You are on page 1of 91

‫سياسة ماركوس اوريليوس الداخلية‬

‫في اإلمبراطورية الرومانية‬


‫‪ 180-161‬م‬
‫بقلم‬
‫األستاذ الدكتور‬
‫صالح رشيد الصالحي‬
‫تخصص تاريخ قديم‬
‫بغداد ‪2021‬‬

‫‪1‬‬
‫المبحث االول‬
‫‪-1‬مقدمة في الوضع السياسي في اإلمبراطورية الرومانية‬
‫‪-2‬تنظيم اإلدارة في عهد ماركوس‬
‫‪-3‬تنظيم الجيش الروماني‬
‫‪-4‬دور مجلس الشيوخ والمستشارين التابعين في عهد ماركوس‬

‫المبحث الثاني‬
‫‪-1‬دراسة في األفكار الفلسفية لماركوس اوريليوس‬
‫‪-2‬موقف االمبراطور من القانون والعدالة في روما‬
‫‪-3‬آراء ماركوس اوريليوس في العبودية واالضطهاد المسيحي‬
‫‪-4‬التجارة الرومانية في عهد ماركوس اوريليوس‬

‫المبحث الثالث‬
‫‪-1‬االشكال المادية في عهد ماركوس اوريليوس‬
‫‪- 2‬سك النقود في عهد ماركوس اوريليوس‬

‫‪2‬‬
‫المبحث األول‬

‫‪-1‬مقدمة في الوضع السياسي في اإلمبراطورية الرومانية‬


‫ذكرت عدة روايات حول تأسيس روما ما بين اسطورة التي شك فيها المؤرخون منذ القرن السادس‬
‫عشر الميالدي‪ ،‬وما بين االحداث التاريخية التي رواها المؤرخون الكالسيك‪ ،‬وما اخرجه معاول‬
‫االثارين من لقى اثرية‪ ،‬وما بين االثنين (األسطورة والتاريخ) يمكن ان نرسم صورة واضحة للنظام‬
‫السياسي الذي عاصرته روما عبر قرون من الزمان وهي‪:‬‬
‫‪ -1‬النظام الملكي‪ :‬لم يصلنا من مدونات العهد الملكي إال بقايا نقش واحد من القرن السادس ق‪.‬م سجل على‬
‫عمود من الحجر األسود عثر عليه تحت أرضية (الفورم) وهذا النقش فيه جزء من قانون ديني ذكرت‬
‫فيه وبوضوح كلمة ملك (‪ ،)rex‬وأشار المؤرخون القدماء بان هناك سبعة ملوك حكموا روما من‬
‫(‪ )509-753‬ق‪.‬م‪ ،‬وبذلك استمر النظام الملكي مدة قرن ونصف وهي مدة معقولة (‪.)1‬‬
‫‪ -2‬النظام الجمهوري‪ :‬كانت الدولة الرومانية في عهدها المبكر تهتم بضرورة عدم شن الحرب على‬
‫المناطق المجاورة لروما دون مبرر‪ ،‬ولكن الروايات تحدثنا عن حروب وانتصارات قادها الملوك‪،‬‬
‫ولسبب غير واضح طرد الرومان آخر الملوك واقسموا ان ال تعود الملكية الى بالدهم‪ ،‬ومن ثم حلت‬
‫الجمهورية‪ ،‬وكان الشعب ينتخب االفراد للوظائف العامة لفترة غير طويلة حتى ال يتمكنوا من االنفراد‬
‫بالحكم‪ ،‬ومما هو جدير بالذكر ان المنتخبين كانوا من النبالء على الرغم من ديمقراطية النظام‬
‫الجمهوري‪ ،‬ولكن الجمهورية سقطت عام (‪ )30‬ق‪.‬م بعد فترة من التدهور بدأت منذ عام (‪ )133‬ق‪.‬م‬
‫(‪.)2‬‬
‫‪ -3‬النظام الدكتاتوري‪ :‬منح يوليوس قيص لقب امبراطور (‪ )Imperator‬كجزء من اسمه وقبلها منح لقب‬
‫دكتاتور ولمدى الحياة عام (‪ )44‬ق‪.‬م ‪ ،‬وبعد مقتله صعد نجم أغسطس الذي أطاح بمنافسيه ولقب (ابن‬
‫المؤله قيصر ) (‪ )Divi Filius‬وسار على نهج استبدادي مطلق وسمى نفسه (المواطن األول) واصبح‬
‫له السيادة على الجيش واالقاليم‪ ،‬وعلى ما يبدو هذا النوع من الحكم كان شائعا في الشرق األدنى‪،‬‬
‫وانتقل الى روما على اثر الحروب الطويلة مع الفرثيين‪ ،‬وسار على هذا النهج كل االباطرة الذين‬
‫استلموا حكم اإلمبراطورية الرومانية (‪ )3‬كما هو في الجدول اآلتي ‪:‬‬
‫مدة الحكم‬ ‫سنوات الحكم‬ ‫سبب الوفاة‬ ‫العالقة بالسلف‬ ‫اسم‬ ‫ت‬
‫االمبراطور‬

‫‪ 27‬ق‪.‬م ‪ 14-‬م (‪ )40‬عاما و(‪)7‬‬ ‫وفاة طبيعية أو ربما‬ ‫ابن بالتبني‬ ‫اغسطوس‬ ‫‪1‬‬
‫أشهر‬ ‫بالسم‬

‫‪(1) Gale, Robert L: “A Herman Melville encyclopedia”. Greenwood Publishing Group.‬‬


‫‪1995. p. 504‬‬
‫‪(2) Goldsworthy, Adrian: “In the Name of Rome: The Men Who Won the Roman‬‬
‫‪Empire” Phoenix Press, New Ed edition. Orion. 2004. p. 212 // Andrew Lintott:” The‬‬
‫‪Constitution of the Roman Republic” Oxford, 2003‬‬
‫‪(3) Paul A. Bishop: “Rome: Transition from Republic to Empire” Hillsborough‬‬
‫‪Community College. Hillsborough Community College, 2011. Pp. 5ff‬‬
‫‪3‬‬
‫(‪ )22‬عاما (‪)5‬‬ ‫‪ 37-14‬م‬ ‫اغتيل من قبل‬ ‫ابن ليفيا من زواج سابق‬ ‫تبيريوس‬ ‫‪2‬‬
‫أشهر‬ ‫كاليجوال‬

‫(‪ )3‬سنوات (‪)10‬‬ ‫‪ 41-37‬م‬ ‫اغتيل بمؤامرة في‬ ‫ابن االخ‬ ‫كاليجوال‬ ‫‪3‬‬
‫اشهر‬ ‫روما‬

‫(‪ )13‬عاما (‪)8‬‬ ‫‪ 54-41‬م‬ ‫مات بالسم‬ ‫عم كاليجوال‬ ‫كلوديوس‬ ‫‪4‬‬
‫أشهر‬

‫(‪ )13‬سنة (‪)7‬‬ ‫‪ 68-54‬م‬ ‫اغتيل بمؤامرة في‬ ‫ابن األخ‬ ‫نيرون‬ ‫‪5‬‬
‫أشهر‬ ‫روما‬

‫(‪ )7‬اشهر‬ ‫‪ 69-68‬م‬ ‫اغتيل من قبل‬ ‫استولى على السلطة بتايد‬ ‫غالبا‬ ‫‪6‬‬
‫الحرس‬ ‫الجيش‬
‫االمبراطوري‬

‫(‪ )3‬أشهر‬ ‫‪ 69‬م‬ ‫انتحر بعد خسارته‬ ‫عين من قبل الحرس‬ ‫اوتو‬ ‫‪7‬‬
‫الحرب‬ ‫االمبراطوري‬

‫(‪ )8‬أشهر‬ ‫‪ 69‬م‬ ‫قتل بمؤامرة‬ ‫استولى على السلطة بتايد‬ ‫فيتليوس‬ ‫‪8‬‬
‫الجحافل الجيرمانية‬

‫(‪ )9‬سنوات‬ ‫‪ 79-69‬م‬ ‫استلم السلطة بتايد الجحافل‬ ‫فسبازيان‬ ‫‪9‬‬


‫و(‪)6‬أشهر‬ ‫الشرقية‬

‫(‪ )2‬سنة و‬ ‫‪ 81-79‬م‬ ‫وفاة طبيعية‬ ‫ابن فسبازيان‬ ‫تيتوس‬ ‫‪10‬‬


‫(‪)2‬أشهر‬

‫(‪ )15‬عام‬ ‫‪ 96-81‬م‬ ‫اغتيل على يد رجال‬ ‫أخ تيتوس‬ ‫دوميتيان‬ ‫‪11‬‬
‫البالط‬

‫(‪)1‬سنة و(‪)4‬‬ ‫‪98-96‬م‬ ‫وفاة طبيعية‬ ‫عين من قبل مجلس الشيوخ‬ ‫نيرفا‬ ‫‪12‬‬
‫اشهر‬

‫(‪ )19‬سنة (‪)6‬‬ ‫‪ 117-98‬م‬ ‫وفاة طبيعية‬ ‫عين من قبل نيرفا‬ ‫تراجان‬ ‫‪13‬‬
‫أشهر‬

‫(‪ )20‬عاما (‪)10‬‬ ‫‪138-117‬م‬ ‫وفاة طبيعية‬ ‫ابن بالتبني‬ ‫هادريان‬ ‫‪14‬‬
‫أشهر‬

‫(‪ )22‬عام‬ ‫‪161-138‬م‬ ‫وفاة طبيعية‬ ‫ابن بالتبني‬ ‫انطونيوس‬ ‫‪15‬‬


‫و(‪)6‬أشهر‬ ‫بيوس‬

‫‪4‬‬
‫(‪ )19‬عام‬ ‫‪180-161‬م‬ ‫وفاة طبيعية‬ ‫ابن بالتبني‬ ‫ماركوس‬ ‫‪16‬‬
‫اوريليوس‬

‫جدول ‪ :1‬اباطرة روما وفترات حكمهم ووفاتهم‬

‫الوضع السياسي قبل ماركوس اوريليوس‬


‫كان أنطونيوس بيوس رابع االباطرة االنطونيين الرومان وتسلسله الرابع من خمسة أباطرة عرفوا‬
‫بحبهم للفلسفة‪ ،‬وقد تدرج في مناصب الدولة حتى استالمه السلطة‪ ،‬وسبق وان تبناه االمبراطور‬
‫هادريان كأبن له‪ ،‬وتميز حكمه بالسالم وازدهار الفنون واالدب والتجارة والعمارة‪ ،‬ورغم اتساع‬
‫اإلمبراطورية الرومانية من بريطانيا غربا وحتى نهر الفرات شرقا إال ان حياته االجتماعية كانت‬
‫صعبة فبعد زواجه من فيوستينا الكبرى (‪ )Faustina‬انجبت له فيوستينا (الصغرى) التي أصبحت‬
‫زوجة ماركوس اوريليوس وابنة أخرى وولدان اللذان توفيا عام (‪ )138‬م‪ ،‬فتبنى ابنين هما ماركوس‬
‫اوريليوس ولوسيوس فيروس‪ ،‬وعادة التبني ظاهرة واضحة في عصر االباطرة الرومان منذ عهد‬
‫االمبراطور أغسطس‪ ،‬ولم يكن استالم العرش الروماني يسير وفق قواعد ثابته فقد تعرض االباطرة‬
‫لحركة االغتياالت ومؤامرات وتدخالت الحرس االمبراطوري ومجلس الشيوخ في اختيار رجل‬
‫السلطة في روما (راجع جدول اباطرة روما منذ سقوط الجمهورية الرومانية ) ‪.‬‬
‫أن عدم االستقرار الذي شهدته روما سابقا تغير في عهد االمبراطور انطونيوس بيوس فقد ساد فيه‬
‫االستقرار وشعر االمبراطور بضرورة العودة الى حسنات العصر الجمهوري في انتخاب قنصلين‬
‫إلدارة اإلمبراطورية الواسعة األطراف (‪ ،)4‬احدهما يتولى القيادة العسكرية خاصة اتجاه الحدود‬
‫الشرقية حيث الدولة الفرثية التي كانت تسعى دائما لفرض وجودها غرب الفرات وصوال إلى البحر‬
‫المتوسط‪ ،‬ويتطلب العمل العسكري في الشرق أو في بالد الغال فعاليات حربية متواصلة والغياب عن‬
‫روما لسنوات عده من جهة أخرى يجب ان يكون القنصل على قدر المسؤولية في الحفاظ على تماسك‬
‫الدولة وعدم التخطيط لحركة انقالب عسكري يؤدي إلى حرب أهلية عانت منها روما في القرن األول‬
‫ق‪.‬م (‪ ، )5‬وأما القنصل الثاني فعليه أن يتفرغ إلدارة الشؤون اإلدارية والعمرانية وحماية المجتمع‬
‫الروماني من الفوضى التي قد يسببها الغوغاء من العبيد والحرفين الصغار والجنود المسرحين‬
‫(‪ ،)Veterani‬وجيش من العاطلين الذين أصبحوا عبئا على الدولة‪ ،‬وأيضا يجب توفير الحبوب‬
‫المجانية (الخبز فيما بعد) لعدد كبير من سكان روما ‪.‬‬
‫كان اختيار االمبراطور أنطونيوس بيوس للقنصلين موفقا‪ ،‬وخاصة وانه قرب ماركوس اوريليوس‬
‫في السنوات األخيرة من حكمه عندما بدأ يعاني من مرض الشيخوخة‪ ،‬واشد ما يحتاجه العجوز هي‬

‫)‪ (4‬أحيانا ينتخب ثالث قناصل إلدارة روما فعلى سبيل المثال انتخب القنصل يوليوس قيصر (‪ )Julius Caesar‬لقيادة‬
‫بالد الغال (من حوض الراين وإلى جبال البرنييه (‪ )Pyrenees‬ومن المحيط األطلسي إلى البحر المتوسط) ‪ ،‬والقنصل‬
‫بومبي (‪ )Pompey‬وتحت امرته قيادة جيش ضخم ‪ ،‬والقنصل كراسوس (‪ )Crassus‬صاحب الثروة المالية وعرف‬
‫هذا األتالف الثالثي (التنين ذو الثالثة رؤوس) ‪.‬‬
‫)‪ (5‬أطلق على الحرب في إيطالية بين (‪ )88-90‬ق‪.‬م (الحرب االجتماعية) وأحيانا (الحرب االهلية) أو (حرب الحلفاء)‬
‫(‪ ) Socilu war‬وسبب الحرب سوء معاملة روما ومجلس شيوخها لسكان إيطاليا وعدم المساواة في حقوق (المواطنة‬
‫الرومانية) ‪ ،‬بمعنى لم تمنح لهم الجنسية الرومانية التي تخولهم الحماية القانونية من ظلم الحكام الرومان واستغاللهم ولم‬
‫تنتهي الحرب اال بجهود القنصلين هما ماريوس (‪ )Marius‬تولى قيادة الشمال والقنصل سوال (‪ )Sulla‬قيادة الجنوب‬
‫‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫الرعاية وإدارة شؤون اإلمبراطورية‪ ،‬وقد ذكر القنصل ماركوس إخالصه وحبه لإلمبراطور‬
‫أنطونيوس بيوس وكيف تخلى عن الذهاب إلى الحمام حتى ال يتركه بال صحبة في مرضه‪ ،‬كما انكر‬
‫على نفسه الغذاء الجيد والخمر الراقي حتى يتناول طعامه مع االمبراطور المريض‪ ،‬وحتى غير‬
‫ماركوس نمط نومه واستيقاظه الطبيعيين حتى يتالءم مع جدول النوم القلق للرجل العجوز(‪ ،)6‬هذه‬
‫المالحظات ذكرها إلى استاذه فرونتو(‪ )7( )Fronto‬الذي قدم نصيحة له ألنه يأتمنه على سره فمالزمة‬
‫االمبراطور دوما ال تجعله قادرا على التركيز في الحرب ضد الفرثيين‪ ،‬ولهذا اشار عليه استاذه فرونتو‬
‫بان يتبع خطوات يوليوس قيصر (‪ )44-100( )JuliusCaesar‬ق‪.‬م الذي قام في اعتم ايام حروب‬
‫بالد الغال بإيجاد الوقت لتأليف سبعة كتب عن الحرب الغالية (‪ ،)8( )Gallico‬ومن المرجح بان مشورة‬
‫فرونتو لها قيمة عند ماركوس الذي يتمتع بموهبة أدبية تميل إلى الواقعية‪ ،‬فمن وجهة نظر استاذه بأن‬
‫اعظم الرجال حتما يحتاجون ألى الراحة‪ ،‬فعلى سبيل المثال االمبراطور تراجان (‪-98( )Trajan‬‬
‫‪ )117‬م كان يرغب في جلسات الشرب ومصاحبة الممثلين‪ ،‬بينما االمبراطور هادريان (‪)Hadrian‬‬
‫(‪)138-117‬م كان رجالً اكوالً ويحب الموسيقى‪ ،‬وعرف عن االمبراطور انطونيوس بيوس بانه يهوى‬
‫مشاهدة األلعاب الرياضية مثل المصارعة وصيد األسماك‪ ،‬واحيانا يتمتع بمشاهدة العاب المهرجين‬
‫(‪.)9‬‬
‫المشاركة في الحكم ماركوس اوريليوس ولوسيوس فيروس‬
‫تم اختيار ماركوس اوريليوس ولوسيوس فيروس (‪ ،)Lucius Aurelius Verus‬من قبل‬
‫االمبراطور هادريان لخالفته (‪ )10‬وكانوا اطفال في وقت وفاته ثم تبناهم انطونيوس بيوس الذي عاش‬
‫(‪ )23‬عاما بعد وفاة هادريان‪ ،‬واثبت انه كان وفيا لرغبة سلفه فعين أنطونيوس بيوس األخوين بمنصب‬
‫القناصل عام (‪ )161‬م‪ ،‬ولم يلقي أي معارضة من العائلة اإلمبراطورية أو مجلس الشيوخ في تعينهما‬
‫الن االمبراطور أنطونيوس بيوس بحد ذاته هو زعيم مجلس الشيوخ وسيد الجيوش وبيده إدارة األقاليم‬
‫وأيضا خزائن االمبراطورية وكل ما مطلوب هو اعتراف مجلس الشيوخ الذي وافق باألجماع‪.‬‬

‫‪(6) Dio Cassius: “Roman History”, published in Vol. IX of the Loeb Classical Library‬‬
‫‪edition, 1927. 71.35.‬‬
‫)‪ (7‬ولد المواطن الروماني فرونتو عام (‪ ) 100‬م (ربما سنة او سنتين قبل هذا التاريخ) في العاصمة النوميدية سيرتا‬
‫(‪( )Cirta‬شمال افريقيا) من ابويين ليبيين من البدو لكنه تلقى تعليمة في روما واكتسب شهرة كبيرة مما جعله االمبراطور‬
‫أنطونيوس بيوس المعلم البنائة بالتبني ماركوي و لوكيوس ‪ ،‬وفي عام (‪ )142‬انتخب قنصل لمدة شهرين وهناك العديد‬
‫من الرسائل المتبادله بينه وبين ماركوس ولوكيوس والتي ستكون المساعد في هذا الفصل ‪:‬‬
‫‪Birley, Anthony R:”The African Emperor” London. Batsford, 1999, p. 43.‬‬
‫‪(8) (Fronto to Marcus, 162): Haines, C. R: (1919) . part 2. Pp.28–9.‬‬
‫‪(9) (Fronto to Marcus, 162): Haines, C. R: (1919) . part 2 . Pp.62–71.‬‬
‫)‪ (10‬كان ماركوس اوريليوس ابن أخ اإلمبراطور هادريان ‪ ،‬بينما لوسيوس فيروس ابن عضو مجلس الشيوخ لوسيوس‬
‫سيونيوس كومودوس (‪ )Lucius Ceionius Commodus‬عندما اختاره االمبراطور هادريان ليكون وريثه من بعد‬
‫وفاته باسم لوسيوس إيليوس قيصر لكنه توفي عام (‪ )138‬م ولهذا امر هادريان وريثه االمبراطور انطونيوس بيوس‬
‫ان يتبنى ابن اخية ماركوس وابن لوسيوس سيونيوس كومودوس ويمنحهما منصب قيصر‪:‬‬
‫‪Wilhelm Weber: “The Antonines” Chapter 9: Cambridge Ancient History, Vol XI. The‬‬
‫‪Imperial Peace A. D 70-192. Second Impression Cambridge University Press. 1954. p.‬‬
‫‪341‬‬
‫‪6‬‬
‫شكل ‪ :1‬عملة ديناريوس فضية‪ ،‬ضربت عام (‪ )140‬م تحمل صورة االمبراطور أنطونيوس بيوس‬
‫(اليسار) وابنه التبني ماركوس أوريليوس (اليمين)‬
‫وجرت مراسيم تعين ماركوس بعد قراءة إرادة اإلمبراطور الميت واعقبها مراسيم الحداد الدولة‬
‫وأقيمت حسب األصول جنازة عامة‪ ،‬وجاء أول مرسوم باإلجماع تأليه أنطونيوس بيوس وإقامة عبادة‬
‫له وتعين كهنة خاصين له‪ ،‬ومن ثم طلب من ماركوس إدارة الدولة مع التقيد الصارم بالسوابق القديمة‬
‫التي رفضها في البداية لكنه خضع باإلكراه (كما فعل االمبراطور تبيريوس من قبل)‪ ،‬وأخذ لنفسه لقب‬
‫أوغسطس التي عرضت عليه ومنح فيروس لقب (قيصر) كما منح منصب القنصلية بدال من اسم‬
‫أغسطس إضافة إلى حاكم امبراطورية‪ ،‬وكان على االثنين االشتراك في رعاية للدولة‪ ،‬كما وافق مجلس‬
‫الشيوخ على منح فيروس لقب(‪ ،)imperium proconsulare‬وصدرت عملة هي األولى‬
‫اإلمبراطورية في عهدهما‪.‬‬

‫شكل ‪ :2‬عملة ديناريوس ذهبية تعود الى األعوام (‪ )162-161‬م‬


‫ومنح اسم لفيروس عند اعتالئه العرش االمبراطور قيصر اوريليوس فيروس اوغسطوس المرافق‬
‫لالمبراطور قيصر ماركوس اوريليوس انطونيوس اوغسطوس وكان ماركوس في وقتها بعمر أربعين‬
‫عاما وحصل على منصب القنصلية ولثالث مرات‪ ،‬وتولى منصب (‪ )tribunicia potestas‬بينما‬
‫كان لوسيوس فيروس أصغر منه بعشرة سنوات وحصل على منصب القنصلية ولمرتين‪ ،‬وتولى‬
‫منصب (‪ )imperium proconsulare‬إضافة إلى سيد الجيوش في المقاطعات واالقاليم‪ ،‬وبعد ثالثة‬
‫أشهر توفي االمبراطور أنطونيوس بيوس في (‪ )7‬اذار‪ ،‬واتخذ ماركوس لقب أنطونيوس وكأن والده‬

‫‪7‬‬
‫انطونيوس بيوس (‪ ، )11‬وبعد بضعة أشهر في (‪ )3‬آب (‪ ،)12‬ولد له توأمان هما أوريليوس كومودوس‬
‫وأوريليوس فولفوس أنطونيوس(‪ )Fulvus‬واألول أصبح امبراطور روما بعد وفاة ابيه‪.‬‬

‫شكل ‪ :3‬عملة ديناريوس فضية تعود الى أواخر حكم االمبراطور ماركوس اوريليوس (‪ )180‬م‬
‫عندما استلم ماركوس مقاليد الحكم حمل لقب قيصر قبيل وفاة أنطونيوس بيوس‪ ،‬ويبدو ان لوسيوس‬
‫فيروس (بدوره حصل على لقب قيصر)‪ ،‬وقد اعترف بان ماركوس أفضل منه في إدارة الدولة‪ ،‬على‬
‫الرغم من أنه يتمتع بمركز وصالحيات دستورية على قدم المساواة‪ ،‬ولكن لم يكن لديه سلطة على قدم‬
‫المساواة‪ ،‬وال يبدو انه قادر على تولي المسؤوليات‪ ،‬وقد حصل على عدة امتيازات لوقوفه الى جانب‬
‫ماركوس دون ان يهتم من يحكم فعال‪ ،‬إضافة إلى هذا تزوج ماركوس االبنة الكبرى لوسيال ابنة‬
‫أنطونيوس بيوس ساعده هذا في زيادة مكانته في الدولة ‪ ،‬بالمقابل لم يحقق فيروس شعبية في عيون‬
‫الناس فقد عرف عنه البذخ والترف وكان ينثر غبار الذهب على شعره‪ ،‬وعندما غزا الفرثيين حدود‬
‫اإلمبراطورية في غرب الفرات ارسل فيروس لقيادة الهجوم المضاد وسارت حملته بشكل جيد ولكنه‬
‫وكما تقول المصادر الرومانية ترك القتال لألخرين وقضى معظم وقته في انتوشيا (انطاكية) يمتع‬
‫نفسه بسماع المطربين والعاب المهرجين‪.‬‬
‫(‪)13‬‬
‫مأدبة على أريكة‬ ‫وتروي المصادر الكالسيكية رواية مفادها قيام كهنة ساليان (‪)Salian‬‬
‫اإلله مارس في معبده‪ ،‬فسقط إكليل الشاب ماركوس أوريليوس على رأس تمثال اإلله مارس‪ ،‬وقد فسر‬
‫هذا بمثابة فأل جيد لحكم ماركوس في المستقبل‪ ،‬وهي أيضا عالمة تدل على ورعه أكثر من االباطرة‬

‫‪(11) S.H.A : Seriptores Historiae Augustae- Marcus Aurelius (ed. D. Magie, Loeb. Vol. I.‬‬
‫‪1930‬‬
‫‪(12) Schwendemann, Joseph: “Der historische Wert der vita Marci bei den Script, Hist.‬‬
‫‪Aug”. 1923. Pp. 1 sqq‬‬
‫)‪ (13‬بالنسبة كهنة ساليان عددهم (‪ )12‬كاهن اصولهم من النبالء يتواجدون في خدمة معبد إله مارس (باعث الحياة في‬
‫النبات كل ربيع‪ ،‬ويقود المعارك الحربية لصالح الدولة الرومانية) عند تلة بالتيا (‪ )Palatine‬ولذلك يقال لهم أحيانا‬
‫(ساليان ابالتيا)‪ ،‬ولهم زي مميز وكل واحد يضع سيف بجانبه وبيده اليمنى حربة‪ ،‬ويحتفل بمرجان مارس من قبل‬
‫كهنة ساليان في واحد اذار ولعدة أيام متتالية حيث الرقص والعام وضرب الدروع بقضبان ألحداث أصوات ترافق‬
‫الرقصات التي ترافقها أغاني دينية ‪..‬راجع ‪:‬‬
‫‪William Smith: “Salii". Dictionary of Greek and Roman Antiquities”. John Murray,‬‬
‫‪London, 1875. Retrieved 2012.‬‬
‫‪8‬‬
‫الذين سبقوه‪ ،‬وكان ذو طبيعة بسيطة‪ ،‬مع عمق في الفكر والمعرفة والثقافة‪ ،‬وكل ما يلزمه هو تعليم‬
‫صحيح‪ ،‬فخالل عشرين سنة من التعلم المستمر قضاها برفقة خمسة وعشرون معلما‪ ،‬كما رافق الخطباء‬
‫والفالسفة من مختلف المدارس الفلسفية‪ ،‬وحتى الرسامين‪ ،‬واستوعب ثقافتين استمدها من رجال من‬
‫افريقيا وآسيا الصغرى ومن فلسطين‪ ،‬ساعدت في تربيته‪ ،‬وكرس نفسه في وقت الحق في كتابة مؤلفه‬
‫(التأمالت) (‪.)14‬‬
‫وهكذا كانت لروما وألول مرة حاكمان يحمالن منصب أوغسطس مع حقوق متساوية‪ ،‬مع عدم ترك‬
‫فيروس يحتل المركز الثاني‪ ،‬ولكل منها صالحيات كاملة وغير مجزأة أينما يكون‪ ،‬لذلك كان فيروس‬
‫في الحقيقية الرفيق الذي عليه أن يتحمل مهمة رعاية الدولة مع مسؤولية متساوية وغير مقسمة مع‬
‫شريكه‪.‬‬
‫استبدل ماركوس عددا من كبار المسؤولين في اإلمبراطورية مثل سيكستوس كيسيليوس كريسينس‬
‫فولوسيانوس (‪ ،)Sextus Caecilius Crescens Volusianus‬المسؤول عن مراسالت‬
‫اإلمبراطورية‪ ،‬وعين بدال منه تيتوس فاريوس كليمنس(‪ )Titus Varius Clemens‬وكان كليمنس‬
‫من مقاطعة بانونيا الحدودية وشارك في الحرب التي اندلعت في موريتانيا الطنجية (المغرب) وسابقا‬
‫شغل منصب وكيل لخمس مقاطعات‪ ،‬وكان رجال مالئما في األزمات العسكري (‪ ،)15‬كما عين لوسيوس‬
‫فولوسيوس مايسيانوس(‪ ،)Lucius Volusius Maecianus‬المعلم السابق لماركوس‪ ،‬وسبق وان‬
‫شغل منصب محافظ المحافظات في مصر‪ ،‬وقد تم استدعاء ميسيانوس‪ ،‬واصبح عضو في مجلس‬
‫الشيوخ‪ ،‬وعين محافظ خزانة االمبراطورية‪ ،‬ثم عين قنصل بعد فترة وجيزة‪ ،)16( ،‬كما عين ابن‬
‫زوجة فرونتو ويدعى أوفيديوس فيكتورينوس (‪ ،)Aufidius Victorinus‬حاكما أللمانيا العليا(‪.)17‬‬
‫يبدو أن ماركوس كان راضيا ً كل الرضا لحصوله على اربعة سنوات استراحة من مغامرات شريكه‬
‫االمبراطور المشاغب لوسيوس فيروس الذي أصبح يسرف في ملذاته في الجانب االخر من بحر ايجة‬
‫لكنه مازال كونه امبراطورا ً وشريكا‪ ،‬ونحن ندين الى كتاب لمحات ماركوس والمراسالت المتقطعة‬
‫التي قام بها مع استاذه فرونتو (‪ ،)Fronto‬الذي يقوم مرارا ً بتحويل تلك المراسالت إلى حوار طويل‬
‫يتعلق بمشاكله وحياته الحزينة (‪. )18‬‬
‫عرف عن ماركوس بانه كان متسامح بدرجة ملحوظة‪ ،‬وقد قال عنه فرونتو‪( :‬ان ماركوس‬
‫امبراطورا ً ممتازاً‪ ،‬وتتميز خطبه ببالغة أدبية واسعة‪ ،‬وانا اشعر بنفس المتعة لرؤية تعليمي ينبثق كما‬

‫)‪ (14‬هناك عدة طبعات لكتاب التأمالت لإلمبراطور ماركوس اوريليوس ومنها ترجمة الباحث ‪Martin Hammond‬‬
‫مع مقدمة الباحث ‪ Diskin Clay‬يمكن مراجعته ‪:‬‬
‫‪Marcus Aurelius: “Meditations” Translated with Notes by Martin Hammond With an‬‬
‫‪Introduction by Diskin Clay, First published in Penguin Classics, London.2006‬‬
‫‪(15) Birley, Anthony R: “Marcus Aurelius: A Biography”. New York: Routledge, 1966,‬‬
‫‪Pp. 122–123,‬‬
‫‪(16) Ibid: p. 123‬‬
‫‪(17) Historia Augusta: “The Life of Marcus Aurelius” published in the Loeb Classical‬‬
‫‪Library, part 1: 1921. 8.8‬‬
‫‪(18) (Fronto to Praecilius Pompeianus, 162(: Haines, C. R (ed.): “The Letters of Marcus‬‬
‫‪Aurelius to Fronto,” 2 vols (Loeb Classical Library 112) . 1919, Pp.88–91‬‬
‫‪9‬‬
‫يشعر به االباء عندما يرون مالمحهم الشخصية في أوالدهم) (‪ .)19‬وفي رسالة أخرى ذكر فرونتو‪( :‬ان‬
‫ماركوس هو الحنطة التي نمت في الحقل‪ ،‬وهي االن محصول يانع ذهبي) (‪.)20‬‬
‫الحياة اليومية لإلمبراطور لماركوس‬
‫اغلب ما نعرف عن ماركوس اوريليوس من حيث الجانب العائلي في تلك الفترة وصلتنا من‬
‫الرسائل التي كان يرسلها الى استاذه فرونتو عندما كان يقضي عطلته في مدينة آلسيوم (‪)Alsium‬‬
‫(‪ ،)21‬وكانت اغلب اعمال ماركوس تتم بعد الظهر بعد قيلولة منتصف النهار حيث كان يبدأ بالكتابة‪ ،‬أو‬
‫يتمرن على أداء الخطب البالغية أو حتى صياغة بعض الجمل المؤثرة في نفوس سامعيها‪ ،‬وقد اقتبس‬
‫الكثير من مؤلفات شيشرو (‪ ،)22( )Cicero‬وبلوتوس (‪ ،)23( )Plautus‬واينيوس (‪، )24( )Ennius‬‬
‫أو لوكريتيوس (‪ ،)25( )Lucretius‬وفي بداية المساء كان يهوى السير على طول ساحل البحر‪ ،‬وإذا‬
‫وإذا كان الجو هادئا ً فإنه يعتلي سطح سفينة ويستمتع بإيقاع تالطم المجذاف باألمواج‪ ،‬وعندما يعود‬
‫للمنزل يأخذ حماما ً ساخنا ويجلس لتناول العشاء‪ ،‬ويتكون طعامه النموذجي من المحار وديك مسمن‬
‫وفاكهة وكعك ونبيذ راقي(‪ ،)26‬وكان يعاني من قلق وخوف مستمر يكمن في مرض اوالده‪ ،‬فكل أطفال‬
‫الرومان الحديثي الوالدة يتعرضون للموت نتيجة االمراض المعدية‪ ،‬فقد أصابت الحمى ابنته‬
‫كورنيفيشا (‪ )Cornificia‬عام (‪ )162‬م في مدينة آليسوم‪ ،‬وكان قلقا عليها من حمى التيفوئيد أو‬
‫المالريا‪ ،‬ولحسن الحظ شفيت من مرضها (‪ ،)27‬وكان ماركوس في اغلب رسائله يشير إلى بناته وولديه‬
‫التوأم هما محط تركيز واهتمام استاذه‪ ،‬ففي عام (‪ )163‬م قابل فرونتو التوأم ثم قابل ماركوس‪ ،‬وقد‬

‫‪(19) (Fronto to Marcus, 162): Haines, C. R: (1919) .part. 2 . Pp.34–7.‬‬


‫‪(20) (Fronto to Marcus, 162): Haines, C. R : (1919) . part. 2. Pp.8–9, 12–13‬‬
‫)‪ (21‬تقع مدينة آلسيوم على ساحل اتوريا (‪ )Eturia‬وتبعد (‪ )18‬ميل عن ميناء اوغسطي عند مصب نهر التايبر وبما‬
‫يعادل (‪ )35‬كلم عن روما ‪:‬‬
‫‪Smith, William (ed) : “Alsium”.Dictionary of Greek and Roman Geography 1. London:‬‬
‫‪John Murray Press. 1854. Retrieved 2012. p. 112.‬‬
‫)‪ (22‬ولد شيشرون (‪ ) 43-106‬ق‪.‬م وكان فيلسوفا وسياسي ومحامي وحصل على منصب القنصل وكان من مؤيدي‬
‫يوليوس قيصر ‪ ،‬ثم اصبح من أشد معارضي مارك انطوني ‪:‬‬
‫)‪ (23‬تيتوس ماكسيوس بلوتوس كاتب مسرحي (‪ )184-254‬ق‪.‬م كتب مسرحيات باللغة االتينية وهي اقرب لالعمال‬
‫األدبية البعض من كتاباته كوميدية ‪:‬‬
‫‪Marples, Morris: “Plautus.” Greece and Rome 8.22 .1938. Pp. 1-2‬‬
‫)‪ (24‬كوينتوس اينيوس (‪ )169-239‬ق‪.‬م كاتب في الشعر الروماني بقي من اعماله الشيء القليل مع هذا تأثيره في‬
‫االدب الالتيني كبير السيما في أسلوبه في استخدامه النماذج األدبية اليونانية ‪:‬‬
‫‪Young Sellar, William, :”The Roman Poets of the Republic”, Cambridge University Press,‬‬
‫‪2011. p. 64‬‬
‫)‪ (25‬تيتوس لوكريتيوس كاروس (‪ )55-99‬ق‪.‬م شاعر وفيلسوف روماني كتب قصيدة شعرية تعليمية عن فلسفة‬
‫ابيقوريون والتي ترجمة إلى اإلنجليزية ‪:‬‬
‫‪Dalzell, Alexander:”. (1982). "Lucretius". The Cambridge History of Classical Literature.‬‬
‫‪Cambridge: Cambridge University Press. 1982. Pp. 207-229‬‬
‫‪(26) Birley, Anthony R: “Marcus Aurelius: A Biography”. New York: Routledge, 1966, p.‬‬
‫‪126‬‬
‫‪(27) (Marcus to Fronto, Fronto to Marcus, 161–2), Haines, C. R: (1919) . part. 2. Pp .2–7,‬‬
‫‪18–19.‬‬
‫‪10‬‬
‫عبر فرونتو بالغة فلسفية عندما قال ان بإمكانه ان يرى ماركوس في عيون ولديه وحتى ان يسمع‬
‫صوت االمبراطور في اوردة أطفاله‪ ،‬واستمر بالقول‪( :‬ليحفظ اإلله التوأمين بصحة جيدة) (‪.)28‬‬

‫‪ -2‬تنظيم اإلدارة في عهد ماركوس اوريليوس‬


‫عندما استلم ماركوس اوريليوس السلطة باشر في اتجاه االصالح اإلداري في روما وإيطاليا‪ ،‬فعين‬
‫شخصيتان بارعان في منصب الحرس االمبراطوري وسبق وان عينهم انطونيوس بيوس في نهاية‬
‫حكمه وهما فوريوس فيكتورينوس تيتوس )‪ )168-160( (Furius Victorinus Titus‬م‪ ،‬وكان‬
‫سابقا ً يعمل في مصر‪ ،‬وسكستوس كورنيليوس ريبنتنوس (‪(Sextus Cornelius Repentinus‬‬
‫(‪-159‬؟؟) م‪ ،‬وكان كالهما قناصل في عهد انطونيوس بيوس‪ ،‬وكان على ماركوس أن يستغل الحرس‬
‫االمبراطوري باعتبارهم مقاتلين محترفين‪ ،‬وحتما هم رجال ذوي خبرات حقيقية في حماية الحدود(‪،)29‬‬
‫أما ادارة ايطاليا فقد عاد إلى طريقة اإلدارة التي كانت شائعة في عهد االمبراطور هادريان‪ ،‬والتي تقوم‬
‫على أساس ان مجلس الشيوخ هو المسؤول عن حكم إيطاليا‪ ،‬ولكن االيطاليون(‪ )30‬كانوا مستاؤون من‬
‫الحكم المباشر لروما ألنهم ال يستلمون الحبوب مجانا‪ ،‬وعين هادريان (‪ )4‬مندوبون من اجل وضع‬
‫القوانين بخصوص إيطاليا هذا االجراء جعل عدد من أعضاء مجلس الشيوخ يرفضون ألنه انتهاك‬
‫لحقوقهم القديمة‪ ،‬لذا قام االمبراطور انطونيوس بيوس بإلغاء النظام(‪ ،)31‬بينما عمل ماركوس سنة‬
‫(‪ )166‬م بتعيين (‪ )4‬قضاة جدد من مرتبة الحرس االمبراطوري بعد ان خدموا في الحرس لفترة‬
‫قصيرة وبإمكانهم الحكم في القضايا الموضوعة امامهم‪ ،‬الن تقاليد أعضاء مجلس الشيوخ ال تمثل‬
‫حاجات ورغبات االيطاليين (‪.)32‬‬
‫من اجل الحصول على تعيينات عسكرية أفضل‪ ،‬أوجد ماركوس منصب يختص بالرسائل ( ‪ab‬‬
‫‪ ( )episulis‬وهو الموظف الذي يتعامل مع المراسالت االمبراطورية الرسمية مع الحكام والوكالء‬
‫االمبراطوريين‪ ،‬والمدن‪ ،‬واالمم االجنبية) وكان يحتل هذا المنصب منذ عهد انطونيوس بيوس احد‬
‫الموظفين وهو كايسيليوس كريسينس فولوسيانوس ‪-135( )CaeciliusCrescensVolusianus‬‬

‫)‪ (28‬أن الصبي الذي يحمل الخبز االبيض هو كومودوس‪:‬‬


‫‪(Fronto to Marcus): Haines, C.R : (1919) part . 2. Pp.118–21‬‬
‫‪(29) Campbell, Brian: “The Emperor and the Roman Army (31 B.C.-A.D. 235)” Oxford.‬‬
‫‪1984. p.114 // Howe, Laurence Lee: “The Pretorian Prefect from Commodus to Diocletian‬‬
‫”‪(A.D. 180-305)” University of Chicago, 1942// Jones, A.H.M: “The Later Roman Empire‬‬
‫‪1964. Pp.448–62, 586–92‬‬
‫)‪ (30‬عامل مجلس الشيوخ للحلفاء اإليطاليين بكل سوء‪ ،‬وتكتل هؤالء الحلفاء اإليطاليين واحتجوا على سوء معاملة‬
‫روما لهم‪ ،‬فقرر سكان جبال بيكينوم وسيمنيوم وسكان جبال االبنين ومدن أخرى في ايطاليا على قتال روما ما بين (‪-90‬‬
‫‪ )88‬ق‪.‬م‪ ،‬ويطلق على هذه الحرب (حرب الحلفاء) أو(الحرب اإليطالية)‪ ،‬وكانوا يسعون للحصول على االمتيازات‬
‫الرومانية وخاصة الجنسية الرومانية التي تخولهم الحماية القانونية من ظلم الحكام الرومان واستغاللهم‪ ،‬وعلى العموم‬
‫اخمدت ثورتهم بالقوة واستمر سكان تلك المناطق يعانون من التميز عن الرومان الحاملين للجنسية الرومانية ‪:‬‬
‫‪The Histories of Appian: “Appian The Civil Wars” Book 1: published in the Loeb Classical‬‬
‫‪Library, 1913. p. 1. 7‬‬
‫‪(31) Historia Augusta: “The Life of Hadrian” Published in the Loeb Classical Library, part‬‬
‫‪2. 1921. 22.13‬‬
‫‪(32) Lepelley, Claude L (ed.):“Rome et l’intégration de l’empire. 44 av. J.-C.–260 ap. J.-‬‬
‫‪C. Approches régionales du Haut-Empire romain . Paris. 1998‬‬
‫‪11‬‬
‫‪ )200‬م ومعه رجل ذو خبرة قتالية طويلة قضاها في محاربة البدو البربر في جنوب موريتانيا الطنجية‬
‫في المغرب‪ ،‬وهو تيتوس فريوس كليمنس (‪ ،)33()Varius Clemens‬اما مناصب الفرسان االخرى‬
‫في االمبراطورية فقد كان منصب (‪( )libellis‬الطلبات) فهو يتعامل مع الطلبات الكثيرة والعرائض‬
‫الموجهة لإلمبراطور‪ ،‬كذلك منصب (‪( )cognitionibus‬أمور المعرفة) (المسؤول عن المحكمة‬
‫القانونية لإلمبراطور ويساهم في التحقيقات القضائية وتصل رتبته العليا إلى فارس) فقد عين ماركوس‬
‫شخصية اوريليوس بمبريوس ديونيسوس (‪ )34( )Aurelius Papirius Dionysius‬لما له من‬
‫معلومات ومهارات التي اكتسبها من خالل التجربة أو التعليم‪ ، ،‬أو من الطعون القضائية المتزايدة‬
‫التي ترسل إلى االمبراطور‪.‬‬
‫اإلدارة األقاليم الرومانية خارج إيطاليا‬
‫أما اإلدارة خارج إيطاليا فكانت نظاما ً معقدا ً في االمبراطورية الرومانية‪ ،‬فقد كانت االقاليم تقسم بين‬
‫تلك التي تخضع للحكم المباشر من قبل مرشحي االمبراطور‪ ،‬وتلك التي تحكم من قبل مجلس الشيوخ‪،‬‬
‫وتكمن الفكرة في ان االقاليم وهي مناطق امبراطورية في حالة خطر نتيجة لثورة داخلية أو خطر‬
‫األعداء في الخارج‪ ،‬والبد من الحضور الدائم للفيالق العسكرية (‪ ،)35‬ومن المفترض ان تكون تلك‬
‫االقاليم مسالمة وخالية من االضطرابات وبعيدة عن الخطر‪ ،‬ومن جهة اخرى (ماعدا حالة افريقيا فلم‬
‫تكن هناك فيالق تتحشد هناك) من المفترض هذا النظام مرن حيث كان بإمكان االقاليم أن تتكيف مع‬
‫الظروف وبسرعة وبشكل جيد (‪.)36‬‬
‫عند الحديث عن االقاليم التي تحكم بشكل مباشر فأن اختيار الحاكم يتم سنويا من قبل ممثلي مجلس‬
‫الشيوخ‪ ،‬حيث يقومون بتقييم الشؤون المالية من خالل منصب القسطور(‪ ،)37( )quaestor‬كما يدير‬
‫حكام األقاليم الجانب اإلداري من قبل مجلس تشريعي يختارونه من بين أقاربهم‪ ،‬ويقوم أولئك الحكام‬
‫بقيادة الجيوش بأنفسهم في عهد اوغسطس‪ ،‬ولكن حددت هذه المهام في عهد تيبيريوس (‪،)Tiberius‬‬
‫وبذلك أصبح الشؤون العسكرية لجميع الحكام تسير وفق اوامر االمبراطور‪ ،‬وكان الفرق بين االقاليم‬

‫)‪ (33‬كان تيتوس فريوس كليمنس فارس روماني وعضو مجلس الشيوخ عمل كموظف حكومي في محافظات بلجيكا‬
‫واثنين من المحافظات الجرمانية (ألمانيا)‪ ،‬وراتيا (‪ ،)Rätia‬وموريطانيا القيصرية‪ ،‬وسيتانيا وكيليكيا (قيليقيا)‪ ،‬وأخيرا‬
‫تم تعيينه وزير إمبراطوري ‪:‬‬
‫‪Birley, Anthony R:”Marcus Aurelius A Biography” Rev. ed. London: Batsford, Cambridge‬‬
‫‪University Press, 1987. p.159.‬‬
‫)‪ (34‬اوريليوس بمبيروس ديونيسيوس (؟‪ )190-‬م كان قاضي روماني وهو من أصل الفرسان ويمارس العديد من‬
‫القضايا القانونية في مهنته ‪ ،‬تولى العديد من المناصب اإلدارية منها مستشار قانوني ‪ ،‬وإدارة البالط االمبراطوري‬
‫وإدارة مدينة روما ومحافظ مدينة اإلسكندرية في مصر (‪: )Praefectus Alexandreae et Aegypti‬‬
‫‪Inge Mennen : “Power and Status in the Roman Empire, AD 193-284” Koninklijke Brill‬‬
‫‪NV, Leiden, 2011. p. 151‬‬
‫;‪(35) Dio Cassius: (1927) . 55.26. 53.12‬‬
‫‪(36) Strabo, “The Geography of Strabo” of the Loeb Classical Library edition,‬‬
‫‪1923, 3.4.19; 17.3.25‬‬
‫)‪ (37‬القسطور ‪ :‬موظف روماني مارس مختلف الوظائف في عهد الملكي يتم تعين القسطور للتحقيق في جرائم القتل‬
‫‪ ،‬وفي عهد الجمهورية يمارس االشراف على خزينة الدولة ‪ ،‬وفي عهد اإلمبراطورية مهمته قيادة المجلس االمبراطوري‬
‫والرد على االلتماسات المواطنين ‪:‬‬
‫‪William Smith: “Salii". Dictionary of Greek and Roman Antiquities” . John Murray,‬‬
‫‪London, 1875. Retrieved 2012. Pp. 8-12‬‬
‫‪12‬‬
‫كبيرا (‪ ،)38‬وبإمكان االمبراطور التدخل في شؤون االقاليم المحكومة من خالل تعيين مجلس تشريعي‬
‫امبراطوري بدالً من الحاكم الطاغية أو ارسال وزير مفوض من قبله الذي يخبر حاكم االقليم ما هو‬
‫المطلوب منه(‪ ،)39‬وكانت االقاليم االمبراطورية تقسم بشكل ثانوي الى ثالث اقسام‪:‬‬
‫(‪)40‬‬
‫(‪ )1‬القنصل الحاكم‬
‫(‪ )2‬الحارس االمبراطوري‬
‫(‪ )3‬الفارس االمبراطوري (ممثل االمبراطور يتنقل على ظهر الجواد)‬
‫هذا النظام تنازلي من حيث األهمية‪ ،‬فقد كان القنصل والحارس االمبراطوري تحت اشراف مجلس‬
‫الشيوخ حيث يقدمون المساعدة لهم في االمور المالية‪ ،‬وكان منصب الفارس أسفل (الهرم) وهو ممثل‬
‫االمبراطور يتنقل بين األقاليم على ظهر جواد‪ ،‬وكان عددهم في عهد نيرون (‪ )10‬فرسان بينما في‬
‫عهد ماركوس اوريليوس كان عددهم (‪ )5‬فقط‪ ،‬وتحت حكم ماركوس ايضاً‪ ،‬وألسباب غير معلنة‪،‬‬
‫ولكن من الواضح انه اعتبرها مصدر خطر يهدد االمن واالستقرار‪ ،‬حيث اصبحت بيثينيا (‪)Bithynia‬‬
‫(مقاطعة رومانية تقع شمال غرب اسيا الصغرى تركيا)‪ ،‬والية امبراطورية‪ ،‬وظلت كذلك بدون اي‬
‫مبادلة أو تعويض لمجلس الشيوخ(‪.)41‬‬
‫يمكن رسم صورة عن الوضع االداري لإلمبراطورية الرومانية تحت حكم ماركوس اوريليوس‪،‬‬
‫كانت صقلية والية تحكم من قبل قنصل‪ ،‬بينما جزيرتي كورسيكا وسردينيا الكبيرتين وتقعان في غرب‬
‫البحر المتوسط فكانتا تحت إدارة الفارس االمبراطوري‪ ،‬وتم تقسيم اسبانيا إلى ثالثة اقاليم‪ ،‬ومن بين‬
‫تلك االقاليم كانت بايتيكا (‪( )Baetica‬حاليا منطقة االندلس)‪ ،‬تخضع لحكم مجلس الشيوخ ‪ ،‬بينما كان‬
‫االقليمين االخرين وهما تاراكونا (‪( )Tarracona‬حاليا منطقة كاتلونيا)‪ ،‬ولوسيتانيا (‪)Lusitania‬‬
‫(حاليا البرتغال) اقليمين امبراطوريين(وكانت تراكونا قنصلية بينما كانت لوسيتانيا تحكم من قبل‬
‫الحرس االمبراطوري)‪ ،‬وكان هناك فيلق واحد يتواجد بشكل دائمي في شبه جزيرة ايبيريا(‪ ،)42‬أما بالد‬
‫الغال (‪ )43( )Gaul‬فهو اقليم واحدا ً يحكم من قبل مجلس الشيوخ وهي ناربونيا (‪( )Narbonia‬حاليا‬
‫جنوب فرنسا) مع (‪ )3‬اقاليم تحت إدارة حرس االمبراطوري‪ ،‬وهي اكويتانيا (‪( )Aquitania‬حاليا‬
‫جنوب غرب فرنسا) ‪ ،‬وبلجيكا (‪( )Behgica‬حاليا بلجيكا) ‪ ،‬ولجونوم (‪( )Ludgunum‬حاليا ليون‬
‫في فرنسا)‪ ،‬أما اهمية بريطانيا فكانت تكمن في وضعها كأقاليم امبراطوري يحكمه قنصل تحت أمرته‬

