Professional Documents
Culture Documents
1
المبحث االول
-1مقدمة في الوضع السياسي في اإلمبراطورية الرومانية
-2تنظيم اإلدارة في عهد ماركوس
-3تنظيم الجيش الروماني
-4دور مجلس الشيوخ والمستشارين التابعين في عهد ماركوس
المبحث الثاني
-1دراسة في األفكار الفلسفية لماركوس اوريليوس
-2موقف االمبراطور من القانون والعدالة في روما
-3آراء ماركوس اوريليوس في العبودية واالضطهاد المسيحي
-4التجارة الرومانية في عهد ماركوس اوريليوس
المبحث الثالث
-1االشكال المادية في عهد ماركوس اوريليوس
- 2سك النقود في عهد ماركوس اوريليوس
2
المبحث األول
27ق.م 14-م ( )40عاما و()7 وفاة طبيعية أو ربما ابن بالتبني اغسطوس 1
أشهر بالسم
( )3سنوات ()10 41-37م اغتيل بمؤامرة في ابن االخ كاليجوال 3
اشهر روما
( )13عاما ()8 54-41م مات بالسم عم كاليجوال كلوديوس 4
أشهر
( )13سنة ()7 68-54م اغتيل بمؤامرة في ابن األخ نيرون 5
أشهر روما
( )7اشهر 69-68م اغتيل من قبل استولى على السلطة بتايد غالبا 6
الحرس الجيش
االمبراطوري
( )3أشهر 69م انتحر بعد خسارته عين من قبل الحرس اوتو 7
الحرب االمبراطوري
( )8أشهر 69م قتل بمؤامرة استولى على السلطة بتايد فيتليوس 8
الجحافل الجيرمانية
( )15عام 96-81م اغتيل على يد رجال أخ تيتوس دوميتيان 11
البالط
()1سنة و()4 98-96م وفاة طبيعية عين من قبل مجلس الشيوخ نيرفا 12
اشهر
( )19سنة ()6 117-98م وفاة طبيعية عين من قبل نيرفا تراجان 13
أشهر
( )20عاما ()10 138-117م وفاة طبيعية ابن بالتبني هادريان 14
أشهر
4
( )19عام 180-161م وفاة طبيعية ابن بالتبني ماركوس 16
اوريليوس
) (4أحيانا ينتخب ثالث قناصل إلدارة روما فعلى سبيل المثال انتخب القنصل يوليوس قيصر ( )Julius Caesarلقيادة
بالد الغال (من حوض الراين وإلى جبال البرنييه ( )Pyreneesومن المحيط األطلسي إلى البحر المتوسط) ،والقنصل
بومبي ( )Pompeyوتحت امرته قيادة جيش ضخم ،والقنصل كراسوس ( )Crassusصاحب الثروة المالية وعرف
هذا األتالف الثالثي (التنين ذو الثالثة رؤوس) .
) (5أطلق على الحرب في إيطالية بين ( )88-90ق.م (الحرب االجتماعية) وأحيانا (الحرب االهلية) أو (حرب الحلفاء)
( ) Socilu warوسبب الحرب سوء معاملة روما ومجلس شيوخها لسكان إيطاليا وعدم المساواة في حقوق (المواطنة
الرومانية) ،بمعنى لم تمنح لهم الجنسية الرومانية التي تخولهم الحماية القانونية من ظلم الحكام الرومان واستغاللهم ولم
تنتهي الحرب اال بجهود القنصلين هما ماريوس ( )Mariusتولى قيادة الشمال والقنصل سوال ( )Sullaقيادة الجنوب
.
5
الرعاية وإدارة شؤون اإلمبراطورية ،وقد ذكر القنصل ماركوس إخالصه وحبه لإلمبراطور
أنطونيوس بيوس وكيف تخلى عن الذهاب إلى الحمام حتى ال يتركه بال صحبة في مرضه ،كما انكر
على نفسه الغذاء الجيد والخمر الراقي حتى يتناول طعامه مع االمبراطور المريض ،وحتى غير
ماركوس نمط نومه واستيقاظه الطبيعيين حتى يتالءم مع جدول النوم القلق للرجل العجوز( ،)6هذه
المالحظات ذكرها إلى استاذه فرونتو( )7( )Frontoالذي قدم نصيحة له ألنه يأتمنه على سره فمالزمة
االمبراطور دوما ال تجعله قادرا على التركيز في الحرب ضد الفرثيين ،ولهذا اشار عليه استاذه فرونتو
بان يتبع خطوات يوليوس قيصر ( )44-100( )JuliusCaesarق.م الذي قام في اعتم ايام حروب
بالد الغال بإيجاد الوقت لتأليف سبعة كتب عن الحرب الغالية ( ،)8( )Gallicoومن المرجح بان مشورة
فرونتو لها قيمة عند ماركوس الذي يتمتع بموهبة أدبية تميل إلى الواقعية ،فمن وجهة نظر استاذه بأن
اعظم الرجال حتما يحتاجون ألى الراحة ،فعلى سبيل المثال االمبراطور تراجان (-98( )Trajan
)117م كان يرغب في جلسات الشرب ومصاحبة الممثلين ،بينما االمبراطور هادريان ()Hadrian
()138-117م كان رجالً اكوالً ويحب الموسيقى ،وعرف عن االمبراطور انطونيوس بيوس بانه يهوى
مشاهدة األلعاب الرياضية مثل المصارعة وصيد األسماك ،واحيانا يتمتع بمشاهدة العاب المهرجين
(.)9
المشاركة في الحكم ماركوس اوريليوس ولوسيوس فيروس
تم اختيار ماركوس اوريليوس ولوسيوس فيروس ( ،)Lucius Aurelius Verusمن قبل
االمبراطور هادريان لخالفته ( )10وكانوا اطفال في وقت وفاته ثم تبناهم انطونيوس بيوس الذي عاش
( )23عاما بعد وفاة هادريان ،واثبت انه كان وفيا لرغبة سلفه فعين أنطونيوس بيوس األخوين بمنصب
القناصل عام ( )161م ،ولم يلقي أي معارضة من العائلة اإلمبراطورية أو مجلس الشيوخ في تعينهما
الن االمبراطور أنطونيوس بيوس بحد ذاته هو زعيم مجلس الشيوخ وسيد الجيوش وبيده إدارة األقاليم
وأيضا خزائن االمبراطورية وكل ما مطلوب هو اعتراف مجلس الشيوخ الذي وافق باألجماع.
(6) Dio Cassius: “Roman History”, published in Vol. IX of the Loeb Classical Library
edition, 1927. 71.35.
) (7ولد المواطن الروماني فرونتو عام ( ) 100م (ربما سنة او سنتين قبل هذا التاريخ) في العاصمة النوميدية سيرتا
(( )Cirtaشمال افريقيا) من ابويين ليبيين من البدو لكنه تلقى تعليمة في روما واكتسب شهرة كبيرة مما جعله االمبراطور
أنطونيوس بيوس المعلم البنائة بالتبني ماركوي و لوكيوس ،وفي عام ( )142انتخب قنصل لمدة شهرين وهناك العديد
من الرسائل المتبادله بينه وبين ماركوس ولوكيوس والتي ستكون المساعد في هذا الفصل :
Birley, Anthony R:”The African Emperor” London. Batsford, 1999, p. 43.
(8) (Fronto to Marcus, 162): Haines, C. R: (1919) . part 2. Pp.28–9.
(9) (Fronto to Marcus, 162): Haines, C. R: (1919) . part 2 . Pp.62–71.
) (10كان ماركوس اوريليوس ابن أخ اإلمبراطور هادريان ،بينما لوسيوس فيروس ابن عضو مجلس الشيوخ لوسيوس
سيونيوس كومودوس ( )Lucius Ceionius Commodusعندما اختاره االمبراطور هادريان ليكون وريثه من بعد
وفاته باسم لوسيوس إيليوس قيصر لكنه توفي عام ( )138م ولهذا امر هادريان وريثه االمبراطور انطونيوس بيوس
ان يتبنى ابن اخية ماركوس وابن لوسيوس سيونيوس كومودوس ويمنحهما منصب قيصر:
Wilhelm Weber: “The Antonines” Chapter 9: Cambridge Ancient History, Vol XI. The
Imperial Peace A. D 70-192. Second Impression Cambridge University Press. 1954. p.
341
6
شكل :1عملة ديناريوس فضية ،ضربت عام ( )140م تحمل صورة االمبراطور أنطونيوس بيوس
(اليسار) وابنه التبني ماركوس أوريليوس (اليمين)
وجرت مراسيم تعين ماركوس بعد قراءة إرادة اإلمبراطور الميت واعقبها مراسيم الحداد الدولة
وأقيمت حسب األصول جنازة عامة ،وجاء أول مرسوم باإلجماع تأليه أنطونيوس بيوس وإقامة عبادة
له وتعين كهنة خاصين له ،ومن ثم طلب من ماركوس إدارة الدولة مع التقيد الصارم بالسوابق القديمة
التي رفضها في البداية لكنه خضع باإلكراه (كما فعل االمبراطور تبيريوس من قبل) ،وأخذ لنفسه لقب
أوغسطس التي عرضت عليه ومنح فيروس لقب (قيصر) كما منح منصب القنصلية بدال من اسم
أغسطس إضافة إلى حاكم امبراطورية ،وكان على االثنين االشتراك في رعاية للدولة ،كما وافق مجلس
الشيوخ على منح فيروس لقب( ،)imperium proconsulareوصدرت عملة هي األولى
اإلمبراطورية في عهدهما.
7
انطونيوس بيوس ( ، )11وبعد بضعة أشهر في ( )3آب ( ،)12ولد له توأمان هما أوريليوس كومودوس
وأوريليوس فولفوس أنطونيوس( )Fulvusواألول أصبح امبراطور روما بعد وفاة ابيه.
شكل :3عملة ديناريوس فضية تعود الى أواخر حكم االمبراطور ماركوس اوريليوس ( )180م
عندما استلم ماركوس مقاليد الحكم حمل لقب قيصر قبيل وفاة أنطونيوس بيوس ،ويبدو ان لوسيوس
فيروس (بدوره حصل على لقب قيصر) ،وقد اعترف بان ماركوس أفضل منه في إدارة الدولة ،على
الرغم من أنه يتمتع بمركز وصالحيات دستورية على قدم المساواة ،ولكن لم يكن لديه سلطة على قدم
المساواة ،وال يبدو انه قادر على تولي المسؤوليات ،وقد حصل على عدة امتيازات لوقوفه الى جانب
ماركوس دون ان يهتم من يحكم فعال ،إضافة إلى هذا تزوج ماركوس االبنة الكبرى لوسيال ابنة
أنطونيوس بيوس ساعده هذا في زيادة مكانته في الدولة ،بالمقابل لم يحقق فيروس شعبية في عيون
الناس فقد عرف عنه البذخ والترف وكان ينثر غبار الذهب على شعره ،وعندما غزا الفرثيين حدود
اإلمبراطورية في غرب الفرات ارسل فيروس لقيادة الهجوم المضاد وسارت حملته بشكل جيد ولكنه
وكما تقول المصادر الرومانية ترك القتال لألخرين وقضى معظم وقته في انتوشيا (انطاكية) يمتع
نفسه بسماع المطربين والعاب المهرجين.
()13
مأدبة على أريكة وتروي المصادر الكالسيكية رواية مفادها قيام كهنة ساليان ()Salian
اإلله مارس في معبده ،فسقط إكليل الشاب ماركوس أوريليوس على رأس تمثال اإلله مارس ،وقد فسر
هذا بمثابة فأل جيد لحكم ماركوس في المستقبل ،وهي أيضا عالمة تدل على ورعه أكثر من االباطرة
(11) S.H.A : Seriptores Historiae Augustae- Marcus Aurelius (ed. D. Magie, Loeb. Vol. I.
1930
(12) Schwendemann, Joseph: “Der historische Wert der vita Marci bei den Script, Hist.
Aug”. 1923. Pp. 1 sqq
) (13بالنسبة كهنة ساليان عددهم ( )12كاهن اصولهم من النبالء يتواجدون في خدمة معبد إله مارس (باعث الحياة في
النبات كل ربيع ،ويقود المعارك الحربية لصالح الدولة الرومانية) عند تلة بالتيا ( )Palatineولذلك يقال لهم أحيانا
(ساليان ابالتيا) ،ولهم زي مميز وكل واحد يضع سيف بجانبه وبيده اليمنى حربة ،ويحتفل بمرجان مارس من قبل
كهنة ساليان في واحد اذار ولعدة أيام متتالية حيث الرقص والعام وضرب الدروع بقضبان ألحداث أصوات ترافق
الرقصات التي ترافقها أغاني دينية ..راجع :
William Smith: “Salii". Dictionary of Greek and Roman Antiquities”. John Murray,
London, 1875. Retrieved 2012.
8
الذين سبقوه ،وكان ذو طبيعة بسيطة ،مع عمق في الفكر والمعرفة والثقافة ،وكل ما يلزمه هو تعليم
صحيح ،فخالل عشرين سنة من التعلم المستمر قضاها برفقة خمسة وعشرون معلما ،كما رافق الخطباء
والفالسفة من مختلف المدارس الفلسفية ،وحتى الرسامين ،واستوعب ثقافتين استمدها من رجال من
افريقيا وآسيا الصغرى ومن فلسطين ،ساعدت في تربيته ،وكرس نفسه في وقت الحق في كتابة مؤلفه
(التأمالت) (.)14
وهكذا كانت لروما وألول مرة حاكمان يحمالن منصب أوغسطس مع حقوق متساوية ،مع عدم ترك
فيروس يحتل المركز الثاني ،ولكل منها صالحيات كاملة وغير مجزأة أينما يكون ،لذلك كان فيروس
في الحقيقية الرفيق الذي عليه أن يتحمل مهمة رعاية الدولة مع مسؤولية متساوية وغير مقسمة مع
شريكه.
استبدل ماركوس عددا من كبار المسؤولين في اإلمبراطورية مثل سيكستوس كيسيليوس كريسينس
فولوسيانوس ( ،)Sextus Caecilius Crescens Volusianusالمسؤول عن مراسالت
اإلمبراطورية ،وعين بدال منه تيتوس فاريوس كليمنس( )Titus Varius Clemensوكان كليمنس
من مقاطعة بانونيا الحدودية وشارك في الحرب التي اندلعت في موريتانيا الطنجية (المغرب) وسابقا
شغل منصب وكيل لخمس مقاطعات ،وكان رجال مالئما في األزمات العسكري ( ،)15كما عين لوسيوس
فولوسيوس مايسيانوس( ،)Lucius Volusius Maecianusالمعلم السابق لماركوس ،وسبق وان
شغل منصب محافظ المحافظات في مصر ،وقد تم استدعاء ميسيانوس ،واصبح عضو في مجلس
الشيوخ ،وعين محافظ خزانة االمبراطورية ،ثم عين قنصل بعد فترة وجيزة ،)16( ،كما عين ابن
زوجة فرونتو ويدعى أوفيديوس فيكتورينوس ( ،)Aufidius Victorinusحاكما أللمانيا العليا(.)17
يبدو أن ماركوس كان راضيا ً كل الرضا لحصوله على اربعة سنوات استراحة من مغامرات شريكه
االمبراطور المشاغب لوسيوس فيروس الذي أصبح يسرف في ملذاته في الجانب االخر من بحر ايجة
لكنه مازال كونه امبراطورا ً وشريكا ،ونحن ندين الى كتاب لمحات ماركوس والمراسالت المتقطعة
التي قام بها مع استاذه فرونتو ( ،)Frontoالذي يقوم مرارا ً بتحويل تلك المراسالت إلى حوار طويل
يتعلق بمشاكله وحياته الحزينة (. )18
عرف عن ماركوس بانه كان متسامح بدرجة ملحوظة ،وقد قال عنه فرونتو( :ان ماركوس
امبراطورا ً ممتازاً ،وتتميز خطبه ببالغة أدبية واسعة ،وانا اشعر بنفس المتعة لرؤية تعليمي ينبثق كما
) (14هناك عدة طبعات لكتاب التأمالت لإلمبراطور ماركوس اوريليوس ومنها ترجمة الباحث Martin Hammond
مع مقدمة الباحث Diskin Clayيمكن مراجعته :
Marcus Aurelius: “Meditations” Translated with Notes by Martin Hammond With an
Introduction by Diskin Clay, First published in Penguin Classics, London.2006
(15) Birley, Anthony R: “Marcus Aurelius: A Biography”. New York: Routledge, 1966,
Pp. 122–123,
(16) Ibid: p. 123
(17) Historia Augusta: “The Life of Marcus Aurelius” published in the Loeb Classical
Library, part 1: 1921. 8.8
(18) (Fronto to Praecilius Pompeianus, 162(: Haines, C. R (ed.): “The Letters of Marcus
Aurelius to Fronto,” 2 vols (Loeb Classical Library 112) . 1919, Pp.88–91
9
يشعر به االباء عندما يرون مالمحهم الشخصية في أوالدهم) ( .)19وفي رسالة أخرى ذكر فرونتو( :ان
ماركوس هو الحنطة التي نمت في الحقل ،وهي االن محصول يانع ذهبي) (.)20
الحياة اليومية لإلمبراطور لماركوس
اغلب ما نعرف عن ماركوس اوريليوس من حيث الجانب العائلي في تلك الفترة وصلتنا من
الرسائل التي كان يرسلها الى استاذه فرونتو عندما كان يقضي عطلته في مدينة آلسيوم ()Alsium
( ،)21وكانت اغلب اعمال ماركوس تتم بعد الظهر بعد قيلولة منتصف النهار حيث كان يبدأ بالكتابة ،أو
يتمرن على أداء الخطب البالغية أو حتى صياغة بعض الجمل المؤثرة في نفوس سامعيها ،وقد اقتبس
الكثير من مؤلفات شيشرو ( ،)22( )Ciceroوبلوتوس ( ،)23( )Plautusواينيوس (، )24( )Ennius
أو لوكريتيوس ( ،)25( )Lucretiusوفي بداية المساء كان يهوى السير على طول ساحل البحر ،وإذا
وإذا كان الجو هادئا ً فإنه يعتلي سطح سفينة ويستمتع بإيقاع تالطم المجذاف باألمواج ،وعندما يعود
للمنزل يأخذ حماما ً ساخنا ويجلس لتناول العشاء ،ويتكون طعامه النموذجي من المحار وديك مسمن
وفاكهة وكعك ونبيذ راقي( ،)26وكان يعاني من قلق وخوف مستمر يكمن في مرض اوالده ،فكل أطفال
الرومان الحديثي الوالدة يتعرضون للموت نتيجة االمراض المعدية ،فقد أصابت الحمى ابنته
كورنيفيشا ( )Cornificiaعام ( )162م في مدينة آليسوم ،وكان قلقا عليها من حمى التيفوئيد أو
المالريا ،ولحسن الحظ شفيت من مرضها ( ،)27وكان ماركوس في اغلب رسائله يشير إلى بناته وولديه
التوأم هما محط تركيز واهتمام استاذه ،ففي عام ( )163م قابل فرونتو التوأم ثم قابل ماركوس ،وقد
) (33كان تيتوس فريوس كليمنس فارس روماني وعضو مجلس الشيوخ عمل كموظف حكومي في محافظات بلجيكا
واثنين من المحافظات الجرمانية (ألمانيا) ،وراتيا ( ،)Rätiaوموريطانيا القيصرية ،وسيتانيا وكيليكيا (قيليقيا) ،وأخيرا
تم تعيينه وزير إمبراطوري :
Birley, Anthony R:”Marcus Aurelius A Biography” Rev. ed. London: Batsford, Cambridge
University Press, 1987. p.159.
) (34اوريليوس بمبيروس ديونيسيوس (؟ )190-م كان قاضي روماني وهو من أصل الفرسان ويمارس العديد من
القضايا القانونية في مهنته ،تولى العديد من المناصب اإلدارية منها مستشار قانوني ،وإدارة البالط االمبراطوري
وإدارة مدينة روما ومحافظ مدينة اإلسكندرية في مصر (: )Praefectus Alexandreae et Aegypti
Inge Mennen : “Power and Status in the Roman Empire, AD 193-284” Koninklijke Brill
NV, Leiden, 2011. p. 151
;(35) Dio Cassius: (1927) . 55.26. 53.12
(36) Strabo, “The Geography of Strabo” of the Loeb Classical Library edition,
1923, 3.4.19; 17.3.25
) (37القسطور :موظف روماني مارس مختلف الوظائف في عهد الملكي يتم تعين القسطور للتحقيق في جرائم القتل
،وفي عهد الجمهورية يمارس االشراف على خزينة الدولة ،وفي عهد اإلمبراطورية مهمته قيادة المجلس االمبراطوري
والرد على االلتماسات المواطنين :
William Smith: “Salii". Dictionary of Greek and Roman Antiquities” . John Murray,
London, 1875. Retrieved 2012. Pp. 8-12
12
كبيرا ( ،)38وبإمكان االمبراطور التدخل في شؤون االقاليم المحكومة من خالل تعيين مجلس تشريعي
امبراطوري بدالً من الحاكم الطاغية أو ارسال وزير مفوض من قبله الذي يخبر حاكم االقليم ما هو
المطلوب منه( ،)39وكانت االقاليم االمبراطورية تقسم بشكل ثانوي الى ثالث اقسام:
()40
( )1القنصل الحاكم
( )2الحارس االمبراطوري
( )3الفارس االمبراطوري (ممثل االمبراطور يتنقل على ظهر الجواد)
هذا النظام تنازلي من حيث األهمية ،فقد كان القنصل والحارس االمبراطوري تحت اشراف مجلس
الشيوخ حيث يقدمون المساعدة لهم في االمور المالية ،وكان منصب الفارس أسفل (الهرم) وهو ممثل
االمبراطور يتنقل بين األقاليم على ظهر جواد ،وكان عددهم في عهد نيرون ( )10فرسان بينما في
عهد ماركوس اوريليوس كان عددهم ( )5فقط ،وتحت حكم ماركوس ايضاً ،وألسباب غير معلنة،
ولكن من الواضح انه اعتبرها مصدر خطر يهدد االمن واالستقرار ،حيث اصبحت بيثينيا ()Bithynia
(مقاطعة رومانية تقع شمال غرب اسيا الصغرى تركيا) ،والية امبراطورية ،وظلت كذلك بدون اي
مبادلة أو تعويض لمجلس الشيوخ(.)41
يمكن رسم صورة عن الوضع االداري لإلمبراطورية الرومانية تحت حكم ماركوس اوريليوس،
كانت صقلية والية تحكم من قبل قنصل ،بينما جزيرتي كورسيكا وسردينيا الكبيرتين وتقعان في غرب
البحر المتوسط فكانتا تحت إدارة الفارس االمبراطوري ،وتم تقسيم اسبانيا إلى ثالثة اقاليم ،ومن بين
تلك االقاليم كانت بايتيكا (( )Baeticaحاليا منطقة االندلس) ،تخضع لحكم مجلس الشيوخ ،بينما كان
االقليمين االخرين وهما تاراكونا (( )Tarraconaحاليا منطقة كاتلونيا) ،ولوسيتانيا ()Lusitania
(حاليا البرتغال) اقليمين امبراطوريين(وكانت تراكونا قنصلية بينما كانت لوسيتانيا تحكم من قبل
الحرس االمبراطوري) ،وكان هناك فيلق واحد يتواجد بشكل دائمي في شبه جزيرة ايبيريا( ،)42أما بالد
الغال ( )43( )Gaulفهو اقليم واحدا ً يحكم من قبل مجلس الشيوخ وهي ناربونيا (( )Narboniaحاليا
جنوب فرنسا) مع ( )3اقاليم تحت إدارة حرس االمبراطوري ،وهي اكويتانيا (( )Aquitaniaحاليا
جنوب غرب فرنسا) ،وبلجيكا (( )Behgicaحاليا بلجيكا) ،ولجونوم (( )Ludgunumحاليا ليون
في فرنسا) ،أما اهمية بريطانيا فكانت تكمن في وضعها كأقاليم امبراطوري يحكمه قنصل تحت أمرته
(38) Campbell, Brian:” The Emperor and the Roman Army (31 B.C.-A.D. 235)” Oxford.
1984. Pp.348–52.
(39) Dio Cassius: (1927) . 53.15.4.
) (40اعتبر القنصل موظف سياسي عالي المستوى في الجمهورية الرومانية بينما في العهد االمبراطوري أصبح مجرد
ممثل رمزي مع قوة وسلطة محدودة ،واغلبهم من الطبقة األرستقراطية ويعادل منصب المحافظ في المناطق الحضرية
وفي كثير من األحيان يتم تعينهم من قبل االمبراطور من اقاربه وأصدقائه:
Bury, John Bagnel: “A History of the Roman Empire from its Foundation to the Death of
Marcus Aurelius” 1893. p. 29
(41) Werner Eck:”Empire, Senate and Magistracies”, Cambridge Ancient History 11,
Second edition. Cambridge University Press, 2000. p.225.
(42) Keay, Simon J:”Roman Spain. Conquest and Assimilation”: British Museum
Publications. London. 1991
) (43بالد الغال( )Galliaوتشمل فرنسا وبلجيكا ولوكسمبورغ وسويسرا وجزء من هولندا ،فهي تشمل غرب اوربا ،
واستوطنت من قبل القبائل الكلتية ( )Celticفي عهد الدولة الرومانية.
13
امرته ثالثة افواج( ،)44وتم تقسيم شمال افريقيا إلى ثالث أقاليم وهم إقليم نوميديا (( )Numidiaتشمل
الجزائر وجزء من تونس وليبيا) تحت إدارة القنصل ،واالقليمين االخرين ادارتها من قبل الفرسان
االمبراطورية وهما موريتانيا الطنجية (( )Maurerania Tingitanaالقسم الشمالي من المغرب) ،
وموريتانيا (القيصرية) كايسيريانا (( )Mauretania Caesarianaتشمل منطقة شرق المغرب
وغرب الجزائر عاصمتها شرشال) ،وقد وجد فيلق واحد وهو كافي لصد اعتداء قبائل البدوية في
الصحراء االفريقية (.)45
كانت مصر اقليما ً امبراطوريا ً اخر ،يدار من قبل فارس ذو رتبة عالية وهو حاكم مصر ،مع فيلق
تحت تصرفه ،وكانت قورينائي (( )Cyranaicaمنطقة برقة في ليبيا) (وبضمنها كريت )Greteاقليما ً
تحت إدارة مجلس الشيوخ ،ولكن جزيرة العرب ،وهو اقليم جديد فقد كان تحت اشراف الحرس
االمبراطوري وفيه فيلق واحد ،كما تركزت الفيالق في المانيا ومنطقة الدانوب في كل من جيرمانيا
(( )Germaniaتشمل جنوب غرب المانيا ومنطقة االلزاس في فرنسا وغرب سويسرا) العليا والسفلى
اقاليم يديره قنصل مع فيلق لكل منها ،واعتبرت جبال االلب منطقة آمنة ،حيث قسمت الى ( )6اقاليم
بإدارة فرسان االمبراطورية وهي :نوريكا (( )Noricaالنمسا وجزء من سلوفينيا) ،رايتيا ()Raetia
(شرق ووسط سويسرا بمعنى أعالي الراين) ،وبو االلب (( )Po Alpsتشمل منطقة شمال ايطاليا من
نهر البو وإلى جبال االلب) ،واقليم االلب ماريتامي (( )Alpes Maritimaeمنطقة االلب بين فرنسا
وإيطاليا) ،وكوتياي االلب (( )Alpes Cottiaeبين فرنسا وإيطاليا) ،وبوينيناي االلب ( Alpes
( )Poenninaeغرب جبال االلب بين إيطاليا وفرنسا) (.)46
أما على طول نهر الدانوب هناك ( )8اقاليم امبراطورية :اثنان من رتب الفرسان في داكيا السفلى
(( )Daciaشرق وجنوب شرق ترانسلفانيا حاليا رومانيا) ،و( )2من الرتب الحرس االمبراطوري
(في داكيا العليا وبانونيا العليا (()Pannoniaشمال وشرق نهر الدانوب)( ،)47مع فيلق لكل اقليم ،بينما
( )4منها وهي (دالماتيا (( )Dalmatiaالساحل الشرقي لبحر االدرياتيك) ،وبانونيا العليا ،وموسيا
(( )Moesiaفي إقليم البلقان) ،السفلى وموسيا العليا) اقاليم ذات رتب قنصلية ،واحتوت موسيا العليا
على فيلقين ،وبانونيا العليا على ثالث فيالق ،بينما تشاركت كل من دالماتيا وموسيا السفلى ثالث فيالق،
وكانت كل من جزيرة قبرص واليونان ومقدونيا اقاليم بإدارة مجلس الشيوخ ،بينما كانت ثرايس (تراقيا)
(( )Thraceجنوب شرق منطقة البلقان) ،اقليما ً امبراطوريا ً بإدارة الحرس االمبراطوري ،اما سوريا
وفلسطين (التي تسمى رسميا جوديا أو يهودا) فهما اقليم امبراطوري يديره قنصل فيهما فيلقين()48الن
سوريا كانت تواجه الدولة الفرثية مباشرة لذا وجد فيها ثالث فيالق ،كما وجد في إقليم كبدوكيا
(44) Todd, Malcolm: “Roman Britain 55 BC–AD 400” Ancient History R 30 TOD; History
26 , London. 1997
(45) Lennox Manton: “ Roman North Africa” Ancient Civilizations , Batsford Ltd 1988
(46) Scott, Sarah, and Jane Webster, eds :”Roman Imperialism and Provincial Art”.
Cambridge: Cambridge University Press, 2003// King, Anthony. :”Roman Gaul and
Germany”. Berkeley: University of California Press, 1990.// Matthew Bunson:” A
Dictionary of the Roman Empire” Oxford University Press . First edition. Oxford .1995.
p. 100
(47) L’Année Épigraphique. Rapport Libyca, 4: Paris. 1956, p. 123
(48) Sartre, Maurice : “D’Alexandre à Zénobie”. Histoire du Levant antique, IVe siècle av.
J.-C.-IIIe siècle ap. J.-C., Paris, Fayard, 2001, p.606.
14
(( )Cappadociaمنطقة قيصري في وسط تركيا) فيلقين ،وكان ذلك طبيعيا ً في منطقة ذات خطر
كبير بسبب التهديدات الفرثية ،لذا فهو اقليم بإدارة قنصل ،وكانت كل من غاالطيا (( )Galatiaوسط
تركيا) ،وقيليقيا (( )Ciliciaالساحل الجنوبي لتركيا على البحر المتوسط) ،اقاليم تحت اشراف وإدارة
الحرس االمبراطوري ( ،)49وكان في االناضول خمسة اقاليم ،اثنين منها كانت بحكام (وهي اسيا
(( )Asiaفي غرب تركيا) وليسيا (( )Lyciaاقليم انطاليا التركية) بامفيليا (( )Pamphyliaتقع بين
إقليم ليسيا وقيليقيا حاليا ضمن إقليم انطاليا) وكانت تلك االقاليم مسيطر عليها بقوة من قبل االمبراطور
بواسطة مجموعة توجيهات تم ارسالها من قبل ماركوس إلى حكام تلك المناطق(.)50
يعتبر ماركوس اوريليوس في تفكيره رجال إداريا اكثر من االمبراطور انطونيوس بيوس ،فقد كان
لدية القدرة على زيادة فرص العمل لطبقة الفرسان االمبراطورية بدون ان يشعر مجلس الشيوخ
بالغيرة ،وكان هناك رجال من طبقة ليست من مجلس الشيوخ موجودون في عدد من المراكز الرئيسية
مثل قائد مصر (كان من طبقة الفرسان العليا) وكان قائد الحرس االمبراطوري وهو المنصب الثاني
الرفيع ( ،)51وكان هناك قائدان تم تعينهم من اجل عدم توقف امدادات الحبوب من مصر إلى روما،
ويوجد لواء خاص للمطافئ في روما ،ونواب إلدارة ثكنات المصارعة واالبنية العامة وامدادات الماء،
واداريين يختصون في تدوين الضرائب ،اضافة الى انظمة النقل ( ،)52وعلى الرغم من ان مجلس
الشيوخ مازال مسؤوالً نظريا ً عن حكم ايطاليا ،فقد قام ماركوس بتعيين قضاته من الفرسان ممن
يعيشون في روما او ما جاورها ( .)53وهناك منصب آخر من مرتبة الفرسان يهتم في الشؤون المالية
االمبراطورية (.)54
(49) Mitchell, Stephen: “Anatolia”. Volume 1. University Press, Oxford. 1993. p. 29
)50( Digest :Theodore Mommsen and P. Krueger (eds), Justinian’s Digest of Roman Law,
trans. A. Watron, 4 vols .Philadelphia 1985. 50.2.3.2; 48.18.1.27; 2.14.60; 1.18.14; 25.4.1.
) (51اجتمع عدد كبير من قادة الحرس االمبراطوري ( )Praetorianالوفيات المفاجئة والعنيفة .أنها واحدة من أوضح
عالمات االستقرار النسبي للنظام اإلمبراطوري في منتصف الفترة التي يتم تسجيلها ال شيء على أنها حدث بين عام
( )97ميالدي وعهد كومودوس:
Fergus Millar: “The Emperor in the Roman World 31 BC-AD 337” Ithaca, N.Y. Cornell
University Press, London: Duckworth. 1977 .p.126
(52) Werner Eck: “The Growth of Administrative Posts”, Cambridge Ancient History.
Second edition. Cambridge University Press, 2000, pp.240–1
(53) Schwendemann, Joseph: ” Der historische Wert der Vita Marci bei den scriptores
Historiae Augustae” Heidelberg 1923, Pp.28–51// Williams, Wynne W: “Individuality in
the Imperial Constitution: Hadrian and the Antonines”, The Journal of Roman Studies 66
: 1976, Pp.67–83
(54) Pflaum, Hans-Georg: “ Les carrières procuratoriennes équestres sous le Haut Empire
romain “ . Lybica III: Paris. 1950, Pp.1019–1020
15
-3تنظيم الجيش الروماني في عهد ماركوس
مقدمة
اشتهر الرومان بقدراتهم العسكرية التي اكتسبت خالل حروبهم الطويلة ضد قرطاج أو ما تعرف
()55
بالحروب البونية ،والعمليات العسكرية في اسبانيا ضد القبائل المنتشرة جنوب نهر ايبرو()Ebro
،والقضاء على القبائل النوميدية في شمال افريقيا ،وأجريت تغيرات كثيرة في التنظيمات العسكرية
التي شرعها القنصل ماريوس فالمشاة يحملون حربة ودرع وسيف قصير ،كما انحلت الوحدات
الصغيرة لتحل محلها الكتيبة وكل عشرة كتائب تؤلف فرقة ( )Legioوهي فرقة هجوم مؤلفة من
المشاة المحاربين ،وكان الجندي يحمل معدات وزنها ثمانون رطال فوق ظهره ويسير ( )40ميال يوميا
فكان له الحق ان يدعو نفسه (بغل ماريوس) ( ،)Mulus Marianusوأصبحت مدة الخدمة ()16
عاما ،كما واصبح والء الجندي لقادته في المعركة .
بقيت تلك تشكيالت وصنوف الجيش كما هي إلى القرن الثاني الميالدي ،فقد اثبتت نجاحها أمام
الجيش الفرثي ،وتمكن االباطرة من الوصول إلى طيسفون (المدائن) وسلوقيا (تل عمر) ومنها حملة
القنصل كراسوس على فرثيا عام ( )53ق.م ( ،)56وحملة القائد انطونيوس على الفرثيين سنة ()36
ق.م ( ،)57وحملة تراجان على بالد الرافدين ووصوله إلى الخليج العربي عام ( )114م ( ،)58وحملة
ماركوس اوريليوس عبر الفرات عام ( )162م ( ،)59ويمكن ان نوضح بعض التشكيالت المتعارف
عليها في القرن الثاني الميالدي وهي:
-1الجحفل ( : )Legionsيتألف هذا التشكيل من ( )5000من المشاة الثقيلة الذين تم تجنيدهم من المواطنين
الرومان ويخدمون اكثر من ( )10سنوات .
-2اوكسيليا ( : )Auxiliaتتألف من أفواج ،وكل فوج ( )500جندي ،وكل عشرة أفواج وتعادل جحفل
واحد ،ويتم تجنيدهم من المواطنين في إيطاليا ممن ال يحملون التبعية الرومانية واغلبهم مشاة خفيفة
ورماة.
-3نوميري ( )Numeriوهم الحلفاء او (البرابرة الغير متحضرين حسب المفهوم الروماني) أو
(المرتزقة) من سكان شمال افريقيا وسهول الراين ومجهزين بطريقة تقليدية وال توجد ارقام واضحة
لعددهم (. )60
) (55أحد انهار شبه جزيرة االيبيرية ويعتبر ثاني أطول نهر في اسبانيا بعد نهر تاغوس ،ينبع نهر ايبرو من إقليم
بورغوس ( )Burgosويتجه باتجاه الشرق ضمن ارض قوامها صخور كلسية ويصب في البحر المتوسط .
