You are on page 1of 59

‫محاضرات في مقياس ما قبل التاريخ الشمال االفريقي‬

‫وزارة التعليم العالي والبحث العلمي‬


‫جامعة محمد بوضياف بالمسيلة‬
‫كلية العلوم االنسانية واالجتماعية‬
‫قسم التاريخ‬

‫مطبوعة دروس في مقياس‪:‬‬

‫ما قبل التاريخ الشمال االفريقي‬

‫من إعداد األستاذة‪:‬‬ ‫مستوى‪:‬‬


‫حفيظة لعياضي‬ ‫السنة الثالثة ليسانس‬
‫السداسي السادس‬

‫الموسم الجامعي‪:‬‬
‫‪0440-0441‬ه‪9191-9102 /‬م‬

‫‪0‬‬
‫محاضرات في مقياس ما قبل التاريخ الشمال االفريقي‬

‫فهرس الدروس‬

‫‪ -1‬العصر الحجري القديم األسفل‬


‫‪-2‬الحضارة األلدوانية واألشولية‬
‫‪-3‬إنسان األطلس )‪( (Atlanthropus Mauritanicus‬تغينيف بمعسكر) وسيدي عبد الرحمان‬
‫(المغرب األقصى)‬
‫‪-4‬حضارات العصر الحجري القديم األوسط (الموستيرية)‬
‫‪-5‬الحضارة العاترية‬
‫‪ -6‬إنسان جبل إرحود ودار السلطان‬
‫‪ -7‬حضارات العصر الحجري المتأخر‪ :‬االيبيرية المغربية (الوهرانية)‬
‫‪-8‬الحضارة القفصية‬
‫‪ -9‬االنسان العاقل المغربي (مشتى العربي‪ ،‬مشتى أفالو)‬
‫‪ -11‬االنسان الفجر متوسطي (‪(Proto-Méditerranéen‬‬
‫‪ -11‬حضارات العصر الحجري الحديث‬
‫‪-11‬فن الرسم والحياة االجتماعية واالقتصادية بمنطقة الصحراء واألطلس الصحراوي (التاسيلي‪،‬‬
‫الهقار‪ ،‬وجبال عمور)‬

‫‪1‬‬
‫محاضرات في مقياس ما قبل التاريخ الشمال االفريقي‬

‫المحاضرة األولى‪ :‬حضارات العصر الحجري القديم األسفل‬

‫تمهيد حول مفهوم ما قبل التاريخ والعصور الحجرية‪:‬‬


‫يبحث علم ما قبل التاريخ في أصل وتطور حضارات االنسان قبل معرفته للكتابة‪ ،‬حيث تتمثل‬
‫مخلفاته الحضارية في بقايا مادية أثرية‪ ،‬كاألدوات الحجرية والعظمية ورسومات ونقوش جدارية‪ .‬وحيث‬
‫أن دراسة هذه المخلفات تسمح لنا بإعادة تصوير وتصميم الحياة اليومية إلنسان ما قبل التاريخ في‬
‫بيئة وزمن معينين‪.‬‬
‫واذا كان هذا المفهوم لعلم ما قبل التاريخ يجعله يقترب من مفهوم علم اآلثار‪ ،‬لكونهما يبحثان‬
‫في موضوع واحد‪ ،‬وهو معرفة مختلف ميادين حياة االنسان منذ نشأته‪ ،‬إال أن علم ما قبل التاريخ‬
‫ينفرد عن علم اآلثار من حيث منهجية البحث‪ ،‬ألنه إذا كان علم اآلثار يعتمد أساسا على النصوص‬
‫الكتابية لتدعيم وتصحيح التاريخ بشواهد مادية‪ ،‬فإن علم ما قبل التاريخ يستند على العلوم الطبيعية‬
‫مثل‪ :‬جيولوجية الزمن الرابع‪ ،‬وعلم المستحاثات (االنسانية والحيوانية)‪ ،‬وعلم النبات القديم‪،‬‬
‫والجيومرفولوجيا‪ ،‬وكذلك على العلوم الفيزيائية فيما يتعلق بتأريخ الشواهد المادية لوضعها في تسلسل‬
‫زمني لحضارات ماقبل التاريخ‪.1‬‬
‫وقد بدأت عصور ما قبل التاريخ مع ظهور أول آثار الوجود االنساني‪ ،1‬ودرج علماء األثار‬
‫على تسمية هذه العصور بالعصور الحجرية‪ ،‬ألن معظم اآلالت واألدوات في تلك العصور كانت‬
‫تصنع من الحجارة بالدرجة األولى والقليل منها كان يصنع من الخشب والعظام والقرون والعاج‬
‫واألصداف‪ .‬وتعارف هؤالء العلماء على تقسيم هذه العصور إلى ثالثة عصور رئيسية هي‪ :‬العصر‬
‫الحجري القديم (الباليوليتي)‪ ،‬العصر الحجري الوسيط (الميزوليتي)‪ ،‬والعصر الحجري الحديث‬
‫(النيوليتي)‪ ،‬واستمرت صناعة اآلالت الحجرية في بداية عصر تصنيع النحاس‪ ،‬ولذلك ُسمي بالعصر‬
‫وقسم المهتمون بالعصور الحجرية كذلك كل عصر رئيسي إلى عصور ثانوية‬ ‫الحجري المعدني‪ّ .‬‬
‫وأدوار متميزة على أساس طرق صناعة األدوات وأحوال المعيشة‪.3‬‬
‫ويتفق المختصون في دراسة ما قبل التاريخ على أن بداية نشأة الحياة في شمال افريقيا تعود إلى‬
‫نهاية الزمن الجيولوجي الرابع‪ ،‬وبالضبط إلى عصر الباليستوسين الذي كانت فيه افريقيا تمر بمرحلة‬
‫تخللتها فترات صحو يقابلها زحف وتقهقر جليدي في القارة األوربية‪ .4‬إلى جانب هذه العصور المطيرة‬

‫‪ 1‬محمد سحنوني‪ ،‬ماقبل التاريخ‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ص ‪.13‬‬
‫‪ 2‬فرانسيس أور‪ ،‬حضارات العصر الحجري القديم‪ ،‬تعريب سلطان محيسن‪ ،‬ط‪ ،1‬مكتبة االسكندرية‪ ،‬دمشق‪ ،1995 ،‬ص ‪.41‬‬
‫‪ 3‬تقي الدباغ‪ ،‬الوطن العربي في العصور الحجرية‪ ،‬دار الشؤون الثقافية العامة‪ ،‬بغداد‪ ،1988 ،‬ص ‪ 17‬؛ محمد سحنوني‪،‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.79‬‬
‫‪ 4‬ليونال بالو‪ ،‬الجزائر في ما قبل التاريخ‪ ،‬ترجمة محمد الصغير غانم‪ ،‬دار الهدى‪ ،‬عين مليلة‪-‬الجزائر‪ ،1115 ،‬ص ‪.15‬‬

‫‪2‬‬
‫محاضرات في مقياس ما قبل التاريخ الشمال االفريقي‬

‫والفترات الجافة بالشمال االفريقي‪ ،‬لوحظت بعض التغيرات الفيزيوغرافية الهامة التي من بينها تغير‬
‫خط الساحل وتكوين المدرجات النهرية‪ ،‬وظهور األودية الجافة‪ ،‬كما نشأت بعض الواحات وظهرت‬
‫الصحراء بمظهرها الحالي‪.‬‬
‫وان العصر الحجري القديم الذي يمثل المرحلة األولى من مراحل التطور الحضاري لإلنسان في‬
‫الشمال االفريقي‪ 1‬يعني الفترة القديمة للصناعات الحجرية‪ ،‬وتمتد من حوالي ‪ 1،3‬مليون سنة إلى‬
‫حوالي ‪ 11‬ألف سنة قبل الميالد‪ ،‬وتقابل كل من فترتي الباليستوسان األسفل واألوسط بالنسبة للتقسيم‬
‫الجيولوجي‪ ،‬ومن منظور التزمن الجليدي تساير جليديات بيبر و دوناو و قونز و مندل و ريس و‬
‫فورم‪ ،‬أما بالنسبة لتزمن بالد المغرب فيمتد الباليوليتي من المرحلة المناخية للعرقوبي إلى مرحلة‬
‫قسموه إلى ثالث فترات متفاوتة الزمن وهي‪:‬‬
‫السلطاني‪ .‬ونظ ار لطول هذا العصر فإن المختصين ّ‬
‫الباليوليتي األسفل )‪ ، (Lower paleaolithic‬والباليوليتي األوسط )‪،(Middle paleaolithic‬‬
‫الباليوليتي األعلى‪.(upper paleaolithic) 1‬‬
‫‪-9‬تعريف الباليوليتي األسفل وخصائصه البيئية‪:‬‬
‫استغرقت مرحلة الباليوليتي األسفل مدة طويلة من الزمن‪ ،‬ما يقرب من ‪ 411111‬سنة‪ ،‬تمكن‬
‫االنسان خاللها من أن يكمل صفاته االنسانية ويكتسب صفة االنسان الصانع‪ ،‬وذلك في ظل بيئة‬
‫متنوعة تضم الجبال والهضاب‪ ،‬السهول والوديان‪ ،‬الصحراء‪ ،‬الغابات‪ ،‬الكهوف والمغارات‪ ،‬وفي ظل‬
‫ظروف مناخية قاسية متفاوتة‪ ،‬بين أمطار غزيرة وفترات جفاف‪ ،‬حيث كان االنسان يلجأ إلى الكهوف‬
‫والمغارات الصخرية حين تسوء األحوال الجوية‪ ،‬وتشتد قسوة الظروف المناخية أثناء الفترات المطيرة‪،‬‬
‫في حين كان ينطلق إذا ما انتهت األمطار للعيش في السهول‪ .‬وخالل هذه الفترة الزمنية الطويلة كان‬
‫مورد الغذاء الرئيسي هو الصيد بنوعيه البري والبحري‪ ،‬وكانت جماعات الصيادين تعيش في أعداد‬
‫صغيرة‪ ،‬ولم يكن هناك اتصال بين المجموعات المختلفة‪ .‬وقد اقتضت عمليات الصيد وجمع الطعام‬
‫والتقاطه صناعة بعض األدوات الحجرية‪.3‬‬
‫‪-‬األدوات الحجرية )‪:(Stone tools‬‬

‫‪ 1‬يسري الجوهري‪ ،‬شمال افريقية‪ ،‬ط‪ ،6‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ ،‬االسكندرية‪-‬مصر‪ ،1981 ،‬ص ‪.69‬‬
‫)‪" )‬يتطابق العصر الحجري القديم من الناحية الجيولوجية مع العصر الجيولوجي الباليستوسين الذي حدثت أثناءه أربع زحفات‬
‫جليدية في المناطق الشمالية من نصف الكرة الشمالي‪ ،‬انتشر خاللها الجليد حتى خط عرض ‪ °45‬شماال في قارة أوربا وأمريكا‬
‫ويخمن تاريخ العصور الجليدية كما يلي‪- :‬عصر قنز بين ‪ 551111-591111‬سنة قبل الميالد‬
‫الشمالية‪ُ ،‬‬
‫‪-‬عصر ريس بين ‪ 115111-131111‬سنة ق‪.‬م‬ ‫‪-‬عصر مندل بين ‪ 135111- 475111‬سنة ق‪.‬م‬
‫‪-‬عصر فورم بين ‪ 16111-115111‬سنة ق‪.‬م‪( .‬للمزيد أنظر‪ :‬تقي الدباغ‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.)18‬‬
‫‪ 2‬محمد سحنوني‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.81‬‬
‫‪ 3‬يسري الجوهري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.71‬‬

‫‪3‬‬
‫محاضرات في مقياس ما قبل التاريخ الشمال االفريقي‬

‫وعندما نتحدث عن "االنسان صانع األداة" نميل إلى التفكير في األدوات الحجرية على أنها أقدم‬
‫األدوات التي صنعها االنسان‪ ،‬والحقيقة أن االحتمال األقرب إلى الصحة هو أن االنسان قبل أن‬
‫يستغل األحجار في صناعة األدوات‪ ،‬استعمل مواد أخرى أقل صالبة من الحجر‪ ،‬ولكن ال يمكن‬
‫إثبات ذلك حتى اآلن ألن مثل تلك المواد الرخوة التي يمكن أن تكون قد استعملت إما تفتت بمرور‬
‫الزمن‪ ،‬واما أنها ال تعطي أدلة قاطعة على أنه قد صنعت منها أدوات بمعرفة أقدم إنسان‪ .‬ولما كان‬
‫الحجر صلبا وغير قابل للفناء نسبيا‪ ،‬فمن الطبيعي أن يكون مادة أول أدوات صنعها االنسان‪ .1‬كما‬
‫أن الصناعة الحجرية تتميز بخصائص فيزيائية تجعلها تختلف عن القطع الحجرية الناتجة عن‬
‫االنكسار الطبيعي‪ ،‬عندما يطرق االنسان بقادح على قطعة من صخرة تتحول الضربة إلى قوة حية‬
‫نتيجة االصطدام‪ ،‬فالقوة الحية تتحول إلى حركات جزئية التي تنتشر داخل الصخرة في كل الجهات‪،‬‬
‫والحركات تبطل فعاليتها الواحدة تلو األخرى كلما اقتربت من الوسط الداخلي للصخرة‪ ،‬لكن باقترابها‬
‫من السطح الخارجي حيث يتواجد الهواء تكون لها فعالية كبيرة‪ ،‬واثر ذلك تنفصل الشظية من النواة‪،‬‬
‫ويحمل الوجه الداخلي للشظية الخصائص الفيزيائية التي تثبت بأن الشظية من تشكيل االنسان‪.1‬‬
‫ويتضح من دراسة األنماط الفعلية لألدوات التي صنعها إنسان العصر الحجري‪ ،‬وتطبيق‬
‫الطرائق التجريبية على كسر الحجر أنه لم يمكن هناك إال عدد بسيط من الطرق التي يمكن العمل بها‬
‫في الحجر بنجاح‪ ،‬والتي يمكن بها فصل الشظايا الصغيرة والكبيرة أثناء عملية تشكيل األداة من كتلة‬
‫الحجر‪ .‬وأول وأبسط طريقة فنية هي دق قطعة حجر على قطعة أخرى‪ .‬واذا تم هذا بطريقة خاصة‬
‫‪،‬بحيث تكون الزاوية التي يحدث عندها التصادم صحيحة‪ ،‬فالشظية سوف تنفصل‪ ،‬أما إذا لك تكن‬
‫الزاوية صحيحة‪ ،‬فإن نتيجة ضرب قطعتين من الحجر في بعض هو تحطيم القطعة األصغر أو عدم‬
‫حدوث كسر على اإلطالق‪.‬‬
‫وقد اُكتشف أنه يمكن تطبيق نفس القواعد بطريقتين مختلفتين‪ ،‬إما أنه يحمل قطعة الحجر التي‬
‫يريد تشكيلها في احدى يديه‪ ،‬ويحمل في اليد األخرى قطعة أصغر يستعملها كمطرقة‪ ،‬أو أنه يحمل‬
‫قطعة الحجر التي يريد تشكيلها في احدى يديه أو في كلتا يديه ويدقها عند زاوية مناسبة على نقطة‬
‫بارزة من الحجر الذي على األرض‪ .‬ويطلق على الطريقة األولى "طريقة المطرقة والحجر"‪ ،‬ويطلق‬
‫على الطريقة الثانية "طريقة السندان"‪ .3‬وقد تطورت الصناعات الحجرية بتطور االنسان وتعدد أغراضه‬

‫‪ 1‬نخبة من العلماء‪ ،‬الموسوعة األثرية العالمية‪ ،‬إشراف ليونارد كوتريل‪ ،‬ترجمة محمد عبد القادر محمد و زكي اسكندر‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ ،‬مصر‪ ،1997 ،‬ص ‪.51‬‬
‫‪ 2‬محمد سحنوني‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.79‬‬
‫‪ 3‬نخبة من العلماء‪ ،‬الموسوعة األثرية‪ ،‬ص ‪.53-51‬‬

‫‪4‬‬
‫محاضرات في مقياس ما قبل التاريخ الشمال االفريقي‬

‫وحاجاته‪ ،‬فكانت في البداية عبارة عن صناعة حصوية وشظوية بسيطة لتصبح في آخر المطاف‬
‫صناعة قزمية معقدة ومتشعبة‪.1‬‬
‫‪-3‬حضارات الباليوليتي األسفل‪:‬‬
‫ينقسم الباليوليتي األسفل الذي يعتبر أقدم فترات الصناعات الحجرية إلى فترتين صغيرتين هما‪:‬‬
‫الباليوليتي القديم جدا (العتيق)‪ ،‬والقديم‪ .1‬ويمكن تقسيم أدوات هذا العصر بقسميه من حيث المراحل‬
‫الحضارية إلى ثالثة أقسام وهي‪ :‬الحضارة الحصوية)‪ ،(Pebble culture‬والحضارة الشيلية‬
‫(األبيفيلية)‪ ،‬واألشولية‪.3‬‬
‫واذا ما فحصنا الباليوليتي القديم جدا (أو العتيق) الذي يمتد من حوالي ‪ 1،3‬مليون سنة إلى‬
‫حوالي ‪ 1،4‬مليون سنة قبل الميالد‪ ،‬نجده يضم حضارتان متمايزتان من حيث المحتوى الصناعي‪،‬‬
‫وهما الشونغورية‪ ،‬والحضارة األلدوانية‪.‬‬

‫‪ 1‬محمد سحنوني‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.79‬‬


‫‪ 2‬نفسه‪ ،‬ص ‪.81‬‬
‫‪ 3‬يسري الجوهري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪71‬؛ تقي الدباغ‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.19‬‬

‫‪5‬‬
‫محاضرات في مقياس ما قبل التاريخ الشمال االفريقي‬

‫المحاضرة الثانية‪:‬‬
‫الحضارة األلدوانية واألشولية‬
‫أ‪-‬الحضارة األلدوانية‪:‬‬
‫بدء من جنوب تانزانيا وحتى‬
‫تنتشر مواقع أقدم صناعة حجرية في افريقيا الجنوبية والشرقية‪ً ،‬‬
‫الحدود االثيوبية والصومالية‪ .‬فنجد في تانزانيا مواقع‪ :‬التولي )‪ ،(Laetoli‬أولدوفاي )‪،(Olduvai‬‬
‫ناترون)‪ .(Natron‬ومن كينيا نجد‪ :‬بارنغو)‪ ،(Buringo‬لوتوغام )‪ ،(Lothagam‬وكوبي فو ار ‪(Kobi‬‬
‫)‪ Fora‬إلى الشرق من بحيرة تركانا (رودولف سابقا)‪ .‬وفي اثيوبيا هناك منطقة شنغو ار)‪(Shungura‬‬
‫على ضفة نهر أومو‪ ،‬و ملكا كونتوري )‪ ،(Melka Kunturé‬ثم والي شبلي )‪ .(Wali Shebli‬حيث‬
‫كانت كل هذه المناطق مواقع سكن‪ ،‬وهي تقوم في منطقة شهدت وتشهد نشاطا بركانيا كثيفا‪.‬‬
‫وحيث أن أقدم األدوات تم التقاطها في الطبقات الجيولوجية المسماة تشكيلة شونغو ار على الضفة‬
‫اليمنى لنهر "أومو" في اثيوبيا‪ ،‬وتؤرخ على حوالي ‪ 1،311،111‬سنة ق‪.‬م‪ .‬ومنذ حوالي‬
‫‪ 1،851،111‬سنة ق‪.‬م ظهرت في أولدوفاي بتانزاينا طريقة في تصنيع األدوات انطالقا من الحصى‬
‫واألحجار البازلتية أو الحمم البركانية تسمى "حضارة الحصى )‪ (pebble culture‬استمرت حتى‬
‫حوالي ‪ 1111،111‬سنة ق‪.‬م‪ .1‬وتبدو هذه األدوات الحصوية مضروبة بضربة واحدة أو أكثر على‬
‫وجه واحد من قطعة الحجارة‪ ،‬وأحيانا نجد الضربات على الوجهين‪ ،‬ونظ ار لقلة استخدام وتهذيب هذه‬
‫األدوات فقد اعتبرها البعض أحجا ار طبيعية‪ ،‬ولكن كثرة العثور على نماذجها في أماكن متعددة شجع‬
‫فتأيد لهم أنها فعال آالت حقيقية استخدمها االنسان في زمن مبكر من حياته‪.1‬‬
‫الباحثين على دراستها‪ّ ،‬‬
‫وقد كان موقع أولدوفاي في تانزانيا (افريقيا الشرقية) محل حفريات منظمة منذ عشرينات القرن‬
‫الماضي بدأها الباحث المعروف "ل‪ .‬س‪ .‬ب‪ .‬ليكي" وواصلتها زوجته في أواخر السبعينات‪ ،‬حيث‬
‫توجت الحفريات باكتشافات هامة مجددة عالميا‪ .‬يحتوي موقع أولدوفاي الواقع بسهل سرنجتي بتانزانيا‬
‫عدة تكوينات يرمز لها بطبقة ‪ I.II, III, IV‬وطبقة ماسك‪ ،‬عثر على أشهر البقايا اآلدمية المتمثلة في‬
‫أوسترالوبيتاك و هومو هبيليس )‪ ،(Homo Habilis‬وتحتل الحضارة األلدوانية الطبقتين ‪ I‬و ‪ II‬من‬
‫هذا التكوين الذي يتراوح زمنيا من ‪ 1،8‬مليون سنة ق‪.‬م إلى ‪ 1،4‬مليون سنة قبل الميالد‪.‬‬
‫والجدير بالذكر أن الصناعة األلدوانية تنقسم إلى مرحلتين كبيرتين هما‪:‬‬
‫المرحلة األلدوانية القديمة‪ ،‬حيث أن المكونات الصناعية لهذه المرحلة وجدت في الطبقة ‪I‬‬
‫والجزء األسفل من الطبقة ‪ ،II‬وتنتمي بقايا انسان األوسترالوبيتاك إلى هذه المرحلة‪ .‬وحيث أن األلدواني‬
‫القديم يتميز بالخصائص التالية‪:‬‬

‫‪ 1‬فرنسيس أور‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ص ‪.43 ،41‬‬