‫‪(38) Campbell, Brian:” The Emperor and the Roman Army (31 B.C.-A.D. 235)” Oxford.‬‬
‫‪1984. Pp.348–52.‬‬
‫‪(39) Dio Cassius: (1927) . 53.15.4.‬‬
‫)‪ (40‬اعتبر القنصل موظف سياسي عالي المستوى في الجمهورية الرومانية بينما في العهد االمبراطوري أصبح مجرد‬
‫ممثل رمزي مع قوة وسلطة محدودة ‪ ،‬واغلبهم من الطبقة األرستقراطية ويعادل منصب المحافظ في المناطق الحضرية‬
‫وفي كثير من األحيان يتم تعينهم من قبل االمبراطور من اقاربه وأصدقائه‪:‬‬
‫‪Bury, John Bagnel: “A History of the Roman Empire from its Foundation to the Death of‬‬
‫‪Marcus Aurelius” 1893. p. 29‬‬
‫‪(41) Werner Eck:”Empire, Senate and Magistracies”, Cambridge Ancient History 11,‬‬
‫‪Second edition. Cambridge University Press, 2000. p.225.‬‬
‫‪(42) Keay, Simon J:”Roman Spain. Conquest and Assimilation”: British Museum‬‬
‫‪Publications. London. 1991‬‬
‫)‪ (43‬بالد الغال(‪ )Gallia‬وتشمل فرنسا وبلجيكا ولوكسمبورغ وسويسرا وجزء من هولندا ‪ ،‬فهي تشمل غرب اوربا ‪،‬‬
‫واستوطنت من قبل القبائل الكلتية (‪ )Celtic‬في عهد الدولة الرومانية‪.‬‬
‫‪13‬‬
‫امرته ثالثة افواج(‪ ،)44‬وتم تقسيم شمال افريقيا إلى ثالث أقاليم وهم إقليم نوميديا (‪( )Numidia‬تشمل‬
‫الجزائر وجزء من تونس وليبيا) تحت إدارة القنصل‪ ،‬واالقليمين االخرين ادارتها من قبل الفرسان‬
‫االمبراطورية وهما موريتانيا الطنجية (‪( )Maurerania Tingitana‬القسم الشمالي من المغرب) ‪،‬‬
‫وموريتانيا (القيصرية) كايسيريانا (‪( )Mauretania Caesariana‬تشمل منطقة شرق المغرب‬
‫وغرب الجزائر عاصمتها شرشال)‪ ،‬وقد وجد فيلق واحد وهو كافي لصد اعتداء قبائل البدوية في‬
‫الصحراء االفريقية (‪.)45‬‬
‫كانت مصر اقليما ً امبراطوريا ً اخر‪ ،‬يدار من قبل فارس ذو رتبة عالية وهو حاكم مصر‪ ،‬مع فيلق‬
‫تحت تصرفه‪ ،‬وكانت قورينائي (‪( )Cyranaica‬منطقة برقة في ليبيا) (وبضمنها كريت ‪ )Grete‬اقليما ً‬
‫تحت إدارة مجلس الشيوخ‪ ،‬ولكن جزيرة العرب‪ ،‬وهو اقليم جديد فقد كان تحت اشراف الحرس‬
‫االمبراطوري وفيه فيلق واحد‪ ،‬كما تركزت الفيالق في المانيا ومنطقة الدانوب في كل من جيرمانيا‬
‫(‪( )Germania‬تشمل جنوب غرب المانيا ومنطقة االلزاس في فرنسا وغرب سويسرا) العليا والسفلى‬
‫اقاليم يديره قنصل مع فيلق لكل منها‪ ،‬واعتبرت جبال االلب منطقة آمنة‪ ،‬حيث قسمت الى (‪ )6‬اقاليم‬
‫بإدارة فرسان االمبراطورية وهي‪ :‬نوريكا (‪( )Norica‬النمسا وجزء من سلوفينيا)‪ ،‬رايتيا (‪)Raetia‬‬
‫(شرق ووسط سويسرا بمعنى أعالي الراين)‪ ،‬وبو االلب (‪( )Po Alps‬تشمل منطقة شمال ايطاليا من‬
‫نهر البو وإلى جبال االلب) ‪ ،‬واقليم االلب ماريتامي (‪( )Alpes Maritimae‬منطقة االلب بين فرنسا‬
‫وإيطاليا) ‪ ،‬وكوتياي االلب (‪( )Alpes Cottiae‬بين فرنسا وإيطاليا) ‪ ،‬وبوينيناي االلب ( ‪Alpes‬‬
‫‪( )Poenninae‬غرب جبال االلب بين إيطاليا وفرنسا) (‪.)46‬‬
‫أما على طول نهر الدانوب هناك (‪ )8‬اقاليم امبراطورية‪ :‬اثنان من رتب الفرسان في داكيا السفلى‬
‫(‪( )Dacia‬شرق وجنوب شرق ترانسلفانيا حاليا رومانيا)‪ ،‬و(‪ )2‬من الرتب الحرس االمبراطوري‬
‫(في داكيا العليا وبانونيا العليا (‪()Pannonia‬شمال وشرق نهر الدانوب)(‪ ،)47‬مع فيلق لكل اقليم‪ ،‬بينما‬
‫(‪ )4‬منها وهي (دالماتيا (‪( )Dalmatia‬الساحل الشرقي لبحر االدرياتيك) ‪ ،‬وبانونيا العليا‪ ،‬وموسيا‬
‫(‪( )Moesia‬في إقليم البلقان)‪ ،‬السفلى وموسيا العليا) اقاليم ذات رتب قنصلية‪ ،‬واحتوت موسيا العليا‬
‫على فيلقين‪ ،‬وبانونيا العليا على ثالث فيالق‪ ،‬بينما تشاركت كل من دالماتيا وموسيا السفلى ثالث فيالق‪،‬‬
‫وكانت كل من جزيرة قبرص واليونان ومقدونيا اقاليم بإدارة مجلس الشيوخ‪ ،‬بينما كانت ثرايس (تراقيا)‬
‫(‪( )Thrace‬جنوب شرق منطقة البلقان)‪ ،‬اقليما ً امبراطوريا ً بإدارة الحرس االمبراطوري ‪ ،‬اما سوريا‬
‫وفلسطين (التي تسمى رسميا جوديا أو يهودا) فهما اقليم امبراطوري يديره قنصل فيهما فيلقين(‪)48‬الن‬
‫سوريا كانت تواجه الدولة الفرثية مباشرة لذا وجد فيها ثالث فيالق‪ ،‬كما وجد في إقليم كبدوكيا‬

‫‪(44) Todd, Malcolm: “Roman Britain 55 BC–AD 400” Ancient History R 30 TOD; History‬‬
‫‪26 , London. 1997‬‬
‫‪(45) Lennox Manton: “ Roman North Africa” Ancient Civilizations , Batsford Ltd 1988‬‬
‫‪(46) Scott, Sarah, and Jane Webster, eds :”Roman Imperialism and Provincial Art”.‬‬
‫‪Cambridge: Cambridge University Press, 2003// King, Anthony. :”Roman Gaul and‬‬
‫‪Germany”. Berkeley: University of California Press, 1990.// Matthew Bunson:” A‬‬
‫‪Dictionary of the Roman Empire” Oxford University Press . First edition. Oxford .1995.‬‬
‫‪p. 100‬‬
‫‪(47) L’Année Épigraphique. Rapport Libyca, 4: Paris. 1956, p. 123‬‬
‫‪(48) Sartre, Maurice : “D’Alexandre à Zénobie”. Histoire du Levant antique, IVe siècle av.‬‬
‫‪J.-C.-IIIe siècle ap. J.-C., Paris, Fayard, 2001, p.606.‬‬
‫‪14‬‬
‫(‪( )Cappadocia‬منطقة قيصري في وسط تركيا) فيلقين‪ ،‬وكان ذلك طبيعيا ً في منطقة ذات خطر‬
‫كبير بسبب التهديدات الفرثية‪ ،‬لذا فهو اقليم بإدارة قنصل‪ ،‬وكانت كل من غاالطيا (‪( )Galatia‬وسط‬
‫تركيا) ‪ ،‬وقيليقيا (‪( )Cilicia‬الساحل الجنوبي لتركيا على البحر المتوسط)‪ ،‬اقاليم تحت اشراف وإدارة‬
‫الحرس االمبراطوري (‪ ،)49‬وكان في االناضول خمسة اقاليم‪ ،‬اثنين منها كانت بحكام (وهي اسيا‬
‫(‪( )Asia‬في غرب تركيا) وليسيا (‪( )Lycia‬اقليم انطاليا التركية) بامفيليا (‪( )Pamphylia‬تقع بين‬
‫إقليم ليسيا وقيليقيا حاليا ضمن إقليم انطاليا) وكانت تلك االقاليم مسيطر عليها بقوة من قبل االمبراطور‬
‫بواسطة مجموعة توجيهات تم ارسالها من قبل ماركوس إلى حكام تلك المناطق(‪.)50‬‬
‫يعتبر ماركوس اوريليوس في تفكيره رجال إداريا اكثر من االمبراطور انطونيوس بيوس‪ ،‬فقد كان‬
‫لدية القدرة على زيادة فرص العمل لطبقة الفرسان االمبراطورية بدون ان يشعر مجلس الشيوخ‬
‫بالغيرة‪ ،‬وكان هناك رجال من طبقة ليست من مجلس الشيوخ موجودون في عدد من المراكز الرئيسية‬
‫مثل قائد مصر (كان من طبقة الفرسان العليا) وكان قائد الحرس االمبراطوري وهو المنصب الثاني‬
‫الرفيع (‪ ،)51‬وكان هناك قائدان تم تعينهم من اجل عدم توقف امدادات الحبوب من مصر إلى روما‪،‬‬
‫ويوجد لواء خاص للمطافئ في روما‪ ،‬ونواب إلدارة ثكنات المصارعة واالبنية العامة وامدادات الماء‪،‬‬
‫واداريين يختصون في تدوين الضرائب‪ ،‬اضافة الى انظمة النقل (‪ ،)52‬وعلى الرغم من ان مجلس‬
‫الشيوخ مازال مسؤوالً نظريا ً عن حكم ايطاليا‪ ،‬فقد قام ماركوس بتعيين قضاته من الفرسان ممن‬
‫يعيشون في روما او ما جاورها (‪ .)53‬وهناك منصب آخر من مرتبة الفرسان يهتم في الشؤون المالية‬
‫االمبراطورية (‪.)54‬‬

‫‪(49) Mitchell, Stephen: “Anatolia”. Volume 1. University Press, Oxford. 1993. p. 29‬‬
‫‪)50( Digest :Theodore Mommsen and P. Krueger (eds), Justinian’s Digest of Roman Law,‬‬
‫‪trans. A. Watron, 4 vols .Philadelphia 1985. 50.2.3.2; 48.18.1.27; 2.14.60; 1.18.14; 25.4.1.‬‬
‫)‪ (51‬اجتمع عدد كبير من قادة الحرس االمبراطوري (‪ )Praetorian‬الوفيات المفاجئة والعنيفة‪ .‬أنها واحدة من أوضح‬
‫عالمات االستقرار النسبي للنظام اإلمبراطوري في منتصف الفترة التي يتم تسجيلها ال شيء على أنها حدث بين عام‬
‫(‪ )97‬ميالدي وعهد كومودوس‪:‬‬
‫‪Fergus Millar: “The Emperor in the Roman World 31 BC-AD 337” Ithaca, N.Y. Cornell‬‬
‫‪University Press, London: Duckworth. 1977 .p.126‬‬
‫‪(52) Werner Eck: “The Growth of Administrative Posts”, Cambridge Ancient History.‬‬
‫‪Second edition. Cambridge University Press, 2000, pp.240–1‬‬
‫‪(53) Schwendemann, Joseph: ” Der historische Wert der Vita Marci bei den scriptores‬‬
‫‪Historiae Augustae” Heidelberg 1923, Pp.28–51// Williams, Wynne W: “Individuality in‬‬
‫‪the Imperial Constitution: Hadrian and the Antonines”, The Journal of Roman Studies 66‬‬
‫‪: 1976, Pp.67–83‬‬
‫‪(54) Pflaum, Hans-Georg: “ Les carrières procuratoriennes équestres sous le Haut Empire‬‬
‫‪romain “ . Lybica III: Paris. 1950, Pp.1019–1020‬‬
‫‪15‬‬
‫‪-3‬تنظيم الجيش الروماني في عهد ماركوس‬
‫مقدمة‬
‫اشتهر الرومان بقدراتهم العسكرية التي اكتسبت خالل حروبهم الطويلة ضد قرطاج أو ما تعرف‬
‫(‪)55‬‬
‫بالحروب البونية ‪ ،‬والعمليات العسكرية في اسبانيا ضد القبائل المنتشرة جنوب نهر ايبرو(‪)Ebro‬‬
‫‪ ،‬والقضاء على القبائل النوميدية في شمال افريقيا‪ ،‬وأجريت تغيرات كثيرة في التنظيمات العسكرية‬
‫التي شرعها القنصل ماريوس فالمشاة يحملون حربة ودرع وسيف قصير‪ ،‬كما انحلت الوحدات‬
‫الصغيرة لتحل محلها الكتيبة وكل عشرة كتائب تؤلف فرقة (‪ )Legio‬وهي فرقة هجوم مؤلفة من‬
‫المشاة المحاربين‪ ،‬وكان الجندي يحمل معدات وزنها ثمانون رطال فوق ظهره ويسير (‪ )40‬ميال يوميا‬
‫فكان له الحق ان يدعو نفسه (بغل ماريوس) (‪ ،)Mulus Marianus‬وأصبحت مدة الخدمة (‪)16‬‬
‫عاما‪ ،‬كما واصبح والء الجندي لقادته في المعركة ‪.‬‬
‫بقيت تلك تشكيالت وصنوف الجيش كما هي إلى القرن الثاني الميالدي‪ ،‬فقد اثبتت نجاحها أمام‬
‫الجيش الفرثي‪ ،‬وتمكن االباطرة من الوصول إلى طيسفون (المدائن) وسلوقيا (تل عمر) ومنها حملة‬
‫القنصل كراسوس على فرثيا عام (‪ )53‬ق‪.‬م (‪ ،)56‬وحملة القائد انطونيوس على الفرثيين سنة (‪)36‬‬
‫ق‪.‬م (‪ ،)57‬وحملة تراجان على بالد الرافدين ووصوله إلى الخليج العربي عام (‪ )114‬م (‪ ،)58‬وحملة‬
‫ماركوس اوريليوس عبر الفرات عام (‪ )162‬م (‪ ،)59‬ويمكن ان نوضح بعض التشكيالت المتعارف‬
‫عليها في القرن الثاني الميالدي وهي‪:‬‬
‫‪ -1‬الجحفل (‪ : )Legions‬يتألف هذا التشكيل من (‪ )5000‬من المشاة الثقيلة الذين تم تجنيدهم من المواطنين‬
‫الرومان ويخدمون اكثر من (‪ )10‬سنوات ‪.‬‬
‫‪ -2‬اوكسيليا (‪ : )Auxilia‬تتألف من أفواج‪ ،‬وكل فوج (‪ )500‬جندي‪ ،‬وكل عشرة أفواج وتعادل جحفل‬
‫واحد‪ ،‬ويتم تجنيدهم من المواطنين في إيطاليا ممن ال يحملون التبعية الرومانية واغلبهم مشاة خفيفة‬
‫ورماة‪.‬‬
‫‪ -3‬نوميري (‪ )Numeri‬وهم الحلفاء او (البرابرة الغير متحضرين حسب المفهوم الروماني) أو‬
‫(المرتزقة) من سكان شمال افريقيا وسهول الراين ومجهزين بطريقة تقليدية وال توجد ارقام واضحة‬
‫لعددهم (‪. )60‬‬

‫)‪ (55‬أحد انهار شبه جزيرة االيبيرية ويعتبر ثاني أطول نهر في اسبانيا بعد نهر تاغوس‪ ،‬ينبع نهر ايبرو من إقليم‬
‫بورغوس (‪ )Burgos‬ويتجه باتجاه الشرق ضمن ارض قوامها صخور كلسية ويصب في البحر المتوسط ‪.‬‬
‫)‪ (56‬اشتهر في هذه المعركة طريقة القتال من على ظهور الخيول الفرثية حيث كان الفارس الفرثي يرمي السهام وهو‬
‫في حالة الجري فأطلق عليه الرومان اسم (السهم القاتل) أو (السهم البارثي) ‪.‬‬
‫‪Chirshman, Roman: “Iran “London. 1954. p. 254‬‬
‫‪(57)Plutarch,Antonius, Lives, by bernadotte perrin lonbon,Willam heinemann ltd‬‬
‫‪Cambridge, massachusetts Harvard university press . p. 49‬‬
‫)‪ (58‬نجم عبد هللا محمد عبد مغامس‪ :‬أحوال العراق إبان االحتالل الفرثي (‪-126‬ق‪.‬م – ‪ 226‬م) أطروحة دكتوراه كلية‬
‫اآلداب ‪ ،‬جامعة الموصل ‪ ،‬غير منشورة‪ ،‬الموصل‪ ، 2011 ،‬ص ‪ //43‬واثق إسماعيل الصالحي‪ :‬أحداث من تاريخ‬
‫مدينة الحضر‪ ،‬مجلة بين النهرين‪ ،‬العددان ‪ ،74-73‬موصل ‪ ،1991 ،‬ص ‪23‬‬
‫‪(59) Freya Stark: “Rome on the Euphrates “London. 1966. (1966) .p. 236‬‬
‫‪(60) Goldsworthy, Adrian: “Roman Warfare” Cassell. London. 2000. p. 90‬‬
‫‪16‬‬
‫توزيع الفيالق والتشكيالت العسكرية الرومانية في عهد ماركوس‬
‫في السنوات االربعة التي غابها لويسوس فيروس في الشرق‪ ،‬لم يكن بإمكان ماركوس قضاء‬
‫العطلة في مدينة آلسيوم الن مشاكل االمبراطورية ال تنتهي فقد كانت من أولى اهتماماته إدارة مناطق‬
‫االمبراطورية النائية‪ ،‬ومن الناحية العسكرية كان االباطرة حذرين من تواجد االعداد الكبيرة من القوات‬
‫العسكرية الرومانية في مكان واحد‪ ،‬فقد يؤدي هذا إلى انقالب عسكري هم في غنى عنه‪ ،‬وكانت حماية‬
‫شخصية االمبراطور ماركوس في روما مؤمنة من خالل وجود (‪ )3‬افواج من الشرطة (تعادل الشرطة‬
‫الحالية) في روما القديمة‪ ،‬وهناك (‪ )9‬افواج من الحرس االمبراطوري الروماني‪ ،‬ويساعدهم في ذلك‬
‫(‪ )7‬افواج من الشرطة فيكيلز (‪ )vigils‬للحراسة الليلية (‪ ،)61‬وكان عمل افواج الشرطة باعتباره خط‬
‫الدفاع االول في حفظ القانون والنظام‪ ،‬بينما كان الحرس االمبراطوري يتعامل مع الثورات الخطيرة‬
‫في شمال افريقيا والراين ومصر وبالد الشام‪ ،‬ويعتبر الحرس االمبراطوري هم الحرس الشخصي‬
‫لإلمبراطور وعائلته‪ ،‬كما ويتم توظيف جيش مؤقت خالل اوقات االضطرابات (‪.)62‬‬
‫ان تقسيم المسؤوليات بين افواج الشرطة والحرس االمبراطوري كان معقداً‪ ،‬وسبب هذا التعقيد تعود‬
‫إلى اعتبارات طبقية‪ ،‬ألن الحرس االمبراطوري اغلبهم من الفرسان بينما كانت االفواج الشرطة من‬
‫مجلس الشيوخ (‪ ،)senator‬وكان أعضاء مجلس الشيوخ يشعرون بالمساواة مع االمبراطور‪ ،‬فلم يكن‬
‫بإمكانهم خدمته كحراس شخصيين أو كتابعين له‪ ،‬وقد أدى الحرس االمبراطوري دورا ً سياسيا ً في‬
‫السنوات االستثنائية (‪ )69-68‬م وسنة (‪ )193‬م (‪ ،)63‬وكان الحراس الليليين من الفرسان التابعين إلى‬
‫االفواج الشرطة‪ ،‬فقد تم تجنيدهم من الرجال االحرار وطبقة العمال (‪ ،)64‬وكل فوج يتكون من (‪)500‬‬
‫رجل قوي‪ ،‬وقد حددت مدة الخدمة للحرس االمبراطوري (‪ )16‬سنة‪ ،‬بينما بلغت سنوات الخدمة في‬
‫افواج الشرطة والحراس الليليين (‪ )25‬سنة‪ ،‬وكانت هناك امتيازات لمن يخدم في الحرس االمبراطوري‬
‫الروماني فهم يستلمون رواتب اعلى بكثير من الفيالق االعتيادية‪ ،‬ومكانتهم االجتماعية اعلى وتنحصر‬
‫خدمتهم في ايطاليا فقط‪ ،‬كما ويستلمون الحبوب مجانا‪ ،‬ولهذا السبب كان االيطاليون يفضلون االنضمام‬
‫إلى الحرس االمبراطوري في حالة ايقاف تجنيدهم في الفيالق االخرى(‪.)65‬‬

‫)‪ (61‬فيكيلز ‪ :‬وهي الشرطة الليلية واصل الكلمة التيني‪ ،‬وفيجيالي (‪ )vigiliae‬تعني حراس مهمتهم الحراسة‬
‫حيث تقسم ساعات الليل من الساعة السادسة مساءا والى السادسة صباحا‪ ،‬بمعنى ثالث ساعات في أربعة وجبات‬
‫حراسة ‪ ،‬عموما هم حرس ليلي فقط ‪:‬‬
‫‪Tacitus, Cornelius: “The Annals” trans. by Alfred John Church and William Jackson‬‬
‫‪Brodribb , The University of Adelaide Library. South Australia. 2014. 4.5‬‬
‫‪(62) Tacitus, Cornelius: “The Annals” trans. by Alfred John Church and William Jackson‬‬
‫‪Brodribb , The University of Adelaide Library. South Australia. 2014. 13.18.‬‬
‫‪(63) Dio Cassius: “Roman History”, published in Vol. IX of the Loeb Classical Library‬‬
‫‪edition, 1927. 79.14‬‬
‫”‪(64) Dio Cassius: (1927) 55.26. // Keppie, Lawrence: “The Making of the Roman Army‬‬
‫‪1984, p.188.‬‬
‫‪(65) Keppie, Lawrence: “The Making of the Roman Army” 1984, p.188‬‬
‫‪17‬‬
‫شكل ‪ :4‬مشهد من عمود ماركوس اوريليوس الذي يعود الى القرن الثاني يصور مسيرة الفيلق‬
‫الروماني في الحروب الماركونية‬
‫تنظيم الجيش‬
‫كان من أولى اهتمامه للجيش هي زيادة الرواتب للعسكريين لضمان والئهم لروما‪ ،‬فقد ازدادت‬
‫رواتب النواب الفرسان لتصل إلى (‪ )300,000‬سيستيرسيس سنويا ً (‪ )66‬بمعنى ازدادت بنسبة ‪%50‬‬
‫منذ عهد االمبراطور كالوديوس (‪)54-41‬م ‪ ،‬وظهرت ايضا ً مرتبة من الفرسان مساوية لمرتبة‬
‫السيناتور(عضو مجلس الشيوخ)‪ ،‬واخيرا ً فقد رفع ماركوس الجنود الموهوبين من طبقته ومن بينهم‬
‫بعض االسماء المشهورة في نهاية القرن الثاني إلى رتبة قادة فيالق ومنهم بوليبيوس هليفيوس بيرتيناكس‬
‫( ‪ ،)67( ) Publius Helvius Pertinax‬وسيبتيميوس سيفيروس (‪،)68( )Septimius Severus‬‬

‫‪(66) Werner Eck: “Administrative Posts”, Cambridge Ancient History 11: Second edition.‬‬
‫‪Cambridge University Press, 2000, Pp.242–4.‬‬
‫)‪ (67‬بوبليوس هلفيوس بيرتيناكس (‪ )193-126‬م ابن احد العبيد المحررين‪ ،‬وكان يعمل في األصل كمدرس قبل أن‬
‫يصبح ضابطا في الجيش‪ ،‬وخاض الحرب ضد الفرثيين عام (‪ )160‬م‪ ،‬وحقق نجاحا كبيرا رفعه لعدة مناصب عليا في‬
‫المجالين العسكري والسياسي‪ ،‬فقد عين حاكم مقاطعة‪ ،‬ثم عضوا في مجلس الشيوخ ‪ ،‬وفي عام (‪ )193‬م اختير خلفا‬
‫لكومود وس بعد اغتياله‪ ،‬وكان اول امبراطور خالل السنة المضطربة من االباطرة الخمسة ولم يحقق شعبية في نفوس‬
‫اهل روما فقد شرع في سلسلة من التخفيضات مما أدى إلى عدم شعبيته عند عامة الناس ولهذا اغتيل من قبل الحرس‬
‫االمبراطوري بعد أن حكم ثالثة اشهر ‪:‬‬
‫‪Edward Pococke, and Thomas Arnold and James Amiraux, “History of the Roman Empire‬‬
‫‪from the time of Vespasian to the Extinction of the Western Empire” John Joseph‬‬
‫‪Griffin.1853. p. 158‬‬
‫)‪ (68‬سيبتيموس سيفيروس (‪ )211-145‬م أصبح امبراطور روما عام ‪ 193‬واطلق عليه االمبراطور األسمر ألنه من‬
‫مدينة ليبتيس ماجنا (مدينة لبدة في ليبيا) استولى على السلطة بعد مقتل االمبراطور بيرتيناكس ‪:‬‬
‫‪Birley, Anthony R:”The African Emperor” London. Batsford, 1999. p. 113.‬‬
‫‪18‬‬
‫وفيسبرونيوس كانديدوس (‪ ،)69( )Vespronius Candidus‬وتبيريوس كالوديوس كانديدوس‬
‫(‪ ،)70( )Tiberius Claudius Candidus‬واولبيوس مارسيلوس (‪،)71( )Ulpius Marcellus‬‬
‫وماركوس فاليريوس ماكسيميانيوس( ‪ )72()Marcus Valerius Maximianus‬ان ظهور طبقة‬
‫الفرسان كان إلى حد كبير مسألة نمو ديموغرافي بسيط‪ ،‬الن النظام مجلس الشيوخ القديم كان قد فشل‬
‫في تزويد الدولة باألبناء واالحفاد المؤهلين للخدمة العسكرية‪ ،‬وبالمقابل فأن كل جيل من الموظفين‬
‫الفرسان كانوا يجندون من العوائل الجديدة المحلية البعيدة عن روما‪ ،‬وكانت النتيجة الذي كان ايطاليا ً‬
‫بالكامل في بداية ساللة فالفيان (‪ ،)73( )Vlavian‬اصبح نصفهم من االيطاليين في زمن ماركوس‬
‫اوريليوس(‪.)74‬‬

‫)‪ (69‬فيسبرونيوس كانديدوس ‪ :‬احتل منصب بروقنصل (‪( )proconsul‬في إقليم افريقيا (تونس الحالية) (منصب‬
‫البروقنصل الروماني‪ :‬ال يمكن للقيادة العسكرية أن تمارس مهمتها القيادية أو السلطة العسكرية إال من قبل البروقنصل)‬
‫وحتى نهاية حكم كومودوس ‪ ،‬وبناء على رغبة مواطنيه عذب المسيحين باعتبارهم أناس ال يرغبون بالسالم والتعايش‬
‫داخل اإلمبراطورية‪:‬‬
‫”‪Tertullian: “The Fathers of the Church:Apologetical Works and Minucius Felix, Octavius‬‬
‫‪Translated by Rudolph Arbesmann, the Catholic University of America Press .‬‬
‫‪Washington, Reprinted .1985. p. 157 n. 4‬‬
‫)‪ (70‬تبيريوس كالوديوس كانديدوس‪ :‬جنرال روماني خدم تحت امرة ماركوس وابنه كومودوس وكان له دور مهم‬
‫في دعم سيبتيموس سيفيروس في الحصول على منصب االمبراطور بعد اغتيال كومودوس ‪ ،‬شغل منصب قنصل عام‬
‫‪ 195‬أو ‪ 196‬م ‪ ،‬والمالحظ ان ثمانية جنراالت في جيش ماركوس ستة منهم من األقاليم التابعة وليس من روما ‪:‬‬
‫‪Paul M. M. Leunissen, :”Konsuln und Konsulare in der Zeit von Commodus bis Severus‬‬
‫‪Alexander “Amsterdam . 1989. p. 153‬‬
‫)‪ (71‬اولبيوس مارسيلوس‪ :‬كان يشغل منصب حاكم قنصلية الرومانية في بريطانيا (‪ )176‬م وعاد الى روما ليشغل‬
‫منصب جنرال وارسل في عهد كومودوس لقمع ثورة عام ‪ 180‬م في بريطانيا بعد ان اخترقت القبائل سور هادريان‬
‫وقتلهم الجنود الرومان هناك واستمرت الثورة أربعة سنوات ‪:‬‬
‫‪Brassington, M :”Ulpius Marcellus" Britannia, Vol.11 :1980. Pp. 314-315‬‬
‫)‪ (72‬ماركوس فاليريوس ماكسيميانيوس‪ :‬جنرال روماني شارك في الحروب الماركونية في عهد ماركوس اوريليوس‬
‫اصله من يوتوفيو (سلوفينيا الحالية) كما شارك في الحروب ضد المملكة الفرثية الى جانب لوسيوس فيروس كما كلف‬
‫من قبل ماركوس بضمان توفير القوات المحمولة على القوارب في نهر الدانوب ‪:‬‬
‫–‪Brian Campbell:” The Roman Army, A Sourcebook” London: Routledge, 1994. Pp. 64‬‬
‫‪65//Pflaum, Hans-Georg: “ Abrégé des procurateurs équestres” Paris 1974, p.63; Eck,‬‬
‫‪‘Administrative Posts’, p.259; Syme, RP v, p.687‬‬
‫)‪ (73‬ساللة فالفيان ‪ :‬حكمت ساللة فالفيان الرومانية بين ‪ 69‬ميالدية و ‪ 96‬ميالدية وتشمل حكم االباطرة فيسباسيان‬
‫(‪ )79-69‬وولدية تيتوس (‪ )81-79‬م و دوميتيان (‪ )96-81‬م ‪:‬‬
‫‪Jones, Brian W.; Robert Milns : “Suetonius: The Flavian Emperors: A Historical‬‬
‫‪Commentary. London: Bristol Classical Press. 2002.‬‬
‫‪(74) Hammond, Mason:”The Composition of the Senate, AD 68–235”, Journal of Roman.‬‬
‫‪Studies 47 .1957. Pp.74–81 // Campbell, Brian:” The Emperor and the Roman Army (31‬‬
‫‪B.C.-A.D. 235)” Oxford. 1984. Pp.404–408.‬‬
‫‪19‬‬
‫‪-4‬دور مجلس الشيوخ والمستشارين التابعين في عهد ماركوس‬

‫(عندما تتحدث في مجلس الشيوخ أو إلى أي فرد‪،‬‬


‫(‪)75‬‬
‫فاستخدم لغة بسيطة واضحة وكن صادقا)‬
‫كان مجلس الشيوخ في اإلمبراطورية الرومانية مؤسسة سياسية لها جذور قديمة فمن خالله يتم‬
‫انتخاب القناصل إلدارة روما واقاليمها‪ ،‬وينتخب القادة العسكرين ويمنحهم الثقة واألموال لتدمير أعداء‬
‫روما مثل قرطاج والمدن اليونانية والبرابرة‪ ،‬بالمقابل يحصل على األموال الطائلة والممتلكات والعبيد‬
‫من المناطق المستولى عليها‪ ،‬ولكن بعد سقوط الجمهورية الرومانية تحول التوازن الدستوري للسلطة‬
‫من مجلس الشيوخ الروماني إلى االمبراطور الروماني بدأ من عهد أغسطس عندما اصبح االمبراطور‬
‫ومجلس الشيوخ من الناحية السياسية على قدم المساواة في ممارسة السلطة الفعلية (‪ ،)76‬ولكن فيما بعد‬
‫انحصرت السلطة الفعلية الحقيقية في إدارة الدولة بيد االمبراطور‪ ،‬ومن ثم أصبحت العضوية في‬
‫مجلس الشيوخ لألفراد الذين يسعون للبحث عن مكانة اجتماعية وليس سلطة فعلية‪ ،‬فقد تم نقل جميع‬
‫السلطات التشريعية والقضائية من مجلس الشيوخ إلى االمبراطور الذي أصبح السلطة المطلقة بينما‬
‫تحول مجلس الشيوخ إلى وسيلة يمارس من خاللها االمبراطور سلطاته االستبدادية (‪.)77‬‬
‫في عهد يوليوس قيصر تم زيادة أعضاء المجلس إلى (‪ )900‬عضو‪ ،‬ولكن في عهد أغسطس تم‬
‫تقليص العدد إلى (‪ )600‬عضو بل وتم طرد أعضاء من مجلس الشيوخ عندما وضعت قواعد جديدة‬
‫تحدد عضوية المجلس بان يكون مواطنا حرا ولم يدان بأية جريمة وله ممتلكات تقدر (مليون)‬
‫سستيروس على األقل (‪ ،)78‬وهكذا تقلص نفوذ مجلس الشيوخ واقتصرت مهامه في عهد االمبراطور‬
‫أنطونيوس بيوس بمجموعة من الصالحيات على المقاطعات الرومانية‪ ،‬وتنظيم المهرجانات الدينية‪،‬‬
‫والتصويت على اعفاء االمبراطور من المسؤولية القانونية‪ ،‬وإدارة المعابد‪ ،‬واأللعاب الترفيهية ‪ ،‬وسن‬
‫بعض القوانين الخاصة بالضرائب بعد موافقة االمبراطور طبعا‪ ،‬وكل هذه ال تعتبر سلطة حقيقية (‪.)79‬‬
‫مجلس الشيوخ في عهد ماركوس اوريليوس‬
‫سار مجلس الشيوخ الروماني على نفس الخطى المجالس السابقة في عهود االباطرة السابقين‪ ،‬فقد‬
‫حقق المجلس رغبة ماركوس عندما ماتت زوجته فيوستينا (‪ )175‬م في قرية هالال(‪ )Halala‬ضمن‬
‫إقليم كابدوكيا (بالد االناضول) (‪ ،)80‬وكان االمبراطور في وقتها يقود احدى حمالته العسكرية في‬

‫‪(75) Marcus Aurelius: “ Meditations” Translated with Notes by Martin Hammond With an‬‬
‫‪Introduction by Diskin Clay . Published by the Penguin Group, London. 2006. p. 76‬‬
‫‪(76) Byrd, Robert:” The Senate of the Roman Republic” U.S. Government Printing Office,‬‬
‫‪Senate Document, 1995. Pp. 103-123.‬‬
‫‪(77) Talbert, Richard:” The Senate of Imperial Rome”. Princeton, New Jersey: Princeton‬‬
‫‪University Press, 1984. Pp. 2-9‬‬
‫‪(78) Ibid: Pp. 37-39‬‬
‫‪(79) Ibid: p. 39‬‬
‫)‪ (80‬قرية هالال(‪ : )Halala‬ربما في أوائل تموز وضع ماركوس خطة الستعادة والء المقاطعات الشرقية ترافقة قوة‬
‫عسكرية رومانية وأيضا زوجته فوستينا وفي الطريق وعند قرية تسمى هالال في إقليم كابادوكيا في تركيا ‪ ،‬توفية‬
‫فوستينا‪ .‬وقد يكون سبب وفاتها مرض النقرس أو بسبب مضاعفات حمل آخر‪ .‬وربما كانت ضعيفة أيضا بسبب رحلة‬
‫الشتاء الطويلة‪ .‬وكان متوسط العمر المتوقع في العصور القديمة منخفضا‪ ،‬وقد تحملت فوستينا حمل أربعة عشر طفال‪،‬‬
‫واصد مجلس الشيوخ قرار بعد موتها بتقديسها وغيرت اسم قرية هالال فاوستينوبوليس (‪ ، )Faustinopolis‬وقد شعر‬
‫ماركوس بالذهول كثيرا عند وفاتها‪ ،‬ومرة أخرى أخذ بمشورة معلمه الرواقي إبيكتيتوس (‪ )Epictetus‬حول وضع‬
‫‪20‬‬
‫المحافظات الشرقية فأصدر مجلس الشيوخ قرارا بتأليه زوجة ماركوس بناء على طلبه (‪ ،)81‬على‬
‫العموم بعد وفاة االمبراطور ماركوس أصبح مجلس الشيوخ مؤسسه شكلية ال عالقه لها بشؤون الدولة‬
‫بينما أصبح االباطرة اكثر عدائية ألعضاء المجلس وال يستشير االمبراطور مجلس الشيوخ كما كان‬
‫االمر متعارف عليه في عصر الجمهورية (‪. )82‬‬
‫قام ماركوس بمحاولة لتحسين أحوال أعضاء مجلس الشيوخ على أساس انهم موظفين في الدولة‬
‫الرومانية‪ ،‬ففي فترة زعامته كان (‪ )160‬منهم قد تولوا بعض المناصب االدارية‪ ،‬وهي نسبة ثلث‬
‫أعضاء مجلس الشيوخ تقريبا ً كانوا يمارسون االعمال الرسمية (‪ ،)83‬وعندما اندلعت الحرب مع فرثيا‬
‫(‪)162-161‬م كان هناك الكثير من الشكوك حول كيفية ارضاء مجلس الشيوخ‪ ،‬وعلى العموم بعد‬
‫توليهم مناصب اإلدارية أصبح أعضاء المجلس حكاما لالقاليم مثل لرايتيا (‪ )Raetia‬ونوريكوم‬
‫(‪ ،)84()Noricum‬كما شرع ماركوس بتوسيع (هيئة السيادة)‪ ،‬وبذلك أصبحت اغلب المناطق‬
‫االمبراطورية لها فرد من عائلة واحدة في مجلس الشيوخ على االقل‪ ،‬وهكذا قدمت تيانا (‪،)Tyana‬‬
‫في كبدوكيا (وسط بالد االناضول ويعتبر االقليم الشرقي لإلمبراطورية) أول عضو في مجلس الشيوخ‬
‫من الشرق وهو تبيريوس كالوديوس غورديانوس(‪،)85( )Tiberius Claudius Gordianus‬‬
‫وبالمناسبة يظهر أن استاذه فرونتو في ذلك الوقت كانت له مكانه في قلوب بعض أعضاء مجلس‬
‫الشيوخ بدليل كان يتصل بهم وخاصة ذوي األصول من شمال افريقيا‪ ،‬ولكننا ال نعرف ما هو الهدف‬
‫من تلك االتصاالت بين الطرفين (‪ ،)86‬في حين قام ماركوس بزيادة عدد المستشارين من ثمانية إلى‬
‫عشرة مبتعدا عن استشارة المجلس (‪ ،)87‬وإذا كان االمبراطور تراجان قد أجبر على كل مرشح لمنصب‬

‫ماركوس بعد وفاة زوجته (عندما تقبيل زوجتك أو طفلك‪ ،‬قل لنفسك كنت تقبل إنسانا بشريا‪ ،‬ولذلك عندما تموت فأنك‬
‫لن تكون مستاء جدا) (‪ ،)Encheiru/ion 3‬ومن الواضح أن ماركوس كان ناجحا في االستجابة لهذه النصيحة مع‬
‫اطفالة وزوجته فوستينا‪:‬‬
‫‪William O. Stephens: “Marcus Aurelius: A Guide for the Perplexed” Printed and bound in‬‬
‫‪India. 2012. p. 36‬‬
‫‪(81) Marcus Aurelius: “ Meditations… p. 132‬‬
‫‪(82) Byrd, Robert:” The Senate of the Roman Republic” U.S. Government Printing Office,‬‬
‫‪Senate Document, 1995. p. 118‬‬
‫‪(83) Werner Eck: “Emperor, Senate and Magistracies”, Cambridge Ancient History 11,‬‬
‫‪Second edition. Cambridge University Press, 2000 .p.227.‬‬
‫)‪ (84‬نوريكوم وهي االسم الالتيني لمملكة سلتيك أو اتحاد قبائل وتشمل معظم النمسا الحديثة وجزء من سلوفينيا‪:‬‬
‫‪Werner Eck: “Administrative Posts”, Cambridge Ancient History 11, Second edition.‬‬
‫‪Cambridge University Press, 2000, p.245.‬‬
‫)‪ (85‬تبيريوس كالوديوس غورديانوس (‪ )193-125‬م كان سياسي وقائد عسكري خالل القرن الثاني في‬
‫اإلمبراطورية الرومانية واحتل منصب جنرال في جيش ماركوس وبرز ت قدراته العسكرية في حروب ضد فرثيا‬
‫وماركوماني وكان عضوا في العائلة اإلمبراطورية بسبب زواجه من لوسيال ابنة ماركوس ‪:‬‬
‫‪Prosopographia Imperii Romani: s. v. Claudius, no. 973, Volume 2, (first edition). Berlin,‬‬
‫‪1897-1898.‬‬
‫‪(86) Champlin, Edward : ‘The Chronology of Fronto” , The Journal of Roman Studies‬‬
‫‪64. 1974. p.79‬‬
‫)‪ (87‬خالل فترة حكم ساللة فالفين (‪ )96-69( )Flavians‬ميالدي كانت هناك عادة ستة قناصل يتم تعينهم في السنة‪،‬‬
‫وفي عهد تراجان ستة إلى ثمانية قناصل ‪ ،‬وفي عهد هادريان ثمانية قناصل ‪ ،‬وفي فترة حكم أنطونيوس بيوس ثمانية‬
‫إلى عشرة قناصل ‪ ،‬أما في عهد ماركوس اوريليوس عدد القناصل ارتفع إلى عشرة ‪ ،‬وفي سنة ( (‪ )190‬ميالدي‬
‫وهي فترة حكم كومودوس تم تعيين أربع وعشرين قنصال في سنة ‪:‬‬
‫‪21‬‬
‫المجلس ان يقوم بنقل على االقل ثلث ثروته الشخصية إلى إيطاليا‪ ،‬وان يستثمرها في شراء عقار هناك‬
‫حتى يظهر التزامه وحبه لروما وعظمة إيطاليا‪ ،‬ولكن ماركوس قلل تلك النسبة إلى الربع فقط (‪.)88‬‬
‫على أية حال كان مجلس الشيوخ راضيا تماما ‪ ،‬واعتبر ماركوس (امبراطور جيد) فمن وجهة‬
‫نظر أعضاء المجلس فان اإلمبراطور الجيد هو الذي يحمي النظام االجتماعي ويقدم المنح للطبقة‬
‫االرستقراطية التقليدية التي تمتلك الثروة مع منح االمتيازات لهم‪ ،‬ألن الطبقة األرستقراطية الرومانية‬
‫يرفضون اي مساوات مع الطبقات االخرى(‪ ،)89‬وحتى اعتبروا عدم المساواة كمسلمات وانها جزء‬
‫من النظام الطبيعي للكون‪ ،‬وقد ناقش الرومان مسألة عدم المساواة‪ ،‬ولكن المجلس اعتبر بان المساواة‬
‫تقوم بتدمير الطبقات االجتماعية التقليدية وحتى ميراثهم‪ ،‬ومن الطبيعي ليس هناك من يؤيد المساواة‪،‬‬
‫وقد تجاهلوا وجود (‪ ،)90()petitio principii‬وكان ماركوس اوريليوس الذي عرف بانه يحمل أفكارا‬
‫فلسفية فأنه يؤيد مبدا المحافظة على وجود الطبقات في المجتمع الروماني‪ ،‬فقد وقف إلى جانب مجلس‬
‫الشيوخ‪ ،‬وبين في وجهة نظره بان مشاكل االمبراطورية تتطلب من الناس ذوي المواهب اإلدارية‬
‫العمل بجدية‪ ،‬وكان عليه تعيين موظفين يمتلكون حسن اإلدارة‪ ،‬فقد رشح رجالً يدعى دوميتيوس‬
‫مارسيانوس (‪ ،)91( )Domitius Marsianus‬لمنصب نائب فارس في منطقة غاليا (‪،)Gallia‬‬
‫وبراتب قدره (‪ )200‬الف سيستيرسيس‪ ،‬وعلق ماركوس ان ما يحتاجه هو رجل ذو شخصية قوية‪،‬‬
‫وصاحب ضمير وذو خبرة(‪ .)92‬وهذا دليل على ان االمبراطور كان محتارا ً بين التقاليد القديمة في‬
‫توارث المناصب وضرورة البحث عن رجل ذو خبرة في القضايا اإلدارية ويعتبر محنكا (‪.)93‬‬
‫وبال شك كان مجلس الشيوخ راضيا ً عن انطونيوس بيوس واالن راضيا ً عن ماركوس‪ ،‬وقد‬
‫طرحت عدة قضايا مختلفة حازت على اهتمام مجلس الشيوخ خالل اجتماعاته (‪ )94‬وهي‪:‬‬
‫‪ -1‬موافقة مجلس الشيوخ إلقامة التماثيل في الساحات العامة‪.‬‬

‫‪Talbert, Richard J. A: “The Senate of Imperial Rome” Princeton University Press . 1984 .‬‬
‫‪p.21‬‬
‫‪(88) Historia Augusta: “The Life of Marcus Aurelius” published in the Loeb Classical‬‬
‫‪Library, part 1: 1921. 11.8‬‬
‫‪(89) Pliny the Younger: “Letters 9.5.” Translation: William Melmoth. In Harvard Classics‬‬
‫‪series. Paul Halsall, August 1998‬‬
‫)‪ (90‬بيتيتيو برينسيبي (‪ :)petitio principia‬هو تكرار نفس الكلمات سواء في الفكرة او االستنتاج فمثال نقول صديقي‬
‫درس القانون والى اعلى مستوى وهو محامي رائع‪ ،‬ويمكن ان نقول المحامي رائع درس القانون الى اعلى مستوى‬
‫وهكذا‪.‬‬
‫)‪ (91‬دوميتيوس مارسيانوس‪ :‬ولد في بوال ريجيا (‪ )Bulla Regia‬في شمال افريقيا ‪ ،‬وهو من قبيلة كيرينا ‪ ،‬عين‬
‫نائب فارس في غاليا و في جميع أنحاء مناطق تونغري و فريسافونيس و جيرمان السفلى و باتافي‪ ،‬ميليكوم برايفكتوس‬
‫‪:‬‬
‫‪Emilio Gabba: “ Sources for Ancient History” Michael Crawford (ed.) ,Cambridge‬‬
‫‪University Press . 1983. p. 127‬‬
‫)‪ (92‬علق ماركوس‪( :‬وداعا يا مارسيانوس (‪ ، )Marsianus‬انت عزيز عندي) ‪:‬‬
‫‪Pflaum, Hans-Georg :“Une lettre de promotion de l’empereur Marc Aurèle pour un‬‬
‫‪procurateur ducenaire de Gaulle Narbonnaise” Bonner Jahrbuch 171 ,1971 , Pp.349–366‬‬
‫‪(93) Werner Eck: “Administrative Posts”, Cambridge Ancient History 11, Second edition.‬‬
‫‪Cambridge University Press, 2000. Pp.259–260‬‬
‫‪(94) Historia Augusta: “The Life of Marcus Aurelius” published in the Loeb Classical‬‬
‫‪Library, part 1: 1921. 6.6‬‬
‫‪22‬‬
‫‪ -2‬يقوم المجلس بإخبار الهيئة االستشارية حول اي معاهدة يقوم بتوقيعها (‪.)95‬‬
‫واضب ماركوس على حضور اجتماعات مجلس الشيوخ عند انعقاده في روما (‪ ،)96‬وأحيانا يترك‬
‫منتجعه في كامبانيا (‪( )Campania‬في منطقة نابولي) من اجل حضور االجتماعات‪.‬‬

‫شكل ‪ :5‬صورة خيالية لمبنى كوريا جوليا (‪( )Curia Julia‬بيت مجلس الشيوخ) في روما‪ ،‬والذي‬
‫شيد في عهد يوليوس قيصر‪ ،‬وتنعقد فيه جلسات مجلس الشيوخ الروماني‬
‫وكان في بعض األحيان يأخذ برأي االقلية واحيانا أخرى يستمع فقط إلى ما يقوله الناس‪ ،‬وكان‬
‫المواطنون يحضرون لمقابلته حتى بدون وجود طلب رسمي بالمقابلة‪ ،‬وعندما يكون غائبا ً عن روما‬
‫في اعمال تخص االمبراطورية كان يقوم بإخبار مجلس الشيوخ بذلك(‪ ،)97‬وبالمقابل كانت لديه عيون‬
‫تخبره بكل االمور التي تحدث في مجلس الشيوخ (‪ ،)98‬أو ان يقوم برفض بعض القرارات التي صوت‬
‫عليها مجلس الشيوخ (‪ ،)99‬ومع هذا كان يدافع عن فكرة سيادة مجلس الشيوخ! بل وعرف عنه ادبه‬
‫البالغ عند القاء خطاب له في المجلس ‪ ،‬وفي بعض األحيان يأخذ ماركوس باالقتراحات التي يقدمها‬