) (56اشتهر في هذه المعركة طريقة القتال من على ظهور الخيول الفرثية حيث كان الفارس الفرثي يرمي السهام وهو
في حالة الجري فأطلق عليه الرومان اسم (السهم القاتل) أو (السهم البارثي) .
Chirshman, Roman: “Iran “London. 1954. p. 254
(57)Plutarch,Antonius, Lives, by bernadotte perrin lonbon,Willam heinemann ltd
Cambridge, massachusetts Harvard university press . p. 49
) (58نجم عبد هللا محمد عبد مغامس :أحوال العراق إبان االحتالل الفرثي (-126ق.م – 226م) أطروحة دكتوراه كلية
اآلداب ،جامعة الموصل ،غير منشورة ،الموصل ، 2011 ،ص //43واثق إسماعيل الصالحي :أحداث من تاريخ
مدينة الحضر ،مجلة بين النهرين ،العددان ،74-73موصل ،1991 ،ص 23
(59) Freya Stark: “Rome on the Euphrates “London. 1966. (1966) .p. 236
(60) Goldsworthy, Adrian: “Roman Warfare” Cassell. London. 2000. p. 90
16
توزيع الفيالق والتشكيالت العسكرية الرومانية في عهد ماركوس
في السنوات االربعة التي غابها لويسوس فيروس في الشرق ،لم يكن بإمكان ماركوس قضاء
العطلة في مدينة آلسيوم الن مشاكل االمبراطورية ال تنتهي فقد كانت من أولى اهتماماته إدارة مناطق
االمبراطورية النائية ،ومن الناحية العسكرية كان االباطرة حذرين من تواجد االعداد الكبيرة من القوات
العسكرية الرومانية في مكان واحد ،فقد يؤدي هذا إلى انقالب عسكري هم في غنى عنه ،وكانت حماية
شخصية االمبراطور ماركوس في روما مؤمنة من خالل وجود ( )3افواج من الشرطة (تعادل الشرطة
الحالية) في روما القديمة ،وهناك ( )9افواج من الحرس االمبراطوري الروماني ،ويساعدهم في ذلك
( )7افواج من الشرطة فيكيلز ( )vigilsللحراسة الليلية ( ،)61وكان عمل افواج الشرطة باعتباره خط
الدفاع االول في حفظ القانون والنظام ،بينما كان الحرس االمبراطوري يتعامل مع الثورات الخطيرة
في شمال افريقيا والراين ومصر وبالد الشام ،ويعتبر الحرس االمبراطوري هم الحرس الشخصي
لإلمبراطور وعائلته ،كما ويتم توظيف جيش مؤقت خالل اوقات االضطرابات (.)62
ان تقسيم المسؤوليات بين افواج الشرطة والحرس االمبراطوري كان معقداً ،وسبب هذا التعقيد تعود
إلى اعتبارات طبقية ،ألن الحرس االمبراطوري اغلبهم من الفرسان بينما كانت االفواج الشرطة من
مجلس الشيوخ ( ،)senatorوكان أعضاء مجلس الشيوخ يشعرون بالمساواة مع االمبراطور ،فلم يكن
بإمكانهم خدمته كحراس شخصيين أو كتابعين له ،وقد أدى الحرس االمبراطوري دورا ً سياسيا ً في
السنوات االستثنائية ( )69-68م وسنة ( )193م ( ،)63وكان الحراس الليليين من الفرسان التابعين إلى
االفواج الشرطة ،فقد تم تجنيدهم من الرجال االحرار وطبقة العمال ( ،)64وكل فوج يتكون من ()500
رجل قوي ،وقد حددت مدة الخدمة للحرس االمبراطوري ( )16سنة ،بينما بلغت سنوات الخدمة في
افواج الشرطة والحراس الليليين ( )25سنة ،وكانت هناك امتيازات لمن يخدم في الحرس االمبراطوري
الروماني فهم يستلمون رواتب اعلى بكثير من الفيالق االعتيادية ،ومكانتهم االجتماعية اعلى وتنحصر
خدمتهم في ايطاليا فقط ،كما ويستلمون الحبوب مجانا ،ولهذا السبب كان االيطاليون يفضلون االنضمام
إلى الحرس االمبراطوري في حالة ايقاف تجنيدهم في الفيالق االخرى(.)65
) (61فيكيلز :وهي الشرطة الليلية واصل الكلمة التيني ،وفيجيالي ( )vigiliaeتعني حراس مهمتهم الحراسة
حيث تقسم ساعات الليل من الساعة السادسة مساءا والى السادسة صباحا ،بمعنى ثالث ساعات في أربعة وجبات
حراسة ،عموما هم حرس ليلي فقط :
Tacitus, Cornelius: “The Annals” trans. by Alfred John Church and William Jackson
Brodribb , The University of Adelaide Library. South Australia. 2014. 4.5
(62) Tacitus, Cornelius: “The Annals” trans. by Alfred John Church and William Jackson
Brodribb , The University of Adelaide Library. South Australia. 2014. 13.18.
(63) Dio Cassius: “Roman History”, published in Vol. IX of the Loeb Classical Library
edition, 1927. 79.14
”(64) Dio Cassius: (1927) 55.26. // Keppie, Lawrence: “The Making of the Roman Army
1984, p.188.
(65) Keppie, Lawrence: “The Making of the Roman Army” 1984, p.188
17
شكل :4مشهد من عمود ماركوس اوريليوس الذي يعود الى القرن الثاني يصور مسيرة الفيلق
الروماني في الحروب الماركونية
تنظيم الجيش
كان من أولى اهتمامه للجيش هي زيادة الرواتب للعسكريين لضمان والئهم لروما ،فقد ازدادت
رواتب النواب الفرسان لتصل إلى ( )300,000سيستيرسيس سنويا ً ( )66بمعنى ازدادت بنسبة %50
منذ عهد االمبراطور كالوديوس ()54-41م ،وظهرت ايضا ً مرتبة من الفرسان مساوية لمرتبة
السيناتور(عضو مجلس الشيوخ) ،واخيرا ً فقد رفع ماركوس الجنود الموهوبين من طبقته ومن بينهم
بعض االسماء المشهورة في نهاية القرن الثاني إلى رتبة قادة فيالق ومنهم بوليبيوس هليفيوس بيرتيناكس
( ،)67( ) Publius Helvius Pertinaxوسيبتيميوس سيفيروس (،)68( )Septimius Severus
(66) Werner Eck: “Administrative Posts”, Cambridge Ancient History 11: Second edition.
Cambridge University Press, 2000, Pp.242–4.
) (67بوبليوس هلفيوس بيرتيناكس ( )193-126م ابن احد العبيد المحررين ،وكان يعمل في األصل كمدرس قبل أن
يصبح ضابطا في الجيش ،وخاض الحرب ضد الفرثيين عام ( )160م ،وحقق نجاحا كبيرا رفعه لعدة مناصب عليا في
المجالين العسكري والسياسي ،فقد عين حاكم مقاطعة ،ثم عضوا في مجلس الشيوخ ،وفي عام ( )193م اختير خلفا
لكومود وس بعد اغتياله ،وكان اول امبراطور خالل السنة المضطربة من االباطرة الخمسة ولم يحقق شعبية في نفوس
اهل روما فقد شرع في سلسلة من التخفيضات مما أدى إلى عدم شعبيته عند عامة الناس ولهذا اغتيل من قبل الحرس
االمبراطوري بعد أن حكم ثالثة اشهر :
Edward Pococke, and Thomas Arnold and James Amiraux, “History of the Roman Empire
from the time of Vespasian to the Extinction of the Western Empire” John Joseph
Griffin.1853. p. 158
) (68سيبتيموس سيفيروس ( )211-145م أصبح امبراطور روما عام 193واطلق عليه االمبراطور األسمر ألنه من
مدينة ليبتيس ماجنا (مدينة لبدة في ليبيا) استولى على السلطة بعد مقتل االمبراطور بيرتيناكس :
Birley, Anthony R:”The African Emperor” London. Batsford, 1999. p. 113.
18
وفيسبرونيوس كانديدوس ( ،)69( )Vespronius Candidusوتبيريوس كالوديوس كانديدوس
( ،)70( )Tiberius Claudius Candidusواولبيوس مارسيلوس (،)71( )Ulpius Marcellus
وماركوس فاليريوس ماكسيميانيوس( )72()Marcus Valerius Maximianusان ظهور طبقة
الفرسان كان إلى حد كبير مسألة نمو ديموغرافي بسيط ،الن النظام مجلس الشيوخ القديم كان قد فشل
في تزويد الدولة باألبناء واالحفاد المؤهلين للخدمة العسكرية ،وبالمقابل فأن كل جيل من الموظفين
الفرسان كانوا يجندون من العوائل الجديدة المحلية البعيدة عن روما ،وكانت النتيجة الذي كان ايطاليا ً
بالكامل في بداية ساللة فالفيان ( ،)73( )Vlavianاصبح نصفهم من االيطاليين في زمن ماركوس
اوريليوس(.)74
) (69فيسبرونيوس كانديدوس :احتل منصب بروقنصل (( )proconsulفي إقليم افريقيا (تونس الحالية) (منصب
البروقنصل الروماني :ال يمكن للقيادة العسكرية أن تمارس مهمتها القيادية أو السلطة العسكرية إال من قبل البروقنصل)
وحتى نهاية حكم كومودوس ،وبناء على رغبة مواطنيه عذب المسيحين باعتبارهم أناس ال يرغبون بالسالم والتعايش
داخل اإلمبراطورية:
”Tertullian: “The Fathers of the Church:Apologetical Works and Minucius Felix, Octavius
Translated by Rudolph Arbesmann, the Catholic University of America Press .
Washington, Reprinted .1985. p. 157 n. 4
) (70تبيريوس كالوديوس كانديدوس :جنرال روماني خدم تحت امرة ماركوس وابنه كومودوس وكان له دور مهم
في دعم سيبتيموس سيفيروس في الحصول على منصب االمبراطور بعد اغتيال كومودوس ،شغل منصب قنصل عام
195أو 196م ،والمالحظ ان ثمانية جنراالت في جيش ماركوس ستة منهم من األقاليم التابعة وليس من روما :
Paul M. M. Leunissen, :”Konsuln und Konsulare in der Zeit von Commodus bis Severus
Alexander “Amsterdam . 1989. p. 153
) (71اولبيوس مارسيلوس :كان يشغل منصب حاكم قنصلية الرومانية في بريطانيا ( )176م وعاد الى روما ليشغل
منصب جنرال وارسل في عهد كومودوس لقمع ثورة عام 180م في بريطانيا بعد ان اخترقت القبائل سور هادريان
وقتلهم الجنود الرومان هناك واستمرت الثورة أربعة سنوات :
Brassington, M :”Ulpius Marcellus" Britannia, Vol.11 :1980. Pp. 314-315
) (72ماركوس فاليريوس ماكسيميانيوس :جنرال روماني شارك في الحروب الماركونية في عهد ماركوس اوريليوس
اصله من يوتوفيو (سلوفينيا الحالية) كما شارك في الحروب ضد المملكة الفرثية الى جانب لوسيوس فيروس كما كلف
من قبل ماركوس بضمان توفير القوات المحمولة على القوارب في نهر الدانوب :
–Brian Campbell:” The Roman Army, A Sourcebook” London: Routledge, 1994. Pp. 64
65//Pflaum, Hans-Georg: “ Abrégé des procurateurs équestres” Paris 1974, p.63; Eck,
‘Administrative Posts’, p.259; Syme, RP v, p.687
) (73ساللة فالفيان :حكمت ساللة فالفيان الرومانية بين 69ميالدية و 96ميالدية وتشمل حكم االباطرة فيسباسيان
( )79-69وولدية تيتوس ( )81-79م و دوميتيان ( )96-81م :
Jones, Brian W.; Robert Milns : “Suetonius: The Flavian Emperors: A Historical
Commentary. London: Bristol Classical Press. 2002.
(74) Hammond, Mason:”The Composition of the Senate, AD 68–235”, Journal of Roman.
Studies 47 .1957. Pp.74–81 // Campbell, Brian:” The Emperor and the Roman Army (31
B.C.-A.D. 235)” Oxford. 1984. Pp.404–408.
19
-4دور مجلس الشيوخ والمستشارين التابعين في عهد ماركوس
(75) Marcus Aurelius: “ Meditations” Translated with Notes by Martin Hammond With an
Introduction by Diskin Clay . Published by the Penguin Group, London. 2006. p. 76
(76) Byrd, Robert:” The Senate of the Roman Republic” U.S. Government Printing Office,
Senate Document, 1995. Pp. 103-123.
(77) Talbert, Richard:” The Senate of Imperial Rome”. Princeton, New Jersey: Princeton
University Press, 1984. Pp. 2-9
(78) Ibid: Pp. 37-39
(79) Ibid: p. 39
) (80قرية هالال( : )Halalaربما في أوائل تموز وضع ماركوس خطة الستعادة والء المقاطعات الشرقية ترافقة قوة
عسكرية رومانية وأيضا زوجته فوستينا وفي الطريق وعند قرية تسمى هالال في إقليم كابادوكيا في تركيا ،توفية
فوستينا .وقد يكون سبب وفاتها مرض النقرس أو بسبب مضاعفات حمل آخر .وربما كانت ضعيفة أيضا بسبب رحلة
الشتاء الطويلة .وكان متوسط العمر المتوقع في العصور القديمة منخفضا ،وقد تحملت فوستينا حمل أربعة عشر طفال،
واصد مجلس الشيوخ قرار بعد موتها بتقديسها وغيرت اسم قرية هالال فاوستينوبوليس ( ، )Faustinopolisوقد شعر
ماركوس بالذهول كثيرا عند وفاتها ،ومرة أخرى أخذ بمشورة معلمه الرواقي إبيكتيتوس ( )Epictetusحول وضع
20
المحافظات الشرقية فأصدر مجلس الشيوخ قرارا بتأليه زوجة ماركوس بناء على طلبه ( ،)81على
العموم بعد وفاة االمبراطور ماركوس أصبح مجلس الشيوخ مؤسسه شكلية ال عالقه لها بشؤون الدولة
بينما أصبح االباطرة اكثر عدائية ألعضاء المجلس وال يستشير االمبراطور مجلس الشيوخ كما كان
االمر متعارف عليه في عصر الجمهورية (. )82
قام ماركوس بمحاولة لتحسين أحوال أعضاء مجلس الشيوخ على أساس انهم موظفين في الدولة
الرومانية ،ففي فترة زعامته كان ( )160منهم قد تولوا بعض المناصب االدارية ،وهي نسبة ثلث
أعضاء مجلس الشيوخ تقريبا ً كانوا يمارسون االعمال الرسمية ( ،)83وعندما اندلعت الحرب مع فرثيا
()162-161م كان هناك الكثير من الشكوك حول كيفية ارضاء مجلس الشيوخ ،وعلى العموم بعد
توليهم مناصب اإلدارية أصبح أعضاء المجلس حكاما لالقاليم مثل لرايتيا ( )Raetiaونوريكوم
( ،)84()Noricumكما شرع ماركوس بتوسيع (هيئة السيادة) ،وبذلك أصبحت اغلب المناطق
االمبراطورية لها فرد من عائلة واحدة في مجلس الشيوخ على االقل ،وهكذا قدمت تيانا (،)Tyana
في كبدوكيا (وسط بالد االناضول ويعتبر االقليم الشرقي لإلمبراطورية) أول عضو في مجلس الشيوخ
من الشرق وهو تبيريوس كالوديوس غورديانوس(،)85( )Tiberius Claudius Gordianus
وبالمناسبة يظهر أن استاذه فرونتو في ذلك الوقت كانت له مكانه في قلوب بعض أعضاء مجلس
الشيوخ بدليل كان يتصل بهم وخاصة ذوي األصول من شمال افريقيا ،ولكننا ال نعرف ما هو الهدف
من تلك االتصاالت بين الطرفين ( ،)86في حين قام ماركوس بزيادة عدد المستشارين من ثمانية إلى
عشرة مبتعدا عن استشارة المجلس ( ،)87وإذا كان االمبراطور تراجان قد أجبر على كل مرشح لمنصب
ماركوس بعد وفاة زوجته (عندما تقبيل زوجتك أو طفلك ،قل لنفسك كنت تقبل إنسانا بشريا ،ولذلك عندما تموت فأنك
لن تكون مستاء جدا) ( ،)Encheiru/ion 3ومن الواضح أن ماركوس كان ناجحا في االستجابة لهذه النصيحة مع
اطفالة وزوجته فوستينا:
William O. Stephens: “Marcus Aurelius: A Guide for the Perplexed” Printed and bound in
India. 2012. p. 36
(81) Marcus Aurelius: “ Meditations… p. 132
(82) Byrd, Robert:” The Senate of the Roman Republic” U.S. Government Printing Office,
Senate Document, 1995. p. 118
(83) Werner Eck: “Emperor, Senate and Magistracies”, Cambridge Ancient History 11,
Second edition. Cambridge University Press, 2000 .p.227.
) (84نوريكوم وهي االسم الالتيني لمملكة سلتيك أو اتحاد قبائل وتشمل معظم النمسا الحديثة وجزء من سلوفينيا:
Werner Eck: “Administrative Posts”, Cambridge Ancient History 11, Second edition.
Cambridge University Press, 2000, p.245.
) (85تبيريوس كالوديوس غورديانوس ( )193-125م كان سياسي وقائد عسكري خالل القرن الثاني في
اإلمبراطورية الرومانية واحتل منصب جنرال في جيش ماركوس وبرز ت قدراته العسكرية في حروب ضد فرثيا
وماركوماني وكان عضوا في العائلة اإلمبراطورية بسبب زواجه من لوسيال ابنة ماركوس :
Prosopographia Imperii Romani: s. v. Claudius, no. 973, Volume 2, (first edition). Berlin,
1897-1898.
(86) Champlin, Edward : ‘The Chronology of Fronto” , The Journal of Roman Studies
64. 1974. p.79
) (87خالل فترة حكم ساللة فالفين ( )96-69( )Flaviansميالدي كانت هناك عادة ستة قناصل يتم تعينهم في السنة،
وفي عهد تراجان ستة إلى ثمانية قناصل ،وفي عهد هادريان ثمانية قناصل ،وفي فترة حكم أنطونيوس بيوس ثمانية
إلى عشرة قناصل ،أما في عهد ماركوس اوريليوس عدد القناصل ارتفع إلى عشرة ،وفي سنة ( ( )190ميالدي
وهي فترة حكم كومودوس تم تعيين أربع وعشرين قنصال في سنة :
21
المجلس ان يقوم بنقل على االقل ثلث ثروته الشخصية إلى إيطاليا ،وان يستثمرها في شراء عقار هناك
حتى يظهر التزامه وحبه لروما وعظمة إيطاليا ،ولكن ماركوس قلل تلك النسبة إلى الربع فقط (.)88
على أية حال كان مجلس الشيوخ راضيا تماما ،واعتبر ماركوس (امبراطور جيد) فمن وجهة
نظر أعضاء المجلس فان اإلمبراطور الجيد هو الذي يحمي النظام االجتماعي ويقدم المنح للطبقة
االرستقراطية التقليدية التي تمتلك الثروة مع منح االمتيازات لهم ،ألن الطبقة األرستقراطية الرومانية
يرفضون اي مساوات مع الطبقات االخرى( ،)89وحتى اعتبروا عدم المساواة كمسلمات وانها جزء
من النظام الطبيعي للكون ،وقد ناقش الرومان مسألة عدم المساواة ،ولكن المجلس اعتبر بان المساواة
تقوم بتدمير الطبقات االجتماعية التقليدية وحتى ميراثهم ،ومن الطبيعي ليس هناك من يؤيد المساواة،
وقد تجاهلوا وجود ( ،)90()petitio principiiوكان ماركوس اوريليوس الذي عرف بانه يحمل أفكارا
فلسفية فأنه يؤيد مبدا المحافظة على وجود الطبقات في المجتمع الروماني ،فقد وقف إلى جانب مجلس
الشيوخ ،وبين في وجهة نظره بان مشاكل االمبراطورية تتطلب من الناس ذوي المواهب اإلدارية
العمل بجدية ،وكان عليه تعيين موظفين يمتلكون حسن اإلدارة ،فقد رشح رجالً يدعى دوميتيوس
مارسيانوس ( ،)91( )Domitius Marsianusلمنصب نائب فارس في منطقة غاليا (،)Gallia
وبراتب قدره ( )200الف سيستيرسيس ،وعلق ماركوس ان ما يحتاجه هو رجل ذو شخصية قوية،
وصاحب ضمير وذو خبرة( .)92وهذا دليل على ان االمبراطور كان محتارا ً بين التقاليد القديمة في
توارث المناصب وضرورة البحث عن رجل ذو خبرة في القضايا اإلدارية ويعتبر محنكا (.)93
وبال شك كان مجلس الشيوخ راضيا ً عن انطونيوس بيوس واالن راضيا ً عن ماركوس ،وقد
طرحت عدة قضايا مختلفة حازت على اهتمام مجلس الشيوخ خالل اجتماعاته ( )94وهي:
-1موافقة مجلس الشيوخ إلقامة التماثيل في الساحات العامة.
Talbert, Richard J. A: “The Senate of Imperial Rome” Princeton University Press . 1984 .
p.21
(88) Historia Augusta: “The Life of Marcus Aurelius” published in the Loeb Classical
Library, part 1: 1921. 11.8
(89) Pliny the Younger: “Letters 9.5.” Translation: William Melmoth. In Harvard Classics
series. Paul Halsall, August 1998
) (90بيتيتيو برينسيبي ( :)petitio principiaهو تكرار نفس الكلمات سواء في الفكرة او االستنتاج فمثال نقول صديقي
درس القانون والى اعلى مستوى وهو محامي رائع ،ويمكن ان نقول المحامي رائع درس القانون الى اعلى مستوى
وهكذا.
) (91دوميتيوس مارسيانوس :ولد في بوال ريجيا ( )Bulla Regiaفي شمال افريقيا ،وهو من قبيلة كيرينا ،عين
نائب فارس في غاليا و في جميع أنحاء مناطق تونغري و فريسافونيس و جيرمان السفلى و باتافي ،ميليكوم برايفكتوس
:
Emilio Gabba: “ Sources for Ancient History” Michael Crawford (ed.) ,Cambridge
University Press . 1983. p. 127
) (92علق ماركوس( :وداعا يا مارسيانوس ( ، )Marsianusانت عزيز عندي) :
Pflaum, Hans-Georg :“Une lettre de promotion de l’empereur Marc Aurèle pour un
procurateur ducenaire de Gaulle Narbonnaise” Bonner Jahrbuch 171 ,1971 , Pp.349–366
(93) Werner Eck: “Administrative Posts”, Cambridge Ancient History 11, Second edition.
Cambridge University Press, 2000. Pp.259–260
(94) Historia Augusta: “The Life of Marcus Aurelius” published in the Loeb Classical
Library, part 1: 1921. 6.6
22
-2يقوم المجلس بإخبار الهيئة االستشارية حول اي معاهدة يقوم بتوقيعها (.)95
واضب ماركوس على حضور اجتماعات مجلس الشيوخ عند انعقاده في روما ( ،)96وأحيانا يترك
منتجعه في كامبانيا (( )Campaniaفي منطقة نابولي) من اجل حضور االجتماعات.
شكل :5صورة خيالية لمبنى كوريا جوليا (( )Curia Juliaبيت مجلس الشيوخ) في روما ،والذي
شيد في عهد يوليوس قيصر ،وتنعقد فيه جلسات مجلس الشيوخ الروماني
وكان في بعض األحيان يأخذ برأي االقلية واحيانا أخرى يستمع فقط إلى ما يقوله الناس ،وكان
المواطنون يحضرون لمقابلته حتى بدون وجود طلب رسمي بالمقابلة ،وعندما يكون غائبا ً عن روما
في اعمال تخص االمبراطورية كان يقوم بإخبار مجلس الشيوخ بذلك( ،)97وبالمقابل كانت لديه عيون
تخبره بكل االمور التي تحدث في مجلس الشيوخ ( ،)98أو ان يقوم برفض بعض القرارات التي صوت
عليها مجلس الشيوخ ( ،)99ومع هذا كان يدافع عن فكرة سيادة مجلس الشيوخ! بل وعرف عنه ادبه
البالغ عند القاء خطاب له في المجلس ،وفي بعض األحيان يأخذ ماركوس باالقتراحات التي يقدمها
(95) Talbert, Richard J. A: “The Senate of Imperial Rome” Princeton University Press .
1984 . p.366.
) (96كان التقليد السائد في روما بان يجتمع مجلس الشيوخ في مبنى كوريا جوليا ( )Curia Juliaفي روما القديمة،
وذلك في األول من كل شهر ،بحضور االمبراطور او من ينوب عنه اذا كان في حملة عسكرية:
Crawford, M: “ The Roman Republic”, Second Edition, Fontana history of the ancient
world " schema: Fontana Press, 1978.
(97) Historia Augusta: “The Life of Marcus Aurelius” published in the Loeb Classical
Library, part 1: 1921. 10.7–9
) (98كان بإمكان االباطرة حضور االجتماع كأشخاص عاديين ،ويمكنهم التصويت او ان يتم استدعائهم للتصويت،
وبإمكان االباطرة ايضا ً ان يعترضوا بما يملكون من منصب رئاسي .ولهم حق التعبير عن عدم رضاهم عن تصويت
مجلس الشيوخ في حالة حضورهم:
John Roberts (ed.): “Oxford Dictionary of the Classical World” Oxford University Press.
Oxford. 2007
) (99من الناحية الفنية ،استمد حق النقض من قوة ( ، (potestas tribunicianوتجيز قوة ( )tribuniciaالتي
يمتلكها االمبراطور والتي تتجاوز حكام األقاليم والقضاة العاديين وله حق التشريع أو ابطال حكم اإلعدام وعلى
المواطنين الطاعة ،وهذا يعني بان لدى منصب أوغسطس صالحيات واسعة النطاق كإمبراطور:
Talbert, Richard J. A: “The Senate of Imperial Rome” Princeton University Press. 1984.
Pp.166–171.
23
مجلس الشيوخ بعكس االباطرة ممن سبقوه كانوا يتوقعون من مجلس الشيوخ موافقة روتينية على كل
ما يقدمونه من مقترحات ( ،)100وخالل فترة حكمه عندما كان يغيب عن روما كان يقوم بإرسال رسائل
او توضيحات إلى مجلس الشيوخ وخاصة حول بعض القضايا القانونية التي تحتاج إلى إيضاحات
( ،)101وهذه اإلجراءات من لدن ماركوس هي بالتأكيد سبق وان بدأها هادريان وهو أول امبراطور
خاطب مجلس الشيوخ بخطابات والتي استشهد بها لتكون بيانات قانونية صدرت من خالل سلطاته
الشرعية ،وبالفعل وخالل نهاية حكم ماركوس ومن خالل سلطته االمبراطورية فقد تم كبح سلطة
مرسوم مجلس الشيوخ (.)102()senatus consultum
على العموم كان االمبراطور الروماني صانع القرار السياسي ،والقائد العام للجيش ،والكاهن االعلى
والمدافع عن الشعب ،وهو المسيطر على السياسة الخارجية ،ويتخذ قرارات السلم أو الحرب ،ويدعي
بأن كل االنتصارات العسكرية تعود له ،فهو البطل أمام الناس وامام انانية مجلس الشيوخ
االرستقراطي ،وبذلك فأن قرارات االمبراطور وشخصيته مقدسة (.)103
مستشاري ماركوس اوريليوس
أن القوة الحقيقية في روما تتركز في شخص االمبراطور ،ومجلس وزرائه الخاص والمجلس
االمبراطوري ،وحتما ليس مجلس الشيوخ ،وتكونت الحلقة الخارجية لمستشاري االمبراطورية من
قبل مجموعة تعرف باسم اميسي ( )amiciوتعني (األصدقاء)( ، )104وعادة ليسوا من الطبقة مجلس
الشيوخ ،ولكن من الناس المهمين وضمن الحلقة الداخلية لإلمبراطور ،وهناك أيضا مجموعة أخرى
أطلق عليها كوميتيس ( )comitesالتي تعني (الرفاق) ،والفرق بين المجموعتين هو امتالك (اميسي)
حق للحضور مثل جماهير االمبراطورية ،بينما (كوميتيس) يمكنهم مصاحبة االمبراطور في كل
مكان(.)105
سابقا قام االمبراطور أنطونيوس بيوس بتوضيح هذه الميزة بين االثنين ،فقد سمح لألصدقاء ان يكون
لهم حضور شخصي كبير بصفتهم مستشارين ولم يصر ابدا ً على ان يكونوا قريبين جدا ً منه ،بينما
(100) Digest :Theodore Mommsen and P. Krueger (eds), Justinian’s Digest of Roman
Law, trans. A. Watron, 4 vols .Philadelphia 1985. 49.4.1.7
) (101كما هو الحال عندما طلب سكان ميليتوس ( )Miletusبطولة خاصة لهم لأللعاب البدنية :
L’Année Épigraphique: Paris. 1989, p. 683
) (102مرسوم : senatus consultumوهو مرسوم نهائي من مجلس الشيوخ او اجراء نهائي وعادة يكون وفي
اغلب األحيان مختصر ،فعلى سبيل المثال (مرسوم مجلس الشيوخ حول الدفاع عن الجمهورية) فقد صدر مرسوم قبيل
سقوط القنصل جايوس كراكوس عام ( )121ق.م ،و أثناء موكب القنصل لبيدوس ( )Lepidusعلى روما في عام
( )77ق.م ،والمرسوم الذي صدر في عهد يوليوس قيصر في عام ( )49ق.م ،ويمكن القول أن عالقة ماركوس
بمجلس الشيوخ مثل عالقة رئيس وزراء بريطانيا بالملك:
Talbert, Richard J. A: “The Senate of Imperial Rome” Princeton University Press. 1984.
Pp.290–291.
(103) Anthony Everitt: “Augustus. The Life of Rome’s First Emperor” Random House
”Trade Paperbacks; Reprint edition, New York 2006// Werner Eck, The Age of Augustus
Blackwell Ancient Lives, Oxford 2003.
) (104اميسي ( :)amiciوهي عبارة التينية قانونية وتعني صديق البالط ،أو تترجم حرفيا باسم (صديق المحكمة)
:
Fergus Millar: “The Emperor in the Roman World 31 BC-AD 337” Ithaca, N.Y. Cornell
University Press, London: Duckworth. 1977, Pp.110–22
(105) Theodore Mommsen: “Gesammelte Schriften” Berlin .1905. Pp.311–322.
24
كان يأخذ الرفاق معه في رحالته من والى روما( ،)106وكان ماركوس اوريليوس يحب مكان اقامته في
منطقة باالتين (( )Palatineتالل بالتين عددها سبعة تالل في مدينة روما القديمة)عندما يكون في
روما ،حيث يمكن رؤية العبيد والمعتوقين بأعداد كبيرة وهم يرتدون االبيض جنبا ً إلى جنب مع
االصدقاء ( ،)107ولكن في رحالته الى األقاليم يقوم باصطحاب الرفاق ،وعلى الرغم من ان منطقة
باالتين كانت الرمز الرسمي لهيبة االمبراطورية حيث يذكر( :ان قوة روما حيث يكون االمبراطور)
( ،)108ولم يكن ماركوس يستغني عن وجود الرفاق على الرغم من انشغاله في أمور الدولة ،ومع هذا
له رأي متواضع حول مستشاريه وذكر ضعفهم العقلي واالخالقي وانهم بشر سيئ الحظ( )109ولهذا
يقال بان ماركوس يتصف دائما بالصراحة في قوانينه ومراسيمه ،وبالطبع كان يخشى ان يقوم اتباعه
بإساءة وعدم فهم افكاره ،أو محتمل يسيئون الفهم لبعض تصرفاته وهذا يتطلب منه أن يكون حليم
وذكي في آن واحد (.)110
محاولة انقاذ الشراكة الدستورية مع عودة فيروس:
عاد ليسيوس فيروس إلى روما بعد أربعة سنوات من الحروب ضد فرثيا ،وبذلك اسدلت الستارة
على مرحلة من عهد زعامة ماركوس الناجحة ،فعندما توجه فيروس نحو الشرق تمتع كال الرجلين
باالنفصال واالستقاللية ،واستمتع فيروس بدوره كإمبراطور مستقل على الشرق ،وال رغبه له بالعودة
إلى روما ،بينما كان ماركوس يرغب برؤيته في الوطن مرة اخرى ،والشيء المالحظ انه عندما عاد
إلى روما كان اقل احتراما ً لزميلة اكثر مما كان عليه الوضع في السنوات( )162-161م ،كما أنه
أصبح اشد كسالً( ،)111فبعد عودته من انتوشيا (انطاكية) كان بصحبته عدد من الممثلين والموسيقيين
جلبهم من سوريا ،وكان فيروس يمتلك حانة مبنية في اسفل الفيال الخاصة به حيث كان يسرف في
معاقرة الخمر ولعب القمار طوال الليل حتى يحمل إلى سريره ،ويبقى مستلقيا ً حتى الصباح التالي،
ويظهر أن السوريون كانوا مسرورون للرؤية وهو بهذا الشكل وحتى االستهزاء بدوره في انهاء
الحرب الفرثية ( ،)112ولم يعجب ماركوس بتصرفات فيروس ولهذا كان من الصعب كبت غضبه
واستياءه من تصرفات شريكه االمبراطور ،فعلى ما يبدو لم يتعلم فيروس شيئا ً في الشرق ،بل ونسي
كل شيء واتجه نحو االنغماس في الملذات (.)113
(106) Historia Augusta: “The Life of Marcus Aurelius” published in the Loeb Classical
Library, part 1: 1921. 1.16
(107) Royo, Manuel:”Domus Imperatoriae. Topographie, formation et imaginaire des
palais impériaux du Palatin” . (2ème siècle av. J.-C – 1er siècle ap. JC), Rome .1999
(108) Herodian, “Roman History” translation by Edward C. Echols (Herodian of Antioch's
History of the Roman Empire, Berkeley and Los Angeles. 1961. 1.6.5
(109) Marcus Aurelius : “The Meditations “Translated with Notes by Martin Hammond
With an Introduction by Diskin Clay. Penguin Books . 2006 . 8.4.
(110) Williams Wynne: “Individuality and the Roman Constitution”, The Journal of
Roman Studies 66 .1976. Pp.78–82.
(111) Historia Augusta: “The Life of Marcus Aurelius” published in the Loeb Classical
Library, part 1: 1921.12.7–11
(112) Historia Augusta: “The Life of Lucius Verus “Published in the Loeb Classical
Library, 1921. 8.11.
(113) Birley, Anthony R: “Marcus Aurelius: A Biography”. New York: Routledge, 1966,
p. 129.
25
حاول ماركوس اكثر من مره باستعادة شريكه االمبراطور وابعاده عن الملذات والعبث لكن دون
()114
جدوى حتى انه منح فيروس بيت الضيوف في الفيال الخاصة به في طريق كلوديان ()Clodian
،وطلب منه البقاء فيه خمسة عشر يوماً ،ولكن المحاولة كما يبدو كانت بال فائدة ،فبينا كان ماركوس
يعمل في شؤون الدولة ،كان فيروس بعيدا ً يستمتع بملذاته غير مكترثا ً بأمور الدولة (.)115
ذكر سينيس ( ،)116( )Cynicsانه لم يتم انجاز اي شيء في الحروب الفرثية ،وكان يمكن
الحصول على نفس النتائج لو استخدمت فيها الدبلوماسية مع الفرثيين ،وبدون الحاجة لصرف تلك
المبالغ الهائلة ،ومع هذا قام ماركوس بإصدار مرسوم ذكر فيه ان االنتصار في الشرق ضد فرثيا
وحدد تاريخ ( )12تشرين االول من سنة ( )166م ،ولم يكن امامه من خيار حتى يرفض عودة لوسيوس
فيروس إلى روما والذي سيمثل اهانة له ،وقد تسبب ازمة دستورية وربما تتطور إلى حرب أهلية،
وكان ماركوس يعلم ان فيروس يحمل القاب فخمة مثل (( )Armeniacusبمعنى األرمني)،
و(( )Parthicusالفرثي) ،و(( )Maximusاالعظم) ،و (( )Mesicusالقمر) وكل هذه األلقاب
ليست لها معنى من وجهة نظر ماركوس ،ومع هذا وافق على هذه األلقاب حتى ال يسيء إلى شريكه
في الحكم ( ،)117ولكن بعد وفاة فيروس قام بإلغائها وأصر على عدم اطالق األلقاب على شريكه
االمبراطور المتوفي إال االلقاب التي حصل عليها بشكل عادل وصريح ،وكان نصر تشرين االول
واحد من ثالثة عشر انتصارا ،يستحق التهنئة وفرح سكان روما في الفترة الممتدة من ( 31ق.م –
235م) ألنه يعتبر اول انتصار كامل بعد مضي خمسين عاما ( ،)118ويقول بعض الباحثين بعد حالة
اليأس من تصرفات فيروس وعدم القدرة على إصالحه وافق ماركوس على اقتراح فيروس بان
االنتصار على الفرثيين سيعزز مكانة روما ،ولذا منح فيروس لقب القيصر ،وكان في وقتها كومودوس
في الخامسة من عمره ،واخوه آنيوس ( )Anniusفي الثالثة من عمره ( ،)119والجميع مع بنات ماركوس
ساروا عبر الحشود المبتهجة مع الموكب الظافر ،وكان الجميع يرتدي ثياب االحتفال ،وقدم مجلس
) (114تقع الفيال في طريق كلوديان بالقرب من اكوا ترافيرسا الحديثة شمال بونس مولفيكا قبالة طريق كلوديان من
روما الى وسط توسكانا ،واشتهرت الفيال بالذهب والفضة وارقى الزجاج ،والتحف الثمينة ،وكثرة الزهور في مواسمها ،
والبغال للنقل ،وكان فيروس معجبا بوجود ( )12اريكة في مآدبه ،ويقوم سبعة رجال بتقديم العشاء ،ورغم هذا الثراء
اال انه فضل االنغماس بالملذات :
Frank McLynn: “Marcus Aurelius: Warrior, Philosopher, Published by The Bodley Head.