‫‪ 2‬تقي الدباغ‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.11‬‬

‫‪6‬‬
‫محاضرات في مقياس ما قبل التاريخ الشمال االفريقي‬

‫وجود اداة الشوبر بمختلف أنماطه بنسبة ‪ ، %51‬وتبلغ نسبة الحصى المشذب المتعدد‬
‫الصفحات ‪ ،%11‬كما أن نسبة الحصى المشذب الكروي والشبه كروي ‪ ،%6‬ونسبة األسطوانات‬
‫‪ ،%9‬نسبة ما قبل الفؤوس اليدوية ‪ ،1،3%‬واألدوات الشظوية الكبيرة والثقيلة ‪ %8،6‬والصغيرة‬
‫والخفيفة ‪ ،11،1%‬كما أن المحتات نسبتها‪ %1،7‬واألدوات المختلفة ‪.% 1‬‬
‫أما مرحلة األلدوانية المتطورة‪ ،‬فتنقسم بدورها إلى مرحلتين صغيرتين‪:‬‬
‫المتطور أ‪ :‬يحتل المستويين األسفل واألوسط من الطبقة ‪ ،II‬ويتميز بانعدام الفؤوس اليدوية‬
‫الحقيقية‪ ،‬وارتفاع نسبة ما قبل الفؤوس اليدوية مقارنة مع مرحلة األلدوانية القديمة‪ ،‬وكذا ارتفاع نسبة‬
‫األدوات المشكلة من الشظايا‪ ،‬وانخفاض نسبة أداة الشوبر من ‪(% 51‬في المرحلة القديمة) إلى ‪%19‬‬
‫المتطور ب‪ :‬ينتمي إلى القسمين األوسط واألعلى من الطبقة ‪ ،II‬ويتميز باحتوائه على نفس‬
‫الصناعة المتواجدة في المرحلة "أ" لكن يالحظ ارتفاع نسب األدوات مثل المكاشط والمحثات‪.1‬‬
‫خصائص الحصى المنحوتة‪:‬‬
‫هذه الكويرات الحجرية هي عبارة عن حصى مشذبة ومصقولة‪ ،‬هذبها الصنع بحيث تركت آثار‬
‫الشظايا التي اُقتلعت منها فجوات جعلت الواحدة منها تختلف عن األخرى‪ ،‬وما من شك في أن تدخل‬
‫االنسان في هذه الصناعة يبدو واضحا حيث تتكاثر أنواع الحجارة سواء المدعمة منها أو الهرمية‬
‫الشكل أو ذات التجويفات المتعرجة التي ُوجدت لها مثيالتها اضافة إلى افريقيا الجنوبية والشرقية‪،‬‬
‫ُوجدت في عين الحنش بالجزائر‪ .‬وفي غالب األحيان يحتفظ نصف الحصى األول بشكله الطبيعي‬
‫بحيث يستعمل كمقبض دون أن يسبب أي ضرر بكف اليد‪ ،‬في حين يصبح الجزء الثاني المهذب‬
‫حادا‪ ،‬وهو عبارة عن آلة وسالح في نفس الوقت‪ .1‬كما أن الكرات الحجرية تتراوح أحجامها من حجم‬
‫ً‬
‫كرة التنس إلى أحجام كبيرة‪ .‬ومن المحتمل أنها قد اُستخدمت جزئيا في عمل قذائف مصنوعة من‬
‫مجموعة كرات مربوطة بحبل‪ ،‬وأحيانا مجرد قذائف للرماية ورؤوس ه اروات‪ .3‬وقد تنوعت اآلالت‬
‫واألسلحة شيئا فشيئا‪ ،‬حيث أن أول مرحلة من التنوع تظهر في االنتقال من الحصى المزودة بحافة‬
‫منعرجة إلى الحصى ذات الوجهين )‪ (Biface‬أو الفأس الباليوليتية‪.4‬‬
‫‪-‬مواقع حضارة الحصى المنحوتة بالشمال االفريقي‪:‬‬
‫‪-‬عين الحنش‪ :‬يذهب الباحثون في العصر الحجري القديم األسفل إلى أن آثار موقع "عين‬
‫الحنش بسطيف‪ ،‬إنما تمثل أقدم جهد إنساني في صناعة األدوات الحجرية في شمال افريقيا‪ ،‬وذلك إثر‬
‫العثور على قطع حجرية من الحجر الجيري يقترب شكلها من الشكل الكروي‪ ،‬وتتميز بكثرة أضالعها‬

‫‪ 1‬محمد سحنوني‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.85-83‬‬


‫‪ 2‬ليونال بالو‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.16‬؛‬
‫‪ 3‬نخبة من العلماء‪ ،‬الموسوعة األثرية‪ ،‬ص ‪.51‬‬
‫‪ 4‬ليونال بالو‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.18‬‬

‫‪7‬‬
‫محاضرات في مقياس ما قبل التاريخ الشمال االفريقي‬

‫وزواياها‪ .1‬وعين الحنش واقعة بالقرب من مدينة العلمة‪ ،‬كشفت الحفريات التي قام بها األستاذ أرامبورغ‬
‫)‪ (Arambourg‬سنة ‪1947‬م عن وجود بقايا حجارة مهذبة وسط موقع ذي ترسبات بحرية متحجرة‬
‫تعود بقايا حيواناتها القديمة إلى بداية الزمن الجيولوجي الرابع‪ ،‬وتتابعت التنقيبات فيما بين سنوات‬
‫‪ 1954-1931‬م فوق منحدرات حافة الوادي الذي يجمع في أسفله مستحاثات رسوبية بحرية أصبحت‬
‫بمرور الزمن مرتبة ترتيبا أفقيا‪ .‬وان عظام بعض الحيوانات المنقرضة التي ُوجدت إلى جانب الصناعة‬
‫الحجرية‪ ،‬مثل عظام الفيل والزرافة ووحيد القرن تدل على أن مناخ المنطقة كان مغاي ار لما هو عليه‬
‫اآلن‪ ،‬وقد كان يشبه إلى حد قريب مناخ المنطقة االستوائية في وقتنا الحالي‪.‬‬
‫وقد اُكتشفت ‪ 41‬حجرة ذات شكل كروي خالل حفريات سنة ‪ 1947‬م‪ ،‬وال يتجاوز حجمها حبة‬
‫ويالحظ أن كويرات عين الحنش المتعددة الوجوه‪ ،‬كانت‬
‫َ‬ ‫اليوسفي أو البرتقالة أو كويرة لعب صغيرة‪.‬‬
‫تُستخدم كسالح وآلة في نفس الوقت من طرف االنسان البدائي الذي على ما ُيعتقد أنه كان ضعيفا‬
‫أمام بقايا آخر الحيوانات الثديية التي واجهها‪ ،‬والعائدة إلى الزمن الجيولوجي الثالث‪.‬‬
‫واضافة إلى الكويرات الحجرية الشبيهة بالبرتقالة‪ُ ،‬وجدت بعين الحنش الفأس الحجرية ذات‬
‫الوجهين (بيفاص‪ ،)Biface /‬والتي تُؤخذ كليهما كشاهد أثري على مرور الشمال االفريقي عامة‪،‬‬
‫والجزائر خاصة‪ ،‬بالباليوليتي األسفل‪ .‬ولم تظهر فؤوس الباليوليتي البدائية الصنع إال بعد إزالة ركام‬
‫اشتمل على عدة طبقات مترسبة تحتوي على الكويرات الحجرية‪ ،‬ومهما كانت األدوات المعثور عليها‬
‫في عين الحنش‪ ،‬كويرات أو بيفاص‪ ،‬فإنها تمثل أقدم ما ه ّذبه االنسان واستعمله في حاجاته اليومية‪،‬‬
‫وبالتالي تثبت لنا بداية تكوين ذكاء االنسان‪ .‬إذ أن الباحث الفرنسي أرامبورغ وخالل مواصلة تنقيباته‬
‫خالل سنوات الخمسينات قد عثر في احدى حمالته تلك على بقايا آثار رماد‪ ،‬مما أعطاه فكرة بأن‬
‫عين الحنش يمكن أن تكون مركز تجمع بشري تواصل فيه السكن حتى مرحلة الباليوليتي األعلى‪.1‬‬

‫صورة رقم ‪ :1‬كويرات حجرية تعود إلى فجر الباليوليتي‪ ،‬التاسيلي نزجر‬

‫(متحف الحظيرة الثقافية الوطنية للتاسيلي نزجر)‬

‫‪ 1‬محمد بيومي مهران‪ ،‬المغرب القديم‪ ،‬دار المعرفة الجامعية‪ ،‬االسكندرية‪-‬مصر‪ ،1991 ،‬ص ‪.11‬‬
‫‪ 2‬ليونال بالو‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ص ‪.19 ،5‬‬

‫‪8‬‬
‫محاضرات في مقياس ما قبل التاريخ الشمال االفريقي‬

‫ب‪-‬الحضارة األشولية‪:‬‬
‫‪-0‬تعريفها ومميزاتها‪:‬‬
‫األشولية )‪ (Acheulian‬تسمى هذه الحضارة أحيانا بالحضارة األشولية األبفيلية‬
‫)‪ ،(Abbeville-Acheulian‬إذ يمكن أن ُينظر إلى األبفيلية على أنها ليست إال المرحلة األولى‬
‫للحضارة األشولية‪ ،‬وهذه الحضارة من أقدم الحضارات الباليوليتية‪ ،‬والموقع النموذجي الذي استمدت‬
‫منه اسمها هو كهف "سانت أشيل" بشمال فرنسا‪ .‬والشعوب الباليوليتية التي عاشت في العصر‬
‫البليستوسيني أو العصر الجليدي األوربي وشكلت األدوات الحجرية بالتشظية‪ ،‬تنقسم إلى عدة‬
‫مجموعات تتميز كل منها بنوه األداة الحجرية التي تركتها وراءها‪ .‬فشعب الحضارة األشولية األبفيلية‬
‫ترك أدوات تُعرف بالفؤوس اليدوية‪ .‬وقد بدأت هذه الحضارة في أوربا‪ ،‬على أنه قد ُوجدت بقايا ضئيلة‬
‫لها أيضا في بريطانيا‪ ،‬وفي كل أجزاء افريقيا تقريبا‪ ،‬وفي الشرق األدنى وجنوب الهند‪.1‬‬
‫‪-9‬مكوناتها الصناعية‪ :‬يمكن تقسيم األدوات األشولية في الشمال االفريقي‪ ،‬وخاصة بالجزائر‪،‬‬
‫إلى ثالثة أصناف رئيسية‪ :‬البيفاص (ذات الوجهين)‪ ،‬البليطة ‪ ،‬وثالثية الوجوه‪.‬‬
‫‪-‬البيفاص‪ :‬إنها أدوات متنوعة األشكال ولكن شكلها العمومي مستطيل‪ ،‬يمتاز دائما برأس حاد‬
‫وحافتين قاطعتين‪ .‬كانت البيفاص تصنع من حصاة كاملة أو من شظية كبيرة منفصلة من حصاة‪.‬‬
‫ويحصل على الشكل العام لألدوات بواسطة نزع شظايا كبيرة من وجهي القطعة‪ ،‬ومن هنا سميت‬
‫بيفاص‪ .‬وقد عمد المختصون في ما قبل التاريخ إلى تصنيف هذه األدوات تبعا ألشكالها‪ ،‬ومن ثم‬
‫أمكن تمييز البيفاص المثلثة الشكل‪ ،‬واللوزية الشكل‪ ،‬والتي تأخذ هيئة قلب‪ ،‬الرمحية‪ ،‬والبيضوية‪.‬‬
‫‪-‬البليطات‪ :‬إذا كانت حافتا البيفاص تتصفان بالتناظر النسبي إزاء محور القطعة‪ ،‬فإن البليطة‬
‫أداة ذات حواف مستعرضة تأخذ اتجاها عموديا على محور القطعة الكبير‪ ،‬ومن جهة أخرى فإنه على‬
‫عكس مواصفات حرفي البيفاص المتحصل عليها بلمسات مقصودة على الجانبين أو جعلهما أحيانا‬
‫مستقيمين بواسطة القادحة المرنة‪ ،‬فإن حرف البليطة ذو شروم لم ينله تهذيب أبدا‪.‬‬
‫‪-‬ثالثية الوجوه‪ :‬إن هذا النوع من األدوات األشولية أقل وفرة من البيفاص والبليطات‪ ،‬وهي ذات‬
‫نهاية حادة وقاعدة مثلثية‪ ،‬كان صانع ما قبل التاريخ يحصل على هذه النهاية بواسطة نزع شظايا في‬
‫ثالث اتجاهات أو أكثر‪.1‬‬
‫‪-3‬مراحل الصناعة األشولية في شمال افريقيا‪:‬‬
‫تنقسم الحضارة األشولية في شمال افريقيا إلى ‪ 8‬مراحل تتميز بـ ‪ 5‬أطوار كبيرة هي‪:‬‬

‫‪ 0‬نخبة من العلماء‪ ،‬الموسوعة األثرية ‪ ،‬ص ‪.67‬‬


‫‪ 2‬ك‪ .‬ابراهيمي‪ ،‬تمهيد حول ما قبل التاريخ في الجزائر‪ ،‬ترجمة محمد البشير شنيتي ورشيد بورويبة‪ ،‬الشركة الوطنية للنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ص ص ‪.15 ،13‬‬

‫‪9‬‬
‫محاضرات في مقياس ما قبل التاريخ الشمال االفريقي‬

‫‪-‬األشولي القديم‪ :‬يحتوي األشولي القديم مرحلة واحدة )‪(I‬تشكل أقدم مرحلة لهذه الحضارةـ‪،‬‬
‫تتميز باحتوائها على الصناعة الحصوية خاصة منها الحصى المشذب المتعدد الصفحات والشبه‬
‫كروي‪ ،‬كما أنه يالحظ بداية ظهور الصناعة األشولية مثل الفؤوس اليدوية والفؤوس الصغيرة‪ ،‬وكذلك‬
‫المثلثات‪ ،‬اضافة الى الصناعة الشظوية مثل بعض المكاشط‪.‬‬
‫‪-‬األشولي األسفل‪ :‬تتكون هذه المرحلة من مرحلتين صغيرتين‪ ،‬هما المرحلة)‪ (II‬والمرحلة)‪:(III‬‬
‫المرحلة ‪ :II‬تتميز بانخفاض نسبة الحصى المشذب وارتفاع عدد الفؤوس اليدوية بالمقارنة مع‬
‫المرحلة )‪( (I‬األشولي القديم)‪ ،‬تحتوي أيضا نسبة قليلة من الفؤوس الصغيرة‪.‬‬
‫المرحلة ‪ :III‬تتميز بارتفاع نسبة الفؤوس اليدوية التي تبقى على شكلها البدائي‪ ،‬وتظل الفؤوس‬
‫الصغيرة موجودة دائما لكن دون ارتفاع في نسبتها‪ ،‬كما تحتوي على المثلثات‪.‬‬
‫‪-‬األشولي األوسط‪ :‬يتكون من مرحلتين‪ ،‬هما‪ :‬المرحلة )‪(IV‬والمرحلة )‪.(V‬‬
‫المرحلة ‪ :IV‬تتصف بظهور تقنية جديدة تتمثل في تهيئة النوويات لتقصيبها‪ ،‬باإلضافة إلى‬
‫استمرار وجود الفؤوس الصغيرة‪.‬‬
‫المرحلة ‪ :V‬تتميز بتطور تقنية تهيئة مسطحات الضرب للنوويات وذلك بظهور النوويات ذات‬
‫الشكل الدائري والمتطاول‪.‬‬
‫‪-‬األشولي المتطور والنهائي‪ :‬يكونان المراحل الثالث األخيرة‪ ،‬وهي المرحلة ‪ VI‬و‪ VII‬و ‪VIII‬‬
‫ال تي تحتوي على الفؤوس اليدوية المتطورة األشكال مثل األشكال المثلثة والبيضاوية والقلبية‪ ،‬ويالحظ‬
‫كذلك تطور التقنية المستعملة للحصول على الفؤوس الصغيرة‪.1‬‬
‫‪-5‬مواقع الحضارة األشولية في شمال افريقيا‪:‬‬
‫هذه الحضارة ممثلة بصورة جيدة في الجزائر والمغرب األقصى‪ ،‬أما مواقعها في تونس فهي أقل‬
‫عددا‪ .1‬ومن مواقعها في الجزائر ما عثر عليه في تيغنيفين في باليكاو (معسكر) من أدوات حجرية‬
‫وعلى بعض العظام والتي تمثل مخلفات للصيد‪ .‬هذه األدوات هي فؤوس شيلية من الحجر الرملي ومن‬
‫الكوارتزيت غالبا شكلها لوزي ويتراوح طولها من ‪ 15‬إلى ‪ 11‬سم‪ ،‬أو لها شكل رباعي مستطيل‪ .‬وقد‬
‫أُجريت مالحظات مماثلة في بحيرة كيرار بشمال تلمسان التي دفعت الدراسة المتأنية بها إلى معرفة أن‬
‫يكون قعر الماء يحتوي على نفس الخليط من األدوات البدائية ومن عظام الفيل‬ ‫الحصى الذي ّ‬
‫األطلنطي ووحيد القرن‪ ،‬وقد كانت بعض ألدوات من الكوارتزيت لوزية الشكل تمثل النموذجين الشيلي‬
‫واألشولي‪ .3‬اضافة إلى موقع الماء األبيض (تبسة) في الشرق‪ ،‬وموقع شامبالن (العميرية بوالية‬

‫‪ 1‬محمد سحنوني‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.97‬‬


‫‪ 2‬ك‪ .‬ابراهيمي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.11‬‬
‫‪ 3‬ستيفان‪ ،‬غزال‪ :‬تاريخ شمال افريقيا القديم‪ ،‬ترجمة محمد التازي سعود‪ ،‬ج‪ ،1‬مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية سلسلة تاريخ‬
‫المغرب‪ ،‬الرباط‪ ،1117 ،‬ص ‪.161‬‬

‫‪10‬‬
‫محاضرات في مقياس ما قبل التاريخ الشمال االفريقي‬

‫المدية)‪ .‬ومن مواقعها في الصحراء موقع عرق تيهودين (التاسيلي نزجر) الذي توفر على آالف من‬
‫البيفاص والبليطات‪.1‬‬
‫أما مواقعها في تونس فنذكر منها األدوات المكتشفة بنواحي قفصة بجنوب تونس‪ ،‬وهي أدوات‬
‫شيلية وأشولية كثيرة الوجود بها ويختلط بعضها ببعض غالبا‪ ،‬وتوجد إما بمراكز المحطات الواقعة عادة‬
‫بالسهل‪ ،‬واما بالمصانع الواقعة حيث توجد مقاطع حجر السيالكس الصالح لالستخدام‪ .1‬ونذكر من‬
‫مواقع المغرب األقصى مغارات سيدي عبد الرحمان بالقرب من مدينة الدار البيضاء‪ ،‬ومغارات تيما ار‬
‫بالقرب من الرباط‪.3‬‬

‫صورة رقم ‪ :19‬بيفاص ُعثر عليها بالتاسيلي نزجر‬

‫(متحف الحظيرة الوطنية بالتاسيلي نزجر)‬

‫‪ 1‬ك‪ ،‬ابراهيمي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.11‬‬


‫‪ 2‬ستيفان غزال‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.161‬‬
‫‪ 3‬ك‪ ،‬ابراهيمي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.11‬‬

‫‪11‬‬
‫محاضرات في مقياس ما قبل التاريخ الشمال االفريقي‬

‫صورة رقم‪ :30‬فأس يدوية من حجر الصوان‪،‬‬


‫عين فريتيسة (ناحية كرسيف‪ ،‬المغرب األقصى)‪،‬‬
‫الفترة اآلشولية العليا‬

‫( متحف اآلثار‪ ،‬الرباط)‬

‫‪12‬‬
‫محاضرات في مقياس ما قبل التاريخ الشمال االفريقي‬

‫المحاضرة الثالثة‪:‬‬
‫إنسان األطلس (‪( )Atlanthropus Mauritanicus‬تغينيف بمعسكر) وسيدي عبد‬
‫الرحمان (المغرب األقصى)‬

‫عرف الشمال االفريقي مثل بقية العالم خالل ما قبل التاريخ تتابعا ألنواع أنتروبولوجية مختلفة ‪،‬‬
‫وان أقدم المواقع التي تعكس نشاطا بشريا‪ ،‬ما تركه لنا موقع عين الحنش بسطيف ( العلمة) بالجزائر‬
‫العائد إلى فجر الباليوليتي (‪ 1‬مليون سنة ق‪.‬م)‪ ،‬وهي حضارة الكويرات الحجرية الضخمة والمهيأة‬
‫التي تشهد على وجود البشر‪ .1‬وألن التنقيبات األثرية لم تعثر على بقايا عظمية بشرية بهذا الموقع‪،‬‬
‫فإن أقدم ساللة بشرية في بالد المغرب تبقى انسان األطلس (أطلنتروبوس موريتانيكوس ‪/‬‬
‫)‪.)Atlanthropus mauritanicus‬‬
‫‪-‬إنسان األطلس‪ :‬عثر عليه بموقع تغنيف بـ باليكاو وبالقرب من معسكر (الجزائر)‪ ،‬وكذلك‬
‫بالمغرب األقصى بموقعي صالي والرباط‪ ،‬لكن حضارته تنتشر في كل شمال افريقيا‪ ، 1‬وهي الحضارة‬
‫اآلشولية التي مثلت الباليوليتي األسفل‪ .‬فقد احتوت رملية تغينيفين بالقرب من باليكاو على بقايا فونة‬
‫قديمة تعود إلى الزمن الرابع‪ ،‬تتكون من ثالث فكوك سفلى في حالة جيدة وجزء من جدار الجمجمة‪،‬‬
‫وبعض األسنان المفككة‪.‬‬
‫أما الوثائق البشرية األخرى العائدة إلى انسان األطلس فقد اكتشفت بالمغرب األقصى‪ ،‬وتتمثل‬
‫في قطعتين من فك اسفل عثر عليها في ردوم احدى المغارات من المقالع الحجرية بسيدي عبد‬
‫الرحمان على بعد بضع كيلومترات من الدار البيضاء‪ .‬كما عثر في مقلع الحجارة الرملية بالقرب من‬
‫الرباط (‪ 111‬ألف سنة ق‪ .‬م) على بقايا لقوس جمجمة وبقايا فك أعلى وفك أسفل شبه كامل‪ .‬اضافة‬
‫إلى ما عثر عليه بمغارة تيما ار على بعد ‪ 11‬كم جنوب غرب الرباط من فك أسفل شبه كامل‪.‬‬
‫كونوا مجموعة انتشرت أثناء جزء من الفترة اآلشولية‪، 3‬‬
‫ويبدو أن بشر األطلس في بالد المغرب ّ‬
‫تبين من الدراسة التشريحية الدقيقة أن تلك الوثائق تتميز بطابعها الخاص عن كل األجناس‬ ‫وقد ّ‬
‫البشرية الحالية وعن أجناس ما قبل التاريخ‪ ،‬باستثناء االنسان البدائي المتمثل في بقايا انسان‬
‫نياندرتال‪ ،‬وهو ما أدى إلى االعتقاد بتقريب االنسان األطلس إلى الكائنات الموغلة في القدم‪ ،‬كاإلنسان‬
‫المكتشف بـ جاوة (أندونيسيا)‪ (le pithicanthrope‬والصين‪ . (Sinathrope)4‬فإنسان األطلس إذن‪،‬‬

‫‪Y. Lacoste. A. Noushi. A. Prenant, l’Algérie passé et présent, éd sociales, Paris, 1960, p. 65. 1‬‬
‫‪ 2‬محمد سحنوني‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.57‬‬
‫‪ 3‬ك‪ .‬ابراهيمي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ص ‪.16 ،15‬‬
‫‪ 4‬ليونال بالو‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.57‬‬

‫‪13‬‬
‫محاضرات في مقياس ما قبل التاريخ الشمال االفريقي‬

‫مثّل دليال كافيا على وجود االنسان المغاربي منذ الباليوليتي األسفل‪ ،‬وهذا التواجد البشري لم ينقطع‪،‬‬
‫بل تواصل خالل الباليوليتي األوسط مع ما يعرف باإلنسان العاتري‪.‬‬
‫‪.‬‬

‫صورة رقم‪ :30‬جزء من فك أسفل لإلنسان المنتصب‪ ،‬مقلع‬


‫طوما (الدار البيضاء‪ ،‬المغرب األقصى)‪ ،‬الفترة اآلشولية‬

‫(متحف اآلثار‪ ،‬الرباط)‬

‫‪14‬‬
‫محاضرات في مقياس ما قبل التاريخ الشمال االفريقي‬

‫المحاضرة الرابعة‪:‬‬
‫حضارات العصر الحجري القديم األوسط بشمال افريقيا (الموستيرية)‬

