداني " ،المصادر المادية و األدبية لدراسة تاريخ بالد ما بين النهرين " ،ص .1
3ـ احمد أمين سليم ،المرجع السابق ،ص .1
15
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
1ـ قائمة الملوك السومرية : Sumerian Kings List :تنتمي هذه الوثيقة من الناحية الزمنية الى
بداية األلف الثاني ق.م ،لكنها تتضمن مادة تاريخية ترجع بتاريخ العراق القديم الى بداية
العصر التاريخي ،حيث تذكر هذه القائمة أسماء المدن األولى التي كانت قبل "حادثة
الطوفان" ، The fleudو التي ترجع مباشرة الى العصور السابقة للعصر التاريخي 1،و تقدم
لنا القوائم الملكية أسماء الملوك مرتبين حسب األسر التي ينتمون إليها ،مدة حكمهم و مدة حكم
األسرة ،حيث حددت لنا عصرين أحدهما أسطوري قبل الطوفان و الثاني عصر بعد الطوفان
أن األسر متعاقبة ـأين امتزج التاريخ بأساطير دينية ،و الناظر الى القوائم الملكية يرى ّ
ظاهرياـ ،غير أن كثيرا من الملوك هم متعاصرون في مناطق مختلفة( 2 .أنظر الشكل)3
الشكل : 3ثبت الملوك السومري موشور فيلد-بلوندل المحفوظ في المجموعة المسماريّة لمتحف أشموليان في أكسفورد و رسم كتاباته .
(أنظر Stephen Langdon, Historical inscriptions, containing principally the chronological prism, W-B 444, :
).Oxford University Press, 1923.p412
حيث بعد نزول الملوكية ألول مرّة من السماء في مدينة "أريدو" جنوب "أور" ،ذكرت لنا
القوائم ثمانية ملوك حكموا قبل الطوفان لمدة 241200سنة ،وذلك في خمس مدن بداية من
"أريدو" الى " بادتابيرا" ثم" الركا" ثم " سييار" و أخيرا "شوروباك" وفق الجدول اآلتي :3
مدة الحكم الحاكم المدينة
288822سنة 1ـ الوليم أريدو
368222سنة 2ــ اإللجار بادتيرا
438222سنة 3ـإنمينلوـآنا بادتيرا
288822سنة 4ـ إنمينجال ـ آنا
368222سنة 5ـ اإله دموزي الراعي
288822سنة 6ـالسيبازي ـ آنا الراك
218222سنة 7ـأندميندور ـ آنا سبار
188622سنة 8ـ أوبار ـ توتو شاروباك
ـ رشيد الناظوري ،المدخل في التحليل الموضوعي المقارن للتاريخ الحضاري و السياسي في جنوب غرب آسيا و شمال أفريقيا ،ج ، 1دار
النهضة العربية ،القاهرة ، 999 ،ص .1
ـ ل .ديالبورت ،بالد ما بين النهرين .الحضارتان البابلية و األشورية ،تر :محرم كمال،ط ،الهيئة المصرية العامة للكتاب ،القاهرة ،997 ،
ص . 1
Patrice Guinard. , Les listes des rois antédiluviens .le congrès d'Histoire de l'Astrologie - 3
dans l'Antiquité organisé par la revue Beroso (Barcelone), 2001.p136.
16
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
و في المقابل ذكرت القوائم الملكية ملوك ما بعد الطوفان بأكثر واقعية ،و مثاله أ ّن األسرة
األولى في "أور " ،أعطتها القائمة مدة حكم تصل الى 177عاما موزعة على أربعة ملوك ،
فهي تقدم صورة عن اتحاد ممالك المدن ،اذ احتوت على معلومات تتعلق باألنساب باإلضافة
1
الى بعض الوقائع التاريخية التي تشرح انتقال السلطة من مدينة الى أخرى.
2ــ قائمة ملوك لجش :ت ّم نشر قائمة الملوك الخاصة بملوك" لجش" عام 1967وهي من
الوثائق المهمة في مجال دراسة تاريخ العراق القديم ،و يالحظ في هذه القائمة أنها لم تتضمن
جميع حكام "لجش" المعروفين لنا ،غير أنّه من خالل هذه الوثيقة و وثائق أخرى يكاد يتفق
أن من أشهر الحكام أن "أورنانشي" هو مؤسس ساللة "لجش" و ّ علماء األشوريات على ّ
حفيده ،ويفهم من وجود هذه القائمة ـ منفردة الترتيب ـ أنه كان لهذه المدينة كتبة رتبوا ُقائمتها
الخاصة بها ،رافضين تسجيالت كتبة "إسين" ،اللذين كتبوا قامة الملوك السومرية المعروفة
2
لدينا.
3ـ نصوص الحوليات الملكية اآلشورية :و هنا كان الملوك اآلشوريون منذ األلف الثالث
ق.م يدوّ نون مخطوطات نذرية يعبرون فيها عن ورعهم و تقواهم اتجاه اآللهة ،وتضمنت هذه
المخطوطات ثالثة عناصر أساسية أوّ لها اسم الملك و ألقابه وطبيعة عالقته باآللهة ،و ثانيها
ذكر األحداث التي حدثت في ذلك الوقت و ثالثها اإلشارة الى العمل المقدم لآللهة و عادة ما
كانت أعمال معمارية .و تطورت هذه المخطوطات منذ حوالي 1300ق.م خاصة مع إسهاب
الملوك اآلشوريين في وصف أعمالهم العسكرية ثم امتدت لتصف أعمال الملك منذ بداية عهده
حتى تاريخ الكتابة ،لتسجل األحداث حسب السنوات أو حسب المناطق الجغرافية ،و هو الذي
3
عرف بالحوليات في عهد الملك "تاجاللت بالزر األول" ( 1077-1115ق.م).
وسجلت هذه المخطوطات إما في لوحات طينية أو نقشت على التماثيل الحجرية لألسود و
الثيران التي تقف على األبواب أو أنها نقشت على النصب الملكية التي كانت تقام على التخوم
تخليدا لذكرى االنتصارات اآلشورية ،حيث أصبحت هذه النصب مقتصرة على وصف أعمال
الملك و تعديد مآثره ،غير أن هذه المخطوطات و الحوليات اآلشورية تميزت بالمبالغة و
اإلسهاب في تحديد سنوات حكم الملوك اآلشوريين ومثاله نص الملك "شلمنصر األول " في
4
ذكرى إعادة بنائه لمعبد اإلله "آشور" في مدينة "آشور".
و باإلضافة الى هذه التسجيالت ذات األهمية التاريخية ،وصلنا من" آشور" أيضا العديد
من القوائم الملكية التي تض ّمنت سجالت للملوك و سنوات حكمهم و أعمالهم ،و تفاوتت هذه
17
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
القوائم فيما بينها حسب طبيعة المعلومات المقدمة و مدى اإلسهاب أو االختصار و كذلك دقة
1
المعلومات ،و من هذه "قوائم الليمو" " ،قائمة الملوك اآلشورية".
4ــ قائمة الملوك البابلية ّ List of Kings Babylonians :
إن قائمة الملوك البابلية الرئيسية هي
القائمة" ، " Aوالتي ترجع الى نهاية العصر البابلي الحديث غير أنها تغطي الفترة من الساللة
البابلية األولى وحتى وفاة الملك "كانداالنو" (التابع للملك '"أشور بانيبال" حينها) في 626
ق.م ،و لقد ّدمرت هذه القائمة من أطرافها مما أدى الى فقدان األسرة األولى بأكملها فيما عدا
إجمالي حكمها ،باإلضافة الى فجوة كبيرة في األسرة الكاشية ،ويغيب االهتمام فيها بالملوك
المتأخرين ،هذا و كتبت أغلب القوائم على مسالت ،و تحمل في الغالب نقوشا بارزة تتخللها
في معظم األحيان نصوص مسمارية تخلّد للملوك أهم اإلنجازات العسكرية و العمرانية و
2
االجتماعية ،و من أشهرها اجتماعيا ما جاء في مسلة الملك حمورابي.
ويتضح من دراسة القائمة Aأنها وثيقة موثوق بها في دراسة هذه الفترة ،ولقد استطاع
المختصون تكملة الفجوات الموجودة بها من قائمتين أخريين للملوك ،بينما أعطتنا قائمة الملوك
" " Bعهود ملوك األسرة البابلية األولى ،ولقد نسخت هذه القائمة من مصدر قديم كان فيه
بعض المحو لألرقام ،وسجلت هذه القائمة أيضا أسرة القطر البحري (الساللة البابلية الثانية)،
ولكن بدون إعطاء أعداد لسنوات حكمها بينما تعطينا قائمة أسماء الملوك السبعة األوائل لألسرة
الرابعة الذين جاءوا بعد الكاشيين.
5ـــ كتابات الكاهن البابلي "بيروسوس"( Berossosبرعوشا) :كاهن كاتب و مؤرخ
و فلكي كلداني ولد في بابل حوالي 330ق.م ،هاجر مسقط رأسه ليقيم في جزيرة كوس (
إحدى المستوطنات اليونانية شمال جزيرة كريت) حيث افتتح مدرسة لتعليم الفلك ،كتب
"برعوشا" قرابة عام 280ق.م كتابا تاريخيا عن بابل استند فيه الى المراجع القديمة خاصة
مع وظيفته الكهنوتية ،يحتوي كتابه" بابليات" Babylioniacaعلى ثالث مجلدات ،احتوى
المجلد األول على وصف جغرافي لبابل و منطلق الحضارة فيها ،و يحتوي المجلدين الثاني
و الثالث على تاريخ بابل و آشور مع سلسلة ملوك ما قبل الطوفان ثم قصة الطوفان ،ثم عودة
3
الملكية فسلسلة ملوك ما بعد الطوفان ثم تاريخ خمس سالالت ملكية.
وتجدر اإلشارة الى أن معظم روايات "برعوشا" تأ ّكدت صحتها باكتشاف نصوص مسمارية
جاءت تؤيدها ،ولألسف لم يصلنا من كتابه إال ما نقله المؤرخين "يوسفيوس فالفيوس" و"
4
أوزابيوس القيصري" .
18
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
ب :المصادر الكتابية ( الكتابات الكالسيكية ) :ترك لنا بعض المؤرخين و الجغرافيين اليونان
لمحات عن جغرافية العراق القديم و أحواله الطبيعية و المعاشية ،فباإلضافة الى أهمية هذه
المعلومات من الناحية التاريخية فإنها بحاجة الى دراسة و تمحيص و مطابقة مع المواقع
الحديثة للمدن و العوارض الطبيعية الجغرافية الحالية ،و على الباحث أن يكون حذرا في تتبع
ما يذكره هؤالء الجغرافيون و أن ال يأخذ ما صدر منهم مأخذ الحقيقة دون معرفة بشخصية
الكاتب و ظروفه.
و تكمن أهمية هذه المصادر و بخاصة في الفترة التي عاصرها هؤالء المؤرخون ،حيث
قاموا بوصف أحداث شاهدوها بأنفسهم كما تضمنت كتاباتهم كثيرا من النصوص لمؤرخين
محليين فقدت أصولها و لم نعرف عنها إال ما ورد في هذه الكتابات ،إال أنّه يؤخذ عليها العديد
من المآخذ و منها روح التعصب التي عرفت عند الغربيين و حضارتهم ،و إظهارها و كأنها
1
أرقى من غيرها ،و على هذا فقد اهتموا بإبراز نواحي الغرابة في الحضارات الشرقية.
و اجتمعت عدة عوامل أدت الى ابتعادهم عن قصد أو بدونه عن الحقيقة التاريخية ،منها
اهتمامهم باألساطير و الروايات المنقولة ،وكذا جهلهم بلغات البالد لذا اعتمدوا على الروايات
التي ذكرها لهم الكهنة و من يجيدون اللغة اليونانية ،وكان معظم هؤالء غير ملم بتاريخ بالده
فتركز اهتمامهم على ذكر القصص و األساطير قصد اثارة اهتمام سامعيهم ،ومن ناحية أخرى
فقد تأثرت هذه الكتابات الكالسيكية بطبيعة العالقات السياسية الموجودة بين اليونان و البالد
التي يزورونه ،2ومن أهم هؤالء المؤرخين و الجغرافيين نذكر:
* ـ هيكاتوس المليتي Hecataeus:مؤرخ و جغرافي يوناني من بلدة "مليتوس" بآسيا الصغرى،
زار مصر في القرن السادس ق قبل الميالد (حوالي 520ق م) ،جمع مشاهداته و قصص
عصره في مؤلف سماه "رحلة حول البحر" و زار معظم األقطار التي كانت خاضعة للفرس،
فزار "آسيا الصغرى" و "سوريا" و "العراق" و "فارس" و "مصر" ،و كان حريصا في
رحالته على جمع الحقائق الجغرافية الخاصة بهذه البالد ،وكذلك أيضا ضم كتابه" خريطة
العالم" بعض المعلومات التاريخية هذ ،ومن أهم ما تضمن كتابه تاريخيا حول موضوعنا ،أنّه
ق ّدم قائمة لتتابع حكام "آشور" على العرش ،و تعتبر هذه القائمة التي أوردها "هيكاتوس" من
3
أوّ ل األعمال في هذا المجال بالنسبة للمؤرخين اليونان و الرومان.
*ـ هيرودوت 425-484 (:ق.م) : Herodotusمؤرخ و رحالة يوناني لقب بأبي التاريخ ولد
عام 484ق .م في " هاليكار ناسوس" ( التي تقع في الجنوب الغربي من آسيا الصغرى ) ،
و توفي عام 420ق .م ،و يأتي حسب الكثير من الباحثين في طليعة المؤرخين اليونان حيث
19
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
ترك أوصافا لمشاهدات بالنسبة لكثير من مناطق و مدن العراق القديم ،فقد أنهى هيرودوت
جوالته حوالي 450ق.م ،وكان عليه أن يجمع خالل رحالته الوثائق التي استعان بها لتحرير
كتبه التي يمكننا أن نقابلها بالكتابات المسمارية التي كانت أساسا لعمله ،و رغم كثرة
1
التصحيحات بالنسبة لألخطاء التي وقع فيها لكن مجمل عمله ذو قيمة كبيرة .
ومن خالل اهتمامه بالفرس ــ أعداء بلده اليونان ـــ تعرض في كتاباته الى وصف عادات
و تقاليد شعوب الشرق األدنى حيث وصف مدينة بابل على أنّها أهم و أحصن مدينة في بالد
ما بين النهرين ،كما وصف هندستها المعمارية ،كما ذكر غزو "سنحاريب " لمصر ،ويعتبر
هيرودوت حسب ما لدينا من األدلة في الوقت الحاضر أول من كتب عن العراق القديم بشيء
2
من اإلطالة و التفصيل .
*ـ زينفون 429-354( xenophoneق.م) :من المؤرخين اليونان القالئل الذين حفظت لنا
أعمالهم ،و من أفضل أعماله الكتاب الذي عنوانه " :الصعود" " Anabasisو هو يعتبر
سيرة ذاتية ،إذ يصوّ ر مغامرات عشرة آالف جندي مرتزقة يونان تحت قيادته حوالي 401
ق .م ،اذ كان هؤالء المرتزقة يحاربون في صفوف "كورش الصغير""Cyrus the minor
و بعد هزيمتهم عاد المرتزقة اليونان الى بالدهم حيث واجهوا الكثير من المصاعب ،و يصف
"زينفون" رحلة الحملة و هي تسير الى جانب "الفرات" باتجاه الجنوب إذ يتحدث بشكل
مختصر عن الزراعة و كيفية استغالل المياه و سحبها في قنوات من نهر دجلة ،فبعد عبور
"زينفون" الفرات قادما من "أرمينيا" ذكر "ثابساكوس ،"Thapsacusوالتي هي مسكنه في
3
"الفرات األعلى" كما تحدث عن وصوله لنهر أراخيس "Araxesوالذي هو نهر "الخابور".
*ـ سترابون 66 ( Straboق.م ـ 24م) ولد سترابون في "أماسيا" في إقليم " بونتس" وذلك
حوالي 64أو 63ق.م ،و رث عن أسرته ثراء كبيرا مما مكنه من القيام برحالته الكثيرة ،
تتميز كتاباته بأنها نوع من الجغرافيا التاريخية ،و ينقسم مؤلفه الى سبعة عشر جزءا وزع
عليها أقاليم العالم و من بينها العراق القديم و تتميز كتاباته بالموضوعية و البعد عن العاطفة
،و لقد تحدث عن "بابل" في كتابه الخامس عشر و السادس عشر ،ترك كتابه في الجغرافيا و
الذي أكمله حوالي 23ميالدي ،وصف في الكتاب 16جغرافية" بالد اشور" و "بابل "كما
4
أخبرنا أه اعتمد في كتاباته عن العراق القديم على كتابات "ايراثوسثيثيس" و "بوسيدون".
*ـ ديودور الصقلي 30-80 ( Diodorus Siculus :ق.م) مؤرخ يوناني ولد في "أجيرون" في
صقلية ،عاش منتصف القرن األول ق.م ،حوالي بين( 90و 30ق.م) ،أي قبل زوال دولة
ـ سليم طه التكريتي " ،العراق في تاريخ هيرودوت" ،مجلة المورد ،وزارة الثقافة واإلعالم ،بغداد ،مج ،9العدد ،979 ،5ص ص ، 9-7و
أنظر :أحمد أين سليم ،المرجع السابق ،ص .3
ـ مارغريت روتن ،تاريخ بابل ،تر :زينة عازار و ميشال أبي فاضل ،ط ، منشورات عويدات ،بيروت ، 991 ،ص .1
5ـ سامي سعيد األحمد " ،العراق في كتابات اليونان و الرومان " ،ص .5
1ـ سامي سعيد األحمد ،المرجع السابق ،ص .5
21
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
البطالمة ،صنّف متابا في تاريخ العالم بعنوان " "Bibliothekeالمكتبة التاريخية " في أربعين
كتابا لم يصل منها كاملة سوى األجزاء من 01الى 05و من الجزء 11الى ، 20تناول فيه
تاريخ العالم منذ العصور األسطورية و حتى عام 60ق .م ،خصص "ديودور" األجزاء
الثالثة األولى لدراسة األقطار غير اليونانية و هي مصر و بالد النهرين و الهند و بالد العرب
1
و اثيوبيا و شمال افريقيا.
*ـ بلين الكبير (79م 23-م) Plinius:كاتب و رحالة و جغرافي روماني ،عاش في الفترة ما
بين (23و 79ميالدية) كان "بلينيوس" مقربا من "االمبراطور فسبسيان" ،قد عيّن قائدا
لبعض وحدات األسطول و تميز بكونه عالما موسوعيا ،تناول في مؤلفاته العلوم العسكرية و
التاريخ و التعليم و لم يبق لنا من مؤلفاته البالغ عددها 102مؤلفا سوى موسوعة "التاريخ
الطبيعي" Naturalis Historiaالتي تقع في 37كتابا ،و تبحث في مختلف الجوانب و تغطي
موضوعاته علوم الفلك و التشريح و الحيوان و النبات و الجغرافيا و الطب و المعادن و غيرها.
قضى نحبه إختناقا قرب " بومبييي" يوم ثار بركان " فيزوف " عام 79م ،يعرف بــ "بلين
3
األرشد " 2، The Olderو لقد تعرض في دراسته ألجناس و سالالت بالد الرافدين.
جـ ـــ المصادر المعاصرة من غير بالد الرافدين :تعتبر المصادر المعاصرة في منطقة الشرق
األدنى القديم من المصادر الهامة لدراسة تاريخ العراق القديم ،حيث كان للدول التي ظهرت
في بالد النهرين عالقات سياسية و اجتماعية و اقتصادية و ثقافية مع بلدان الشرق القديم
المعاصرة لها ،و على ذلك فوجب على الباحث أن يعتمد على المصادر المعاصرة في
ايران(بالد فارس) ،لمعرفة طبيعة العالقات بين البلدين و كذلك نصوص تل العمارنة التي
تشير الى أوجه العالقات بين مصر و بالد الرافدين خالل األسرة الثامنة عشر الفرعونية ،كما
يعتمد الباحث على النصوص الفينيقية و الحثية و كذلك النصوص العربية و النصوص
العبرانية ،كل هذه المصادر ذات أهمية بالغة قصد التعرف على طبيعة العالقات بين بالد
النهرين و األمم المجاورة ،و بعد المقارنة للنصوص يمكن الحصول على الكثير من الحقائق
التاريخية ( 4.أنظر الشكل) 4
د ــ المصادر الدينية المقدسة :جاء فيها الكثير من القصص الديني التي يتصل بطريقة او
أخرى بتاريخ بالد الرافدين وحضارتها ،وبخاصة في التوراة والقرآن الكريم كما يأتي :
* ـ التوراة The Torah :تحدثت التوراة في العديد من أسفارها عن الكثير من األحداث التي
جرت في بالد الرافدين ،إال أنّه يالحظ أن كثيرا من المعلومات الواردة فيها منقولة من مصادر
21
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
أقدم بقرون عديدة ،و تتصف هذه األخبار باإليجاز أحيانا و البعد عن التحليل و ذكر األسباب
الحقيقية أحيانا أخرى ،لذا ال يمكن االعتماد عليها كمصدر تاريخي دون اخضاعها للنقد
التاريخي و العلمي و مقارنة األخبار الواردة فيها مع ما تنقله المصادر األساسية في بالد
الرافدين .وعلى أي حال وجب علينا أن نتعامل مع التوراة كمصدر تاريخي و أن ننظر إليها
كغيرها من المصادر بدون كونها كتابا مقدسا ،ألن من كتبوا التوراة المتداولة هم كمؤرخين ال
يختلفون عن نظرائهم من المعاصرين لهم في الشرق ( المصريين القدامى أو البابليين) ،و
مادامت التوراة كتاب تاريخ ,فليس هناك ما يمنعنا كدارسين من أن نناقشها مناقشة حرة دون
1
تمييز.
الشكل :3:نماذج رقم طينية لمراسالت " تل العمارنة " ـ خاص بالمؤلف ـ المتحف القومي بالقاهرة.
*ـــ القرآن الكريم :هو كالم هللا المنزل على سيدنا محمد ـصلى هللا عليه و سلم ـ المحفوظ في
الصدور و المنقول إلينا بالتواتر تكفل هللا تعالى بحفظه ،ويقدم لنا القرآن الكريم كقصص قرآني
معلومات هامة و صحيحة تماما عن عصور ما قبل اإلسالم و أخبار دولها ،أيدتها الكشوف
الحديثة كل التأكيد ،و بالنسبة لبالد النهرين فقد ورد في القرآن الكريم الكثير من المعلومات
عن هذه البالد و أحوال أهلها و معتقداتهم الفكرية و من ذلك ما اتصل بقصة نوح ـ عليه السالم
2
و الطوفان ـ و كذا دعوة إبراهيم الخليل ـ عليه السالم ـ و األحوال الفكرية في عهده.
ثانيا ـ الجانب التاريخي :يعالج ذلك تاريخ الدول التي مرت بالمنطقة ،بداية بالتاريخ السومري
و األكادي ثم مرحلة التاريخ البابلي األشوري كاآلتي :
1ـ التاريخ السومري ـ األكادي :يكاد أن يكون متزامنا يمكن معالجته عبرتقسيمه الى دورين
يفصل بينهما حدث قيام الدولة األكادية عام 2370ق.م ،ويشمل :
ـ سمير العيداني " ،المصادر المادية و األدبية لدراسة تاريخ بالد مابين النهرين " ،ص .1
ـ محمد بيومي مهران ،دراسات تاريخية من القرآن الكريم ،ج ، 11في العراق ،دار المعرفة الجامعية ،اإلسكندرية ،999 ،ص .9
22
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
أـ العهد السومري القديم (فجر السالالت السومرية ) ( 2800ق .م ـ 2370ق.م) :و يعرف
كذلك بمرحلة ما قبل السرجونية ، Pre-sergeonو هناك تطورت القرى الزراعية على طول
السهل الرسوبي الجنوبي و تحولت الى مدن مثل "أريدو" " .أور"" .لجش" .الوركاء ".
"شوروباك"" .كيش" و "نيبور (نفر) و غيرها ،والتي كان لها دور كبير في تفاصيل التاريخ
1
السومري .
و كان الوضع السياسي العام الذي ساد بالد سومر في عصر فجر السالالت هو ما يعرف
بنظام دويالت المدن ،والمقصود بهذا النظام أن البالد كانت مجزئة الى عدة أجزاء ،وكان
كل جزء منها يؤلف دويلة مستقلة عن غيرها سياسيا وإداريا واقتصاديا ،ولها نظمها وتقاليدها
وعاداتها وقوانينها وساللتها الحاكمة المستقلة وكانت كل دويلة تتركز حول مدينة رئيسية هي
العاصمة يتبعها عدد من المدن الصغيرة والقرى وما تضمه من األراضي الزراعية ،وغالبا
ما تعتمد دويلة المدينة على مصدر ماء رئيسي تأخذ منه المياه (لذا قامت أغلبها على ضفاف
الفرات ) ،وكان الصراع والتنافس بين هذه السالالت ينشأ لالستيالء على أكبر جزء من
األراضي ومصادر المياه والسيطرة على الطرق التجارية المؤدية الى مصادر المواد الخام
السبب األول في االتجاه السياسي العام نحو توحيد البالد وضبطها تحت سلطة ادارة مركزية
2
واحدة.
و تعرف الدارسون من خالل الوثائق المسمارية(السابقة الذكر)على أسماء الملوك الذين
حكموا في دويالت المدن السومرية وتشير جداول الملوك السومرية بأن الملكية قد نزلت من
السماء أول األمر ،وهي لذلك إلهيه مقدسة ومقرّ ها في السماء ،ثم هبطت إلى األرض في
مدينة "اريدو" ثم انتقلت منها الى مدينة" بادتبيرا" بعد ان خربت األولى بالسالح ،ثم انتقلت
إلى المدينة الثالثة والرابعة والخامسة (أنظر الجدول السابق) ،وعندما حلّ الطوفان ارتفعت
الملكية مرة ثانية إلى السماء ثم هبطت بعد الطوفان في مدينة" كيش" (3 .المرحلة التاريخية)
حيث قامت ساللة كيش األولى و حكم فيها ثالثة و عشرين ملكا بالغت الجداول في تحديد
مدد حكمهم ،وأن معظم أسماء ملوكهم كانت جزرية وست منهم كانت اسماؤهم سومرية
وعاصرت ساللة كيش في عهد آخر حكامها "أكا "ساللة الوركاء األولى وكان أشهر ملوكها
جلجامش بطل الملحمة المشهورة ،كما قامت في مدينة" أور" عرفت بساللة أور االولى
وكان مؤسس هذه الساللة معاصرا لجلجامش ملك الوركاء و "اكا" ملك كيش ومن خالل
4
االثار التي عثر عليها في مقبرة أور تبين مقدار ثراء هذه المدينة وعظمة أسرتها الحاكمة.
ـ عبد العزيز صالح ،الشرق األدنى القديم ،مصر و العراق ،ص .393
ـ أحمد أمين سليم ،المرجع السابق ،ص .11
5ـ محمد عبد اللطيف محمد علي ،تاريخ العراق القديم حتى نهاية االلف الثالث ق .م ،ص .91
1ـ عيد مرعي ،تاريخ بالد الرافدين ،منذ أقدم العصور حتى عام 359ق.م ،ص ص .51-55
23
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
وتذكر جداول الملوك السومرية انه تعاقب على حكم البالد احدى عشر ساللة من بعد
ساللة اور االولى وحتى قيام الدولة األكادية غير ان الدالئل االثرية وبعض النصوص
المكتشفة تشير الى ان بعض السالالت المذكورة كانت متعاصرة ،وكان من بين تلك السالالت
سالالت أجنبية حكمت في بالد عيالم ،مما يرجح ان بالد سومر وقعت أحيانا تحت نفوذ
1
العيالميين.
ب ـ الدولة األكادية 2370 (:ق .م ـ 2230ق .م) عرفت منطقة "السهل األعلى "في وسط
بالد الرافدين هجرة بشرية ارتبط تاريخها بمدينة "أكاد" و عرفت بالهجرة السامية اآلكادية ،
استوطنت قبائلها شمال مدينة كيش ،و مع مرور األزمنة زاد االحتكاك بينها و المدن السومرية
و بخاصة مدينة كيش القريبة منهم ،وهنا تأثر األكاديون بتفاصيل الحضارة السومرية في
الكتابة و الفن ..
و إجماال يرتبط نشوء الدولة األكادية بشخصية "سرجون األكادي" ("شارّو ِكن" يعني
اسمه باألكادية الملك الصادق) ،الذي شغل قبل ذلك منصب ساقي البالط في مدينة كيش ،
وتمكن سرجون من حكم مدينة كيش في ظروف غامضة ،وخاض معارك ضد الملك "لوجال
زاجيري" ،واستنفذ فترة حكمه في حروب دائمة إلخضاع مختلف الكيانات السياسية و
الشعوب المتمردة مثل المدن السومرية و العيالميين و مملكة ماري و قبائل الجبال الشمالية
ووصل حتى الخليج العربي و في الغرب وصل حتى شمال سوريا حكم سرجون 56عاما ،
2
و استطاع أن يؤسس ألول امبراطورية في العالم القديم ،واشتهر بعده في الحكم "ريموش"
( 2315ق.م ـ 2307ق.م) و انتصر على ملك "أور" المدعو "كاكو" ،تاله في الحكم
"منشتوسو"( 2306ق.م – 2292ق.م) هو أخو "ريموش" و اشتهر بالمسلة السوداء و بناءه
3
لمعبد اإللهة "عشتار".
تاله في الحكم "نرام ـ سين "( 2291ق .م – 2255ق.م) الذي يعد حسب الدارسين أقوى
ملوك األكاديين على أساس ما وصلت إليه الدولة في عهده من توسعات عسكرية و فرض
لمركزية الحكم و االستقرار النسبي لألقاليم ،بحيث قضى على ثورة تزعمتها مدينة كيش و
أخضع مملكة ماري و مدينة ابال (شمال سوريا) ،و أخضع قبائل المرتفعات الجبلية التي خلد
انتصاراته عليها في مسلته المشهورة (مسلة النصر) و سماها "قبائل لولوبي" Lulubiو
التي تصوّ ره ممسكا بالقوس و الرمح و يرتدي خوذة مقرنة و يصعد جبال شاهقا بينما جنود
األعداء تحت قدميه ،و تظهر النجمة أعاله كرمز للتأليه (4 .أنظر الشكل )5
24
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
الشكل : 05مسلة النصر ـ نرام سين (أنظر أحمد أمين سليم ،المرجع السابق ،ص ).205
هذا و استنزفت قوى األكاديين مع توالي الثورات و بخاصة ضد القبائل الشمالية و المدن
السومرية الثائرة ،وزاد ذلك خالل حكم الملك األكادي "شار ـ كليشاري" ( )2230-2254و
الذي فقد السيطرة على عدة أقاليم أكادية ،تاله فترة من الفوضى حكم فيها ملوك ضعفاء مثل
"دودو" لـ 21عاما ثم ولده "شودورول " لـ 15عاما لينتهي حكم األكاديين عام 2230ق .م
1
على يد القبائل الجوتية القادمة من الشمال الشرقي.
*ــ يذكر ّ
أن القبائل الجوتية حكمت بشكل مباشر مدينتي "أكاد "و "أشنونا" بشكل مباشر(حكم
منهم 21ملكا) بينما كانت باقي المدن السومرية تسير محليا في" لجش" و "الوركاء" و"
أور" ،و حكم منهم الكثير من الملوك بين 2230و 2120ق .م .و في هذه الفترة ظهرت
السلطة السياسية في عدة مدن سومرية منها عهد ساللة "لجش الثانية" بين 2230و 2113
ق.م ،واشتهر من ملوكها "جوديا"( المعروف بتمثاله الشهير) و كذلك أسرة الوركاء الخامسة
و التي عاصرت األسرة السابقة و وقفت معها ضد سيطرة الجوتيين بقيادة "أوتو كيجال" عهد
2
الملك الجوتي "تريجن" .
جـ ـ عهد اإلحياء السومري (:العهد السومري الحديث ) ( 2112ق .م 2004-ق.م )ترتبط
بعهد ساللة أور الثالثة و هي آخر أسرة سومرية حكمت بالمنطقة ،دامت لـ 108أعوام حكم
فيها خمسة ملوك ،أسسها الملك "أور ـ نمو" بعد تمرده على ملك الوركاء "أوتو كيجال" ـ
ـ أحمد أمين سليم ،المرجع نفسه ،ص .19
25
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
السابق الذكرـ ،و أنهى حكمه و أخضع المدن السومرية و بالد أكاد و تلقب بـ"ملك سومر و
أكاد و ملك الجهات األربع" ،اهتم بالعمران والمعابد ،اشتهر عند المتخصصين بكونه صاحب
"زيقورة أور" المبنية في ثالث طوابق ،كما اشتهر بتشريعه للقوانين ، 1حكم بعده الملك
"شولجي" الذي فرض سيطرته على عيالم ،ثم الملك "أمارسين" ( )2039- 2047ثم الملك
"شوسين"( ) 2030-2038ثم "إيبي ـ سين" و هو آخر ملوك األسرة هاجمه العيالميون و
قبائل الجبال الشرقية ،أين حوصرت أور و قاومت لـ 10سنوات ثم سقطت في 2004ق.م ،
2
بعدها انقسمت السلطة السياسية بين مملكة "ماري" و "إيسن" و "أشنونا" في حالة من الفوضى
3
عرفت عند الدراسين بـفجر السالالت الثاني .
2ـ العهود :البابلي ـ األشوري و الكلداني :
أ ـ التاريخ البابلي :يرتبط التاريخ البابلي باتخاذ مدينة "بابل "عاصمة سياسية لألحداث
المختلفة ،و اشتق اسمها من كلمة سامية اكادية من مقطعين "باب –إيل" ،كانت من القرى
الزراعية التي اشارت الى تواجدها المصادر السومرية العائدة ألخبار الملوك األكاديين و أخبار
ملوك اسرة أور الثالثة ،أطلق اسمها الحقا على بالد أكاد و مناطق وسط و جنوب بالد ما بين
4
النهرين ،سكنتها منذ بداية تاريخها القبائل السامية األمورية ،خاصة بعد انسحاب العيالمين .
و يقسم الدارسون األحداث التي مر بها التاريخ البابلي الى عدة أسر( 11أسرة ) مرت على
حكم المدينة أشهرها الساللة البابلية األولى المعروفة بساللة حمورابي ،و الثانية عرفت بساللة
بالد البحر ،و الثالثة هي األسرة الكاشية و أشهرها هي الحادية عشر الكلدانية كاآلتي :
*ـ ساللة بابل األولى (العهد البابلي القديم ) 1894( :ق.م ـ 1531ق.م) ظهرت وقت
الصراع بين مدينتي "إيسن " و"الرسا" و مرحلة الفوضى التي أعقبت نهاية حكم السومريين
نتيجة غياب سلطة سياسية مركزية ،تعرف كذلك بأسرة الملك "حمورابي" أسسها "سمو ـ
أبوم " و الذي تغلب على أمراء المدن الجنوبية في كل من "كيش" و "سيبار" ،و أعلن نفسه
ملكا عليها ،حكم في هذه األسرة 11ملكا لثالثة قرون منهم ( سموال ـ إلومر ،رايوم ،إيل ـ
5
سين ،سين ـ ميبالط و هو والد حمورابي).
عهد الملك حمورابي 1792(:ق.م ـ 1750ق.م) م ّد سلطته على "آشور" و جزء من سوريا،
و أعلى دينيا عبادة االله القومي للبابليين "مردوخ" ،والحقا أخضع العيالميين و إقليم مملكة
ماري ،و شعب "السوبارتو" الجبلي و قبائل الجوتيين في حروب لـ 35عاما ،سجلت حولياته
ـ عبد العزيز صالح ،المرجع السابق ،ص. 113و أنظر :أنطون مورتكات ،المرجع السابق ،ص .17
ـ أنطون مورتكات ،المرجع نفسه ،ص .1
5ـ أحمد أمين سليم ،المرجع السابق ،ص .5
1ـ محمود أهمز ،في تاريخ الشرق األدنى القديم ،دار النهضة العربية ،القاهرة ، 11 ،ص .95
3ـ محمد علي سعد هللا ،المرجع السابق ،ص ، 11أنظر في ذلك :أحمد فخري ،دراسات في تاريخ الشرق القديم ،ط ،مكتبة األنجلو
المصرية ،القاهرة ، 915 ،ص 51
26
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
الكثير من انتصاراته في "ايسن " و "الوركاء" و "الرسا" و أنشأ مملكة واسعة في القسم
األكبر من بالد الرافدين ،كما اشتهر حضاريا بمشاريعه العمومية اإلروائية و تشريعاته
القانونية الشهيرة(1 .عثرت على مسلتها البعثة الفرنسية عام 1902في سوسة عاصمة الدولة العيالمية و تم نقلها الى
متحف اللوفر )
خلف حمورابي خمسة ملوك منهم ابنه "سمسو ـ ايلونا" الذي حاول في البداية الحفاظ على
أقاليم دولة والده و انتهى حكم هذه األسرة عهد الملك "سمسو ـ ديتانا" في 1531ق.م على يد
الملك الحثي "مورشيلي األول" ،و بعد نهب المنطقة من طرف الحثيين (من األناضول)
2
تراجعوا و بقيت المنطقة خاضعة للقبائل الكاشية .