‫‪(95) Talbert, Richard J. A: “The Senate of Imperial Rome” Princeton University Press .‬‬
‫‪1984 . p.366.‬‬
‫)‪ (96‬كان التقليد السائد في روما بان يجتمع مجلس الشيوخ في مبنى كوريا جوليا (‪ )Curia Julia‬في روما القديمة‪،‬‬
‫وذلك في األول من كل شهر ‪ ،‬بحضور االمبراطور او من ينوب عنه اذا كان في حملة عسكرية‪:‬‬
‫‪Crawford, M: “ The Roman Republic”, Second Edition, Fontana history of the ancient‬‬
‫‪world " schema: Fontana Press, 1978.‬‬
‫‪(97) Historia Augusta: “The Life of Marcus Aurelius” published in the Loeb Classical‬‬
‫‪Library, part 1: 1921. 10.7–9‬‬
‫)‪ (98‬كان بإمكان االباطرة حضور االجتماع كأشخاص عاديين‪ ،‬ويمكنهم التصويت او ان يتم استدعائهم للتصويت‪،‬‬
‫وبإمكان االباطرة ايضا ً ان يعترضوا بما يملكون من منصب رئاسي‪ .‬ولهم حق التعبير عن عدم رضاهم عن تصويت‬
‫مجلس الشيوخ في حالة حضورهم‪:‬‬
‫‪John Roberts (ed.): “Oxford Dictionary of the Classical World” Oxford University Press.‬‬
‫‪Oxford. 2007‬‬
‫)‪ (99‬من الناحية الفنية‪ ،‬استمد حق النقض من قوة ( ‪ ، (potestas tribunician‬وتجيز قوة (‪ )tribunicia‬التي‬
‫يمتلكها االمبراطور والتي تتجاوز حكام األقاليم والقضاة العاديين وله حق التشريع أو ابطال حكم اإلعدام وعلى‬
‫المواطنين الطاعة‪ ،‬وهذا يعني بان لدى منصب أوغسطس صالحيات واسعة النطاق كإمبراطور‪:‬‬
‫‪Talbert, Richard J. A: “The Senate of Imperial Rome” Princeton University Press. 1984.‬‬
‫‪Pp.166–171.‬‬
‫‪23‬‬
‫مجلس الشيوخ بعكس االباطرة ممن سبقوه كانوا يتوقعون من مجلس الشيوخ موافقة روتينية على كل‬
‫ما يقدمونه من مقترحات (‪ ،)100‬وخالل فترة حكمه عندما كان يغيب عن روما كان يقوم بإرسال رسائل‬
‫او توضيحات إلى مجلس الشيوخ وخاصة حول بعض القضايا القانونية التي تحتاج إلى إيضاحات‬
‫(‪ ،)101‬وهذه اإلجراءات من لدن ماركوس هي بالتأكيد سبق وان بدأها هادريان وهو أول امبراطور‬
‫خاطب مجلس الشيوخ بخطابات والتي استشهد بها لتكون بيانات قانونية صدرت من خالل سلطاته‬
‫الشرعية‪ ،‬وبالفعل وخالل نهاية حكم ماركوس ومن خالل سلطته االمبراطورية فقد تم كبح سلطة‬
‫مرسوم مجلس الشيوخ (‪.)102()senatus consultum‬‬
‫على العموم كان االمبراطور الروماني صانع القرار السياسي‪ ،‬والقائد العام للجيش‪ ،‬والكاهن االعلى‬
‫والمدافع عن الشعب‪ ،‬وهو المسيطر على السياسة الخارجية‪ ،‬ويتخذ قرارات السلم أو الحرب‪ ،‬ويدعي‬
‫بأن كل االنتصارات العسكرية تعود له‪ ،‬فهو البطل أمام الناس وامام انانية مجلس الشيوخ‬
‫االرستقراطي‪ ،‬وبذلك فأن قرارات االمبراطور وشخصيته مقدسة (‪.)103‬‬
‫مستشاري ماركوس اوريليوس‬
‫أن القوة الحقيقية في روما تتركز في شخص االمبراطور‪ ،‬ومجلس وزرائه الخاص والمجلس‬
‫االمبراطوري‪ ،‬وحتما ليس مجلس الشيوخ‪ ،‬وتكونت الحلقة الخارجية لمستشاري االمبراطورية من‬
‫قبل مجموعة تعرف باسم اميسي (‪ )amici‬وتعني (األصدقاء)(‪ ، )104‬وعادة ليسوا من الطبقة مجلس‬
‫الشيوخ‪ ،‬ولكن من الناس المهمين وضمن الحلقة الداخلية لإلمبراطور‪ ،‬وهناك أيضا مجموعة أخرى‬
‫أطلق عليها كوميتيس (‪ )comites‬التي تعني (الرفاق)‪ ،‬والفرق بين المجموعتين هو امتالك (اميسي)‬
‫حق للحضور مثل جماهير االمبراطورية‪ ،‬بينما (كوميتيس) يمكنهم مصاحبة االمبراطور في كل‬
‫مكان(‪.)105‬‬
‫سابقا قام االمبراطور أنطونيوس بيوس بتوضيح هذه الميزة بين االثنين‪ ،‬فقد سمح لألصدقاء ان يكون‬
‫لهم حضور شخصي كبير بصفتهم مستشارين ولم يصر ابدا ً على ان يكونوا قريبين جدا ً منه‪ ،‬بينما‬

‫‪(100) Digest :Theodore Mommsen and P. Krueger (eds), Justinian’s Digest of Roman‬‬
‫‪Law, trans. A. Watron, 4 vols .Philadelphia 1985. 49.4.1.7‬‬
‫)‪ (101‬كما هو الحال عندما طلب سكان ميليتوس (‪ )Miletus‬بطولة خاصة لهم لأللعاب البدنية ‪:‬‬
‫‪L’Année Épigraphique: Paris. 1989, p. 683‬‬
‫)‪ (102‬مرسوم ‪ : senatus consultum‬وهو مرسوم نهائي من مجلس الشيوخ او اجراء نهائي وعادة يكون وفي‬
‫اغلب األحيان مختصر‪ ،‬فعلى سبيل المثال (مرسوم مجلس الشيوخ حول الدفاع عن الجمهورية) فقد صدر مرسوم قبيل‬
‫سقوط القنصل جايوس كراكوس عام (‪ )121‬ق‪.‬م ‪ ،‬و أثناء موكب القنصل لبيدوس (‪ )Lepidus‬على روما في عام‬
‫(‪ )77‬ق‪.‬م ‪ ،‬والمرسوم الذي صدر في عهد يوليوس قيصر في عام (‪ )49‬ق‪.‬م ‪ ،‬ويمكن القول أن عالقة ماركوس‬
‫بمجلس الشيوخ مثل عالقة رئيس وزراء بريطانيا بالملك‪:‬‬
‫‪Talbert, Richard J. A: “The Senate of Imperial Rome” Princeton University Press. 1984.‬‬
‫‪Pp.290–291.‬‬
‫‪(103) Anthony Everitt: “Augustus. The Life of Rome’s First Emperor” Random House‬‬
‫”‪Trade Paperbacks; Reprint edition, New York 2006// Werner Eck, The Age of Augustus‬‬
‫‪Blackwell Ancient Lives, Oxford 2003.‬‬
‫)‪ (104‬اميسي (‪ :)amici‬وهي عبارة التينية قانونية وتعني صديق البالط‪ ،‬أو تترجم حرفيا باسم (صديق المحكمة)‬
‫‪:‬‬
‫‪Fergus Millar: “The Emperor in the Roman World 31 BC-AD 337” Ithaca, N.Y. Cornell‬‬
‫‪University Press, London: Duckworth. 1977, Pp.110–22‬‬
‫‪(105) Theodore Mommsen: “Gesammelte Schriften” Berlin .1905. Pp.311–322.‬‬
‫‪24‬‬
‫كان يأخذ الرفاق معه في رحالته من والى روما(‪ ،)106‬وكان ماركوس اوريليوس يحب مكان اقامته في‬
‫منطقة باالتين (‪( )Palatine‬تالل بالتين عددها سبعة تالل في مدينة روما القديمة)عندما يكون في‬
‫روما‪ ،‬حيث يمكن رؤية العبيد والمعتوقين بأعداد كبيرة وهم يرتدون االبيض جنبا ً إلى جنب مع‬
‫االصدقاء (‪ ،)107‬ولكن في رحالته الى األقاليم يقوم باصطحاب الرفاق‪ ،‬وعلى الرغم من ان منطقة‬
‫باالتين كانت الرمز الرسمي لهيبة االمبراطورية حيث يذكر‪( :‬ان قوة روما حيث يكون االمبراطور)‬
‫(‪ ،)108‬ولم يكن ماركوس يستغني عن وجود الرفاق على الرغم من انشغاله في أمور الدولة‪ ،‬ومع هذا‬
‫له رأي متواضع حول مستشاريه وذكر ضعفهم العقلي واالخالقي وانهم بشر سيئ الحظ(‪ )109‬ولهذا‬
‫يقال بان ماركوس يتصف دائما بالصراحة في قوانينه ومراسيمه‪ ،‬وبالطبع كان يخشى ان يقوم اتباعه‬
‫بإساءة وعدم فهم افكاره‪ ،‬أو محتمل يسيئون الفهم لبعض تصرفاته وهذا يتطلب منه أن يكون حليم‬
‫وذكي في آن واحد (‪.)110‬‬
‫محاولة انقاذ الشراكة الدستورية مع عودة فيروس‪:‬‬
‫عاد ليسيوس فيروس إلى روما بعد أربعة سنوات من الحروب ضد فرثيا‪ ،‬وبذلك اسدلت الستارة‬
‫على مرحلة من عهد زعامة ماركوس الناجحة‪ ،‬فعندما توجه فيروس نحو الشرق تمتع كال الرجلين‬
‫باالنفصال واالستقاللية‪ ،‬واستمتع فيروس بدوره كإمبراطور مستقل على الشرق‪ ،‬وال رغبه له بالعودة‬
‫إلى روما‪ ،‬بينما كان ماركوس يرغب برؤيته في الوطن مرة اخرى‪ ،‬والشيء المالحظ انه عندما عاد‬
‫إلى روما كان اقل احتراما ً لزميلة اكثر مما كان عليه الوضع في السنوات(‪ )162-161‬م ‪ ،‬كما أنه‬
‫أصبح اشد كسالً(‪ ،)111‬فبعد عودته من انتوشيا (انطاكية) كان بصحبته عدد من الممثلين والموسيقيين‬
‫جلبهم من سوريا‪ ،‬وكان فيروس يمتلك حانة مبنية في اسفل الفيال الخاصة به حيث كان يسرف في‬
‫معاقرة الخمر ولعب القمار طوال الليل حتى يحمل إلى سريره‪ ،‬ويبقى مستلقيا ً حتى الصباح التالي‪،‬‬
‫ويظهر أن السوريون كانوا مسرورون للرؤية وهو بهذا الشكل وحتى االستهزاء بدوره في انهاء‬
‫الحرب الفرثية (‪ ،)112‬ولم يعجب ماركوس بتصرفات فيروس ولهذا كان من الصعب كبت غضبه‬
‫واستياءه من تصرفات شريكه االمبراطور‪ ،‬فعلى ما يبدو لم يتعلم فيروس شيئا ً في الشرق‪ ،‬بل ونسي‬
‫كل شيء واتجه نحو االنغماس في الملذات (‪.)113‬‬

‫‪(106) Historia Augusta: “The Life of Marcus Aurelius” published in the Loeb Classical‬‬
‫‪Library, part 1: 1921. 1.16‬‬
‫‪(107) Royo, Manuel:”Domus Imperatoriae. Topographie, formation et imaginaire des‬‬
‫‪palais impériaux du Palatin” . (2ème siècle av. J.-C – 1er siècle ap. JC), Rome .1999‬‬
‫‪(108) Herodian, “Roman History” translation by Edward C. Echols (Herodian of Antioch's‬‬
‫‪History of the Roman Empire, Berkeley and Los Angeles. 1961. 1.6.5‬‬
‫‪(109) Marcus Aurelius : “The Meditations “Translated with Notes by Martin Hammond‬‬
‫‪With an Introduction by Diskin Clay. Penguin Books . 2006 . 8.4.‬‬
‫‪(110) Williams Wynne: “Individuality and the Roman Constitution”, The Journal of‬‬
‫‪Roman Studies 66 .1976. Pp.78–82.‬‬
‫‪(111) Historia Augusta: “The Life of Marcus Aurelius” published in the Loeb Classical‬‬
‫‪Library, part 1: 1921.12.7–11‬‬
‫‪(112) Historia Augusta: “The Life of Lucius Verus “Published in the Loeb Classical‬‬
‫‪Library, 1921. 8.11.‬‬
‫‪(113) Birley, Anthony R: “Marcus Aurelius: A Biography”. New York: Routledge, 1966,‬‬
‫‪p. 129.‬‬
‫‪25‬‬
‫حاول ماركوس اكثر من مره باستعادة شريكه االمبراطور وابعاده عن الملذات والعبث لكن دون‬
‫(‪)114‬‬
‫جدوى حتى انه منح فيروس بيت الضيوف في الفيال الخاصة به في طريق كلوديان (‪)Clodian‬‬
‫‪ ،‬وطلب منه البقاء فيه خمسة عشر يوماً‪ ،‬ولكن المحاولة كما يبدو كانت بال فائدة ‪ ،‬فبينا كان ماركوس‬
‫يعمل في شؤون الدولة‪ ،‬كان فيروس بعيدا ً يستمتع بملذاته غير مكترثا ً بأمور الدولة (‪.)115‬‬
‫ذكر سينيس (‪ ،)116( )Cynics‬انه لم يتم انجاز اي شيء في الحروب الفرثية‪ ،‬وكان يمكن‬
‫الحصول على نفس النتائج لو استخدمت فيها الدبلوماسية مع الفرثيين‪ ،‬وبدون الحاجة لصرف تلك‬
‫المبالغ الهائلة‪ ،‬ومع هذا قام ماركوس بإصدار مرسوم ذكر فيه ان االنتصار في الشرق ضد فرثيا‬
‫وحدد تاريخ (‪ )12‬تشرين االول من سنة (‪ )166‬م‪ ،‬ولم يكن امامه من خيار حتى يرفض عودة لوسيوس‬
‫فيروس إلى روما والذي سيمثل اهانة له‪ ،‬وقد تسبب ازمة دستورية وربما تتطور إلى حرب أهلية‪،‬‬
‫وكان ماركوس يعلم ان فيروس يحمل القاب فخمة مثل (‪( )Armeniacus‬بمعنى األرمني)‪،‬‬
‫و(‪( )Parthicus‬الفرثي)‪ ،‬و(‪( )Maximus‬االعظم)‪ ،‬و (‪( )Mesicus‬القمر) وكل هذه األلقاب‬
‫ليست لها معنى من وجهة نظر ماركوس‪ ،‬ومع هذا وافق على هذه األلقاب حتى ال يسيء إلى شريكه‬
‫في الحكم (‪ ،)117‬ولكن بعد وفاة فيروس قام بإلغائها وأصر على عدم اطالق األلقاب على شريكه‬
‫االمبراطور المتوفي إال االلقاب التي حصل عليها بشكل عادل وصريح‪ ،‬وكان نصر تشرين االول‬
‫واحد من ثالثة عشر انتصارا‪ ،‬يستحق التهنئة وفرح سكان روما في الفترة الممتدة من (‪ 31‬ق‪.‬م –‬
‫‪235‬م) ألنه يعتبر اول انتصار كامل بعد مضي خمسين عاما (‪ ،)118‬ويقول بعض الباحثين بعد حالة‬
‫اليأس من تصرفات فيروس وعدم القدرة على إصالحه وافق ماركوس على اقتراح فيروس بان‬
‫االنتصار على الفرثيين سيعزز مكانة روما‪ ،‬ولذا منح فيروس لقب القيصر‪ ،‬وكان في وقتها كومودوس‬
‫في الخامسة من عمره‪ ،‬واخوه آنيوس (‪ )Annius‬في الثالثة من عمره (‪ ،)119‬والجميع مع بنات ماركوس‬
‫ساروا عبر الحشود المبتهجة مع الموكب الظافر‪ ،‬وكان الجميع يرتدي ثياب االحتفال‪ ،‬وقدم مجلس‬

‫)‪ (114‬تقع الفيال في طريق كلوديان بالقرب من اكوا ترافيرسا الحديثة شمال بونس مولفيكا قبالة طريق كلوديان من‬
‫روما الى وسط توسكانا‪ ،‬واشتهرت الفيال بالذهب والفضة وارقى الزجاج‪ ،‬والتحف الثمينة‪ ،‬وكثرة الزهور في مواسمها ‪،‬‬
‫والبغال للنقل‪ ،‬وكان فيروس معجبا بوجود (‪ )12‬اريكة في مآدبه‪ ،‬ويقوم سبعة رجال بتقديم العشاء‪ ،‬ورغم هذا الثراء‬
‫اال انه فضل االنغماس بالملذات ‪:‬‬
‫‪Frank McLynn: “Marcus Aurelius: Warrior, Philosopher, Published by The Bodley Head.‬‬
‫‪London. 2009. p. 123‬‬
‫‪(115) Historia Augusta: “The Life of Lucius Verus “Published in the Loeb Classical‬‬
‫‪Library, 1921. 9.8–11.‬‬
‫)‪ (116‬سينيس فيلسوف غير معروف‪ ،‬عضو في مدرسة للفالسفة اليونانيين التي أسسها (أنتيستينس) في القرن األول‬
‫الميالدي وازدهرت في أواخر القرن الثاني وفي القرن الثالث‪ ،‬وتؤمن هذه الحركة بالسخرية والعيش في الفضيلة ‪،‬‬
‫ويمكن للناس الحصول على السعادة من خالل العيش بطريقة طبيعية عن طريق رفض جميع الرغبات التقليدية مثل‬
‫الثروة والسلطة والجنس والشهرة والعيش حياة بسيطة خالية من جميع الممتلكات‪:‬‬
‫‪Martin, Richard P: “The Scythian Accent: Anacharsis and the Cynics”, Bracht Branham‬‬
‫‪and Goulet – Caze. 1996. Pp. 136-155‬‬
‫–‪(117) Kneissl, Peter:” Die Siegestitulatur der Römischen Kaiser” Göttingen 1969. Pp.200‬‬
‫‪202.‬‬
‫”)‪(118) Campbell Brian:”The Emperor and the Roman Army Army (31 B.C.-A.D. 235‬‬
‫‪Oxford. 1984. Pp.136–17// Nicholas Purcell: “The City of Wonders”, Cambridge Ancient‬‬
‫‪History 11. Second Edition, 2000. p.411.‬‬
‫‪(119) ILS 375.‬‬
‫‪26‬‬
‫الشيوخ تاج من اوراق البلوط لكال االمبراطورين‪ ،‬وتلقى كل منهما لقب (‪( )Pater patriae‬أب أرض‬
‫األجداد)‪ ،‬كما تلقى الجنراالت الظافرون الذين عادوا مع فيروس األوسمة‪ ،‬وتلقى الثالثي فورسوس‬
‫فيكتورينوس (‪ ،)120( )Vurius Victorinus‬وبونتوس الليانوس (‪،)121( )Pontus Laelianus‬‬
‫وكالوديوس فرونتو (‪ )122( )Claudius Fronto‬ثالث هبات تتكون من ثالث تيجان واربعة رماح‬
‫بدون رأس (‪.)123‬‬
‫وكانت نشوة االنتصار هائلة في روما‪ ،‬ألن االمبراطور (أو االباطرة) سيقومون بتوزيع كونجياري‬
‫(‪ ،)124( )congiarium‬وفي الحقيقة هذا هو الدفع النقدي الثالث من نوعه خالل خمس سنوات من حكم‬
‫ماركوس (وتم التوزيع الثاني في عهد ماركوس سنة ‪.)165‬‬
‫وكان عامة الرومان في حالة سكر وابتهاج بما حصلوا عليه من الشراب المجاني‪ ،‬وهم يشاهدون‬
‫مرور المنتصرين بعرباتهم وخيولهم عبر بوابة بورتا (‪ )125( )Porta‬قبل عبور موكب النصر نهر‬
‫التيبر‪ ،‬وسابقا كان الموكب يمر من خارج بوابات المدينة ثم يمر أمام موقع الفاتيكان الحالي (‪،)126‬‬
‫وتسير خلف الموكب العربات المحملة بالغنائم العربات التي تحمل االسرى الذين سوف يصبحون‬
‫تحت نير العبودية‪ ،‬وضمن الموكب تسير عربات العوائل االمبراطورية تليها ثيران بيضاء يتم التضحية‬
‫بها لآللهة وفي المقدمة اإلله جوبيتر‪ ،‬وضمن الموكب يسير أعضاء مجلس الشيوخ والمستشارين‬
‫والقضاة والجنراالت سيرا على اقدامهم‪ ،‬و يعتبر وجود عدد كبير من الجنود في روما امرا ً خطيراً‪،‬‬

‫)‪ (120‬فورسوس فيكتورينوس‪ :‬ال يعرف عن نشأته األولى ‪ ،‬كان قائد في الحرس االمبراطوري‪ ،‬خاض عدت معارك‬
‫مه ماركوس ومنها الحروب الماركونية وقودي (‪ )Quadi‬وأرسل لمقاومة البرابرة لكنه قتل ومعه جزء من جيشه ‪:‬‬
‫‪Historia Augusta: “The Life of Marcus Aurelius” published in the Loeb Classical‬‬
‫‪Library, part 1: 1921. 14. 5‬‬
‫)‪ (121‬ماركوس بونتوس الليانوس‪ :‬سياسي روماني وعضو في مجلس الشيوخ عاش في القرن الثاني الميالدي‪ ،‬يعتقد‬
‫اصله من مقاطعة غاليا الرومانية ‪ ،‬وكان والده عضو مجلس الشيوخ ‪ ،‬تولى الليلنوس منصب القنصلية عام (‪ )163‬م‬
‫كما تولى في (‪ )166‬أو (‪ )167‬منصب حاكم موسيا األدنى (نيدرموسيان) (‪:)Niedermösien‬‬
‫‪Corpus Inscriptionum Latinarum (CIL) Vol. 03. 6182 = IScM-05‬‬
‫)‪ (122‬ماركوس كالوديوس فرونتو‪ :‬ال يعرف عن نشأته غير ان عائلته من اسيا الصغرى‪ ،‬وكان ابيه عضو في مجلس‬
‫الشيوخ‪ ،‬وقد قتل االبن في الحروب الماركونية عام (‪ )170‬م وكان عضو في مجلس الشيوخ وجنرال في الجيش‬
‫الروماني االمبراطوري في عهدي االمبراطور انتونيوس بيوس ومن بعده ماركوس اوريليوس‪:‬‬
‫‪Birley, A. R: “Hadrian to the Antonines “The Cambridge Ancient History, Vol, XI , 2nd‬‬
‫‪(ed.) . Ch 3. The Cambridge University Press. 2000. Pp. 132-194‬‬
‫‪(123) Picard, Charles H: “‘Le monument aux victimes de Carthage et l’expédition orientale‬‬
‫‪de Lucius Verus”, Karthago 1 .1950. Pp.65–94// Hammond, Mason: “Imperial Elements‬‬
‫‪in the Formula of the Roman Emperors”, Mem. American Academy at Rome 25 .1957.‬‬
‫‪Pp.17–64.‬‬
‫)‪ (124‬كونجياري أو كونجياريوم‪( :‬اصلها االتيني كونجيوس) وهي وحدة قياس تعادل ستة سيكستاري‪ ،‬وكان كونجيوس‬
‫المقياس االعتيادي لقياس الزيت أو النبيذ الذي يوزع في بعض المناسبات بين الناس‪ ،‬وهكذا اصبح كونجياريوم اسما‬
‫للتبرعات للشعب بشكل عام سواء كانت تتألف من الزيت أو النبيذ أو الحبوب أو أشياء أخرى ‪:‬‬
‫‪Bury, John Bagnell:”The Student’s Roman Empire”. Harper. 1893. p 436‬‬
‫)‪ (125‬بوابة بورتا‪ :‬كانت في األصل قوسا شيد في عهد االمبراطور أوغسطس في المنطقة التي يمر فيها ثالث طرق‬
‫وهي طريق مارسيا وطريق جوليا وطريق تيبوال‪ ،‬واعيد البناء من قبل االمبراطور تيوس ‪ ،‬وكان الجيش الروماني‬
‫المنتصر يمر عبر تلك البوابة‪.‬‬
‫‪(126) Historia Augusta: “The Life of Lucius Verus “Published in the Loeb Classical‬‬
‫‪Library, 1921. 7.9‬‬
‫‪27‬‬
‫الن ذلك قد يقدم فرصة ذهبية لجنرال طموح للقيام بانقالب‪ ،‬وال نفترض ان إجراءات األمنية في احتفال‬
‫عام (‪ )166‬م كانت تختلف عن االحتفاليات السابقة‪ ،‬فالعبيد يقفون خلف االمبراطور مباشرة‪ ،‬ثم يأخذ‬
‫موكب النصر طريق السيرك فالمينيوس (‪ ،)127( )Circus Flaminis‬حيث ينزل االباطرة من‬
‫عرباتهم التي تجرها اربعة خيول لوضع غار النصر بحضن تمثال جوبيتير في معبده (‪ ،)128‬وباإلضافة‬
‫إلى توزيع المجاني للخمر والزيت والخبز‪ ،‬وتقديم عروض ومشاهد االنتصارات‪ ،‬ويحضر االباطرة‬
‫العاب مع الجمهور‪ ،‬وفي مثل هذه المناسبة كان لوسيوس فيروس منغمسا ً في المتعة واشباع رغباته‬
‫وملذاته‪ ،‬بينما كان ماركوس يشمئز سرا ً ويحتقر ذلك‪ ،‬بل وكان يصر على استخدام المصارعين في‬
‫قتالهم أسلحة غير حادة‪ ،‬ويذكر المؤرخون انه اجبر بالتضحية بمائة اسد إلشباع الغرائز الدموية‬
‫لجمهور روما في فترة االحتفاالت (‪.)129‬‬

‫)‪ (127‬السيرك فالمينيوس‪ :‬ساحة دائرية كبيرة في روما تقع في الطرف الجنوبي من المدينة بالقرب من نهر التيبر‪،‬‬
‫وتحتوي هذه الساحة على منطقة صغير تستخدم لأللعاب‪ ،‬كما تضم مباني شيدت من قبل جايوس فالمينيوس نيبوس عام‬
‫(‪ )221‬ق‪.‬م ‪ ،‬ولم يكن السيرك فالمينيوس ينافس السيرك مكسيموس ألنه يفتقد الى ساحة سباق عربات‪ ،‬ولم يذكر‬
‫الجغرافي سترابو أي انشطة فروسية جرت في سيرك فالمينيوس ‪:‬‬
‫‪Humphrey, John H: “Roman Circuses: Arenas for Chariot Racing” University of California‬‬
‫‪Press.1986. pp. 543‬‬
‫‪(128) Historia Augusta: “The Life of Marcus Aurelius” published in the Loeb Classical‬‬
‫‪Library, part 1: 1921. 12.7–8‬‬
‫)‪ (129‬يشك بعض العلماء بشأن أعداد الحيوانات التي ذبحت في األلعاب الترفيهية في روما ‪ ،‬فقد ورد في تاريخ‬
‫أغسطس في حالة الدببة (‪ )1000‬دب كانت قد ذبحت في يوم واحد في عهد اإلمبراطور جوديان (‪:)Gordian‬‬
‫‪Scullard, Howard H: “The Elephant in the Greek and Roman World” Ithaca, New York‬‬
‫‪1974.‬‬
‫‪28‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫‪-1‬دراسة في األفكار الفلسفية لماركوس اوريليوس‬
‫عندما نتحدث عن االمبراطور نطونيوس بيوس وولديه بالتبني ماركوس أوريليوس ولوسيوس‬
‫فيروس البد أن نتطرق إلى شخصية المعلم والفيلسوف ماركوس كورنيليوس فرونتو ( ‪Marcus‬‬
‫‪ )Cornelius Fronto‬الذي ولد عام (‪ )100‬م وربما سنة او سنتين قبل هذا التاريخ (‪ ،)130‬وكانت‬
‫والدته في مدينة كرتن أو (كيرثان) (‪ ،)131()Cirt‬ووصف نفسه بانه (ليبي من الليبيين الرحل) ويعتبر‬
‫مواطن روماني‪ ،‬عاش في روما واكتسب شهرة واسعة في الخطابات ومعرفته الواسعة في القديم‬
‫الالتينية‪ ،‬وجمع ثروة طائلة وعينه االمبراطور بيوس معلما ألبنائه بالتبني ماروكوس اوريليوس‬
‫ولوسيوس فيروس (‪ ،)132‬وفي عام (‪ )142‬م عين قنصل ولمدة شهرين (آب وأيلول)‪ ،‬ثم نقل إلى آسيا‬
‫الصغرى لكنه رفض على أساس سوء حالته الصحية (‪.)133‬‬
‫لم ينشر فرونتو رسائله لذا يعتقد انها كانت محفوظة عند ابنته وزوجها ثم قام بنشرها شخص مجهول‬
‫محب اللغة الالتينية القديمة (‪ ،)134‬ومن خالل هذه الرسائل شعر علماء الدراسات الكالسيكية بخيبة أمل‬
‫ألنها ال تتفق مع سمعة الكاتب العظيمة‪ ،‬فقد وصفت بانها (رسائل حب) خاصة الرسائل المتبادلة بينه‬
‫وبين ماركوس (‪ ،)135‬ولكن نحن نضع في اعتبارنا بان كتبة القدامى عندما درسوا شظايا الرسائل‬

‫)‪ (130‬ليس هناك اتفاق على سنة والدته ولكن على االغلب قبل (‪ )113‬م ‪ ،‬أما وفاته فهي األخرى لغز يصعب حله‬
‫فالباحثين أعطوا عدة سنوات استنادا الى آخر رسالة تنسب له وحددت التواريخ بالسنوات (‪ )160‬م و (‪ )166‬م ‪ ،‬و‬
‫(‪)176‬م ‪:‬‬
‫‪The correspondence of Marcus Corelius Fronto with Marcus Aurelus Antoninus, Lucius‬‬
‫‪Verus , Antoninus Pius and various friends: Edited and for the first time translated into‬‬
‫‪English by C. R. Haines, Classical Quarterly 8 : London , 1914. Pp. II2-20//‬‬
‫‪Bowersock,Glen W:”The Proconsulate of Albus,” Harvard Studies in Classical Philology‬‬
‫‪72: USA. 1968, Pp. 289-94‬‬
‫)‪ (131‬تقع عاصمة المملكة النوميدية البربرية سرتا أو (كرتن) أو (كيرثان) في الجزائر وكان النوميدين حلفاء‬
‫الرومان في حروبهم ضد قرطاج (‪ )246-264‬ق‪.‬م ‪ ،‬وعانت المدينة من التدمير في القرن الرابع الميالدي‪ ،‬واعيد‬
‫بنائها من قبل االمبراطور قسطنطين الكبير‪ ،‬وغيره اسمها الى القسنطينة‪ ،‬ثم فتحها المسلمون عام (‪ )698‬م‪:‬‬
‫‪Mommsen, Theodore:” The Provinces of the Roman Empire” Section: Africa, Leipzig‬‬
‫‪1865.‬‬
‫‪(132) Eck, Werner and Roxan Margaret M.: “ Festschrift für Hans Lieb” 1995, Pp. 79-‬‬
‫‪85‬‬
‫‪(133) Ibid: p. 91‬‬
‫)‪ (134‬في عام (‪ )1815‬اكتشفت في مكتبة أمبروسيان (‪ )Ambrosian‬في ميالنو مخطوطة‪ ،‬وهي بعض رسائل‬
‫فرونتو إلى تالميذه اإلمبراطوريين وردودهم‪ ،‬ثم تلتها مجموعة أخرى من الرسائل في الفاتيكان في روما عام (‪)1823‬‬
‫‪ ،‬تلتها مخطوطة ثالثة عام (‪ )1856‬والتي تضمنت شظايا من مراسالت فرونتو مع فيروس‪ ،‬ونشرت في كتاب كامل‬
‫عام (‪: )1867‬‬
‫‪Reynolds, Leighton. D and N. G. Wilson (editor): “Texts and Transmission: A Survey of‬‬
‫‪the Latin Classics (Oxford: Clarendon Press, 1983, Pp. 173f.‬‬
‫)‪ (135‬يمكن العودة الى الباحث كريستيان ايس (‪ )Christian Laes‬الذي استنبط أفكاره تلك من خالل عبارات وردت‬
‫في الرسائل ‪:‬‬
‫‪Christian Laes: “What Could Marcus Aurelius feel for Fronto?” Studia Humaniora‬‬
‫‪Tartuensia , Vol. 10: A.3. 2009. p. 3 // Amy Richlin:” Marcus Aurelius in Love” In‬‬
‫‪Chicago: University of Chicago Press, 2006.‬‬
‫‪29‬‬
‫كانوا يبحثون بين السطور على عبارات تالئم أفكار تلك عهدهم وال تعطي نفس المعنى عندما كتبت‬
‫في القرن الثاني الميالدي (‪ ،)136‬كما اننا ال يمكن القول اطالقا بان فرونتو كان مستشارا حكيما‬
‫لماركوس اوريليوس فال نجد في رسائله أي عبارة تضم معنى المشورة السياسية‪ ،‬انما نجد وباستمرار‬
‫ذكر عن سوء صحته وكبر سنه ووفاة المقربين اليه‪ ،‬بالمقابل ال يشير ماركوس في كتابه التأمالت أي‬
‫شيء عن استاذه فرونتو وتعاليمه‪ ،‬ولم يذكره في خطاباته التي كتبها باللغة اليونانية عن تعاليم استاذه‪،‬‬
‫ومع هذا هناك احترام بين األطراف الثالث (بيوس و ماركوس و فيروس) من جهة وفرونتو من جهة‬
‫أخرى (‪.)137‬‬
‫أن دراسة كافة الرسائل المتبادلة بين فرونتو وتالميذه تحتاج إلى مجال أوسع من هذا المبحث‪ ،‬ويمكن‬
‫مراجعة كافة الرسائل التي نشرها (‪ )Haines‬عام (‪ )1914‬واعيد نشرها عدة مرات‪ ،‬ولهذا سأقتصر‬
‫على المدة األخيرة من حياة هذا الفيلسوف‪ ،‬واالشادة ببعض فقرات الرسائل المتبادلة‪ ،‬واعتقد بانه كان‬
‫اقرب إلى االمبراطور لوسيوس فيروس منه إلى ماركوس اوريليوس (‪. )138‬‬
‫تعاليم فرونتو األخيرة‬
‫يمكن القول بان حياة ماركوس األسرية غامضة مثل استاذه‪ ،‬ففي شتاء (‪ )165‬م توفي‬
‫اوروليوس فولفيوس انتونينوس (‪ ،)Aurelius Fulvius Antoninus‬توأم كومودوس‪ ،‬الذي مات‬
‫بعمر أربعة سنوات‪ ،‬ومن أجل تخفيف الحزن على زوجته فوستينا وافق ماركوس على أن تذهب إلى‬
‫آسيا الصغرى لتكون مع ابنتها لوسيلال (‪ ،)Lucilla‬التي كانت حامالً مرة اخرى(‪ ،)139‬ونفس المعاناة‬
‫اصابت فرونتو فهو اآلخر يعاني من آالم نفسية صعبة‪ ،‬الن فرونتو فقد زوجته كراتيا (‪)Cratia‬‬
‫(‪ ،)140‬وفي اوج الحزن عليها جاءت االخبار حول وفاة حفيده البالغ من العمر ثالث سنوات‪ ،‬على الرغم‬
‫من ان فرونتو لم يرى حفيده‪ ،‬إال ان الحزن تملكه عليه‪ ،‬وعلى ما يبدو ان ما أزعجه فعال انه فقد خمس‬
‫ابناء سابقا‪ ،‬وكانت وفاتهم بعد والدة الواحد بعد االخر‪ ،‬ولم يبقى له غير طفل يدعى فيكتورينوس‬
‫(‪( )Victorinus‬معنى اسمه المنتصر) توفي هو االخر‪ ،‬ومن الطبيعي أصابه الحزن الشديد عليه‪،‬‬
‫وفوض فرونتو أمره إلى اآللهة وقدرها‪ ،‬وفي نفحة الحزن تساءل كيف سيفرق بين الخير والشر وهو‬
‫في مثل هذه المعاناة ؟ ‪ ،‬ثم يعترف فرونتو بانه يعاني من عدم انصاف العناية االلهية‪ ،‬بل األسوأ ال‬
‫توجد عدالة إلهية (‪.)141‬‬
‫من خالل آرائه الفلسفية ذكر بان االنسان الجيد يموت مبكراً‪ ،‬بعكس ما سبق وان تبناه بأن‬
‫الطفل الميت يكون محبوبا من قبل االلهة ولهذا تأخذه إلى عالمها السماوي‪ ،‬وحتى هذه الفكرة أصبحت‬

‫)‪ (136‬الحظ تعابير الفقرات التي هي رد ماركوس وفيروس على رسائل فرونتو الصفحة التالية‪:‬‬
‫‪Dorothy Brock:” Studies in Fronto and his Age” In Cambridge: Cambridge University‬‬
‫‪Press, 1911.‬‬
‫‪)137( Edward Champlin : “ The Chronology of Fronto” The Journal of Roman Studies,‬‬
‫‪Vol. 64 .1974. p. 144‬‬
‫‪(138) The correspondence of Marcus Corelius Fronto with Marcus Aurelus Antoninus,‬‬
‫‪Lucius Verus , Antoninus Pius and various friends: Edited and for the first time translated‬‬
‫‪into English by C. R. Haines, Classical Quarterly 8 : London , 1914.‬‬
‫‪(139) PIR2 A.1512‬‬
‫)‪ (140‬كانت زوجة فرونتو وابنته كالهما اسمه كراتيا‪ ،‬وقضى ماركوس وقتا مع زوجة وابنة فرونتو وتمتعوا بمحادثة‬
‫خفيفة ‪.‬‬
‫‪(141) Fronto to Marcus, 165, Haines, C. R : (1919) . part. 2. Pp.224–227.‬‬
‫‪30‬‬
‫غير مقبولة عنده (‪ ،)142‬وانما تجلب لنا الوفيات الحزن وااللم‪ ،‬وانه في هذه الحياة نثكل بأفضل من‬
‫نحب‪ ،‬وبذلك نفتقد ما تعودنا عليه مثل الصوت والمالمح‪ ،‬والهواء الذي كان يستنشقه‪ ،‬ونحزن ونحن‬
‫نبكي على وجه الميت‪ ،‬وقد توقفت الحياة في جسده‪ ،‬وال يبقى غير تعزية الوالدين التواقين(‪ ،)143‬كما‬
‫يبدو كان فرونتو حزينا تماما ً في هذه الرسالة الموجهة إلى ماركوس‪ ،‬بينما في الرسالة الموجه إلى‬
‫لوسيوس فيروس ال يذكر خسارته العائلية‪ ،‬انما اقتصر ذكر حزنه باختصار‪ ،‬قبل ان يتطرق إلى دوره‬
‫في الحرب الفرثية ألنه يعلم بأن االحزان ال تهم لوسيوس فيروس بقدر ما يهمه االهتمام بملذاته‬
‫الشخصية (‪ ،)144‬ويبدو أن ماركوس كان يحاول ولسنوات ابعاد نفسه عن شكاوى استاذه العجوز‬
‫ووساوسه وكثرة امراضه‪ ،‬كما هو واضح في الرد اآلتي ‪( :‬لقد سمعت للتو بمصيبتك‪ ،‬ولطالما كنت‬
‫اعاني العذاب ‪ ،‬عندما تتألم انت‪ ،‬يا استاذي‪ ،‬ماذا تعتقد سيكون شعوري عندما يكون قلبك يعاني االلم؟‬
‫انا منزعج ألني لن اتمكن سوى ان اطلب منك ان تبقى بخير من أجلى‪ ،‬يا أعذب اساتذتي‪ ،‬فأنت تعزيتي‬
‫الكبرى في هذه الحياة‪ ،‬أكثر مما يمكنك الحصول على االلم من اي مصدر‪ ،‬انا لم اكتب هذا الخطاب‬
‫بيدي‪ ،‬ألنني هذا المساء وبعد الحمام كانت يداي ترتعشان)(‪.)145‬‬
‫حملت السنوات (‪ )165‬و (‪ )166‬م‪ ،‬شيء من التغير فقد قل حزن فرونتو وسمح لنفسه أن‬
‫يسمع أخبار عودة لوسيوس فيروس إلى روما‪ ،‬وكان فيروس يرغب في لقاء فرونتو ويستمع باحاديث‬
‫الرجل العجوز ويخبره بحملته ضد فرثيا‪ ،‬وكتب فيروس ‪( :‬أريد أن أراك وامتع النفس برؤياك ‪ ،‬يا‬
‫اغلى استاذ‪ ،‬فأنا اتصور عناقك لي وتقبيلي لك عدة مرات)(‪ ،)146‬وعندما وصل فيروس إلى روما(في‬
‫نهاية صيف أو اوائل خريف (‪ )166‬ذهب في طريقه إلى فرونتو مع عدد من اتباعه مما اثار غيرة‬
‫البعض واستياءهم‪ ،‬على االغلب أحس فيروس ان معلمه العجوز كانت قريبا ً من الموت لذلك قام‬
‫بزيارته‪ ،‬ومن المحتمل عودة فيروس منتصرا ً جعل فرونتو يشعر بأنه انجز عمال في حياته‪ ،‬ومن‬
‫الغريب انه مات بعد ذلك بوقت قصير من عودة فيروس‪.‬‬
‫كتب فرونتو آخر رسالة وداع إلى فيروس‪( :‬ان التكريم الذي لقيته منك‪ ،‬اعتبره تفوق لكل شيء‪ ،‬ولقد‬
‫ذكرت بان الشرف الخاص الذي بينته لي بما انجزته في الشرق هو والء فيروس‪ ،‬وبالمقابل هو خيانة‬
‫ماركوس الذي ابتعد عن البالغة الفلسفية‪ ،‬وانا أقدر وبشدة االوقات الصعبة وانت تساعدني بيديك‪ ،‬بل‬
‫ورفعتني عندما كنت ال اقوى على المشي خالل مرضي‪ ،‬كما أقدر وجهك المرح عندما تتحدث معي‬
‫واستعدادك للحديث في أي موضوع اختاره ‪ ...‬ولذلك ومهما كانت طلباتي التي اطلبها من سيدي‬
‫اخاك(ماركوس) فأنا أفضل ان اطلبها واحصل عليها من خاللك)(‪.)147‬‬
‫يمكن القول بان الرجل العجوز كان يلعب على الحبلين كما يقال‪ ،‬او ربما يريد فرونتو ان‬
‫يصرح بانه يفضل فيروس؟ وهو أمر طبيعي بناء على المعاملة المختلفة التي ابداها له كال‬
‫االمبراطورين‪ ،‬فقد كانت معاملة ماركوس له دائما بعيدة وأكثر انانية‪ ،‬وتنطبق عليها مقولة ماركوس‬
‫القديمة‪( :‬ال يمر العمل الجيد بال عقاب)‪.‬‬

‫)‪ (142‬في تراثنا الشعبي نقول بان األطفال المتوفين (احباء هللا) وهم (طيور في الجنة) النهم ال يحملون ذنوب دنيوية‬
‫يعاقبون عليها ‪ ،‬وهذه الفكرة ليست ولدية فرونتو انما هي قديمة جدا في تراث كل الشعوب‪.‬‬
‫‪(143) Fronto to Marcus, 165, Haines, C. R : (1919) . part. 2. Pp.226–33‬‬
‫‪(144) Verus to Fronto, 165, Haines, C. R : (1919) . part. 2, Pp.233–6.‬‬
‫‪(145) Marcus to Fronto, 165, Haines, C. R : (1919) . part. 2, Pp.223–224.‬‬
‫‪(146) Lucius Verus to Fronto, 166, Haines, C. R : (1919) . part. 2. Pp.238–241‬‬
‫‪(147) Fronto to Verus, 166, Haines, C. R : (1919) . part. 2. Pp.236–238.‬‬
‫‪31‬‬
‫يرى الباحثين بان فرونتو لدية مكانة كبيرة وتأثير في عهد ماركوس‪ ،‬وهم محقين في هذا ألننا نمتلك‬
‫مراسالته مع ماركوس وال توجد مراسالت مع رجال آخرين في الدولة‪ ،‬فقد كان أفكار فرونتو ال تقف‬
‫بمجال واحد فهي متقلبة ‪ ،‬ففي رسائله نجد الكثير من التلميحات عن اعماله الفكرية‪ ،‬ثم نجد الكثير من‬
‫(‪)148‬‬
‫الوساوس المرضية التي تخفي فيه حقيقته‪ ،‬وتكشف حكايات آرتيميدوروس (‪)Artemidourus‬‬
‫عن قصة تضرع فرونتو للشفاء من التهاب المفاصل‪ ،‬ثم يسرد حلم بأنه كان يمشي في ضواحي المدينة‬
‫واكتشف سر عالج االلم من خالل مسح مناطق األلم بشمع العسل(‪ ،)149‬ومن المؤكد لم تكن لفرونتو‬
‫له شعبية عند عامة الناس‪ ،‬ألنه كان معروفا ببالغته وعباراته اللغوية التي يفهمها المثقفين الرومان و‬
‫التي قادته إلى بعض النتائج الغريبة‪ ،‬فلو أخذنا شخصية ابوليوس (‪ )150( )Apuleius‬الذي تمت محاكمته‬
‫في صبراته (‪( )Sabratha‬في ليبيا) سنة(‪ )157‬م بتهمة السحر والقتل كان دفاعه عن نفسه بالغيا ً‬
‫كما فهمه فرونتو‪ ،‬ويدل على سعة معرفته ألنه اقتبس الكثير من العبارات من االدب الكالسيكي القديم‬
‫(‪ ، )151‬وقد اطلع فرونتو على ورقة دفاع ابوليوس وتوصل عقله إلى درسين مهمين حول تلميذه الشاب‬
‫ماركوس ‪ ،‬االول أن تزرع العاطفة للحقيقة وهي ليست حقيقة فلسفية‪ ،‬ولكن الصدق‪ ،‬نظير الكذب‪،‬‬
‫والثاني الذي علمه كم من السهولة ان تكون طاغية‪ ،‬االن االمبراطور الجيد عليه انهاء الظلم‪ ،‬وان‬
‫يستشير كل من الناس ومجلس الشيوخ‪ ،‬وان يحكم االمبراطورية بعدل وكبح اخطاء االخرين‪ ،‬وقمع‬
‫اضطرابات الغوغاء‪ ،‬والقضاء على المجرمين‪ ،‬واالشادة بكل عمل جيد والسير دائما ً في مسار الفضيلة‬
‫(‪ ،)152‬و في نفس الوقت عليه أن يتجنب قسوة االباطرة ممن سبقوه مثل تيبيريوس‪ ،‬ونيرون‪ ،‬وكاليغوال‬
‫‪ ،‬و دوميتيان‪ ،‬ومثل هذه العبارات وردت في كتاب ماركوس (التأمالت) عندما ذكر خطورة سيطرة‬
‫الطغيان على االمبراطور‪ ،‬ولذلك كان يكره االمبراطور نيرون‪ ،‬الرجل الذي اتصف بالجنون أو مثل‬
‫وحش بري أو كما وصفه ماركوس‪( :‬بانه ذو شخصية قاتمة‪ ،‬وهو مخنث‪ ،‬ومؤذي‪ ،‬و متوحش‪،‬‬
‫وصبياني‪ ،‬وجبان‪ ،‬واحمق‪ ،‬وخاطئ‪ ،‬و مرتزق‪ ،‬ومستبد)(‪.)153‬‬

‫)‪ (148‬آرتيميدوروس عاش في القرن الثاني الميالدي من مدينة افسس على الساحل الغربي السيا الصغرى ‪ ،‬وهو‬
‫معروف من خمسة مجلدات كتبت باللغة اليونانية جمعها خالل رحالت طويلة في اليونان وإيطاليا واسيا الصغرى‬
‫وتتناول مجلداته تفسير االحالم ويرفض قراءة الكف لمعرفة الطالع‪:‬‬
‫‪Artemidorus Daldianus: “In The New Encyclopaedia Britannica Chicago: Encyclopaedia‬‬
‫‪Britannica Inc , Vol. 115th edn, Chicago . 1992, p. 599.‬‬
‫‪(149) Artemidorus of Ephesus 4.22, On the Interpretation of Dreams Translated by Robert‬‬
‫‪J. White (ed.), 1975. p.195‬‬
‫)‪ (150‬لوسيوس ابوليوس مادورنسيس (‪ )170-124‬م كان كاتبا باللغة الالتينية وفيلسوف افالطوني‪ ،‬اصله نوميدي‬
‫بربري من مدينة مدوروش في الجزائر‪ ،‬درس االفالطونية في أثينا وسافر الى إيطاليا واسيا الصغرى ومصر‪ ،‬له كتاب‬
‫(الحمار الذهبي) ‪ ،‬اتهم بممارسة السحر والقتل‪ ،‬وقدم للمحاكمة في مدينة صبراته بالقرب من طرابلس القديمة في ليبيا‬
‫عام (‪ )157‬م ‪:‬‬
‫‪Julia Haig Gaisser:” The fortunes of Apuleius and the Golden Ass: a study in transmission‬‬
‫‪and Reception” Princeton University Press.2008. page. 69‬‬
‫‪(151) MacMullen, Ramsay: “Enemies of the Roman Order Treason, Unrest, and Alienation‬‬
‫‪in the Empire”. Cambridge, Mass.: Harvard university Press.”, 1967. Pp.121–122.‬‬
‫‪(152) Fergus Millar: “The Emperor in the Roman World 31 BC-AD 337” Ithaca, N.Y.‬‬
‫‪Cornell University Press, London: Duckworth. 1977. p. 203.‬‬
‫‪(153) Marcus Aurelius: “The Meditations “Translated with Notes by Martin Hammond‬‬
‫‪with an Introduction by Diskin Clay. Penguin Books. 2006. 3.16; 4.28; 6.30; 12.27.‬‬
‫‪32‬‬
‫‪-2‬موقف االمبراطور من القانون والعدالة في روما‬
‫(‪)154‬‬
‫(ان التسامح هو جزء من العدالة)‬
‫ذكر افالطون ومن اسار على خطاه من الفالسفة االغريق أربعة فضائل على االنسان ان يتحلى‬
‫ويتمسك بها‪ ،‬وهي ‪ :‬ضبط النفس (‪ ، )sophrosune‬والذكاء الفعلي (‪ ،)phronesis‬والشجاعة‬
‫(‪ ،)andreia‬والعدالة (‪ ،)dikaiosune‬وقد آمن ماركوس بتلك الفضائل األربعة التي استنبطها من‬
‫دراسته للفلسفة اليونانية وأفكار ارسطو التي غرسها فيه استاذه فرونتو(‪ ، )155‬وهناك فيلسوف آخر‬
‫يدعى سيفيروس (‪ )Severus‬وكان ينتمي إلى مدرسة ارسطو ومعاصر إلى المؤرخ زينوفون‬
‫(‪ ) Xenophon‬وقد ترك اثر كبير في شخصية ماركوس اليوناني وتعلم منه ‪( :‬حب األسرة‪ ،‬وحب‬
‫الحقيقة ‪ ،‬وحب العدل) (‪. )156‬‬
‫مع هذا كان ماركوس غير راض على دراسته في الفقه واظهر بعض اإلشارات التي تعبر عن‬
‫ضيق في نفسه‪ ،‬وقد كتب إلى فرونتو ‪( :‬من السهل أن تجلس بجانب القاضي‪ ،‬ولكن أن تكون قاضيا‬
‫فهو عمل نبيل وصعب) (‪ ، )157‬وقد أشار في خطابة بعنوان إلى روحي ورد في الكتاب العاشر أن‬
‫يكون (جيد‪ ،‬وبسيط‪ ،‬وذو شخصية مميزة‪ ،‬وصريح‪ ،‬وذو عقل مشرق اكثر من الجسم الذي يغطيه)‬
‫(‪ ،)158‬كما عبر عن العدالة ‪( :‬إن تصرفت بعدالة فهي الحكمة الوحيدة) (‪ ، )159‬كما اعتبر العدالة هي‪:‬‬
‫(مصدر كل الفضائل والمبدأ الشامل للنفس البشرية التي تبعده عن االنحراف‪ ،‬وعدم وجود العدالة هو‬
‫الفشل بعينه)(‪ ،)160‬ودائما يجب االهتمام بمبدأين األول ان تعمل السلطتين السياسية والقضائية لصالح‬
‫البشرية ‪ ،‬والثاني تغير ارضيتك (بمعنى افكارك)‪ ،‬اذا كان هناك شخص يمنحك فكره صحيحة تغير‬
‫خطأ في العدالة من اجل الصالح العام فهو أمر جيد‪ ،‬وهذا التغير ليس للمتعة الشخصية انما من أجل‬
‫الشعب (‪. )161‬‬
‫وأخيرا يتحول ماركوس الفيلسوف إلى انسان كتب عليه القدر مجرى حياته‪ ،‬وينصح االخرين باأليمان‬
‫بما يجري لهم من االحداث الجيدة منها والسيئة‪ ،‬وكأني أرى لمحات صوفيه في أفكاره‪ ،‬وقدري على‬
‫ما كتب له‪ ،‬كما هو واضح في احدى نصائحه‪( :‬ابقي نفسك انسانا بسيطا‪ ،‬شخص ما أخطا؟ فانه أخطا‬
‫لنفسه‪ ،‬هل حدث شيء لك؟ حسنا‪ ،‬كل ما يحدث هو أمر محتوم بالكامل ألنه قدرك‪ ،‬الحياة قصيرة‪،‬‬
‫واكسب ما تستطيع في اللحظة الراهنة‪ ،‬وحقق العدالة الصحيحة‪ ،‬وعيش مسترخي عفيف النفس) (‪.)162‬‬
‫من الطبيعي اهتم ماركوس بالقانون ونشر العدالة وحاول ان ال يقارنه أحدا بمن سبقوه من االباطرة‬
‫الذي اتصفوا بملذاتهم الشخصية وغلبت القساوة على قلوبهم اتجاه أقرب الناس لديهم كما فعل نيرون‬