‫الباليوليتي األوسط‪:‬‬ ‫‪-0‬‬


‫مثّل الباليوليتي األوسط حلقة مهمة في المسار التصاعدي لعصور ما قبل التاريخ‪،‬‬
‫ويعتبر هذا العصر معروف بشكل أفضل من سابقه ألن البقايا المكتشفة ُوجدت محفوظة‬
‫بشكل أفضل‪ ،‬خاصة في المغاور والمالجئ التي سكنها االنسان‪ ،‬والتي ساعدت ظروفها على‬
‫حفظ أغلب تلك البقايا كالعظام مثال‪ .‬ويتميز هذا العصر بتعميم الطرق الليفالوازي‬
‫‪ ،(Levallois)1‬ويقترن هذا العصر في أوربا بحضارة واحدة تدعى الحضارة الموستيرية‪ ،‬لكن‬
‫ُيالحظ في شمال افريقيا وجود الحضارة الموستيرية لمدة قصيرة جدا لتُعوض بحضارة محلية‬
‫تسمى العاترية‪ .‬واذا كان الباليوليتي األوسط في أوربا يمتد من حوالي ‪ 111‬ألف سنة ق‪.‬م إلى‬
‫‪ 37‬ألف سنة ق‪.‬م‪ ،‬فإنه يتواصل في شمال افريقيا إلى حوالي ‪ 11‬ألف سنة ق‪.‬م‪ .‬ويعاصر‬
‫في أوربا المرحلتين الـ‪I‬ـ والـ‪ II‬من النصف األول للعصر الجليدي فورم )‪ ،(Worm‬أما في‬
‫شمال افريقيا فيقابل المرحلة المناخية المسماة السلطاني‪.1‬‬
‫أما عن خاصية األدوات الحجرية خالل هذا العصر‪ ،‬فقد تطلب إعداد النواة من‬
‫الصانع خالل الباليوليتي األوسط أن يقوم بسلسلة حركات معقدة ُعرفت بالطريقة الليفالوازية‪،‬‬
‫نسبة إلى موقع "‪ "Levallois-Perret‬بفرنسا‪ .‬حيث تتطلب هذه الطريقة القيام بتشذيبات‬
‫دائرية لقطع الصوان أو الكوارتز‪ ،‬ثم يأخذ الصانع بعد ذلك في قطع الجزء العلوي من الحصاة‬
‫انطالقا من التشذيبات السابق ذكرها حتى تأخذ النواة شكل ظهر السلحفاة المنبسط‪ ،‬وبهذا‬
‫تكون النواة جاهزة‪ ،‬ويمكن نزع الشظية بالطريقة التالية‪ :‬طريقة جانبية تؤدي إلى نزع شظية‬
‫رقيقة تحمل على سطحها العلوي آثار تشذيبات دائرية‪ ،‬وعلى عقبها آثار صفيحات مما يدل‬
‫على االعداد الدائري للحصاة‪ .‬وقد اُستعملت هذه الشظايا المسماة بالليفالوازية من طرف‬
‫الموستيريين والعاتريين لصناعة أدواتهم الحجرية‪ ،‬وكان ممكنا الحصول على شفرات ومخارز‬
‫ليفالوازية بإجراء تعديالت ثانوية في إعداد النواة‪ .‬وتجدر االشارة إلى أن التقنية الليفالوازية لم‬
‫تكن وحدها التي اُستعملت في تلك المرحلة‪ ،‬فإنسان الباليوليتي األوسط قد تحصل على شظايا‬
‫وشفرات أو مخارز من نوى لم يعرضوها إلعداد خاص‪.3‬‬
‫‪-9‬الحضارة الموستيرية‪:‬‬

‫‪ 1‬جمال بدري‪ ،‬أضواء على الحضارة العاترية‪ ،‬دار هومة‪ ،‬الجزائر‪ ،1111 ،‬ص ‪.19‬‬
‫‪ 2‬محمد سحنوني‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.81‬‬
‫‪ 3‬ك‪ .‬ابراهيمي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.48‬‬

‫‪15‬‬
‫محاضرات في مقياس ما قبل التاريخ الشمال االفريقي‬

‫استمدت الصناعة الموستيرية اسمها من موقع موستيي في الدوردون بفرنسا ‪(l’abri de‬‬
‫)‪ ،Moustier‬وهي معروفة جدا في أوربا‪ .‬وقد سمحت دراسة العديد من مواقعها بتمييز‬
‫سماتها وأنواعها ومعرفة االنسان الذي شيدها‪ ،‬وهو إنسان نياندرتال‪.1‬‬
‫وأول من أطلق عليها هذا االسم هو "‪ "G. de Mortillet‬سنة ‪1871‬م‪ ،‬كما يعتبر‬
‫الموستيري معروفا بطريقة واضحة في فرنسا بسحناته )‪ (Faciès‬المختلفة من خالل الدراسة‬
‫النمطية التي أُجريت على األدوات الحجرية المكتشفة هناك‪ .‬وقد أظهرت تلك الدراسات هيمنة‬
‫المكاشط والحراب واألدوات المسننة في تلك الصناعة مع وجود بعض األدوات التي تميز‬
‫العصر الحجري القديم األدنى كالفؤوس‪ ،‬وأخرى تميز الباليوليتي األعلى كالسكاكين المظهّرة‪.1‬‬
‫ويمكن تصنيف الصناعة الموستيرية إلى عدة أوجه تشكل نطاقات متخصصة ومحلية‬
‫كما يلي‪:‬‬
‫‪-‬الموستيري ذو التقليد األشولي‪ُ :‬عرف ألول مرة في موقع الموستيي‪ ،‬وهو يتركب من‬
‫العناصر الصناعية التالية‪- :‬قطع ذات الظهر‪.‬‬
‫‪-‬تطور األدوات من نمط الباليوليتي األعلى مثل المحكات والمحثات والمثاقب‪.‬‬
‫‪ُ-‬يالحظ انخفاض نسبتي الفؤوس والمكاشط في فترته التطورية‪.‬‬
‫‪-‬ارتفاع الرؤوس ذات الظهر والمحكات والنصال‪.‬‬
‫‪-‬الموستيري النموذجي‪ :‬يتميز بما يلي‪:‬‬
‫‪-‬ندرة أو غياب الفؤوس اليدوية‬
‫‪-‬نسبة ضعيفة من القطع ذات الظهر الالنموذجية والليماس والمسننات‪.‬‬
‫–تغير في نسبة المكاشط‪.‬‬
‫‪-‬الموستيري ذو المسننات‪ :‬يتميز هذا الوجه بندرة أو غياب مجمل األدوات باستثناء‬
‫أداتين‪ :‬الحزات والمسننات‪ .‬حيث يمثل هذان النمطان أغلبية أدوات الموستيري ذو المسننات‪.‬‬
‫‪-‬الموستيري من نمط كينا‪ُ :‬حدد هذا الوجه لول مرة في موقع كينا بالجنوب الغربي‬
‫وعثر عليه بجانب بقايا انسان نياندرتال‪ ،‬ويتصف هذا الوجه بالمزايا التالية‪:‬‬
‫لفرنسا‪ُ ،‬‬
‫‪-‬انعدام تقصيب ليفالوا‪ ،‬فالشظايا المحصل عليها قصيرة وسميكة والنصال نادرة‪.‬‬
‫‪-‬من الجانب النمطي يتميز هذا الوجه بالنسبة العالية جدا للمكاشط بطرف منحني‬
‫وسميك سواء كان قاطعها جانبي أو عرضي‪.‬‬

‫‪ 1‬ك‪ .‬ابراهيمي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.47‬‬


‫‪ 2‬جمال بدري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪55‬؛ مصطفى أعشي‪ ،‬جذور بعض مظاهر الحضارة األمازيغية خالل عصور ما قبل‬
‫التاريخ‪ ،‬ط‪ ،1‬مركز طارق بن زياد‪-‬الرباط‪ ،‬ديسمبر‪ ،1111 ،‬ص ‪.11‬‬

‫‪16‬‬
‫محاضرات في مقياس ما قبل التاريخ الشمال االفريقي‬

‫‪-‬وجود بعض القطع المتخصصة مثل المكاشط ذو التشذيب المزدوج الوجه ونمط‬
‫الليماس والحزات الكالكتونية‪.‬‬
‫‪-‬ندرة القطع ذات الظهر المنحني‪ ،‬وكذا غياب الفؤوس اليدوية وقلة المسننات‪.‬‬
‫‪-‬ظهور وأنماط جديدة تميز فيما بعد الباليوليتي األعلى مثل المحكات السميكة‪.‬‬
‫‪-‬ارتفاع نسبة المكاشط وانخفاض نسبة المسننات‪.‬‬
‫‪-‬الموستيري من نمط فراسي‪ :‬تم التعرف عليه في موقع فراسي بالجنوب الغربي‬
‫لفرنسا‪ ،‬يشبه الوجه الموستيري من نمط كينا من حيث المكونات الصناعية ما عدى نوعية‬
‫التقصيب المتمثل في تقصيب ليفالوا في الموستيري من نمط فراسي‪ ،‬ويحتوي األدوات‬
‫التالية‪ -:‬نسبة عالية من المكاشط من بينها المكاشط العرضية والسميكة‪.‬‬
‫‪-‬انعدام الفؤوس اليدوية‪ ،‬وندرة المسننات‪.1‬‬
‫واذا جئنا إلى مواقع هذه الحضارة بالشمال االفريقي‪ ،‬فإننا نجدها قليلة االنتشار‪ ،‬ويعرف‬
‫منها في تونس موقع وادي العقاريب بالقرب من قابس‪ ،‬وموقع القطار قرب قفصة‪ .‬وفي‬
‫الجزائر نجد إلى جانب بعض مواقع األطلس الصحراوي نجد موقع مغارة رتيمية قرب وادي‬
‫رهيو (حوض الشلف) ‪ .‬أما في المغرب األقصى فإن موقع جبل ارحود يعد من المواقع‬
‫الموستيرية الهامة بما احتواه من بقايا بشرية زيادة على األدوات الحجرية‪.1‬‬

‫صورة رقم ‪ :15‬شظايا ذات الطرق الليفالوازي من التاسيلي نزجر‬

‫(متحف الحظيرة الثقافية الوطنية للتاسيلي نزجر)‬

‫‪ 1‬محمد سحنوني‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.115-113‬‬


‫‪ 2‬ك‪ .‬ابراهيمي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.47‬‬

‫‪17‬‬
‫محاضرات في مقياس ما قبل التاريخ الشمال االفريقي‬

‫صورة رقم ‪ :10‬نصال ذات الطرق الليفالوازي تعود للفترة الموستيرية عثر‬
‫عليها بالتاسيلي نزجر (متحف الحظيرة الثقافية الوطنية للتاسيلي نزجر)‬

‫‪18‬‬
‫محاضرات في مقياس ما قبل التاريخ الشمال االفريقي‬

‫المحاضرة الخامسة‪:‬‬
‫الحضارة العاترية‬

‫‪-0‬التسمية واالكتشاف‪:‬‬
‫تؤرخ أقدم موقع يعود إلى الحضارة العاترية بأكثر من ‪ 41‬ألف سنة ق‪.‬م‪ ،‬وتستمر في‬
‫االشعاع إلى حوالي ‪ 15‬ألف سنة ق‪.‬م‪ .1‬وتعني تسمية الحضارة العاترية تلك الصناعة‬
‫الخاصة بالباليوتي األوسط والتي تشكلت من الشظايا‪ ،‬ويمكن القول أنها تنطبق إلى حد ما‬
‫على الحضارة الموستيرية التي عثر على بقاياها بالدوردون لوال احتواء هذه األخيرة على أدوات‬
‫مجهولة في شمال البحر المتوسط‪ .‬وتتمثل أدوات الصناعة العاترية في رؤوس ملساء مزودة‬
‫بساق يسهل مسكها منه‪ .‬وقد بقيت لمدة طويلة محل نقاش بين المختصين بغية إعطائها‬
‫مصطلحا علميا واضحا يزيح الغموض عنها‪.1‬‬
‫ويعتبر األستاذ والباحث في علم اآلثار "موريس ريغاس" )‪(Maurice Reygasse‬‬‫ُ‬
‫أول من أطلق تسمية العاتري )‪ (Atérien‬على هذه الحضارة سنة ‪1911‬م‪ ،‬والتي اكتشفها‬
‫عندما كان ُيجري أبحاثه في الموقع األثري "وادي الجبانة" في بئر العاتر بالجزائر‪ .‬حيث‬
‫تتميز هذه الصناعة بكثرة األدوات الحجرية المذنبة (ذات الساق)‪ ،‬وتُعتبر في رأيه ُسحنة‬
‫)‪ (Faciès‬متطورة من الموستيري‪ ،‬غير أنه‪ ،‬وبعد اكتشافها‪ ،‬أخذت في االنتشار في أوساط‬
‫الباحثين‪ ،‬وقد اُعتمدت في الدراسات واألبحاث التي تُعنى بالعصور القديمة‪.‬‬
‫‪-‬الفرق بين الموستيرية والعاترية‪:‬‬
‫على الرغم من اعتقاد ريغاس بأن هذه الصناعة الجديدة والتي تشبه في جانب منها‬
‫الصناعة الموستيرية‪ ،‬أنها مجرد تطور محلي لهذه األخيرة‪ ،‬فإن األبحاث والتنقيبات األثرية في‬
‫مناطق كثيرة‪ ،‬رجحت استقاللية الصناعة العاترية عن سابقتها الموستيرية‪ ،‬بعد أن أثبتت تلك‬
‫التنقيبات في أغلب المواقع عن توضع الصناعة العاترية مباشرة فوق الصناعة الموستيرية‪،‬‬
‫وهو ما جعل البعض يعتبرها مرحلة جديدة من مراحل تعاقب وتمايز الحضارات‪ ،‬وكما أن‬
‫تواصل االكتشافات عنها في مناطق أخرى بالقارة االفريقية‪ ،‬خاصة بشمالها أثبت وجود هذه‬
‫الصناعة بكثرة فيها‪ ،‬بينما تخلو القارة األوربية تقريبا منها‪ ،‬وهو ما أدى إلى القول بصناعة‬
‫جديدة أُطلق عليها اسم "العاتري"‪ ،‬جاءت بعد الموستيري زمنيا وتشمل معظم المناطق الواقعة‬
‫جنوب البحر المتوسط‪ ،‬وتنتهي تقريبا في الصحراء الكبرى‪.3‬‬

‫‪ 1‬محمد سحنوني‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.119‬‬


‫‪ 2‬ليونال بالو‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.77‬‬
‫‪ 3‬جمال بدري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ص ‪.56 ،15‬‬

‫‪19‬‬
‫محاضرات في مقياس ما قبل التاريخ الشمال االفريقي‬

‫ورغم أن األدوات العاترية والموستيرية ترتبطان بقربى كبيرة‪ ،‬وهي خاصة المكاشط‬
‫والمخارز في الحضارة الموستيرية‪ ،‬التي تُضاف اليها المحكات في الحضارة العاترية بنسبة‬
‫الصناع قد جعلوا لبعض أدواتهم ذنيبات‬
‫ّ‬ ‫كبيرة‪ ،‬فإن أصالة الصناعة العاترية تكمن في أن‬
‫تحصلوا عليها بإحداث تحزيزات في قاعدة األداة‪ .1‬ويضاف إلى ذلك أننا نلمس الفرق بين‬
‫الصناعتين في كون انتشار الموستيرية ساحلي في شمال افريقيا‪ ،‬و ال يتوغل في الداخل‬
‫بكثرة‪ ،‬بينما يغطي انتشار العاترية كل مناطق الشمال االفريقي‪ ،‬من الساحل إلى أطراف‬
‫الصحراء‪.‬‬
‫‪-‬مكوناتها الصناعية‪:‬‬
‫إذا كانت مكتشفات الجنوب القسنطيني ال تثبت بأن الحضارة العاترية لم تشمل عل أي‬
‫عنصر من عناصر الباليوليتي األوسط‪ ،‬فإنها ال تسمح في نفس الوقت بترتيب هذه الصناعة‬
‫وفق تسلسل تاريخي عام‪ ،‬لذلك كان من الواجب الرجوع إلى األدوات المكتشفة على الشواطئ‬
‫الصحراوية والتي كانت موضع نقاش طويل‪ .‬ذلك أن افتقار مثل تلك المناطق إلى الصوان‬
‫‪‬‬

‫هو الذي دفع انسان ما قبل التاريخ إلى استعمال آالت صغيرة مصنوعة من الكوارتز مثال‪،‬‬
‫ومن بعض الصخور البركانية األخرى‪ ،‬في حين ُوجدت األشكال األساسية التي اتبع في‬
‫وتم‬
‫تهذيبها الطريقة الليفالوازية‪ ،‬وهناك الشظايا التي اُنتزعت من كتلتها على شكل أسطواني‪ّ ،‬‬
‫تهذيبها بسهولة عن طريق التنقيح للحصول على رؤوس مشابهة لرؤوس الحضارة الموستيرية‪،‬‬
‫أو على مكاشط وأدوات ذات المقابض‪ ،‬أو رؤوس السهام‪ .‬وتوجد هذه المجموعات األخيرة‬
‫بكثرة في األراضي الحمراء على طول الساحل الجزائري‪ ،‬حيث يغطي الطمي في غالب‬
‫األحيان الحصى والقواقع التي تعود إلى شواطئ البحر المتوسط القديمة التي كان مستوى‬
‫المياه فيها أعلى مما هو عليه حاليا‪.1‬‬
‫وما يميز الصناعة العاترية عموما وجود تلك األداة‪ ،‬والتي أُطلق عليها األداة المذنبة‪،‬‬
‫أو بذات الساق )‪ ، (outils pédonculés‬وذلك لوجود نهاية على شكل ذنب أو ساق في‬
‫احدى الجهات يشبه إلى حد كبير ساق الزهرة‪ ،‬بينما تأخذ األداة في الجهة المقابلة عدة‬
‫ويعتقد أن االنسان‬
‫أشكال‪ ،‬منها الحاد بدرجات مختلفة‪ ،‬والمسطح‪ ،‬وحتى الدائري والمسنن‪ُ .‬‬
‫طور هذه التقنية الجديدة لتسهل عليه العمل بعدما الحظ نقصا في األدوات القديمة‪،‬‬
‫العاتري ّ‬
‫ويظهر ذلك جليا من خالل ذلك الذنب المصنوع بدقة كمقبض يساعد اليد على التحكم في‬

‫‪ 1‬ك‪ .‬ابراهيمي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.59‬‬


‫‪" ‬لقد اُستعمل حجر الصوان )‪ (le silex‬الصلب بكثرة في الصناعة العاترية‪ ،‬وهو يتميز بخصائص أثبتت فعاليته وصموده‬
‫خالل األعمال المختلفة التي خصصت لها تلك األدوات المصنوعة منه" (أنظر‪ :‬جمال بدري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.)57‬‬
‫‪ 2‬ليونال بالو‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.79‬‬

‫‪20‬‬
‫محاضرات في مقياس ما قبل التاريخ الشمال االفريقي‬

‫تلك األداة‪ ،‬أو كنهاية لتركيب أجزاء أخرى كعصي طويلة من أجل استعمالها في الصيد أو‬
‫غيره‪ .‬ورغم كثرة األدوات المذنبة في الصناعة العاترية‪ ،‬إال أن هذه األخيرة ال تقتصر عليها‬
‫فقط‪ ،‬بل يوجد بجانبها كذلك األدوات األخرى المعروفة في الصناعة الموستيرية‪ ،‬كالمكاشط‬
‫واألزاميل وغيرها من األدوات المختلفة‪.1‬‬
‫‪-‬مراحل الحضارة العاترية‪:‬‬
‫تعرف ثالث مراحل للحضارة العاترية تتمثل في‪:‬‬
‫‪-‬العاترية القديمة‪ :‬أغلبية المواقع التي تلحق إلى المرحلة القديمة للعاترية تتواجد على‬
‫السواحل‪ .‬وتتميز هذه المرحلة بصناعة أقرب من الصناعة الموستيرية بمقياس عالي لتقصيب ليفالوا‪،‬‬
‫ويالحظ في العاترية القديمة ندرة القطع ذات العنق‪ ،‬وتنسب إلى هذه المرحلة مواقع الحنك ودار‬
‫ُ‬
‫السلطان وعين جمعة في المغرب األقصى‪ ،‬والخروبة ودرار في الجزائر‪ ،‬والرأس األبيض ومنستير في‬
‫تونس‪.‬‬
‫‪-‬العاتري األوسط (النموذجي)‪ :‬يتميز بصناعة موستيرية بتقصيب ليفالوا بأعقاب متعددة‬
‫األوجه ونسبة من الصناعة تحتوي على عنق‪ ،‬تتمثل األدوات أساسا في المحكات وخاصة منها‬
‫المش ّكلة على رؤوس النصال‪ .‬المواقع التي تحتوي على العاترية النموذجية هي‪ :‬وادي الجبانة‪ ،‬وادي‬
‫جوف‪ ،‬والشعاع بشرق الجزائر‪.‬‬
‫‪-‬العاترية العليا‪ُ :‬حددت ألول مرة المرحلة العليا من الحضارة العاترية في المغرب األقصى‪،‬‬
‫وتعددت مواقعها في الصحراء الجزائرية حيث يتواصل وجودها إلى غاية ظهور العصر الحجري‬
‫الحديث‪ .‬وتتميز أدواتها بالتشكيل البسيط بتهذيبات دقيقة ومتوسعة ومزدوجة االتجاه‪ ،‬وتغلب عليها‬
‫تعدد الرؤوس ذات العنق‪.1‬‬
‫‪-‬انتشار العاترية بالشمال االفريقي‪:‬‬
‫على عكس المواقع الموستيرية‪ ،‬فإن المواقع العاترية كثيرة العدد واالنتشار في جميع أنحاء‬
‫الشمال االفريقي والصحراء‪ ،‬ومن أهمها نذكر موقع "بئر العاتر" (تبسة) الذي اُشتق منه اسم هذه‬
‫الحضارة‪ ،‬وموقع بيرار (عين تاقورايت بسواحل الجزائر العاصمة)‪ ،‬وموقع عين طاية‪ ،‬موقع الخنازير‬
‫بحيدرة قرب مدينة الجزائر‪ ،‬وكذا موقع الخروبة قرب مستغانم‪ .‬وفي المغرب األقصى نجد مغارة‬
‫تافورالت شمال وجدة‪ .3‬اضافة إلى موقع عرق تيهودين في سفوح جبال التاسيلي نزجر في شكل‬
‫مجموعات متراكمة‪.4‬‬

‫‪ 1‬جمال بدري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ص ‪.57 ،56‬‬


‫‪ 2‬محمد سحنوني‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ص ‪.119 ،117‬‬
‫‪ 3‬ك‪ ،‬ابراهيمي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.48‬‬
‫‪ 4‬ليونال بالو‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.86‬‬