*ـ مالحظة :في أواخر عهد الدولة البابلية القديمة هرب أمير بابلي معروف بـ"إيلو ـ مو ـ
إيلو" الى الجنوب و أسس األسرة البابلية الثانية و التي تعرف بـ"مملكة بالد البحر"(1740
ق .م ـ 1500ق.م) ،حكم فيها 11ملكا سقطت على يد الملك الكاشي "أوالم ـ بورياش" في
عهد أخر ملوكها المدعو "أيا ـ جميل" و تم طرده الى بالد عيالم .
3
*ـ الساللة البابلية الثالثة ( :العهد الكاشي)( 1518ق.م ـ 1157ق.م) ينتمي الكاشيون الى
الجماعات الهندو ـ أوربية التي نزحت من وسط جبال "زجاروس" ،أسسوا دولتهم بعد تراجع
الحثيين نحو آسيا الصغرى ،حكم منهم 36ملكا في فترة زمنية طويلة ،تلقب بعضهم بـ"ملك
بابل ملك بالد سومر وأكاد" ،أتسمت بغموض وقائعها عامة ،و بالجمود الحضاري 4،شكلت
فيها سلطة الكاشيين طبقة من األمراء العسكريين ،واشتهر منهم ملوك مثل " :أجوم"
"بورنابورياش" "كادشمان" "كاشتلياش" و "كوريجالزو" ،اشتهروا بتأثرهم بالمظاهر
الحضارية للبابليين ،كما بنو عاصمة جديدة هي"دور كوريجالزو" .انتهت دولتهم على يد
5
العيالميين عهد آخر ملوكهم "إنليل نادين أخي" .
بعدها مرّ على حكم بابل بعد تراجع العيالميين أسرة من "إيسن" حكمت لحوالي قرن
من الزمان عرفت بالساللة البابلية الرابعة بين ( 1124ق.م ـ 1103ق.م) أسسها "مردوخ
كابت أخيشو" و اشتهر من ملوكها "نبوخذ نصر األول" و الذي قضى على العيالميين ،لكن
خلفاءه وقعوا تحت هيمنة الدولة األشورية ،ثم تالشت سلطتهم مع تزايد تواجد المشيخات
6
األرامية.
ـ سبتينو موسكاتي ،الحضارات السامية القديمة ،تر :السيد يعقوب بكر ،دار الرقي ،بيروت ، 991،ص . 19
ـ أنطون مورتكات ،تاريخ الشرق األدنى القديم ،ص .15
5ـ ل ديالبورت ،بالد ما بين النهرين .الحضارتان البابلية و األشورية ،ص .31
1ـ أنطون مورتكات ،المرجع نفسه ،ص ص9-91ـ بتصرف ـ .
3ـ ل ديالبورت ،المرجع السابق ،ص .31وأنظر :توفيق سليمان ،المرجع السابق ،ص .3
1ـ أحمد أمين سليم ،المرجع السابق ،ص .3
27
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
*ـ مرحلة التكوين (:العهد االشوري القديم) ( 2100ق.م ـ 1530ق.م) و يشمل الفترة من
ظهور مدينة أشور حتى زوال الساللة البابلية األولى على يد الجوتيين،و تمتاز الفترة المبكرة
من تاريخهم بالغموض ،بحيث دخلوا في النفوذ السومري ـ عهد ساللة أور الثالثة ـ ثم تحت
السيطرة البابلية ،وظهر من األشوريين عدة ملوك مثل ":شمشي أدد األول" (1814ق .م –
1782ق.م ، ).الذي بلغت المملكة في زمنه من القوة ما م ّكنها من فرض سلطانها على القسم
الشمالي من بالد بابل .غير أنه عاصر الملك البابلي حمورابي و انتكست طموحاته ،انتهى
3
هذا العهد على يد "مملكة ميتاني" حوالي 1530ق.م .
*ـ العهد األشوري الوسيط 1500( :ق .م 911-ق.م) :يشمل فترة ستة قرون بقت "آشور"
تحت النفوذ الميتاني زهاء القرن ونصف القرن ،وحكمها ملوك ضعفاء في ظل وجود مملكتين
قويتين ومتصارعتين هما فراعنة مصر والحيثيين ،إلى أن جاء الملك اآلشوري القوي "آشور
أوبلط األول"(1330-1365ق.م) الذي استغل هذا الصراع وتمكن من طرد الميتانيين من بالد
آشور ،ثم هاجم دولة "ميتاني" وقضى عليها ،وأقام عالقات مزدوجة مع الدولتين المتصارعتين
مصر الفرعونية والحيثيين ،ثم قام بمصاهرة سياسية مع بابل ،وبذلك يكون قد وضع أسس
4
الدولة اآلشورية القوية.
إال أن آشور ظلت مهددة من الخارج بسبب موقعها بين قوى قوية في حالة صراع مستمر
من أجل التوسع ،األمر الذي جعل من آشور دولة عسكرية في حالة حرب مستمرة ،وأكسبتهم
هذه الحروب الخبرات العسكرية واليقظة في وجه األخطار المحدقة بهم ،واستمر خلفاء "آشور
أوبلط األول" في تعزيز أسس الدولة اآلشورية ،وأشهر الملوك الذي خلفوه هو الملك
"شيلمنصر األول"(1245-1274ق.م) ،الذي اشتهر بفتوحاته الخارجية ،و وسع من بالد
آشور ،وقاد الحالت العسكرية في الجهات الشمالية والشمالية الشرقية ،وأسس عاصمة جديدة
آلشور تكون عاصمة عسكرية بالدرجة األولى سماها "كالخو" ،جاء بعده ابنه " توكلتي ننورتا
األول"(1208-1244ق.م) وكان ملكا قويا أيضا تمكن من إخضاع بابل لسيطرة آشور لمدة 7
5
سنوات.
ـ محمود أهمز ،في تاريخ الشرق األدنى القديم ،ص .13
ـ ويل و إيرل ديورانت ،قصة الحضارة ،مج ، ج ، الشرق األدنى ،مطابع الدجوي ،القاهرة ،97 ،ص ص .1
5ـ محمود أهمز ،المرجع نفسه ،ص .11
1ـ أنطون مورتكات ،المرجع السابق ،ص .31
3ـ عبد العزيز صالح ،المرجع السابق ،ص .731
28
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
ثم خلفه ملوك ضعفاء انكمشت الدولة اآلشورية خالل فترة حكمهم التي دامت نحو قرن
واحد إلى أن جاء ملك قوي آخر هو الملك "تجالت بالصر األول"(1077-1115ق.م) ،الذي
تمكن من إيقاف توسع اآلراميين في الغرب على حساب آشور ،ثم انتقل من موقف الدفاع إلى
الهجوم ،حيث تمكن من التوسع في بالد سوريا ووصل إلى الساحل الفينيقي ،وأخذ اإلتاوة من
المدن الفينيقية ،كما وجهة حملة عسكرية إلى بابل وأوقف توسعاتها في الشمال ،وبعد وفاته
1
مرت بالد آشور بمرحلة ضعف أخرى امتدت نحو 166عام.
*ـ العهد األشوري الحديث 911( :ق.م ـ 612ق.م) يعرف كذلك بالعهد اإلمبراطوري ،يقسم
الى دورين هما العهد األشوري الحديث األول( 911ق.م ـ 745ق .م) ثم العهد األشوري
الحديث الثاني ( 745ق.م ـ 612ق.م) ،و غلب على هذا العهد الحكم المطلق و الطابع العسكري
للدولة ،و هذا عبرت عنه أعمال األشوريين الحربية في الحوليات الملكية و فنونهم النحتية و
أنماطهم العمرانية و مدنهم المحصنة ،ويعد هذا العصر قمة ازدهار الدولة اآلشورية.
- 1العهد األشوري الحديث األول :و يبدأ هذا العهد حين تمكن الملك "أدد نيراري الثاني"
في سنة 911ق.م من تكوين جيش قوي م ّكنه من تعزيز قوة الدولة اآلشورية والنهوض بها
من جديد لتكون العبا أساسيا في ميزان القوى في المنطقة ،بحيث أصبحت إمبراطورية حقيقية
بلغت أوج عظمتها وقوتها العسكرية 2،إذ سيطرت اإلمبراطورية اآلشورية على الحياة
السياسية في الشرق األدنى نحو ثالث قرون متتالية ،مستغلة ضعف القوى الرئيسة في المنطقة،
كزوال دولة الحيثيين في القرن 12ق.م ،تحت ضغط القبائل الهندوـ أوربية التي هاجرت إلى
بالد اليونان وآسيا الصغرى ،في حين كانت مصر القديمة كانت هي األخرى من الضعف
3
ولم تستطع منافسة القوة المتنامية لآلشوريين.
وخلف هذا الملك ملوك عظماء تمكنوا من مد النفوذ اآلشوري منهم "أشور ناصربال
الثاني" ( 858ق.م ـ 824ق.م) و "شلمنصر الثالث" (صاحب المسلة السوداء) "وشمش أدد
الخامس" ،حيث وسع هؤالء حدود الدولة إلى سوريا ،و قضوا على الدويالت اآلرامية التي
نشأت فيها كما ضموا آسيا الصغرى ،وأخضعوا بالد بابل لسيطرتها المباشرة أو غير
المباشرة ،ومع نهاية القرن التاسع قبل الميالد تمكن الملوك اآلشوريون من السيطرة على أغلب
الشرق األدنى ،ساعدهم في ذلك انتشار استعمال معدن الحديد في الشرق األدنى القديم فدخل
الحديد في صناعاتهم الحربية ،كما صنعوا آالت الحصار الضخمة كالدبابة والعربات ،األمر
الذي جعل من جيش اآلشوريين أضخم جهاز حربي عرفه العالم القديم.4
ـ محمود فارس عثمان الوردي " ،الملك تجاللت بالسر األول (3ق.م ـ 177ق.م ) .دراسة في شخصيته و عصره " ،مجلة آداب
الفراهيدي ،جامعة تكريت ،العدد ، 15 ، 3ص .و أنظر :أحمد أمين سليم ،المرجع السابق ،ص .59
ـ محمد بيومي مهران ،مصر و الشرق األدنى القديم ،ج ، 1تاريخ العراق القديم ،دار المعرفة الجامعية ،اإلسكندرية ، 991 ،ص .51
5ـ أنطون مورتكات ،المرجع السابق ،ص .9
1ـ عبد العزيز صالح ،المرجع السابق ،ص .773
29
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
و كغيرها من دول العالم القديم ضعفت الدولة عهد الملوك الثالثة األخيرين بين (782
ق.م ـ 745ق.م) و وقعت ثورة داخلية قادتها مدينة "نمرود" ضد آخر الملوك "أشور نيراري
1
الخامس" نصب على إثرها "تجالت بالصر الثالث"(727-744ق.م) حاكما للدولة.
2ـ العهد األشوري الحديث الثاني :قام "تجاللت بالصر الثالث" بإصالحات كبيرة في الجيش
عن طريقة استخدام نظام أشبه بنظام التجنيد اإلجباري ،وأدخل أهل األقاليم التابعة له في الجيش
اآلشوري مما زاد في عدد الفرق العسكرية اآلشورية ،وقاد هذا الملك الحمالت العسكرية
المتعاقبة ،تمكن من خاللها إخضاع بالد عيالم وسوريا وميديا ،وأزال نصف مملكة إسرائيل،
وعين عليها ملكا تابعا له ،وتوج نفسه ملكا على بابل في 729ق.م ،وتوفي هذا الملك في عام
2
727ق.م.
خلفه الملك "شلمنصر الخامس"(722-726ق.م) وحكم هذا الملك فترة قصيرة امتدت لثالث
سنوات (اشتهر في كتابات التوراة ) 3،جاء بعده الملك اآلشوري "سرجون الثاني"(-721
705ق.م) مؤسسا للعائلة السرجونية ،و اشتهر "سرجون الثاني" بالحرب ضد مملكة
"أورارتو" وإزالته دولة إسرائيل في سنة 722ق.م ،وأسس مدينة جديدة عرفت باسم "دور
4
شروكين".
جاء بعده ابنه "سنحاريب"(705ق .م 681-ق.م) الذي اتخذ من "نينوى " عاصمة
للدولة وعرف عهده بالرخاء االقتصادية ،تمكن خالل فترة حكمه من الحفاظ على المملكة
التي ورثها عن أبيه وأخضع كل بالد سوريا لسلطانه ،و قضى على تحالف دول المدن األرامية
و تحالف مصر مع العبرانيين و المدن الفينيقية ،وخلفه الملك "أسرحدون"( 681ق م 669-
ق.م) الذي بدأ عهده بالقضاء على ثورة إخوته عام 680ق.م ،وسّع اإلمبراطورية اآلشورية
حتى األناضول وعيالم وضمها إلى اإلمبراطورية اآلشورية ،كما واجه تحالف مصر ومدينة
"صور" الفينيقية عهد الفرعون "تهراقا" في سوريا ،و زحف على مصر و احتلها عامي
5
673ق .م ثم عام 671ق.م .
خلفه في حكم الدولة األشورية "آشور بانيبال"(627-668ق.م) و الذي خاض كذلك حروبا
في مصر عام 667ق.م و سيطر عليها حتى 655ق.م ،بعدها عمل على القضاء على ثورة
أخيه "شمش ـ شم ـ أوكن " في بابل لمدة أربع سنوات و نجح في ذلك عام 648ق.م ،كما
قضى على تمرد العيالميين حوالي 640ق.م (،6و يشتهر "أشور بانيبال " عند المتخصصين
ـ محمد بيومي مهران ،مصر و الشرق األدنى القديم ،ج ، 1تاريخ العراق القديم ،ص ، .591وأنظر :أنطون مورتكات ،المرجع السابق،
ص .97
ـ أحمد أمين سليم ،المرجع السابق ،ص .51
5ـ إبراهيم رزقانة و آخرون ،حضارة مصر و الشرق القديم ،دار مصر للطباعة ،القاهرة ،د:ط ،د:ت ،ص .57
1ـ جورج كونتيكو ،الحياة اليومية في بابل و آشور ،تر :سليم تكريتي وبرهان عبد التكريني ،مطبعة الحرية ،بغداد ، 991 ،ص .15
3ـ أنطون مورتكات ،المرجع السابق ،ص ص 517-511ـ بتصرف ـ
1ـ محمود أهمز ،المرجع السابق ،ص ص 95-9ـ بتصرف ـ
31
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
بكونه ملكا متعلما و اشتهر باهتمامه بتركة العراق القديم الحضارية لذلك أمر بإعادة تدوينها و
من حسن الحظ تم الكشف عنها في مكتبته الشهيرة و التي ضمت آلف األلواح الطينية التي
تفصل في حياة و حضارة شعوب المنطقة) .
و خلفه في الحكم ولده "أشور ـ إيتل ـإيالني" ( 626ق.م 621ق.م) ثم "زن ـ شار ـ
أشكون" حيث انفصلت بابل في 625ق.م على يد "نبوبالصر" الكلداني ،ثم سقطت الدولة
بسقوط "نينوى" في عام 612ق.م تحت ضغط الميديين والكلدان ،بينما تراجعت المقاومة
األشورية بقيادة األمير األشوري" آشور أوبلط الثاني" الى مدينة "حرّ ان" و انهزمت نهائيا
1
عام 609ق.م .
جـ ـ الدولة الكلدانية (:العهد البابلي الحديث )( 626ق.م ـ 539ق.م) وجد الكلدانيون في
جن وب العراق القديم (بالد البحر) منذ النصف الثاني من األلف الثاني قبل الميالد (حوالي
القرن 14ق.م) ،و هم عدة جماعات كبيرة هاجرت مع القبائل األرامية استوطنت السهول
البابلية الجنوبية ،و ظهر تأثيرها الفعلي في مسرح األحداث منذ القرن العاشر قبل الميالد ،
هذا و ا لكلدانيون قريبون من البابليين من حيث األصل و اللغة لذا كانوا سريعي االنصهار
2
معهم .
و يبدأ تاريخهم الرسمي مع الملك "نبوبالصر" عام 626ق.م حيث نفسه ملكا على بالد
بابل وسيطر على اجزاء كبيرة من بالد بابل منها مدينة بابل نفسها ،وفي عهد "زن -شار-
اشكون" آخر ملوك الساللة االشورية قام الزعيم الكلداني بالتحالف مع االقوام الميدية في عهد
ملكها "كي -اخسار" واتفقا على الهجوم على بالد اشور ،أما الملك االشوري فقد طلب المساعدة
من حليفه ملك مصر وكانت مصالح مصر تشجع على تقديم المساعدة الى بالد اشور كي ال
3
تقع المنطقة التجارية المهمة في بالد سوريا تحت أيدي اقوام جديدة ال تربطها بها أية عالقة .
وقد بدأ ت التحركات الكلدانية والميدية ضد الدولة االشورية بطرد الحاميات العسكرية
األشورية من بالد بابل اوال ومن ثم الهجوم على مدينة أشور نفسها وذلك عام 615ق -م من
قبل الجيوش الكلدانية ولم يكن الهجوم االول ناجحا مما اضطر الجيش الكلداني الى االنسحاب
ثم معاودة الهجوم ثانية بعد االتفاق مع الميدين على الهجوم على بالد اشور في الوقت نفسه
وهكذا امكن فتح مدينة ارابخا ( كركوك حاليا ) و"تربيص" في ضواحي "نينوى" و"أشور"
عام 614ق -م ( اختتم هذا الهجوم الناجح بمصاهرة سياسية بين ابن الزعيم الكلداني وابنة
4
الملك الميدي ).وفي عام 612ق -م تم الهجوم الرئيس على العاصمة "نينوى" وتم االحتالل.
ـ ل ديالبورت ،المرجع السابق ،ص .11وأنظر :محمد بيومي مهران ،المرجع السابق ،ص .15
ـ سامي سعيد األحمد " ،الدولة الكلدانية زمن نابو بالصر و نبوخذ نصر" ،مجلة المؤرخ العربي ،منشورات اتحاد المؤرخين العرب ،بغداد ،
العدد ، 9السنة ، 991 ، ص . 33وأنظر :عبد العزيز صالح ،المرجع السابق ،ص .9
5ـ أنطون مورتكات ،المرجع السابق ،ص .531
1ـ عامر سليمان ،العالقات السياسية الخارجية ،حضارة العراق ،ج ، ص .31
31
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
*ـ نبوخذ نصر الثاني 605( :ق.م ـ 562ق.م) (أشار له العهد القديم باسم "نابوخذنصر" و
العرب بـ" بختنصر" يعتبر مؤسسا لإلمبراطورية الكلدانية و اشتهر بهزمه لمصر و مختلف
القوى المتحالفة معها في الشرق األدنى معها (المدن األرامية ـ المدن الفينيقية ـ مملكة يهوذا
و مصر) في معركة "كركميش" عام 605ق.م ،كما اشتهر بتدمير بيت المقدس عام 586
1
ق.م و بسبي اليهود و تهجيرهم الى بابل .
خلف هذا الملك القوي عدة ملوك ضعفاء كان أولهم "إميل ـ مردوخ "( 562ق.م ـ 560
ق.م) ،و الذي تدخل الكهنة في حكمه و نصبوا صهر "نبوخذ نصر الثاني "ملكا و هو المدعو
"نرجال ـ شار ـ أوصر" ( 559ق.م ـ 556ق.م) تاله ابنه "الباشي ـ مردوخ " و الذي اغتيل
بعد 6أشهر ،لتصير السلطة الى "نابوـ نائيد"( 556ق .م ـ 539ق.م) ،و هو أخر ملوك
الكلدان ،تميز عهده باالضطرابات السياسية و توالي األزمات االقتصادية و الحقا ببداية
2
التوسعات الفارسية اإلخمينية في المنطقة عهد الملك قورش الذي انهى دولتهم في 539ق .م.
ثانيا :جوانب من الحضارة العراقية القديمة :
1ـ التنظيم السياسي :من الصعوبة تحديد شكل التنظيم السياسي في المنطقة بسبب طول الفترة
الزمنية و تعاقب الدول و األسر على الحكم و ،و بروز التباين في طريقة الحكم ،غير أني
سأحاول توضيح أهم المسائل المتعلقة بالنظام السياسي المتبع كاآلتي :
*ـ ظهرت الحاجة الى النظام السياسي في المنطقة بسبب الطبيعة القاسية الناتجة من
اختراق األنهار المحملة بالمواد الغرينية للمنطقة وتكوين شبكة من السهول الفيضية التي
ساعدت في تكوين األنهار والمستنقعات ،وارتفاع درجات الحرارة والفيضانات المفاجئة
والمدمرة التي أجبرت السكان على العمل الجماعي للتخلص من تلك الفيضانات عن طريق
تنظيف األنهار والقنوات اإلروائية ،فضال عن وجود فترات من الجفاف ،وهذا بدوره أجبر
السكان على بناء السدود ورفع مستوى المياه في االنهار الى الحد المطلوب لتحقيق اإلرواء
السيحي ،اضافة الى ذلك وجود بعض الجماعات من غير المزارعين والذين كانوا يغيرون
على الحقول الزراعية ونهبها وحرقها .
هذه األمور أجبرت سكان المنطقة على العيش ضمن الجماعة للتغلب على تلك
الصعوبات ،لذا وضعوا كل ثقتهم برجل الدين باعتباره الواسطة بينهم وبين اآللهة فهو حسب
االعتقاد قادر على معرفة ما تراه اآللهة لإلنسان من خير او شر لذلك اختاروا الكاهن (نظام
3
ثيوقراطي ديني )Theocratic systemو كان الكاهن قد جمع بين سلطتين الدينية والدنيوية.
ـ محمد بيومي مهران ،المرجع السابق ،ص 111و كذلك :عبدالعزيز صالح ،المرجع السابق ،ص ،15وأنظر :هنري س عبودي ،
المرجع السابق ،ص .1
أنطون مورتكات ،المرجع السابق ،ص .51و أنظر :ل ديالبورت ،المرجع السابق ،ص ، 11و أنظر :طه باقر ،مقدمة في تاريخ الحضارات
القديمة ،ج ،المرجع السابق ،ص .و أنظر :عامر سليمان ،العالقات السياسية الخارجية ،حضارة العراق ،ج ،ص .3
5ـ طه باقر ،مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة ،ج ، 1ص .577
32
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
و منذ فجر السالالت كانت منطقة السهل الرسوبي مقسمة الى مجموعة من دول المدن ،
وكانت كل دولة مدينة تسيطر على إقليم جغرافية يشمل مدينة ما رئيسية و ما يجاورها من
المدن و القرى و األراضي ،و تلقب الحاكم حينها بـ"أنسي" ENSIأي وكيل اإلله الرئيس
للمدينة ،ودلت أسطورة الخليقة السومرية أن السلطة السياسية مستمدة من اآللهة و نزلت من
السماء ،1هذا و يرجح ّ
أن للمعابد التي نشأت بالمنطقة عالقة بنشوء السلطة و الحكام األوائل
بمنطقة السهل الرسوبي و يشمل ذلك حتى مرحلة عهد اإلحياء السومري ،وعند نهاية عصر
دويالت المدن السومرية تحول نظام الحكم الى شكله النهائي المتمثل بظهور الملك LU.GAL
2
الذي استمر حتى العصور المتأخرة.
والثابت من خالل المصادر المسمارية كأسطورة الخليقة السومرية و ملحمة جلجامش
أن ُّبالد الرافدين قد عرفت نظام المجالس التشريعية أو االستشارية و صاغ لذلك الباحث
"ثوركيلد جاكوبسون" نظرية غاية في األهمية مفادها ان نظام الحكم في العراق القديم كان
نظاما ديمقراطيا بدائيا تحول بمرور الزمن الى نظام ملكي مستبد ،وقد سميت نظريته في
االوساط العلمية بـ الديمقراطية البدائية ، Primitive democracy 3و أنه منذ األلف الثالث قبل
الميالد ـ كانت القرارات تتخذ من خالل مجلس عام يضم جميع المواطنين يقسم بداخله إلى
مجلس الشيوخ (المسنين) ومجلس عام يضم غالبية المواطنين القادرين على حمل السالح ،و
تقوم هذه المجالس في فترة األزمات باختيار الملك من غير رجال الدين أي من الزعامات
4
القادرة على ممارسة الحرب .
*ـ نظر سكان يالد الرافدين في كل الحقب التاريخية الى السلطة السياسية و الملك بشيء
من القداسة و التبجيل ،و نظروا الى أن العالم في غياب الملكية تعمه الفوضى و تختل معيشتهم،
لذلك كان الملك حسبهم قد استمد سلطته من األلهة ،لذلك صاغ الكتبة و رجال الدين أساطير و
مفاهيم ـ بأمر من الملوك ـ في نظرية الحق اإللهي للحاكم ثم بالدماء الملكية المقدسة ،و كانت
وظائف الملك تشمل حماية البالد و الناس +قيادة الجيش وقت الحرب +تحقيق العدالة +
القيام بالمشاريع اإلروائية +إقامة المعابد ..ودلت الحوليات البابلية و األشورية على تلقب
بعضهم بـ"حامي العدالة" كسرجون الثاني األشوري ،ودلت المشاهد المنحوتة البابلية الكلدانية
5 ّ
أن الملك "نبوبالصر" و ابنه "نبوخذ النصر" شاركا في بناء المعابد .
*ـ زاد تركز السلطات بيد الملك مع توالي األزمنة و بخاصة في عهد اإلمبراطوريات البابلية
و األشورية ،غير أنّه ثبت منح بعض السلطات الدينية و المالية و االقتصادية لكهنة المعابد
ـ فاتن موفق فاضل شاكر " ،الملوك المؤلهون في العراق القديم " ،مجلة التربية و العلم ،مج ،1العدد ،15 11 ،ص 1
ـ سعد عبود سمار " ،مجالس المدن في العراق القديم ( 5111ـ 111ق.م) التأسيس و المهام " ،مجلة كلية التربية ،جامعة واسط ،العدد،1
، 15ص.3و أنظر :سامي سعيد األحمد " ،اإلدارة و نظام الحكم " ،حضارة العراق ،ج ، 1ص .
5ـ سعد عبود سمار " ،مجالس المدن في العراق القديم ( 5111ـ 111ق.م) التأسيس و المهام ، ".ص .31
1ـ فاتن موفق فاضل شاكر " ،الملوك المؤلهون في العراق القديم " ،ص .9
3ـ عبد الرضا الطعان ،الفكر السياسي في العراق القديم ،دار الرشيد للنشر ،بغداد ،د:ط ،99 ،ص.591ـ بتصرف ـ
33
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
الخاصة باآللهة الرئيسة أو لبعض حكام األقاليم ،حتى و ان كانت سلطة الملوك قوية و نشهد
ذلك خالل حكم الملك األشوري "سرجون الثاني" إال ّ
أن ذلك لم يشكل منافسة لسلطة الملك من
1
حيث األحقية بالضرائب و حق التعيين و تمثيله لإلله القومي للدولة .
*ـ و بخصوص لقب الحكام قد دل تدرجه على االنتقال من نظام دول المدن الى نظام
الدولة القطر (التي تضمن دولة أكثر اتساعا ) ثم الى الدولة اإلمبراطورية ،و نشهد ذلك عبر
انتقال لقب الحاكم من "حاكم المدينة" مثل "ملك أور" الى "ملك البالد" (لوجال كالما) ثم لقب
"ملك سومر و أكاد" ،أضيف له الحقا لقب "ملك الجهات األربع " (لقب يتعلق باأللهة الرئيسة)
و انفرد األ شوريون خالل عهدهم االمبراطوري بلقب "ملك الكون"(شار ـ كشسي) .و كمثال
تلقب الملك البابلي "حمورابي" بـ" الملك القوي .ملك بابل .ملك كل بالد أمورو .ملك سومر و أكاد.
2
ملك الجهات األربع".
*ـ و بخصوص والية العهد mar-sarriلم يداوم عليها ملوك المنطقة إذ لم تثبت النصوص
المسمارية المختلفة عمل أحد الملوك لتولية ولده الملك في العهود السابقة للدولة األشورية
الحديثة ،و نصادف ذلك عند محاولة الملوك األشوريون فرض الهدوء عقب وفاتهم عبر تولية
ابناءهم والية العهد و هذا األمر وقع عهد "شمشي أدد الخامس" و مع تولية "سنحاريب" البنه
األصغر "أسرحدون" في حياته و أخذ قسم الوالء من إخوته و كبار رجال الدولة في مراسيم
و احتفال معد لذلك الغرض ،ومما ينبغي ذكره أن األمراء كان يتم اعدادهم عسكريا و إداريا
من إجل التسيير األمثل لشؤون الدولة ،و أحيانا كان ولي العهد يتولى جزءا من السلطة في
المهام الدينية ـ اإلدارية و العسكرية الى جانب والده الملك و مثاله عالقة أسرحدون بوالده
سنحاريب أو عالقة "نبوخذ نصر الثاني" بوالده "نبوبالصر" إذ وقف الى جانبه في أغلب
3
أعماله .
*ـ الموظفون :أثبتت الوثائق المسمارية وجود مناصب في الدولة من غير الملك طيلة مراحل
تاريخ المنطقة منها (باختصار) "الليمو" و هو موظف كبير بالدولة اكتسب أحيانا سلطة تشريع
القرارات و زادت مكانته في العهدين البابلي و األشوري " ،الترتانو" و كان بمثابة رئيس
للوزراء سياسيا و قائدا للقوات األشورية ـ بعد الملك ـ ،كما يوجد جملة من موظفي البالط
4
منهم رئيس القصر "شلوخي ـ إكللي" و كاتب القصر "الطوبالشار ـ إكللي" ..
ـ خالد موسى ع بد " ،الطغيان في العراق القديم بين الديمقراطية البدائية و نظرية التفويض اآللهة " ،مركز دراسات األلوفة ،العدد 11 ،
،ص .7ـ بتصرف ـ
ـ سامي سعيد األحمد " ، ،اإلدارة و نظام الحكم " ،حضارة العراق ،ج ، 1ص.7و أنظر :أحمد أمين سليم ،دراسات في تاريخ الشرق
األدنى القديم ،مصر و العراق و ايران ،ص .59
5ـ أحمد حبيب سيد الفتالوي " مشكلة والية العهد في عهدي الملكين سنحاريب و أسرحدون "( 119-711ق.م) " ،مجلة مركز بابل للدراسات
اإلنسانية ،مج ، 13العدد ،1ص .55ـ بتصرف ـ
1ـ عبد العزيز صالح ،المرجع السابق ،ص.711و أنظر :سامي سعيد األحمد ، ،المرجع السابق ،ص .51
34
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
*ـ حكام األقاليم :يقوم الملك بتعيينهم ،وكانت حدود األقاليم و تقسيماتها تختلف من عصر الى
عصر ،بدأ ظهورها منذ العهد األكادي ،و تتناقص مكانة حكام األقاليم مع تزايد قوة السلطة
المركزية و بخاصة خالل العهدين البابلي و األشوري ثم الكلداني ،و يحدث العكس إذا أحس
حاكم اإلقليم بضعف اإلدارة المركزية ،و األصل أن منصب حاكم اإلقليم ليس متوارثا ،لكن
أن سياسية استطاعت بعض العائالت أن تتوارث تلك المناصب و تتركها في عائالتها ،كما ّ
اإلمبراطورية كانت تستلزم عائالت قوية لحكم هذه األقاليم ،و خوفا من تمرد األقاليم استحدث
األشوريون منصب المراقب (الخزانو) ،و هو موظف آشوري يراقب عمل حاكم اإلقليم البعيد
1
أو القابل للثورة .
و ت ّم التعرف الى التقسيم السياسي لدول المنطقة من خالل الحوليات المختلفة للملوك أو من
أن بعض األقاليم ذكرت بأسماء خالل المراسالت بين األقاليم و السلطة المركزية ،و يظهر ّ
المدينة الرئيسية و مثاله ":إقليم نفر" أو "إقليم إيسن" ،أو على أسماء القبائل القاطنة باإلقليم
مثل "إقليم بيت ياكين" (بالد البحر) نسبة للقبيلة المسماة بـ "بيت ياكين" ،و كانت وظيفة حكام
اإلقليم بمثابة إسقاط لمهام الملوك داخل األقاليم ،كبناء و ترميم المعابد ،و مهام األمن و إدارة
و تنفيذ المشاريع العامة كاإلرواء ،و يتولون تجميع الضرائب المستحقة ،أما رؤساء القبائل
فكانوا يخضعون للملك اسميا يملكون شبه حرية في التسيير لشؤون القبيلة و اإلقليم ،مع
2
ضرورة ذكر أن منصب "قربوتو" كان الوسيط بين حكام األقاليم و الملك .
و عمل األشوريون على الحفاظ على مركزية الحكم و في نفس الوقت السيطرة الكاملة على
األقاليم و عملوا في مجال إدارة الدولة على تقوية سلطة الملك من خالل التقليل من نفوذ النبالء
وأمراء اإلقطاع والحد من سلطاتهم ،و مضاعفة عدد الوحدات اإلدارية ،كما تم عزل معظم
ملوك األقاليم الخاضعين لسلطانه ودمجت ممالكهم بآشور ،وعين بدال عنهم حكام آشوريين،
وليسيطر أكثر على هذه األقاليم ،قام بتنظيم المواصالت السيما السعاة أو الرسل ما بين آشور
وباقي األقاليم الخاضعة له ،كما ت ّم انتهاج سياسة قاسية مع األقاليم التي تتكرر فيها الثورات،
3
إذ قاموا بتهجير جماعي لسكان اإلقليم إلى إقليم آخر ،وإسكان أقوام أخرى محلهم.
*ـ الجيش :وابتعدت جيوش دول المدن عن التنظيم في العصور المبكرة ،لكنها خالل العهدين
البابلي واآلشوري ،تطورت في نظام تعبئتها وأسلحتها ،كما حدث فيها تغيير من حيث العدد
والدوام والتدريب ،وذلك تماشيا مع توحيد البالد ونشوء اإلمبراطوريات ،و زاد تنظيمه خالل
العهد البابلي القديم و ظهرت معالمه كجيش منظم و نموذجي خالل العهد األشوري الحديث ،
و كان الجيش يتكون من فئة عسكرية عرفت بـ"األوليم " وهي طبقة من العسكرية فرضت
ـ طه باقر ،المرجع السابق ،ص 597و أنظر ذلك في :ويل وايرل ديورانت ،المرجع السابق ،ص .15
ـ سامي سعيد األحمد "،اإلدارة ونظام الحكم" ،حضارة العراق ،ج ، ص .3
5ـ علي ياسين أحمد "،وظيفة الخزانو اآلشوري " ،مجلة الموصل للتربية ،جامعة الموصل ،ع، 111، 11ص .13
35
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
الضرائب من اجل إدامتهم ،و طغت الحياة العسكرية على تفاصيل الحياة األشورية و نلمس
ذلك في العمارة و المشاهد المنحوتة و كذلك في تفاصيل الحوليات الملكية األشورية ،إذ
1
اختزلت حياة الملوك في حمالت عسكرية توسعية و تأديبية موسمية .
و ال يتسع المجال للحديث عن العسكرية األشورية ،لكن من الواجب الحديث عن استعمال
األشوريين لمادة الحديد في صناعة الوسائل الحربية كالكباش ،و ابتكار العربات القتالية التي
تسير بالعجالت المشبكة دائرية المركز بدل العجالت الصلدة المربعة المركز التي استعملتها
الشعوب المعاصرة لهم ،كما تظهر نزعتهم العسكرية في مدى التحصين الذي بلغتهم مدنهم
العامة مثل "أشور" و ""نينوى "و "حران" ،كما عبرت المشاهد المنحوتة البارزة المختلفة
عن أساليب منظمة في الحصار و الحفر و الهجوم و دك األسوار و عبور البوابات(2 .أنظر
الشكلين 6و) 7
و بخصوص الضباط في الجيش األشوري أفادت النصوص اآلشورية في ذكر عدة أسماء
لضباط بعد " التورتانو " حيث يليه في المرتبة( الراب – شاقه) والتي تعني كبير السعادة
(حيث كانت أكبر المشاكل هي توفير المياه للجيش خاصة في موسم الصيف أثناء الحرب) يليه
( ناقر – إيكالي) أي بمعنى " شادي القصر " ومهمته الواضحة هو دعوة جنود الجنود والمواليد
للخدمة العسكرية حيث يوازي عمله مديرية التعبئة واإلحصاء في الجيوش الحديثة ،ثم رتبة
" اإليركو " ومسؤوليته اإلشراف على المالية ،على أن هؤالء القادة األربع باإلضافة للملك
3
يشكلون هيئة الحرب اآلشورية.
ودلّت الحوليات األشورية أن الجيش خالل تنقالته و معاركه قد ضم الى جانب العنصر
األشوري ا لغالب فئات أخرى فكان الخيالة من فارس ،و بعض المشاة من األناضول و سوريا
و الجمالة من القبائل العربية ،كما اعتمدوا على قوات االحتياط ،و بالعودة الهيكل التنظيمي
للجيش اآلشوري فقد كان يتألف من فرقة "بقار" وتعدادها حوالي10آالف جندي ،ثم من الوحدة
العسكرية "كودودو" وتعدادها ألف جندي ،ثم السريّة التي تلفظ "كيصرو" وتعدادها مائة
4
جندي ،ثم الفصيلة وتعدادها خمسون جنديا ،أما الفرقة فتعدادها 10جنود.