‫)‪(154) Marcus Aurelius: “Meditations” .. p. 24. (2‬‬


‫‪(155) Marcus Aurelius: “Meditations” .. p. xxxvi‬‬
‫)‪(156) Ibid: p. 6, § (16‬‬
‫‪(157) Birley, Anthony R: “Marcus Aurelius: A Biography”. New York: Routledge, 1966,‬‬
‫‪p. 93.‬‬
‫)‪(158) Marcus Aurelius: “Meditations” .. p. 189 (9.3.1‬‬
‫)‪(159) Ibid: p. 239. §§ (5.12, 5.33‬‬
‫)‪(160) Ibid: p. 203. § (11.10‬‬
‫)‪(161) Ibid: p. 26. § (12‬‬
‫)‪(162) Ibid: p. 28. § (26‬‬
‫‪33‬‬
‫عندما قتل والدته عام (‪ )59‬م (‪ ، )163‬ولهذا كان ماركوس يمقت نيرون لتصرفاته الغريبة‪ ،‬وعموما‬
‫يمكن القول سعى االمبراطور في اجراء بعض التغيرات في القوانين الشخصية والميراث والضرائب‬
‫وحتى في مجال األلعاب تحديدها بعد ان أصبحت اكثر وحشية من قبل من أجل تحسين االخالق ونشر‬
‫التسامح بين الناس ‪.‬‬
‫القاضي ماركوس اوريليوس‬
‫في السنوات العشرة األولى من حكمه كان ماركوس اوريليوس القاضي االكثر تأثيراً‪ ،‬ألنه كان‬
‫يقضي الكثير من وقته في ابراز قدرته القضائية والتعامل مع القضايا الكثيرة المطروحة أمامه‪ ،‬وهذا‬
‫يتطلب منه زيادة عدد االيام المخصصة للمحكمة لتكون (‪ )230‬يوما ً في العام‪ ،‬ومع ذلك ففي أحدى‬
‫خطبه صرح بانه لن يجبر على استماع القضايا التي تطرح أمامه خالل فترة حصاد الحبوب أو جني‬
‫الكروم‪ ،‬ومع هذا وبسبب الضغط لكثرة القضايا القانونية كانت المحاكم تستمر في العمل خالل تلك‬
‫المواسم المحظور فيها العطل (‪ ،)164‬ألنه كان متحمسا إلصالح االدارة وخاصة في المحاكم‪ ،‬مع عدم‬
‫استخدام العنف ضد المتهمين من أجل اخذ االعتراف بالقوة أو من خالل النظر في القضايا المطروحة‬
‫واصدار القرار بسرعة وبدون مبرر‪ ،‬فقد قام مرة بتوبيخ قاضي لمحاولته تسريع القضية في‬
‫المحاكمة(‪ .)165‬وكان يقف ضد اضاعة الوقت أو تكبيد الناس نفقات غير ضرورية‪ ،‬مثل جلب شاهد من‬
‫مسافة بعيدة‪ ،‬وبعدها ال تؤخذ شهادته‪ ،‬وقام بتعيين قضاة قراراتهم غير قابلة للطعن‪ ،‬وكان يقضي‬
‫فترات طويلة من وقته وهو جالس على كرسي القاضي يفصل في شكاوى االعفاءات والحصانات‪،‬‬
‫التي جعلت من القانون الروماني حقل الغام‪.‬‬
‫بعض القضايا القانونية‬
‫هناك قضية تتعلق بشرعية اطفال لرجل ادعى الحصانة القانونية وان على ماركوس أن يفعل كما‬
‫فعل النبي سليمان (‪ ،)166‬وتناولت القضية أن رجال قدم طلبا ً إلى جونيوس روستيكيوس( ‪Junius‬‬
‫‪ ،)167( )Rusticus‬محافظ مدينة روما‪ ،‬يطعن في حكم أحد القناصل وادعى بأنه أخطأ في نقطة قانونية‬

‫)‪ (163‬اعدمت والدة نيرون وتدعى اغريبينا (‪ )Agrippina‬عام (‪ ، )59‬وال يعرف سبب القتل بعض المؤرخين يرون‬
‫انها رفضت زواج ولدها نيرون من بوبايا ‪ Poppaea‬زوجة صديقه واالمبراطور فيما بعد اوتو (‪ ، )Otho‬بينما يرى‬
‫اخرون انها كانت مشتركة في مؤامرة لتعين رويليوس بلوتوس على العرش ‪:‬‬
‫‪Tacitus, Cornelius: “The Annals” trans. by Alfred John Church and William Jackson‬‬
‫‪Brodribb , The University of Adelaide Library. South Australia. 2014. XIII. 46.‬‬
‫‪(164) Digest :Theodore Mommsen and P. Krueger (eds), Justinian’s Digest of Roman‬‬
‫‪Law, trans. A. Watron, 4 vols .Philadelphia 1985. 2.12.1.2‬‬
‫‪(165) Historia Augusta: “The Life of Marcus Aurelius” published in the Loeb Classical‬‬
‫‪Library, part 1: 1921. 24.12‬‬
‫)‪ (166‬ورد في التوراة قضية طرحت على النبي سليمان‪ ،‬وتخص امرأتين تخاصمتا حول احقية طفل‪ ،‬فامر سليمان‬
‫بقتل الطفل وشطره الى نصفين‪ ،‬فرفضت احدى المرأتين وهي تبكي وترفض قتل الطفل بينما قبلت األخرى عرض‬
‫سليمان‪ ،‬فعرف ان المرأة التي وافقت على قتل الطفل ليست هي االم‪ ،‬فمنح الطفل الى المرأة الثانية (سفر ملوك االول‬
‫‪.)15:28‬‬
‫)‪ (167‬كوينتوس جونيوس روستيكوس (‪ )170-100‬م‪ ،‬ربما حفيد ارولينوس روستيكوس أحد معلمي ماركوس‬
‫اوريليوس‪ ،‬شغل منصب قنصل عام (‪ )133‬م وأيضا قنصل عام (‪ )162‬م‪ ،‬ثم منصب محافظ في روما بين (‪-162‬‬
‫‪ )168‬م‪ ،‬وكان ماركوس اوريليوس يكن له احترام كبير‪ ،‬وكثيرا ما يستشيره في القضايا العامة‪ ،‬وعند وفاته طلب‬
‫ماركوس من مجلس الشيوخ ان تحترم تماثيله ‪:‬‬
‫‪Historia Augusta: “The Life of Marcus Aurelius” published in the Loeb Classical‬‬
‫‪Library, part 1: 1921. 3‬‬
‫‪34‬‬
‫هي ليست لصالحه‪ ،‬وحكم ماركوس بان سبب طلب الرجل استئناف قرار القنصل عمل منطقي وان‬
‫على الرجل قبول الحكم القضائي الن القناصل يحكمون في أي قضية مهما كانت (‪ ،)168‬وفي حالة‬
‫أخرى صدر حكم آخر سمح فيها ماركوس للرحمة ان تتفوق على القانون الصارم‪ ،‬فقد قدمت امرأة‬
‫قضيتها اليه بانها تزوجت برجل دون ان تدرك بانها كانت ذات قرابة ومحرمة عليها شرعاً‪ ،‬واجاب‪:‬‬
‫(نحن نتحرك من خالل الوقت الذي كنت تجهلين فيه القانون‪ ،‬وانك تزوجت من عمك‪ ،‬وفي الحقيقة‬
‫انك تزوجت بموافقة وتأييد من قبل جدتك‪ ،‬ولديك من زوجك عدد من األوالد‪ ،‬لذا فكل تلك االعتبارات‬
‫وارده‪ ،‬ونحن نؤكد ان حالة اوالدك الذين نتجوا عن هذا الزواج الذي تم قبل اربعين سنة‪ ،‬سيكون كما‬
‫لو انهم جاءوا شرعيين) (‪.)169‬‬
‫كان ماركوس مهتما بقانون العائلة‪ ،‬والوصايا‪ ،‬وفي قانون حكم العبيد والحرية‪ ،‬وكثيرا ما كان‬
‫يأخذ بآراء مستشاريه بجدية‪ ،‬فلدينا قضية عرضت عليه ملخصها أن رجال اراد أن يحصل على‬
‫ممتلكات جده المعتوق (بمعنى عبد محرر)‪ ،‬واراد ماركوس اهمال طلب الحفيد في الوراثة‪ ،‬مثلما كان‬
‫يحدث سابقا في مثل هذه الحالة‪ ،‬ولكن بعد مناقشة طويلة مع مستشاريه‪ ،‬اقتنع بضرورة االهتمام بالعدالة‬
‫وتجاوز القرارات السابقة لمثل هذه الحالة (‪ ،)170‬وتبين أن القضية صعبة وتعود لسنة (‪ )166‬م حيث‬
‫قام الرجل المعتوق بكتابة وصيته‪ ،‬وبعدها طرأت له فكرة ثانية قبيل وفاته فقام بمسح اسم ورثته‪ ،‬ويبدو‬
‫ان الورثة كانوا يمتلكون نسخة ثانية من الوصية الملغاة التي كانت تحتوي على أسماءهم‪ ،‬فهل يؤخذ‬
‫بالوصية الثانية التي ازيلت فيها أسماء الورثة أم الوصية االولى الملغاة ؟ اتخذ ماركوس قرارا بان‬
‫البند المتنازع عليه في الوصية يجب اال يسمح بالتفاوض على مضمونها وخصوصا ً ان االطراف‬
‫االخرى في الوصية الثانية هم من العبيد المعتوقين‪ ،‬ولهذا اعتبرت الوصية الثانية صالحة(‪ ،)171‬يمكن‬
‫القول ان االمبراطور كان يسعى لتقديس رغبات المتوفيين واحترامها‪ ،‬وفي بعض األحيان تكتب‬
‫الموروثات في آخر الوصية‪ ،‬اما الن الوصية لم تكتب بدقة او بسبب عدم وجود ورثة شرعيين‪ ،‬وفي‬
‫مثل هذه الحالة ستؤول فيها ممتلكات المتوفى إلى الدولة‪ ،‬وقد اتخذ ماركوس قرارا يعتبر فيها رغبات‬
‫المتوفي في الوصية حقيقية و يجب اخذها في االعتبار‪ ،‬وأما قرار الحكم فيتخذ بعد سماع محامي كال‬
‫الطرفين(‪.)172‬‬
‫الحفاظ على ممتلكات العائلة‬
‫أهتم ماركوس بجعل ممتلكات العائلة سليمة‪ ،‬وشرع القوانين الجديدة لحمايتها وتفعيلها ‪ ،‬وسابقا‬
‫كانت ممتلكات االشخاص الذين يتم اعدامهم او نفيهم يتم مصادرتها‪ ،‬ولكن االمبراطور لم يرغب في‬
‫أن يتحمل االبناء وزر اإلباء‪ ،‬وأصبح من المألوف السماح أوالد المعدومين او المنفيين بأن يرثوا نصف‬
‫الميراث والنص االخر يذهب للدولة ماعدا في حالة الخيانة فالعقوبة صارمة (‪ ،)173‬وقد شرع العديد‬

‫‪(168) Digest :Theodore Mommsen and P. Krueger (eds), Justinian’s Digest of Roman‬‬
‫‪Law, trans. A. Watron, 4 vols .Philadelphia 1985 .49.1.1.2‬‬
‫‪(169) Fergus Millar: “The Emperor in the Roman World 31 BC-AD 337” Ithaca, N.Y.‬‬
‫‪Cornell University Press, London: Duckworth. 1977. p.548‬‬
‫‪(170) Digest :Theodore Mommsen and P. Krueger (eds), Justinian’s Digest of Roman‬‬
‫‪Law, trans. A. Watron, 4 vols .Philadelphia 1985 . 37.14.17‬‬
‫‪(171) Digest 28.4.3.‬‬
‫‪(172) Digest 36.1.23; 32.27.1.‬‬
‫‪(173) Tacitus, Cornelius: “The Annals” trans. by Alfred John Church and William Jackson‬‬
‫‪Brodribb , The University of Adelaide Library. South Australia. 2014. 3.17‬‬
‫‪35‬‬
‫من القوانين الجديدة التي تخص الوصايا‪ ،‬كما واصدر قانون يشدد العقوبة على نهب الممتلكات في‬
‫المقاطعات الرومانية من قبل االمناء او الحراس‪ ،‬وقانون اخر سمح للمندوبين السامين في تقرير من‬
‫يكون وصياً‪ ،‬وصدر قانون اخر يسمح للقاضي فقط أن يتجاوز بنود منح الوصية للحفاظ على حقوق‬
‫األطفال الفقراء (‪.)174‬‬
‫ولم يكن مسموحا ً للمربين بالزواج من القاصرين لديهم‪ ،‬او عدم اجراء اي عقد زواج في روما‬
‫القديمة‪ ،‬ولذلك فان أي عقد بالزواج البد وان يكون ضمن ثالثة شروط‪:‬‬
‫(‪ )1‬يجب أن يكون الشريكين لهما الحق في الزواج‪.‬‬
‫(‪ )2‬من المفروض ان كال الزوجين وصال إلى سن البلوغ‪ ،‬بالنسبة للذكور يعتقد أنه (‪ )14‬سنة ولإلناث‬
‫(‪ )12‬عاما‪.‬‬
‫(‪ )3‬موافقة آباء أسرتي الفتاة والعريس‪.‬‬
‫(‪)175‬‬
‫‪ ،‬وان‬ ‫على أية حال هذا الشكل من الزواج هو الوحيد المعترف به من قبل المجتمع الروماني‬
‫من حق المعتوقين من نفس المنطقة يمكن تعيينهم اوصياء على القاصرين المعتوقين‪ ،‬الن تعيين رجال‬
‫احرار أوصياء على المعتوقين كان سببا ً وجيها ً للرفض فحتما سيكون هناك استغالل وسوء معاملة‬
‫(‪ ،)176‬وذكر في وثيقة آخرى انه حتى لو تمتع المعتوقين باإلعفاء من التزامات الدولة (العسكرية‬
‫والضرائب ‪ )..‬اال انه يمكن تعيينهم اوصياء على اوالد سادتهم السابقين (‪.)177‬‬
‫وصية ماتيديا عمة االمبراطور ماركوس‬
‫وفي السنة االولى من حكم ماركوس كان اطفاله غالبا ً ما يبقون مع عمته الكبيرة ماتيديا (‪)Matidia‬‬
‫(‪ ،)178‬ابنة اخ االمبراطور تراجان العظيم‪ ،‬واخت زوجة االمبراطور هادريان‪ ،‬وقد توفيت سنة (‪)162‬‬
‫م وتركت لماركوس بعض القضايا الشائكة التي تتعلق بوصيتها‪ ،‬فالمرأة شديدة الثراء‪ ،‬وليس لها اوالد‬
‫و محاطة بالطفليين(وصفوا بانهم العالة على غيرهم) والجائعين الذين حاولوا أن يكونوا هم المستفيدين‬
‫ولو جزء من الوصية التي تركتها‪ ،‬وربما أخبرت ماتيديا اولئك المتطفلين بأنهم تركت لهم بعض‬
‫ممتلكاتها في وصيتها‪ ،‬ولكنها احتاطت فلم تختم الجزء الخاص بهم‪ ،‬ولو ختمت الوصية يجعلهم بحسب‬
‫القانون الروماني ورثة بالتأكيد‪ ،‬وبينما كانت تحتضر قام اولئك الطفيليين بختم نسخة ملحقة بالوصية‬
‫الخاص بهم‪ ،‬وماتت قبل ان يتم اكتشاف االحتيال‪ ،‬وبحسب القانون الروماني الذي ينص على احترام‬
‫وصية المتوفي‪ ،‬ولكن التزوير اكتشف فيما بعد‪ ،‬وأصبحت زوجة ماركوس وتدعى فاوستينا‬
‫(‪ )Faustina‬هي الوريثة مع أوالدها‪ ،‬ولو أخذ بالملحق الخاص المزور فأن عائلة ماتيديا (فاوستينا‬

‫‪(174) Historia Augusta: “The Life of Marcus Aurelius” published in the Loeb Classical‬‬
‫‪Library, part 1: 1921. 10.11–12‬‬
‫‪(175) Richard Saller: “Family and Household”, Chapter 29, Cambridge Ancient History‬‬
‫‪XI (2nd ed., Cambridge. 2000. p.859‬‬
‫‪(176) Digest :Theodore Mommsen and P. Krueger (eds), Justinian’s Digest of Roman‬‬
‫‪Law, trans. A. Watron, 4 vols .Philadelphia 1985, 27.1.1.4.‬‬
‫‪(177) Digest 26.5.14‬‬
‫)‪ (178‬ماتيديا أو ماتيديا الصغرى (‪ )162-85‬م‪ ،‬كانت ذات صلة بالعديد من االباطرة الرومان‪ ،‬ومع هذا لم تحمل لقب‬
‫اوغوستا‪ ،‬كما انها لم تتزوج وليس لها أي أطفال‪ ،‬وهو أمر غير عادي في ذلك الوقت‪ ،‬ومع ذلك كانت امرأة غنية جدا‪،‬‬
‫ومثقفة‪ ،‬وقريبة جدا من ابن اخيها ماركوس اوريليوس الذي كان يسمح لبناته بالبقاء مع عمته العظيمة‪ ،‬عندما توفيت‬
‫حدثت مشاكل حول وراثة امالكها ‪:‬‬
‫‪Giacosa, Giorgio:” Women of the Caesars: Their Lives and Portraits on Coins”. Translated‬‬
‫‪by R. Ross Holloway. Milan: Edizioni Arte e Moneta.1977. p. 9‬‬
‫‪36‬‬
‫واوالدها) يستلمون مبلغ ال قيمة له من المال وهي مليون ستيريوس ‪ ،)179( Sesterces‬بينما يحصل‬
‫الطفيلين وفق ملحق الوصية حصة تتجاوز ثالثة ارباع الميراث االجمالي‪ ،‬وكان ماركوس اوريليوس‬
‫حريص على التدقيق في ملحق الوصية المزورة ولم يسمح بقبولها (‪ ،)180‬او ان يتم اقناع فاوستينا‬
‫بترك الميراث‪ ،‬وقام باستشارة مستشارية المقربين‪ ،‬وسلم الوصية إلى لوسيوس فيروس (‪،)181‬‬
‫واالحتمال األكثر قبوال ان فيروس لم يسمح بتوثيق ملحق الوصية‪.‬‬
‫أهمية الفلسفة األخالقية في القضايا الشرعية‬
‫على الرغم من أفكاره الفلسفية‪ ،‬إال إنه كان سياسي واقعي‪ ،‬ألنه يقوم بتحويل المشاكل االخالقية‬
‫إلى قضايا شرعية عالجها في قوانين واضحة‪ ،‬فقد صدر عددا ً كبيرا ً من القوانين في فترة حكمه (‪،)182‬‬
‫ففي مرسوم له ذكر ما هو االجراء الدقيق الذي يتخذ عندما يقوم الحاكم باستشارة االمبراطور حول‬
‫قضية صعبة عندما يكون هناك طلب ضد حكم الحاكم‪ ،‬ووضح المرسوم بانه ال يمكن تطبيق اي عقوبة‬
‫صادره من الحاكم حتى ينظر االمبراطور في القضية بنفسه‪ ،‬ويعتبر الحكم الصادر عن االمبراطور‬
‫نافذا ً في اللحظة التي يتم اصداره في روما‪ ،‬فعلى سبيل المثال في حالة وصية المتهم الذي مات بموجب‬
‫الحكم الصادر من الحاكم (ولكن الحكم لم يصدق من قبل االمبراطور) ستكون العقوبة قانونية وتنفذ‬
‫(‪ ،)183‬وقضية أخرى أكثر صعوبة و تتعلق بمسؤوليات الدائنين والمدينين عندما يتم االقراض من اجل‬
‫ترميم البيت‪ ،‬فالبد من توضيح الموقف العام بين الدائن والمديون ومبلغ القرض والضمانات وطريقة‬
‫تسديد القرض ‪..‬الخ(‪ ،)184‬كما اهتم ماركوس في التحقيق حول حكم االمبراطور هارديان بخصوص‬
‫الكنوز التي يعثر عليها صدفة (‪ ،)185‬فقد حدد سلفه بانه بإمكان الشخص االحتفاظ بالكنوز ان وجدها‬
‫في امالكه‪ ،‬ولكن إذا وجدتها في غير امالكه فعليه أن يقتسمها بالنصف مع خزانة الدولة(‪.)186‬‬
‫أما بخصوص المجانين فال يمكن اعتبارهم مذنبين في اي جريمة كانت‪ ،‬ففي بعض األحيان تنسب‬
‫جرائم القتل إلى اشخاص مجانين بغية الهروب من العقاب‪ ،‬ولهذا كلف ماركوس الحراس بإجراء‬
‫تحقيق شديد لمنع اي شخص يتظاهر بالجنون(‪ ،)187‬واذا مات أحد المواطنين وهو يحمل صفات حميدة‬
‫تحت التحقيق الجنائي قبل اثبات اي تهمه عليه فال يتهم بالجنون‪ ،‬ويتم اعتبار كل التحقيقات التي أجريت‬
‫بحقه في وقت وفاته زائلة (‪ ،)188‬كما وعرف عن ماركوس تشدده ً مع االشخاص الذين يحاولون‬

‫)‪ (179‬ستيريوس (معنى اسمها (اثنين ونصف) عملة فضية رومانية قديمة منذ عهد الجمهورية وفي عهد اإلمبراطورية‬
‫أصبحت من معدن النحاس وتعادل قيمة حمار واحد بينما ربع دينارا يعادل قيمة عشرة حمير‪:‬‬
‫‪Kennedy, Benjamin Hall:” The Revised Latin Primer”. London: Longmans.1930. p. 214.‬‬
‫‪(180) Champlin, Edward: ‘The Chronology of Fronto”, The Journal of Roman Studies‬‬
‫‪64. 1974. p. 146‬‬
‫‪(181) Fronto to Marcus, 162): Haines, C. R: (1919), part. 2. Pp.94–101‬‬
‫‪(182) Digest 49.4.1.7‬‬
‫‪(183) Digest 28.3.6–9; 48.12.2.1.‬‬
‫‪(184) Digest 17.2.52.10; 20.2.1; 20.3.2.‬‬
‫‪(185) Horace, Quintus Horatius Flaccus: “Satires. Epistles”. The Art of Poetry Translated‬‬
‫‪by H. Rushton Fairclough. Loeb Classical Library 194. Cambridge, MA: Harvard‬‬
‫‪University Press, 1926. (Letters)Satires 2.6.10.‬‬
‫‪(186) Historia Augusta: “The Life of Hadrian” Published in the Loeb Classical‬‬
‫‪Library, part 2. 1921.18.6‬‬
‫‪(187) Digest 1.18.14‬‬
‫‪(188) Digest 40.15.1.3.‬‬
‫‪37‬‬
‫االحتيال على نظام الضرائب‪ ،‬من خالل ادعاء العفو أو الحصانة التي لم يحصلوا عليها‪ ،‬فمثال إذا‬
‫ادعى أحدهم كذبا ً بانه يعمل في شحن الذرة أو الزيت إلى روما‪ ،‬ولكنه في الحقيقة ليس مالك سفينة أو‬
‫قبطان بحري وال يمتلك اي شيء حتى يتعامل بالتجارة البحرية‪ ،‬يجب أن يحذف من اي حصانة ضريبية‬
‫يتمتع بها(‪ ،)189‬واخيرا ً من أجل االخالق واالبتعاد عن الرذيلة قرر ماركوس عدم السماح باالختالط‬
‫الجسدي بين الشباب من خالل الغاء الحمامات المختلطة التي وسعها هادريان سابقا (‪.)190‬‬
‫موقف ماركوس األخالقي من األلعاب الترفيهية‬
‫كان رأي ماركوس واضحا في االلعاب والمضاربات العامة فكثيرا ما ابدى اشمئزازه العميق‬
‫منها‪ :‬فقد كان يعتبر كل شخص يهتم باأللعاب بأنهم ناقصوا عقل‪ ،‬وأنها األقرب للغوغاء‪ ،‬ولهذا فأن‬
‫عدم رغبته باأللعاب باعتبارها ليست إنسانية وبعيدة عن الرحمة (‪ ،)191‬ومن ثم كان نادرا ما يحضر‬
‫على المسارح المجادلين‪ ،‬بالمقابل كثيرا ما يشاهد سيرك ماكسيموس (‪ ،)192( )Maximus‬ألنه يجد‬
‫متعه في مشاهدة األلعاب البهلوانية والمصارعة الرومانية أو عروض ترويض الحيوانات‪ ،‬أما‬
‫العروض الدموية التي يتم فيها المصارعة بين البشر والحيوانات المتوحشة أو حتى العروض الدموية‬
‫عندما تتقابل فيها الحيوانات مع بعضها(‪ ،)193‬فقد وضح ماركوس منذ البداية راية بأنه يرفض تلك‬
‫العروض الدموية‪ ،‬فكان يبعد نظره عنها أو يقرأ في أوراق رسمية ليبعد عينية عن ما يجري في‬
‫الحلبة‪ ،‬على الرغم من تحذيرات استاذه فرونتو بأن عدم اهتمامه بما يجري في الحلبة فانه سلوك غير‬
‫مقبول وقد يعرضه لمخاطر العداء من قبل الغوغاء في روما الذين يجدون متعة في تلك العروض‬
‫الدموية ‪ ،‬ألن مشهد االمبراطور وهو يقرأ وال ينظر إلى الحلبة سوف ال يعجب الحاضرين‪ ،‬وفي مثل‬
‫هذا الموقف لن يستطيع ان يحقق شعبية في عيون شعبه ألنه يحتقر تسليتهم الثمينة‪ ،‬وقد ابتكر ماركوس‬

‫‪(189) Digest 50.6.6.6‬‬


‫)‪ (190‬شيدت في عهد االمبراطور هادريان العديد من الحمامات ‪ ،‬التي تضم ثالث حجرات أساسية ‪ :‬األولى حجرة‬
‫بارده والثانية دافئة والثالثة ساخنة‪ ،‬إضافة الى أماكن للبخار عبر انابيب فخارية ‪ ،‬وحجرة لمسح الجسم بالزيت‪،‬‬
‫وأماكن حفظ المالبس ‪ ،‬وكانت تلك الحمامات مزينة بتماثيل من المرمر‪ ،‬والجدران عليها نقوش من الفسيفساء تصور‬
‫مناظر طبيعية وصيد الحيوانات تزين األرضية او الجدران‪ ،‬إضافة الى أنابيب لتصريف المياه القذرة‪ ،‬لذلك اعتبرت‬
‫الحمامات مثل النوادي المتعارف عليه اليوم‪ ،‬يلتقي فيها صفوة القوم‪ ،‬وتناقش في داخلها الكثير من القضايا االجتماعية‬
‫والسياسية بل وحياكة المؤامرات أحيانا ‪ ،‬وافضل تلك الحمامات التي شيدها هادريان في مدينة لبس ماجنا (لبدة في ليبيا)‬
‫‪ ،‬وحمامات (‪ )Aphrodisias‬في تركيا ‪ ،‬وفي كورنث (اليونان) ‪ ..‬الخ‪:‬‬
‫‪Albino Garzetti,:” From Tiberius to the Antonines: A History of the Roman Empire AD‬‬
‫‪14–192”. London: Routledge, 2014, p. 411 // Garrett V. Fagan :“Bathing in Public in the‬‬
‫‪Roman World” University of Michigan PressAnn Arbor .1999‬‬
‫‪(191) Marcus Aurelius: “The Meditations “Translated with Notes by Martin Hammond‬‬
‫‪with an Introduction by Diskin Clay. Penguin Books. 2006. 10.8.2‬‬
‫)‪ (192‬سيرك ماكسيموس ‪ :‬يعتبر اكبر سيرك يشغل ملعب سباق العربات الرومانية‪ ،‬ومكان للترفيه في روما‪ ،‬ويقع في‬
‫وادي بين تالل افنتين وبالتين‪ ،‬وكان أول واكبر ملعب في روما القديمة‪ ،‬وقياس السيرك (‪ )621‬م في الطول و (‪)118‬‬
‫م في العرض‪ ،‬و يستوعب (‪ )150000‬متفرج‪ ،‬الموقع حاليا حديقة عامة‪:‬‬
‫‪Bunson, Matthew: “A Dictionary of the Roman Empire”, Oxford University Press, 1995,‬‬
‫‪p. 246.‬‬
‫‪(193) Cameron, Alan: “Circus Factions Blues and Greens at Rome and Byzantium” Oxford‬‬
‫”‪University Press academic monograph reprints. 1976 // Michael Grant: “Gladiators‬‬
‫‪London. 1971 // Rawson, Elizabeth: “Chariot Racing in the Roman Republic”, Papers of‬‬
‫‪the British School at Rome 49 .1981. Pp.1–6‬‬
‫‪38‬‬
‫طريقة أخرى فاخذ يستقبل مستشارية خالل األلعاب ويملي عليهم الرسائل وعندما يراه الحشود وهو‬
‫يتحدث مع مستشاريه يتصورون انه يناقش مجريات االحداث في حلبة المصارعة وما يكتبه من أوراق‬
‫ما هي اال الرهانات المتعارف عليها في المسابقات (‪.)194‬‬
‫كما وجد طريقة اخرى جعلت االستياء منه واضحا ‪ ،‬فقد أصر على المحافظة على الفوارق‬
‫الطبقية في ترتيب المقاعد في ميدان الحلبة مثلما هو الحال سابقا‪ ،‬فهناك صفوف من المقاعد مخصصة‬
‫ألعضاء مجلس الشيوخ ومن ثم مستشاري المدينة (‪ ،)195‬وبعدها مقاعد أعضاء مجلس الشيوخ ممن‬
‫لم يحرروا عبيدهم ‪ ،‬فقد كان مثل هذا العتق في السابق يحدث نتيجة اصرار الغوغاء عندما يبتهجون‬
‫مع الممثلون وابطال السيرك او مع المصارعين فيطالبوا بحرية من يفضلونه في الحلبة(‪ ،)196‬ففي‬
‫احدى المناسبات طلب الغوغاء عتق مدرب حيواناتهم المفضل الذي وصف بانه (رجل آكل األسود)‬
‫الذي قتل الكثير من األسود في الحلبة‪ ،‬وقد رفض ماركوس تحقيق رغبة الجمهور لما له من وحشية‬
‫(‪ ،)197‬واخيرا ً أصدر االمبراطور المراسيم التي تفرض بتقليل تكاليف صرف األموال على األلعاب‪،‬‬
‫وانعكس هذا على تقليل االموال التي تدفع للمصارعين‪ ،‬فكان البد من البحث عن اشخاص يتم ادانتهم‬
‫بجرائم وبدال من تنفيذ حكم اإلعدام فيهم يتم ارسالهم إلى حلبة المصارعة لقتال الحيوانات المفترسة‬
‫وليكونوا عبرة لكل الناس وهؤالء ال يكلفون خزينة روما‪ ،‬ثم جاء دور الطائفة المكروهة المسيحيون‬
‫واالنتقام منهم في حلبات المصارعة وهؤالء أيضا ال يكلفون خزينة روما‪ ،‬ويعلق الباحثين بان تقليل‬
‫التكاليف كانت فكرة سيئة فلو اراد بالفعل تقليل األلعاب لكان عليه وقف صرف األموال على‬
‫المصارعين‪ ،‬و زيادة الضرائب على مسؤولي مدارس المصارعة‪ ،‬وبالعكس نراه يلغي مثل تلك‬
‫الضرائب (‪.)198‬‬
‫الموقف من عقوبة الخيانة العظمى‬
‫سعى ماركوس إلى ازالة العقوبات القاسية مع تقليل الغرامات وحسب المسموح بها أو التي‬
‫ذكرها القانون (‪ ،)199‬وقرر مثل االمبراطور انطونيوس بيوس بان ال يتم قتل اي عضو من أعضاء‬
‫مجلس الشيوخ في عهده‪ ،‬وترك التعامل مع مجلس الشيوخ إلى الشرطة‪ ،‬وهم المسؤولين عن القضايا‬
‫التي فيها المتهم عضوا في المجلس‪ ، )200‬وفي حالة الخيانة العظمى ضد الدولة كان على االمبراطور‬
‫ان يتدخل‪ ،‬على الرغم بانه ال يحبذ المشاركة في قضايا الخيانة‪ ،‬ولكن عليه الظهور في نهاية المحاكمة‬

‫‪(194) Historia Augusta “The Life of Marcus Aurelius” published in the Loeb Classical‬‬
‫‪Library, part 1: 1921. 15.1‬‬
‫‪(195) Tacitus, Cornelius: “The Annals” trans. by Alfred John Church and William Jackson‬‬
‫;‪Brodribb , The University of Adelaide Library. South Australia. 2014. 15.32‬‬
‫‪(196) Digest 40.19.17‬‬
‫‪(197) Dio Cassius: “Roman History”, published in Vol. IX of the Loeb Classical Library‬‬
‫‪edition, 1927. 71.29.4.‬‬
‫‪(198) De Robertis, F. M:”Dispensa del munus venatorium in una costituzione imperiale de‬‬
‫‪recente scoperta”, Historia 9 .1935, Pp.248–60.‬‬
‫‪(199) Dio Cassius: “Roman History”, published in Vol. IX of the Loeb Classical Library‬‬
‫‪edition, 1927. 71.6.1.‬‬
‫‪(200) Historia Augusta “The Life of Marcus Aurelius” published in the Loeb Classical‬‬
‫‪Library, part 1: 1921. 10.1–9.‬‬
‫‪39‬‬
‫لمنع عقوبة الموت التي تم اصدارها(‪ ،)201‬كما حدد المبالغ التي تمنح للمعلومات والمخبرين‬
‫ديالتوريس (‪ ،)202( )delatores‬ولم يشجع على زيادة المكافأة حتى ال تكون اسلوب متعارف عليه في‬
‫شرطة روما(‪ ، )203‬ففي بداية عام (‪ )160‬م عين سيفوال (‪ )204( )Scaevola‬مستشارا قانونيا‪ ،‬ولكن‬
‫فيما بعد اختار كل من ماركوس اوريليوس ولويسيوس فيروس مع رئيس مستشاريهم القانوني‬
‫فولوسيوس ميكانيوس (‪ ،)Volusius Maecanius‬وهو المعلم القانوني السابق لماركوس وشغل‬
‫منصب القائد في مصر‪ ،‬كما رشح مستشارا ً لمجلس الشيوخ‪ ،‬وقد أشار على االمبراطور وشريكيه‬
‫باالبتعاد عن القرارات التي تتعارض مع تلك التي اتخذت من قبل سيفوال (‪.)205‬‬
‫التسامح ونبذ الطغيان‬
‫عرف عن ماركوس بالتسامح مع االخرين‪ ،‬وبذلك ابتعد عن طغيان االباطرة السابقين‪ ،‬ومنع حرسه‬
‫الشخصي من ابعاد المواطنين الذين يقدمون اليه عرائضهم(‪ ،)206‬واألكثر من هذا سمح للكتاب‬
‫الساخرين وعلى االخص مارولوس (‪ ،)207( )Marullus‬بهجائه بعد أن منحه الحصانة‪ ،‬فظهرت‬
‫تعليقات حاقدة حول شخص االمبراطور(‪ ،)208‬وكان يمقت سياسي اسمه فيتراسينوس‬

‫–‪(201) Allison, J. E and J.D. Cloud,:”The Lex Julia Maiestatis”, Latomus 21,1962. Pp.711‬‬
‫‪731.‬‬
‫)‪ (202‬ديالتوريس كلمة التينية مفردها ديالتور (المخبر) وتعني شخص يقدم معلومات عن الجرائم التي يعاقب عليها‬
‫القانون سواء كانت صحيحة أم خطا ضد شخص بهدف الحصول على المال‪:‬‬
‫‪Herbermann, Charles, (ed.): “Delatores” Catholic Encyclopedia, Robert Appleton‬‬
‫‪Company. New York, 1913‬‬
‫‪(203) Historia Augusta “The Life of Marcus Aurelius” published in the Loeb Classical‬‬
‫‪Library, part 1: 1921. 11.1‬‬
‫)‪ (204‬كونتوس موسيوس سيفوال ‪ :‬من عائلة استقرائية‪ ،‬عين الده بوبليوس موسيوس سيفوال قنصال عام (‪ )133‬م في‬
‫عهد هادريان‪ ،‬وابية مؤسس العلوم القانونية الرومانية‪ ،‬ورث عن ابيه قدرة قانونية توهله لمنصب المستشار القانوني ‪،‬‬
‫فلدية ثمانية عشر كتابا عن المواطنة والحضارة ‪:‬‬
‫‪Bruce W. Frier and Thomas A.J McGinn: “A Casebook on Roman Family Law” Oxford‬‬
‫‪University Press. 2004. p. 474‬‬
‫‪(205) Williams, Wynne: “Formal and historical aspects of two new documents of Marcus‬‬
‫‪Aurelius”, ZPE 17: 1975. Pp.37–78.‬‬
‫‪(206) Herodian: “Roman History” translation by Edward C. Echols (Herodian of Antioch's‬‬
‫‪History of the Roman Empire, Berkeley and Los Angeles. 19611.2.3–4.‬‬
‫)‪ (207‬مارولوس‪ :‬في بداية الحكم (‪ )162-161‬م كان ماركوس وشريكه في الحكم لوسيوس فيروس يسعيان الى كسب‬
‫شعبية في عيون سكان روما فسمحا بحرية التعبير ويدل على ذلك الكاتب الكوميدي مارولوس الذي انبرى ينتقدهما دون‬
‫الخوف من العقاب فاعتبر عهد ماركوس فترة التسامح ‪:‬‬
‫‪Historia Augusta “The Life of Marcus Aurelius” published in the Loeb Classical‬‬
‫‪Library, part 1: 1921. 8. 1‬‬
‫‪(208) Dio Cassius: “Roman History”, published in Vol. IX of the Loeb Classical Library‬‬
‫‪edition, 1927. 72.33.2‬‬
‫‪40‬‬
‫(‪ ،)209()Vetrasinus‬ومع هذا سمح له بالبقاء في منصبه(‪ ،)210‬واصدر مرسوما ً بضرورة وضع‬
‫شبكة تحت فنانوا االراجيح عندما يتدربون‪ ،‬وتكون على شكل مواد اسفنجية سميكة (‪ ،)211‬ولكن هذا ال‬
‫يعني انه كان رقيق المشاعر فعلى العكس اذا قام احد المتهمين باالحتجاج والصراخ ضد احد قضاته‪،‬‬
‫ألنه لم يتخذ قرار العنف ضد خصومه له ‪ ،‬كان ماركوس يجيب‪( :‬وهل قرار تطبيق العنف يتم عندما‬
‫يجرح الرجال فقط؟)(‪.)212‬‬
‫أما في نصوص المراسيم وعددها (‪ )200‬والتي وصلتنا من عهده يبدو ان ماركوس كان‬
‫شخصية تتسم بمحافظة القانون واالدارة‪ ،‬مثل االمبراطور بيوس تماما(‪ ،)213‬على الرغم من انه يؤيد‬
‫فكريا ً رأي استاذه فرونتو حول استياء الطبقة األرستقراطية الرومانية من قضية المعتوقين الذين‬
‫أصبحوا اثرياء جداً‪ ،‬وذوي نفوذ‪ ،‬او لنقل مغرورين بأنفسهم‪ ،‬واراد االرستقراطيين ان يحافظوا على‬
‫مكانتهم واصدار تشريعات تسمح لهم بأن يستعبدوا المعتوقين مرة اخرى (‪ ،)214‬من جانب اخر كان‬
‫المعتوقين في االمبراطورية مستائين لقلة تأثيرهم في الجانب السياسي سواء في عهد ماركوس أو ممن‬
‫سبقه من االباطرة ‪ ،‬وألن االمبراطور يعرف جيدا مدى كراهيتهم لكنه اعتبرهم اقلية‪ ،‬فعلى سبيل المثال‬
‫اعتمد على حكم مدينة أثينا على العناصر الرجعية المحافظة‪ ،‬وطرد المعتوقين من مجلس المدينة‪،‬‬
‫ومنعهم من تولي المناصب العليا هناك‪ ،‬وقيد عضوية االيروباغوس (‪ )Areopagus‬وهو المجلس‬
‫االثيني الذي يوازي مجلس الشيوخ الروماني (‪ ،)215‬ومن المحتمل بأن سبب خوف ماركوس‬
‫واالرستقراطية حول تركيبة الهرم االجتماعي إذا ما أضيفت طبقة جديدة باسم المعتوقين إلى المجتمع‬
‫وهذا سيعني تحدي القوانين الطبيعة‪ ،‬وسوف يؤدي إلى الفوضى الحتمية داخل المجتمع الروماني‬
‫(‪.)216‬‬
‫على اية حال يفضل ماركوس دائما القوانين القديمة والتي صاحبت فلسفته الرواقية‪ ،‬وقد ذكر‬
‫في مراسيمه العودة إلى التراث القديم‪ ،‬فمثال أعاد احياء مراسيم رمي الرمح قبل ان تخوض روما‬

‫)‪ (209‬فيتراسينوس‪ :‬شخصية رومانية سياسية وقانونية شغل منصب اداري في عهد ماركوس‪ ،‬وكان كثير التحدث‬
‫عن نفسه مع عامة الناس‪ ،‬لذا وصف بانه ذو سمعة سيئة ‪ ،‬ويردد باستمرار بان العديد ممن قاتل معه في ساحة القتال‬
‫اصبحوا برايتورس (‪ ،)Praetors‬ولم يمنح هذا المنصب له الن الكثير من القضايا القانونية التي توالها كانت سيئة‬
‫ومع هذا لم يتخذ االمبراطور في حقه أي اجراء ‪:‬‬
‫‪Anthony R Birley: “Marcus Aurelius: A Biography” Routledge . London. Reprinted .2004.‬‬
‫‪p. 136‬‬
‫‪(210) Historia Augusta “The Life of Marcus Aurelius” published in the Loeb Classical‬‬
‫‪Library, part 1: 1921. 12.3‬‬
‫‪(211) Historia Augusta “The Life of Marcus Aurelius” published in the Loeb Classical‬‬
‫‪Library, part 1: 1921. 12.12‬‬
‫‪(212) Digest :Theodore Mommsen and P. Krueger (eds), Justinian’s Digest of Roman‬‬
‫‪Law, trans. A. Watron, 4 vols .Philadelphia 1985. 4.2.13; 48.7.7.‬‬
‫‪(213 ) Noyen, Paul:”Divus Marcus princeps prudentissimus et iuris religiosissimus”,‬‬
‫‪Revue Internationale de Droit de l’Antiquité, 3rd . series 1 .1954. Pp.349–371‬‬
‫‪(214) Tacitus, Cornelius: “The Annals” trans. by Alfred John Church and William Jackson‬‬
‫‪Brodribb, The University of Adelaide Library. South Australia. 2014. 13.26–7.‬‬
‫‪(215) Oliver, J. H: “Greek Constitutions of the Early Roman Emperors from Inscriptions‬‬
‫‪and Papyri” American Philosophical Society, Philadelphia, 1989‬‬
‫‪(216) Thomas Curtis (ed.): “The London encyclopaedia: or, Universal dictionary of‬‬
‫‪science, art, Literature, and Practical, Mechanics” , Vol. 2. London. p. 647‬‬
‫‪41‬‬
‫الحرب‪ ،‬فبعد االتفاق على إعالنها يؤخذ رمح ويلوث بالدماء أو تحرق نهايته‪ ،‬ويرمى عند حدود‬
‫أراضي العدو (‪ ،)217‬كما وأصر على ان يرتدي الجنود المالبس المدينة عند تواجدهم في ايطاليا(‪،)218‬‬
‫وبينما يذكر بعض الباحثين بانه أصر على الغاء الفوارق بين المواطن والالمواطن‪ ،‬ولكن في نفس‬
‫الوقت كان يؤيد الفروق الطبقية داخل طبقة المواطن نفسها‪ ،‬ويطالب بارتداء مالبس مختلفة لكل طبقة‬
‫اجتماعية حتى يسهل تميز الشخص اجتماعيا‪ ،‬وكان يؤيد أيضا التسميات المختلفة لكل طبقة اجتماعية‬
‫فمثال كالريسيموس (‪ )clarissimus‬تخص مجلس الشيوخ (‪ ،)219‬وعبارات (‪ )prefectissimus‬و‬
‫(‪ )egregious‬بالنسبة للفرسان (‪ ،)220‬ومع ذلك ال يرغب في أي مشاكل تحدث بين الطبقات‬
‫االجتماعية والطبقات الثانوية فكل منهما يجب ان يتمسك بمركزه وهيبته وعدم الخلط بين الطبقات‬
‫االجتماعية (‪.)221‬‬
‫كان شديد التمسك بالرتب العسكرية فالفرسان هم قادة الحرس االمبراطوري‪ ،‬ومجلس الشيوخ‬
‫قائدة للفيالق‪ ،‬واصدر قانون يمنع أعضاء مجلس الشيوخ بالزواج او العيش مع المرأة ذات سجل‬
‫اجرامي‪ ،‬وأيضا الزواج بين المعتوقين من بنات أعضاء مجلس الشيوخ بل واعتبر هذا النوع من‬
‫الزواج غير شرعي (‪ ،)222‬وفي كل احكامه الشرعية كان يميل إلى جانب مالك االراضي ضد المواطن‬
‫العادي‪ ،‬وأعضاء مجلس الشيوخ ضد المعتوقين‪ ،‬واالقليات ضد المجموعات المهاجرة الجديد الذين‬
‫ينضمون إلى التبعية الرومانية بعد العمليات العسكرية (‪ ،)223‬وكان يعتبر الرجال من الطبقة الدنيا لهم‬
‫قدرات عملية ووالء لرغباتهم الشخصية مثل شخصية بيرتيناكس (‪ ،)224( )Pertinax‬وباساوس‬

‫)‪ (217‬وردت طقوس رمي الرمح تعبيرا على اعالن الحرب في كتاب (ليفي) (‪ )Livy‬الكتاب األول ‪ ،‬وتنسب تلك‬
‫الطقوس لكاهن برتبة (‪( )Fetiales‬ترجم الى راعي االيمان) وهو كاهن اإلله جوبيتر في عهد روما القديمة ‪:‬‬
‫‪Titus Livius (Livy): “The History of Rome”, Book 1 Rev . Canon Roberts, Ed. 1.1‬‬
‫‪(218) Dio Cassius: “Roman History”, published in Vol. IX of the Loeb Classical Library‬‬
‫‪edition, 1927. 71.33.3‬‬
‫)‪ (219‬كالريسيموس كلمة التينية (صفة) تعني حرفيا (رجل حظى بتقدير كبير) فهي تدل على االحترام وتعطي معنى‬
‫(المشرق) أو (الشهير)‪ ،‬وترافق اسم عضو مجلس الشيوخ ‪ ،‬وفيما بعد أصبحت حق قانوني لكل عضو في مجلس‬
‫الشيوخ‪ ،‬وبقيت تستعمل حتى الربع األول من القرن الرابع الميالدي‪ ،‬وربما تعادل كلمات (باشا‪ ،‬بيك‪ ،‬افندي) التي‬
‫سادت في العصر العثماني وتذكر بعد االسم الشخصي ‪:‬‬
‫‪Edward Gibbon: “The History of the Decline and Fall of the Roman Empire” Vol. 2,‬‬
‫‪London. 1900. p. 83 no. 286‬‬
‫)‪( (220‬بريفيكتيسيموس) و (إغريجيوس) ‪ :‬كلمتان التينية وتعني رتب تعطى كتشريف لقادة كتائب الفرسان ‪ ،‬وقد‬
‫أعطيت لكثير من األشخاص الذين لم يتم رفعهم الى رتبة مجلس الشيوخ ‪:‬‬
‫‪Edward Gibbon: “The History of the Decline and Fall of the Roman Empire” Vol. 2,‬‬
‫‪London. 1900. P. 83 no. 287‬‬
‫‪(221) Kehoe, Dennis P:” Law and Social Function in the Roman Empire”. The Oxford‬‬
‫‪Handbook of Social Relations in the Roman World. Oxford University Press. 2011.‬‬
‫‪Pp. 147–148.‬‬
‫‪(222) Historia Augusta “The Life of Marcus Aurelius” published in the Loeb Classical‬‬
‫‪Library, part 1: 1921. 10.1–3; 10.7–9; 11.10.‬‬
‫‪(223) Michael Grant: “The Antonines: “The Roman Empire in Transition”. Routledge .‬‬
‫‪Revised ed. edition. 1996. p.39.‬‬
‫‪(224) Edward Pococke, and Thomas Arnold and James Amiraux : “History of the Roman‬‬
‫‪Empire from the time of Vespasian to the Extinction of the Western Empire” John Joseph‬‬
‫‪Griffin ,1853, pg. 158.‬‬
‫‪42‬‬
‫روفوس (‪ ،)225( (Marcus Bassaeus Rufus‬اللذان احتال مناصب عالية خالل فترة حكمه (‪،)226‬‬
‫وأيضا كان ماركوس يهتم باألقاليم االسيوية أكثر مما كان يهتم باإلغريق‪ ،‬ولم يستلم اي سفارة من كل‬
‫االقاليم وفق نفس القواعد الدبلوماسية ‪ ،‬انما لكل إقليم له خصوصياته‪ ،‬أن هذا التمايز داخل المجتمع‬
‫سعى الكثير من الناس تقديم العرائض للحصول على حق المواطنة أو الحصانة‪ ،‬أو االعفاء من‬
‫االلتزامات العسكرية ‪ ،‬أو االعفاء من الضرائب الغير مباشرة أو الحصول على دعم االمبراطور لهم‬
‫(‪.)227‬‬
‫االهتمام بالخدمات العامة‬
‫يؤمن ماركوس بدور الدولة في االقتصاد إلى حد كبير‪ ،‬وكانت تشريعاته تتجه الى سيطرة‬
‫الدولة في الشؤون االجتماعية واالقتصادية‪ ،‬فاصدر الكثير من التشريعات حول تجهيز المياه‪ ،‬وايجاد‬
‫مسافة صحيحة بين االبنية‪ ،‬وتصميم الحمامات العامة‪ ،‬وأماكن القبور‪ ،‬وحسن السلوك عند إقامة‬
‫الشعائر الدينية‪ ،‬وشيد الطرق الجديدة واقام النصب ليظهر بانه حاكم جديد في روما يختلف عن من‬
‫سبقه من االباطرة ‪ ،‬لكن مثل هذه السياسة لم تستمر طويال فما ان شيد بضعة طرق حتى توقف عن‬
‫البناء أو إقامة الطرق والقنوات ألنه ركز جل اهتمامه للحفاظ على ما هو موجود فعال (‪ ،)228‬فمثال‬
‫المحافظة على الشوارع والطرق السريعة بحال جيدة بسبب ازدحام مرور العربات خاصة في الصباح‪،‬‬
‫ولهذا اصدر تعليمات بمنع قيادة العربات في حدود مدينة روما االبعد منتصف الليل (‪ ،)229‬وعلى العموم‬
‫عرف عن سلفه االمبراطور هادريان بأنه لم يكن يهتم ببرامج البناء أو ترميم األبنية في المدن‪ ،‬بينما‬
‫قام ماركوس بترميم تمثال االمبراطور انتونينوس بيوس في كامبوس مارتيوس ( ‪Campus‬‬
‫‪ ،)230( )Martius‬ومعبد جوبيتير هيلوبوليتانوس (‪ )Jupiter Heliopolitanus‬في الجانيكولوم‬