London. 2009. p. 123
(115) Historia Augusta: “The Life of Lucius Verus “Published in the Loeb Classical
Library, 1921. 9.8–11.
) (116سينيس فيلسوف غير معروف ،عضو في مدرسة للفالسفة اليونانيين التي أسسها (أنتيستينس) في القرن األول
الميالدي وازدهرت في أواخر القرن الثاني وفي القرن الثالث ،وتؤمن هذه الحركة بالسخرية والعيش في الفضيلة ،
ويمكن للناس الحصول على السعادة من خالل العيش بطريقة طبيعية عن طريق رفض جميع الرغبات التقليدية مثل
الثروة والسلطة والجنس والشهرة والعيش حياة بسيطة خالية من جميع الممتلكات:
Martin, Richard P: “The Scythian Accent: Anacharsis and the Cynics”, Bracht Branham
and Goulet – Caze. 1996. Pp. 136-155
–(117) Kneissl, Peter:” Die Siegestitulatur der Römischen Kaiser” Göttingen 1969. Pp.200
202.
”)(118) Campbell Brian:”The Emperor and the Roman Army Army (31 B.C.-A.D. 235
Oxford. 1984. Pp.136–17// Nicholas Purcell: “The City of Wonders”, Cambridge Ancient
History 11. Second Edition, 2000. p.411.
(119) ILS 375.
26
الشيوخ تاج من اوراق البلوط لكال االمبراطورين ،وتلقى كل منهما لقب (( )Pater patriaeأب أرض
األجداد) ،كما تلقى الجنراالت الظافرون الذين عادوا مع فيروس األوسمة ،وتلقى الثالثي فورسوس
فيكتورينوس ( ،)120( )Vurius Victorinusوبونتوس الليانوس (،)121( )Pontus Laelianus
وكالوديوس فرونتو ( )122( )Claudius Frontoثالث هبات تتكون من ثالث تيجان واربعة رماح
بدون رأس (.)123
وكانت نشوة االنتصار هائلة في روما ،ألن االمبراطور (أو االباطرة) سيقومون بتوزيع كونجياري
( ،)124( )congiariumوفي الحقيقة هذا هو الدفع النقدي الثالث من نوعه خالل خمس سنوات من حكم
ماركوس (وتم التوزيع الثاني في عهد ماركوس سنة .)165
وكان عامة الرومان في حالة سكر وابتهاج بما حصلوا عليه من الشراب المجاني ،وهم يشاهدون
مرور المنتصرين بعرباتهم وخيولهم عبر بوابة بورتا ( )125( )Portaقبل عبور موكب النصر نهر
التيبر ،وسابقا كان الموكب يمر من خارج بوابات المدينة ثم يمر أمام موقع الفاتيكان الحالي (،)126
وتسير خلف الموكب العربات المحملة بالغنائم العربات التي تحمل االسرى الذين سوف يصبحون
تحت نير العبودية ،وضمن الموكب تسير عربات العوائل االمبراطورية تليها ثيران بيضاء يتم التضحية
بها لآللهة وفي المقدمة اإلله جوبيتر ،وضمن الموكب يسير أعضاء مجلس الشيوخ والمستشارين
والقضاة والجنراالت سيرا على اقدامهم ،و يعتبر وجود عدد كبير من الجنود في روما امرا ً خطيراً،
) (120فورسوس فيكتورينوس :ال يعرف عن نشأته األولى ،كان قائد في الحرس االمبراطوري ،خاض عدت معارك
مه ماركوس ومنها الحروب الماركونية وقودي ( )Quadiوأرسل لمقاومة البرابرة لكنه قتل ومعه جزء من جيشه :
Historia Augusta: “The Life of Marcus Aurelius” published in the Loeb Classical
Library, part 1: 1921. 14. 5
) (121ماركوس بونتوس الليانوس :سياسي روماني وعضو في مجلس الشيوخ عاش في القرن الثاني الميالدي ،يعتقد
اصله من مقاطعة غاليا الرومانية ،وكان والده عضو مجلس الشيوخ ،تولى الليلنوس منصب القنصلية عام ( )163م
كما تولى في ( )166أو ( )167منصب حاكم موسيا األدنى (نيدرموسيان) (:)Niedermösien
Corpus Inscriptionum Latinarum (CIL) Vol. 03. 6182 = IScM-05
) (122ماركوس كالوديوس فرونتو :ال يعرف عن نشأته غير ان عائلته من اسيا الصغرى ،وكان ابيه عضو في مجلس
الشيوخ ،وقد قتل االبن في الحروب الماركونية عام ( )170م وكان عضو في مجلس الشيوخ وجنرال في الجيش
الروماني االمبراطوري في عهدي االمبراطور انتونيوس بيوس ومن بعده ماركوس اوريليوس:
Birley, A. R: “Hadrian to the Antonines “The Cambridge Ancient History, Vol, XI , 2nd
(ed.) . Ch 3. The Cambridge University Press. 2000. Pp. 132-194
(123) Picard, Charles H: “‘Le monument aux victimes de Carthage et l’expédition orientale
de Lucius Verus”, Karthago 1 .1950. Pp.65–94// Hammond, Mason: “Imperial Elements
in the Formula of the Roman Emperors”, Mem. American Academy at Rome 25 .1957.
Pp.17–64.
) (124كونجياري أو كونجياريوم( :اصلها االتيني كونجيوس) وهي وحدة قياس تعادل ستة سيكستاري ،وكان كونجيوس
المقياس االعتيادي لقياس الزيت أو النبيذ الذي يوزع في بعض المناسبات بين الناس ،وهكذا اصبح كونجياريوم اسما
للتبرعات للشعب بشكل عام سواء كانت تتألف من الزيت أو النبيذ أو الحبوب أو أشياء أخرى :
Bury, John Bagnell:”The Student’s Roman Empire”. Harper. 1893. p 436
) (125بوابة بورتا :كانت في األصل قوسا شيد في عهد االمبراطور أوغسطس في المنطقة التي يمر فيها ثالث طرق
وهي طريق مارسيا وطريق جوليا وطريق تيبوال ،واعيد البناء من قبل االمبراطور تيوس ،وكان الجيش الروماني
المنتصر يمر عبر تلك البوابة.
(126) Historia Augusta: “The Life of Lucius Verus “Published in the Loeb Classical
Library, 1921. 7.9
27
الن ذلك قد يقدم فرصة ذهبية لجنرال طموح للقيام بانقالب ،وال نفترض ان إجراءات األمنية في احتفال
عام ( )166م كانت تختلف عن االحتفاليات السابقة ،فالعبيد يقفون خلف االمبراطور مباشرة ،ثم يأخذ
موكب النصر طريق السيرك فالمينيوس ( ،)127( )Circus Flaminisحيث ينزل االباطرة من
عرباتهم التي تجرها اربعة خيول لوضع غار النصر بحضن تمثال جوبيتير في معبده ( ،)128وباإلضافة
إلى توزيع المجاني للخمر والزيت والخبز ،وتقديم عروض ومشاهد االنتصارات ،ويحضر االباطرة
العاب مع الجمهور ،وفي مثل هذه المناسبة كان لوسيوس فيروس منغمسا ً في المتعة واشباع رغباته
وملذاته ،بينما كان ماركوس يشمئز سرا ً ويحتقر ذلك ،بل وكان يصر على استخدام المصارعين في
قتالهم أسلحة غير حادة ،ويذكر المؤرخون انه اجبر بالتضحية بمائة اسد إلشباع الغرائز الدموية
لجمهور روما في فترة االحتفاالت (.)129
) (127السيرك فالمينيوس :ساحة دائرية كبيرة في روما تقع في الطرف الجنوبي من المدينة بالقرب من نهر التيبر،
وتحتوي هذه الساحة على منطقة صغير تستخدم لأللعاب ،كما تضم مباني شيدت من قبل جايوس فالمينيوس نيبوس عام
( )221ق.م ،ولم يكن السيرك فالمينيوس ينافس السيرك مكسيموس ألنه يفتقد الى ساحة سباق عربات ،ولم يذكر
الجغرافي سترابو أي انشطة فروسية جرت في سيرك فالمينيوس :
Humphrey, John H: “Roman Circuses: Arenas for Chariot Racing” University of California
Press.1986. pp. 543
(128) Historia Augusta: “The Life of Marcus Aurelius” published in the Loeb Classical
Library, part 1: 1921. 12.7–8
) (129يشك بعض العلماء بشأن أعداد الحيوانات التي ذبحت في األلعاب الترفيهية في روما ،فقد ورد في تاريخ
أغسطس في حالة الدببة ( )1000دب كانت قد ذبحت في يوم واحد في عهد اإلمبراطور جوديان (:)Gordian
Scullard, Howard H: “The Elephant in the Greek and Roman World” Ithaca, New York
1974.
28
المبحث الثاني
-1دراسة في األفكار الفلسفية لماركوس اوريليوس
عندما نتحدث عن االمبراطور نطونيوس بيوس وولديه بالتبني ماركوس أوريليوس ولوسيوس
فيروس البد أن نتطرق إلى شخصية المعلم والفيلسوف ماركوس كورنيليوس فرونتو ( Marcus
)Cornelius Frontoالذي ولد عام ( )100م وربما سنة او سنتين قبل هذا التاريخ ( ،)130وكانت
والدته في مدينة كرتن أو (كيرثان) ( ،)131()Cirtووصف نفسه بانه (ليبي من الليبيين الرحل) ويعتبر
مواطن روماني ،عاش في روما واكتسب شهرة واسعة في الخطابات ومعرفته الواسعة في القديم
الالتينية ،وجمع ثروة طائلة وعينه االمبراطور بيوس معلما ألبنائه بالتبني ماروكوس اوريليوس
ولوسيوس فيروس ( ،)132وفي عام ( )142م عين قنصل ولمدة شهرين (آب وأيلول) ،ثم نقل إلى آسيا
الصغرى لكنه رفض على أساس سوء حالته الصحية (.)133
لم ينشر فرونتو رسائله لذا يعتقد انها كانت محفوظة عند ابنته وزوجها ثم قام بنشرها شخص مجهول
محب اللغة الالتينية القديمة ( ،)134ومن خالل هذه الرسائل شعر علماء الدراسات الكالسيكية بخيبة أمل
ألنها ال تتفق مع سمعة الكاتب العظيمة ،فقد وصفت بانها (رسائل حب) خاصة الرسائل المتبادلة بينه
وبين ماركوس ( ،)135ولكن نحن نضع في اعتبارنا بان كتبة القدامى عندما درسوا شظايا الرسائل
) (130ليس هناك اتفاق على سنة والدته ولكن على االغلب قبل ( )113م ،أما وفاته فهي األخرى لغز يصعب حله
فالباحثين أعطوا عدة سنوات استنادا الى آخر رسالة تنسب له وحددت التواريخ بالسنوات ( )160م و ( )166م ،و
()176م :
The correspondence of Marcus Corelius Fronto with Marcus Aurelus Antoninus, Lucius
Verus , Antoninus Pius and various friends: Edited and for the first time translated into
English by C. R. Haines, Classical Quarterly 8 : London , 1914. Pp. II2-20//
Bowersock,Glen W:”The Proconsulate of Albus,” Harvard Studies in Classical Philology
72: USA. 1968, Pp. 289-94
) (131تقع عاصمة المملكة النوميدية البربرية سرتا أو (كرتن) أو (كيرثان) في الجزائر وكان النوميدين حلفاء
الرومان في حروبهم ضد قرطاج ( )246-264ق.م ،وعانت المدينة من التدمير في القرن الرابع الميالدي ،واعيد
بنائها من قبل االمبراطور قسطنطين الكبير ،وغيره اسمها الى القسنطينة ،ثم فتحها المسلمون عام ( )698م:
Mommsen, Theodore:” The Provinces of the Roman Empire” Section: Africa, Leipzig
1865.
(132) Eck, Werner and Roxan Margaret M.: “ Festschrift für Hans Lieb” 1995, Pp. 79-
85
(133) Ibid: p. 91
) (134في عام ( )1815اكتشفت في مكتبة أمبروسيان ( )Ambrosianفي ميالنو مخطوطة ،وهي بعض رسائل
فرونتو إلى تالميذه اإلمبراطوريين وردودهم ،ثم تلتها مجموعة أخرى من الرسائل في الفاتيكان في روما عام ()1823
،تلتها مخطوطة ثالثة عام ( )1856والتي تضمنت شظايا من مراسالت فرونتو مع فيروس ،ونشرت في كتاب كامل
عام (: )1867
Reynolds, Leighton. D and N. G. Wilson (editor): “Texts and Transmission: A Survey of
the Latin Classics (Oxford: Clarendon Press, 1983, Pp. 173f.
) (135يمكن العودة الى الباحث كريستيان ايس ( )Christian Laesالذي استنبط أفكاره تلك من خالل عبارات وردت
في الرسائل :
Christian Laes: “What Could Marcus Aurelius feel for Fronto?” Studia Humaniora
Tartuensia , Vol. 10: A.3. 2009. p. 3 // Amy Richlin:” Marcus Aurelius in Love” In
Chicago: University of Chicago Press, 2006.
29
كانوا يبحثون بين السطور على عبارات تالئم أفكار تلك عهدهم وال تعطي نفس المعنى عندما كتبت
في القرن الثاني الميالدي ( ،)136كما اننا ال يمكن القول اطالقا بان فرونتو كان مستشارا حكيما
لماركوس اوريليوس فال نجد في رسائله أي عبارة تضم معنى المشورة السياسية ،انما نجد وباستمرار
ذكر عن سوء صحته وكبر سنه ووفاة المقربين اليه ،بالمقابل ال يشير ماركوس في كتابه التأمالت أي
شيء عن استاذه فرونتو وتعاليمه ،ولم يذكره في خطاباته التي كتبها باللغة اليونانية عن تعاليم استاذه،
ومع هذا هناك احترام بين األطراف الثالث (بيوس و ماركوس و فيروس) من جهة وفرونتو من جهة
أخرى (.)137
أن دراسة كافة الرسائل المتبادلة بين فرونتو وتالميذه تحتاج إلى مجال أوسع من هذا المبحث ،ويمكن
مراجعة كافة الرسائل التي نشرها ( )Hainesعام ( )1914واعيد نشرها عدة مرات ،ولهذا سأقتصر
على المدة األخيرة من حياة هذا الفيلسوف ،واالشادة ببعض فقرات الرسائل المتبادلة ،واعتقد بانه كان
اقرب إلى االمبراطور لوسيوس فيروس منه إلى ماركوس اوريليوس (. )138
تعاليم فرونتو األخيرة
يمكن القول بان حياة ماركوس األسرية غامضة مثل استاذه ،ففي شتاء ( )165م توفي
اوروليوس فولفيوس انتونينوس ( ،)Aurelius Fulvius Antoninusتوأم كومودوس ،الذي مات
بعمر أربعة سنوات ،ومن أجل تخفيف الحزن على زوجته فوستينا وافق ماركوس على أن تذهب إلى
آسيا الصغرى لتكون مع ابنتها لوسيلال ( ،)Lucillaالتي كانت حامالً مرة اخرى( ،)139ونفس المعاناة
اصابت فرونتو فهو اآلخر يعاني من آالم نفسية صعبة ،الن فرونتو فقد زوجته كراتيا ()Cratia
( ،)140وفي اوج الحزن عليها جاءت االخبار حول وفاة حفيده البالغ من العمر ثالث سنوات ،على الرغم
من ان فرونتو لم يرى حفيده ،إال ان الحزن تملكه عليه ،وعلى ما يبدو ان ما أزعجه فعال انه فقد خمس
ابناء سابقا ،وكانت وفاتهم بعد والدة الواحد بعد االخر ،ولم يبقى له غير طفل يدعى فيكتورينوس
(( )Victorinusمعنى اسمه المنتصر) توفي هو االخر ،ومن الطبيعي أصابه الحزن الشديد عليه،
وفوض فرونتو أمره إلى اآللهة وقدرها ،وفي نفحة الحزن تساءل كيف سيفرق بين الخير والشر وهو
في مثل هذه المعاناة ؟ ،ثم يعترف فرونتو بانه يعاني من عدم انصاف العناية االلهية ،بل األسوأ ال
توجد عدالة إلهية (.)141
من خالل آرائه الفلسفية ذكر بان االنسان الجيد يموت مبكراً ،بعكس ما سبق وان تبناه بأن
الطفل الميت يكون محبوبا من قبل االلهة ولهذا تأخذه إلى عالمها السماوي ،وحتى هذه الفكرة أصبحت
) (136الحظ تعابير الفقرات التي هي رد ماركوس وفيروس على رسائل فرونتو الصفحة التالية:
Dorothy Brock:” Studies in Fronto and his Age” In Cambridge: Cambridge University
Press, 1911.
)137( Edward Champlin : “ The Chronology of Fronto” The Journal of Roman Studies,
Vol. 64 .1974. p. 144
(138) The correspondence of Marcus Corelius Fronto with Marcus Aurelus Antoninus,
Lucius Verus , Antoninus Pius and various friends: Edited and for the first time translated
into English by C. R. Haines, Classical Quarterly 8 : London , 1914.
(139) PIR2 A.1512
) (140كانت زوجة فرونتو وابنته كالهما اسمه كراتيا ،وقضى ماركوس وقتا مع زوجة وابنة فرونتو وتمتعوا بمحادثة
خفيفة .
(141) Fronto to Marcus, 165, Haines, C. R : (1919) . part. 2. Pp.224–227.
30
غير مقبولة عنده ( ،)142وانما تجلب لنا الوفيات الحزن وااللم ،وانه في هذه الحياة نثكل بأفضل من
نحب ،وبذلك نفتقد ما تعودنا عليه مثل الصوت والمالمح ،والهواء الذي كان يستنشقه ،ونحزن ونحن
نبكي على وجه الميت ،وقد توقفت الحياة في جسده ،وال يبقى غير تعزية الوالدين التواقين( ،)143كما
يبدو كان فرونتو حزينا تماما ً في هذه الرسالة الموجهة إلى ماركوس ،بينما في الرسالة الموجه إلى
لوسيوس فيروس ال يذكر خسارته العائلية ،انما اقتصر ذكر حزنه باختصار ،قبل ان يتطرق إلى دوره
في الحرب الفرثية ألنه يعلم بأن االحزان ال تهم لوسيوس فيروس بقدر ما يهمه االهتمام بملذاته
الشخصية ( ،)144ويبدو أن ماركوس كان يحاول ولسنوات ابعاد نفسه عن شكاوى استاذه العجوز
ووساوسه وكثرة امراضه ،كما هو واضح في الرد اآلتي ( :لقد سمعت للتو بمصيبتك ،ولطالما كنت
اعاني العذاب ،عندما تتألم انت ،يا استاذي ،ماذا تعتقد سيكون شعوري عندما يكون قلبك يعاني االلم؟
انا منزعج ألني لن اتمكن سوى ان اطلب منك ان تبقى بخير من أجلى ،يا أعذب اساتذتي ،فأنت تعزيتي
الكبرى في هذه الحياة ،أكثر مما يمكنك الحصول على االلم من اي مصدر ،انا لم اكتب هذا الخطاب
بيدي ،ألنني هذا المساء وبعد الحمام كانت يداي ترتعشان)(.)145
حملت السنوات ( )165و ( )166م ،شيء من التغير فقد قل حزن فرونتو وسمح لنفسه أن
يسمع أخبار عودة لوسيوس فيروس إلى روما ،وكان فيروس يرغب في لقاء فرونتو ويستمع باحاديث
الرجل العجوز ويخبره بحملته ضد فرثيا ،وكتب فيروس ( :أريد أن أراك وامتع النفس برؤياك ،يا
اغلى استاذ ،فأنا اتصور عناقك لي وتقبيلي لك عدة مرات)( ،)146وعندما وصل فيروس إلى روما(في
نهاية صيف أو اوائل خريف ( )166ذهب في طريقه إلى فرونتو مع عدد من اتباعه مما اثار غيرة
البعض واستياءهم ،على االغلب أحس فيروس ان معلمه العجوز كانت قريبا ً من الموت لذلك قام
بزيارته ،ومن المحتمل عودة فيروس منتصرا ً جعل فرونتو يشعر بأنه انجز عمال في حياته ،ومن
الغريب انه مات بعد ذلك بوقت قصير من عودة فيروس.
كتب فرونتو آخر رسالة وداع إلى فيروس( :ان التكريم الذي لقيته منك ،اعتبره تفوق لكل شيء ،ولقد
ذكرت بان الشرف الخاص الذي بينته لي بما انجزته في الشرق هو والء فيروس ،وبالمقابل هو خيانة
ماركوس الذي ابتعد عن البالغة الفلسفية ،وانا أقدر وبشدة االوقات الصعبة وانت تساعدني بيديك ،بل
ورفعتني عندما كنت ال اقوى على المشي خالل مرضي ،كما أقدر وجهك المرح عندما تتحدث معي
واستعدادك للحديث في أي موضوع اختاره ...ولذلك ومهما كانت طلباتي التي اطلبها من سيدي
اخاك(ماركوس) فأنا أفضل ان اطلبها واحصل عليها من خاللك)(.)147
يمكن القول بان الرجل العجوز كان يلعب على الحبلين كما يقال ،او ربما يريد فرونتو ان
يصرح بانه يفضل فيروس؟ وهو أمر طبيعي بناء على المعاملة المختلفة التي ابداها له كال
االمبراطورين ،فقد كانت معاملة ماركوس له دائما بعيدة وأكثر انانية ،وتنطبق عليها مقولة ماركوس
القديمة( :ال يمر العمل الجيد بال عقاب).
) (142في تراثنا الشعبي نقول بان األطفال المتوفين (احباء هللا) وهم (طيور في الجنة) النهم ال يحملون ذنوب دنيوية
يعاقبون عليها ،وهذه الفكرة ليست ولدية فرونتو انما هي قديمة جدا في تراث كل الشعوب.
(143) Fronto to Marcus, 165, Haines, C. R : (1919) . part. 2. Pp.226–33
(144) Verus to Fronto, 165, Haines, C. R : (1919) . part. 2, Pp.233–6.
(145) Marcus to Fronto, 165, Haines, C. R : (1919) . part. 2, Pp.223–224.
(146) Lucius Verus to Fronto, 166, Haines, C. R : (1919) . part. 2. Pp.238–241
(147) Fronto to Verus, 166, Haines, C. R : (1919) . part. 2. Pp.236–238.
31
يرى الباحثين بان فرونتو لدية مكانة كبيرة وتأثير في عهد ماركوس ،وهم محقين في هذا ألننا نمتلك
مراسالته مع ماركوس وال توجد مراسالت مع رجال آخرين في الدولة ،فقد كان أفكار فرونتو ال تقف
بمجال واحد فهي متقلبة ،ففي رسائله نجد الكثير من التلميحات عن اعماله الفكرية ،ثم نجد الكثير من
()148
الوساوس المرضية التي تخفي فيه حقيقته ،وتكشف حكايات آرتيميدوروس ()Artemidourus
عن قصة تضرع فرونتو للشفاء من التهاب المفاصل ،ثم يسرد حلم بأنه كان يمشي في ضواحي المدينة
واكتشف سر عالج االلم من خالل مسح مناطق األلم بشمع العسل( ،)149ومن المؤكد لم تكن لفرونتو
له شعبية عند عامة الناس ،ألنه كان معروفا ببالغته وعباراته اللغوية التي يفهمها المثقفين الرومان و
التي قادته إلى بعض النتائج الغريبة ،فلو أخذنا شخصية ابوليوس ( )150( )Apuleiusالذي تمت محاكمته
في صبراته (( )Sabrathaفي ليبيا) سنة( )157م بتهمة السحر والقتل كان دفاعه عن نفسه بالغيا ً
كما فهمه فرونتو ،ويدل على سعة معرفته ألنه اقتبس الكثير من العبارات من االدب الكالسيكي القديم
( ، )151وقد اطلع فرونتو على ورقة دفاع ابوليوس وتوصل عقله إلى درسين مهمين حول تلميذه الشاب
ماركوس ،االول أن تزرع العاطفة للحقيقة وهي ليست حقيقة فلسفية ،ولكن الصدق ،نظير الكذب،
والثاني الذي علمه كم من السهولة ان تكون طاغية ،االن االمبراطور الجيد عليه انهاء الظلم ،وان
يستشير كل من الناس ومجلس الشيوخ ،وان يحكم االمبراطورية بعدل وكبح اخطاء االخرين ،وقمع
اضطرابات الغوغاء ،والقضاء على المجرمين ،واالشادة بكل عمل جيد والسير دائما ً في مسار الفضيلة
( ،)152و في نفس الوقت عليه أن يتجنب قسوة االباطرة ممن سبقوه مثل تيبيريوس ،ونيرون ،وكاليغوال
،و دوميتيان ،ومثل هذه العبارات وردت في كتاب ماركوس (التأمالت) عندما ذكر خطورة سيطرة
الطغيان على االمبراطور ،ولذلك كان يكره االمبراطور نيرون ،الرجل الذي اتصف بالجنون أو مثل
وحش بري أو كما وصفه ماركوس( :بانه ذو شخصية قاتمة ،وهو مخنث ،ومؤذي ،و متوحش،
وصبياني ،وجبان ،واحمق ،وخاطئ ،و مرتزق ،ومستبد)(.)153
) (148آرتيميدوروس عاش في القرن الثاني الميالدي من مدينة افسس على الساحل الغربي السيا الصغرى ،وهو
معروف من خمسة مجلدات كتبت باللغة اليونانية جمعها خالل رحالت طويلة في اليونان وإيطاليا واسيا الصغرى
وتتناول مجلداته تفسير االحالم ويرفض قراءة الكف لمعرفة الطالع:
Artemidorus Daldianus: “In The New Encyclopaedia Britannica Chicago: Encyclopaedia
Britannica Inc , Vol. 115th edn, Chicago . 1992, p. 599.
(149) Artemidorus of Ephesus 4.22, On the Interpretation of Dreams Translated by Robert
J. White (ed.), 1975. p.195
) (150لوسيوس ابوليوس مادورنسيس ( )170-124م كان كاتبا باللغة الالتينية وفيلسوف افالطوني ،اصله نوميدي
بربري من مدينة مدوروش في الجزائر ،درس االفالطونية في أثينا وسافر الى إيطاليا واسيا الصغرى ومصر ،له كتاب
(الحمار الذهبي) ،اتهم بممارسة السحر والقتل ،وقدم للمحاكمة في مدينة صبراته بالقرب من طرابلس القديمة في ليبيا
عام ( )157م :
Julia Haig Gaisser:” The fortunes of Apuleius and the Golden Ass: a study in transmission
and Reception” Princeton University Press.2008. page. 69
(151) MacMullen, Ramsay: “Enemies of the Roman Order Treason, Unrest, and Alienation
in the Empire”. Cambridge, Mass.: Harvard university Press.”, 1967. Pp.121–122.
(152) Fergus Millar: “The Emperor in the Roman World 31 BC-AD 337” Ithaca, N.Y.
Cornell University Press, London: Duckworth. 1977. p. 203.
(153) Marcus Aurelius: “The Meditations “Translated with Notes by Martin Hammond
with an Introduction by Diskin Clay. Penguin Books. 2006. 3.16; 4.28; 6.30; 12.27.
32
-2موقف االمبراطور من القانون والعدالة في روما
()154
(ان التسامح هو جزء من العدالة)
ذكر افالطون ومن اسار على خطاه من الفالسفة االغريق أربعة فضائل على االنسان ان يتحلى
ويتمسك بها ،وهي :ضبط النفس ( ، )sophrosuneوالذكاء الفعلي ( ،)phronesisوالشجاعة
( ،)andreiaوالعدالة ( ،)dikaiosuneوقد آمن ماركوس بتلك الفضائل األربعة التي استنبطها من
دراسته للفلسفة اليونانية وأفكار ارسطو التي غرسها فيه استاذه فرونتو( ، )155وهناك فيلسوف آخر
يدعى سيفيروس ( )Severusوكان ينتمي إلى مدرسة ارسطو ومعاصر إلى المؤرخ زينوفون
( ) Xenophonوقد ترك اثر كبير في شخصية ماركوس اليوناني وتعلم منه ( :حب األسرة ،وحب
الحقيقة ،وحب العدل) (. )156
مع هذا كان ماركوس غير راض على دراسته في الفقه واظهر بعض اإلشارات التي تعبر عن
ضيق في نفسه ،وقد كتب إلى فرونتو ( :من السهل أن تجلس بجانب القاضي ،ولكن أن تكون قاضيا
فهو عمل نبيل وصعب) ( ، )157وقد أشار في خطابة بعنوان إلى روحي ورد في الكتاب العاشر أن
يكون (جيد ،وبسيط ،وذو شخصية مميزة ،وصريح ،وذو عقل مشرق اكثر من الجسم الذي يغطيه)
( ،)158كما عبر عن العدالة ( :إن تصرفت بعدالة فهي الحكمة الوحيدة) ( ، )159كما اعتبر العدالة هي:
(مصدر كل الفضائل والمبدأ الشامل للنفس البشرية التي تبعده عن االنحراف ،وعدم وجود العدالة هو
الفشل بعينه)( ،)160ودائما يجب االهتمام بمبدأين األول ان تعمل السلطتين السياسية والقضائية لصالح
البشرية ،والثاني تغير ارضيتك (بمعنى افكارك) ،اذا كان هناك شخص يمنحك فكره صحيحة تغير
خطأ في العدالة من اجل الصالح العام فهو أمر جيد ،وهذا التغير ليس للمتعة الشخصية انما من أجل
الشعب (. )161
وأخيرا يتحول ماركوس الفيلسوف إلى انسان كتب عليه القدر مجرى حياته ،وينصح االخرين باأليمان
بما يجري لهم من االحداث الجيدة منها والسيئة ،وكأني أرى لمحات صوفيه في أفكاره ،وقدري على
ما كتب له ،كما هو واضح في احدى نصائحه( :ابقي نفسك انسانا بسيطا ،شخص ما أخطا؟ فانه أخطا
لنفسه ،هل حدث شيء لك؟ حسنا ،كل ما يحدث هو أمر محتوم بالكامل ألنه قدرك ،الحياة قصيرة،
واكسب ما تستطيع في اللحظة الراهنة ،وحقق العدالة الصحيحة ،وعيش مسترخي عفيف النفس) (.)162
من الطبيعي اهتم ماركوس بالقانون ونشر العدالة وحاول ان ال يقارنه أحدا بمن سبقوه من االباطرة
الذي اتصفوا بملذاتهم الشخصية وغلبت القساوة على قلوبهم اتجاه أقرب الناس لديهم كما فعل نيرون
) (163اعدمت والدة نيرون وتدعى اغريبينا ( )Agrippinaعام ( ، )59وال يعرف سبب القتل بعض المؤرخين يرون
انها رفضت زواج ولدها نيرون من بوبايا Poppaeaزوجة صديقه واالمبراطور فيما بعد اوتو ( ، )Othoبينما يرى
اخرون انها كانت مشتركة في مؤامرة لتعين رويليوس بلوتوس على العرش :
Tacitus, Cornelius: “The Annals” trans. by Alfred John Church and William Jackson
Brodribb , The University of Adelaide Library. South Australia. 2014. XIII. 46.
(164) Digest :Theodore Mommsen and P. Krueger (eds), Justinian’s Digest of Roman
Law, trans. A. Watron, 4 vols .Philadelphia 1985. 2.12.1.2
(165) Historia Augusta: “The Life of Marcus Aurelius” published in the Loeb Classical
Library, part 1: 1921. 24.12
) (166ورد في التوراة قضية طرحت على النبي سليمان ،وتخص امرأتين تخاصمتا حول احقية طفل ،فامر سليمان
بقتل الطفل وشطره الى نصفين ،فرفضت احدى المرأتين وهي تبكي وترفض قتل الطفل بينما قبلت األخرى عرض
سليمان ،فعرف ان المرأة التي وافقت على قتل الطفل ليست هي االم ،فمنح الطفل الى المرأة الثانية (سفر ملوك االول
.)15:28
) (167كوينتوس جونيوس روستيكوس ( )170-100م ،ربما حفيد ارولينوس روستيكوس أحد معلمي ماركوس
اوريليوس ،شغل منصب قنصل عام ( )133م وأيضا قنصل عام ( )162م ،ثم منصب محافظ في روما بين (-162
)168م ،وكان ماركوس اوريليوس يكن له احترام كبير ،وكثيرا ما يستشيره في القضايا العامة ،وعند وفاته طلب
ماركوس من مجلس الشيوخ ان تحترم تماثيله :
Historia Augusta: “The Life of Marcus Aurelius” published in the Loeb Classical
Library, part 1: 1921. 3
34
هي ليست لصالحه ،وحكم ماركوس بان سبب طلب الرجل استئناف قرار القنصل عمل منطقي وان
على الرجل قبول الحكم القضائي الن القناصل يحكمون في أي قضية مهما كانت ( ،)168وفي حالة
أخرى صدر حكم آخر سمح فيها ماركوس للرحمة ان تتفوق على القانون الصارم ،فقد قدمت امرأة
قضيتها اليه بانها تزوجت برجل دون ان تدرك بانها كانت ذات قرابة ومحرمة عليها شرعاً ،واجاب:
(نحن نتحرك من خالل الوقت الذي كنت تجهلين فيه القانون ،وانك تزوجت من عمك ،وفي الحقيقة
انك تزوجت بموافقة وتأييد من قبل جدتك ،ولديك من زوجك عدد من األوالد ،لذا فكل تلك االعتبارات
وارده ،ونحن نؤكد ان حالة اوالدك الذين نتجوا عن هذا الزواج الذي تم قبل اربعين سنة ،سيكون كما
لو انهم جاءوا شرعيين) (.)169
كان ماركوس مهتما بقانون العائلة ،والوصايا ،وفي قانون حكم العبيد والحرية ،وكثيرا ما كان
يأخذ بآراء مستشاريه بجدية ،فلدينا قضية عرضت عليه ملخصها أن رجال اراد أن يحصل على
ممتلكات جده المعتوق (بمعنى عبد محرر) ،واراد ماركوس اهمال طلب الحفيد في الوراثة ،مثلما كان
يحدث سابقا في مثل هذه الحالة ،ولكن بعد مناقشة طويلة مع مستشاريه ،اقتنع بضرورة االهتمام بالعدالة
وتجاوز القرارات السابقة لمثل هذه الحالة ( ،)170وتبين أن القضية صعبة وتعود لسنة ( )166م حيث
قام الرجل المعتوق بكتابة وصيته ،وبعدها طرأت له فكرة ثانية قبيل وفاته فقام بمسح اسم ورثته ،ويبدو
ان الورثة كانوا يمتلكون نسخة ثانية من الوصية الملغاة التي كانت تحتوي على أسماءهم ،فهل يؤخذ
بالوصية الثانية التي ازيلت فيها أسماء الورثة أم الوصية االولى الملغاة ؟ اتخذ ماركوس قرارا بان
البند المتنازع عليه في الوصية يجب اال يسمح بالتفاوض على مضمونها وخصوصا ً ان االطراف
االخرى في الوصية الثانية هم من العبيد المعتوقين ،ولهذا اعتبرت الوصية الثانية صالحة( ،)171يمكن
القول ان االمبراطور كان يسعى لتقديس رغبات المتوفيين واحترامها ،وفي بعض األحيان تكتب
الموروثات في آخر الوصية ،اما الن الوصية لم تكتب بدقة او بسبب عدم وجود ورثة شرعيين ،وفي
مثل هذه الحالة ستؤول فيها ممتلكات المتوفى إلى الدولة ،وقد اتخذ ماركوس قرارا يعتبر فيها رغبات
المتوفي في الوصية حقيقية و يجب اخذها في االعتبار ،وأما قرار الحكم فيتخذ بعد سماع محامي كال
الطرفين(.)172
الحفاظ على ممتلكات العائلة
أهتم ماركوس بجعل ممتلكات العائلة سليمة ،وشرع القوانين الجديدة لحمايتها وتفعيلها ،وسابقا
كانت ممتلكات االشخاص الذين يتم اعدامهم او نفيهم يتم مصادرتها ،ولكن االمبراطور لم يرغب في
أن يتحمل االبناء وزر اإلباء ،وأصبح من المألوف السماح أوالد المعدومين او المنفيين بأن يرثوا نصف
الميراث والنص االخر يذهب للدولة ماعدا في حالة الخيانة فالعقوبة صارمة ( ،)173وقد شرع العديد
(168) Digest :Theodore Mommsen and P. Krueger (eds), Justinian’s Digest of Roman
Law, trans. A. Watron, 4 vols .Philadelphia 1985 .49.1.1.2
(169) Fergus Millar: “The Emperor in the Roman World 31 BC-AD 337” Ithaca, N.Y.