و بخصوص السفن الحربية فقد ت ّم استعمالها في بالد الرافدين ،و تحتوي على عدة صفوف
من المجدفين ،تميزت مقدمتها بطرف حاد وطويل ،وكان الجنود بتروسهم كالحصن فوق ظهر
36
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
أن األشوريون دون شعوب بالد الرافدين األخرى قد تفننوا السفينة ،وهنا يذكر المختصون ّ
1
في استعمال السفن الحربية في القتال وليس في النقل و هنا استعانوا في ذلك بالفينقيين.
الشكل : 7نحت بارز عثر عليه في قصر الملك "سنحاريب"بـ"نينوى" يمثل حصار القدس.
37
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
*ـ القوانين و التشريعات :تش ّكل شرائع الشرق القديم أول الشرائع المكتوبة في تاريخ البشرية،
وضعت لتنظيم العالقات بين األفراد عبى مبادئ العدل و المساواة كما تقود الشرائع إلى تثبيت
الحقوق والواجبات في مجال العالقات االجتماعية واالقتصادية والسياسية ،وفي مقدمة هذه
العالقات تلك التي تقوم على أساس تنظيم العالقات بين الناس وبين نخبة الحكم ،الذي يشكل
عقدا اجتماعيا بين الحاكمين والمحكومين 1،ويجسد المصدر والمرجع لكافة القوانين والمراسيم
واألنظمة التي تصدر عن السلطتين التشريعية والتنفيذية .وفي بيئة حضارية ـ كما أشرنا ـ
غابت عنها مفهوم توزيع السلطات وسادت فيها الملوكية وفق العقيدة الدينية -حق التفويض
اإلله ومصدراإللهي للملك -عندئذ يصبح الحاكم (الملك) هو الدولة والدستور ،باعتباره ممثل ِ ِ
2
العدل ،وهذا ما جسَّدته قوانين الحضارات القديمة ،تتقدمها قوانين حضارة وادي الرافدين .
و يسجّل أقدم جهد قانوني ومحاولة إصالحية في التاريخ البشري إلى "أوروكاجينا" و
الذي تكاد إصالحاته ترتقي لمستوى القانون ،لوال خلوها من المقدمة والخاتمة وحصر
موضوعاتها في معالجة الوضع الضريبي وشؤونه ،ليليه ـ حسب المختصين ـ قانون "أور-
نمو" ( 2096 -2112ق.م) الذي يع ّد أقدم قانون مكتوب ،تم الكشف عن أجزائه في مدينتي
"نفر" و"أور" ،كما أمكن قراءة أكثر من 22مادة منه ،3تاله في بالد الرافدين قانون أصدره
"لبت -عشتار" ( 1924 -1934ق.م) خامس ملوك ساللة دولة مدينة "إيسن" ،جاء بعده في
بالد الرافدين "قانون أشنونا" الذي ينسب الى مدينته "أشنونا" وبسبب التلف الذي أصاب اسم
4
الملك الذي أصدره ،لم يكن باإلمكان معرفة تاريخ صدوره .
هذا و يع ّد "قانون حمورابي" أحدث وأكمل قانون مكتشف في وادي الرافدين حتى اآلن،
ويمثل أقدم االنجازات القانونية في تاريخ الحضارة البشرية ،وبصدوره عام 1770ق.م ،صار
للدولة البابلية قانون موحد ،و أصبح تطبيقه من اختصاص السلطة المدنية ،و كسابقاتها من
القوانين في العراق القديم 5،تضمنت المقدمة استعراضا ألعمال حمورابي وألقابه وبينت
طاعته وتقواه وعنايته بمدن ومعابد اآللهة ،واألسباب التي دعته إلصدار شريعته وهي انتداب
اإلله (مردوخ) له ليحكم مدينة بابل ،بينما ذكر في الخاتمة الغرض من تدوين الشريعة وهو ِ
6
"إعالة اليتيم واألرملة ...والمظلوم".
ـ ـ رضا جواد الهاشمي " ،القانون واألحوال الشخصية" ،حضارة العراق ،ج ,1ص .11
ـ عاصي حسين حمود العجيلي "،الملكية الزراعية في شريعة حمورابي " ،مجلة جامعة تكريت للعلوم القانونية و السياسية ،العدد ، 15السنة
األولى ،ص .71
5ـ جورج رو ،العراق القديم ،تر :حسين علوان حسين ،منشورات وزارة الثقافة و االعالم ،بغداد ،د:ط 991 ،ص .9
1ـ طه باقر ،قانون لبت ـ عشتار ،قانون مملكة اشنونا ،وزارة الثقافة واإلعالم ،بغداد 997 ،م ،ص ،9رضا جواد الهاشمي "، ،القانون
واألحوال الشخصية" ،حضارة العراق ،ج,1ص .75
3ـ مجموعة من المؤلفين ،شريعة حمورابي و أصل التشريع في الشرق األدنى القديم ،تر :أسامة سراس ،دار عالء الدين ،دمشق ،ط، 1
، 995ص
1ـ سامي سعيد األحمد ،العراق في التاريخ ،ص،..91 -93و أنظر :طه باقر ،مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة ،ص،159و أنظر كذلك :
رضا جواد الهاشمي "، ،القانون واألحوال الشخصية" ،حضارة العراق،ج ،ص .9
38
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
و رتبت المواد التشريعية في أربعة و أربعين حقال ،و 282مادة باللغة البابلية .يمكن
توزيعها على خمسة أبواب رئيسية - :التقاضي وأصول المحاكمات في المواد من1الى - .05
األموال والمعامالت المالية من المادة 06الى -.126األشخاص وقوانين األحوال الشخصية
1
من 127الى - .214األجور من215الى - .277العبيد من المادة278الى .282
و يذكر أن القوانين اآلشورية قد اعتمدت على غيرها من القوانين السابقة ،و بخاصة
قانون حمورابي و ذلك من حيث مبادئها وأحكامها والعقوبات القاسية التي أخذت بها ،كما
يذكر أنّها شملت في موادها :السرقات ،التجديف ،التحريض على الفتن ،االعتداءات ،القتل،
األحوال الشخصية ،االغتصاب ،الزنا والبغايا ،الحجاب ،المتهمون بالسحر االسود ،الديون،
اعتداء الرجل على فئات مختلفة من النساء واجهاضهن ،ضرب الزوج لزوجه وإجهاضها ،
2
وأخيرا جاءنا من العهد البابلي الحديث (الكلداني) رقيم طيني ضم خمس عشرة مادة قانونية
تعالج غالبيتها مسائل تختص بالحقول وإدارتها وشؤون اإلرواء والرقيق والنساء وقضايا
3
الزواج والطالق واإلرث.
2ـ االقتصاد :من الواجب الحديث بشكل مختصر عن الزراعة ثم الصناعة ثم التجارة كاآلتي:
أ ـ الزراعة :ظهرت شهرة المنطقة زراعيا شهرة هذه البالد الزراعية على غيرها بما امتازت
به الحضارات التي قامت بها ،وظلت هذه الشهرة حتى األزمان المتأخرة ،إذ شبه الكثير من
مؤرخي اليونان و الرومان بالد ما بين النهرين بـ " درادو" أي بالد الذهب و الخير في الزراعة
و بالغ بعظهم في المحصول الزراعي الناتج حتى أن "هيرودوت" قد جعله مضاعفا عن غيرها
بمئة و مائتي مرة ،وهذا يذكرنا بتسمية المؤرخين العرب ألرض العراق بالسواد تأكيدا على
كثرة زرعها و خضرتها و الشيء األكيد أن هذه الشهرة لم تحصل إال بجهود اإلنسان و عمله،
4
ال سيما في طرق الري و السهر على تنظيم شؤون الزراعة.
و عرفت المنطقة تركيزا زراعيا كبيرا خاصة في السهل الرسوبي الجنوبي األسفل (بالد
سومر) و السهل األعلى (بالد أكاد) أي بالد بابل الحقا ،أما المناطق الشمالية فهي رعوية تنمو
بها األشجار و النباتات طبيعيا باالعتماد على المطر (بالد آشور) .
أن الماء و توفيره شرط أساسي في نجاح الزراعة لذا اعتمدت المنطقة على كلوالمعروف ّ
أنواع السقي و بخاصة األنهار (الزراعة السيحية) خاصة و ّ
أن الزراعة المعتمدة على المطر
(الديمية ) كانت متذبذبة ال تناسب اال فصلي الشتاء و الربيع ،وشكل نهرا دجلة و الفرات و
روافدهما مصدر الخصب الزراعي ،و للتعامل مع هذين النهرين و النجاح الزراعة تدخل
ـ فوزي رشيد ،الشرائع العراقية القديمة ،دار الحرية للطباعة ،بغداد ،د:ط ،975 ،ص ص9-91ـ بتصرف ـ
ـ مجموعة من المؤلفين ،شريعة حمورابي و أصل التشريع في الشرق األدنى القديم ،ص .
5ـ رضا جواد الهاشمي " ،القانون و األحوال الشخصية " ،حضارة العراق ،ج ، 1ص .9
1ـ سامي سعيد األحمد ،الزراعة والري ،حضارة العراق ،الجزء الثاني ،مطبعة الحريّة ،بغداد ،د:ط ، 993 ،ص .31-35
39
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
اإلنسان العراقي القديم في معرفة موسم الفيضان و تكيف معه عبر بناء المصدات األرضية
كما أقاموا السدود و مدوا القنوات لعملية السقي ،1كما عرفوا موسم كل المزروعات و أتقنوا
مسح األراضي لتحديد الملكيات ،وسميت بعض األشهر لديهم حسب مراحل العملية الزراعية
2
كشهر "تذرية الحبوب" و شهر "حصاد الشعير".
*ـ ملكية األراضي الزراعية :قسم المختصون األراضي الزراعية في بالد الرافدين
تقسيمات مختلفة باالعتماد على معايير مختلفة حيث اعتمادا على النوع قسمت الى :
-األراضي الحقلية :وتسمي باألكادية "ايقولوم " EQULUMو هي التي تزرع عادة بأنواع من
الحبوب و المحاصيل الحقلية كالسمسم و الثوم و البصل و فيرها .
ـالبساتين كيروم KIRUMو تشمل الحدائق و البساتين الخاصة بزراعة النخيل و أنواع مختلفة
من أشجار الفاكهة .
كما قسمت األراضي على أساس مدى صالحيتها لالستثمار الزراعي الى :
ــ أراضي صالحة للزراعة :وتكون من المساحات الواقعة بضفاف األنهار و القنوات أو
األراضي التي تتيسر فيها مصادر السقي خاصة بعد تنفيذ المشاريع اإلروائية عهد حمورابي
ــ األراضي المتروكة (البوار) :وهي األراضي التي كانت تزرع ثم تركت بسبب عوامل
3
طبيعية كالفيضانات الشتوية و تدميرها أو طغيان الملوحة.
*ـ أساليب الري :لقد كانت البيئة التي عاش فيها العراقيون القدماء تمتاز بخصبها الكبير،
لكن يقابل في ذلك الخصب الذي منحته الطبيعة شح في األمطار و في أكثر من نصف األراضي
القابلة للزراعة غير أن هذه األنهار عوضت عن ذلك ،لكنها تحتاج الى السيطرة و التنظيم ،
لذلك فإن كل الدول التي قامت في المنطقة اعتمدت على أساس الري فكانت أراضي ما بين
النهرين و خاصة منها الوسطى و الجنوبية شبكة من األنهار حيث تاله حدوث تغير جوهري
في أسلوب الزراعة فصارت الجداول الطويلة تشق من الفرات لتصل الى أراضي زراعية
بعيدة و أنشأوا السدود و المبازل و الخزانات في معظم المناطق الجنوبية ،ولما كان الصيف
طويال ،فقد استعملوا أساليب الري االصطناعية من حفر جداول و قنوات إليصال الماء سيحا
4
الى األراضي الزراعية خاصة في موسم التحاريق (نهاية الصيف).
لذا كان جل اهتمامات ملوك بابل و آشور تعلقت باإلرواء و شق القنوات ومثاله قيام
حمورابي أثناء فترة حكمه بشق مشاريع اروائية كفتح قناة أسماها " حمورابي ـ جيكال" تبدأ
من جنوب "كيش" حتى "أوما " و "الرسا" ثم تصل الى الخليج العربي ،كما انتشرت قنوات
ـ هورست كلينكل ،حمورابي البابلي و عصره ،تر :محمد وحيد خياطة ،دار المنارة للدراسات ،دمشق ،ط ، 991 ، 1ص .7
ـ سامي سعيد األحمد ،الزراعة والري ،حضارة العراق ،ص .33
5ـ عاصي حسين حمود العجيلي " ،الملكية الزراعية في شريعة حمورابي " ،مجلة جامعة تكريت للعلوم القانونية و السياسية ،العدد ، 15السنة
، 1ص 79ـ بتصرف ـ ،وأنظر :جاسم شهد وهد "،الزراعة خالل العصر البابلي القديم ( 111ق.م ـ 393ق.م)" ،مجلة القادسية للعلوم
اإلنسانية ،مج ، العدد ، 119 ، 15ص .51
1ـ رضا جواد الهاشمي ،تاريخ الري في العراق القديم ،مجلة سومر .17 ،
41
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
ع ّدة بالقرب من المدن البابلية كقناتي " نفر " و "سن" و قناة "سورو" التي تتفرع من الجهة
الشرقية لنهر الفرات جنوب "بابل " وقناة "بوقودة" و " أخي ـ شولم "1 ،و اشتهر بأعمال
اإلرواء عند األشوريين "سنحاريب" كانت مدهشة ،فقد أخبرنا بمشروعه في إرواء "أربيال"
و كيف" أنّه حفر ثالثة أنهر في الجبال التي فوق "أربيل" و أضاف إليها مياه الينابيع ،و
بالتالي قام في مشروعه في توجيه مجاري فروع نهر " باستورا" و تشييد قناة لجلب الماء الى
2
"أريبل" ،كما أقام مشروعا ثانيا إليصال الماء بالطريقة السيحية الى "نينوى ".
*ـ العملية الزراعية :في بالد ما بين النهرين تكاد تتشابه العملية الزراعية حيث تكون األرض
الطميية جافة جدا بسبب حرارة الشمس خاصة عند التحاريق ،لذا يرتكز الجهد األول على
تنعيم التربة ،فيبدأ الفالح بحراثة األرض بالقدر الكافي من العمق و كسر قشرة سطح األرض
بواسطة المحراث الذي يجرّه بقر الحراثة ومن ورائه المشط المسنّن الذي يمهد التلعات و
يعيدها مستوية و هو الزمن الذي يمارس فيه الفالح زراعة األرض حيث تحفر
الخطوط(األثالم) بفاصل بعض السنتيمترات بين الواحد و اآلخر ،بعد وضع البذور **في
3
أسفل الثلم يغطى بالتربة.
و يبقى أن نمو المحصول يتوقف على كمية األمطار النازلة على األرض خالل الشتاء
و المتممة بمياه الري ،وإذا شعر المزارع في بدء نمو المحصول ـوخاصة الخضر و الكتان ـ
أن المزروع مكتظ و كثيف يلجأ إلى تفريد و إنقاص كثافته بقلع قسم منه ليمنح الباقي ـو هو
الكثير ـ قوة النمو ،و في آخر فصل الربيع يتم القطاف (شهري مارس و أفريل ) ،إذ يعتري
المزارعين الخوف على طول نهري دجلة و الفرات من فيضان النهر المبكر أو إذا زادت
4
مياهه و تعذر التحكم فيه و تحجيمه عبر السدود ،إذ وجب إنهاء الحصاد قبل تدفق المياه.
*ـ الوسائل الزراعية :اعتمد قدماء بالد ما بين النهرين آالت زراعية مشتركة معتادة و
معهودة في الزراعة التقليدية منها " الفأس" (كن) +المنجل +المحراث البشري ثم الحيواني
5
+الدالية (آلة سقي) +المسحاة (آداة حفر) +الناعور (الدوالب الحيواني) +المذراة ..
* ـ المزروعات :تشمل مواد كالشعير و القمح و الحنطة و الذرة (وجدت مخلفاتها في مدفن
آشوري)و األرز عرف متأخرا +السمسم (الستخراج الزيت) +التمر +الكروم +الزيتون +
التين +عرفوا التفاح و استعملوا شجره في الصناعة الخشبية +القطن (جلبه الملك سنحاريب
6
من الخليج ) +مختلف الخضار الطازجة و البقول و النباتات العطرية ..
ـ رضا جواد الهاشمي " ،تاريخ الري في العراق القديم " ،ص .11
ـ فؤاد سفر " ،أعمال اإلرواء التي قام بها سنحاريب ،مجلة سومر ،مج ، 15العدد ،917 ، 1 ،ص 79-79
5ـ سمير العيداني ،العالقات الحضارية بين مصر و شعوب بالد الرافدين ،رسالة دكتوراه ،ص .
1ـ سامي سعيد األحمد ،الزراعة و الري ،حضارة العراق ،ج ، 1ص .39
3ـ سامي سعيد األحمد ،الزراعة و الري ،حضارة العراق ،ج ، 1ص ص 1-11ـ بتصرف ـ
1ـ سامي سعيد األحمد ،الزراعة و الري ،حضارة العراق ،ج ، 1ص ص11-15ـ بتصرف ـ
41
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
* ـ الثروة الحيوانية :و بالنسبة للثروة الحيوانية في العراق القديم فقد ألفت أساسا في الحياة
االقتصادية عدا أهميتها في الشؤون الزراعية و في المواصالت و تمثلت في البقر و العنز و
الفرس و الطيور الداجنة كالبط ـ باستثناء الدجاج ـ الذي يرجح أنّه دخل المنطقة من الهند في
1
األزمان المتأخرة في العهد البابلي األخير أو قبل ذلك بقليل .
و ثبت تدجين الجاموس الضخم مع الثور األحدب منذ االلف الرابع ق.م ،أما الحصان
فورد ذكره في العصر البابلي القديم ،حيث عرف بـ "الحمار الجبلي " كدليل على وصوله
للمنطقة من الجبال الشمالية و ورد استعماله من طرف الكاشيين بعدها كحيوان نقل ،أما الجمل
فورد ذكره في عهد "تجاللت بالصر األول " تحت اسم حمار البحر كدليل على إدخاله من
2
منطقة البحر الكلدي (الخليج العربي).
ب ـ الحرف و الصناعات :مارس سكان المنطقة نشاطات اقتصادية من غير الزراعة مثل
الصناعات والحرف التي تعتمد على الزراعة والثروة الحيوانية ،أو على ما يتوفر من موارد
أولية موجودة في الداخل ،لذا كانت الصناعات االستخراجية هي األكثر أهمية و المتعلقة
باستخراج المعادن المختلفة لما لها من أهمية بالنسبة للدولة و الفرد حيث أشرفت عليها الدول
التي نشأت في العراق القديم ،تليها الصناعات المرتبطة بالمحاجر في المناطق الشمالية خاصة
عند األشوريين و ما يقابله من صناعة اللبن في الجنوب عند البابليين ـ لغياب المحاجر ـ ،ثم
تأتي الصناعات المختلفة الزراعية و غيرها.
و كانت الحرف اليدوية طيلة تاريخ بالد الرافدين واسعة االنتشار ،ولم تكن مقصورة على
جماعات وأسر معينة ،ثم ما لبثت أن أصبحت صناعات حرفية متخصصة ،و احتفظت كل
جماعة بأسرار حرفتها ،وغدا تعلّم الحرفة ال يتّم إال بالتدريب الطويل على أيدي الصناع المهرة
من الحرفيين 3 .و سأكتفي بذكر الحرف األكثر استعماال و ممارسة من طرف البابليين و
األشوريين كاآلتي :
* ــ عملية التعدين :كان قدماء بالد الرافدين سبّاقين في تصنيع النحاس منذ األلف الرابع
قبل الميالد ،وفي مطلع األلف الثالث قبل الميالد توصلوا إلى صناعات معدنية غاية في الدقة،
ومنها "تنقية النحاس" وصهره مع المعادن األخرى ،وكذلك صبّ الفضة والذهب ،وأخذوا
يمزجون بعض المعادن للحصول على سبائك جديدة أكثر قوة كالبرونز و اإللكتروم (خليط
الذهب والفضة ) ،كما استخدموا الحديد في صنع منتجات معدنية متعددة ،و بعدهم تم ّكن
4
البابليون في األلف األول قبل الميالد من كربنة الحديد واستغالله في صنع األسلحة.
ـ سمير العيداني ،العالقات الحضارية بين مصر و شعوب بالد الرافدين ،ص .7
ـ سامي سعيد األحمد ،الزراعة و الري ،حضارة العراق ،ج ، 1ص .9
5ـ تقي الدباغ " ،نشأة المدينة العراقية القديمة " ،مجلة بين النهرين ،العدد ، 77سنة ، 99ص ص 1-3ـ بتصرف ـ .
1ـ وليد الجادر ،صناعة التعدين ،حضارة العراق ،ج ، 1ص ص .1-11
42
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
أما عن الذهب فقد وجد ببالد الرافدين ،إذ كشفت التنقيبات األثرية في المنطقة على الكثير
من المصنوعات الذهبية مثل الحلي وأدوات الزينة واألوعية واآلالت الموسيقية والخناجر
والسيوف والفؤوس وغيرها ،و بينّت تلك المصنوعات الدرجة العالية التي وصلها العراقيون
القدماء في الحصول على الذهب النقي ،إضافة إلى البراعة الفنية في تشكيله وصياغته ،1أما
أن اآلشوريين استعملوها منذ حوالي األلف الثانية قبلالفضة فتدلّ المؤشرات التاريخية على ّ
الميالد ،و استخدمت كما هو الحال بالنسبة للذهب وغيره من المعادن في تحديد األسعار وتقييم
السلع والبضائع كما ورد في الشرائع العراقية القديمة ،و استعملت الفضة كوحدة قياس متعارف
عليها منذ منتصف األلف الثالث قبل الميالد ،وظلت وحدة القياس بهذا المعدن بوزن محدد
2
وهو "الشيقل" الذي يسمى باللغة السومرية "كن" (.)GIN
* ــ الصناعة الفخارية :تعتبر صناعة الفخاريات من أولى الحرف الصناعية التي عرفها
إنسان وادي الرافدين في العصور القديمة ،وكانت هذه الحرفة منتشرة على نطاق واسع ،لكي
تلبي ا حتياجات السكان من المستلزمات المنزلية وغيرها ،إذ استخدمت الفخاريات في طبخ
الطعام و تبريد الماء ونقله وحفظ السوائل كالزيوت والخمور وفي خزن الحبوب ،وكذلك في
الطقوس الدينية أيضا ،كما صنعت مناجل الحصاد من الفخار المحروق ،وكانت هذه المنتجات
الفخارية تصنع من الطين النقي وبعضها من الغرين الذي تتركه فيضانات نهري دجلة والفرات
في أواسط وجنوب البالد ،هذا وتطورت الحرفة من استخدام األيدي فقط إلى استخدام القرص
المتحرك باليد لزيادة دقة العمل في األشكال المختلفة التي تصنيع الطين ،ثم تم اختراع دوالب
الفخار المتحرك والدوّ ار بواسطة األرجل ليظهر بعدها في صناعته عمليات تكميلية كالتلوين
3
ثم التزجيج باأللوان المختلفة.
* ــ صناعة األختام االسطوانية :اشتهر إقليم بالد ما بين النهرين كذلك بصناعة األختام
االسطوانية ،و كانت هذه األختام والتماثيل ونقوش األواني الفخارية خير وسيلة لتوثيق
األحداث الدالة على تاريخ المنطقة ،وكانت األختام من النوع المنبسط المسطح ،ثم تطورت
خالل العصر التاريخي و تطورت في طريقة صناعتها و حتى في مادتها األولية ،و الختم
األسطواني (أنظر الشكل )08هو عبارة عن خرزة أسطوانية تصنع من األحجار المختلفة و
تختلف أقطارها أيضا ما بين سنتمتر واحد إلى بضعة مليمترات كما تتراوح أطوالها من 2.5
سم الى 7.5سم وهي مثقوبة طوليا مما يحتمل أنها كانت تعلق في الرقبة ،وكانت من المقتنيات
الشخصية المالزمة لمعظم األفراد ،كما يعد الختم من الناحية الفنية من أجمل ما أنتجه فن النقش
والنحت في جميع الحضارات ،وكان يحفر وينقش بصور مختلفة المواضيع بهيئة معكوسة
بحيث اذا ختم على الطين الطري ترك طبعة هذه الصور بهيئة موجبة وكان ذلك بمثابة التوقيع
4
أو الختم لتوثيق العقود والمعامالت المختلفة.
ـ مارتن ليفي " ،النحاس والبرونز في بالد مابين النهرين" ،مجلة النفط والتنمية ،بغداد ،العدد ، 99 ، 17ص .7
ـ وليد الجادر ،صناعة التعدين ،حضارة العراق ،ج ،1ص .35
5ـ تقي الدبّاغ ،الفخار في عصور ما قبل التاريخ ،حضارة العراق ،ج ، 15ص .19
1ـ عادل ناجي ،األختام االسطوانية ،حضارة العراق ،ج ، 11ص1و كذلك صبحي أنور رشيد ،تاريخ الفن في العراق القديم ،فن األختام
االسطوانية ،ص .9-9
43
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
و مما يذكر في المجا ل الصناعي كذلك صناعات أخرى كاللبن و استخراج الحجارة في
البناء ،و عمليات الغزل و النسيج و صناعة الحلي و الزجاج و غيرها ـ و التي ال يتسع المقام
لعرض تفاصيلها ـ .
جـ ـ النشاط التجاري :نشأت التجارة في بالد الرافدين و ازدهرت من أجل الحصول على
بعض المواد النادرة كالمعادن و األحجار و األخشاب ، ..و كذلك للحاجة الى تصريف الفائض
الزراعي و الحيواني ،لكن هذا النشاط كان شديد ارتباط باالستقرار السياسي بالمنطقة حيث
زاد دوره في اقتصاد شعوب المنطقة مع توجه البالد من نظام الدولة المدينة الى الدول المركزية
كالدولتين البابلية و االشورية ،و من مزايا التجارة الدولية هو اشراف و سيطرة الدولة على
وسائطها و امكانياتها و أرباحها ،لذا عملت الدول و حكام األقاليم على تنظيم العملية و تحقيق
1
األمن لتحقيق األرباح التجارية .
و كانت أنسب وسائل النقل التجاري في بالد الرافدين للمواد الثقيلة الوزن كاألحجار و
األخشاب و الشعير و النحاس ـ بكميات كبيرة طلبا للربح التجاري ـ هي وسائط النقل المائية،
التي تتميز باستيعابها الكبير و انخفاض تكاليف انتقالها ،حيث وجدت هذه الوسائط في أنهار
المنطقة و فروعها و شبكة القنوات و بخاصة نهر الفرات و روافده ،و عبرها انتقلت عليها
2
المواد المختلفة ووصلت إلى جميع المدن.
كما يبرز الحمار في مقدمة حيوانات النقل إذ استعمله اآلشوريون خاصة على نطاق واسع
في أغراض الحمل و النقل قبل الحصان و الجمل بفترة طويلة ،و أن تجارة بالد الرافدين
الخارجية مع "بالد األناضول" في مطلع األلف الثانية قبل الميالد استفادت منه في نقل المعادن
و المنسوجات بين "آشور " و بين "كانيش " و غيرها .حيث تضمنت المعلومات ّ
أن القوافل
أن إحدى القوافل حملت ما وزنه 11 األشورية تض ّم الواحدة ما يقارب مائتي حمار ،كما ورد ّ
ـ رضا جواد الهاشمي ،التجارة ،حضارة العراق ،ج ، 1ص .99
ـ ـ شيبان ثابت مصطفى الراوي " ،التجارة عبر الفرات في بالد الرافدين" ،مجلة ،جامعة األنبار للعلوم اإلنسانية ،العدد ، 1 ، 1
ص 11
44
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
طنا من القصدير من "آشور" إلى "األناضول " ،كما نقلت قوافل األحمرة التجارة من بالد
بابل إلى مدن "بالد الشام" ،ومن مدن "الفرات" إلى المدن السورية الداخلية ،و منها إلى المدن
1
الساحلية (فينيقيا).
أما عن مواد التجارة الداخلية فهي متنوعة و تض ّم المعادن و األخشاب تليها المواد و
الصناعات المحلية و هي الزيوت و الشحوم و العطور و أنواع من األخشاب و المالبس و
المنسوجات و األصباغ و القصب و اآلجر و الحليب و مشتقاته و الحبوب و المنتوجات
الزراعية المعروفة و الحمير و الماشية و الخنازير و األسماك و العبيد ،كما شاع بيع و شراء
الخيول و الجمال الحقا منذ األلف الثاني ق.م ،م ّما يبيّن أهمية التجارة من حيث الفئات
2
االجتماعية التي انهمكت فيها صناعة و تحضيرا أو نقال و بيعا و تصريفا.
و باالنتقال الى التجارة الخارجية (أنظر الشكل )09لجأت الدولة إليها الفتقادها للمواد الخام
األساسية ،فكان عليها أن تستورد المعادن و بشكل خاص التوتياء و األخشاب المتينة و
األحجار و الزيوت النباتية و النبيذ و العاج ،و تص ّدر بالمقابل منتوجاتها الزراعية الفائضة
كالحبوب بأنواعها و زيت السمسم و التمور و الصوف ـ يصدر الصوف على شكل أثواب و
مناديل ـ .و استوردوا من الخليج العربي أو عبر مراكزه التجارية مواد أساسية كالنحاس و
األخشاب باإلضافة الى مواد كمالية كالعاج و الذهب و الالزورد و األحجار الكريمة و بعض
أنواع الحيوانات و الطيور و عيون السمك( اللؤلؤ) ،و بعض المواد المصنعة كاألمشاط
العاجية ،على اعتبار الخليج العربي و مركزه معبرا لتجارة الهند و مناطق جنوب غرب آسيا
3
في طريقها الى بالد الرافدين و سوريا و البحر المتوسط.
و يمكن أن نصف حجم التجارة التي بلغتها بالد الرافدين على العهد البابلي المتأخرـ كمثال
ـ من خالل ما أورده المؤلف "ويل ديورانت "إذ يقول "" :كانت القوافل التجارية الكثيرة
تحمل الى أسواق "بابل" و حوانيتها غالت نصف العالم القديم ،فتأتيها السلع من الهند
مارة بـ"بابل" و "هيرات" و من مصر مارة بفلسطين ،و من آسيا الصغرى عبر "صور"
و"صيدا" و "سرديس" الى "قرقميش" ،ثم تنحدر جنوبا مع نهر الفرات ،وكان لهذه
التجارة كلّها أثر عظيم في عظمة مدينة "بابل "و أضحت في أيام "نبوخذ نصر" سوقا
4
عظيمة تعج بالبضائع و التجار"".
ـ رضا جواد الهاشمي ،التجارة ،حضارة العراق ،ج ، 1ص ص .1-9ـ بتصرف ـ
ـ هيفي سعيد عيسى " ،األسواق في العراق القديم ( 911ـ 359ق.م)" ،مجلة التربية و العلم ،مج ، 9العدد ، 1 ، 11ص .9
5ـ ل.ديالبورت ،المرجع السابق ،ص 9
1ـ ويل وايرل ديورانت ،المرجع السابق ،ص .91
45
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
ـ غيث حبيب خليل " ،التكوين السكاني للمجتمع العراقي القديم حتى سقوط بابل 359ق .م " ،مجلة آداب الفراهيدي ،جامعة تكريت ،العدد 1
،السنة األولى ، 119 ،ص .51
ـ عبد الكريم عبد هللا " ،مالمح الوجود السامي في جنوب العراق " مجلة سومر ،العدد ، 971 ، 51ص.1
46
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
*ـ طبقات المجتمع في بالد ما بين النهرين :تش ّكل مجتمع وادي الرافدين أساسا على طبقتين
رئيستين تندر أوجه المقارنة بينهما ( التشابه) هما :األحرار والعبيد ،و ض ّمت طبقة األحرار
فئات وشرائح عديدة من المجتمع منها الحاكمة والمتنفّذة ،ومنها المحكومة التي ضمت عامة
الناس ،وتقف على رأس الفئة الحاكمة األسرة المالكة التي اكتسبت وفق ملحمة الخليقة مركزا
اإللهي ،وبذلك أصبح مصدر اإلله في أرضه يتمتع بالتفويض ِ خاصا باعتبار الملك نائب ِ
السلطات واالمتيازات ،و تلي األسرة المالكة حاشية الملك من النبالء وكبار رجال الدولة من
مدنيين وعسكريين وكبار الكهنة ،أي الفئة االرستقراطية .وكانت لهذه الفئة جميع الحقوق
1
واالمتيازات وفق القوانين واألعراف والتقاليد السائدة.
وحسب الدارسين يمكن تقسيم المجتمع في أغلب الفترات التي مرت بالمنطقة كاآلتي :
-طبقة األحرار :تطلق عليهم النصوص اصطالح "األولياء "awiluومنهم المالّك في الريف
والمدن ،والتجار والفنانين والعمال وغيرهم من أصحاب المهن والحرف ،وتثبت لهم
2
الشخصية القانونية منذ والدتهم حتى وفاتهم.
-طبقة الــ "مشكينو" :و تدل النصوص المختلفة على وجود هذه الطبقة بهذا االسم" ،مشكينو"
أو "مسكينو" -مواطن الدرجة الثانية -وتقابلها بالعربية كلمة (مسكين) وهم الفقراء ،ويقعون
في أسفل السلم االجتماعي ،و يتشكلون من األحرار الذين كانت تهددهم حياة العبودية بسبب
3
صعوباتهم المعيشية.
ـ الرقيق :عرف العراقيون القدماء نظام الرق منذ عصور مبكرة من تاريخهم القديم ،وقد
وردت اإلشارة إلى العبيد و اإلماء في أقدم النصوص المسمارية المكتشفة والتي يرقى تاريخ
عدد منها إلى القسم األول من األلف الثالث قبل الميالد إال أن نسبة عدد العبيد واإلماء إلى عدد
سكان البالد لكان قليال ،و السيما في العصور المبكرة ثم ازداد العدد تدريجيا وبخاصة بعد أن
زادت الحروب والحمالت العسكرية وما جلبته من أسرى من البلدان المختلفة الذين أصبحوا
عبيدا ،و كانت نسبة اإلناث من العبي د إلى الذكور كبيرة تصل إلى ثلثي العدد الكلي ،نظرا
4
لفائدة اإلناث المزدوجة .وكان العبيد ،ذكورا وإناثا ،يعدون ملكا خاصا للمالك يتصرف بهم.
*ـ -األُسرة و دور المرأة في بالد ما بين النهرين :تع ّد العائلة عند البابليين و األشوريين عائلة
أبوية ،أي أن ّللرجل فيها حقوقا تفوق حقوق المرأة ،و لكن هذا االمتياز لم يصل الى حد
استعباد المرأة أو إخفاء دورها االجتماعي أو االقتصادي ،فقد ضمن القانون العراقي القديم
للمرأة حقوقها االجتماعية و االقتصادية قبل الزواج و بعده بصورة واضحة ،إذ منع الرجل
ـ سمير العيداني ،العالقات الحضارية بين مصر و شعوب بالد الرافدين ،ص ،ص 571-57ـ بتصرف ـ
ـ يونس محمد فتاح " ،نشأة و تطور المجتمع الريفي في العراق القديم "،مجلة دراسات في التاريخ و اآلثار ، ،جمعية المؤرخين و األثريين في
العراق ،العدد ، 999 ، 11ص 1هاري ساكز ،المرجع السابق ،ص .7
5ـ ل .ديالبورت ،المرجع السابق ،ص 7
1ـ طه باقر ،مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة ،ج ،1ص ص 357 -351
47
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
من حق تطليق المرأة التعسفي أو الكيفي (كيفما يشاء) ،و حصره في حاالت استثنائية مقابل
1
منح المرأة حق طلب الزواج.
أما عن الميراث في العراق القديم ،و بخاصة في العهدين البابلي و األشوري فقد كان
لألوالد الذكور األحرار فقط ،وكان األبناء األحرار يتقاسمون التركة بالتساوي مع منح األكبر
بعض االمتيازات ،كأن يكون له حق اختيار الحصة األولى أو منحه حصة إضافية ،كما يحق
لألب قبل وفاته ترك وصية تتضمن تخصيص حصة من تركته ِإلحدى زوجاته أو ابنه
المفضل ،فينقص ذلك الجزء من التركة أوال ويقسم الباقي بالتساوي بين الورثة ،وبالنسبة
لألخوات غير المتزوجات كان األخوة يقتطعون حصة من التركة لتغطية المهر قبل اقتسام
التركة بينهم ،لذلك فاألرجح أن حصة الفتاة من اإلرث هو مبلغ مهرها ،مع مالحظة ّ
أن األبناء
2
بالتبني ال يحق لهم المشاركة في التركة إال إذا ترك األب وصية رسمية .
4ـ الجانب الثقافي :ويشمل المظاهر اآلتية :
أ ـ األدب العراقي القديم :خلّف العراقيون القدامى تركة ضخمة مدونة على األلواح الطينية
تميّزت بتنوع الموضوعات المسجّلة عليها ما بين األساطير و الحكم و األمثال و النصائح و
التراتيل و الصلوات و األدعية و بعض القصص و قصائد الغزل و المرثيات التي تسجل أحداثا
تاريخية تتصل بالكوارث التي حلت ببعض المدن العراقية ،و تمثل هذه المدونات األدبية نسبة
3
ضئيلة من الكتابات التي وصلتنا إذ تكون غالبية الكتابات من نصوص اقتصادية و إدارية.