‫)‪ (225‬ماركوس روفوس برفيكتوس ضابط برايتوي (الحرس االمبراطوري) في عهد ماركوس اوريليوس لم يتلقى‬
‫أي تعليم نتيجة ألصله الريفي ‪ ،‬شغل مناصب نيابية في اسبانيا و نوريكوم وغاليا وجيرمانيا ‪ ،‬عثر له على ثالثة تماثيل‬
‫في روما ‪:‬‬
‫‪Weaver, Paul R C: “Familia Caesaris, A Social Study of the Emperor’s Freedmen and‬‬
‫‪Slaves” Cambridge University Press. 1972. p. 237‬‬
‫)‪ (226‬للحصول على أمثلة حول توظيف رجال ذوي جدارة بدال من الرتبة واألسرة‪ ،‬راجع ‪:‬‬
‫‪L’Année Épigraphique, Paris .1958, 261.‬‬
‫‪(227) Dio Cassius: “Roman History”, published in Vol. IX of the Loeb Classical Library‬‬
‫‪edition, 1927. 71.19.1‬‬
‫‪(228) Pekary, Thomas: “ Untersuchungen zu den Römischen Reichstrassen” Bonn . 1968.‬‬
‫‪Pp.16–17.‬‬
‫‪(229) Historia Augusta “The Life of Marcus Aurelius” published in the Loeb Classical‬‬
‫‪Library, part 1: 1921.11.5; 23.8.‬‬
‫)‪ (230‬تمثال االمبراطور انطونيوس بيوس في (كامبوس مارتيوس) (معنى االسم حقل اإلله مارس) وهي منطقة في‬
‫روما القديمة‪ ،‬وعرفت بانها األكثر اكتظاظا في المدينة ‪ ،‬وشيد أنطونيوس بيوس معبد كرس لإلمبراطور الراحل‬
‫هادريان المقدس‪ ،‬كذلك شيد معبد الى زوجة هادريان وتدعى الماتيديا ‪ ،‬اما التمثال فلم يبقى منه حاليا غير القاعدة فهو‬
‫على االغلب عمود تم نصبة عام (‪ )161‬م على شرف االمبراطور الراحل ‪:‬‬
‫‪Platner, Samuel Ball, and Thomas Ashby:” A Topographical Dictionary of Ancient Rome”.‬‬
‫‪Oxford UP, H. Milford, London. 1929. p. 331‬‬
‫‪43‬‬
‫(‪ ، )231( )Janiculum‬ثم شيد ماركوس عموده التذكاري الوحيدة في روما (‪ ،)232‬ولكن لم يبذل جهده‬
‫اعمار اسبانيا أرض اجداده‪ ،‬حتى انه لم يلغي قانون تراجان الذي انهكت اسبانيا بفعل استغاللها من‬
‫قبل المستوطنين الطليان الذين استحوذوا على األراضي االسبانية وشكلوا اقطاعيات كبيرة (‪.)233‬‬
‫تنظيم الضرائب‬
‫كانت الضرائب عب ثقيال على المواطنين واعتبرت التزاما يجب احترامه‪ ،‬فكان على‬
‫االمبراطور توفير وتخفيف أسعار الحبوب ‪ ،‬فألغى اسعار الحبوب المهيمنة على السوق وبدأ بمراقبة‬
‫استيرادها بعناية‪ ،‬واستنتج بان الخبز هو الشرط االساسي لوجود روما آمنه‪ ،‬فالبد من تجهيز روما‬
‫بالحبوب وبانتظام‪ ،‬ولهذا كان تحت حكم ماركوس اوريليوس منصب فكتوس أنوناي ( ‪fectus‬‬
‫‪( )annonae‬سيد األسواق) (‪ ،)234‬وهو يأتي بالمركز الثالث بعد قائد مصر‪ ،‬والقائد البريتوري (الحرس‬
‫االمبراطوري)‪ ،‬ألن موضوع تجهيز الحبوب الذي ذكر في نصوص ماركوس اوريليوس هو األساس‬
‫الذي شاركه فيه حكام اقاليمه‪ ،‬ولكن في نفس الوقت زاد ماركوس من جامعي الضرائب‪ ،‬وسعى لتقوية‬
‫ضريبة الميراث‪ ،‬وعمل على اصالح الجمارك ونظام التعريفة الجمركية‪ ،‬وبدأ بالتحقيق في مصروفات‬
‫أموال الحكومة المحلية‪ ،‬وأيضا محاربة الفساد(‪ ،)235‬وأصر ان الدولة لديها القوة في كل أمور الحياة‬
‫االقتصادية والمالية‪ ،‬وحتى في تنظيم التجارة‪ ،‬وادارة العالقات بين اعمال الشركاء وكتابة العقود‪ ،‬وهذا‬
‫يعني تدخالً كبيرا ً من قبل الدولة‪ ،‬فال بد وان كانت السنوات االولى من فترة حكم ماركوس تمتع بها‬
‫بشعبية كبيرة (‪.)236‬‬
‫السياسة المالية في عهد ماركوس‬
‫عندما توفي االمبراطور انتونينوس بيوس ترك خزينة روما بحاله جيدة‪ ،‬ألنها كانت تحتوي‬
‫على (‪ )675‬ديناري(‪ 2,600‬مليون سيستريسيس) مودوعة في الخزينة (‪ ،)237‬ربما كانت هذه دعاية‬
‫وضعها المعجبون باإلمبراطور بيوس‪ ،‬أما بالنسبة لسياسة ماركوس المالية والنقدية فيصعب تفسيرها‬

‫)‪ (231‬تل الجانيكولوم يقع التل في غرب روما‪ ،‬وهو ثاني أطول تل في المدينة‪ ،‬ويجري في غرب التل نهر التيبر‪،‬‬
‫وموقع معبد اإلله جوبيتير هيلوبوليتانوس على التل حتى يمكن مشاهدته بكل وضوح من قبل سكان روما‪ ،‬اما اسم‬
‫هيلوبوليتانوس فهي تحريف الى إله هليوبوليس المصري الذي يمثله االله رع‪ ،‬وهنا يجسد جوبيتير إله الخصوبة ورب‬
‫الرعد والمطر‪ ،‬واإلله العظيم‪ ،‬وإله السماء‪ ،‬وإله الشمس‪ ،‬واعتبر هذا المعبد مصدر للتنبؤات مثله مثل معبد بعلبك في‬
‫سهل البقاع في لبنان‪ ،‬وقد زار المعبد االمبراطور تراجان عام (‪ )114‬م ليعرف نتيجة حملته المقبلة ضد الفرثيين؟ وهل‬
‫يعود سالما من تلك الحرب؟‪:‬‬
‫‪Edward Gibbon: “The History of The Decline and Fall of the Roman Empire” Vol. 2,‬‬
‫‪London. 1900. Pp. 20-25‬‬
‫;‪(232) Robinson, O. F: “Ancient Rome. City Planning and Administration” Routledge‬‬
‫‪London:1992. p.22.‬‬
‫‪(233) Historia Augusta “The Life of Marcus Aurelius” published in the Loeb Classical‬‬
‫‪Library, part 1: 1921.11.7.‬‬
‫)‪ (234‬فكتوس أنوناي‪ :‬عبارة التينية تعني منصب (سيد األسواق) ‪:‬‬
‫”‪Thomas Arnold: History of Rome: Early history to the burning of Rome by the Gauls‬‬
‫‪Vol. 1: London . 1845. p. 356‬‬
‫‪(235) Digest :Theodore Mommsen and P. Krueger (eds), Justinian’s Digest of Roman‬‬
‫‪Law, trans. A. Watron, 4 vols .Philadelphia 1985. 27.1.26‬‬
‫‪(236) L’Année Épigraphique: Paris .1960, 114, 200, 342.‬‬
‫‪(237) Vogel, Lise: “The Column of Antoninus Pius” Cambridge. Harvard University‬‬
‫‪Press. Chicago. 1973‬‬
‫‪44‬‬
‫‪ ،‬فقد ورث السياسة المالية من انتونينوس بيوس الذي خفض سعر العملة‪ ،‬و تبعه ماركوس هو االخر‬
‫في تخفيض العملة الفضية محتمل ألنه ورث خزانة فارغة بعد وفاة بيوس‪ ،‬وربما كانت تكاليف‬
‫المهرجانات والمراسيم عالية وخاصة عندما استلم الحكم ماركوس كإمبراطور على روما‪ ،‬وكانت‬
‫عملية تخفيض العملة هي الطريقة الوحيدة لزيادة األموال في الخزينة(‪ ،)238‬أو الن مدفوعات الخزينة‬
‫العالية كانت تذهب إلى الجيش مما أدى الى حالة من التضخم في القرن الثاني الميالدي‪ ،‬فقد كان الجنود‬
‫يستلمون رواتب تصاعدية مع الهبات‪ ،‬ولهذا كانت نصف اموال الضرائب (التي تقابل الضرائب على‬
‫الحبوب) في االقاليم تذهب كرواتب للجيش وهبات لهم (‪.)239‬‬
‫في بداية عهد االمبراطور سيبتيوس سفيروس (‪)211-145( )Septimius Severus‬م‪ ،‬كان‬
‫راتب الجندي في الفيلق الروماني (‪ )500‬ديناري سنويا ً‪ ،‬وكان الحارس في الحرس االمبراطوري‬
‫يستلم ثالث اضعاف راتب جندي الفيلق‪ ،‬بينما يستلم قائد المئة (‪ )5‬اضعاف الحرس االمبراطوري‪،‬‬
‫وكان بريموس دبيلوس (‪ )primus pilus‬يستلم بالفعل عشرون ضعفا ً (‪ ،)240‬وفي كل سنة تكون هناك‬
‫سبعة وتسعين فرقة جاهزة بجنودها وعتادها‪ ،‬وهذا يتطلب تعين سبعون ضابطا من أعضاء الفيلق‬
‫العاملين (‪ )10‬منهم تم تكليفهم مباشرة‪ ،‬ويأتي (‪ )17‬من الحرس االمبراطوري بهدف مضاعفة اجورهم‬
‫ثالثة اضعاف‪ ،‬ويتم في كل وقت دفع مصروفات ومكافأة كبيرة مع التبرعات للفرد الواحد‪ ،‬وكان في‬
‫عهد ماركوس اوريليوس هناك ثمانية وعشرون فيلق‪ ،‬وهناك ستون ضابط (‪ )Centurions‬في كل‬
‫فيلق‪ ،‬وعليه يجب دفع فاتورة سنوية لـ(‪ )1680‬ضباط يلتقي بهم (‪ ،)241‬وأما صرف الهبات فتصرف‬
‫عادة بمعدل خمس مرات خالل السنة للحرس االمبراطوري‪ ،‬وتدفع تلك المبالغ عادة عند اعتالء‬
‫االمبراطور العرش‪ ،‬خاصة اذا أراد االمبراطور ان يحافظ على القوات جاهزة وفعالة‪ ،‬ومن المعروف‬
‫ان ماركوس ولوسيوس فيروس في بداية حكمهما عليهما دفع هبات تقدر (‪ )20000‬سيسترسيس‪ -‬وهو‬
‫اعلى رقم مالي تم دفعه منذ الحروب االهلية في أواخر عصر الجمهورية(‪ )88-90‬ق‪.‬م ‪ ،‬كما وزع‬
‫ماركوس (‪ )240‬مليون سيسترسيس لقوات روما وحدها‪ ،‬ولو تم توسيع الهبات وفق اسس نسبية تبلغ‬
‫(‪ )30%‬كما كان سائدا ً فأن الفاتورة النهائية ستكلف على االرجح (‪ )1000‬مليون آخر من‬
‫السيسترسيس(‪ ،)242‬وكل ذلك تم في وقت لم تتوسع فيها أمالك اإلمبراطورية علما بان العائدات المالية‬
‫كانت في تناقص مستمر‪ ،‬وكان هذا الموقف المخيف على وشك ان يصبح األسوأ عندما ضرب الطاعون‬
‫والحرب في اقليم جيرماني التابع لروما‪ ،‬في ذلك الوقت كان ماركوس يحاول جاهدا ً ادارة موارده‬

‫‪(238) Walker, David Richard: “The Metrology of the Roman Silver Coinage, Vol.2 From‬‬
‫‪Nerva to Commodus”. British Archaeological Reports, Vol. 2. Oxford. 1977. Pp.55–60//‬‬
‫‪Duncan-Jones, Richard:”Structure and Scale in the Roman Economy”,‬‬ ‫‪Cambridge‬‬
‫‪University Press .Cambridge, 1990. p.44‬‬
‫‪(239) Hopkins, Keith: ”Taxes and Trade in the Roman Empire 200 B.C.–A.D. 400”, The‬‬
‫‪Journal of Roman Studies 70: 1980. Pp.116–125.‬‬
‫)‪ (240‬بريموس دبيلوس‪ :‬الترجمة الحرفية تعني (الرمح األول) الن الكلمة الالتينية (بيلوم) تقابل (الرمح باللغة‬
‫اإلنجليزية‪ ، ،‬ويطلق بريموس دبيلوس على الضابط الروماني الكبير في الجحفل الروماني‪:‬‬
‫‪Brunt, P. A:”Pay and Superannuation in the Roman Army”, Papers of the British School‬‬
‫‪in Rome 18 1950. Pp.50–61.‬‬
‫‪(241) Dobson, Brian :”The significance of the centurion and primipilari”, ANRW loc.‬‬
‫‪cit., Pp.392–430‬‬
‫‪(242) Campbell Brian:”The Emperor and the Roman Army (31 B.C.-A.D. 235)” Oxford.‬‬
‫‪1984. p.171‬‬
‫‪45‬‬
‫المالية بدون جمع ضرائب بالقوة أو فرض ضرائب جديدة‪ ،‬ولذلك ترك حمال ثقيال لولده كومودوس‬
‫(‪.)243‬‬

‫‪-3‬آراء ماركوس اوريليوس في العبودية واالضطهاد المسيحي‬


‫مقدمة في العبودية والمسيحية‬
‫في هذا المبحث أرى من الضروري جمع العبودية والمسيحية معا‪ ،‬فكالهما ليس لهما حقوق في‬
‫الدولة الرومانية قبل ماركوس وبعده‪ ،‬فنظام العبودية راسخ منذ عهد الجمهورية‪ ،‬وكان العبيد يعانون‬
‫من سوء المعاملة واالضطهاد وال حق لهم في ابسط متطلبات الحياة‪ ،‬على الرغم من انهم شاركوا في‬
‫بناء حضارة روما وقاتلوا اعدائها وشيدوا الصروح العالية والطرق الرومانية واغلب تلك المنشآت‬
‫الزالت شاخصة‪ ،‬وتعرضوا للقتل المنظم فكثيرا ما كانوا أداة للترفيه في مالعب اإلمبراطورية وذلك‬
‫برميهم للحيوانات المفترسة أو المصارعين المتدربين فموتهم ال ثمن له‪ ،‬كذلك من اعتنق المسيحية‬
‫تعرض لالضطهاد والقتل وسلبت منه حقوقه حتى لو كان مواطنا رومانيا‪ ،‬فسيقوا إلى مالعب الترفيه‬
‫والتعذيب حتى الموت خالل القرنين األول والثاني‪ ،‬ومن هنا فان كلمة شهيد تدل على نوع من الكتابة‬
‫عرفت باسم (سير الشهداء) والتي وصلتنا من مؤلفات الكنسية الحقا‪ ،‬وهكذا أرى ان كال الحالتين كان‬
‫البد من دراستهما معا‪.‬‬
‫‪ -1‬العبيد‬
‫ذكر ماركوس اوريليوس في التأمالت بعض أفكار حول استقالل االنسان وتقرير المصير‪ ،‬مرددا‬
‫فكره الرواقين‪ ،‬كما تحدث عن دستور متوازن بين البشر‪ ،‬وحرية المواطنين االحرار والملكية فوق‬
‫كل شيء‪ ،‬وعلى الرغم من سلوك ماركوس كإمبراطور حكم لفترة واسعة في العاصمة روما ولمدة‬
‫بلغت (‪ )19‬عاما إال ان العبودية كانت راسخة في انحاء اإلمبراطورية‪ ،‬وهذا خلق تناقض بين أفكاره‬
‫والواقع الذي ورثه عن اسالفه االباطرة‪ ،‬فعلى الرغم من فلسفته وما يملكه من قوة كبيرة إال انه لم‬
‫يحارب الرق! ويقي الرق يمارس في جميع انحاء اإلمبراطورية‪ ،‬وعندما استلم ماركوس الحكم كان‬
‫حوالي (‪ ) %30‬من سكان مدينة روما هم من العبيد‪ ،‬وتفاوتت واجباتهم ففي مدينة روما اشتغلوا في‬
‫المنشآت العامة أو تنسيق مشاريع البناء‪ ،‬وكثير ما يمتلك المواطنون في القطاع الخاص العديد من‬
‫العبيد الذي يعملون كممرضين أو مدرسين أو مدراء منازل‪ ،‬اما باقي العبيد فيتم ارسالهم إلى المصانع‬
‫أو المزارع (‪ ، )244‬وغالبا ما يكون للعبيد الذين يعملون كخدم في المنازل فرص اكبر للنجاح‬
‫االقتصادي‪ ،‬أو حتى الحصول على الحرية‪ ،‬في حين من يعمل في المزارع فسوف يبقون تحت نير‬
‫العبودية حتى مماتهم‪ ،‬عموما لعب العبيد دورا حاسما في الحفاظ على المشاريع في القطاعين العام‬
‫والخاص (‪.)245‬‬

‫‪(243) Dio Cassius: “Roman History”, published in Vol. IX of the Loeb Classical Library‬‬
‫‪edition, 1927. 72.32.3‬‬
‫‪(244) Jo-Ann Shelton:” As the Romans Did: A Sourcebook in Roman Social History, 2nd‬‬
‫‪ed New York: Oxford University Press, 1998, Pp.166–167‬‬
‫‪(245)Tim Parkin and Arthur Pomeroy :” Roman Social History: A Sourcebook Routledge‬‬
‫‪Sourcebooks for the Ancient World (London; New York: Routledge, 2007. p. 155‬‬
‫‪46‬‬
‫من المستغرب ان هناك القليل من النقاش حول الرق في عهد ماركوس‪ ،‬فقد ذكر بعض المالحظات‬
‫في معرض حديثه عن العبودية‪( :‬يهرب العبد من سيده فيصبح مطارد‪ ،‬والقانون سيد الجميع‪ :‬وبالتالي‬
‫فان الهارب يخضع لعقوبة القانون‪ ،‬وفي نفس االتجاه فأن اآللم‪ ،‬والغضب‪ ،‬أو الخوف مرفوضا في‬
‫الماضي والحاضر أو حتى في المستقبل‪ ،‬وبما أن الحاكم يتصرف وفق القانون‪ ،‬فلهذا هروب العبد قد‬
‫يكون بسبب الخوف‪ ،‬أو اآللم‪ ،‬أو الغضب‪ ،‬ومن ثم يصبح العبد مطاردا) (‪ ،)246‬كما ذكر أيضا بان‬
‫العبد ليس له صوت في شؤون الدولة‪( :‬لقد ولدت عبدا‪ :‬اذن ليس لديك صوت)(‪ ،)247‬اعتقد انه يقصد‬
‫ال أهمية للعبد سواء بالرفض او القبول الن العبد ال حقوق له وال يعتبر مواطن روماني حتى لو قضى‬
‫حياته يعيش في روما‪ ،‬ومع هذا نقرأ في رسالة سينيكا (‪ 4( )Seneca‬ق‪.‬م – ‪ 65‬م) (فيلسوف روماني‬
‫من الرواقيين) وهي رسالة رقم (‪ )47‬إلى لوسيليوس (‪ )Lucilius‬ذكر كيفية التعامل مع العبيد حيث‬
‫يقول ‪( :‬هذه نصيحتي عامل من هم اقل منك مرتبة كما تعامل من قبل اصدقائك الخاصين) (‪ ،)248‬يقصد‬
‫هنا المساواة بين الحر والعبد‪ ،‬كما ذكر ماركوس اوريليوس في التأمالت وهو يطلب منا ‪( :‬أن نبحث‬
‫كيف نقف مع اصحابنا وكيف ولدنا جميعا لمساعدة بعضنا البعض) (‪. )249‬‬
‫وذكر الفيلسوف الروماني سينيكا تفسيرا للعبودية مختلف جدا ويطلب ان يتحول التفكير نحو ذات‬
‫االنسان‪ ،‬وعلى البشر ان يدركوا ما في أنفسهم قبل التفكير بالعبيد‪( :‬انه عبد‪ ،‬حتى روحه‪ ،‬وقد يكون‬
‫االنسان حرا‪ ،‬ومع هذا هو االخر عبد‪ :‬أرني رجال ليس عبدا؟ واحد عبد لشهوته‪ ،‬وآخر عبد للطمع‪،‬‬
‫وآخر للطموح‪ ،‬وجميع البشر هم عبيد للخوف‪ ...‬ال عبودية أكثر عيبا مما هو موجود في داخلنا) (‪،)250‬‬
‫وأستخدم ماركوس أوريليوس نفس االستعارة لوصف كيف يمكن أن تسيطر العبودية على العقل‪،‬‬
‫ويستعبد الرجل في افكاره الحزينة أو مستقبل مجهول ويقدم نصائحه‪( :‬لن يسمح مركزك وانت الحاكم‬
‫ان تكون بمثابة العبد ‪ ...‬ولن يسمح لكي تكون ساخطا‪ ،‬أو تجفل ما سوف يحدث في المستقبل) (‪.)251‬‬
‫راي ماركوس في العبودية‬
‫اعتقد بان ماركوس في احكامه القانونية يميل إلى جانب العبيد‪ ،‬وفي الحقيقة هذا االدعاء ليس‬
‫صحيحا ً بشكل عام‪ ،‬انما يفضل المعتوقين كمبدأ عام‪ ،‬وازالت الموانع أمام العبيد في شراء حريتهم‪،‬‬
‫فالعبد الذي يباع بعد وعد بالحرية يجب ان يحرر‪ ،‬وحتى وان لم يتم تحقيق الظروف الالزمة بين البائع‬
‫والمشتري فالبد من العتق‪ ،‬فقد كان دائما يحاول التأكيد بان عمليات تحرير العبيد يجب أن ال تغلق‬
‫بسبب بعض الشكليات القانونية‪ ،‬وال يرغب ماركوس ان يكون المال قادر على الفوز باي شيء أمام‬
‫اصالح رعايا الدولة (‪ ،)252‬ولذلك تناول في أحد مراسيمه ضرورة حماية العبيد الذين تعلن براءتهم‬

‫‪(246) Marcus Aurelius: “Meditations” Translated with Notes by Martin Hammond with an‬‬
‫)‪Introduction by Diskin Clay. Published by the Penguin Group, London. 2006. p. 100 §(25‬‬
‫)‪(247) Ibid: p. 113 §(30‬‬
‫‪(248) Lucius Annaeus Seneca: “On Master and Slave”, In Epistulae morales, trans. Richard‬‬
‫‪M. Gummere ,London Heinemann, 1917. Letter 47‬‬
‫‪(249) Marcus Aurelius: “Meditations.. p.205 § 11.18.‬‬
‫‪(250) Hellenistic Constructs: “Essays in Culture, History, and Historiography”,‬‬
‫‪Hellenistic Culture and Society v. 26 (Berkeley: University of California Press, 1997, p.‬‬
‫‪159.‬‬
‫‪(251) Marcus Aurelius: “Meditations .. 2.2.‬‬
‫‪(252) Williams, Wynne W: “Individuality in the Imperial Constitution: Hadrian and the‬‬
‫‪Antonines”, The Journal of Roman Studies 66 : 1976. p.80.‬‬
‫‪47‬‬
‫عن قتل سادتهم‪ ،‬ويتم تحريرهم‪ ،‬ووضح ماركوس ان االطفال الذين يولدون للعبيد خالل التحقيق يجب‬
‫ان يعتبروا احرار‪ ،‬كما يمكنهم االستفادة من اي ارباح أو فوائد في التشريعات الدولة التي صدرت‬
‫لصالحهم حالما يتم تبرئتهم(‪ ،)253‬ومن جهة أخرى كان صارما فيما يتعلق بالعبيد المطاردين أو الهاربين‬
‫أو اولئك المشتبه بهم في القتل‪ ،‬وفي حال قتل المالك‪ ،‬يتم تعذيب كل عبيد المنزل‪ ،‬كما ورد في مرسوم‬
‫صادر عن مجلس لشيوخ عام (‪ )57‬ق‪.‬م‪ ،‬ويمكن تطبيق هذه العقوبة على المعتوقين ايضا ً(‪ ،)254‬وكان‬
‫ماركوس يؤيد تلك القوانين القاسية بل كان سعيدا ً بجعل االسياد يضربون عبيدهم بقسوة لعدم طاعتهم‪،‬‬
‫أو حتى اعدامهم ‪ ،‬ويعود تاريخ اعدام العبيد بيد الجالدين إلى عصر الجمهورية الرومانية (‪ ،)255‬كما‬
‫قام ماركوس بتقوية حقوق مالكي العبيد من خالل اصداره مرسوم يذكر فيه حقهم في دخول أي مقاطعة‬
‫من مقاطعات االمبراطورية وحتى امالك االمبراطور بنفسه لمالحقة العبيد الهاربين(‪ ،)256‬كما كانت‬
‫العقوبات شديدة ضد االشخاص الذين يأوون العبيد الهاربين‪ ،‬إال إذا قدموا بالغ عن العبد الهارب في‬
‫خالل عشرون يوم‪ ،‬وعلى كل الحكام وقضاة المدينة والجنود وحراس االقليم ان يساعدوا في اعادة‬
‫اولئك العبيد الفارين(‪.)257‬‬
‫تسجيل الوالدات لألحرار والعبيد‬
‫أهتم ماركوس فيما يخص احوال رعيته‪ ،‬وقام بتعيين مسجل الوالدات‪ ،‬وطلب من كل الرومان وحتى‬
‫اولئك المواليد الغير شرعيين بان يقوموا بتسجيل والداتهم‪ ،‬ووظف محققون للتحقيق في كل القضايا‬
‫المشتبه بها لمنع االحتيال بين العبد والسيد‪ ،‬واالعالن ان مواليد العبيد‪ ،‬واالحرار‪ ،‬أو المعتوق الحر‬
‫بالوالدة(‪ ،)258‬وقد اتخذ ماركوس موضوع المواطنة الرومانية بجدية‪ ،‬وكان عازما ً على حماية وضعهم‬
‫االجتماعي(‪ ،)259‬وهناك مثال جيد عن منح المواطنة التي قام بعملها هو ولوسيوس فيروس سنة( ‪-168‬‬
‫‪ )169‬م إلى جوليانوس زيغرينيس (‪ )Julianus Zegrenis‬وهو زعيم مجموعة عرقية في جبال‬
‫أطلس في موريتانيا الطنجية (المغرب حاليا) حيث تم منحه حق المواطنة الرومانية مكافأة له على‬
‫والءه لروما بل واقناع القبائل االخرى بالوالء لروما ايضا‪ ،‬وأصر ماركوس على ان يقوم الزعيم‬
‫الموريتاني الطنجي بتسجيل أسماء زوجته واوالده قبل تصديق منحه حق المواطنة له (‪،)260‬‬
‫كان ماركوس مشغوالً دائما بما يقدم له من العرائض التي تطلب االعفاء‪ ،‬والحصانة‪ ،‬ومنح المواطنة‪،‬‬
‫من كل انحاء االمبراطورية‪ ،‬وكان دائما ً ما يفضل العمل بما تمليه عليه ذاته (‪ ،)261‬و يحبذ منح المواطنة‬

‫‪(253) Historia Augusta: “The Life of Marcus Aurelius” published in the Loeb Classical‬‬
‫‪Library, part 1: 1921. 9.7‬‬
‫‪(254) Tacitus, Cornelius: “The Annals” trans. by Alfred John Church and William Jackson‬‬
‫‪Brodribb , The University of Adelaide Library. South Australia. 2014. 13.52; 14.142–5.‬‬
‫‪(255) Digest 47.10.15.42.‬‬
‫‪(256) Digest 50.6.6.10–11.‬‬
‫‪(257) Digest 11.4.1.1–2.‬‬
‫‪(258) Historia Augusta: “The Life of Marcus Aurelius” published in the Loeb Classical‬‬
‫‪Library, part 1: 1921. 9.7–9‬‬
‫‪(259) Schulz, Fritz: “Roman registers of birth and birth certificates”, The Journal of Roman‬‬
‫‪Studies 32 .1942, Pp.78–91‬‬
‫‪(260) Christol, Michel “Une correspondance impériale: testimonium et suffragatio”, Revue‬‬
‫‪historique de droit français et étranger 66 .1988. Pp.31–42.‬‬
‫‪(261) Werner Eck:”Provincial administration and finance”, Cambridge Ancient History 11,‬‬
‫‪Second edition. Cambridge University Press, 2000, Pp.271–272‬‬
‫‪48‬‬
‫الرومانية للناس في المناطق النائية بدالً من تأسيس مدن رومانية جديدة للسيطرة على االراضي البعيدة‪،‬‬
‫وكان يفضل منح المواطنة إلى كل مجتمعات اإلمبراطورية وليس االفراد (‪. )262‬‬
‫االستفادة من العبيد المحررين في اإلدارة‬
‫ا ثبت االمبراطور ماركوس بان الفلسفة ال تعني الشدة والقتل الغير مبرر له‪ ،‬انما ابراز التعاطف‬
‫وعدم الشدة خاصة مع االسرى‪ ،‬وبذلك اكتسب شهرة واسعة بان تعاليمه الفلسفية طبقها على االحداث‬
‫التي عاصرها سواء في معارك الدانوب او على نهر الراين‪ ،‬وبعكس شريكه فيروس الذي مارس الشدة‬
‫في حروبه ضد الدولة الفرثية واسراها الذين استعبدهم وسيقوا الى جزيرة ديلوس اليونانية ليتم بيعهم‬
‫(‪)263‬‬
‫كعبيد (سأذكر العبيد الحقا)‬

‫شكل ‪ :6‬مشهد بالنحت البارز يمثل االمبراطور ماركوس اوريليوس على ظهر جواده‪ ،‬ويالحظ‬
‫اسيران جاثمان على ركبتيهما يطلبان العفو والمغفرة بعد هزيمة القبائل الجرمانية‪ ،‬هذا الوح محفوظ‬
‫في متحف كابيتولين في روما‬
‫فقد ظهرت شكوك حول طبقة الفرسان في عهد ماركوس‪ ،‬فقد اتضح بان كميات كبيرة من االموال‬
‫قد تسربت لصالح تلك الطبقة‪ ،‬وألجل حمايتها من المحتالين والسرقات‪ ،‬قام ماركوس بتعيين اناس من‬
‫طبقات اجتماعية مختلفة في المنصب الذي اصطلح عليه اسم (‪ )pseudo-collegiality‬الذي تعطي‬

‫‪(262) Fergus Millar: “The Emperor in the Roman World 31 BC-AD 337” Ithaca, N.Y.‬‬
‫‪Cornell University Press, London: Duckworth. 1977. Pp.482–3.‬‬
‫‪(263) Marcus Aurelius: “Meditations” Translated with Notes by Martin Hammond With an‬‬
‫‪Introduction by Diskin Clay. Published by the Penguin Group, London. 2006. p. 72‬‬
‫‪49‬‬
‫معنى (الزمالة غير متكافئة) (‪ ،)264‬وكان هادريان قد طرد كل الرجال المعتوقين من المناصب الرئيسية‬
‫وابدلهم بالنواب الفرسان‪ ،‬ووضع الرجال المعتوقين نوابا ً لهم لالستفادة من خبراتهم‪ ،‬عالوة على ذلك‪،‬‬
‫فقد كان تعيين العبيد والمعتوقين بهذا المستوى يحمل معنى طالما كانوا قادرين على استيعاب العبء‬
‫الديني في كل االعمال بين االمبراطور ومستشاريه ومجلس الشيوخ فكان عليهم العمل بالكتابة‪ ،‬حتى‬
‫لو كانت كل االحزاب متواجدة في روما(‪ ،)265‬وكان هادريان قد حافظ على تسلسل هرمي دقيق‪ ،‬مع‬
‫الفرسان حتى يكونوا الطبقة االدارية في الخدمات المدنية‪ ،‬بينما العبيد والمعتوقين في المراتب أقل‬
‫ومنها منصب الكتبة ‪ ،‬ولكن ماركوس قام بتحسين الموقف من خالل ابتكار االدارة في (الظل) ‪ ،‬و‬
‫يهدف من خاللها إلى االستمرار في المحافظة على مناصب الرجال المعتوقين الموازية اكثر للفرسان‪،‬‬
‫ويذكر البعض ان الخدمات المدنية كانت تعمل من خالل عبيد والمعتوقين الذين كانوا اكثر اهمية من‬
‫الفرسان‪ ،‬أو جنبا ً إلى جنب مع للفرسان(‪.)266‬‬
‫‪ -2‬الدين المسيحي‬
‫كان الصراع الطبقي على أشده منذ نهاية القرن الثاني ق‪.‬م‪ ،‬فقد سيطرت طبقة النبالء ومجلس الشيوخ‬
‫على األراضي الزراعية‪ ،‬وأقاموا مزارع كبيرة المساحة يعمل فيها العبيد مقابل طعامهم ولباسهم‪ ،‬وتم‬
‫مصادرة األراضي ذات المساحات الصغيرة‪ ،‬وأجبر الفالحين الصغار على الهجرة واللجوء إلى روما‬
‫التي اكتظت بالعبيد و المطرودين من أراضيهم المصادرة‪ ،‬ومن الطبيعي ولدت طبقة مسحوقه تماما‬
‫تتحين الفرص للتمرد أو السرقة وقطع الطرق‪ ،‬وقد جرت محاوالت للدفاع عن حقوق الفالحين‬
‫(‪)5‬‬
‫والمزارعين وبتوزيع األراضي المشاعة للتقليل من حدت الصراع الطبقي في أرجاء اإلمبراطورية‬
‫‪ ،‬لكن تلك المحاوالت لم تجد لها إذنا صاغية من مجلس الشيوخ الروماني‪ ،‬وكان نصيب كل المحاوالت‬
‫التي يقوم بها الفقراء والعبيد ضد حالة البؤس التي يعيشها السكان أو الترف الفاحش الذي تعيشه النخبة‬
‫الرومانية وجدت طريقها إلى الفشل (‪.)6‬‬
‫كان ميل عامة الشعب يتزايد أكثر فأكثر نحو ديانة واحدة من بين تلك الديانات الشرقية حتى يفضلونها‬
‫على سواها‪ ،‬وكان معلمو هذه الديانة يخبرون الناس أن يسوع العبراني ولد في فلسطين بين أمته‬
‫العبرانية في أيام اوغسطس قيصر(‪ -30‬ق‪.‬م – ‪ 14‬م)‪ ،‬وتحدث باآلرامية وقال (ال تظنوا أني جئت‬
‫النقض الناموس أو االنبياء ‪ ،‬ما جئت النقض بل ألكمل) (سفر متي ‪ )17 :5‬كما حدد موقف الدين‬
‫المسيحي من سلطة االمبراطور بقوله ‪(:‬أَعطوا ما لقيصر لقيصر وما هّلل هّلل) (انجيل مرقص) (‪:12‬‬
‫‪.)17-12‬‬
‫ومع ما كانت عليه ديانات الشرق األخرى من المكانة إال أنها لم تولي أتباعها مؤاساة ؟أو شراكة‬
‫مع حياة سامية جدا وجميلة ومملوءة رأفة وشعورا مع الغير كحياة المعلم العبراني الجديد الذي كان‬
‫لدعوته البسيطة صدى كبير في النفوس ‪ ( :‬تعالوا إلي يا جميع المتعبين ) هذه العبارة لها مفعول عظيم‬
‫في قلوب الماليين من الرومانيين التعابى‪ ،‬وال نجد في المناشير والنصب التذكارية لألباطرة الرومان‬
‫عبارة مثل هذه تدخل في القلوب أو حتى مرادفة لها تجمع الشعب الروماني ويصغون لنداء سادتهم ‪،‬‬
‫فالعبد والمعتق والصانع والمترف والوضيع والمزدري المقيم في ثكنات الحكومة والخرائب أو مأوى‬

‫‪(264) Werner Eck: “Administrative Posts”, Cambridge Ancient History 11, Second edition.‬‬
‫‪Cambridge University Press, 2000. p.256.‬‬
‫‪(265) Dio Cassius: (1927). 55.4.1–2.‬‬
‫‪(266) Werner Eck: “Administrative Posts”, Cambridge Ancient History 11, Second edition.‬‬
‫‪Cambridge University Press, 2000. Pp.263–5‬‬
‫‪50‬‬
‫للفقراء في روما هؤالء ومعهم الكثير لبوا النداء فوجدوا فرحا في الرجاء الذي ولده فيهم ذلك التعليم‬
‫السامي ‪ ،‬وفي مدى قرن برزت الديانة الجديدة على سائر ديانات اإلمبراطورية األخرى(‪.)267‬‬
‫وفي القرن األول والثاني الميالدي ومع انتشار المسيحية رفض العمال المسيحيين األوائل في‬
‫اإلمبراطورية الرومانية عبادة اإلمبراطور كما هو مطلوب‪ ،‬بل كانوا ينادون جهارا بسقوط الدولة‬
‫الرومانية فجر عليهم ذلك وباال واضطهاد شديدة‪ ،‬واتضح للمإل أن ديانتهم ال تتفق مع شروط الرعوية‬
‫الرومانية التي تدعوا بتقديم االحترام المطلوب لإلمبراطور والحكومة (‪ ،)268‬هذا التصرف جعلهم‬
‫يتعرضون إلى االضطهاد فقد كانت الكلمة التي تستخدم من قبل سكان اإلمبراطورية عند وصف تعاليم‬
‫المسيحية هي كلمة (الخرافة) (‪ ،)269()superstitio‬وتلك الكلمة غالبا ً تؤدي إلى االضطهاد والتشكيك‬
‫بالمسيحيين بانهم اساؤا إلى اآللهة من خالل القيام بأعمال ال اخالقية وجرائم الحاد و رفضهم لعبادة‬
‫اآللهة او اآللهات التي تعبد في اإلمبراطورية (‪ ، )270‬وهكذا بات االعتراف باعتناق الديانة المسيحية‬
‫قرابة عام (‪ )120‬م جرما قد يفضي إلى الموت (‪.)271‬‬
‫(‪)272‬‬
‫مجزرة لوغدونوم (‪)Lugdunum‬عام (‪ )177‬م‬
‫في القرنين االولين من العصر المسيحي ‪ ،‬كان الحكام المحليون الرومان هم المسؤولين إلى حد كبير‬
‫عن االضطهاد في القرن الثاني الميالدي ‪ ،‬واعتبر االمبراطور بان المشكلة المسيحية محلية لذلك ترك‬
‫االمر لحكام المقاطعات‪ ،‬ولذا فان االضطهاد كان محليا ومتفرق وانصب الحقد على اتباع المسيح بانهم‬
‫يرفضون التضحية لإلله جوبيتر وعدم قدسية االمبراطور ولذلك صدرت مجموعة من المراسيم‬
‫اإلمبراطورية التي تنص بمنع المسيحيون من الظهور في األسواق والحمامات العامة أو في األماكن‬
‫العامة اذا خالفوا تلك المراسيم يتعرضون للضرب والسرقة وتخريب منازلهم من قبل الغوغاء‪ ،‬وبرزت‬
‫المشكلة عندما توسعت المسيحية في مدينة لوغدونوم فوجت لهم االتهامات مثل االلحاد‪ ،‬وزنا المحارم‪،‬‬

‫)‪ (267‬جيمس هنري برستد‪ :‬العصور القديمة‪ ،‬ترجمة داود قربان ‪ ،‬بيروت‪ ،1968 ،‬ص ‪621‬‬
‫)‪ (268‬هناك عقيدة (عبادة االباطرة) وهي عبارة استعملت عادة للتضليل النه لم يحدث قط إال فيما ندر ان أقيمت شعائر‬
‫العبادة لالمبراطور إبان حكمه وفي اثناء حياته على اعتبار انه إله بالفعل انما ينضم الحاكم العظيم بعد وفاته الى قائمة‬
‫أسماء من تعبدهم الدولة ‪ ،‬على اية حال ازداد عدد المسيحيين واخذت كل جماعة تنظم ذاتها كنيسة واللفظة كنيسة‬
‫مأخوذة من اللفظة يونانية األصل (اكليزيا) معناها جماعة المؤمنين وكان اليونان يستعملونها قبال لمجمع العامة ‪ :‬جيمس‬
‫هنري برستد‪ :‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪ //622‬أ ‪ .‬ب ‪ .‬تشالز ورث‪ :‬اإلمبراطورية الرومانية‪ ،‬ترجمة رمزي عبد جرجس‬
‫ومراجعة محمد صقر خفاجة ‪ ،‬القاهرة‪ ،2003 ،‬ص‪164‬‬
‫)‪ (269‬أن كلمة (‪ ،)suprestitio‬تشير الى سلوك مخرب وانكار ديني اتجاه اآللهة الرومانية الن الدين يُعز اآللهة‪،‬‬
‫بينما يقوم (الخرافة) بجرح اآللهة ‪:‬‬
‫‪MacMullen, Ramsay:” Christianizing the Roman Empire”, The American Journal of‬‬
‫‪Philology 87: part 1 . 1966, p. 17‬‬
‫‪(270) Everett Ferguson:” Backgrounds of Early Christianity”, Grand Rapids, MI: William‬‬
‫‪B. Eerdmans Pub, 2003, Pp.593-594.‬‬
‫‪(271) Frend, William H. C: “Martyrdom and Persecution in the Early Church; A Study of‬‬
‫‪a Conflict from the Maccabees to Donatus”. Garden City, NY: Anchor Books, 1967. p. 11‬‬
‫)‪ (272‬لوغدونوم‪ :‬تأسست عام (‪ )43‬ق‪.‬م‪ ،‬وكانت مدينة رومانية مهمة‪ ،‬واطلق عليها اسم غول (‪ )Gaul‬الرومانية‬
‫في عهد ماركوس اوريليوس‪ ،‬وكانت عاصمة إقليم الروماني غاليا (‪ ،)Gallia‬وحاليا يطلق عليها ليون وتقع في فرنسا‬
‫‪:‬‬
‫‪Goyau, Georges: “Lyons”. The Catholic Encyclopedia. Vol. 9: New York: Robert‬‬
‫‪Appleton Company, Reprint. USA. 2013‬‬
‫‪51‬‬
‫واكل لحوم البشر(‪ ،)273‬ويمكن تفسير اندالع االضطهاد خالل هذه الفترة بعوامل سياسية أو دينية أو‬
‫اقتصادية ‪ ،‬فقد انتشرت المجاعة الواسعة كما انتشر الطاعون الذي استمر مدة عشر سنوات‪ ،‬وصدر‬
‫مرسوم إمبراطوري أمر من خالله ماركوس سنة (‪ )176‬م جميع المواطنين بتقديم التضحيات‪،‬‬
‫فاستغلت طبقة المحافظون في المدينة للمرسوم من أجل جلب المسيحيين للمحاكمة وتحميلهم الفوضى‬
‫االقتصادية والسياسية الن المسيحيين هم الجانب األضعف في المعادلة االجتماعية في مدينة لوندوغوم‬
‫(‪ ، )274‬فالقي القبض على (‪ )48‬مسيحيا وتم استجوابهم في الساحة العامة وامام الجمهور‪ ،‬ووفقا لرواية‬
‫يوسابيوس (‪ )275( )Eusebius‬بتعرض المسيحيون للتعذيب بينما واصلت السلطات القاء القبض على‬
‫آخرين ‪ ،‬وتم ضبط اثنين من خدم المحافظ واعترفا خوفا من التعذيب انهما مسيحين مارسا زنا المحارم‬
‫واكال لحوم البشر (‪.)276‬‬
‫ومع الحاح الغوغاء في شوارع لوغدونوم تم تعذيب االسرى بوسائل واشكال عده ومن ثم اعدموا‬
‫جميعا ومن بين (‪ )48‬ضحية في ليون نصفهم من أصل يوناني والنصف االخر من سكان غاليا من‬
‫ذوي التبعية الرومانية‪ ،‬ويتحدث المؤرخون بان ستة افراد فقط هم الذين أخذوا إلى المدرج الروماني‬
‫واطلقت عليهم الحيوانات المفترسة هم‪ :‬ماتوروس (‪ ،)Matturus‬وسانكتوس (‪،)Sanctus‬‬
‫وبالندينا(‪ ،)Blandina‬وأتالوس (‪ ،)Attalus‬وألكسندر (‪ ،)Alxander‬وبونتيكوس (‪،)Ponticus‬‬
‫أما بقية الشهداء وهم (‪ )42‬فتعرضوا للتعذيب في أماكن أخرى (خارج الحلبة)‪ ،‬النهم يحملون الجنسية‬
‫الرومانية‪ ،‬ثم قطعت رؤوسهم أو قتلوا في داخل السجن (‪.)277‬‬
‫انكشفت السياسة المناوئة للمسيحية التي قام بها ماركوس اوريليوس‪ ،‬فلم تصدر مراسيم واحكام‬
‫بحمايتهم والتي سبق وأن أعدها سلفه انتونينوس بيوس‪ ،‬بل قام بمعاقبة كل المواطنين الذين ادينوا جنائيا ً‬
‫من المسيحيين باالستناد إلى اتهامات مزيفة وملفقة‪ ،‬ويعتقد أنها من افعال االمبراطور وحكومته‪ ،‬الن‬
‫االمبراطور ماركوس لم يصدر قانون يمنع االضطهاد انما شجع اضطهاد المسيحيين (‪.)278‬‬

‫‪(273) Timothy Asher Yonts: “An examination of the martyrdoms of Lyon in AD. 177. A‬‬
‫‪critique of the theory of the Trinqui” Lynchburg, Virginia, 2014. p. 77‬‬
‫‪(274) Croteau, Shelly Jeanne: ”Marcus Aurelius and the Accidental Martyrs of Lyons‬‬
‫‪(A.D. 177)” , PhD diss., University of Missouri-Columbia, 1992. p. 17.‬‬
‫)‪ (275‬يوسابيوس من قيسارية وأيضا يعرف يوسابيوس بامفيلي كان مؤرخ يوناني مسيحي ‪ ،‬ال يعرف عن حياته‬
‫سوى القليل جدا ‪ ،‬تولى اسقفية قيسارية وله العديد من المؤلفات عن االناجيل أو التناقضات بين االناجيل‪:‬‬
‫‪(276) Eusebius, Eusebius: “The Church History”, Translation and Commentary by Paul‬‬
‫‪L. Maier (Grand Rapids, MI: Kregel Publications, 2007.Book 5. §1.12-13‬‬
‫‪(277) Musurillo, Herbert. The Acts of the Christian Martyrs. Oxford: Clarendon Press,‬‬
‫‪1972. p.75.‬‬
‫‪(278) Timothy Asher Yonts: (2014). p. 5‬‬
‫‪52‬‬
‫ولكن المجزرة بحد ذاتها التي رواها يوسابيوس عن مذبحة لوغدونوم تحمل شكوك كثيرة (‪،)279‬‬
‫وان ماركوس بعيد عن احداث لوغدونوم (‪ ،)280‬ويذكر الباحث (كيريسزتيس) إن الفترتين البارزتين‬
‫في االضطهاد كانت تحت حكم ماركوس أوريليوس في األعوام (‪ )168-161‬وحوالي (‪ )177‬م‪ ،‬ربما‬
‫االضطهاد كان نتيجة عن صدور مراسيم إمبراطورية‪ ،‬وأول هذه المراسيم وصف التضحية إلى‬
‫اآللهة‪ ،‬والثانية كانت نوعا ً من مراسيم جديدة ربما كانت تتعلق بمجلس الشيوخ ( ‪senatus‬‬
‫‪ )consultum‬سنة (‪ )177‬م إال ان ماركوس كان من حيث األساس والقانون بريئا ً من دم المسيحيين‬
‫(‪ )281‬فصحيح كان يعرف بان المسيحيين يحملون صفة العناد السافر (‪ ، )282‬ولكن اضطهاد لوغدونوم‬
‫يعكس مشكلة أوسع نطاقا للسلطة الغير المحدودة التي كانت تمنح لحكام المقاطعات والذين يسيرون‬
‫على هوى ورغبات الناس والغوغاء الوثنيين فيتم معاقبة الضعفاء ابتعادا عن شر األقوياء‪ ،‬فعلى‬
‫العكس في وقت سابق على احداث ليون كان ماركوس يحتفظ بالمسيحيين كجنود وضباط في الجيش‬
‫الروماني وبذلك فهو يحمي اإليمان في قلوب اتباعه (‪.)283‬‬
‫كانت الخيانة من الجرائم الشديدة في اإلمبراطورية‪ ،‬ويتعرض اصحابها إلى الموت وانكار دفن‬
‫الجثث أو اغراقهم في نهر التيبر‪ ،‬وكان التيبر بمثابة المكان الذي يتم فيه التخلص من االوساخ واالرواح‬
‫النجسة‪ ،‬وليس من الصدفة أن تكون هذه المعاملة متشابهة مع تدنيس الشهداء لوغدونوم‪ ،‬ألن ذلك كان‬
‫معتادا لدى الرومان حيث يتم اعدام المجرمين بعد عرضهم على الناس‪ ،‬وتقع حلبة لوغدونوم مثل‬
‫روما‪ ،‬بالقرب من نهر الرون (‪ ،)Rhone‬وغالبا ما كانت تجري في مدينة لوغدونوم قتال حتى الموت‬
‫بالقرب من مياه النهر (‪ ،)284‬وقد وصفت مجزرة لوندوغروم بانها رهيبة وان المضطهدين هم من‬
‫الرومان ذوي ثقافة وعرف روماني ‪ ،‬ومع هذا دنست جثث الضحايا واحرقت وكأنهم مرتكبي الخيانة‬
‫العظمى وهذا االمر معروف في الثقافة الرومانية وال يستطيع االمبراطور الروماني اتخاذ إجراءات‬
‫التي تمنع أو تحدد أي إجراءات الن حكام األقاليم بما يملكون من سلطة ينفذون رغبات الناس من حيث‬
‫المحاكمات‪ ،‬والتعذيب‪ ،‬وقطع الرؤوس‪ ،‬وحرق الجثث‪ ،‬والتخلص منها عن طريق المياه كلها عادات‬
‫رومانية تتم للتعامل مع غير المرغوب فيهم (‪.)285‬‬