‫‪21‬‬
‫محاضرات في مقياس ما قبل التاريخ الشمال االفريقي‬

‫صورة رقم‪ : 30‬أدوات ذات العنق‪ ،‬تعود للحضارة العاترية‪ ،‬التاسيلي نزجر‬

‫( متحف الحظيرة الثقافية الوطنية للتاسيلي نزجر)‬

‫‪22‬‬
‫محاضرات في مقياس ما قبل التاريخ الشمال االفريقي‬

‫المحاضرة السادسة‪:‬‬
‫إنسان الباليوليتي األوسط ( إنسان جبل ارحود ودار السلطان)‬
‫االنسان العاتري‪:‬‬
‫يميز هذا الجنس البشري مرحلة الباليوليتي األوسط التي يفترض وقوعها بين حوالي‬
‫‪ 41111‬و ‪ 15111‬سنة قبل الميالد‪ ،‬حيث ارتكزت خاللها في بالد المغرب حضارتان هما‬
‫الحضارة الموستيرية والعاترية‪ ،‬هذه األخيرة التي يحتمل أنها أكثر حداثة من األولى‪ .‬وعلى‬
‫الرغم من كثرة المواقع العاترية بشمال افريقيا‪ ،‬إال أنه ال يوجد من بينها موقع احتفظ ببقايا‬
‫بشرية‪ ،‬لذلك فإن صانع الحضارة العاترية ينسب إلى الجنس البشري صانع الموستيرية على‬
‫قلة مواقعها‪ .‬فقد وجد بمغارة جبل ارحود بالمغرب األقصى على جمجمتين وجزء من جدار‬
‫جمجمي ضمن أدوات موستيرية تعود إلى انسان نياندرتال‪ ،1‬الممثل للباليوليتيك األوسط بأروبا‬
‫والمعاصر للموستيرية في بالد المغرب القديم‪ .‬فإنسان نياندرتال يعتبر األكثر انتشا ار في كل‬
‫العالم خالل الباليوليتيك األوسط‪ ،‬فقد عثر عليه بالشرق األوسط في فلسطين بجبل الكرمل‪،‬‬
‫وبالعراق بموقع شانيدار‪ ،‬وبالصين كذلك‪ .‬أما عن بقاياه الوحيدة التي وجدت بشمال افريقيا‬
‫فتتمثل في جمجمة انسان جبل ارحود الذي اكتشف بالمغرب األقصى –كما ذكرنا‪-‬حيث‬
‫يتشابه مع انسان نياندرتال من حيث الجمجمة ويختلف معه من ناحية الوجه‪ .1‬واذا كانت‬
‫بعض األبحاث الحديثة قد بينت أن انسان جبل ارحود (أو جبل ايغود) ال عالقة له‬
‫بالنياندرتال‪ ،‬سيما على المستوى الفيزيولوجي‪ ،‬فإن هذا النوع البشري ما يهمنا منه هو أنه‬
‫يجمع بين سمات عتيقة توجد في االنسان المنتصب القامة )‪ (Homo erectus‬الذي عكسه‬
‫انسان األطلس خالل الباليوليتي األسفل ببالد المغرب‪ ،‬وصفات حديثة نجدها في االنسان‬
‫العاقل العاقل‪ ،‬إذ يمكن اعتباره صلة وصل بينهما‪ ،‬فهو يتميز بتطور محلي لإلنسان المغاربي‬
‫عموما‪ ،‬من اإلنسان المنتصب إلى االنسان العاقل وال يوجد بذلك فراغ في سلسلة التطور‬
‫البشري ببالد المغرب‪.3‬‬
‫إلى جانب هذا‪ ،‬فإن اكتشافا لبقايا االنسان العاتري –ربما من طرف "‪ "Débenath‬في‬
‫دار السلطان (الرباط) سنة ‪ ،1975‬أعطى دليال للمختصين في أن االنسان العاتري كان‬
‫انسان عاقل عاقل(‪ ، )Homo sapiens sapiens‬ولكنه أقدم من انسان كرومانيون (‪cro-‬‬
‫‪)magnon‬في أوربا‪ ،‬ويقدم تناظ ار كافيا مع االنسان الموستيري لجبل ارحود‪ ،‬حتى أنه أمكن‬
‫القبول بأنه نازل منه وأنه كذلك تم اكتشاف وجود بنوة بين هذا االنسان العاتري وخلفه في بالد‬

‫‪ 1‬ك‪ ،‬ابراهيمي‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.51‬‬


‫‪ 2‬محمد‪ ،‬سحنوني‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.63‬‬
‫‪ 3‬مصطفى‪ ،‬أعشي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.14‬‬

‫‪23‬‬
‫محاضرات في مقياس ما قبل التاريخ الشمال االفريقي‬

‫المغرب وهو انسان مشتى العربي‪ 1‬الذي مثّل الموجة البشرية التي عاشت في بالد المغرب‬
‫خالل الباليوليتي األعلى‪.‬‬

‫صورة رقم ‪ :30‬جمجمة االنسان العاقل‬


‫القديم (جبل ايغود‪-‬آسفي) يعود للفترة‬
‫الموستيرية‬

‫(متحف اآلثار‪ ،‬الرباط)‬

‫صورة رقم‪ :30‬جمجمة االنسان‬


‫العاقل العاقل‪ ،‬دار السلطان ‪2‬‬
‫(الرباط)‪ ،‬الفترة العاترية‬

‫(متحف اآلثار‪ ،‬الرباط)‬

‫‪G. Camps, les Berbères mémoire et identité, éd. Barzekh, Alger, 2007, p. 53 1‬‬

‫‪24‬‬
‫محاضرات في مقياس ما قبل التاريخ الشمال االفريقي‬

‫المحاضرة السابعة‪:‬‬
‫حضارتا العصر الحجري المتأخر‪ :‬اإلبيرية المغربية (الوهرانية)‬

‫‪-0‬الباليوليتي األعلى (‪ 35111‬سنة ق‪.‬م‪ 01111 -‬سنة ق‪.‬م)‪:‬‬


‫شهد العصر الحجري القديم األعلى اختفاء إنسان نياندرتال وحلول االنسان العاقل‬
‫محله‪ ،‬وهذا االنسان ورث حضارة سلفه وأضاف اليها وارتقى بها إلى المرحلة المعقدة التي هي‬
‫فيها اليوم‪ .‬واستمرت في هذا العصر صناعة األدوات الحجرية ولكن بأشكال جديدة تُعرف في‬
‫أوساط علماء اآلثار بالنصال التي تصنع من شظايا طويلة رفيعة‪.1‬‬
‫بالنسبة للتقدم التقني لألدوات‪ ،‬نالحظ في كل مكان تقريبا أدوات أصبحت أكثر خفة‪.‬‬
‫ولكن بقيت تلك األدوات في بعض المناطق تصنع على الشظايا‪ ،‬ولكن في مناطق كثيرة‬
‫أخرى ظهر نمط جديد في تصنيع الحجر يم ّكن من الحصول على قطع طويلة رقيقة لها‬
‫سطح ضيق تسمى النصال )‪ .(Lames‬هذه النصال دعمت األدوات مع أنها معروفة بالتأكيد‬
‫قبل ذلك بوقت طويل‪ ،‬إال أنها في هذا العصر قد تزايدت‪ .‬وقد أصبحت المكاشط لها جبهة‬
‫مصنعة من خالل تشذيب متوازي بدرجة أو بأخرى‪ ،‬والبد أنها اُستخدمت في العمل‬
‫ّ‬ ‫دائرية‬
‫بالخشب والعظم والجلد‪ .‬كما أن األزاميل في هذا العصر لها رأس ضيق بشكل عام على‬
‫وخصصت إلحداث الحزوز الضيقة والعميقة في المواد الصلبة وبخاصة العظم وربما‬
‫جسمها ُ‬
‫الخشب‪ .‬إلى ذلك تُضاف المخارز وأنواع مختلفة من الحراب‪ ،‬وقد تطور العمل على العظم‬
‫وفي قرون األيل والعاج‪ .‬صنعت من هذه المواد أشياء بسيطة مثل المخارز والرماح وأخرى‬
‫أكثر تعقيدا مثل الحربون )‪ (Harpon‬والعصي المثقوبة‪ ،‬حيث اُعتبرت هذه العصي سابقا‬
‫اشارة القيادة ولكنها اآلن تُفسر كأدوات مخصصة من أجل تقويم األدوات العظمية والخشبية‪.1‬‬
‫كما قد شهد العصر الحجري المتأخر (األعلى)‪ ،‬وهو مرحلة االنسان العاقل‪ ،‬ازدهار‬
‫حضارات اشتهرت فيها صناعات حجرية دقيقة تمتاز بالتخلي عن التقنية الليفالوازية في إعداد‬
‫النواة وبالدور الهام الذي لعبته الشفرات والنصال )‪ (Lames‬العادية والدقيقة ضمن األدوات‪.‬‬
‫كما أبرزت هذه األدوات الخفيفة تنوعا كبي ار بالمقارنة مع ما ُعرف عن أدوات العصر الحجري‬
‫األوسط‪ .‬وظهرت خالل هذه المرحلة خصوصا أدوات جديدة مخصصة للطحن‪ ،‬وأخرى من‬
‫العظم المصقول‪ ،‬كما ظهر استعمال بيض النعام كأوعية‪ ،‬بل اُستعمل كمادة خام حقيقية في‬
‫صناعة قطع الحلي‪ .‬وأخي ار فإن مرحلة العصر الحجري المتأخر هي التي شهدت بوضوح‬

‫‪ 1‬تقي الدباغ‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.11‬‬


‫‪ 2‬فرنسيس أورو‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.116‬‬

‫‪25‬‬
‫محاضرات في مقياس ما قبل التاريخ الشمال االفريقي‬

‫كبير ظهور الطقوس الجنائزية وممارسة السحر وبداية الفن الذي سيعرف انطالقة كبيرة خالل‬
‫مرحلة العصر الحجري الحديث‪.1‬‬
‫وتجدر االشارة إلى أن المتخصصون قد قسموا العصر الحجري القديم األعلى عموما‬
‫إلى ثالثة عصور ثانوية هي‪:‬‬
‫‪-‬العصر األورغناسي‪ :‬نسبة إلى موقع أوريناك في حوض الكارون العلوي بجنوب‬
‫فرنسا‪ .‬وأدوات هذا العصر أغلبها من حجر الصوان‪ ،‬وهي دقيقة الحجم والصناعة‪ ،‬وجدت مع‬
‫األدوات الحجرية أدوات مصنوعة من العظام بعضها ذات أخاديد وبعضها سائبة النهايتين‬
‫وطويلة‪ ،‬وبعضها على شكل عصا مثقوبة‪ ،‬ربما تكون نوعا من اآلالت الموسيقية‪ ،‬بدأ هذا‬
‫العصر في ‪ 15111‬سنة قبل الميالد‪.‬‬
‫‪-‬العصر السوليتيري‪ُ :‬سمي نسبة إلى منطقة سلوترة بمقاطعة السارون‪ ،‬حيث وجدت‬
‫آالته في أحد الكهوف‪ ،‬وتتميز بدقة الصنع وبشكلها الذي يشبه ورقة شجرة الغار‪ ،‬ومن أهم‬
‫أنواعها السكاكين (النصال) التي بلغ طولها ما بين ‪ 15‬و‪ 35‬سم‪ ،‬وعرضها ‪ 8‬سم‪ ،‬وسمكها‬
‫‪ 9-6‬ملم‪ .‬زمن هذه الصناعة يتراوح ما بين ‪ 11111‬و ‪ 17111‬سنة ق‪.‬م حسب اختبار‬
‫‪.C14‬‬ ‫الكربون المشع‬
‫‪-‬العصر المجدانلي (المكدليني)‪ :‬نسبة إلى موقع ماكدلين في منطقة الدوردون بجنوب‬
‫فرنسا‪ .‬ويتميز هذا العصر الذي امتد ما بين ‪ 17111‬و ‪ 11111‬سنو ق‪.‬م بكثرة تصنيع‬
‫العظام والعاج وقرون الحيوانات‪ ،‬وتصنيع حجر الصوان بشكل خاص لعمل المكاشط بأنواع‬
‫عديدة‪ ،‬وعمل السكاكين والمشاعل الحجرية المقعرة‪ .‬وفي هذا العصر ظهرت أولى بوادر الفن‬
‫التعبيري متمثلة برسوم الكهوف في غرب أوربا وبظهور تماثيل الحيوانات الطينية ودمى العظم‬
‫والعاج الحجر االنثوية التي سميت تماثيل فينوس )‪ .(Venus‬وقد مارس الفنانون في هذا‬
‫إرضاء لميولهم في أوقات فراغهم‪.1‬‬
‫ً‬ ‫العصر الرسم والحفر والنحت ألغراض سحرية أو‬
‫أما في الشمال االفريقي‪ ،‬فإننا نجد حضارتين مثلتا هذا العصر‪ ،‬احداهما ساحلية‪ ،‬وهي‬
‫االبيرومغربية‪ ،‬والثانية داخلية وتمثلها الحضارة القفصية‪.‬‬
‫‪-9‬الحضارة االبيرومغربية‪(Ibéromaurusien) :‬‬
‫أ‪-‬التعريف والتسمية‪ :‬هي تلك الصناعة الميكروليتية ذات الظهر المصفح ‪(Lamelle‬‬
‫)‪ ، à dos‬والتي اكتشفها باالري "‪ "Paule Pallary‬سنة ‪1919‬م بمخابئ المويلح قرب اللة‬

‫‪ 1‬ك‪ .‬ابراهيمي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ص ‪.56 ،55‬‬


‫‪ 2‬تقي الدباغ‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ص ‪.13 ،11‬‬

‫‪26‬‬
‫محاضرات في مقياس ما قبل التاريخ الشمال االفريقي‬

‫مغنية‪ .1‬وقد أطلق عليها اسم "الحضارة االبيرو مغربية" اعتقادا منه بأنها صناعة قادمة من‬
‫شبه جزيرة ابيريا‪ ،‬غير أنه اتضح أن هذه الحضارة ال عالقة لها إطالقا بإبيريا‪ ،‬وأنها حضارة‬
‫محلية‪ .‬كما أن تحريات ودراسات وحفريات قام بها الباحث الفرنسي "‪ "Fauvrey‬في مواقع‬
‫بالجزائر خاصة‪ ،‬جعله يسميها الوه ارنية أو المويلحية‪ ،1‬لكن التسمية األولى المتمثلة في‬
‫اصطالح "ابيرومغربي" رغم قلة دقتها قد شاعت ودرج الباحثون والمؤرخون على استعمالها‬
‫فترسخت أكثر‪ .‬وترجع شواهد الحضارة االبيرومغربية إلى أكثر من ‪ 11‬ألف سنة ق‪.‬م‪.3‬‬
‫ب‪-‬أدواتها‪ :‬إن ما يثير الدهشة في الصناعة الحجرية االبيرومغربية هو كثرة الشفرات‬
‫الصغيرة المهذبة الحافة بواسطة التنقيحات القوية‪ ،‬وبدون شك فهي عبارة عن تقنية عامة‬
‫طبقت في األدوات ذات االستعماالت المختلفة‪ .‬وعند إمعان النظر في شكل هذه األدوات‬
‫نجدها متنوعة‪ ،‬إذ كان بعضها حادا والبعض اآلخر لم يزود بسن‪ ،‬بحيث كان التنقيح بسيطا‬
‫ويالحظ أن أكثر من ثلثي األدوات لم يحتو‬ ‫في بعض األحيان‪ ،‬وقويا في البعض اآلخر‪ُ .‬‬
‫سوى على قطع دائرية‪ ،‬وبعض المكاشط الصغيرة والمناقش النادرة والنواة الصغيرة المصنوعة‬
‫من الصوان الرديء عموما‪ ،‬بسبب فقر المناطق الساحلية‪ .‬هذا باإلضافة إلى اإلبر العظمية‬
‫البسيطة‪ ،‬وأدوات عديدة اُستعملت للزينة تمثلت في القواقع التي تصحبها في الغالب مواد‬
‫معدنية ملونة‪.‬‬
‫وقد كانت الشفرة االبيرومغربية غالبا ما تنتهي بتهذيب هامشي حتى أنها تبدو شبيهة‬
‫بالسن أو تحتوي في بعض األحيان على مثقب شكل بواسطة فصل منظم لشظاياه الصغيرة‬
‫التي تصبح تشبه األزاميل الدقيقة التي تستعمل في صناعة األدوات الحجرية الدقيقة ذات‬
‫الشكل الهندسي‪ .‬وهنا تلتقي الصناعة االبيرومغربية مع صناعات أخرى مثل صناعة الحضارة‬
‫القفصية‪ .‬وتجدر االشارة إلى أن الدور الذي كانت تؤديه الشفرة االبيرومغربية يتمثل في مهمة‬
‫سن الحربة‪ ،‬وقد عثر على عظم صدغي لطفل استُخرج من أحد مغارات وهران وسط األدوات‬
‫االبيرومغربية‪ ،‬وكان هو اآلخر مثقوبا بواسطة تلك األدوات السابقة الذكر‪ ،‬فقد نفذت من‬
‫العظم بعد أن انكسرت في القشرة الداخلية‪.4‬‬
‫فضال عن النصال ذات الحد المشذب واألزاميل الدقيقة‪ ،‬احتوت الصناعة االبيرومغربية‬
‫كذلك على المكاشط خاصة‪ ،‬وعلى قطع محززة ومسننة‪ .‬كما ُعثر في حفريات المواقع‬
‫االبيرومغربية على أدوات حجرية غير منحوتة‪ ،‬خاصة منها المطاحن‪ ،‬وهي الحصى‬

‫‪Camps. G, les civilisations préhistoriques de l’Afrique du Nord et du Sahara, doin. Editeurs, 1‬‬
‫‪Paris, 1974, p. 57.‬‬
‫‪ 2‬أعشي‪ ،‬مصطفى‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.14‬‬
‫‪ 3‬محمد البشير شنيتي‪ ،‬الجزائر قراءة في جذور التاريخ وشواهد الحضارة‪ ،‬دار الهدى‪ ،‬عين مليلة‪ -‬الجزائر‪ ،1113 ،‬ص ‪.14‬‬
‫‪ 4‬ليونال بالو‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ص ‪.111 ،118‬‬

‫‪27‬‬
‫محاضرات في مقياس ما قبل التاريخ الشمال االفريقي‬

‫المستعملة في سحق مواد التلوين‪ ،‬وربما كذلك في طحن الحبوب البرية‪ .‬وقد أدى عمل الطحن‬
‫بالحك إلى تغيير شكل الحصاة المستعملة فأصبحت مكورة ملساء‪ُ .‬يضاف إلى ذلك وجود‬
‫سنديانات‪ ،‬وهي حصى تحمل في وسطها أمارات طرق متوالية‪.‬‬
‫‪-‬أدوات من العظم المصقول‪ :‬يعتبر استعمال العظم كمادة أولية احدى مميزات‬
‫حضارات الباليوليتي المتأخر‪ .‬وقد اُستعملت في بادئ األمر‪ ،‬وحسب الحاالت‪ ،‬عظام طويلة‬
‫مقسومة طوليا‪ ،‬أو قضبان مفصولة من العظم‪ .‬وقد شمل الصقل العظم كله أو جزًء منه‪،‬‬
‫واتصفت األدوات المتحصل عليها تبعا لذلك بالطول وقلة العرض‪ ،‬أما القاعدة فهي دائرية أو‬
‫بيضوية أو اهليجية‪ .‬وتندرج األدوات العظمية حسب أوجه نهاياتها ضمن ثالث مجموعات‬
‫كبيرة هي‪:‬‬
‫‪-‬أدوات ثاقبة ذات نهاية حادة‬
‫‪-‬أدوات مثلمة ذات نهاية ملساء أو دائرية‬
‫‪1‬‬
‫‪-‬أدوات قاطعة ذات حد مائل‬
‫ج‪-‬انتشار الحضارة االبيرومغربية‪:‬‬
‫إن مواقع الحضارة االبيرومغربية كثيرة وتتوزع على طول سواحل المغرب‪ ،‬من عمق‬
‫خليج قابس إلى الشواطئ األطلسية‪ ،‬مع اختفائها في بعض المناطق (الساحل التونسي مثال)‪.‬‬
‫ومع أن هذ الحضارة ذات طابع ساحلي‪ ،‬إال أنها توغلت أحيانا نحو الداخل (تيارت‪،‬‬
‫بوسعادة)‪ .‬وقد تم التعرف على نماذج من مخلفات االبيرومغربية ألول مرة في موقع قرب اللة‬
‫مغنية بالجزائر وبالتحديد في مخابئ المويلح‪ ،‬ومن بين مواقعها الهامة أيضا في الجزائر نذكر‬
‫موقع كلومناطة قرب تيارت‪ ،‬ومغارات تمارهات وأفالو بورمل في عمق خليج بجاية‪ ،‬ومغارة‬
‫راسل بشنوة (تيبازة)‪ .‬أما في تونس‪ ،‬فهناك مواقع وشتاتة‪ ،‬وموقع وادي العكاريت (قابس) الذي‬
‫ال يزال انتسابه للحضارة االبيرومغربية محل نقاش‪ .‬ونذكر أخي ار المغارة العامة بتافورالت‬
‫شمال وجدة بالمغرب األقصى‪.1‬‬

‫‪ 1‬ك‪ .‬ابراهيمي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.76‬‬


‫‪ 2‬نفسه‪ ،‬ص ‪.57‬‬

‫‪28‬‬
‫محاضرات في مقياس ما قبل التاريخ الشمال االفريقي‬

‫المحاضرة الثامنة‪:‬‬
‫الحضارة القفصية‬

‫أ‪-‬تعريفها‪ :‬ظهرت هذه الحضارة بعد االبيرومغربية‪ ،‬ومجال انتشارها الجغرافي مختلف‬
‫عنها‪ .‬فقد ُعرفت في بداية األمر بإقليم قفصة‪ ،‬ومن هنا ُسميت بالقفصية‪ ،‬وسمح تطور‬
‫األبحاث األثرية فيما بعد بتحديد أماكن قفصية خارج خليتها األولى‪ ،‬وذلك في جهات سطيف‬
‫وقسنطينة‪ ،‬وكذلك بعيدا في اتجاه الغرب حتى اقليم تيارت‪ ،‬أما في المغرب األقصى‪ ،‬فلم‬
‫ُيعرف أي أثر للحضارة القفصية هناك حتى اآلن‪ ،‬وزيادة على ذلك‪ ،‬فحيثما ُوجدت القفصية‬
‫فهي ال تصل للسواحل أبدا‪ .‬وقد ُحدد أبعد تاريخ للحضارة القفصية في موقع عين ناقة (مسعد‬
‫بالجلفة) بـ ‪ 7351‬سنة ق‪.‬م‪ ،‬بينما يدور آخر تواريخ القفصية أواخر األلف الخامسة قبل‬
‫الميالد (حوالي ‪ 4391‬سنة ق‪.‬م) بموقع كلومناطة القفصي‪.1‬‬
‫ُوجدت آثار ضئيلة لهذه الحضارة في كهوف ومآو صخرية أحيانا‪ ،‬غير أن بقايا هذه‬
‫الحضارة توجد أكثر عادة في مواقع استيطانهم بالعراء في أكوام ممتدة امتدادا شاسعا‪ ،‬حيث‬
‫المحتوية على الرماد‪ ،1‬ومن هنا سميت‬ ‫تحتوي على آالف من القواقع‪ ،‬وفي مواقعهم‬
‫بالرماديات‪ .‬فكثيرة هي أسماء المناطق والمنابع التي أخذت اسم الحلزونيات‪ ،‬أي "الببوش" أو‬
‫الرماديات‪ ،‬وتمتد من جنوب منطقة القبائل إلى النمامشة‪ ،‬ثم تجتاز بعد ذلك تونس‪ ،‬وبدون‬
‫شك يجد الدارس هناك سكنى ما قبل التاريخ أو الرمادية القفصية‪ .‬كما اكتُشفت المئات بل‬
‫اآلالف من الحلزونيات حول سطيف وعين البيضاء وتبسة وقفصة بتونس‪ .‬والمالحظ أن‬
‫العنصر السائد بكثافة وكثرة في الرماديات هو الحجارة‪ ،‬ذلك أن الرماديات هي عبارة عن‬
‫تراكم حجري امتألت فراغاته بغطاء ترابي أو برمال فحمية‪ .‬ويمكننا الكشف عن صناعة‬
‫معاصرة لتلك الفترة من خالل غربلة بقاياها أو ايجاد الغذاء الذي عاش عليه أناس تلك‬
‫الحقبة‪ ،‬والذي غالبا ما يتمثل في عظام الحيوانات والقواقع الحلزونية‪ .‬وليس هناك ما يؤكد بأن‬
‫الحجارة المشار اليها كانت قد اُستخدمت كلوحات إلعداد الحلزون‪ ،‬غير أن هذا األخير قد‬
‫ش ّكل عنص ار أساسيا في غذاء االنسان الذي كان على ما يبدو يفتقر للحوم آنذاك‪.‬‬
‫وتجدر االشارة إلى أن المراكز المميزة لإلنسان القفصي تقع بالقرب من مورد الماء أو‬
‫في األماكن المحصنة‪ ،‬أو على جوانب الطرق داخل الجبال‪ ،‬مما جعل المختصين يستنتجون‬
‫بأن طبيعة المنطقة القفصية قد كانت تختلف إلى حد ما عما هي عليه اآلن‪ ،‬حيث كانت في‬
‫رأيهم أكثر جفافا وممتلئة بالحجارة خاصة في النمامشة وتونس‪.‬‬