Cornell University Press, London: Duckworth. 1977. p.548
(170) Digest :Theodore Mommsen and P. Krueger (eds), Justinian’s Digest of Roman
Law, trans. A. Watron, 4 vols .Philadelphia 1985 . 37.14.17
(171) Digest 28.4.3.
(172) Digest 36.1.23; 32.27.1.
(173) Tacitus, Cornelius: “The Annals” trans. by Alfred John Church and William Jackson
Brodribb , The University of Adelaide Library. South Australia. 2014. 3.17
35
من القوانين الجديدة التي تخص الوصايا ،كما واصدر قانون يشدد العقوبة على نهب الممتلكات في
المقاطعات الرومانية من قبل االمناء او الحراس ،وقانون اخر سمح للمندوبين السامين في تقرير من
يكون وصياً ،وصدر قانون اخر يسمح للقاضي فقط أن يتجاوز بنود منح الوصية للحفاظ على حقوق
األطفال الفقراء (.)174
ولم يكن مسموحا ً للمربين بالزواج من القاصرين لديهم ،او عدم اجراء اي عقد زواج في روما
القديمة ،ولذلك فان أي عقد بالزواج البد وان يكون ضمن ثالثة شروط:
( )1يجب أن يكون الشريكين لهما الحق في الزواج.
( )2من المفروض ان كال الزوجين وصال إلى سن البلوغ ،بالنسبة للذكور يعتقد أنه ( )14سنة ولإلناث
( )12عاما.
( )3موافقة آباء أسرتي الفتاة والعريس.
()175
،وان على أية حال هذا الشكل من الزواج هو الوحيد المعترف به من قبل المجتمع الروماني
من حق المعتوقين من نفس المنطقة يمكن تعيينهم اوصياء على القاصرين المعتوقين ،الن تعيين رجال
احرار أوصياء على المعتوقين كان سببا ً وجيها ً للرفض فحتما سيكون هناك استغالل وسوء معاملة
( ،)176وذكر في وثيقة آخرى انه حتى لو تمتع المعتوقين باإلعفاء من التزامات الدولة (العسكرية
والضرائب )..اال انه يمكن تعيينهم اوصياء على اوالد سادتهم السابقين (.)177
وصية ماتيديا عمة االمبراطور ماركوس
وفي السنة االولى من حكم ماركوس كان اطفاله غالبا ً ما يبقون مع عمته الكبيرة ماتيديا ()Matidia
( ،)178ابنة اخ االمبراطور تراجان العظيم ،واخت زوجة االمبراطور هادريان ،وقد توفيت سنة ()162
م وتركت لماركوس بعض القضايا الشائكة التي تتعلق بوصيتها ،فالمرأة شديدة الثراء ،وليس لها اوالد
و محاطة بالطفليين(وصفوا بانهم العالة على غيرهم) والجائعين الذين حاولوا أن يكونوا هم المستفيدين
ولو جزء من الوصية التي تركتها ،وربما أخبرت ماتيديا اولئك المتطفلين بأنهم تركت لهم بعض
ممتلكاتها في وصيتها ،ولكنها احتاطت فلم تختم الجزء الخاص بهم ،ولو ختمت الوصية يجعلهم بحسب
القانون الروماني ورثة بالتأكيد ،وبينما كانت تحتضر قام اولئك الطفيليين بختم نسخة ملحقة بالوصية
الخاص بهم ،وماتت قبل ان يتم اكتشاف االحتيال ،وبحسب القانون الروماني الذي ينص على احترام
وصية المتوفي ،ولكن التزوير اكتشف فيما بعد ،وأصبحت زوجة ماركوس وتدعى فاوستينا
( )Faustinaهي الوريثة مع أوالدها ،ولو أخذ بالملحق الخاص المزور فأن عائلة ماتيديا (فاوستينا
(174) Historia Augusta: “The Life of Marcus Aurelius” published in the Loeb Classical
Library, part 1: 1921. 10.11–12
(175) Richard Saller: “Family and Household”, Chapter 29, Cambridge Ancient History
XI (2nd ed., Cambridge. 2000. p.859
(176) Digest :Theodore Mommsen and P. Krueger (eds), Justinian’s Digest of Roman
Law, trans. A. Watron, 4 vols .Philadelphia 1985, 27.1.1.4.
(177) Digest 26.5.14
) (178ماتيديا أو ماتيديا الصغرى ( )162-85م ،كانت ذات صلة بالعديد من االباطرة الرومان ،ومع هذا لم تحمل لقب
اوغوستا ،كما انها لم تتزوج وليس لها أي أطفال ،وهو أمر غير عادي في ذلك الوقت ،ومع ذلك كانت امرأة غنية جدا،
ومثقفة ،وقريبة جدا من ابن اخيها ماركوس اوريليوس الذي كان يسمح لبناته بالبقاء مع عمته العظيمة ،عندما توفيت
حدثت مشاكل حول وراثة امالكها :
Giacosa, Giorgio:” Women of the Caesars: Their Lives and Portraits on Coins”. Translated
by R. Ross Holloway. Milan: Edizioni Arte e Moneta.1977. p. 9
36
واوالدها) يستلمون مبلغ ال قيمة له من المال وهي مليون ستيريوس ،)179( Sestercesبينما يحصل
الطفيلين وفق ملحق الوصية حصة تتجاوز ثالثة ارباع الميراث االجمالي ،وكان ماركوس اوريليوس
حريص على التدقيق في ملحق الوصية المزورة ولم يسمح بقبولها ( ،)180او ان يتم اقناع فاوستينا
بترك الميراث ،وقام باستشارة مستشارية المقربين ،وسلم الوصية إلى لوسيوس فيروس (،)181
واالحتمال األكثر قبوال ان فيروس لم يسمح بتوثيق ملحق الوصية.
أهمية الفلسفة األخالقية في القضايا الشرعية
على الرغم من أفكاره الفلسفية ،إال إنه كان سياسي واقعي ،ألنه يقوم بتحويل المشاكل االخالقية
إلى قضايا شرعية عالجها في قوانين واضحة ،فقد صدر عددا ً كبيرا ً من القوانين في فترة حكمه (،)182
ففي مرسوم له ذكر ما هو االجراء الدقيق الذي يتخذ عندما يقوم الحاكم باستشارة االمبراطور حول
قضية صعبة عندما يكون هناك طلب ضد حكم الحاكم ،ووضح المرسوم بانه ال يمكن تطبيق اي عقوبة
صادره من الحاكم حتى ينظر االمبراطور في القضية بنفسه ،ويعتبر الحكم الصادر عن االمبراطور
نافذا ً في اللحظة التي يتم اصداره في روما ،فعلى سبيل المثال في حالة وصية المتهم الذي مات بموجب
الحكم الصادر من الحاكم (ولكن الحكم لم يصدق من قبل االمبراطور) ستكون العقوبة قانونية وتنفذ
( ،)183وقضية أخرى أكثر صعوبة و تتعلق بمسؤوليات الدائنين والمدينين عندما يتم االقراض من اجل
ترميم البيت ،فالبد من توضيح الموقف العام بين الدائن والمديون ومبلغ القرض والضمانات وطريقة
تسديد القرض ..الخ( ،)184كما اهتم ماركوس في التحقيق حول حكم االمبراطور هارديان بخصوص
الكنوز التي يعثر عليها صدفة ( ،)185فقد حدد سلفه بانه بإمكان الشخص االحتفاظ بالكنوز ان وجدها
في امالكه ،ولكن إذا وجدتها في غير امالكه فعليه أن يقتسمها بالنصف مع خزانة الدولة(.)186
أما بخصوص المجانين فال يمكن اعتبارهم مذنبين في اي جريمة كانت ،ففي بعض األحيان تنسب
جرائم القتل إلى اشخاص مجانين بغية الهروب من العقاب ،ولهذا كلف ماركوس الحراس بإجراء
تحقيق شديد لمنع اي شخص يتظاهر بالجنون( ،)187واذا مات أحد المواطنين وهو يحمل صفات حميدة
تحت التحقيق الجنائي قبل اثبات اي تهمه عليه فال يتهم بالجنون ،ويتم اعتبار كل التحقيقات التي أجريت
بحقه في وقت وفاته زائلة ( ،)188كما وعرف عن ماركوس تشدده ً مع االشخاص الذين يحاولون
) (179ستيريوس (معنى اسمها (اثنين ونصف) عملة فضية رومانية قديمة منذ عهد الجمهورية وفي عهد اإلمبراطورية
أصبحت من معدن النحاس وتعادل قيمة حمار واحد بينما ربع دينارا يعادل قيمة عشرة حمير:
Kennedy, Benjamin Hall:” The Revised Latin Primer”. London: Longmans.1930. p. 214.
(180) Champlin, Edward: ‘The Chronology of Fronto”, The Journal of Roman Studies
64. 1974. p. 146
(181) Fronto to Marcus, 162): Haines, C. R: (1919), part. 2. Pp.94–101
(182) Digest 49.4.1.7
(183) Digest 28.3.6–9; 48.12.2.1.
(184) Digest 17.2.52.10; 20.2.1; 20.3.2.
(185) Horace, Quintus Horatius Flaccus: “Satires. Epistles”. The Art of Poetry Translated
by H. Rushton Fairclough. Loeb Classical Library 194. Cambridge, MA: Harvard
University Press, 1926. (Letters)Satires 2.6.10.
(186) Historia Augusta: “The Life of Hadrian” Published in the Loeb Classical
Library, part 2. 1921.18.6
(187) Digest 1.18.14
(188) Digest 40.15.1.3.
37
االحتيال على نظام الضرائب ،من خالل ادعاء العفو أو الحصانة التي لم يحصلوا عليها ،فمثال إذا
ادعى أحدهم كذبا ً بانه يعمل في شحن الذرة أو الزيت إلى روما ،ولكنه في الحقيقة ليس مالك سفينة أو
قبطان بحري وال يمتلك اي شيء حتى يتعامل بالتجارة البحرية ،يجب أن يحذف من اي حصانة ضريبية
يتمتع بها( ،)189واخيرا ً من أجل االخالق واالبتعاد عن الرذيلة قرر ماركوس عدم السماح باالختالط
الجسدي بين الشباب من خالل الغاء الحمامات المختلطة التي وسعها هادريان سابقا (.)190
موقف ماركوس األخالقي من األلعاب الترفيهية
كان رأي ماركوس واضحا في االلعاب والمضاربات العامة فكثيرا ما ابدى اشمئزازه العميق
منها :فقد كان يعتبر كل شخص يهتم باأللعاب بأنهم ناقصوا عقل ،وأنها األقرب للغوغاء ،ولهذا فأن
عدم رغبته باأللعاب باعتبارها ليست إنسانية وبعيدة عن الرحمة ( ،)191ومن ثم كان نادرا ما يحضر
على المسارح المجادلين ،بالمقابل كثيرا ما يشاهد سيرك ماكسيموس ( ،)192( )Maximusألنه يجد
متعه في مشاهدة األلعاب البهلوانية والمصارعة الرومانية أو عروض ترويض الحيوانات ،أما
العروض الدموية التي يتم فيها المصارعة بين البشر والحيوانات المتوحشة أو حتى العروض الدموية
عندما تتقابل فيها الحيوانات مع بعضها( ،)193فقد وضح ماركوس منذ البداية راية بأنه يرفض تلك
العروض الدموية ،فكان يبعد نظره عنها أو يقرأ في أوراق رسمية ليبعد عينية عن ما يجري في
الحلبة ،على الرغم من تحذيرات استاذه فرونتو بأن عدم اهتمامه بما يجري في الحلبة فانه سلوك غير
مقبول وقد يعرضه لمخاطر العداء من قبل الغوغاء في روما الذين يجدون متعة في تلك العروض
الدموية ،ألن مشهد االمبراطور وهو يقرأ وال ينظر إلى الحلبة سوف ال يعجب الحاضرين ،وفي مثل
هذا الموقف لن يستطيع ان يحقق شعبية في عيون شعبه ألنه يحتقر تسليتهم الثمينة ،وقد ابتكر ماركوس
(194) Historia Augusta “The Life of Marcus Aurelius” published in the Loeb Classical
Library, part 1: 1921. 15.1
(195) Tacitus, Cornelius: “The Annals” trans. by Alfred John Church and William Jackson
;Brodribb , The University of Adelaide Library. South Australia. 2014. 15.32
(196) Digest 40.19.17
(197) Dio Cassius: “Roman History”, published in Vol. IX of the Loeb Classical Library
edition, 1927. 71.29.4.
(198) De Robertis, F. M:”Dispensa del munus venatorium in una costituzione imperiale de
recente scoperta”, Historia 9 .1935, Pp.248–60.
(199) Dio Cassius: “Roman History”, published in Vol. IX of the Loeb Classical Library
edition, 1927. 71.6.1.
(200) Historia Augusta “The Life of Marcus Aurelius” published in the Loeb Classical
Library, part 1: 1921. 10.1–9.
39
لمنع عقوبة الموت التي تم اصدارها( ،)201كما حدد المبالغ التي تمنح للمعلومات والمخبرين
ديالتوريس ( ،)202( )delatoresولم يشجع على زيادة المكافأة حتى ال تكون اسلوب متعارف عليه في
شرطة روما( ، )203ففي بداية عام ( )160م عين سيفوال ( )204( )Scaevolaمستشارا قانونيا ،ولكن
فيما بعد اختار كل من ماركوس اوريليوس ولويسيوس فيروس مع رئيس مستشاريهم القانوني
فولوسيوس ميكانيوس ( ،)Volusius Maecaniusوهو المعلم القانوني السابق لماركوس وشغل
منصب القائد في مصر ،كما رشح مستشارا ً لمجلس الشيوخ ،وقد أشار على االمبراطور وشريكيه
باالبتعاد عن القرارات التي تتعارض مع تلك التي اتخذت من قبل سيفوال (.)205
التسامح ونبذ الطغيان
عرف عن ماركوس بالتسامح مع االخرين ،وبذلك ابتعد عن طغيان االباطرة السابقين ،ومنع حرسه
الشخصي من ابعاد المواطنين الذين يقدمون اليه عرائضهم( ،)206واألكثر من هذا سمح للكتاب
الساخرين وعلى االخص مارولوس ( ،)207( )Marullusبهجائه بعد أن منحه الحصانة ،فظهرت
تعليقات حاقدة حول شخص االمبراطور( ،)208وكان يمقت سياسي اسمه فيتراسينوس
–(201) Allison, J. E and J.D. Cloud,:”The Lex Julia Maiestatis”, Latomus 21,1962. Pp.711
731.
) (202ديالتوريس كلمة التينية مفردها ديالتور (المخبر) وتعني شخص يقدم معلومات عن الجرائم التي يعاقب عليها
القانون سواء كانت صحيحة أم خطا ضد شخص بهدف الحصول على المال:
Herbermann, Charles, (ed.): “Delatores” Catholic Encyclopedia, Robert Appleton
Company. New York, 1913
(203) Historia Augusta “The Life of Marcus Aurelius” published in the Loeb Classical
Library, part 1: 1921. 11.1
) (204كونتوس موسيوس سيفوال :من عائلة استقرائية ،عين الده بوبليوس موسيوس سيفوال قنصال عام ( )133م في
عهد هادريان ،وابية مؤسس العلوم القانونية الرومانية ،ورث عن ابيه قدرة قانونية توهله لمنصب المستشار القانوني ،
فلدية ثمانية عشر كتابا عن المواطنة والحضارة :
Bruce W. Frier and Thomas A.J McGinn: “A Casebook on Roman Family Law” Oxford
University Press. 2004. p. 474
(205) Williams, Wynne: “Formal and historical aspects of two new documents of Marcus
Aurelius”, ZPE 17: 1975. Pp.37–78.
(206) Herodian: “Roman History” translation by Edward C. Echols (Herodian of Antioch's
History of the Roman Empire, Berkeley and Los Angeles. 19611.2.3–4.
) (207مارولوس :في بداية الحكم ( )162-161م كان ماركوس وشريكه في الحكم لوسيوس فيروس يسعيان الى كسب
شعبية في عيون سكان روما فسمحا بحرية التعبير ويدل على ذلك الكاتب الكوميدي مارولوس الذي انبرى ينتقدهما دون
الخوف من العقاب فاعتبر عهد ماركوس فترة التسامح :
Historia Augusta “The Life of Marcus Aurelius” published in the Loeb Classical
Library, part 1: 1921. 8. 1
(208) Dio Cassius: “Roman History”, published in Vol. IX of the Loeb Classical Library
edition, 1927. 72.33.2
40
( ،)209()Vetrasinusومع هذا سمح له بالبقاء في منصبه( ،)210واصدر مرسوما ً بضرورة وضع
شبكة تحت فنانوا االراجيح عندما يتدربون ،وتكون على شكل مواد اسفنجية سميكة ( ،)211ولكن هذا ال
يعني انه كان رقيق المشاعر فعلى العكس اذا قام احد المتهمين باالحتجاج والصراخ ضد احد قضاته،
ألنه لم يتخذ قرار العنف ضد خصومه له ،كان ماركوس يجيب( :وهل قرار تطبيق العنف يتم عندما
يجرح الرجال فقط؟)(.)212
أما في نصوص المراسيم وعددها ( )200والتي وصلتنا من عهده يبدو ان ماركوس كان
شخصية تتسم بمحافظة القانون واالدارة ،مثل االمبراطور بيوس تماما( ،)213على الرغم من انه يؤيد
فكريا ً رأي استاذه فرونتو حول استياء الطبقة األرستقراطية الرومانية من قضية المعتوقين الذين
أصبحوا اثرياء جداً ،وذوي نفوذ ،او لنقل مغرورين بأنفسهم ،واراد االرستقراطيين ان يحافظوا على
مكانتهم واصدار تشريعات تسمح لهم بأن يستعبدوا المعتوقين مرة اخرى ( ،)214من جانب اخر كان
المعتوقين في االمبراطورية مستائين لقلة تأثيرهم في الجانب السياسي سواء في عهد ماركوس أو ممن
سبقه من االباطرة ،وألن االمبراطور يعرف جيدا مدى كراهيتهم لكنه اعتبرهم اقلية ،فعلى سبيل المثال
اعتمد على حكم مدينة أثينا على العناصر الرجعية المحافظة ،وطرد المعتوقين من مجلس المدينة،
ومنعهم من تولي المناصب العليا هناك ،وقيد عضوية االيروباغوس ( )Areopagusوهو المجلس
االثيني الذي يوازي مجلس الشيوخ الروماني ( ،)215ومن المحتمل بأن سبب خوف ماركوس
واالرستقراطية حول تركيبة الهرم االجتماعي إذا ما أضيفت طبقة جديدة باسم المعتوقين إلى المجتمع
وهذا سيعني تحدي القوانين الطبيعة ،وسوف يؤدي إلى الفوضى الحتمية داخل المجتمع الروماني
(.)216
على اية حال يفضل ماركوس دائما القوانين القديمة والتي صاحبت فلسفته الرواقية ،وقد ذكر
في مراسيمه العودة إلى التراث القديم ،فمثال أعاد احياء مراسيم رمي الرمح قبل ان تخوض روما
) (209فيتراسينوس :شخصية رومانية سياسية وقانونية شغل منصب اداري في عهد ماركوس ،وكان كثير التحدث
عن نفسه مع عامة الناس ،لذا وصف بانه ذو سمعة سيئة ،ويردد باستمرار بان العديد ممن قاتل معه في ساحة القتال
اصبحوا برايتورس ( ،)Praetorsولم يمنح هذا المنصب له الن الكثير من القضايا القانونية التي توالها كانت سيئة
ومع هذا لم يتخذ االمبراطور في حقه أي اجراء :
Anthony R Birley: “Marcus Aurelius: A Biography” Routledge . London. Reprinted .2004.
p. 136
(210) Historia Augusta “The Life of Marcus Aurelius” published in the Loeb Classical
Library, part 1: 1921. 12.3
(211) Historia Augusta “The Life of Marcus Aurelius” published in the Loeb Classical
Library, part 1: 1921. 12.12
(212) Digest :Theodore Mommsen and P. Krueger (eds), Justinian’s Digest of Roman
Law, trans. A. Watron, 4 vols .Philadelphia 1985. 4.2.13; 48.7.7.
(213 ) Noyen, Paul:”Divus Marcus princeps prudentissimus et iuris religiosissimus”,
Revue Internationale de Droit de l’Antiquité, 3rd . series 1 .1954. Pp.349–371
(214) Tacitus, Cornelius: “The Annals” trans. by Alfred John Church and William Jackson
Brodribb, The University of Adelaide Library. South Australia. 2014. 13.26–7.
(215) Oliver, J. H: “Greek Constitutions of the Early Roman Emperors from Inscriptions
and Papyri” American Philosophical Society, Philadelphia, 1989
(216) Thomas Curtis (ed.): “The London encyclopaedia: or, Universal dictionary of
science, art, Literature, and Practical, Mechanics” , Vol. 2. London. p. 647
41
الحرب ،فبعد االتفاق على إعالنها يؤخذ رمح ويلوث بالدماء أو تحرق نهايته ،ويرمى عند حدود
أراضي العدو ( ،)217كما وأصر على ان يرتدي الجنود المالبس المدينة عند تواجدهم في ايطاليا(،)218
وبينما يذكر بعض الباحثين بانه أصر على الغاء الفوارق بين المواطن والالمواطن ،ولكن في نفس
الوقت كان يؤيد الفروق الطبقية داخل طبقة المواطن نفسها ،ويطالب بارتداء مالبس مختلفة لكل طبقة
اجتماعية حتى يسهل تميز الشخص اجتماعيا ،وكان يؤيد أيضا التسميات المختلفة لكل طبقة اجتماعية
فمثال كالريسيموس ( )clarissimusتخص مجلس الشيوخ ( ،)219وعبارات ( )prefectissimusو
( )egregiousبالنسبة للفرسان ( ،)220ومع ذلك ال يرغب في أي مشاكل تحدث بين الطبقات
االجتماعية والطبقات الثانوية فكل منهما يجب ان يتمسك بمركزه وهيبته وعدم الخلط بين الطبقات
االجتماعية (.)221
كان شديد التمسك بالرتب العسكرية فالفرسان هم قادة الحرس االمبراطوري ،ومجلس الشيوخ
قائدة للفيالق ،واصدر قانون يمنع أعضاء مجلس الشيوخ بالزواج او العيش مع المرأة ذات سجل
اجرامي ،وأيضا الزواج بين المعتوقين من بنات أعضاء مجلس الشيوخ بل واعتبر هذا النوع من
الزواج غير شرعي ( ،)222وفي كل احكامه الشرعية كان يميل إلى جانب مالك االراضي ضد المواطن
العادي ،وأعضاء مجلس الشيوخ ضد المعتوقين ،واالقليات ضد المجموعات المهاجرة الجديد الذين
ينضمون إلى التبعية الرومانية بعد العمليات العسكرية ( ،)223وكان يعتبر الرجال من الطبقة الدنيا لهم
قدرات عملية ووالء لرغباتهم الشخصية مثل شخصية بيرتيناكس ( ،)224( )Pertinaxوباساوس
) (217وردت طقوس رمي الرمح تعبيرا على اعالن الحرب في كتاب (ليفي) ( )Livyالكتاب األول ،وتنسب تلك
الطقوس لكاهن برتبة (( )Fetialesترجم الى راعي االيمان) وهو كاهن اإلله جوبيتر في عهد روما القديمة :
Titus Livius (Livy): “The History of Rome”, Book 1 Rev . Canon Roberts, Ed. 1.1
(218) Dio Cassius: “Roman History”, published in Vol. IX of the Loeb Classical Library
edition, 1927. 71.33.3
) (219كالريسيموس كلمة التينية (صفة) تعني حرفيا (رجل حظى بتقدير كبير) فهي تدل على االحترام وتعطي معنى
(المشرق) أو (الشهير) ،وترافق اسم عضو مجلس الشيوخ ،وفيما بعد أصبحت حق قانوني لكل عضو في مجلس
الشيوخ ،وبقيت تستعمل حتى الربع األول من القرن الرابع الميالدي ،وربما تعادل كلمات (باشا ،بيك ،افندي) التي
سادت في العصر العثماني وتذكر بعد االسم الشخصي :
Edward Gibbon: “The History of the Decline and Fall of the Roman Empire” Vol. 2,
London. 1900. p. 83 no. 286
)( (220بريفيكتيسيموس) و (إغريجيوس) :كلمتان التينية وتعني رتب تعطى كتشريف لقادة كتائب الفرسان ،وقد
أعطيت لكثير من األشخاص الذين لم يتم رفعهم الى رتبة مجلس الشيوخ :
Edward Gibbon: “The History of the Decline and Fall of the Roman Empire” Vol. 2,
London. 1900. P. 83 no. 287
(221) Kehoe, Dennis P:” Law and Social Function in the Roman Empire”. The Oxford
Handbook of Social Relations in the Roman World. Oxford University Press. 2011.
Pp. 147–148.
(222) Historia Augusta “The Life of Marcus Aurelius” published in the Loeb Classical
Library, part 1: 1921. 10.1–3; 10.7–9; 11.10.
(223) Michael Grant: “The Antonines: “The Roman Empire in Transition”. Routledge .
Revised ed. edition. 1996. p.39.
(224) Edward Pococke, and Thomas Arnold and James Amiraux : “History of the Roman
Empire from the time of Vespasian to the Extinction of the Western Empire” John Joseph
Griffin ,1853, pg. 158.
42
روفوس ( ،)225( (Marcus Bassaeus Rufusاللذان احتال مناصب عالية خالل فترة حكمه (،)226
وأيضا كان ماركوس يهتم باألقاليم االسيوية أكثر مما كان يهتم باإلغريق ،ولم يستلم اي سفارة من كل
االقاليم وفق نفس القواعد الدبلوماسية ،انما لكل إقليم له خصوصياته ،أن هذا التمايز داخل المجتمع
سعى الكثير من الناس تقديم العرائض للحصول على حق المواطنة أو الحصانة ،أو االعفاء من
االلتزامات العسكرية ،أو االعفاء من الضرائب الغير مباشرة أو الحصول على دعم االمبراطور لهم
(.)227
االهتمام بالخدمات العامة
يؤمن ماركوس بدور الدولة في االقتصاد إلى حد كبير ،وكانت تشريعاته تتجه الى سيطرة
الدولة في الشؤون االجتماعية واالقتصادية ،فاصدر الكثير من التشريعات حول تجهيز المياه ،وايجاد
مسافة صحيحة بين االبنية ،وتصميم الحمامات العامة ،وأماكن القبور ،وحسن السلوك عند إقامة
الشعائر الدينية ،وشيد الطرق الجديدة واقام النصب ليظهر بانه حاكم جديد في روما يختلف عن من
سبقه من االباطرة ،لكن مثل هذه السياسة لم تستمر طويال فما ان شيد بضعة طرق حتى توقف عن
البناء أو إقامة الطرق والقنوات ألنه ركز جل اهتمامه للحفاظ على ما هو موجود فعال ( ،)228فمثال
المحافظة على الشوارع والطرق السريعة بحال جيدة بسبب ازدحام مرور العربات خاصة في الصباح،
ولهذا اصدر تعليمات بمنع قيادة العربات في حدود مدينة روما االبعد منتصف الليل ( ،)229وعلى العموم
عرف عن سلفه االمبراطور هادريان بأنه لم يكن يهتم ببرامج البناء أو ترميم األبنية في المدن ،بينما
قام ماركوس بترميم تمثال االمبراطور انتونينوس بيوس في كامبوس مارتيوس ( Campus
،)230( )Martiusومعبد جوبيتير هيلوبوليتانوس ( )Jupiter Heliopolitanusفي الجانيكولوم
) (225ماركوس روفوس برفيكتوس ضابط برايتوي (الحرس االمبراطوري) في عهد ماركوس اوريليوس لم يتلقى
أي تعليم نتيجة ألصله الريفي ،شغل مناصب نيابية في اسبانيا و نوريكوم وغاليا وجيرمانيا ،عثر له على ثالثة تماثيل
في روما :
Weaver, Paul R C: “Familia Caesaris, A Social Study of the Emperor’s Freedmen and
Slaves” Cambridge University Press. 1972. p. 237
) (226للحصول على أمثلة حول توظيف رجال ذوي جدارة بدال من الرتبة واألسرة ،راجع :
L’Année Épigraphique, Paris .1958, 261.
(227) Dio Cassius: “Roman History”, published in Vol. IX of the Loeb Classical Library
edition, 1927. 71.19.1
(228) Pekary, Thomas: “ Untersuchungen zu den Römischen Reichstrassen” Bonn . 1968.
Pp.16–17.
(229) Historia Augusta “The Life of Marcus Aurelius” published in the Loeb Classical
Library, part 1: 1921.11.5; 23.8.
) (230تمثال االمبراطور انطونيوس بيوس في (كامبوس مارتيوس) (معنى االسم حقل اإلله مارس) وهي منطقة في
روما القديمة ،وعرفت بانها األكثر اكتظاظا في المدينة ،وشيد أنطونيوس بيوس معبد كرس لإلمبراطور الراحل
هادريان المقدس ،كذلك شيد معبد الى زوجة هادريان وتدعى الماتيديا ،اما التمثال فلم يبقى منه حاليا غير القاعدة فهو
على االغلب عمود تم نصبة عام ( )161م على شرف االمبراطور الراحل :
Platner, Samuel Ball, and Thomas Ashby:” A Topographical Dictionary of Ancient Rome”.
Oxford UP, H. Milford, London. 1929. p. 331
43
( ، )231( )Janiculumثم شيد ماركوس عموده التذكاري الوحيدة في روما ( ،)232ولكن لم يبذل جهده
اعمار اسبانيا أرض اجداده ،حتى انه لم يلغي قانون تراجان الذي انهكت اسبانيا بفعل استغاللها من
قبل المستوطنين الطليان الذين استحوذوا على األراضي االسبانية وشكلوا اقطاعيات كبيرة (.)233
تنظيم الضرائب
كانت الضرائب عب ثقيال على المواطنين واعتبرت التزاما يجب احترامه ،فكان على
االمبراطور توفير وتخفيف أسعار الحبوب ،فألغى اسعار الحبوب المهيمنة على السوق وبدأ بمراقبة
استيرادها بعناية ،واستنتج بان الخبز هو الشرط االساسي لوجود روما آمنه ،فالبد من تجهيز روما
بالحبوب وبانتظام ،ولهذا كان تحت حكم ماركوس اوريليوس منصب فكتوس أنوناي ( fectus
( )annonaeسيد األسواق) ( ،)234وهو يأتي بالمركز الثالث بعد قائد مصر ،والقائد البريتوري (الحرس
االمبراطوري) ،ألن موضوع تجهيز الحبوب الذي ذكر في نصوص ماركوس اوريليوس هو األساس
الذي شاركه فيه حكام اقاليمه ،ولكن في نفس الوقت زاد ماركوس من جامعي الضرائب ،وسعى لتقوية
ضريبة الميراث ،وعمل على اصالح الجمارك ونظام التعريفة الجمركية ،وبدأ بالتحقيق في مصروفات
أموال الحكومة المحلية ،وأيضا محاربة الفساد( ،)235وأصر ان الدولة لديها القوة في كل أمور الحياة
االقتصادية والمالية ،وحتى في تنظيم التجارة ،وادارة العالقات بين اعمال الشركاء وكتابة العقود ،وهذا
يعني تدخالً كبيرا ً من قبل الدولة ،فال بد وان كانت السنوات االولى من فترة حكم ماركوس تمتع بها
بشعبية كبيرة (.)236
السياسة المالية في عهد ماركوس
عندما توفي االمبراطور انتونينوس بيوس ترك خزينة روما بحاله جيدة ،ألنها كانت تحتوي
على ( )675ديناري( 2,600مليون سيستريسيس) مودوعة في الخزينة ( ،)237ربما كانت هذه دعاية
وضعها المعجبون باإلمبراطور بيوس ،أما بالنسبة لسياسة ماركوس المالية والنقدية فيصعب تفسيرها
) (231تل الجانيكولوم يقع التل في غرب روما ،وهو ثاني أطول تل في المدينة ،ويجري في غرب التل نهر التيبر،
وموقع معبد اإلله جوبيتير هيلوبوليتانوس على التل حتى يمكن مشاهدته بكل وضوح من قبل سكان روما ،اما اسم
هيلوبوليتانوس فهي تحريف الى إله هليوبوليس المصري الذي يمثله االله رع ،وهنا يجسد جوبيتير إله الخصوبة ورب
الرعد والمطر ،واإلله العظيم ،وإله السماء ،وإله الشمس ،واعتبر هذا المعبد مصدر للتنبؤات مثله مثل معبد بعلبك في
سهل البقاع في لبنان ،وقد زار المعبد االمبراطور تراجان عام ( )114م ليعرف نتيجة حملته المقبلة ضد الفرثيين؟ وهل
يعود سالما من تلك الحرب؟:
Edward Gibbon: “The History of The Decline and Fall of the Roman Empire” Vol. 2,
London. 1900. Pp. 20-25
;(232) Robinson, O. F: “Ancient Rome. City Planning and Administration” Routledge
London:1992. p.22.
(233) Historia Augusta “The Life of Marcus Aurelius” published in the Loeb Classical
Library, part 1: 1921.11.7.
) (234فكتوس أنوناي :عبارة التينية تعني منصب (سيد األسواق) :
”Thomas Arnold: History of Rome: Early history to the burning of Rome by the Gauls
Vol. 1: London . 1845. p. 356
(235) Digest :Theodore Mommsen and P. Krueger (eds), Justinian’s Digest of Roman
Law, trans. A. Watron, 4 vols .Philadelphia 1985. 27.1.26
(236) L’Année Épigraphique: Paris .1960, 114, 200, 342.