‫)‪ (279‬ذكر يوسابيوس في تعليقاته في بداية( الكتاب الخامس) ان األحداث في لوغدونوم وقعت تحت حكم أنتونينوس‬
‫فيروس‪:‬‬
‫‪González Justo: (1984), "14 – Official Theology: Eusebius of Caesarea", The Story of‬‬
‫‪Christianity. Prince Press, 1984. p. 129‬‬
‫”‪Thompson, James Westfall: “The Alleged Persecution of the Christians at Lyons in 177‬‬
‫‪The American Journal of Theology 16. no 3, 1912. Pp. 358-384‬‬
‫‪(280) Paul Keresztes: “Marcus Aurelius a Persecutor?” The Harvard Theological Review‬‬
‫‪61: no.3. 1968. Pp. 321-341.‬‬
‫‪(281) Ibid: 341.‬‬
‫)‪ (282‬أ ‪ .‬ب ‪ .‬تشالز ورث‪ :‬اإلمبراطورية الرومانية‪ ،‬ترجمة رمزي عبد جرجس ومراجعة محمد صقر خفاجة‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،2003 ،‬ص ‪177‬‬
‫‪(283) Croteau, Shelly Jeanne:” Marcus Aurelius and the Accidental Martyrs of Lyons‬‬
‫‪(A.D. 177)”. PhD diss., University of Missouri-Columbia, 1992. p. 103.‬‬
‫‪(284) Kyle, Donald G: “Spectacles of Death in Ancient Rome”. London: Routledge,‬‬
‫‪1998. p. 159‬‬
‫‪(285) Ibid: p. 214‬‬
‫‪53‬‬
‫‪-4‬التجارة الرومانية في عهد ماركوس اوريليوس‬

‫يعتبر الفرثيين من االقوام اآلرية في إيران (‪ ،)286‬وكان الموطن األصلي للفرثيين في السهول الواسعة‬
‫المحصورة بين بحر ارال وبحر قزوين (‪ )287‬ثم انتقلت هذه المجموعة البدوية إلى الجزء الشمالي‬
‫الشرقي من إيران والمعروف بإقليم بارثو (‪ ، )288‬وكانوا رعاة رحل وخيالة اشداء‪ ،‬ثم بدأت تظهر‬
‫قوة الفرثيين مع بروز رئيس القبيلة ارشاق الذي قادهم إلى غزو المناطق المجاورة لهم‪ ،‬وبذلك استطاع‬
‫في النصف األول من القرن الثالث ق‪.‬م من السيطرة على كامل إقليم بارثو(‪ ،)289‬وفي بداية تأسيس‬
‫المملكة الفرثية وتكوينها السياسي كانت الدولة السلوقية ذات األصل االغريقي وهي وريثة االسكندر‬
‫المقدوني تمر بحالة من الضعف السياسي بسبب المؤامرات داخل االسرة الحاكمة لالستحواذ على‬
‫السلطة من جهة ومن جهة ثانية اتساع المملكة السلوقية التي تضم بالد الشام‪ ،‬والعراق‪ ،‬وايران‪،‬‬
‫وأفغانستان‪ ،‬وكان الصراع ينحصر بين الفرثيين والسلوقيين ولم تكن روما قد احتلت مكانة عالمية‬
‫آنذاك (‪.)290‬‬
‫بعد انتهاء الحروب الرومانية‪-‬البونية وتدمير قرطاج نهائيا عام (‪ )146‬ق‪.‬م أصبحت روما اكثر قوة‬
‫واتجهت نحو بسط سيطرتها على الشرق األدنى‪ ،‬وعدت سنة (‪ )129‬ق‪.‬م نهاية تاريخ الوجود السلوقي‬
‫في الشرق‪ ،‬وأصبحت حدود الحضارة الغربية اليونانية نهر الفرات‪ ،‬وانكمشت سلطتهم في بالد الشام‬
‫وأصبحت مهددة بالزوال تحت سيطرة الفرثيين في الشرق والرومان في الغرب‪ ،‬كما حلت الخالفات‬
‫بين ملوك األسرة السلوقية وكانت روما تناصر الضعفاء على الملوك األقوياء رغبة منها في عدم‬
‫ظهور ملوك أقوياء يقفون امامهم في الشرق األدنى القديم‪ ،‬وبالفعل انسلخ عدد كبير من األقاليم خالل‬
‫حروب المتنافسين على العرش‪ ،‬واعلن اغلبها االستقالل أو الخضوع للسيادة الفرثية مثل بالد الرافدين‬
‫(‪ ،)291‬وعند زيارة القنصل الروماني (بومبي) إلى مناطق الشرق مثل بنتوس (بالد االناضول)‪،‬‬
‫وأرمينيا‪ ،‬وسوريا‪ ،‬قام في عام (‪ )64‬ق‪.‬م‪ ،‬بعزل آخر ملوك الدولة السلوقية في انتوشيا (انطاكيا) عام‬
‫(‪ )63‬ق‪.‬م ‪ ،‬وبذلك دخلت سلوقيا في عالم النسيان‪ ،‬وبرزت روما منافس للفرثيين الذين وقفوا امام‬
‫أحالم اباطرة روما في السيطرة على كامل الشرق اسوة بمثلهم األعلى اإلسكندر المقدوني‪ ،‬لقد تركز‬
‫الصراع بين الدولتين الرومانية والفرثية على نهر الفرات الذي اصبح الحدود الفاصلة بين الدولتين‬
‫(‪.)292‬‬

‫)‪ (286‬عرفوا باسم بارني أو بارتي‪ ،‬وهي أحدى فروع قبيلة داهي (‪ )Dahae‬وهم من قبائل الساكا (ذكروا في نقش‬
‫بيستون) التي عرفت باالسكثيين (‪ )Scythian‬وبالمصادر االشورية اشكازي (‪ :)Iškazai‬صالح رشيد الصالحي‪:‬‬
‫القبائل السيمرية واالسكثية‪ ،‬الردع تىشوري واالخميني ضد القبائل الهند‪-‬اوربية‪ ،‬الكتاب العلمي السنوي لمركز إحياء‬
‫التراث العلمي العربي‪ ،‬العدد الثاني‪ ،‬بغداد‪ ،2011-2010 ،‬ص ‪202-170‬‬
‫)‪ (287‬طه باقر وفوزي رشيد و رضا جواد الهاشمي‪ ،)1979( :‬ص ‪93‬‬
‫)‪ (288‬ال يعرف سبب هجرتهم ولكن مثل هذه االقوام الرعوية غالبا ما تتنقل بحثا عن المراعي أو حدوث صراع‬
‫سياسي بين تلك القبائل أدت إلى هجرتهم ‪ :‬نجم عبد هللا محمد عبد مغامس‪ ،)2011( :‬ص ‪12‬‬
‫)‪ (289‬من المحتمل اسم الفرثيون الذي اشتهر به االرشاقيون اشتق من اسم اإلقليم الذي استولت عليه قبيلة بارني من‬
‫الساللة االرشاقية‪ ،‬وقد ثارت هذه القبيلة ضد السلطة السلوقية في سنة (‪ )250‬ق‪.‬م ‪ :‬أ ‪ ،‬ج‪ ،‬اربي‪ ،)1959( :‬ص ‪//47‬‬
‫نجم عبد هللا محمد عبد مغامس‪ ،)2011( :‬ص ‪13‬‬
‫‪(290) Gardner, Percy: “Catalogue of Greek Coins in the British Museum: The Seleucid‬‬
‫‪Kings of Syria," London, 1878. p. 63‬‬
‫)‪ (291‬نجم عبد هللا محمد عبد مغامس‪ ،)2011) :‬ص ‪27-26‬‬
‫‪(292) Freya Stark: “Rome on the Euphrates “London. 1966. p. 236‬‬
‫‪54‬‬
‫في أواخر القرن الثاني ق‪.‬م كان الصراع الروماني الفرثي يقوم على فرض السيطرة على مناطق‬
‫ذات اقتصاد زراعي بالدرجة األولى‪ ،‬ولكن مع استمرار الحروب بينهما تعرفت كال الدولتين على‬
‫جانب اقتصادي اخر ال يقل أهمية عن الزراعة وهو الجانب التجاري الذي ازدهر بينهما على الرغم‬
‫من كثرة الحروب بين الدولتين‪ ،‬ومع هذا لم تتوقف القوافل في نقل البضائع وتنوعها بين المملكتين‬
‫(‪ ،)293‬ولهذا نجد أسبابا ً عديدة لنشوب الحروب بين القوى الكبرى (الرومان والفرثيين) منها السيطرة‬
‫على الفرات وبالتالي ضمان السيطرة على أهم الطرق التجارية التي تربط الصين والهند بروما‪ ،‬ومن‬
‫الطبيعي لم تكن العالقات الرومانية –الفرثية تشوبها الحروب وقطع العالقات دائما إنما هناك فترات‬
‫سلم بين الطرفين وكانت التجارة تجد لها رواجا ً لكثرة الطلب(‪. )294‬‬
‫فرثيا و(التجارة الدولية)‬
‫كان الشرق يمر بمرحلة أمان ربما يعود إلى انتصار الجيوش الرومانية على يد فيروس‪،‬‬
‫فأثرت بشكل عميق أكثر مما كان يعتقد‪ ،‬ألن من اهم دوافع للحروب الرومانية ضد فرثيا يتمثل‬
‫بالجانب االقتصادي‪ ،‬وبشكل خاص هيمنة الفرثيين على طرق التجارة‪ ،‬وكانت الدولة الفرثية تشجع‬
‫مرور البضائع عبر أراضيها من بحيرة هيلموند (‪( )Helmund‬أفغانستان الحالية) ثم مدينة سوسة‬
‫(عاصمة عيالم القديمة) ثم يسير شماال بما يعرف قديما (الطريق الملكي) عبر اسيا الصغرى حتى‬
‫سواحل بحر ايجة وهذا الطريق استخدمته االمبراطوريات مثل االشوريون‪ ،‬و الميدية واالخمينية‬
‫(‪ ،)295‬وكانت تلك السياسة ناجحة بسبب الروابط التجارية بين االمراء الكوشان (‪،)296( )Kushans‬‬
‫وأدت الحمالت العسكرية الرومانية (‪ )165-163‬زيادة التبادل التجارية بين روما والصين‪ ،‬ويوافق‬
‫اغلب الباحثين على ان القرن الثاني بعد الميالد شهد ازدهار تجاري بين الشرق والغرب‪ ،‬أو ما يعرف‬
‫باسم طريق الحرير(‪ ،)297‬وبال شك التطور التجاري كان نتيجة اهتمام الرومان بالحرير الصيني‪ ،‬وقد‬

‫‪(293) Berthelot, A: “ L’Asie Ancienne d’aprè Ptelemée “ Paris. 1930. Pp. 89 , 156‬‬
‫‪(294) Freya Stark: “Rome on the Euphrates “London. 1966. p. 108‬‬
‫)‪ (295‬أنشا داريوس (الطريق الملكي) الذي يربط مدينة سوسة في إيران ويتجه شماال إلى نينوى ومنها عبر بالد‬
‫االناضول إلى سارديس عاصمة ليديا سابقا وتقع على ساحل بحر ايجه التركي‪ ،‬ويبلغ طول الطريق (‪ )1677‬ميل عليه‬
‫(‪ )111‬نقطة حراسة تؤمن انتقال المسافرين وتحركات الجيش عبر هذا الطريق‪ ،‬كما أقيمت محطات كل (‪ )15‬ميل‬
‫وعلى طول الطريق‪ ،‬حيث يستبدل رسل الملك الذين ينقلون رسائل جاللته خيولهم المتعبة بخيول أخرى ويواصلون‬
‫رحلتهم‪ ،‬اما القوافل فتقطع هذا الطريق في ظرف ثالثة أشهر‪:‬‬
‫‪Graf, David F: “The Persian Royal Road System” In (eds.) Sancisi-Weerdenburg, A. Kuhrt‬‬
‫‪and M. C. Root, (eds.) AchHist 8. Continuity and Change: Leiden, 1994 .Pp. 167-189‬‬
‫)‪ (296‬امراء كوشان‪ :‬ظهرت في القرن األول امبراطورية كوشان‪ ،‬وانتشرت لتشمل أفغانستان واالجزاء الشمالية من‬
‫شبه القارة الهندية‪ ،‬وهم مجتمع بدوي وديانتهم بوذية ‪ ،‬ولهم روابط تجارية مع المملكة الفرثية ‪:‬‬
‫‪Harry Falk: “Silk Road Art and Archaeology”, Vol.7: Institute of Silk Road. 2001,‬‬
‫‪Pp.121–36‬‬
‫)‪ (297‬هناك كتابات كثيرة عن طريق الحرير‪ ،‬ولكن متناقضة فهناك شك بإن وجود طريق الحرير ال يستند إلى أي‬
‫وازع تاريخي أو المادي‪ ،‬وكان كل من روما القديمة والصين مفاهيم لكل منهما بوجود اآلخر‪ ،‬وحتى أقل الفائدة‪،‬‬
‫والعالقة الصغيرة التي كانت موجودة بين الشرق والغرب كان عادة من جانب واحد‪ ،‬يأتي أساسا من الصين ‪:‬‬
‫‪Warwick Ball: “Rome in the East: The Transformation of an Empire” Routledge; Revised‬‬
‫‪ed. edition 2001// David Christian and C. Benjamin (eds): “Realms of the Silk Road:‬‬
‫‪Ancient and Modern” Turnhout, Belgium. 2000// Emmanuel Choiseul:” Les Parthes et La‬‬
‫‪Route de la Soie” Paris. 2004// Thorley, John:” The Silk Trade between China and the‬‬
‫‪Roman Empire at its heiht, circa AD 90–130”, Greece and Rome 18 .1971. Pp.71–80.‬‬
‫‪55‬‬
‫تعرف الرومان على الحرير على يد ماركوس انطونيوس الذي كان يضع بضعة إشارات عسكرية‬
‫حريرية على صدره‪ ،‬فتعجب الرومان من هذا القماش الرقيق (‪ ،)298‬كما اصدر مجلس الشيوخ احكام‬
‫متعددة لمنع ارتداء الحرير على اعتبار ان استيراده يؤدي إلى تصدير الذهب (‪ ،)299‬وكان الفيلسوف‬
‫سينيكا (‪)300( )Seneca‬غاضبا ً بسبب ارتداء البعض األرستقراطية الرومانية مالبس حريرية‪( :‬ارى‬
‫المالبس الحريرية‪ -‬ال تخفي الجسد وال عفونته ومع هذا تدعى مالبس!‪...‬بالنسبة للنساء الفقيرات الالتي‬
‫يعملن خادمات‪ ،‬فقد تكون الزانية مرئية من خالل ثيابها‪ ،‬لذلك لن يميزها زوجها من الخارج عن اي‬
‫اجنبية تشبهها في الجسد)(‪.)301‬‬
‫كانت طرق التجارة البرية من الصين وإلى البحر المتوسط تمر عبر فرثيا‪ ،‬وتبدأ تجارة الحرير من‬
‫عاصمة االمبراطورية الصينية في لويانغ (‪ ،)302( )Loyang‬ومن هناك تسير القوافل من داخل السور‬
‫العظيم حتى ان‪ -‬هسي (‪ ،)303( )An-Hsi‬وينقسم الطريق إلى فرعين احدهما يلتف حول صحراء‬
‫تاكلوماكين (‪( )Taklomaken‬في آسيا الوسطى)‪ ،‬والثاني يتجه مباشرة إلى كاشغار (‪)Kashgar‬‬
‫(واحة بالقرب من قيرغيستان) حيث يتحد الطريقين في باكتريا (‪( )Bactria‬في أفغانستان)‪ ،‬فتتوجه‬
‫البضائع إلى الهند وجنوب شرق اسيا‪ ،‬وأخرى تتجه إلى بالخ (‪( )Balkh‬إقليم صغير في أفغانستان)‬
‫(‪ ،)304‬وفيما يتعلق بمدينة باكتريا فهي نقطة التقاء طريق الصين البري المؤدي إلى البحر المتوسط‪،‬‬
‫فالقوافل التي تنطلق من الغرب باتجاه الشرق تبدأ من مدينة انتوشيا (‪( )Antioch‬انطاكيا) حيث تمر‬
‫بصحراء سوريا‪ ،‬لتصل إلى بالميرا (‪( )Palmyra‬تدمر)‪ ،‬وطيسفون (‪( )Ctesiphon‬المدائن)‪،‬‬
‫وسلوقيا(تل عمر) قبل التوجه شرقا ً عبر جبال زاكروس إلى مرو(‪( )Merv‬واحة في تركمنستان)‪،‬‬
‫ومن هناك يتشعب الطريق ليمر في بخارى وفيرغانا (‪( )Ferghana‬حاليا في اوزوبكستان) ومن ثم‬
‫إلى منغوليا‪ ،‬واالخر يتجه نحو باكتريا (أفغانستان)‪ ،‬ويشرح المؤرخ ايسيدور الكرخي (‪ )Isidore‬من‬

‫)‪ (298‬نظرا لرقة الحرير فقد اصدر االمبراطور الروماني تبيريوس )‪ )37-14( (Tiberius‬م ‪ ،‬مرسوما يمنع الرجال‬
‫من لبس الحرير‪ ،‬باعتباره عالمة تخنث ‪:‬‬
‫‪Stark, Freya : “Rome on the Euphrates “ London .1966 .p. 189‬‬
‫‪(299)Tacitus, Cornelius: “The Annals” trans. by Alfred John Church and William Jackson‬‬
‫‪Brodribb , The University of Adelaide Library. South Australia. 2014. 2.33.‬‬
‫)‪ (300‬لوسيوس أنيوس سينيكا ‪ :‬يعرف باسم سينيكا‪ ،‬كان فيلسوف روماني وسياسي ‪ ،‬وله مؤلفات في الدراما وعمل واحد‬
‫كوميدي‪ ،‬وتمثل اعماله العصر الفضي في االدب الالتيني‪ ،‬وكان معلم ومستشار لإلمبراطور نيرون وقد اتهم بالتواطؤ في‬
‫مؤامرة الغتيال نيرون‪ ،‬واجبر على االنتحار‪ ،‬ومع ذلك تشير بعض المصادر بانه كان بريئا مما اتهم به ‪:‬‬
‫‪Bunson, Matthew: “A Dictionary of the Roman Empire”. Oxford University Press .1991.‬‬
‫‪p. 382.‬‬
‫‪(301) Annaeus Seneca Lucius (1), The elder Seneca declamations c. 50 B.CE–c. 40 CE.‬‬
‫‪Translated by M. Winterbottom, , 2014.‬‬
‫)‪ (302‬العاصمة الصينية لويانغ‪ :‬تقع مدينة لويانغ في منطقة التقاء نهر (لوه) بالنهر هوانغ هو (النهر األصفر) في‬
‫وسط الصين ضمن مقاطعة خنان الغربية‪:‬‬
‫‪Robert Hymes: “Columbia Chronologies of Asian History and Culture”. John Stewart‬‬
‫‪Bowman (ed.), Columbia University Press. 2000. p. 13‬‬
‫)‪ (303‬ان‪ -‬هسي‪ :‬باللغة الصينية تعني اإلمبراطورية الفرثية الن حرف (‪ )n‬الصيني يطابق حرف (‪ )r‬األجنبي‬
‫وتترجم الكلمة الى ارشاك اسم البيت الحاكم الفرثي‪.‬‬
‫‪(304) Thompson, J Oliver:”History of Ancient Geography” Published by Biblo-Moser‬‬
‫‪Cambridge. 1948. Pp.177–181, // Aurel Stein:”On Ancient tracks past the Pamirs”, The‬‬
‫‪Himalayan Journal 4. 1932. Pp.1–24.‬‬
‫‪56‬‬
‫تشاراكس (‪( )Charax‬ميسان)‪ ،‬في مؤلفه المشهور (المحطات الفرثية) والمكتوب في القرن االول‬
‫بعد الميالد‪ ،‬فقد أشار إلى أن الدولة الفرثية وضعت الحصون ومحطات على الطرق لحماية هذا‬
‫الطريق(‪ ،)305‬حيث تبدأ رحلة القوافل من انتوشيا(انطاكية) ‪ ،‬وتمر عبر الفرات في مدينة زيوغما‬
‫(‪( )Zeugma‬بريجيك ‪ Birijik‬الحالية)‪ ،‬وتقوم بعمل خط مباشر تتجنب فيه استدارة نهر الفرات‬
‫الطويلة قبل ان تصل بالقرب من مدينة نيبوليس (‪( )Neapolis‬تعني المدينة الجديدة بالقرب من‬
‫الفلوجة وعلى الفرات في العراق)‪ ،‬ومن ثم إلى سلوقيا على نهر دجلة‪ ،‬ومن هناك يصعد المسار على‬
‫تالل ميديا‪ ،‬ويعبر ممرات قزوين‪ ،‬ويتبع الوادي الخصب شرقا ً خالل خراسان الحالية حتى مدينة‬
‫هيرات (‪( )Herat‬مدينة في أفغانستان)‪ ،‬وأشار ايسيدور الكرخي بان أصحاب القوافل كانوا يدفعون‬
‫الضرائب للكوشان (الفرثيين) (‪.)306‬‬

‫خريطة ‪ :1‬الطرق البرية لطريق الحرير في القرن الثاني الميالدي‬


‫ولو قارنا تلك الطرق مع حمالت جنراالت لوسيوس فيروس العسكرية سنة(‪ )166-163‬يظهر‬
‫لنا االهمية االستراتيجية لمدينة اكبتانا (همدان الحالية)‪ ،‬فقد كانت اكبتانا تقع على مفترق الطرق‬
‫التجارية االخرى‪ ،‬ولدينا طريق آخر يبدأ أيضا من انتوشيا (انطاكية)‪ ،‬ويمر عبر الصحراء نحو مدينة‬
‫دورا يوربوس (‪ ،)307( )Dura Europos‬ومن ثم بالميرا (تدمر) وإلى بالد الرافدين حيث سلوقيا و‬
‫طيسفون (المدائن) وينحدر مع مجرى نهر دجلة حتى موانئ الخليج العربي‪.‬‬

‫‪(305) Fraser, Peter Marshall: “Cities of Alexander the Great” Publisher, Clarendon Press.‬‬
‫‪Oxford University Press, 1996. Pp.88–93//Michael Grant, :”A Guide to the Ancient World‬‬
‫‪:A Dictionary of Classical Place Names “ . Barnes and Noble Books. 1986. p.163‬‬
‫‪(306) Kramer, Norbert: “Das stathmoi Parthikoi des Isidor von Charax. Beschreibung eines‬‬
‫‪Handelsweges?”, Klio 85 .2003 . Pp.120–30.‬‬
‫)‪ (307‬أحيانا تكتب (‪ )Dura-Europus‬وهي مدينة هلنستية في سوريا شيدت في عهد السلوقيين‪ ،‬واعتبرت الحدود‬
‫الرومانية مع الفرثية‪ ،‬وتقع على الضفة اليمنى للفرات‪ ،‬بالقرب من قرية الصالحية (‪ ،)Salhiyé‬وتبعد عن الحدود‬
‫العراقية‪-‬السورية حوالي (‪ )100‬كلم وسقطت على يد شاهبور الملك الساساني عام (‪ )256‬ميالدية‪:‬‬
‫‪Dirven , L. A: “The Palmyrenes of Dura –Europos “ a study of religious interaction in‬‬
‫‪Roman Syria . Leiden .Brill 1999‬‬
‫‪57‬‬
‫هناك شبكة من الطرق البحرية ترتبط بموانئ جنوب الجزيرة العربية والصومال عن طريق الخليج‬
‫العربي والبحر االحمر حيث ازدهرت التجارة في مدينة االسكندرية(‪ ،)308‬وكانت فرثيا نقطة التقاء كل‬
‫الطرق التجارية البرية التي تشكل آسيا الوسطى وجزءا مهما‪ ،‬وعلى الرغم من ذلك فهي لم تفرض‬
‫سيطرتها عليها بالكامل‪ ،‬وكان الرومان ومن بعدهم البيزنطيون يهدفون من خالل سياستهم إلى كسر‬
‫ذلك االحتكار(‪ ،)309‬فكان الخيار الوحيد هو إيجاد طريق بري حول شمال فرثيا يحاذي البحر االسود‬
‫و بحر قزوين نزوال حتى نهر االوكسوس (‪( )Oxus‬حاليا نهر اموداريا في آسيا الوسطى‪ ،‬وكان‬
‫اموداريا سابقا يصب في بحر قزوين‪ ،‬بينما حاليا يصب في بحر االورال)‪ ،‬وفي وقت الحق حاول‬
‫البيزنطيون االلتفاف حول الساسانيين (خلفاء الفرثيين) من خالل الطرق البحرية التي تقع إلى الشمال‬
‫من بحر قزوين‪ ،‬واعتبر هذا الطريق في عهد ماركوس اوريليوس صعب المنال‪ ،‬الن المعرفة‬
‫الجغرافية في ذلك الزمن كانت بسيطة فقد اعتقدوا ان بحر قزوين وبحر االورال شيء واحد‪ ،‬او‬
‫يرتبطان بقناة ‪ ،‬بل كانوا يعتقدون ان بحر قزوين يصب في القطب الشمالي(‪ ،)310‬لقد اوجد طريق‬
‫الحرير عداء الغرب اتجاه فرثيا (او نحو المملكة الساسانية الالحقة)‪ ،‬ولكن المشاكل انتهت في القرن‬
‫السادس عندما جلب بعض رجال الدين المسيحيين سر بيوض دودة الحرير لإلمبراطور جوستين‬
‫البيزنطي (‪)527-518‬م ‪ ،‬فعلى الرغم من ضعف المملكة الفرثية لكن الرومان لم يتمكنوا من احتاللها‪،‬‬
‫فمن الواضح إن ضعف فرثيا نتيجة لهزيمتها أمام روما كانت له عواقب وخيمة فيما يتعلق بتجارة‬
‫الشرق‪ ،‬فقبل حرب ماركوس اوريليوس ضد فرثيا‪ ،‬اختارت روما التجارة مع الصين ومع الشرق عبر‬
‫طريق بحري خاصة بعد أن انقطعت التجارة مع فرثيا‪ ،‬وذلك في وقت حرب ماركوس‪-‬فرثيا‪ ،‬ألن‬
‫الرومان كانوا يتاجرون مع الهند منذ مائتي سنة مضت‪ ،‬وهناك حدثين جعال الطريق البحري ممكنا ً‪،‬‬
‫اولهما اكتشاف طريق البحر إلى الهند من قبل المالح االغريقي هيبالوس (‪( ،)Hippakus‬مالح‬
‫وتاجر يوناني ربما عاش في سنة ‪ 31‬ق‪.‬م تقريبا ً) وقد الحظ هذا االغريقي حركة الرياح الموسمية‬
‫الجنوبية الغربية (الرياح الموسمية) التي تهب من المحيط الهندي‪ ،‬فابحر من ساحل الجزيرة العربية‬
‫حتى وصل إلى مصب نهر السند خالل اربعون يوما‪ ،‬وهذا يعني ان الرحلة التي كانت تستغرق ثالث‬
‫سنوات ونصف والتي تبدأ من االسكندرية وعبر الصحراء العربية إلى اليمن ومنها بالسفن البحرية إلى‬
‫الهند أصبحت بفعل معرفة الرياح الموسمية ال تستغرق سوى سنة واحدة وبدون الحاجة للوسطاء‬
‫العرب (‪.)311‬‬
‫كان اغلب النشاط التجاري بيد البحارة االغريق‪ ،‬النهم بنوا اسطوالً يتكون من سفن كبيرة مصممة‬
‫لتوفير االمان بدالً من السرعة ولها القدرة على حمل البضائع الكبيرة‪ ،‬واتجهوا نحو المحيط الهندي في‬
‫اواخر تموز وعادوا مع الرياح الموسمية الشمالية الشرقية في وقت الحق من تلك السنة (كانون االول)‪،‬‬
‫مع ثالثمائة شحنة‪ ،‬فمثال واحدة من تلك الشحنات تحتوي على الف وخمسمائة باوند من التوابل واربعة‬

‫‪(308) Tacitus, Cornelius: “The Annals” trans. by Alfred John Church and William Jackson‬‬
‫‪Brodribb , The University of Adelaide Library. South Australia. 2014. 15.31‬‬
‫‪(309) Wilfred Harvey Schoff:”, Periplus Maris Erythraei” Arrian. Published .1912. p.172.‬‬
‫‪(310) Wilfred H. Schoff: “Periplus Maris Erythraei” Arrian. Published. 1912. p. 277.‬‬
‫‪(311) Martin R. Charlesworth :”Roman trade with India: A Resurvey”, In Paul R.‬‬
‫‪Coleman-Norton (ed.), Studies in Roman Economic and Social History in Honor of Allan‬‬
‫”‪Chester Johnson .Princeton .1951. Pp.131–143// George Woodcock: “The Greeks in India‬‬
‫‪London. 1966. Pp.140–141.‬‬
‫‪58‬‬
‫االف وخمسمائة باوند من العاج و ستمائة إلى سبعمائة باوند من الحرير(‪ ،)312‬واشتهرت كل من‬
‫كافريباتام (‪ ،)313( )Kaveripattam‬واريكاميدو (‪ )Arikamedu‬بانهما من المناطق نقاط التقاء‬
‫حقيقية بين الشرق والغرب (‪،)314‬وانهما أماكن لتبادل البضائع الغربية والصناعات الحرفية والزراعية‬
‫وهي مدن تقع على نهر الكانج (‪،)315( )Ganges‬ومدن أخرى في سيالن (سريالنكا الحالية)‪ ،‬الن‬
‫جزيرة سيالن كانت معروفة للرومان في عهد ماركوس(‪.)316‬‬
‫ومهما تقدمت وسائل المالحة إال ان السفن ال تخاطر بالمرور عبر الممر الخطر الذي يدور‬
‫حول كاب كورومانديل (‪( )Cape Coromandel‬اقصى جنوب القارة الهندية وهو يفصل بين الهند‬
‫وسريالنكا) ‪ ،‬انما كانت البضائع تشحن من ساحل مالبار (غرب الهند) وبالطريق البري إلى االجزاء‬
‫الشرقية من الهند‪ ،‬ولكن فيما بعد اخذت السفن تتجه مباشرة إلى بومباي و تستمر في رحلتها البحرية‬
‫إلى الحافة الجنوبية من شبه القارة(‪ ،)317‬ويبدو ان امراء (التاميل) كانوا يتنافسون للتجارة مع الرومان‬
‫‪ ،‬فظهرت ممالك صغيرة امرائها من التاميل مثل مملكة بانديا (‪ )318( )Pandya‬التي ارسلت سفيرها‬
‫إلى االمبراطور اوغسطس مع هدية تضمنت مجموعة من الآللئ‪ ،‬ويذكر ان المبعوث التاميلي قام‬
‫بتطوير صناعة النبيذ االيطالي(‪.)319‬‬
‫أن احتالل مصر وما تبعها من فرض السيطرة على مدينة االسكندرية وجعلها ميناء رئيسي‬
‫للتجارة مع الشرق‪ ،‬قد فتحت افاق جديدة للتعامل مع الهند وشرق افريقيا لفرض الهيمنة التجارية‬

‫‪(312) Lionel Casson:”The Ancient Mariners “ Second Edition. Princeton .1964. Pp.9–11.‬‬
‫)‪ (313‬كافريباتانام‪ :‬وهي بلدة (بانشايات) في منطقة (كريشناجيري) في والية التاميل نادو الهندية وتبعد حوالي (‪)100‬‬
‫كلم عن والية بنغالور‪.‬‬
‫)‪ (314‬اريكاميدو‪ :‬موقع اثري في جنوب الهند في كاكايانثوب وعلى بعد (‪ )4‬كلم من عاصمة والية بوندشيري‪ ،‬نقب‬
‫في الموقع السير مورتيمر وجان ماري كاسال وأجريت حفريات اثرية في األعوام (‪ ،)1950-1947‬واتضح بان‬
‫الموقع هو ميناء بودوك المعروف باسم (المتجر)‪ ،‬وعثر في الموقع على مصابيح رومانية واواني زجاجية وحجر‬
‫الخرز واالحجار الكريمة األخرى‪ ،‬وتوصل اآلثاريين ان الموقع تجاري يوناني وتعامل مع روما ولمدة (‪ )200‬سنة‪،‬‬
‫أي من أواخر القرن األول ق‪.‬م والى نهاية القرن الثاني الميالدي‪:‬‬
‫‪Francis, Peter: “Asia’s Maritime Bead Trade: 300 B.C to the Present”. University of Hawaii‬‬
‫‪Press. 2002. P. 27‬‬
‫)‪ (315‬نهر الكانج‪ :‬ينبع من جبال الهماليا ويمر بالهند في والية اوتاراخاند الهندية وحتى خليج البنغال في دولة بنغالديش‬
‫وهو ثالث اكبر نهر في العالم‪.‬‬
‫‪(316) Strabo, “The Geography of Strabo” of the Loeb Classical Library edition. 1923,‬‬
‫‪15.691‬‬
‫‪(317) Casson, Periplus op. cit., p.89‬‬
‫)‪ (318‬مملكة بانديا ‪ :‬حكمت هذه المملكة في جنوب الهند من (‪ )600‬ق‪.‬م وحتى النصف األول من القرن السابع عشر‬
‫الميالدي‪ ،‬وتركز حكمهم في البداية في ميناء كوركاي الذي يقع في الطرف الجنوبي من الهند‪ ،‬واشتهرت دولتهم بصيد‬
‫األسماك‪ ،‬والزراعة‪ ،‬وكانوا تجار ماهرين‪ ،‬ولهم عالقات دبلوماسية مع اإلمبراطورية الرومانية ‪:‬‬
‫‪Sailendra Nath Sen: “Ancient Indian History and Civilization” Second edition, New Delhi,‬‬
‫‪1999. Pp. 168ff‬‬
‫”‪(319) Warmington, Eric Herbert:” The Commerce between the Roman Empire and India‬‬
‫”‪Cambridge. 1928. Pp.57–64 // Thani Nayagam (ed.): “Tamil Culture and Civilization‬‬
‫‪1970. Pp.145–150 // Woodcock, George:”The Greeks in India” London, 1966. p.145.‬‬
‫‪59‬‬
‫الرومانية(‪ ،)320‬فكانت التجارة مع افريقيا تنطلق عبر البحر األحمر ومن ثم مضيق باب المندب ومنها‬
‫إلى خليج عدن وبحر العرب وصوال إلى رهابتا (‪ )Rhapta‬ومن المعتقد انها في مكان ما من منطقة‬
‫دار السالم الحالية عاصمة تنزانيا‪ ،‬فقد عثر على عمالت رومانية وفرثية في جزيرة زنجبار‪ ،‬وعلى‬
‫طول المسار البحري من البحر األحمر وحتى زنجبار كانت الرحلة تتم بالقوارب الصغيرة‪ ،‬ولهذا‬
‫كانت الرحالت بطيئة للغاية‪ ،‬لذلك كان على اصحاب المشاريع التجارية االنتظار سنتين حتى يرون‬
‫أرباح رأسمالهم التجاري بعكس رحلة العودة البحرية من الهند إلى اإلسكندرية فهي تستغرق اثنا‬
‫عشر شهراً‪ ،‬ولكنها تعتبر خطيرة ألنها تتم في بحار مفتوحة‪ ،‬مع وجود خطر العواصف في المحيط‬
‫الهندي (‪.)321‬‬

‫خريطة ‪ :2‬طرق التجارة بين روما والصين والطريق البحري إلى شرق افريقيا في القرن الثاني‬
‫الميالدي‬
‫االستيراد والتصدير‬
‫كانت نوعية البضائع التجارية بين روما وبالد المشرق تتألف من المواد الفخمة‪ ،‬ولذا فمن‬
‫الواضح ان التوازن التجاري كان يقف ضد رومان‪ ،‬وهذا بحد ذاته اثار جدال حول تصدير المعادن‬
‫الثمينة مثل الذهب والفضة وهما من اكثر المواد طلبا من قبل تجار الهند‪ ،‬ولهذا كان الديناريوس‬
‫الفضي (‪ )denarius‬قد سك لتلبية الفاتورة الهندية(‪ ،)322‬ومن اهم صادرات الرومان الزيت االسباني‪،‬‬
‫والنبيذ االيطالي‪ ،‬والفخار‪ ،‬والزمرد‪ ،‬والصوف‪ ،‬والنحاس‪ ،‬والسلع الزجاجية(قطع من الزجاج‪،‬‬
‫والزجاج الملون‪ ،‬والخرز الزجاجية) والقالئد(‪ ،)323‬بينما استورد الرومان من افريقيا العاج‪ ،‬وعظم‬

‫‪(320) Freeman-Grenville, Greville Stewart Parker:” Some recent archaeological works on‬‬
‫‪the Tanganyika coast”, Mars 58 .1958. Pp.106–112 // Freeman-Grenville: “The Swahili‬‬
‫‪Coast: 2nd to 19th Centuries: Islam, Christianity and Commerce in East Africa” .1988. p.5.‬‬
‫‪(321) Casson, Periplus op. cit., Pp.283–291.‬‬
‫)‪ (322‬عثر على عمالت معدنية لإلمبراطور انطونيوس بيوس وماركوس اوريليوس في جنوب الهند ‪:‬‬
‫‪Turner, Paula J:” Roman Coins from India” London. .1989. Pp. 94ff‬‬
‫‪(323) Insook Lee:” Ancient Glass Research along the Silk Road Fuxi Gan and Robert Brill‬‬
‫‪and Tian Shouyun (eds.). British Library. London. Pp. 175-176‬‬
‫‪60‬‬
‫ظهر السلحفاة والقرفة الصينية‪ ،‬واستوردوا من العرب البخور وشجر المر‪ ،‬والصبار‪ ،‬ومن الهند‬
‫استوردوا التوابل والفلفل واألدوية وتم شحنها من مصب السند أو من خالل مصب نهر الكانج عند‬
‫خليج البنغال فهذا النهر معروف عند الرومان او من خالل الطريق البحري حتى اندونيسيا (‪.)324‬‬
‫دخلت بلدان أخرى ضمن النشاط التجاري‪ ،‬وهي تقع على حدود االمبراطورية الرومانية‪ ،‬فعلى‬
‫سبيل المثال ارمينيا التي كانت تصدر لروما كميات من احجار الالزورد‪ ،‬واالصباغ المعدنية مثل‬
‫الماالكيت (‪( )Malachite‬ماالكيت هو معدن تركيبه كربونات النحاس المائية) ‪ ،‬وبلغت التكلفة في‬
‫اواسط القرن األول الميالدي ما يقارب (‪ )300‬سيستيرسيس لكل باوند(‪ ،)325‬وكان المرجان االحمر‬
‫احدى الصادرات الرومانية المربحة‪ ،‬ويتم الحصول عليه من قبل صيادو االسماك في جزر صقلية‬
‫وساردينيا وكورسيكا والبليار‪ ،‬وصيادو األسماك على السواحل المغرب والجزائر وتونس‪ ،‬وكان الهنود‬
‫يحبونه بقدر ما كان الرومان يحبون الآللئ‪ ،‬وهناك أيضا سلعة رومانية كانت مطلوبة وهي (الراتنج‬
‫) ويدعى (شجر العرعر)‪ ،‬فله سوق رائجة في الصين(‪.)326‬‬
‫أن التجارة بين الغرب و الشرق تهدف إلى إرضاء رغبات المستهلكين وخاصة األرستقراطية‬
‫اصاحب الثروة في الممالك الشرقية والغربية‪ ،‬وذكر المؤرخ الروماني بليني الكبير (‪ ،)Pliny‬بان‬
‫االمبراطور كاليغوال‪ ،‬قد استورد عدد من االحجار الثمينة من الشرق لزوجته لوليا باولينا ( ‪Lulia‬‬
‫‪ 15( )Paulina‬ق‪.‬م ‪ 49-‬م)‪ ،‬وذكر أيضا بانها ذهبت إلى حفل وهي ترتدي جواهر بما يعادل (‪)40‬‬
‫مليون سيستيرسيس(‪ ،)327‬على اية حال سمح ماركوس اوريليوس باستيراد المواد الفخمة ضمن قائمة‬
‫المستوردات‪ ،‬بينما فرض الرسوم الجمركية على الحديد الهندي والفوالذ‪.‬‬
‫الدبلوماسية في عهد ماركوس اوريليوس‬
‫إلى جانب التجارة العامة بين روما والشرق‪ ،‬واالنتصارات الرومانية على الفرثيين‪ ،‬يمكن أن‬
‫نتصور طبيعة االحداث التي وقعت في عهده‪ ،‬ففي خالل مدة حكمه تم تحقيق أول عالقات مباشر بين‬
‫االمبراطوريتين الرومانية والصينية‪ ،‬فقد أرسل ماركوس اوريليوس سفارة سنة (‪ )166‬م وصلت إلى‬
‫عاصمة لويانغ‪ ،‬وكانت في وقتها تحت حكم ساللة االمبراطور هوان (‪ )168-132( )Huan‬م (‪،)328‬‬
‫ولفهم أوسع علينا العودة إلى االتصاالت األولى بين العالمين الصيني والروماني‪ ،‬والتي وقعت وبحسب‬
‫الجغرافي سترابو بداية حكم ساللة هان (‪ ،)329( )Han‬وفي ذلك الوقت كانت روما منشغلة بصراعها‬

‫‪(324) Joseph Needham: “Science and Civilisation in China” Cambridge. 1954 Vol. I:‬‬
‫‪Pp.173–182‬‬
‫‪(325) Manaundyan, Hakob A :”The Trade and Cities of Armenia in Relation to Ancient‬‬
‫‪World Trade” distributors, Livraria Bertrand, Lisbon .1965.‬‬
‫‪(326) Wilfred Harvey Schoff:”, Periplus Maris Erythraei” Arrian. Published .1912. p.128.‬‬
‫‪(327) Pliny the Younger: “Letters 9.5.” Translation: William Melmoth. In Harvard‬‬
‫‪Classics series. Paul Halsall, August 1998. 9.54–8.‬‬
‫)‪ (328‬حول المصادر الصينية راجع ‪:‬‬
‫‪Hill, John E (ed. and trans.):” The Western Regions according to the Hou Hansu” The Xiyu‬‬
‫‪Juan. From Hou Hanshu 88 2nd ed. 2004// Hill, John E (ed.):”The People of the West from‬‬
‫‪the Weilue” 2004. // Leslie, D.D and K.H.J. Gardiner: “The Roman Empire in Chinese‬‬
‫‪Sources” 1996.‬‬
‫)‪ (329‬ساللة هان الصينية ‪ :‬وهي الساللة الثانية في الصين (‪206‬ق‪.‬م ‪ 220-‬م) وتعتبر ساللة هان التي حكمت أربعة‬
‫قرون العصر الذهبي في التاريخ الصيني والى االن تشير المجموعات العرقية ذات االغلبية في الصين بانها (شعب‬
‫الهان) ‪:‬‬
‫‪61‬‬
‫مع هانيبال ابن هاملكار باركا القرطاجي (‪ )183‬ق‪.‬م حول السيادة في غرب البحر المتوسط (‪،)330‬‬
‫والحقيقة ان حكم ساللة هان واالمبراطورية الرومانية كانتا تتحركان للتقارب وجذبت العديد من‬
‫المؤرخين في المملكتين(‪ ،)331‬وأن توسع اباطرة الهان نحو غرب الصين ليس من اجل التجارة أو حب‬
‫االستطالع ‪ ،‬ولكن في محاولة لحل مشكلة البدو الرحل الشائكة‪ ،‬فقد كانت قبيلة الهون (‪ )Huns‬من‬
‫اكثر القبائل البدوية التي سببت المتاعب لساللة الهان الصينية‪ ،‬ولهذا كانت هناك اتصاالت كثيرة بين‬
‫الصين وفرثيا‪ ،‬وهدفها هو تأمين الحدود بين الدولتين في السنوات(‪ )126-130‬ق‪.‬م(‪ ، )332‬ولكن‬
‫االنفتاح الحقيقي للصين نحو الشرق كان في نهاية القرن األول بعد الميالد أي في السنوات االولى من‬
‫حكم االمبراطور تراجان‪ ،‬فقد قاد الجنرال بان تشاو (‪ )Ban Chao‬جيشا ً ضخما ً حقق فيه انتصارات‬
‫على قبيلة الهون‪ ،‬واجبرهم على االنسحاب نحو وسط اسيا وحتى بحر قزوين‪ ،‬وعقد بان تشاو تحالفا ً‬
‫مع فرثيا وشيد حاميات لمنع الهون من العودة إلى األراضي الصينية‪ ،‬وهذه الحاميات كانت موجودة‬
‫عندما قام تراجان بغزو فرثيا‪ ،‬وبعد ذلك بفترة قصيرة حدثت اتصاالت مباشرة بين الصينيين والرومان‬
‫‪ ،‬ولذلك ارسل بان تشاو مبعوث إلى روما وهو غان يينغ (‪ ،)333( )Gan Ying‬ولكنه لم يذهب ابعد‬
‫من بالد الرافدين‪ ،‬فقد قام الفرثيون وخوفا ً من نجاح االتصاالت المباشرة بين الصين وروما بخداع‬
‫المبعوث الصيني غان ينغ‪ ،‬فقد كان الوسطاء الفرثيين يركضون وراءه عازمين على المحافظة على‬
‫موقعهم في تجارة طريق الحرير‪ ،‬ولذلك اعطي له معلومات مضللة حيث اخبروه ان الرحلة البحرية‬
‫طويلة عبر البحر األحمر والبحر المتوسط وحتى روما وتستغرق سنوات لذا الرحلة مستحيلة‪ ،‬واألكثر‬
‫من هذا تم حبسه في البيت حتى وافق على العودة إلى بان تشاو فارغ اليدين(‪.)334‬‬

‫‪Schaefer, Richard T:” Encyclopedia of Race, Ethnicity, and Society” Volume 3, Thousand‬‬
‫‪Oaks: Sage Publications Inc, 2008. p. 279‬‬
‫‪(330) Strabo, “The Geography of Strabo” of the Loeb Classical Library edition. 1923,‬‬
‫‪11.11.1‬‬
‫‪(331) Raymond Grew:”The case for comparing histories”, The American Historical‬‬
‫‪Review, Vol. 85 . 1980. Pp.763–768 //Richard A. Olson, :”Parthia, China and Rome:‬‬
‫‪Perspectives along the Great Silk Route”, In M.A. Powell and R.H. Sack (eds), Studies in‬‬
‫‪Honor of T.B. Jones” 1979. Pp.329–339// John Frederick Teggart:”Rome and China: A‬‬
‫‪Study of correlations in historical events” Berkeley. 1969.‬‬
‫)‪ (332‬كان يعتقد أن التوسع الغربي نحو الصين من أجل التجارة ‪ ،‬وشكك بعض العلماء بإن القصة التجارة بين روما‬
‫والصين مبالغ فيها إلى حد كبير بواسطة أسطورة طريق الحرير ‪:‬‬
‫‪Gary K. Young, :”Rome’s Eastern Trade: International Commerce and Imperial Policy,‬‬
‫‪31 BC–AD 305”. New York: Routledge. 2001 // Dubs, Homer H:”A military contact‬‬
‫‪between Chinese and Romans in 36 BC”, T’Oung Pao 36 .1940. Pp.64–80.‬‬
‫)‪ (333‬غان ينغ‪ :‬سفير وعسكري صيني ارسل في مهمة الى روما عام (‪ )97‬من قبل الجنرال الصيني بان تشاو ‪،‬‬
‫وعلى الرغم من أن غان ينغ لم الى روما اال انه وصل الى البحر الغربي إما البحر األسود أو الخليج العربي وجمع‬
‫معلومات عن المناطق التي زارها‪:‬‬
‫‪Hill, John E:” Through the Jade Gate to Rome: A Study of the Silk Routes during the Later‬‬
‫‪Han Dynasty, 1st to 2nd Centuries CE”. BookSurge, Charleston, South Carolina. 2009. p.‬‬
‫‪222 , 255‬‬
‫‪(334) Manfred G. Raschke: ”New Studies in Roman Commerce with the East”, Aufstieg‬‬
‫‪und Niedergang der römischen Welt 2 9.2: 1978. Pp.604–1378// Ferguson, John : “China‬‬
‫‪and Rome”, Aufstieg und Niedergang der römischen Welt 2 9.2: 1978., Pp.581–603‬‬
‫‪62‬‬
‫ولكن بعد االنتصار الروماني على الفرثيين سنة (‪ ،)165‬حظى التجار بفرصة فريدة‪ ،‬الن‬
‫الطرق البرية الشمالية والجنوبية في صحاري اسيا الوسطى اصبحت امنة نسبيا ً بعد أن توسع الصينين‬
‫غربا ً‪ ،‬وكان وصول اي مجموعة من التجار إلى العاصمة الصينية لويانغ‪ ،‬فهي تدعى سفارة‪ ،‬ولهذا‬
‫فهي ال تتألف من مبعوثين معتمدين بأي حال من األحوال‪ ،‬واعضاءها ليسوا من الرومان إنما اغلبهم‬
‫كانوا اغريقيون من اإلسكندرية أو تجار سوريون من انتوشيا(‪ ،)335‬ومع هذا لديهم السلطة للتحدث‬
‫نيابة عن روما من اجل بناء روابط غير رسمية مع اي قوى عظمى يواجهونها‪ ،‬وعندما وصل التجار‬
‫إلى لويانغ‪ ،‬تم الترحيب بهم بحفاوة من قبل االمبراطور هاون (‪ )Huan‬في عاصمة الهان‪ ،‬وهي واحدة‬
‫من اعظم اربعة مدن صينية‪ ،‬ولكن االمبراطور مات بعد سنتين وهو بعمر (‪ )36‬عاما بعد ان حكم‬
‫اثنان وعشرون سنة‪ ،‬واتصف حكمه باالستبداد‪ ،‬واستند على تعاليم الكونفوشيوسية‪ ،‬في الحكم‬
‫(‪ ،)336( )Confucian‬وقد امتدت تعاليم كونفوشيوس وتأثيراتها السياسية والثقافية إلى كوريا‪،‬‬
‫واليابان‪ ،‬ومنغوليا بل والكثير من مناطق آسيا الوسطى‪ ،‬وذكر بان المبعوثين قدموا هدايا من العاج‪،‬‬
‫وقرن وحيد القرن‪ ،‬وعظام ظهر السلحفاة ومقاالت في علم الفلك وفي الحقيقة لم تحضي تلك البضائع‬
‫بإعجاب الصينيين ‪ ،‬ألنها كانت موجودة في الهند‪ ،‬ومع ذلك كان هناك احاديث حول امكانية شراء‬
‫الحرير مباشرة من الصين‪ ،‬وضرورة تجنب الوسطاء الفرثيين(‪.)337‬‬
‫تشير المصادر الصينية بأن الغرباء (التجار الرومان) دخلوا إلى الصين من خالل إقليم جينان‬
‫(‪( )Jinnan‬على حدود فيتنام)‪ ،‬فقد عثر على عمالت ماركوس اوريليوس النقدية في الهند الصينية‬
‫وهي تؤيد ما ذكرته المصادر الصينية (‪ ،)338‬وهذا دليل يوضح بان التجار كانوا يتبعون الطريق البري‬
‫الذي فتح بعد هزيمة فرثيا‪ ،‬ففي تلك السنة فتح الطريق البري‪ ،‬بينما سابقا كان على التجار الرومان ان‬
‫يصلوا إلى الصين من خالل الطريق البحري بمعنى طريق خليج البنغال‪ ،‬واندونيسيا ومن ثم الهند‬
‫الصينية‪ ،‬وتستند المصادر الصينية على حقيقة واضحة هي ان اغلب التجار القادمون من الهند كانوا‬
‫يأتون عن طريق فيتنام (‪ ،)339‬فيما بعد أدت االزمات العسكرية في غرب اإلمبراطورية الرومانية إلى‬
‫اغالق الطريق البري بل وادى إلى سحب الحاميات الرومانية من بالد الشام ومنها حامية‬
‫بالميرا(تدمر)‪ ،‬حيث سحبت إلى حدود الدانوب(‪ ،)340‬ومع هذا استمرت التجارة بين الصين وروما كما‬
‫كانت من قبل‪ ،‬على الرغم من قلة االتصاالت بين الدولتين‪ ،‬وارسل االمبراطور االسكندر سيفيروس‬