‫‪ 1‬ك‪ .‬ابراهيمي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ص ‪.81 ،79‬‬


‫‪ 2‬نخبة من العلماء‪ ،‬الموسوعة األثرية‪ ،‬ص ‪.318‬‬

‫‪29‬‬
‫محاضرات في مقياس ما قبل التاريخ الشمال االفريقي‬

‫ب‪-‬أدوات الحضارة القفصية‪ :‬تتشكل الصناعة القفصية من مجموعة كبيرة وواسعة من‬
‫األدوات واألسلحة المصنوعة من الشظايا الصوانية‪ ،‬السيما الشفرات التي وزعها االنسان‬
‫العاقل )‪ (Homo Sapiens‬في جزء كبير من القارة االفريقية‪ .1‬حيث تشمل محتوياتها أدوات‬
‫حجرية وميكروليتات مثل شفرات كليلة الظهر وحراب‪ ،‬مكاشط‪ ،‬أزاميل وبعض األدوات‬
‫البسيطة من العظم‪ .1‬وحيث أن ما يثير االهتمام في أدواتها الحجرية كونها ذات أشكال‬
‫هندسية دقيقة مثل أشباه المنحرف‪ ،‬وذات الحواف المجوفة نوعا ما‪ ،‬والتي تعطي مثلثات دقيقة‬
‫وهالليات صغيرة‪ ،‬وقد تركت التقنية التي تسهل عملية الحصول على هذا الصوان الصغيرة‬
‫بقايا ذات أحجام دقيقة مزودة بحزوز وسن حادة وانكسار مائل‪ ،‬فقد أُطلق عليها خطأ اسم‬
‫المناقش الدقيقة‪ .3‬وعلى العموم نذكر من مجموعة األدوات القفصية المختلفة‪:‬‬
‫‪-‬المحكات‬
‫‪-‬المخارز المصنوعة من شظية أو شفرة أو نصلة‪ ،‬وهي تنتهي بتحزيزتين عميقتين‬
‫تكونان رأسا حادا أحيانا‪.‬‬
‫‪-‬األزاميل المصنوعة عموما من الشفرات‪ ،‬وقد تعرضت الشفرات الكبرى أحيانا للمسات‬
‫مثل النصال االبيري مغربية ولنحت إضافي استهدف إزالة احدى حوافها‪ ،‬فأصبحت بعد ذلك‬
‫في شكل سكاكين حقيقية‪ .‬كما أن بعض الشفرات والنصال ُحززت أو ُسننت وكذلك بعض‬
‫الشظايا‪ ،‬فأعطاها انتظام تسننها احيانا هيئة مناشير حقيقية صغيرة‪.‬‬
‫الصناع القفصيون تقنية األزاميل الدقيقة في كسر النصال من أجل‬
‫ّ‬ ‫‪-‬وأخي ار استخدم‬
‫صناعة األدوات الحجرية الدقيقة‪ ،‬وهي قطع صغيرة منحوتة ذات أشكال هندسية‪ ،‬يتطلب‬
‫صنعها عموما كس ار مضاعفا‪ ،‬يليه نحت ثانوي يتناول خط الكسر فينتج عنه ما يلي‪ :‬قطع‬
‫دوائر‪ ،‬اشباه منحرفة ومثلثات‪.‬‬
‫‪-‬أدوات من العظم المصقول‪ :‬التي تعتبر أكثر عددا وتنوعا من مثيالتها في الحضارة‬
‫االبيرومغربية‪ ،‬إذ توجد من بينها المخارز والقطاعات‪ ،‬وكذلك أدوات ذات نهاية دائرية‪ ،‬وابر‬
‫دقيقة وسكاكين حقيقية وخناجر‪ ،‬غير أن هذه األخيرة نادرة‪.‬‬
‫ج‪-‬مراحل الحضارة القفصية‪:‬‬
‫سادت لمدة طويلة فرضية تقول بأن تطور الحضارة القفصية مر بمرحلتين‪ ،‬مرحلة‬
‫فسميت لهذا‬
‫قديمة كانت القفصية فيها محدودة في اقليم قفصة وتبسة‪ ،‬وكانت أدواتها خشنة‪ُ ،‬‬
‫السبب بالحضارة القفصية النموذجية‪ ،‬ثم عرفت توسعا حقيقيا على يد رجال انطلقوا من‬

‫‪ 1‬ليونال بالو‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ص ‪.116-97‬‬


‫‪ 2‬نخبة من العلماء‪ ،‬الموسوعة األثرية‪ ،‬ص ‪.318‬‬
‫‪ 3‬ليونال بالو‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.119‬‬

‫‪30‬‬
‫محاضرات في مقياس ما قبل التاريخ الشمال االفريقي‬

‫الموطن األول وصنعوا أدوات صغيرة أكثر دقة وخفة‪ ،‬وهذه المرحلة الثانية هي التي سميت‬
‫بالقفصي األعلى‪ .‬ولتمتين هذه الفرضية كان يجب أن يكون القفصي النموذجي أقدم بطبيعة‬
‫الحال من القفصي األعلى‪ .‬ولكن هناك أعماال أثرية حديثة بينت معاصرة الثاني لألول أو‬
‫تأخره عنه أحيانا‪ ،‬ومن ثم فإنه إذا حافظنا على هذا التمييز بين القفصيتين‪ ،‬فلم يبق لهما نفس‬
‫المدلول‪.1‬‬
‫‪-‬القفصية النموذجية‪ُ :‬وجدت بقاياها في الجنوب القسنطيني والصحراء التي استمر‬
‫استعمالها فيها لمدة أطول‪ ،‬ولم تتطور كثي ار إال في تونس‪ .‬والقاسم المشترك بين الحضارة‬
‫األورغناسية والقفصية النموذجية يتمثل في األزاميل الحادة والشفرات المهذبة الحافة‪ ،‬والمكاشط‬
‫ذات األطراف البارزة في غالبيتها‪ .‬غير أن ذلك ال يجعلنا نهمل وجود األدوات الحجرية الدقيقة‬
‫مثل الشفرات الصغيرة ذات الحواف المهذبة التي يحاكي بعضها األشكال الهندسية لشبه‬
‫المنحرف‪ ،‬وهي تمثل تطو ار كبيرا‪ .‬واذا سلمنا بنتائج الكربون المشع‪ ،‬فإنه يؤرخ للطبقة القفصية‬
‫النموذجية باأللف السابعة قبل الميالد‪ ،‬وربما قبلها بقليل‪.‬‬
‫‪-‬القفصية العليا‪ :‬يعود تصغير األداة الحجرية الكبيرة وصناعة األشكال األخرى سواء‬
‫الهندسية منها أو غير الهندسية إلى مرحلة تطورت فيها الحضارة القفصية النموذجية‪ ،‬ولذلك‬
‫أُطلق على هذه المرحلة "القفصية العليا"‪ .‬وقد كان انتشارها أوسع من األولى‪ ،‬لذلك وجدت‬
‫بقاياها منتشرة عبر الصحراء حتى وادي سوف‪ ،‬ويبدو أن تأثيرها وصل إلى توات (رقان)‪ .‬أما‬
‫في الشمال الغربي فقد وصل تأثير الحضارة القفصية العليا إلى منطقة القبائل‪ ،‬ولم يتم‬
‫االنتشار المشار اليه دون أن يتبعه تنوع األدوات‪ ،‬وفي هذه المرحلة ظهرت سمات بارزة لحياة‬
‫االنسان تتمثل في احتمال بداية جمع الثمار البرية التي تُعتبر مقدمة للزراعة في شمال‬
‫افريقيا‪.1‬‬
‫د‪-‬مواقع الحضارة القفصية‪:‬‬
‫تم تعريف هذه الحضارة في موقع المقطع قرب قفصة‪ ،‬ومن العدد الكبير لمواقعها‬
‫الهامة في الجزائر نجد في اقليم تبسة‪ :‬موقع أرفانة‪ ،‬قلعة المحاد وعين الذكارة‪ .‬ثم موقعي‬
‫‪3‬‬
‫المجزوعين بوشريط في اقليم سطيف‪ .‬وموقع كلومناطة وعين كيدا قرب تيارت‬

‫‪ 1‬ك‪ .‬ابراهيمي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ص ‪.84 ،81‬‬


‫‪ 2‬ليونال بالو‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ص ‪.118 ،116‬‬
‫‪ 3‬ك‪ .‬ابراهيمي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.81‬‬

‫‪31‬‬
‫محاضرات في مقياس ما قبل التاريخ الشمال االفريقي‬

‫الخريطة رقم‪ : 31‬انتشار الحضارتين االبيرومغربية والقفصية في شمال افريقيا‬

‫عن‪ :‬ليونال‪ ،‬بالو‪ ،‬الجزائر في ما قبل التاريخ‪ ،‬ص ‪101‬‬

‫‪32‬‬
‫محاضرات في مقياس ما قبل التاريخ الشمال االفريقي‬

‫المحاضرة التاسعة‪:‬‬
‫االنسان العاقل المغاربي (إنسان مشتى العربي ومشتى أفالو)‬

‫‪ -‬االنسان المشتوي‪:‬‬
‫عرف الشمال االفريقي كغيره من المناطق العديدة في العالم ظهور االنسان العاقل حيث يتوافق‬
‫ميزته حضارتين‬‫هذا النوع البشري مع العصر الحجري القديم المتأخر ( الباليوليتي األعلى) الذي ّ‬
‫متمايزتين هما االبيرومغربية والقفصية‪ ،‬وبهذا فاإلنسان العاقل العاقل ببالد المغرب ينقسم إلى ساللتين‬
‫وفق هاتين الحضارتين‪ ،‬وهما انسان مشتى أفالو أو مشتى العربي‪ ،‬وهو صاحب الحضارة‬
‫االبيرومغربية‪ ،‬والساللة الثانية تعرف بإنسان ما قبل المتوسطي‪ ،‬وهو صاحب الحضارة القفصية‪.1‬‬
‫وسنتحدث أوال عن االنسان االبيرومغربي( أو االبيروموريزي) الذي عاش بشمال افريقيا ما بين‬
‫‪ 11‬ألف و ‪ 8111‬سنة ق‪.‬م‪ ،1‬وجدت بقاياه في مناطق متعددة من بلدان شمال افريقيا‪ ،‬من المحيط‬
‫األطلسي غربا إلى ليبيا شرقا‪ .3‬وقد اعتقد الباحثون أن انسان مشتى العربي غير أصيل وأنه إما قدم‬
‫من أروبا‪ ،‬حيث اجتاز اسبانيا ومضيق جبل طارق حتى ينتشر في نفس الوقت في بالد المغرب وجزر‬
‫الكناري‪ ،‬واما قادم من الشرق‪ ،‬حيث أن أصله كان من االنسان العاقل الذي ظهر في فلسطين‪ ،‬وأنه‬
‫من هذا المحيط األصلي (فلسطين) قد انطلقت هجرتين‪ ،‬إحداها فرع أوربي قد أعطى انسان‬
‫كرومانيون‪ ،‬وفرع افريقي نتج عنه انسان مشتى العربي‪ ،4‬وبالتالي يالحظ منذ ذاك تناوب األصل‬
‫الشرقي واألصل األوربي في الروايات والفرضيات المقدمة حول أصول سكان بالد المغرب‪.‬‬
‫في فحصهم لهذه النظرية‪ ،‬وجد الباحثون بأن جماجم الباليوليتي األعلى في أوربا (كرومانيون)‬
‫لها صفات أقل وضوحا من خلفائهم المفترضين في بالد المغرب‪ ،‬وأن نفس الحجة يمكنها أن تعترض‬
‫أصول االنسان المشتوي العائدة إلى الشرق األوسط‪ ،‬إذ ال يوجد أي أثر أنتروبولوجي بين فلسطين‬
‫وتونس يمكنه تدعيم هذا الرأي‪ ،‬كما أن سكان الشرق األوسط أواخر العصر الحجري القديم األعلى هم‬
‫الناطوفيون من صنف الفجر متوسطي‪ ،‬الذين يختلفون تماما عن انسان المشتى‪ ،‬وبهذا ال يمكن تفسير‬
‫ما إن كان لهذا األخير (انسان المشتى) انحدار شرق أوسطي بأن يكون أسالفهم قد غادروا كلية هذه‬
‫المناطق دون أن يتركوا أدنى أثر من الناحية االنتروبولوجية‪.5‬‬

‫‪ 1‬محمد‪ ،‬سحنوني‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.66‬‬


‫‪J. Desange, « les proto berbères »,Histoire générale de l’Afrique , T. II. Afrique ancienne, 2‬‬
‫‪Unesco/ NEA, 1989, p. 453-454‬‬
‫‪ 3‬مصطفى أعشي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.16‬‬
‫‪Camps. G, les Berbères mémoire et identité, p.54. 4‬‬
‫‪ 5‬محمد الهادي‪ ،‬حارش‪ " :‬أصول البربر من خالل معطيات ماقبل التاريخ والنصوص القديمة"‪ ،‬حولية المؤرخ‪ ،‬ع‪ ،6‬إصدار‬
‫اتحاد المؤرخين الجزائريين‪ ،‬جويلية ‪ ،1115‬الجزائر‪.‬ص ‪.41-41‬‬

‫‪33‬‬
‫محاضرات في مقياس ما قبل التاريخ الشمال االفريقي‬

‫ويبقى إذن األصل المحلي هو األرجح إلنسان مشتى العربي‪ ،‬فالواضح اليوم ومنذ اكتشاف‬
‫االنسان العاتري (دار السلطان)‪ ،‬أن االنتروبولوجيون المختصون بالشمال االفريقي قد اعترفوا اليوم‬
‫ببنوة مباشرة مستمرة‪ ،‬منذ النياندرتاليين المغاربة (انسان جبل ارحود) إلى جماجم انسان مشتى العربي‪.‬‬
‫فاإلنسان العاتري لدار السلطان سيكون الوسيط بينهما‪ ،‬مع تلقيه لخصائص االنسان العاقل العاقل‪.‬‬
‫ورغم أن انسان مشتى العربي قد اختفى تدريجيا أمام بشر آخرين (الفجر متوسطيون القفصيون) إال أن‬
‫اختفاءه لم يكن تاما‪ ،‬حيث التزال توجد نسبة ‪ %8‬من ساللة مشتى العربي من بين الجماجم المحتفظة‬
‫لهياكل فجر تاريخية وبونية‪ ،‬وحتى من الفترة الرومانية ببالد المغرب‪ ،‬مما يرجح وضع انسان مشتى‬
‫العربي من بين األجداد المباشرين لسكان الشمال االفريقي (البربر)‪ .1‬هذا عن الساللة األولى التي‬
‫ميزت الباليوليتي األعلى المتأخر في بالد المغرب‪ ،‬أما الساللة الثاني فهي االنسان القفصي‪.‬‬

‫صورة رقم‪ :13‬جزء من جمجمة االنسان العاقل العاقل‪ ،‬دار السلطان ‪، 2‬‬
‫الرباط (الحضارة االبيروموريزية) ( متحف اآلثار‪ ،‬الرباط)‬

‫‪Camps. G, Op. Cit, p p. 55, 56. 1‬‬


‫‪34‬‬
‫محاضرات في مقياس ما قبل التاريخ الشمال االفريقي‬

‫المحاضرة العاشرة‪:‬‬
‫االنسان الفجر متوسطي )‪(l’hommme Proto-Méditerranéen‬‬

‫‪ -‬الفجر متوسطيون القفصيون‪:‬‬


‫رغم أن الهياكل العظمية المكتشفة بالمواقع القفصية لم تحظ بمواصفة دقيقة‪ ،‬إال أن القفصيين‬
‫ينتسبون‪ ،‬مثل انسان المشتى‪ ،‬إلى االنسان العاقل‪ ،‬لكنهم من ساللة مغايرة لساللة االنسان المشتوي‪.‬‬
‫وبناءا على البيئة العامة لهياكلهم العظمية‪ ،‬فإنهم يقتربون من المتوسطيين الحاليين‪ ،‬ولهذا أطلق عليهم‬
‫اسم أوائل المتوسطيين‪ . 1‬إذ نالحظ أنه انطالقا من األلف الثامنة قبل الميالد‪ ،‬قد ظهر بالجزء الشرقي‬
‫من بالد المغرب هذا النوع الجديد من االنسان العاقل الذي تأهل إلى الفجر متوسطي‪ ،‬قد أخذ مكان‬
‫انسان مشتى العربي تدريجيا‪ ،‬إذ ظهروا أوال في الشرق‪ ،‬في حين أن الجزء الغربي من بالد المغرب‬
‫كان اليزال يغلب عليه انسان المشتى‪ ،‬لكن هذا التطور لإلنسان القفصي من الشرق إلى الغرب‪ ،‬أدى‬
‫بالباحثين إلى القول بضرورة البحث هناك على حدود بالد المغرب الشرقية عن أصل هذا النوع الفجر‬
‫متوسطي‪ ،‬إذ اتفق جمع من المختصين على االعتراف بقدومه من الشرق األدنى‪ ، 1‬أومن النيل‬
‫خصوصا‪ ، 3‬لكن هذا لم يمنع بعض األصوات من إعطاء وجهة نظر جديدة حول أصله‪ ،‬أكثر اتساقا‪،‬‬
‫عن طريق الحضور المنهجي ألشخاص ذوو خصائص مشتوية في عدة مواقع قفصية‪ ،‬مما أدى إلى‬
‫القول بفرضية األصل المحلي للقفصيين‪ ،‬والتي تجعل االبيروموريزيين أجدادهم المباشرين‪ . 4‬والى هذا‬
‫نضيف بأنه ال توجد قطيعة أنتروبولوجية بين النيوليتي ما بعد القفصي (‪ )Post-capsien‬والعصور‬
‫التاريخية‪ . 5‬فالقفصيون هم في األغلب يتوضعون في أصل االثنية البربرية نتيجة عوامل أنتروبولوجية‬
‫وثقافية متنوعة‪ ، 6‬وكذلك نتيجة بقايا آثارهم ومقابرهم التي وجدت في عدة مناطق‪.‬‬

‫‪ " ‬أظهرت مقارنة النوعين‪ ،‬إنسان المشتى وأوائل المتوسطيين بعض االختالفات‪ ،‬فاإلنسان القفصي أقل خشونة وبدائية في‬
‫مجموعه من قريبه االيبيرومغربي‪ ،‬ذلك أن النتوءات العظمية التي تتعلق بها العضالت في الرقبة وعلى الفكين اقل قوة‪ ،‬ومحيط‬
‫الجمجمة فيه إهليلجي الشكل‪ ،‬بينما الوجه أكثر استقامة واستدارة" (للمزيد انظر‪ :‬ك‪ ،‬ابراهيمي‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ .87‬محمد‪،‬‬
‫سحنوني‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.)69‬‬
‫‪ 1‬ك‪ ،‬ابراهيمي‪ :‬نفسه‪ ،‬ص ‪.86‬‬
‫‪G. Camps, Op. Cit, p. 57 2‬‬
‫‪Malika. Hachid, les premiers Berbères entre méditerranée. Tassili et Nil, éd. In-Yas, Alger, 3‬‬
‫‪2001,p. 26.‬‬
‫‪Jorge Onrubia. Pintado, « les premiers berbérophones : linguistique, génétique, anthropologie, 4‬‬
‫‪ ، archéologie »,‬تاريخ األمازيغ‪ ،‬الندوة الدولية حول تاريخ األمازيغ‪ ،‬ج‪ ،1‬دار أبي رقراق للطباعة والنشر‪ ،‬أكادير‪-‬المملكة‬
‫المغربية‪ ،1111 ،‬ص ‪.51‬‬
‫‪G. Camps, Monuments et rites funéraires protohistoriques, Monuments et rites funéraires 5‬‬
‫‪protohistoriques, éd. S. A. P. H. O, Paris, 1962. p. 32‬‬
‫‪M. Hachid, Op. Cit, p. 26 .‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪35‬‬
‫محاضرات في مقياس ما قبل التاريخ الشمال االفريقي‬

‫صورة رقم‪ :11‬جمجمة االنسان العاقل العاقل‪،‬‬


‫المقبرة النيوليتية بالصخيرات ‪ 0033‬ق‪.‬م‬

‫( متحف اآلثار‪ ،‬الرباط)‬

‫‪36‬‬
‫محاضرات في مقياس ما قبل التاريخ الشمال االفريقي‬

‫المحاضرة الحادية عشر‪:‬‬


‫حضارات العصر الحجري الحديث في شمال افريقيا‬

‫‪-0‬تعريف النيوليتي‪:‬‬
‫سمي النيوليتي بالثورة االنتاجية األولى ألن االنسان أصبح ألول مرة منتجا للطعام بعد أن كان‬
‫مجرد مستهلك له‪ ،‬وهذه الخطوة الهامة من تاريخ البشرية نقلت االنسان من حياة االنتقال والسعي وراء‬
‫حيوانات الصيد أو بحثا عن الثمار يلتقطها‪ ،‬إلى حياة تتسم باالستقرار والتجمع في قرى واالرتباط‬
‫باألرض والزراعة والري‪ ،‬والتعاون من أجل البقاء‪ .‬أو نقلته إلى حياة بدوية منظمة يرعى فيها حيوانا‬
‫معينا اختاره‪ .‬ولم يقتصر التطور الذي حدث في النيوليتي على التحول من حياة االرتحال والتنقل إلى‬
‫االستقرار فحسب‪ ،‬بل شمل أيضا تغيي ار جذريا في األدوات واألشياء التي ظهرت أو تطورت في هذا‬
‫العصر لتالئم طبيعة المجتمع الجديد المرتبطة بزراعة األرض وحصد الزرع‪ ،‬وشق الترع وبناء الجسور‬
‫واالستقرار‪.1‬‬
‫ويعني االستقرار بناء المساكن والقرى‪ ،‬وقد حقق االنسان في هذا العصر مكاسب هامة انتفعت‬
‫بها البشرية جمعاء‪ ،‬منها مكسب تقني تمثل في السيطرة المثلى على مادة الصوان وصناعة أدق‬
‫األدوات الحجرية وأكثرها تنوعا وفعالية‪ ،‬من رؤوس السهام البالغة الدقة والجمال‪ ،‬إلى المخارز الصغيرة‬
‫جدا والدقيقة‪ ،‬وكأنها أدوات جراحة وتشريح طبي‪ ،‬وهو ما ُعرف بالصناعة القزمية‪ .‬اضافة إلى تطويع‬
‫الصناعة الحجرية والسيطرة على تقنياتها‪.‬‬
‫وتجدر االشارة إلى أن هذه التطورات الهامة لم تحدث لدى جميع البشر المنتشرين في شتى‬
‫أصقاع العالم في آن واحد‪ ،‬فقد بينت المكتشفات األثرية أن ذلك التقدم قد حدث بشكل متفاوت زمنيا‬
‫بين منطقة وأخرى‪ ،‬وقد كانت بالد المشرق أبكر المناطق التي شهدت ميالد ثورة النيوليتي‪ ،‬حيث ُعثر‬
‫هناك على شواهد األدوات المستعملة في النشاط الزراعي‪ ،‬كالمناجل التي تعود إلى األلف الثامنة قبل‬
‫الميالد‪ ،‬كما ُعثر على بقايا حبوب زراعية (أنواع من القمح) باكرة جدا ومزامنة ألدوات الزراعة‬
‫المكتشفة هناك‪ ،‬وكذا آثار القرى الزراعية الباكرة في المناطق التي شهدت ميالد الزراعة‪.‬‬
‫وقد رصد علماء ما قبل التاريخ عملية انتشار التأثيرات النيوليتية في حوض البحر المتوسط‪،‬‬
‫فوجدوا أنها انطلقت من الشرق عبر طريقين‪ :‬أحدهما بالد األناضول ثم شرق أوربا فغربها عبر ضفاف‬
‫األنهار مثل الدانوب‪ ،‬واآلخر عبر مصر والصحراء وبالد السودان‪ ،‬ومنه إلى شمال افريقيا‪ .‬لكن‬
‫الطريق األخير كان أكثر تسارعا النتقال التأثيرات النيوليتية‪ ،‬حيث وصل إلى جنوب الجزائر خالل‬