(237) Vogel, Lise: “The Column of Antoninus Pius” Cambridge. Harvard University
Press. Chicago. 1973
44
،فقد ورث السياسة المالية من انتونينوس بيوس الذي خفض سعر العملة ،و تبعه ماركوس هو االخر
في تخفيض العملة الفضية محتمل ألنه ورث خزانة فارغة بعد وفاة بيوس ،وربما كانت تكاليف
المهرجانات والمراسيم عالية وخاصة عندما استلم الحكم ماركوس كإمبراطور على روما ،وكانت
عملية تخفيض العملة هي الطريقة الوحيدة لزيادة األموال في الخزينة( ،)238أو الن مدفوعات الخزينة
العالية كانت تذهب إلى الجيش مما أدى الى حالة من التضخم في القرن الثاني الميالدي ،فقد كان الجنود
يستلمون رواتب تصاعدية مع الهبات ،ولهذا كانت نصف اموال الضرائب (التي تقابل الضرائب على
الحبوب) في االقاليم تذهب كرواتب للجيش وهبات لهم (.)239
في بداية عهد االمبراطور سيبتيوس سفيروس ()211-145( )Septimius Severusم ،كان
راتب الجندي في الفيلق الروماني ( )500ديناري سنويا ً ،وكان الحارس في الحرس االمبراطوري
يستلم ثالث اضعاف راتب جندي الفيلق ،بينما يستلم قائد المئة ( )5اضعاف الحرس االمبراطوري،
وكان بريموس دبيلوس ( )primus pilusيستلم بالفعل عشرون ضعفا ً ( ،)240وفي كل سنة تكون هناك
سبعة وتسعين فرقة جاهزة بجنودها وعتادها ،وهذا يتطلب تعين سبعون ضابطا من أعضاء الفيلق
العاملين ( )10منهم تم تكليفهم مباشرة ،ويأتي ( )17من الحرس االمبراطوري بهدف مضاعفة اجورهم
ثالثة اضعاف ،ويتم في كل وقت دفع مصروفات ومكافأة كبيرة مع التبرعات للفرد الواحد ،وكان في
عهد ماركوس اوريليوس هناك ثمانية وعشرون فيلق ،وهناك ستون ضابط ( )Centurionsفي كل
فيلق ،وعليه يجب دفع فاتورة سنوية لـ( )1680ضباط يلتقي بهم ( ،)241وأما صرف الهبات فتصرف
عادة بمعدل خمس مرات خالل السنة للحرس االمبراطوري ،وتدفع تلك المبالغ عادة عند اعتالء
االمبراطور العرش ،خاصة اذا أراد االمبراطور ان يحافظ على القوات جاهزة وفعالة ،ومن المعروف
ان ماركوس ولوسيوس فيروس في بداية حكمهما عليهما دفع هبات تقدر ( )20000سيسترسيس -وهو
اعلى رقم مالي تم دفعه منذ الحروب االهلية في أواخر عصر الجمهورية( )88-90ق.م ،كما وزع
ماركوس ( )240مليون سيسترسيس لقوات روما وحدها ،ولو تم توسيع الهبات وفق اسس نسبية تبلغ
( )30%كما كان سائدا ً فأن الفاتورة النهائية ستكلف على االرجح ( )1000مليون آخر من
السيسترسيس( ،)242وكل ذلك تم في وقت لم تتوسع فيها أمالك اإلمبراطورية علما بان العائدات المالية
كانت في تناقص مستمر ،وكان هذا الموقف المخيف على وشك ان يصبح األسوأ عندما ضرب الطاعون
والحرب في اقليم جيرماني التابع لروما ،في ذلك الوقت كان ماركوس يحاول جاهدا ً ادارة موارده
(238) Walker, David Richard: “The Metrology of the Roman Silver Coinage, Vol.2 From
Nerva to Commodus”. British Archaeological Reports, Vol. 2. Oxford. 1977. Pp.55–60//
Duncan-Jones, Richard:”Structure and Scale in the Roman Economy”, Cambridge
University Press .Cambridge, 1990. p.44
(239) Hopkins, Keith: ”Taxes and Trade in the Roman Empire 200 B.C.–A.D. 400”, The
Journal of Roman Studies 70: 1980. Pp.116–125.
) (240بريموس دبيلوس :الترجمة الحرفية تعني (الرمح األول) الن الكلمة الالتينية (بيلوم) تقابل (الرمح باللغة
اإلنجليزية ، ،ويطلق بريموس دبيلوس على الضابط الروماني الكبير في الجحفل الروماني:
Brunt, P. A:”Pay and Superannuation in the Roman Army”, Papers of the British School
in Rome 18 1950. Pp.50–61.
(241) Dobson, Brian :”The significance of the centurion and primipilari”, ANRW loc.
cit., Pp.392–430
(242) Campbell Brian:”The Emperor and the Roman Army (31 B.C.-A.D. 235)” Oxford.
1984. p.171
45
المالية بدون جمع ضرائب بالقوة أو فرض ضرائب جديدة ،ولذلك ترك حمال ثقيال لولده كومودوس
(.)243
(243) Dio Cassius: “Roman History”, published in Vol. IX of the Loeb Classical Library
edition, 1927. 72.32.3
(244) Jo-Ann Shelton:” As the Romans Did: A Sourcebook in Roman Social History, 2nd
ed New York: Oxford University Press, 1998, Pp.166–167
(245)Tim Parkin and Arthur Pomeroy :” Roman Social History: A Sourcebook Routledge
Sourcebooks for the Ancient World (London; New York: Routledge, 2007. p. 155
46
من المستغرب ان هناك القليل من النقاش حول الرق في عهد ماركوس ،فقد ذكر بعض المالحظات
في معرض حديثه عن العبودية( :يهرب العبد من سيده فيصبح مطارد ،والقانون سيد الجميع :وبالتالي
فان الهارب يخضع لعقوبة القانون ،وفي نفس االتجاه فأن اآللم ،والغضب ،أو الخوف مرفوضا في
الماضي والحاضر أو حتى في المستقبل ،وبما أن الحاكم يتصرف وفق القانون ،فلهذا هروب العبد قد
يكون بسبب الخوف ،أو اآللم ،أو الغضب ،ومن ثم يصبح العبد مطاردا) ( ،)246كما ذكر أيضا بان
العبد ليس له صوت في شؤون الدولة( :لقد ولدت عبدا :اذن ليس لديك صوت)( ،)247اعتقد انه يقصد
ال أهمية للعبد سواء بالرفض او القبول الن العبد ال حقوق له وال يعتبر مواطن روماني حتى لو قضى
حياته يعيش في روما ،ومع هذا نقرأ في رسالة سينيكا ( 4( )Senecaق.م – 65م) (فيلسوف روماني
من الرواقيين) وهي رسالة رقم ( )47إلى لوسيليوس ( )Luciliusذكر كيفية التعامل مع العبيد حيث
يقول ( :هذه نصيحتي عامل من هم اقل منك مرتبة كما تعامل من قبل اصدقائك الخاصين) ( ،)248يقصد
هنا المساواة بين الحر والعبد ،كما ذكر ماركوس اوريليوس في التأمالت وهو يطلب منا ( :أن نبحث
كيف نقف مع اصحابنا وكيف ولدنا جميعا لمساعدة بعضنا البعض) (. )249
وذكر الفيلسوف الروماني سينيكا تفسيرا للعبودية مختلف جدا ويطلب ان يتحول التفكير نحو ذات
االنسان ،وعلى البشر ان يدركوا ما في أنفسهم قبل التفكير بالعبيد( :انه عبد ،حتى روحه ،وقد يكون
االنسان حرا ،ومع هذا هو االخر عبد :أرني رجال ليس عبدا؟ واحد عبد لشهوته ،وآخر عبد للطمع،
وآخر للطموح ،وجميع البشر هم عبيد للخوف ...ال عبودية أكثر عيبا مما هو موجود في داخلنا) (،)250
وأستخدم ماركوس أوريليوس نفس االستعارة لوصف كيف يمكن أن تسيطر العبودية على العقل،
ويستعبد الرجل في افكاره الحزينة أو مستقبل مجهول ويقدم نصائحه( :لن يسمح مركزك وانت الحاكم
ان تكون بمثابة العبد ...ولن يسمح لكي تكون ساخطا ،أو تجفل ما سوف يحدث في المستقبل) (.)251
راي ماركوس في العبودية
اعتقد بان ماركوس في احكامه القانونية يميل إلى جانب العبيد ،وفي الحقيقة هذا االدعاء ليس
صحيحا ً بشكل عام ،انما يفضل المعتوقين كمبدأ عام ،وازالت الموانع أمام العبيد في شراء حريتهم،
فالعبد الذي يباع بعد وعد بالحرية يجب ان يحرر ،وحتى وان لم يتم تحقيق الظروف الالزمة بين البائع
والمشتري فالبد من العتق ،فقد كان دائما يحاول التأكيد بان عمليات تحرير العبيد يجب أن ال تغلق
بسبب بعض الشكليات القانونية ،وال يرغب ماركوس ان يكون المال قادر على الفوز باي شيء أمام
اصالح رعايا الدولة ( ،)252ولذلك تناول في أحد مراسيمه ضرورة حماية العبيد الذين تعلن براءتهم
(246) Marcus Aurelius: “Meditations” Translated with Notes by Martin Hammond with an
)Introduction by Diskin Clay. Published by the Penguin Group, London. 2006. p. 100 §(25
)(247) Ibid: p. 113 §(30
(248) Lucius Annaeus Seneca: “On Master and Slave”, In Epistulae morales, trans. Richard
M. Gummere ,London Heinemann, 1917. Letter 47
(249) Marcus Aurelius: “Meditations.. p.205 § 11.18.
(250) Hellenistic Constructs: “Essays in Culture, History, and Historiography”,
Hellenistic Culture and Society v. 26 (Berkeley: University of California Press, 1997, p.
159.
(251) Marcus Aurelius: “Meditations .. 2.2.
(252) Williams, Wynne W: “Individuality in the Imperial Constitution: Hadrian and the
Antonines”, The Journal of Roman Studies 66 : 1976. p.80.
47
عن قتل سادتهم ،ويتم تحريرهم ،ووضح ماركوس ان االطفال الذين يولدون للعبيد خالل التحقيق يجب
ان يعتبروا احرار ،كما يمكنهم االستفادة من اي ارباح أو فوائد في التشريعات الدولة التي صدرت
لصالحهم حالما يتم تبرئتهم( ،)253ومن جهة أخرى كان صارما فيما يتعلق بالعبيد المطاردين أو الهاربين
أو اولئك المشتبه بهم في القتل ،وفي حال قتل المالك ،يتم تعذيب كل عبيد المنزل ،كما ورد في مرسوم
صادر عن مجلس لشيوخ عام ( )57ق.م ،ويمكن تطبيق هذه العقوبة على المعتوقين ايضا ً( ،)254وكان
ماركوس يؤيد تلك القوانين القاسية بل كان سعيدا ً بجعل االسياد يضربون عبيدهم بقسوة لعدم طاعتهم،
أو حتى اعدامهم ،ويعود تاريخ اعدام العبيد بيد الجالدين إلى عصر الجمهورية الرومانية ( ،)255كما
قام ماركوس بتقوية حقوق مالكي العبيد من خالل اصداره مرسوم يذكر فيه حقهم في دخول أي مقاطعة
من مقاطعات االمبراطورية وحتى امالك االمبراطور بنفسه لمالحقة العبيد الهاربين( ،)256كما كانت
العقوبات شديدة ضد االشخاص الذين يأوون العبيد الهاربين ،إال إذا قدموا بالغ عن العبد الهارب في
خالل عشرون يوم ،وعلى كل الحكام وقضاة المدينة والجنود وحراس االقليم ان يساعدوا في اعادة
اولئك العبيد الفارين(.)257
تسجيل الوالدات لألحرار والعبيد
أهتم ماركوس فيما يخص احوال رعيته ،وقام بتعيين مسجل الوالدات ،وطلب من كل الرومان وحتى
اولئك المواليد الغير شرعيين بان يقوموا بتسجيل والداتهم ،ووظف محققون للتحقيق في كل القضايا
المشتبه بها لمنع االحتيال بين العبد والسيد ،واالعالن ان مواليد العبيد ،واالحرار ،أو المعتوق الحر
بالوالدة( ،)258وقد اتخذ ماركوس موضوع المواطنة الرومانية بجدية ،وكان عازما ً على حماية وضعهم
االجتماعي( ،)259وهناك مثال جيد عن منح المواطنة التي قام بعملها هو ولوسيوس فيروس سنة( -168
)169م إلى جوليانوس زيغرينيس ( )Julianus Zegrenisوهو زعيم مجموعة عرقية في جبال
أطلس في موريتانيا الطنجية (المغرب حاليا) حيث تم منحه حق المواطنة الرومانية مكافأة له على
والءه لروما بل واقناع القبائل االخرى بالوالء لروما ايضا ،وأصر ماركوس على ان يقوم الزعيم
الموريتاني الطنجي بتسجيل أسماء زوجته واوالده قبل تصديق منحه حق المواطنة له (،)260
كان ماركوس مشغوالً دائما بما يقدم له من العرائض التي تطلب االعفاء ،والحصانة ،ومنح المواطنة،
من كل انحاء االمبراطورية ،وكان دائما ً ما يفضل العمل بما تمليه عليه ذاته ( ،)261و يحبذ منح المواطنة
(253) Historia Augusta: “The Life of Marcus Aurelius” published in the Loeb Classical
Library, part 1: 1921. 9.7
(254) Tacitus, Cornelius: “The Annals” trans. by Alfred John Church and William Jackson
Brodribb , The University of Adelaide Library. South Australia. 2014. 13.52; 14.142–5.
(255) Digest 47.10.15.42.
(256) Digest 50.6.6.10–11.
(257) Digest 11.4.1.1–2.
(258) Historia Augusta: “The Life of Marcus Aurelius” published in the Loeb Classical
Library, part 1: 1921. 9.7–9
(259) Schulz, Fritz: “Roman registers of birth and birth certificates”, The Journal of Roman
Studies 32 .1942, Pp.78–91
(260) Christol, Michel “Une correspondance impériale: testimonium et suffragatio”, Revue
historique de droit français et étranger 66 .1988. Pp.31–42.
(261) Werner Eck:”Provincial administration and finance”, Cambridge Ancient History 11,
Second edition. Cambridge University Press, 2000, Pp.271–272
48
الرومانية للناس في المناطق النائية بدالً من تأسيس مدن رومانية جديدة للسيطرة على االراضي البعيدة،
وكان يفضل منح المواطنة إلى كل مجتمعات اإلمبراطورية وليس االفراد (. )262
االستفادة من العبيد المحررين في اإلدارة
ا ثبت االمبراطور ماركوس بان الفلسفة ال تعني الشدة والقتل الغير مبرر له ،انما ابراز التعاطف
وعدم الشدة خاصة مع االسرى ،وبذلك اكتسب شهرة واسعة بان تعاليمه الفلسفية طبقها على االحداث
التي عاصرها سواء في معارك الدانوب او على نهر الراين ،وبعكس شريكه فيروس الذي مارس الشدة
في حروبه ضد الدولة الفرثية واسراها الذين استعبدهم وسيقوا الى جزيرة ديلوس اليونانية ليتم بيعهم
()263
كعبيد (سأذكر العبيد الحقا)
شكل :6مشهد بالنحت البارز يمثل االمبراطور ماركوس اوريليوس على ظهر جواده ،ويالحظ
اسيران جاثمان على ركبتيهما يطلبان العفو والمغفرة بعد هزيمة القبائل الجرمانية ،هذا الوح محفوظ
في متحف كابيتولين في روما
فقد ظهرت شكوك حول طبقة الفرسان في عهد ماركوس ،فقد اتضح بان كميات كبيرة من االموال
قد تسربت لصالح تلك الطبقة ،وألجل حمايتها من المحتالين والسرقات ،قام ماركوس بتعيين اناس من
طبقات اجتماعية مختلفة في المنصب الذي اصطلح عليه اسم ( )pseudo-collegialityالذي تعطي
(262) Fergus Millar: “The Emperor in the Roman World 31 BC-AD 337” Ithaca, N.Y.
Cornell University Press, London: Duckworth. 1977. Pp.482–3.
(263) Marcus Aurelius: “Meditations” Translated with Notes by Martin Hammond With an
Introduction by Diskin Clay. Published by the Penguin Group, London. 2006. p. 72
49
معنى (الزمالة غير متكافئة) ( ،)264وكان هادريان قد طرد كل الرجال المعتوقين من المناصب الرئيسية
وابدلهم بالنواب الفرسان ،ووضع الرجال المعتوقين نوابا ً لهم لالستفادة من خبراتهم ،عالوة على ذلك،
فقد كان تعيين العبيد والمعتوقين بهذا المستوى يحمل معنى طالما كانوا قادرين على استيعاب العبء
الديني في كل االعمال بين االمبراطور ومستشاريه ومجلس الشيوخ فكان عليهم العمل بالكتابة ،حتى
لو كانت كل االحزاب متواجدة في روما( ،)265وكان هادريان قد حافظ على تسلسل هرمي دقيق ،مع
الفرسان حتى يكونوا الطبقة االدارية في الخدمات المدنية ،بينما العبيد والمعتوقين في المراتب أقل
ومنها منصب الكتبة ،ولكن ماركوس قام بتحسين الموقف من خالل ابتكار االدارة في (الظل) ،و
يهدف من خاللها إلى االستمرار في المحافظة على مناصب الرجال المعتوقين الموازية اكثر للفرسان،
ويذكر البعض ان الخدمات المدنية كانت تعمل من خالل عبيد والمعتوقين الذين كانوا اكثر اهمية من
الفرسان ،أو جنبا ً إلى جنب مع للفرسان(.)266
-2الدين المسيحي
كان الصراع الطبقي على أشده منذ نهاية القرن الثاني ق.م ،فقد سيطرت طبقة النبالء ومجلس الشيوخ
على األراضي الزراعية ،وأقاموا مزارع كبيرة المساحة يعمل فيها العبيد مقابل طعامهم ولباسهم ،وتم
مصادرة األراضي ذات المساحات الصغيرة ،وأجبر الفالحين الصغار على الهجرة واللجوء إلى روما
التي اكتظت بالعبيد و المطرودين من أراضيهم المصادرة ،ومن الطبيعي ولدت طبقة مسحوقه تماما
تتحين الفرص للتمرد أو السرقة وقطع الطرق ،وقد جرت محاوالت للدفاع عن حقوق الفالحين
()5
والمزارعين وبتوزيع األراضي المشاعة للتقليل من حدت الصراع الطبقي في أرجاء اإلمبراطورية
،لكن تلك المحاوالت لم تجد لها إذنا صاغية من مجلس الشيوخ الروماني ،وكان نصيب كل المحاوالت
التي يقوم بها الفقراء والعبيد ضد حالة البؤس التي يعيشها السكان أو الترف الفاحش الذي تعيشه النخبة
الرومانية وجدت طريقها إلى الفشل (.)6
كان ميل عامة الشعب يتزايد أكثر فأكثر نحو ديانة واحدة من بين تلك الديانات الشرقية حتى يفضلونها
على سواها ،وكان معلمو هذه الديانة يخبرون الناس أن يسوع العبراني ولد في فلسطين بين أمته
العبرانية في أيام اوغسطس قيصر( -30ق.م – 14م) ،وتحدث باآلرامية وقال (ال تظنوا أني جئت
النقض الناموس أو االنبياء ،ما جئت النقض بل ألكمل) (سفر متي )17 :5كما حدد موقف الدين
المسيحي من سلطة االمبراطور بقوله (:أَعطوا ما لقيصر لقيصر وما هّلل هّلل) (انجيل مرقص) (:12
.)17-12
ومع ما كانت عليه ديانات الشرق األخرى من المكانة إال أنها لم تولي أتباعها مؤاساة ؟أو شراكة
مع حياة سامية جدا وجميلة ومملوءة رأفة وشعورا مع الغير كحياة المعلم العبراني الجديد الذي كان
لدعوته البسيطة صدى كبير في النفوس ( :تعالوا إلي يا جميع المتعبين ) هذه العبارة لها مفعول عظيم
في قلوب الماليين من الرومانيين التعابى ،وال نجد في المناشير والنصب التذكارية لألباطرة الرومان
عبارة مثل هذه تدخل في القلوب أو حتى مرادفة لها تجمع الشعب الروماني ويصغون لنداء سادتهم ،
فالعبد والمعتق والصانع والمترف والوضيع والمزدري المقيم في ثكنات الحكومة والخرائب أو مأوى
(264) Werner Eck: “Administrative Posts”, Cambridge Ancient History 11, Second edition.
Cambridge University Press, 2000. p.256.
(265) Dio Cassius: (1927). 55.4.1–2.
(266) Werner Eck: “Administrative Posts”, Cambridge Ancient History 11, Second edition.
Cambridge University Press, 2000. Pp.263–5
50
للفقراء في روما هؤالء ومعهم الكثير لبوا النداء فوجدوا فرحا في الرجاء الذي ولده فيهم ذلك التعليم
السامي ،وفي مدى قرن برزت الديانة الجديدة على سائر ديانات اإلمبراطورية األخرى(.)267
وفي القرن األول والثاني الميالدي ومع انتشار المسيحية رفض العمال المسيحيين األوائل في
اإلمبراطورية الرومانية عبادة اإلمبراطور كما هو مطلوب ،بل كانوا ينادون جهارا بسقوط الدولة
الرومانية فجر عليهم ذلك وباال واضطهاد شديدة ،واتضح للمإل أن ديانتهم ال تتفق مع شروط الرعوية
الرومانية التي تدعوا بتقديم االحترام المطلوب لإلمبراطور والحكومة ( ،)268هذا التصرف جعلهم
يتعرضون إلى االضطهاد فقد كانت الكلمة التي تستخدم من قبل سكان اإلمبراطورية عند وصف تعاليم
المسيحية هي كلمة (الخرافة) ( ،)269()superstitioوتلك الكلمة غالبا ً تؤدي إلى االضطهاد والتشكيك
بالمسيحيين بانهم اساؤا إلى اآللهة من خالل القيام بأعمال ال اخالقية وجرائم الحاد و رفضهم لعبادة
اآللهة او اآللهات التي تعبد في اإلمبراطورية ( ، )270وهكذا بات االعتراف باعتناق الديانة المسيحية
قرابة عام ( )120م جرما قد يفضي إلى الموت (.)271
()272
مجزرة لوغدونوم ()Lugdunumعام ( )177م
في القرنين االولين من العصر المسيحي ،كان الحكام المحليون الرومان هم المسؤولين إلى حد كبير
عن االضطهاد في القرن الثاني الميالدي ،واعتبر االمبراطور بان المشكلة المسيحية محلية لذلك ترك
االمر لحكام المقاطعات ،ولذا فان االضطهاد كان محليا ومتفرق وانصب الحقد على اتباع المسيح بانهم
يرفضون التضحية لإلله جوبيتر وعدم قدسية االمبراطور ولذلك صدرت مجموعة من المراسيم
اإلمبراطورية التي تنص بمنع المسيحيون من الظهور في األسواق والحمامات العامة أو في األماكن
العامة اذا خالفوا تلك المراسيم يتعرضون للضرب والسرقة وتخريب منازلهم من قبل الغوغاء ،وبرزت
المشكلة عندما توسعت المسيحية في مدينة لوغدونوم فوجت لهم االتهامات مثل االلحاد ،وزنا المحارم،
) (267جيمس هنري برستد :العصور القديمة ،ترجمة داود قربان ،بيروت ،1968 ،ص 621
) (268هناك عقيدة (عبادة االباطرة) وهي عبارة استعملت عادة للتضليل النه لم يحدث قط إال فيما ندر ان أقيمت شعائر
العبادة لالمبراطور إبان حكمه وفي اثناء حياته على اعتبار انه إله بالفعل انما ينضم الحاكم العظيم بعد وفاته الى قائمة
أسماء من تعبدهم الدولة ،على اية حال ازداد عدد المسيحيين واخذت كل جماعة تنظم ذاتها كنيسة واللفظة كنيسة
مأخوذة من اللفظة يونانية األصل (اكليزيا) معناها جماعة المؤمنين وكان اليونان يستعملونها قبال لمجمع العامة :جيمس
هنري برستد :المصدر السابق ،ص //622أ .ب .تشالز ورث :اإلمبراطورية الرومانية ،ترجمة رمزي عبد جرجس
ومراجعة محمد صقر خفاجة ،القاهرة ،2003 ،ص164
) (269أن كلمة ( ،)suprestitioتشير الى سلوك مخرب وانكار ديني اتجاه اآللهة الرومانية الن الدين يُعز اآللهة،
بينما يقوم (الخرافة) بجرح اآللهة :
MacMullen, Ramsay:” Christianizing the Roman Empire”, The American Journal of
Philology 87: part 1 . 1966, p. 17
(270) Everett Ferguson:” Backgrounds of Early Christianity”, Grand Rapids, MI: William
B. Eerdmans Pub, 2003, Pp.593-594.
(271) Frend, William H. C: “Martyrdom and Persecution in the Early Church; A Study of
a Conflict from the Maccabees to Donatus”. Garden City, NY: Anchor Books, 1967. p. 11
) (272لوغدونوم :تأسست عام ( )43ق.م ،وكانت مدينة رومانية مهمة ،واطلق عليها اسم غول ( )Gaulالرومانية
في عهد ماركوس اوريليوس ،وكانت عاصمة إقليم الروماني غاليا ( ،)Galliaوحاليا يطلق عليها ليون وتقع في فرنسا
:
Goyau, Georges: “Lyons”. The Catholic Encyclopedia. Vol. 9: New York: Robert
Appleton Company, Reprint. USA. 2013
51
واكل لحوم البشر( ،)273ويمكن تفسير اندالع االضطهاد خالل هذه الفترة بعوامل سياسية أو دينية أو
اقتصادية ،فقد انتشرت المجاعة الواسعة كما انتشر الطاعون الذي استمر مدة عشر سنوات ،وصدر
مرسوم إمبراطوري أمر من خالله ماركوس سنة ( )176م جميع المواطنين بتقديم التضحيات،
فاستغلت طبقة المحافظون في المدينة للمرسوم من أجل جلب المسيحيين للمحاكمة وتحميلهم الفوضى
االقتصادية والسياسية الن المسيحيين هم الجانب األضعف في المعادلة االجتماعية في مدينة لوندوغوم
( ، )274فالقي القبض على ( )48مسيحيا وتم استجوابهم في الساحة العامة وامام الجمهور ،ووفقا لرواية
يوسابيوس ( )275( )Eusebiusبتعرض المسيحيون للتعذيب بينما واصلت السلطات القاء القبض على
آخرين ،وتم ضبط اثنين من خدم المحافظ واعترفا خوفا من التعذيب انهما مسيحين مارسا زنا المحارم
واكال لحوم البشر (.)276
ومع الحاح الغوغاء في شوارع لوغدونوم تم تعذيب االسرى بوسائل واشكال عده ومن ثم اعدموا
جميعا ومن بين ( )48ضحية في ليون نصفهم من أصل يوناني والنصف االخر من سكان غاليا من
ذوي التبعية الرومانية ،ويتحدث المؤرخون بان ستة افراد فقط هم الذين أخذوا إلى المدرج الروماني
واطلقت عليهم الحيوانات المفترسة هم :ماتوروس ( ،)Matturusوسانكتوس (،)Sanctus
وبالندينا( ،)Blandinaوأتالوس ( ،)Attalusوألكسندر ( ،)Alxanderوبونتيكوس (،)Ponticus
أما بقية الشهداء وهم ( )42فتعرضوا للتعذيب في أماكن أخرى (خارج الحلبة) ،النهم يحملون الجنسية
الرومانية ،ثم قطعت رؤوسهم أو قتلوا في داخل السجن (.)277
انكشفت السياسة المناوئة للمسيحية التي قام بها ماركوس اوريليوس ،فلم تصدر مراسيم واحكام
بحمايتهم والتي سبق وأن أعدها سلفه انتونينوس بيوس ،بل قام بمعاقبة كل المواطنين الذين ادينوا جنائيا ً
من المسيحيين باالستناد إلى اتهامات مزيفة وملفقة ،ويعتقد أنها من افعال االمبراطور وحكومته ،الن
االمبراطور ماركوس لم يصدر قانون يمنع االضطهاد انما شجع اضطهاد المسيحيين (.)278
(273) Timothy Asher Yonts: “An examination of the martyrdoms of Lyon in AD. 177. A
critique of the theory of the Trinqui” Lynchburg, Virginia, 2014. p. 77
(274) Croteau, Shelly Jeanne: ”Marcus Aurelius and the Accidental Martyrs of Lyons
(A.D. 177)” , PhD diss., University of Missouri-Columbia, 1992. p. 17.
) (275يوسابيوس من قيسارية وأيضا يعرف يوسابيوس بامفيلي كان مؤرخ يوناني مسيحي ،ال يعرف عن حياته
سوى القليل جدا ،تولى اسقفية قيسارية وله العديد من المؤلفات عن االناجيل أو التناقضات بين االناجيل:
(276) Eusebius, Eusebius: “The Church History”, Translation and Commentary by Paul
L. Maier (Grand Rapids, MI: Kregel Publications, 2007.Book 5. §1.12-13
(277) Musurillo, Herbert. The Acts of the Christian Martyrs. Oxford: Clarendon Press,
1972. p.75.
(278) Timothy Asher Yonts: (2014). p. 5
52
ولكن المجزرة بحد ذاتها التي رواها يوسابيوس عن مذبحة لوغدونوم تحمل شكوك كثيرة (،)279
وان ماركوس بعيد عن احداث لوغدونوم ( ،)280ويذكر الباحث (كيريسزتيس) إن الفترتين البارزتين
في االضطهاد كانت تحت حكم ماركوس أوريليوس في األعوام ( )168-161وحوالي ( )177م ،ربما
االضطهاد كان نتيجة عن صدور مراسيم إمبراطورية ،وأول هذه المراسيم وصف التضحية إلى
اآللهة ،والثانية كانت نوعا ً من مراسيم جديدة ربما كانت تتعلق بمجلس الشيوخ ( senatus
)consultumسنة ( )177م إال ان ماركوس كان من حيث األساس والقانون بريئا ً من دم المسيحيين
( )281فصحيح كان يعرف بان المسيحيين يحملون صفة العناد السافر ( ، )282ولكن اضطهاد لوغدونوم
يعكس مشكلة أوسع نطاقا للسلطة الغير المحدودة التي كانت تمنح لحكام المقاطعات والذين يسيرون
على هوى ورغبات الناس والغوغاء الوثنيين فيتم معاقبة الضعفاء ابتعادا عن شر األقوياء ،فعلى
العكس في وقت سابق على احداث ليون كان ماركوس يحتفظ بالمسيحيين كجنود وضباط في الجيش
الروماني وبذلك فهو يحمي اإليمان في قلوب اتباعه (.)283
كانت الخيانة من الجرائم الشديدة في اإلمبراطورية ،ويتعرض اصحابها إلى الموت وانكار دفن
الجثث أو اغراقهم في نهر التيبر ،وكان التيبر بمثابة المكان الذي يتم فيه التخلص من االوساخ واالرواح
النجسة ،وليس من الصدفة أن تكون هذه المعاملة متشابهة مع تدنيس الشهداء لوغدونوم ،ألن ذلك كان
معتادا لدى الرومان حيث يتم اعدام المجرمين بعد عرضهم على الناس ،وتقع حلبة لوغدونوم مثل
روما ،بالقرب من نهر الرون ( ،)Rhoneوغالبا ما كانت تجري في مدينة لوغدونوم قتال حتى الموت
بالقرب من مياه النهر ( ،)284وقد وصفت مجزرة لوندوغروم بانها رهيبة وان المضطهدين هم من
الرومان ذوي ثقافة وعرف روماني ،ومع هذا دنست جثث الضحايا واحرقت وكأنهم مرتكبي الخيانة
العظمى وهذا االمر معروف في الثقافة الرومانية وال يستطيع االمبراطور الروماني اتخاذ إجراءات
التي تمنع أو تحدد أي إجراءات الن حكام األقاليم بما يملكون من سلطة ينفذون رغبات الناس من حيث
المحاكمات ،والتعذيب ،وقطع الرؤوس ،وحرق الجثث ،والتخلص منها عن طريق المياه كلها عادات
رومانية تتم للتعامل مع غير المرغوب فيهم (.)285
) (279ذكر يوسابيوس في تعليقاته في بداية( الكتاب الخامس) ان األحداث في لوغدونوم وقعت تحت حكم أنتونينوس
فيروس:
González Justo: (1984), "14 – Official Theology: Eusebius of Caesarea", The Story of
Christianity. Prince Press, 1984. p. 129
”Thompson, James Westfall: “The Alleged Persecution of the Christians at Lyons in 177
The American Journal of Theology 16. no 3, 1912. Pp. 358-384
(280) Paul Keresztes: “Marcus Aurelius a Persecutor?” The Harvard Theological Review
61: no.3. 1968. Pp. 321-341.
(281) Ibid: 341.
) (282أ .ب .تشالز ورث :اإلمبراطورية الرومانية ،ترجمة رمزي عبد جرجس ومراجعة محمد صقر خفاجة،
القاهرة ،2003 ،ص 177
(283) Croteau, Shelly Jeanne:” Marcus Aurelius and the Accidental Martyrs of Lyons
(A.D. 177)”. PhD diss., University of Missouri-Columbia, 1992. p. 103.
(284) Kyle, Donald G: “Spectacles of Death in Ancient Rome”. London: Routledge,
1998. p. 159
(285) Ibid: p. 214
53
-4التجارة الرومانية في عهد ماركوس اوريليوس
يعتبر الفرثيين من االقوام اآلرية في إيران ( ،)286وكان الموطن األصلي للفرثيين في السهول الواسعة
المحصورة بين بحر ارال وبحر قزوين ( )287ثم انتقلت هذه المجموعة البدوية إلى الجزء الشمالي
الشرقي من إيران والمعروف بإقليم بارثو ( ، )288وكانوا رعاة رحل وخيالة اشداء ،ثم بدأت تظهر
قوة الفرثيين مع بروز رئيس القبيلة ارشاق الذي قادهم إلى غزو المناطق المجاورة لهم ،وبذلك استطاع
في النصف األول من القرن الثالث ق.م من السيطرة على كامل إقليم بارثو( ،)289وفي بداية تأسيس
المملكة الفرثية وتكوينها السياسي كانت الدولة السلوقية ذات األصل االغريقي وهي وريثة االسكندر
المقدوني تمر بحالة من الضعف السياسي بسبب المؤامرات داخل االسرة الحاكمة لالستحواذ على
السلطة من جهة ومن جهة ثانية اتساع المملكة السلوقية التي تضم بالد الشام ،والعراق ،وايران،
وأفغانستان ،وكان الصراع ينحصر بين الفرثيين والسلوقيين ولم تكن روما قد احتلت مكانة عالمية
آنذاك (.)290
بعد انتهاء الحروب الرومانية-البونية وتدمير قرطاج نهائيا عام ( )146ق.م أصبحت روما اكثر قوة
واتجهت نحو بسط سيطرتها على الشرق األدنى ،وعدت سنة ( )129ق.م نهاية تاريخ الوجود السلوقي
في الشرق ،وأصبحت حدود الحضارة الغربية اليونانية نهر الفرات ،وانكمشت سلطتهم في بالد الشام
وأصبحت مهددة بالزوال تحت سيطرة الفرثيين في الشرق والرومان في الغرب ،كما حلت الخالفات
بين ملوك األسرة السلوقية وكانت روما تناصر الضعفاء على الملوك األقوياء رغبة منها في عدم
ظهور ملوك أقوياء يقفون امامهم في الشرق األدنى القديم ،وبالفعل انسلخ عدد كبير من األقاليم خالل
حروب المتنافسين على العرش ،واعلن اغلبها االستقالل أو الخضوع للسيادة الفرثية مثل بالد الرافدين
( ،)291وعند زيارة القنصل الروماني (بومبي) إلى مناطق الشرق مثل بنتوس (بالد االناضول)،
وأرمينيا ،وسوريا ،قام في عام ( )64ق.م ،بعزل آخر ملوك الدولة السلوقية في انتوشيا (انطاكيا) عام
( )63ق.م ،وبذلك دخلت سلوقيا في عالم النسيان ،وبرزت روما منافس للفرثيين الذين وقفوا امام
أحالم اباطرة روما في السيطرة على كامل الشرق اسوة بمثلهم األعلى اإلسكندر المقدوني ،لقد تركز
الصراع بين الدولتين الرومانية والفرثية على نهر الفرات الذي اصبح الحدود الفاصلة بين الدولتين
(.)292
) (286عرفوا باسم بارني أو بارتي ،وهي أحدى فروع قبيلة داهي ( )Dahaeوهم من قبائل الساكا (ذكروا في نقش
بيستون) التي عرفت باالسكثيين ( )Scythianوبالمصادر االشورية اشكازي ( :)Iškazaiصالح رشيد الصالحي:
القبائل السيمرية واالسكثية ،الردع تىشوري واالخميني ضد القبائل الهند-اوربية ،الكتاب العلمي السنوي لمركز إحياء
التراث العلمي العربي ،العدد الثاني ،بغداد ،2011-2010 ،ص 202-170
) (287طه باقر وفوزي رشيد و رضا جواد الهاشمي ،)1979( :ص 93
) (288ال يعرف سبب هجرتهم ولكن مثل هذه االقوام الرعوية غالبا ما تتنقل بحثا عن المراعي أو حدوث صراع
سياسي بين تلك القبائل أدت إلى هجرتهم :نجم عبد هللا محمد عبد مغامس ،)2011( :ص 12
) (289من المحتمل اسم الفرثيون الذي اشتهر به االرشاقيون اشتق من اسم اإلقليم الذي استولت عليه قبيلة بارني من
الساللة االرشاقية ،وقد ثارت هذه القبيلة ضد السلطة السلوقية في سنة ( )250ق.م :أ ،ج ،اربي ،)1959( :ص //47
نجم عبد هللا محمد عبد مغامس ،)2011( :ص 13
(290) Gardner, Percy: “Catalogue of Greek Coins in the British Museum: The Seleucid
Kings of Syria," London, 1878. p. 63
) (291نجم عبد هللا محمد عبد مغامس ،)2011) :ص 27-26
(292) Freya Stark: “Rome on the Euphrates “London. 1966. p. 236
54
في أواخر القرن الثاني ق.م كان الصراع الروماني الفرثي يقوم على فرض السيطرة على مناطق
ذات اقتصاد زراعي بالدرجة األولى ،ولكن مع استمرار الحروب بينهما تعرفت كال الدولتين على
جانب اقتصادي اخر ال يقل أهمية عن الزراعة وهو الجانب التجاري الذي ازدهر بينهما على الرغم
من كثرة الحروب بين الدولتين ،ومع هذا لم تتوقف القوافل في نقل البضائع وتنوعها بين المملكتين
( ،)293ولهذا نجد أسبابا ً عديدة لنشوب الحروب بين القوى الكبرى (الرومان والفرثيين) منها السيطرة
على الفرات وبالتالي ضمان السيطرة على أهم الطرق التجارية التي تربط الصين والهند بروما ،ومن
الطبيعي لم تكن العالقات الرومانية –الفرثية تشوبها الحروب وقطع العالقات دائما إنما هناك فترات
سلم بين الطرفين وكانت التجارة تجد لها رواجا ً لكثرة الطلب(. )294
فرثيا و(التجارة الدولية)
كان الشرق يمر بمرحلة أمان ربما يعود إلى انتصار الجيوش الرومانية على يد فيروس،
فأثرت بشكل عميق أكثر مما كان يعتقد ،ألن من اهم دوافع للحروب الرومانية ضد فرثيا يتمثل
بالجانب االقتصادي ،وبشكل خاص هيمنة الفرثيين على طرق التجارة ،وكانت الدولة الفرثية تشجع
مرور البضائع عبر أراضيها من بحيرة هيلموند (( )Helmundأفغانستان الحالية) ثم مدينة سوسة
(عاصمة عيالم القديمة) ثم يسير شماال بما يعرف قديما (الطريق الملكي) عبر اسيا الصغرى حتى
سواحل بحر ايجة وهذا الطريق استخدمته االمبراطوريات مثل االشوريون ،و الميدية واالخمينية
( ،)295وكانت تلك السياسة ناجحة بسبب الروابط التجارية بين االمراء الكوشان (،)296( )Kushans
وأدت الحمالت العسكرية الرومانية ( )165-163زيادة التبادل التجارية بين روما والصين ،ويوافق
اغلب الباحثين على ان القرن الثاني بعد الميالد شهد ازدهار تجاري بين الشرق والغرب ،أو ما يعرف
باسم طريق الحرير( ،)297وبال شك التطور التجاري كان نتيجة اهتمام الرومان بالحرير الصيني ،وقد
(293) Berthelot, A: “ L’Asie Ancienne d’aprè Ptelemée “ Paris. 1930. Pp. 89 , 156
(294) Freya Stark: “Rome on the Euphrates “London. 1966. p. 108
) (295أنشا داريوس (الطريق الملكي) الذي يربط مدينة سوسة في إيران ويتجه شماال إلى نينوى ومنها عبر بالد
االناضول إلى سارديس عاصمة ليديا سابقا وتقع على ساحل بحر ايجه التركي ،ويبلغ طول الطريق ( )1677ميل عليه
( )111نقطة حراسة تؤمن انتقال المسافرين وتحركات الجيش عبر هذا الطريق ،كما أقيمت محطات كل ( )15ميل
وعلى طول الطريق ،حيث يستبدل رسل الملك الذين ينقلون رسائل جاللته خيولهم المتعبة بخيول أخرى ويواصلون
رحلتهم ،اما القوافل فتقطع هذا الطريق في ظرف ثالثة أشهر:
Graf, David F: “The Persian Royal Road System” In (eds.) Sancisi-Weerdenburg, A. Kuhrt
and M. C. Root, (eds.) AchHist 8. Continuity and Change: Leiden, 1994 .Pp. 167-189
) (296امراء كوشان :ظهرت في القرن األول امبراطورية كوشان ،وانتشرت لتشمل أفغانستان واالجزاء الشمالية من
شبه القارة الهندية ،وهم مجتمع بدوي وديانتهم بوذية ،ولهم روابط تجارية مع المملكة الفرثية :
Harry Falk: “Silk Road Art and Archaeology”, Vol.7: Institute of Silk Road. 2001,
Pp.121–36
) (297هناك كتابات كثيرة عن طريق الحرير ،ولكن متناقضة فهناك شك بإن وجود طريق الحرير ال يستند إلى أي
وازع تاريخي أو المادي ،وكان كل من روما القديمة والصين مفاهيم لكل منهما بوجود اآلخر ،وحتى أقل الفائدة،
والعالقة الصغيرة التي كانت موجودة بين الشرق والغرب كان عادة من جانب واحد ،يأتي أساسا من الصين :
Warwick Ball: “Rome in the East: The Transformation of an Empire” Routledge; Revised
ed. edition 2001// David Christian and C. Benjamin (eds): “Realms of the Silk Road:
Ancient and Modern” Turnhout, Belgium. 2000// Emmanuel Choiseul:” Les Parthes et La
Route de la Soie” Paris. 2004// Thorley, John:” The Silk Trade between China and the
Roman Empire at its heiht, circa AD 90–130”, Greece and Rome 18 .1971. Pp.71–80.