‫‪(335) Thomson, James O:”A History of Ancient Geography “Cambridge University‬‬


‫‪Press, 1948; reprint New York: Biblo and Tannen, 1965. p.312.‬‬
‫)‪ (336‬الكونفوشيوسية‪ :‬توصف بانها تقاليد‪ ،‬وفلسفة‪ ،‬ودين‪ ،‬أو دين انساني‪ ،‬أو عقالني‪ ،‬وطريقة للحكم‪ ،‬أو مجرد طريقة‬
‫للحياة‪ ،‬أسسها كونفوشيوس (‪ )479-551‬ق‪.‬م الذي اعتبر نفسه يعيد قيم العصر الذهبي ألسرة تشو‪ ،‬وعلى اثر سقوط‬
‫اسرة الهان في القرن الثاني الميالدي فتح الطريق لدخول البوذية والطاوية الى الصين ‪:‬‬
‫‪Yao, Xinzhong:”An Introduction to Confucianism”. New York: Cambridge University‬‬
‫‪Press. 2000. Pp. 38-47‬‬
‫‪(337) Ferguson, John: “China and Rome”, Aufstieg und Niedergang der römischen Welt 2‬‬
‫‪9.2: 1978. Pp.581–603.‬‬
‫‪(338) Michael Mitchiner:”Oriental Coins and Their Values. The Ancient and Classical‬‬
‫‪World 600 BC–AD 650” The Ancient and Classical World. London. 1978. Pp.105–123‬‬
‫‪(339) Warmington, E. H:” Commerce between the Roman Empire and India” Cambridge.‬‬
‫‪1928. Rpt. Delhi. 1974. Pp.130–131‬‬
‫‪(340) Webster, Graham and Elton, Hugh:”The Roman Imperial Army of the First and‬‬
‫‪Second Centuries A.D” University of Oklahoma Press, 1998. p.83.‬‬
‫‪63‬‬
‫بعد ذلك سفارة (من التجار السوريين) إلى االمبراطور الصيني تايتسو (‪ )Taitsu‬أو (‪ ،)Taizu‬في‬
‫مملكة وي (‪ )265-220( )Cao Wei‬م ‪ ،‬وهكذا ظلت أفكار االمبراطور الروماني تشاطر الناس في‬
‫الشرق فهو الذي حقق توفير األمان لطريق الحرير ولو لفترة قصيرة األمد (‪.)341‬‬

‫)‪ (341‬كان تساو وي (‪ )265-220‬م احدى الممالك الثالث الكبرى التي تنافست على التفوق على الصين وعاصمتها‬
‫لويانغ‪ ،‬وظهرت هذه المملكة في نهاية ساللة هان الشرقية‪ ،‬واصبح اسم (وي) مرتبطا بشخصية تايتسو‪ ،‬وكان اقطاعيا‬
‫في عهد حكومة هان الشرقية عام (‪ )213‬م‪ ،‬ثم اعلن تايتسو نفسه امبراطورا عام (‪ )220‬م ‪:‬‬
‫‪Tanner, Harold M:” The Age of Warriors and Buddhists”. China: A History. Chapter 5:‬‬
‫‪Hackett Publishing. 2009. p. 142‬‬
‫‪64‬‬
‫المبحث الثالث‬
‫‪ -1‬االشكال المادية في عهد ماركوس اوريليوس‬

‫‪-1‬عمود ماركوس اوريليوس‬


‫أ‪ -‬الموقع والغرض من انشائه‪:‬‬
‫في أواخر القرن الثاني الميالدي‪ ،‬وضمن السنوات األولى من حكم االمبراطور سيبتيموس سيفيروس‬
‫(‪ )211-193‬م ‪ ،‬كان هناك مسؤول روماني يدعى أدراستوس (‪ )342( )Adrastus‬الذي شيد منزل‬
‫جديد له‪ ،‬فقد عثر على سجل البناء وعدد من الرسائل في خرائب منزله‪ ،‬ففي احدى هذه الرسائل طلب‬
‫االذن في بناء بيت جديد يعيش فيه‪ ،‬واقترح ان يكون المنزل الجديد خلف العمود وعلى مسافة (‪)100‬‬
‫قدم من المزار المقدس لماركوس وزوجته فوستينا‪ ،‬وعلى أرض عامة (‪ ،)343‬وفي احدى الرسائل أيضا‬
‫طلب جمع اآلجر ومواد البناء من المنازل واالكواخ ولم يحدد مواقع تلك المنازل واالكواخ لعدم إعطاء‬
‫تفاصيل محددة ولكن نستنتج بان المنازل الصغيرة واالكواخ المذكورة في الرسالة ربما كانت بمثابة‬
‫مخازن وورش عمل وحتى ثكنات اثناء بناء العمود نفسه الذي اكتمل عام (‪ )193‬م في عهد سيبتيميوس‬
‫سيفيروس‪ ،‬ولكن تحديد تاريخ صدور مرسوم بناء‬

‫شكل ‪ :7‬عمود ماركوس اوريليوس في ساحة كولونا في روما‬

‫)‪ (342‬أدراستوس‪ :‬مسؤول روماني وعبد سابق‪ ،‬ولكنه أصبح رجال حرا في عهد اإلمبراطور ماركوس اوريليوس‪،‬‬
‫وانتقل إلى سكن جديد‪ .‬أدراستوس لم يكن مجرد أي مسؤول‪ ،‬كان المدعي العام أو رعاية عمود ماركوس‪ ،‬وسكنه الجديد‬
‫شيد خلف العمود‪ ،‬وتم العثور على بقايا منزله في عام (‪ )1777‬أثناء التنقيب تحت ساحة دي مونتيسيتوريو( ‪di‬‬
‫‪ ،)Montecitorio‬وعلى بعد حوالي (‪ )100‬متر إلى الغرب من ساحة كولونا ( ‪:)Colona‬‬
‫‪Martin Beckmann: “The Column of Marcus Aurelius” A Companion to Marcus Aurelius,‬‬
‫‪First Edition. Edited by M. van Ackeren, Blackwell Publishing Ltd. 2012. p. 251‬‬
‫‪(343) Daguet-Gagey, A:” Adrastus et la Colonne Antonine. L’administration des travaux‬‬
‫‪publics _a Rome en 193 ap. J.-C.’,M_elanges de l’ _ Ecole fran¸caise de Rome 110: 1998.‬‬
‫‪Pp. 893–915.‬‬
‫‪65‬‬
‫العمود صعب جدا‪ ،‬فلم يعثر على اي كتابة تتحدث عن النصب(‪ ،)344‬ولكن ذكر المؤرخ (‪ )Dio‬بعد‬
‫وفاة ماركوس تلقى العديد من عالمات التشريف من بينها تمثال من الذهب الذي وضع في مجلس‬
‫الشيوخ‪ ،‬وربما عدم ذكر انشاء العمود يدل على انه لم يكن نصب تذكاري شيد بعد وفاته‪ ،‬إلن ولده‬
‫كومودوس كان قد شارك في بداية الحمالت العسكرية التي انطلقت في أواخر سنة (‪ )170‬م‪ ،‬ولكنه‬
‫لم يشارك في الحمالت العسكرية في عام (‪ )175‬م‪ ،‬وان عدم ظهور ولده في االفريز يعود إلى صدور‬
‫المرسوم ببناء العمود كان عام (‪ )176‬م‪ ،‬وهي سنة عودة ماركوس إلى روما بعد انتصارين حققهما‬
‫في الشمال وجولته التي زار فيها الشرق (‪.)345‬‬
‫تستخدم المصادر القديمة عبارة (‪ )columna centenaria‬عند ذكر عمود ماركوس أوريليوس وهي‬
‫عبارة التينية تعني (العمود المئوي) وعلى األكثر انه مصطلح يدل على ان ارتفاع العمود يبلغ (‪)100‬‬
‫قدم‪ ،‬وهذا التعبير ذكر في وثيقة قانونية وجدت ضمن كتابات أدراستوس‪ ،‬ولكن هذا المصطلح لم يحظى‬
‫باستخدام على نطاق واسع‪ ،‬فعلى العكس استخدم مصطلح (‪ )cochils‬وهي كلمة اشتقت من االغريقية‬
‫وتعني قوقعة الحلزون‪ ،‬الن العمود يتضمن درج حلزوني في داخله (‪ )346‬وهذه اشارة بان الرومان‬
‫نظروا إلى العمود بانه يحقق وظيفتين أساسيتين وليس إلى افريز العمود‪:‬‬

‫شكل ‪ :8‬العمود من الداخل ومستوى ارتفاعه عن أرضية ساحة كولونا في روما‬

‫–‪(344) Dio Cassius Cocceianus :”Roman History. Cambridge. Earnest Cary trans. (1925‬‬
‫‪1927), based on the version of Herbert Baldwin Foster. Cambridge, Mass. : Harvard‬‬
‫‪University Press ; 1914-1927, 72.34.1‬‬
‫‪(345) Martin Beckmann:(2012) . p. 251‬‬
‫‪(346) Martin Beckmann:” The Columnae Coc(h)lides of Trajan and Marcus Aurelius”,‬‬
‫‪Phoenix 56: 2002. Pp. 1–10.‬‬
‫‪66‬‬
‫‪ -1‬انه نصب تذكاري على شرف ماركوس وبحجم غير مسبوق‪.‬‬
‫‪ -2‬انه تحفة معمارية ألنه نصب صلب من الحجر‪ ،‬ولكن اآلن تحول إلى مبنى يمكن الدخول والصعود في‬
‫داخل العمود وهناك في األعلى شرفة تتكون من تاج العمود‪ ،‬وهذه الشرفة تقدم للزائر منظرا ً غير‬
‫مسبوق عن طريق فيا فالمينيا (‪( )Via Falminia‬تعني ‪ Via‬طريق)‪ ،‬والمذابح الجنائزية االنطونية‬
‫(‪.)347‬‬
‫ب‪ -‬الموقع‬
‫تم اختيار الموقع الرتباطه المباشر بحروب ماركوس ألن طريق فالمينيا يؤدي إلى الشمال حيث‬
‫مسرح العمليات العسكرية‪ ،‬وفي نفس المنطقة التي غادرها عاد اليها في وقت الحق إلى روما ‪ ،‬وهذا‬
‫مذكور على لوحة نقوش تضم رحيله وعودته من ساحة المعارك (‪ ،)348‬وهندسة العمود وما احتوى من‬
‫نقوش بارزة توضح العالقة بين العمود وفيا فالمينيا وهي مهمة جدا لمصمم هذا النصب ‪ ،‬فقد اعتبر‬
‫الجانب الشرقي من العمود هو المحور األساسي ألنه يطل على المعالم األثرية األخرى في شمال‬
‫كمبوس مارتيوس (‪ ،)349‬مثل عمود أنتونيوس بيوس‪ ،‬والمذابح الجنائزية األنطونية‪ ،‬أما المدخل‬
‫المؤدي إلى الدرج الداخلي للعمود فهو يواجه فيا فالمينيا حيث معظم المشاهد المهمة في إفريز العمود‬
‫الحلزوني‪ :‬مثل عبور ماركوس لنهر الدانوب‪ ،‬ومعجزة المطر‪ ،‬والمشهد المركزي حيث إلهة النصر‬
‫فيكتوريا وقد نقشت مع درعها(‪ )350‬فكل تلك المشاهد تكون مرئية بالنسبة إلى الشخص الذي يدخل‬
‫منطقة العمود‪ ،‬وخاصة اإللهة فيكتوريا التي نقشت بحجم كبير يمكن مشاهدتها من فيا فالمينيا نفسها‪.‬‬
‫يرتكز العمود على منصة من الرخام مساحتها حوالي (‪ )30‬قدم مربع وبارتفاع (‪ )3‬اقدام‪،‬‬
‫وتقف بدورها على طبقة من الحجر الجيري‪ ،‬والجزء العلوي من هذه المنصة حوالي (‪ )3‬أمتار هي‬
‫أعلى من سطح األرض في فيا فالمينيا‪ ،‬ولهذا المنطقة المحيطة بالعمود مفتوحة للزيارة واالستخدامات‬
‫المتنوعة‪ ،‬أما الجزء العلوي من المنصة الرخامية والتي تقع أمام الباب من خاللها يمكن الوصول إلى‬
‫نقوش العمود حيث نقشت (‪ )tabula lusoria‬وهي لوحة األلعاب الرومانية القديمة على شكل دائرة‬
‫مقسمه إلى شرائح مثل الفطيرة‪ ،‬وهي مقطوعة في الرخام (‪. )351‬‬
‫لم يعثر على أي دليل على وجود معبد ماركوس أوريليوس بالقرب من العمود‪ ،‬وعلى العكس في‬
‫الجهة الغربية ينتصب عمود انطونينوس بيوس وبالقرب منه ثالث مذابح حجرية‪ ،‬أحدهما يحاذي عمود‬
‫بيوس وعلى االغلب تعود إلى االمبراطور بيوس‪ ،‬بينما الحجرتين األخيرتين المتجاورتين واللتان‬
‫تقعان تحت ساحة ديل بارالمينتو (‪ ،)del Parlamento‬ربما تعودان إلى ماركوس أوريليوس وزوجته‬

‫“ ‪(347) Petersen, Eugen Adolf and Alfred von Domaszewski, and Guglielmo Calderini :‬‬
‫‪Die Marcus-Säule auf Piazza Colonna in Rom”. Munich. 1896. pl. 3.‬‬
‫‪(348) Ryberg, Scott Inez:” Panel Reliefs of Marcus Aurelius”. New York. 1967. p. 93‬‬
‫)‪ (349‬منطقة كمبوس مارتيوس (‪ :)Campus Martius‬وهي منطقة مملوكة للقطاع العام في روما القديمة وتقدر‬
‫مساحتها (‪ )2‬كلم ‪ )490( 2‬فدان وتعتبر من اكثر المناطق اكتظاظا بالسكان ‪:‬‬
‫‪Jacobs Paul W., and Conlin, Diane Atnally: “Campus Martius: The Field of Mars in the‬‬
‫‪Life of Ancient Rome”. New York City, New York: Cambridge University Press. 2015. p.‬‬
‫‪3‬‬
‫)‪ (350‬اإللهة فيكتوريا (‪ :)Victoria‬في الدين الروماني كانت إلهة النصر وتطابق اإللهة نايك اليونانية ‪ ،‬وكان لها‬
‫معبد على تل باالتين‪ ،‬وغالبا ما توصف بأنها ابنة باالس (واحد من تيتانس (‪ )Titans‬وهم الجيل الثاني من اآللهة)‪،‬‬
‫وستيكس (‪ )Styx‬إلهة ونهر بين حدود األرض والعالم األسفل) ‪:‬‬
‫‪Sheridan, James J: “The Altar of Victory – Paganism's Last Battle”, L'Antiquite Classique‬‬
‫‪35, 1966. p. 187.‬‬
‫‪(351) Martines, G: “L’architettura”, In Scheid and Huet, eds. 2000. p. 20‬‬
‫‪67‬‬
‫فاوستينا الصغرى‪ ،‬على العموم الشكل وتصميم العمود يجبر الزائر على توجيه انتباهه إلى هذين‬
‫المذبحين‪ ،‬فهما ابتكار يزيد من اهمية مدرجات العمود (‪.)352‬‬
‫ج‪ -‬البناء والنحت‬
‫يتكون العمود من ثالثين كتلة (في العصور القديمة كانت واحد وثالثين) من الرخام األبيض أخذت‬
‫من المحجر القديم على الساحل الغربي من شمال إيطاليا‪ ،‬ورتبت عشرة كتل من الرخام في سبعة‬
‫مستويات لتشكل قاعدة التمثال‪ ،‬بينما تشكل (‪ )19‬كتلة رخامية العمود نفسه‪ ،‬وهناك كتلة واحدة على‬
‫قمة التاج‪ ،‬وكانت هناك كتلة اخرى تقوم بدعم قمة التمثال ولكن هذه الكتلة مفقودة حاليا‪ ،‬وهناك‬
‫اختالف في قطر عمود ماركوس قدر بنصف قدم بين الجزء السفلي والعلوي(‪ ، )353‬وتطلبت عملية‬
‫البناء رفع الحجارة إلى مسافة اعلى من تلك التي تطلبها بناء عمود تراجان الذي يزن تاجه اربعة‬
‫واربعين وسبعة اجزاء من العشرة طنا ً بالمقارنة مع تسعة وسبعين وجزء من العشرة في عمود‬
‫ماركوس(‪ ،)354‬ومن المحتمل استخدمت طريقة مماثلة لتلك التي استخدمت في بناء عمود تراجان‪،‬‬
‫والتي تقوم على إقامة برجين ضخمين من الخشب جنبا ً إلى جنب‪ ،‬وترفع الكتل بواسطة روافع متعددة‬
‫تدار من قبل االنسان أو الحيوانات عند مستوى سطح األرض‪ ،‬وحالما تصل الكتل إلى العلو المطلوب‪،‬‬
‫يتم نقلها أفقيا إلى البرج الثاني حيث توضع بعناية في موقعها‪ ،‬وألجل تثبيت الكتل الحجرية مع بعضها‬
‫البعض وضعت المسامير المعدنية المصنوعة من الرصاص لتثبت الكتل وجزء من العمود معا‪ ،‬وقد‬
‫ازيلت بعض المسامير من قبل الزبالين في العصور الوسطى (‪. )355‬‬
‫يعتقد بإن النحت على إفريز العمود انجز من خالل عدد كبير من النحاتين بسبب اختالف أساليب‬
‫النحت في نقوشهم ويدل هذا على توظيف (‪ )40‬او اكثر من النحاتين إلنجاز هذا المشروع (‪،)356‬‬
‫ويرتفع إفريز عمود ماركوس الى (‪ )20‬لفة (استدارة حلزونية) ارتفاع كل منها أقل من أربعة اقدام‬
‫ونصف القدم في القياسات الرومانية‪ ،‬ونظرا لدقة وبساطة التصميم يعطي انطباع بأن المهندس‬
‫المعماري هو من شارك في تخطيط اإلفريز‪ ،‬االن أغلبية المشاهد في العمود مقسمة إلى وحدات‬
‫مستطيلة منفصلة تشكل ‪ 1/8‬من كامل التعرج‪ ،‬فالتقسيم إلى أثمان اصبح اكثر انتظاما ً كلما تقدم‬
‫االفريز باالرتفاع‪ ،‬حتى تبدو االستدارة العليا وكأنها مكسورة تقريبا ألن االنتظام المتزايد في حجم‬
‫المشهد يشير إلى أن عملية التخطيط بدأت مع المشاهد السفلى وصعودا إلى المشاهد العليا (‪.)357‬‬
‫د‪ -‬الركيزة‬
‫على الرغم من أن الغالبية العظمى من مادة قاعدة التمثال قديمة‪ ،‬فقد تم اكسائها بالكامل بأمر من البابا‬
‫سيكستوس الخامس (‪ )Sixtus‬في السنوات الواقعة ما بين (‪ ،)358( )1589-1588‬وكانت القاعدة بالفعل‬

‫‪(352) Davies, Penelope J.E:” Death and the Emperor. Roman Imperial Funerary‬‬
‫‪Monuments from Augustus to Marcus Aurelius”. Cambridge University Press, Cambridge.‬‬
‫‪2000. Pp. 167- 69‬‬
‫‪(353) Martines, G: (2000). Pp. 19-88‬‬
‫‪(354) Martin Beckmann: (2012) . p. 254‬‬
‫‪(355) Lancaster, Lynne: “Building Trajan’s Column”, American Journal of Archaeology‬‬
‫‪103: 1999. Pp. 419-439‬‬
‫‪(356) Martin Beckmann: “The Border of the Frieze of the Column of Marcus Aurelius‬‬
‫‪and Its Implications”, Journal of Roman Archaeology 18: 2005. Pp. 302–312.‬‬
‫‪(357) Martin Beckmann: “The Direction of Carving on the Columns of Trajan andMarcus‬‬
‫‪Aurelius”, Mitteilungen des Deutschen Archäologischen Instituts, R€omische Abteilung‬‬
‫‪112: 2006. Pp. 225–236.‬‬
‫‪(358) Coarelli, Filippo:”La Colonna die Marco Aurelio” .The Column of Marcus Aurelius‬‬
‫‪.Rome. 2008. Pp. 73- 78‬‬
‫‪68‬‬
‫في حالة خطيرة من التآكل‪ ،‬ونحن نعرف الكثير من الرسومات التي تمت قبل عام (‪ )1588‬م ‪ ،‬والتي‬
‫نشرت وتمثل عمل الفنانين األصليين‪ ،‬وتظهر الرسوم أن خمسة من الركائز في قاعدة العمود السبعة‬
‫كانت مرئية فوق سطح األرض في القرن السادس عشر الميالدي ‪،‬وهناك في األسفل ركيزتان عند‬
‫المدخل األصلي كانت قد دفنت بالفعل نتيجة إلى ارتفاع مستوى سطح األرض‪ ،‬واما الصف الرابع‬
‫الذي يتكون من الحجر وهو في الواقع كتلة واحدة لكونها بعد الكتل االخرى فقد تم الحفاظ عليها‬
‫بشكل جيد‪ ،‬وكانت مغطاة بنقوش لشخصيات منحوتة‪ ،‬واالرضية فوق وتحت هذه الكتلة خشن ولهذا‬
‫يفترض انها كان مغطاة أصال ومكسوه بنوع آخر من الحجر‪ ،‬ربما من الرخام الملون‪ ،)359( ،‬وانطالقا‬
‫من تصوير النحات أنطونيو الفريري للجزء االسفل من العمود‪ ،‬و حول قاعدة التمثال) يظهر اثنان من‬
‫البرابرة (معروفين من خالل سترهم القصيرة ذات االكمام‪ ،‬وسراويلهم) وهم راكعين اثناء تقديم أنفسهم‬
‫إلى اإلمبراطور الذي يقف إلى جهة اليسار المركز‪ ،‬وهناك شخصية تقف بالزي العسكري ربما تجسيد‬
‫لإلمبراطور سبتيموس فيروس وليس كومودوس كما يعتقد الباحث (‪ ،)360( )Becatti‬ويمكن القول ان‬
‫تاريخ العمود يعود إلى (‪ )193‬م وان سبتيموس فيروس يعرض االسرى لماركوس اوريليوس وهذا‬
‫المشهد متعارف عليه في المنحوتات القديمة (‪.)361‬‬

‫شكل ‪ :9‬العمود في القرن السادس عشر الميالدي وتظهر الركائز حاليا تحت مستوى الشارع‪ ،‬وهناك‬
‫ثقوب كانت تضم مسامير من الرصاص سرقت في العصور الوسطى‬

‫)‪ (359‬يعود الفضل لما وصلنا من تصميم ورسوم للعمو في القرن السادس عشر الميالدي الى أنطونيو الفريري‬
‫(‪ )1577-1512( )Antoine Lafréry‬م كان نحاتا فرنسيا استقر ورسام خرائط وله أنشطة في روما بعد استقراه‬
‫هناك عام (‪ )1540‬م‪:‬‬
‫‪Jordan-Ruwe, Martina: “Zur Rekonstruktion und Datierung der Marcuss€aule”, Boreas 13:‬‬
‫‪1990. Pp. 53-69‬‬
‫‪(360) Becatti, Giovanni:” La Colonna Coclide Istoriata”. Rome. 1960 Pp. 48- 49‬‬
‫–‪(361) Dio Cassius Cocceianus :”Roman History. Cambridge. Earnest Cary trans. (1925‬‬
‫‪1927), based on the version of Herbert Baldwin Foster. Cambridge, Mass. : Harvard‬‬
‫‪University Press ; 1914-1927, 74.2.1‬‬
‫‪69‬‬
‫هـ‪ -‬االفريز الحلزوني‬
‫(‪)362‬‬
‫حيث اغلق‬ ‫اجريت أعمال الترميم من قبل دومينيكو فونتانا(‪)Domenico Fontana‬‬
‫اثنين من الثقوب الكبيرة وعدد من الثقوب الصغيرة في العمود‪ ،‬وتم تنفيذ ذلك باستخدام الرخام وفي‬
‫معظم الحاالت لم تكن تلك الترميمات لها عالقة في االصل على االطالق (باستثناء إله النهر في المشهد‬
‫الثالث)‪ ،‬ولذا البد من الحذر بين األقسام األصلية من اإلفريز وغيرها من النقوش‪ ،‬ومع هذا يمكن‬
‫التمييز بينها من خالل االسلوب الكالسيكي الجديد السائد في عهد دومينيكو فونتانا فمن خالل السجالت‬
‫التي احتفظ بها والتي تعود إلى عام (‪ )1588‬م فان اعمال الترميم الواسعة افرزت حقيقة بان (‪)%90‬‬
‫من المنحوتات في االفريز هي اصلية على الرغم من االضرار التي طالت الجانب الغربي بسبب‬
‫الحريق والتآكل الحقا ً (‪. )363‬‬
‫يبلغ طول اإلفريز أكثر من (‪ )200‬قدم وهو منحوت بشكل أعمق بكثير من عمود تراجان (‪10‬‬
‫سم مقابل ‪ 4‬سم)‪ ،‬وقسم الباحث (‪ )364( )Petersen‬اإلفريز إلى (‪ )116‬وحدة أو مشهد‪ ،‬استنادا إلى‬
‫محتوى اإلفريز والتقسيم بالشكل االتي‪ :‬المشهد األول والثاني تمثل المشاهد الطبيعية لضفة نهر‬
‫الدانوب وهو منسوخ تماما من عمود تراجان حتى في اصغر التفاصيل مثل المباني ‪ ،‬تليها المشاهد‬
‫األخرى مثل إله النهر ومسيرة الجيش الروماني عبر جسر من القوارب (المشهد الثالث) و‬
‫(‪( )adlocutio‬المشهد الرابع)‪ ،‬ومشهد مسير الجيش (الخامس)‪ ،‬وحصن ذو جدران من الحجر‬
‫(المشهد السادس) وهو االخر مقتبس مباشرة من عمود تراجان‪ ،‬وبعد هذه النقطة توقف النسخ عن‬
‫إفريز عمود تراجان‪ ،‬ويمأل وسط االفريز نقش يصور اإللهة فيكتوريا‪ ،‬وما تبقى من اإلفريز من مشاهد‬
‫فهي متعلقة بحروب ماركوس(‪.)365‬‬
‫التفسير التاريخي إلفريز العمود فيه إشكالية‪ ،‬فهو يبدو في بعض المشاهد على العمود اقتبس من‬
‫حروب ماركوس‪ ،‬اما عبور نهر الدانوب وصورة اإللهة فيكتوري فقد تم نسخها بشكل واضح من‬
‫(‪)366‬‬
‫عمود تراجان‪ ،‬بينما معجزة المطر (المشهد السادس عشر) فقد تم ذكرها من قبل المؤرخ (‪)Dio‬‬
‫وقد اهتم الباحث (‪ )367( )Kovács‬بمعجزة المطر التي ذكرها المؤرخ (‪ )Dio‬سابقا وملخصها بأن‬
‫الجيش الروماني وقد احاط به العدو من كل جانب تم انقاذه من العطش عندما تساقطت عليه األمطار‪،‬‬
‫وكانت الصواعق وعواصف البرد تضرب وتدمر اعدائهم البرابرة وهذه المعجزة حدثت بفعل صلوات‬
‫االمبراطور‪ ،‬وال تظهر هذه التفاصيل على العمود‪ ،‬فال يوجد قتال فعلي وليس هناك أي عالمة‬

‫)‪ (362‬ولد دومينيكو فونتانا (‪)1607 - 1543‬م ‪ ،‬وهو مهندس ايطالي في عصر النهضة المتأخر‪ ،‬ولد في مدينة تيسينو‬
‫(‪ ،) Ticino‬وعمل في روما ونابولي‪:‬‬
‫‪Chisholm, Hugh, (ed.):” Fontana Domenico”. Encyclopedia Britannica 10: (11th ed.).‬‬
‫‪Cambridge University Press.1911. p. 607.‬‬
‫‪(363) Caprino, C., A.M. Colini, G Gatti M. Pallottino, and P. Romanelli :”La Colonna di‬‬
‫‪Marco Aurelio”. Rome.Caprino et al. 1955. Pp.121- 125‬‬
‫)‪ (364‬راجع تقسيمات بيترسن للعمود ‪:‬‬
‫‪Petersen, A. von Domas-zewski, and G. Calderini :” Die Marcus-Säule auf Piazza Colonna‬‬
‫‪in Rom” . Munich. 1896‬‬
‫‪(365 ) Lehmann-Hartleben, Karl:” Die Trajanssäule. Ein Römisches Kunstwerk‬‬
‫‪zu Beginn der Spätantike”. Berlin. 1926‬‬
‫–‪(366) Dio Cassius Cocceianus :”Roman History. Cambridge. Earnest Cary trans. (1925‬‬
‫‪1927), based on the version of Herbert Baldwin Foster. Cambridge, Mass. : Harvard‬‬
‫‪University Press ; 1914-1927. 72.8.1–3, 72.10.1–5.‬‬
‫‪(367) Kovács, Péter: “Marcus Aurelius’ Rain Miracle and the Marcomannic Wars”.‬‬
‫‪Leiden. 2009‬‬
‫‪70‬‬
‫لصواعق وبرد‪ ،‬وكذلك ال نرى البرابرة يحيطون بالرومان‪ ،‬ولكن بدالً من ذلك نرى مشهد األعداء‬
‫مدفوعين بعيدا في سيل من المياه واالمبراطور غير موجود في المشهد‪ ،‬على العموم فأن معجزة‬
‫المطر إما أن تكون خارج المكان أو الزمان بمعنى ال وجود لها أصال! أو مبالغ فيها! ان االستدارات‬
‫الثالثة األولى من اإلفريز تغطي ما يقرب من (‪ )3‬سنوات من الحرب‪ ،‬واالستدارات (‪ )17‬األخيرة‬
‫تغطي أقل من سنتين‪ ،‬وافضل مشهد يمكن فهمه هو عبور نهر الدانوب المنسوخ من عمود تراجان‪،‬‬
‫والذي نقش في مكان منخفض من العمود‪ ،‬وبالتالي جعله مرئيا ً بشكل واضح للجمهور(‪.)368‬‬

‫شكل ‪ :10‬يمثل مسيرة الجيش الروماني وإلهة النصر فيكتوريا تتوسط المشهد (اليمين)‪ ،‬شكل يمثل‬
‫معجزة المطر حيث يظهر إله المطر والسيل يجرف العدو بعيدا (يسارا)‬
‫(‪)369‬‬
‫‪.‬‬ ‫ولدينا مشهد آخر على العمود والذي ذكر على وجه التحديد في مصدر قديم هو معجزة البرق‬
‫حيث ذكر بأن ماركوس أوريليوس (استدعى البرق من السماء بعد ان حاصره العدو عن طريق‬
‫صلواته) والمشهد المرتبط بذلك الحدث يوضح قلعة حجرية مليئة بالجنود الرومان على اليسار وقد‬
‫ضرب البرج بصاعقة وأخذ يحترق‪ ،‬ولكن هذا المشهد ال يشكل دليالً تاريخيا‪ ،‬ربما اخذت تاريخ‬
‫أغسطس معلوماته من العمود (‪.)370‬‬
‫يمثل المشهد (العاشر) لقاء بالقرب من التيار‪ ،‬حيث يقف أربعة برابرة ويحيط باإلمبراطور من‬
‫جهة اليمين جنود من الحرس االمبراطوري بعضهم يحملون الدروع لحماية ماركوس‪ ،‬ومثل هذا‬
‫المشهد ممكن مالحظته في لوحات النصر في الصور التاريخية على غرار لوحات النصر السابقة أو‬
‫وصف لوسيوس فيروس ألستاذه فرونتو حول الحروب الفرثية‪ ،‬وهناك صور مماثلة لحمالت ماركوس‬
‫الجرمانية‪ ،‬وهي متوفرة لمصممي العمود (‪ ،)371‬واستخدم النحات الروماني الحفر العميق بشكل واسع‬

‫‪(368) Martin Beckmann: (2012). p. 259‬‬


‫‪(369) Historia Augusta: “The Life of Marcus Aurelius” published in the Loeb Classical‬‬
‫‪Library, part 1: 1921. 24.4‬‬
‫‪(370) Petersen, A. von Domas-zewski, and G. Calderini :” Die Marcus-Säule auf Piazza‬‬
‫‪Colonna in Rom” . Munich. 1896. pl. 18A.‬‬
‫‪(371) Lehmann-Hartleben, Karl:” Die Trajanssäule. Ein Römisches Kunstwerk zu Beginn‬‬
‫‪der Spätantike”. Berlin. 1926, p. 88‬‬
‫‪71‬‬
‫النطاق فبرزت الشخوص بشكل واضح على الرخام‪ ،‬بينما المباني واألشجار كان الحفر فيها اقل‪ ،‬و تم‬
‫نحت شخصية االمبراطور في وضع امامي وهو يواجه الرائي (‪.)372‬‬
‫ان محتوى اإلفريز الحلزوني في عمود ماركوس أوريليوس يختلف عما هو في اآلثار السابقة‪،‬‬
‫وخاصة عمود تراجان‪ ،‬فنالحظ فيه عمود ماركوس درجة عالية من العنف اتجاه المعارضين الغير‬
‫مسلحين وغير المقاتلين أيضا مع تدمير القرى البربرية كما في المشاهد (‪ ،)18‬و(‪ ،)20‬و (‪،)373( )23‬‬
‫كما نجد مشاهد إعدام وذبح البرابرة غير المسلحين‪ ،‬ومشهد قتل امرأة على يد جندي روماني‪ ،‬واقترح‬
‫الباحث (‪ )374( )Dillon‬بأن العنف هو الواقع التاريخي للحروب التي كانت ببساطة أكثر وحشية من‬
‫حروب تراجان‪ ،‬ومن المرجح أن نحت العنف في العمود مرتبط بحروب ماركوس وانتقامه من العدو‬
‫الجرماني الذي غزا إيطاليا فكان رد الفعل الروماني ضد هؤالء األعداء عنيفا جدا ربما كان ماركوس‬
‫يرغب بإبادتهم تماما (‪.)375‬‬
‫كان ماركوس يشعر بالمرارة اتجاه الجيرمان لدرجة أنه أصدر إعالن مفادها أن أي شخص يجلب‬
‫له على قيد الحياة عدو بربري من الجرمان فسوف يحصل على (‪ )1000‬قطعة ذهبية‪ ،‬واي شخص‬
‫يقتل مقاتل جيرماني ويقدم رأسه لإلمبراطور يحصل على (‪ )500‬قطعة ذهبية (‪ ،)376‬ويشارك ماركوس‬
‫بشكل مباشر في أعمال العقاب الوحشية التي تظهر بوضوح على ذلك العمود‪ ،‬ففي المشهد (‪)20‬‬
‫يترأس اإلمبراطور عملية إعدام بربري جاثم على األرض‪ ،‬وفي مشهد آخر يقوم اثنين من الجنود‬
‫الرومان بإحضار الرؤوس البربرية المقطوعة (‪.)377‬‬

‫‪(372) Wegner, Max: “Die Kunstgeschichtliche Stellung der Marcussäule”, Jahrbuch des‬‬
‫‪Deutschen Archäologischen Instituts 46: 1931 . Pp. 146-153‬‬
‫‪(373) Zanker, Paul: “Die Frauen und Kinder der Barbaren auf der Markuss€aule”, In‬‬
‫‪Scheid and Huet, eds. 2000, Pp. 163–74.‬‬
‫‪(374) Dillon, Sheila: “Women on the Column of Trajan and Marcus and the Visual‬‬
‫‪Language of Roman Victory”, In S. Dillon and K.E. Welch, eds., Representations of War‬‬
‫‪in Ancient Rome. New York. 2006. Pp. 244–271.‬‬
‫–‪(375) Dio Cassius Cocceianus :”Roman History. Cambridge. Earnest Cary trans. (1925‬‬
‫‪1927), based on the version of Herbert Baldwin Foster. Cambridge, Mass. : Harvard‬‬
‫‪University Press ; 1914-1927, 72.13.1-2‬‬
‫‪(376) Ibid: 72.14.1‬‬
‫‪(377) Martin Beckmann: (2012) . p. 261‬‬
‫‪72‬‬
‫‪ -2‬تمثال فروسية ماركوس أوريليوس‬
‫يوجد عدد قليل جدا من التماثيل اليونانية أو الرومانية التي بقيت سالمة من عوادي الزمن منذ‬
‫العصور القديمة(‪ ،)378‬وقد حقق تمثال الفروسية البرونزي لماركوس أوريليوس شهرة واسعة حيث‬
‫نصب في وسط بيزا ديل كامبيدوجليو (‪ ، )Piazza del Campidoglio‬في الكابيتولن هيل في‬
‫روما(‪ )379‬منذ سنة (‪ )1538‬ولغاية سنة (‪ ،)1981‬واعتبر مصدر من مصادر العصور الوسطى ومثاال‬
‫في النحت الكالسيكي لعصر النهضة في إيطاليا وتأثر به الكثير من الفنانين واعتبر عمال فنيا استثنائياً‪،‬‬
‫ولكن في نفس الوقت ساهم هذا التمثال مع كتاب التأمالت في اسطورة شخصية ماركوس أوريليوس‪.‬‬
‫أ‪ -‬التمثال الروماني‬
‫عند وصف التمثال نرى جلوس ماركوس أوريليوس بوجهه الهادئ على حصان قوي‪ ،‬وقد نحت‬
‫حجم الحيوان وراكبه أكبر من الحجم الطبيعي حيث بلغ ارتفاعه (‪ )4‬امتار من حافر الحصان وحتى‬
‫رأس االمبراطور(‪ ،)380‬وجرت عمليات الترميم للتمثال عبر العصور‪ ،‬ومع هذا فأن المظهر العام‬
‫للتمثال سواء االمبراطور أو الحصان هما اصليان‪ ،‬كما أن البرونز المصبوب والمطلي بكامله بالذهب‬
‫هي ميزة حجبت األوساخ والصدأ قبل ترميمه في(‪ )1988-1987‬م‪ ،‬ولم يكن البرونز المطلي بالذهب‬
‫شيء غير مألوف في فن الرسم والنحت الروماني وخاصة في تماثيل الفروسية‪ ،‬انما استخدمت هذه‬
‫الطريقة ألهم الشخصيات في المجتمع اإلمبراطوري‪ ،‬وكان من الشائع تماثيل عائلة االمبراطور كانت‬
‫تطلى بالذهب فيمنحها بريق يعطي هيبة وقوة افضل من التماثيل من الذهب الحقيقي (‪ ،)381‬واعتقد‬
‫سابقا بان التماثيل الذهبية تجلب النحس فقد زعم المؤرخ (‪ )Pliny‬االصغر ان سقوط اإلمبراطور‬
‫الطاغية دوميتيان (‪ )96-81( )Domitian‬م من على ظهر جواده كانت بسبب تماثيله الذهبية ‪ ،‬ومع‬
‫ذلك استخدام التذهيب أيضا في صنع تماثيل اآللهة‪ ،‬وعموما التماثيل المطلية بالذهب تعطي لإلمبراطور‬
‫نوعا من اإلشراق اإللهي (‪.)382‬‬

‫‪(378) Clay, Curtis L: “Roman Imperial Medallions: The Date and Purpose of Their Issue”,‬‬
‫‪In H. Cahn and G. Le Rider, eds., Proceedings of the 8th International Congress of‬‬
‫‪Numismatics, New York/Washington, September 1973. Paris. 1976. Pp. 253-265.‬‬
‫)‪ (379‬الكابيتولن هيل (باالنجليزي كابيتول هيل) وهو واحد من التالل السبعة في روما وكان التل مكرس لإلله زحل‬
‫‪ ،‬وشيد علية عدة معابد أهمها معبد جوبيتر ‪ ،‬وساحة بيزا ديل كامبيدوجليو صممها ميخائيل انجلو في القرن السادس‬
‫عشر الميالدي واحتل تمثال ماركوس مركز الساحة‪.‬‬
‫‪(380) Parisi Presicce, Claudio: “The Equestrian Statue of Marcus Aurelius in Campidoglio.‬‬
‫‪Milan”. 1990‬‬
‫‪(381) Fejfer, Jane:” Roman Portraits in Context”, Berlin, New York. 2008, Pp. 167- 168‬‬
‫‪(382) Peter Stewart: “The Equestrian Statue of Marcus Aurelius” A Companion to Marcus‬‬
‫‪Aurelius, First Edition. Edited by M. van Ackeren, Blackwell Publishing Ltd. 2012. p. 265‬‬
‫‪73‬‬
‫شكل ‪ :11‬تمثال الفروسية ماركوس اوريليوس‬
‫وصف التمثال‬
‫جلس ماركوس على سرج من القماش من عدة طبقات‪ ،‬والرأس االمبراطور يميل قليال إلى اليمين‬
‫وإلى األسفل‪ ،‬بالتزامن مع اتجاه بصره وكأنه يحدق على رأس أي مشاهد قريب على األرض‪ ،‬بينما‬
‫ترتفع يده اليمنى مع اصابعه إلى األسفل قليال فهي توحي بالقيادة‪ ،‬أما اليد األخرى فهي نصف مغلقة‬
‫وتمسك بزمام الحصان‪ ،‬ويرتدي حذاء ارستقراطي ذو جلد ناعم‪ ،‬وسترة سميكة عسكرية مثبته على‬
‫كتفه األيمن‪ ،‬وهذا النوع من المالبس يرتديه الرجال النبالء أو عامة الناس وخاصة أثناء السفر أو في‬
‫الحمالت العسكرية‪ ،‬فقد عثر على قطعة اثرية مشابهه وهو تمثال الفروسية لإلمبراطور أوغسطس‬
‫اكتشاف في البحر المتوسط بالقرب من جزيرة ايبويا (‪( )Euboea‬ثاني اكبر جزيرة في اليونان) في‬
‫عام (‪ )1979‬وهي اآلن في متحف أثينا (‪ ،)383‬ويرتدي مالبس مشابهة لتلك التي يرتديها ماركوس‬
‫اوريليوس في تمثاله‪ ،‬أما الشعر االمبراطور فمجعد وكثيف‪ ،‬واللحية شكلها ثالثي‪ ،‬واقتراح بأن التمثال‬
‫صنع في احدى السنوات ما بين(‪170‬و ‪ )180‬م‪ ،‬أو حتى بعد وفاة ماركوس عام (‪ )180‬م (‪.)384‬‬
‫اما الحصان فقد أجريت عليه ترميمات عده ويمكن ان نتصور أن شكله ووضعيته يمثل القوة الخارقة‬
‫فهو حصان فحل يمشي بخطى راكزه وتبرز العظام واالوردة من على وجه (‪ ،)385‬كذلك تم تقديم‬

‫‪(383) Boschung, Dietrich:” Die Bildnisse des Augustus”. Berlin. 1993,Pp. 110-111 no. 7‬‬
‫‪(384) Fittschen, Klaus: “Il ritratto del Marco Aurelio: considerazioni critiche dopo il‬‬
‫‪restauro”, In Vaccaro and Sommella, eds. 1989. Pp. 75–82.‬‬
‫‪(385) Accardo, Giorgio:”Von der Restaurierung zur Kopie: ein Modell f€ur die Zukunft”,‬‬
‫‪In Accardo et al. 1999. p. 163‬‬
‫‪74‬‬
‫خصائص غير عادية مثل غطاء السرج ربما من طراز اغطية القبائل سارماتيان (‪،)386( )Sarmatian‬‬
‫وتم نحت الحصان وهو يؤدي حركة رفع الساق األمامية اليمنى مما يدل على انه حصانا مدربا ً دريبا ً‬
‫عاليا‪ ،‬ويظهر ماركوس أوريليوس بدون عدو ليؤكد نفسه كحاكم قوي وهو يرتدي المالبس المدنية‬
‫(‪. )387‬‬
‫ان تمثال الفروسية لماركوس أوريليوس هو عمل فني رائع حقا‪ ،‬تظهر فيه المهارة الكبيرة في‬
‫صناعته وبقائه لفترة طويلة‪ ،‬وهناك تماثيل أخرى لشخصيات مهمة وهم على ظهور الخيل وقد صنعت‬
‫في روما ولعدة قرون وتمتد أصولها إلى اليونان القديمة (‪ ،)388‬ويبدو ان الرومان استخدموها اكثر منذ‬
‫القرن األول قبل الميالد‪ ،‬ففي سنة (‪ )43‬ق‪.‬م قام مجلس الشيوخ وشعب روما بالتصويت لتكريم‬
‫أوكتافيان (‪ )Octavian‬الشاب‪ ،‬فيما بعد االمبراطور أغسطس بإقامة تمثال الفروسية برونزي مطلي‬
‫بالذهب في فورو رومانو (المنتدى الروماني) (ساحة أقيمت فيها العديد من األبنية الحكومية وهي في‬
‫األصل كانت سوق المدينة) (‪.)389‬‬
‫تحتل تماثيل الفرسان مكانة خاصة لدى االباطرة وعامة الناس‪ ،‬ويوجد داخل روما العاصمة أعمال‬
‫واسعة النطاق لتكريم االمبراطور فهناك (‪ )32‬تمثال في مدينة روما تغطي جميع الفترات‪ ،‬وذكر في‬
‫القرن الخامس الميالدي وجود (‪ )22‬تمثال كبير للفرسان ربما جميعها تماثيل ألباطرة روما (‪.)390‬‬
‫ب‪ -‬صمود التمثال في الظروف الصعبة‬
‫نحن ال نعرف سبب محدد لهذه التشريف الذي حظي به ماركوس‪ ،‬وال تاريخ التمثال بدقة‪ ،‬لعل إقامته‬
‫له عالقة بالنشاط العسكري كما يعتقد جمهور الباحثين على أنه االنتصار المزدوج لماركوس‬
‫أوريليوس على الماركومانيين والسارماتيان سنة (‪ )176‬م (‪ )391‬وذلك بسبب وجود قماش السرج‬
‫(السارماتياني) على الحصان‪ ،‬أو لعل هذا النصب المنحوت هو تشريف إلنجازات ماركوس‬
‫أوريليوس‪ ،‬وتقديمه تضحيات وتوجيه القوات خالل المعارك‪ ،‬وفي الواقع‪ ،‬هناك الكثير من النقوش‬
‫احدهما يظهر فيها ماركوس على حصانه ومحاط بالجنود ويظهر الرأفة الثنين من البرابرة الراكعين‬
‫أمام أرجل الحيوان‪ ،‬ويده ممدودة في نفس ايماءة القيادة التي رأيناها في التمثال البرونزي (‪.)392‬‬