وككلّ أشكال األدب عند شعوب الشرق األدنى فقد خاض األدب العراقي في مواضيع مختلفة
كأدب األساطير و الــذي يتض ّمن نشــــأة الخليقة و أصـــل الوجود و أساطير ما بعد المــــوت
و أدب القـــــصة و الحكـــــــــــــــمة و المالحم و البطوالت و أدب المفاخرة و أدب الحب و
الغزل و حتى أدب السخرية و الفكاهة و القصص المروية عن لسان الحيوان و المقاالت و
الرسائل.
هذا و حوت الوثائق المسمارية العديد من األساطير و القصص ،خاصة في مكتبة الملك
األشوري " أشور بانيبال الشهيرة " ،و منها "أسطورة الخليقة البابلية" سماها البابليون " إينوما
ـ إيليش " و ملحمة " جلجامش " و قصة الطوفان و قصة آدابا من النصوص األدبية التي
تتّصل بموضوع العدل اإللهي ،ما اصطلح الباحثون على تسميته باسم " قصة أيوب البابلي "
ألمجدن رب الحكمة " ،و يسجّ ل ّ
أن األدب ّ أو " التقي المعذب " و مطلعها في األصل البابلي "
4
العراقي اشتمل على أدب السخرية و أشهر نماذجه ما عرف بـ " الفقير من نفر ".
ـ ـسبتينو موسكاتي ،المرجع السابق ،ص 97و أنظر :رضا جواد الهاشمي " ،القانون و األحوال الشخصية " ،حضارة العراق ،ج، 1
ص .99-97
ـ ـ شاكر محمود إسماعيل " ،تطور عالقات الترابط االجتماعي في المجتمع العراقي القديم" مجلة ديالى ،العدد،119 ،51ص .7
5ـ أحمد أمين سليم ،دراسات في تاريخ الشرق األدنى القديم .مصر و العراق ،ص .113
1ـ للتفصيل في األدب العراقي القديم يراجع :طه باقر ،طه باقر " ،مقدمة في أدب العراق القديم" ،مجلة المجمع العلمي العراقي ،العدد ، 11
، 973ص .19و أنظر :سمير العيداني "،اإلبداع األدبي في مصر القديمة و بالد ما بين النهرين ـ دراسة مقارنة " ،مجلة حضارات الشرق
األدنى القديم ،العدد الثاني ،السنة الثانية ،أكتوبر ، 11الجزء الثاني ،ص ،ص .11-395
48
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
ـ فاروق ناصر الراوي ،العلوم و المعارف ،حضارة العراق ،ج ، 1ص .93وأنظر :عبد العزيز صالح ،المرجع السابق ،ص .393
ـ ل.ديالبورت ،المرجع السابق ،ص ص 9-9ـ بتصرف ـ
49
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
على رؤوس أبراج المعابد ،كما كانوا يقيسون مدارات النجوم بالساعة المائية ،و يسجلون
حركات الشمس والقمر فصارت لهم في القرن السابع قبل الميالد القدرة على التنبؤ بما ينتابها
من خسوف أو كسوف ،و أطلقوا على مجموعات الكواكب أسماء أخذها عنهم اليونان الحقا ،
1
و كان علم الفلك األساس الذي بني عليه التقويم المش ّكل من اثنى عشر شهرا قمريا .
أن عملية رصد الكواكب والنجوم و البروج وتدوينها في نصوص فلكية قد اعتمدت و الشك ّ
على آالت و أدوات دقيقة ساعدت الفلكيين في أعمالهم الرصدية منها :العدسة و الساعة
المائية و اإلصطرالب ،و برع الكلدانيون في علم الفلك ،فربطوا أيام األسبوع بـ"عطارد"
و"الزهرة" و "المريخ" و"زحل" و "الشمس" و"القمر" ،و ثبتوا أسماء البروج السماوية في
اثنى عشر برجا ،و صنع أحد كهنتهم الفلكيين و يسميه "سترابون" "نبور ـ بانوس" "نابو-
ريمانو" حوالي 500ق .م جداول لحركات الشمس و القمر و بيّن مقادير حركتها في اليوم و
الشهر و السنة ،كما حسب الخسوف ،و بيّن أن طول السنة 365يوما و 6ساعات و 15
2
دقيقة و 41ثانية ( أطول من السنة العالمية بـ 26دقيقة و 55ثانية) .
أن النصوص *ـ الطب و الصيدلة :رغم أن العلوم الطبية ارتبطت بالعرافة والسحر ،إالّ ّ
المسمارية المكتشفة تؤكد لنا سمو هذا العلم عند العراقيين القدماء ،و خير دليل على ذلك ما
جاء في قانون "حمورابي" الذي ميّز بين الطبيب و الجراح و استنتج الباحثون من األلواح
الطينية ذات الطابع الطبي ،أنّهم كانوا على معرفة باألدوية النباتية و المعدنية و أنهم استخدموها
3
بأشكال مختلفة خارجيا كالكمادات و الدلك بالزيت و داخليا كالجرع أو الحقن الشرجي .
و دلت النصوص الخاصة بالوصفات الطبية استعمالهم لمواد نباتية كالجذور و البذور و
اللحاء و األوراق و األغصان و الفواكه و من أكثرها شيوعا الثوم وعرق السوس و أنواع
أخرى جاءت في شكل قوائم معجمية كما استخدموا المواد الحيوانية كاأللبان و اللحوم
والفضالت و استخدموا الطيور بأنواعها كالبوم والنعام والصقر و الغراب ،و استخدموا كذلك
مستخرجات األصداف و أكثرها شيوعا صدف السلحفاة ،هذا إضافة إلى أنواع األمالح و
األحجار و المعادن ( و لعل معرفتهم بالكيمياء هي التي م ّكنتهم من استخالص أدوية من المعادن
4
واألمالح) .
أن الكيمياء تدخل ضمن*ـ الكيمياء :أورد المختصون ومنهم المؤلف "طه باقر" على ّ
المهارات التقنية ،و قد ظلت ضمن العمليات الصناعية و أساليبها ،و بخاصة عبر عملية إذابة
و صب و سبك بعض المعادن ،أو عبر مزجها لتكوين معادن مركبة أو مزيجة كالبرونز و
5
اإللكتروم و صناعة الزجاج و التزجيج وغيرها .
ـ د .ج وايزمان " ،بابل و أشور مركزان علميان قديمان " ،مجلة سومر ،ص 11-99
ـ شيماء علي أحمد النعيمي ،الفلك في العراق القديم من الق رن السابع الى القرن الرابع قبل الميالد ،رسالة دكتوراه ،إشراف :علي ياسين
الجبوري ،جامعة الموصل ، 111 ،ص .1-5و أنظر :فاروق ناصر الراوي ،المرجع السابق ،ص .55
5ـ رينيه البات " ،الطب الببلي و األشوري" ،تر :وليد الجادر ،مجلة سومر ،مج ، 919 ، 11ص .9
1ـ نسرين أحمد عبد .هيفاء أحمد عبد " ،معالجة بعض أمراض العيون و األسنان في الطب األشوري " ،مجلة دراسات موصلية ،العدد ، 51
، 1ص .
3ـ فرج بصمه جي " ،الكيمياء و تكنلوجياتها في العراق القديم ،مجلة سومر ،مج ، 919 ، 1ص .11و أنظر :فاروق ناصر الراوي ،
المرجع السابق ،ص .511
51
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
كما نجح سكان بالد الرافدين في العديد من الصناعات المرتبطة بالعمليات الكيميائية و
منها المطهرات و صناعة الصابون عبر استخراجه من الزيوت النباتية و إضافة الكبريت و
المواد الصمغية ،وفي ذلك يرى "ليفي بروفنسال" أنهم صنعوا الصابون البارد ،أو شبه المغلى
بمواد تتضمن الغليسيرين و الماء باعتماد الحالتين المتخثرة والسائلة ،كما استعمل في ذلك
1
زيت "الخروع" ،ثم يتم الفصل بين الغليسرين و الصابون عبر تنقية "الترسيب الملحي".
جـ ـ الفن الرافديني :يمكن تناول الفن العراقي القديم بوصفه نشاطا يرتبط بالدولة و المعابد،
إذ تنتشر نماذجه في القصور و المعابد الضخمة المكرسة لآللهة القومية و آلهة المدن الرئيسة،
و أهم فنون المنطقة هي عملية النحت بأنواعه و من أمثلة النحت البارز في هذه الفترة هي
تلك المواضيع المنفّذة على ما يعرف بأحجار الحدود المعروفة باسم "كودرو" و هي أحجار
وظيفتها تحديد ملكية األشخاص أو مساحات األرض و كانت تودع في المعابد ،حيث شاع
2
استعمالها في العهد الكاشي ،و فنّيا خصّص الجزء األعلى منها لنحت صور اآللهة و رموزها.
أما عن النحت األ شوري المجسم فقد تجسد فيه حب ملوكهم للظهور بهيئة األقوياء جعل
تماثيلهم القليلة تطغى عليها هذه الصفة التي نالت من المرونة تلك التماثيل وحركتها ،كما
دفعتهم إلى جعل تماثيلهم مدونات إلنجازاتهم خاصة الحربية منها ،ومن تماثيل األشوريين
تمثال الملك "شلمنصر الثالث" (824-858ق.م ) ويبلغ ارتفاعه مترين ،منحوت من حجر
البازلت وقد عثر عليه في "نمرود" يظهر الملك وهو حافي القدمين ،كما تميزت الرسومات
والمنحوتات البارزة األشورية بإظهار القوة العضلية فيها ،فتبدوا العضالت مفصلة فيها بشكل
واضح لدى األشكال اإلنسانية والحيوانية على حد سواء ،كما جرت العادة على تصوير األسود
والوحوش المجنحة برؤوس بشرية ذات لحى ووضعت هذه المنحوتات الضخمة في مداخل
القصور الملكية ،من اجل إثارة الرهبة في نفوس األعداء( 3.أنظر الشكلين 11و)12
هذا و يشير عدد من الدارسين للفن األشوري و منهم "سبتينو موسكاتي" و "أنطوان
مورتكات" الى ّ
أن مواضيعه يغلب عليها الطابعين الدنيوي و الحربي إذ يقول األول " :و
الموضوعات الدنيوية (غير الدينية ) كموضوعات الرسوم البارزة ،متوافرة في الفن األشوري بل غالبة
4
عنه و هي تكسبه طابعا عسكريا بحتا يتماشى تماما و عقلية الشعب األشوري".
د ـ العمارة :امتازت حركة التطور المعماري في العراق القديم بتفاعل كامل و حيوي
بين المادة األولية التي تصنع منها المواد اإلنشائية و بين طبيعة البيئة و المناخ اللذين يحيطان
بالمنشآت المعمارية حيث عرف إنسان العراق القديم وسائل تحقيق أهدافه العمرانية بالتجربة
و اكتساب الخبرة المتراكمة ،و في هذا كانت مادة الطين في شمال بالد النهرين و جنوبه المادة
ـ فاروق ناصر الراوي ،المرجع السابق ،ص ص 531-535ـ بتصرف ـ .
ـ نعمت إسماعيل عالم :فنون الشرق األوسط القديم ،دار المعارف ،القاهرة ،ط، ،1د :ت ،ص .19
5ـ طارق عبد الوهاب مظلوم ،النحت من عصر فجر السالالت حتى العصر البابلي الحديث ،حضارة العراق ،ج ، 1ص . 13
1ـ سبتينو موسوكاتي ،المرجع السابق ،ص11ـ بتصرف ـ .
51
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
الرئيسية األوفر و األكثر اقتصادا و األسهل في عملية التطويع و التشكيل بأيدي البنائين كما
في أنامل النحاتين و الفخاريين ،حيث تم استعمال اللبن المحدب في عمليات اإلنشاء و معه
الطين كو سيلة ربط و اإلسفلت كمادة عازلة في الحمامات و أحواض المياه و كذلك الزفت و
1
الجص بدرجات أقل .
الشكل :00:املسلة السوداء لـ"شلمنصر الثالث" الشكل :00:املخلوقات األشورية املركبة (احلارسة)
و في الشمال استخدم األشوريون إضافة إلى اللبن و الطين األحجار في البناء خاصة في
القشرة الخارجية ألسوار المدن مثل سور "نينوى" و القصور و المصاطب مثل "القلعة الملكية
" في "خرسباد" و في أكساء قواعد األبراج الدفاعية مثل "أشور" أو أعمال الجسور والقناطر
و أقواس األبواب ،كما في حصن "شلمنصر" في "نمرود" أو قناطر مياه "سنحاريب" شمال
2
"الموصل" أو في تبليط طرق االرتقاء كما في معبد "نبو" في "خرسباد" .
و إن من أهم المجاميع البنائية في الفترة قيد الدراسة هي المعابد ،حيث يالحظ تع ّدد أنواعها
و أه ّمها المعابد لآللهة الرئيسية المنفردة و هي عادة معابد أرضية في مناطق مركزية أو هناك
المعابد المرتفعة فوق المصاطب ،المشيّدة من اللبن بطبقة أو طبقتين و هناك المعابد المالصقة
للزيقورات ،و هي معابد أرضية أو منخفضة تكون في الصحن المحيط بالزيقورة و لها
واجبات تكميلية ،ثم لدينا المعابد المرتفعة "الزيقورات" (أنظر الشكل )13و تكون فوق
ارتفاعات اصطناعية يشكل المعبد الطبقة األعلى و ال تقل طبقاتها عن ثالث طبقات دون
3
احتساب المعبد .
و اشتهر من المباني الملكية في العصر األشوري قصر الملك "آشور ناصربال الثاني"
(حوالي 879ق.م) على نهر دجلة بـ"نمرود" ،و الذي استخدم في عهود "سرجون الثاني" و
سنحاريب" ،كما اشتهر من هذه الفترة حصن الملك "شلمنصر الثالث"(أنظر الشكل )14ابن
ـ أنطوان مورتكات ،الفن العراقي القديم ،تر :توفيق سليمان ،مطبعة اإلنشاء ،دمشق ،د:ط917 ،م ،ص .7
ـ مؤيد سعيد ،العمارة في عصر فجر السالالت إلى نهاية العصر البابلي الحديث ،حضارة العراق ،ج .1 ، 5
5ـ محمد بيومي مهران ،المرجع السابق ،ص . 511
52
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
"آشور ناصربال الثاني" و المشيّد في الزاوية الجنوبية الشرقية من "نمرود" مقابل الحي
الملكي ،و كان هذا الحصن واسعا و يشمل عدة ساحات و قاعات و مداخل ينتقل منها عبر
1
بعضها حتى قاعة العرش.
الشكل :14:خمطط حصن "شلمنصر الثالث" الشكل : 11:زيقورة نابونائيد الكلداين كما صممها السري ليونارد وويل.
و يع ّد العصر الكلداني ـ حسب كثير من المختصين ـ عهد الفخامة بالنسبة للمظهر العمراني
ببالد الرافدين ،خاصة عهد "نابوبالسر" و ابنه "نبوخذ نصر الثاني" ،إذ قاما بإعادة تخطيط
مدينة "بابل" مع التركيز على القصور الملكية ،و ذلك عبر إقامة شارع رئيسي للربط بين
القصور و وسط المدينة و هو "شارع الموكب" ،كما ركزوا في عمارتهم على "برج بابل"
الشهير و معبد اإلله "مردوخ" ،و من أه ّم ما ت ّم الكشف عنه في مدينة بابل "القصر الجنوبي"
الذي بناه "نبوخذ نصر الثاني" على مساحة 52ألف م 2فوق مصطبة عالية ،و ترتفع جدرانه
من حوالي 12إلى 15مترا ،و لهذا القصر خمس ساحات متتالية أكبرها الساحة الثالثة
الوسطى ،و يبلغ ضلعها 60مترا و تلتصق في ضلعها الجنوبي بقاعة العرش الكبرى ،و هي
2
بمساحة (35×55م) و لها ثالثة أبواب.
د ـ الجانب الديني :تتميز ديانة بالد الرافدين بالديمومة لكثير من أفكارها الدينية و التشابه في
االعتقاد في قضايا الخلق و مصير الروح بين األقوام المتعاقبة على حكم المنطقة ،و بسبب
ضيق المجال ،سأختصر الموضوع عبر تقسيمه كاآلتي :
*ـ المعتقدات الدينية :و تشمل األفكار الدينية التي اشتركت في تقديسها الشعوب المشكلة
لحضارة المنطقة ،و من المظاهر المميّزة للفكر الديني في ما بين النهرين صفة االستمرار
53
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
التاريخي ،فإنه عندما بلغ طور النضج في العصور التاريخية في األلف الثالث قبل الميالد ،
لم يطرأ عليه تغيير حتى زوال البابليين السياسي فالمعبودات التي قدسها سكان العراق في
العصور التاريخية المتأخرة ( البابلي األشوري و الكلداني ) هي-بوجه التقريب -المعبودات
نفسها التي قدسوها في األدوار القديمة ،أما التغييرات التي نجدها فرض في عالقة اآللهة
بعضها ببعض ،و كذلك مكانة اآللهة و أهميتها تتغير تبعا للتغييرات السياسية ،فعندما تبلغ
مدينة قوة سياسية و تبسط سلطانها على المدن األخرى و يعظم عند ذلك شأن إلهها ،فيعمل
الكهنة على تحديد عالقة هذا اإلله بغيره من اآللهة ،و كثير ما يعمد الكهنة إلى تحوير المعتقدات
1
الدينية لتتفق مع التغيير الحاصل في مكانة اآللهة .
و اعتقد اإلنسان العراقي القديم بالقوى الخيرة و الشريرة ،التي نسب إليها التحكم في عالمه
الدنيوي و األخروي ،و حاول أن يح ّدد مفهوما و ما يلزم الكتساب رضاها ،حيث نسب لهذه
القوى صفات وعواطف بشرية و أصبغ عليها نفس طريقة حياته-إالّ أنّه رفعها عن الجنس
البشري بأن منحها الخلود -و نسب الصفات الشريرة إلى عالم األرواح الخبيثة و التي جعلها
قوى أسمى من شرورها عبر وسائل كالسحر .
و اعتمادا على األساطير البابلية فالمعتقد السائد أن عنصر الماء أزليا و إلهيا (اإلله أبسو)،
و تولد من الماء عنصر آخر هو عنصر السماء (آنو) و األرض متحدين و كانت األرض
والسماء إلهين كذلك و تولد من السماء و األرض المتحدين عنصر غازي هو الهواء الممتد
الذي فصل بتمدده السماء عن األرض ،و هنا تم تجسيم الهواء إلها هو "إنليل" و تولد من
الهواء القمر و من القمر ولدت الشمس و جسموا كالّ من القمر والشمس وع ّدوهما إلهين ،و
بعد انفصال األرض عن السماء نشأت أنواع الحياة األخرى من نبات و حيوان ثم اإلنسان ،كما
اعتقدوا أن أصل الحياة األخرى و األشياء نشأ من اتحاد الهواء و التراب و الماء بمساعدة
2
الشمس.
لم يشك البابليون في حتمية الموت و فرضيته على البشر و جميع األحياء ،و لكن يبدو ّ
أن
فكرة البعث بعد الموت و الجنة و النار لم يعرفوها ،حتى أن فكرتهم في التعبد و تقديم القرابين
لم تكن للحصول على الحياة الخالدة بل طمعا في النعم المادية الملموسة في الحياة الدنيا ،و
عقيدتهم في ذلك أن اإلنسان ما دام يعمل صالحا فقد استحق رضي اآللهة و عاش ممتعا
بالسعادة ،أما إذا أذنب -بقصد أو بدون قصد -فإن اإلله حاميه يتخلى عنه فتتلقفه مخلوقات الشر
و يتردى في عالم الرذيلة ،أما أفكارهم حول حالة الموتى في العالم السفلي ،فإنه بوجه عام
فهو عالم مخيف يكاد يتساوى فيه الموتى و ال قيامة فيه و ال رجعة ،أي أنهم لم يعتقدوا بعالم
3
آخر للثواب و العقاب أي ال جنة عندهم و ال نار كما في األديان األخرى .
ـ أحمد أمين سليم ،المرجع السابق ،ص . 591و براجع في ذلك :طه باقر ،مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة ،ج ، ص 1
ـ خزعل الماحدى ،إنجيل بابل ،األهلية للنشر ،عمان ،ط ، 999 ، ص .5
5ـ فراس السواح ،األسطورة و المعنى ،دراسات في الميثولوجيا و الديانات الشرقية ،دار عالء الدين ،دمشق ،ط ، 11 ، ص .95
54
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
*ـ اآللهة (المعبودات ) :و كانت الحياة الدينية في بالد الرافدين تقوم على تع ّدد اآللهة ،و كان
يقدر عددها بأرقام كبيرة ،و في العهد البابلي بلغ عددها 65إلها ،و كان لكل مدينة بالمنطقة
إله تخضع لحمايته ،كما كان ألنواع النشاط البشري آلهة توحي للناس ما يجب أن يفعلوه ،و
تدبر له مختلف شؤونه ،و تقوم بحمايتهم ،كما كان لكل ظاهرة طبيعية إله خاص مثل "آنو"
إله السماء و اإلله "إنليل" إله الهواء و اإلله "سن" إله القمر و اإلله "أدد" إله العواطف ،بينما
كان اإلله "أيا" هو اإلله المحلي لمدينة "أريدو" السومرية في أقصى الجنوب ،و كان يقتسم
مع "آنو" و "إنليل" حكم العالم ،كما يسيطر على الحياة المحيطة بالعالم و هو المسؤول عن
1
طرد األرواح الشريرة .
أن الديانة البابلية ـ اآلشورية تتميز بتعدد اآللهة ّ ،إال أنهم في الوقت نفسه
و بالرغم من ّ
كانوا يفردون بعض اآللهة و يفضلونها على األخرى ،أي أنهم كانوا يعتقدون بمبدأ"التفريد "
أن مردوخ (انظر الشكل )15كان يوصف بأنه تجلي اآللهة Henotheismال التوحيد و مثاله ّ
في مظاهرها حيث ورد في النصوص الدينية ":نرجال هو مردوخ المعارك ..و زبابا هو مردوخ
المذابح ..و إنليل هو مردوخ الشورى ..و الحكم و شمش هو مردوخ الحق و العدل " و نفس األمر
2
يقال على اإلله "أشور" عند األشوريين ،ثم اإللهين "مردوخ" و "نابو" عند الكلدانيين .
الشكل : 16رموز اإلله "آشور" التي تتكرر في المخلفات األثرية الشكل :15 :اإلله "مردوخ "ـ القرن التاسع ق.م
(أنظر )Philip Henri Grosse ,Assyria .her manners .and costumes..P 92 . : ـ حفائر بابل .متحف برلين ـ
( أنظر :ل .ديالبورت ،المرجع السابق ،ص )143
و جرى ترتيب و تصنيف اآللهة في العراق القديم حسب مبدأ فلسفي اتخذ العالقات
الموجودة في العائلة البشرية قدوة له ،إذ صنفوهم في فئتين ثالوثيتين هما الجيل األول (اآللهة
ـ أنطون مورتكات ،المرجع السابق ،ص ، 161و كذلك :فوزي رشيد ،الديانة ،حضارة العراق ،ج ، 1ص . 174طه باقر ،مقدمة في
تاريخ الحضارات القديمة ،ج ، 1المرجع السابق ،ص .227
ـ حامي محروس إسماعيل ،الشرق العربي القد يم و حضارته (بالد ما بين النهرين و الشام و الجزيرة العربية القديمة) ،مؤسسة شباب الجامعة
،اإلسكندرية ،د:ط ، 997 ،ص . 17و أنظر :عبد الحميد زايد ،الشرق الخالد ،مقدمة في تاريخ و حضارة الشرق األدنى القديم من أقدم
العصور حتى 55ق.م ،دار النهضة العربية ،القاهرة ، 911 ،ص . 59
55
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
الكونية) حيث السماء "آنو" و األرض "إنليل" و الماء "أيا" ،يقابلهم آلهة الجيل الثاني( آلهة
1
فلكية) القمر"زن" أو "سين" والشمس "شمش"و الزهراء "عشتار"و اإلله "حدد"(العاصفة).
*ـ الكهنة :لم يكن هناك فرق واضح بين الموظفين المدنيين و الدينيين في العراق القديم حتى
نهاية التاريخ البابلي المتأخر ،إذ كان األمير هو الكاهن األكبر إلله مدينته ،بينما كان الملك
هو الكاهن األكبر لإلله الوطني ،و انعكس التطور السياسي و االجتماعي التي شهدته الدولتين
–البابلية و األشورية -منذ األلف الثاني قبل الميالد في تطوّ ر شؤون المعابد و النظام الكهنوتي،
حيث ظهرت طبقات من الكهنة لك ّل منها درجتها و عملها الخاص ،حيث كان من هذه الطبقات
ما يختص بأمور التنظيف و التطهير الديني و بعضها بإدارة شؤون المعابد و أمالكها و
2
وارداتها ،و منها ما يتصل بأعمال السحر و العرافة.
و كانت المعابد الكبيرة تضم عددا من الكهنة و على رأسهم "الكاهن األعلى" وفق ترتيب
صارم يفرض على كل فئة وظائف محددة ،و عموما كان الكهنة ينقسمون إلى ثالث مراتب
منهم السحرة ،و هم الذين يستعطفون اآللهة و يعبدون األرواح النجسة ،و المنجّمون
(العرافون) الذين يتنبئون بالمستقبل ثم المغنون الذين يباشرون وظائف كالترتيل و العزف و
3
األغاني االحتفالية و الجنازية .
و يقسم المؤلف سامي سعيد األحمد الكهنة في بالد الرافدين إلى أربعة أقسام أساسية و هي:
أ-أصحاب المراتب الرفيعة "السانكا" :و منهم "اإلينو" و هو رئيس المعبد و الكاهن األعلى
و يختار بطرق خاصة و معه الكاهنة العليا "إينتوم" و تسكن الكاكوم و تحت تصرفها الكاهنات
و هي العنصر األنثوي في الزواج المقدس يضاف لها "الماخو" المسؤول عن المالية و
"الشادو" المشرف على أراضي المعبد و "الكاكور" المشرف على مخازن الحبوب .
ب-كهنة القداس :و يتخصصون باالحتفاالت مثل "األوريكالكو" و هم المسؤولين عن بوابات
المعبد .
ج-الكهنة المختصون :بالوظائف المختلفة و منهم المطهرون و المدهنون و األشيبو
المختصون بالتعاويذ و "الكالو" المنشدون .
4
د-المختصون باألسرار اإللهية :و منهم العرافون "البارو" و مفسروا األحالم .
*ـ المعابد :كانت المعابد أماكن اآللهة على األرض في الديانات و المعتقدات السامية القديمة
–عموما -قبل أن تكون أماكن للصالة و أداء الطقوس و الشعائر الدينية ،و كان الحكام و
الملوك يتقربون لهذه اآللهة ببناء معابد لها ،حيث كانت أكبر اآللهة تحضي بأكبر عدد من
5
المعابد و بأوسعها بناء و بأفخمها عمارة .
ـ ألكسندر هايدل ،سفر التكوين البابلي قصة الخليقة "حينما في األعالي " ،تر :سعيد الغانمي ،منشو رات الجمل ،بغداد ،ط،117 ،
ص 9و أنظر :ل.ديالبورت ،المرجع السابق ،ص ، 1و أنظر :أنطون مورتوكات ،المرجع السابق ،ص .57
ـ أنطون مورتكات ،المرجع السابق ،ص . 51
5ـ ل-ديالبورت ،المرجع السابق ،ص . 31
1ـ سامي سعيد األحمد ،المعتقدات الدينية في العراق القديم ،المرجع السابق ،ص ص 3-3ـ بتصرف ـ
3ـ فوزي رشيد ،الديانة .حضارة العراق ،ج ، المرجع السابق ،ص . 3
56
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
و كانت المعابد ذات شكل و حجم مختلفين ،فبعضها كانت مجرد مصليات صغيرة ،تتكون
من صف من الدور (الغرف) ،و تشتمل على فناء مكشوف يضم محرابا و قاعدة للتمثال
ا لمقدس ،كما كانت هناك معابد تضم عدة أقبية و غرف ،ثم أقيمت المعابد الضخمة ذات
التركيبات المعقدة و تخصّ اآللهة األعظم ،و كانت تضم غرفا إليواء الكهنة و العاملين في
المعبد ،و هنا كانت كل المعابد الرئيسية تشترك في خصائص معينة ،حيث اشتمل كل منها
على فناء كبير تحيط به غرف صغيرة تستخدم لإلقامة أو كمكتبات (مدارس للكهنة) ،و ورشات
1
و مخازن و اصطبالت .
و يع ّد معبد "اإليزاجيال" في بابل أوسع المعابد و أشهرها ،و هو معبد اإلله "مردوخ" ،معنى
لفظه ( ES-Agilaــ "المعبد الذي تناطح ثروته السحاب ) و بداخله كانت الحجرة التي يقف فيها
تمثال "مردوخ" الضخم و أريكته التي تزن 50وزنة من الذهب ،و بداخله قاعة ذات أعمدة
غطيت جدرانها باأللواح الخشبية ،كما توجد بالمعبد 55حجرة صغيرة للعبادة منخفضة
االرتفاع مخصصة لبقية آلهة المجتمع ،و لقد اهتم الملوك المتعاقبون (البابليون و األشوريون)
2
في تجديده و ترميمه.
*ـ الطقوس الدينية :كانت الشعائر التي تقام تقربا لآللهة متنوعة فمنها الصلوات و تقديم
القرابين و االحتفال باألعياد الدينية و منها ما يتخذ لمعرفة طالع اإلنسان و الوقوف على
المستقبل (و هو ما يطلق عليه العرافة و الكهانة ) ،و منها ما يتخذ لطرد الشياطين من جسم
اإلنسان و شفاء المرضى (و الذي يدخل نوعه تحت السحر ) ،وتتنوع أشكال العبادة في العراق
القديم ،بحيث منها ما يقوم به الفرد بنفسه بدون وساطة كهنة المعبد كالدعاء و صالة التوبة ،
و منها ما يقام بها تحت إشراف الكهنة كذبح القرابين و ما يتبع ذلك من أعمال و صالة و حرق
3
بخور و سكب للسوائل المقدسة.
و يتم التوجه بالصلوات إلى إله بعينه ،عبر تالوة التراتيل التي تمجد صفاته اإللهية و
منجزاته و تنتهي الطقوس بتسبيحة نمطية للشكر ،كما يمكن أن يتّجه الناس في العبادة إلى
اآللهة الشفيعة "الما "LAMAالتي تأخذ بيد المتعبد إلى حضرة اإلله ،و يمكن كذلك االبتهال
إلى األرواح الحارسة "شدو" " "Sheduو الماسو" " ، "Lamasuهذا و إن اآلداب البابلية لتكثر
فيها الترانيم التي تفيض بالتذلل ،و أكثرها وجدت في صورة "أناشيد التوبة" و منها قول أحد
المتعبدين ":أنا خاد مك ..أتضرع إليك و قلبي مفعم بالحسرات ..،إنك لتقبل الدعاء الحار
4
الصادر ممن أثقلته الذنوب ،فانظر إل ّي بعطف و تقبل دعائي ." ..
ـ طه باقر ،مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة ،ج ،المرجع السابق ،ص . 79
ـ مارغريت روتن ،المرجع السابق ،ص ص 9-9ـ بتصرف ـ
5ـ سامي سعيد األحمد ،المعتقدات الدينية في العراق القديم ،المرجع السابق ،ص . 31و كذلك يراجع :سبتينو موسكاتي ،المرجع السابق ،ص
. 91
1ـ شيبان ثابت الراوي " ،الطقوس الدينية في بالد الرافدين حتى نهاية العصر البابلي الحديث" ،رسالة دكتوراه (غير منشورة ) جامعة بغداد ،
، 11ص .15
57
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
أما عن عمليات الدفن فمن خالل قبور العصر البابلي الحديث بمدينة كيش" وضع الميت
بتابوت طيني أو في األرض و لم تكن التوابيت على طول الجثث لذا كانوا يثنون األطراف
(الرجلين) ،كما نعرف عن دفن الموتى أنه كان في ساحات المعابد كما أوضحت طبقات معبد
"نفر" ،و تظهر الطقوس الجنازية من خالل كالم للملك الكلداني "نابونائيد" الذي أمر "بمسح
جثة والده بالزيت و دفنه بمالبسه الثمينة المنسوجة من الكتان األبيض ...و ذبح الخرفان السمان و
1
تقديمها إليه".
و من أهم الطقوس االحتفالية عيد رأس السنة البابلية األشورية و المعروفة بـ "عيد
األكيتو" ،و قد كانت هذه تقام في كل سنة في المدن المختلفة مثل :أور و الوركاء و أدلب و
آشور و أربيال و بادتبيرا و بورسيبا و دور شروكين (خورسباد) ،أريدو ،حرّ ان ،كلخو
(نمرود) ،كيش ،لجش ،ماري ،نيبور ،نينوى ،سبار ،أوما ، .و كان العيد السنوي يستمر
في بابل حوالي 12يوما ،أين يسير موكب اإلله في أحد شوارع بابل مارا بـ"باب عشتار" ثم
عبر شارع الموكب في الربيع من كل سنة ،وهذا العيد كان رمزا للصراع بين قوى الطبيعة
2
حتى تنتصر القوى الخالقة فتزدهر األرض بالنبات في بداية الربيع.
58
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
*ـ نهر النيل :نشأ نهر النيل في أواخر عصر الميوسين في الزمن الجيولوجي الثاني ،و بدأ
في شق مجراه فوق األراضي حين اتصل بالمنابع الحبشية و منابع هضبة البحيرات في أوائل
عصر الباليستوسين ،ولم يعرف بشكله الحالي إال منذ 10آالف سنة 1،و يمتد من الجنوب الى
الشمال بطول 6670كم ممتدا من مناطق غزيرة األمطار في منابعه العليا بالحبشة الى أن
يصل الى المناطق الصحراوية في شمال السودان ثم مصر التي يقطعها في 1530كم انطالقا
2
من جنوب مدينة أسوان (الشالل األول ).
ـ عبد الفتاح محمد وهيبة ،مصر و العالم القديم .الجغرافية التاريخية ،منشأة المعارف ،اإلسكندرية ،د:ط ،د:ت ،ص .51
ـ نخبة من العلماء ،تاريخ الحضارة المصرية " العصر الفرعوني " ،مج ، 1مكتبة النهضة المصرية ،القاهرة ،د :ت ،ص ص .7-1
59
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
و النيل بنظامه الخاص في الفيضان قد فرض على المجتمع المصري الزراعي الوحدة و
النظام ،و كان الشريان الرئيسي للمواصالت ،كما ساعد على ربط أنحاء البالد و أنشأ بين
المصريين نوعا من التعاون الجماعي ،و كان النواة لقيام الحكومة المركزية منذ فجر التاريخ
ويرجع للنيل الفضل في خلق مدنية زراعية راقية في مصر ،كما ساعد هذا مع الموقع
الجغرافي في نقل مظاهر هذه المدنية الى حوض المتوسط 1،وهنا نذ ّكر بقول هيرودوت
2
الشهير المنقول عن هيكاتوس المليتي " مصر هبة النيل".
ويتميز وادي النيل بفيضانه الذي يحدث عموما كل سنة بين شهري جويلية و أكتوبر وهي
الفيضانات التي حملت الشعب المصري قديما على الوحدة و النظام ،يمكن حصر أهميته في
ري األراضي و المالحة النهرية مما يسهل االتصال و االحتكاك بين أفراد المجتمع المصري
مما ولّد فكرة التعاون و التبادل ،وخوفا من فيضان النيل و غرق البيوت و المحاصيل الذي
كان يهدد السكان بشكل دائم ،استلزم ذلك تجنيد كفاءات الشعب المصري مجبرا إياهم على
التعاون في إقامة الجسور و تنظيم مجرى النيل ،كما تطلب هذا التعاون مساهمة السلطة في
جميع األقاليم ومن ثمة وجدت حكومات إقليمية ثم حكومتا الشمال و الجنوب ثم الحكومة
3
المركزية للوجهين البحري و القبلي .
2ـ مصادر دراسة التاريخ الفرعوني :يعتمد أي دارس للتاريخ الفرعوني على جملة من
المصادر األساسية ،أه ّمها المصادر المادية (األثرية) وكتابات تاريخية معاصرة تعلقت
بمخلفات دول منطقة الشرق األدنى القديم ،وكذا كتابات كالسيكية لمؤرخين يونان و رومان،
ثم ما جاء في نصوص الكتب المقدسة عن مصر و أحوالها ،والتي يمكن معالجتها كاآلتي:
أوال ـــ المصادر األثرية ( المادية) :و تشمل اآلثار المصرية القديمة مواد ثابتة كالمعابد
واألهرامات و المقابر و بقايا المدن و المنازل و المسالت و التماثيل و اللوحات ،و أخرى
تش ّكل مواد منقولة تتضمن كافة أو جه الحضارة من أدوات منزلية و أسلحة و أدوات زينة و
قراطيس البردي وغيرها ،إضافة الى آثار فكرية تض ّم كتابات في الفكر الديني و األدبي و
السياسي ،و كلّها تش ّكل المصدر األساسي و األول الذي يعتمد عليه الباحث في دراسته
للحضارة الفرعونية في مظاهرها المتعددة 4،وتكمن أهمية المصدر األثري في معاصرته
لموضوع الدراسة التاريخية ،إذ ساعد على وفرة اآلثار المصرية و تنوعها عامالن هامان ،
تمثل األول في العقيدة الدينية التي اعتقد بها المصريون القدامى و هي عقيدة البعث و الخلود ،
و الثاني هي الظروف البيئية ـ الطابع الرملي الصحراوي و المناخ الحار الجاف ـ التي ساعدت
5
على حفظ اآلثار المصرية منذ أقدم العصور الى الفترة الحالية.