55
تعرف الرومان على الحرير على يد ماركوس انطونيوس الذي كان يضع بضعة إشارات عسكرية
حريرية على صدره ،فتعجب الرومان من هذا القماش الرقيق ( ،)298كما اصدر مجلس الشيوخ احكام
متعددة لمنع ارتداء الحرير على اعتبار ان استيراده يؤدي إلى تصدير الذهب ( ،)299وكان الفيلسوف
سينيكا ()300( )Senecaغاضبا ً بسبب ارتداء البعض األرستقراطية الرومانية مالبس حريرية( :ارى
المالبس الحريرية -ال تخفي الجسد وال عفونته ومع هذا تدعى مالبس!...بالنسبة للنساء الفقيرات الالتي
يعملن خادمات ،فقد تكون الزانية مرئية من خالل ثيابها ،لذلك لن يميزها زوجها من الخارج عن اي
اجنبية تشبهها في الجسد)(.)301
كانت طرق التجارة البرية من الصين وإلى البحر المتوسط تمر عبر فرثيا ،وتبدأ تجارة الحرير من
عاصمة االمبراطورية الصينية في لويانغ ( ،)302( )Loyangومن هناك تسير القوافل من داخل السور
العظيم حتى ان -هسي ( ،)303( )An-Hsiوينقسم الطريق إلى فرعين احدهما يلتف حول صحراء
تاكلوماكين (( )Taklomakenفي آسيا الوسطى) ،والثاني يتجه مباشرة إلى كاشغار ()Kashgar
(واحة بالقرب من قيرغيستان) حيث يتحد الطريقين في باكتريا (( )Bactriaفي أفغانستان) ،فتتوجه
البضائع إلى الهند وجنوب شرق اسيا ،وأخرى تتجه إلى بالخ (( )Balkhإقليم صغير في أفغانستان)
( ،)304وفيما يتعلق بمدينة باكتريا فهي نقطة التقاء طريق الصين البري المؤدي إلى البحر المتوسط،
فالقوافل التي تنطلق من الغرب باتجاه الشرق تبدأ من مدينة انتوشيا (( )Antiochانطاكيا) حيث تمر
بصحراء سوريا ،لتصل إلى بالميرا (( )Palmyraتدمر) ،وطيسفون (( )Ctesiphonالمدائن)،
وسلوقيا(تل عمر) قبل التوجه شرقا ً عبر جبال زاكروس إلى مرو(( )Mervواحة في تركمنستان)،
ومن هناك يتشعب الطريق ليمر في بخارى وفيرغانا (( )Ferghanaحاليا في اوزوبكستان) ومن ثم
إلى منغوليا ،واالخر يتجه نحو باكتريا (أفغانستان) ،ويشرح المؤرخ ايسيدور الكرخي ( )Isidoreمن
) (298نظرا لرقة الحرير فقد اصدر االمبراطور الروماني تبيريوس ) )37-14( (Tiberiusم ،مرسوما يمنع الرجال
من لبس الحرير ،باعتباره عالمة تخنث :
Stark, Freya : “Rome on the Euphrates “ London .1966 .p. 189
(299)Tacitus, Cornelius: “The Annals” trans. by Alfred John Church and William Jackson
Brodribb , The University of Adelaide Library. South Australia. 2014. 2.33.
) (300لوسيوس أنيوس سينيكا :يعرف باسم سينيكا ،كان فيلسوف روماني وسياسي ،وله مؤلفات في الدراما وعمل واحد
كوميدي ،وتمثل اعماله العصر الفضي في االدب الالتيني ،وكان معلم ومستشار لإلمبراطور نيرون وقد اتهم بالتواطؤ في
مؤامرة الغتيال نيرون ،واجبر على االنتحار ،ومع ذلك تشير بعض المصادر بانه كان بريئا مما اتهم به :
Bunson, Matthew: “A Dictionary of the Roman Empire”. Oxford University Press .1991.
p. 382.
(301) Annaeus Seneca Lucius (1), The elder Seneca declamations c. 50 B.CE–c. 40 CE.
Translated by M. Winterbottom, , 2014.
) (302العاصمة الصينية لويانغ :تقع مدينة لويانغ في منطقة التقاء نهر (لوه) بالنهر هوانغ هو (النهر األصفر) في
وسط الصين ضمن مقاطعة خنان الغربية:
Robert Hymes: “Columbia Chronologies of Asian History and Culture”. John Stewart
Bowman (ed.), Columbia University Press. 2000. p. 13
) (303ان -هسي :باللغة الصينية تعني اإلمبراطورية الفرثية الن حرف ( )nالصيني يطابق حرف ( )rاألجنبي
وتترجم الكلمة الى ارشاك اسم البيت الحاكم الفرثي.
(304) Thompson, J Oliver:”History of Ancient Geography” Published by Biblo-Moser
Cambridge. 1948. Pp.177–181, // Aurel Stein:”On Ancient tracks past the Pamirs”, The
Himalayan Journal 4. 1932. Pp.1–24.
56
تشاراكس (( )Charaxميسان) ،في مؤلفه المشهور (المحطات الفرثية) والمكتوب في القرن االول
بعد الميالد ،فقد أشار إلى أن الدولة الفرثية وضعت الحصون ومحطات على الطرق لحماية هذا
الطريق( ،)305حيث تبدأ رحلة القوافل من انتوشيا(انطاكية) ،وتمر عبر الفرات في مدينة زيوغما
(( )Zeugmaبريجيك Birijikالحالية) ،وتقوم بعمل خط مباشر تتجنب فيه استدارة نهر الفرات
الطويلة قبل ان تصل بالقرب من مدينة نيبوليس (( )Neapolisتعني المدينة الجديدة بالقرب من
الفلوجة وعلى الفرات في العراق) ،ومن ثم إلى سلوقيا على نهر دجلة ،ومن هناك يصعد المسار على
تالل ميديا ،ويعبر ممرات قزوين ،ويتبع الوادي الخصب شرقا ً خالل خراسان الحالية حتى مدينة
هيرات (( )Heratمدينة في أفغانستان) ،وأشار ايسيدور الكرخي بان أصحاب القوافل كانوا يدفعون
الضرائب للكوشان (الفرثيين) (.)306
(305) Fraser, Peter Marshall: “Cities of Alexander the Great” Publisher, Clarendon Press.
Oxford University Press, 1996. Pp.88–93//Michael Grant, :”A Guide to the Ancient World
:A Dictionary of Classical Place Names “ . Barnes and Noble Books. 1986. p.163
(306) Kramer, Norbert: “Das stathmoi Parthikoi des Isidor von Charax. Beschreibung eines
Handelsweges?”, Klio 85 .2003 . Pp.120–30.
) (307أحيانا تكتب ( )Dura-Europusوهي مدينة هلنستية في سوريا شيدت في عهد السلوقيين ،واعتبرت الحدود
الرومانية مع الفرثية ،وتقع على الضفة اليمنى للفرات ،بالقرب من قرية الصالحية ( ،)Salhiyéوتبعد عن الحدود
العراقية-السورية حوالي ( )100كلم وسقطت على يد شاهبور الملك الساساني عام ( )256ميالدية:
Dirven , L. A: “The Palmyrenes of Dura –Europos “ a study of religious interaction in
Roman Syria . Leiden .Brill 1999
57
هناك شبكة من الطرق البحرية ترتبط بموانئ جنوب الجزيرة العربية والصومال عن طريق الخليج
العربي والبحر االحمر حيث ازدهرت التجارة في مدينة االسكندرية( ،)308وكانت فرثيا نقطة التقاء كل
الطرق التجارية البرية التي تشكل آسيا الوسطى وجزءا مهما ،وعلى الرغم من ذلك فهي لم تفرض
سيطرتها عليها بالكامل ،وكان الرومان ومن بعدهم البيزنطيون يهدفون من خالل سياستهم إلى كسر
ذلك االحتكار( ،)309فكان الخيار الوحيد هو إيجاد طريق بري حول شمال فرثيا يحاذي البحر االسود
و بحر قزوين نزوال حتى نهر االوكسوس (( )Oxusحاليا نهر اموداريا في آسيا الوسطى ،وكان
اموداريا سابقا يصب في بحر قزوين ،بينما حاليا يصب في بحر االورال) ،وفي وقت الحق حاول
البيزنطيون االلتفاف حول الساسانيين (خلفاء الفرثيين) من خالل الطرق البحرية التي تقع إلى الشمال
من بحر قزوين ،واعتبر هذا الطريق في عهد ماركوس اوريليوس صعب المنال ،الن المعرفة
الجغرافية في ذلك الزمن كانت بسيطة فقد اعتقدوا ان بحر قزوين وبحر االورال شيء واحد ،او
يرتبطان بقناة ،بل كانوا يعتقدون ان بحر قزوين يصب في القطب الشمالي( ،)310لقد اوجد طريق
الحرير عداء الغرب اتجاه فرثيا (او نحو المملكة الساسانية الالحقة) ،ولكن المشاكل انتهت في القرن
السادس عندما جلب بعض رجال الدين المسيحيين سر بيوض دودة الحرير لإلمبراطور جوستين
البيزنطي ()527-518م ،فعلى الرغم من ضعف المملكة الفرثية لكن الرومان لم يتمكنوا من احتاللها،
فمن الواضح إن ضعف فرثيا نتيجة لهزيمتها أمام روما كانت له عواقب وخيمة فيما يتعلق بتجارة
الشرق ،فقبل حرب ماركوس اوريليوس ضد فرثيا ،اختارت روما التجارة مع الصين ومع الشرق عبر
طريق بحري خاصة بعد أن انقطعت التجارة مع فرثيا ،وذلك في وقت حرب ماركوس-فرثيا ،ألن
الرومان كانوا يتاجرون مع الهند منذ مائتي سنة مضت ،وهناك حدثين جعال الطريق البحري ممكنا ً،
اولهما اكتشاف طريق البحر إلى الهند من قبل المالح االغريقي هيبالوس (( ،)Hippakusمالح
وتاجر يوناني ربما عاش في سنة 31ق.م تقريبا ً) وقد الحظ هذا االغريقي حركة الرياح الموسمية
الجنوبية الغربية (الرياح الموسمية) التي تهب من المحيط الهندي ،فابحر من ساحل الجزيرة العربية
حتى وصل إلى مصب نهر السند خالل اربعون يوما ،وهذا يعني ان الرحلة التي كانت تستغرق ثالث
سنوات ونصف والتي تبدأ من االسكندرية وعبر الصحراء العربية إلى اليمن ومنها بالسفن البحرية إلى
الهند أصبحت بفعل معرفة الرياح الموسمية ال تستغرق سوى سنة واحدة وبدون الحاجة للوسطاء
العرب (.)311
كان اغلب النشاط التجاري بيد البحارة االغريق ،النهم بنوا اسطوالً يتكون من سفن كبيرة مصممة
لتوفير االمان بدالً من السرعة ولها القدرة على حمل البضائع الكبيرة ،واتجهوا نحو المحيط الهندي في
اواخر تموز وعادوا مع الرياح الموسمية الشمالية الشرقية في وقت الحق من تلك السنة (كانون االول)،
مع ثالثمائة شحنة ،فمثال واحدة من تلك الشحنات تحتوي على الف وخمسمائة باوند من التوابل واربعة
(308) Tacitus, Cornelius: “The Annals” trans. by Alfred John Church and William Jackson
Brodribb , The University of Adelaide Library. South Australia. 2014. 15.31
(309) Wilfred Harvey Schoff:”, Periplus Maris Erythraei” Arrian. Published .1912. p.172.
(310) Wilfred H. Schoff: “Periplus Maris Erythraei” Arrian. Published. 1912. p. 277.
(311) Martin R. Charlesworth :”Roman trade with India: A Resurvey”, In Paul R.
Coleman-Norton (ed.), Studies in Roman Economic and Social History in Honor of Allan
”Chester Johnson .Princeton .1951. Pp.131–143// George Woodcock: “The Greeks in India
London. 1966. Pp.140–141.
58
االف وخمسمائة باوند من العاج و ستمائة إلى سبعمائة باوند من الحرير( ،)312واشتهرت كل من
كافريباتام ( ،)313( )Kaveripattamواريكاميدو ( )Arikameduبانهما من المناطق نقاط التقاء
حقيقية بين الشرق والغرب (،)314وانهما أماكن لتبادل البضائع الغربية والصناعات الحرفية والزراعية
وهي مدن تقع على نهر الكانج (،)315( )Gangesومدن أخرى في سيالن (سريالنكا الحالية) ،الن
جزيرة سيالن كانت معروفة للرومان في عهد ماركوس(.)316
ومهما تقدمت وسائل المالحة إال ان السفن ال تخاطر بالمرور عبر الممر الخطر الذي يدور
حول كاب كورومانديل (( )Cape Coromandelاقصى جنوب القارة الهندية وهو يفصل بين الهند
وسريالنكا) ،انما كانت البضائع تشحن من ساحل مالبار (غرب الهند) وبالطريق البري إلى االجزاء
الشرقية من الهند ،ولكن فيما بعد اخذت السفن تتجه مباشرة إلى بومباي و تستمر في رحلتها البحرية
إلى الحافة الجنوبية من شبه القارة( ،)317ويبدو ان امراء (التاميل) كانوا يتنافسون للتجارة مع الرومان
،فظهرت ممالك صغيرة امرائها من التاميل مثل مملكة بانديا ( )318( )Pandyaالتي ارسلت سفيرها
إلى االمبراطور اوغسطس مع هدية تضمنت مجموعة من الآللئ ،ويذكر ان المبعوث التاميلي قام
بتطوير صناعة النبيذ االيطالي(.)319
أن احتالل مصر وما تبعها من فرض السيطرة على مدينة االسكندرية وجعلها ميناء رئيسي
للتجارة مع الشرق ،قد فتحت افاق جديدة للتعامل مع الهند وشرق افريقيا لفرض الهيمنة التجارية
(312) Lionel Casson:”The Ancient Mariners “ Second Edition. Princeton .1964. Pp.9–11.
) (313كافريباتانام :وهي بلدة (بانشايات) في منطقة (كريشناجيري) في والية التاميل نادو الهندية وتبعد حوالي ()100
كلم عن والية بنغالور.
) (314اريكاميدو :موقع اثري في جنوب الهند في كاكايانثوب وعلى بعد ( )4كلم من عاصمة والية بوندشيري ،نقب
في الموقع السير مورتيمر وجان ماري كاسال وأجريت حفريات اثرية في األعوام ( ،)1950-1947واتضح بان
الموقع هو ميناء بودوك المعروف باسم (المتجر) ،وعثر في الموقع على مصابيح رومانية واواني زجاجية وحجر
الخرز واالحجار الكريمة األخرى ،وتوصل اآلثاريين ان الموقع تجاري يوناني وتعامل مع روما ولمدة ( )200سنة،
أي من أواخر القرن األول ق.م والى نهاية القرن الثاني الميالدي:
Francis, Peter: “Asia’s Maritime Bead Trade: 300 B.C to the Present”. University of Hawaii
Press. 2002. P. 27
) (315نهر الكانج :ينبع من جبال الهماليا ويمر بالهند في والية اوتاراخاند الهندية وحتى خليج البنغال في دولة بنغالديش
وهو ثالث اكبر نهر في العالم.
(316) Strabo, “The Geography of Strabo” of the Loeb Classical Library edition. 1923,
15.691
(317) Casson, Periplus op. cit., p.89
) (318مملكة بانديا :حكمت هذه المملكة في جنوب الهند من ( )600ق.م وحتى النصف األول من القرن السابع عشر
الميالدي ،وتركز حكمهم في البداية في ميناء كوركاي الذي يقع في الطرف الجنوبي من الهند ،واشتهرت دولتهم بصيد
األسماك ،والزراعة ،وكانوا تجار ماهرين ،ولهم عالقات دبلوماسية مع اإلمبراطورية الرومانية :
Sailendra Nath Sen: “Ancient Indian History and Civilization” Second edition, New Delhi,
1999. Pp. 168ff
”(319) Warmington, Eric Herbert:” The Commerce between the Roman Empire and India
”Cambridge. 1928. Pp.57–64 // Thani Nayagam (ed.): “Tamil Culture and Civilization
1970. Pp.145–150 // Woodcock, George:”The Greeks in India” London, 1966. p.145.
59
الرومانية( ،)320فكانت التجارة مع افريقيا تنطلق عبر البحر األحمر ومن ثم مضيق باب المندب ومنها
إلى خليج عدن وبحر العرب وصوال إلى رهابتا ( )Rhaptaومن المعتقد انها في مكان ما من منطقة
دار السالم الحالية عاصمة تنزانيا ،فقد عثر على عمالت رومانية وفرثية في جزيرة زنجبار ،وعلى
طول المسار البحري من البحر األحمر وحتى زنجبار كانت الرحلة تتم بالقوارب الصغيرة ،ولهذا
كانت الرحالت بطيئة للغاية ،لذلك كان على اصحاب المشاريع التجارية االنتظار سنتين حتى يرون
أرباح رأسمالهم التجاري بعكس رحلة العودة البحرية من الهند إلى اإلسكندرية فهي تستغرق اثنا
عشر شهراً ،ولكنها تعتبر خطيرة ألنها تتم في بحار مفتوحة ،مع وجود خطر العواصف في المحيط
الهندي (.)321
خريطة :2طرق التجارة بين روما والصين والطريق البحري إلى شرق افريقيا في القرن الثاني
الميالدي
االستيراد والتصدير
كانت نوعية البضائع التجارية بين روما وبالد المشرق تتألف من المواد الفخمة ،ولذا فمن
الواضح ان التوازن التجاري كان يقف ضد رومان ،وهذا بحد ذاته اثار جدال حول تصدير المعادن
الثمينة مثل الذهب والفضة وهما من اكثر المواد طلبا من قبل تجار الهند ،ولهذا كان الديناريوس
الفضي ( )denariusقد سك لتلبية الفاتورة الهندية( ،)322ومن اهم صادرات الرومان الزيت االسباني،
والنبيذ االيطالي ،والفخار ،والزمرد ،والصوف ،والنحاس ،والسلع الزجاجية(قطع من الزجاج،
والزجاج الملون ،والخرز الزجاجية) والقالئد( ،)323بينما استورد الرومان من افريقيا العاج ،وعظم
(320) Freeman-Grenville, Greville Stewart Parker:” Some recent archaeological works on
the Tanganyika coast”, Mars 58 .1958. Pp.106–112 // Freeman-Grenville: “The Swahili
Coast: 2nd to 19th Centuries: Islam, Christianity and Commerce in East Africa” .1988. p.5.
(321) Casson, Periplus op. cit., Pp.283–291.
) (322عثر على عمالت معدنية لإلمبراطور انطونيوس بيوس وماركوس اوريليوس في جنوب الهند :
Turner, Paula J:” Roman Coins from India” London. .1989. Pp. 94ff
(323) Insook Lee:” Ancient Glass Research along the Silk Road Fuxi Gan and Robert Brill
and Tian Shouyun (eds.). British Library. London. Pp. 175-176
60
ظهر السلحفاة والقرفة الصينية ،واستوردوا من العرب البخور وشجر المر ،والصبار ،ومن الهند
استوردوا التوابل والفلفل واألدوية وتم شحنها من مصب السند أو من خالل مصب نهر الكانج عند
خليج البنغال فهذا النهر معروف عند الرومان او من خالل الطريق البحري حتى اندونيسيا (.)324
دخلت بلدان أخرى ضمن النشاط التجاري ،وهي تقع على حدود االمبراطورية الرومانية ،فعلى
سبيل المثال ارمينيا التي كانت تصدر لروما كميات من احجار الالزورد ،واالصباغ المعدنية مثل
الماالكيت (( )Malachiteماالكيت هو معدن تركيبه كربونات النحاس المائية) ،وبلغت التكلفة في
اواسط القرن األول الميالدي ما يقارب ( )300سيستيرسيس لكل باوند( ،)325وكان المرجان االحمر
احدى الصادرات الرومانية المربحة ،ويتم الحصول عليه من قبل صيادو االسماك في جزر صقلية
وساردينيا وكورسيكا والبليار ،وصيادو األسماك على السواحل المغرب والجزائر وتونس ،وكان الهنود
يحبونه بقدر ما كان الرومان يحبون الآللئ ،وهناك أيضا سلعة رومانية كانت مطلوبة وهي (الراتنج
) ويدعى (شجر العرعر) ،فله سوق رائجة في الصين(.)326
أن التجارة بين الغرب و الشرق تهدف إلى إرضاء رغبات المستهلكين وخاصة األرستقراطية
اصاحب الثروة في الممالك الشرقية والغربية ،وذكر المؤرخ الروماني بليني الكبير ( ،)Plinyبان
االمبراطور كاليغوال ،قد استورد عدد من االحجار الثمينة من الشرق لزوجته لوليا باولينا ( Lulia
15( )Paulinaق.م 49-م) ،وذكر أيضا بانها ذهبت إلى حفل وهي ترتدي جواهر بما يعادل ()40
مليون سيستيرسيس( ،)327على اية حال سمح ماركوس اوريليوس باستيراد المواد الفخمة ضمن قائمة
المستوردات ،بينما فرض الرسوم الجمركية على الحديد الهندي والفوالذ.
الدبلوماسية في عهد ماركوس اوريليوس
إلى جانب التجارة العامة بين روما والشرق ،واالنتصارات الرومانية على الفرثيين ،يمكن أن
نتصور طبيعة االحداث التي وقعت في عهده ،ففي خالل مدة حكمه تم تحقيق أول عالقات مباشر بين
االمبراطوريتين الرومانية والصينية ،فقد أرسل ماركوس اوريليوس سفارة سنة ( )166م وصلت إلى
عاصمة لويانغ ،وكانت في وقتها تحت حكم ساللة االمبراطور هوان ( )168-132( )Huanم (،)328
ولفهم أوسع علينا العودة إلى االتصاالت األولى بين العالمين الصيني والروماني ،والتي وقعت وبحسب
الجغرافي سترابو بداية حكم ساللة هان ( ،)329( )Hanوفي ذلك الوقت كانت روما منشغلة بصراعها
(324) Joseph Needham: “Science and Civilisation in China” Cambridge. 1954 Vol. I:
Pp.173–182
(325) Manaundyan, Hakob A :”The Trade and Cities of Armenia in Relation to Ancient
World Trade” distributors, Livraria Bertrand, Lisbon .1965.
(326) Wilfred Harvey Schoff:”, Periplus Maris Erythraei” Arrian. Published .1912. p.128.
(327) Pliny the Younger: “Letters 9.5.” Translation: William Melmoth. In Harvard
Classics series. Paul Halsall, August 1998. 9.54–8.
) (328حول المصادر الصينية راجع :
Hill, John E (ed. and trans.):” The Western Regions according to the Hou Hansu” The Xiyu
Juan. From Hou Hanshu 88 2nd ed. 2004// Hill, John E (ed.):”The People of the West from
the Weilue” 2004. // Leslie, D.D and K.H.J. Gardiner: “The Roman Empire in Chinese
Sources” 1996.
) (329ساللة هان الصينية :وهي الساللة الثانية في الصين (206ق.م 220-م) وتعتبر ساللة هان التي حكمت أربعة
قرون العصر الذهبي في التاريخ الصيني والى االن تشير المجموعات العرقية ذات االغلبية في الصين بانها (شعب
الهان) :
61
مع هانيبال ابن هاملكار باركا القرطاجي ( )183ق.م حول السيادة في غرب البحر المتوسط (،)330
والحقيقة ان حكم ساللة هان واالمبراطورية الرومانية كانتا تتحركان للتقارب وجذبت العديد من
المؤرخين في المملكتين( ،)331وأن توسع اباطرة الهان نحو غرب الصين ليس من اجل التجارة أو حب
االستطالع ،ولكن في محاولة لحل مشكلة البدو الرحل الشائكة ،فقد كانت قبيلة الهون ( )Hunsمن
اكثر القبائل البدوية التي سببت المتاعب لساللة الهان الصينية ،ولهذا كانت هناك اتصاالت كثيرة بين
الصين وفرثيا ،وهدفها هو تأمين الحدود بين الدولتين في السنوات( )126-130ق.م( ، )332ولكن
االنفتاح الحقيقي للصين نحو الشرق كان في نهاية القرن األول بعد الميالد أي في السنوات االولى من
حكم االمبراطور تراجان ،فقد قاد الجنرال بان تشاو ( )Ban Chaoجيشا ً ضخما ً حقق فيه انتصارات
على قبيلة الهون ،واجبرهم على االنسحاب نحو وسط اسيا وحتى بحر قزوين ،وعقد بان تشاو تحالفا ً
مع فرثيا وشيد حاميات لمنع الهون من العودة إلى األراضي الصينية ،وهذه الحاميات كانت موجودة
عندما قام تراجان بغزو فرثيا ،وبعد ذلك بفترة قصيرة حدثت اتصاالت مباشرة بين الصينيين والرومان
،ولذلك ارسل بان تشاو مبعوث إلى روما وهو غان يينغ ( ،)333( )Gan Yingولكنه لم يذهب ابعد
من بالد الرافدين ،فقد قام الفرثيون وخوفا ً من نجاح االتصاالت المباشرة بين الصين وروما بخداع
المبعوث الصيني غان ينغ ،فقد كان الوسطاء الفرثيين يركضون وراءه عازمين على المحافظة على
موقعهم في تجارة طريق الحرير ،ولذلك اعطي له معلومات مضللة حيث اخبروه ان الرحلة البحرية
طويلة عبر البحر األحمر والبحر المتوسط وحتى روما وتستغرق سنوات لذا الرحلة مستحيلة ،واألكثر
من هذا تم حبسه في البيت حتى وافق على العودة إلى بان تشاو فارغ اليدين(.)334
Schaefer, Richard T:” Encyclopedia of Race, Ethnicity, and Society” Volume 3, Thousand
Oaks: Sage Publications Inc, 2008. p. 279
(330) Strabo, “The Geography of Strabo” of the Loeb Classical Library edition. 1923,
11.11.1
(331) Raymond Grew:”The case for comparing histories”, The American Historical
Review, Vol. 85 . 1980. Pp.763–768 //Richard A. Olson, :”Parthia, China and Rome:
Perspectives along the Great Silk Route”, In M.A. Powell and R.H. Sack (eds), Studies in
Honor of T.B. Jones” 1979. Pp.329–339// John Frederick Teggart:”Rome and China: A
Study of correlations in historical events” Berkeley. 1969.
) (332كان يعتقد أن التوسع الغربي نحو الصين من أجل التجارة ،وشكك بعض العلماء بإن القصة التجارة بين روما
والصين مبالغ فيها إلى حد كبير بواسطة أسطورة طريق الحرير :
Gary K. Young, :”Rome’s Eastern Trade: International Commerce and Imperial Policy,
31 BC–AD 305”. New York: Routledge. 2001 // Dubs, Homer H:”A military contact
between Chinese and Romans in 36 BC”, T’Oung Pao 36 .1940. Pp.64–80.
) (333غان ينغ :سفير وعسكري صيني ارسل في مهمة الى روما عام ( )97من قبل الجنرال الصيني بان تشاو ،
وعلى الرغم من أن غان ينغ لم الى روما اال انه وصل الى البحر الغربي إما البحر األسود أو الخليج العربي وجمع
معلومات عن المناطق التي زارها:
Hill, John E:” Through the Jade Gate to Rome: A Study of the Silk Routes during the Later
Han Dynasty, 1st to 2nd Centuries CE”. BookSurge, Charleston, South Carolina. 2009. p.
222 , 255
(334) Manfred G. Raschke: ”New Studies in Roman Commerce with the East”, Aufstieg
und Niedergang der römischen Welt 2 9.2: 1978. Pp.604–1378// Ferguson, John : “China
and Rome”, Aufstieg und Niedergang der römischen Welt 2 9.2: 1978., Pp.581–603
62
ولكن بعد االنتصار الروماني على الفرثيين سنة ( ،)165حظى التجار بفرصة فريدة ،الن
الطرق البرية الشمالية والجنوبية في صحاري اسيا الوسطى اصبحت امنة نسبيا ً بعد أن توسع الصينين
غربا ً ،وكان وصول اي مجموعة من التجار إلى العاصمة الصينية لويانغ ،فهي تدعى سفارة ،ولهذا
فهي ال تتألف من مبعوثين معتمدين بأي حال من األحوال ،واعضاءها ليسوا من الرومان إنما اغلبهم
كانوا اغريقيون من اإلسكندرية أو تجار سوريون من انتوشيا( ،)335ومع هذا لديهم السلطة للتحدث
نيابة عن روما من اجل بناء روابط غير رسمية مع اي قوى عظمى يواجهونها ،وعندما وصل التجار
إلى لويانغ ،تم الترحيب بهم بحفاوة من قبل االمبراطور هاون ( )Huanفي عاصمة الهان ،وهي واحدة
من اعظم اربعة مدن صينية ،ولكن االمبراطور مات بعد سنتين وهو بعمر ( )36عاما بعد ان حكم
اثنان وعشرون سنة ،واتصف حكمه باالستبداد ،واستند على تعاليم الكونفوشيوسية ،في الحكم
( ،)336( )Confucianوقد امتدت تعاليم كونفوشيوس وتأثيراتها السياسية والثقافية إلى كوريا،
واليابان ،ومنغوليا بل والكثير من مناطق آسيا الوسطى ،وذكر بان المبعوثين قدموا هدايا من العاج،
وقرن وحيد القرن ،وعظام ظهر السلحفاة ومقاالت في علم الفلك وفي الحقيقة لم تحضي تلك البضائع
بإعجاب الصينيين ،ألنها كانت موجودة في الهند ،ومع ذلك كان هناك احاديث حول امكانية شراء
الحرير مباشرة من الصين ،وضرورة تجنب الوسطاء الفرثيين(.)337
تشير المصادر الصينية بأن الغرباء (التجار الرومان) دخلوا إلى الصين من خالل إقليم جينان
(( )Jinnanعلى حدود فيتنام) ،فقد عثر على عمالت ماركوس اوريليوس النقدية في الهند الصينية
وهي تؤيد ما ذكرته المصادر الصينية ( ،)338وهذا دليل يوضح بان التجار كانوا يتبعون الطريق البري
الذي فتح بعد هزيمة فرثيا ،ففي تلك السنة فتح الطريق البري ،بينما سابقا كان على التجار الرومان ان
يصلوا إلى الصين من خالل الطريق البحري بمعنى طريق خليج البنغال ،واندونيسيا ومن ثم الهند
الصينية ،وتستند المصادر الصينية على حقيقة واضحة هي ان اغلب التجار القادمون من الهند كانوا
يأتون عن طريق فيتنام ( ،)339فيما بعد أدت االزمات العسكرية في غرب اإلمبراطورية الرومانية إلى
اغالق الطريق البري بل وادى إلى سحب الحاميات الرومانية من بالد الشام ومنها حامية
بالميرا(تدمر) ،حيث سحبت إلى حدود الدانوب( ،)340ومع هذا استمرت التجارة بين الصين وروما كما
كانت من قبل ،على الرغم من قلة االتصاالت بين الدولتين ،وارسل االمبراطور االسكندر سيفيروس
) (341كان تساو وي ( )265-220م احدى الممالك الثالث الكبرى التي تنافست على التفوق على الصين وعاصمتها
لويانغ ،وظهرت هذه المملكة في نهاية ساللة هان الشرقية ،واصبح اسم (وي) مرتبطا بشخصية تايتسو ،وكان اقطاعيا
في عهد حكومة هان الشرقية عام ( )213م ،ثم اعلن تايتسو نفسه امبراطورا عام ( )220م :
Tanner, Harold M:” The Age of Warriors and Buddhists”. China: A History. Chapter 5:
Hackett Publishing. 2009. p. 142
64
المبحث الثالث
-1االشكال المادية في عهد ماركوس اوريليوس
) (342أدراستوس :مسؤول روماني وعبد سابق ،ولكنه أصبح رجال حرا في عهد اإلمبراطور ماركوس اوريليوس،
وانتقل إلى سكن جديد .أدراستوس لم يكن مجرد أي مسؤول ،كان المدعي العام أو رعاية عمود ماركوس ،وسكنه الجديد
شيد خلف العمود ،وتم العثور على بقايا منزله في عام ( )1777أثناء التنقيب تحت ساحة دي مونتيسيتوريو( di
،)Montecitorioوعلى بعد حوالي ( )100متر إلى الغرب من ساحة كولونا ( :)Colona
Martin Beckmann: “The Column of Marcus Aurelius” A Companion to Marcus Aurelius,
First Edition. Edited by M. van Ackeren, Blackwell Publishing Ltd. 2012. p. 251
(343) Daguet-Gagey, A:” Adrastus et la Colonne Antonine. L’administration des travaux
publics _a Rome en 193 ap. J.-C.’,M_elanges de l’ _ Ecole fran¸caise de Rome 110: 1998.