‫‪ 1‬هاوكس ول‪ .‬وولي‪ ،‬ماقبل التاريخ وبدايات المدنية (أضواء على العصر الحجري الحديث)‪ ،‬ترجمة يسري الجوهري‪ ،‬دار‬
‫المعارف‪ ،‬ص ص ‪.19 ،18‬‬

‫‪37‬‬
‫محاضرات في مقياس ما قبل التاريخ الشمال االفريقي‬

‫األلف الثامنة قبل الميالد‪ ،‬بينما لم يصل التيار النيوليتي األول إلى جنوب فرنسا سوى في األلف‬
‫ويعتقد أن جنوبي ايطاليا واسبانيا تبادلتا التأثير النيوليتي مع شمال افريقيا عبر‬
‫الرابعة قبل الميالد‪ُ .‬‬
‫طرفيها (اقليما تونس وطنجة)‪.1‬‬
‫‪-9‬نيوليتي شمال افريقيا‪:‬‬
‫ظهرت في الجزائر الشمالية والجنوبية خالل أزمنة مختلفة حضارة جديدة‪ ،‬هي حضارة النيولتي‬
‫التي أحدثت تغيي ار واضحا في أساليب معيشة السكان‪ ،‬كما تعد ابتكاراتها في المجال التقني وفي‬
‫أساليب استحصال الغذاء ثورات حقيقية وضعت قواعد للمجتمعات الريفية المغربية‪ ،‬دامت عصو ار‬
‫عديدة‪ .‬إن هذه المرحلة الطويلة التي بدأت في الصحراء في فجر األلف السابع قبل الميالد وامتدت‬
‫حتى األلف الثانية قبل الميالد‪ ،‬قد شهدت تبدالت مناخية كبيرة المدى وقعت في أصقاع الصحراء‬
‫الواسعة‪ .‬ورغم أن عوامل هذه التبدالت غير معروفة إال أنه من الواضح أن النيوليتي قد عاصر في‬
‫الصحراء مرحلة رطبة أخيرة قبل أن يعم الجفاف شبه الكامل البالد الواقعة جنوبي األطلس‪ ،‬ويجب‬
‫إذن أن نأخذ بعين االعتبار هذا التبدل المناخي فيما إذا أردنا فهم االزدهار الحضاري الذي تم في‬
‫مجاالت جغرافية تخلو اليوم من البشر‪ .‬وقد كانت الجزائر الشمالية والصحراء عندئذ تكونان مقاطعتين‬
‫متباينتين من حيث السكان والطابع الحضاري‪ ،‬وهو ما يحتم النظر في التغير الحادث في مجال‬
‫األدوات ووسائل االستعمال اليومي من زاوية تقسيم جغرافي وتكنولوجي‪ ،‬إذ أن ثورات النيوليتي لم‬
‫تشمل هذه المنطقة في فترة واحدة وال بكيفيات موحدة‪.1‬‬
‫‪ -‬دالئل بداية الزراعة في شمال افريقيا‪:‬‬
‫تشير األبحاث األثرية أم شمال افريقيا قد عرفت الزراعة قبل أوربا‪ ،‬أي منذ حوالي ‪ 9‬آالف سنة‬
‫ق‪.‬م‪ ،‬وهناك أدلة أثرية ونباتية على صعيد الزراعة وتربية الماشية وممارستهم لها‪ ،‬منها المكتشفات‬
‫الخاصة بالعديد من أدوات الحرث والحصاد التي خلفها إنسان الحضارة االبيرومغربية والقفصية منذ‬
‫أكثر من ‪ 11‬ألف سنة ق‪.‬م‪ .‬ومن المؤشرات األثرية على معرفة انسان الشمال االفريقي بالزراعة‬
‫العثور على الكرات المثقوبة ‪ ، (les boules de pierres)3‬المكتشفة في عديد المواقع القفصية‬
‫والنيوليتية مثل مواقع‪ :‬الرديف وكاف لعقاب بتونس‪ ،‬وكذا كهف األروية‪ ،‬وكهف بوزباوين‪ ،‬كهف واد‬
‫الكرمة‪ ،‬القليعة بالصحراء‪ ،‬حاسي الحميدة (الصحراء)‪ .‬هذه الكويرات الحجرية عموما ناد ار ما تكون‬
‫كمثرية الشكل‪ ،‬يمكن أن تستعمل في وظائف مختلفة‪ ،‬وهي خفيفة جدا ومن أحجار جيرية ال يمكن‬
‫الطرق‪ ،‬وتُتخذ للتعليق‪ .‬كما ُوجدت من بين األدوات الدالة على ممارسة باكرة‬
‫استعمالها في أشغال ْ‬
‫عصي ح ْفر تسمى "‪ " Digging-Stick‬نهايتها العليا مزودة بكويرة حجرية‪ ،‬بحيث تسمح‬
‫ّ‬ ‫للزراعة‬

‫‪ 1‬محمد البشير شنيتي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.11‬‬


‫‪ 2‬ك‪ .‬ابراهيمي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.113‬‬
‫‪ 3‬مصطفى أعشي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.17‬‬

‫‪38‬‬
‫محاضرات في مقياس ما قبل التاريخ الشمال االفريقي‬

‫بالتركيز عند غرزها في التربة‪ .‬يمكن اعتبار كوي ارت الديقينق ستيك الحقيقية التي استعملها القفصيون‬
‫وخلفاؤهم النيوليتيون دليال على إرهاصات زراعة وأنها كانت أدوات لتهيئة التربة المحيطة بالنباتات‬
‫المفيدة‪ .‬ويرى كامبس أنه زيادة على استعمالها في قلع الجذور المفيدة غذائيا‪ ،‬يمكن استعمالها في فتح‬
‫أوكار وأعشاش الحيوانات التي تكون مملوءة بالبذور الصالحة لألكل‪.‬‬
‫هذا عن الكويرات المثقوبة‪ ،‬وهناك أدوات أخرى تشير إلى ممارس الزراعة منذ وقت مبكر‪ ،‬وهي‬
‫المناجل‪ ،‬حيث اُكنشف أول منجل في مغارة البوليقون بوهران في الطبقة النيوليتية‪ ،‬وكذا مطاحن‬
‫ومطارق وفؤوس‪ .‬فالمطاحن المكتشفة في عدد معتبر من مواقع ما قبل التاريخ وعلى الخصوص في‬
‫محطات نيوليتية منسوبة لطحن الحبوب‪ ،‬مع أنها تبدو في مجموعها –حسب كامبس‪ -‬أصغر من‬
‫الحجم الذي يتطلبه استعمالها في هذا العمل‪ ،‬غير أن المطاحن الصحراوية التي تعود تقليديا الى‬
‫النيوليتي هي األفضل وهي قريبة من التي ال تزال مستعملة حاليا‪.1‬‬
‫‪-3‬أدوات النيوليتي بشمال افريقيا‪:‬‬
‫أوال –األدوات‪:‬‬
‫سجلت تقنيات صناعة األدوات الحجرية خالل النيوليتي تطو ار في مجال الصقل‪ ،‬حقيقة أن‬
‫صناع ما قبل التاريخ قد صقلوا العظم وربما الحجارة أيضا قبل النيوليتي‪ ،‬لكن تقنية الصقل لم تحظ‬
‫ّ‬
‫لديهم باألهمية التي ستكون لها في النيوليتي‪ .‬لقد برزت هذه التقنية الجديدة في صناعة أدوات تسمى‬
‫بالفؤوس والبليطات التي كان الصقل يتناول جميع جوانبها أو بعضا منها‪ ،‬وهي أدوات تنتهي بحد‬
‫قاطع‪ ،‬غير أننا ال ندري فيما إذا كانت وظيفة تلك األدوات تماثل وظيفة القطاعات والبليطات‬
‫الحالية‪.1‬‬
‫وقد تتضح معالم النيوليتي في شمال افريقيا أكثر منذ نهاية األلف الرابعة قبل الميالد‪ ،‬ومن جهة‬
‫أخرى توجد تأثيرات العصر الحجري ممتزجة بالحضارة القفصية المتطورة في مناطقها األصلية‪ ،‬حيث‬
‫يظهر ذلك في مالجئ السكن‪ ،‬ال سيما في موقع الداموس األحمر بالقرب من تبسة‪ .‬ولم تستعمل‬
‫المطاحن والمهاريس فقط لطحن األلوان المستعملة بدون شك في طالء األجسام البشرية‪ ،‬بل أيضا‬
‫اُستعملت في سحق الحبوب البرية‪ .‬أما بيض النعام الذي زّين في بعض األحيان بشرائط هاللية أو‬
‫بحزوز فقد واجه خالل النيوليتي منافسا له في الوظيفة يتمثل في الفخار الخشن‪ .‬كما تطورت في تلك‬
‫الفترة الصناعة العظمية بحيث شملت رؤوس السهام ذات الثقب إلى جانب األدوات المثقوبة األخرى‬
‫التي ُوجدت لها أمثلة في مغارة بوزباوين بالقرب من عين مليلة‪ ،‬وهي محفوظة في متحف قسنطينة‪.3‬‬

‫‪ 1‬غابلاير كامبس‪ ،‬في أصول بالد البربر ماسينيسا أو بدايات التاريخ‪ ،‬ترجمة وتحقيق محمد العربي عقون‪ ،‬منشورات المجلس‬
‫األعلى للغة العربية‪ ،‬الجزائر‪ ،1111 ،‬ص ‪.81‬‬
‫‪ 2‬ك‪ .‬ابراهيمي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.113‬‬
‫‪ 3‬ليونال بالو‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.135‬‬

‫‪39‬‬
‫محاضرات في مقياس ما قبل التاريخ الشمال االفريقي‬

‫صورة رقم‪ :12‬مطاحن نيوليتية‪ ،‬التاسيلي نزجر‬

‫(متحف الحظيرة الثقافية الوطنية للتاسيلي نزجر)‬

‫ثانيا‪ -‬صناعة الفخار‪:‬‬


‫إن من الدالئل األثرية على االستقرار وممارسة الزراعة بالشمال االفريقي‪ ،‬وجود الفخار في عدة‬
‫مواقع من هذه المنطقة‪ ،‬حيث نجده منتش ار في المغرب قرب الرباط‪ ،‬ومغارة العالية قرب طنجة‪ ،‬وهذا‬
‫دليل على استعماله في خزن المواد الغائية‪ ،‬فالمعروف لدى المختصين أن الزراعة والفخار متالزمان‬
‫ومرتبطان بينهما‪ ،‬ذلك أن انتاج الفخار مطلب االستقرار‪ ،‬والزراعة تعني كذلك االستقرار‪.1‬‬
‫واذا ألقينا نظرة عن بداية صناعة الفخار‪ ،‬نجد بأن البشر قد توصلوا ألول مرة خالل العصر‬
‫الحجري الحديث إلى صنع أواني توضع على النار دون أن تتحطم واستخدموا لهذا الغرض الطين‪،‬‬
‫وهو مادة تتصف بالليونة والمقاومة‪ .‬وهناك ثالث طرق شاعت في صناعة األواني الفخارية أثناء‬
‫النيوليتي هي‪:‬‬
‫صنعت بعض األواني اعتمادا على تقنية الحماميات‪ ،‬حيث كان الصانع يشكل أسطوانة‬ ‫‪ُ -‬‬
‫رقيقة من الطين‪ ،‬ثم يمطلها ويعطي لها شكال حلزونيا كي تكون جسم إناء‪.‬‬
‫‪-‬القولبة‪ ،‬وتتمثل في تغطية القالب (حبة قرع‪ ،‬بيضة نعام) بالطين‪ ،‬فيعطي القالب شكله لإلناء‪.‬‬
‫‪-‬طريقة الطرق‪ ،‬وتتطلب استعمال حصاة كمطرقة تُطرق بها كرة الطين حتى تعطي الشكل‬
‫المرغوب‪ ،‬ومفهوم أن داخل االناء هو الذي ُيطرق بهذه الكيفية‪.‬‬
‫تأتي بعد ذلك عملية زخرفة االناء والطين ال يزال مرنا قبل ان ُيشوى‪ ،‬باستخدام أدوات كالمكشط‬
‫(أدوات ذات أسنان)‪ ،‬والمسواط ( يمثل نهاية مستوية حادة)‪ ،‬وكذا المثاقب واالسفينات‪.1‬‬
‫‪-3‬تقسيمات النيوليتي بشمال افريقيا‪:‬‬

‫‪ 1‬أعشي مصطفى‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.18‬‬


‫‪ 2‬ك‪ .‬أبراهيمي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.116‬‬

‫‪40‬‬
‫محاضرات في مقياس ما قبل التاريخ الشمال االفريقي‬

‫يظهر النيوليتي في الشمال االفريقي في شكل ثالث نماذج متمايزة فيما بينها على أساس‬
‫المنطقة الجغرافية التي يقوم فيها‪ ،‬ففي الساحل المتوسطي نشأ نيوليتي متأثر بالنيوليتي في أوربا‪ ،‬وفي‬
‫المناطق الداخلية انتشر نيوليتي قائم على عناصر الحضارة القفصية‪ ،‬وفي الصحراء نشأ النيوليتي‬
‫الصحراوي السوداني‪.‬‬
‫أ‪-‬النيوليتي الساحلي (المتوسطي)‪:‬‬
‫سجلت عدة تأثيرات نيوليتية على الساحل المغاربي تظهر آثارها خاصة في الجهة الغربية‬
‫بشواطئ المغرب األقصى القريبة من اسبانيا‪ ،‬وفي الجهة الشرقية بالشواطئ التونسية المقابلة للجزر‬
‫االيطالية‪.‬‬
‫بالنسبة للتأثيرات الغربية‪ ،‬نجد آثارها تكمن في العثور على بقايا فخارية التي تميز حضارة‬
‫الكارديال المنتشرة في جنوب أوربا في موقعين للنيوليتي بالمغرب األقصى‪ ،‬الموقع األول أشاقار قرب‬
‫طنجة‪ ،‬والثاني موقع غار كحال قرب سبتة‪ .‬تتميز األواني الفخارية في هذا االقليم بالشكل الشبه‬
‫الدائري ذو فتحة كبيرة مع اختناق‪ ،‬وشكل آخر قاعدته مخروطية‪ ،‬أما الزخارف فنجدها في ثالث‬
‫أنواع‪ :‬يتميز النوع األول في ان زخارفه تغطي أكبر مساحة ممكنة لآلنية برسومات حزامية‪ ،‬والنوع‬
‫الثاني يتميز بزخارف متناوبة‪ ،‬وأما الثالث فيتميز بزخارف متنوعة بإضافة أحزمة وحبات من‬
‫الصلصال‪.‬‬
‫وبالنسبة للتأثيرات الشرقية‪ ،‬فإن أثارها موجودة بالسواحل الشرقية لغرب المتوسط القريبة من‬
‫الجزر االيطالية‪ ،‬مثل موقع قربة وهرجلة‪ ،‬وجبل الذيب بتونس وكذلك بالقالة بالجزائر‪ .‬تكمن تأثيراته‬
‫في العثور على صناعة حجرية نيوليتية مشكلة من مادة السبج المنعدمة تماما على سواحل الجزائر‬
‫وتونس‪ ،‬حيث يحتمل المختصون وصولها من الجزر االيطالية‪.‬‬
‫وعلى العموم فإن المحتوى المادي للنيوليتي الساحلي يتركب من العناصر التالية‪:‬‬
‫‪-‬قلة األدوات الحجرية التي تتميز بكثرة الحزات والمسننات ونسبة متوسطة من المحكات‬
‫والنصيالت ذات الظهر‪ ،‬وندرة الحجر قزميات الهندسية‪ ،‬وقلة الفؤوس المصقولة ورؤوس السهام‪.‬‬
‫‪-‬بقايا فخارية من نمط الكارديال األوربي األصل‬
‫‪1‬‬
‫‪-‬صناعة عظمية ‪ ،‬وكذا الحلي‬
‫ب‪-‬النيوليتي ذو التأثير القفصي‪:‬‬
‫عرف االستاذ فوفري النيوليتي ذو التأثير القفصي سنة ‪1933‬م بأنه ينتشر في المناطق الداخلية‬
‫ّ‬
‫ويتميز باحتوائه على صناعة حجرية تتصف باالختفاء الكلي لما يشبه الصناعة القفصية النموذجية‬

‫‪ 1‬محمد سحنوني‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ص ‪.119 ،118‬‬

‫‪41‬‬
‫محاضرات في مقياس ما قبل التاريخ الشمال االفريقي‬

‫خاصة منها الرؤوس ذات الظهر والمحتات‪ .‬ويوجد بعض الحجر قزميات الهندسية وظهور رؤوس‬
‫السهام خاصة منها الرأس ذو االوجهين‪ .‬ولم يعثر الباحث على أدوات مصقولة او بقايا فخارية‪.‬‬
‫وفي سنة ‪ 1976‬م نشرت الباحثة ك‪ .‬روبيه دراسة جديدة للنيوليتي ذو التأثير القفصي بإجرائها‬
‫عرفت من جديد النيوليتي‪ .‬فمن جانب‬
‫حفريتين في موقعي الداموس األحمر وكهف كبيلتي باألوراس ّ‬
‫التقليد القفصي‪ ،‬هذا النيوليتي يتميز بصناعة حجرية مكونة من النصال والنصيالت ذات الظهر‬
‫والمحكات والحزات والمسننات والحجر قزميات الهندسية‪ ،‬باإلضافة إلى بعض أدوات الطحن‪ ،‬وفيما‬
‫يتعلق بالصناعة العظمية يتميز باألدوات المصقولة والقاطعة والثاقبة‪ ،‬وتحتوي كذلك أواني بيض النعام‬
‫وبعض الحلي المشكلة من العظام واستعمال المغرة في التزيين‪.‬‬
‫ينتشر النيوليتي ذو التأثير القفصي في عدة مناطق من الصحراء (الصحراء الشرقية والشمالية‬
‫والغربية)‪ ،‬ففي الصحراء الشرقية يطلق على هذا النيوليتي ذو الوجه الصحراوي الشرقي‪ ،‬ويضم المواقع‬
‫النيوليتية الواقعة جنوب المنطقة القفصية أهمها‪ :‬عين قطارة‪ ،‬حاسي المويلح ومواقع منطقة ورقلة‪.‬‬
‫تصادف بدايته األلف الرابع ويحتوي على صناعة ذو طابع ما بعد الباليوليتي تشبه إلى حد قريب‬
‫الصناعة القفصية‪ ،‬ويتميز بقلة الفخار‪ ،‬فاألواني مخروطية الشكل والزخارف تؤكد استعمال المشط‪.‬‬
‫أما في الصحراء الشمالية الغربية‪ ،‬فيظهر النيوليتي ذو التأثير القفصي في عدة مواقع من‬
‫أهمها‪ :‬حاسي مندة وزميلة البركة وواد زقاق‪ ،‬ويؤرخ بحوالي من ‪ 4811-5711‬سنة ق‪.‬م‪ .‬ويتميز‬
‫بصناعة حجرية تحتوي على نصيالت ذات الظهر والمحتات القزمية والحجر قزميات الهندسية‪ .‬ويتميز‬
‫كذلك بندرة البقايا الفخارية وكثرة بيض النعام‪.1‬‬
‫ج‪-‬النيوليتي الصحراوي السوداني‪:‬‬
‫يتمركز النيوليتي الصحراوي السوداني في أعماق الصحراء‪ ،‬وكان يسمى بالنيوليتي ذو التأثير‬
‫السوداني ألنه كان يعتقد أن أصله سوداني بنواحي الخرطوم‪ ،‬لكن اقترح كامبس تغيير التسمية على‬
‫اثر دراسته لبعض المواقع التابعة لهذا النيوليتي وخاصة منها موقع أميكني بالهقار‪ ،‬وقد بينت أبحاثه‬
‫التشابه الموجود بين النيوليتي في الصحراء وفي السودان وتزامنهما ومنه استحالة تأثر النيوليتي‬
‫الصحراوي السوداني‪ .‬والجدير بالذكر أن بيئة الصحراء تختلف اليوم عما كانت عليه خالل فترات‬
‫العصر الحجري الحديث‪ ،‬إذ كانت فيها شبكة من المياه المنظمة بواسطة جريان األودية العديدة‪ ،‬مثل‬
‫واد تفاساست الذي كان يجري حتى منطقة التشاد‪.‬‬
‫ونظ ار التساع الرقعة الجغرافية التي انتشر فيها النيوليتي الصحراوي السوداني‪ ،‬فإنه يتكون من‬
‫‪ 4‬أقسام هي‪ :‬النيوليتي الصحراوي السوداني للهقار ثم أدرار ايفوراس والتلمسي‪ ،‬ثم التينيري‪ ،‬وأخي ار‬
‫النيوليتي الصحراوي السوداني للصحراء الغربية‪ .‬وألن النيوليتي الصحراوي السوداني للهقار غني‬

‫‪ 1‬محمد سحنوني‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ص ‪.131 ،131‬‬

‫‪42‬‬
‫محاضرات في مقياس ما قبل التاريخ الشمال االفريقي‬

‫بالمواقع التي تحتوي على معطيات تلم بجميع ظواهر العصر الحجري الحديث في الصحراء‪ ،‬فإننا‬
‫سنعطي لمحة عنه‪.‬‬
‫‪-‬النيوليتي الصحراوي السوداني للهقار‪:‬‬
‫من أهم المواقع التي تنتمي اليه موقع أميكني‪ ،‬منيت ثم أدرار تيووين‪ ،‬ومواقع أخرى قرب‬
‫تمنراست‪ .‬من أهم خصائص الصناعة الحجرية لهذا النيوليتي هو قلتها ورداءتها‪ ،‬بسبب رداءة المادة‬
‫األولية المتوفرة في هذا المحيط كونها تنتمي إلى الصخور البركانية مثل البازلت والريوليت والكوارتز‪.‬‬
‫أما أدواتها فتتمثل في‪:‬‬
‫‪-‬تمثل األدوات ذات الظهر ربع(‪ )4/1‬صناعة هذا النيوليتي‬
‫‪-‬احتوائه على رؤوس سهام وصناعة حصوية وافتقارها للمحكات والحجر قزميات الهندسية‬
‫‪-‬احتوائه على أدوات طحن ومدقات وأداة كروية والمصاقل‪.‬‬
‫أما بالنسبة للصناعة العظمية والحلي‪ ،‬فهذا النيوليتي غني بها‪ ،‬مثل الخناجر والمخارز‬
‫والمصاقل والمقطع‪ ،‬ويحتوي حليه على بعض حبات العقيق‪ .‬وهناك صناعة مهمة لهذا النيوليتي وهي‬
‫صناعة الفخار‪ ،‬فالفخار مشكل بعجينة صلبة ويحتوي مثبت الكوارتز‪ ،‬أما أشكاله فنميز فيها ‪ 3‬أنواع‬
‫رئيسية له‪ ،‬يتمثل النوع األول في ايواء كبيرة بفتحة كبيرة‪ ،‬وجسم اآلنية ينتهي بشارب رقيق‪ ،‬والنوع‬
‫الثاني عبارة عن ايواء ذو جانبين مستقيمين بقاعدة نصف دائرية يصل قطرها أحيانا إلى ‪ 51‬سم‪،‬‬
‫والنوع األخير هو عبارة عن أسطوان قاعدته نصف دائرية وقليل الحجم بالمقارنة مع حجم النوعين‬
‫األولين‪ .‬وقد نفذت الزخارف بطريقتين‪ ،‬تدعى األولى طريقة الطبع والثانية الرشم‪ ،‬وشكل الزخارف‬
‫الكثيرة الرواج هي‪ dotted wayline :‬وهي عبارة عن خطوط مموجة ومنقطة‪.1‬‬