61
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
الشكل : 18 :حجر بالرمو ( أنظر :اللجنة العلمية الدولية لتحرير تاريخ أفريقيا العام ،تاريخ الحضارات العام ،مج ، 20ص)51
ب ــ قائمة الكرنك :و هذه نقشها كاتب من عهد "تحتومس الثالث" ،خالل النصف األول
من القرن 15ق.م ،على جانب من معبده بأقصى مجموعة الكرنك في معبد األعياد ،وصوّر
فرعونه فيها يتجه بدعواته و قربانه الى واحد وستين اسما من أسماء أسالفه ،و استطاع أن
عز عليه أن يسجليسجل أسماء القريبين من عهده في الدولتين الوسطى و الحديثة ،و لكن ّ
أسماء البعيدين عن عهده في الدولة القديمة تسجيال صحيحا ،و تع ّمد من ناحيته أن يغفل أسماء
2
الملوك الضعاف عهد االنتقال األول و أسماء ملوك "الهكسوس".
جـ ـــ قائمة أبيدوس :سجّ لها كاتب من عهد "سيتي األول" داخل معبده في أواخر القرن
14ق.م ،و صوّ ر فيها فرعونه وولي العهد يتوجهان بالدعاء أسماء أسالفهما ،و بدأ أولئك
األسالف باسم " منى " و أحصا المتخصصون منهم ستة وسبعون اسما ق ّدم لبعضها باسم
"نيسو" أي ملك ،و قدم للبعض اآلخر باسم "سا ـ رع" أي ابن الشمس ،و أغفل بدوره حكام
األسرتين التاسعة و العاشرة و حكام عصر االنتقال الثاني(3 .أنظر الشكل)19
ـ كورتيل ( ليونارد ) ،الموسوعة األثرية العالمية ،تر :محمد عبد القادر محمد و زكي إسكندر ،ط ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ،القاهرة،
.997ص .11
ـ أحمد فخري ،مصر الفرعونية ،موجز تاريخ مصر منذ أقدم العصور حتى 55ق .م ،الهيئة المصرية العامة للكتاب ،القاهرة ،د:ط ،1،
ص ص.3-31ـ بتصرف ـ
5ـ سمير العيداني " ،المصادر المادية و األدبية لدراسة التاريخ الفرعوني" ،ص .1و انظر :محمد علي سعد هللا ،في تاريخ مصر القديمة ،مركز
اإلسكندرية للكتاب ،اإلسكندرية ،د:ط ، 11 ،ص .3
61
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
62
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
تاريخ مصر القديمة ،وقد أخذ مانيتون هذه المهمة على عاتقه (حوالي 280-305ق.م ) ،و
ذكر صراحة أنّه استقى تاريخه و اعتمد في كتاباته على الوثائق التي خلفتها الحضارة
المصرية ،و التي كانت تضمها السجالت المحفوظة بمعابد "منف" و وثائق اإلدارات
الحكومية ،ولسوء الحظ فقدت النسخة األصلية من كتاب "مانيتون" أثناء "حريق مكتبة
اإلسكندرية" ،ولم يصل منه غير مقتطفات نقلها بعض المؤرخين و منهم المؤرخ اليهودي
1
"يوسفيوس فالفيوس".
ويتفق كثير من الباحثين في علم المصريات على ّ
أن تاريخ مانيتون بمثابة السند األول
لتقسيم األسرات ،إذ وضع هذا األخير قائمة عرفت باسمه تتألف من قوائم بأسماء الملوك منذ
بدء التاريخ حتى نهاية األسرات ،مرتبة حسب األسرات مع تقدير مدة حكم كل ملك ،إذ بدأ
تاريخه بالملك "مينا ـ نارمر "مؤسس األسرة األولى ،كما قسم ملوك مصر بعده الى ثالثين
أسرة حكمت مدة 3555سنة ،نهاية بعهد "نختبو الثاني" عام 343ق.م ،و قد أضيفت بعد
2
ذلك األسرة 31التي تعرف باألسرة الفارسية الثانية.
3ــ لوحة األنساب :في العصر المتأخر من التاريخ المصري ،ظهرت نصوص كتبها
بعض األفراد المهمين ـ غير الملوك ـ تروي تاريخ حياتهم ،و هذه تفيد في معرفة تتابع بعض
الملوك في العصور المختلفة و هي نصوص كثيرة و لها كلها شيء من األهمية ،و من أهمها
جميعا ذلك النص الذي خلفه الكاهن" عنخف ـ إن ـ سخمت" الذي كان كاهنا لكل من االله
"بتاح" و زوجته اإللهة "سخمت" في عهد األسرة الثانية والعشرين حوالي 750ق.م و تحتوي
لوحة األنساب لهذا الكاهن على قائمة طويلة بأسماء كبار كهنة "منف" (ذكر فيها 60كاهنا)
3
الذين كانوا ينتمون الى أسرة واحدة.
ثانيا ــــ مصادر الحضارات المعاصرة :و يقصد بها ما ورد في كتابات الحضارات المعاصرة
للحضارة المصرية القديمة ،كالحضارات البابلية و اآلشورية و الفينيقية و الحثية و اليونانية
و غيرها ،حيث اتصلت شعوب الشرق األدنى و الحوض الشرقي للبحر المتوسط بمصر
القديمة ،و اتسعت اتصاالتها من خالل عصور الدولة الحديثة اتساعا كبيرا ،و بدأ حكامها
يكتبون الى الفراعنة رسائل الود و االحترام المبالغ فيه خالل عهود السالم و هي رسائل تعرف
نسختها المحفوظة برسائل "تل العمارنة" ،تتكون من عدة رسائل كتبها أمراء الواليات
المصرية في آسيا و ملوك الشرق األدنى الى فراعنة األسرة الثامنة عشر المتأخرين بالخط
4
المسماري و اللغة األكادية على لوحات من الطين المجفف.
ـ رمضان عبده علي ،المرجع السابق ،ص. 3و كذلك أنظر :شارن شافية ،مصر الفرعونية ،ص .3
ـ السعيد شاللقة " ،مصادر الكتابة الهيروغليفية" ،مجلة الحكمة للدراسات التاريخية ،مؤسسة كنوز الحكمة ،العدد ، 15 ، 1ص .35
5ـ أحمد فخري ،مصر الفرعونية ،ص .3
1ـ سمير العيداني " ،المصادر المادية و األدبية لدراسة التاريخ الفرعوني" ،ص ص -1ـ بتصرف ـ
63
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
ثالثا ــــ كتابات المؤرخين الكالسيكيين :و قد كتب هؤالء عن "مصر "كتبا كاملة أو فصوال
من كتب ،غير أنه وجب الحذر الشديد لكثير من المعلومات الواردة فيها .خاصة و المالحظات
التي اتفق حولها الباحثون بالنسبة للمصادر الكالسيكية ،و منه ما تعلق أوال بأن كثيرا منهم قد
أساءوا فهم ما رأوه أو ذهب بهم خيالهم في تفسير أو تعليل ما سمعوه ،و الثاني أن أصحاب
هذه الكتابات قد زاروا مصر في أيام ضعفها و في عصور تأخرها و بالتالي أطلقوا الوضع
الخاص على العام ،و الثالث أن أغلب إقامة هؤالء الكتاب في مدن "الدلتا" و بالتالي لم يتبينوا
أوجه الحياة المصرية الحقيقية في "الصعيد" ،و الرابع أنهم اعتمدوا في كثير من كتاباتهم على
المصادر الشفوية من صغار الكهنة و المترجمين ،و الخامس أن كثيرا منهم قد كتب ما كتبه
من و جهة النظر اليونانية خاصة في أوقات اختلفت فيها مصالح بالدهم مع مصر ،هذا
باإلضافة الى روح التعصب للحضارة اليونانية1 .و من أشهر هؤالء المؤرخين و الرحالة الذين
زاروا مصر و كتبوا عنها نشير باختصار الى :
أ ــ هيكاته المليتي ( هيكاتوس ) :مؤرخ و جغرافي يوناني من بلدة "مليتوس" بآسيا الصغرى،
زار مصر في القرن السادس قبل الميالد(حوالي 520ق .م) جمع مشاهداته و قصص عصره
في مؤلف سماه "رحلة حول البحر" ،و قيل أنّه ض ّمنه خريطة لرحلته و ثبت عليه البالد التي
زارها لكن ضاعت مؤلفاته كلّها ،و لم تبق من أخبارها إال ما رواه المؤرخون عنها ،و يفهم
أنّه تح ّدث عن فيضانات النيل و مشكالته و عن تكوين "الدلتا" و عن حيوانات أرض مصر
2
كما قدم وصفا دقيقا للحياة الزراعية فيها.
ب ـــ المؤرخ هيرودوت ( :سبق التعريف به) زار العديد من بالد الشرق القديم و قد جاء
الى مصر في حوالي 448ق.م أي في نهاية الغزو الفارسي لها ،وحسب عدد من الباحثين فقد
زار مصر انطالقا من الدلتا ثم انتقل الى الصعيد و حتى "الجندل األول"( عند مدينة "أسوان"
الحالية) كما زار إقليم "الفيوم" ،خصّص الجزء الثاني من كتابه "التاريخ" لمصر ،و الذي
يعد من أفضل الكتابات اليونانية عن تاريخ مصر و حضارتها ،رغم ما جاء في بعض فقراته
التي تستدعي الحذر ،فقد تحدث عن جغرافية مصر و أهم مدنها و األحداث التي تعرضت لها
3
و أهم أعمال ملوكها و بعض العمائر و المعابد و األعياد الدينية.
جـ ــ هيكاتوس األبديري Hecataeus of Abdera :مؤرخ يوناني ينسب لمستوطنة" أبديرا"
في بالد اليونان ،زار مصر في أوائل الحكم البطلمي حوالي 300ق .م ،كان معاصرا و
صديقا لبطليموس األول ،عرف مصر بصفة جيدة ،كتب عنها كتابا مفقودا عرف بعنوان"
دراسات مصرية " ، Aegyptiacaتحدث فيه عن العقائد و األساطير المصرية ،إال أنّه
4
يالحظ أن كتاباته اتسمت بروح التعصب لبالد اليونان موطنه األصلي.
ـ أحمد أمين سليم ،دراسات في ت ش أ ق ،مصر العراق ايران ،ص . 1
ـ رمضان عبد علي ،المرجع السابق ،ص .11
5ـ عبد العزيز صالح ،المرجع السابق ،ص .1و أنظر :السعيد شاللقة " ،مصادر الكتابة الهيروغليفية" ،ص .39
1ـ رمضان عبده علي ،المرجع السابق ،ص .35
64
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
د ــ ديودور الصقلي( :سبق التعريف به) استعرض "ديودور" في الكتاب األول تاريخ مصر"
األساطير و الملوك و العادات" ،كما تناول فيه بعض مظاهر الحضارة المصرية من النواحي
االجتماعية و السياسية و الفكر الديني و األساطير ،ويالحظ من كتاباته أنّه كان أكثر انصافا
لمصر و المصريين من "هيرودوت" ،و أكثر فطنة في تفسير عقائدهم و أساطيرهم ،فكتب
عن آرائهم في نشأة الوجود و تعاقب المعبودات و عمران الكون و مسببات الفيضان و أهم
الحيوانات و النباتات و كتب عن تقاليد الملوك و كذا طقوس ما بعد الموت ومن أشهر مقوالته
1
" مصر حمتها الطبيعة من جميع جهاتها ".
وــــ سترابون ( :سبق التعريف به) تم ّكن من زيارة مصر بين عامي 25و 24ق.م ،أي بعد
استيالء الرومان عليها ،عاش أكثر من خمس سنوات في "اإلسكندرية" ،تعلم من مكتبتها
الشيء الكثير و أثناء وجوده بمصر تتبع مجرى النيل حتى اثيوبيا ،كتب "سترابون" كتابا
ضخما في التاريخ و الرحلة سماه " الجغرافية" في سبعة عشر جزءا ،خصص منه الجزء
16عن المدن المصرية و عواصمها و عاداتها ،و أفاض الحديث عن نيلها و منابعه و حيواناته
و مزروعاته و تتبع وصف البيئة المصرية ،وزار أمهات المدن و شاهد آثارها و حضر بعض
2
احتفاالتها ،و لكنه وصفها وصف سائح أكثر من وصف مؤرخ.
ز ــ بلين الكبير ( :سبق التعريف به) وصف "بلين" هندسة بناء األهرامات و وصف مسالت
"معبد الكرنك" كما ذكر كيفية إقامة "رمسيس" لمسلته ،كما أنّه ساق الوصف نفسه الذي
وصف به ديودور الصقلي و سترابون معبد "أمنمحات الثالث" في "هوارة " .
حـ ــ بلوتارك الخيروني Plutarcus :نستمد معلوماتنا عن "بلوتارك" من اإلشارات
المتفرقة التي وردت عنه في مؤلفاته ،إذ ولد في بلدة "خيرونيا" بإقليم "بويونا" في بالد
اليونان ،وعاش بين أعوام 50و 125ميالدي ،درس الفلسفة األخالقية و العلوم الطبيعية في"
آثينا " ثم رحل الى "روما" أين تعلم الالتينية ،ومنها زار بالدا كثيرة من بينها اإلسكندرية
التي حلّ فيها حوالي 120م ،من أشهر كتبه "التراجم" ،كتب أسطورة "إيزس و
أوزيريس" De Isiede et Osirideويروي بلوتارك قصة "أوزيريس" الملك الصالح الذي قتله
3
غيلة أخوه "تيفون"(ست) ثم انتقم له ابنه "حورس" الذي أنشأته أمه "إيزيس" خفية .
ط ـ يوسفيوس فالفيوس :كاتب و مؤرخ يهودي ولد في القدس ،عاش بين 37و 95م ،
في منطقة "الجليل" بفلسطين مع بداية ثورة اليهود الكبرى ضد الحكم الروماني ،أسرته قوات
"تيتوس " عام 67م ،لكنه نجح في االفراج عن نفسه عندما زعم أن " فسياسيانوس" سيصبح
امبراطورا وظل بجوار "تيتوس" حتى سقطت القدس عام 70م ،ومنها ذهب الى روما و
65
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
عاش بها و ألف كتبا منها " تاريخ الحرب اليهودية " بين عامي 75و 79م و كتاب عن" آثار
اليهود" في عشرين جزءا و قد نقل هذا الكاتب مقتطفات من كتابات "مانيتون" ،كما ربط في
1
كتاباته بين الهكسوس و أصلهم العبري في كتابه " الرد على أبيون " للرفع من شأن اليهود .
رابعا ــ الكتابات المقدسة :و تشمل الروايات التاريخية التي تعلقت بالكتب المقدسة ،مثل ما
جاء في بعض كتابات العهد القديم ،كالمعلومات الواردة في سفر "الملوك األوّ ل" و "الثاني"
و أسفار "أرميا" و "دنيال" (حزقيال) و خاصة في سفر الخروج ،و تشير كلها الى أحداث
وقعت في مصر 2أو تشير الى طبيعة العالقات التي كانت بين مصر و فلسطين في عهد
االسرات الثانية و العشرون و الخامسة و العشرون و السادسة و العشرون ،فهناك إشارات
لحملة "شيشنق األول" و غزوه "فلسطين" في " سفر الملوك األول" ،و كذلك خروج "بني
3
إسرائيل" من مصر في" سفر الخروج" .
يضاف إليها ما ورد في القرآن الكريم عن طريق القصص القرآني من معلومات هامة حول
الحضارة المصرية ،كتأثير انخفاض الفيضان على الحياة االقتصادية ،وذلك في سياق قصة
سيدنا يوسف ــ عليه السالم ــ التي و قعت أغلب أحداثها بأرض مصر ،كما أشار القرآن
الكريم الى بعض أوجه الحضارة المصرية و ذلك خالل الحديث عن سيدنا موسى ـ عليه السالم
4
ـ منذ نشأته و تبليغه الرسالة و حواره مع "فرعون" و حتى الخروج من أرض مصر.
ثانيا ـ الجانب التاريخي :
تقديـــــــم :ظهرت أولى أشكال السكن لجماعات بشرية حول وادي النيل منذ حوالي 10
آالف سنة قبل الميالد في شكل جماعات جامعة للطعام وصائدة تستخدم أدوات حجرية،
واستمرت في النزوح إلى ضفاف نهر النيل مع ازدياد الجفاف ( 8000ق.م) ،حينها تحولت
المراعي إلى صحارى و تحولت المستنقعات المجاورة للنهر إلى أراضي صالحة للسكن،
لتظهر آثار استقرار وزراعة مبكرة للحبوب في الصحراء الشرقية منذ أواخر األلف السابع
قبل الميالد.
وظهرت الكثير من دويالت المدن حوالي نهاية األلف الرابع قبل الميالد على جانبي نهر
النيل ،إذ كانت نحو 42دولة مدينة ،ولكل مدينة أو إقليم ديانتها الخاصة ونظامها السياسي
الخاص ،وبدأ صراع بين ممالك المدن هذه في محاولة للتوسع إحداهن على حساب األخرى،
وتقلصت على مر القرون إلى مملكتين منفصلتين :مملكة جنوبية في مصر العليا (الوجه القبلي)
66
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
(أرض الصعيد) ،وعاصمتها (نخن) ،وتمتد من جنوب "أسوان" إلى قرب "منفيس" ،ومملكة
شمالية تشمل باقي مصر في مصر السفلى (الوجه البحري) (الدلتا) في الشمال ،وعاصمتها
1
"بوتو" في الدلتا.
و يشمل التاريخ المصري القديم (عهد األسرات الفرعونية ) اصطالحيا الفترة من توحيد
القطرين ـ مصر العليا و السفلى ـ على يد الملك "مينا ـ نارمر" حوالي 3150ق.م حتى غزو
"اإلسكندر األكبر" للمنطقة عام 332ق.م ،و يقسمه المتخصصون في "علم المصريات"
حسب األحداث الرئيسة و الخصائص الحضارية المميزة ،الى ثالث عهود كبرى تفصلها
فترات انتقالية و تتناول فترات حكم لـ 30أسرة إضافة لألسرة الفارسية الـ 31كاآلتي :
أوال ـ عصر الدولة القديمة :و يشمل األسر من 1الى 6و يقسم بدوره الى مرحلتين هما :
أ ـ العصر العتيق ( العصر الثِّيني) ( 3150ق.م ـ 2686ق.م) يضم األسرتين اللتين يبدأ بهما
التاريخ المد َّون لمصر و هما 1و ، 2بدأت هذه الفترة مع توحيد الملك "مينا – نارمر" لمصر
السفلى و العليا ،و سمي بالعهد الثيني حيث كانت "ثني" التي تقع بالقرب من مدينة
"أبيدوس" هي أول العواصم المصرية في ذلك العهد ،ثم انتقل الحكم الى مدينة "تانيس " في
2
عهد األسرة الثانية .
هذا ولم تبق الوحدة السياسية التي أنجزتها األسرة األولى موطدة بشكل دائم ،إذ استم َّر
النزاع بين الشمال والجنوب في عهد األسرة الثانية ( 2670-2820ق.م) ،التي أسسها الملك
أن "حوتب سخموي" ،ثم جاء بعده "خع سخموي" ويعني اسمه (االثنان القويـان) ،و الراجح ّ
الوحدة السياسية بين الشمال والجنوب لم تكن دائمة ،مع ضرورة اإلشارة إلى أن عهد "خع
سخموي" امتاز بالتقدم والسالم ألنه نجح في القضاء على عوامل الفتنة التي كادت أن تؤدي
3
إلى هالك البالد ودمارها ،حينما غزا الشمال ،واتخذ من "منفيس" مركزا لحكمه .
و لربما في وسط حكم هذه األسرة وقعت ثورة دينية قادها اتباع عبادة اإلله"حورس" وأدت
إلى اضطراب األحوال في مصر وهو الحال الذي لم يدم طويال ،إذ سرعان ما عاد االستقرار
إليها وتقدمت في شتى نواحي الحياة ،السيما مع تولي الملك (زوسر) الحكم فيها مؤسسا أسرة
جديدة عرفت باألسرة الثالثة وليبدأ عصر جديد تمثل بعصر الدولة القديمة.
*ـ من أهم آثار هذا العصر بناء المصاطب؛ إذ بنى كل ملك من ملوك األسرة األولى مصطبتين
واحدة في الشمال واألخرى في الجنوب لتكون إحداهما (ربما الشمالية) مقبرة للملك ،كما يذكر
4
للملك "مينا" بناء عاصمة للدولة عند رأس الدلتا هي مدينة "منف".
ـ إبراهيم رزاقنة و آخرون ،حضارة مصر و الشرق القديم ،مكتبة مصر ،القاهرة ،د:ط ،د:ت ،ص .39
ـ سليم حسن ،مصر القديمة ،ج ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ،القاهرة ،د:ط ، 99 ،ص ص -ـ بتصرف ـ
5ـ عبد العزيز صالح ،المرجع السابق ،ص .ـ بتصرف ـ
1ـ إبراهيم رزاقنة و آخرون ،حضارة مصر و الشرق القديم ،ص .73
67
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
ب ـ المملكة القديمة (: Old Kingdomعصر بناة األهرام ) دامت مدة المملكة القديمة نحو
خمس قرون (2670ق .م ـ 2150ق.م) ،وبدأت الدولة القديمة باألسرة الثالثة ،وتنتهي بنهاية
الساللة السادسة وسمي بعصر بناة األهرام لتميزه ببناء األهرامات الكبيرة منذ عهد الملك
"زوسر" أشهر ملوك األسرة الثالثة (2600-2670ق.م) ،إذ دفن ملوك هذه األسر ،باستثناءات
قليلة ،في قبور شيد فوقها بناية شاقة هرمية الشكل عرفت باسم األهرامات ،وفضال عن بناء
األهرامات في هذا العصر ،تطورت الحضارة المصرية تطورا سريعا ،فزادت قوتها عن
1
طريق الحكومة المركزية واإلدارة الفاعلة والتقنية المتقدمة والكتابة الهيروغليفية المتطورة .
يعد "زوسر" ويعني اسمه (المقدس) أول ملوك األسرة الثالثة ،واتسم عهده بالوحدة
السياسية في مصر القديمة ، ،وقد قام بتطوير المصطبة إلى الهرم المدرج الذي تطور في عهد
األسرة الرابعة إلى الهرم الصحيح ،واتخذ "زوسر" من أبيدوس عاصمة لحكمه ـ دام 19سنة
ـ ثم نقل عاصمته إلى منفيس ،وشهد عهده تقدما في جميع المظاهر الدينية ،وشهد عهده إرسال
حملة لتأديب بعض بدو شبه جزيرة سيناء ممن كانوا يتعرضون للحمالت المصرية المرسلة
2
إلحضار النحاس.
و تبدأ الساللة الرابعة (2450-2600ق.م) بحكم الملك "سنفرو" ،وحكم 24عاما،
أرسل خاللها حملة على بالد النوبة ،وأقام الحصون على الحدود الشرقية ،لوقف تسرب البدو
إلى الدلتا ،وقام بحملة على ليبيا ،وبنى المعابد والقالع والمنازل التي كانت تستلزم القيام
برحالت إلحضار خشب األرز من سوريا ،وشهد عهده ارتباط حكام األقاليم المصرية وبنى
سنفرو هرمين في (سقارة) و(ميدوم) يرجح أنه دفن في أحدهما. 3
خوفو :يعد خوفو من أشهر ملوك مصر ،وشهرته هذه جاءت من قيامه ببناء الهرم األكبر في
الجيزة ،وخوفو ثاني ملوك األسرة الرابعة ،وقد تولى الحكم بعد وفاة والده سنفرو ،ومع أن
هيرودوت يذكر أن خوفو حكم 63سنة ،إال أنه وطبقا لبردية (تورين) حكم نحو 23سنة ،له
تمثال وحيد طوله خمسة سنتيمترات عثر عليه في أبيدوس من العاج.
وخلفه في الحكم ابنه "خفرع" الذي يعد أول من أطلق على نفسه "ابن اإلله رع" ،واستمر
في إرسال الحمالت الحربية إلى سيناء وهذا ما لم يتم في عهد خلفائه ،وبنى ثاني الهرمين
الكبيرين في الجيزة كما ينسب إليه معبد "أبو الهول" ،ويعطي هيرودوت مدة حكم هذا الملك
بنحو 56سنة ،خلفه "منكورع" الذي حكم زهاء 20سنة ،وقد بنى هذا الملك الهرم الثالث في
الجيزة ،و في نهاية هذه األسرة الرابعة بدأت عبادة اإلله (رع) إله الشمس على حساب عبادة
4
الملك.
و بسبب التطاحن في نهاية األسرة الرابعة بين األمراء ،و ضد كهنة اإلله "رع" ،ظهر
األمير "أوسر كاف " الذي أسس أسرة جديدة عرفت باألسرة الخامسة (2345-2450ق.م)،
ويرجح أنه كان الكاهن األعلى لإلله (رع) ،ودام حكمه نحو ثماني سنوات ،أما آخر ملوك
68
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
األسرة الخامسة فهو "أوناس" الذي يعد أحسن ملوك هذه األسرة ،وامتد حكمه نحو ثالثين
أن سلطان حكام األقاليم أخذ بالتزايد بعد وفاته وشرعوا بتوريث مناصبهم ألوالدهم عاما ،إالَّ َّ
1
وأخذوا يحملون أَلقابا كـ(القائد العظيم) وخضع أَوالدهم اسميا فقط للسلطة المركزية.
توفى الملك "أوناس" دون أن يترك له وريثا ،فتأسست أسرة جديدة عرفت باألسرة
السادسة (2150-2345ق.م) على يد " تتي سحتب تاوى" ،وقد توجه وملوك أسرته من بعده
إلى عبادة اإلله "بتاح" ،ويعد الفرعون"بيبي األول" أشهر ملوك هذه األسرة ،إذ ارتقت في
عهده الفنون وعادت مصر إلى صالتها مع جيرانها ،وشهد عهده إرساله لحمالت برية وبحرية
السيّما بعد تعرض الحدود الشرقية لالنتهاكات ،و اشتهر من هذه األسرة "بيبي الثاني" آخر
ملوك األسرة السادسة وكان من أعظم ملوك المملكة القديمة ،و بوفاة "بيبي الثاني" حوالي
2150ق.م تنتهي مدة حكم األسرة السادسة لينتهي معها عهد الدولة القديمة.2
أما أسباب سقوط المملكة القديمة فيمكن اختصارها كاألتي:
*ـ سيطرة وسطوة كهنة اإلله (رع) على حساب سلطات الملك.
*ـ ضعف اقتصاد المملكة بسبب تبديد أموال الدولة وجهود العمال والفنيين في بناء األهرامات
فاستنزفت موارد وخزينة الدولة في مشاريع غير منتجة.
* انخفاض مناسيب مياه نه ر النيل لسنوات متتالية ،األمر الذي أدى إلى انعدام فيضانات نهر
النيل المعهودة ،فأهملت الزراعة وحدثت المجاعات.
*ـ تزايد نفوذ حكام األقاليم الذين أصبح كل منهم أميرا حاكما في مقاطعته فزادت أعباء
الحكومة ومشاكلها ،وتعطلت مشروعاتها العامة.
لذلك اندلعت ثورة في البالد ضد العرش والحكام والكهنة و عمت الفوضى ،فانتشرت
العصابات في البالد وأضرب الناس عن دفع الضرائب وتوقفت التجارة ونهب الناس مخازن
الحكومة وتم االعتداء على مقابر الملوك ونهبها ،وجرت عمليات انتقام من األغنياء ونهب
قصورهم أو إحراقها ،ثم انهارت الحكومة المركزية بما سمح لعصابات البدو بمهاجمة المناطق
الحدودية للبالد ونهبها.
وعن وصف مصر الفرعونية بعد سقوط األسرة السادسة ،يقول الحكيم "إيبور"" :انظر لقد
تغيرت البالد وتبدلت أحوالها وساءت ..وليس أدل على ذلك من أننا نرى النيل يوافينا بفيضه ..والناس
على الرغم من ذلك نيام ال ينهضون لخير ،وال يعملون في زرع ، ..ال ألنهم يكرهون الزرع ،..ولكن
ألنهم ال يعرفون ماذا يطالعهم به الغد من شرور وأهوال ،" ..لتدخل مصر فيما يعرف بالفترة
3
المظلمة األولى أو العصر االنتقالي األول (2040-2150ق.م).
*ـ عصر االنتقال األول :يشمل عهد األسرات بين ( )10-7وقد ذكر مانيتون أن ملوك األسرة
السابعة "كانوا سبعين ملكا حكموا فى منف سبعين يوما" وبالطبع يبدو ذلك ضربا من الخيال
ولكنه يعبر فى نفس الوقت عن مدى الفوضى التى عمت البالد بحيث انتشرت الفوضى
ـ أسامة حسن ،مصر الفرعونية ،دار األمل ،القاهرة ،ط ، ،99ص 5
ـ أسامة حسن ،مصر الفرعونية ،ص .1
55ـ ألن جارندر ،المرجع السابق ،ص .5
69
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
واالضطرابات و انقسمت السلطة سياسيا بين حكام األقاليم 1،و تعرضت مصر لهجمات قبائل
البدو اآلسيويين وسيطروا على بعض أجزائها ،أما األسرة الثامنة فيرى معظم المؤرخين أنها
قامت كذلك فى "منف" ومؤسسها هو الملك "نفر كارع" وفى عهد هذه األسرة ازدادت أحوال
2
البالد سوء .
ظهرت مكانة مدينة "أهناسيا" (بمحافظة بنى سويف) ،و كانت عاصمة األسرتين التاسعة
والعاشرة ،و األسرة التاسعة مؤسسها هو الملك "خيتى األول" و دامت هذه األسرة حوالى
ثالثين عاما فقط ،أما مؤسس األسرة العاشرة فيحمل نفس االسم "نفر كارع" و امتد حكمها
ألكثر من مائة عام ومن ملوكها أيضا الملك "خيتى الثالث" وبسطت نفوذها على أقاليم مصر
الوسطى وعلى الدلتا .غير أن أسرة "أهناسيا" لم تنجح في إعادة الوحدة إلى البالد ،وإذ نافستهم
أسرة قوية ظهرت فى "طيبة" (االقصر حاليا) ،واستطاع أمراؤها القضاء على األسرة العاشرة
فى "أهناسيا" ،وإقامة أسرة جديدة هي األسرة الحادية عشرة ،التي بها يبدأ عصر الدولة
والوسطي.3
ثانيا ـ الدولة الوسطى 2040 ( The middle state :ق.م ـ 1786ق.م )يشمل عهد االسرتين
11و 12و اشتهر بالرخاء االقتصادي ،يعد الملك "منتوحتب الثاني" مؤسس األسرة الحادية
عشر( 1040ق.م ـ 1991ق.م) أعظم ملوك هذه األسرة؛ إذ أعاد وحدة مصر وحمى حدودها
4
الشرقية من األسيويين بعد أن قضى على حكم "أهناسيا" .
و خلّف "منتوحتب الثاني" عدة ملوك اتخذوا االسم نفسه الذي يرتبط باإلله "منتو" ،ولكن
أيام هذه األسرة انتهت عام 1991ق.م ،وجاءت بعدها األسرة الثانية عشرة ،وكان مؤسسها
الملك "أمنمحات األول" (كان وزيرا آلخر ملوك االسرة الحادية عشر) ،وتسمى العديد من
ملوك هذه االسرة باسمي أمنمحات (أمون في المقدمة) و"سنوسرت" ،ومما يذكر لهم حماية
5
حدود مصر الشرقية ،وازدهار التجارة المصرية مع الساحل الفينيقي.
-أمنمحات األول :أنشأ "أمنمحات" عاصمة جديدة لمصر تسمى "إيثت تاوى" بمعنى القابضة
على األرضين وتقع إلى الجنوب من منف بحوالى ثمانية عشرة كيلو ،كما عمل على إعادة
تنظيم الجهاز اإلدارى للبالد وأعاد العمل بنظام التجنيد العسكر ،وفى العام العشرين من حكمه
أشرك معه إبنه "سنوسرت األول" فى إدارة شئون البالد ودشن بذلك تقليدا إتبعه ملوك األسرة
الثانية عشرة بعده .واشتهر من هذه األسرة الفرعون 'أمنمحات الثالث" الذي اشتهر بقوته في
6
وجه اآلسيويين و توسع ببالد النوبة ،كما اشتهر بمشاريعه االقتصادية الكبرى .
ـ أحمد أمين سليم ،دراسات في تاريخ الشرق أ ق ـ مصر العراق ايران ،ص .95
ـ أسامة حسن ،المرجع السابق ،ص .1
5ـ ألن جارندر ،المرجع السابق ،ص 59-57ـ بتصرف ـ .
1ـ أسامة حسن ،المرجع السابق ،ص ص 9-7ــ بتصرف ـ
3ـ أحمد أمين سليم ،دراسات في تاريخ الشرق أ ق ـ مصر العراق ايران ،ص ،ص 7-1
1ـ عبد العزيز صالح ،المرجع السابق ،ص .57
71
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
*ـ عهد االنتقال الثاني 1786(:ق.م ـ 1580ق.م) نهاية الدولة الوسطى شبيهة إلى حد كبير
بنهاية الدولة القديمة ،فبعد وفاة الملك "إمنمحات الثالث" ضعفت مكانة فرعون عهد خلفاءه ،
وبدأ الصراع بين حكام األقاليم وحلت الفوضى ،وعادت البالد إلى التفكك ،وسقطت البالد في
يد األجانب و دخلتها قبائل من البدو أتوا من غرب آسيا يعرفون باسم "الهكسوس" احتلوا
شمالها ووسطها ،وظلوا بها قرنين من الزمان ،يقول المؤرخ المصرى "مانيتون" عن أسباب
سقوط مصر في أيدى الهكسوس" إن الرعاة قد استولوا على مصر بسهولة ،واجتاحوها في غير
1
حرب ،ألن المصريين كانوا يومئذ فى ثورة واضطراب ".
-الهكسوس :فى اللغة المصرية القديمة معناها "حكام البالد األجنبية" ،وهم قبائل بدوية
آسيوية ،جاءت من فلسطين ،وأسماهم المصريون الرعاة ،تسللت تلك القبائل إلى شرق الدلتا،
واستقرت فى مدينة "أواريس" ("صان الحجر" واتخذتها عاصمة ،وواصلت زحفها جنوبا
حتى احتلت مدينة "منف" ،ومصر الوسطى ،وفى الوقت نفسه سيطر النوبيون على الجزء
الجنوبى من البالد ،ولم يبق مستقال سوى جزء يحكمه أمراء طيبة.
ويشمل هذا العصر األسرتين المصريتين الثالثة عشرة والرابعة عشرة (حوالى -1785
1633ق.م) وأسرتي "الهكسوس" الخامسة عشرة والسادسة عشرة( حوالى -1730
1580ق.م) ،ومن الواضح أنه منذ نهاية عهد األسرة الثالثة عشرة لم يجرؤ أحد من األمراء
المستقلين على إدعاء الملك وتحدى الهكسوس وذلك حتى تجرأ أمراء الصعيد مؤسسي األسرة
2
السابعة عشرة على اتخاذ ألقاب الفراعنة .
ثالثا ـ عهد الدولة الحديثة 1580( :ق.م 1080-ق.م) وقد نشأ هذا العهد كنتيجة لفترة عدم
االستقرار التي شهدتها مصر بعد غزو الهكسوس لها فى عصر األسرة الثالثة عشرو ما تاله
وكانت حينها مصر مقسمة إلى ثالثة ممالك رئيسية هي:
-مملكة "الهكسوس" التى كانت تسيطر على مدن "الدلتا" و أقاليم "مصر الوسطى".
-مملكة "طيبة" التى ظهرت وشكلت األسرة السابعة عشرة وكانت تسيطر على إقليم الصعيد.
-مملكة "النوبة" التى كان يحكمها أمير نوبى يسيطر على الجنوب من "الفنتين" حتى
3
"كرما".
و تروي النصوص األثرية المختلفة مجريات األحداث مع الهكسوس وكيف سقطت
"أواريس"(عاصمة الهكسوس) بعد حصارها وكيفية تراجع الهكسوس إلى مدينة "شاروهين"
فى جنوب "غزة" وحصارها من الجيش المصرى لمدة ثالث سنوات حتى أسقطها ،وكيف
71
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
هربت فلول الهكسوس إلى منطقة "فلسطين" و"سوريا" ،1لتنتهي األحداث بتحرر مصر من
الهكسوس نتيجة لجهود ملوك األسرة السابعة عشرة (طيبة) مثل "كامس" و أخيه "أحمس
األول" محرر مصر من الهكسوس ومؤسس األسرة الثامنة عشرة ( 1580ق.م 1295-ق.م)
التي تعتبر عند الكثير من المؤرخين أشهر األسرات الفرعونية في تاريخ مصر الحديثة.