Pp. 893–915.
65
العمود صعب جدا ،فلم يعثر على اي كتابة تتحدث عن النصب( ،)344ولكن ذكر المؤرخ ( )Dioبعد
وفاة ماركوس تلقى العديد من عالمات التشريف من بينها تمثال من الذهب الذي وضع في مجلس
الشيوخ ،وربما عدم ذكر انشاء العمود يدل على انه لم يكن نصب تذكاري شيد بعد وفاته ،إلن ولده
كومودوس كان قد شارك في بداية الحمالت العسكرية التي انطلقت في أواخر سنة ( )170م ،ولكنه
لم يشارك في الحمالت العسكرية في عام ( )175م ،وان عدم ظهور ولده في االفريز يعود إلى صدور
المرسوم ببناء العمود كان عام ( )176م ،وهي سنة عودة ماركوس إلى روما بعد انتصارين حققهما
في الشمال وجولته التي زار فيها الشرق (.)345
تستخدم المصادر القديمة عبارة ( )columna centenariaعند ذكر عمود ماركوس أوريليوس وهي
عبارة التينية تعني (العمود المئوي) وعلى األكثر انه مصطلح يدل على ان ارتفاع العمود يبلغ ()100
قدم ،وهذا التعبير ذكر في وثيقة قانونية وجدت ضمن كتابات أدراستوس ،ولكن هذا المصطلح لم يحظى
باستخدام على نطاق واسع ،فعلى العكس استخدم مصطلح ( )cochilsوهي كلمة اشتقت من االغريقية
وتعني قوقعة الحلزون ،الن العمود يتضمن درج حلزوني في داخله ( )346وهذه اشارة بان الرومان
نظروا إلى العمود بانه يحقق وظيفتين أساسيتين وليس إلى افريز العمود:
–(344) Dio Cassius Cocceianus :”Roman History. Cambridge. Earnest Cary trans. (1925
1927), based on the version of Herbert Baldwin Foster. Cambridge, Mass. : Harvard
University Press ; 1914-1927, 72.34.1
(345) Martin Beckmann:(2012) . p. 251
(346) Martin Beckmann:” The Columnae Coc(h)lides of Trajan and Marcus Aurelius”,
Phoenix 56: 2002. Pp. 1–10.
66
-1انه نصب تذكاري على شرف ماركوس وبحجم غير مسبوق.
-2انه تحفة معمارية ألنه نصب صلب من الحجر ،ولكن اآلن تحول إلى مبنى يمكن الدخول والصعود في
داخل العمود وهناك في األعلى شرفة تتكون من تاج العمود ،وهذه الشرفة تقدم للزائر منظرا ً غير
مسبوق عن طريق فيا فالمينيا (( )Via Falminiaتعني Viaطريق) ،والمذابح الجنائزية االنطونية
(.)347
ب -الموقع
تم اختيار الموقع الرتباطه المباشر بحروب ماركوس ألن طريق فالمينيا يؤدي إلى الشمال حيث
مسرح العمليات العسكرية ،وفي نفس المنطقة التي غادرها عاد اليها في وقت الحق إلى روما ،وهذا
مذكور على لوحة نقوش تضم رحيله وعودته من ساحة المعارك ( ،)348وهندسة العمود وما احتوى من
نقوش بارزة توضح العالقة بين العمود وفيا فالمينيا وهي مهمة جدا لمصمم هذا النصب ،فقد اعتبر
الجانب الشرقي من العمود هو المحور األساسي ألنه يطل على المعالم األثرية األخرى في شمال
كمبوس مارتيوس ( ،)349مثل عمود أنتونيوس بيوس ،والمذابح الجنائزية األنطونية ،أما المدخل
المؤدي إلى الدرج الداخلي للعمود فهو يواجه فيا فالمينيا حيث معظم المشاهد المهمة في إفريز العمود
الحلزوني :مثل عبور ماركوس لنهر الدانوب ،ومعجزة المطر ،والمشهد المركزي حيث إلهة النصر
فيكتوريا وقد نقشت مع درعها( )350فكل تلك المشاهد تكون مرئية بالنسبة إلى الشخص الذي يدخل
منطقة العمود ،وخاصة اإللهة فيكتوريا التي نقشت بحجم كبير يمكن مشاهدتها من فيا فالمينيا نفسها.
يرتكز العمود على منصة من الرخام مساحتها حوالي ( )30قدم مربع وبارتفاع ( )3اقدام،
وتقف بدورها على طبقة من الحجر الجيري ،والجزء العلوي من هذه المنصة حوالي ( )3أمتار هي
أعلى من سطح األرض في فيا فالمينيا ،ولهذا المنطقة المحيطة بالعمود مفتوحة للزيارة واالستخدامات
المتنوعة ،أما الجزء العلوي من المنصة الرخامية والتي تقع أمام الباب من خاللها يمكن الوصول إلى
نقوش العمود حيث نقشت ( )tabula lusoriaوهي لوحة األلعاب الرومانية القديمة على شكل دائرة
مقسمه إلى شرائح مثل الفطيرة ،وهي مقطوعة في الرخام (. )351
لم يعثر على أي دليل على وجود معبد ماركوس أوريليوس بالقرب من العمود ،وعلى العكس في
الجهة الغربية ينتصب عمود انطونينوس بيوس وبالقرب منه ثالث مذابح حجرية ،أحدهما يحاذي عمود
بيوس وعلى االغلب تعود إلى االمبراطور بيوس ،بينما الحجرتين األخيرتين المتجاورتين واللتان
تقعان تحت ساحة ديل بارالمينتو ( ،)del Parlamentoربما تعودان إلى ماركوس أوريليوس وزوجته
“ (347) Petersen, Eugen Adolf and Alfred von Domaszewski, and Guglielmo Calderini :
Die Marcus-Säule auf Piazza Colonna in Rom”. Munich. 1896. pl. 3.
(348) Ryberg, Scott Inez:” Panel Reliefs of Marcus Aurelius”. New York. 1967. p. 93
) (349منطقة كمبوس مارتيوس ( :)Campus Martiusوهي منطقة مملوكة للقطاع العام في روما القديمة وتقدر
مساحتها ( )2كلم )490( 2فدان وتعتبر من اكثر المناطق اكتظاظا بالسكان :
Jacobs Paul W., and Conlin, Diane Atnally: “Campus Martius: The Field of Mars in the
Life of Ancient Rome”. New York City, New York: Cambridge University Press. 2015. p.
3
) (350اإللهة فيكتوريا ( :)Victoriaفي الدين الروماني كانت إلهة النصر وتطابق اإللهة نايك اليونانية ،وكان لها
معبد على تل باالتين ،وغالبا ما توصف بأنها ابنة باالس (واحد من تيتانس ( )Titansوهم الجيل الثاني من اآللهة)،
وستيكس ( )Styxإلهة ونهر بين حدود األرض والعالم األسفل) :
Sheridan, James J: “The Altar of Victory – Paganism's Last Battle”, L'Antiquite Classique
35, 1966. p. 187.
(351) Martines, G: “L’architettura”, In Scheid and Huet, eds. 2000. p. 20
67
فاوستينا الصغرى ،على العموم الشكل وتصميم العمود يجبر الزائر على توجيه انتباهه إلى هذين
المذبحين ،فهما ابتكار يزيد من اهمية مدرجات العمود (.)352
ج -البناء والنحت
يتكون العمود من ثالثين كتلة (في العصور القديمة كانت واحد وثالثين) من الرخام األبيض أخذت
من المحجر القديم على الساحل الغربي من شمال إيطاليا ،ورتبت عشرة كتل من الرخام في سبعة
مستويات لتشكل قاعدة التمثال ،بينما تشكل ( )19كتلة رخامية العمود نفسه ،وهناك كتلة واحدة على
قمة التاج ،وكانت هناك كتلة اخرى تقوم بدعم قمة التمثال ولكن هذه الكتلة مفقودة حاليا ،وهناك
اختالف في قطر عمود ماركوس قدر بنصف قدم بين الجزء السفلي والعلوي( ، )353وتطلبت عملية
البناء رفع الحجارة إلى مسافة اعلى من تلك التي تطلبها بناء عمود تراجان الذي يزن تاجه اربعة
واربعين وسبعة اجزاء من العشرة طنا ً بالمقارنة مع تسعة وسبعين وجزء من العشرة في عمود
ماركوس( ،)354ومن المحتمل استخدمت طريقة مماثلة لتلك التي استخدمت في بناء عمود تراجان،
والتي تقوم على إقامة برجين ضخمين من الخشب جنبا ً إلى جنب ،وترفع الكتل بواسطة روافع متعددة
تدار من قبل االنسان أو الحيوانات عند مستوى سطح األرض ،وحالما تصل الكتل إلى العلو المطلوب،
يتم نقلها أفقيا إلى البرج الثاني حيث توضع بعناية في موقعها ،وألجل تثبيت الكتل الحجرية مع بعضها
البعض وضعت المسامير المعدنية المصنوعة من الرصاص لتثبت الكتل وجزء من العمود معا ،وقد
ازيلت بعض المسامير من قبل الزبالين في العصور الوسطى (. )355
يعتقد بإن النحت على إفريز العمود انجز من خالل عدد كبير من النحاتين بسبب اختالف أساليب
النحت في نقوشهم ويدل هذا على توظيف ( )40او اكثر من النحاتين إلنجاز هذا المشروع (،)356
ويرتفع إفريز عمود ماركوس الى ( )20لفة (استدارة حلزونية) ارتفاع كل منها أقل من أربعة اقدام
ونصف القدم في القياسات الرومانية ،ونظرا لدقة وبساطة التصميم يعطي انطباع بأن المهندس
المعماري هو من شارك في تخطيط اإلفريز ،االن أغلبية المشاهد في العمود مقسمة إلى وحدات
مستطيلة منفصلة تشكل 1/8من كامل التعرج ،فالتقسيم إلى أثمان اصبح اكثر انتظاما ً كلما تقدم
االفريز باالرتفاع ،حتى تبدو االستدارة العليا وكأنها مكسورة تقريبا ألن االنتظام المتزايد في حجم
المشهد يشير إلى أن عملية التخطيط بدأت مع المشاهد السفلى وصعودا إلى المشاهد العليا (.)357
د -الركيزة
على الرغم من أن الغالبية العظمى من مادة قاعدة التمثال قديمة ،فقد تم اكسائها بالكامل بأمر من البابا
سيكستوس الخامس ( )Sixtusفي السنوات الواقعة ما بين ( ،)358( )1589-1588وكانت القاعدة بالفعل
(352) Davies, Penelope J.E:” Death and the Emperor. Roman Imperial Funerary
Monuments from Augustus to Marcus Aurelius”. Cambridge University Press, Cambridge.
2000. Pp. 167- 69
(353) Martines, G: (2000). Pp. 19-88
(354) Martin Beckmann: (2012) . p. 254
(355) Lancaster, Lynne: “Building Trajan’s Column”, American Journal of Archaeology
103: 1999. Pp. 419-439
(356) Martin Beckmann: “The Border of the Frieze of the Column of Marcus Aurelius
and Its Implications”, Journal of Roman Archaeology 18: 2005. Pp. 302–312.
(357) Martin Beckmann: “The Direction of Carving on the Columns of Trajan andMarcus
Aurelius”, Mitteilungen des Deutschen Archäologischen Instituts, R€omische Abteilung
112: 2006. Pp. 225–236.
(358) Coarelli, Filippo:”La Colonna die Marco Aurelio” .The Column of Marcus Aurelius
.Rome. 2008. Pp. 73- 78
68
في حالة خطيرة من التآكل ،ونحن نعرف الكثير من الرسومات التي تمت قبل عام ( )1588م ،والتي
نشرت وتمثل عمل الفنانين األصليين ،وتظهر الرسوم أن خمسة من الركائز في قاعدة العمود السبعة
كانت مرئية فوق سطح األرض في القرن السادس عشر الميالدي ،وهناك في األسفل ركيزتان عند
المدخل األصلي كانت قد دفنت بالفعل نتيجة إلى ارتفاع مستوى سطح األرض ،واما الصف الرابع
الذي يتكون من الحجر وهو في الواقع كتلة واحدة لكونها بعد الكتل االخرى فقد تم الحفاظ عليها
بشكل جيد ،وكانت مغطاة بنقوش لشخصيات منحوتة ،واالرضية فوق وتحت هذه الكتلة خشن ولهذا
يفترض انها كان مغطاة أصال ومكسوه بنوع آخر من الحجر ،ربما من الرخام الملون ،)359( ،وانطالقا
من تصوير النحات أنطونيو الفريري للجزء االسفل من العمود ،و حول قاعدة التمثال) يظهر اثنان من
البرابرة (معروفين من خالل سترهم القصيرة ذات االكمام ،وسراويلهم) وهم راكعين اثناء تقديم أنفسهم
إلى اإلمبراطور الذي يقف إلى جهة اليسار المركز ،وهناك شخصية تقف بالزي العسكري ربما تجسيد
لإلمبراطور سبتيموس فيروس وليس كومودوس كما يعتقد الباحث ( ،)360( )Becattiويمكن القول ان
تاريخ العمود يعود إلى ( )193م وان سبتيموس فيروس يعرض االسرى لماركوس اوريليوس وهذا
المشهد متعارف عليه في المنحوتات القديمة (.)361
شكل :9العمود في القرن السادس عشر الميالدي وتظهر الركائز حاليا تحت مستوى الشارع ،وهناك
ثقوب كانت تضم مسامير من الرصاص سرقت في العصور الوسطى
) (359يعود الفضل لما وصلنا من تصميم ورسوم للعمو في القرن السادس عشر الميالدي الى أنطونيو الفريري
( )1577-1512( )Antoine Lafréryم كان نحاتا فرنسيا استقر ورسام خرائط وله أنشطة في روما بعد استقراه
هناك عام ( )1540م:
Jordan-Ruwe, Martina: “Zur Rekonstruktion und Datierung der Marcuss€aule”, Boreas 13:
1990. Pp. 53-69
(360) Becatti, Giovanni:” La Colonna Coclide Istoriata”. Rome. 1960 Pp. 48- 49
–(361) Dio Cassius Cocceianus :”Roman History. Cambridge. Earnest Cary trans. (1925
1927), based on the version of Herbert Baldwin Foster. Cambridge, Mass. : Harvard
University Press ; 1914-1927, 74.2.1
69
هـ -االفريز الحلزوني
()362
حيث اغلق اجريت أعمال الترميم من قبل دومينيكو فونتانا()Domenico Fontana
اثنين من الثقوب الكبيرة وعدد من الثقوب الصغيرة في العمود ،وتم تنفيذ ذلك باستخدام الرخام وفي
معظم الحاالت لم تكن تلك الترميمات لها عالقة في االصل على االطالق (باستثناء إله النهر في المشهد
الثالث) ،ولذا البد من الحذر بين األقسام األصلية من اإلفريز وغيرها من النقوش ،ومع هذا يمكن
التمييز بينها من خالل االسلوب الكالسيكي الجديد السائد في عهد دومينيكو فونتانا فمن خالل السجالت
التي احتفظ بها والتي تعود إلى عام ( )1588م فان اعمال الترميم الواسعة افرزت حقيقة بان ()%90
من المنحوتات في االفريز هي اصلية على الرغم من االضرار التي طالت الجانب الغربي بسبب
الحريق والتآكل الحقا ً (. )363
يبلغ طول اإلفريز أكثر من ( )200قدم وهو منحوت بشكل أعمق بكثير من عمود تراجان (10
سم مقابل 4سم) ،وقسم الباحث ( )364( )Petersenاإلفريز إلى ( )116وحدة أو مشهد ،استنادا إلى
محتوى اإلفريز والتقسيم بالشكل االتي :المشهد األول والثاني تمثل المشاهد الطبيعية لضفة نهر
الدانوب وهو منسوخ تماما من عمود تراجان حتى في اصغر التفاصيل مثل المباني ،تليها المشاهد
األخرى مثل إله النهر ومسيرة الجيش الروماني عبر جسر من القوارب (المشهد الثالث) و
(( )adlocutioالمشهد الرابع) ،ومشهد مسير الجيش (الخامس) ،وحصن ذو جدران من الحجر
(المشهد السادس) وهو االخر مقتبس مباشرة من عمود تراجان ،وبعد هذه النقطة توقف النسخ عن
إفريز عمود تراجان ،ويمأل وسط االفريز نقش يصور اإللهة فيكتوريا ،وما تبقى من اإلفريز من مشاهد
فهي متعلقة بحروب ماركوس(.)365
التفسير التاريخي إلفريز العمود فيه إشكالية ،فهو يبدو في بعض المشاهد على العمود اقتبس من
حروب ماركوس ،اما عبور نهر الدانوب وصورة اإللهة فيكتوري فقد تم نسخها بشكل واضح من
()366
عمود تراجان ،بينما معجزة المطر (المشهد السادس عشر) فقد تم ذكرها من قبل المؤرخ ()Dio
وقد اهتم الباحث ( )367( )Kovácsبمعجزة المطر التي ذكرها المؤرخ ( )Dioسابقا وملخصها بأن
الجيش الروماني وقد احاط به العدو من كل جانب تم انقاذه من العطش عندما تساقطت عليه األمطار،
وكانت الصواعق وعواصف البرد تضرب وتدمر اعدائهم البرابرة وهذه المعجزة حدثت بفعل صلوات
االمبراطور ،وال تظهر هذه التفاصيل على العمود ،فال يوجد قتال فعلي وليس هناك أي عالمة
) (362ولد دومينيكو فونتانا ()1607 - 1543م ،وهو مهندس ايطالي في عصر النهضة المتأخر ،ولد في مدينة تيسينو
( ،) Ticinoوعمل في روما ونابولي:
Chisholm, Hugh, (ed.):” Fontana Domenico”. Encyclopedia Britannica 10: (11th ed.).
Cambridge University Press.1911. p. 607.
(363) Caprino, C., A.M. Colini, G Gatti M. Pallottino, and P. Romanelli :”La Colonna di
Marco Aurelio”. Rome.Caprino et al. 1955. Pp.121- 125
) (364راجع تقسيمات بيترسن للعمود :
Petersen, A. von Domas-zewski, and G. Calderini :” Die Marcus-Säule auf Piazza Colonna
in Rom” . Munich. 1896
(365 ) Lehmann-Hartleben, Karl:” Die Trajanssäule. Ein Römisches Kunstwerk
zu Beginn der Spätantike”. Berlin. 1926
–(366) Dio Cassius Cocceianus :”Roman History. Cambridge. Earnest Cary trans. (1925
1927), based on the version of Herbert Baldwin Foster. Cambridge, Mass. : Harvard
University Press ; 1914-1927. 72.8.1–3, 72.10.1–5.
(367) Kovács, Péter: “Marcus Aurelius’ Rain Miracle and the Marcomannic Wars”.
Leiden. 2009
70
لصواعق وبرد ،وكذلك ال نرى البرابرة يحيطون بالرومان ،ولكن بدالً من ذلك نرى مشهد األعداء
مدفوعين بعيدا في سيل من المياه واالمبراطور غير موجود في المشهد ،على العموم فأن معجزة
المطر إما أن تكون خارج المكان أو الزمان بمعنى ال وجود لها أصال! أو مبالغ فيها! ان االستدارات
الثالثة األولى من اإلفريز تغطي ما يقرب من ( )3سنوات من الحرب ،واالستدارات ( )17األخيرة
تغطي أقل من سنتين ،وافضل مشهد يمكن فهمه هو عبور نهر الدانوب المنسوخ من عمود تراجان،
والذي نقش في مكان منخفض من العمود ،وبالتالي جعله مرئيا ً بشكل واضح للجمهور(.)368
شكل :10يمثل مسيرة الجيش الروماني وإلهة النصر فيكتوريا تتوسط المشهد (اليمين) ،شكل يمثل
معجزة المطر حيث يظهر إله المطر والسيل يجرف العدو بعيدا (يسارا)
()369
. ولدينا مشهد آخر على العمود والذي ذكر على وجه التحديد في مصدر قديم هو معجزة البرق
حيث ذكر بأن ماركوس أوريليوس (استدعى البرق من السماء بعد ان حاصره العدو عن طريق
صلواته) والمشهد المرتبط بذلك الحدث يوضح قلعة حجرية مليئة بالجنود الرومان على اليسار وقد
ضرب البرج بصاعقة وأخذ يحترق ،ولكن هذا المشهد ال يشكل دليالً تاريخيا ،ربما اخذت تاريخ
أغسطس معلوماته من العمود (.)370
يمثل المشهد (العاشر) لقاء بالقرب من التيار ،حيث يقف أربعة برابرة ويحيط باإلمبراطور من
جهة اليمين جنود من الحرس االمبراطوري بعضهم يحملون الدروع لحماية ماركوس ،ومثل هذا
المشهد ممكن مالحظته في لوحات النصر في الصور التاريخية على غرار لوحات النصر السابقة أو
وصف لوسيوس فيروس ألستاذه فرونتو حول الحروب الفرثية ،وهناك صور مماثلة لحمالت ماركوس
الجرمانية ،وهي متوفرة لمصممي العمود ( ،)371واستخدم النحات الروماني الحفر العميق بشكل واسع
(372) Wegner, Max: “Die Kunstgeschichtliche Stellung der Marcussäule”, Jahrbuch des
Deutschen Archäologischen Instituts 46: 1931 . Pp. 146-153
(373) Zanker, Paul: “Die Frauen und Kinder der Barbaren auf der Markuss€aule”, In
Scheid and Huet, eds. 2000, Pp. 163–74.
(374) Dillon, Sheila: “Women on the Column of Trajan and Marcus and the Visual
Language of Roman Victory”, In S. Dillon and K.E. Welch, eds., Representations of War
in Ancient Rome. New York. 2006. Pp. 244–271.
–(375) Dio Cassius Cocceianus :”Roman History. Cambridge. Earnest Cary trans. (1925
1927), based on the version of Herbert Baldwin Foster. Cambridge, Mass. : Harvard
University Press ; 1914-1927, 72.13.1-2
(376) Ibid: 72.14.1
(377) Martin Beckmann: (2012) . p. 261
72
-2تمثال فروسية ماركوس أوريليوس
يوجد عدد قليل جدا من التماثيل اليونانية أو الرومانية التي بقيت سالمة من عوادي الزمن منذ
العصور القديمة( ،)378وقد حقق تمثال الفروسية البرونزي لماركوس أوريليوس شهرة واسعة حيث
نصب في وسط بيزا ديل كامبيدوجليو ( ، )Piazza del Campidoglioفي الكابيتولن هيل في
روما( )379منذ سنة ( )1538ولغاية سنة ( ،)1981واعتبر مصدر من مصادر العصور الوسطى ومثاال
في النحت الكالسيكي لعصر النهضة في إيطاليا وتأثر به الكثير من الفنانين واعتبر عمال فنيا استثنائياً،
ولكن في نفس الوقت ساهم هذا التمثال مع كتاب التأمالت في اسطورة شخصية ماركوس أوريليوس.
أ -التمثال الروماني
عند وصف التمثال نرى جلوس ماركوس أوريليوس بوجهه الهادئ على حصان قوي ،وقد نحت
حجم الحيوان وراكبه أكبر من الحجم الطبيعي حيث بلغ ارتفاعه ( )4امتار من حافر الحصان وحتى
رأس االمبراطور( ،)380وجرت عمليات الترميم للتمثال عبر العصور ،ومع هذا فأن المظهر العام
للتمثال سواء االمبراطور أو الحصان هما اصليان ،كما أن البرونز المصبوب والمطلي بكامله بالذهب
هي ميزة حجبت األوساخ والصدأ قبل ترميمه في( )1988-1987م ،ولم يكن البرونز المطلي بالذهب
شيء غير مألوف في فن الرسم والنحت الروماني وخاصة في تماثيل الفروسية ،انما استخدمت هذه
الطريقة ألهم الشخصيات في المجتمع اإلمبراطوري ،وكان من الشائع تماثيل عائلة االمبراطور كانت
تطلى بالذهب فيمنحها بريق يعطي هيبة وقوة افضل من التماثيل من الذهب الحقيقي ( ،)381واعتقد
سابقا بان التماثيل الذهبية تجلب النحس فقد زعم المؤرخ ( )Plinyاالصغر ان سقوط اإلمبراطور
الطاغية دوميتيان ( )96-81( )Domitianم من على ظهر جواده كانت بسبب تماثيله الذهبية ،ومع
ذلك استخدام التذهيب أيضا في صنع تماثيل اآللهة ،وعموما التماثيل المطلية بالذهب تعطي لإلمبراطور
نوعا من اإلشراق اإللهي (.)382
(378) Clay, Curtis L: “Roman Imperial Medallions: The Date and Purpose of Their Issue”,
In H. Cahn and G. Le Rider, eds., Proceedings of the 8th International Congress of
Numismatics, New York/Washington, September 1973. Paris. 1976. Pp. 253-265.
) (379الكابيتولن هيل (باالنجليزي كابيتول هيل) وهو واحد من التالل السبعة في روما وكان التل مكرس لإلله زحل
،وشيد علية عدة معابد أهمها معبد جوبيتر ،وساحة بيزا ديل كامبيدوجليو صممها ميخائيل انجلو في القرن السادس
عشر الميالدي واحتل تمثال ماركوس مركز الساحة.
(380) Parisi Presicce, Claudio: “The Equestrian Statue of Marcus Aurelius in Campidoglio.
Milan”. 1990
(381) Fejfer, Jane:” Roman Portraits in Context”, Berlin, New York. 2008, Pp. 167- 168
(382) Peter Stewart: “The Equestrian Statue of Marcus Aurelius” A Companion to Marcus
Aurelius, First Edition. Edited by M. van Ackeren, Blackwell Publishing Ltd. 2012. p. 265
73
شكل :11تمثال الفروسية ماركوس اوريليوس
وصف التمثال
جلس ماركوس على سرج من القماش من عدة طبقات ،والرأس االمبراطور يميل قليال إلى اليمين
وإلى األسفل ،بالتزامن مع اتجاه بصره وكأنه يحدق على رأس أي مشاهد قريب على األرض ،بينما
ترتفع يده اليمنى مع اصابعه إلى األسفل قليال فهي توحي بالقيادة ،أما اليد األخرى فهي نصف مغلقة
وتمسك بزمام الحصان ،ويرتدي حذاء ارستقراطي ذو جلد ناعم ،وسترة سميكة عسكرية مثبته على
كتفه األيمن ،وهذا النوع من المالبس يرتديه الرجال النبالء أو عامة الناس وخاصة أثناء السفر أو في
الحمالت العسكرية ،فقد عثر على قطعة اثرية مشابهه وهو تمثال الفروسية لإلمبراطور أوغسطس
اكتشاف في البحر المتوسط بالقرب من جزيرة ايبويا (( )Euboeaثاني اكبر جزيرة في اليونان) في
عام ( )1979وهي اآلن في متحف أثينا ( ،)383ويرتدي مالبس مشابهة لتلك التي يرتديها ماركوس
اوريليوس في تمثاله ،أما الشعر االمبراطور فمجعد وكثيف ،واللحية شكلها ثالثي ،واقتراح بأن التمثال
صنع في احدى السنوات ما بين(170و )180م ،أو حتى بعد وفاة ماركوس عام ( )180م (.)384
اما الحصان فقد أجريت عليه ترميمات عده ويمكن ان نتصور أن شكله ووضعيته يمثل القوة الخارقة
فهو حصان فحل يمشي بخطى راكزه وتبرز العظام واالوردة من على وجه ( ،)385كذلك تم تقديم
(383) Boschung, Dietrich:” Die Bildnisse des Augustus”. Berlin. 1993,Pp. 110-111 no. 7
(384) Fittschen, Klaus: “Il ritratto del Marco Aurelio: considerazioni critiche dopo il
restauro”, In Vaccaro and Sommella, eds. 1989. Pp. 75–82.
(385) Accardo, Giorgio:”Von der Restaurierung zur Kopie: ein Modell f€ur die Zukunft”,
In Accardo et al. 1999. p. 163
74
خصائص غير عادية مثل غطاء السرج ربما من طراز اغطية القبائل سارماتيان (،)386( )Sarmatian
وتم نحت الحصان وهو يؤدي حركة رفع الساق األمامية اليمنى مما يدل على انه حصانا مدربا ً دريبا ً
عاليا ،ويظهر ماركوس أوريليوس بدون عدو ليؤكد نفسه كحاكم قوي وهو يرتدي المالبس المدنية
(. )387
ان تمثال الفروسية لماركوس أوريليوس هو عمل فني رائع حقا ،تظهر فيه المهارة الكبيرة في
صناعته وبقائه لفترة طويلة ،وهناك تماثيل أخرى لشخصيات مهمة وهم على ظهور الخيل وقد صنعت
في روما ولعدة قرون وتمتد أصولها إلى اليونان القديمة ( ،)388ويبدو ان الرومان استخدموها اكثر منذ
القرن األول قبل الميالد ،ففي سنة ( )43ق.م قام مجلس الشيوخ وشعب روما بالتصويت لتكريم
أوكتافيان ( )Octavianالشاب ،فيما بعد االمبراطور أغسطس بإقامة تمثال الفروسية برونزي مطلي
بالذهب في فورو رومانو (المنتدى الروماني) (ساحة أقيمت فيها العديد من األبنية الحكومية وهي في
األصل كانت سوق المدينة) (.)389
تحتل تماثيل الفرسان مكانة خاصة لدى االباطرة وعامة الناس ،ويوجد داخل روما العاصمة أعمال
واسعة النطاق لتكريم االمبراطور فهناك ( )32تمثال في مدينة روما تغطي جميع الفترات ،وذكر في
القرن الخامس الميالدي وجود ( )22تمثال كبير للفرسان ربما جميعها تماثيل ألباطرة روما (.)390
ب -صمود التمثال في الظروف الصعبة
نحن ال نعرف سبب محدد لهذه التشريف الذي حظي به ماركوس ،وال تاريخ التمثال بدقة ،لعل إقامته
له عالقة بالنشاط العسكري كما يعتقد جمهور الباحثين على أنه االنتصار المزدوج لماركوس
أوريليوس على الماركومانيين والسارماتيان سنة ( )176م ( )391وذلك بسبب وجود قماش السرج
(السارماتياني) على الحصان ،أو لعل هذا النصب المنحوت هو تشريف إلنجازات ماركوس
أوريليوس ،وتقديمه تضحيات وتوجيه القوات خالل المعارك ،وفي الواقع ،هناك الكثير من النقوش
احدهما يظهر فيها ماركوس على حصانه ومحاط بالجنود ويظهر الرأفة الثنين من البرابرة الراكعين
أمام أرجل الحيوان ،ويده ممدودة في نفس ايماءة القيادة التي رأيناها في التمثال البرونزي (.)392
) (386سارماتيان (السيمريين) تجمع كونفدرالية من مجموعات هند-اوربية خالل العصور القديمة الكالسيكية ازدهرت
تلك القبائل من القرن الخامس ق.م والى القرن الرابع الميالدي ،وتحدثوا اللغة االسكيثية واصولها هند -اوربية نشأت
في شرق اوربا بين نهر الدون وجبال االورال (أوكرانيا) ،بدأ شعب سارماتيان بالهجرة غربا خالل القرن السادس ق.م
،ولحق بهم أبناء عمومتهم االسكثين ،يطلق عليهم باالشوري اشكناز:
Nickel, Helmut: “The Emperor’s New Saddle Cloth: The Ephippium of the Equestrian
Statue of Marcus Aurelius”, Metropolitan Museum Journal 24: 1989. Pp. 17-24
) (387من المفارقات تبنى فكرة ركوب الجواد شاهبور األول الملك الساساني في (نقش رستم) و(نقش رجب) في
ايران (إقليم شيراز) وهو يتقبل خضوع اباطرة رومان وهما االمبراطور فاليريان ( )Valerianو االمبراطور فيليب
( )Philipبعد اندحارهما في معركة اديسيا ( )Edessaعام ( )260م:
Mackintosh, Marjorie C: “Roman Influences on the Victory Reliefs of Shapur I of Persia”,
California Studies in Classical Antiquity 6: 1973. Pp. 181-203
(388) Bergemann, Johannes:” Römische Reiterstatuen: Ehrendenkm€aler im öffentlichen
Bereich”. Mainz .1990
(389) Zanker, Paul:” The Power of Images in the Age of Augustus”. Ann Arbor, MI. 1988,
Pp. 37- 39
(390) Roberto Valentini and. Giuseppe Zucchetti:” Codice topografico della citt_a di
Roma”, vol. 1. Rome. 1940. p. 332
(391) Nickel, Helmut:”The Emperor’s New Saddle Cloth: The Ephippium of the
Equestrian Statue of Marcus Aurelius”, Metropolitan Museum Journal 24: 1989. Pp. 17-24
(392) Kleiner, Diana E.E:” Roman Sculpture”. New Haven: London.1990 . Pp. 288–295
75
هذه االيماءة تتكرر في كثير من األحيان وخاصة في الفن اإلمبراطوري الروماني ،وهي تبدو عمال
طبيعيا تماما بالنسبة للحاكم ،ودليل على أنها ايماءة الرأفة التي هي هدية المنتصر للمهزومين ،ألن
السالم الروماني ال يقر إال بهزيمة شاملة للعدو ،فقد وصف المؤرخ ستاتيوس( )393( )Statiusإيماءة
االمبراطور دوميتيان في تمثال الفروسية الضخم (يدك اليمنى تعلن وقف المعركة) (.)394
على اية حال وجد تمثال ماركوس اوريليوس مكانه في العصور الوسطى في التيران ()Larteran
جنوب شرق روما ،فقد ذكر بان التمثال موجود في القرن العاشر ،وال يعرف سبب اختيار المكان ربما
كان لماركوس اتصاالت أسرية في ذلك الجزء من المدينة ،كونه تربى في منزل جده هناك (.)395
ج -تمثال ماركوس أم قسطنطين
ال نعرف لماذا نجا تمثال ماركوس اوريليوس من التدمير كما حدث للتماثيل األخرى في القرن
السادس الميالدي عندما انهارت اإلمبراطورية الرومانية الغربية تحت حكم القوط وسبب هذا الحدث
تدمير الكثير من التراث اإليطالي أو اهمالها لمدة طويلة أو صهر التماثيل البرونزية وتدمير التماثيل
الرخامية باعتبارها تماثيل تعود لهراطقة ،مع هذا بقي تمثال ماركوس صامدا فقد اعتقد بانه يعود إلى
قسطنطين وهو أول امبراطور مسيحي واعتبر حامي المسيحيين لذا حظي باالحترام ( ، )396كما ان
وقوف التمثال بجانب كاتدرائية التيران عزز ارتباطه بالكنيسة خاصة وان قسطنطين قام بتطوير
الكنيسة عام ( )315م ،أما في القرن الثاني عشر فقد اصبح التمثال جزء من اسطورة الفروسية ،ومع
ذلك وحتى القرن الثالث عشر كان يعرف التمثال باسم تمثال قسطنطين (.)397
) (393بوبليوس بابينيوس ستاتيوس ( )96-45م ،شاعر روماني من القرن األول الميالدي الف ملحمة في اثني عشر
كتابا ومجموعات شعرية :
Feeney, Dennis:” The Oxford Classical Dictionary” University Oxford Press.