‫‪ 1‬محمد سحنوني‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ص ‪.133 ،131‬‬

‫‪43‬‬
‫محاضرات في مقياس ما قبل التاريخ الشمال االفريقي‬

‫المحاضرة الثانية عشر‪:‬‬


‫الفن‪ ،‬الحياة االجتماعية واالقتصادية في الصحراء ( الهقار‪ ،‬التاسيلي نزجر‪ ،‬األطلس‬
‫الصحراوي)‬
‫‪-0‬الفن الصخري‪:‬‬
‫‪ /0-0‬تعريفه‪ ،‬موضوعاته ومجال انتشاره‪:‬‬
‫ابتداء من العهد‬
‫ً‬ ‫أخذ االنسان يميز تدريجيا بين حاجاته المادية المعاشية وحاجاته المعنوية‬
‫القفصي‪ ،‬حيث لوحظ بروز مساهمة االنسان القفصي في تطور حضارة ما قبل التاريخ في مجال الفن‪،‬‬
‫أين تجلى ذلك في زخرفة األدوات العظمية المصقولة وقشور بيض النعام‪ ،‬وهو ما يدل على شيوع‬
‫ظاهرة تذوق الجمال لدى أولئك البشر‪ .‬فقد وقّع فنان تلك الفترة على سطوح األدوات العظمية تزيينات‬
‫في شكل حزات متوازية ومتعامدة أو مائلة أو منكسرة أو منحنية‪ ،‬واستخدم الرسام ألوانا لتعتيم خطوط‬
‫رسومه‪ ،‬ومنها المغرة الحمراء‪ ،‬وذلك بطلي األجزاء المرغوبة من المشهد إلبراز تفاصيل األشكال‬
‫المطلوبة‪ ،‬وهو عمل فني يدل على تطور المدارك العقلية ونمو القدرات الذهنية‪ .‬وهناك أعمال فنية‬
‫حير المفسرين الذين‬
‫عديدة تم العثور عليها في مواقع قفصية مثل موقع المقطع قرب قفصة الذي ّ‬
‫عجزوا عن قراءة مضمونه المتشابك‪ .‬ويعتبر فنانو العهد القفصي رو ًادا نموذجيين لمن أتى بعدهم‪ ،‬فقد‬
‫مارسوا نحت األشكال الفنية ونقش الرسوم على واجهات الصخور‪ ،‬واستعملوا أساليب تقنية مبتكرة‬
‫إلخراج أعمالهم الفنية في شكلها النهائي‪ ،‬كما أنهم حرصوا أن تحافظ تلك األعمال على تقاسيمها‬
‫التعبيرية على مر السنين‪.‬‬
‫أما في النيوليتي فقد تطور العمل الفني وانتشر شماال وجنوبا حتى سمى المهتمون بفنون ما قبل‬
‫التاريخ‪ ،‬الجزائر مثال‪ ،‬أنها عبارة عن متحف شاسع األرجاء لرسومات ما قبل التاريخ‪ ،‬وقد شهدت‬
‫الصحراء خالل النيوليتي الذي استمر من األلف الثامنة قبل الميالد إلى األلف الثانية قبل الميالد‪،‬‬
‫شهد تب دالت مناخية كبيرة شملت مختلف أصقاعها‪ ،‬وال نعرف على وجه الدقة عوامل هذا التغير شبه‬
‫السريع‪ ،‬حيث أن بداية النيوليتي الصحراوي كانت في مرحلة رطبة أعقبها جفاف متسارع ما لبث أن‬
‫عم جميع األقاليم الواقعة إلى الجنوب من مرتفعات األطلس الصحراوي‪ .‬فقد بينت بقايا عظام‬ ‫ّ‬
‫ا لحيوانات في موقعي أميكني ومنيت أن حيوانات كانت تعيش هناك استهلكها االنسان قد انقرضت أو‬
‫انزاحت عن المنطقة بفعل طغيان الجفاف وانكماش الغطاء النباتي وتناقص المياه‪ .‬ومن تلك‬
‫الحيوانات‪ :‬الفيلة والزواحف المائية كالتماسيح خاصة‪ ،‬واألسماك‪ .‬وقد مثّل االنسان ذلك التغير الذي‬
‫مجسدا في الرسوم الصخرية‪ ،‬وبذلك جاءت رسوماته‬‫ً‬ ‫عاشت أجياله في خضمه‪ ،‬فجاء ذلك التمثيل‬
‫عبارة عن سجل تاريخي حافل بالمعلومات عن الوسط الطبيعي بمضمونه النباتي والحيواني‪.1‬‬

‫‪ 1‬محمد البشير شنيتي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ص ‪.16 ،14‬‬

‫‪44‬‬
‫محاضرات في مقياس ما قبل التاريخ الشمال االفريقي‬

‫كما ظهر إلى جانب هذه الرسوم بالصحراء خالل هذه الفترة منحوتات معتبرة من الناحيتين‬
‫الفن ية والتقنية‪ ،‬فأصبحت تلك المنحوتات مصقولة تماما‪ ،‬وهي تمثل في مجموعها تقريبا اشكاال‬
‫حيوانية‪ ،‬مثل بقر سيلي بالهقار‪ ،‬وجبارن بالتاسيلي نزجر‪ ،‬وغوندي عرق ادمير‪ .‬حيث كان النحت‬
‫يقتصر أحيانا على نهاية قطع أسطوانية من الحجر المصقول ظلت تعتبر خطأ‪ ،‬ولمدة طويلة مدقًا‪،‬‬
‫ومنها غزال اماكسن بالتاسيلي نزجر‪ ،‬وكبش تاجنتورت بالهقار‪ ،‬أو تامنتيت بإقليم توات‪.1‬‬
‫وشخصها في رسومه الصخرية فهي تتعلق بعالم‬
‫ّ‬ ‫أما الموضوعات التي عالجها الفنان النيوليتي‬
‫الحيوان والبيئة التي ترعرع فيها‪ ،‬أي الوسط الحيوي الذي كان يعيش فيه االنسان ويتأثر به‪ .‬فقد‬
‫صور لحيوانات برية كالفيلة والسنوريات والنعام والزرافات والكركدن‬
‫ًا‬ ‫تضمنت تلك األعمال الفنية‬
‫والغزالن‪ .‬والظبي والثيران القديمة واألروية وأفراس النهر‪ .1‬كما كشفت لنا هذه الرسوم جانبا من الحياة‬
‫االجتماعية واالقتصادية لإلنسان النيوليتي بالصحراء‪.‬‬
‫وعند إلقاء نظرة على المجال الجغرافي الذي شملته تلك الرسوم والنقوش الصخرية‪ ،‬نجدها‬
‫تنتشر بمناطق األطلس الصحراوي من حدود المغرب األقصى حتى األوراس‪ ،‬وكذا في التاسيلي نزجر‪،‬‬
‫وكذا في مرتفعات الهقار الجبلية‪ .‬وأهم هذه المواقع باألطلس الصحراوي نجد‪:‬‬
‫‪-‬في الجنوب الوهراني‪ :‬تيوت‪ ،‬موغرار تحتاني‪ ،‬الريشة‪ ،‬سفيسيفة‪.‬‬
‫‪-‬في جنوب الوسط الجزائري‪ :‬صفية بورنان‪ ،‬عين ناقة‪ ،‬صخر الحمام‪ ،‬الحصباية‪.‬‬
‫‪-‬في الشرق القسنطيني‪ :‬عين رقادة‪ ،‬خنقة الحجر‪ ،‬كاف لمساورة‪.‬‬
‫‪-‬في التاسيلي نزجر‪ :‬توجد محطات الرسوم الكبرى في أعالي الهضبة الواقعة شمال وشمال‬
‫شرق جانت‪ ،‬ومنها‪ :‬صفار‪ ،‬جبارن‪ ،‬تامريت‪ ،‬تان زوميتان‪.‬‬
‫‪-‬في الهقار‪ :‬نجد مرتفع تيفيديست من أغنى األماكن بالرسوم والنقوش‪.3‬‬
‫كما أن خريطة الفن الصخري تشمل منطقة التبستي وفزان بليبيا‪ ،‬وجهات أخرى من الصحراء‬
‫الكبرى متجاوزة حدود الجزائر الجنوبية‪.4‬‬
‫‪ /9-0‬مراحل الفن الصخري بشمال افريقيا‪:‬‬
‫إن دراسة رسوم ونقوش الفن الصخري في شمال افريقيا مكنت من التعرف على عدة أطوار لها‬
‫تعود إلى أكثر من فترة‪ ، 5‬وهي في عمومها متشابه تشترك في تلك األطوار‪ .‬واذ جئنا إلى دراسة هذه‬
‫األطوار في احدى مناطق الصحراء الواسعة‪ ،‬وهو التاسيلي نزجر بالجزائر‪ ،‬نجدها قد مرت بخمس‬

‫‪ 1‬ك‪ .‬ابراهيمي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.113‬‬


‫‪ 2‬محمد البشير شنيتي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.16‬‬
‫‪ 3‬ك‪ .‬ابراهيمي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.115‬‬
‫‪ 4‬محمد البشير شنيتي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.18‬‬
‫‪Lhote (H), le Sahara désert mystérieux, éd. Bourrelier, (Paris 1958), p .93. 5‬‬
‫‪45‬‬
‫محاضرات في مقياس ما قبل التاريخ الشمال االفريقي‬

‫مراحل كبرى‪ ،‬استحضرت معظمها الحيوان األكثر تجسيدا بمشاهدها‪ .‬وأقدم هذه المراحل تلكم المسماة‬
‫بمرحلة الجاموس ) ‪ ،( Bubaline‬تميي از للجاموس القديم الذي يعتبر فصيلة أحفرية من نوع‬
‫إفريقي‪ .1‬وتعود نقوش هذه المرحلة إلى النيوليتي القديم مع اتصاله بالباليوليتيك األعلى‪ ،‬حيث استمرت‬
‫إلى غاية األلف الخامس ق‪.‬م‪ .‬ويمكننا أن نالحظ على نقوشها نوعا مقلدا للطبيعة‪ ،‬إذ تجسدت مشاهد‬
‫لفيلة‪ ،‬أفراس النهر‪ ،‬وحيد القرن‪ ،‬ظباء كبيرة‪ ،‬جاموس‪ ،‬نعامات‪ ،‬تماسيح‪ ،‬أفاعي ضخمة وأسماك‪.1‬‬
‫فعبرت بذلك عن إنسان صياد‪ ،‬أو صاحب الحجارة المصقولة‪ ،‬ومهما كان هذا اإلنسان قاد ار على‬
‫صناعته في ذلك الوقت‪ ،‬من مقصات ومسالت أو صنارات حجرية أو عظمية‪ ،‬فإنه اكتفى بتنظيم‬
‫اجتماعي مبكر جدا‪.3‬‬
‫وأما عن الطور الذي تلي فترة الجاموس‪ ،‬فقد سمي بمرحلة الرؤوس المستديرة ‪( Les têtes‬‬
‫)‪ ،rondes‬التي أبدع لوحاتها جماعات بشرية شغلت االتاسيلي نزجر منذ األلف العاشر ق‪.‬م‪ ،‬حيث‬
‫تحولوا عبر مدة قصيرة تمتد إلى ‪ 811‬سنة ق‪.‬م إلى النيوليتي واقتنوا الفخار حوالي سنة ‪ 9111‬ق‪.‬م‪،‬‬
‫‪4‬‬
‫إذ دلت األقداح التي لوحظت محمولة في موكب للنساء ضمن رسوم الرؤوس المستديرة على ذلك‬
‫ومن بين أروع الجداريات الرمزية التي شهدت على ذلك‪ ،‬نجد اللوحة الفنية التي عرفت باإلله‬
‫األكبر بمنطقة صفار )‪، ( Sefar‬والتي تميزت بصور تحمل أقراص وبداخلها أشكال هندسية‪ .‬ويشير‬
‫الباحثون إلى أن أصحاب هذه الرسوم قدموا مالمح زنجية‪ ،‬سيما وأن هناك خاصية منتشرة بكثرة في‬
‫الفن الزنجي‪ ،‬وهي أنه إضافة إلى الرسوم الجسدية التي تكون إما رسوما أو وشما‪ ،‬فسنجد أنفسنا أمام‬
‫سلسلة من الوقائع التي تدخل في المعنى الزنجي‪. 5‬‬
‫وتمثل المرحلة التي عرفت بالبقرية ) ‪، ( Bovidienne‬الطور الذي تلي الرؤوس المستديرة‪،‬‬
‫إذ شغلت البقرة األليفة مرك از مهما في الحياة االقتصادية واالجتماعية‪ ،‬فأصبحت الموضوع األكثر‬
‫انتشا ار في الفن الصخري‪ ،‬وفسحت بذلك المجال للمختصين ألن يمنحوا اسمها لهذه المرحلة‪ .6‬وقد‬
‫امتد الطور البقري ما بين األلف الرابع ق‪.‬م‪ ،‬إلى غاية الفترة التاريخية‪ ،‬فالتاسيليون القدامى‪ ،‬تبنوا البقرة‬
‫بواسطة رعاة يعتقد بأنهم عرفوا تربيتها عن طريق جيرانهم المصريين‪ .‬ذلك أن القبائل التي استوطنت‬

‫‪Hachid (M), « l’art rupestre du Tassili n Ajjer », Racines, N. 1, éd. Office du Parc National‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪.du Tassili, (l’ Algérie 2009), p. 107‬‬
‫‪Lhote (H), les touaregs du Hoggar, deuxième édition, (Paris 1955), p. 65‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪Basil (D), les royaumes africains, éd. Time Inc., (1966), p. 46‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪Hachid (M), OP. Cit, p. 106. 4‬‬
‫‪Lhote (H), « le peuplement du Sahara néolithique d’après l’interprétation des gravures et‬‬ ‫‪5‬‬
‫‪des peintures », Journal de la société des africanistes, T. XL, éd. Au siège de la société Musée de‬‬
‫‪Lhomme, (Paris 1970), p. 96.‬‬
‫‪Hachid (M), OP. Cit, p. 108.‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪46‬‬
‫محاضرات في مقياس ما قبل التاريخ الشمال االفريقي‬

‫غرب مصر‪ ،‬كانت قد عرفت هذا التدجين في وقت مبكر‪ .‬وبالمقابل نجد بأن الغطاء الحيواني‬
‫اإلثيوبي كما يسميه الباحثون‪ ،‬والذي سبق البقرة‪ ،‬قد تراجع في رسوم هذه المرحلة‪. 1‬‬
‫وبالنسبة ألصحاب فن هذا الطور‪ ،‬فقد أشار المختصون إلى أن زنوج مرحلة الرؤوس المستديرة‪،‬‬
‫قد استمروا في تطورهم في المخطط االقتصادي‪ ،‬ووصلوا إلى إحدى التجديدات الهامة للعصر الحجري‬
‫الحديث‪ ،‬وهو استئناس الماشية‪ ،‬والبقرة بشكل خاص‪ ،‬فعرفوا بالبقريين‪ . 1‬وما يمكن أن نشير إليه في‬
‫المرحلة البقرية‪ ،‬هو أنه إلى جانب البقرة وذلك اإلنسان الزنجي الذي صور معها‪ ،‬فقد أظهرت رسومات‬
‫التاسيلي نزجر سكانا من عرق أبيض‪ ،‬فشكلوا بذلك نوعا هجينا لهذه المرحلة‪ ، 3‬وكأمثلة على لوحات‬
‫هذا الفن‪ ،‬يشير ميزوليني ) ‪( Muzzolini‬إلى رسوم سفار‪ ،‬التي احتوت على راعي زنجي بجانب‬
‫البقرة‪ ،‬وكذا مجموعة إيهرير تاهيالهي‪ ،‬التي أظهرت بدورها رعاة بقريين من جنس أبيض‪ ،‬وهو يدل‬
‫‪4‬‬
‫‪ .‬ولئن كان هؤالء الزنوج هم النازلين‬ ‫على تعايش الجنسين األبيض والزنجي في هذه المرحلة نفسها‬
‫من فترة الرؤوس المستديرة‪ ،‬فإن الفجر بربريين الذين هاجروا من الشمال نحو الجنوب‪ ،‬تتبعا للظروف‬
‫المناخية المالئمة‪ ،‬يعتبرون أصحاب ذلك العرق األبيض المصور في فن البقريين‪ ،‬وهذا دليل على‬
‫التواصل بين إنسان الشمال والجنوب من بالد المغرب منذ تلك الفترة‪. 5‬‬
‫وبعد البقرة نجد الفن الصخري للتاسيلي نزجر يدخل مرحلة أخرى من تاريخه ومكنونه‬
‫الحضاري‪ ،‬وهو المرحلة الخيلية ) ‪ ،( Caballine‬التي أنجزت مشاهد لوحاتها الفنية بعد انقالب‬
‫كبير حصل في إفريقيا عموما‪ ،‬وهو دخول الحصان‪ ،‬حيث يعتقد بأنه دخل إلى ليبيا ‪ ،‬ونقصد بها‬
‫شمال إفريقيا كما عرفها المؤرخون اإلغريق‪ ،‬عن طريق شعوب البحر خالل األلف الثاني قبل الميالد‪،‬‬
‫بالموازاة مع جفاف الصحراء الذي سيدوم إلى اليوم‪ ،‬وكذلك مع ظهور المعادن‪ .‬هذه األخيرة التي‬
‫سمحت بالتسلح بواسطة الحربة‪ ،‬والدرع الدائري والمثلث‪ ،‬التي حلت محل القوس بالنسبة لصحراويي‬
‫شمال إفريقيا‪. 6‬‬
‫هؤالء الخيليين الذين اجتاحوا جداريات التاسيلي نزجر‪ ،‬مثلوا فئة حربية فرضت نفسها علي‬
‫البقريين الهجينين‪ ،‬وكذا على الزنوج الذين سبقوهم ( الرؤوس المستديرة ) ولم يختفوا من المشاهد‬
‫الصخرية‪ ،‬حيث يشير المؤرخون إلى أنهم جاؤوا من الشمال الشرقي‪ ،‬عن طريق برقة وفزان ‪ .‬وقد‬
‫هذه المرحلة الخيلية بالليبيين الصحراويين عند المؤرخين الكالسيكيين‪ ،‬فالخيليين‬ ‫سمي أصحاب‬

‫‪Mauny (R), gravures peintures et inscriptions de l Ouest africain, éd. 1. F. A. N, (Dakar‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪1954), p. 9‬‬
‫‪Hachid (M), les premiers berbères entre Méditerranée, p. 77.‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪Camps (G), les berbères mémoire et identité, p.37‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪Muzzolini (A), l’art rupestre du Sahara central, T. 1. 2, éd, laboratoire de pays du‬‬ ‫‪4‬‬
‫‪.méditerranée occidental, (1983), p. 375‬‬
‫‪Hachid (M), OP. Cit, p. 89‬‬ ‫‪5‬‬
‫‪Mauny (R), OP. Cit, p. 14‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪47‬‬
‫محاضرات في مقياس ما قبل التاريخ الشمال االفريقي‬

‫سائقي العربات ظهروا في الفن الصخري‪ ،‬مع تزايد األهمية االجتماعية وحتى الديمقراطية للشعوب‬
‫المتوسطية‪ ،‬خالل المرحلة التي توافق النيوليتي النهائي وحتى فجر التاريخ‪. 1‬‬
‫وأما عن عرباتهم التي طبعت هي األخرى هذا الطور من الفن الصخري‪ ،‬فقد صورت بالتاسيلي‬
‫‪1‬‬
‫نزجر في شكل العدو السريع الطائر)‪ ، ( galop volant‬وهي قديمة جدا وغالبيتها ملون بمادة المغرة‬
‫‪ .‬وهو ما جعل هيرودوت يتحدث عنها واصفا إياها بالعربات الطائرة في نص حديثه عن قبائل‬
‫الجرامنت التي عاشت بجوار التاسيلي نزجر‪ ،‬والتي اتخذت من العربات الحربية وسيلة لها في ذلك‬
‫العصر‪ ،‬وصورتها على الجداريات الصخرية‪ ،‬حتى ذهب هيرودوت إلى القول بأن اإلغريق قد عرفوا‬
‫استعمال العربات التي تجرها أربعة خيول من الليبيين‪. 3‬‬
‫واذا كان هذا حال التاسيلي نزجر خالل فجر التاريخ وبداية العصور التاريخية‪ ،‬فإن القرنين‬
‫الثالث والرابع ميالديين‪ ،‬الموافقين للتواجد الروماني ببالد المغرب‪ ،‬قد طبعا الفن الصخري بمشاهد‬
‫تصور الجمل‪ .‬حيث تختفي العربات واألحصنة نهائيا في بداية هذه الفترة‪ ،‬فاتخذت هذه المرحلة‬
‫الجافة‪ ،‬التي استوجبت حضور هذه الحيوان بقوة اسم طور الجمل‪ ،) Cameline ( 4‬هذا األخير‬
‫الذي مثل آخر مرحلة للفن الصخري بالمنطقة‪.‬‬

‫صورة رقم‪ :03‬المرحلة الخيلية‬


‫(تيهونت تيووساكيت‪ ،‬تاسيلي‬
‫نزجر)‬

‫‪Camps (G), les civilisations préhistoriques de l’Afrique du nord et du Sahara, p. 246‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪Lhote (H), les touaregs du Hoggar, p. 72 2‬‬
‫‪ 3‬هيرودوت‪ " ،‬التواريخ"‪ ،‬الكتاب الرابع‪ ،‬نصوص ليبية‪ ،‬ترجمة علي فهمي خشيم‪ ،‬منشورات دار الفكر‪ ،‬طرابلس‪ -‬ليبيا‪،1967 ،‬‬
‫ص ‪.88‬‬
‫‪Mauny (R), OP. Cit, p. 14‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪48‬‬
‫محاضرات في مقياس ما قبل التاريخ الشمال االفريقي‬

‫صورة رقم‪ :04‬مرحلة الرؤوس المستديرة (تان‬


‫زومايتاك‪ ،‬تاسيلي نزجر)‬

‫صورة رقم‪ :05‬مرحلة الجاموس( واد‬


‫جرات‪ ،‬تاسيلي نزجر)‬

‫صورة رقم‪ :00‬المرحلة البقرية‬


‫(صفار‪ ،‬تاسيلي نزجر)‬

‫‪49‬‬
‫محاضرات في مقياس ما قبل التاريخ الشمال االفريقي‬

‫صورة رقم‪ :01‬مرحلة الجمل‬


‫(هضبة ميداك)‬

‫بعض مالمح الحياة االجتماعية من خالل الفن الصخري‪:‬‬ ‫‪-9‬‬


‫لم يهمل الفنانون النيوليتيون رسم صور بشرية في وضعية تنسجم والوظيفة التي يؤديها االنسان‬
‫في الطبيعة إزاء تلك الحيوانات‪ ،‬فجاءت الرسوم في وضع حركي ينبض بالحياة‪ ،‬حيث احتوت‬
‫اللوحات على صور آدمية من الجنسين في أعمال مختلفة حسب ما هو عليه حالهم في الحياة اليومية‬
‫كتلك المشاهد التي تمثل عائلة حول المنزل يتبادل أفرادها الحديث‪ ،‬أو تلك التي تظهر حالة جماعة‬
‫وهم يوجهون قطيعا نحو المرعى المرغوب‪ ،‬أو آخرين في وضعية ترصد للقيام بعملية قنص حيواني‬
‫وحشي‪ .‬ولم يهمل الفنانون مالبس الرجال والنساء مع بعض قطع الزينة التي كانوا يتحلون بها‪ ،‬كما‬
‫رسموا مخلوقات غريبة الهيئة‪ ،‬ربما فيها مزج ألشكال مختلفة من كائنات حية قصد التعبير بها عما‬
‫يختلج في نفوسهم من مشاعر الخوف أو التضرع لمعبود‪ .‬ومن صور تلك الهيئات نذكر مشاهد جبارن‬
‫وصفار‪ ،‬السيدة البيضاء وااللهة القرناء‪ ،‬وهي رسومات فسرها بعض الباحثين بأنها ترمز لمعبودات‬
‫كان لها محل الصدارة في تقدير فنانيها‪.1‬‬
‫إلى جانب هذا‪ ،‬نجد في محتوى الفن الصخري‪ ،‬خاصة في مراحله األخيرة انعكاسا البتكار‬
‫الكتابة في الشمال االفريقي في شكل رموز شبيهة باألبجدية الليبية‪ ،‬وهي تلك النقوش المسماة "الليبية‪-‬‬
‫البربرية‪ .‬علينا االشارة أوال إلى أن الكتابة الليبية عموما تجلت استخداماتها في نقش اهداءات أو‬
‫تسجيل رسائل قصيرة‪ ،‬كتبت على دواعم صخرية غالبا ما تكون من الحجر الرملي‪ ،‬فهي نقوش أو‬
‫رسوم صخرية أو حتى أمكنها أن تنجز على ظهر مزهريات أو أمفورات‪ ،‬وحتى ربما على دواعم‬
‫معرضة للفناء مع الزمن‪ ،‬مثل الخشب‪ ،‬الجلد أو النسيج‪ .1‬تمثلت خصائصها الزمانية والمكانية في‬