و لعدم إمكانية التفصيل في هذا العهد ،يمكن القول ّ
أن هذا العهد تسمى فيه كثير من
الفراعنة باسم "أمنحوتب " و "تحتومس" خالل األسرة 18الفرعونية ،و" الرعامسة" الـ19
( 1295ق.م ـ 1188ق.م) و العشرين ( 1188ق.م ـ 1069ق.م) تسمى أغلب ملوكها
بـ"رمسيس" ،و في هذا العهد الفراعنة ما للقوة العسكرية من أهمية ،و تحول االهتمام الى
الجانب العسكري من جهة و الى التوسعات الخارجية فيما عرف بالعهد اإلمبراطوري و خروج
2
مصر من إطارها الجغرافي المعهود .
و لعلّ هذا العهد حسب الدارسين أزهى عصور الدولة الفرعونية لما عرفه من ظهور
فراعنة أقوياء ،وبلوغ مصر قمة تفوقها العسكري و خرجت من حدودها لتخضع عدة مناطق
كفينيقيا و فلسطين و وبعض دول المدن األرامية و العبرانيين و النوبة و قبائل التحنو في غرب
النيل ،إضافة الى الرخاء االقتصادي و اكتمال العناصر الفنية و العمرانية ..
ومن فراعنة االسرة 18المشهورين نذكر "أحمس األول" قاهر الهكسوس ،و "تحتومس
الثاني" و "أمنحوت الثاني" و "أمنحوتب الثالث"(اشتهرا بتوسعاتهم العسكرية في سوريا ) و
الملكة "حتشبسوت" (اشتهرت بمعبد الدير البحري و ارسالها بعثات تجارية الى بالد "بونت")
و "أخناتون"(اشتهر بحركته الدينية) 3،ومن األسرة الـ 19نجد "سيتي األول" رأس األسرة و
"رمسيس الثاني" (فرض نفسه تاريخيا من خالل منشآته العظيمة وحمالته الظافرة وحكمه
الطويل الذى بلغ سبعة وستين عاما ،ولقد أنشأ رمسيس عاصمة جديدة لمصر هي "بر ـ
رعمسيس" كما هزم الحثيين في معركة "قادش" ) ،واشتهر كذلك "مرنبتاح" (لعله فرعون
موسى ـ عليه السالم ـ) ،و من األسرة الـ 20نجد "رمسيس الثالث" قاهر شعوب البحر .
*ـ عهد االنتقال الثالث :يعرف عند المختصين كذلك بـالعصر المتأخر و يمكن التأريخ له بوفاة
"رمسسيس الثالث" ،دخلت مصر في طور من الضعف والتفكك انتهى بخسارة ممتلكاتها في
"سوريا" و"فلسطين" و بسيطرة "الليبيين" بعد ذلك على "الدلتا" ،فبعد وفاته حكم ثمانية من
الفراعنة الضعفاء بداية بــ "رمسيس الرابع" حتى "رمسيس الحادى عشر" ،الذى انقسم حكم
مصر بعد وفاته بين كهنة "آمون" فى "طيبة" فى الجنوب وبين القادة العسكريين فى "الدلتا"
4
الى الشمال.
ـ نيقوال جريمال ،تاريخ مصر القديمة ،تر :ماهر جويجاتي ،دار الفكر ،القاهرة ،ط ، 1ص ، 39أنظر :أحمد فخري ،مصر الفرعونية ـ
،ص .11
ـ شتيندورف .ك .سيل .ك ،عندما حكمت مصر الشرق ،تر :محمد العزب موسى ،مكتبة مدبولي ،القاهرة ،ط ، 991 ،1ص .31
5ـ سمير العيداني ،العالقات الحضارية بين مصر و شعوب بالد الرافدين ،ص 51-7
1ـ أسامة حسن ،المرجع السابق ،ص ص .31-19
72
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
ومن عالقة النسب والمصاهرة بين بيت "حر ـ يحور "كاهن "طيبة" و"نسى ـ بابند"
الحاكم العسكري للدلتا ولدت األسرة الحادية والعشرين ( 1087ق.م ـ 945ق.م) الذى يشوب
ترتيب ملوكها كثير من االضطراب وال يوجد اتفاق بين الباحثين بشأن ترتيب الحكام فيها،نظرا
الستمرار تقاسم السلطة في الواقع بين الجنوب في "طيبة" والشمال في "تانيس" ولكن تشتهر
فيها أسماء "سمندس" و"بسوسنس األول" و"أوسركون" و"سى ـ آمون" و "بسوسنس الثانى"،
و تميز ملوكها بالضعف عموما ،حتى ظهور "شيشنق األول" الليبى وتكوين األسرات من
الثانية والعشرين حتى الرابعة والعشرين(1 .أنظر الشكل )21
(أنظر :نيقوال جرميال ،تاريخ مصر القدمي ،ص 424ـ بتصرف املؤلف ـ )
و يعتبر "تاف ـ نخت" مؤسس األسرة الرابعة والعشرين من أقوى الفراعنة الليبيين في
مصر ،ألنه فرض نفوذه على أمراء غرب "الدلتا" ثم حارب أمراء "مصر الوسطى" حتى
أخضعهم وتمكن في نهاية األمر من إخضاع أمراء شرق "الدلتا" أيضا ،وأصبح حاكما معترفا
2
به على كل الوجه البحري ومصر الوسطى وبدأ في الزحف على الصعيد(مصر العليا).
ظهر للملك " تاف ـ نخت" منافس قوى قادم من الجنوب مؤسسا األسرة الخامسة والعشرين
الكوشية (جنوب بالد النوبة)(750ق.م ـ 658ق.م) هو الملك "كاشتا"و والد "بعنخى" ،و في
747ق.م أسرع "بعنخى" بإرسال جيوشه إلى مصر و سيطر كذلك على الدلتا و نصبه الكهنة
فرعونا لمصر ،تاله في الحكم "شاباكو" و الذي عاصر ظهور القوة األشورية في الشرق
األدنى عهد الملك "سرجون الثاني" ،ثم جاء بعده "شبتكو" ثم "طهراقا" الذي عاصر فترة
حكمي "سنحاريب" و "أسرحدون" و توسعهما في مصر ـ و عرفت بمرحلة االحتالل
3
األشوري.
73
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
*ـ مرحلة االحتالل األشوري لمصر :سعت آشور إلى السيطرة على بالد الشام ،وتم لها
هذا األمر بعد جهود بذلها سنحاريب وأسرحدون ،وأدركت مصر أن االحتالل سيكون
مصيرها ،ولذلك أخذ ملكها "طهرقا" يعمل على تشجيع الفلسطينيين ومدن الساحل السوري
عامة على الثورة ضد آشور ،ومن المحتمل أن مصر كانت وراء ثورة صور التي جاء
أسرحدون بنفسه وحاصرها .ثم تركها محاصرة ،واتجه إلى مصر حيث استولى على عاصمتها
منف ،وبذلك اعترف كل حكام األقاليم المصرية بسلطان آشور عليهم ،ودفعوا الجزية إلى
ملكها ،وبعد سنوات قليلة ثار الملك طهرقا على اآلشوريين ،فما كان من الملك اآلشوري "آشور
بانيبال" إال أن أرسل جيشا قضى على الثورة ،واتجه جنوبا إلى "طيبة" واحتلها ،وحاول
1
المصريون الثورة للمرة الثانية ،إال أن اآلشوريين غلبوهم على أمرهم ووصلوا إلى "طيبة".
استطاع الملك المصري "أبسماتيك األول" أن ينهي السيطرة األشورية (مستغال توسعات
الميديين ضد األشوريين ) و سيطر على مصر حوالي 654ق.م مؤسسا لألسرة السادسة و
العشرين الفرعونية( 664ق.م ـ 525ق.م) ،اشتهر من حكام األسرة "نخاو الثاني" حوالي
2
610ق.م .لتتوالى األحداث خاصة مع استقدام المرتزقة اليونان للبالد .
وباستيالء "قمبيز" على مصر تأسست "األسرة السابعة والعشرين" الفارسية ،وقد حكم
فيها خمسة ملوك هم "قمبيز" الذى غزاها عام 525ق.م ثم "دارا األول" الذى زارها عام
517ق .ثم الملك "أسركسيس" ثم "أرتاكسركسيس" وأخيرا "دارا الثانى" الذى توفى عام
404ق.م ،ليستقل بها بعد ذلك الفرعون المصرى "آمون ـ حر الثانى" الذى كان قد أعلن
الثورة فى أواخر عهد "دارا الثانى" حوالى سنة 410ق.م ،و تمكن من االستقالل سنة 404
ق.م مؤسسا األسرة الثامنة والعشرين المصرية وظل يحكم لمدة ستة سنوات حتى عام 399
3
ق.م .
وبعد وفاة "آمون ــ حر الثانى" خلفه أحد أمراء الدلتا األقوياء ويدعى "نفريتس" مؤسسا
بذلك األسرة التاسعة والعشرين المصرية واتخذ من مدينة "منديس" عاصمة له ،وقد ضمت
هذه األسرة أربعة ملوك حكموا حوالى عشرين سنة ( 398ق .م 378-ق.م) ،و من ملوك
هذه األسرة األقوياء "باخوريس" الذى حكم لمدة ثالثة عشر عاما تمكن خاللها من صد الحملة
القوية التى أرسلها الفرس على مصر ،وفى عهده عاد بعض النفوذ المصري إلى "فلسطين"
وجنوب "فينيقيا " ،و ظهر بعد ذلك "نختنبو األول" الذى تمكن من تأسيس األسرة الثالثين
4
المصرية ( 343-380ق.م) ونقل العاصمة من "منديس "إلى "سمنود".
74
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
و اشتهر في هذه األسرة "نختنبو الثاني" الذي صد الحملة التي أرسلها الفرس إلى مصر
بين( 350-351ق.م) ،ولكنه لم يصمد فى الحملة الثانية التى قادها الملك "أرتاكسركسيس
الثالث" بنفسه فتراجع إلى مصر العليا ،تمكن من الصمود لحوالى سنة ونصف ثم هرب إلى
الجنوب لتتحول مصر إلى إقليم فارسي مرة أخرى ،في الفترة التي يعتبرها بعض المؤرخين
1
األسرة الحادية والثالثين الفرعونية ( 343ق.م ـ 332ق م) .
و لم يدم الحكم الفارسي فترة طويلة إذ تاله زحف "اإلسكندر المقدوني" في حمالته الشهيرة
على آسيا وهزم الملك "دارا الثالث" في موقعة "أفسوس" عام 333ق.م ،ومن هناك اتجه إلى
سوريا فمصر التي سلمها له الوالي الفارسي "مازاكيس "بدون قتال في عام 332ق.م فدخلها
منتصرا و توّ ج فرعونا في معبد اإلله "بتاح " بـ"منف" 2،لتدخل مصر في حقبة تاريخية جديدة
عرفت بـحكم البطالمة في مصر.
ثالثا :الحضارة الفرعونية :يمكن معالجة الحضارة المصرية القديمة عبر اإلشارة الى :
1ـ التنظيم السياسي :ويشمل شكل نظام الحكم عند الفراعنة و الوظائف اإلدارية في الدولة
من غير الفرعون ،إضافة الى التقسم اإلداري كيفية حكم األقاليم كاآلتي :
الفرعون :كان لصعوبة توحيد األقاليم المصرية أثر في نشوء فكرة أن مصر يحكمها إله أو
ابن إله تظهر فيه القوى التي تحكم القطرين ،أي هو "حورس الصقر" حاكم القطرين ،أو هو
على األقل ابن اإلله "رع" (إله الشمس) أعظم اآللهة و سيدها ،و بذلك تمكن الملك (الفرعون)
من أن يتباعد من أن يكون بشرا ،وتميّز الفرعون شأنه شأن الملوك في الممالك الشرقية
3
األخرى ،من حيث أنّه "ابن اإلله" بل و أحيانا اإلله ذاته .
و كان لفرعون وظائف متعددة في مصر القديمة فإلى جانب وظائفه الدينية كتقديم القرابين
و تنظيم االحتفاالت و األعمال الحربية للحفاظ على كيان الدولة و ضبط حدودها و التوسع ـ
إن أمكن ـ خارجيا ،فكان يعمل على تأمين اإلدارة الرشيدة لشعبه عبر تحقيق العدالة و الوقوف
على حا جيات السكان ،كما كان عليه أن يقرأ و يفصل فيما ال حصر له من الرسائل و التقارير
التي يجلبها لبالطه كبار الموظفين ،و كانت األعباء الدينية من مهام الملك و أكثرها قدسية
فهو الكاهن األعظم ،و هو الذي يسهر على المعابد في إدارتها و تأمين حاجتها ،وكانت مشيئته
4
هي القانون الذي يسري بين الرعية.
75
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
و يذكر أنّه منذ عصر الدولة الوسطى (بعد فوضى حكام األقاليم) زاد مبدأ تركيز اإلدارة
أن القضاء على نفوذ حكام األقاليم هو أضمن السبل بيد الملك ،و هنا أدرك الحاكم المصري ّ
لثبات العرش و للحفاظ على السلطة ،كما عرف الفراعنة فكرة االشراك في الحكم فكان ولي
العهد يشارك الملك في الحكم للتدرب عليه من جهة و لتثبيت والية العهد كحاكم مستقبلي .
و كانت وراثة العرش الفرعوني تصير البن الملك من زوجته األصلية الفرعونية و ليس
من حريمه من األجنبيات (خاصة مع تزايد الزواج باآلسيويات عصر األسر الثامنة عشر و
التاسعة عشر ) وكانت االبنة الكبرى من الملكة األم تعتبر وريثة ملكية للعرش ،لذا كان الملك
1
الجديد يتزوج من أخته لإلبقاء على الروح الملكية في البيت المالك.
أما بخصوص البالط الفرعوني فيتطلب تنوعا كبيرا للموظفين بمن فيهم رجال البالط
(بمعنى المحيطون بالفرعون) ،وكان أكثر المقربين هم أولئك "شنيت" snyt
أي بمعنى السمراء أو األصدقاء ،وكذلك لقب "ايريخ الذين يسمون "سمرو"
الذي ترجم بـ "المعروف من الملك" و المـستخدم ألقارب ـ نزو" "ir.h.nzw
2
فرعون.
و كان كذلك من موظفي البالط الملكي و الذين لهم حق االتصال المباشر بالملك "عيون
الملك و آذانه " و كانوا يختصون بالمخابرات السريّة و منهم " المبعوث الخاص الذي يطوف
البالد" و هو يوافي الملك باألخبار ثم " المعلم الذي يصل بعلمه الملك الى حد الكمال" ثم "
الكاتب الخاص لحورس الثور القوي " ثم " كبير أمناء القصر الملكي" ثم " األمناء" ثم "
رئيس الحرس الملكي" ثم " األتباع" و هم مرافقو الملك في الصيد و كذلك " رئيس ح َملَة أختام
3
الملك" و " الرسول الخاص" و " كاتب المائدة الملكية".
) و كان على رأس و يلي فرعون مصر منصب الوزير (حامل لقب "تاتي"
اإلدارة المركزية و يشرف على المحفوظات الملكية حيث تحفظ المراسيم و العقود و الوصايا
و المستندات الهامة ،و يعاونه رؤساء اإلرساليات الذين ينقلون إليه تقارير اإلدارات اإلقليمية،
كما كان هو رئيس القضاة األعلى و يشرف على إدارتين هامتين هما الخزينة و األعمال
الزراعية ،باإلضافة الى توجيهه لبعثات استثمار المناجم أو البعثات الخارجية عموما باإلضافة
4
الى فرق الجيش و األسطول ،كما كان يمثل إداريا حاكم العاصمة.
ـ ناصر األنصاري ،المجمل في تاريخ مصر ،النظم السياسية و اإلدارية ،دار الشروق ،القاهرة ،ط ،997، 1ص ص 1-9ـ بتصرف ـ
ـ ألن جارندر ،المرجع السابق ،ص 1
5ـ سمير العيداني ،العالقات الحضارية بين مصر وشعوب بالد الرافدين ،ص .97
1ـ ـ محمد جمال مختار ،لمح ة في تاريخ مصر السياسي و الحضاري ،في تاريخ الحضارة المصرية ،مج ، 1دار المعرفة ،اإلسكندرية ،د:ط،
د:ت ،ص .95وأنظر :ألن جارندر ،المرجع السابق ،ص ص .1-5
76
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
و في عهد الدولة الحديثة حين تكونت اإلمبراطورية واسعة األرجاء ،و زادت أعمال الحكومة
زيادة كبيرة ،اضطر الفراعنة أن يعينوا وزيرين ،أحدهما للوجه القبلي و مقره "طيبة" و يمتد
نفوذه من الشالل األول الى "أسيوط" و الثاني للوجه البحري و مقره "هليوبوليس" (عين
شمس) و يشرف على المناطق من "أسيوط" الى البحر المتوسط ،حيث يساعده في آداء المهام
1
رؤساء اإلدارات و عدد كبير من الوكالء و الكتبة.
و في الجانب اإلداري بعد منصب الوزير كانت أهم اإلدارات المركزية هما اإلدارة المالية
و إدارة األشغال التي ظهرت بوضوح في عهد الدولة الوسطى و كان يشرف عليهما رئيس
بيت المال 2،أما بالنسبة للتقسيم اإلداري و تسهيال لبسط نفوذ الحكومة على جهات القطر ،
قسمت مصر إلى أقسام صغيرة بلغ عددها من الوجه القبلي حوالي عشرون قسما تقريبا ،و
في الوجه البحري 22قسما ،و كان حكام األقاليم يعينون بأمر ملكي و يلقبون بنواب الملك و
تعهد إليهم مهام اإلدارة و القضاء ،و لقّبوا أحيانا بالقضاة و كان من الواجب عليهم القيام
باختصاصات الحكومة في العاصمة محليا كالمالية و القضاء و اإلدارة و تقييم مساحة األراضي
3
و إقامة الجسور و حفر الترع و مخازن التموين.
و أما عن الجانب العسكري ،فلم يكن لمصر جيش محترف مستعد و دائم خالل التاريخ
المبكر ،بل كان لكل إقليم حرسه الخاص الذي يجند أفراده من الرجال األشداء و يقوم بتسليحه
أن المعبد كان يرسل كتائب صغيرة من القوات ،وحتى إدارة األمير المحلي ،باإلضافة الى ّ
المالية كانت تحتفظ بحصة من الجنود لحماية موظفيها الذين يرسلون الى المحاجر و المناجم
،كما كانت هناك قوة بوليسية مجندة بالكامل من قبائل نوبية معينة ،و في حال تعرض الدولة
المصرية لتهديد الحرب ،كانت كل الفصائل المختلفة يجري تسليحها بأسلحة من الحكومة
4
الملكية و تنظم تحت قيادة قائد عام يجري اختياره لمواجهة الظرف الطارئ.
و خالل عصر الدولة الحديثة و بعد األزمات و عهود الفوضى التي عانتها مصر كالثورات
االجتماعية و تمردات حكام األقاليم المصرية و النوبية ،و بعيد غزو الهكسوس تغير النظام
العسكري للدولة فقد اختفت القوات الغير النظامية في األقاليم و ح ّل محلها جيش دائم و كبير ،
حصل على نظام و تدريب واسعين من الحروب التي خاضها ضد جيوش غرب آسيا و أيقظت
"حرب التحرير" ضد الهكسوس المصريين المسالمين ،وهنا كانت نواة الجيش تتكون من
المواطنين المصريين ،ثم تزايدت أعداد أفراد الجيش تباعا بمرور الزمن و استخدمت قوات
5
مرتزقة من الدول المجاورة.
77
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
وكانت الخناجر و السيوف و الحراب و بلط القتال هي عماد األسلحة التي استخدمها الجنود
المصريون ،و كانت الخناجر قصيرة ذات مقابض من العظم أو العاج ،وكان السيف أشبه
1
بالخنجر الطويل يستخدم في الطعن و المبارزة في القتال المتالحم.
2ـ االقتصاد الفرعوني :يدرس عادة من خالل األنشطة الممارسة كاآلتي :
أ ـ الزراعة :تعتبر الزراعة أبرز النشاطات البشرية الممارسة و أقدمها ،قصد تلبية الحاجيات
الغذائية لإلنسان من خالل تعويض التناقص في خيرات الطبيعة النباتية و الحيوانية ،و يتضح
لنا أن المصري القديم بحكم البيئة الزراعية قد عرف كيف ينشئ لنفسه زراعة ذو قوية ،و لم
ي فلح في الوصول الى ذلك بتأثير الموارد الطبيعية التي هيأها له وادي النيل فحسب ،بل كان
الفضل في ذلك أيضا الى جهوده التي ال تعرف الملل ،و مساعيه في تحسين آالت زراعته و
طرق استثمار أرضه مما جعل مناطق ضفاف النيل تزدهر بها زراعة الحقول ،مما ساهم في
2
تقدم الحضارة المصرية في مجاالت أخرى تأثرت بالزراعة.
هذا و أولى حكام مصر خاصة في عصر الدولة الوسطى و الحديثة الزراعة عناية بالغة
شملت طرق الزراعة و أدوات اإلنتاج الزراعي و فن إدارة المزارع و الرقابة في العمليات
الزراعية المختلفة حراثة و بذرا و ريّا و حصادا ،كما ساعدت الدولة من خالل توجيهات
ملكية مركزية و ممارسة للموظفين و حكام األقاليم في حفظ و تجميع اإلنتاج الزراعي ،إذ
كانت الدولة في خالل عهد العديد من األسرات توزع األراضي الزراعية على الفالحين
بالتساوي و تراقب عمليات االستغالل ،كما كانت تستعيد األراضي من األسر التي يثبت
3
إهمالها للزراعة.
و فيما تعلق بأساليب الزراعة فإنها ال تختلف كثيرا عن باقي مناطق العالم القديم ،رغم مالهم
من السبق في كثير من التحسينات الزراعية ـ و خاصة في فصل البذر الذي ينطلق خالل الشتاء
بين شهري أكتوبر و فيفري ،وكان الفالح بعد مرحلة البذر يستعين بالجماعة في ري محاصيله
الزراعية خاصة من "بحيرة موريس" في منطقة الفيوم ،اذ كانت تفتح عندما يحتاج الزرّ اع
توزع في المساقي الصغيرة ،حيث تعاون للمياه بواسطة الشادوف أو األواني التي كانت ّ
المزارعون بدعم من حكام األقاليم و رعاية من الدولة على إقامة مشاريع ري كبرى في بناء
4
القنوات الجديدة و السدود.
و بخصوص أساليب الري فقد توقفت الزراعة المصرية في بداية األمر على فيضان النيل
وكان اإلنتاج وافرا و الموسم الزراعي ناجحا إذا ما فاض النيل في وقته و روى األراضي
ت ج جيمز ،أسرار الفراعنة ،الهيئة المصرية العامة للكتاب ،القاهرة ،د:ط ،999 ،ص ص .9-9 ـ
عبد الفتاح محمد وهيبة ،المرجع السابق ،ص .593 ـ
سير و م فلندرز بيتري ،الحياة االجتماعية في مصر ،ص 59و كذا :سليم حسن ،مصر القديمة ،مج ، 1ص 99 5ـ
محمد شفيق غربال و آخرون ،تاريخ الحضارة المصرية ،العصر الفرعوني ،ص .19 1ـ
78
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
الزراعية ،أما إذا تأخر فيحدث الجفاف و لمواجهة الكارثة و توفير الماء طيلة أيام السنة أنشئت
السدود و قنوات نقل المياه و الخزانات التي تسمح بري األراضي الزراعية في كل وقت ،1
أما إذا انخفض منسوب الماء فيلجأ الفالح المصري الى رفع الماء بالشادوف أو الساقية ،ومن
العمليات اإلروائية الضخمة ما نسب للفرعون "أمنمحات الثالث " في منطقة "الفيوم" حيث
2
شق بحيرة اصطناعية عرفت ببحيرة "موريس" عند االغريق .
و أثبتت الدراسات وجود العديد من المحاصيل المصرية كالشعير ،السمسم ،العدس ،
الحلبة ،الكتان ،القمح ،الذرة ،الذرة البيضاء ،البرسيم ،القطن ،القصب ،الترمس و الفول،
ومن الفواكه المعروفة البلح بأنواعه و العنب بأنواعه و البرقوق ،البطيخ ،و جوز الهند و
النبق ،التين ،الرماّن ،الكمثري ،والتفاح و الكرز و الليمون .ومن الخضروات الخس و
الباذنجان ،القرع ،السلق ،الخيار ،الكرنب ،القثاء ،الكراث ،الفجل ،اللفت ،الحمص و
3
الفول.
كما عمل المصري القديم على استئناس الحيوان بحيث استأنس الكلب في الصيد و
الحراسة كما عرف فائدة من الثور و الحمار في النقل و الحرث ،وكان البدو يقدرون قيمة
صوف األغنام ،بينما كان أغلب المصريين يفضلون الماعز على الخراف و يضاف الى
استئناس الخنزير لوظائف مختلفة ،وما عداه فكان المصريون يصطادون الغزال و األيائل و
الماعز البري و الوعل و الضبع المتوحش .ولم يعرف الجمل اال عند أهل المناطق الشرقية
للدلتا ،أما الحصان فلم يعرف كثيرا إال بعد "الهكسوس " ،حيث بدأ انتشاره في عصر
4
"الرعامسة".
ب ـ النشاط الصناعي :يمكن تتبع اإلسهام الحرفي لقدماء المصريين ،من خالل التطور
الواضح في الصناعات المرتبطة بمجال استخراج الحجارة المتنوّ عة و كذلك في ميدان التعدين
و الصناعات الخشبية و الزجاج و العاج و العظام ،حيث أنهم استكشفوا و استغلوا مختلف
موارد البالد الطبيعية و بالتدريج أدخلوا التحسينات على األساليب الفنية الالزمة لصنع األدوات
المختلفة و التي صممت بمهارة كبيرة.
*ـ استخراج الحجارة :وبدأ استعمال الحجارة في البناء منذ منتصف عهد األسرة األولى عندما
استخدم حجر الجرانيت في تبليط األرضيات ،و لكن سرعان ما استبدل الحجر باللبن في بناء
المعابد الملتحمة باألهرامات منذ األسرة الثالثة و استمر استخدامه في بناء المعابد في
"أبيدوس" ،و استعملت المناشير المرصّعة باألحجار الصلبة في تسوية الحجارة و كذلك أنابيب
79
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
النحاس في قطع الجرانيت ،كما استعملت المثاقب النحاسية في عمل التجاويف العميقة و أزيلت
1
النتوءات بالمطارق الحجرية الصلبة.
*ـ التعدين :ظلت صناعة التعدين قرونا كثيرة محتكرة للدولة ،وكانت مناجم النحاس تنتج
مقادير قليلة منه ،أما الحديد فكان يستورد من بالد الحثيين ،أما مناجم الذهب فكانت منتشرة
على طول الضفة الشرقية للنيل و في بالد النوبة ،كما كان يؤتى به ـ الذهب ـ من خزائن جميع
الواليات الخاضعة لسلطان مصر في عصر الدولة الحديثة ،عرفت مصر خالل العهد
الفرعوني كيف تصنع البرونز بمزج النحاس بالقصدير.
وكان للذهب أهمية كبيرة في تاريخ مصر االقتصادي و السياسي بحيث برزت أهميته في
دعم العالقات الخارجية أكبر من قيمته في دعم الرخاء الداخلي ،حيث كان دائما أكثر وفرة
من الفضة لتوفر مناطق تعدينه بالمناطق الشرقية و النوبة ،أما الفضة فقد كانت حتى عصر
الدولة الوسطى أكثر ندرة من الذهب فكانت مناجمها قليلة و تقنية استخراجها متأخرة ألنها
أكثر تعقيدا من الذهب ،لذلك كانت الفضة مساوية لقيمة الذهب حتى عصر الدولة الحديثة.
*ـ الصناعة الفخارية :منذ عهد األسرة األولى استخدمت عجلة الفخار لصناعة الجرار الكبيرة،
لكن استخدام اليد كان ضروريا و في عهد األسرة الثالثة كانت األواني الفخارية تصنع بواسطة
لفّها داخل حفرة في األرض بينما تشكلّها يد الصانع ،و في عهد األسرة الثانية عشر كان
الفخاري يدير عجلة الفخار بيده اليسرى و يشكل اآلنية بيده اليمنى ،ثم ينزعها و يصقل قاعدتها
،و في عهد األسرة الثامنة عشر كانت الجرار الكبيرة تصنع بحيث تكون في وضع معكوس
أو مقلوب على عجلة ّ
الفخار.
ــ يقصد بالصناعة الفخارية ما صنع من الطين ث ّم يشكل و هو رطب ،ثم يقسّى عبر حرقه ،
ثم تشمل عملية صناعة االناء الفخاري على أربع خطوات أساسية هي عجن الطين و تشكيل
اإلناء ثم تجفيف اإلناء و أخيرا عملية حرقه.
*ـ صناعة الحلي :برع المصريون منذ عهد األسرات في استعمال الذهب و األحجار الكريمة
و التي استعملت في صناعة الحلي الكثيرة التي تزينوا به رجاال و نساء و أقدمها تلك األساور
التي عثر عليها في مقبرة أحد ملوك األسرة األولى و ما تالها من مكتشفات أشهرها تعود
إلحدى أميرات األسرة الثانية عشر و التي تميّزت بتطعيمها باألحجار الكريمة ،لتتطوّر
صناعة الحلي خالل عهد األسرة الثامنة عشر من خالل الصدريات و األساور و القالئد و
الخواتيم المطعمة باألحجار الكريمة التي عثر عليها في مقبرة "توت عنخ أمون" و المحفوظة
2
في خزائن المتحف المصري.
ـ مجموعة من المؤلفين ،تاريخ أفريقيا العام ،مج ، 1ص ص.37-31و أنظر :السير و م فلندرز بيتري ،المرجع السابق ،ص .7
ـ ألفريد لوكاس ،المواد و الصناعات عند قدماء المصريين ،تر :زكي إسكندر ،مكتبة مدبولي ،القاهرة ،ط ،99 ، 1ص .99
81
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
*ـ صناعة الزجاج :من الصناعات التي القت رواجا كبيرا ،حيث صنع من الرمل السيليكي
أو رمل الكوارتز و التي تحوي عنصر كربونات الكالسيوم و يضاف الى الرمل المطروق أو
رماد بعض النباتات ثم مواد األلوان و يوضع هذا الخليط في بوتقة غير كبيرة الحجم حتى
تنصهر هذه المواد بفعل الحرارة ،وتندمج معا و تكوّ ن جسما متجانسا ذا لون واحد ،بعدها
يبدأ الصانع في تحويل القطع الزجاجية الى قضبان رفيعة و ذلك بفعل التسخين ،ليصبح لديه
الما ّدة الخام التي يستعملها في عمل المواد الزجاجية ،ومن نماذج الزجاجيات الزهريات ذات
األشكال كثيرة التنوّع من الكأس الجميل ذي الساق الى الزهريات المصبوبة في شكل أسماك
متعددة األلوان من النوع غير الشفاف ،بعدها انتشرت الزهريات الزجاجية متعددة األلوان و
1
التي بدأت تظهر منذ 700ق.م في الشكل المعروف بـ "ألبستر"(المرمر المعرّ ق).
جـ ـ التجارة :و قد عني المصريون بالتجارة و رواجها ،لتصريف منتجات مصر و استيراد
ما كا نت البالد تفتقر إليه من مواد كاألخشاب و المعادن و الخيول و القطران ،بحيث يكون
المي زان التجاري في صالحها و يضمن الثراء العريض الذي كان من دعائم قوتهم ،لذا يرجح
أن استيراد هذه المواد التي كانت مصر تفتقر لها ـ أو الجانب األكبر منها ـ كان وقفا على ّ
الملك ،و أنّه كان ال يدفع إال مكوسا جمركية طفيفة ،و أما القسم اآلخر فكان يشمل السلع التي
تنتج مصر مثيالتها و لذلك كان الملك يفرض عليها مكوسا مرتفعة ،و كان التجار هم الذين
2
يجلبون هذه السلع و هي في أغلبا سلع كمالية كالنبيذ االغريقي و األسماك المجففة.
و كان النقل التجاري البرّي يتم عبر ظهور الحمير على الرغم من ظهور الحصان حوالي
أن الحصان استعمل في جرّ العربات الحربية ،أما الجمل فلم يستعمل األلف الثانية ق.م ذلك ّ
إال في العصر المتأخر و عرف في فترات أقدم في الصحاري الشرقية ،ونظرا لصعوبة النقل
البري و ارتفاع تكاليفه و عدم جدواه من حيث قلة الحمولة ،فقد كان النقل المائي أفضل عند
التجار المصريين ،حيث كانت التجارة تتم عبر النيل ـ لسهولة المالحة فيه نزوال وصعودا ـ
فمن الجنوب الى الشمال يدفع تيار الماء القوارب و من الشمال الى الجنوب تدفعها الرياح
3
الشمالية التي تهبّ بانتظام أغلب األيام.
و لم تتم العملية التجارية على المقايضة فحسب ،بل استعملت منذ األلف الثاني ق.م حلقات
من الذهب تسمى "شات " "SHATSتزن كل واحدة حوالي 7.5غرام ،و منذ عصر الدولة
الحديثة ظهرت في مصر مسكوكات تعرف باسم "دبن" " " DEBENتصل قيمتها الى 12
4
شات ،أي حوالي 90غرام .
ـ اللجنة الدولية لتحرير تاريخ افريقيا العام ،تاريخ أفريقيا العام ،ج ، 1ص.31و ألكثر تفصيل في الصناعة الزجاجية يراجع :ألفريد لوكاس،
المواد و الصناعات في مصر القديمة ،ص ،ص .59-51
ـ عبد الفتاح محمد وهيبة ،المرجع السابق ،ص 519
5ـ السير و م فلندرز بتري ،المرجع السابق ،ص .75
1ـ ويل وايرل ديورانت ،المرجع السابق ،ص .91
81
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
أن مصر تحصلت على وارداتها من مناطق محددة منها العاج و البخور و الصمغ و يذكر ّ
و جلود الفهود و األسود و الذهب و ريش النعام الذي كان يرد إليها من بالد النوبة و أخشاب
األرز من "فينيقيا" و النبيذ و الزيت من جزيرة "كريت" و بالد اليونان ،كما ت ّم استيراد
النحاس من آسيا الصغرى ،أما التوابل و البخور و المواد الثمينة فمن شبه الجزيرة العربية و
الهند و بالد الرافدين و زيت الزيتون من شمال أفريقيا ،و النباتات العطرية و أخشاب األبنوس
و الجوز من "بالد بونت"(الصومال الحالية) ،وحتى عصر الدولة الحديثة دلت النصوص
أن مصر بقيت تستورد الذهب و الفضة و األحجار الكريمة و الخيل و الماشية و المختلفة ّ
1
األسلحة و اآلالت الموسيقية و الزيت و النبيذ.
3ـ المجتمع :وجب لدراسة المجتمع الفرعوني أن أشير الى القضايا اآلتية :
المالك و الكهنة في درجة أ ـ طبقات المجتمع المصري :كان كبار الموظفين و النبالء و كبار ّ
واحدة ،يكونون جميعا الطبقة التي تلي الفرعون مباشرة و الذي كان ينيبهم عنه في تأدية المهام
الخاصة به ،و هكذا كان المجتمع يتكون في أوّ ل أمره من طبقتين مع فرق واضح ،طبقة عليا
حاكمة على رأسها فرعون و أسرته و حاشيته و من حولهم كبار موظفي الدولة و أمراء األقاليم
و كبار الكهنة ،ث ّم طبقة دنيا عاملة كادحة تتكون من عمال الزراعة و الصناعة و أصحاب
2
الحرف.
و في عهد الدولة الحديثة ظهرت هناك تغييرات في تركيبة المجتمع المصري بسبب
طغيان الروح العسكرية ،و ذلك بظهور طبقة جديدة مهيمنة بدأت تتشكل منذ األسرة الثامنة
عشر و ظلت تتطوّر ،هذه الطبقة التي نشأت أساسا على أيدي الضباط العسكريين بعد التحرير
من تواجد الهكسوس في األسرة ، 18كما استطاعت تأسيس األسرتين 19و 21فيما بعد ،
أن هذه الطبقة بدأ يتزايد نفوذها في جميع أركان الدولة بعد النجاح في صـــراعهاحيث يتضح ّ
3
مع فئة رجال الدين و الكتبة التقليديين.
أن المواطنين المصريين وكان الرقيق يمثلون أدنى طبقة في المجتمع ،ـ مع اإلشارة الى ّ
الذين كانوا يعملون كخدم طواعية أو بإرادتهم الحرّ ة ال يعتبرون من الرقيق ،حيث لم يكن من
الممكن بيعهم أو توريثهم ،وإن كانوا يمثلون فئة من الطبقة الدنيا ،و منذ بداية الدولة الحديثة
أصبح أسرى الحروب مصدرا أساسيا لطبقة الرقيق ،و كان مالك الرقيق ممن ينتمون الى
الضباط العسكريين أكثر من الرقيق المملوكين للدوائر المدنية ،هذا الى جانب ّ
أن القسم األكبر
4
من طبقة الرقيق كانوا يعتبرون من أمالك الدولة و أمالك المعابد.