Oxford,,1996 p.1439
(394) Pirson, Felix: “Style and Message in the Column of Marcus Aurelius’”, Papers of
the British School at Rome 64: 1996 . Pp. 139-179
(395) Duchesne, Louis:”Le Liber pontificalis: texte, introduction et commentaire”. Paris
.1955. Pp. 252- 259
(396) Kinney, Dale:”‘The Horse, the King and the Cuckoo: Medieval Narrations of the
Statue of Marcus Aurelius”, Word and Image 18: 2002. Pp. 372- 374
(397) Lucilla de Lachenal :”Il gruppo equestre di Marco Aurelio e il Laterano: richerche
per una storia della fortuna del monumento dall’et_a medievale fino al 1538” (part 1),
Bollettino d’arte 61: 1990. p. 36
76
شكل :12رسم تخطيطي لتمثال ماركوس اوريليوس في ساحة التيران وفي الخلف كاتدرائية التيران
وذلك في االعوام ( )1536-1532م
في عصر النهضة اإليطالية بدأ االهتمام بشكل عام بالعملة القديمة التي صور عليها تمثال الفروسية
والتي تعود إلى القرن الثاني ومقارنتها مع صور األباطرة في تلك الحقبة الزمنية فاستقر الرأي على
ان صاحب تمثال الفروسية هو ماركوس اوريليوس ( )398اعقبها طبع كتابة التأمالت في السنوات
( )1559-1558م وبذلك اصبح ماركوس األمير والفيلسوف التوراتي وشخصية نموذجية في
اإلمبراطورية الرومانية بل ونموذج لبابوات عصر النهضة في روما حيث اعيد وضع التمثال على
قاعدة مرتفعة في الكابيتوالين حيث قصور المحافظين وأعضاء مجلس الشيوخ ،واعتبر الفنان ميخائيل
انجلو التمثال بأنه قطعة فنية ذات تأثير ال مثيل له ،كما ذكر الباحث (( : )Nickleبأن تمثال ماركوس
أوريليوس ،بمثابة نموذج لغالبية تماثيل الفروسية في كل ارجاء تاريخ الفن األوروبي) (.)399
كما هو الحال مع جميع المنحوتات الشهيرة ،فقد اكتسب تمثال ماركوس أوريليوس أهمية أبعد من
الكائن نفسه ،فتم رفعه من مكانة عام ( )1981لغرض اجراء الترميمات وإزالة التلوث الذي أصابه،
ولهذا اتخاذ قرار للحفاظ على التمثال بنقله إلى داخل متحف الكابيتولينو( )Campidoglioوهذا العمل
سبب احتجاج سياسي واجتماعي ضد قرار الحفاظ على تمثال ماركوس في المتحف ،وهناك جرت
صيانة دقيقة للتمثال وتجريده من التراكمات فتم الكشف عن اإلمبراطور بشكله القديم المذهب (.)400
(398) Baumstark, Reinhold:” Das Nachleben der Reiterstatue: vom caballus Constantini
zum exemplum virtutis”, in Accardo et al. 1999. Pp. 78-115.
(399) Nickel, Helmut: “The Emperor’s New Saddle Cloth: The Ephippium of the
Equestrian Statue of Marcus Aurelius”, Metropolitan Museum Journal 24: 1989. p. 17
(400) Accardo, Giorgio; “Von der Restaurierung zur Kopie: ein Modell für die Zukunft”, In
Accardo et al. 1999. p. 141
77
-3قوس النصر لماركوس اوريليوس في اويا (طرابلس في ليبيا)
يختلف موقع أويا (طرابلس في ليبيا) عن موقعي لبدة وصبراته (مواقع اثرية في ليبيا) في انه ما
تزال قائمة منذ القدم ،واذا استثنينا قوس ماركوس أوريليوس فان كل عمران أويا القديم قد اختفى
تحت عمران القرون الوسطى والعصرين الحديث والمعاصر ،وبناء على ذلك فان اعمال التنقيب لم
تكن واردة ،ولكن وجدت آثار قليلة هنا وهناك أثناء عمليات هدم وتجديد األبنية ،وربما أمكننا كذلك
التوصل إلى بعض النتائج من دراسة مخطط المدينة عن فترة الحقة (. )401
إن أويا الفينيقية لم تكتشف أي أثر من آثارها وربما كانت قد أقيمت في القطاع الشمالي الشرقي من
المدينة القديمة الحالية ،أما أويا الرومانية فإن شوارعها الطويلة المتعامدة ما زالت تنعكس في شوارع
المدينة القديمة إلى يومنا هذا ،فهنالك الكاردو ) الشارع المحوري ( والديكومانوس أو الشارع الرئيسي
الممتد باتجاه الشمال ،ولعل هذين الشارعين يتمثالن في الشارعين الطويلين اللذين يلتقيان عند قوس
ماركوس أوريليوس ( ،)402باب الحرية من الجنوب الشرقي والشارع الكبير من الجنوب الغربي،
ونستطيع القول انه ديكومانوس آخر ،أقرب في اتجاهه إلى الجنوب ما يزال خطه ملموسا في شارع
حومة غريان ،وقد اكتشفت آثار أبنية رومانية في مواقع متفرقة من المدينة القديمة وضواحيها القريبة
:بيوت بمصاطب من الفسيفساء ،زخارف بالدهان بين باب الجديد والبحر ،بناء ربما كان منزال
خاصا ،على البحر إلى الشمال الغربي من القلعة ،وأواني فخارية تحت بناية شركة الكهرباء .وقد
أظهرت الحفريات ( )403التي أجريت تحت القلعة وجود أساس معقد لبناء واسع وأرصفة من الحجارة
الرملية وقطع من الفسيفساء وأعمدة كورنثية كبيرة ،وربما كانت هذه كلها مخلفات بنايات عمومية
كبيرة كوحدة حمامات مثالً (. )404
والمساحة التي كانت تشغلها أويا الرومانية في ذروة توسيعها غير معروفة بشكل قاطع ،ويعتقد
خط السور اإلسالمي إنما قام على خط السور الروماني من باب الجديد إلى برج الكرمة بموازاة خط
()405
شارع سيدي عمران الحالي ومن ثم يتجه إلى الشمال الشرقي حتى دار البارود
(401)̣ Said Ennahid and Eric Ross:”Pulcherrima Spolia in the Architecture and Urban
Space at Tripoli” Perspektiven der Spolienforschung 2, Stefan Altekamp Carmen Marcks-
Jacobs Peter Seiler (eds.), Berlin Studies of the Ancient World , First published, Berlin.
2017. p. 69
(402)̣ Simonetta Ciranna:” Reuse and Redistribution of Latin Inscriptions on Stone in Post-
Roman̞̟̝̙̣ North-Africa” Perspektiven der Spolienforschung 2, Stefan Altekamp Carmen
Marcks-Jacobs Peter Seiler (eds.), Berlin Studies of the Ancient World , First published,
Berlin. 2017. Pp. 43-47
(403) Said Ennahid and Eric Ross: Op.Cit. Pp. 83-86
) (404عبد اللطيف محمود البرغوثي :التاريخ الليبي القديم من أقدم العصور حتى الفتح اإلسالمي ،الجزء األول ،دار
صادر ،بيروت ،بال ت ،ص 440
(405) Said Ennahid and Eric Ross: Op.Cit. p. 83
78
خرطة :3مدينة طرابلس (اويا) وظهر موقع قوس ماركوس اوريليوس ضمن الدائرة الحمراء في
األسفل كما تظهر الطرق المتقاطعة أربعة شوارع وقديما شارعين هما الكاردو وديكومانوس
أما قوس ماركوس أوريليوس فيقوم في ساحة تواجه باب البحر والمرفأ قرب نهاية المدينة القديمة
من الجهة الشمالية ،وقد شيد على نفقة قاض من أبناء المدينة اسمه كايوس كلبورنيوس سلسوس Caius
) )Calpurnius Celsusكرسه لإلمبراطورين ماركوس أوريليوس ولوسيوس فيروس ( (Lucius
)Verusفي خريف سنة ( )163م ،عندما أخذ لوسيوس فيروس لقب أرميناكوس ،ونقش االهداء
على الوجوه األربعة للقوس وبشكل افريز وجاء فيه (إلى اإلمبراطور قيصر [ماركوس] أوريليوس
أنطونينوس أوغسطس ،أب البالد ،واإلمبراطور قيصر لوسيوس أوريليوس فيروس ،المنتصر في
أرمينيا ،أغسطس ،والبروكونسول سيرفيوس كورنيليوس[ ،سكيبيو سالفيدينوس] أورفيتوس (،)406
مع المندوب أوتيديوس مارسيلوس (مساعد مجلس الشيوخ) ) ، )407كرس (هذا القوس) كايوس
كالبورنيوس سيلسوس ،أمين األعمال العامة ،لالستخدام العام ،في السنة الخامسة ،شيده الكاهن على
) (406ولد سيرفيوس كورنيليوس سسيبيو سالفيدينوس أورفيتوس ( )178-145م في روما ،واحتل منصب
بروكونسول على والية شمال افريقيا عام ( )178م قبل وفاته ،وكان مثل جده الذي احتل منصب القنصل عام ()110
م على والية شمال افريقيا في عهد تراجان:
Philipp Charwath: “ Remises Recht ein Lesebuch” Berlin, Epubli, 2011. p. 133
) (407أوتيديوس مارسيلوس معروف في هذا النقش فقط.
79
نفقته الخاصة على األرض ،واكمل [األرضية] بالرخام الصلب)( )408نستنتج أن القوس أقيم على
أرض عمومية ،وقد سبقت اإلشارة إلى أن القوس كان ملتقى الشارعين الرئيسيين في المدينة ،ولذلك
فقد كانت له أربعة جهات ومدخالن مقوسان يتقاطعان مكونين زوايا قائمة ( ،)409ويدل طول الواجهتين
الشمالية الشرقية والجنوبية الشرقية على ان مدخل هذا القوس من ناحية المرفأ كان يعتبر أهم من
المدخل اآلخر ،وقد بني بأكمله من الرخام وهذه حقيقة حرص على ذكره في نقش االهداء ،ويكاد
يكون من المؤكد أن بناته كانوا من البنائين اإلغريق الذين عاشوا في هذه المدينة (.)410
ويزداد الوجهان الشمالي الشرقي والجنوبي الغربي لهذا القوس بنقوش منحوتة كما أن كال منهما
كان يزداد بعمودين كورنثيين يقومان على قاعدتين بارزتين طويلتين .وكانت فجوات ما بين األعمدة
مزينة بتماثيل لألباطرة فقد وجد تمثال لوسيوس فيروس أمام الوجه الجنوبي الغربي ،وكانت تظهر
على القوس صور محفورة تمثل كيوبيد إله الحب ( ،)411حامال إكليل كما تمثل إلهة النصر المجنحة
وقد نقشات تحت صورها الصفات الحسنى لإلله أبولو(إله الموسيقى والطب) واإللهة
منيرفا( ،)412( )Menrvaوهما اإللهان اللذان يحرسان مدينة أويا ،كما يظهر قائم أبولو الثالثي وغرابه
على الشمال وخوذة االلهة وترسها وحربتها وبومتها على اليمين .ويتشابه الوجهان الشمالي الغربي
والجنوبي الشرقي تشابها كبيرا وتظهر عليهما صور محفورة ألسر بربرية مأسورة تتجمع حول
كومات من األسلحة التذكارية التي أخذت من البربر بعد هزيمتهم ،وتظهر على اليسار صورة أبولو
يسوق عربة يجرها زوج من أفراس المالئكة المجنحة ( ،)413( )Griffinsويظهر تحت هذه الصور
غراب اإلله وقوسه وحقيبته وغصن الغار .وتقابل أبولو في الجهة اليمنى اإللهة منيرفا في عربة
يجرها اثنان من أبي الهول المجنح ،وعلى األرض تحت هذه الصورة تظهر خوذة اإللهة وقد حطت
عليها بومتها وإلى جانبها الحربة والترس وغصن زيتون ،وتغطي القوس كله قبة مثمنة مكونة من
ثالث حلقات وغالق ذو ثمانية ضلوع (. )414
(408) Frank Sear:” Roman Architecture” First Published in Great Britain, by B. T.
Batsford. 1982. p. 201
) (409دعاء مسامر عبد الحفيظ :اقواس النصر الرومانية ،دراسة أثرية نماذج من اقواس النصر في روما والعالم
العربي بقسميه االسيوي واالفريقي ،القاهرة ،ب ت ،ص 36
) (410عبد اللطيف محمود البرغوثي :ص 442
) (411اإلله كيوبيد :في األساطير الرومانية ،بالالتينية الكوبيدو يعني (الرغبة) ،فهو إله الرغبة ،والمودة والحب
المثير ،وكثيرا ما يصور على أنه ابن اإللهة فينوس ،ونادرا ما يذكر األب ،ونظيره اليوناني هو ايروس :دعاء مسامر
عبد الحفيظ :اقواس النصر الرومانية ،دراسة أثرية نماذج من اقواس النصر في روما والعالم العربي بقسميه االسيوي
واالفريقي ،القاهرة ،ب ت ،ص 36
Larousse Desk Reference Encyclopedia, The Book People, Haydock, University of
Massachusetts Press 1995, p. 215.
) (412مينيرفا أو منرفا :إلهة رومانية (اسمها اشتق من الرجال بمعنى العقل) فهي تختص بالحكمة ورعاية الفنون،
والتجارة ،والحرب ،ولدت مع أسلحة من رأس اإلله المشتري ،ذكرت األسطورة بان المشتري تنبأ بأن طفله ستسقط
منه ،فشعر بصداع وألم في الرأس ،فاستخدم اإلله فولكان (إله النار واشتق اسمه من البركان) مطرقة لتقسيم رأس
المشتري ،وعمل شق فظهرت منيرفا ،كاملة ،وبالغة ،وتحمل أسلحة امها ودرع:
William Smith: “Menrva ". Dictionary of Greek and Roman Antiquities”. John Murray,
London, 1875. Retrieved 2012. p. 8
(413) Wright, G. Ernest: “Biblical Archaeology” In Philadelphia, Westminster Press, 1957
) (414عبد اللطيف محمود البرغوثي :ص //443دعاء مسامر عبد الحفيظ :المصدر السابق ،ص 36
80
شكل :13قوس ماركوس اوريليوس في اويا (طرابلس ليبيا) بعد اجراء الترميمات عليه حاليا
81
-4اثار ماركوس اوريليوس في مصر
-1قوس االمبراطور ماركوس اوريليوس في مصر
وهو قوس النصر لإلمبراطور ماركوس اوريليوس الذي بني في عام 172م ذو فتحة واحدة بعرض
3.62م ويقع هذا القوس إلى الشمال الشرقي على الطريق من المباسيس إلى تمجاد ،وقد تبقى من هذا
القوس الفتحة الكبرى واالعمدة االمامية التي تقف فوق دعامات حجرية مربعة ،وكذلك الجزء العلوي
فوق الفتحة وهو كورنيش على الطراز االتيكي (نسبة إلى اتيكا في بالد اليونان) يحمل نقشا يهدى هذا
القوس إلى االمبراطور ماركوس اوريليوس (. )415
-2قوس ماركوس اوريليوس ولوسيوس فيروس في مصر
وكذلك هناك قوس نصر آخر إلى الجنوب الغربي على الطريق القديم من المباسيس تم اهدائه إلى كل
من ماركوس اوريليوس ولوسيوس فيروس في عام ( )162م ،وهو ابسط في بنائه من قوس ماركوس
السابق ،وهو ذو فتحة واحدة أيضا يحدها دعامتان كبيرتان (. )416
-3معبد ماركوس اوريليوس في مصر
يعتبر معبد اإلله اخنوم (إله نوبي األصل خالق الناس من طين وماء النيل) في قرية اسنا ()Esna
التي تبعد ( )50كلم جنوب األقصر في صعيد مصر ،وتم تشيد المعبد خالل حكم االسرة ()18
المصرية ،وتشير النصوص بانه شيد في عهد تحتمس الثالث ،واعيد بناء الهيكل خالل العهدين اليوناني
والروماني ،وقد أجريت عملية التنقيب في القاعة الرئيسة وكشف عن واجهة المعبد التي تعود لعهد
البطالمة وتحديدا في فترة حكم بطليموس السادس والثامن ،كما بنيت بقية المعبد في عهد االمبراطور
كلوديوس( )54-41م ،وعثر على بعض الزخارف ويعود تاريخها إلى أواخر القرن الثالث الميالدي،
والقاعة مزينة بنصوص تصف المهرجانات الدينية للمدينة وحضور العديد من األباطرة الرومان أمام
اآللهة ،ففي أحد األعمدة يظهر اإلمبراطور تراجان( )117-98م وهو يرقص أمام اإللهة منهيت
( ، )Menheyetتسجل نصوص أخرى وجود أربعة معابد أصغر في المنطقة ربما كان لها صالت
طيبة مع هذا المعبد ،على الرغم من أن أيا منها لم ينجو ،إال ان النصوص القديمة تسجل وجود إحدى
المعابد الصغيرة المخصصة لإللهة إيزيس ،وكان المعبد مرتبطا بإقامة االحتفاالت لنهر النيل ،الن
رصيفه القديم مزين بخراطيش ماركوس أوريليوس والزالت موجودة لحد االن ،هذا وال يزال هذا
الرصيف قيد االستخدام اليوم ،يؤدي عمله كمرسى لبعض الرحالت التي ترسى داخل إسنا (. )417
(415) St-Gsell “ Les Monuments Antiques de l ‘Algérie “. Paris 1901. Pp. 165-167
) (416دعاء مسامر عبد الحفيظ :اقواس النصر الرومانية ،دراسة أثرية نماذج من اقواس النصر في روما والعالم
العربي بقسميه االسيوي واالفريقي ،القاهرة ،ب ت ،ص35
(417) Reeves, Nicholas: “Ancient Egypt The Great Discoveries (A Year-by-Year
Chronicle)” Thmes & Hudson, Ltd. 2000
82
-2النقود في عهد ماركوس اوريليوس
كانت العملة منخفضة في عهد االمبراطور ماركوس اوريليوس وفي الحقيقة جرت عمليات تخفيض
في قيمة العملة منذ عهود االباطرة السابقين ( ،)418وكانت هناك خمس فئات من العملة البرونزية التي
غطت فترة قرنين األول والثاني الميالدي ،وفي عهد ماركوس اوريليوس حدث تضخم في األسعار،
وهذا ناتج عن تخفيض مزيج الذهب والفضة في السبيكة المعدنية للنقود منذ بداية القرن األول واستمر
حتى عهد ماركوس حيث خفضت الفضة فوصلت الى %4في سنة ( )171م ولغاية ( )178م ،فتحول
الخليط المعدني إلى إما الذهب أو الفضة مع معدن رخيص بنسبة ثالثة ارباع ،ومع هذا بقيت األسعار
ثابتة ،والتخفيض االخر حدث في أواخر حكم ماركوس حيث انخفض حجم الفضة إلى %75وظل
هذا القياس حتى عهد سبتيموس سيفيروس ،ومع هذا كان سعر القمح في عام ( )162م بما يقارب ()2
دراخمة (.)419
على الرغم من أن ماركوس ورث اموال كثيرة من سلفه انطونيوس بيوس (التقي) (كما يعتقد) الذي
اتبع سياسة عدم خوض الحروب سواء مع الفرثيين أو القبائل الجرمانية ،وبعد وفاته انقضى عهد السلم،
وعاد صراع القوة في الشرق وشمال نهر الدانوب ،ولذلك جاء التخفيض في الوزن العملة في عهد
ماركوس وخاصة في سنته األخيرة في الحكم ،فقد انطلقت الفيالق الرومانية لخوض الحروب فبينما
تولى لوسيوس فيروس الحرب في الشرق ضد المملكة الفرثية فقد خاض ماركوس الحرب في اوربا
والتي عرفت باسم (الحروب الماركونية) ومن الطبيعي تلك الحروب كلفت روما أموال طائلة حتى
اضطر االم براطور إلى بيع جواهر تاجه ليشتري بأثمانها ميرة واعتدة حربية للجيش ( ،)420على اية
حال عاد ولده كومودوس إلى القياس السائد في أوائل القرن الثاني (.)421
لقد تم سك مجموعة من العمالت تخليدا لذكرى االنتصارات منها االنتصار ضد فرثيا عام ()166
م (شكل ،)12Aوأيضا االنتصار في الحروب ضد الجرمان في نهاية ( )176م (شكل ،)12Bوكانت
تلك المسكوكات من ثالث سبائك يدخل فيها (الذهب والفضة والنحاس) واشكالها دائرية أو بيضوية
وحتى سداسية الشكل (.)422
وعثر على نقود تعود لعهد ماركوس اوريليوس في مناطق متفرقة مما يدل على اتساع النشاط
التجاري والحربي فعلى سبيل المثال اكتشفت عملة نحاسية في أذربيجان (شكل )13Aتعود لحكم
ماركوس خالل الحفريات في الطابق السفلي ألحدى األبنية المتداعية وذلك عام ( )2004ولكن من
الصعب تحديد الطبقة الثقافية التي تنتمي اليها ،الن تدمير الموقع جاء نتيجة للحفر بواسطة آالت البناء
الثقيلة التي استخدمت أثناء الحفر والتي كشفت بعض العمالت فوق طبقة من الصخور(.)423
(418) Birley, Cyril: The Legacy of Rome. University Press, Oxford. 1923.p. 68
(419) Louis C, West Allan Chester Johnson: “Currency in Roman and Byzantine Egypt “,
The University of Virginia, Adolf M. Hakkert, 1944. p. 3
) (420جيمس هنري برستد :العصور القديمة ،ترجمة داود قربان ،بيروت ،1968 ،ص 623
(421) Allan Chester Johnson: “Egypt and the Roman Empire”, Ann Arbor. 1951. Pp. 27-
42
(422) Allan, John and Mattingly, Harold and E. S. G. Robinson:”Transactions of the
international Numismatic Congress”. London. 1938. p. 16.
(423) Administrative Department of the President of the Republic of Azerbaijan: “General
”information about Azerbaijani Antique and Medieval Coins
83
وعثر أيضا على كنز في بريطانيا يحتوي على عمالت لماركوس وابنه كومودوس وتعود إلى (-161
)192م وهي عمالت قديمة يبدو انها بقيت في التداول حوالي ( )44عاما ( ،)424كما عثر على عمالت
لماركوس في االسكندرية إلى جانب اسالفه من االباطرة ،وقد نقش على وجه العملة النيل جالسا في
المعبد وأحيانا على هيئة رجل مضطجع ربما هذه المشاهد المنقوشة تعبر عن احتفاالت محلية (،)425
كما عثر على قطعة معدنية في مدينة فرانكفورت بألمانيا وشكلها بيضوي ويعتقد انها سكت بعد
االنتصار على قبائل التي تستوطن شمال نهر الراين ( ، )426وقد أشار الباحث (فرانكفورت) (بان النفوذ
الروماني يمكن تعقبه بواسطة انتشار النقود )427( )..والنفوذ الروماني ال يعني السيطرة العسكرية فقط
انما التجارة والتعامل بالنقود الرومانية التي اشتهرت بدقة الوزن وصفاء المعدن خاصة العمالت الذهبية
التي كان لها رواجا في أسواق جنوب الهند حيث عثر على بعض القطع النقدية التي تعود إلى عهد
االمبراطور ماركوس (.)428
أهمية دراسة العمالت
قدمت علم (المسكوكات النقدية) الكثير من المعلومات التي اغنت التاريخ سواء في الجوانب السياسية
أو االقتصادية أو الدينية ،وأيضا قدمت النقود اشكال للشخصيات الحاكمة وازيائهم وتيجانهم التي كانت
سائدة في تلك الحقب ،وكانت تنقش مع تلك االشكال كتابات رومانية وبدقة على أوجه العمالت ،ومن
خاللها نستطيع تحديد شخصية الحاكم والقابة ومدة حكمه بل والمناسبات التي تخلد االنتصارات في
الحروب ،أو تعين ولي العهد ،أو مناسبة دينية حيث نتوصل إلى مكانة اإللهة أو اإلله في البانثيون
عندما تنقش صورة اإلله في الجهة الثانية من العملة ،وقد صدرت العمالت لإلمبراطور ماركوس
وشريكه لوسيوس فيروس ومعهم عمالت تحمل اشكال زوجاتهم أيضا واغلب تلك العمالت سكت في
روما تحت مراقبة الدولة منعا للتالعب في وزن المعدن الثمين ،وتحديد القيمة الشرائية لهذه العملة.
وقد حرصت على وضع اشكال العمالت التي سكت في عهد االمبراطور ماركوس اوريليوس مستعينا
بالمصادر القيمة ومثل هذا الموضوع ال يتسع لبحث صغير انما يحتاج إلى مساحة أوسع حتى يغطي
كافة ما عثر عليه من نقود التي تعود من القرن األول ميالدي وما يليه (.)429
(424) Sture Bolin: “State and Currency in the Roman Empire to 300 A. D” , Stockholm.
1958. Pp. 52-54
(425) Bonneau, Danielle:”La crue du Nil divinité égyptienne à travrs mille ans d’histoire
332 av-641” , Revue des études Byzantines ,Vol 23 .1964. p. 282
(426) Cohen , I . c.iii, Marc Aurele. Nos. 227-9. ; Mattingly Sydenham , I.c iii M. Aurelius
, nos. 1058-62
) (427هنري فرانكفورت :فجر الحضارة في الشرق األدنى ،ترجمة ميخائيل خوري ،منشورات دار مكتبة الحياة،
بيروت ، 1965 ،ص98
(428) Turner, Paula J:” Roman Coins from India” London. .1989. Pp. 94ff
(429) Foss, Clive: “Roman Historical Coins”. London, 1990 // Kent, John. P. C: “Roman
Coins” . New York .1978
84
نماذج من العمالت من عهد ماركوس اوريليوس
1B 1A
:1Aعملة االمبراطور انطونينوس بيوس ( )161-138م :سيستيريوس الوزن ( )26.78غرام ،سكت
في روما ،ضربت في أوائل فترة حكم ماركوس اوريليوس ( )162م ،وجه العملة :الرأس عاري
وعلى جهة اليمين ،ونقش باللغة الالتينية (المقدس بيوس) ،الجهة الثانية :عمود بيوس شيده ماركوس
اوريليوس :هناك فجوات صغيرة في العملة ،الخطوط (باتينا)غائرة ،العملة شكلها جيد ونادرة.
:1Bعملة االمبراطور انطونينوس بيوس ( )161-138م :سيستيريوس نحاسية الوزن ()21.36
غرام ،سكت في روما عام ()157-156م ،ألجل التداول في غزة (فلسطين) ،وجه العملة :شكل بيوس
نصفي وعلى جهة اليمين الرأس مكلل بالغار ونقش اسمه ،الوجه الثاني :نقش اسم غزة ،مع صورة
اإلله تايتش ()430( )Tycheعلى جهة اليمين ،وعلى جهة اليمين ايضا شعار المدينة ،الخطوط غامقة،
وهي في حالة جيدة .
2B 2A
:2Aعملة انطونينوس بيوس مع ماركوس اوريليوس :سيستيريوس نحاسية الوزن ( )10.27غرام،
سكت في روما ،وضربت في األعوام ()144-140م ،كتب انطونينوس (المقدس) الرأس مكلل بالغار،
ونقش الصورة نصفية وعلى جهة اليمين ،وكتابة التينية (القيصر العظيم).
) (430اإللهة تيشي وهي إلهة الحظ الرومانية وتطابق فورتونا هذه اإللهة هي حامية مدينة غزة ومصيرها ،وهي ابنة
اإللهة افروديت وزيوس أو هيرميس ،ويعتقد المؤرخ اليوناني بوليبيوس عند حدوث فيضانات أو جفاف أو صقيع أو
حتى في السياسة هذه االحداث سببها اإللهة تيشي :
Polybius: “The Rise of The Roman Empire”, Page 29, Penguin, 1979.
85
:2Bالوجه الثاني للعملة :ماركوس اوريليوس الوجه على اليمين الباتينا ( )Patinaخضراء تميل إلى
البرونز ،حالة العملة جيده جدا.
3B 3A
:3Aعملة ماركوس اوريليوس :ديناريوس ذهبي ،سكت في روما عام ( )161م ،الرأس عاري
والوجه على جهة اليمين ،كتب (يحيا أغسطس).
()431
تأكل ثعبان يظهر من المذبح ،ربما :3Bفي الوجه الثاني للعملة :نقشت اإللهة سالوس ()Salus
هذه العملة الذهبية استعملت كحلية ،النقوش بارزة ،وحالة العملة جيده.
4B 4A
:4Aعملة ماركوس اوريليوس :ديناريوس فضي الوزن ( )3.17غرام سكت في روما ()162-161م
،نقش اسم االمبراطور ،الرأس عاري والوجه على جهة اليمين .
()432
،تقف على اليمين تحمل :4Bفي الوجه الثاني للعملة :نقشت اإللهة بروفيدنتيا ()Providentia
كرة ،حالة العملة جيدة.
) (431اإللهة سالوس ( ،)Salusكانت إلهة رومانية ،وضيفتها السالمة والرفاهية (والصحة واالزدهار والخالص)
لكل من الفرد والدولة ،وهي في بعض األحيان تطابق اإللهة اليونانية هيغيا ( ،)Hygieiaعلى الرغم من وظائفها كانت
تختلف اختالفا كبيرا عن اإللهة الرومانية :
Michiel De Vaan:” Etymological Dictionary of Latin” Leiden. 2010. p. 419
) (432اإللهة بروفيدنتيا إلهة رومانية لها القدرة على التنبؤ وحماية الحكم ،وبالتالي تظهر بروفيدنتيا في الفن و العبادة
واالدب ،وليس لديها اساطير مثل باقي اإللهة:
86
5B 5A
:5Aعملة ماركوس اوريليوس :سيستيرتيوس بوزن ( )22.8غرام ،سكت في روما ،عام ( )163م،
نقش عليها اسم االمبراطور والصورة نصفية والرأس مكلل بالغار والوجه على جهة اليمين ،والثوب
على الكتف.
:5Bفي الوجه الثاني للعملة :اإللهة سالوس تقف في المواجهة والرأس على اليسار وهي تطعم الثعبان
الذي يظهر من المذبح والباتينا (الحزوز) خضراء وحالة العملة جيدة.
6B 6A
:6Aعملة ماركوس اوريليوس ،سيستيرتيوس بوزن ( )26.24غرام ،سكت في روما ،نقش عليها
اسم االمبراطور ،الرأس مكلل بالغار والوجه على جهة اليمين.
:6Bفي الوجه الثاني للعملة :فيليسيتاس ( )Felicitasواقفا على اليسار ويمسك كادوسيوس
( )433( )caduceusوباليد األخرى صولجان ،اللون بني داكن وحالة العملة جيدة.
Marius Rufus Fears: “The Cult of Virtues and Roman Imperial Ideology”, Aufstieg und
Niedergang der römischen Welt II.17.2 .1981. p. 886.
) (433أيقونة رومانية يطلق عليها كادوسيوس وتعني (الرسول) وهي رمز اإلله هيرميس اليوناني ويظهر على
االيقونة تشابك ثعبانين على عمود ينتهي من األعلى بجناحين ،وصور كثيرا في الفن االغريقي والمصري:
Stuart L. Tyson: ”The Caduceus”, The Scientific Monthly, 34: part 6, 1932. p. 493.
87
7B 7A
:7Aعملة فوستينا (زوجة ماركوس اوريليوس) ،ديناريوس ذهبي بوزن (7ز )73غرام ،سكت في
روما عام ( )176-161م ،نقش عليها اسم فوستينا والشكل نصفي والوجه على جهة اليمين.
:7Bفي الوجه الثاني للعملة :اإللهة سالوس تجلس على اليسار تطعم الثعبان الذي يبرز من المذبح ،ال
يزال يحمل بريق الذهب وحالة القطعة النقدية جيدة جدا.
8B 8A
:8Aعملة االمبراطور لوسيوس فيروس ( )169-161م ،سيسترتيوس الوزن ( )29.42غرام ،سكت
في روما عام ( )161م ،نقش االسم فيروس (المنتصر المقدس) ،الرأس عاري والوجه على اليمين.
في الوجه الثاني للعملة :يقف كل من ماركوس اوريليوس ولوسيوس فيروس في مواجهة بعضهما
البعض وهما يتصافحان ،اللون أخضر الداكن ،وحالة العملة جيدة جدا.
:8Bعملة فوستينا زوجة ماركوس اوريليوس ،سيستيرتيوس الوزن ( )23.23غرام ،سكت في روما
عام ( ) 141م ،نقشت صورة القسم األعلى من الجسم ،والوجه باتجاه اليمين ،ونقشت الكتابة فوستينا
(المقدسة).
في الوجه الثاني من العملة :اإللهة ديانا ( )434( )Dianaتقف على اليمين وتحمل شعلة ،خطوط
(الباتينا) لونها برونزي ،وهي عملة نادرة.
) (434اإللهة ديانا الرومانية :وهي إلهة الصيد والطبيعة المرتبطة بالحيوانات البرية والغابات ولها القدرة على السيطرة
والتحدث مع الحيوانات وتطابق اإللهة ارتميس اليونانية ،ومن المعروف أن ديانا إلهة عذراء مثل منيرفا (إلهة الحكمة
ورعاية الفنون) وفستا (إلهة موقد المنزل واالسرة) :
Larousse Desk: “ Reference Encyclopedia”, The Booke People, Haydock, 1995, p. 215
88
9B 9A
:9Aعملة االمبراطور لوسيوس فيروس ( )169-161م :ديناريوس فضي الوزن ( )3.29غرام،
سكت في روما عام ( )156م ،نقش عليها اسم فيروس والرأس عاري والوجه باتجاه اليمين.
:9Bفي الوجه الثاني للعملة :اإللهة بروفيدنتيا ( ، )Providentiaتقف بالمواجهة الرأس على جهة
اليسار تحمل كرة وقرون ،النقش بارز ودقيق ،وحالة العملة جيدة.
10B 10A
:10Aعملة لوسيوس فيروس ( )169-161م :ديناريوس فضي الوزن ( )3.28غرام ،سكت في روما
عام ()163م ،نقش عليها اسم فيروس (األرمني) ،الرأس عاري والوجه على جهة اليمين.
في الوجه الثاني للعملة :نقشت إلهة ارمنية من المحتمل ساريس ( ،)435()Sarisاإللهة جالسة على
جهة اليسار في وضع حزين ،وبيدها درع ،الباتينا بارزة ،والعملة بحالة جيده.
: 10Bعملة لوسيال زوجة االمبراطور لوسيوس فيروس ،ديناريوس فضي الوزن ( )3.26غرام،
سكت في روما في عهد ماركوس اوريليوس ولوسيوس فيروس ( )162-161م ،نقش اسم كال
الحاكمين ،وأيضا صورة لوسيال تواجه اليمين.
في الوجه الثاني من العملة :اكليل من الغار في داخله ثالثة خطوط ()VOTA , PVBLI ,CA
النحت البارز واضح جدا ،والعملة بحالة جيدة.
) (435اإللهة ساريس األرمنية :وهي تطابق عشتار الرافدية فهي كوكب الزهرة ووصفت بانها إلهة الحب والجنس
والحرب ،ويبدو ان عبادتها انتقلت من بالد الرافدين:
David Leeming:” The Oxford Companion to World Mythology”, Oxford University Press.
2005. p. 29
89
11B 11A
:11Aعملة لوسيال زوجة االمبراطور لوسيوس فيروس :سيستيرتيوس الوزن ( )28.18غرام ،سكت
في روما عام ( )164م ،نقشت صورتها نصفية تواجه اليمين نقش اسمها لوسيال.
:11Bفي الوجه الثاني للعملة :صورة اإللهة فينوس ( )436( )Venusتجلس على العرش تحمل بيدها
النصر وباليد األخرى صولجان ،لون العملة أخضر داكن ،وحالة العملة جيدة.
12B 12A
:12Aعملة لوسيوس فيروس (االنتصار) :سيستيرتيوس نحاسي ،سكت في روما عام ( )166بمناسبة
االنتصار على المملكة الفرثية ،الوزن ( )22.18غرام ،صور الوجه مع كتابة اسم لوسيوس (المنتصر)
.
:12Bعملة ماركوس اوريليوس :سيستيرتيوس نحاسي ،سكت في روما عام ( )176م ،بمناسبة
انتصار االمبراطور في المعارك ضد الجيرمان ،وعودته إلى روما ،وزن العملة ( )20.10غرام ،نقش
الرأس عاري واسم االمبراطور (المنتصر المقدس).
) (436اإللهة فينوس أو (ونوس):إلهة رومانية تشمل وظائفها الحب والجمال والجنس والخصوبة واالزدهار واالنتصار
،وفي االساطير الرومانية كانت تعتبر ام الشعب الروماني الن ابنها إينيس ( )Aeneasنجا بعد سقوط طروادة وهرب
الى إيطاليا ،ولفينوس مهرجانات دينية تقام على شرفها:
James P. Mallory and Adams, Douglas Q (Editors): “Encyclopedia of Indo-European
Culture”, Taylor & Francis, London. 1997, p. 158
90
13A
:13Aعملة ماركوس اوريليوس :ديناريوس الوزن ( )3.5غرام ،السمك ( )20.0ملم ،نقشت صورة
االمبراطور على جهة اليمين ،وصور وهو شاب بشعر مجعد وطويل ،واالنف مستقيم ،يعتقد ان العملة
سكت في بداية حكمه ،تحيط بالصورة كتابة التينية ما بقي منها (االمبراطور قيصر مكسيموس
اوريليوس) .
في الوجه الثاني للعملة :نقشت صورة اإلله هيرميس وهو يحمل في يده اليمنى خنجر أو قرن أو
سمكة ،وفي يده اليسرى يحمل رمز السلطة ،تحيط نقش بالالتينية فيه تشويه ()POPVL
91