‫)‪ (386‬سارماتيان (السيمريين) تجمع كونفدرالية من مجموعات هند‪-‬اوربية خالل العصور القديمة الكالسيكية ازدهرت‬
‫تلك القبائل من القرن الخامس ق‪.‬م والى القرن الرابع الميالدي‪ ،‬وتحدثوا اللغة االسكيثية واصولها هند‪ -‬اوربية نشأت‬
‫في شرق اوربا بين نهر الدون وجبال االورال (أوكرانيا) ‪ ،‬بدأ شعب سارماتيان بالهجرة غربا خالل القرن السادس ق‪.‬م‬
‫‪ ،‬ولحق بهم أبناء عمومتهم االسكثين ‪ ،‬يطلق عليهم باالشوري اشكناز‪:‬‬
‫‪Nickel, Helmut: “The Emperor’s New Saddle Cloth: The Ephippium of the Equestrian‬‬
‫‪Statue of Marcus Aurelius”, Metropolitan Museum Journal 24: 1989. Pp. 17-24‬‬
‫)‪ (387‬من المفارقات تبنى فكرة ركوب الجواد شاهبور األول الملك الساساني في (نقش رستم) و(نقش رجب) في‬
‫ايران (إقليم شيراز) وهو يتقبل خضوع اباطرة رومان وهما االمبراطور فاليريان (‪ )Valerian‬و االمبراطور فيليب‬
‫(‪ )Philip‬بعد اندحارهما في معركة اديسيا (‪ )Edessa‬عام (‪ )260‬م‪:‬‬
‫‪Mackintosh, Marjorie C: “Roman Influences on the Victory Reliefs of Shapur I of Persia”,‬‬
‫‪California Studies in Classical Antiquity 6: 1973. Pp. 181-203‬‬
‫‪(388) Bergemann, Johannes:” Römische Reiterstatuen: Ehrendenkm€aler im öffentlichen‬‬
‫‪Bereich”. Mainz .1990‬‬
‫‪(389) Zanker, Paul:” The Power of Images in the Age of Augustus”. Ann Arbor, MI. 1988,‬‬
‫‪Pp. 37- 39‬‬
‫‪(390) Roberto Valentini and. Giuseppe Zucchetti:” Codice topografico della citt_a di‬‬
‫‪Roma”, vol. 1. Rome. 1940. p. 332‬‬
‫‪(391) Nickel, Helmut:”The Emperor’s New Saddle Cloth: The Ephippium of the‬‬
‫‪Equestrian Statue of Marcus Aurelius”, Metropolitan Museum Journal 24: 1989. Pp. 17-24‬‬
‫‪(392) Kleiner, Diana E.E:” Roman Sculpture”. New Haven: London.1990 . Pp. 288–295‬‬
‫‪75‬‬
‫هذه االيماءة تتكرر في كثير من األحيان وخاصة في الفن اإلمبراطوري الروماني‪ ،‬وهي تبدو عمال‬
‫طبيعيا تماما بالنسبة للحاكم‪ ،‬ودليل على أنها ايماءة الرأفة التي هي هدية المنتصر للمهزومين‪ ،‬ألن‬
‫السالم الروماني ال يقر إال بهزيمة شاملة للعدو‪ ،‬فقد وصف المؤرخ ستاتيوس(‪ )393( )Statius‬إيماءة‬
‫االمبراطور دوميتيان في تمثال الفروسية الضخم (يدك اليمنى تعلن وقف المعركة) (‪.)394‬‬
‫على اية حال وجد تمثال ماركوس اوريليوس مكانه في العصور الوسطى في التيران (‪)Larteran‬‬
‫جنوب شرق روما‪ ،‬فقد ذكر بان التمثال موجود في القرن العاشر‪ ،‬وال يعرف سبب اختيار المكان ربما‬
‫كان لماركوس اتصاالت أسرية في ذلك الجزء من المدينة‪ ،‬كونه تربى في منزل جده هناك (‪.)395‬‬
‫ج‪ -‬تمثال ماركوس أم قسطنطين‬
‫ال نعرف لماذا نجا تمثال ماركوس اوريليوس من التدمير كما حدث للتماثيل األخرى في القرن‬
‫السادس الميالدي عندما انهارت اإلمبراطورية الرومانية الغربية تحت حكم القوط وسبب هذا الحدث‬
‫تدمير الكثير من التراث اإليطالي أو اهمالها لمدة طويلة أو صهر التماثيل البرونزية وتدمير التماثيل‬
‫الرخامية باعتبارها تماثيل تعود لهراطقة‪ ،‬مع هذا بقي تمثال ماركوس صامدا فقد اعتقد بانه يعود إلى‬
‫قسطنطين وهو أول امبراطور مسيحي واعتبر حامي المسيحيين لذا حظي باالحترام (‪ ، )396‬كما ان‬
‫وقوف التمثال بجانب كاتدرائية التيران عزز ارتباطه بالكنيسة خاصة وان قسطنطين قام بتطوير‬
‫الكنيسة عام (‪ )315‬م ‪ ،‬أما في القرن الثاني عشر فقد اصبح التمثال جزء من اسطورة الفروسية‪ ،‬ومع‬
‫ذلك وحتى القرن الثالث عشر كان يعرف التمثال باسم تمثال قسطنطين (‪.)397‬‬

‫)‪ (393‬بوبليوس بابينيوس ستاتيوس (‪ )96-45‬م ‪ ،‬شاعر روماني من القرن األول الميالدي الف ملحمة في اثني عشر‬
‫كتابا ومجموعات شعرية ‪:‬‬
‫‪Feeney, Dennis:” The Oxford Classical Dictionary” University Oxford Press.‬‬
‫‪Oxford,,1996 p.1439‬‬
‫‪(394) Pirson, Felix: “Style and Message in the Column of Marcus Aurelius’”, Papers of‬‬
‫‪the British School at Rome 64: 1996 . Pp. 139-179‬‬
‫‪(395) Duchesne, Louis:”Le Liber pontificalis: texte, introduction et commentaire”. Paris‬‬
‫‪.1955. Pp. 252- 259‬‬
‫‪(396) Kinney, Dale:”‘The Horse, the King and the Cuckoo: Medieval Narrations of the‬‬
‫‪Statue of Marcus Aurelius”, Word and Image 18: 2002. Pp. 372- 374‬‬
‫‪(397) Lucilla de Lachenal :”Il gruppo equestre di Marco Aurelio e il Laterano: richerche‬‬
‫‪per una storia della fortuna del monumento dall’et_a medievale fino al 1538” (part 1),‬‬
‫‪Bollettino d’arte 61: 1990. p. 36‬‬
‫‪76‬‬
‫شكل ‪ :12‬رسم تخطيطي لتمثال ماركوس اوريليوس في ساحة التيران وفي الخلف كاتدرائية التيران‬
‫وذلك في االعوام (‪ )1536-1532‬م‬
‫في عصر النهضة اإليطالية بدأ االهتمام بشكل عام بالعملة القديمة التي صور عليها تمثال الفروسية‬
‫والتي تعود إلى القرن الثاني ومقارنتها مع صور األباطرة في تلك الحقبة الزمنية فاستقر الرأي على‬
‫ان صاحب تمثال الفروسية هو ماركوس اوريليوس (‪ )398‬اعقبها طبع كتابة التأمالت في السنوات‬
‫(‪ )1559-1558‬م وبذلك اصبح ماركوس األمير والفيلسوف التوراتي وشخصية نموذجية في‬
‫اإلمبراطورية الرومانية بل ونموذج لبابوات عصر النهضة في روما حيث اعيد وضع التمثال على‬
‫قاعدة مرتفعة في الكابيتوالين حيث قصور المحافظين وأعضاء مجلس الشيوخ‪ ،‬واعتبر الفنان ميخائيل‬
‫انجلو التمثال بأنه قطعة فنية ذات تأثير ال مثيل له‪ ،‬كما ذكر الباحث (‪( : )Nickle‬بأن تمثال ماركوس‬
‫أوريليوس‪ ،‬بمثابة نموذج لغالبية تماثيل الفروسية في كل ارجاء تاريخ الفن األوروبي) (‪.)399‬‬
‫كما هو الحال مع جميع المنحوتات الشهيرة‪ ،‬فقد اكتسب تمثال ماركوس أوريليوس أهمية أبعد من‬
‫الكائن نفسه‪ ،‬فتم رفعه من مكانة عام (‪ )1981‬لغرض اجراء الترميمات وإزالة التلوث الذي أصابه‪،‬‬
‫ولهذا اتخاذ قرار للحفاظ على التمثال بنقله إلى داخل متحف الكابيتولينو(‪ )Campidoglio‬وهذا العمل‬
‫سبب احتجاج سياسي واجتماعي ضد قرار الحفاظ على تمثال ماركوس في المتحف‪ ،‬وهناك جرت‬
‫صيانة دقيقة للتمثال وتجريده من التراكمات فتم الكشف عن اإلمبراطور بشكله القديم المذهب (‪.)400‬‬

‫‪(398) Baumstark, Reinhold:” Das Nachleben der Reiterstatue: vom caballus Constantini‬‬
‫‪zum exemplum virtutis”, in Accardo et al. 1999. Pp. 78-115.‬‬
‫‪(399) Nickel, Helmut: “The Emperor’s New Saddle Cloth: The Ephippium of the‬‬
‫‪Equestrian Statue of Marcus Aurelius”, Metropolitan Museum Journal 24: 1989. p. 17‬‬
‫‪(400) Accardo, Giorgio; “Von der Restaurierung zur Kopie: ein Modell für die Zukunft”, In‬‬
‫‪Accardo et al. 1999. p. 141‬‬
‫‪77‬‬
‫‪ -3‬قوس النصر لماركوس اوريليوس في اويا (طرابلس في ليبيا)‬
‫يختلف موقع أويا (طرابلس في ليبيا) عن موقعي لبدة وصبراته (مواقع اثرية في ليبيا) في انه ما‬
‫تزال قائمة منذ القدم‪ ،‬واذا استثنينا قوس ماركوس أوريليوس فان كل عمران أويا القديم قد اختفى‬
‫تحت عمران القرون الوسطى والعصرين الحديث والمعاصر‪ ،‬وبناء على ذلك فان اعمال التنقيب لم‬
‫تكن واردة‪ ،‬ولكن وجدت آثار قليلة هنا وهناك أثناء عمليات هدم وتجديد األبنية‪ ،‬وربما أمكننا كذلك‬
‫التوصل إلى بعض النتائج من دراسة مخطط المدينة عن فترة الحقة (‪. )401‬‬
‫إن أويا الفينيقية لم تكتشف أي أثر من آثارها وربما كانت قد أقيمت في القطاع الشمالي الشرقي من‬
‫المدينة القديمة الحالية‪ ،‬أما أويا الرومانية فإن شوارعها الطويلة المتعامدة ما زالت تنعكس في شوارع‬
‫المدينة القديمة إلى يومنا هذا‪ ،‬فهنالك الكاردو ) الشارع المحوري ( والديكومانوس أو الشارع الرئيسي‬
‫الممتد باتجاه الشمال‪ ،‬ولعل هذين الشارعين يتمثالن في الشارعين الطويلين اللذين يلتقيان عند قوس‬
‫ماركوس أوريليوس (‪ ،)402‬باب الحرية من الجنوب الشرقي والشارع الكبير من الجنوب الغربي‪،‬‬
‫ونستطيع القول انه ديكومانوس آخر‪ ،‬أقرب في اتجاهه إلى الجنوب ما يزال خطه ملموسا في شارع‬
‫حومة غريان‪ ،‬وقد اكتشفت آثار أبنية رومانية في مواقع متفرقة من المدينة القديمة وضواحيها القريبة‬
‫‪ :‬بيوت بمصاطب من الفسيفساء‪ ،‬زخارف بالدهان بين باب الجديد والبحر‪ ،‬بناء ربما كان منزال‬
‫خاصا‪ ،‬على البحر إلى الشمال الغربي من القلعة‪ ،‬وأواني فخارية تحت بناية شركة الكهرباء ‪.‬وقد‬
‫أظهرت الحفريات (‪ )403‬التي أجريت تحت القلعة وجود أساس معقد لبناء واسع وأرصفة من الحجارة‬
‫الرملية وقطع من الفسيفساء وأعمدة كورنثية كبيرة‪ ،‬وربما كانت هذه كلها مخلفات بنايات عمومية‬
‫كبيرة كوحدة حمامات مثالً (‪. )404‬‬
‫والمساحة التي كانت تشغلها أويا الرومانية في ذروة توسيعها غير معروفة بشكل قاطع‪ ،‬ويعتقد‬
‫خط السور اإلسالمي إنما قام على خط السور الروماني من باب الجديد إلى برج الكرمة بموازاة خط‬
‫(‪)405‬‬
‫شارع سيدي عمران الحالي ومن ثم يتجه إلى الشمال الشرقي حتى دار البارود‬

‫‪(401)̣ Said Ennahid and Eric Ross:”Pulcherrima Spolia in the Architecture and Urban‬‬
‫‪Space at Tripoli” Perspektiven der Spolienforschung 2, Stefan Altekamp Carmen Marcks-‬‬
‫‪Jacobs Peter Seiler (eds.), Berlin Studies of the Ancient World , First published, Berlin.‬‬
‫‪2017. p. 69‬‬
‫‪(402)̣ Simonetta Ciranna:” Reuse and Redistribution of Latin Inscriptions on Stone in Post-‬‬
‫‪Roman‬‬‫̞̟̝̙̣‬ ‫‪North-Africa” Perspektiven der Spolienforschung 2, Stefan Altekamp Carmen‬‬
‫‪Marcks-Jacobs Peter Seiler (eds.), Berlin Studies of the Ancient World , First published,‬‬
‫‪Berlin. 2017. Pp. 43-47‬‬
‫‪(403) Said Ennahid and Eric Ross: Op.Cit. Pp. 83-86‬‬
‫)‪ (404‬عبد اللطيف محمود البرغوثي‪ :‬التاريخ الليبي القديم من أقدم العصور حتى الفتح اإلسالمي‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬دار‬
‫صادر ‪ ،‬بيروت‪ ،‬بال ت‪ ،‬ص ‪440‬‬
‫‪(405) Said Ennahid and Eric Ross: Op.Cit. p. 83‬‬
‫‪78‬‬
‫خرطة ‪ :3‬مدينة طرابلس (اويا) وظهر موقع قوس ماركوس اوريليوس ضمن الدائرة الحمراء في‬
‫األسفل كما تظهر الطرق المتقاطعة أربعة شوارع وقديما شارعين هما الكاردو وديكومانوس‬
‫أما قوس ماركوس أوريليوس فيقوم في ساحة تواجه باب البحر والمرفأ قرب نهاية المدينة القديمة‬
‫من الجهة الشمالية‪ ،‬وقد شيد على نفقة قاض من أبناء المدينة اسمه كايوس كلبورنيوس سلسوس ‪Caius‬‬
‫)‪ )Calpurnius Celsus‬كرسه لإلمبراطورين ماركوس أوريليوس ولوسيوس فيروس ( ‪(Lucius‬‬
‫‪ )Verus‬في خريف سنة (‪ )163‬م‪ ،‬عندما أخذ لوسيوس فيروس لقب أرميناكوس ‪،‬ونقش االهداء‬
‫على الوجوه األربعة للقوس وبشكل افريز وجاء فيه (إلى اإلمبراطور قيصر [ماركوس] أوريليوس‬
‫أنطونينوس أوغسطس‪ ،‬أب البالد‪ ،‬واإلمبراطور قيصر لوسيوس أوريليوس فيروس‪ ،‬المنتصر في‬
‫أرمينيا‪ ،‬أغسطس‪ ،‬والبروكونسول سيرفيوس كورنيليوس‪[ ،‬سكيبيو سالفيدينوس] أورفيتوس (‪،)406‬‬
‫مع المندوب أوتيديوس مارسيلوس (مساعد مجلس الشيوخ) )‪ ، )407‬كرس (هذا القوس) كايوس‬
‫كالبورنيوس سيلسوس‪ ،‬أمين األعمال العامة‪ ،‬لالستخدام العام ‪ ،‬في السنة الخامسة‪ ،‬شيده الكاهن على‬

‫)‪ (406‬ولد سيرفيوس كورنيليوس سسيبيو سالفيدينوس أورفيتوس (‪ )178-145‬م في روما‪ ،‬واحتل منصب‬
‫بروكونسول على والية شمال افريقيا عام (‪ )178‬م قبل وفاته ‪ ،‬وكان مثل جده الذي احتل منصب القنصل عام (‪)110‬‬
‫م على والية شمال افريقيا في عهد تراجان‪:‬‬
‫‪Philipp Charwath: “ Remises Recht ein‬‬ ‫‪Lesebuch” Berlin, Epubli, 2011. p. 133‬‬
‫)‪ (407‬أوتيديوس مارسيلوس معروف في هذا النقش فقط‪.‬‬
‫‪79‬‬
‫نفقته الخاصة على األرض‪ ،‬واكمل [األرضية] بالرخام الصلب)(‪ )408‬نستنتج أن القوس أقيم على‬
‫أرض عمومية‪ ،‬وقد سبقت اإلشارة إلى أن القوس كان ملتقى الشارعين الرئيسيين في المدينة‪ ،‬ولذلك‬
‫فقد كانت له أربعة جهات ومدخالن مقوسان يتقاطعان مكونين زوايا قائمة (‪ ،)409‬ويدل طول الواجهتين‬
‫الشمالية الشرقية والجنوبية الشرقية على ان مدخل هذا القوس من ناحية المرفأ كان يعتبر أهم من‬
‫المدخل اآلخر‪ ،‬وقد بني بأكمله من الرخام وهذه حقيقة حرص على ذكره في نقش االهداء‪ ،‬ويكاد‬
‫يكون من المؤكد أن بناته كانوا من البنائين اإلغريق الذين عاشوا في هذه المدينة (‪.)410‬‬
‫ويزداد الوجهان الشمالي الشرقي والجنوبي الغربي لهذا القوس بنقوش منحوتة كما أن كال منهما‬
‫كان يزداد بعمودين كورنثيين يقومان على قاعدتين بارزتين طويلتين ‪.‬وكانت فجوات ما بين األعمدة‬
‫مزينة بتماثيل لألباطرة فقد وجد تمثال لوسيوس فيروس أمام الوجه الجنوبي الغربي‪ ،‬وكانت تظهر‬
‫على القوس صور محفورة تمثل كيوبيد إله الحب (‪ ،)411‬حامال إكليل كما تمثل إلهة النصر المجنحة‬
‫وقد نقشات تحت صورها الصفات الحسنى لإلله أبولو(إله الموسيقى والطب) واإللهة‬
‫منيرفا(‪ ،)412( )Menrva‬وهما اإللهان اللذان يحرسان مدينة أويا‪ ،‬كما يظهر قائم أبولو الثالثي وغرابه‬
‫على الشمال وخوذة االلهة وترسها وحربتها وبومتها على اليمين‪ .‬ويتشابه الوجهان الشمالي الغربي‬
‫والجنوبي الشرقي تشابها كبيرا وتظهر عليهما صور محفورة ألسر بربرية مأسورة تتجمع حول‬
‫كومات من األسلحة التذكارية التي أخذت من البربر بعد هزيمتهم‪ ،‬وتظهر على اليسار صورة أبولو‬
‫يسوق عربة يجرها زوج من أفراس المالئكة المجنحة (‪ ،)413( )Griffins‬ويظهر تحت هذه الصور‬
‫غراب اإلله وقوسه وحقيبته وغصن الغار ‪.‬وتقابل أبولو في الجهة اليمنى اإللهة منيرفا في عربة‬
‫يجرها اثنان من أبي الهول المجنح‪ ،‬وعلى األرض تحت هذه الصورة تظهر خوذة اإللهة وقد حطت‬
‫عليها بومتها وإلى جانبها الحربة والترس وغصن زيتون‪ ،‬وتغطي القوس كله قبة مثمنة مكونة من‬
‫ثالث حلقات وغالق ذو ثمانية ضلوع (‪. )414‬‬

‫‪(408) Frank Sear:” Roman Architecture” First Published in Great Britain, by B. T.‬‬
‫‪Batsford. 1982. p. 201‬‬
‫)‪ (409‬دعاء مسامر عبد الحفيظ‪ :‬اقواس النصر الرومانية ‪ ،‬دراسة أثرية نماذج من اقواس النصر في روما والعالم‬
‫العربي بقسميه االسيوي واالفريقي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ب ت ‪ ،‬ص ‪36‬‬
‫)‪ (410‬عبد اللطيف محمود البرغوثي‪ :‬ص ‪442‬‬
‫)‪ (411‬اإلله كيوبيد‪ :‬في األساطير الرومانية‪ ،‬بالالتينية الكوبيدو يعني (الرغبة)‪ ،‬فهو إله الرغبة‪ ،‬والمودة والحب‬
‫المثير‪ ،‬وكثيرا ما يصور على أنه ابن اإللهة فينوس‪ ،‬ونادرا ما يذكر األب‪ ،‬ونظيره اليوناني هو ايروس ‪ :‬دعاء مسامر‬
‫عبد الحفيظ‪ :‬اقواس النصر الرومانية ‪ ،‬دراسة أثرية نماذج من اقواس النصر في روما والعالم العربي بقسميه االسيوي‬
‫واالفريقي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ب ت ‪ ،‬ص ‪36‬‬
‫‪Larousse Desk Reference Encyclopedia, The Book People, Haydock, University of‬‬
‫‪Massachusetts Press 1995, p. 215.‬‬
‫)‪ (412‬مينيرفا أو منرفا‪ :‬إلهة رومانية (اسمها اشتق من الرجال بمعنى العقل) فهي تختص بالحكمة ورعاية الفنون‪،‬‬
‫والتجارة‪ ،‬والحرب‪ ،‬ولدت مع أسلحة من رأس اإلله المشتري ‪ ،‬ذكرت األسطورة بان المشتري تنبأ بأن طفله ستسقط‬
‫منه‪ ،‬فشعر بصداع وألم في الرأس ‪ ،‬فاستخدم اإلله فولكان (إله النار واشتق اسمه من البركان) مطرقة لتقسيم رأس‬
‫المشتري‪ ،‬وعمل شق فظهرت منيرفا‪ ،‬كاملة‪ ،‬وبالغة‪ ،‬وتحمل أسلحة امها ودرع‪:‬‬
‫‪William Smith: “Menrva ". Dictionary of Greek and Roman Antiquities”. John Murray,‬‬
‫‪London, 1875. Retrieved 2012. p. 8‬‬
‫‪(413) Wright, G. Ernest: “Biblical Archaeology” In Philadelphia, Westminster Press, 1957‬‬
‫)‪ (414‬عبد اللطيف محمود البرغوثي‪ :‬ص ‪ //443‬دعاء مسامر عبد الحفيظ‪ :‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪36‬‬

‫‪80‬‬
‫شكل ‪ :13‬قوس ماركوس اوريليوس في اويا (طرابلس ليبيا) بعد اجراء الترميمات عليه حاليا‬

‫‪81‬‬
‫‪-4‬اثار ماركوس اوريليوس في مصر‬
‫‪ -1‬قوس االمبراطور ماركوس اوريليوس في مصر‬
‫وهو قوس النصر لإلمبراطور ماركوس اوريليوس الذي بني في عام ‪ 172‬م ذو فتحة واحدة بعرض‬
‫‪ 3.62‬م ويقع هذا القوس إلى الشمال الشرقي على الطريق من المباسيس إلى تمجاد‪ ،‬وقد تبقى من هذا‬
‫القوس الفتحة الكبرى واالعمدة االمامية التي تقف فوق دعامات حجرية مربعة‪ ،‬وكذلك الجزء العلوي‬
‫فوق الفتحة وهو كورنيش على الطراز االتيكي (نسبة إلى اتيكا في بالد اليونان) يحمل نقشا يهدى هذا‬
‫القوس إلى االمبراطور ماركوس اوريليوس (‪. )415‬‬
‫‪ -2‬قوس ماركوس اوريليوس ولوسيوس فيروس في مصر‬
‫وكذلك هناك قوس نصر آخر إلى الجنوب الغربي على الطريق القديم من المباسيس تم اهدائه إلى كل‬
‫من ماركوس اوريليوس ولوسيوس فيروس في عام (‪ )162‬م ‪ ،‬وهو ابسط في بنائه من قوس ماركوس‬
‫السابق‪ ،‬وهو ذو فتحة واحدة أيضا يحدها دعامتان كبيرتان (‪. )416‬‬
‫‪ -3‬معبد ماركوس اوريليوس في مصر‬
‫يعتبر معبد اإلله اخنوم (إله نوبي األصل خالق الناس من طين وماء النيل) في قرية اسنا (‪)Esna‬‬
‫التي تبعد (‪ )50‬كلم جنوب األقصر في صعيد مصر‪ ،‬وتم تشيد المعبد خالل حكم االسرة (‪)18‬‬
‫المصرية‪ ،‬وتشير النصوص بانه شيد في عهد تحتمس الثالث‪ ،‬واعيد بناء الهيكل خالل العهدين اليوناني‬
‫والروماني‪ ،‬وقد أجريت عملية التنقيب في القاعة الرئيسة وكشف عن واجهة المعبد التي تعود لعهد‬
‫البطالمة وتحديدا في فترة حكم بطليموس السادس والثامن‪ ،‬كما بنيت بقية المعبد في عهد االمبراطور‬
‫كلوديوس(‪ )54-41‬م ‪ ،‬وعثر على بعض الزخارف ويعود تاريخها إلى أواخر القرن الثالث الميالدي‪،‬‬
‫والقاعة مزينة بنصوص تصف المهرجانات الدينية للمدينة وحضور العديد من األباطرة الرومان أمام‬
‫اآللهة‪ ،‬ففي أحد األعمدة يظهر اإلمبراطور تراجان(‪ )117-98‬م وهو يرقص أمام اإللهة منهيت‬
‫(‪ ، )Menheyet‬تسجل نصوص أخرى وجود أربعة معابد أصغر في المنطقة ربما كان لها صالت‬
‫طيبة مع هذا المعبد‪ ،‬على الرغم من أن أيا منها لم ينجو‪ ،‬إال ان النصوص القديمة تسجل وجود إحدى‬
‫المعابد الصغيرة المخصصة لإللهة إيزيس‪ ،‬وكان المعبد مرتبطا بإقامة االحتفاالت لنهر النيل‪ ،‬الن‬
‫رصيفه القديم مزين بخراطيش ماركوس أوريليوس والزالت موجودة لحد االن‪ ،‬هذا وال يزال هذا‬
‫الرصيف قيد االستخدام اليوم‪ ،‬يؤدي عمله كمرسى لبعض الرحالت التي ترسى داخل إسنا (‪. )417‬‬

‫‪(415) St-Gsell “ Les Monuments Antiques de l ‘Algérie “. Paris 1901. Pp. 165-167‬‬
‫)‪ (416‬دعاء مسامر عبد الحفيظ‪ :‬اقواس النصر الرومانية ‪ ،‬دراسة أثرية نماذج من اقواس النصر في روما والعالم‬
‫العربي بقسميه االسيوي واالفريقي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ب ت ‪ ،‬ص‪35‬‬
‫‪(417) Reeves, Nicholas: “Ancient Egypt The Great Discoveries (A Year-by-Year‬‬
‫‪Chronicle)” Thmes & Hudson, Ltd. 2000‬‬

‫‪82‬‬
‫‪-2‬النقود في عهد ماركوس اوريليوس‬
‫كانت العملة منخفضة في عهد االمبراطور ماركوس اوريليوس وفي الحقيقة جرت عمليات تخفيض‬
‫في قيمة العملة منذ عهود االباطرة السابقين (‪ ،)418‬وكانت هناك خمس فئات من العملة البرونزية التي‬
‫غطت فترة قرنين األول والثاني الميالدي‪ ،‬وفي عهد ماركوس اوريليوس حدث تضخم في األسعار‪،‬‬
‫وهذا ناتج عن تخفيض مزيج الذهب والفضة في السبيكة المعدنية للنقود منذ بداية القرن األول واستمر‬
‫حتى عهد ماركوس حيث خفضت الفضة فوصلت الى ‪ %4‬في سنة (‪ )171‬م ولغاية (‪ )178‬م ‪ ،‬فتحول‬
‫الخليط المعدني إلى إما الذهب أو الفضة مع معدن رخيص بنسبة ثالثة ارباع‪ ،‬ومع هذا بقيت األسعار‬
‫ثابتة‪ ،‬والتخفيض االخر حدث في أواخر حكم ماركوس حيث انخفض حجم الفضة إلى ‪ %75‬وظل‬
‫هذا القياس حتى عهد سبتيموس سيفيروس‪ ،‬ومع هذا كان سعر القمح في عام (‪ )162‬م بما يقارب (‪)2‬‬
‫دراخمة (‪.)419‬‬
‫على الرغم من أن ماركوس ورث اموال كثيرة من سلفه انطونيوس بيوس (التقي) (كما يعتقد) الذي‬
‫اتبع سياسة عدم خوض الحروب سواء مع الفرثيين أو القبائل الجرمانية‪ ،‬وبعد وفاته انقضى عهد السلم‪،‬‬
‫وعاد صراع القوة في الشرق وشمال نهر الدانوب‪ ،‬ولذلك جاء التخفيض في الوزن العملة في عهد‬
‫ماركوس وخاصة في سنته األخيرة في الحكم‪ ،‬فقد انطلقت الفيالق الرومانية لخوض الحروب فبينما‬
‫تولى لوسيوس فيروس الحرب في الشرق ضد المملكة الفرثية فقد خاض ماركوس الحرب في اوربا‬
‫والتي عرفت باسم (الحروب الماركونية) ومن الطبيعي تلك الحروب كلفت روما أموال طائلة حتى‬
‫اضطر االم براطور إلى بيع جواهر تاجه ليشتري بأثمانها ميرة واعتدة حربية للجيش (‪ ،)420‬على اية‬
‫حال عاد ولده كومودوس إلى القياس السائد في أوائل القرن الثاني (‪.)421‬‬
‫لقد تم سك مجموعة من العمالت تخليدا لذكرى االنتصارات منها االنتصار ضد فرثيا عام (‪)166‬‬
‫م (شكل ‪ ،)12A‬وأيضا االنتصار في الحروب ضد الجرمان في نهاية (‪ )176‬م (شكل ‪ ،)12B‬وكانت‬
‫تلك المسكوكات من ثالث سبائك يدخل فيها (الذهب والفضة والنحاس) واشكالها دائرية أو بيضوية‬
‫وحتى سداسية الشكل (‪.)422‬‬
‫وعثر على نقود تعود لعهد ماركوس اوريليوس في مناطق متفرقة مما يدل على اتساع النشاط‬
‫التجاري والحربي فعلى سبيل المثال اكتشفت عملة نحاسية في أذربيجان (شكل ‪ )13A‬تعود لحكم‬
‫ماركوس خالل الحفريات في الطابق السفلي ألحدى األبنية المتداعية وذلك عام (‪ )2004‬ولكن من‬
‫الصعب تحديد الطبقة الثقافية التي تنتمي اليها‪ ،‬الن تدمير الموقع جاء نتيجة للحفر بواسطة آالت البناء‬
‫الثقيلة التي استخدمت أثناء الحفر والتي كشفت بعض العمالت فوق طبقة من الصخور(‪.)423‬‬

‫‪(418) Birley, Cyril: The Legacy of Rome. University Press, Oxford. 1923.p. 68‬‬
‫‪(419) Louis C, West Allan Chester Johnson: “Currency in Roman and Byzantine Egypt “,‬‬
‫‪The University of Virginia, Adolf M. Hakkert, 1944. p. 3‬‬
‫)‪ (420‬جيمس هنري برستد‪ :‬العصور القديمة‪ ،‬ترجمة داود قربان‪ ،‬بيروت‪ ،1968 ،‬ص ‪623‬‬
‫‪(421) Allan Chester Johnson: “Egypt and the Roman Empire”, Ann Arbor. 1951. Pp. 27-‬‬
‫‪42‬‬
‫‪(422) Allan, John and Mattingly, Harold and E. S. G. Robinson:”Transactions of the‬‬
‫‪international Numismatic Congress”. London. 1938. p. 16.‬‬
‫‪(423) Administrative Department of the President of the Republic of Azerbaijan: “General‬‬
‫”‪information about Azerbaijani Antique and Medieval Coins‬‬
‫‪83‬‬
‫وعثر أيضا على كنز في بريطانيا يحتوي على عمالت لماركوس وابنه كومودوس وتعود إلى (‪-161‬‬
‫‪ )192‬م وهي عمالت قديمة يبدو انها بقيت في التداول حوالي (‪ )44‬عاما (‪ ،)424‬كما عثر على عمالت‬
‫لماركوس في االسكندرية إلى جانب اسالفه من االباطرة‪ ،‬وقد نقش على وجه العملة النيل جالسا في‬
‫المعبد وأحيانا على هيئة رجل مضطجع ربما هذه المشاهد المنقوشة تعبر عن احتفاالت محلية (‪،)425‬‬
‫كما عثر على قطعة معدنية في مدينة فرانكفورت بألمانيا وشكلها بيضوي ويعتقد انها سكت بعد‬
‫االنتصار على قبائل التي تستوطن شمال نهر الراين (‪ ، )426‬وقد أشار الباحث (فرانكفورت) (بان النفوذ‬
‫الروماني يمكن تعقبه بواسطة انتشار النقود‪ )427( )..‬والنفوذ الروماني ال يعني السيطرة العسكرية فقط‬
‫انما التجارة والتعامل بالنقود الرومانية التي اشتهرت بدقة الوزن وصفاء المعدن خاصة العمالت الذهبية‬
‫التي كان لها رواجا في أسواق جنوب الهند حيث عثر على بعض القطع النقدية التي تعود إلى عهد‬
‫االمبراطور ماركوس (‪.)428‬‬
‫أهمية دراسة العمالت‬
‫قدمت علم (المسكوكات النقدية) الكثير من المعلومات التي اغنت التاريخ سواء في الجوانب السياسية‬
‫أو االقتصادية أو الدينية‪ ،‬وأيضا قدمت النقود اشكال للشخصيات الحاكمة وازيائهم وتيجانهم التي كانت‬
‫سائدة في تلك الحقب‪ ،‬وكانت تنقش مع تلك االشكال كتابات رومانية وبدقة على أوجه العمالت‪ ،‬ومن‬
‫خاللها نستطيع تحديد شخصية الحاكم والقابة ومدة حكمه بل والمناسبات التي تخلد االنتصارات في‬
‫الحروب‪ ،‬أو تعين ولي العهد‪ ،‬أو مناسبة دينية حيث نتوصل إلى مكانة اإللهة أو اإلله في البانثيون‬
‫عندما تنقش صورة اإلله في الجهة الثانية من العملة‪ ،‬وقد صدرت العمالت لإلمبراطور ماركوس‬
‫وشريكه لوسيوس فيروس ومعهم عمالت تحمل اشكال زوجاتهم أيضا واغلب تلك العمالت سكت في‬
‫روما تحت مراقبة الدولة منعا للتالعب في وزن المعدن الثمين‪ ،‬وتحديد القيمة الشرائية لهذه العملة‪.‬‬
‫وقد حرصت على وضع اشكال العمالت التي سكت في عهد االمبراطور ماركوس اوريليوس مستعينا‬
‫بالمصادر القيمة ومثل هذا الموضوع ال يتسع لبحث صغير انما يحتاج إلى مساحة أوسع حتى يغطي‬
‫كافة ما عثر عليه من نقود التي تعود من القرن األول ميالدي وما يليه (‪.)429‬‬

‫‪(424) Sture Bolin: “State and Currency in the Roman Empire to 300 A. D” , Stockholm.‬‬
‫‪1958. Pp. 52-54‬‬
‫‪(425) Bonneau, Danielle:”La crue du Nil divinité égyptienne à travrs mille ans d’histoire‬‬
‫‪332 av-641” , Revue des études Byzantines ,Vol 23 .1964. p. 282‬‬
‫‪(426) Cohen , I . c.iii, Marc Aurele. Nos. 227-9. ; Mattingly Sydenham , I.c iii M. Aurelius‬‬
‫‪, nos. 1058-62‬‬
‫)‪ (427‬هنري فرانكفورت‪ :‬فجر الحضارة في الشرق األدنى ‪ ،‬ترجمة ميخائيل خوري‪ ،‬منشورات دار مكتبة الحياة‪،‬‬
‫بيروت‪ ، 1965 ،‬ص‪98‬‬
‫‪(428) Turner, Paula J:” Roman Coins from India” London. .1989. Pp. 94ff‬‬
‫‪(429) Foss, Clive: “Roman Historical Coins”. London, 1990 // Kent, John. P. C: “Roman‬‬
‫‪Coins” . New York .1978‬‬
‫‪84‬‬
‫نماذج من العمالت من عهد ماركوس اوريليوس‬

‫‪1B‬‬ ‫‪1A‬‬
‫‪ :1A‬عملة االمبراطور انطونينوس بيوس (‪ )161-138‬م‪ :‬سيستيريوس الوزن (‪ )26.78‬غرام‪ ،‬سكت‬
‫في روما ‪ ،‬ضربت في أوائل فترة حكم ماركوس اوريليوس (‪ )162‬م ‪ ،‬وجه العملة‪ :‬الرأس عاري‬
‫وعلى جهة اليمين‪ ،‬ونقش باللغة الالتينية (المقدس بيوس)‪ ،‬الجهة الثانية‪ :‬عمود بيوس شيده ماركوس‬
‫اوريليوس ‪ :‬هناك فجوات صغيرة في العملة‪ ،‬الخطوط (باتينا)غائرة ‪ ،‬العملة شكلها جيد ونادرة‪.‬‬
‫‪ :1B‬عملة االمبراطور انطونينوس بيوس (‪ )161-138‬م ‪ :‬سيستيريوس نحاسية الوزن (‪)21.36‬‬
‫غرام‪ ،‬سكت في روما عام (‪)157-156‬م ‪ ،‬ألجل التداول في غزة (فلسطين)‪ ،‬وجه العملة ‪:‬شكل بيوس‬
‫نصفي وعلى جهة اليمين الرأس مكلل بالغار ونقش اسمه‪ ،‬الوجه الثاني‪ :‬نقش اسم غزة‪ ،‬مع صورة‬
‫اإلله تايتش (‪)430( )Tyche‬على جهة اليمين‪ ،‬وعلى جهة اليمين ايضا شعار المدينة‪ ،‬الخطوط غامقة‪،‬‬
‫وهي في حالة جيدة ‪.‬‬

‫‪2B‬‬ ‫‪2A‬‬
‫‪ :2A‬عملة انطونينوس بيوس مع ماركوس اوريليوس ‪ :‬سيستيريوس نحاسية الوزن (‪ )10.27‬غرام‪،‬‬
‫سكت في روما‪ ،‬وضربت في األعوام (‪)144-140‬م ‪ ،‬كتب انطونينوس (المقدس) الرأس مكلل بالغار‪،‬‬
‫ونقش الصورة نصفية وعلى جهة اليمين‪ ،‬وكتابة التينية (القيصر العظيم)‪.‬‬

‫)‪ (430‬اإللهة تيشي وهي إلهة الحظ الرومانية وتطابق فورتونا هذه اإللهة هي حامية مدينة غزة ومصيرها‪ ،‬وهي ابنة‬
‫اإللهة افروديت وزيوس أو هيرميس ‪ ،‬ويعتقد المؤرخ اليوناني بوليبيوس عند حدوث فيضانات أو جفاف أو صقيع أو‬
‫حتى في السياسة هذه االحداث سببها اإللهة تيشي ‪:‬‬
‫‪Polybius: “The Rise of The Roman Empire”, Page 29, Penguin, 1979.‬‬
‫‪85‬‬
‫‪ :2B‬الوجه الثاني للعملة‪ :‬ماركوس اوريليوس الوجه على اليمين الباتينا (‪ )Patina‬خضراء تميل إلى‬
‫البرونز‪ ،‬حالة العملة جيده جدا‪.‬‬

‫‪3B‬‬ ‫‪3A‬‬
‫‪ :3A‬عملة ماركوس اوريليوس‪ :‬ديناريوس ذهبي ‪ ،‬سكت في روما عام (‪ )161‬م ‪ ،‬الرأس عاري‬
‫والوجه على جهة اليمين‪ ،‬كتب (يحيا أغسطس)‪.‬‬
‫(‪)431‬‬
‫تأكل ثعبان يظهر من المذبح ‪ ،‬ربما‬ ‫‪ :3B‬في الوجه الثاني للعملة‪ :‬نقشت اإللهة سالوس (‪)Salus‬‬
‫هذه العملة الذهبية استعملت كحلية‪ ،‬النقوش بارزة ‪ ،‬وحالة العملة جيده‪.‬‬

‫‪4B‬‬ ‫‪4A‬‬
‫‪ :4A‬عملة ماركوس اوريليوس‪ :‬ديناريوس فضي الوزن (‪ )3.17‬غرام سكت في روما (‪)162-161‬م‬
‫‪ ،‬نقش اسم االمبراطور‪ ،‬الرأس عاري والوجه على جهة اليمين ‪.‬‬
‫(‪)432‬‬
‫‪ ،‬تقف على اليمين تحمل‬ ‫‪ :4B‬في الوجه الثاني للعملة‪ :‬نقشت اإللهة بروفيدنتيا (‪)Providentia‬‬
‫كرة ‪ ،‬حالة العملة جيدة‪.‬‬

‫)‪ (431‬اإللهة سالوس (‪ ،)Salus‬كانت إلهة رومانية‪ ،‬وضيفتها السالمة والرفاهية (والصحة واالزدهار والخالص)‬
‫لكل من الفرد والدولة‪ ،‬وهي في بعض األحيان تطابق اإللهة اليونانية هيغيا (‪ ،)Hygieia‬على الرغم من وظائفها كانت‬
‫تختلف اختالفا كبيرا عن اإللهة الرومانية ‪:‬‬
‫‪Michiel De Vaan:” Etymological Dictionary of Latin” Leiden. 2010. p. 419‬‬
‫)‪ (432‬اإللهة بروفيدنتيا إلهة رومانية لها القدرة على التنبؤ وحماية الحكم‪ ،‬وبالتالي تظهر بروفيدنتيا في الفن و العبادة‬
‫واالدب ‪،‬وليس لديها اساطير مثل باقي اإللهة‪:‬‬
‫‪86‬‬
‫‪5B‬‬ ‫‪5A‬‬
‫‪ :5A‬عملة ماركوس اوريليوس‪ :‬سيستيرتيوس بوزن (‪ )22.8‬غرام‪ ،‬سكت في روما‪ ،‬عام (‪ )163‬م‪،‬‬
‫نقش عليها اسم االمبراطور والصورة نصفية والرأس مكلل بالغار والوجه على جهة اليمين‪ ،‬والثوب‬
‫على الكتف‪.‬‬
‫‪ :5B‬في الوجه الثاني للعملة‪ :‬اإللهة سالوس تقف في المواجهة والرأس على اليسار وهي تطعم الثعبان‬
‫الذي يظهر من المذبح والباتينا (الحزوز) خضراء وحالة العملة جيدة‪.‬‬

‫‪6B‬‬ ‫‪6A‬‬
‫‪ :6A‬عملة ماركوس اوريليوس ‪ ،‬سيستيرتيوس بوزن (‪ )26.24‬غرام ‪ ،‬سكت في روما‪ ،‬نقش عليها‬
‫اسم االمبراطور‪ ،‬الرأس مكلل بالغار والوجه على جهة اليمين‪.‬‬
‫‪ :6B‬في الوجه الثاني للعملة‪ :‬فيليسيتاس (‪ )Felicitas‬واقفا على اليسار ويمسك كادوسيوس‬
‫(‪ )433( )caduceus‬وباليد األخرى صولجان ‪ ،‬اللون بني داكن وحالة العملة جيدة‪.‬‬

‫‪Marius Rufus Fears: “The Cult of Virtues and Roman Imperial Ideology”, Aufstieg und‬‬
‫‪Niedergang der römischen Welt II.17.2 .1981. p. 886.‬‬

‫)‪ (433‬أيقونة رومانية يطلق عليها كادوسيوس وتعني (الرسول) وهي رمز اإلله هيرميس اليوناني ويظهر على‬
‫االيقونة تشابك ثعبانين على عمود ينتهي من األعلى بجناحين‪ ،‬وصور كثيرا في الفن االغريقي والمصري‪:‬‬
‫‪Stuart L. Tyson: ”The Caduceus”, The Scientific Monthly, 34: part 6, 1932. p. 493.‬‬
‫‪87‬‬
‫‪7B‬‬ ‫‪7A‬‬
‫‪ :7A‬عملة فوستينا (زوجة ماركوس اوريليوس) ‪ ،‬ديناريوس ذهبي بوزن (‪7‬ز‪ )73‬غرام‪ ،‬سكت في‬
‫روما عام (‪ )176-161‬م‪ ،‬نقش عليها اسم فوستينا والشكل نصفي والوجه على جهة اليمين‪.‬‬
‫‪ :7B‬في الوجه الثاني للعملة‪ :‬اإللهة سالوس تجلس على اليسار تطعم الثعبان الذي يبرز من المذبح‪ ،‬ال‬
‫يزال يحمل بريق الذهب وحالة القطعة النقدية جيدة جدا‪.‬‬

‫‪8B‬‬ ‫‪8A‬‬
‫‪ :8A‬عملة االمبراطور لوسيوس فيروس (‪ )169-161‬م ‪ ،‬سيسترتيوس الوزن (‪ )29.42‬غرام‪ ،‬سكت‬
‫في روما عام (‪ )161‬م ‪ ،‬نقش االسم فيروس (المنتصر المقدس) ‪ ،‬الرأس عاري والوجه على اليمين‪.‬‬
‫في الوجه الثاني للعملة‪ :‬يقف كل من ماركوس اوريليوس ولوسيوس فيروس في مواجهة بعضهما‬
‫البعض وهما يتصافحان‪ ،‬اللون أخضر الداكن‪ ،‬وحالة العملة جيدة جدا‪.‬‬
‫‪ :8B‬عملة فوستينا زوجة ماركوس اوريليوس ‪ ،‬سيستيرتيوس الوزن (‪ )23.23‬غرام ‪ ،‬سكت في روما‬
‫عام (‪ ) 141‬م ‪ ،‬نقشت صورة القسم األعلى من الجسم‪ ،‬والوجه باتجاه اليمين ‪ ،‬ونقشت الكتابة فوستينا‬
‫(المقدسة)‪.‬‬
‫في الوجه الثاني من العملة‪ :‬اإللهة ديانا (‪ )434( )Diana‬تقف على اليمين وتحمل شعلة‪ ،‬خطوط‬
‫(الباتينا) لونها برونزي‪ ،‬وهي عملة نادرة‪.‬‬

‫)‪ (434‬اإللهة ديانا الرومانية‪ :‬وهي إلهة الصيد والطبيعة المرتبطة بالحيوانات البرية والغابات ولها القدرة على السيطرة‬
‫والتحدث مع الحيوانات وتطابق اإللهة ارتميس اليونانية ‪ ،‬ومن المعروف أن ديانا إلهة عذراء مثل منيرفا (إلهة الحكمة‬
‫ورعاية الفنون) وفستا (إلهة موقد المنزل واالسرة) ‪:‬‬
‫‪Larousse Desk: “ Reference Encyclopedia”, The Booke People, Haydock, 1995, p. 215‬‬
‫‪88‬‬
‫‪9B‬‬ ‫‪9A‬‬
‫‪ :9A‬عملة االمبراطور لوسيوس فيروس (‪ )169-161‬م‪ :‬ديناريوس فضي الوزن (‪ )3.29‬غرام‪،‬‬
‫سكت في روما عام (‪ )156‬م‪ ،‬نقش عليها اسم فيروس والرأس عاري والوجه باتجاه اليمين‪.‬‬
‫‪ :9B‬في الوجه الثاني للعملة‪ :‬اإللهة بروفيدنتيا (‪ ، )Providentia‬تقف بالمواجهة الرأس على جهة‬
‫اليسار تحمل كرة وقرون‪ ،‬النقش بارز ودقيق‪ ،‬وحالة العملة جيدة‪.‬‬

‫‪10B‬‬ ‫‪10A‬‬
‫‪ :10A‬عملة لوسيوس فيروس (‪ )169-161‬م‪ :‬ديناريوس فضي الوزن (‪ )3.28‬غرام‪ ،‬سكت في روما‬
‫عام (‪)163‬م ‪ ،‬نقش عليها اسم فيروس (األرمني) ‪ ،‬الرأس عاري والوجه على جهة اليمين‪.‬‬
‫في الوجه الثاني للعملة‪ :‬نقشت إلهة ارمنية من المحتمل ساريس (‪ ،)435()Saris‬اإللهة جالسة على‬
‫جهة اليسار في وضع حزين‪ ،‬وبيدها درع‪ ،‬الباتينا بارزة‪ ،‬والعملة بحالة جيده‪.‬‬
‫‪ : 10B‬عملة لوسيال زوجة االمبراطور لوسيوس فيروس ‪ ،‬ديناريوس فضي الوزن (‪ )3.26‬غرام‪،‬‬
‫سكت في روما في عهد ماركوس اوريليوس ولوسيوس فيروس (‪ )162-161‬م‪ ،‬نقش اسم كال‬
‫الحاكمين‪ ،‬وأيضا صورة لوسيال تواجه اليمين‪.‬‬
‫في الوجه الثاني من العملة‪ :‬اكليل من الغار في داخله ثالثة خطوط (‪)VOTA , PVBLI ,CA‬‬
‫النحت البارز واضح جدا‪ ،‬والعملة بحالة جيدة‪.‬‬

‫)‪ (435‬اإللهة ساريس األرمنية‪ :‬وهي تطابق عشتار الرافدية فهي كوكب الزهرة ووصفت بانها إلهة الحب والجنس‬
‫والحرب‪ ،‬ويبدو ان عبادتها انتقلت من بالد الرافدين‪:‬‬
‫‪David Leeming:” The Oxford Companion to World Mythology”, Oxford University Press.‬‬
‫‪2005. p. 29‬‬
‫‪89‬‬
‫‪11B‬‬ ‫‪11A‬‬
‫‪ :11A‬عملة لوسيال زوجة االمبراطور لوسيوس فيروس‪ :‬سيستيرتيوس الوزن (‪ )28.18‬غرام‪ ،‬سكت‬
‫في روما عام (‪ )164‬م‪ ،‬نقشت صورتها نصفية تواجه اليمين نقش اسمها لوسيال‪.‬‬
‫‪ :11B‬في الوجه الثاني للعملة‪ :‬صورة اإللهة فينوس (‪ )436( )Venus‬تجلس على العرش تحمل بيدها‬
‫النصر وباليد األخرى صولجان ‪ ،‬لون العملة أخضر داكن‪ ،‬وحالة العملة جيدة‪.‬‬

‫‪12B‬‬ ‫‪12A‬‬
‫‪ :12A‬عملة لوسيوس فيروس (االنتصار)‪ :‬سيستيرتيوس نحاسي ‪ ،‬سكت في روما عام (‪ )166‬بمناسبة‬
‫االنتصار على المملكة الفرثية‪ ،‬الوزن (‪ )22.18‬غرام‪ ،‬صور الوجه مع كتابة اسم لوسيوس (المنتصر)‬
‫‪.‬‬
‫‪ :12B‬عملة ماركوس اوريليوس‪ :‬سيستيرتيوس نحاسي‪ ،‬سكت في روما عام (‪ )176‬م‪ ،‬بمناسبة‬
‫انتصار االمبراطور في المعارك ضد الجيرمان‪ ،‬وعودته إلى روما‪ ،‬وزن العملة (‪ )20.10‬غرام‪ ،‬نقش‬
‫الرأس عاري واسم االمبراطور (المنتصر المقدس)‪.‬‬

‫)‪ (436‬اإللهة فينوس أو (ونوس)‪:‬إلهة رومانية تشمل وظائفها الحب والجمال والجنس والخصوبة واالزدهار واالنتصار‬
‫‪ ،‬وفي االساطير الرومانية كانت تعتبر ام الشعب الروماني الن ابنها إينيس (‪ )Aeneas‬نجا بعد سقوط طروادة وهرب‬
‫الى إيطاليا‪ ،‬ولفينوس مهرجانات دينية تقام على شرفها‪:‬‬
‫‪James P. Mallory and Adams, Douglas Q (Editors): “Encyclopedia of Indo-European‬‬
‫‪Culture”, Taylor & Francis, London. 1997, p. 158‬‬
‫‪90‬‬
‫‪13A‬‬
‫‪:13A‬عملة ماركوس اوريليوس ‪ :‬ديناريوس الوزن (‪ )3.5‬غرام‪ ،‬السمك (‪ )20.0‬ملم‪ ،‬نقشت صورة‬
‫االمبراطور على جهة اليمين‪ ،‬وصور وهو شاب بشعر مجعد وطويل‪ ،‬واالنف مستقيم‪ ،‬يعتقد ان العملة‬
‫سكت في بداية حكمه‪ ،‬تحيط بالصورة كتابة التينية ما بقي منها (االمبراطور قيصر مكسيموس‬
‫اوريليوس) ‪.‬‬
‫في الوجه الثاني للعملة‪ :‬نقشت صورة اإلله هيرميس وهو يحمل في يده اليمنى خنجر أو قرن أو‬
‫سمكة‪ ،‬وفي يده اليسرى يحمل رمز السلطة‪ ،‬تحيط نقش بالالتينية فيه تشويه (‪)POPVL‬‬

‫‪91‬‬

You might also like