ـ صدقي ربيع ،المراكب في مصر القديمة ،الهيئة العامة المصرية للكتاب ،القاهرة د:ط ، 99 ،ص.1و أنظر ذلك في :ألفريد لوكاس ،
المرجع السابق ،ص .735
ـ محمد بيومي مهران ،مصر و الشرق األدنى القديم ،ج ،1الحياة االجتماعية و السياسية و العسكرية و الدينية ،ص .11
5ـ أحمد قدري ،المؤسسة العسكرية المصرية في عصر اإلمبراطورية ( 371ـ 197ق.م) ،تر :مختار السويفي ،محمد العزب موسى ،مطبعة
هيئة اآلثار المصرية ،القاهرة ،د:ط ،993 ،ص 11-13و أنظر :دومينيك فالبيل ،الناس و الحياة في مصر القديمة ،تر :ماهر جويجاتي ،دار
الفكر للدراسات ،القاهرة ،ط ، 11 ،1ص .1
1ـ أحمد قدري ،المؤسسة العسكرية المصرية في عهد اإلمبراطورية .19 ،
82
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
ب ـ فئات المجتمع :و قد توزعت الجاليات األجنبية في المدن المصرية على حسب الموقع
الجغرافي ،و يدلّ على ذلك تزايد األعراق اآلسيوية في مدن شرق الدلتا ،و الجاليات ذات
األصل الليبي في مدن "الدلتا" و الواحات الغربية ،بحيث نجد "شيشنق" الذي كوّ ن األسرة
الثانية و العشرين مستقرا بقبيلته في "أهناسيا" بالفيوم ،وكذلك األمر بالنسبة للمناطق الجنوبية
حيث وجدت الجاليات النوبية و الحبشية ،مع مالحظة أنّه في حالة األزمات و الضعف اللذان
1
فإن هذه الجاليات و القبائل تزيد في نشاطها عبر غارات البدو.يعتريان الدولة المصرية ّ ،
جـ ـ األسرة و المرأة و األحوال الشخصية :تشمل عائلة المصري بمعناها الواسع اآلباء و
األجداد و األبناء واألنساب والتي اصطلح على أفرادها "أهل الدار" ،و كان الحكماء يطالبون
األبناء بتشييد منازلهم و تأسيس أسر جديدة عبر الزواج ،حيث تكون األسرة تتكون من
الزوجات و أبنائهم ،والتي أضيف لها المكفولون من اإلخوة و األخوات اليتامى الذين لم يبلغوا
سن الزواج ،كما كانت رعاية الوالدين واجب أخالقي مفروض على األبناء يشجعهم في ذلك
2
الميراث المرتقب.
و تعددت حاالت الطالق خاصة بين الفقراء ( لسوء الوضع المادي و مشكالته) ،و كانت
القاعدة تقتضي الزواج ثانية في حالة التر ّمل أو الطالق ،و اعتبرت العزوبية سلوكا غير
اجتماعي و عرفت سلوكات الزنا و االغتصاب بأنّها من األمور المرفوضة و التي يعاقب
عليها ،إذ فرض القتل عقابا للزانية المتزوجة و من زنى بها ،و يظهر ّ
أن العالقات الزوجية
3
اتسمت بالمودة و االهتمام في فن المناظر المرسومة (عند النبالء ) .
أما عن تعدد الزوجات ،فمن الثابت أن كثيرا من ملوك مصر و أمرائها كان لهم أكثر من
زوجة عهد الدولة الحديثة فهناك شواهد كثيرة على اتخاذ كثير ملوكها الكثير من الزوجات و
بخاصة "أمنحوتب الثالث" الذي كان له أكثر من زوجة ،و كذلك تزوج "رمسيس الثاني"
الكثير من الزوجات وكان له العديد من األوالد (مئة و إحدى عشر ولدا و تسعة و خمسون
أنثى ) ،وكان لــ "رمسيس الثالث" ثالث زوجات شرعيات ،وقد أشار لذلك "ديودور الصقلي"
4
قائال ":و يتخذ الكاهن في مصر زوجا واحدا أما سائر الرجال فيتخذون من األزواج ما يشتهون".
و عن المرأة و مكانتها االجتماعية عند المصريين القدماء ،فقد كانت أرقى في مركزها
عن كثير من األمم ،و في ذلك يقول "ماكس ميلر" ":ليس ث ّمة شعب قديم أو حديث قد رفع منزلة
المرأة مثلما رفعها سكان وادي النيل " ،فالنقوش و الرسومات المختلفة تصور النساء يأكلن و
ـ محمد مدحت جابر ،بعض جوانب جغرافيا العمران في مصر القديمة ،مكتبة نهضة الشرق ،القاهرة ،د:ط ،993 ،ص .1و أنظر :عبد
العزيز صالح ،الشرق األدنى القديم .مصر و العراق ،ص.11و أنظر :محمد شفيق غربال و آخرون ،المرجع السابق ،ص .5
ـ دومينيك فالبيل ،المرجع السابق ،ص . 5و أنظر :عبد العزيز صالح ،األسرة المصرية في عصورها القديمة ،الهيئة المصرية العامة
للكتاب ،القاهرة ،د:ط ،999 ،ص 31
5ـ دومينيك فالبيل ،المرجع نفسه ،ص 51
1ـ ويل و إيرل ديورانت ،المرجع السابق ،ص ص 91-93ـ بتصرف ـ
83
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
يشربن بين الناس ،و يقضين ما يحتجنه من المهام في الشوارع من غير رقيب غليهن ،كما
1
يمارسن األعمال التجارية و الصناعية بكامل حريتهن.
أن تركة األبأ ّما عن نظام الميراث فالقواعد المتشابهة طيلة أغلب الفترات التاريخية ّ ،
المتوفى تنتقل الى أبنائه الشرعيين ث ّم الى أبنائهم نزوال ،كما كانت تصير الى األبناء أو
أن جميع األبناء متساوون في تركة األخوات عند عدم وجود األبناء المباشرين ،و الراجح ّ
أن األسرة المصرية منحت في بعض عهودها االبن األكبر حق الهالك صغارا أو كبارا ،رغم ّ
اإلشراف على ميراثها دون التصرف فيه لحسابه الخاص ،كما منعته من جعل الميراث ألبنائه
دون غيرهم ،كما اشترطت عليه العمل بالميراث فيما يفيد أفرادها ،في حين ّ
أن ميراث المرأة
على األغلب كانت تحوزه من تركة والدها المنقولة ،حتى ال تخضع عقارات األسرة لتدخل
الزوج حين وراثته ،و كان لها أن ترث الجواهر الثمينة فإنها تنتقل من األم الى البنت عن
2
طريق اإلرث.
4ـ الجانب الثقافي :تتم دراسته من خالل مواضع تخص األدب و العلوم و العمارة و الفن و
تفاصيل المجال الديني كاآلتي:
أ ـ األدب المصري القديم :يمكن تقسيمه من حيث مواضيعه إلى أربعة أبواب هي :أدب
األساطير الدينية و القصص و األناشيد ( األغاني) و أدب الحكم و النصائح ،مع تسجيل أن
هذه األبواب تتداخل فبما بينها خالل مختلف حقب التاريخ المصري القديم ،والتي تعطينا في
مجموعها صورة صادقة عن المصريين القدماء ،ألن أدب أي شعب هو المرآة التي تعكس لنا
عقليته و أمانيه و توضح لنا ما وصل إليه ذلك المجتمع من إنتاج فكري.
* اآلداب الدينية :و و جدت مكتوبة على نصوص األهرام و نصوص التوابيت و كتاب
الموتى ،و تتعلق أغلبها بما عرف باألدب الديني أو أدب األساطير الدينية و من موضوعاتها
الشهيرة أسطورة "نجاة البشر" أو "هالك اإلنسانية" و التي نقشت على أحد نواويس "الملك
توت غنج آمون" الخشبية ،و كذا أسطورة حياة "إزيس" و "إله الشمس رع" باإلضافة لقصة
3
صراع "حورس" و "سيت".
*ـ أدب الحكمة :و اشتهر المصريون بأدب الحكمة wisdom literatureو الذي يهتم
بالمواضيع العملية ،و يطلق عليها في المصرية القديمة "التعاليم" مما يوحي أنها مؤلفات
تعليمية ،وكانت الفكرة السائدة لدى الكثيرين أن الغرض المرجو من الحكم و النصائح و
84
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
التعاليم أن يكون المرء موظفا كفئا و يؤدي عمله الوظيفي على أكمل وجه ،مع مالحظة ّ
أن
الهدف منها هو تخليد الذكر و الرفعة من شأن الشخص التي توجه له الحكمة ،و من أقدم األمثلة
على هذا النوع "تعاليم بتاح ـ حوتب" أحد وزراء األسرة الخامسة حوالي 2380ق.م ،ومن
أمثلة أدب الحكمة كذلك ما عرف بتعاليم الملك "أمنمحات األول" من فراعنة األسرة .12
*ـ أدب األناشيد واألغاني :أما عن أدب األناشيد فهو معروف كذلك بأدب التأمالت ،و الذي
مهدت له فترة االضطرابات السياسية و عدم االستقرار االقتصادي التي أعقبت عهد الدولة
القديمة حيث وردت عدة نصوص في أدب التأمالت (المتشائمة) منها "تحذيرات أيبور" نهاية
عهد الدولة القديمة .
و منذ عصر الدولة الحديثة أصبح الكثير من الفراعنة هم أنفسهم مواضيع ألناشيد النصر
التي كانت تنقش على ما يقيمونه من أنصاب في معابدهم ،ومنها نشيد النصر الخاص بـ
"تحمتس الثالث" محفور على نصب بمتحف القاهرة (أصله من معبد الكرنك) ،و يضم
نصوصا بعضها نثري و كثيرها مقاطع شعرية قسمت إلى عشر مقاطع ،يبدأ كل منها بعبارة
"لقد أتيت" ،و الكالم الشعري ورد على لسان اإلله "آمون" نفسه يقول ":لقد أتيت ...لكي أمنحك
الحق في أن تطأ زعماء فينيقيا ....و سوف أنثرهم تحت قدميك...في أي جزء من بالدهم ..و سوف أجعلهم
يرون جاللتك باعتبارك رب األشعة ..عندما تشرق في وجوههم على صورتي ..لقد أتيت ...لكن أمنحك
الحق في أن تطأ سكان آسيا ..و تطيح برؤوس اآلسيويين ...و سوف أجعلهم يرون جاللتك في دروعك..
1
عندما تحمل أسلحتك الحربية في العربة."..
يضاف لتلك النصوص األدبية الشعرية التراتيل و التي تعلقت بالنيل واآللهة و اشتهر منها
" ترنيمة النيل " المعروف بـ اإلله "جعبي " تعود لألسرة التاسعة عشر ( حوالي 1250ق م )
و م ّما جاء فيها " مرحبا بالنيل ،الذي يخرج من األرض ،و يأتي لهيب الحياة ألهل مصر ،خفي في
الحركة مظلم في النهار ،مقدس من أتباعه الذين يرون حقولهم ،خلفه رع إلعطاء الحياة لكل العطشى
،الذي يجعل الصحراء تشرب من سهول هابطة من السماء ،المحبوب من إله األرض ،الرقيب على إله
الحبوب ،الذي يجعل مصانع "بتاح" تزدهر ،إله األسماك الذي يجعل طيور الماء تسبح عكس التيار2".
*ـ األدب القصصي :ظهر األدب القصصي في مصر الفرعونية منذ عهد الدولة القديمة و
يستدل من بعض الفقرات التي وردت في متون األهرام على وجود أساطير و قصص عن
اآللهة ترجع إلى عصر ما قبل الكتابة ،و كان الفرعون " سنفرو " مؤسس األسرة الرابعة من
أهم الشخصيات التي دارت القصص حولها ،و التي من أشهرها ما عرف بقصة "سنفرو و
الحكماء " ،و قصة " المالح الغريق " والتي وصلت إلينا كاملة غير منقوصة ،و من القصص
التي وصلتنا قصة "سنوهي " سنوحي ) و التي كتبت في أوائل األسرة الثانية عشر ،و ذاع
ـ عبد الغزيز صالح ،الشرق األدنى القديم ،مصر و العراق ،ص . 497
ـ أحمد أمين سليم ،سوزان عباس عبد اللطيف ،دراسات في تاريخ و حضارة الشرق القديم (.)1في حضارة مصر القديمة ،ص . 555
85
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
كذلك من األدب القصصي "قصة األخوين" وهي تنتمي لقصص عهد الدولة الحديثة (عهد
األسرة التاسعة عشر) ،و " قصة إله البحر " و كذلك " قصص خوفو و السحرة " و قصة
1
"األمير المسحور " و " االستيالء على مدينة باقا " و غيرها الكثير.
ب ـ التعليم و العلوم :كان التعليم ميزة محتكرة لصالح الصبيان المزعم تعيينهم في المناصب
االدارية كالكتبة أو المناصب الدينية كالكهنة ،و الهدف الرئيسي من عملية التعليم هو توفير
الموظفين األكفاء ألعمال الدولة ( المدنية و الدينية ) باإلضافة إلى تحسين األوضاع االجتماعية
لألفراد المتعلمين ،هذا و يرجح أنّه يبدأ التعليم في سن مبكرة وينتهي في عمر 16عاما ،يجتهد
فيها التلميذ بمدارس خاصة داخل القصر الملكي أو التابعة للمعابد ،يشرف عليها الكهنة إن
تعلق األمر بأبناء األغنياء و النبالء ،أما أبناء العامة فكان يتكفل بالموهوبين منهم كاتب القرية
و مساعدوه ،حيث عمل األشخاص القادرون على تحمل نفقات التعليم في تأمين التعليم ألبنائهم
2
ألنّه مفتاح الوظائف اإلدارية.
و كان الكتبة المتخرجون ـ من أبناء الكهنة و رجال البالط و كبار القواد ـ يلتحقون بعد
حصولهم على شهادة (كاتب المجبرة) بالمعبد الكبير لتلقي العلوم األخرى و التخصص في
مجاالت محددة على أيدي كبار الكهنة لتلقي علوم كالهندسة المعمارية و الفلك و الطب و
الصيدلة و حكمة المصريين و آدابهم ،و كان هؤالء يعينون بعد دراستهم في الوظائف العليا
كوزراء أو قواد أو كهنة ،بحكم أن الوظائف الكبرى في كثير من فترات التاريخ المصري
3
القديم كانت متوارثة.
أن المصريين تعرفوا على مختلف و بالنسبة للعلوم يرى المؤلف "محمد بيومي مهران" ّ
علومهم لغايات تتعلق بواقعهم المعيشي و طبيعتهم الجغرافية وبناء على مميزات الحياة اليومية
المصرية وهكذا مارسوا ثم درسوا الفلك ليحددوا موعد الفيضان بغية الوصول الى مواقيت
الزراعة و الحصاد ..و اهتموا بالحساب لضبط حاجياتهم الضرورية في البيع و التجارة و
4
اإلحصاء و تحصيل الضرائب و درسوا الهندسة لفائدتها في العمارة و إقامة المشروعات.
*ـ الرياضيات :يشار أن العمليات الحسابية قد عرفها المصريون باكرا كالجمع و الطرح ،و
من المفترض أنهم عرفوا األعداد قبل ذلك كالعشرات و المئات و ألوف األلوف ،أما العمليات
كالضرب فكان عبر عملية جمع الجمع و ذلك عبر مضاعفة العدد المضروب في جدول صغير
مرات تعادل العدد المضروب فيه ،ثم تجمع حواصل ضرب المضاعفات التي تعادل في
مجموعها العدد المضروب فيه ،في حين كانت عملية القسمة تجرى عكس عملية الضرب أي
ـ سليم حس ،مصر القديمة ،ج ، 9االدب المصري القديم ،الكتاب .
ـ عبد الحليم نور الدين ،التربية و التعليم في مصر القديمة ،إصدارات مكتبة اإلسكندرية ، 111 ،ص ص.3-ـ بتصرف ـ
5ـ أحمد بدوي .جمال الدين مختار ،تاريخ التربية و التعليم في مصر ،تاريخ الحضارة المصرية القديمة ،ج . 1العصر الفرعوني ،ص-99
99ـ بتصرف ـ
1ـ محمد بيومي مهران ،مصر و الشرق األدنى القديم ( . )1الحضارة المصرية القديمة ،ج .1اآلداب و العلوم ،ص .557
86
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
أنها كانت تعتمد على مضاعفة المقسوم عليه حتى يتعادل مع القاسم ،و يرجح المختصون ّ
أن
1
المصريين قد عرفوا نظام الكسور البسيطة وتجنبوا استخدام الكسور المركبة.
*ـ الفلك :الراجح أن التبصر في السماء (الفلك) قد أثار اهتمام كبار الكهنة ،و خاصة اهتمام
كهنة "هيليوبوليس" المكرسين لعبادة "الشمس" "رع" ،و ميّز المصريون القدامى في السماء
–غير الشمس و القمر -كواكب كثيرة منها ما نسميه "عطارد" و "الزهرة"( نجمة الصباح)
ثم "المريخ" (حور األحمر) و "المشتري" (النجم الثاقب) و أخيرا "زحل" (حور الثور) ،و
قد جعلوها ضمن بروج خاصة و كذلك أمكن التعرف على "الدب األكبر" (فخذ ثور) و
"البجعة" (الرجل ذي الذراعين المفتوحتين) و "الجوزاء" (في صورة رجل العدو) و
"الحوت" و "الثريا" و "العقرب" و "الحمل" ،و كان النجم األقرب (الشعرى اليمانية) ذا
دور كبير في حساب الزمن لدى القوم ،فقد كان شروقه الشمسي محدد للسنة الحقيقية (مدتها
2
365يوما و ربع اليوم).
*ـ العلوم الطبية :كان للطب في مصر الفرعونية شأن عظيم ،كما كان األطباء يتمتعون
بمكانة مرموقة في المجتمع ،و في ذلك وصف المؤرخون اليونان مدى تفوقهم في ذلك إذ يقول
"هيرودوت "إنّ المدارس الطبية في مصر كانت في منتهى الشهرة والسمعة الطبية الكبيرة ،كما أن
رجال الطب الذين تخصصوا في مختلف فروعه فكان لهم صيت ذائع ،و أنّ الملوك و األمراء و العظماء
3
،في البالد األخرى كانوا يستدعونهم لعالجهم ".
و يمكن إجمال ما برع فيه المصريون في الطب و العقاقير ،من خالل معرفتهم باألمراض
المختلفة و تشخيصها و القيام بعالجها ،ثم ابتكارهم ألدوات الجراحة و طرق استعمالها ،كما
عرفوا عمليات طبية عارضة كالبتر و الجبر و الخلع و الختان و غيرها ،ثم إنهم قد تميزوا
بالطب الداخلي حيث وصفوا العديد من األمراض وصفا دقيقا يعتمد أساسا على الخبرة و الدقة
أن من طرق العالج و الفهم الجيّد لوظائف أجهزة الجسم و مدى اإللمام بالتشريح ،كما أيقنوا ّ
4
العقاقير و المراهم و التدليك بالزيوت .واشهر عملياتهم التحنيط .
و كان تقدم الطب يدفع إلى ضرورة التطوّ ر في مجال الصيدلة التي اعتمدت على
العقاقير ،و التي كذلك استعملت النباتات و مشتقات الحيوانات و المعادن كمواد أولية في ذلك،
و قد أحصت البرديات الطبية -السابقة الذكر -أكثر من 90نوعا نباتيا من الخضروات و فواكه
استخرجت منها عالجات ألمراض ،يضاف إليها أكثر من 25نوعا من المعادن و المواد
ـ عبد العزيز صالح ،الرياضيات في مصر القديمة ،تاريخ الحضارة المصرية القديمة ،ج ، 1العصر الفرعوني ،ص .391
ـ محمد بيومي مهران ،اآلداب و العلوم ،المرجع السابق ،ص .571
5ـ هيرودوت ،هيرودوت يتحدث عن مصر ،91 ،ص .91
1ـ ليلى بومريش ،التحنيط في مصر القديمة ،مجلة الدراسات التاريخية ،قسم التاريخ بجامعة الجزائر ـ 1ـ العددان 15-1 ، 1-3
،ص ص 5-ـ بتصرف ـ و أنظر في ذلك :جمال ندا صالح السلماني ،التحنيط في مصر القديمة (لماذا و كيف) ،مجلة كلية اآلداب ،جامعة
بابل ،العدد ، 111 ، 11ص .511
87
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
العضوية كالجبس و االسفلت و القار و المغرّة الصفراء و النطرون و أكسيد الحديد ...و مواد
1
حيوانية مستخرجة خاصة من األسماك و الديدان و النحل و القواقع.
جـ ـ الفن :تأثر الفن المصري بـالعقيدة الدينية حيث كان العتقاد قدماء المصريين بأن الحياة
تعود إلى الجسم بعد الموت أثر كبير على خصائص الفن المصري ،حيث حرص على تحنيط
جثث موتاه في مدافن منيعة زيّن جدرانها بكتابات و نقوش تمثل مناظر مختلفة للميت ،كما
كان تأثير البيئة المصرية واضحا على الفن المصري القديم حيث تأثر الفنان بها ،و من ذلك
أن الشمس التي شرق عليه بأشعتها طوال أيام السنة ،دعته أن يجعل جدران معابده خالية من
2
النوافذ.
*ـ النحت :هو الفن ذو األبعاد الثالثة ( الطول و العرض و السمك ) و بنظرة على ما خلفته
الدولة الحديثة من تماثيل نجد أن بعضها يعبر عن المثالية بقوة و وضوح و البعض اآلخر يعبر
عن الواقعية ،بلغ فن النحت من األهمية ما بلغه في العمارة ،و جرت تقاليده-أي النحت -بنفس
ما جرت ع ليه تقاليد فن الرسم حيث شاركتها دالالت الخلود و حب البساطة و الوضوح كما
شاركتها في وسائل التنفيذ ،و أصحاب المقابر (النبالء) باستقامة الهيئة و وحدة االتجاه فنحتوا
جذوع تماثيلهم العليا منتصبة دائما حين الوقوف و حين الجلوس ،و وجهوا أبصارهم غلى
3
األمام في اتجاه مستقيم و كأنهم يتطلعون إلى مستقبل طويل و بعيد.
و من أحسن تماثيل هذا العصر تمثال البقرة "حتحور" الذي وجد بالدير البحري عام ،1906
في داخل مقصورة من الحجر الرملي ذات سقف مقبب الشكل ،و التي تعد أحسن قطعة فنية
نحتية حيوانية و التي يرجع تاريخها إلى األسرة الثامنة عشر ،كما يعد تمثال "تحمتس الثالث"
المصنوع من حجر الشيست و هو واقف يطأ األقواس التسع التي تمثل شعوب البدو ،احدى
تحف الفن المصري في هذه الفترة (أنظر الشكل .)22و احتفظت األسرة التاسعة عشر بالتقاليد
الخاصة بالرقة و الرشاقة و التي كانت متبعة في نهاية األسرة الثامنة عشر ،و من أجمل
التماثيل التي تتجلى فيها الدقة المتناهية تمثال "رمسيس الثاني"(4 .أنظر الشكل )23
و من النماذج األساسية لهذه الفترة ما عرف بالفن اآلتوني خاصة منها تماثيل "أخناتون "
(أنظر الشكل ، )24و تميزت المنحوتات في الدولة الحديثة بطابع الضخامة خاصة في مواقع
المعابد ،و كان الغرض منها أن تتناسق مع العمارة الضخمة التي ترتبط بها ليتناسب حجمها
مع حجم المعابد المشيدة في هذه الفترة ،و من ذلك تمثاال "طيبة" اللذان يمثالن الفرعون
ـ محمد عبد الحميد بسيوني ،الفراعنة أساطين الطب ،دار المعارف ،القاهرة ،977 ،د:ط ،ص ، 579و أنظر ذلك في :عبد الحليم نور
الدين " ،الطب و الصيدلة في مصر القديمة " ،منشورات مكتبة اإلسكندرية ،ص ص-ـ بتصرف ـ
ـ صبا علي حسن " ،جمالية توظيف عنصري الشمس و النيل في الفن المصري" ،مجلة كلية التربية األساسية ،جامعة بابل ،العدد 13 ، 1
،ص .17
5ـ زهير صاحب ،الفنون الفرعونية ،دار مجدي األدبي للنشر ،عمان ،ط، 113، ص 39و أنظر في ذلك :محرم كمال ،تاريخ الفن
المصري القديم ،ص . 7
1ـ سمير العيداني ،العالقات الحضارية بين مصر و شعوب بالد الرافدين ،ص .1
88
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
"امنحوتب الثالث" و يبلغ ارتفاعهما حوالي العشرين مترا ،و مثال هذه التماثيل الضخمة ما
أقيم في عهد "رمسيس الثاني" للتماثيل األربعة المنحوتة في الصخر ضمن واجهة معبده بـ"أبي
سنبل"( 1.أنظر الشكل ) 25
الشكل : 23تمثال من الجرانيت "رمسيس الثاني" بمتحف تورين الشكل :22تمثال تحتومس الثالث
الشكل : 25منحوتات عائلة "رمسيس الثاني بمدخل الشكل " : 24أخناتون " ـ خاص بالمؤلف ـ
معبد أبو سمبل الكبير المتحف القومي بالقاهرة
في مجال الفنون الصغرى صنع المصري القديم عددا كبيرا من التمائم و الجعارين و األختام
أن هذه األشياءو أدوات الزينة و الحلي التي ال تقل جماال بسبب حجمها الصغير ،و الشك ّ
الصغيرة كانت ظاهرة منتشرة في جميع المنطقة كما يفترض أنها تراوحت في تطورها حسب
األقسام العامة للفن المصري القديم ،و كذلك لم يكن القصد من صناعة هذه التحف الفنية هو
تحقيق مبدأ الفن للفن بل إنها كانت فوق ذلك تعبيرا عن اعتقاد مصري بأن الحياة في هذه الدنيا
2
ستتكرر بعد الموت .
89
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
د ـ العمارة :كانت المقابر الفرعونية في شكل مصاطب مدرجة او في شكل األهرامات أو تلك
المحفورة في الصخر أهم األشكال العمرانية في العمارة المصرية ،و هنا اكتفى ملوك أسر
الدولة الحديثة بحفر سراديب متعاقبة و غرفة التابوت ،و شيدوا المعبد الجنائزي (ما يقابل
المزار) على مقربة من النهر ،فروح الميت قادرة على مغادرة القبر و المجيء إلى المزار و
لذلك بنو سلسلة من المعابد على الشاطئ الغربي للنيل ذات صبغة جنزية كـ"الرمسيوم" الذي
بناه "رمسيس الثاني" و "الدير البحري" الذي بنته "حتشبسوت" و "معبد رمسيس الثالث" في
"هابو" و معبد "سيتي األول" بـ"القرنة" ،و كلها خاصة بعبادة الملك المتوفى و تقديم القرابين
1
أن هذه المعابد تشكل جزءا من المقبرة الخاصة لذلك الفرعون.له ،مع ذكر ّ
و بخصوص المعابد المصرية القديمة فقد خضعت ـ عموما ـ لنفس القواعد الفنية في العمارة
الحجرية و تميزت بالتقليل من االنحناءات و التعقيد كما امتازت باستقامة االتجاهات في
محورها الرئيسي و وجود أسلوب المقابلة بين أجزائها المشكلة في األساس من بوابة ضخمة
ذات صرحين بينهما المدخل الرئيسي للمعبد ،الذي يوصل إلى فناء فسيح مكشوف ،ثم إلى
بهو أعمدة كبير يتميز بصفوف متعددة من األعمدة الضخمة الصفان األوسطان يرتفعان عن
باقي الصفوف ،ثم تؤدي األعمدة إلى بهو أعمدة أصغر و منه إلى "قدس األقداس" الذي يتكون
من حجرة واحدة إذا كان المعبد قد خصص لعبادة معبود واحد ،أو من ثالث حجرات إذا كان
المعبد قد خصص لثالوث مقدس .
و من النماذج العمرانية خالل عهد األسرة التاسعة عشر معبد "أبو سمبل" الذي أنشأه
"رمسيس الثاني" و هو منحوت في كتلة صخرية و في واجهته أربع تماثيل ضخمة تمثل
فرعون جالسا على كرسي و بالقرب منه معبد "أبي سمبل الصغير" و تماثيله واقفة ألن الجبل
هناك عمودي االنحدار و ترتفع واجهة المعبد الكبير 33مترا و تمتد أفقيا 38مترا ،و قد
زينتها أربع تماثيل ضخمة يبلغ ارتفاعها حوالي 20مترا تمثل "رمسيس الثاني" جالسا و
بجانبه بعض زوجاته و أبنائه و بناته ،و لقد أقيم المعبدان بمواجهة الشمس التي تضيء
واجهتيهما المنحوتتين من الصخر األحمر ،ثم تنفذ إلى "قدس األقداس" الذي في نهاية المعبد
2
الكبير و على امتداد 63مترا من مدخله.
هـ ـ الديانة المصرية القديمة :تدرس عبر الحديث على: 3
*ـ المعتقدات و األفكار الدينية :تتأثر الديانة بالبيئة الطبيعية التي تنشأ فيها ،و تتكيف مع
نمط معتنقيها ،هذا و ينطبق على ديانة المصريين القدماء ،الذين تمعّنوا في الكون ،و سكونه
ـ كمال الدين سامح ،لمحات في تاريخ العمارة المصرية منذ أقدم العصور حتى العصر الحديث ،دار النهضة ،الشرق ،القاهرة ،ط111،
،ص ص 3ـ .1ـ بتصرف ـ
ـ عفيف بهنسي ،تاريخ الفن و العمارة ،دار الرائد اللبناني للطباعة ،بيروت ،ط ، 99، ص .7
5ـ للتفصيل في الديانة المصرية القديمة يراجع :خزعل الماجدي ،الدين المصري ،و كذلك :ياروسالف تشرني ،الديانة المصرية القديمة .
91
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
و حركته و في الحياة و الموت ،تلك الظواهر التي عجزوا عن تفسيرها تفسيرا عقليا واقعيا
بل فسروها تفسيرا خرافيا أسطوريا و الذي يعد حسب المتخصصين منشأ عملية التديّن ،و
طبيعة مصر القديمة فيها من الظواهر ما أفاد المصريين بالخير و في مقابل وجدت الظواهر
1
التي تهدد حياة اإلنسان و تض ّر بمصالحه ،و من هنا كان عليه إرضاء هذه اآللهة بالعبادة.
فإن ما نقله "هيرودوت " عن تديّن المصريين ـ يغلب عنه الصواب ـ خاصة إذا و فعال ّ
قيست عملية التديّن عند شعب ما بحجم المخلفات المادية ،و هنا تظهر المكانة التي منحها
المصريون حكاما و شعبا للمعتقدات و اآللهة لذا فحسب "هيرودوت" ":فالمصريون أكثر تقوى
من سائر البشر ،يهتمون ك ّل االهتمام بالشعائر المقدسة ..فقد سبقوا شعوب العالم في إقامة األعياد
2
العامة و المواكب العظيمة ".
ويص ّنف المتخصصون الدين المصري القديم على أنهّ من األديان الطبيعية ،بمعنى ّ
أن
أوّ ل المعبودات عندهم كانت تختص بالمظاهر الطبيعية ،و هنا نظر المصري عبر مراحل
حياته إلى العالم المحيط به ،و أخذ يتساءل عن أسرار الكون و أسباب الوجود و عن مصير
اإلنسان ،فكثرت عنده التساؤالت التي صعب عليه حلّها بفكره البدائي و أخذ يشعر بتلك القوى
التي تسيطر على الكون –غير أته لم يستطع أن يميزها – بمدى ما توصل إليه من خبرة و
حواس ،فأخذ يك ون في مخيلته صورا لها و يعطي أسماء لها ،و في ذلك ساق أفكاره الدينية
على مشاعر غريزية كالرغبة في المنفعة أو الشعور بالرهبة و الخوف.
و بخصوص أفكار الخلق و التكوين كان للمصريين عدة نظريات تتناول نشأة الكون يتصارع
بعضها مع البعض اآلخر ،و كان كل مركز ديني بارز روايته الخاصة عن الخلق ،يتميز بإله
خالق أعظم أنجبت آلهة مرافقة له ،و كانت نظريات الخلق في هذه المراكز تعالج الشكل الذي
صاغته لمفاهيم اإلله األصلية أشهرها أسطورة "هليوبوليس" (أنظر الشكل )26التي اعتبرت
أن الخالق األول هو "أتوم" الذي اتحد مع "رع" إله الشمس ،3و اشتهر من أساطير الخلق ّ
كذلك معتقدات "هرموبوليس" (األشمونيين) ،و حسبهم برز التل من بين األمواج ،و تسلّم
أولى نفحاته من الرب الخالق ( و هو "تحوت" في هذه القصة) ،و هناك "أسطورة منف" و
ملخصها أن اإلله "بتاح" الذي ضم مبادئ الخلق في شخصه ،صنع العالم المنظم بفعل قلبه
4
هو نفسه ،الذي استوعب فكرة الشيء الذي يخلقه ،و أقام بدايات الخليقة بكلمته.
ـ سمير العيداني ،العالقات الحضارية بين مصر و شعوب بالد الرافدين ،رسالة دكتوراه ،ص .59
ـ هيرودوت ،المرجع السابق ، 57 ،ص .1
5ـ أ.س .ميغوليفسكي ،أسرار الديانات و اآللهة ،تر :حسان ميخائيل إسحاق ،دار عالء الدين ،دمشق ،ط ، 119 ، 1ص .
1ـ جيمس هنري بريستيد ،فجر الضمير ،المرجع السابق ،ص . 17وكذلك ينظر :فرانسوا ديماس ،آلهة مصر ،الهيئة المصرية العامة
للكتاب ،القاهرة ،تر :زكي سوس ،د:ط .19 ، 999 ،
91
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
الشكل : 26نص أسطورة "هليوبوليس" (أنظر :جيمس هنري برستيد ،تاريخ مصر منذ أقدم العصور الى الفتح الفارسي ،المرجع السابق ،ص)36
و كان للمصريين جملة من األفكار المتكاملة بخصوص مصير اإلنسان في الحياة بعد
الموت ،حيث اعتقدوا بأن الموت ليس فعال نهاية كل شيء بل ّ
إن اإلنسان يواصل الحياة تماما
كما لو كان على األرض –شريطة -أن تكفل له الشروط الضرورية للوجود –بعد الموت ، -و
من أجل اتقاء الجوع و العطش في الحياة األخرى كان على المصري القديم أن يزود مقبرته
بجرار كبيرة مآل بالطعام و الشراب ،و إذا كان غنيا فعليه أن يوقف األراضي التي يضمن
دخلها تزويده في كل األوقات بضروريات الحياة في العالم اآلخر ،...و رغم كل هذا فإن
العملية غير كافية لذا وجدت منذ العهود القديمة على جدران المقابر-النبالء و الملوك -أو على
األقل على التوابيت رسوم لكل أنواع األشياء التي يمكن أن تتحول بالسحر إلى منتجات حقيقية
1
تخدم االحتياجات المادية للمتوفى.
أن الحياة قبل الموت قصيرة األمد و ّ
أن الحياة بعد الموت و كذلك اعتبر قدماء المصريين ّ
خالدة ،و لقد جاءت في الفصل 150من "كتاب الموتى" حول كيفية محاكمة الروح في
المحكمة اإللهية ،إذ كان الميت قبل دخوله مملكة "أوزيريس" يخضع لعملية وزن القلب بحيث
يجلس "أوزيريس" على عرشه و يرأس هيئة المحكمة ،و عندئذ يوضع قلب الميت من جهة
مقابل ريشة العدالة "ماعت" في كفي الميزان ،و كان على الميت أن يعترف بارتكابه خطاياه
أمام القضاة اإلثنين واألربعين و كان يجب أال يزيد وزن القلب عن وزن الريشة ،حتى تزكية
2
المحكمة اإللهية و تبرئه من أعماله ،لكي يستطيع الخروج إلى النهار .
ـ :إيمان شمخي جابر المرعي " ،عقائد عالم ما بعد الموت في مصر القديمة خالل عهد الدولة الحديثة ( 193-391ق،م)" ،مجلة دراسات
تاريخية ،جامعة البصرة ،العدد 1 ، 5ص 97و كذلك :ج .شتيندروف .ك.سيال ،المرجع السابق ،ص . 19
ـ برت إم هرو ،كتاب الموتى الفرعوني (عن بردية آنى بالمتحف البريطاني) ،تر :فيليب عطية ،مكتبة مدبولي ،القاهرة ،ط ، 111 ، ص
. و ينظر :جهاد حجاج ،برديات حورس ،هبة النيل العربية للنشر ،القاهرة ،د:ط ، 117 ،ص . 5
92
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
*ـ اآللــــهة :في مصر القديمة كانت أشكال اآللهة متعددة ،إذ يمكن أن تكون في هيئة بشرية
مثل اإللهين "آمون" و"بتاح" أو على هيئة حيوانية مثل اإلله "أنوبيس" (المصور على هيئة
ابن آوى ) و اإلله "سوبك" الذي نجده في هيئة التمساح ،و يمكن الجمع بين اإلنسان و الحيوان
في شكل واحد مثل اإلله "حورس" الذي غالبا نراه بصورة إنسان له رأس صقر ،و أيضا
1
اإلله "سخمنت" على هيئة امرأة برأس لبؤة.