‫‪ 1‬محمد البشير شنيتي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ص ‪.18 ،16‬‬


‫‪2‬‬
‫‪Ahmed Skounti, Abdelkhalek. Lemjidi, El Mustapha. Nami, Tirra. Aux origines de l’écriture au‬‬
‫‪Maroc, publication de l’institut royale de la culture amazigh (IRCAM), Rabat, 2003. p. 27‬‬
‫‪50‬‬
‫محاضرات في مقياس ما قبل التاريخ الشمال االفريقي‬

‫أنها نتاج فني ثقافي لشعوب نهاية الباليوليتيك بالشمال االفريقي أو عصر االنتقال من الباليوليتي‬
‫والنيوليتي إلى العصر القديم‪ ،‬وباستثناء بعض النقوش القليلة‪ ،‬فإن معظم لوحات الفن الصخري‬
‫الليبية‪-‬البربرية واقعة في الهواء الطلق أو أنها جزء من مخبأ تحت الصخر غير عميق‪ ،‬لم تكن‬
‫تستعمل كمسكن‪ ،‬فهي نتاج الرحل على ما يذكر "سولينياك"‪ .‬كما أن الغالب على هذه النقوش هو‬
‫تجمعها بجوار نقاط الماء الدائمة‪ ،‬إضافة إلى الطابع الديني الذي الزمها‪ ،‬فمعظم مواقع الفن الصخري‬
‫محفوظة بفضل عادات قديمة جدا‪ .1‬هذا عن المواقع الصحراوية‪ ،‬أما بالمناطق الشمالية فإننا نجد‬
‫النقوش تتوزع على طول الطرق الطبيعية سهلة االختراق‪ ،‬وكذا على حواف السهول وفي الممرات‬
‫الجبلية الضيقة التي تفصلها‪ ،‬وفي الرقاب قرب الوديان وقرب البحيرات القديمة‪ ،‬أي في كل مكان وجد‬
‫فيه االنسان سهولة المرور أو االستقرار‪.1‬‬
‫واذا عدنا إلى محتوى النقوش الليبية‪ -‬البربرية‪ ،‬فإننا نالحظ أنه إذا كانت األبجدية الليبية تعتمد‬
‫في تشكيل حروفها على الرموز الهندسية األولية‪ ،‬مثل النقطة‪ ،‬الخطوط المتوازية والمنحنية والمتقطعة‬
‫والمنكسرة‪ ،‬وكذا الدائرة والمثلث والمربع‪ ،‬فإننا نجد بعض هذه األشكال قد أدرجت ضمن المواضيع‬
‫المنقوشة والمرسومة منذ أقدم فترات الفن الصخري بشمال إفريقيا‪ ،‬وابتداء من أواخر فترة البقريات‬
‫وطوال فترة األحصنة‪ ،‬انتهج الفن الصخري أسلوبا تخطيطيا يعتمد في التمثيل على الرموز الهندسية‪،‬‬
‫إذ نجد مثال الحيوانات تمثل بأساليب تخطيطية تستعمل فيها الخطوط المنكسرة ويتم رسم ونقش‬
‫األشخاص في شكل مثلثين متعاكسين يعلوهما عمود صغير‪ ،‬ترّكب العربات من خطوط وأشكال‬
‫هندسية مختلفة ترتكز على عجالت دائرية ذات محاور وأنصاف أقطار دوائر‪ ،‬وغيرها من األشكال‬
‫الهندسية والرموز التي تستعمل في تحديد الملكية وفي المعتقدات الدينية والسحرية‪ ،‬وكذا في التزيين‪.‬‬
‫فقد ساهم هذا الرصيد من الرموز الهندسية المتوارثة عبر األجيال في البداية في تكوين جميع أشكال‬
‫الفنون والزخرفة التقليدية‪ ،‬ثم في تركيب حروف الكتابة الليبية‪-‬البربرية‪.3‬‬

‫‪Solignac. Marcel,les pierres écrites de la Berbèrie orientale (Est constantinois et Tunisie), 1‬‬
‫‪imprimerie J. Barlier et Cie, Tunis, 1928, p.141-142.‬‬
‫‪Flamand . G. B. M, les pierres écrites (Hadjrat-Maktoubat) gravures et inscriptions rupestres du 2‬‬
‫‪.Nord-africain, Masson Cie Editeurs, libraire de l’académie de Médicis, Paris, 1921, p.02.‬‬
‫‪ 3‬عباسي‪ ،‬عبد الجبار‪ :‬الكتابات الليبية البربرية في إطار الفن الجداري الصحراوي _دراسة أثرية لمجموعة من الكتابات الصخرية‬
‫في محيطها الطبيعي واألثري بالتاسيلي نازجر_‪ ،‬رسالة لنيل شهادة الماجستير في علم اآلثار‪ ،‬جامعة الجزائر‪ ،‬كلية العلوم‬
‫االنسانية واالجتماعية‪ ،‬قسم اآلثار‪ ،1115/1114 ،‬ص ‪.71-71‬‬

‫‪51‬‬
‫محاضرات في مقياس ما قبل التاريخ الشمال االفريقي‬

‫صورة رقم‪ :10‬نقوش صخربة منقطة تحوي‬


‫كتابة ليبية مرفقة بنقوش شخص مسلح‬
‫وحيوانات تعبر عن المرحلة األولية للكتابة‬
‫الليبية‪ .‬عن‪:‬‬

‫‪A. Skounti, Tirra, 2004, p‬‬


‫‪221, 222‬‬

‫‪-3‬بعض مالمح الحياة االقتصادية بالصحراء من خالل الفن الصخري‪:‬‬


‫جسدت الرسومات أشكال حيوانات متعددة غير الحيوانات البرية‪ ،‬قد يكون االنسان عرفها في‬
‫ودجنها‪ ،‬كالظأن االفريقي والماعز والثيران واألبقار والكالب والخيل واالبل التي ظهرت‬
‫زمن متأخر ّ‬
‫بالصحراء في وقت متأخر ثم انتشرت بسرعة فائقة في شمال افريقيا‪ .‬وتظهر عالمات تدجين‬
‫الحيوانات قبل ظهور الحصان والجمل بصفة محسوسة في الحيوان‪ ،‬حيث تحمل صورة البقرة أو الثور‬
‫أحيانا "زماما" (مقود)‪ ،‬وتبدو أحيانا أخرى في منظر اللوح العام‪ ،‬مثال شخص يرعى قطيعه من الثيران‬
‫باطمئنان مثلما تعكسه لوح جبارن بالتاسيلي‪ ،‬وكذلك النساء اللواتي يركبن ثيران ويقدنها بمسك الزمام‪.‬‬
‫‪-‬اللقى األثرية وانعكاسها على الحياة االقتصادية‪:‬‬
‫أ‪-‬األدوات الدالة على الصناعة الحجرية‪ :‬كانت الصحراء أقرب إلى التأثر بمستجدات النيوليتي‬
‫من بالد التل التي بقيت على التقاليد القفصية‪-‬الوهرانية زمنا طويال قبل أن يتسلل اليها النيوليتي من‬
‫جهات مختلفة‪ .‬ذلك أنه تم العثور في بالد الهقار وشمال غرب تمنراست على موقع يضم شواهد‬

‫‪52‬‬
‫محاضرات في مقياس ما قبل التاريخ الشمال االفريقي‬

‫نيوليتية تعود إلى حوالي ‪ 7611‬سنة ق‪.‬م ذات صلة بالنيوليتي الصحراوي السوداني ‪ ،‬وتتمثل تلك‬
‫الشواهد في أدوات طحن حبوب ومصنوعات حجرية دقيقة‪ .‬كما عثر في موقع "منيت" على أدوات‬
‫صيد سمك بوديان الهقار التي كانت فائضة بالمياه وغنية باألسماك‪.1‬‬
‫إلى جانب هذا‪ُ ،‬عثر على رؤوس سهام بالرديف غربي قفصة‪ ،‬وفي مسعد باألطلس الصحراوي‬
‫شمال شرق األغواط‪ ،‬وفي عين الصفراء بالجنوب الوهراني‪ ،‬وكذلك في سهوب وسط الجزائر‪ .‬وحيث‬
‫أن محطات هذه الصناعة الحجرية الصحراوية ال تقع باألماكن الصخرية والجبلية‪ ،‬بل تقع كلها تقريبا‬
‫على الكثبان‪ ،‬وعلى طول األنهار العتيقة‪ ،‬كما تقع غالبا حيث توجد المستنقعات حتى اليوم‪ ،‬وأما‬
‫المواد المستعملة في صنع األسلحة واألدوات فإنها كانت دائما الصوان‪ ،‬حيث يكثر صوان النيوليتي‬
‫في واد غير‪ ،‬ورقلة‪ ،‬واد ميا‪ ،‬العرق الشرقي الكبير وعرق ايسوان‪ .‬ومن بين أبرز األدوات نجد رؤوس‬
‫السهام التي عثر عليها حول ورقلة وبالعرق الكبير وفي عرق ايسوان‪ ،‬ومن بينها ما له شكل ورقة‬
‫معين أو مثلث‪ .‬كما ُوجدت الشفرات المختلفة‪ :‬العادية‪ ،‬وذات األطراف المشذبة‪ ،‬وذات‬
‫الدفلى أو شكل ّ‬
‫الظهر الذي أُعيدت معالجته‪ ،‬وذات الحزات‪ ،‬كما ُوجدت األدوات ذات الشكل المغزلي الحادة الرأسين‪،‬‬
‫التي اُعتقد بأنها صنا ارت أو رؤوس سهام‪.1‬‬
‫ب‪-‬بيض النعام والفخار‪:‬‬
‫نلمس تأثيرات النيوليتي ذو التأثير القفصي باألطراف الشمالية للصحراء من خالل اختفاء أشكال‬
‫األدوات الحجرية وظهور أخرى أكثر تطو ار ودقة منها‪ ،‬وظهر إلى جانبها الفخار الذي تطورت معه‬
‫صناعة األواني والقوارير من بيض النعام‪ .‬حيث ُعثر في موقع المويلح قرب ورقلة على مخزون كبير‬
‫من بيض النعام الذي كان شديد الوفرة بسبب كثرة انتشار طائر النعام في المناطق المنبسطة الواقعة‬
‫شمالي الصحراء‪ ،‬ألن المناخ السائد حينها وفر له الغذاء الكافي‪ .3‬وخلف بيض النعام بقايا أكثر مما‬
‫بمحطات التل‪ ،‬وغالبا ما تحمل هذه البقايا أثر النار‪ ،‬وقد كان بيض النعام يستعمل كآنية ُعثر على‬
‫الكثير منها سالمة حتى اآلن‪ ،‬كما أن بعض القطع منه محالة بزخارف هندسية من خطوط مزدوجة‪،‬‬
‫تكون تربيعات وسلسالت من النقط‪ .‬والسكان الصحراويون كانوا يتزينون‬
‫وزوايا حادة‪ ،‬وخطوط متقاطعة ّ‬
‫بقالئد تكونها حلقات من بيض النعام أو قطع من هذه الحلقات‪ ،‬كما تتكون تلك القالئد من حبات‬
‫تكونها كويرات من الحجر الرملي أو من الحصى المثقوب‪.‬‬
‫اتخذت‪ ،‬وأحيانا كانوا يتزينون بأعالق ّ‬
‫وأما الخزف الذي لم يبق منه سوى الشقوف‪ ،‬فقد كانت أحجامه صغيرة على العموم‪ ،‬وعلى‬
‫غرار ما ُعثر عليه بالمغارات‪ ،‬فإنه زُين بزخرفة هندسية جدا‪ ،‬هي عبارة عن خطوط من النقط والثقب‬
‫وسلسالت من الترقينات والزوايا الحادة‪ ،‬ومن الخطوط العمودية المتعرجة والمائلة المتقاطعة‪ ،‬والنقوش‬

‫‪ 1‬محمد البشير شنيتي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.14‬‬


‫‪ 2‬ستيفان غزال‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.177‬‬
‫‪ 3‬محمد البشير شنيتي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.14‬‬

‫‪53‬‬
‫محاضرات في مقياس ما قبل التاريخ الشمال االفريقي‬

‫التي على شكل الواو‪ .‬وقد طُلي هذا الخزف أحيانا باللون األحمر‪ ،‬كما أن من هذا الخزف آنية‬
‫صنعت بإتقان على قوالب من القصب الذي كان يحترق عند طبخ طين اآلنية‪.1‬‬
‫ُ‬

‫صورة رقم‪ :10‬نصيالت من النيوليتي‪ ،‬التاسيلي نزجر‬

‫(متحف الحظيرة الثقافية الوطنية للتاسيلي نزجر)‬

‫صورة رقم‪ :23‬أقداح أسطوانية من العاج‪ ،‬المقبرة النيوليتية (الصخيرات (متحف اآلثار‪ ،‬الرباط)‬

‫‪ 1‬ستيفان غزال‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ص ‪.179 ،178‬‬

‫‪54‬‬
‫محاضرات في مقياس ما قبل التاريخ الشمال االفريقي‬

‫صورة رقم‪ : 21‬أدوات عظمية (مشط لتزيين الفخار‪ ،‬مصقال‪ ،‬إبر ذات ثقب) من الفترة النيوليتية‪ ،‬دار السلطان (الرباط)‬

‫(متحف اآلثار‪ ،‬الرباط)‬

‫صورة رقم‪ :22‬أدوات عظمية‪ ،‬مصقال‪ ،‬عظم مذرب ومزين‪ ،‬أضلع مذربة مثقوبة‪ ،‬المقبرة النيوليتية بالصخيرات‬

‫(متحف اآلثار‪ ،‬الرباط)‬

‫‪55‬‬
‫محاضرات في مقياس ما قبل التاريخ الشمال االفريقي‬

‫صورة رقم‪ :20‬إناء من‬


‫الخزف‪ ،‬الفترة النيوليتية‪،‬‬
‫الصخيرات‬

‫(متحف اآلثار‪ ،‬الرباط)‬

‫صورة رقم‪ :20‬جفنة صغيرة من‬


‫الخزف‪ ،‬المقبرة النيوليتية‬
‫بالصخيرات‬

‫(متحف اآلثار‪ ،‬الرباط)‬

‫‪56‬‬
‫محاضرات في مقياس ما قبل التاريخ الشمال االفريقي‬

‫قائمة البيبليوغرافيا‪:‬‬
‫أوال‪ :‬المصادر‪:‬‬
‫‪-‬هيرودوت‪ " ،‬التواريخ"‪ ،‬الكتاب الرابع‪ ،‬نصوص ليبية‪ ،‬ترجمة علي فهمي خشيم‪ ،‬منشورات دار الفكر‪،‬‬
‫طرابلس‪ -‬ليبيا‪.1967 ،‬‬
‫ثانيا‪ :‬المؤلفات‪:‬‬
‫‪-0‬باللغة العربية‪:‬‬
‫‪-‬ابراهيمي‪ .‬ك‪ ،‬تمهيد حول ما قبل التاريخ في الجزائر‪ ،‬ترجمة محمد البشير شنيتي ورشيد بورويبة‪ ،‬الشركة الوطنية‬
‫للنشر والتوزيع‪ ،‬الجزائر‪.‬‬
‫‪ -‬أعشي‪ ،‬مصطفى‪ ،‬جذور بعض مظاهر الحضارة األمازيغية خالل عصور ما قبل التاريخ‪ ،‬ط‪ ،1‬مركز طارق بن‬
‫زياد‪-‬الرباط‪ ،‬ديسمبر‪.1111 ،‬‬
‫‪ -‬أور‪ ،‬فرانسيس‪ ،‬حضارات العصر الحجري القديم‪ ،‬تعريب سلطان محيسن‪ ،‬ط‪ ،1‬مكتبة االسكندرية‪ ،‬دمشق‪.1995 ،‬‬
‫‪ -‬بالو‪ ،‬ليونال‪ :‬الجزائر في ما قبل التاريخ‪ ،‬ترجمة وتقديم محمد الصغير غانم‪ ،‬دار الهدى‪-‬عين مليلة‪ ،‬الجزائر‪،‬‬
‫‪.1115‬‬
‫‪ -‬بدري‪ ،‬جمال‪ ،‬أضواء على الحضارة العاترية‪ ،‬دار هومة‪ ،‬الجزائر‪.1111 ،‬‬
‫‪ -‬الجوهري‪ ،‬يسري‪ ،‬شمال افريقية‪ ،‬ط‪ ،6‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ ،‬االسكندرية‪-‬مصر‪.1981 ،‬‬
‫‪ -‬حارش‪ ،‬محمد الهادي‪ " :‬أصول البربر من خالل معطيات ماقبل التاريخ والنصوص القديمة"‪ ،‬حولية المؤرخ‪ ،‬ع‪،6‬‬
‫إصدار اتحاد المؤرخين الجزائريين‪ ،‬جويلية ‪ ،1115‬الجزائر‪.‬‬
‫‪ -‬الدباغ‪ ،‬تقي‪ ،‬الوطن العربي في العصور الحجرية‪ ،‬دار الشؤون الثقافية العامة‪ ،‬بغداد‪.1988 ،‬‬
‫‪ -‬سحنوني‪ ،‬محمد‪ :‬ما قبل التاريخ‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬الجزائر‪.1999 ،‬‬
‫‪ -‬شنيتي‪ ،‬محمد البشير‪ ،‬الجزائر قراءة في جذور التاريخ وشواهد الحضارة‪ ،‬دار الهدى‪ ،‬عين مليلة‪ -‬الجزائر‪.1113 ،‬‬
‫‪ -‬عباسي‪ ،‬عبد الجبار‪ :‬الكتابات الليبية البربرية في إطار الفن الجداري الصحراوي _دراسة أثرية لمجموعة من الكتابات‬
‫الصخرية في محيطها الطبيعي واألثري بالتاسيلي نازجر_‪ ،‬رسالة لنيل شهادة الماجستير في علم اآلثار‪ ،‬جامعة‬
‫الجزائر‪ ،‬كلية العلوم االنسانية واالجتماعية‪ ،‬قسم اآلثار‪.1115/1114 ،‬‬
‫‪ -‬غزال‪ ،‬ستيفان‪ :‬تاريخ شمال افريقيا القديم‪ ،‬ترجمة محمد التازي سعود‪ ،‬ج‪ ،1‬مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية‬
‫سلسلة تاريخ المغرب‪ ،‬الرباط‪.1117 ،‬‬
‫‪ -‬كامبس‪ ،‬غابلاير‪ :‬في أصول بالد البربر ماسينيسا أو بدايات التاريخ‪ ،‬ترجمة وتحقيق محمد العربي عقون‪ ،‬منشورات‬
‫المجلس األعلى للغة العربية‪ ،‬الجزائر‪.1111 ،‬‬
‫‪ -‬مهران‪ ،‬محمد بيومي‪ ،‬المغرب القديم‪ ،‬دار المعرفة الجامعية‪ ،‬االسكندرية‪-‬مصر‪.1991 ،‬‬
‫‪ -‬نخبة من العلماء‪ ،‬الموسوعة األثرية العالمية‪ ،‬إشراف ليونارد كوتريل‪ ،‬ترجمة محم عبد القادر محمد و زكي اسكندر‪،‬‬
‫ط‪ ،1‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ ،‬مصر‪.1997 ،‬‬
‫‪ -‬وولي‪ ،‬هاوكس ول ‪ ،‬ماقبل التاريخ وبدايات المدنية (أضواء على العصر الحجري الحديث)‪ ،‬ترجمة يسري الجوهري‪،‬‬
‫دار المعارف‪.‬‬
‫‪-9‬المؤلفات باللغة األجنبية‪:‬‬
‫‪- Basil (D), les royaumes africains, éd. Time Inc., (1966).‬‬

‫‪57‬‬
‫محاضرات في مقياس ما قبل التاريخ الشمال االفريقي‬

- Camps. G,
-les civilisations préhistoriques de l’Afrique du Nord et du Sahara, doin. Editeurs,
Paris, 1974, p. 57.
-les Berbères mémoire et identité, éd. Barzekh, Alger, 2007.
-Monuments et rites funéraires protohistoriques, Monuments et rites funéraires
protohistoriques, éd. S. A. P. H. O, Paris, 1962.
- Desange.J, « les proto berbères »,Histoire générale de l’Afrique , T. II. Afrique
ancienne, Unesco/ NEA, 1989.
-G. B. M. Flamand, les pierres écrites (Hadjrat-Maktoubat) gravures et inscriptions
rupestres du Nord-africain, Masson Cie Editeurs, libraire de l’académie de Médicis, Paris,
1921.
- Hachid. Malika,
-les premiers Berbères entre méditerranée. Tassili et Nil, éd. In-Yas, Alger, 2001.
- « l’art rupestre du Tassili n Ajjer », Racines, N. 1, éd. Office du Parc National du
Tassili, (l’ Algérie 2009).
- Lacoste. Yves, A. Noushi. A. Prenant, l’Algérie passé et présent, éd sociales, Paris, 1960.
- Lhote (H),
- le Sahara désert mystérieux, éd. Bourrelier, (Paris 1958).
- les touaregs du Hoggar, deuxième édition, (Paris 1955).
-« le peuplement du Sahara néolithique d’après l’interprétation des gravures et des
peintures », Journal de la société des africanistes, T. XL, éd. Au siège de la société Musée
de Lhomme, (Paris 1970).
- Mauny (R), gravures peintures et inscriptions de l Ouest africain, éd. 1. F. A. N, (Dakar
1954).
- Muzzolini (A), l’art rupestre du Sahara central, T. 1. 2, éd, laboratoire de pays du
méditerranée occidental, (1983).
- Pintado . Jorge Onrubia, « les premiers berbérophones : linguistique, génétique,
anthropologie, archéologie », ‫ دار أبي رقراق‬،1‫ ج‬،‫ الندوة الدولية حول تاريخ األمازيغ‬،‫ تاريخ األمازيغ‬،
0222 ،‫المملكة المغربية‬-‫ أكادير‬،‫للطباعة والنشر‬.
- Skounti . Ahmed, Abdelkhalek. Lemjidi, El Mustapha. Nami, Tirra. Aux origines de
l’écriture au Maroc, publication de l’institut royale de la culture amazigh (IRCAM), Rabat,
2003.
-Solignac. Marcel,les pierres écrites de la Berbèrie orientale (Est constantinois et Tunisie),
imprimerie J. Barlier et Cie, Tunis, 1928.

58

You might also like