و كان هناك قوى نشأت في الطبيعة و هي اآللهة الكونية مثل السماء و األرض و الشمس
و القمر و النجوم و النيل ،فالسماء كانت "الرب األكبر" و تصوروها في شكل صقر ينشر
جناحيه الحاميين على األرض (مصر) و عيناه المقدستان هي الشمس و القمر –عندما تفتحان
يأتي النهار و عندما يغلقهما يأتي الليل ، -و النجوم متصلة بجسمه و الريح هي أنفاس فمه و
الماء عرقه ،و وفق العديد من األساطير المصرية فقد كانت السماء ربة تعرف بـ"نوت" كانت
ملتصقة بين ذراعي اإلله "جب" " "GEBحتى جاء إلى الفضاء "شو" " "SHUففصل
بينهما (أنظر الشكل ،)27و باالتحاد بين "جب" و "نوت" ظهر ابنهما "رع" إله الشمس أكثر
اآللهة شعبية* ،و الذي صور في شكل قرص الشمس يبسط أجنحته ،و اشتهر من اآللهة
2
"تحوت "القمر و "سوبدت" نجم الشعرى اليمانية .
الشكل :27إلهة السموات "نوت" مثبتة في جسمها النجوم يحملها معبود الهواء "شو" و أسفلها معبود األرض "جب".
و يأتي في مقدمة اآللهة التي حكمت مصر كآلهة رسمية ما ارتبط بالملكية عبر األساطير
الدينية اإللهية و حكم األرباب ،والتي انتقل الحكم منهم إلى البشر خالل العصور التاريخية
بعد ذلك فنجد مثال "رع" و "بتاح" و "شو" ثم يليهم كل من "أوزيريس" و "ست" و "حورس"
وفي النهاية نجد كال من "جحوتي" و "ماعت" ثم المعبود "حورس" في مظهره المتأخر ،و
منهم انتقل الحكم إلى البشر ،وكذلك برز عدد من المعبودات بشكل خاص كأرباب رعاة للدولة
و الملكية فتباينت و تبدلت مكانتهم عبر العصور وفقا لألوضاع السياسية و الدينية للبالد ،و
من هؤالء "حتحور" و "حورس" و "ست" و "رع" و "إيزيس" و "منتو" و "آمون-رع" ،
3
و نظرا لطبيعة الحكم اإللهي فقد حظي بعضهم بعالقة وطيدة بالملكية و شرعية الحكم.
ـ سعيد مراد ،مدخل إلى تاريخ األديان ،عين للدراسات و النشر ،دمشق ،د:ط ، 111 ،ص 75
ـ ج شتيندروف .ك سيال ،المرجع السابق ،ص . 11وينظر :عبد الحليم نور الدين " ،البعث و الخلود في مصر القديمة " ،منشورات مكتبة
االسكندرية ،ص .
5ـ عبد الحليم نور الدين ،الديانة المصرية القديمة ،ج ، المعبودات ،إصدار جامعة القاهرة ،القاهرة ،11 ، ،ص .و أنظر :محمد عبد
القادر محمد ،الديانة المصرية القديمة ،دار المعارف ،القاهرة ،د:ط ،د:ت ،ص .3
93
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
الشكل : 28شجرة أنساب اآللهة المصرية (أنظر :خزعل الماجدي ،الدين المصري ،ص46ـ بتصرف المؤلف ـ)
و تغير اسم اإلله األكبر للدولة المصرية عدة مرات قليلة ،و ترتب هذا التغيير في معظم
مراته عن تغيّر العواصم الكبرى و أربابها و تغير األسرات الحاكمة و انحياز بعضها للمعبود
األكبر في مسقط رأسها ،و االتجاه الشخصي و الفكر ي للملك أحيانا ،ثم الزدياد مكانة كهنة
معبود معين على من سواهم ،و هكذا بينما انعقدت الهيمنة لإلله "حورس" في بداية األسرات،
انعقدت األولوية لإلله "رع" منذ أواسط الدولة القديمة ،ثم انتقلت الرئاسة اإللهية إلى "آمون"
في الدولة الوسطى و"آمون-رع" في بداية الدولة الحديثة ،ثم إلى "آتون" عهد "أخناتون" و
1
عادت الغلبة لـ" آمون-رع" حتى نهاية الدولة .
*ـ الكهنة :وصف المؤرخ "هيرودوت" الكهنة المصريين بالقول " :و هم أكثر الناس اهتماما
بعبادة اآللهة وال يتحللون قط من أن يلبسوا ثيابا من نسيج الكتان-نظيفة حديثة الغسل على الدوام ،و
يختتنون حرصا ً منهم على النظافة ،ألنهم يعتقدون أن النظافة أفضل من الجمال ،و يحلقون شعر أجسامهم
بأجمعه مرة كل يومين ،حتى ال يصيبهم القمل أو غيره من األقذار ،و هم يغتسلون بالماء البارد مرتين
بالنهار و مرتين بالليل" و هم يتمتعون بامتيازات ليست بالقليلة ..فهم ال يستهلكون و ال ينفقون شيئا
من ثروتهم الخاصة بل يُصنع لهم خبز مقدس و يصيب كل واحد منهم كمية كبيرة من لحم البقر و اإلوز
2
و تقدم لهم خمر مصنوعة من العنب ،غير أن تناول السمك ليس مباحا لهم " .
ـ طه باقر ،مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة ،ج ، حضارة وادي النيل ، ..ص .11
ـ هيرودوت ،هيرودوت يتحدث عن مصر ،الفقرة ، 57ص ص . 3-1
94
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
و تنوع الكهنة فمنهم الذين يقومون بخدمة اآللهة أو الملوك يس ّمون كهنة "حم-نتر" و معناها
خادم اآللهة ،أما الكهنة المكلّفون باإلشراف على الطقوس و القرابين الخاصة داخل المعبد ،
فكانوا يس ّمون بكهنة "حم-كا" أي خدمة "الكا" ،و كانت الخدمة الدينية الخاصة بكل من الملوك
و األشخاص العاديين تستلزم خدمات نوع ثالث من الكهنة يسمون بكهنة "وعب" أو المطهّرين،
و هؤالء كثيرا ما يقومون بخدمة الملك أثناء حياته ،هذا و يصنف المؤلف "سليم حسن" الكهنة
المصريين القدماء من حيث وظائفهم بـ ":خرحب" و هم الكهنة المرتلون و "حنك-نسيوت" و
هم يقدمون القرابين ،و كبير الكهنة "حنكو نيسوت" و الكهنة المطهرون و هم "وعب" ،و
يقومون بالشعائر الدينية و ينتخبون من الموظفين (1.أنظر الشكل )29
*ـ المعابد :كان المعبد من مستلزمات الديانة و عبادة اآللهة ،فلم يكن باستطاعة قدماء
المصريين أن يتصوروا إلها من غير "بيت" خاص يعيش فيه و تقام فيه شعائره و األعياد
الخاصة به و تلحق به مخازنه إلدارة أمالكه ،حيث عادة ما كان موضع المعبد مكانا مقدسا ،
و كان المعبد بعد إنشائه يزيّن بالزخارف المالئمة لقدسية اإلله المعبود فيه ،و إذا استثنينا
نقوش الجدران الخارجية ،فإن مواضيع النقوش دينية صرفة ،2و كانت الجدران و األعمدة
تغطى كلها بصور اآللهة بألوان زاهية ،و كانت المعابد الكبرى –في الواقع -غير مخصصة
للجماهير ،بل من أجل كهنة العبادة ،ليؤدوا فيها الشعائر و الصلوات بصفة منتظمة ،أما
الجماهير فكانت تلك المعابد تفتح لهم أبوابها في المواسم الدينية فحسب ،حيث كان الجمهور
3
يشارك فيها من أجل االحتفاالت و ما يصاحبها من استعراضات ال من أجل العبادة.
ـ محمد شفيق غربال و آخرون ،المرجع السابق ،ص . 3وأنظر :خزعل الماجدي ،الدين المصري ،دار الشروق،عمّان،ط ،999 ،ص.15
ـ خزعل الماجدي ،الدين المصري ،المرجع السابق ،ص .11
5ـ ياروسالف تشرني ،الديانة المصرية القديمة 31 ،
95
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
*ـ الطقوس الدينية :تتضمن الخدمة اليومية في المعابد إقامة الشعائر مرتين يوميا ،و
هي تتناسق مع الوجبتين اليوميتين للملك التي يتناولها –عادة -في حياته الدنيا ،و هنا تزين
تماثيل اآللهة و تقرأ التراتيل و يرش المكان بالماء –كما أسلفنا ،-كما تشتمل الخدمة اليومية
على احضار القرابين و إعدادها ،و التي تتكون من بعض الطيور و عددها أحد عشر و أطيب
1
العجول و عدد كبير من أرغفة الخبز و الجعة .
و كان من أكثر الطقوس تميّزا تلك التي تقام في أعياد فرعون أو "أعياد اآللهة" ،ففي عيد
الملك "اليوبيلي" المس ّمى "سد" ،يعاد االحتفال الطقسي الذي ت ّم فيه توحيد الوجهين في مصر
على يد الملك "مينا" ،و يصل االحتفال ذروته برقصة يؤديها الملك و هو يرتدي تنورة قصيرة
يعلّق بها من الخلف ذيل حيوان ،كما كان "ظهور اإلله" أو "الموكب" من المظاهر الملفتة
في االحتفال بأعياد اآللهة ،إذ يحمل فيه الكهنة تماثيل اآللهة إلى أماكن أخرى مق ّدسة كي تزور
آلهة أخرى ،أو تقوم بآداء دور في قصص أسطوري يرتبط بتلك األماكن ،حيث اشتهرت
2
زيارات اإللهة "حتحور" إلهة "دندرة" إلى اإلله "حورس" إله "أدفو".
كما اشتهر من األعياد التي ينتقل فيها اآللهة عبر مواكب دينية ضخمة ،أعياد اإلله "آمون"
إله مدينة "طيبة" فقد كان يقوم برحلة رفقة زوجته اإللهة "مونتو" و ابنها "خنسو" من معبد
"الكرنك" إلى "األقصر" ثم العودة عبر رحلة نيلية يشارك فيها حشد غفير من الناس في ضفتي
النهر ،و اشتهر كذلك عيد آخر ل "آمون" تميّز بأسلوب "المواكب اإللهية" و هو المعروف
بعيد "الوادى" إذ يقضي بعبور نهر النيل لزيارة معابد الموتى من الفراعنة في الضفة الغربية،
3
و تنتهي الرحلة عند وادي "الدير البحري" حيث معبد الملكة "حتشبسوت".
و عرف قدماء المصريين طقوسا جنائزية ،و كان يتحتّم على ابن المتوفي (سواء كان ملكا
أو نبيال) أن يع ّد كل شيء يستلزمه دفن أبيه ،و أن يقوم باالشتراك في أداء بعض الطقوس ،
و عندما يصبح الجثمان متهيئا للدفن يصحبه أقارب الميت ،4و عند وصولهم إلى المقبرة
كن يعددن مناقب المتوفي في تقابلهم زوجة المتوفي أو زوجاته فضال عن النائحات ،اللواتي ّ
ترانيم محفوظة و طقوس تصل إلى شق الجيوب و لطم الخدود وإهالة الطين على الرؤوس
حزنا على الفقيد (أنظر الشكل ، )30وكان البخور يطلق على طول الطريق في موكب الدفن
لطرد األرواح الشريرة التي تحوم حول الجنازة و القبر ،و عند المقبرة يقف المشيعون و ترتل
5
الترانيم و يلقّن الكاهن المتوفي بعض الصيغ أو يقوم بعمل "طقس فتح الفم.
96
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
الشكل :30موكب جنائزي (أنظر :ياروسالف تشرين ،املرجع السابق ،ص )151
و يدخل ضمن الطقوس الدينية تقديم القرابين و األضاحي ،و في هذا وصف المؤرخ
"هيرودوت" تقديم القرابين قائال " :أما طريقتهم في تقديم الضحية ،فيذهبون بالحيوان الموسوم
إلى المذبح حيث يضحون ثم يوقدون نارا و بعد ذلك يسكبون خمرا على المذبح فوق الضحية ،ثم ينحرونها
مبتهلين إلى اإلله ،و بعد ذبحها يقطعون رأسها و يسلخون جسمها ثم يمطرون على الرأس وافر اللعنات،
أما إخراج أحشاء الذبيحة و حرقها فيختلف عندهم باختالف المعابد ،حيث يملؤون جوف الثور خبزا طيبا
1
مرا ،و يسكبون عليه زيتا وفيرا ثم يحرقونه".
و عسال و زبيبا ً و تينا و بخورا و ّ
و المعلومات التي لدينا عن مقدار األضاحي و التقديمات كثيرة و غزيرة ،فعلى الجدار
الخارجي لمعبد "هابو" ال تزال أجزاء من قائمة ببيان األعطيات التي أغدقها "رمسيس الثاني"
و خلفاؤه من بعده على هذا المعبد ،إذ نجد "في كل يوم من أيام السنة و على الدوام ،كان
يستلم المعبد 3220رغيف من الخبز ،و 24قطعة من الكعك و 144قدرا من الجعة و 32
إوزة ..و بضعة قدور من النبيذ" ،و الراجح أن هذه األطعمة و األشربة كانت توضع في
2
مخازن و تستخدم إلعالة خدمة المعبد بالتدريج.
97
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
98
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
32ــ حسن (أسامة ) ،مصر الفرعونية ،ط ، 1دار األمل ،القاهرة .1998،
33ــ حسن (سليم ) ،مصر القديمة ،ج11و ،18الهيئة المصرية العامة للكتاب ،القاهرة . 1994 ،
34ـ خضر عبد العليم (عبد الرحمن) ،المسلمون و كتابة التاريخ .دراسة في التأصيل اإلسالمي للتاريخ ،المعهد العالمي للفكر اإلسالمي
،فرجينيا ـ و م أ ،ط.1993 ، 1
35ــ خليفة حسن (محمد) ،تاريخ األديان .دراسة وصفية مقارنة ،دار الثقافة العربية ،بيروت.2002 ،
36ــ رزقانة (إبراهيم) و آخرون ،حضارة مصر و الشرق القديم ،دار مصر للطباعة ،القاهرة ،د:ت.
37ــ رشيد (فوزي) ،الشرائع العراقية القديمة ،دار الحرية للطباعة ،بغداد .1973 ،
38ــ سامح (كمال الدين) ،لمحات في تاريخ العمارة المصرية منذ أقدم العصور حتى العصر الحديث ،ط ،1دار نهضة الشرق ،
القاهرة .2004،
39ــ سعد هللا (محمد علي ) ،في تاريخ مصر القديمة ،مركز اإلسكندرية للكتاب ،اإلسكندرية .2001 ،
40ــ سعيد (مراد) ،المدخل في تاريخ األديان ،عين للدراسات و البحوث ،القاهرة ،د :ت.
41ــ سليم (أحمد أمين ) ،دراسات في تاريخ و حضارة الشرق األدنى القديم ،ج"، 5تاريخ العراق –إيران – آسيا الصغرى" ،دار
المعرفة الجامعية ،اإلسكندرية . 2000،
42ــ سليم (أحمد أمين) .عباس عبد اللطيف (سوزان ) ،في حضارة مصر القديمة ،دار المعرفة الجامعية ،اإلسكندرية .2007 ،
43ــ سليمان ( توفيق ) ،دراسات في حضارات غرب آسيا القديمة ،منذ أقدم العصور حتى 1190ق.م ـ الشرق األدنى القديم ،بالد ما
بين النهرين و الشام ــ ،دار دمشق ،دمشق ،ط.1985، 1
44ــ شارن ( شافية) ،مصر الفرعونية ،ديوان المطبوعات الجامعية ،الجزائر .2009 ،
45ـ شريعتي (علي) ،اإلنسان والتاريخ ،تر :خليل علي ،دار األمير ،بيروت ،ط. 2007 ، 2
46ــ شكري(محمد أنور ) ،الفن المصري القديم ،الدار المصرية للتأليف والترجمة والنشر ،القاهرة.1986،
47ــ صاحب (زهير) ،الفنون الفرعونية ،ط ، 1دار مجدي األدبي للنشر ،ع ّمان .2005،
48ــ صالح (عبد العزيز ) ،حضارة مصر القديمة وآثارها ،ج ، 1في االتجاهات الحضارية العامة حتى أواخر األلف الثالث ق.م ،ط،3
مكتبة األنجلو مصرية ،القاهرة .1993 ،
49ــ صالح (عبد العزيز)،الشرق األدنى القديم ،ج ،1مصر و العراق ،مكتبة األنجلو مصرية ،القاهرة .2012،
50ــ صالح (عبد العزيز) ،األسرة المصرية في عصورها القديمة ،الهيئة المصرية العامة للكتاب ،القاهرة .1998 ،
51ــ صالح (عبد العزيز) ،التربية و التعليم في مصر القديمة ،الدار القومية للطباعة و النشر ،القاهرة .1966 ،
52ـ صدقي( ربيع ) ،المراكب في مصر القديمة ،الهيئة العامة المصرية للكتاب ،القاهرة .1992 ،
53ــ عبد القادر محمد (محمد) ،الديانة المصرية القديمة ،دار المعارف ،القاهرة ،د:ت.
54ــ عبد اللطيف محمد علي (محمد) ،تاريخ العراق القديم حتى نهاية األلف الثالث ق .م ،مكتبة اإلسكندرية ،اإلسكندرية .1977 ،
55ــ عبده علي (رمضان) ،تاريخ مصر القديم ،مج، 1دار نهضة الشرق ،القاهرة .2001،
56ــ عريان لبيب (حنا) ،الشخصية المصرية في مصر القديمة ،الهيئة المصرية العامة للكتاب ،القاهرة .2003 ،
57ــ غربال (محمد شفيق ) و آخرون ،تاريخ الحضارة المصرية القديمة " العصر الفرعوني " ،مج ،1مكتبة النهضة المصرية ،
القاهرة ،د:ت .
58ــ فخري (أحمد) ،مصر الفرعونية ـ موجز تاريخ مصر منذ أقدم العصور إلى 332ق.م ،الهيئة المصرية العامة للكتاب ،القاهرة
.2012،
59ــ ، // //دراسات في تاريخ الشرق القديم ،ط ،2مكتبة األنجلو المصرية ،القاهرة .1963 ،
60ــ فرزات (محمد حرب) .مرعي (عيد) ،دول و حضارات في الشرق العربي القديم ،ط ،2دار طالس ،دمشق.1994 ،
61ــ فريد فتحي (محمد) ،في جغرافية مصر ،ط ، 2دار المعرفة الجامعية ،اإلسكندرية. 2000 ،
62ـ قاسم عبده (قاسم) ،الرؤية الحضارية للتاريخ عند العرب و المسلمين ،دار المعارف ،القاهرة ،ط ،2د :ت
63ــ قدري(أحمد) ،المؤسسة العسكرية المصرية في عصر اإلمبراطورية ( 1576ـ 1087ق.م) ،تر :مختار السويفي ،محمد العزب
موسى ،مطبعة هيئة اآلثار المصرية ،القاهرة .1985 ،
64ــ اللجنة العلمية الدولية لتحرير تاريخ أفريقيا العام ،تاريخ أفريقيا العام ،مج ، 2حضارات أفريقيا القديمة ،مطابع كانالي ،تورينو ـ
إيطالياـ .1985 ،
65ــ مجموعة من المؤلفين ،شريعة حمورابي و أصل التشريع في الشرق األدنى القديم ،ط ، 2دار عالء الدين ،دمشق . 1993،
66ـ مؤنس (حسين) ،التاريخ و المؤرخون ،دراسة في علم التاريخ ،دار المعارف ،القاهرة ،د:ط .1984 ،
67ــ مهران بيومي (محمد) ،دراسات في تاريخ الشرق األدنى القديم ، ،أخناتون و دعوته و عصره ،دار المعرفة الجامعية ،اإلسكندرية
.1979 ،
68ــ ، // // //الحضارة المصرية القديمة ج .4اآلداب و العلوم ،دار المعرفة الجامعية ،اإلسكندرية.1989 ،
69ــ ، // // //مصر و الشرق األدنى القديم ،ج ، 10تاريخ العراق القديم ،دار المعرفة الجامعية ،اإلسكندرية .1990 ،
70ــ ميخائيل إبراهيم (نجيب ) ،مصر و الشرق األدنى القديم ،ج ،1مكتبة مدبولي ،القاهرة .1957 ،
71ــ نخبة من الباحثين العراقيين ،حضارة العراق .العصور القديمة ،ج ، 1دار الحرية للطباعة ،بغداد .1985 ،
72ــ نظير (وليم) ،الثروة النباتية عند قدماء المصريين ،الهيئة المصرية العامة للتأليف و النشر ،القاهرة .1970 ،
73ــ نور الدين (عبد الحليم) ،الديانة المصرية القديمة ،ج ، 1المعبودات ،إصدار جامعة القاهرة ،القاهرة .2014 ،
74ــ نيازي (يوسف) ،رساالت من الحضارة المصرية في العصر الفرعوني ،ج ،1المطبعة العمومية ،طنطا.1924 ،
75ــ وهيبة عبد الفتاح (محمد) ،مصر و العالم القديم .الجغرافية التاريخية ،منشأة المعارف ،اإلسكندرية ،د:ت.
99
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
76ـ يحي عبد الوهاب (لطفي) ،اليونان مقدمة في التاريخ الحضاري ،دار المعرفة الجامعية ،اإلسكندرية ،د:ط. 2008 ،
77ـ يزبك (قاسم) ،التاريخ و منهج البحث التاريخي ،دار الفكر اللبناني ،بيروت ،ط.1990 ، 1
ب ـ الكتب المترجمة للعربية :
1ــ إرمان (أدولف) ،ديانة مصر القديمة .نشأتها و تطورها و نهايتها في أربعة آالف سنة ،تر :عبد المنعم أبو بكر ،طبع مطبعة مصطفى
البابي و أوالده ،القاهرة ،د :ت.
2ــ أيمار (أندريه) .أبواييه (جانين ) ،تاريخ الحضارات العام ،مج ، 1الشرق و اليونان القديمة ،تر :فريد .م .داغر ،ط ،2دار
عويدات ،بيروت .1986 ،
3ــ برستد (جيمس هنري) ،تاريخ مصر منذ أقدم العصور الى الفتح الفارسي ،تر :حسن كمال ،ط ، 2مكتبة مدبولي ،القاهرة .1996،
4ــ بيكي (جيمس) ،مصر القديمة ،تر :نجيب محفوظ ،مطبعة المحلة ،القاهرة ،د:ت.
5ــ بينز(جون) و آخرون ،الديانة في مصر القديمة ،ط ، 1الهيئة المصرية العامة للكتاب ،القاهرة .2012،
6ــ تشرني (ياروسالف) ،الديانة المصرية القديمة ،تر :أحمد قدري ،ط ، 1دار الشروق ،القاهرة .1966 ،
7ــ جارندر (السير آلن ) ،مصر الفراعنة ،تر :نجيب ميخائيل إبراهيم ،الهيئة المصرية العامة للكتاب ،القاهرة . 1973،
8ــ جريمال (نيقوال) ،تاريخ مصر القديمة ،تر :ماهر جويجاتي ،ط ، 2دار الفكر ،القاهرة ،د:ت .
9ــ جيمز ج (ت) ،الحياة أيام الفراعنة ،مشاهد من الحياة في مصر القديمة ،تر :أحمد زهير أمين ،الهيئة المصرية العامة للكتاب،
القاهرة .1997،
10ــ جيمز ج (ت) ،كنوز الفراعنة ،تر :أحمد زهير أمين ،الهيئة المصرية العامة للكتاب ،القاهرة .1999،
11ــ ديالبورت ( ل) ،بالد ما بين النهرين .الحضارتان البابلية و األشورية ،تر :محرّم كمال ،ط ،2الهيئة المصرية العامة للكتاب،
القاهرة .1997 ،
12ــ ديماس (فرانسوا) ،آلهة مصر ،تر :زكي سوس ، ،الهيئة المصرية العامة للكتاب ،القاهرة .1998 ،
13ــ ديورانت (ويل) ،قصة الحضارة ،مج ، 1ج . 2الشرق األدنى ،مطابع الدجوي ،القاهرة .1971 ،
14ــ رو (جورج) ،العراق القديم ،تر :حسين علوان ،ط ، 2وزارة الثقافة و االعالم ،بغداد . 1986 ،
15ـ روزنثال (فرانز) ،علم التأريخ عند المسلمين ،تر :صالح أحمد العلي ،مؤسسة الرسالة ،بيروت ،ط.1983 ، 2
16ــ ساكز (هنري) ،جبروت آشور الذي كان ،تر :آحو يوسف ،دار اإلنشاء ،دمشق .1955 ،
17ــ سونيرون (سيرج) ،كه ّان مصر القديمة ،تر :زينب الكردي ،الهيئة المصرية العامة للكتاب ،القاهرة .1975 ،
18ــ شتيندورف (ج) .سيل (ك) ،عندما حكمت مصر الشرق ،تر :محمد العزب موسى ،ط ،1مكتبة مدبولي ،القاهرة . 1990 ،
19ـ شيفستر (ألبرت) ،فلسفة الحضارة ،تر :عبد الرحمن بدوي ،منشورات وزارة الثقافة ،القاهرة ،د:ط .1963 ،
20ــ شورتر(آلن) ،الحياة اليومية في مصر القديمة ،تر :نجيب ميخائيل إبراهيم ،الهيئة المصرية العامة للكتاب ،القاهرة .1997،
21ــ فالبيل (دومينيك ) ،الناس و الحياة في مصر القديمة ،تر :ماهر جويجاتي ،ط ،2دار الفكر للدراسات ،القاهرة .2001 ،
22ــ فلندرز سير و م (بتري) ،الحياة االجتماعية في مصر ،تر :حسن محمد جوهر ،الهيئة المصرية العامة للكتاب ،القاهرة .1975،
33ــ كلينكل (هورست) ،حمورابي البابلي و عصره ،تر :محمد وحيد خياطة ،ط ، 1دار المنارة للدراسات ،دمشق .1990،
24ــ كونتيكو(جورج) ،الحياة اليومية في بابل و آشور ،تر :سليم التكريتي و برهان عبد التكريني ،مطبعة الحرية ،بغداد .1986 ،
25ــ لوكاس (ألفريد) ،المواد والصناعات عند قدماء المصريين ،تر :زكي إسكندر ،ط ،1مكتبة مدبولي ،القاهرة.1991 ،
26ــ ليفي (مارتن ) ،الكيمياء و التكنولوجيا الكيميائية في وادي الرافدين ،تر :محمود فياض المياحي ،منشورات وزارة االعالم ،
بغداد . 1980 ،
27ــ مورتكات (أنطون) ،تاريخ الشرق األدنى القديم ،تر :توفيق سليمان ،مطبعة اإلنشاء ،دمشق .1967 ،
28ــ مورتكات (أنطون) ،الفن العراقي القديم ،تر :توفيق سليمان ،مطبعة اإلنشاء ،دمشق .1967 ،
29ــ مونتيه (بيير) ،الحياة اليومية في مصر ،تر :عزيز مرقص منصور ،الهيئة المصرية العامة للكتاب ،القاهرة .1997 ،
30ــ موسكاتي (سبتينو) ،الحضارات السامية القديمة ،تر :السيد يعقوب بكر ،دار الرقي ،بيروت .1986،
31ــ هستد (كوردن ) ،أسس جغرافية العراق الطبيعية ،تر :جاسم محمد خلف ،مؤسسة األعظمي ،بغداد .1948،
جـ ـ الكتب باألجنبية :
1- Patrice Guinard. , Les listes des rois antédiluviens .le congrès d'Histoire de l'Astrologie dans l'Antiquité organisé
par la revue Beroso (Barcelone), 2001.
111
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
3ــ األعرجي سعدون األمير(عبد الهادي) .حسين سيد (نور) " ،العبادة السياسية في العراق القديم " ،مجلة واسط للعلوم السياسية ،العدد
.2011 . 26
4ـــ األعظمي طه(محم د) " ،جوانب من األسس القانونية والفكرية في قانون حمورابي" ،مجلة المورد ،مج ،16العدد .1987 ،3
5ــ الخفاجي فاضل كريم (مصطفى) "،تاريخ القانون في المجتمعات القديمة (قانون حمورابي أنموذجا ) ،مجلة مركز بابل للدراسات
اإلنسانية ،العدد ، 2مج. 3
6ــ الدباغ (تقي )" ،آلهة فوق األرض ـ دراسة مقارنة بين المعتقدات الدينية القديمة في الشرق األدنى و اليونان" ،مجلة سومر ،العدد
.1967 ، 23
7ــ الدباغ (تقي) " ،نشأة المدينة العراقية القديمة " ،مجلة بين النهرين ،العدد .1992 ، 77
8ــ الراوي ثابت مصطفى (شيبان) " ،التجارة عبر الفرات في بالد الرافدين" ،مجلة جامعة األنبار للعلوم اإلنسانية ،العدد .2012 ، 2
9ــ السلماني ندا صالح (جمال) " ،التحنيط في مصر القديمة (لماذا ؟و كيف ؟) ،مجلة كلية اآلداب جامعة بابل ،العدد .2006 ، 104
10ــ العجيلي حسين حمود (عاصي) " ،الملكية الزراعية في شريعة حمورابي " ،مجلة جامعة تكريت للعلوم القانونية و السياسية ،
العدد ، 3السنة األولى. 2012،
11ـ العيداني (سمير) " ،المصادر المادية و األدبية لدراسة تاريخ بالد ما بين النهرين " ،مجلة الحكمة للدراسات التاريخية ،مؤسسة
كنوز الحكمة ،الجزائر ،العدد .2016 ، 8
12ـ " ، // // //المصادر المادية و األدبية لدراسة التاريخ الفرعوني" ،المجلة التاريخية الجزائرية ،مخبر الدراسات و البحث
في الثورة الجزائرية ،المسيلة ،العدد .2017 ، 3
13ـ العيداني (سمير) "، ،اإلبداع األدبي في مصر القديمة و بالد ما بين النهرين ـ دراسة مقارنة " ،مجلة حضارات الشرق األدنى
القديم ،العدد الثاني ،السنة الثانية ،أكتوبر ، 2016الجزء الثاني .
14ــ الغزالي كسار غدير سلطان (علي) "،القوانين و اإلصالحات التشريعية السابقة لقانون و تشريع حمورابي و تأثيراتها على حضارة
و ادي الرافدين" ،مجلة جامعة كربالء العلمية ،العدد ، 2مج.2007 ، 5
15ــ الغزالي كسار غدير سلطان (علي) " ،الجذور التاريخية لظاهرة الرقيق عند الشعوب القديمة و عرب الجزيرة قبل اإلسالم (دراسة
مقارنة) ،مجلة دراسات تاريخية ،جامعة كربالء ،العدد .2013 ، 5
16ــ الفتالوي سنيد (أحمد حبيب ) " ،مشكلة والية العهد في عهدي الملكين سنحاريب و أسرحدون "( 669-704ق.م) " ،مجلة مركز
بابل للدراسات اإلنسانية ،مج ، 5العدد .1
17ــ المرعي شمخي جابر (إيمان)" ،عقائد عالم ما بعد الموت في مصر القديمة خالل عهد الدولة الحديثة ( 1085-1580ق،م)" ،مجلة
دراسات تاريخية ،جامعة البصرة ،العدد .2012 ، 13
18ــ الوائلي(فيصل) " ،من أدب العراق القديم " ،مجلة سومر ،العدد 1ـمج.1963 ، 19
19ــ الوردي فارس عثمان (محمود) " ،الملك تجاللت بالسر األول (1115ق.م ـ 1077ق.م ) .دراسة في شخصيته و عصره " ،مجلة
آداب الفراهيدي ،جامعة تكريت ،العدد.2013 ، 15
20ــ الهاشمي جواد(رضا)" ،المالحة النهرية في بالد الرافدين" ،مجلة المؤرخ العربي ،األمانة العامة التحاد المؤرخين العرب ،
بغداد ،العدد .1980 ، 12
21ــ الهاشمي جواد (رضا) ،تاريخ الري في العراق القديم ،مجلة سومر
22ـ ـ النعيمي علي (شيماء) " ،من النشاطات االقتصادية لمعابد بالد آشور في العهد األشوري الحديث ( 911ق.م ـ 612ق.م)" ،مجلة
دراسات موصلية ،العدد.2010 ، 30
23ــ باقر(طه) ،معابد العراق القديم ،مجلة سومر ،مج .1947 ، 3
24ــ " ، // //جلجامش و الطوفان " ،مجلة سومر ،مج ، 5العدد .1950 ، 2
25ــ " ، // //مقدمة في أدب العراق القديم" ،مجلة المجمع العلمي العراقي ،بغداد ،العدد .1975 ، 6
26ــ " ، // //شرائع العراق القديم" ،مجلة سومر ،مج .1947 ، 3
27ــ بصمه جي (فرج)" ،الكيمياء و تكنلوجياتها في العراق القديم ،مجلة سومر ،مج .1969 ، 25
28ــ بومريش (ليلى) ،التحنيط في مصر القديمة ،مجلة الدراسات التاريخية ،قسم التاريخ بجامعة الجزائر ـ 2ـ العددان ، 16-15
.2013-2012
29ــ جاسم وهد (شهد ) "،الزراعة خالل العصر البابلي القديم ( 2004ق.م ـ 1595ق.م)" ،مجلة القادسية للعلوم اإلنسانية ،مج ، 11
العدد .2008 ، 3
30ــ حبيب خليل (غيث)" ، "،التكوين السكاني للمجتمع العراقي القديم حتى سقوط بابل 539ق .م " ،مجلة آداب الفراهيدي ،جامعة
تكريت ،العدد ، 1السنة األولى .2009 ،
31ــ خطاب (خالد علي ) ،األوضاع السياسية و االقتص ادية أواخر المملكة األشورية .إبان حكم الملك" أشور ـ ايتل ـ إيالني " (626ق.مـ
621ق.م )" ،مجلة التربية و العلم ،جامعة الموصل ،مج ، 16العدد.2009 ، 3
32ــ خليل إسماعيل (بهيجة)" ،الجيش في العصر األشوري " ،موسوعة الموصل الحضارية ،العدد ،3مج.1991 ، 1
33ــ ذيار صديق رمضان" ،دور المعبود آشور في الحمالت العسكرية اآلشورية" مجلة التربية و العلم ،المجلد ، 18العدد .2011 ، 4
34ــ سفر(فؤاد) " ،البيئة الطبيعية القديمة في العراق " ،مجلة سومر ،مج ، 30مديرية اآلثار العراقية ،بغداد.1974 ،
35ــ " ، // //أعمال اإلرواء التي قام بها سنحاريب" ،مجلة سومر ،مج ، 3العدد .1947 ، 1
36ــ سمار عبود (سعد) " ،مجالس المدن في العراق القديم ( 3000ـ 1000ق.م) التأسيس و المهام" ،مجلة كلية التربية ،جامعة
واسط ،العدد.2013 ،14
37ــ سولبيركر ( أدموند )" ،بدايات بابل" ،مجلة سومر ،العدد ، 17مديرية اآلثار العراقية ،بغداد.1975 .
111
السنة األولى جذع مشترك علوم إنسانية ــ للدكتور سمير العيداني محاضرات مقياس تاريخ الحضارات القديمة
38ــ عبد جبيل(جبار) " ،التجارة الخارجية للعراق في العصر البابلي ( 2000ـ )1600و( 625ـ )359ق.م ،دراسة في الجغرافيا
التاريخية " ،مجلة التربية ،جامعة بابل.
39ــ علي حسن(صبا) " ،جمالية توظيف عنصري الشمس و النيل في الفن المصري" ،مجلة كلية التربية األساسية ،جامعة بابل ،العدد
.2015 ، 20
40ــ فاضل موفق شاكر( فاتن) " ،الملوك المؤلهون في العراق القديم " ،مجلة التربية و العلم ،مج ،20العدد .2013 ،4
41ــ فتاح محمد (يونس) " ،نشأة و تطور المجتمع ا لريفي في العراق القديم "،مجلة دراسات في التاريخ و اآلثار ،،جمعية المؤرخين و
األثريين في العراق ،العدد 1989 ، 6
42ــ البات (رينيه)" ،الطب البابلي و األشوري" ،تر :وليد الجادر ،مجلة سومر ،مج.1968 ، 24
43ــ الزم عبد الحمزة (علي )" ،التقويم البابلي " ،مجلة كلية التربية األساسية ،جامعة بابل ،العدد .2009، 1
44ــ نور الدين(عبد الحليم) " ،الزراعة و الري في مصر القديمة " ،إصدارات مكتبة اإلسكندرية " ،اإلسكندرية.2012 ،
" ،الفن المصري القديم " ،أعمال الموسم الثقافي األثري األول بمكتبة اإلسكندرية ،اإلسكندرية. 45ــ // //
" ، //البعث و الخلود في الفكر المصري القديم " ،مطبوعات الموسم الثقافي األثري السابع ،مكتبة اإلسكندرية. 46ــ //
47ــ " ، // //الطب و الصيدلة " ،إصدارات مكتبة اإلسكندرية ،االسكندرية.2006 ،
48ــ ، // //التربية و التعليم في مصر القديمة ،إصدارات مكتبة اإلسكندرية ،اإلسكندرية .2006 ،
112